Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 80

‫جامعة الحسن الثاني – الدارالبيضاء‬

‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‬

‫المحمدية‬

‫تحليل السياسات العمومية‬

‫لطلبة إجازة التميز‪ :‬الدراسات العليا في العلوم السياسية‬


‫السداسية السادسة‬

‫ذ‪ .‬اإلدريسي‬

‫السنة الجامعية ‪2024 - 2023‬‬


‫‪1‬‬
‫مقدمة‬
‫خضعت السياسة العمومية في مختلف مراحل تطورها لتأثير القفزات النوعية التي حققها‬
‫علم السياسة‪ ،‬وبشكل خاص مع المتغيرات التي فرضتها الثورة السلوكية في حقل العلوم‬
‫االنسانية واالجتماعية على السواء‪ ،‬وكذلك النموذج الذي يراد التأسيس له حول الدور الجديد‬
‫للدولة بما يتالءم مع خصوصية المرحلة الجديدة‪ :‬فبعد أن كان تدخل الدولة محددا في‬
‫مجاالت تحقيق المن والدفاع عن السيادة الوطنية‪ ،‬أصبح راهنا يتجاوزها إلى قضايا أوسع‬
‫تدخل في نطاقها قضايا مثل البيئة‪ ،‬والتنمية‪ ،‬واألسرة ‪ ،‬والمساواة بين الجنسين‪..... ،‬وهو ما‬
‫جعل برامج الحكومات الخاصة بالسياسات العمومية يتسع ليشمل مجاالت وميادين كانت‬
‫بعيدة كل البعد عن اهتمام الدولة ‪.‬‬
‫لقد جعلت كل هذه المعطيات السياسات العمومية تشهد تقدما ملحوظا في محتواها‬
‫وفاعليها‪ ،‬فقد أصبحت تهتم بمواضيع متنوعة ومتعددة تصنع أو تطرح من قبل فاعلين كانوا‬
‫سابقا غير قادرين على التأثير في مسارات السياسات العمومية‪ ،‬ولم يكن لهم أي دور في‬
‫صناعتها أو صياغتها أو تنفيذها‪ ،‬ألن التركيز خالل المرحلة التقليدية كان منصبا على‬
‫مؤسسات الدولة‪ ،‬التشريعية والقضائية والتنفيذية‪ ،‬ألنها هي التي كانت تتولى وحدها مهمة‬
‫صنع وتنفيذ السياسة العمومية في المجاالت الضيقة‪ .‬إال أن المستجدات التي شهدها القرن‬
‫العشرين وخاصة فترة ما بين الحربين العالميتين األولى والثانية‪ ،‬ارتفعت األصوات‬
‫بضرورة تدخل الدولة وإشراكها في مختلف المجاالت مما جعل عملية وضع السياسات‬
‫العمومية على تلك الدرجة من التشعب والتعقيد نتيجة األدوار المتعددة للدولة الهادفة إلى‬
‫تخطيط وتنظيم كافة جوانب الحياة في المجتمع‪ ،‬وأصبحت السياسات العمومية بتنوعها‬
‫وتعددها هي التي تبلور اإلرادة المجتمعية وتحدد المقاربات الفكرية‪ ،‬والمناهج العملية‬
‫لتوجهاتها‪ ،‬وطرق عمل المؤسسات الحكومية‪ ،‬فتأسست سياسات عمومية‪ :‬للصحة‪ ،‬والتعليم‪،‬‬
‫واإلسكان‪ ،‬واالقتصاد‪ ،‬البيئة واألمن‪....‬الخ‪.‬‬
‫بسبب كل هذه التحوالت اكتست قضايا السياسات العمومية اهتمام خاصا في الدول الغربية‬
‫الديموقراطية من خالل حيز البحث الذي خصص لها في الجامعات والمعاهد العليا والهيئات‬
‫البحثية التي اسهمت في دراستها وتحليلها‪ ،‬ومن هنا نتساءل عن مساهمة التيارات الفكرية‬
‫واألحداث التي عرفها النصف األول من القرن العشرين في انتقال السياسات العمومية من‬
‫مرحلتها التقليدية إلى مرحلتها الحديثة التي طورت محتوى السياسات العمومية ونوعت في‬
‫طبيعة وأشكال الفاعلين فيها‪ .‬وارتباطا بذلك تطرح أسئلة متعددة حول مفهوم السياسات‬
‫العمومية؟ ودور الدولة في حقل السياسات العمومية؟ وما هي المقاربات النظرية التي تؤطر‬
‫الحقل المعرفي للسياسات العمومية؟ واألسباب التي أدت إلى تعاظم االهتمام بها؟ وهل هناك‬
‫من فرق في مفهوم السياسات العمومية بين النموذج األنجلوساكسوني والنموذج األوروبي‬
‫وخاصة الفرنسي منه؟‬

‫‪2‬‬
‫تعريف السياسات العمومية‪:‬‬
‫يعرف هارولد السويل ‪ Harold LASSWELL‬السياسات العمومية بأنها "برنامج أو مخطط‬
‫حكومي يتضمن مجموعة من األهداف والقيم والرهانات والبدائل والقرارات واألدوات‬
‫العملية ‪".‬‬
‫أما دافيد إسطون ‪ David EASTON‬فقد أولى اهتماما بالغا بالسياسات العمومية من وجهة‬
‫تحليل النسق السياسي كنتيجة ومحصلة في حياة المجتمع من خالل تفاعلها الصحيح مع البيئة‬
‫الشاملة التي تشكل فيها المؤسسات والمرتكزات والسلوكيات أصوال للظاهرة السياسية التي‬
‫يتعامل معها النسق السياسي‪ ،‬فعرفها بأنها‪" :‬توزيع القيم (الحاجات المادية والمعنوية) في‬
‫المجتمع بطريقة سلطوية آمرة‪ ،‬من خالل القرارات واألنشطة اإللزامية الموزعة لتلك القيم‪،‬‬
‫في إطار عملية تفاعلية بين المدخالت والمخرجات والتغذية العكسية ‪".‬‬
‫ويرى غابرييل ألموند ‪ Gabreil ALMOND‬أن السياسة العمومية تمثل‪" :‬محصلة عملية‬
‫منتظمة عن تفاعل المدخالت والمخرجات (مطالب ‪ +‬دعامات) والمخرجات (قرارات‬
‫وسياسات عمومية) للتعبير عن أداء النسق السياسي في قدراته االستخراجية والتنظيمية‬
‫والتوزيعية والرمزية‪ ،‬واالستجابة الدولية من خالل القرارات والسياسات المتخذة ‪".‬‬
‫وعلى نفس المسار نحت ‪ ، Barbara MACLELLAN‬فعرفت السياسات العمومية بأنها‪:‬‬
‫"مجموعة من النشاطات والتوجهات الناجمة عن العمليات الحكومية استجابة للمطالب‬
‫الموجهة من النسق االجتماعي إلى النسق السياسي‪".‬‬
‫يستخلص من مجموع التعاريف التي قدمها النموذج األنجلوساكسوني أن السياسات العمومية‬
‫هي نتيجة من نتائج النسق السياسي‪ ،‬تتفاعل مع بيئته الشاملة ألنها ال تكون فاعلة ما لم‬
‫تراعي ظروف البيئة المحيطة بها‪ .‬فالسياسات العمومية عند كل هؤالء الباحثين هي مجموعة‬
‫من القضايا والمفاهيم األولية المتعددة والمتنوعة‪ ،‬والتي تضم األهداف والوسائل التقنية عند‬
‫كل من سيمون ودال ‪ ، SIMON et R. DAHL‬وقرارات ومدخالت ومخرجات عند كل من‬
‫‪ EASTON‬و ‪ ALMOND‬و‪ ، MACLELLAN‬وأفعال وممارسات سياسية عند ‪Charles‬‬
‫‪ .JONES‬من هنا إذن فإن السياسات العمومية تصبح في النهاية محددة باعتبارها تجمعا أو‬
‫مركبا من‪ :‬المشاكل‪ ،‬والفاعلين‪ ،‬واالستراتيجيات‪ ،‬والوسائل والموارد‪ ،‬والقيم‪ ،‬واألفعال‪،‬‬
‫والمنافع‪ ،‬والبدائل‪ ،‬واألهداف‪ ،‬واآلثار‪ ،‬وقابلية كل هذه العمليات للتقييم ‪.‬‬
‫‪Thomas DYE‬‬ ‫أمام هذا التعقيد والتعدد في التعاريف الخاصة بالسياسات العمومية‪ ،‬اختار‬
‫إعادة توجيه مسالة تعريف السياسات العمومية‪ ،‬فبعد أن عدد أكثر من ‪ 40‬تعريفا للسياسات‬
‫العمومية إلى حدود سنة ‪ ،1972‬قدم تعريفا مبسطا وشامال لخصه كما يلي‪" :‬السياسات‬
‫العمومية هي ما تقرر الحكومات فعله وعدم فعله"‪ ،‬فعوض البحث في مضمون تعريف‬
‫السياسات العمومية أختار ‪ DYE‬التركيز في تعريفه هذا للسياسات العمومية على من يصنع‬
‫‪3‬‬
‫وينتج هذه السياسات‪ ،‬وأيضا في إظهار القيمة الحقيقية للمكانة التي تحتلها صياغة البدائل في‬
‫عملية رسم السياسات العمومية‪ ،‬وأن الحكومات تتحمل المسؤولية عند تبنيها لهذا البديل دون‬
‫آخر‪.‬‬
‫أما لدى الفرنسيين فيمكن اإلشارة هنا إلى التعاريف التالية ‪:‬‬
‫يعرف بيير مولر ‪ Pierre MULLER‬السياسات العمومية بأنها‪" :‬برنامج عمل متناسق‪،‬‬
‫تحاول بواسطته سلطة عمومية وطنية أو محلية إحداث تغيير في البيئة أو المحيط الثقافي‬
‫واالجتماعي واالقتصادي للفاعلين االجتماعيين بشكل عام في إطار قطاعي او جزئي"‪ .‬أما‬
‫‪ Patrice DURANT‬فقد عرف السياسات العمومية بانها‪" :‬التأثير الناشئ عن نسق من‬
‫األفعال واألنشطة حول مشكل خاص يمس السلطة العمومية ويستدعي تدخلها"‪ .‬غير أن‬
‫‪ Jean Claude THOENIG‬قد اعتمد طريقة مغايرة لتعريف السياسات العمومية تنطلق من‬
‫تحديد العناصر األساسية التي يمكن أن تؤسس لظهور سياسة عمومية ما‪ ،‬والتي حددها في‬
‫خمسة عناصر أساسية على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ -‬المادة أو المضمون‪ :‬بحيث تتشكل أو تتكون السياسة العمومية من مجموعة من الموارد‬
‫واالجراءات المحددة والملموسة التي تشكل هذه المادة‪ :‬كالموارد المالية والموارد الفكرية‬
‫والمعرفية‪ ،‬والموارد البشرية‪ ،‬ثم القوانين واالعفاءات والمساعدات‪.‬‬
‫‪ -‬القرارات‪ :‬وتشمل اشكال التوجيه التي يمكن أن تكون أقل سلطوية من الموارد المالية‬
‫والبشرية والرمزية‪ ،‬بمعنى اآللية التي عبرها يتم تحديد وتخصيص الجهة أو العينة التي‬
‫ستخصص لها هذه الموارد‪.‬‬
‫‪ -‬السياسة العمومية تندرج في اإلطار العام للفعل أو النشاط‪ :‬بمعنى أن يكون هناك تناسق‬
‫أو انسجام بين مختلف االجراءات المتخذة‪ ،‬مما يعطي للسياسة معنى محدد‪.‬‬
‫‪ -‬لكل سياسة عمومية شريحتها أو شرائحها االجتماعية‪ :‬والمقصود هنا األفراد‬
‫والجماعات والمجاالت أو التنظيمات التي تستفيد من هذه السياسة أو الموجهة لها هذه‬
‫السياسة‪.‬‬
‫‪ -‬السياسة العمومية تحدد أهدافها التي تريد الوصول إليها بدقة سواء على المدى‬
‫المتوسط أو البعيد ‪.‬‬
‫كما يعرفها ‪ Vincent LUMIEUX‬بأنها "مجموعة من القرارات المترابطة التي يقرها فاعل‬
‫أو مجموعة من الفاعلين السياسيين"‪ .‬ويالحظ من هذا التعريف أن القصد من الفاعل أو‬
‫مجموعة الفاعلين ال يعني الحكومة فقط‪ ،‬بل يتوسع ليشمل أيضا المؤسسات األخرى‬
‫وجماعات الضغط (أحزاب سياسية‪ ،‬نقابات‪ ،‬مجتمع مدني‪)...‬والتي تدفع الحكومات لتبني‬
‫سياسة عمومية معينة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫على هذا األساس إذن يمكن اعتبار السياسة العمومية بمثابة نتاج فعل أو تصرف حكومي‬
‫يرتبط ا رتباطا وثيقا بمهام ووظائف الحكومة‪ ،‬وكل عمل خاص أو صادر عن منظمة غير‬
‫حكومية ال يعتبر سياسة عمومية‪ .‬وبالتالي يقصد من هذا الحصر تلك األفعال التي تدخل في‬
‫صميم مهام الحكومة (ضمان المصلحة العامة‪ ،‬حماية المواطنين‪ ،‬الحفاظ على النظام العام‪،‬‬
‫ضمان التماسك االجتماعي و حماية التراب الوطني )‪ ،‬والمهام السيادية (البعثات‬
‫الديبلوماسية‪ ،‬السيادة االقتصادية والرعاية االجتماعية)‪ .‬كما يقصد به أيضا كل سياسة‬
‫عمومية تتم صياغتها كجواب يهدف حل مشكلة‪ ،‬أو يستجيب لمتطلبات المواطنين‪ .‬بمعنى كل‬
‫مشكلة أو ظاهرة تستوجب بالضرورة حال حكوميا‪ ،‬وإذا تم استخدام السياسة العمومية‬
‫كوسيلة لتقديم الجواب من أجل معالجة المشكل فإنها بذلك تقدم حلوال‪ ،‬فيصبح الحل جزءا ال‬
‫يتجزأ من السياسة العمومية‪.‬‬
‫بناء على ما سبق‪ ،‬يمكن القول أن السياسة العمومية تعتبر أيضا بمثابة التزام حكومي اتجاه‬
‫المواطنين‪ .‬مما يعني أنها تشكل إطارا موجها لصناع القرار من أجل اتخاذ القرارات‬
‫واالجراءات الالزمة‪ .‬كما يمثل المرجعية السياسية المتاحة للمواطنين والتي على أساسها تتم‬
‫مساءلة أو محاسبة الحكومات‪.‬‬
‫ولتوضيح ذلك سنحاول مقاربة السياسات العمومية في دورتها الكاملة ومختلف المراحل التي‬
‫تمر بها في جانبها العملي وليس فقط النظري بالرغم من العالقة الثابتة بين ما هو نظري وما‬
‫هو عملي ومهني ‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫مراحل السياسات العمومية‬
‫إن التحليل عبر المراحل ال يشكل في الواقع نظرية متكاملة لتحليل الفعل العمومي‪،‬‬
‫بل بالعكس من ذلك يشكل طريقة أو منهجية لتحليل السياسات العمومية‪ .‬إن هذه المقاربة‬
‫تعتمد بمثابة إطار للتحليل يقوم على أساس تعاقب المراحل المتوالية‪ .‬بمعنى شبكة منظمة‬
‫على أساس مراحل للفعل تمكن من بناء وإعداد سياسة عمومية أو تقسيم مسار سياسي إلى‬
‫مراحل مختلفة ومتوالية‪.‬‬
‫ويمكن القول أن هدف هذه المقاربة هو إعداد نموذج مثالي للفعل العمومي ولطريقة‬
‫اشتغاله أو وظيفته‪ ،‬ولبناء إطار قار وثابت وعام بما فيه الكفاية حتى يمكن تعميمه وتطبيقه‬
‫على أية سياسة عمومية‪ ،‬وهيكلة وعقلنة تحليل السياسات العمومية أيضا‪ .‬وحسب شارل‬
‫جونز ‪ Charles. O. JONES‬فإن "الكشف عن طريقة اشتغال المسار السياسي"‪ 1‬هو الهدف‬
‫الرئيسي للتحليل‪ ،‬كما يتعلق األمر في نفس الوقت بتوضيح غموض وتعقيدات الفعل العمومي‬
‫وفك خيوطه‪ .‬إن التحليل بناء على تعاقب المراحل المتوالية‪ ،‬يمنح الباحث مجموعة من‬
‫األدوات واآلليات لمساعدته على اإلجابة عن هذه األسئلة بناء على عملية التقطيع الزمني إلى‬
‫مراحل‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬يعتبر هارولد السويل ‪ H. LASSWELL‬أول من حلل السياسات‬
‫العمومية أو البرامج الحكومية (حسب التعبير األمريكي)‪ ،‬باعتبارها مسارات سياسية‪ ،‬بمعنى‬
‫مجموعة من القضايا المنظمة والمرتبة في الزمان‪ ،‬وتديرها مجموعة من اآلليات‬
‫والميكانيزمات الخاصة‪ .2‬بحيث وضع شبكة مفاهيمية تتكون من سبعة لحظات أو مراحل‬
‫وظيفية تمر بها أية سياسة عمومية خالل مسارها الكامل وهي‪:3‬‬
‫‪Intelligence‬‬ ‫‪ -‬اإلدراك واالستعالم‬
‫‪Promotion‬‬ ‫‪ -‬الترويج والتعزيز‬
‫‪Prescription‬‬ ‫‪ -‬التوصيف والحل‬
‫‪ -‬االحتجاج والحوار ‪Invocation‬‬
‫‪Application‬‬ ‫‪ -‬التنفيذ والتطبيق‬
‫‪ -‬اإلنهاء أو االنتهاء ‪Termination‬‬
‫‪4‬‬
‫‪.Appraisal‬‬ ‫‪ -‬ثم أخيرا التقييم‬
‫ومنذ هذا النموذج‪ ،‬تواترت العديد من األبحاث التي سارت على نهج المقاربة التي‬
‫تتعاطى مع المسارات السياسية على أساس المراحل الزمنية المتوالية‪ .‬لكن تبقى المقاربة‬
‫‪1‬‬
‫‪- JONES. C. O : « An introduction to the study of public policy », Belmont, Duxbury Press, 1970.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪LASWELL Harold Dwight: « Politics : who gets what, when and how », Magnolin, P. smith. 1950‬‬
‫‪3‬‬
‫‪- LASWELL Harold Dwigth : « The décision process : seven catégories of functional analysis »,‬‬
‫‪college Park (MD). University of Mayland, 1956.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪- Ibid.‬‬
‫‪6‬‬
‫سنة‬ ‫‪Charles. O. JONES‬‬ ‫األكثر اعتمادا بشكل عام هي المقاربة التي وضعها شارل جونز‬
‫‪ 1970‬في كتابه تحت عنوان‪" :‬مقدمة لدراسة السياسة العمومية" ‪«An Introduction to the‬‬
‫‪ study of public policy »5‬والذي عمل من خالله على تقسيم المسار أو المسلسل السياسي إلى‬
‫خمسة مراحل أساسية‪ ،‬بحيث تتشكل كل مرحلة من هذه المراحل من مجموعة من األنشطة‬
‫حددها فيما يلي‪:‬‬
‫‪Problem identification‬‬ ‫تحديد المشكل المولد للسياسة العمومية‬ ‫‪-‬‬
‫‪Program development‬‬ ‫تطوير وصياغة البرامج‬ ‫‪-‬‬
‫‪Program Implementation‬‬ ‫تنفيذ السياسة‬ ‫‪-‬‬
‫‪Program evaluation‬‬ ‫التقييم‬ ‫‪-‬‬
‫‪Program Termination‬‬ ‫إنهاء أو انتهاء السياسة العمومية‬ ‫‪-‬‬
‫إن خصوصية نموذج "جونز"‪ ،‬كما أشار إلى ذلك ‪ Jean Claude THOENIG6‬هو أنه يربط كل‬
‫مرحلة بنظام من الفعل الخاص بها‪ ،‬وكل مرحلة تضم مجموعة من الفاعلين لهم رهاناتهم‬
‫التي تحركهم‪ ،‬ثم منظومة من العالقات المتبادلة باإلضافة إلى أنماط أو أشكال محددة من‬
‫القواعد للضبط االجتماعي سواء داخل أجهزة السلطة أو في محيطها مثل (تدخالت المؤسسة‬
‫التشريعية‪ ،‬والدواوين الوزارية‪ ،‬القطاعات الوزارية‪ ،‬اإلدارة العمومية‪ ،‬وأيضا الجماعات‬
‫الضاغطة‪ ،‬واإلعالم ‪....‬إلخ)‪ .‬إن انفتاح هذا النموذج على مختلف الفاعلين‪ ،‬حكوميين أو‬
‫خواص‪ ،‬هي مسألة ذات أهمية بالغة‪ ،‬فهو يحول في حقيقة األمر دون هيمنة أو تغول‬
‫المعالجة القانونية أو التشريعية على الفعل العمومي‪ ،‬ويساعد على اكتساب رؤية‬
‫سوسيولوجية تساعد على إعداد كيف يمكن لمختلف أنماط الرأي العام أن يتحولوا إلى‬
‫فاعلين في المسلسل أو المسار السياسي الذي يعنيهم‪ ،‬واألكثر من ذلك فإنه يأخذ بعين‬
‫االعتبار بيئة الفعل العمومي في تعقيداتها‪.‬‬
‫إن الجانب األكثر جاذبية في التحليل المبني على المراحل‪ ،‬يتمثل بشكل أكيد في قدرته على‬
‫ترتيب وتنظيم اآلليات السياسية‪ ،‬وبشكل أوسع أيضا‪ ،‬الواقع األكثر تعقيدا الذي يصطدم به‬
‫الباحث‪ .‬إن تنظيم هذه اآلليات والميكانيزمات وفق شبكة للتحليل المحددة سلفا‪ ،‬تسمح بتحديد‬
‫العمل والقضايا واإلشكاليات‪ ،‬وأيضا أصناف الفاعلين ولحظات السياسة العمومية‪ .‬غير أن‬
‫العقبة في ذلك تتمثل في أن التشكيل البعدي يستحضر ويطرح بشكل سريع‪ .‬لكن الخطر هنا‬
‫يكمن في تشكيل الواقع وفقا أو تبعا لنموذج معين‪.‬‬
‫ومن خالل هذا المظهر األخير‪ ،‬فإنه من الطبيعي أن تكون خاصية النموذج المثالي لتعاقب‬
‫المراحل هي التي أعطتها هذا النجاح‪ .‬لقد كان لهذا اإلطار التحليلي أثر واضح في حقل‬
‫‪5‬‬
‫‪- JONES Charles O : « An Introduction to the study of public policy », third edition, Publishing‬‬
‫‪company, 1984.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪- THOENIG Jean Claude : « L’analyse des politiques publiques », In Madeleine GRAWITZ ET Jean‬‬
‫‪LECA (dir) : « Traité de science politique », Tome 4, Paris, PUF, 1985. P : 1- 53‬‬
‫‪7‬‬
‫تحليل السياسات العمومية بسبب طابعه العام مند ‪ ،1970‬بحيث سمح لباحثين من آفاق معرفية‬
‫مختلفة لتبني هذ ا النموذج والعمل وفق آلياته وأدواته المعرفية‪ .‬وبكل تأكيد فإن عدم ارتباطه‬
‫بتيار فكري أو نظري خاص قد أدى إلى أن تشكلت في أحضانه مشاريع واتجاهات بحثية‬
‫متنوعة‪ .‬بحيث اهتمت العديد منها بمسألة المراحل لذاتها‪ ،‬كما تطورت مجموعات كاملة‬
‫لتحليل السياسات العمومية تهتم بقضايا متعددة مثل‪ :‬نشأة السياسة العمومية‪ ،‬والوضع على‬
‫جدول األعمال الحكومي‪ ،‬ومسلسل اتخاذ القرار وتحول رهانات تنفيذ أو تقييم السياسة‬
‫العمومية‪.‬‬
‫لكنه ومنذ بداية ثمانينات القرن العشرين‪ ،‬بدأت توجه لهذه المقاربة انتقادات متعددة في‬
‫الواليات المتحدة األمريكية بشكل خاص‪ ،‬نظرا لهيمنة هذا اإلطار التحليلي وتأثيره الكبير‬
‫على تحليل السياسات العمومية‪ ،‬وأيضا المنظور التبسيطي الذي طبق به مما جلب لها‬
‫مجموعة من االنتقادات‪ .‬ففي سنة ‪ 1987‬اعتبر ‪ 7NAKAMURA‬أن نموذج جونز تحول لما‬
‫يشبه كتاب مدرسي يستعمله السياسيون بشكل تبسيطي‪ .‬كما سار ‪ P. SABATIER‬على نفس‬
‫النهج‪ ،‬حيث نشر سنة ‪ 1999‬كتابا تحت عنوان‪" :‬نظرية المسار السياسي" ‪Theories of the‬‬
‫‪ policy process‬حاول من خالله تسليط الضوء على المقاربات الجديدة التي تحلل السياسات‬
‫العمومية بناء على المراحل المتتالية‪ ،‬بحيث أشار في مقدمة كتابه‪" :‬لقد تجاوزت المقاربة‬
‫عبر المراحل المتوالية جدواها‪ ،‬وينبغي استبدالها بوضع إطار نظري أفضل"‪.8‬‬
‫غير أن هناك بعض االنتقادات التي وجهت للمقاربة عبر المراحل‪ ،‬والتي يجب أخذها بعين‬
‫االعتبار‪ ،‬وخاصة األكثر أهمية منها مثل‪ :‬تشبيه مسار السياسية العمومية بالخط المستقيم‪.‬‬
‫لكنه في الواقع وخالفا لما يمكن أن تقترحه أو تقدمه هذه الشبكة التحليلية‪ ،‬فإن المسار‬
‫السياسي أو ما يرتبط به من فاعلين أو أنشطة‪ ،‬يتصفون دائما بالديناميكية والحركية‪ ،‬إلى حد‬
‫الفوضى أو الالنظام‪ ،‬أما االستقرار فهو دائما شكلي أو مظهري إلى حد إعادة البناء أو‬
‫التشكيل‪ .‬عمليا‪ ،‬فإن ذلك يعني أن المراحل يمكنها أن تتداخل إلى حد االنصهار‪ ،‬أو تنقلب في‬
‫الوقت أو الزمن‪ ،‬أو أن تغيب بعض المراحل بشكل كلي‪ .‬والنتيجة هي أنه يمكن إنهاء سياسة‬
‫عمومية دون أن تسبقها مرحلة تقييم قبلي‪ ،‬ويمكن البدء في عملية تنفيذها قبل استكمال عملية‬
‫اتخاذ القرار شكليا كعدم نشر النص القانوني الذي تستند إليه هذه السياسة مثال‪ ،‬وهو ما‬
‫يطرح مسألة حدود كل مرحلة وتسلسلها‪ ،‬ألن كل المتغيرات المعنية أو المقصودة في مسار‬
‫سياسي تتكيف وتنضبط ويعاد تجديد كل واحدة منها تبعا لألخرى باستمرار‪ .‬أين يبدأ القرار‬
‫وأين ينتهي؟ وكيف يمكن تحديدها وتعريفها؟ ما هي المؤشرات والعالمات الواضحة التي‬
‫تدل على انتهاء سياسة عمومية أو برنامج حكومي ما؟ هذا مع العلم أننا نلحظ دائما على أن‬

‫‪7‬‬
‫‪- NAKAMURA (Robert) et SAMLL WOOD )Frank( : « The Politics of Policy Implementation »,‬‬
‫‪New York. ST Martin's Press Inc. 1980. P : 14‬‬
‫‪8‬‬
‫‪- SABATIER Paul. A : « theories of the policy process », Blonder (colo), Westview Press, 2007. p:‬‬
‫‪3-14‬‬
‫‪8‬‬
‫هناك إعادة توجيه لهذه السياسة أو البرنامج وليس إنهاؤها في الحقيقة من خالل إعادة تعريف‬
‫وتوجيه المشكل‪.‬‬
‫إن هذه المالحظة األخيرة تحيل إلى التساؤل حول القيمة اإلرشادية أو التوجيهية للتحليل عبر‬
‫المراحل المتتالية‪ ،‬وهو ما يسميه كل من ‪ 9P. MULLER et Yves SUREL‬بتوجيهات لحل‬
‫المشاكل أو المشكل‪ ،‬ألن هذه المقاربة ترتكز على فرضية عقالنية‪ ،‬بناء عليها‪ ،‬تهدف‬
‫السياسة العمومية إلى حل المشاكل المطروحة على السلطات العمومية‪ .‬في حين أن بعض‬
‫مفاهيم ومقاربات الفعل العمومي قد تطورت منذ هذا التاريخ‪ ،‬والتي استهدفت التعاطي مع‬
‫السياسات العمومية على أنها تعبير عن رؤية المجتمع لذاته‪ ،‬أو طريقة للتعبير عن المشاكل‬
‫العمومية أو عن العالقة الخاصة بالعالم كما هو الشأن بالنسبة للمقاربات الفكرية للسياسات‬
‫العمومية‪.‬‬
‫وأخيرا فإنه يبدو شيئا مبالغا فيه‪ ،‬اعتبار هذه المقاربة بأنها تبسيطية لمجرد أنها حاولت‬
‫تقريب فهم ميكانيزمات تطور مسار أو مسلسل سياسي وتسهيل عملية تحليله‪ .‬وعلى النقيض‬
‫من ذ لك فإنه من االنصاف القول أنه من الصعب إيجاد مجموعة واحدة من المراحل بل جملة‬
‫من المراحل المتوازية في تفاعالتها الثابتة والتي تتم في الوقت نفسه وعلى مستويات مختلفة‪.‬‬
‫ومهما يكن األمر‪ ،‬فإننا سنستعين بهذه المقاربة لدراسة المسار الذي تمر به السياسة‬
‫العمومية‪ ،‬والتي نحددها في ستة مراحل أساسية تتمثل في‪:‬‬
‫أوال‪ :‬مرحلة تحديد المشكل المولد للسياسة العمومية‬
‫ثانيا‪ :‬مرحلة الوضع على جدول األعمال الحكومي‬
‫ثالثا‪ :‬مرحلة اتخاذ القرار‬
‫رابعا‪ :‬مرحلة إعداد وصياغة السياسة العمومية‬
‫خامسا‪ :‬مرحلة التنفيذ‬
‫سادسا‪ :‬وأخيرا مرحلة التقييم ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪- MULLER (Pierre) et SUREL (Yves) : « L’analyse des politiques publiques », Paris, Montchrestien,‬‬
‫‪coll. « clefs-Politiques ». 1998.‬‬
‫‪9‬‬
‫الفصل األول‪ :‬تحديد المشكل المولد للسياسة العمومية‬
‫يمكن تعريف المشكل االجتماعي بأنه‪" :‬كل ظاهرة غير عادية في نظر الفاعلين‬
‫االجتماعيين والسياسيين‪ ،‬بمعنى كل وضعية اجتماعية تطرح مشكال ما"‪ .‬وقد عرفه باجيولو‬
‫‪ PAGGIOLO‬بأنه‪" :‬إدراك أو تمييز يقوم به الفاعلون الختالل ما‪ ،‬بين ما هو قائم (الثابت)‬
‫وبين ما يجب أن يكون (واجب التحرك)‪ ،‬وما يمكن أن يكون (إمكانية الفعل)" ‪ .‬أما جون‬
‫كينغدون ‪ John KINGDON‬فيعتبر "أن المشكل االجتماعي يوجد عندما يبدأ األفراد في‬
‫االعتقاد أو التفكير أنه باإلمكان القيام بشيء ما لتغيير الوضعية"‪ .10‬وكذلك عرف ‪Jean‬‬
‫‪ Gustav PADIOLEAU‬المشكل بأنه "كل ظاهرة مختلة والتي تستدعي نقاشا عموميا‪ ،‬وتدخال‬
‫من طرف السلطة العمومية الشرعية"‪ .‬أما ‪ Aron. B. VILDAVSKY‬فقد اقترح تعريفا‬
‫موسعا يعتبر أن "كل مشكل وجد له حال فهو سياسة عمومية"‪.11‬‬
‫في التحليل األنطربولوجي ينظر إلى "المشكل االجتماعي على أنه يشكل بناء اجتماعيا‪،‬‬
‫أي فعل ثقافي يتأتى من بنية فكرية وأخالقية"‪ ،12‬فمن جهة توجد معتقدات في أي مجتمع‬
‫حول وضعيات أو قضايا تؤدي إلى والدة أو نشأة مشكل ما‪ ،‬ومن جهة أخرى فإن الطابع‬
‫األخالقي تتم ترجمته بواسطة مواقف وأحكام تحدد على أن هذه القضايا أو األحداث هي غير‬
‫مقبولة وغير أخالقية‪ ،‬وهو ما يعني ذلك أنه من الضروري إحداث تغيير ما‪ .‬فكل مشكل‬
‫عمومي هو اجتماعيا قابل للتكييف والتأويل لينشأ حوله مسار من المسؤوليات لدى هذا‬
‫الفاعل أو ذاك في المجتمع‪.‬‬
‫إن بنية المشاكل العمومية هي ساحة من الصراع التي عليها تدخل مجموعة من‬
‫الجماعات والفاعلين والمؤسسات (التي تقحم دائما مجموعة من الهيئات العمومية) في‬
‫صراع وتنافس من أجل التخصيص أو عدم التخصيص ثم تحديد المسؤولية‪.‬‬
‫إن تعريف أو تحديد مفهوم المشكل االجتماعي‪ ،‬يشكل في الواقع إطارا للنقاش والنزاع‪:‬‬
‫إما ألن امتيازات ما يمكن التوافق بشأنها‪ ،‬أو ألن إكراهات ما قد تم فرضها‪ ،‬وأيضا مبادئ‬
‫جوهرية أو قيم ومعتقدات أعيد فيها النظر‪ .‬كما أنه من النادر أن يكون تحديد مفهوم المشكل‬
‫نهائيا وال يقبل التغيير والتعديل‪ ،‬ألن الفاعلين يعتمدون دائما استراتيجيات إعادة تحديد مفهوم‬
‫المشكل من أجل توسيع القاعدة االجتماعية المعنية أو من أجل الحصول على دعم ومساندة‬

‫‪10‬‬
‫‪- KINGDON John : « Agendas, alternatives and public policies », New York. (N.Y). Longman,‬‬
‫‪1995.‬‬
‫‪11‬‬
‫‪- VILDAVSKY Aron : « Speaking Truth to power . The art and craft of policy analysis », New‬‬
‫‪Brunswik (N. J), Transaction Publishers, 1987.‬‬
‫‪12‬‬
‫‪- KUBLER. D. et DE MAILLARD. J : « Analyser les politiques publiques », Presses Universitaire‬‬
‫‪de Grenoble. Paris. 2009‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ R.‬أربعة‬ ‫‪COBB et C. ELDER‬‬ ‫وتعبئة جماعات جديدة‪ .‬وعلى هذا األساس عدد كل من‬
‫ثوابت أو معايير أساسية ليتمكن مشكل ما أن يمس جمهورا واسعا ‪:‬‬
‫‪13‬‬

‫أ‪ -‬غموض تعريف المشكل‪ ،‬ألن المثل يقول أن المبهم أو الغامض يساعد على استمالة‬
‫تحالفات واسعة‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن المشكل يجب التعبير عنه بلغة بسيطة وغير معقدة‪.‬‬
‫ج‪ -‬االستمرارية على المستوى الزمني‪ ،‬ألن المشكل الذي ال يستمر من الصعب تحديده في‬
‫الزمان‪.‬‬
‫ح‪ -‬الطابع المتكامل للمشكل‪.‬‬
‫إن صياغة مشكل اجتماعي ما تتم دائما على أرضية الرموز الوطنية التي نعني بها‬
‫هنا‪ :‬القيم والعادات وأيضا القواعد العاطفية المحركة والمعبئة لكونها مشتركة بين أوساط‬
‫مختلفة‪ .‬فالفاعلون السياسيون يعرفون جيدا كيف يمكن استغالل وتوظيف الرموز كما هو‬
‫الشأن بالنسبة للقيم الدينية أو األخالق الدينية‪ ،‬أو المصلحة الوطنية العليا‪ ،‬والمصلحة العامة‪،‬‬
‫والتماسك المجتمعي‪ ،‬ومتطلبات العيش المشترك‪ ،‬واحترام المقدسات‪ ،‬ومستقبل االقتصاد‬
‫الوطني‪ ،‬والعدالة االجتماعية‪....‬وغيرها‪ ،‬وهو ما يعني استراتيجية التعميم‪ .‬فكلما تم تحويل‬
‫مشكل اجتماعي إلى رهان له صدى عاطفي كلما ارتفعت مصداقيته وازداد دعم الجمهور له‬
‫بشكل أكبر‪ .‬وفي هذا السياق‪ ،‬فإن وسائل االعالم على اختالف أشكالها تلعب دورا كبيرا في‬
‫مسار أو مسلسل تسريع الرهانات وأيضا توسيع قاعدة الشرائح االجتماعية المطالبة بذلك‪.‬‬
‫كما أن تعريف المشكل االجتماعي المولد للسياسة العمومية يختلف من حيث الزمان‬
‫والمكان‪ :‬بحيث هناك مشاكل تعود إلى فترات زمنية سابقة ولم يتم االعتراف بها ولم ينشأ‬
‫حولها مسلسل للتسييس‪ ،‬لكونها تشكل مشكال يتطلب أن تعتمد له حلوال ولكن بشكل متأخر‬
‫كثيرا‪ ،‬ومثال ذ لك مشاكل التلوث والبيئة والتغيرات المناخية التي ترتبط تاريخيا بمسلسل‬
‫التصنيع‪ ،‬أو تعود لمخلفات الثورة الصناعية لما يقرب من قرنين من الزمن ولم تبدأ عملية‬
‫االعتراف بها كمشكل إال خالل سبعينات القرن العشرين‪ ،‬وبشكل رسمي خالل العشرية‬
‫األخيرة لنفس القرن‪.14‬‬
‫أما على مستوى المكان‪ ،‬ففي كثير من األحيان وعلى مستوى المجتمع الواحد واإلقليم‬
‫الجغرافي الواحد‪ ،‬فإن ما يعتبر مشكال اجتماعيا في منطقة أو جهة ما‪ ،‬ال يعتبر كذلك في‬
‫منطقة أخرى‪ ،‬ومثال ذلك زواج القاصرات في المغرب لوجود مناطق ال تعتبر هذه الظاهرة‬

‫‪13‬‬
‫‪- COBB (Roger W) and ELDER (Charles D) : « The politics of Agenda-building : An alternative‬‬
‫‪perspective for modern Democraty Theory », The journal of Politics, 33 (4), 1971, p : 892 – 915.‬‬
‫‪14‬‬
‫‪- KUBLER. D. et DE MAILLARD. J : « Analyser les politiques publiques », Op. Cit. p :‬‬
‫‪11‬‬
‫على أنها تشكل مشكال اجتماعيا‪ ،‬ألن ذلك ال يتناقض أو ال يتعارض مع منظومتها العرفية‬
‫والعادات االجتماعية التي تؤطر قيمها الثقافية‪.‬‬
‫كما أن مشكال اجتماعيا يمكن أن تعطاه تعاريف متعددة‪ ،‬لكونها تكون دائما متطابقة‬
‫مع مصالح ومنافع الفاعلين الذي يتبنون هذ المشكل‪ .‬لكن السؤال هو كيف يمكن أن يصبح أو‬
‫أن يتحول من مشكل اجتماعي إلى قضية عمومية أو سياسة عمومية؟ إن هذه المسألة تتم من‬
‫خالل عمليتين اثنتين‪:‬‬
‫أوال‪ ،‬الخصوصيات العامة‪ .‬وثانيا‪ ،‬حل المشكل هو من اختصاص الدولة‪ .‬فمن المعروف أن‬
‫الحقل االجتماعي هو اإلطار الذي تنشأ وتتكون فيه المشاكل االجتماعية‪ ،‬ولكي تتحول إلى‬
‫رهان سياسي ثم إلى سياسة عمومية يقتضي األمر أن يتبناه فاعل ما ينخرط في صياغة‬
‫استراتيجية للتسييس هدفها حمل هذا المشكل ونقله من الحقل االجتماعي إلى الحقل السياسي‬
‫لفرضه كموضوع للنقاش العمومي‪ ،‬ودفع الفاعلين اآلخرين إلى االنخراط في هذا النقاش‬
‫وتحديد مواقفهم من ذ لك عبر استراتيجياتهم الخاصة الداعمة أو الرافضة‪ .‬لكنه ال يمكن أن‬
‫يتحول إلى سياسة عمومية إال إذا تبنته الحكومة وأدرجته على جدول أعمالها السياسي من‬
‫أجل أن توجد له البدائل والحلول المالئمة‪.15‬‬
‫فالعالقة التي تربط المشكل االجتماعي بالفاعل هي عالقة نفعية‪ ،‬فالفاعلون الذين‬
‫يستثمرون هذه المشاكل عبر تحملهم وتبنيهم لها حتى تشكل رهانا للصراع في إطار النقاش‬
‫العمومي‪ ،‬هي عالقة شبيهة بعالقة المقاول بمجال استثماره‪ .‬كما أن المشكل الذي ال يتبناه أي‬
‫فاعل‪ ،‬كيف ما كان عموميا أو خاصا‪ ،‬يعني أن ليس له مالك أو متبني‪ ،‬وبالتالي من الصعب‬
‫أن يرتقي هذا المشكل إلى موضوع للنقاش العمومي أو أن يتحول إلى سياسة عمومية‪.‬‬
‫وباعتبار التعريف هو نتاج لمسار جماعي‪ ،‬فإن كل مشكل عمومي يبني مسارا مهنيا‬
‫مختلفا‪ ،‬يلخصه ‪ D. CEFAI‬في المراحل األربعة التالية‪:16‬‬
‫أ‪ -‬تحويل المصاعب الخاصة أو المشاكل المعاشة في صمت إلى مشاكل عمومية معلنة‪.‬‬
‫ب‪ -‬انتعاش الخطاب االصالحي لألضرار وإعداد وصياغة المطالب‪ ،‬وتثبيت استقرار‬
‫المشكل العمومي المشرعن عبر تدخل السلطة العمومية‪.‬‬
‫ت‪ -‬المأسسة وإضفاء الطابع البيروقراطي على المشكل العمومي‪.‬‬
‫ث‪ -‬نشر وتنفيذ برنامج الفعل العمومي‪.‬‬
‫وفي نفس السياق ركز العديد من الباحثين والمتخصصين في سوسيولوجيا المشاكل‬
‫االجتماعية على دراسة المسارات التي عبرها تتحول االحتجاجات والنزاعات إلى مشاكل‬

‫‪15‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪16‬‬
‫‪- CEFAI (D) : « La construction des Problèmes publics. Définitions de situations dans des arènes‬‬
‫‪publiques ». Dans Reseaux, Vol. 14. 75 ; 1996, P : 43 - 66‬‬
‫‪12‬‬
‫عمومية‪ ،‬بحيث أشار ‪ S. HILGARTNER‬إلى أن قدرات وطاقة تحمل الفضاءات العمومية‬
‫تؤثر كثيرا في انتقاء المشاكل العمومية‪ .17‬وفي نموذجه العام حول االستدالل على مسارات‬
‫الفعل الجماعي يميز ‪ F. CHATEAURAYNAUD‬بين ستة مراحل تتفاوت عبرها القوة‬
‫التعبيرية لهذه المسارات الجماعية ‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ -1‬نشأة المسار الجماعي‬
‫‪ -2‬النزاع والتنافس‬
‫‪ -3‬الشجب واإلدانة‬
‫‪ -4‬التعبئة السياسية‬
‫‪ -5‬توحيد المعايير‬
‫‪18‬‬
‫‪ -6‬االنطالق من جديد‬
‫فبخصوص المرحلة األولى التي تهمنا بشكل خاص‪ ،‬يشدد على أنه لكي ينشأ أو‬
‫يتكون مسار جماعي‪" ،‬يجب عزل العناصر الجديدة وإعادة إدماجها في فضاء النقاش حتى‬
‫يمكن للفاعلين السياسيين استيعابها"‪ .‬أما االنتقال إلى المرحلة الثانية فيتطلب أن تدرج األفعال‬
‫والوقائع في إطار تبريري مالئم‪ ،‬وإذا كان المشكل المعني مرتبطا بجهاز محدد (استراتيجية‬
‫مثال)‪ ،‬فإن فرص الذهاب مباشرة إلى الهدف دون الذهاب إلى النزاع أو المنافسة هي األكثر‪.‬‬
‫كما أن فرص االنطالق من جديد هي مرتبطة بالطريقة واألسلوب الذي تنخرط بواسطته‬
‫األوساط المعنية في التفاعل مع حاملي هذه األسباب أو هذه الرهانات‪.‬‬
‫ويرى ‪ J . G. PADIOLEAU‬أن "المشكل ينشأ عندما يدرك الفاعلون االجتماعيون الفرق‬
‫أو الفاصل بين ما هو ممكن وما يمكن أن يكون‪ ،‬وما يجب أن يكون"‪ .19‬هذه الفوارق تتوقف‬
‫على أفضليات الفاعلين وعلى وضوح مواقفهم وتأويالتهم لظاهرة أو مشكل عمومي من‬
‫خالل الحلول التي يعود االختصاص فيها للسلطات العمومية‪ .‬وهو مسار يلخصه‬
‫‪ W.FELSTINER‬في ثالثة مراحل‪:20‬‬
‫‪Naming‬‬ ‫أ‪ -‬الوعي بوجود المشكل‬
‫‪Blaming‬‬ ‫ب‪ -‬من يتحمل المسؤولية‬
‫‪Claiming‬‬ ‫ت‪ -‬إيجاد الحلول‬

‫‪17‬‬
‫‪- HILGARTNER (S) et BOSK. S . L. « The rise and fall of social Problems : A public Arenas‬‬
‫‪Model », Americain Journal of Sociology. Vol. 94/1, 1988. P : 53 – 78.‬‬
‫‪18‬‬
‫‪- CHATEAURAYNAUD (F). « Argumenter dans un champ de forces. Essai de balistique‬‬
‫‪sociologiques », Paris, Pétra, 2011.‬‬
‫‪19‬‬
‫‪- PADIOLEAU Jean – Gustave : « L’ordre social : Principes d’analyse sociologique »,Paris,‬‬
‫‪L’Harmattan, 1986. Voir aussi : PADIOLEAU Jean – Gustave : « L’Etat au concret », Paris, Presses‬‬
‫‪Universitaires de France. 1982.‬‬
‫‪20‬‬
‫‪- FLESTINER. W., ABEL R. L, Austin SARAT « L’émergence et la transformation des litiges :‬‬
‫‪réaliser, reprocher, réclamer », dans Revue POLITIX ? Vol. 16, 1991.P :41 – 54.‬‬
‫‪13‬‬
‫فمن خالل هذه المراحل الثالثة يمكن إعادة رسم تاريخ المسارات ومعرفة مالكيها وأيضا‬
‫أماكن أو مواقع نشأة المشاكل االجتماعية‪ .‬وبالنسبة ‪ H.S. BECKER‬فإن المالكين للمشاكل‬
‫العمومية هم مقاولي األخالق أو تجار االخالق في صراع دائم من أجل حسم تعريف‬
‫المشاكل والحفاظ على مراقبتها عبر فرض تعريفهم للمشكل العمومي‪ ،‬ألن ذلك أساسي‬
‫وضروري للدفاع عن مصالحهم ومنافعهم‪ ،‬خاصة عندما نكون في مجتمع إعالمي مفرط‬
‫يسهل فيه انتقاد المشاكل العمومية‪ .21‬وهو ما عبر عنه ‪ F. CHATEAURAYNAUD‬بأن‬
‫المعطيات والمعلومات الزائدة والمفرطة التي تتيحها تكنلوجيا المعلوميات يمكن في الواقع أن‬
‫تسرع نشأة المشكل العمومي‪.22‬‬
‫فمن الناحية المبدئية‪ ،‬السياسة العمومية هي التي تجيب عن المشكل العمومي الذي يتم‬
‫تحديد مفهومه وصياغته بواسطة أطراف معينة‪ ،‬وترمي من وراء ذلك إلى تعبئة الرأي العام‬
‫حول أهمية وضرورة تبني هذه السياسة العمومية لقدرتها على تقديم الحل المناسب لهذا‬
‫المشكل‪ .‬ولتوضيح ذلك أكثر‪ ،‬سنتناول بالتحليل النقط األربع التالية‪:‬‬
‫المشكل االجتماعي والنقاش العمومي‬ ‫‪-‬‬
‫اإلطار التحليلي للمشكل العمومي‬ ‫‪-‬‬
‫من المشكل كمرحلة إلى المشكل كمسار أو مسلسل‬ ‫‪-‬‬
‫وأخيرا تعريف المشكل العمومي عند كل من‪COBB et ELDER :‬‬ ‫‪-‬‬
‫أوال‪ :‬المشكل االجتماعي والنقاش العمومي‬
‫ينحدر مفهوم النقاش العمومي من حقول وتخصصات معرفية مختلفة‪ :‬كعلم السياسة‬
‫وعلم االجتماع وعلوم االعالم والتواصل وأيضا األنطروبولوجيا‪ .‬إن هذا التنوع في مصادر‬
‫مفهوم النقاش العمومي يجعل من الصعب رسم مسار تطوره الحقيقي والدقيق‪ ،‬لكن يمكن‬
‫رسم أهم استعماالته وخصائصه‪ .‬وبشكل عام فإن النقاش العمومي يستخدم لدراسة المواضيع‬
‫والمشاكل المختلفة التي تخترق الفضاء العمومي‪ :‬كالتعبئة الجماعية والمشاكل العمومية‬
‫وبشكل حديث الديموقراطية التشاركية‪.‬‬
‫ففي علم السياسة‪ ،‬نجد له أثرا في كتابات ‪ Frederick. G. BAILEY23‬التي تحيل إلى‬
‫وضعيات التفاعل والمنافسة والمواجهة‪ ،‬وفي السياسات العمومية تحيل بشكل أكثر دقة إلى‬
‫التفاعالت على المسرح السياسي والصراعات المؤسساتية‪ ،‬حيث المواجهة من أجل موارد‬
‫الجماعات االجتماعية ‪ .‬وكل مستوى من هذا النقاش العمومي يطابقه ويماثله ترتيب أو تنسيق‬
‫من التفاعالت ذات الموارد النموذجية‪ .‬كما أن ‪ Theodore LOWI‬قدم نموذجا تحليليا للربط بين‬
‫‪21‬‬
‫‪- BECKER H.S. : « Outsiders : studies in the sociology of Deviance », New York, Free Press, 1997.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪- CHATEAURAYNAUD (F). « Argumenter dans un champ de forces. Essai de balistique‬‬
‫‪sociologiques », op. cit.‬‬
‫‪23‬‬
‫‪- BAILEY Frederick George : « Humburggery and Manipulation: The art of leadership », Cornell‬‬
‫‪University Press ,2019,‬‬
‫‪14‬‬
‫المجال السياسي والسياسة العمومية‪ ،‬والذي يدافع من خالله عن فكرة أن كل صنف من‬
‫أصناف السياسات العمومية يحدد بنية أو طريقة وشكل المناقشة السياسية الخاصة به‪،24‬‬
‫ويحددها في أربعة أصناف‪ :‬السياسة التوزيعية‪ ،‬والسياسة المؤسسية‪ ،‬وسياسة إعادة التوزيع‪،‬‬
‫والسياسة التقنينية‪.‬‬
‫لكن في علم االجتماع حظي موضوع النقاش العمومي باهتمام كبير باعتباره مفهوما‬
‫إرشاديا‪ ،‬ويتقاسم نتيجة مماثلة للخاصيات التي أغفلها مفهوم الفضاء العمومي لدراسة وتحليل‬
‫األماكن المتعددة التي تناقش فيها المشاكل العمومية‪ :‬كالبرلمان‪ ،‬والمحاكم‪ ،‬ووسائل االعالم‪،‬‬
‫والنقاشات التلفزية‪ ،‬والبرامج اإلذاعية‪ ،‬والمدونات االلكترونية‪ ،‬والمنتديات الفكرية‪ ،‬وشبكات‬
‫التواصل االجتماعي‪ ،‬وكلها تمثل أماكن مفضلة للمقارعات والمواجهات الفكرية وتمارس‬
‫ضغوطا وإكراهات مختلفة على ديناميكية النقاش والحوار‪ ،‬وبنية المبادالت‪ ،‬وعلى‬
‫مسلسالت اتخاد القرار‪ .‬أما النقاش العمومي المؤسساتي فإنه يشتغل طبقا لقواعد‬
‫البيروقراطية والتي تشكل موضوعا لالعتراف القانوني والتي يقابلها نقاش عمومي غير‬
‫منظم أو غير مهيكل‪ ،‬والذي يمكن في سياقه أن يأخذ الرأي العام شكال محددا‪.‬‬
‫وتبعا لألبحاث والدراسات التي تناولت مسألة نشأة وبناء المشاكل العمومية‪ ،‬وخاصة‬
‫الدراسة التي نشرها كل من ‪ ، Charles. L. BOSK et Stephen HILGARNER25‬والمساهمة التي‬
‫قدمها ‪ Daniel CEFAI‬حول مفهوم النقاش العمومي انطالقا من دراسة ميدانية تناولت‬
‫سوسيولوجيا "العام" أو "العمومي" وأيضا المقاربة البراغماتية لإلعالنات العمومية‪ .26‬كما‬
‫ساهمت أيضا مدرسة شيكاغو لعلم االجتماع من خالل أعمال ‪Robert. E. PARK, Evring‬‬
‫‪ ، GOFFMAN et H. MEAD 27‬وأيضا فلسفة ‪ John DEWEY28‬في إعادة التفكير في مفهوم‬
‫"العمومي" أو "العام" ‪ Le Public‬وكيفية تأطيره للنقاش العمومي بشكل يتعدى مقاربة‬
‫الفضاء العمومي كما وضعها كل من ‪.29Jurgen HABERMAS et A. ARRENDT‬‬

‫إن الفاعلين المشاركين أو المنخرطين في مسار إعداد ووضع السياسة العمومية ال‬
‫يمتلكون نفس آليات ووسائل التأثير‪ ،‬ألن مفهوم النقاش العمومي يمكن من فهم العالقة‬
‫والروابط بين الفاعلين‪ ،‬وأيضا الموارد التي يوظفونها ويعبئونها من أجل فرض رؤيتهم‬
‫ومفهومهم للمشكل‪ .‬هذا المفهوم عمل ‪ HILGANTNER‬على تطويره حتى يساعد على فهم‬
‫االطار الوظيفي والمهني للمشكل العمومي ومساره‪ .‬فكل نقاش عمومي يتميز بسمات خاصة‬
‫‪24‬‬
‫‪- LOWI Theodore : « four systems of policy, politics and choice », Pulic Administration Review,‬‬
‫‪32/4, 1972 ? P : 298 – 310.‬‬
‫‪25‬‬
‫‪- Stephen HILGARNER et Charles. L. BOSK : « The rise and fall of social problems : A Public‬‬
‫‪Arenas Model », in American Journal of sociology. Vol. 94/1, 1988. P : 53 – 78.‬‬
‫‪26‬‬
‫‪- CEFAI (D) : « La construction des Problèmes publics. Définitions de situations dans des arènes‬‬
‫‪publiques », Op. cit.‬‬
‫‪28‬‬
‫‪- DEWEY. J : « The public and its Problems », Athens, Ohio University Press, 1991.‬‬
‫‪29‬‬
‫‪- HABERMAS Jurgen : « L’Espace public. Archéologie de la publicité comme dimension‬‬
‫‪constitutive de la société bourgeoise », Paris, Payot, Reed. 1988.‬‬
‫‪15‬‬
‫به مثل حدة التنافس والصراع من أجل البقاء‪ ،‬أو الحفاظ على مكانته في طابور الوضع على‬
‫جدول األعمال الحكومي‪ ،‬وطريقة انتقاء الفاعلين المهيمنين‪ .‬أما طابعه العمومي فيستقيه‬
‫ويستوحيه من كون المشاكل موضوع النقاش تستدعي دائما تدخل السلطة العمومية‪ .‬والطابع‬
‫العمومي يتطلب أيضا أن يكون مصحوبا ومقترنا بالدعاية واالشهار‪ ،‬حتى يصبح بارزا‬
‫ومعروفا لدى جمهور واسع‪.‬‬
‫وفي إطار هذ النقاش ينخرط الفاعلون مثل "المقاوالت الخاصة والمؤسسات العمومية‬
‫واألشخاص الذاتيين واألفراد ومنظمات المجتمع المدني واألحزاب السياسية والنقابات‬
‫والهيئات والمؤسسات والزعامات وغيرها‪ ،‬عبر توظيف تأويالتهم لألحداث‪ ،‬وحججهم‬
‫وبرامجهم الخاصة والتحالفات التي يقيمونها‪ ،‬والنزاعات التي ينخرطون فيها‪ ،‬والمشتركات‬
‫التي تجمعهم وأشكال التضامن التي تربطهم‪ ،‬ومن خالل التصادم بين بعضهم البعض‬
‫فينتظمون في إطار وكاالت لألعمال تشتغل على مواضيع وقضايا محددة أو مؤسسات‬
‫وخطابات وممارسات وينتهون بتكوين ومأسسة شبكات للفرص والتوقعات‪ .‬أما مواردهم‬
‫فتتمثل في سجالت البرامج والمخططات التي تأخذ شكل تمثالت مجردة تعمل مثل‬
‫مصفوفات الفهم المشتركـ‪ ،‬والتي تتكون من احتياطات التجارب التي تستطيع فرض‬
‫إكراهات اللغة والمفردات والتعابير مثل‪" :‬تدفقات الهجرة‪ ،‬اقتصاد المعرفة‪ ،‬النمو األخضر‬
‫أو االقتصاد األخضر‪ ،‬الركود مفاهيميا ونظريا‪ ،‬األفضليات الوطنية‪ ،‬التنمية المستدامة‪ ،‬أو‬
‫نسقيا كتلك التي عبرها تبنى الحقيقة االجتماعية أو (الواقع االجتماعي)‪ ،‬وشرعنة الفاعلين‬
‫في الفضاء العمومي‪.‬‬
‫كما أن الوسائل المادية للنقاش العمومي تتكون من شبكات التفاعل والتواصل‬
‫االجتماعي التي تمكن من الولوج الروتيني واالعتيادي إلى المؤسسات المكلفة بتدبير مشكل‬
‫عمومي ما‪ ،‬ووكاالت األخبار وجماعات الضغط‪ ،‬والقواعد التي تضعها المؤسسات‪ ،‬وتشمل‬
‫أيضا موارد بشرية وتكنلوجية ومالية‪ .‬وهي موارد موزعة في أغلب األحيان بشكل غير‬
‫متكافئ مما يجعل بعض الفاعلين أقوى من غيرهم ويجعل بالمقابل عملية التحكم في مشكل‬
‫عمومي ما قابلة للتحول واالنتقال من فاعل آلخر تبعا لصراعات السلطة في الفضاء‬
‫العمومي‪ .‬وهي عينة من الفاعلين يسميها ‪" S.HALL‬المحددون األوائل للمشكل العمومي"‪،30‬‬
‫والذين يكتسبون هذه الوضعية بفعل أولويتهم في ولوج المؤسسات والمنتديات االعالمية‪ .‬لكن‬
‫قوة هؤالء الفاعلين ال تتوقف عند استثمارهم لمؤسسات الدولة واالعالم‪ ،‬بل عندما تنحصر‬
‫في مجال محدد للفعل كسلطة تحديد وتعريف األفعال واألنشطة االجتماعية‪ ،‬كما هو األمر‬
‫مثال بالنسبة للمؤسسات العمومية أو الخاصة التي تحتكر المعطيات االحصائية وضوابط‬
‫تحليلها ( اقتصادية اجتماعية نوعية قطاعية‪ ،).....‬والتي تتم معالجتها باالعتماد على‬
‫تكنولوجيا المعلوميات‪.‬‬
‫‪30‬‬
‫‪- HALL. S et CRITCHER. C : « Policing the crisis, Mugging, the State and Law and Order »,‬‬
‫‪london Macmillan. 1993.‬‬
‫‪16‬‬
‫إن إمكانية التأثير في عملية تحديد وتعريف المشكل العمومي هي مسألة أساسية‬
‫وجوهرية‪ ،‬وتتم من خالل عملية التبني المتزايدة التي تطرح مع مسألة تعريف المشكل‪،‬‬
‫وتفرض نفسها في فضاء عمومي‪ ،‬ويتم استعادتها من طرف فاعلين آخرين تتجاوز قوتهم‬
‫شرعية مالك المشكل العمومي‪ ،‬مما يدعم شرعية التعريف الخاص "بالمالك المهيمن"‪،‬‬
‫ويساهم على تقديم المشكل العمومي في إطار تفسيري يالئم مصالح ومنافع الفاعل األساسي‬
‫مما يجعل من الصعب استبداله أو تعويضه‪ .‬من هنا إذن يمكن استخالص أن للمؤسسات‬
‫سلطة وقوة حاسمة في مجال بناء وتعريف المشاكل العمومية‪ .‬ألن نشأة مشكل عمومي ال‬
‫تتوقف فقط على الموارد التي يتوفر عليها الفاعل‪ ،‬ولكن على قوة وصالبة اإلطار التحليلي‬
‫الذي يتبناه ويدافع عنه للمشكل العمومي‪ .‬فما المقصود إذن باإلطار التحليلي للمشكل‬
‫العمومي؟‬
‫ثانيا‪ :‬اإلطار التحليلي للمشكل العمومي‪.‬‬
‫أن االطار التحليلي للمشكل العمومي هو بناء اجتماعي مشترك‬ ‫‪M. RHINARD‬‬ ‫يعتبر‬
‫يشمل العمليات التالية‪:31‬‬
‫أ‪ -‬تعريف المشكل العمومي‬
‫ب‪ -‬اقتراح الحلول‬
‫ت‪ -‬تبرير الفعل‬
‫وسيرا على نفس النهج‪ ،‬أوضحت العديد من الدراسات الالحقة أن المشكل العمومي ذو‬
‫اإلطار التحليلي الضعيف وغير المقنع تكون حظوظه قليلة لولوج الفضاء العمومي‪ ،‬ألن هذه‬
‫األطر التحليلية تسمح للفاعلين من أن يقيموا في الفضاء العمومي روابط مهمة بين األفعال‬
‫واألنشطة الجديدة والسابقة‪ ،‬ثم المعطيات التي يمتلكونها وكيفية تحليلها من جهة‪ ،‬والقيم‬
‫والمنافع ودوافع العمل في إطار مسار السياسة العمومية من جهة أخرى‪ .‬كما أن المنافسة بين‬
‫الفاعلين من أجل فرض تصوراتهم وأراءهم توازيها مجموعة من األطر التحليلية والتفسيرية‬
‫لنفس الظاهرة أو نفس المشكل العمومي‪ ،‬مما يغدي الصراع والتنافس بين الفاعلين في‬
‫الفضاء العمومي‪ .‬كما أنه خالل فترات الشك والغموض أو األزمات يتمكن الفاعلون بواسطة‬
‫هذ ه األطر التحليلية من دمج وتركيب قيمهم ومنافعهم النوعية مع اختيارات السياسة‬
‫العمومية‪ .‬فاإلطار التحليلي يصبح أقوى بعد إضفاء الطابع المؤسسي عليه عن طريق نشر‬
‫وتوزيع االستراتيجيات‪ ،‬والتي حددها ‪ SNOW‬فيما يلي‪:32‬‬
‫ترابط وتواصل األطر التحليلية‬ ‫أ‪-‬‬
‫‪31‬‬
‫‪- RHINARD. M : « le cadrage de la politique antiterroriste de l’UE, dans la construction des‬‬
‫‪problèmes publics en Europe, CAMPANA A, et AL Strasbourg, Presses Universitaires de Strasbourg,‬‬
‫‪2008.‬‬
‫‪32‬‬
‫‪- SNOW. A, ROCHFORD. E, et AL. « Frame Alignement Processes : Micromobilization and‬‬
‫‪Movement participation, In The Americain sociological Review, Vol. 51, 1986. P : 464 – 481.‬‬
‫‪17‬‬
‫ب‪ -‬تضخيم األطر التحليلية (األكثر تأقلما مع الفضاء العمومي هو الذي يضمن القدرة على‬
‫االستمرارية)‬
‫ت‪ -‬توسع األطر التحليلية لتشمل مؤسسات ورؤى متقاربة يفتح إمكانية مراقبة األطر‬
‫التحليلية األخرى‪.‬‬
‫ث‪ -‬تحول األطر التحليلية (بما يؤدي إلى ظهور توجهات جديدة تصاحبها تغيرات جوهرية‬
‫في السياق قد ينتج عنه تنافر معرفي أو تناقض في المبادئ)‪.‬‬
‫وتشكل أعمال‪ J.R.GUSFILD 33‬تفسيرا عمليا لهذه النقط األربع‪ ،‬عندما أوضح كيف تغير‬
‫اإلطار التحليلي والتفسيري لمشكل حوادث السير على الطرقات في الواليات المتحدة‬
‫األمريكية بفعل ضغط مختلف الفاعلين من أجل منع شرب الخمر أثناء السياقة‪ .‬وعبر الوقت‪،‬‬
‫تشكل إطار تحليلي وتأويلي لمشكل الخمر عند السياقة والذي سيصبح مهيمنا الحقا‪ :‬إذ انتقلنا‬
‫من إطار تحليلي يعتبر "حادثة السير قضاء وقدر" والذي حظي بمساندة وتأييد كبيرين من‬
‫طرف شركات صناعة السيارات إلى إطار تحليلي أخر يعتبر "حادثة السير جريمة"‪ ،‬جعلت‬
‫من السائق متهما ومجرما‪ ،‬والمسؤول األول والوحيد عن حوادث السير المميتة على‬
‫الطرقات‪ .‬ولتفعيل ذلك منعت السلطات العمومية شرب الخمر عند السياقة مع توظيف‬
‫واستعمال احتجاجات ضحايا حوادث السير على الطرقات‪ ،‬وأبعدت‪ ،‬أي السلطات العمومية‪،‬‬
‫كل األطر التحليلية األخرى التي كان بإمكانها أن توضح بشكل مختلف ومقنع أن حوادث‬
‫السير على الطرقات تحصل أيضا بسبب غياب السالمة التقنية والميكانيكية للمركبات أو‬
‫العربات‪ ،‬ونوعية الطرقات‪ ،‬وسن السائق‪ .‬كما أشار‪ J.R.GUSFILD‬أيضا لدور الجهاز‬
‫البيروقراطي في دعم هذا االتجاه عبر إنتاج وانتقاء اإلحصائيات وتقارير الخبراء التي‬
‫وضعت كلها في خدمة مصالح ومنافع طبقة محافظة على القيم التقليدية البروتستانتية‪ ،‬وهو‬
‫ما أسعد في النهاية كال من شركات صناعة السيارات والسلطات العمومية بعدم إثارة السالمة‬
‫التقنية للسيارات أو العربات وأيضا جودة البنية الطرقية اللتين قد تم السكوت عنهما‪ ،‬وبالتالي‬
‫أضحى من الصعب تغيير اإلطار التحليلي لمشكل عمومي‪ ،‬ألنه بمجرد ما يكتسي صفة‬
‫الرسمية يصبح أو يتحول إلى "إطار غير مفكر فيه"‪ ،‬أي ال يسمح بإعادة طرحه للنقاش‬
‫العمومي‪ ،‬ويتم إخفاء وإبعاد كل األطر التحليلية األخرى للمشكل‪.34‬‬
‫ثالثا‪ :‬من المشكل كمرحلة إلى المشكل كمسار أو مسلسل‬
‫سنحاول من خالل هذه النقطة تحديد اإلطار التحليلي المعتمد لدراسة مسلسل نشأة‬
‫السياسة العمومية وخاصة مفهوم المشكل‪ ،‬وأيضا العناصر والديناميات التي يمكن أن تساهم‬
‫في هذا المسلسل طبقا لمقاربة ‪ J. KINGDON‬التي تم اعتمادها وتوضيحها من خالل التجارب‬
‫الفرنسية والكندية (كيبيك) من طرف ‪ V. LEMIEUX‬في كتابه "دراسة السياسات العمومية‪:‬‬
‫‪33‬‬
‫‪- GUSFIELD. J. R. « The culture of Public Problems : Drinking-Driving and the Symbolic order »,‬‬
‫‪chicago, The University of chicago Press, 1980.‬‬
‫‪34‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪18‬‬
‫الفاعلون وسلطتهم"‪ ،35‬وكل هذه العناصر سيتم االعتماد عليها لتحليل مفهوم المشكل المولد‬
‫للسياسة العمومية باعتباره يشكل مسارا كامال‪.‬‬
‫باإلضافة لما سبق‪ ،‬سنعتمد االبحاث والدراسات التي اهتمت أيضا بالتركيز على‬
‫مسار المشكل‪ ،‬واالهتمام أيضا بتعريف وإعادة تحديد مفهوم المشكل باعتباره عنصرا‬
‫مفترضا أو احتماليا للوضع على جدول األعمال الحكومي‪( ،‬بحيث يعتبر الوضع على جدول‬
‫األعمال إحدى المكونات األساسية لمسلسل نشأة وتشكل السياسة العمومية)‪ ،‬ثم أيضا سنعمل‬
‫على استكمال هذه الشبكة أو اإلطار التحليلي بتناول مفهوم المشكل ومساره بالتطرق لبعض‬
‫النماذج التحليلية األخرى في هذا اإلطار وخاصة نموذج‪ ،COBB et ELDER 36‬دون إغفال‬
‫المشترك بين هذه المقاربات التحليلية لمسألة نشأة مسار السياسة العمومية والوضع على‬
‫جدول األعمال الحكومي لمشكل عمومي‪.‬‬
‫فكما هو الشأن بالنسبة لباقي الحقول المعرفية في العلوم االجتماعية‪ ،‬فإن دراسة‬
‫السياسة العمومية تواجه تحديا كبيرا يتعلق بطريقة أو منهجية تقسيم هذا المجال حتى يمكن‬
‫دراسة مكوناته بشكل أعمق‪ .‬إن أولى األجوبة لهذا السؤال‪ ،‬تكمن في المقاربة الخاصة‬
‫بتعاقب أو تسلسل المراحل (في شكل خط مستقيم)‪ ،‬والتي تفترض االستمرارية بين نشأة أو‬
‫ظهور المشكل المولد للسياسة العمومية ووضعه على جدول األعمال الحكومي وتقسيمها إلى‬
‫مراحل‪ .‬وبالرغم من االنتقادات التي وجهت لهذه المقاربة من حيث أن األفعال واألنشطة‬
‫االجتماعية من الصعب ترتيبها وتصنيفها في مرحلة مستقلة عن األخرى التي تليها أو‬
‫تسبقها‪ ،‬لذلك استبدل البعض تحليل السياسة العمومية بناء على مقاربة المراحل بالحديث عن‬
‫مسار السياسة العمومية‪ .‬لكن السؤال الذي يطرح هو‪ :‬كم من مسار يمكن تعداده للسياسة‬
‫العمومية؟ وما هو عدد المسارات التي تتقاطع أو تتداخل فيما بينها؟ بحيث حددها البعض في‬
‫ثالثة مسارات‪ :‬التشكل أو النشأة‪ ،‬الصياغة ثم التنفيذ‪.‬‬
‫غير أن ‪ J. KINGDON37‬قد اعتمد إطارا تحليليا ال يستند كثيرا على المراحل ولكن‬
‫على عناصر أخرى يسميها بالتيارات أو النوافذ لدراسة مسار تشكل السياسة العمومية‪ .‬بحيث‬
‫يعتبر أن نشأة مسار السياسة العمومية يتوقف على الحضور أو الوجود المتزامن لمجموعة‬
‫من العناصر والعوامل‪ ،‬يرتبها ‪ KINGDON‬في ثالثة مجموعات كبرى لهذه العناصر أو‬
‫العوامل‪ ،‬ويسميها بالتيارات ‪ The Streams‬أو ‪.les courants‬‬
‫أ‪ -‬تيار المشاكل‬
‫ب‪ -‬تيار الحلول‬
‫‪35‬‬
‫‪- LEMIEUX Vincent : « L’Etude des politiques Publiques : Les acteurs et leur pouvoir », 3eme‬‬
‫‪Edition Revue et augmentée. Sainte – foy : Presses de l’université de Laval, 2009.‬‬
‫‪36‬‬
‫‪- COBB (Roger W) et ELDER (Charles D) : « The Politics of Agenda-Building : An Alternative‬‬
‫‪Perspective for Modern Democratic Theory », The journal of politics, 33/4 , 1971, p : 892 – 915.‬‬
‫‪37‬‬
‫‪- KINGDON John : « Agendas, Alternatives and Public Policies », New York (N. L), Longman,‬‬
‫‪1995.‬‬
‫‪19‬‬
‫ت‪ -‬تيار السياسة‬
‫وحتى ال يفهم أنها تبرز في شكل تراتبي أو تتابعي على شكل مراحل‪ ،‬يعترف‬
‫‪ KINGDON‬على أن هذه التيارات الثالث يمكنها أن تخترق كل مسارات السياسات العمومية‪.‬‬
‫وعلى المستوى النظري يمكن أن تحمل من قبل كل الفاعلين السياسيين وذلك على الشكل‬
‫التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬تيار المشاكل‪ :‬يعتبر ‪ ،KINGDON‬أن هذا التيار يمكنه أن يبرز من خالل مسارات أو عبر‬
‫قنوات مختلفة‪ :‬كالمؤشرات االحصائية مثال‪ ،‬أو األزمات والكوارث‪ ،‬ونتائج تقييم آثار‬
‫البرامج والسياسات القائمة‪ .‬من هنا فإن ‪ KINGDON‬يعتبر أن "إعطاء تعريف للمشكل‬
‫يرتبط بالقيم التي يتملكها الفاعلون السياسيون"‪.‬‬
‫‪ -2‬تيار الحلول‪ :‬تشكل األفكار والمقترحات بالنسبة لتيار الحلول حسب ‪ KINGDON‬ما يشبه‬
‫اإلطار المختلط الذي يفعل فيه مبدأ االختيار‪ :‬بحيث تحظى بعض األفكار والمقترحات‬
‫بقيمة زائدة‪ ،‬في حين تفقد األخرى أهميتها ويتم إقصاؤها‪ ،‬ولكي تستطيع المقترحات‬
‫واألفكار الحفاظ على بقاءها ومكانتها في هذا الخليط يجب أن تتوفر فيها الشروط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن تكون مقنعة وذات فعالية ومصداقية على المستوى التقني والعملي‪.‬‬
‫ب‪ -‬أن تحظى بموافقة باقي الخبراء وأيضا الرأي العام والمسؤولين العموميين‪ ،‬وبالتالي فإن‬
‫محاوالت اإلقناع هي التي تميز هذا التيار‪.38‬‬
‫‪ -3‬تيار السياسة‪ :‬يشمل أو يضم مجموعة من القضايا التي تؤثر في االختيارات‬
‫السياسية‪ ،‬كاألفكار السائدة أو المهيمنة في مرحلة زمنية معينة‪ ،‬ثم أنشطة الفاعلين‬
‫السياسيين ( التي يمكن أن تكون هجومية أو دفاعية)‪ ،‬تغيير السياسيين أو النخبة‬
‫السياسية‪ ،‬المفاوضات وتشكيل التحالفات‪ ،‬وهي كلها عمليات أو مواقف تميز هذا‬
‫التيار عن باقي التيارات األخرى‪.‬‬
‫إن اإلطار التحليلي الذي اعتمده ‪ J. KINGDON‬يحاول مالئمة أو تكييف نموذج "علبة‬
‫القمامة" ‪ Garbage Can Model‬أو ‪ boîte à ordure‬كأحد النماذج التحليلية المعتمدة في‬
‫سوسيولوجيا التنظيمات‪ ،‬والذي وضعه كل من‪ COHEN, MARCH et OLSEN 39‬بحيث اقترح‬
‫هؤالء مقاربة نظرية هدفها وضع نموذج يحاكي مسار اتخاد القرار في مختلف التنظيمات‪.‬‬
‫بحيث يفترضون أن العديد من المنظمات ال تشتغل طبقا لنموذج عقالني خالص‪ ،‬أي أن كل‬
‫شيء فيها منظم طبقا لألهداف المتبعة حسب منطق يقوم في المقام األول بتحديد المشاكل‪ ،‬ثم‬
‫وضع البدائل وانتقاء أحدها كحل معتمد ومالئم‪ ،‬بل بالعكس من ذلك‪ ،‬فإن الفوضويات‬
‫المنظمة هي تنظيمات تتسم وتتميز بتفضيالت مثيرة للمشاكل‪ ،‬وبمشاركة سلسة ومائعة‪.‬‬
‫‪38‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪39‬‬
‫‪- COHEN (Michael), MARCH (James. G) et OLSEN (Johan) : « A Garbage Can Model of‬‬
‫‪Organisational choice », Administration science Quartely, 17/1, 1972, p : 1- 25‬‬
‫‪20‬‬
‫فالدراسات التي تناولت الجامعات‪ ،‬باعتبارها تشكل نموذجا للفوضويات المنظمة توحي أن‬
‫أي منظمة يمكن اعتبارها‪ ،‬لغايات محددة‪ ،‬كمجموعات اختيار أو فرص لالختيار‪ ،‬بحثا عن‬
‫مشاكل ورهانات ومشاعر وعواطف إليجاد وضعيات تقريرية يمكن من خاللها أو عبرها‬
‫الحقا أن تكون حلوال تبحث عن رهانات قد تشكل من جهة جوابا‪ ،‬ومن جهة أخرى فرصة‬
‫لمقررين يبحثون عن مهمة أو وظيفة"‪.‬‬
‫إن أصالة تحليل ‪ KINGDON‬في هذا الجانب هو قدرته على تكييف "نموذج علبة القمامة"‬
‫المخصص مبدئيا لدراسة وتحليل مسار السياسة العمومية‪ .‬وكما هو األمر عند كل من‬
‫‪ COHEN, MARCH et OLSEN‬احتفظ ‪ KINGDON‬بالفكرة القائلة أن مسارات السياسات‬
‫العمومية ال تتبع نموذجا عقالنيا يمكن التنبؤ به مسبقا‪ ،‬بل ينطلق ‪ KINGDON‬من مسلمة تقوم‬
‫على أن التيارات الثالثة تتمتع باستقاللية نسبية عن بعضها البعض‪ ،‬وأن السياسة العمومية‬
‫ليست بالضرورة نتاجا أو حصيلة نظام محدد بشكل مسبق للتيارات الثالثة التي أعلنها‪ :‬تيار‬
‫المشكل وتيار الحل ثم تيار السياسية‪ .‬ولتجاوز ذلك يعترف ‪ KINGDON‬أن التكامل‬
‫ضروري بين هذه التيارات لنشأة سياسة عمومية حول مشكل ما‪.‬‬
‫‪ -4‬التكامل بين تيارين أساسيين لدراسة النشأة‪ :‬تيار المشاكل وتيار السياسة‪.‬‬
‫لقد استوحى ‪ KINGDON‬تصوره هذا من مفهوم "الخيارات والفرص المتاحة" الذي بلوره‬
‫كل من ‪ COHEN, MARCH et OLSEN‬بحيث أولى أهمية كبيرة لما أسماه النوافذ السياسية‬
‫‪ windows of opportunity‬للتعبير عن لحظات التقارب هاته لتكامل التيارات المختلفة‪،‬‬
‫ولمعالجة المشاكل العمومية وحلها‪:‬‬
‫أ‪ -‬عند حدوث مشكل ما‬
‫ب‪ -‬تكامل الحلول المخصصة لمشكلة ما‬
‫‪40‬‬
‫ت‪ -‬ثم مناخ سياسي مالئم‬
‫من جهته على شرح األنماط الممكنة لتكامل السياسات وترابطها من‬ ‫‪LEMIEUX‬‬ ‫كما عمل‬
‫خالل نمطين اثنين‪:‬‬
‫التكامل الضيق‪ ،‬والتكامل الرخو أو الضعيف‪ ،‬وكالهما يمكنان من التعبير عن‬
‫االختالالت القائمة بين أشكال التكامالت‪ ،‬بحيث يحدث التكامل الضيق بين تيارين عندما‬
‫يكون مستوى االعتماد المتبادل بينهما كبيرا لدرجة أن استقاللية بعضهما عن البعض اآلخر‬
‫ضعيفة‪ .‬أما التكامل الرخو أو الضعيف فيحدث عندما يحتفظ كل واحد من التيارات باستقاللية‬
‫كبيرة عن اآلخر‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪- KINGDON John : « Agendas, Alternatives and Public Policies ». op. cit‬‬
‫‪21‬‬
‫وما دام أننا نتناول مفهوم المشكل في السياسة العمومية‪ ،‬فإن مسار نشأة السياسة‬
‫العمومية حسب كل من ‪ LEMIEUX‬و ‪ KINGDON‬فهو مخترق بتيارين اثنين فقط من‬
‫التيارات الثالثة‪ ،‬تيار المشاكل وتيار السياسة‪" :‬في مسار النشأة‪ ،‬فإن تيار المشاكل وتيار‬
‫السياسة يتكامالن بشكل ضيق‪ ،‬ألن المشاكل هي دائما‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬تكون مخترقة‬
‫بالسياسة‪ ،‬وهذ ه األخيرة من جانبها أيضا تخترقها المشاكل‪ .‬في حين يكون التكامل هشا‬
‫وضعيفا مع تيار الحلول‪ ،‬ولكي تكون هناك نشأة‪ ،‬يتطلب األمر وجود حلول ممكنة‬
‫وفعلية"‪ .41‬فما المقصود بالمشكل إذن ؟‬
‫المشكل هو وضعية أو حالة غير عادية أو أصبحت غير مقبولة‪ .‬عمليا أغلب الباحثين‬
‫الذ ين كتبوا حديثا عن السياسات العمومية ومسألة الوضع على جدول األعمال الحكومي بما‬
‫فيهم ‪ KINGDON‬يجمعون على القول أن المشكل هو بناء اجتماعي يرتبط أساسا بإدراك‬
‫الفاعلين وتأويالتهم أكثر منه فعل حقيقي‪ .‬فاألهمية التي يوليها هؤالء الفاعلين لعملية‬
‫التأويل هاته تنحدر أو تنبثق من افتراض بنائي أو بنيوي بالرغم من اختالفها الكبير‪ .‬ف‬
‫‪ KINGDON‬مثال‪ ،‬يركز كثيرا على مسألة تعريف المشكل وعلى اآلثار التي يمكن أن يرتبها‬
‫على نشأة السياسة العمومية‪ .‬لكن ينبغي التأكيد مسبقا على أن التوسع في تعريف المشكل هي‬
‫عملية معقدة وصعبة للغاية هنا‪ ،‬ألنه كثيرا ما تؤدي إلى طمس الحدود التي أقامها‬
‫‪ ،KINGDON‬والتي تم توضيحها سابقا عند تناولنا لتياري المشاكل والسياسة‪.‬‬
‫إن دراسة مسألة تعريف المشكل تتقاطع دائما‪ ،‬كما سنراه الحقا‪ ،‬مع األبحاث‬
‫والدراسات حول استراتيجيات التعبئة (تكييف تعريف المشكل مع نوعية الجمهور أو‬
‫الشرائح االجتماعية التي نريد تعبئتها وإقناعها)‪ ،‬لهذا فهي تندرج في صلب تيار السياسة‪،‬‬
‫وهي ظاهرة تساهم في تقارب وتكامل التيارين االثنين‪ .‬فعلى سبيل المثال‪ ،‬حاول كل من‬
‫‪ JOLY et MARIS‬في مقالة لهما أن يبرهنا على هذا التداخل والتشابك بين السياسة ومسألة‬
‫تعريف وإعادة تعريف المشكل العمومي‪ .‬بحيث واستنادا لمنهجية تحليل اإلطار استهدفت هذه‬
‫الدراسة معرفة طريقة الفاعلين في مجال التعبئة والتجميع إلعطاء معنى محدد للمشكل‬
‫العمومي وتوسيع جمهوره أو شرائحه"‪.‬‬
‫وبالرغم من هذه االختالفات النظرية‪ ،‬فإن ذلك ال يقلل بتاتا من أهمية تعريف المشكل‬
‫وتغيراته بالموازاة مع تقدم مسار نشأة السياسة العمومية الذي يبقى عامال أساسيا لنشأة‬
‫السياسة العمومية المرتبطة بهذا المشكل‪ ،‬أو على األقل لوضعه على جدول االعمال الرسمي‬
‫أو جدول االعمال العام‪ .‬وعليه سنحاول مقاربة كيف حلل كل من ‪ COBB et ELDER‬تأثير‬
‫المشكل على عملية الوضع على جدول األعمال الحكومي‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫‪- LEMIEUX Vincent. Op. Cit.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪COBB et ELDER‬‬ ‫رابعا‪ :‬تعريف المشكل العمومي عند‬
‫يحتل كتاب « ‪ « Participating in american politics :The dynamics of agenda building‬لكل من‬
‫‪ COBB et ELDER‬مكانة أساسية في األدبيات الخاصة بتحليل عملية الوضع على جدول‬
‫األعمال‪ . 42‬فالباحثان يضعان مقاربتهما في إطار تصور أوسع للمشاركة في النسق‬
‫الديموقراطي األمريكي‪ .‬بحيث حاوال اإلجابة عن سؤال في ظل أية شروط يمكن لرهان أو‬
‫مشكل ما أن يجد له مكانا في جدول األعمال النسقي ومن بعده جدول األعمال المؤسساتي‬
‫(جدول األعمال العام ومن ثم جدول األعمال الرسمي)‪ ،‬وإثارة رأي المقررين العموميين أو‬
‫لمنعه (أي المشكل) من اجتياز هذا المسار‪ .‬فتعريف المشكل يحتل مكانة محورية أو عنصرا‬
‫أساسيا للتعبئة حول رهان معين‪.‬‬
‫وحسب ‪ COBB et ELDER‬فإن الوضع على جدول األعمال النسقي لرهان ما أو‬
‫مشكل ما يسبق عملية الوضع على جدول األعمال المؤسساتي وأيضا القرارات التي ترتبط‬
‫به‪ .‬فبدل التركيز على المسلسل التقريري‪ ،‬أعطا هذين الباحثين األهمية واألولوية لفهم‬
‫المسارات االجتماعية الما قبل سياسية للمشكل‪ .‬وهو ما أعطى أهمية خاصة لعملية تعبئة‬
‫الجماعات المنظمة وغير المنظمة أو الرأي العام‪ ،‬أو بشكل عام المجتمع المدني‪ .‬فالتأكيد‬
‫والتركيز ينصب هنا على الصراع والمنافسة لفرض االعتراف بهذا الرهان قبل أن يخضع‬
‫لمسلسل التسييس‪ ،‬ألن عملية بناء الرهان أو الرهانات تتم دائما عبر الصراع والتنافس بين‬
‫‪43‬‬
‫المجموعات مما يؤدي إلى تعبئة سياسية حول نفس الرهان‪.‬‬
‫فحسب ‪" COBB et ELDER‬فإن التنافس والصراع يتوسع عندما ينتقل من مجموعة‬
‫ضيقة إلى أخرى أوسع منها‪ .‬والخالصة هي أنه كلما كان حجم الجمهور المتأثر بالمشكلة‬
‫كبيرا وواسعا‪ ،‬كلما كانت هناك فرص أكبر أو إمكانية كبيرة لهذا الرهان أن يجد له مكانا‬
‫على جدول األعمال العام‪ .‬لكنهما يقران أن ذلك ال يعني في كل الحاالت أن كل الرهانات‬
‫يجب أن تعبئ جمهورا واسعا من أجل أن توضع على جدول االعمال المؤسساتي أو‬
‫الرسمي‪ ،‬بل هناك احتماالت كبيرة للنجاح إذا كان الصراع بارزا وجليا لفئة عريضة من‬
‫الناس"‪.44‬‬
‫ومن هنا فإن مشكال اجتماعيا أو عموميا يمكن أن يمتد ليشمل أربعة أصناف أو نماذج‬
‫من الجمهور (بحيث يختلف العدد باختالف الرهانات) الذي يشكل دوائر متحدة المركز‪ ،‬وكل‬
‫دائرة تضم عددا من األشخاص أكبر من سابقتها‪ .‬وهذه الدوائر أو األنماط من الجمهور يتم‬
‫ترتيبها من األشد انخراطا في رهان ما ولكنها ضيقة إلى األقل انخراطا ولكنها أكثر اتساعا‪.‬‬
‫بمعنى كلما كان االنخراط في رهان ما كبيرا كلما ضاق شكل وحجم الدائرة‪ ،‬وكلما كان‬
‫‪42‬‬
‫– ‪- COBB R. W et ELDER C. D « Participating in American Politics : The dynamics of Agenda‬‬
‫‪Building », Baltimore, John Hopkins University Press. 1972 . p : 85‬‬
‫‪43‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪44‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪23‬‬
‫االنخراط قليال كلما كان شكل وحجم الدائرة متسعا‪ ،‬وبالتالي نحصل على المجموعات التالية‬
‫من الجمهور‪:‬‬
‫أ‪ -‬المجموعات المنخرطة‬
‫ب‪ -‬المجموعات المعبأة‬
‫ت‪ -‬الجمهور المستنير‬
‫‪45‬‬
‫ث‪ -‬العامة‬
‫وتبعا لهذ ا النموذج‪ ،‬فإن الرهان يتسع لدى نماذج الجمهور الثالثة األولى ويأخذ مكانته في‬
‫جدول األعمال العام ويكون له احتماالت كثيرة إلثارة انتباه المقررين ليدرج على جدول‬
‫األعمال الرسمي أو المؤسساتي‪.‬‬
‫يقر كل من ‪ COBB et ELDER‬أن تعريف المشكل يعكس كثيرا طبيعة الرموز المستعملة‪،‬‬
‫نظرا ألهميتها في توسع وانتشار رهان معين وتشكيله إلطار تحليلي من أجل دراسة كيف‬
‫يمكن لرهان أن يصبح مالئما لمختلف أنواع الجمهور‪ .‬وحيث أن الرهانات يتم بناؤها‪ ،‬فإنها‬
‫تتقاسم أبعادا مشتركة يحددها كل من ‪ COBB et ELDER‬وفق تصنيف خماسي األبعاد وهي‪:‬‬
‫أ‪ -‬درجة التجريد‬
‫ب‪ -‬األهمية واآلثار االجتماعية‬
‫ت‪ -‬التوافقات الزمنية‬
‫ث‪ -‬التعقيد‬
‫ج‪ -‬التجارب السابقة‪.46‬‬
‫ثم يستعرضان بعد ذلك "العالقة بين أنواع وأصناف الرهانات ونوع الدعم الذي يوازيه كل‬
‫‪47‬‬
‫صنف‪".‬‬

‫‪45‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪46‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪47‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪24‬‬
‫الفصل الثاني‪ :‬مرحلة الوضع على جدول األعمال الحكومي‬
‫إن تحليل السياسات العمومية ملزم أوال‪ ،‬بفهم مسارات الوضع على جدول األعمال‬
‫الحكومي للمشاكل‪ .‬بمعنى السياقات والتحوالت والظروف التي تجعل بعض المشاكل تحظى‬
‫باهتمام السلطات العمومية أو بتدخلها لمتابعة هذا المشكل أو هذه المشاكل‪ .‬وهذا ما أثبت أن‪:‬‬
‫أ‪ -‬ليس هناك مسلسال مستقيما أو ميكانيكيا‪ ،‬يجعل من أي مشكل اجتماعي مشكال سياسيا‬
‫بالضرورة الحتمية‪.‬‬
‫ب‪ -‬الوضع على جدول األعمال الحكومي للرهانات (المشاكل) هو نتاج وظيفة عالقة القوة‬
‫السياسية‪ ،‬وأيضا بسبب منطق الوسطاء‪ ،‬والنشاط االستباقي لإلدارة والبيروقراطية‪ ،‬ثم‬
‫نتاجا للضغط الذي تمارسه جماعات الضغط ودور المؤسسات في هذا المسلسل الخاص‬
‫بالوضع على جدول األعمال‪ .‬فما المقصود بجدول األعمال الحكومي أو السياسي؟‬

‫أوال‪ :‬تعريف جدول األعمال الحكومي‬


‫يعرفه البعض‪ ،‬جدول األعمال السياسي‪" :‬بأنه مجموعة من المشاكل التي تأخذ في‬
‫لحظة ما طابع النقاش العمومي وتدفع الدولة ومؤسساتها إليجاد حل لها"‪.‬‬
‫كما يعرف ‪" John KINGDON‬جدول األعمال السياسي بأنه الئحة من القضايا أو المشاكل‬
‫التي يوليها الفاعلون الحكوميون وأيضا األجهزة العمومية واألشخاص المقربين منهم أهمية‬
‫بالغة خالل مرحلة زمنية معينة"‪ .48‬وعرفه أيضا ‪ Philippe GARRAUD‬كما يلي‪" :‬جدول‬
‫األعمال السي اسي هو مجموع المشاكل التي تشكل موضوع حل و معالجة‪ ،‬تحت أي شكل‬
‫كان‪ ،‬من طرف السلطات العمومية عبر اتخاذ قرارات محددة‪ :‬نتيجة إما لتبني عمومي‪ ،‬أو‬
‫حملة إعالمية‪ ،‬أو تعبئة اجتماعية أو مطالب اجتماعية حملت وفرضت على الحقل‬
‫السياسي"‪.49‬‬
‫أما ‪ Frank BAUMGARTNER‬يعرف "جدول األعمال السياسي بأنه مجموع المشاكل التي‬
‫تشكل موضوع قرارات ومناقشات داخل نسق سياسي خالل مرحلة زمنية معينة"‪.50‬‬
‫نستخلص إذن أن هذه التعاريف أعاله‪ ،‬تثير االنتباه إلى بعدين أساسيين مختلفين لما نسميه‬
‫بجدول األعمال السياسي أو الحكومي وهما‪:‬‬
‫أ‪ -‬أن جدول األعمال الحكومي ال يتشكل إال من القضايا والمشاكل التي تفرض نقاشا‬
‫عموميا في مرحلة معينة‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫‪- KINGDON JOHN « Agendas, Alternatives and Public Policies ». op. cit‬‬
‫‪49‬‬
‫‪- GARRAUD Philip.‬‬
‫‪50‬‬
‫‪- BAUMGARTNER Frank : « Policy Dynamics », chcago, Universite of chicago Press. 2002.‬‬
‫‪25‬‬
‫ب‪ -‬أن هذه القضايا والمشاكل موضوع النقاش العمومي يجب أن تحظى باهتمام السلطات‬
‫العمومية‪.‬‬
‫وعلى هذا األساس إذن‪ ،‬يميز ‪ COBB et ELDER‬بين جدولين لألعمال‪:‬‬
‫‪ -1‬جدول األعمال النسقي‪ :‬ويقصد به جدول األعمال الذي يشمل أو يتضمن كل الرهانات‬
‫والمشاكل التي يفترض أعضاء الجماعة السياسية على أنها يجب أن تحظى باهتمام‬
‫السلطات العمومية‪ .‬فهذا النوع من جداول األعمال هو عام ومجرد نسبيا‪ ،‬ألنه يشمل‬
‫المشاكل االجتماعية التي تشكل مواضيع اهتمام الجماعة السياسية‪.51‬‬
‫‪ -2‬جدول األعمال المؤسساتي‪ :‬ويشمل فقط القضايا والمشاكل التي تحظى باهتمام حقيقي‬
‫وفعلي في أنشطة المقررين‪ .‬فجدول األعمال المؤسساتي خالفا لجدول األعمال النسقي‪،‬‬
‫هو خاص ومرتبط بنشاط الحكومات‪ ،‬ألنه يشمل القضايا والمشاكل التي تشغل اهتمامات‬
‫الحاكمين‪.‬‬
‫فإذا كان جدوال األعمال هاذين يتداخالن في الواقع االجتماعي والسياسي‪ ،‬فإنهما ال‬
‫يتضمنان أو ال يشمالن نفس القضايا والمشاكل‪ :‬ألن مشكال ما اعتبر على أنه يجب أن يحظى‬
‫باهتمام السلطات العمومية فإنه ال يشكل بالضرورة موضوعا للسياسات العمومية‪ .‬وهذا‬
‫التمييز بين جدولي األعمال النسقي والمؤسساتي يقودنا إلى طرح تمييز أو اختالف جوهري‬
‫آخر بينهما‪ :‬بحيث يمكن أن يوجد مسلسل للتسييس‪ ،‬بمعنى المسلسل أو المسار الذي يسلكه‬
‫مشكل ما لولوج الفضاءات العمومية (وأن يكون مرفقا بنقاش عمومي حول توجهاته وأيضا‬
‫حملة إعالمية) دون أن يؤدي ذلك إلى تسجيله على جدول األعمال المؤسساتي‪.‬‬
‫كما أن جدول األعمال يتضمن أيضا بعدا فكريا عندما يستثمر بأفكار محددة وتمثالت‬
‫لهذه المشاكل االجتماعية‪ .‬فالوضع على جدول األعمال هو دائما مصحوب ومرفق بمسلسل‬
‫لتحديد أولويات وتراتبية المشاكل‪ ،‬ثم أيضا تحديد المسؤوليات‪ ،‬والبحث عن الحلول المالئمة‪،‬‬
‫مما يجعل من مسلسل الوضع على جدول األعمال هو أيضا مسلسل قد يعيد انتاج أو صياغة‬
‫مشاكل أخرى‪ :‬بمعنى‪ ،‬واحدة من وظائف الفعل أو النشاط السياسي تقتضي تحديد وتعريف‬
‫المشاكل التي تدرج على جدول األعمال‪ ،‬وهو ما يسميه كل من ‪R. FORET et COBB‬‬
‫"بسياسة تحديد المشاكل‪ ".‬وهو مسلسل ينجز بتالقي القيم المشتركة داخل مجتمع ما‬
‫بالمعارف والتجارب المهنية المعبأة‪ ،‬وأيضا احتجاجات الجماعات الضاغطة‪ ،‬والمعرفة‬
‫العلمية الممكنة والمتوفر‪ ،‬وأخيرا إكراهات النشاط السياسي‪ .‬ألن الرهانات اتخترق هذه‬
‫العملية التي هي في نفس الوقت ثقافية (عبر تأويل الواقع)‪ ،‬وتكتيكية (عبر فرض هذه الرؤى‬
‫على باقي الجماعات االجتماعية)‪ .‬وفي كل األحوال فإن انتقال المشكل العمومي من جدول‬
‫األعمال النسقي إلى جدول األعمال المؤسساتي يخضع للعمليات التالية‪:‬‬
‫‪51‬‬
‫‪- COBB (Roger W) et ELDER (Charles D) : « The Politics of Agenda-Building : An Alternative‬‬
‫‪Perspective for Modern Democratic Theory », The journal of politics, 33/4 , 1971, p : 8‬‬
‫‪26‬‬
‫‪ -1‬العالقة السببية‪ :‬والمقصود بذلك هو معرفة من أين يأتي المشكل المالحظ‪ ،‬أي تحديد‬
‫مصدره‪ .‬وهو في الحقيقة سؤال جوهري ومركزي‪ ،‬ألنه يتعلق بمسألة توزيع‬
‫المسؤوليات‪ .‬مثال ذ لك مشكل الفقر‪ :‬هل هو نتيجة النعدام المجهود الفردي أو الجماعي‬
‫عندما ال يبدلون أي مجهود للخروج من وضعية الفقر التي يعيشونها (وهو التأويل الذي‬
‫تقدمه التيارات المحافظة وأيضا الليبيرالية لمشكلة الفقر)‪ ،‬أم هو نتاج لخلل في النسق‬
‫و النظام االقتصادي واالجتماعي العام وقواعد التوزيع التي يشتغل بها (المتطابق مع‬
‫التأويل اليساري)‪.52‬‬
‫‪ -2‬الصرامة‪ :‬ويتم من خاللها اإلجابة على أسئلة جوهرية لمعرفة هل هذا المشكل هو مهم‬
‫حقيقة ويستحق أن يدرج على جدول أعمال مثقل ومكتظ أيضا؟ مثل مشكل الحماية‬
‫الوبائية حاليا من كل األوبئة العابرة للحدود‪ ،‬وأيضا مشكل الحماية من المخاطر المتعددة‬
‫‪53‬‬
‫األوجه الصحية والمالية واالقتصادية والمناخية واألمنية‪....‬‬
‫‪ -3‬الشرائح االجتماعية أو الساكنة المستهدفة ‪ :‬األمر هنا يتعلق بالشريحة أو الشرائح‬
‫االجتماعية المعنية بهذا المشكل الذي يراد له أن يجد مكانا على جدول األعمال‬
‫المؤسساتي‪ ،‬فاألمر هنا يتعلق ببعد مركزي وأساسي‪ ،‬خاصة بالنسبة للسياسات التي‬
‫تتطلب نقال أو تحويال لمبالغ مالية‪ .‬ما هي المميزات أو الخصوصيات االجتماعية المهيمنة‬
‫‪54‬‬
‫للشريحة المستهدفة؟‬
‫‪ -4‬الحلول‪ :‬ما هي الحلول الممكن تعبئتها؟ فاألمر هنا يتعلق بثالثة أبعاد أساسية‪:‬‬
‫أ‪ -‬هل الحلول ممكنة من الناحية الواقعية؟ بعبارة أخرى هل يمكن تطبيقها على أرض‬
‫الواقع؟ أم أن التدخل سيكون أقل فعالية‪.‬‬
‫ب‪ -‬هل الحلول مقبولة اجتماعيا؟ بعبارة أخرى هل هذه الحلول هي متطابقة مع القيم السائدة‬
‫في المجتمع؟‬
‫ت‪ -‬هل الحلول هي قابلة للتحقيق والمنال؟ مما يطرح مسألة فعالية هذه الحلول‪.55‬‬
‫فالهدف مما سبق هو معرفة وفهم مسارات الوضع على جدول األعمال الحكومي‪ .‬ذلك‬
‫أن الفكرة العامة السائدة حول جوهر األعمال واألبحاث حول الوضع على جدول األعمال‬
‫ترتكز على مسار تغيير طبيعة المشاكل العمومية‪ ،‬بمعنى أن هناك بعض المشاكل تتطلب‬
‫بشكل ضروري من حيث طبيعتها‪ ،‬تدخل السلطات العمومية‪ ،‬ومعرفة دور الفاعلين الذين‬
‫يحملون بعض الرهانات كما هو الشأن بالنسبة لبعض المواقف أو السياقات التي تفضل أن‬
‫تتحمل المؤسسات أو السلطات العمومية هذه المشاكل‪ .‬فمن خالل وجود مسار‪ ،‬بمعنى رهان‬
‫‪52‬‬
‫‪- KUBLER. D. et DE MAILLARD. J : « Analyser les politiques publiques », Presses Universitaire‬‬
‫‪de Grenoble. Paris. 2009-‬‬
‫‪53‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪54‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪55‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪27‬‬
‫تصارعي بين مجموعة من الجماعات‪ ،‬حيث يولد وينشأ بشكل عام مسلسل للتعبئة‬
‫االجتماعية من أجل وضع هذا الرهان أو المشكل على جدول األعمال الحكومي‪ .‬إن األمر‬
‫يتعلق هنا بالمسلسالت التي يسميها األنجلوساكسون ب ‪ Agenda-Setting‬أي المسلسل الذي‬
‫عبره أو بواسطته يتعرف المقررون على مشاكل جديدة‪ ،‬فيحظى باألهمية من خالل تعبئة‬
‫قواعدهم االجتماعية للصراع من أجلها ودفع اآلخرين لإلجابة عنها‪ .‬سنحاول فيما يلي تناول‬
‫مجموعة من القنوات واآلليات التي عبرها تلج أو تحمل المشاكل االجتماعية إلى السلطات‬
‫العمومية‪ ،‬أو تنقل عبرها المشاكل من الحقل االجتماعي إلى الحقل السياسي‪ ،‬ومن ثم الوضع‬
‫على جدول األعمال الحكومي‪.56‬‬
‫ثانيا‪ :‬نماذج الوضع على جدول األعمال الحكومي‬
‫لقد قدم ‪ Philippe GARRAUD‬في إحدى دراساته خمسة نماذج لكل المسلسالت‬
‫والمسارات التي بإمكانها أن تقود إلى الوضع أو التسجيل على جدول األعمال المؤسساتي‬
‫للمشاكل العمومية‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫أ‪ -‬نموذج التعبئة االجتماعية‪:‬‬
‫يقوم هذا النموذج على أساس الفعل أو النشاط الذي تقوم به الجماعات االجتماعية‬
‫المنظمة كجماعات الضغط الحاملة لمصالح اجتماعية ومهنية واحتجاجات إيديولوجية‪.‬‬
‫فالوضع على جدول األعمال هنا يتأتى من خالل تعبئة سياسية خارجة عن الحكومات‪ .‬بحيث‬
‫تقوم هذه الجماعات التي تتبنى قضية ما بدفع الحكومة أو السلطة العمومية إلى التصرف‬
‫وإعطائها جوابا محددا‪ .‬ومثال على ذلك عمليات التعبئة التي تتم ومند بداية هذا القرن حول‬
‫قضايا ومشاكل متعددة مثل قضايا حقوق اإلنسان والمساواة والمناصفة ومنع التعذيب‬
‫والعدالة االنتقالية أو في قضايا أخرى كالبيئة والتنمية والتغيرات المناخية والعدالة‬
‫االجتماعية‪ ،‬وهو ما شهدناه في مناطق متعددة في المغرب الراهن كالحركات االحتجاجية‬
‫بالحسيمة وجرادة وسيدي إفني وتازة وزكورة‪ ،‬أو قضايا قطاعية مثل مشكل حاملي الشواهد‬
‫العليا العاطلين عن العمل‪ ،‬واحتجاجات أساتذة التربية الوطنية‪ ،‬والطلبة األطباء وغيرها كثير‬
‫في مغربنا الراهن‪.57‬‬
‫ب‪ -‬نموذج العرض السياسي‪:‬‬
‫والمقصود به هو فعل أو نشاط المنظمات السياسية (السلطات العمومية) التي تتبنى‬
‫قضية أو مشكال بسبب مردوديته السياسية المضادة‪ .‬فاألمر هنا يتعلق بالمنافسة والصراع‬
‫السياسيين باعتبارهما المحرك للوضع على جدول األعمال الحكومي‪ .‬قوى سياسية مضادة أو‬

‫‪56‬‬
‫‪- GARRAUD Phiippe : « Politiques nationales : élaboration de l’Agenda », l’Année Sociologique‬‬
‫‪40 ? pp : 17- 41.‬‬
‫‪57‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪28‬‬
‫معارضة (أو واحدة فقط تدفع اآلخرين لتحديد مواقعهم ومواقفهم)‪ ،‬بحيث تتبنى موضوعا أو‬
‫قضية تتحول الحقا إلى موضوع للسياسات العمومية‪ .‬ويمكن أن يتعلق األمر هنا بمسألة‬
‫انعدام األمن أو الهجرة التي تعيد األحزاب السياسية طرحها في حمالتها وبرامجها االنتخابية‬
‫التي تتعهد بإعطاء األولوية واألسبقية في السياسات العمومية‪.58‬‬
‫ت‪ -‬نموذج اإلعالم‪:‬‬
‫يتميز هذا النموذج بالدور المستقل نسبيا الذي يقوم به اإلعالم في تبني قضية أو حملها‬
‫وفرضها في النقاش العمومي‪ ،‬وذ لك من خالل فرض بعض مجاالت الفعل أو النشاط على‬
‫الحكومة‪ .‬إن منطق الوساطة هنا يفترض أن وسائل اإلعالم لها وظيفة مركزية في إثارة‬
‫بعض القضايا قد تهم المجال األمني أو الصحي أو االجتماعي أو االقتصادي أو السياسي‪.‬‬
‫فوسائل االعالم تعتبر بحق أداة للتعبئة االجتماعية والسياسية‪.59‬‬
‫ث‪ -‬نموذج التوقع أو الحدس‪:‬‬
‫وهو ما يسميه ‪" Ph. GARRAUD‬بالتعبئة من طرف المركز" التي يلعب فيها الفاعلون‬
‫اإلداريون دورا مهما من خالل تبنيهم لبعض القضايا والمشاكل‪ .‬وخالفا لنموذج العرض‬
‫السياسي فإن هذا الشكل من الوضع على جدول األعمال الحكومي ال يتطلب أن تتحول قضية‬
‫ما إلى موضوع للصراع والمنافسة السياسية‪ ،‬ألن األمر يتعلق هنا بالمعارف والخبرات‬
‫واالعتقادات المعبأة من طرف األطر العليا والخبراء بمختلف تخصصاتهم وتوجهاتهم العلمية‬
‫والمعرفية من داخل دهاليز الحكومات‪.60‬‬
‫ج‪ -‬نموذج الفعل الجماعاتي الصامت‪:‬‬
‫يقوم هذا النموذج على أساس فعل أو نشاط الجماعات المنظمة والصامتة في دوائر‬
‫الحكومات‪ ،‬والتي تستطيع إدراج قضايا أو مشاكل تهمها على جدول األعمال الحكومي بشكل‬
‫صامت‪ ،‬أي بدون اللجوء إلى الصراع والمنافسة السياسية وال حتى عملية التعبئة أو تقديم‬
‫العرض السياسي‪ .‬فالجماعات المنظمة تتحرك وتتعبأ بشكل سري في إطار أقسام إدارية تقيم‬
‫معها عالقات من أجل دفعها لتحمل أو لتبني مشكل معين‪ .‬كما هو األمر مثال بالنسبة‬
‫للعسكريين في مجال صناعة السالح باالرتباط مع المركب الصناعي العسكري‪ .‬أو بالنسبة‬
‫لخبراء الصحة باالرتباط أيضا مع مركب صناعة األدوية‪ .‬أو العاملين في إدارة الضرائب‬
‫في عالقتهم مع الشركات بمختلف أصنافها ومجاالت عملها‪ ،‬وأيضا اإلدارة المكلفة بالسكنى‬
‫والمقاوالت العقارية الكبرى‪ .‬بحيث هناك العديد من الدراسات واألبحاث تؤكد حجم‬
‫التواطؤات أو العالقات السرية التي توجد بين المقاولين والصناعيين من جهة‪ ،‬واإلدارة من‬

‫‪58‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪59‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪60‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪29‬‬
‫جهة أخرى‪ ،‬التي تقود في النهاية إلى إدراج بعض البرامج التي تعبر عن مصالح ومنافع هذه‬
‫الفئة أو تلك من الصناعيين أو المقاولين بمختلف مجاالت عملهم‪ .‬وهده الصورة أو العالقة‬
‫نالحظها أيضا بين هؤالء الصناعيين من جهة والبرلمانيين من جهة أخرى عندما يتعلق‬
‫األمر بالتصويت في البرلمان على القانون المالي للسنة‪ ،‬وعلى إجراءات أو قضايا محددة‬
‫تهم المنافع والمصالح المتبادلة بين هاتين الكتلتين‪.61‬‬
‫إن التمييز بين هذه النماذج المختلفة يجد أهميته في كونه يمكن من معرفة العوامل‬
‫والديناميات المتداخلة والقادرة على نقل مشكل عمومي إلدراجه على جدول األعمال‪ .‬إن‬
‫المسلسالت أو المسارات الواقعية لها منحى لتركيب وحمل العديد من هذه الديناميات‪ .‬فهذه‬
‫النماذج هي في الحقيقة تشكل نماذج مثالية تمكن من توضيح خصوصيات بعض المسلسالت‬
‫االجتماعية في حين أن المسلسالت الواقعية هي في الحقيقة معقدة ومختلطة بحيث تتالقى‬
‫وتتداخل فيها العديد من هذه النماذج حتى يمكن إدراج مشكل ما على جدول األعمال‬
‫الحكومي‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪30‬‬
‫الفصل الثالث‪ :‬القرار العمومي‪ ،‬مراحله‪ ،‬إكراهاته‪ ،‬ومقارباته‬
‫لقد طور علماء السياسة والعلوم االجتماعية عددا من النماذج والمداخل والمفاهيم‬
‫لتحليل السياسات العمومية وعناصرها الفرعية‪ ،‬ومنها عمليات اتخاد القرار أو القرارات‪ .‬بل‬
‫إن التنظير حول السياسات العمومية زاد من اهتمامهم بالدراسة الميدانية لها‪ ،‬علما أن التنظير‬
‫وما يطرحه من نظريات ومنطلقات تعد ضرورية ألغراض التحليل والبحث‪ ،‬وتسهيل‬
‫االتصاالت وتقديم االيضاحات الالزمة لفهم عملية صنع السياسات العمومية‪ ،‬فبدون هذه‬
‫النظريات اإلرشادية والمعايير المنهجية يتعذر التحليل والتركيز على العناصر األساسية‬
‫وتحديد المعلومات الالزمة لذلك‪.‬‬
‫لكنه يبدو من الصعب اإلحاطة بتعريف محدد ودقيق لمفهوم القرار العمومي نظرا‬
‫لحداثة االستعمال االصطالحي لهذا المفهوم في مختلف األدبيات األكاديمية وخاصة منها‬
‫المهتمة بعلم السياسة والسياسات العمومية‪ ،‬بالنظر إلى تعقد وتشابك خيوط الدوائر المتحكمة‬
‫في صياغة القرار من خالل رصد التحديات التي أصبحت تواجه الدولة الحديثة‪ .‬وتتلخص‬
‫الخصائص التي وضعها )‪ JAMOUS (H‬للقرار العمومي فيما يلي‪:62‬‬
‫عام‪ :‬بمعنى أنه يوجه للمصلحة العامة وال يخص فئة دون أخرى‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫سياسي‪ :‬بمعنى أنه ال يتخذ من طرف الخواص بل يتخذ من طرف السلطات العمومية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وهو ما يعطيه هذه الصيغة أو الصفة‪.‬‬
‫سلطوي‪ :‬بمعنى أنه يفرض سلطة اإلكراه الشرعي الذي تمتلكه السلطة العمومية‪،‬‬ ‫‪-‬‬
‫وبالتالي فهو يفرض باسم المصلحة ومشروعية السلطة التي استقته بشكل ديموقراطي‪.‬‬
‫وبناء على ذلك‪ ،‬فكل ما يخرج عن هذه القاعدة ال يعتبر قرارا عموميا‪ ،‬فالقرارات التي تتخذ‬
‫على مستوى المقاوالت والمؤسسات الخاصة أو في مؤسسات ذات طبيعة خارجة عن‬
‫المؤسسات العمومية‪ :‬كاألحزاب والنقابات والجمعيات ال يمكن اعتبارها قرارات عمومية‪ .‬إن‬
‫من بين الشروط المهمة في تحديد ماهية القرار العمومي هي توفر شروط اجتماعية مالئمة‪،‬‬
‫ألن بروز أي وعي عام لدى المجتمع يقابل بالضرورة بتطوير الدولة آلليتها للتعامل مع هذا‬
‫الحدث واإلجابة عن مجموع المطالب التي يفرضها‪.‬‬
‫فالدولة تحتاط دائما من أن يتجاوزها المجتمع‪ ،‬فتأخذ بعين االعتبار كل تغير أو تحول داخله‬
‫وتحسب له حسابه وإال حدث خلل وظيفي تكون له نتائج سلبية على النسق برمته‪ ،‬فالقرار‬
‫ليس إال إجابة على مطالب اجتماعية عامة‪ .‬والسلطة العمومية في هذه الحالة توجه جميع‬
‫إداراتها الخاصة والمختصة للتكيف مع المتغيرات الحاصلة التي تأخذ بعين االعتبار الفاعل‬
‫المقرر والمرجعية التي على أساسها يتخذ القرار‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫‪- JAMOUS (H) : « sociologie de la décision », Paris, SNRS, 1969 .‬‬
‫‪31‬‬
‫ويمكن تحديد مفهوم القرار كما عرفه ‪ Lucien SFEZ‬كما يلي‪" :‬القرار هو تسلسل لعملية‬
‫غير قابلة للتجزيئ والتقسيم وليس له تاريخ نشأة‪ ،‬ألن النشأة أو التشكل هي عملية مستمرة‬
‫ومتواصلة"‪ .63‬كما عرفه كل من ‪ Bertrand BADIE et Jacques FESTLI‬بأنه (أي القرار)‪:‬‬
‫"اختيار واع اتخذه الفاعل‪ ،‬فردا أو جماعة‪ ،‬من بين مجموعة من االختيارات التي تعرض‬
‫أمامه بشكل علني بهدف حل مشكلة ظهرت أثناء المناقشة" ‪ .‬ويعرف ‪ENHARDT John Low‬‬
‫القرار بأنه‪" :‬عملية تمثل طورا من االجراءات التي تحول المشاكل إلى سياسة"‪ .‬أما ‪P. H.‬‬
‫‪ LEVIN‬فيعتبر "القرار هو عمل مدروس قام صاحب القرار باتخاذه باتجاه مجموعة من‬
‫األفعال لها خصوصيتها‪ ،‬وهو أيضا عمل يؤخذ على ضوء خطة عمل حيث يمكن تصنيف‬
‫عناصره الرئيسية إلى ناتج العمل وحصيلة المنتوج"‪.64‬‬
‫يستخلص من خالل هذه التعاريف‪ ،‬أن اتخاد القرار يؤدي دائما‪ ،‬بشكل أو بآخر‪ ،‬إلى‬
‫إحداث قطيعة ونهاية مزدوجة في آن واحد‪ ،‬في الزمان والمكان‪ .‬قطيعة في الزمان‪ ،‬ألن‬
‫القرار يبدوا دائما مثل لحظة ينتقل فيها نسق الفعل العمومي من منطق إلى آخر مثل مجرى‬
‫الماء تحدد ما قبله وما بعده‪ .‬ثم قطيعة في المجال‪ ،‬ألن هذه القطيعة الزمنية ترافق دائما بما‬
‫يشبه إعادة تصويب نسق الفعل العمومي‪ ،‬وذلك من خالل تمكن بعض الفاعلين من تحقيق‬
‫أهدافهم في حين يفشل البعض األخر في تحقيقها‪ ،‬أما الفئة الثالثة فتقصى بشكل كلي من هذا‬
‫النسق لعدم قدرتها على التفاعل معه ومسايرة تطوراته‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬تبدو رغبة الباحثين دائما في إعادة تشكيل منطق العمل الخاص بكل فاعل‬
‫في مسلسل اتخاذ القرار‪ ،‬وذلك من خالل تحديد المتغيرات التي تمكن من شرح وتفسير‬
‫لماذا؟ وكيف؟ تم تشكيل ونسج هذا االختيار العمومي أو ذاك ‪.‬‬
‫ليس من السهل إذن تحديد‪ ،‬بشكل دقيق وعملي‪ ،‬المراحل والديناميات التي عبرها ينتقل نسق‬
‫الفعل العمومي‪ .‬وأيضا من الصعب تحديد بدقة اللحظة الزمنية التخاذ القرار في سياسة‬
‫عمومية ما‪ .‬إن كل هذه العوامل يجب أخذها بعين االعتبار‪ ،‬والتي يمكن تلخيصها في بعدين‬
‫اثنين لتحليل هذه المرحلة الدقيقة من مسلسل وضع السياسات العمومية‪ ،‬وهما‪:‬‬
‫عدم إمكانية تحديد بداية ما للقرار‪ .‬ألن القرار هو مسلسل ال تحدد نتائجه بشكل بديهي‬ ‫‪-‬‬
‫وأيضا ليس دائما يقيني أو قطعي‪ .‬فعندما نكون بصدد مسلسل اتخاذ القرار تفتح معه‬
‫بشكل موازي مرحلة من عدم القدرة على تحديد لحظته األولى‪.‬‬
‫ثم الطابع الديناميكي والمتحول لمسلسل اتخاد القرار‪ .‬إن عدم القدرة على التحديد‬ ‫‪-‬‬
‫الزمني لبداية القرار يفسر حقيقة من خالل أنه ال يجب أن نعتبر القرار بمثابة فعل‬
‫منعزل‪ ،‬بل بالعكس من ذلك‪ ،‬فإن القرار يأخذ شكل تدفق متواصل ومستمر من القرارات‬
‫‪63‬‬
‫‪- SFEZ Lucien : « La décision », Paris, Ed. PUF. Coll. Que sais-je ?? 1984‬‬
‫‪64‬‬
‫‪- KUBLER Daniel et DE MAILLARD Jacques : « Analyser les politiques publiques », Paris, Presse‬‬
‫‪Universitaire de Grenoble ; 2009. Pp : 41 - 65‬‬
‫‪32‬‬
‫والتوافقات المؤقتة أو المرحلية‪ ،‬التي تتخذ عند مختلف مستويات نسق الفعل العمومي‪،‬‬
‫والذي يجب تحليله كما لو أنه يمثل مجموعة من المسلسالت أو مسارات اتخاذ القرار‪.‬‬
‫فطبيعة األسئلة إذن تتغير‪ ،‬ألن األمر ال يتعلق بالبحث عن قرار مرجعي أو أساسي‪ ،‬وال‬
‫عن من اتخذ القرار؟ ولماذا؟ ولكن المطلوب هو التساؤل كيف يسمح تحليل منطق الفعل‬
‫في هذه التدفقات القرارية ‪ Les flux décisionnels‬بإعادة تشكيل وتركيب الترابطات‬
‫التي تقود إلى النتائج الملحوظة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مراحل القرار‬
‫إذا كانت مختلف المقاربات عبر المراحل للسياسات العمومية تعتبر أن اتخاد القرار يشكل‬
‫مرحلة محددة وقابلة للتحديد والتمييز‪ ،‬فإن مقاربة جونز ‪ JONES‬تذهب خالف ذلك وتعتبر‬
‫أن اتخاذ القرار في السياسات العمومية يتم خالل مرحلتين اثنتين‪ ،‬وهما‪ :‬مرحلة التشكل أو‬
‫وضع التصورات األولية‪ ،‬ثم مرحلة الشرعنة‪.65‬‬
‫المرحلة األولى‪ :‬التشكل‬
‫المقصود بالتشكل أوال‪ ،‬هو العمل المتعلق باختيار األجوبة الخاصة بمسائل سياسية‪ ،‬أي‬
‫المسلسل الذي بموجبه تعمل السلطات الحكومية على إعطاء أجوبة لهذا المشكل أو هذه‬
‫األزمة‪ .‬وعمليا فإن هذا المجهود يمكن أن يتم أو يترجم من خالل العديد من األنشطة المختلفة‬
‫مثل‪:‬‬
‫‪ -‬إجراء الدراسات االقتصادية والمالية واالجتماعية والتقنية‪ ،‬التي تتطلبها عملية فهم مشكل‬
‫اجتماعي محدد‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم مناظرات أو ندوات أو موائد مستديرة يشارك فيها الباحثون والمختصون والخبراء‪،‬‬
‫أو يستدعى إليها الشركاء االجتماعيون واالقتصاديون والمؤسسات المختصة ومكونات‬
‫المجتمع المدني‪.‬‬
‫‪ -‬اللقاءات الحوارية بين الفاعلين األساسيين في مسار اتخاذ القرار العمومي‪.‬‬
‫والغرض من هذه اللقاءات واألنشطة هو مساعدة المقررين وتمكينهم من تملك رؤية محددة‬
‫وطرح مختلف الحلول الممكنة‪ ،‬ثم تقييم اآلثار السياسية واالجتماعية والمالية والتقنية‪ .‬إن هذه‬
‫المرحلة التي يتم فيها انتقاء الحلول ينتج عنها دائما انفعاالت المقررين‪ ،‬وخاصة إذا كانت‬
‫الرهانات جوهرية وأساسية‪ ،‬كما هو األمر خالل مراحل الكوارث واألوبئة الكبرى‬
‫واألزمات والنزاعات المسلحة‪ .‬ويحصل ذلك ألن السلطات العمومية تندفع كثيرا‪ ،‬لكنها ال‬

‫‪- MULLER Piere et SUREL Yves : « L’Analyse des politiques publiques », Paris, Ed.‬‬
‫‪65‬‬

‫‪MONTCHRESTIEN. 1998. P: 104‬‬


‫‪33‬‬
‫تعرف دائما في البداية طبيعة المشكل بالتحديد‪ .‬غير أنها غالبا ما تدرك حقيقة المشكل الذي‬
‫تجري من ورائه عند نهاية هذا المسار‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬الشرعنة‬
‫تشمل هذه المرحلة مختلف الميكانيزمات التي ستجعل االختيارات التي تتبناها الحكومات‬
‫مقبولة ومشروعة‪ ،‬حتى وإن كان من الصعب كثيرا تمييز هذه المرحلة عن سابقتها أي‬
‫التشكل‪ .‬وشرعية قرار حكومي ما تتم من خالل البحث في مدى مطابقته للقواعد المؤسسة‬
‫لدولة القانون‪ ،‬بما يعني أن هذا القرار قد اتخذ في تطابق واحترام للمساطر الدستورية وبدون‬
‫مخالفة لألنظمة القانونية المعمول بها‪ .‬لكن شرعية قرار ما تحيل أيضا إلى كيفية تعاطي‬
‫اآلخرين معه‪ ،‬أي الشرائح االجتماعية الموجه إليهم هذا القرار أو هذه السياسة العمومية‪،‬‬
‫والذي يجب أن يكون مقبوال لديهم‪.66‬‬
‫ثانيا‪ :‬إكراهات القرار‬
‫هناك ثالث إكراهات أساسية يجابهها المقرر سواء بشكل فردي أو بشكل جماعي في لحظات‬
‫معينة وهي‪:67‬‬
‫‪ -1‬ثقل القواعد التنظيمية‬
‫إذا كان احترام المساطر‪ ،‬وخاصة الدستورية منها‪ ،‬يشكل مصدرا أساسيا للشرعنة‪ ،‬فإن هذه‬
‫المساطر نفسها تشكل عائقا مهما لتفعيل استقاللية المقرر‪ .‬ومن أهمها القواعد الشكلية‬
‫المتمثلة في المساطر التي تنظم العالقة بين الجهازين التشريعي والتنفيذي‪ ،‬وأيضا تنظيم‬
‫بداية ونهاية الدورات التشريعية‪ ،‬وتقنين المبادرة التشريعية‪ .‬لكن مسألة المساطر ال تهم فقط‬
‫القواعد المنظمة لكيفية ممارسة السلطة‪ ،‬ولكنها تمس أيضا مجموع األشكال الفعلية والتنفيذية‬
‫التخاذ القرار والتي يمكن تحديدها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬طرق وكيفيات اشتغال الدواوين الوزارية‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم وتقسيم العمل بين مختلف الوزارات المختصة في ملف واحد‪ .‬ألن المقررون‬
‫يجدون أنفسهم تحت إكراهات مجموعة من األفعال ‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف التنسيق بين مختلف الوحدات والمصالح االدارية مما يضعف المراقبة السياسية‬
‫للسلطة المنتخبة بشكل شرعي‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫‪- Ibid. p : 105‬‬
‫‪67‬‬
‫‪- Ibid. P : 106‬‬
‫‪34‬‬
‫‪ -‬وخالفا لما سبق‪ ،‬فإن المراقبة الزائدة التي تفرضها أو تمارسها الدواوين الوزارية يمكنها‬
‫أن تشل أو أن تعيق مسلسل اتخاذ القرار أو قد تؤدي إلى اتخاذ قرارات ضعيفة على‬
‫المستوى التقني‪.‬‬
‫‪ -‬واقع العمل الحكومي من خالل انتقال المعلومات وتحديد االختصاصات ووضوحها لدى‬
‫كل طرف‪.‬‬
‫وفي الواقع‪ ،‬يتطلب األمر‪ ،‬األخذ بعين االعتبار في هذا الجانب أن مساطر اتخاذ القرار‬
‫تشكل‪ ،‬سواء أحببنا ذلك أم ال‪ ،‬ميكانيزما أوليا لتحديد إطار القرار الذي يهدف إلى تحديد‬
‫استقاللية من يتخذ القرار ‪.‬‬
‫‪ -2‬القرار باعتباره رهانا للسلطة‪.‬‬
‫كل مسلسل التخاذ القرار يشكل رهانا يتصارع أو يتنافس حوله مجموعة من الفاعلين الذين‬
‫يضع كل واحد منهم استراتيجياته للسلطة متناقضة في أغلب األحيان‪ .‬فالقرار من هذه‬
‫الناحية‪ ،‬يشكل حقال حقيقيا للقوة‪ ،‬ويشمل فاعلين مختلفين من حيث كل واحد له منطقه‬
‫الخاص‪ ،‬وهم كالتالي‪:68‬‬
‫فاعلين ينتمون للحقل السياسي بالمفهوم الضيق للحقل مثل‪:‬‬ ‫أ‪-‬‬
‫األحزاب السياسية‬ ‫‪-‬‬
‫التيارات والجماعات المنتمية لألحزاب السياسية‬ ‫‪-‬‬
‫المنتخبون البرلمانيون والمنتخبون المحليون‬ ‫‪-‬‬
‫المؤسسات واألجهزة‬ ‫‪-‬‬
‫فاعلين إداريين مثل‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫الدواوين الوزارية‬ ‫‪-‬‬
‫اإلدارات المركزية‬ ‫‪-‬‬
‫المكاتب والمؤسسات العمومية والشركات الوطنية‬ ‫‪-‬‬
‫الكوربوراتية والشبكات‬ ‫‪-‬‬
‫المستويات الترابية والمجالية‬ ‫‪-‬‬

‫‪68‬‬
‫‪- Ibid. p : 108‬‬
‫‪35‬‬
‫ج‪ -‬الجماعات الضاغطة‪:‬‬
‫النقابات والمقاوالت واالتحادات المهنية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫اللوبيات‬ ‫‪-‬‬
‫الجماعات غير المنظمة‬ ‫‪-‬‬
‫جمعيات المجتمع المدني‬ ‫‪-‬‬
‫حقل القوة الذي يضيف مجال السياسة البيروقراطية‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫إن الديناميات الداخلية الخاصة بفضاء الفعل العمومي تحدث تأثيرات مختلفة على القرار‬
‫العمومي (أو عملية اتخاد القرار)‪ ،‬وأوالها هو تشكيل القرار كرهان جماعي‪ ،‬بحيث يتخد‬
‫مسار االختيار شكل مواجهة حادة بين فاعلين يعملون على تطوير أشكال تنافسية للفعل‬
‫الجماعي‪ .‬ومن هذه الناحية فإن الخيارات المتاحة تصبح إلى حد ما مطبوعة باستراتيجيات‬
‫مختلف األطراف المتنافسة أو المتصارعة حول القرار ‪.‬‬
‫فكل هذه المجموعات تعمل من أجل تقديم منطق تبريري يهدف إلى توجيه القرار في هذا‬
‫االتجاه أو ذاك‪ .‬لكنه يبدو شيئا عاديا‪ ،‬أن الحوار أو النقاش العمومي ليس نقاشا تقنيا بالمعنى‬
‫الضيق‪ ،‬حتى لو كانت الحجج التي يقدمها مختلف األطراف الفاعلة هي حجج تقنية‪ ،‬وهو ما‬
‫يلزم الباحث أو المحلل بتحديد مختلف المشاركين في لعبة السلطة هاته من أجل تسليط‬
‫الضوء على مبررات الفعل التي يتبناها كل طرف‪ .‬انطالقا من ذلك‪ ،‬فإن للقرار توجه دائم‬
‫هدفه إقامة تسوية شاقة تتم دائما عبر مفاوضات طويلة‪ ،‬حتى حول قضايا تقنية ‪.‬‬
‫لكن اال ختيار النهائي‪ ،‬ال يحدد من خالل هذه الخصوصيات التقنية‪ ،‬بل انطالقا من كونه تدافع‬
‫عنه هذه الوزارة أو هذه المصلحة أو هذا المرفق أو هذه الجماعة الضاغطة أو تلك‪ .‬فالقرار‬
‫يكون في النهاية مطابقا النتصار هذا الفاعل أو ذاك‪ .‬وبشكل مماثل فإن القرار يمكن أن يكون‬
‫على شك ل توافق نتج عن مسلسل طويل من التفاوض بما فيها مواضيع تهم هذه التقنيات‪ .‬وفي‬
‫هذا السياق فإن هناك شكلين لتنظيم المفاوضات‪ ،‬وهما‪:69‬‬
‫أ‪ -‬القرار السلطوي‪ :‬في هذا النموذج تعمل السلطات الحكومية على فرض طرق وأشكال‬
‫التفاوض‪ ،‬ثم مضمون القرار‪ ،‬وذلك من خالل تقديم وعرض ذلك على مختلف الفاعلين‬
‫المعنيين في هذا المجال بصيغة الموافقة على العرض الحكومي أو رفضه‪.‬‬
‫ب‪ -‬القرار التفاوضي‪ :‬يأخذ هذا النموذج من القرارات شكل طاولة للحوار أو مناظرة أو‬
‫منتدى‪ ،‬حيث يكون كل الفاعلين سواء لكفاءتهم أو ألن ذلك يمس مصالحهم‪ ،‬مطالبون‬

‫‪69‬‬
‫‪- LASCOUMES, P. « L’éco – Pouvoir. Environnement et politiques », Paris, La découverte, 1994.‬‬
‫‪36‬‬
‫بتقديم آراءهم ومقترحاتهم‪ ،‬وبذلك تصبح عملية اتخاذ القرار بمثابة محصلة توافقية أو‬
‫تشاركية بين مختلف هؤالء الفاعلين ‪.‬‬
‫إن هذين الصنفين من القرار ال يوجدان في الحقيقة إال نظريا أي نموذجين مثاليين للقرار‪.‬‬
‫ألنه في الواقع‪ ،‬كل قرار يجمع بين المفاوضات وأنماط أخرى أو هو خليط من المفاوضات‬
‫والتالعب والممارسات السلطوية‪ .‬وقليلة هي حاالت القرارات السلطوية التي ال تفتح على‬
‫التفاوض أو المفاوضات‪ .‬إن طابع المفاجأة في هذه المرحلة يدفع الفاعلين في غالب األحيان‪،‬‬
‫إلى تغيير تصوراتهم حول هذه الرهانات والمشاكل‪ .‬وبالعكس من ذلك‪ ،‬فإن العديد من‬
‫المسارات القرارية التفاوضية‪ ،‬ونظرا الستحالة االتفاق والتوافق‪ ،‬تنتهي بقرارات سلطوية أو‬
‫استبدادية‪ .‬فمن المؤكد‪ ،‬وفي كل األحوال‪ ،‬فإن أالعيب السلطة تقود في غالب األحيان أو‬
‫دائما إلى نتيجة مختلفة عن تلك المتوقعة أو المنتظرة منذ البداية مع الذين شاركوا في مسار‬
‫اتخاد القرار ‪ .‬إن إمكانية عدم إصدار القرار التي يمكن أن ينتهي بها مسار سياسي‪ ،‬تتطلب‬
‫إعادة تشكيل التسلسل المنطقي المتشابك لفهم تبدل وتحول مسلسل اتخاذ القرار الذي ال يتبع‬
‫دائما خطا مستقيما ‪.‬‬
‫‪ - 3‬المنظور البيروقراطي‪:‬‬
‫وبارتباط مع مرحلة وضع المشكل على جدول األعمال الحكومي‪ ،‬تعمل كل إدارة على‬
‫إعادة تشكيل مفهومها الخاص بالقرار وتمثلها للمشكل من خالل تاريخها وماضيها ومكانتها‬
‫في عملية تقسيم العمل اإلداري والسياسي‪ ،‬ومن خالل خبراتها ووظيفتها المتميزة‪ ،‬ومن‬
‫خالل صراعاتها ومنافستها القائمة ضد مصالح وقطاعات أخرى‪ .‬وفي كل األحوال فإن‬
‫القطاعات المختلفة التي تشارك في مسلسل اتخاد القرار تنحو دائما نحو إدخال مصالحها‬
‫وامتيازاتها الخاصة والدفاع عنها (باعتبارها جزء من هذا الكل البيروقراطي) خالل عملية‬
‫بناء التحديد النهائي الذي سيعطى للمشكل بعد النقاش العمومي‪ .‬وفي نفس اإلطار‪ ،‬تنحو‬
‫اإلدارا ت (أو األجهزة اإلدارية) إلى نسيان وتجاهل األبعاد الخارجية للفعل العمومي (أو‬
‫السياسة العمومية) كاألهداف المعلنة لفائدة المصلحة العامة مثل‪ :‬محاربة البطالة‪ ،‬ودعم‬
‫الصناعة الوطنية‪ ،‬وتأهيل المقاولة الخاصة‪ ،‬وحماية البيئة‪ ،‬واالنتصار في حرب مثال‪ ،‬لفائدة‬
‫األبعاد الداخلية المرتبطة بالمصالح والمنافع الخاصة بالبيروقراطية اإلدارية مثل‪ :‬الرفع من‬
‫مكانة وزارة ما ضد وزارة أخرى‪ .‬وبشكل آخر‪ ،‬فإن تكتيكات البيروقراطية سوف توظف‬
‫كمنظور وموجه يساهم في تفكيك رموز القرار وشفراته‪.70‬‬
‫إن تحليل مسلسل اتخاذ القرار يمر في الحقيقة عبر منهجية مزدوجة للبحث‪ ،‬تتطلب أوال‪،‬‬
‫تحديد خريطة أو شبكة مختلف المنتديات والفضاءات التي تنتشر فيها أساليب السلطة‬
‫المرتبطة بهذا المسلسل‪ ،‬لكن يتطلب األمر أيضا هدم وتفكيك استراتيجيات مختلف‬
‫المشاركين في عملية اتخاد القرار وتحديد منطق الفعل لدى كل فاعل والتي تمكن من فهم‬
‫‪70‬‬
‫‪- MULLER Pierre et SUREL Yves : « L’Analyse des politiques publiques». op. cit. P: 110 - 111‬‬
‫‪37‬‬
‫‪71‬واستيعاب المواقف المتبناة‪ ،‬وأيضا استراتيجيات التبرير ومختلف التحالفات‪ .‬إن هذه‬
‫الطريقة أو المنهجية هي التي تميز في فرنسا األعمال الكالسيكية لكل من ‪ 72JAMOUS H.‬و‬
‫‪ GREMION Catherine 73‬و ‪ 74PADIOLEAU‬و ‪ ، 75J.C.THOENI‬وكل عملية تغيير‬
‫وتحويل تقود المحالة إلى طرح مسألة عقالنية الفعل العمومي أو السياسة العمومية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬المقاربات النظرية لعملية اتخاد القرار‬
‫سنحاول في هذا المحور مقاربة أربعة نماذج نظرية تناولت بالدراسة والتحليل عملية اتخاذ‬
‫القرار في السياسات العمومية‪ ،‬ويتعلق األمر بالنماذج التالية‪:‬‬
‫نموذج االختيار العقالني‬ ‫‪-‬‬
‫النموذج التراكمي‬ ‫‪-‬‬
‫نموذج الفحص المختلط‬ ‫‪-‬‬
‫نموذج االختيار العمومي‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -1‬نموذج االختيار العقالني ‪:‬‬
‫يستند هذا النموذج إلى افتراض اقتصادي يعتبر أن السياسة العقالنية هي تلك التي تحقق أكبر‬
‫منفعة اجتماعية‪ ،‬بمعنى أن على الحكومة أن تختار السياسات العمومية التي تحقق مكاسب‬
‫ومنافع وفوائد كبيرة للمجتمع وبأقل قدر من التكاليف المطلوبة‪ .‬ينتج عن هذا المنطلق النظر‬
‫إلى السياسات العمومية كنموذج التخاذ القرارات‪ ،‬من خالل مسارين اثنين يمكن الوصول‬
‫إليهما عبر نموذج االختيار العقالني وهما‪:‬‬
‫‪ -‬ال ينبغي لصانعي قرارات السياسات العمومية تبني سياسة عمومية إذا كانت تكلفتها‬
‫الشاملة تزيد أو تفوق حجم الفوائد والمنافع التي تحققها للشرائح االجتماعية الموجهة‬ ‫‪-‬‬
‫إليها‪.‬‬
‫‪ -‬يجب على متخذي القرارات تبني السياسات العمومية التي تزيد فوائدها ومنافعها على‬
‫تكلفة تحقيقها‪.‬‬
‫يؤكد ذلك أن السياسة العمومية تكون عقالنية عندما يتحقق فرق إيجابي بين القيم المادية‬
‫والمعنوية التي تم تحقيقها والقيم التي تمت التضحية بها‪ ،‬مما يؤكد أفضلية البديل الذي تم‬
‫‪71‬‬
‫‪- MULLER Piere et SUREL Yves : « L’Analyse des politiques publiques », Op. Cit. p :112‬‬
‫‪72‬‬
‫‪- JAMOUS ; H : « Sociologie de la décision », Paris, CNRS, 1969.‬‬
‫‪73‬‬
‫‪- GREMION. C : « Profession : décideurs. Pouvoir des hauts fonctionnaires et réforme de l’Etat »,‬‬
‫‪Paris, Gautier – Villars. 1979 :‬‬
‫‪74‬‬
‫‪- PADIOLEAU Jean- Gustave : « L’Etat au concret », Paris, PUF. 1982.‬‬
‫‪75‬‬
‫‪- THOENIG. J. C : « L’ère des technocrates », Paris, L’Harmattan, 1987.‬‬
‫‪38‬‬
‫اعتماده على حساب البدائل التي تم التخلي عنها‪ .‬وهذه المعادلة ال تعني التضحية بالقيم‬
‫االج تماعية من أجل إعالء القيم المادية ذات الخاصية المالية والنقدية‪ ،‬ألن العقالنية تشمل‬
‫جميع القيم المادية والمعنوية وأيضا االقتصادية واالجتماعية والسياسية واألخالقية سواء‬
‫المتخلى عنها أو التي يمكن تحقيقها عبر السياسة العمومية‪ ،‬وليس فقط القيم المحددة ماديا أو‬
‫ماليا‪ .‬ولتحليل المعطيات الخاصة بنموذج االختيار العقالني في السياسات العمومية‪ ،‬فإننا‬
‫سنقاربه من خالل المحاور التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬المرتكزات األساسية للنموذج العقالني في عملية اتخاد القرار‪ .‬وتشمل الخطوات‬
‫التالية‪:‬‬
‫أن متخذ القرار يواجه مشكلة محددة يستدعي األمر دراستها بشكل متأني ألنها جديرة‬ ‫‪-‬‬
‫باالهتمام مقارنة بالمشكالت األخرى‪.‬‬
‫أن متخذ القرار يؤدي دوره تبعا لوضوح األهداف والقيم والغايات باإلضافة إلى وضوح‬ ‫‪-‬‬
‫الترتيب واألهمية حسب لدرجات األفضلية في هذه السياسة العمومية‪.‬‬
‫ينبغي فحص وتدقيق‪ ،‬جميع البدائل المتعددة والمختلفة لغرض مواجهة المشكلة المحددة ‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫دراسة وتحليل النتائج المتوقعة من البدائل على أساس الفرق بين المنفعة الممكن تحقيقها‬ ‫‪-‬‬
‫والتكلفة الضرورية لذلك‪.‬‬
‫‪ -‬يخضع كل بديل جرى اختياره‪ ،‬لعملية القياس والمقارنة لما يتوقع منه من منافع ونتائج‬
‫مقارنة بالبدائل األخرى حتى يمكن تحديد األفضل‪.‬‬
‫‪، -‬يتولى المقرر في النموذج العقالني‪ ،‬بناء على الخطوات السابقة‪ ،‬اختيار البديل األمثل‬
‫الذي يتضمن تحقيق المنفعة المطلوبة‪ ،‬وكذلك القيم واألهداف المنتظرة منه ‪ ،‬لكونه يعتبر‬
‫أفضل البديل من بين باقي البدائل األخرى‪.‬‬
‫ب‪ -‬مبررات العقالنية لدى نموذج االختيار العقالني في السياسات العمومية‪.‬‬
‫يعتبر العديد من علماء السياسة أن العقالنية هي شرط أساسي في عملية اتخاد القرار في‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬والبد لها من معايير عقالنية صرفة تحكم عملية اتخاذ القرارات‬
‫وتوجه السلوك االنساني لمتخذي القرارات في السياسات العمومية‪ .‬كما أن التأكيد على‬
‫العقالنية في اتخاذ القرارات تمليه مجموعة من المبررات األساسية التي ينبغي أخذها‬
‫بعين االعتبار في عملية صنع السياسة العمومية‪ ،‬وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬أن هناك جزءا هاما في السلوك االنساني يعتبر سلوكا عقالنيا‪ ،‬ألنه عندما نتحرى السلوك‬
‫غير العقالني فإنه يتم استخدام معايير عقالنية‪ ،‬وبالتالي فإن التسليم بالعقالنية يعتبر أكثر‬

‫‪39‬‬
‫أهمية من إنكارها‪ ،‬وخاصة من زاوية وضع النماذج والفرضيات للتعرف على السلوك‬
‫االنساني لمتخذ القرارات وتحليل هذا السلوك ‪.‬‬
‫‪ -‬يجمع العديد من علماء االجتماع على ضرورة تغليب الطابع العقالني على السلوك الفردي‬
‫االنساني‪.‬‬
‫‪ -‬أن كل تصرف تترتب عنه نتائج محددة في السياسة العمومية‪ ،‬مما يتطلب شرحا لهذه‬
‫النتائج أمام الرأي العام ولفائدة المعنيين بذلك في إطار عقالني‪ .‬وعقلنة السلوك هاته تشكل‬
‫شرطا جوهريا‪ ،‬على صانع القرار أن يدخلها في حساباته قبل أن يتخذ قراره النهائي ‪.‬‬
‫‪ -‬إن المنظور العام في النموذج العقالني التخاذ القرار يميل إلى تغليب البعد العقالني على‬
‫البعد غير العقالني‪ ،‬ألن البعد األول يمكن فهمه وإدراكه بسهولة خالفا للبعد الثاني الذي‬
‫تؤطره نوازع قد تكون خفية ومجهولة تماما‪.76‬‬
‫‪ -‬هناك احتمال أن تكون بعض قرارات السياسات العمومية غير عقالنية خاصة عندما يكون‬
‫البعض اآلخر من تلك القرارات يتصف بالعقالنية‪ ،‬مما يجعل القرارات غير العقالنية‬
‫مهددة باإلخفاق خاصة إذا ما أثبتت القرارات العقالنية نجاعتها وقدرتها على تحقيق‬
‫االهداف المرجوة منها‪ ،‬وهو ما يفرض تبني منهجيتها وتجنب الالعقالنية لتفادي اإلخفاق‪.‬‬
‫ت‪ -‬تفسير أليات نموذج االختيار العقالني المعتمد في اتخاد القرارات‪.‬‬
‫يتصف البعد التحليلي في نموذج االختيار العقالني التخاذ القرارات في السياسة العمومية‬
‫بطابع الشمولية‪ ،‬الذي يفترض أن جميع القيم واالفضليات يمكن قياسها في المجتمع بصورة‬
‫كلية‪ ،‬كما يمكن التعرف عليها بسهولة‪ .‬فال يكفي التعرف الجزئي والمحدود على قيم ومطالب‬
‫جماعة محددة دون التعرف الكلي والعقالني لقيم ومطالب المجتمع بصورة كلية وعقالنية‪ .‬لذا‬
‫ينبغي أن يمتلك متخذ القرار في السياسات العمومية فهما وإدراكا كامال للقيم المجتمعية من‬
‫جهة‪ ،‬وأن تتوفر لديه معلومات ومعطيات كاملة حول السياسة البديلة المطروحة من جهة‬
‫أخرى‪ ،‬باإلضافة إلى استحضار القدرة على التنبؤ الدقيق بنتائج السياسة العمومية وأثارها‬
‫االيجابية منها أو السلبية‪ ،‬ثم القدرة على تحديد الفرق بين منفعة السياسة العمومية وتكلفتها‬
‫الشاملة‪ .‬كما ينبغي أن يتوفر صانع القرار في السياسة العمومية على نظام عقالني يحدد‬
‫كيفية اتخاذ هذه القرارات وضبط توجهاته‪ ،‬ألن النموذج العقالني الشامل يستهدف التعرف‬
‫على حجم البرامج والمخططات الحكومية من خالل ضبط الموارد العامة للدولة‪ ،‬وتحديد‬

‫‪ _ 76‬جيمس دورتي و روبيرت بالسيغرا ف‪" :‬النظريات المتضاربة في العالقات الدولية"‪ ،‬ترجمة وليد عبدالحي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات‪1985 .‬ن ص‪.310 _ 309 :‬‬
‫‪40‬‬
‫طريقة وضعها حتى تتسع لتشمل كل هذه البرامج والمخططات واالستراتيجيات‪ ،‬وحصر‬
‫النفقات العامة عليها باألولوية‪. 77‬‬
‫يرى "روبيرت دال ‪" Robert DAHL‬بخصوص نموذج االختيار العقالني‪ ،‬أن التفضيالت‬
‫السياسية غالبا ما يغلب عليها طابع عدم اليقين‪ ،‬والتي يمكن تجاوزها من خالل إجراء بحث‬
‫شمولي مبني على إجابات عقالنية قبل تحديد أي خيار لهذه السياسة العمومية‪ .‬ويمكن أن‬
‫يتضمن هذا البحث الذي يجرى في إطار النموذج العقالني الشامل مجموعة من الخطوات‬
‫لمواجهة مشكلة ما‪ ،‬وذلك كما يلي‪:78‬‬
‫‪ -‬يهتم متخذ القرار العقالني بتوضيح القيم واألهداف والمقاصد الخاصة بالقرار ثم ترتيبها‬
‫بشكل منطقي‬
‫‪ -‬يضع جدوال ترتيبيا بأهم الطرق والوسائل الكفيلة بتحقيق أهداف هذا القرار‪.‬‬
‫‪ -‬يحدد النتائج ذات األهمية التي ستترتب عن كل سياسة عمومية بديلة‪.‬‬
‫‪ -‬مقارنة النتائج التي تترتب عن كل سياسة بديلة مع األهداف التي حددها المقرر كخطوة‬
‫أولى‪.‬‬
‫‪ -‬اختيار السياسة العمومية ذات النتائج األقرب لألهداف التي حددها المقرر‪.‬‬
‫وبالرغم من ما يتضمنه النموذج العقالني من مقومات وأدوات علمية لتحليل كيفية اتخاد‬
‫القرار في السياسات العمومية‪ ،‬فإن العديد من الباحثين يعتبرون أن هذا النموذج مضلل‬
‫وغير مفيد في صنع القرارات‪ ،‬ألنه يعجز عن إثبات مدى وجود العقالنية المطلقة من‬
‫عدمها‪.‬‬
‫‪ -2‬النموذج التراكمي‬
‫يعود الفضل لشارلز ليندبلوم‪ Charles LINDBLOM 79‬في وضع النموذج التراكمي أو‬
‫التدريجي الذي يعتبر عملية صنع القرار واتخاذه في السياسات العمومية الراهنة‪ ،‬ما هي في‬
‫الحقيقة إال استمرارية للسياسات العمومية السابقة‪ ،‬حتى وإن تغيرت الحكومات‪ ،‬بنوع من‬
‫التعديالت والتغييرات التدريجية أو كما يسميها ‪ LINDBLOM‬بالتراكمية المجزأة‪ ،‬تعبيرا عن‬
‫رغبة صانعي القرارات ومتخذيها في تجزيئ المشاكل العمومية عند صياغة القرارات حتى‬
‫يمكن اختيار القرار الذي يمكنه حل المشكل االجتماعي أو العمومي‪ .‬ويتقاطع ‪LINDBLOM‬‬
‫في موقفه هذا مع أفكار ‪ H.SIMON‬الذي يعتبر من أبرز المنتقدين لنموذج االختيار العقالني‬
‫‪77‬‬
‫‪- Thomas. R. DYE : « Understanding Public Policy », 7eme Ed. New Jersey, Prentice Hall,‬‬
‫‪Englewood Cliffs, 1992. P : 30 -31‬‬
‫‪ _ 78‬روبيرت دال‪" :‬التحليل السياسي الحديث"‪ ،‬ترجمة عال أبو زيد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مؤسسة األهرام‪ ،1993 ،‬ص‪186 :‬‬
‫‪79‬‬
‫‪- LINDBLOM Charles : « The policy Making Process », 2eme Ed. New Jersey, Englewood‬‬
‫‪Prentice-hall, 1980. P : 14 – 27.‬‬
‫‪41‬‬
‫والعقالنية المطلقة في اتخاذ القرار‪ ،‬عندما اقترح استبدال مفهوم السلوك العقالني المطلق‬
‫بالسلوك المقبول أو العقالنية المحدودة ‪ ، la Rationalité Limitée‬ألن صانع القرار ال يتوفر‬
‫على جدول ي شمل جميع البدائل المتاحة أمامه فيختار منها البديل الذي يتطابق مع معاييره‬
‫وأهدافه‪ ،‬بل ما يقوم به صانع القرار هو استعراض البدائل الممكنة ثم يختار من بينها البديل‬
‫الذي يحقق الحد األدنى وليس الحد األقصى للمعايير التي يضعها هدفا له‪ .80‬بمعنى أن صناع‬
‫القرار أو متخذي القرارات يتجنبون القرارات غير المقبولة أو غير المرضية إلى حين أن‬
‫يعثروا على القرار المقبول حتى يتمكنوا من تطبيقه‪ .‬وهو ما يجعل مفهوم العقالنية حسب‬
‫أطروحة ‪ SIMON‬مفهوما معدال بحيث يصبح هامش العقالنية بمثابة هامش وسطي للتكيف‬
‫بين العوامل العقالنية والعوامل غير العقالنية‪ ،‬ألن صانع السياسة العمومية يتعامل مع‬
‫الظروف التي تحد من إمكانية العقالنية فيه مما يلزمه باللجوء إلى اختيار البديل المقبول‬
‫لتحقيق األهداف ‪.‬‬
‫انطالقا من العناصر‬ ‫‪LINDBLOM‬‬ ‫ويمكن مقاربة النموذج التراكمي كما وضعه‬
‫التالية‪:‬‬
‫أ‪" -‬لندبلوم ‪" LINDBLOM‬ونموذج االختيار العقالني‬
‫يعتبر "لندبلوم" أن نموذج االختيار العقالني في اتخاذ قرارات السياسات العمومية ال يمت‬
‫للواقع بصلة‪ ،‬وذلك نظرا للعوامل التالية‪: 81‬‬
‫‪ -‬أن عملية صنع القرار من الناحية الواقعية نادرا ما تتبع الخطوات المتوالية والثابتة التي‬
‫اعتمدها نموذج االختيار العقالني وفي أحيان أخرى قد ال تتبعها بتاتا‪.‬‬
‫‪ -‬يجعل الضعف المعرفي لدى صانع القرار عن المشكلة التي يواجهها كما لو أن القرارات‬
‫تصنع غالبا في ظل عدم اليقين‪ ،‬وإذا ما أجلت عملية اتخاذ القرار إلى حين توفر شروط‬
‫العقالنية المطلقة‪ ،‬فإن ذلك ال طائل منه وقد لن يصدر القرار أبدا ‪.‬‬
‫‪ -‬عدم القدرة على التعامل مع المشكالت المعقدة في ظل نقص المعلومات والمعطيات‪،‬‬
‫وصعوبة اإللمام بجميع البدائل وتبويبها وجدولتها ضمن عملية منسقة بشكل دقيق يؤدي‬
‫في غالب األحيان إلى ظهور مشاكل جديدة في التوقيت يصعب التفرغ لدراستها بالشكل‬
‫المطلوب‪.‬‬
‫‪ -‬يواجه صانعو السياسات العمومية إكراهات فعلية وحقيقة عند قيامهم بتحديد األهداف‬
‫الواقعية أو القابلة للتنفيذ مما يحول في كثير من األحيان دون إمكانية وضع خطة متكاملة‬
‫تتضمن تحديد جميع األبعاد والمتغيرات ذات الصلة بتلك األهداف ‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫‪- SIMON. H : « Administrative behavior. A study of decision – making processes in administrative‬‬
‫‪Organisation », New York, free Press. 1957.‬‬
‫‪81‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪42‬‬
‫‪ -‬أن الوسائل الكمية واالحصائية وبحوث العمليات كمداخل مساعدة في عملية اتخاد القرار ال‬
‫تصلح للتعامل مع جميع المشاكل‪ ،‬ألن بعضها ال يمكن إخضاعه لألرقام والحسابات‬
‫الرياضية‪.‬‬
‫إن النموذج التراكمي‪ ،‬كما يرى ليندبلوم‪ ،‬قابل للتحقق فعليا ألن عملية تخطيط السياسات‬
‫العمومية واتخاد القرارات الحكومية تتم في إطار ضيق وبأقل عدد من البدائل المتاحة‪ .‬كما‬
‫أن صانع القرار الفعلي ال يستطيع تحقيق أكثر من تغيير محدود وجزئي في طبيعة المشكل‬
‫المولد لقرار السياسة العمومية‪ ،‬خالفا لما نادى به أنصار نموذج االختيار العقالني ‪.82‬‬
‫وما يميز النموذج التراكمي عن سابقه‪ ،‬هو أخده بعين االعتبار للتوافق والتراضي بين‬
‫المقررين في السياسة العمومية‪ ،‬وإعطاء مكانة أساسية لمسألة التنازالت والمساومات بين‬
‫الفاع لين في صنع القرار‪ ،‬مما يجعل التغييرات محدودة في هوامش ضيقة‪ ،‬يتجاوب فيها‬
‫صناع القرار في السياسة العمومية مع آراء ومطالب األطراف المتباينة ‪.‬‬
‫ينطلق النموذج التراكمي من قاعدة أساسية تعتبر السياسات العمومية عملية ديناميكية‬
‫ومتحركة ومتداخلة بين مختلف األجهزة والمؤسسات الحكومية‪ ،‬ومختلف الفاعلين الخواص‬
‫على أساس الصراع والتنافس على موارد وقيم هذه السياسة العمومية وكيفية توزيعها‪ ،‬مما‬
‫يعطي للعامل السياسي مكانة جوهرية ومحورية أغفلها وتجاهلها نموذج االختيار العقالني‪.‬‬
‫وقد عبر "روبيرت دال ‪" Robert DAHL‬عن ذلك بالقول‪ :‬أنه يمكن مواجهة عدم اليقين في‬
‫الواقع المعاش بأكثر من طريقة مفيدة‪ ،‬وخاصة البحث عن حلول مقبولة للمشاكل بدال من‬
‫البحث عن حلول مطلقة وكاملة‪ .‬كما يمكن اتخاد قرارات أولية ثم معرفة ما سيترتب عنها‬
‫الحقا من خالل المعلومات التي ولدها القرار األول‪ ،‬وبناء عليها يتم تغيير األهداف بما فيها‬
‫األهداف الجوهرية‪ ،‬بناء على فرضية أن القرارات التي يتم اتخاذها ما هي إال سلسلة ال‬
‫متناهية من الخطوات التي بإمكانها تصحيح األخطاء بشكل ال يتوقف‪ ،‬وبالرغم من ذلك‪،‬‬
‫يمكن استعمال النموذج التراكمي باالنطالق من وضع قائم ومعروف‪ ،‬ثم القيام بتغييرات‬
‫صغيرة تدريجيا في االتجاه المرغوب فيه ومالحظة الوضعية التي ستكون عليها الخطوة‬
‫الالحقة‪ ،‬وهكذا إلى ما ال نهاية من الخطوات االضافية التدريجية التي تعبر في األخير عن‬
‫تحول أو تغيير عميق‪ .‬كما أن الخيارات المحدودة هي سقف ما يملكه هذا الفرد أو ذاك في‬
‫سبيل اتخاذ أو صنع قرارات السياسة العمومية‪ ،‬وهذا هو منطلق النموذج التراكمي‬
‫ومرتكزاته الفكرية‪.83‬‬

‫‪82‬‬
‫‪- LINDNLOOM Charles : « The sciences of Muddling Throuth », PAR, Vol : 19, N 2, 1957 , P : 7-‬‬
‫‪88‬‬
‫‪ - 83‬روبيرت دال‪ :‬التحليل السياسي الحديث‪ ،‬مرجع سبق ذكره‪ ،‬ص‪.188 – 187 :‬‬
‫‪43‬‬
‫المنطلقات المنهجية للنموذج التراكمي التخاذ القرارات‪:‬‬ ‫ب‪-‬‬
‫يحدد ليندبلوم ‪ LINDBLOM‬هذه المنطلقات المنهجية المتبعة التخاذ القرار في السياسة‬
‫العمومية في النقط التالية‪:84‬‬
‫‪ -‬إن التحليل العلمي للسلوك‪ ،‬وكذا اختيار األهداف والغايات المطلوب تحقيقها‪ ،‬هي عمليات‬
‫متداخلة ومترابطة فيما بينها وليست مستقلة أو منفصلة عن بعضها البعض ‪.‬‬
‫‪ -‬إن متخذ القرار يأخذ بعين االعتبار بعض البدائل دون األخرى‪ ،‬في حدود ارتباطها‬
‫بالسياسات العمومية محل التنفيذ والسياسة العمومية موضع عملية اتخاذ القرار ‪.‬‬
‫‪ -‬ينبغي أن تتركز عملية المفاضلة بين البدائل المطروحة على النتائج المهمة التي يسمح كل‬
‫بديل تحقيقها والتي تشكل جوهر العالقة مع األهداف دون غيرها‪.‬‬
‫‪ -‬يسمح النموذج التراكمي أو التدريجي بإعادة النظر في العالقة القائمة بين األهداف‬
‫والوسائل‪ .‬ويسمح أيضا بإحالل التناسب بينهما بحيث يمكن إجراء التطويع لألهداف‬
‫والوسائل بشكل متوافق بينهما‪ ،‬مما يسهل السيطرة على المشكلة التي يواجهها متخذ‬
‫القرار‪ ،‬ويصبح بالتالي بمقدوره إجراء التغيير المطلوب والمستمر لقراراته دون حصول‬
‫خلل في ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬إن القرارات والسياسات هي حصيلة لألخذ والعطاء وتوافق متبادل بين المشاركين في‬
‫عملية صنع قرارات السياسات العمومية‪ .‬لذا يسهل النموذج التراكمي مسألة التوافقات‬
‫السياسية والتوصل إلى بناء اتفاق بشأن المواضيع والقضايا المختلف حولها بين األطراف‬
‫المتصارعة‪ ،‬وذلك بشكل مختلف عن نموذج االختيار العقالني الذي يقوم على قاعدة "كل‬
‫شيء أو ال شيء ‪".‬‬
‫‪ -‬يقلل النموذج التراكمي من ارتكاب األخطاء عند اتخاذ القرارات بسبب ظروف عدم التأكد‬
‫التي يعمل في ظلها متخذو أو صانعو القرارات‪ ،‬ويساعدهم على خفض التكلفة المترتبة‬
‫عن المغامرة والعشوائية المتبعة عند تغيير هذه القرارات ‪.‬‬
‫في ضوء ما سبق‪ ،‬يمكن القول أن النموذج التراكمي أو التدريجي يفضل االشتغال بناء على‬
‫األهداف المحدودة والخطوات القصيرة القادرة على مسايرة ومواكبة تحوالت البيئة‬
‫وتغيراتها‪ ،‬عوض التركيز على األهداف الكبرى التي يصعب تحقيقها في أغلب الحاالت‪.‬‬
‫فالنموذج التراكمي يركز على األهداف قصيرة األمد وليس على التخطيط طويل األمد‪.‬‬

‫‪84‬‬
‫‪- LINDBLOM Charles : « The policy Making Process », Op. Cit.‬‬
‫‪44‬‬
‫‪ -3‬نموذج الفحص المختلط‬
‫يرتبط هذا النموذج "بأميطاي إتزيوني ‪" Amitai ETZIONI‬الذي حاول إيجاد نموذج توفيقي‬
‫لعملية صنع القرار واتخاذه‪ ،‬يأخذ الجوانب اإليجابية والعملية من النموذجين السابقين‪ :‬نموذج‬
‫االختيار العقالني والنموذج التراكمي‪ ،‬وذلك بما يجعل عملية اتخاذ القرار تستفيد في آن واحد‬
‫من معطيات العقالنية ومعطيات التراكمية‪ ،‬ويجعل السياسات العمومية تتصف بالحركية‬
‫والديناميكية وأيضا بالعملية والواقعية من جهة‪ ،‬ويجنبها من جهة أخرى مثالية العقالنية‬
‫المطلقة وثقل التراكمية ورتابتها‪ .85‬وتكمن خصائص وضوابط نموذج الفحص المختلط‬
‫التخاذ القرارات في العناصر التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬انتقادات إتزيوني ‪ ETZIONI‬لنموذج االختيار العقالني‪:‬‬
‫االنتقادية لنموذج االختيار العقالني على النقط التالية‪:‬‬ ‫‪ETZIONI‬‬ ‫تقوم رؤية إتزيوني‬
‫‪ -‬أن نموذج االختيار العقالني يغلب عليه الغموض وعدم الواقعية عندما يعتبر أن المقرر‬
‫يمتلك المعرفة العقالنية الشاملة والضرورية التخاذ قراره بجميع الخيارات والبدائل وما‬
‫يترتب من نتائج محتملة عن كل واحد من هذه البدائل‪ .‬في حين أنه من الناحية الواقعية‬
‫والعملية يصعب عليه تحقيق ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬يبالغ نموذج االختيار العقالني عندما يدعي أن قدرته المعرفية والتحليلية الدقيقة تمكنه من‬
‫تصنيف بدائل اتخاذ القرار حسب أهميتها أو منفعتها‪ ،‬التحكم في موضوعات القرارات‬
‫ومحتوياتها‪ ،‬نظرا للصعوبة التي يطرحها تنوع القيم وتعدد المتغيرات التي تخترق مسار‬
‫اتخاد القرار‪.‬‬
‫‪ -‬إن نموذج االختيار العقالني هو نموذج مثالي تغلب عليه النظرة الطوباوية‪ ،‬ألن صانع‬
‫القرار هو في األخير كائن بشري ليس بمقدوره امتالك العقالنية المطلقة‪ ،‬كما أن األهداف‬
‫بدورها ال تخضع لطريقة عملية ثابتة‪ ،‬وال تترجم دائما إلى أرقام أو أن يتم ترتيبها حسب‬
‫أهميتها‪ ،‬ألن األفراد قد يختلفون حول أبسط القضايا‪.‬‬
‫للنموذج التراكمي‪:‬‬ ‫‪ETZIONI‬‬ ‫ب‪ -‬انتقادات إتزيوني‬
‫للنموذج التراكمي في النقط التالية‪:‬‬ ‫‪ETZIONI‬‬ ‫تنحصر انتقادات إتزيوني‬
‫‪ -‬يرتكز النموذج التراكمي عند "لندبلوم ‪ " LINDBLOM‬على فرضية محورية وهي أن‬
‫االنسان ال يستطيع اإللمام بجميع بدائل القرار وإنما يركز فقط على بدائل السياسات‬
‫التي تختلف اختالفا جزئيا أو سطحيا عن السياسات العمومية القائمة‪ ،‬وال يهتم بنتائج‬
‫البدائل كلها‪ ،‬ويتبنى تعريفا واحدا للمشكلة القائمة بطريقة تراكمية أو تدريجية تعكس‬
‫‪85‬‬
‫‪- ETZIONI Amitai : « Mixel seanning : Athird Approach to decision Making », PAR Vol : XXVII.‬‬
‫‪Decembre. 1967. P : 385 – 392.‬‬
‫‪45‬‬
‫أشكال المساومة بين الفئات االجتماعية المختلفة مثل‪ :‬األحزاب السياسة‪ ،‬وجماعات‬
‫الضغط‪ ،‬والنقابات واالتحادات المهنية في حل هذه المشكلة عبر سياسة عمومية‬
‫تحظى بالتوافق أو إجماع األطراف المعنية‪ ،‬وتأخذ بعين االعتبار المصالح الخاصة‬
‫بالفئات االجتماعية المتنوعة والمتعددة‪.‬‬
‫ويرى إتزيوني ‪ ETZIONI‬أن هذه الفرضية التي تبنى عليها القرارات ال تعني اتباع منهج‬
‫تشاركي في اتخاد القرارات‪ ،‬بل هي فرضية هشة تعبر فقط عن رغبات الفاعلين األقوياء‬
‫على حساب الفاعلين الثانويين‪ ،‬والمجموعات الصغيرة التي تعيش على هامش الحياة‬
‫االجتماعية واالقتصادية والسياسية وبالتالي تبقى بعيدة وغير قادرة على الـتأثير في قرارات‬
‫السياسات العمومية‪.86‬‬
‫‪ -‬يركز النموذج التراكمي على ماضي المؤسسة وحاضرها‪ ،‬وال يهتم بالتحوالت المحتملة‬
‫مستقبال وإمكانية تأثيرها على الفاعلين المعنيين باتخاذ القرار‪ ،‬بسبب بطئ وتعثر عملية‬
‫التخطيط للمستقبل‪ ،‬وأيضا عدم قدرتها على مواكبة التغييرات التي تطرأ في السياسات‬
‫العمومية‪ ،‬مما يزيد من مخاطر عدم قدرة النموذج التراكمي على بلوغ أي من األهداف‬
‫المحددة سلفا ‪.‬‬
‫‪ -‬إن النموذج التراكمي يصلح التخاذ القرارات الصغيرة وال يتناسب مع القرارات‬
‫االستراتيجية أو الكبيرة مثل‪ :‬إعالن الحرب‪ ،‬وحل األزمات البنيوية‪ ،‬وأيضا التحوالت‬
‫الجوهرية التي قد تمس السياسات العمومية‪ ،‬ألن مثل هذه القرارات الكبرى هي التي تحدد‬
‫المسارات المستقبلية للمجتمعات‪.87‬‬
‫على هذا األساس إذن‪ ،‬دعا "إتزيوني" إلى ضرورة إيجاد نموذج بديل يستطيع الجمع بين‬
‫القرارات األساسية والكبرى والقرارات الصغرى أو التراكمية حتى تتطابق مع األهداف‬
‫الكلية لهذه القرارات‪ .‬وهو ما يسعى الوصول إليه نموذج الفحص المختلط كخيار ثالث في‬
‫صنع قرارات السياسات العمومية‪ .‬كما يرى "إتزيوني" أن عمليتي التخطيط والتنفيذ هما‬
‫وظيفتان مت كاملتان ضمن مسار السياسة العمومية‪ ،‬وهو ما يعني أن مرحلة إعداد السياسة‬
‫العمومية تتطلب تبني النموذج العقالني‪ ،‬بينما مرحلة تنفيد السياسة العمومية تتطلب تبني‬
‫واعتماد النموذج التراكمي‪ .‬ألن العقالنية تسهل تحديد الخطوط العريضة لمجال السياسة‬
‫العمومية‪ ،‬بينما األسا ليب التراكمية أو التدريجية تؤدي إلى تفكيك تلك السياسة العمومية‬
‫وجعلها متطابقة مع مقتضيات الواقع السياسي واالجتماعي لإلدارة الحكومية‪.88‬‬
‫لذا فإن نموذج الفحص المختلط يسمح لمتخذي قرارات السياسات العمومية‪ ،‬باستثمار‬
‫أو استعمال طرق ومرتكزات نموذج االختيار العقالني‪ ،‬باإلضافة إلى النموذج التراكمي في‬
‫‪86‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪87‬‬
‫‪Ibid‬‬
‫‪88‬‬
‫‪Ibid‬‬
‫‪46‬‬
‫وقت واحد‪ ،‬وضمن حاالت وأوضاع مختلفة‪ ،‬حيث يسمح أيضا بالتوظيف المناسب لكال‬
‫النموذجين في وقت واحد‪ ،‬وضمن وضعيات وحاالت مختلفة عندما يكون نموذج االختيار‬
‫العقالني هو األنسب لحلها ومعالجتها‪.‬‬
‫ت‪ -‬االطار الفكري لنموذج الفحص المختلط‪:‬‬
‫يشكل نموذج الفحص المختلط ردا على السلبيات والنقائص التي اعترت كال من نموذج‬
‫االختيار العقالني وأيضا النموذج التراكمي‪ .‬ويمكن تلخيص ذلك في نقطتين اثنتين‪:‬‬
‫‪ -‬أن نموذج الفحص المختلط يشكل وصفا واقعيا للخيار األمثل الذي يمكن لمتخذ القرار أن‬
‫يتبناه في الوضعيات الكبرى والمتنوعة‪.‬‬
‫‪ -‬أن نموذج الفحص المختلط يرقى إلى دليل عملي لمتخذي القرارات‪ ،‬بحيث يتيح‬
‫االستمرارية في المتابعة وإدخال التغييرات على التنفيذ ونتائجه‪.‬‬
‫لقد مزج إتزيوني ‪ ETZIONI‬بين نموذج االختيار العقالني الذي استقى منه نظرته الكلية‬
‫والشمولية‪ ،‬والنموذج التراكمي واستقى منه هو اآلخر نظرته التجزيئية وتركيزه على‬
‫األجزاء والتفاصيل‪ ،‬ليخلص في النهاية إلى دمج بين النموذجين يقوم على أساس البحث‬
‫والتحليل واالختيار والتقييم بين ما هو خالصات إجمالية كما وضعها وحددها نموذج‬
‫االختيار العقالني وبين ما هو بناء تأسيسي كما وضعه النموذج التراكمي‪ ،‬لذا شكل هذا الدمج‬
‫والتوحيد منطلقا أساسيا لمعرفة وتحليل وتقييم البرامج العمومية القائمة ضمن السياسات‬
‫العمومية بصورة واضحة ومدركة‪ ،‬ومع بيان الجوانب الخاصة بالبناء السياسي واالقتصادي‬
‫واالجتماعي وتحليل متغيرات ذلك‪ ،‬ومدى تأثيرها على عملية اتخاذ القرار بكل ما له عالقة‬
‫‪89‬‬
‫بعمليات السياسات العمومية على صعيد النشأة والتنفيذ والتقييم‪.‬‬
‫‪ -4‬نموذج االختيار العمومي‬
‫إن نموذج االختيار العمومي هو نموذج يتعاطى مع السياسات العمومية باعتبارها فضاء‬
‫للقرار الجماعي وليس الفردي الذي يعبر عن مجموعة من األشخاص الباحثين عن تحقيق‬
‫مصالحهم ومنافعهم الذاتية‪ .‬واالختيار العمومي هو مقاربة تحليلية لكيفية صنع القرار واتخاذه‬
‫في السياسات العمومية‪ ،‬ولكن بناء على مفاهيم ومقاييس وأدوات اقتصادية وليست سياسية‪.‬‬
‫وهو ما يؤكد أن االختيار العمومي هو مقاربة اقتصادية لتحليل كيفية اتخاد القرار في‬
‫السياسات العمومية والذي يقوم على مرتكزين اثنين‪:90‬‬
‫األول‪ :‬يرتكز االختيار العمومي على دراسة السلوك االقتصادي لألفراد والجماعات لتحليل‬
‫اختياراتهم في السياسات العمومية‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪90‬‬
‫‪- DYE Thomas . Op. Cit. p : 39‬‬
‫‪47‬‬
‫الثاني‪ :‬أن هذا السلوك يستند إلى االختيار العقالني الذي ينطلق من عقالنية الفرد الذي يعمل‬
‫دائما على توسيع وتنويع منافعه‪ .‬ومن هنا فإن مكانة االختيار العمومي تندرج ضمن‬
‫السياقات الفكرية التي تحلل عملية اتخاد القرار في السياسات العمومية انطالقا من المعطيات‬
‫االقتصادية‪ ،‬باعتبار هذا القرار هو اختيار عمومي تفضيلي يحقق الخيارات الفردية عبر‬
‫القرارات الجماعية‪.91‬‬
‫إن األساس االقتصادي لنموذج االختيار العمومي يتم التعبير عنه بشكل أفضل من خالل ما‬
‫تمنحه عملية االختيار من بدائل مرتبطة بقانوني العرض والطلب‪ ،‬وتوجيه الموارد‬
‫واألهداف‪ ،‬والمنافسة في ظل نظام السوق‪ ،‬وهي آليات وأدوات يمكن استعمالها والبناء عليها‬
‫في عمليات أخرى لالختيار‪ ،‬كاالختيارات السياسية‪ ،‬واتخاذ القرار في مجال السياسات‬
‫العمومية أو تحديد من هي الجهة التي تتولى صناعة القرار‪ ،‬وتلك التي تتولى تنفيذه وكذا‬
‫المؤسسات الحكومية وهيئات المجتمع المدني التي ال تهدف لتحقيق الربح المادي‪ .‬لكن تطبيق‬
‫اآلليات االقتصادية في عملية اتخاذ القرار يستند إلى الفرضيات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬يسعى متخذ القرار إلى تحقيق أحسن النتائج بناء على األهداف المحددة ووفق الموارد التي‬
‫يتوفر عليها‪ ،‬وأيضا القيود واإلكراهات التي يواجهها‪.‬‬
‫‪ -‬كل تغيير في هذه القيود واالكراهات ينتج عنه تغييرات مماثلة في االختيارات‬
‫والتفضيالت‪.‬‬
‫‪ -‬تنشغل النظرية االقتصادية بدراسة ومعرفة البيئة التي يتم فيها االختيار‪ ،‬والتي يحاول فيها‬
‫متخذ القرار تحديد اختياره األفضل بناء على مؤشرات ومقاييس اجتماعية‪.‬‬
‫‪ -‬تتخذ النظرية االقتصادية من منطلق االختيار أسلوبا لها‪ ،‬ويتسع ذلك ليشمل نتائج هذا‬
‫االختيار والقرارات التي تنتج عنه‪ ،‬وآثار التغيرات التي تحصل في الموارد المتاحة‪ ،‬ثم‬
‫إكراهات هذه القيود على االختيار‪.‬‬
‫‪ -‬ينشغل االختيار العمومي بتطبيق كل هذه العناصر التي تشكل األساس االقتصادي على‬
‫عملية اتخاذ القرار في حقل السياسات العمومية‪ ،‬وقياس السلوك االنساني عند اتخاذ قرار‬
‫معين كاختيار بين مجموعة من الخيارات على أساس احتساب المنفعة والتكلفة‪.‬‬
‫تستند المرتكزات الفكرية لنموذج االختيار العمومي وكيفية اتخاذ القرار في السياسات‬
‫العمومية إلى كل من‪:‬‬
‫‪ -‬نموذج االختيار العقالني‪ ،‬ألن االختيار العمومي يشمل الحاجات والسلع العامة‬
‫والخدمات الواسعة التي تعكس العالقة بين صنع قرارات السياسة العمومية واتخاذها‪،‬‬

‫‪91‬‬
‫‪- MUELLER Dennis. C. et Autres : « Choix Public : Analyse Economique des décisions publiques »,‬‬
‫‪Traduction de la 3eme Edition Américaine. Economica. Paris. 2010. P : 1-2‬‬
‫‪48‬‬
‫وميول األفراد وتوجهاتهم الفردية والجماعية‪ ،‬وأيضا بين متطلبات الحكومات‬
‫والمؤسسات ومختلف الفاعلين مقابل طرق العمل‪ ،‬وبين رهانات المنتجين ونوعية‬
‫االنتاج من جهة ورغبات المستهلكين من جهة أخرى‪.‬‬
‫‪ -‬يستند االختيار العمومي إلى أفضلية باريطو (أو الوضع األمثل) التي تستند إلى مبدأ‬
‫أخالقي‪ ،‬يقوم على أساس أن األفضلية أو شروط الوضع األمثل لتحسين الوضع العام‬
‫لبعض الفئات االجتماعية يجب أن ال يتم على حساب الوضع العام لغيرهم من الفئات‬
‫األخرى‪ ،‬بمعنى أن ال يسبب ذلك ضررا لآلخرين‪ .‬وهو ما يشكل أسلوبا لتجنب‬
‫التحيز والتحلي بالموضوعية عند وضع البدائل‪ ،‬وخاصة منها البديل العام في اتخاذ‬
‫قرارات السياسات العمومية‪ .‬بحيث يمكن على أساس ذلك تقييم سياسة عمومية‪ ،‬أو‬
‫قرار عمومي‪ ،‬أو برنامج عمل‪ ،‬للقول بأنه مالئم أو أفضل عندما يكون جميع‬
‫المتأثرين به يقرون بأفضليته بناء على مبدأ التفاوض أو التوافق‪ ،‬واالجماع كأساليب‬
‫عمل اقتصادية قابلة للتطبيق في مجال السياسات العمومية‪.‬‬
‫‪ -‬يؤسس نموذج االختيار العمومي‪ ،‬مناهجه التحليلية على فرضية أساسية وجوهرية‬
‫تعتبر أن جميع المجاالت سياسية كانت أم اجتماعية واقتصادية‪ ،‬أو من جماعات أو‬
‫ناخبين ومرشحين‪ ،‬وبيروقراطيين ومشرعين ودافعي الضرائب‪ ،‬وكذلك الحكومات‬
‫وجماعات المصالح‪ ،‬كلهم يعملون من أجل مصالحهم ومنافعهم الخاصة سواء في‬
‫االقتصاد والتجارة أو السياسة واالدارة‪.‬‬
‫‪ -‬كما يستند نموذج االختيار العمومي لمرجعية فكرية ترجع تشكل النظم السياسية‬
‫والحكومات‪ ،‬وكل أشكال التنظيم السياسي واالداري‪ ،‬إلى كونها اختيار عمومي يستند‬
‫إلى ما يشبه العقد االجتماعي بينها واألفراد المرتبطين بها‪ ،‬مقابل منافعهم الخاصة‬
‫وحماية حياتهم وحرياتهم وممتلكاتهم‪ ،‬وهو ما جعل نموذج االختيار العمومي يستوعب‬
‫الدور الذي على الدول والحكومات القيام به‪ ،‬وخاصة الدور والوظائف التي ال يستطيع‬
‫السوق القيام بها‪ ،‬ومعالجة األزمات واالختالالت‪ ،‬وتولي الخدمات العمومية عبر آلية‬
‫السياسات العمومية واتخاذ القرارات بشأنها‪.92‬‬

‫‪92‬‬
‫‪- DYE Thomas : op. cit. p : 39 – 40‬‬
‫‪49‬‬
‫الفصل الرابع‪ :‬صياغة السياسة العمومية‬
‫تتصف عملية صياغة السياسة العمومية بالتعقيد والتشابك حينا وبالغموض حينا آخر‪،‬‬
‫فهي ليست بسيطة أو سهلة‪ ،‬بحيث يشارك أو يساهم في صياغتها فاعلون وأطراف وجهات‬
‫متعددة على المستويين الداخلي والخارجي‪ ،‬لكل واحد منهم مصالحه ومنافعه الخاصة‪،‬‬
‫وأيضا القيم والمبادئ التي تؤطره وتحدد أهدافه من االنخراط في صياغة هذه السياسة‪ ،‬ال‬
‫تتطابق وأهداف األطراف األخرى بشكل كلي أو جزئي‪ .‬كما تختلف وتتناقض طرق‬
‫ومبررات صياغة السياسة العمومية هي األخرى بحسب تباين واختالف مبررات األطراف‬
‫المشاركة في صياغتها‪ ،‬وما ينتج عنها من قرارات ملزمة للجميع بعد اكتسابها صفة السياسة‬
‫العمومية‪ ،‬وما يطرحه ذلك من صعوبة التوفيق بين أهداف ومصالح الفاعلين وجماعات‬
‫المصالح ومخت لف األطراف المتباينة مصالحها‪ ،‬والمؤثرة في مسلسل السياسات العمومية‪.‬‬
‫إن عملية صياغة السياسة العمومية ال يمكن فهمها ما لم تؤخذ بعين االعتبار مختلف‬
‫العناصر التي تكونها كتعريف من يتولى رسم السياسة العمومية وكيفية صياغتها‪ ،‬والوقت‬
‫المناسب لذلك‪ ،‬ونتائج التفاعالت التي تحصل بين الفاعلين في صياغتها‪ .‬ولتوضيح ذلك البد‬
‫من معرفة الخطوات التي تمر بها عملية صياغة السياسة العمومية‪.‬‬
‫الخطوة األولى‪ :‬صياغة بدائل السياسة العمومية‪:‬‬
‫تشمل هذه المرحلة القيام بالعديد من العمليات الضرورية‪ ،‬كجمع المعطيات والبيانات‪،‬‬
‫ووضع البدائل الممكنة لصياغة سياسة عمومية‪ ،‬والتي تتم على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ -1‬تحديد طبيعة المشكل العمومي المولد للسياسة العمومية‪ ،‬وكذا القضايا العامة المرتبطة‬
‫به‪ ،‬والناتجة عن مطالب الشرائح االجتماعية المستهدفة‪.‬‬
‫‪ -2‬إن إدراج المشكل العمومي على جدول األعمال الحكومي في النظم السياسية‬
‫الديموقراطية‪ ،‬يدفع الفاعلون األساسيون من صناع القرار‪ ،‬إلى االستعانة بما يجري من‬
‫نقاش عمومي مع الرأي العام‪ ،‬والباحثين‪ ،‬والخبراء في مجال المشكل العمومي المطروح‪،‬‬
‫وبآراء جماعات الضغط المعنية بهذا المشكل‪ ،‬وبما يقترح من حلول وآراء بديلة لحل هذه‬
‫المشكلة‪ .‬بحيث تلجأ هذه األطراف إلى اتباع آليات متعددة لجمع المعطيات والمعلومات‪،‬‬
‫والحقائق‪ ،‬واآلراء‪ ،‬والمقترحات والتصورات والحلول‪ ،‬من أجل بناء تصور أو حل‬
‫متماسك‪ .‬وذلك من خالل عقد الندوات‪ ،‬واللقاءات الفكرية‪ ،‬والمناظرات‪ ،‬بمشاركة باحثين‬
‫متخصصين في مجال المشكل العمومي‪ ،‬ومراكز األبحاث والدراسات‪ ،‬وهيئات المجتمع‬
‫المدني‪ ،‬والمؤسسات العمومية‪ ،‬وإجراء الدراسات المالية واالقتصادية واالجتماعية‬
‫والتقنية‪ ،‬لمعرفة التكلفة العامة التي يتطلبها حل هذا المشكل العمومي‪ ،‬واآلثار المفترضة‬
‫لهذه السياسة العمومية على الوضع االجتماعي واالقتصادي للشرائح االجتماعية المعنية‪،‬‬
‫وذلك كله من أجل صياغة البدائل الممكنة والمناسبة‪ ،‬بناء على ما توفر من معلومات‬
‫‪50‬‬
‫ومعطيات حقيقية‪ ،‬وما هي الخيارات المتاحة والمطروحة من جانب الفاعلين المنخرطين‬
‫في هذه العملية‪ ،‬وما هي االمكانات والموارد المتنوعة المطلوبة‪ .‬بمعنى‪ ،‬أن مرحلة تشكل‬
‫أو صياغة السياسة العمومية هي مرحلة مفتوحة أيضا للنقاش والتفاوض‪ ،‬والضغط‬
‫المتبادل بين األطراف المختلفة‪ ،‬المعنية باتخاذ قرار السياسة العمومية التباع بديل أو حل‬
‫معين للمشكلة المطروحة‪.‬‬
‫الخطوة الثانية‪ :‬اختيار البديل المناسب‬
‫تجري في هذه المرحلة عملية اختيار البديل أو الحل المناسب بعد مناقشة كل بديل من‬
‫بدائل السياسة العمومية المطروحة‪ ،‬والتي يمكن أن تكون في شكل استراتيجيات‪ ،‬أو‬
‫مخططات‪ ،‬أو برامج‪ ،‬أو مشاريع قوانين‪ ،‬أو قوانين تنظيمية تحدد كيفية إنشاء مؤسسات‬
‫معينة أو هيئات عامة لتتولى اإلشراف على تدبير وتنفيذ هذه السياسة العمومية‪ .‬وقد يكون‬
‫هناك بديل يشمل كل هذه المكونات‪ .‬وتخضع بدائل السياسة العمومية المقترحة للنقاش داخل‬
‫أروقة األجهزة الحكومية ومؤسساتها‪ ،‬طبقا لمساطرها الدستورية والمبادئ والقواعد المعمول‬
‫بها‪ ،‬وقد تتم هذه النقاشات في مؤتمرات عامة‪ ،‬أو خاصة باألحزاب السياسية والجماعات‬
‫الضاغطة من نقابات واتحادات مهنية‪ ،‬وتكتالت منفعية أو مصلحية‪ ،‬وهيئات المجتمع المدني‬
‫بكل أطيافه‪ ،‬وأثناء الحمالت االنتخابية‪ ،‬وعبر وسائل اإلعالم واالتصال المختلفة‪ ،‬أو عبر‬
‫استثمار الفضاء العمومي لالحتجاج العلني‪ .‬بحيث يؤدي هذا التفاعل إلى توفير الشروط‬
‫الضرورية الختيار البديل المالئم لطبيعة المشكل االجتماعي من جهة‪ ،‬وتعبيرا عن المصالح‬
‫والمنافع المتباينة التي يدافع عنها الفاعلون المنخرطون في عملية صياغة ورسم هذه السياسة‬
‫العمومية من جهة أخرى ‪ .‬غير أن النقاش العمومي الذي يجري بين الفاعلين في عملية‬
‫صياغة السياسات العمومية يأخذ في غالب األحيان أحد األساليب أو النماذج التالية ‪:‬‬
‫أ‪ -‬المساومة‪ :‬يعرف "جيمس أندرسون" المساومة بأنها‪" :‬عملية تفاوض بين طرفين أو أكثر‬
‫ممن يمتلكون السلطة أو الترخيص للتوافق على حل معين‪ ،‬ليس مطلوبا أن يكون حال مثاليا‪،‬‬
‫ولكن يعبر بشكل كلي أو جزئي عن مصالح وأهداف الطرفين أو األطراف المعنية‪.93‬‬
‫فالمساومة من خالل هذا التعريف‪ ،‬هي محاولة الوصول إلى توافق على تبادل المنافع‬
‫والمصالح المشتركة بين أطراف هذه المساومة بناء على معادلة (رابح – رابح)‪ ،‬وهي حالة‬
‫أو وضعية يقتنع فيها كل طرف من هذه األطراف أنه لن يحقق أهدافه ومنافعه الكلية أو‬
‫الجزئية إال بالتنازل عما يرغب فيه الطرف اآلخر من هذه المصالح والمنافع في الزمان‬
‫والمكان‪ ،‬والكيفية التي يتم بها التوافق‪ .‬ومن أهم شروط المساومة نذكر‪ :‬توافر الرغبة لدى‬
‫أطراف المساومة ووجود منفعة أو مصلحة يمتلكها طرف ما يرغب بها الطرف الثاني‪ .‬لكن‬
‫قد يحدث عدم امتالك أطراف المساومة نفس القوة واإلمكانات لكل منهما‪ ،‬وهو ما يؤدي إلى‬

‫‪ - 93‬أندرسون جيمس‪" :‬صنع السياسات العامة"‪ ،‬ترجمة عامر الكبيسي‪ ،‬الطبعة الولى‪ ،‬عمان‪ ،‬دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪.‬‬
‫‪.1999‬‬
‫‪51‬‬
‫تقديم الطرف األضعف لتنازالت أكبر حتى يستطيع الحصول على مصلحته أو منفعته‬
‫لصالح الطرف األقوى‪ ،‬وهو ما يسمى بالمساومة غير المتكافئة‪ .‬في حين فإن المساومة‬
‫المتوازنة هي التي يكون فيها طرفا المساومة يمتلكان نفس القوة‪ ،‬ونفس مستوى الحاجة‬
‫للحصول على المنفعة أو المصلحة موضوع المساومة‪.‬‬
‫كما يمكن أن تكون المساومة مبهمة أو ضمنية بطبيعتها عندما تحصل بين أطراف‬
‫حول وعود مستقبلية وليس آنية‪ .‬كاالتفاقات التي تتم بين الفرق البرلمانية عندما يقوم فريق‬
‫برلماني بدعم التصويت لصالح فريق أخر أثناء المناقشات والتصويت على مشروع أو‬
‫مقترح ما مقابل وعد بالحصول على تأييد الفريق اآلخر مستقبال حول قضية معينة‪ .‬كما يمكن‬
‫أن تكون علنية عندما تحدد أطراف المساومة مطالبها وشروطها كتابة تفاديا للغموض‬
‫وااللتباس الذي يميز المساومة الضمنية والشفوية‪.94‬‬
‫ب‪ -‬المنافسة‪ :‬لقد عرفها البعض بأنها "نشاط يمارسه طرفان أو أكثر‪ ،‬بهدف الوصول إلى‬
‫الغاية نفسها"‪ .95‬بمعنى أن المنافسة تتم في الواقع بين طرفين أو أكثر يبحثان كالهما عن‬
‫تحقيق مصالحهما ومنافعهما أو شيء ما يتميز بالندرة النسبية‪ ،‬وأن إمكانية حصول أي منهما‬
‫عليه كليا أو جزئيا يمنع الطرف اآلخر من الحصول عليه بنفس الكمية والقدر‪ ،‬كالمنافسة بين‬
‫الشركات والمقاوالت للسيطرة على قدر معين من المبيعات واألرباح‪ ،‬أو المنافسة بين‬
‫األحزاب السياسية على أصوات الهيئة الناخبة في االنتخابات‪ ،‬وتنافس الدول فيما بينها على‬
‫الموارد االقتصادية والمواقع االستراتيجية‪.‬‬
‫ومن الشروط الواجب توفرها لحصول المنافسة‪ :‬وجود طرفين أو أكثر‪ ،‬ووجود هدف معين‬
‫يتصف بالندرة النسبية التي تلبي حاجات جميع األطراف المتنافسة‪ ،‬وأن تكون لكل طرف من‬
‫اطراف المنافسة الرغبة في السيطرة عليه واحتكاره بشكل كلي ومنع اآلخرين من الحصول‬
‫عليه‪ .‬فالفرق بين المنافسة والمساومة كوضعيات اجتماعية موضوعية‪ ،‬هو أنه في األولى‬
‫يعمد كل طرف في المنافسة إلى تحقيق أهدافه على حساب اآلخر‪ ،‬أما في المساومة فكل‬
‫طرف يلجأ إلى تحقيق أهدافه ومنافعه بناء على التوافق والتراضي مع الطرف اآلخر‪.‬‬
‫ج‪ -‬الصراع‪ :‬الصراع هو حالة من التفاعل والمجابهة بين طرفين‪ ،‬تنتهي بانتصار أحد‬
‫األطراف على الطرف اآلخر وفوزه بما خاض الصراع من أجله‪ ،‬وتحميل الطرف الخاسر‬
‫أو المنهزم تكاليف عملية الصراع‪ .‬ويمكن للصراع أن يكون سلميا وال يستهدف إلحاق األذى‬
‫بالطرف اآلخر‪ ،‬وينتهي عند مستوى التهديد‪ .‬وقد يكون عنيفا فيلحق الضرر باألطراف‬

‫‪94‬‬
‫‪- MITCHELL/ Joyce. M, et MITCHELL William. C : « Political analysis and Political policy : An‬‬
‫‪introduction to Political science », Chicago, Rand and company. 1969. P : 447‬‬
‫‪ - 95‬المنوفي كمال‪" :‬أ صول نظم السياسة المقارنة"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬شركة الربيعان للنشر والتوزيع‪ ,1987 ,‬ص‪296 :‬‬
‫‪52‬‬
‫المتصارعة أو بعضها كمقابل للحصول على ما يجري حوله الصراع‪ ،‬وينتهي بفوز أحدهما‬
‫وهزيمة الطرف اآلخر وفقدانه للشيء موضوع الصراع‪.96‬‬
‫د‪ -‬القرارات السلطوية‪ :‬المقصود بها هو إصدار األوامر والتعليمات في بنية تراتبية من‬
‫األعلى إلى األسفل‪ ،‬وتقابل بالطاعة واالمتثال لقرارات الرؤساء مقابل التحفيز بالثواب‬
‫للمؤيدين وبالعقاب للمعارضين والرافضين‪ ،‬وهو أسلوب يعتمد كثيرا في رسم السياسات‬
‫العمومية في األنظمة الشمولية واالستبدادية‪.97‬‬
‫وخالفا لذلك يمكن اعتماد اإلقناع والتعاون بين األطراف المعنية بصياغة السياسة العمومية‪،‬‬
‫عندما يستطيع أحد هذه األطراف إقناع الطرف أو األطراف االخرى بأهمية العرض أو‬
‫القضية المعروضة عليه من الطرف االخر‪ ،‬بناء على معلومات أو معطيات جديدة أو‬
‫مصالح ومنافع وامتيازات لم تكن معلنة سابقا‪ .‬ولتحقيق ذلك تنخرط األطراف في مسار من‬
‫التعاون فيما بينها‪ ،‬بناء على قاعدة إقناع األطراف بعضها بأهداف البعض اآلخر لتحقيق‬
‫أهداف مشتركة‪ .‬ويشكل التعاون آلية ال يمكن إنكار اللجوء إليها بين مختلف الفاعلين في‬
‫مسار رسم وصياغة السياسة العمومية بين الجماعات االجتماعية‪ ،‬واالحزاب السياسية‪،‬‬
‫والجماعات الضاغطة‪ ،‬والمؤسسات العمومية‪ ،‬ومختلف األجهزة الحكومية ‪.‬‬
‫الخطوة الثالثة‪ :‬تبني الحل‪.‬‬
‫بعد مرحلة وضع البدائل المتاحة واستعراضها‪ ،‬تأتي مرحلة اختيار الحل أو البديل المناسب‬
‫استنادا إلى معايير محددة للمفاضلة بين الخيارات المطروحة للتوصل إلى الخيار األمثل‬
‫لدعمه وإضفاء الشرعية عليه‪ .‬غير أن ذلك يتم في سياق المشكل العمومي الذي يلعب دورا‬
‫حاسما في تحديد المعايير التي سيتم على أساسها اختيار هذا البديل المناسب أو الحل المعتمد‪.‬‬
‫ومن المعايير التي يتم االستناد إليها خالل عملية اختيار الحل أو البديل المالئم نذكر‪:‬‬
‫‪ -‬الفاعلية‪ :‬والهدف منها هو معرفة هل سينتج عن هذا البديل النتائج المرجوة منه أم ال؟‬
‫‪ -‬الكفاءة‪ :‬وتعتمد كمعيار لتحليل الناتج الحاصل بين المنفعة التي يمكن لهذا البديل تحقيقها‬
‫والتكلفة الكلية التي يتطلبها‪ ،‬وأيضا اآلثار االجتماعية والكيفية التي سيؤثر بها هذا البديل‬
‫على الجماعة المستهدفة‪.‬‬
‫‪ -‬العدالة‪ :‬والمقصود بها كمعيار‪ ،‬هل يضمن البديل المعتمد توزيعا عادال للتكلفة والمنفعة‬
‫على الفئات والشرائح المستهدفة وغير المستهدفة؟‬
‫‪ -‬إمكانية تطبيق الحل‪ :‬ويقصد بذلك مدى توفر المناخ السياسي والمؤسساتي واإلداري‬
‫والقانوني الالزم لتطبيق فعال وكفئ للبديل الذي تم اختياره أم ال‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫‪- Mitchell. Op. cit. p : 460‬‬
‫‪ -‬أندرسون جيمس‪ :‬مرجع سبق ذكره‪ ,‬ص‪111 :‬‬ ‫‪97‬‬

‫‪53‬‬
‫‪ -‬مرونة الحل‪ :‬وتعني هنا هل البديل المعتمد يمتلك المرونة التي تمكنه من استيعاب‬
‫التطورات والتحوالت التي قد تطرأ مستقبال أم ال؟ ومدى قدرته على التكيف معها أم ال؟‬
‫‪ -‬الوعي العام‪ :‬ومعناه مستوى التعبئة االجتماعية‪ ،‬والوعي السائد حول طبيعة القضية‬
‫المثارة‪ ،‬واالستراتيجية المتبعة لعالج هذه المشكلة‪.‬‬
‫لكن ما يجب التأكيد عليه‪ ،‬هو أن االختيار بين بدائل السياسة المختلفة المتاحة أمام متخذي‬
‫القرار‪ ،‬وهي عملية أيضا سياسية بامتياز‪ ،‬تخضع إما لمنطق إما المساومة أو المنافسة أو‬
‫الصراع ‪.‬‬
‫بعد اختيار البديل النهائي أو مجموعة البدائل السياسية المالئمة لمعالجة المشكل‬
‫العمومي القائم‪ ،‬يلي ذلك مرحلة صياغة السياسة العمومية وإصدارها على شكل استراتيجية‬
‫متكاملة أو مجموعة برامج متناسقة أو مخططات محددة‪ ،‬أو في صورة قرارات وتعليميات‬
‫وتشريعات وإجراءات تنظيمية ومؤسساتية‪ ،‬وأهداف ومبادئ وآثار وأنظمة للتمويل‪.‬‬
‫وبموجب ذلك تصبح السياسة العمومية قائمة وتنقلنا إلى المرحلة التي تليها وهي مرحلة‬
‫التنفيذ‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬تنفيذ السياسة العمومية‬
‫تعتبر مسألة تنفيذ السياسة العمومية موضوعا خصبا وغنيا‪ ،‬بحيث أعطيت له العديد من‬
‫التعاريف من لدن باحثين متعددين يختلفون من حيث المرجعيات الفكرية والحقول المعرفية‬
‫التي ينتمون إليها‪.‬‬
‫فقد عرف ‪ SAPRU. R. K‬تنفيذ السياسة العمومية بأنها‪" :‬عملية تستهدف القيام بأفعال وأنشطة‬
‫وإجراءات فاعلة ومؤثرة من قبل فاعلين في القطاعين العام والخاص‪ ،‬طبقا لما رصدته‬
‫السياسة العمومية من موارد وما حددته من أهداف‪ ،‬بشكل يجعل االدارة العمومية قادرة على‬
‫اتخاذ االجراءات التنفيذية وإنجازها بالفعالية والمالئمة المطلوبتين‪".98‬‬
‫أما ‪ R. NAKAMURA et F.S. WOOD‬فقد حددا المقصود بتنفيذ السياسة العمومية‪" :‬هي تلك‬
‫المجموعة من األفعال واألنشطة العامة والخاصة التي يؤديها األفراد والجماعات من أجل‬
‫تحقيق األهداف المرسومة مسبقا في قرارات السياسة العمومية‪".99‬‬
‫كما عرف كل من ‪ Ch. HAM et M. HILL‬عملية تنفيذ السياسة العمومية بأنها‪" :‬مرحلة تتصف‬
‫بالمرونة الدائمة وتتحول فيها السياسة العمومية إلى حقيقة فعلية بشكل يجعل منها سياسة‬
‫الستمرار الفعل قصد تحقيق األهداف‪".100‬‬
‫بناء على هذه التعاريف يمكن القول أن عملية تنفيذ السياسة العمومية يقصد بها تلك العملية‬
‫الفعلية التي تجعل السياسة العمومية إطارا خصبا للفعل واألداء‪ ،‬قصد تحويلها أو نقلها من‬
‫وضعية األفكار والبدائل والقرارات إلى حالة ميدانية للفعل التنفيذي والتطبيقي حتى تشمل‬
‫جميع الحدود والفضاءات من إعالنها كسياسة إلى مالحظة آثارها الحقيقية التي تعبر عن ما‬
‫حدث ويحدث من تفاعالت عكسية بواسطة األجهزة االدارية والبيروقراطية المعنية بأداء‬
‫وظيفة التنفيذ التي تتوالها السلطة التنفيذية ‪.‬‬
‫أوال‪ :‬السلطة التنفيذية‬
‫تعتبر السلطة التنفيذية هيئة تختص بتنفيذ القوانين والقرارات اإلدارية والسياسية للدولة‪،‬‬
‫وتمارس السلطة التنفيذية إلى جانب عدد من الوزراء‪ ،‬وكتاب الدولة‪ ،‬واإلدارات المركزية‪،‬‬
‫والمصالح الجهوية والمحلية‪ ،‬وشبكة من المؤسسات والهيئات‪ ،‬واللجان واألجهزة اإلدارية‬
‫الحكومية ومن الموظفين‪ ،‬بناء على اختصاصات محددة بموجب القوانين‪ .‬وتختلف الجهة‬
‫التي تمارس السلطة التنفيذية في مستوياتها العليا‪ ،‬باختالف النظام السياسي السائد في كل‬
‫دولة‪ :‬إذ يمارسها رئيس الدولة في بعض الدول كما هو الشأن في الواليات المتحدة‬
‫‪98‬‬
‫‪- SAPRU. R. K : « Public Policy », New Delhi : sterling Publishers Private Limited. 1994‬‬
‫‪99‬‬
‫‪- NAKAMURA (Robert) et SAMLL WOOD Frank : « The Politics of Policy Implementation »,‬‬
‫‪New York. ST Martins Press Inc. 1980. P : 14‬‬
‫‪100‬‬
‫‪- HAM Christopher et HILL Michael : « The Policy Process in the modern capitalist state ». New‬‬
‫‪York. Harvester Wheatsheaf . 1984‬‬
‫‪55‬‬
‫األمريكية‪ ،‬أو رئيس الحكومة كما هو األمر في بريطانيا‪ ،‬أو هي موكولة دستوريا لرئيس‬
‫الدولة ورئيس الوزراء وفق توزيع دقيق لالختصاصات والصالحيات كما هو عليه األمر في‬
‫فرنسا‪.‬‬
‫ويعهد للسلطة التنفيذية‪ ،‬في كل هذه النماذج‪ ،‬باختصاصات واسعة وخطيرة‪ ،‬كتنفيذ القوانين‪،‬‬
‫وإصدار المراسيم والقرارات‪ ،‬وحفظ األمن الداخلي والدفاع الخارجي‪ ،‬وحفظ النظام العام‪،‬‬
‫والصحة والتعليم والتخطيط‪ ،‬واإلعالم والثقافة‪ ،‬والصناعة والتجارة‪ ،‬والمالية العامة‪ ،‬وحماية‬
‫حقوق وحريات المواطنين وممتلكاتهم الخاصة والعامة‪ ،‬وإدارة العالقات الخارجية‬
‫والديبلوماسية للدولة‪ .‬كما يعهد إليها أيضا ببعض االختصاصات في ظل الظروف‬
‫االستثنائية فتتولى صالحيات واسعة تقيد من مجال القانون والحريات الشخصية‪ ،‬كما هو‬
‫الوضع مع حالة الطوارئ الصحية إبان جائحة كورونا فيروس ‪.‬‬
‫وفي المغرب ينص الفصل ‪ 89‬من دستور ‪ ،2011‬على أنه‪" :‬تمارس الحكومة السلطة‬
‫التنفيذية‪ ،‬وتعمل الحكومة تحت سلطة رئيسها‪ ،‬على تنفيذ البرنامج الحكومي‪ ،‬وعلى ضمان‬
‫تنفيذ القوانين‪ .‬واإلدارة موضوعة تحت تصرفها‪ .101‬وتتألف السلطة التنفيذية طبقا للفصل ‪87‬‬
‫من دستور ‪ 2011‬من رئيس الحكومة والوزراء وكتاب الدولة‪.102‬‬
‫وباإلضافة لهذه األدوار والصالحيات‪ ،‬تضطلع السلطة التنفيذية أيضا برسم ووضع‬
‫السياسات العمومية وتنفيذها‪ ،‬نظرا لما تمتلكه من وسائل وإمكانات وموارد عمومية تمكنها‬
‫من القيام بذلك‪ ،‬وخاصة األجهزة اإلدارية والبيروقراطية العامة‪ ،‬وهيئاتها ومؤسساتها‬
‫المتنوعة التي تتدخل في مسار السياسة العمومية‪ ،‬والتي يمكنها ذاك من إعاقة رسم السياسات‬
‫العمومية تماما كقدرتها على تنفيذها أو عدم تنفيذها‪ ،‬نظرا لكثرة المشاكل االجتماعية‪،‬‬
‫والقضايا التي تتطلب كفاءات وخبرات معرفية وفنية لرسم هذه السياسات أو تنفيذها‪ ،‬والتي‬
‫ال تتوفر إال للسلطة التنفيذية بالمقارنة مع باقي السلط األخرى في الدولة ‪.‬‬
‫وينص الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬في الفصل ‪ 92‬على أنه "يتداول مجلس الحكومة تحت‬
‫رئاسة رئيس الحكومة في القضايا والفصول التالية‪:‬‬
‫‪-‬السياسة العامة للدولة قبل عرضها على المجلس الوزاري‬
‫‪-‬السياسات العمومية‬
‫‪103‬‬
‫‪-‬السياسات القطاعية‬
‫كما ينص أيضا في فصله ‪ 100‬على أن "تخصص باألسبقية جلسة في كل أسبوع ألسئلة‬
‫أعضاء مجلسي البرلمان وأجوبة الحكومة‪ .....‬تقدم األجوبة على األسئلة المتعلقة بالسياسة‬
‫‪ -‬الفصل ‪ 89‬من دستور ‪2011‬‬ ‫‪101‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 87‬من دستور ‪2011‬‬ ‫‪102‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 92‬من دستور ‪2011‬‬ ‫‪103‬‬

‫‪56‬‬
‫العامة من قبل رئيس الحكومة‪ ،‬وتخصص لهذه األسئلة جلسة واحدة كل شهر وتقدم األجوبة‬
‫عنها أمام المجلس الذي يعنيه األمر (إما مجلس النواب أو مجلس المستشارين) خالل الثالثين‬
‫يوما الموالية إلحالة األسئلة على رئيس الحكومة"‪.104‬‬
‫ويمكن أيضا لرئيس الحكومة طبقا للفصل ‪ 101‬من الدستور أن "يعرض أمام البرلمان‬
‫الحصيلة المرحلية لعمل الحكومة‪ ،‬إما بمبادرة منه‪ ،‬أو بطلب من ثلث أعضاء مجلس النواب‪،‬‬
‫أو من أغلبية أعضاء مجلس المستشارين‪ .‬وتخصص جلسة سنوية من قبل البرلمان لمناقشة‬
‫السياسات العمومية وتقييمها"‪ .105‬كما يمكن لرئيس الحكومة طبقا للفصل ‪ 103‬من الدستور‬
‫أن يربط لدى مجلس النواب‪ ،‬مواصلة الحكومة تحمل مسؤوليتها بتصويت يمنح الثقة بشأن‬
‫تصريح يدلي به في موضوع السياسة العامة‪ ،‬أو بشأن نص يطلب الموافقة عليه"‪.106‬‬
‫والسلطة التنفيذية ال يمكنها أن تؤدي دورها في مجال تنفيذ السياسات العمومية إال بواسطة ما‬
‫تتوفر عليه من أجهزة إدارية متعددة ومتنوعة‪ .‬ألن هذه األجهزة اإلدارية المختلفة هي‬
‫المسؤولة عن تنفيذ السياسات العمومية‪ ،‬بناء على المقاربة التشاركية‪ .‬بحيث تتولى الوحدات‬
‫والهيئات واألجهزة والمؤسسات اإلدارية العمل على تنفيذ توجهات وقرارات السياسة‬
‫العمومية‪ ،‬وكل ما يرتبط بحاجيات المواطنين وقضاياهم المختلفة‪ .‬تعمل هذه الوحدات‬
‫االدارية مركزيا ومحليا في حدود تخصصها واختصاصها القانوني والمكاني‪ ،‬وحدود‬
‫االمكانات المتوفرة لديها‪ ،‬على تنفيذ أهداف السياسات العمومية بصورة موسعة ومرنة‪ ،‬ألنها‬
‫تمارس هذه المهمة أو الوظيفة في ظل وجود قوانين مؤطرة وواضحة أحيانا وغامضة أحيانا‬
‫أخرى ‪ ،‬بل منعدمة حينا آخر‪ ،‬وفي ظل قواعد عامة مطلقة تسمح لألجهزة اإلدارية بالعمل‬
‫على تنفيذ السياسات العمومية واتخاذ القرارات المالءمة‪.‬‬
‫وباإلضافة لألجهزة اإلدارية المعنية أصال بتنفيذ السياسة العمومية‪ ،‬هناك جهات أخرى‬
‫عديدة تساهم في عملية التنفيذ بتناسق مع المقولة القائلة أن‪" :‬السياسة العمومية تصنع مثلما‬
‫تنفذ‪ ،‬وتنفذ مثلما تصنع‪ ،‬ويتم تشريعها في ضوء االمكانات المتوفرة لتطبيقها‪ ،‬ويتم تطبيقها‬
‫أيضا في ضوء عملية تشريعها أو صنعها" ‪ ،‬وهو ما يبرر حالة التأثير المتبادل في مسار‬
‫السياسة العمومية صنعا وتنفيذا‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬الجهات المؤثرة في منفذي السياسات العمومية‬
‫وإذا كانت عملية تنفيذ السياسة العمومية باعتبارها عملية تقنية تتوالها السلطة التنفيذية‬
‫وأجهزتها اإلدارية التي تتعدد بتعدد أنواع السياسات العمومية‪ ،‬فإن هناك جهات أخرى‬
‫متعددة أيضا تمارس وتؤدي دور التأثير المباشر أو غير المباشر على من يتولى تنفيذ‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 100‬من دستور ‪2011‬‬ ‫‪104‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 101‬من دستور ‪2011‬‬ ‫‪105‬‬

‫‪ -‬الفصل ‪ 103‬من دستور ‪2011‬‬ ‫‪106‬‬

‫‪57‬‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬ويمكن حصر هذه الجهات التي تؤثر في مسار تنفيذ السياسات العمومية‬
‫في الفاعلين من المؤسسات والهيئات والتنظيمات التالية‪:‬‬
‫السلطة التشريعية‬ ‫أ‪-‬‬
‫نظرا لدورها في صناعة السياسة العمومية عبر المناقشة والتعديل والتصويت والمراقبة‬
‫وأيضا التقييم‪ .‬تمارس البرلمانات تأثيرا على مختلف طرق التنفيذ اإلداري‪ ،‬وما تملكه من‬
‫آليات للضغط على هذه األجهزة بوسائل مختلفة ومتنوعة‪ ،‬والتي يمكن حصرها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تؤدي وظيفة التشريع وإصدار قوانين واضحة ودقيقة‪ ،‬إلى تقليص هامش السلطة التقديرية‬
‫التي تتمتع بها األجهزة اإلدارية في اتباع المساطر‪ ،‬واإلجراءات اإلدارية‪ ،‬والمدة الزمنية‪،‬‬
‫وكيفية صرف االعتمادات المالية وطريقة األداء‪ ،‬وأيضا احترام االختصاصات النوعية‬
‫والمجالية‪.‬‬
‫‪ -‬تمارس السلطة التشريعية سلطة المراقبة والتتبع والمساءلة السياسية لألجهزة اإلدارية في‬
‫شخص رئيس الحكومة‪ ،‬أو الوزير المكلف بالقطاع الذي ينتمي إليه الجهاز اإلداري‬
‫المعني بتنفيذ الساسة العمومية‪ ،‬وأيضا سلطة إجراء تقييم السياسات العمومية عبر آليات‬
‫وطرق مختلفة للوقوف على مدى احترام الحكومات وأجهزتها اإلدارية في تنفيذ السياسات‬
‫العمومية طبقا لإلجراءات والضوابط والقوانين التي أصدرتها السلطة التشريعية‪ ،‬وبما‬
‫يخدم تحقيق األهداف واآلثار المعلنة سلفا‪.‬‬
‫‪ -‬يتوقف تحديد وحصر االعتمادات المالية السنوية المخصصة لألجهزة اإلدارية من أجل‬
‫أداء وظيفتها التنفيذية‪ ،‬وتنظيم هياكلها بما يتناسب مع متطلبات السياسة العمومية‪ ،‬على‬
‫موافقة السلطة التشريعية حين ممارستها لصالحياتها المالية أو رفضها لهذه االعتمادات‪.‬‬
‫‪ -‬ينص الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬في الفصل ‪ ،70‬باإلضافة للفصول ‪ 100‬و ‪101‬‬
‫و‪ 103‬التي سبقت اإلشارة إليها بالتحليل‪ ،‬يمارس البرلمان السلطة التشريعية‪ .‬ويصوت‬
‫على القوانين‪ ،‬ويراقب عمل الحكومة‪ ،‬ويقيم السياسات العمومية‪.107‬‬
‫السلطة القضائية‬ ‫ب‪-‬‬
‫تمارس السلطة القضائية في هذا الجانب دورا مزدوجا‪ ،‬فهي‪:‬‬
‫أوال ‪ ،‬تقوم بدور تنفيذ السياسة القضائية بشكل عام ومختلف السياسات العمومية المرتبطة‬
‫بالمجال القضائي والجنائي والحقوق والحريات العامة وسياسة محاربة الجريمة المنظمة‪،‬‬
‫والسهر على تنفيد قواعد وإجراءات المعامالت المدنية واالسرية والتجارية وغيرها‪.‬‬

‫‪ - 107‬الفصل ‪ 70‬من دستور ‪2011‬‬


‫‪58‬‬
‫ثانيا‪ :‬وباعتبارها جهة معنية أيضا بصنع السياسات العمومية‪ ،‬فإن العديد من األجهزة‬
‫القضائية باعتبارها مجموعة من الوحدات واألجهزة اإلدارية التنفيذية تتولى دورا تنفيذيا‪،‬‬
‫ك سلطة التحقيق واالستماع إلى الشهادات‪ ،‬وتطبيق القوانين طبقا لإلجراءات المسطرية‬
‫المتفق عليها‪ ،‬وإصدار األحكام في حق المسؤولين اإلداريين مهما كان مستوى الوحدات‬
‫واألجهزة التي يتولون مسؤولية تدبيرها‪ ،‬سواء كانت مستقلة أو جزءا من التراتبية االدارية‪.‬‬
‫كما تتولى السلطة القضائية اتخاذ االجراءات القانونية للكشف عن االنحرافات والتجاوزات‬
‫المختلفة‪ ،‬التي تتم أثناء أداء اإلدارة العمومية مهامها ووظائفها المرتبطة بتنفيذ السياسة‬
‫العمومية‪ .‬وأيضا بإبطال كل التصرفات واألفعال التي تتميز أو تتصف بالشطط في استعمال‬
‫السلطة أو التعسف في تطبيق القوانين واالجراءات المسطرية المعمول بها‪ ،‬مما يعتبر‬
‫تصرفا ال يستقيم وضوابط العمل حين التنفيذ‪ ،‬وهو ما يؤشر بشكل مباشر على األداء‬
‫اإلداري والوظيفي لمختلف األجهزة اإلدارية‪ .‬وكلما تصرف القضاء بهذا الشكل فهو يساهم‬
‫في جعل اإلدارة العمومية وبيروقراطيتها اإلدارية تخضع للقانون وال تعلو عليه‪ ،‬ويكشف‬
‫انحرافاتها ويقلل من تأثيراتها السلبية على المواطن والمجتمع‪.108‬‬
‫باإلضافة لما سبق‪ ،‬يلعب القضاء دورا محوريا في تفسير األحكام القضائية‪ ،‬والنصوص‬
‫التنظيمية‪ ،‬والفصل في الطعون الخاصة بالقرارات اإلدارية المرفوعة إليه من قبل الجهات‬
‫المتضررة‪ ،‬بحيث يؤثر القضاء‪ ،‬بكل هذه األدوار والتدخالت‪ ،‬إما إيجابا أو سلبا على تنفيذ‬
‫السياسة العمومية‪.109‬‬
‫ج‪ -‬األحزاب السياسية‬
‫تعتبر األحزاب السياسية إحدى الظواهر البارزة في الحياة السياسية والسيما في األنظمة‬
‫الديمقراطية نظرا لتنافسها على السلطة‪ ،‬وتجسيدها لمبدأ المشاركة السياسية‪ ،‬والتعبير عن‬
‫إرادة المجتمع بكافة أطيافه ومصالحه‪ .‬وانطالقا من أهمية األحزاب السياسية في أي نسق‬
‫سياسي‪ ،‬يطرح معها مفهوم األحزاب السياسية والوظائف التي تؤديها ودورها في صنع‬
‫السياسات العمومية ‪.‬‬
‫يعرف كل من ‪ Jean GIQUEL et André HOURIOU‬الحزب السياسي بأنه‪" :‬تنظيم دائم يتحرك‬
‫على مستوى وطني ومحلي من أجل الحصول على الدعم الشعبي‪ ،‬ويهدف للوصول إلى‬
‫ممارسة السلطة بغية تحقيق سياسة معينة"‪.110‬‬

‫‪108‬‬
‫‪- WIHTE Michael. J : « The Ombusdsman and Public Administration », PAR. N5. VOL. 43. 1983 .‬‬
‫‪P : 467 - 469‬‬
‫‪ - 109‬أندرسون جيمس‪" :‬صنع السياسة العامة"‪ ،‬مصدر سبق ذكره‪ .‬ص‪127 :‬‬
‫‪110‬‬
‫‪- GICQUE Jean et HAURIOU André: « droit constitutionnel et Institutions Politiques », Ed.‬‬
‫‪Montechrestien 1985 .‬‬
‫‪59‬‬
‫أما كولمان وروزبرج )‪ (James Coleman et Carl Rosberg‬فيعتبران األحزاب السياسية بأنها‪:‬‬
‫"اتحادات منظمة رسميا‪ ،‬ذات غرض واضح ومعلن يتمثل في الحصول أو الحفاظ على‬
‫السيطرة الشرعية (سواء بشكل منفرد‪ ،‬أو بالتآلف‪ ،‬أو بالتنافس االنتخابي مع اتحادات‬
‫مشابهة) على مناصب وسياسات الحكم في دولة ذات سيادة فعلية أو متوقعة"‪.111‬‬
‫لكن يعتبر كل من "البالومبارا )‪ (J .Laplombara‬وفينر )‪" (M. Weiner‬في كتابهما "األحزاب‬
‫السياسية والنمو السياسي"‪ ،‬أن "الحزب السياسي يوجد إذا توفرت أربعة شروط موضوعية‪،‬‬
‫وذلك على الشكل التالي‪:‬‬
‫‪ " -1‬أنه تنظيم دائم‪ ،‬أي تنظيم يعد أمله في الحياة السياسية أعلى وأكبر من أمل قادته في‬
‫وقت ما‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يتوفر له تنظيم محلي وطيد وبشكل جيد ودائم ظاهريا‪ ،‬ويقيم صالت منتظمة‬
‫ومتنوعة مع المستوى الوطني‪.‬‬
‫‪ -3‬إرادة واعية للقادة الوطنيين للتنظيم جهويا ومحليا ألخذ السلطة وممارستها‪ ،‬لوحدهم‬
‫أو مع الغير‪ ،‬وليس فقط للتأثير عليها‪.‬‬
‫‪ -4‬االهتمام بالبحث عن الدعم الشعبي من خالل االنتخابات أو بأي طريقة أخرى في‬
‫حدود النظام"‪.112‬‬
‫انطالقا من هذه التعاريف‪ ،‬يتضح أن ظاهرة األحزاب السياسية يمكن أن تدرس من خالل‬
‫زوايا مختلفة‪ ،‬سياسية واجتماعية واقتصادية وتنظيمية وقانونية‪ ،‬وبأدوات ومناهج تحليلية‬
‫متباينة‪ .‬إال أن دراسة األحزاب السياسية مازالت تمثل تحديا للباحثين والمتخصصين‪ ،‬وتشكل‬
‫واحدة من القضايا المعقدة نتيجة لمجموعة من العوامل منها الداخلية ومنها الخارجية‪.‬‬
‫وبالرغم من اختالف تصنيفات األحزاب السياسية بناء على المعيار الوظيفي أو المعيار‬
‫االيديولوجي‪ ،‬فإن األحزاب السياسية تمارس مجموعة من الوظائف المتقاربة والمتشابهة‬
‫فيما بينها رغم هذا التباين على مستوى التصنيف ‪.‬‬
‫وفي هذا السياق‪ ،‬ينص الفصل ‪ 7‬من الدستور المغربي لسنة ‪ 2011‬عند تناوله لوظائف‬
‫األحزاب السياسية على ما يلي‪" :‬تعمل األحزاب السياسية على تأطير المواطنات والمواطنين‬
‫وتكوينهم السياسي‪ ،‬وتعزيز انخراطهم في الحياة الوطنية‪ ،‬وفي تدبير الشأن العام‪ ،‬وتساهم في‬
‫التعبير عن إرادة الناخبين‪ ،‬والمشاركة في ممارسة السلطة‪ ،‬على أساس التعددية والتناوب‪،‬‬
‫بالوسائل الديموقراطية‪ ،‬وفي نطاق المؤسسات الدستورية"‪ .113‬لكن من المتفق عليه بين‬

‫‪111‬‬
‫‪- COLEMAN James and ROSBERG Carl: « Political parties and National integration in tropical‬‬
‫‪Africa », Berkeley, californie. University of california press, 1966, p: 2.‬‬
‫‪112‬‬
‫‪- LAPLOMBARA Joseph and WEINER Myrom: «The origin and development of political‬‬
‫‪parties», in LAPLOMBARA Joseph and WEINER Myrom: «Political Parties and Political‬‬
‫‪development», Princeton, Princeton University Press, 1966, p: 4‬‬
‫‪ - 113‬الفصل ‪ 7‬من دستور ‪2011‬‬
‫‪60‬‬
‫أغلب الباحثين‪ ،‬أن األحزاب السياسية تمارس مجموعة من الوظائف التي يمكن تلخيصها‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫‪ -‬مساهمتها في بناء الحياة السياسية الوطنية على قواعد وآليات وضوابط يحتكم إليها الجميع‬
‫في ظل المنافسة السياسية‪.‬‬
‫‪ -‬اختيار المرشحين للمشاركة في العمليات االنتخابية باعتبارها إحدى اآلليات األساسية‬
‫المتفق عليها لبناء وتجديد المؤسسات‪ ،‬والوصول لممارسة المهام والمسؤوليات السياسية‬
‫في الدولة‪.‬‬
‫‪ -‬وظيفة الدمج االجتماعي باعتبارها إطارا أو فضاء النتماء األفراد والجماعات بناء على‬
‫أصولهم االجتماعية والفلسفة التي يدافعون عنها‪ ،‬وليس للونهم أو دينهم أو لغتهم أو‬
‫منطقتهم أو جنسهم‪.‬‬
‫‪ -‬أداء وظيفة الوساطة بين النسق السياسي وبيئته االجتماعية مما يجعل من األحزاب‬
‫السياسية أداة لعقلنة الصراعات االجتماعية وليس إلغاءها ‪.‬‬
‫‪ -‬ممارسة السلطة السياسية بشكل منفرد‪ ،‬أو في إطار التحالف‪ ،‬طبقا لآلليات واإلجراءات‬
‫القانونية المتفق عليها النتقال السلطة أو التناوب عليها بالطرق السلمية ‪.‬‬
‫كما تؤدي األحزاب السياسية دورا مهما في التعبير عن الرأي العام‪ ،‬وتوفير شروط‬
‫المشاركة في صياغة السياسات العمومية وتنفيذها‪ ،‬من خالل دورها في صياغة المطالب‬
‫المجتمعية‪ ،‬والقضايا العامة التي تناقش عند وضع السياسات العمومية‪ ،‬وتعبئة الشرائح‬
‫االجتماعية حولها‪ ،‬وعملها أيضا من أجل إقناع الفئات االجتماعية بتبني مواقفها التي تعلنها‬
‫للضغط على الحكومات‪ ،‬وممارسة وسائل الرقابة السياسية عليها ‪.‬‬
‫وتمارس األحزاب السياسية شكال آخر من التأثير على مسار صنع السياسات العمومية عندما‬
‫تتسلم زمام السلطة السياسية‪ ،‬التي تمنحها إمكانية تجديد بنياتها أو تغييرها وتحديد مساراتها‪،‬‬
‫وتوجيه عملية وضع السياسة العمومية طبقا للفلسفة السياسية واالختيارات التي تتبناها‪ .‬وفي‬
‫كل األحوال‪ ،‬فإن األحزاب السياسية سواء كانت داخل السلطة أو خارجها‪ ،‬فهي تمارس‬
‫رقابة سياسية على بعضها البعض‪ :‬فأحزاب المعارضة تراقب الحكومة في كيفية وضعها‬
‫للسياسات العمومية وتنفيذها‪ .‬بينما تتولى أحزاب السلطة شرح سياسات الحكومة والدفاع‬
‫عنها‪ ،‬وإقناع الرأي العام بأهميتها وقدرتها على تحقيق المصلحة العامة‪.‬‬
‫وبناء على هذه االمكانات‪ ،‬تمارس األحزاب السياسية تأثيرا كبيرا على عملية وضع‬
‫السياسات العمومية وتنفيذها‪ ،‬سواء كانت داخل السلطة أو خارجها‪ ،‬إما باستعمال إمكانات‬
‫السلطة العمومية أو بالتعبئة االجتماعية والفضاء العمومي‪ ،‬وبالهيئات االجتماعية التي‬
‫تؤطرها إذا كانت خارج السلطة السياسية ‪.‬‬
‫‪61‬‬
‫ح‪ -‬مجموعات الضغط‬
‫هي مجموع القوى الخارجية عن اإلدارة العمومية‪ ،‬والتي تملك قدرة التأثير والضغط على‬
‫منفذ السياسة العمومية من أجل جعله يأخذ بعين االعتبار مصالحها ومنافعها وامتيازاتها‬
‫المادية والمعنوية مثل التأثيرات والضغوط التي تمارسها اللوبيات والنقابات واالتحادات‬
‫المهنية‪ ،‬وشبكات المنافع‪ ،‬وهيئات المجتمع المدني‪ ،‬على القطاعات الوزارية المختلفة‪،‬‬
‫واإلدارات العمومية التابعة لها‪ ،‬مثل ضغط القطاعات الصناعية أو الفالحية أو المقاولين‬
‫العقاريين أو العاملين في مجال التصدير واالستيراد على مختلف القطاعات اإلدارية التي‬
‫تتقاطع مجاالت عملها مع مصالح مجموعات الضغط هاته‪ .‬كما يمكن أن تشكل عملية التنفيذ‬
‫تشجيعا ألصحاب المصالح والجماعات الضاغطة بمختلف مكوناتها على التدخل في كيفية‬
‫تنفيذ قرارات اإلدارة بشكل يزكي ويدعم مصالح ومنافع األجهزة والهيئات اإلدارية أيضا‪.‬‬
‫وهي عالقة قد تتحول إلى ما يشبه التحالفات المصلحية بين القوى الضاغطة واإلدارة‬
‫العمومية‪ ،‬يجعل بعض العناصر والقوى أكثر تأثيرا على عملية تنفيذ اإلدارة للسياسة‬
‫العمومية‪ ،‬وفي نشاطاتها ومخرجاتها التي تكون محط اهتمام هذه المكونات المختلفة من‬
‫مصالح إدارية‪ ،‬وجماعات المنافع‪ ،‬والبيئة االجتماعية‪.‬‬
‫خ‪ -‬وسائل اإلعالم‪:‬‬
‫تضم وسا ئل االعالم مجموعات ومؤسسات لها من اإلمكانات والقدرات ما يؤهلها للتأثير‬
‫بشكل هائل على عملية تنفيذ السياسة العمومية والجهة التي تتولى هذا التنفيذ‪ ،‬حيث يمكن‬
‫لوسائل االعالم بمختلف أشكالها وأصنافها‪ :‬المكتوبة والسمعية والبصرية واإلليكترونية‪ ،‬أن‬
‫تؤثر على عملية التنفيذ بكل األشكال إيجابية كانت أو سلبية‪ ،‬بطرق وأساليب مختلفة وتشمل‪:‬‬
‫‪ -‬التقارير المزيفة ونشر معلومات ومعطيات غير صحيحة إما تمجيدية تضخم من نوعية‬
‫وفعالية التنفيذ‪ ،‬أو سلبية وعدمية تقلل من حجم المنجزات ونوعيتها وأهميتها‪ .‬كما يمكن‬
‫لوسائل االعالم اإلثارة المبكرة للصعوبات والخروقات المختلفة التي قد تعتري تنفيذ‬
‫السياسات والبرامج والمخططات الحكومية إما بسبب الفساد أو انعدام الكفاءة أو التحايل أو‬
‫غيرها‪.‬‬
‫‪ -‬ونظرا لقدرة وسائل اإلعالم التأثير على عملية تنفيذ السياسات العمومية‪ ،‬فإن ذلك بإمكانه‬
‫أن يؤدي إلى إقامة ونسج عالقات تواطئية مصلحية ومنفعية متبادلة‪ ،‬بين الهيئات اإلدارية‬
‫واألجهزة التنفيذية من جهة ووسائل اإلعالم من جهة أخرى‪ ،‬بهدف خدمة مصالح ومنافع‬
‫الطرفين على حساب التنفيذ األمثل لمكونات السياسة العمومية وأهدافها المحددة سلفا ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫ه‪ -‬الوسطاء‪:‬‬
‫المقصود بالوسطاء هم مجموعة من األفراد والجماعات والهيئات والمؤسسات والتنظيمات‬
‫التي تناط بها مسؤوليات ووظائف معينة من قبل المسؤولين الحكوميين بهدف تسهيل عملية‬
‫تنفيذ السياسة العمومية‪ ،‬كهيئات الخبراء في المجاالت المختلفة من موظفي الدولة أو موظفي‬
‫الجماعات الترابية أو من القطاع الخاص‪ .‬وتطلق عليهم هذه التسمية نظرا لدورهم وقدراتهم‬
‫في إدارة عملية تنفيذ البرامج والمشاريع والمخططات الحكومية والسياسات العمومية‪.‬‬
‫وما يميز الوسطاء في هذه العملية هو أسلوب عملهم وخبرتهم وكفاءتهم العالية في إدارة‬
‫عملية التنفيذ‪ ،‬وما يفرضه ذلك من سرعة في التفويض من قبل الحكومة أو اإلدارة‬
‫المركزية‪ ،‬وذلك من أجل التنفيذ الناجع بناء على تحديد أولوياته‪ ،‬وتوضيح أهدافه وفصل‬
‫العمليات بين المستويين المركزي والمحلي‪ ،‬ومراقبة البرامج والمشاريع وتقييمها على‬
‫مختلف المستويات القبلية والموازية والبعدية‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬متطلبات عملية تنفيذ السياسة العمومية‬
‫إن التنفيذ باعتباره عملية تستهدف تحويل مقومات السياسة العمومية إلى فعل ينتج قيما مادية‬
‫ومعنوية ليس باألمر السهل‪ ،‬بل يشكل عملية عسيرة ومعقدة وتتداخل فيه عناصر متعددة‬
‫ومختلفة تشمل الموارد البشرية والمالية واللوجيستيكية وعامل الوقت والكفاءات المختلفة‪،‬‬
‫بحيث يمكن القول أن تنفيذ السياسة العمومية يشمل الخطوات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬المعرفة الحقيقية بما يراد فعله‬
‫‪ -‬توفير االمكانات والموارد المطلوبة‪ ،‬كالتمويل الالزم والكفاءات البشرية المالئمة‪.‬‬
‫‪ -‬القدرة على السيطرة وتنظيم الموارد من أجل تحقيق أهداف السياسة العمومية‪.‬‬
‫‪ -‬المزج بين الجوانب التشريعية والتنظيمية وعدم االكتفاء بإصدار التشريعات فقط ‪ ،‬بل أن‬
‫يتماشى ذلك مع برامج بخطوات تنفيذية واضحة‪.‬‬
‫‪ -‬المزج بين الفعل الحكومي والفعل غير الحكومي في صيغة العمل التشاركي بين القطاع‬
‫العام والقطاع الخاص والمجتمع المدني‪.‬‬
‫‪ -‬ضمان المشاركة الشعبية في تنفيذ السياسة العمومية والحرص على تحقيق هذه السياسة‬
‫أهدافها األساسية التي حددها صانع القرار الحكومي‪.‬‬
‫‪ -‬كما يعتمد نجاح تنفيذ السياسة العمومية على نوعية الظروف السياسية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية السائدة‪ ،‬واالهتمام اإلعالمي واالنخراط الشعبي ومختلف القطاعات المعنية‬
‫بهذه السياسة العمومية محل التنفيذ‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫‪ -‬تجزيئ السياسة العمومية إلى مستويات قابلة للتنفيذ حسب الموارد المالية والبشرية‬
‫والزمنية إلى استراتيجية ومخططات وبرامج‪.‬‬
‫‪ -‬إجراء التقييمات الضرورية القبلية والموازية والبعدية لقياس مدى نجاح تنفيذ السياسة‬
‫العمومية‪.‬‬
‫‪ -‬إخراج وسن النصوص القانونية والتنظيمية الضرورية لتنفيذ السياسة العمومية بما يحقق‬
‫مبدأي الشرعية والمشروعية‪.‬‬
‫‪ -‬تشكيل وإنشاء الهيئات واللجان وخلق المؤسسات الضرورية الستكمال متابعة تنفيذ‬
‫السياسة العمومية‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬مقاربات واستراتيجيات تنفيذ السياسات العمومية‪.‬‬
‫هناك العديد من المقاربات واالستراتيجيات الحكومية المتبعة لتنفيذ السياسات العمومية‪ ،‬وهي‬
‫كالتالي‪:‬‬
‫‪Top-down‬‬ ‫‪ -‬المقاربة التنازلية‬
‫‪Bottom-up‬‬ ‫‪ -‬المقاربة التصاعدية‬
‫‪Hybride‬‬ ‫‪ -‬المقاربة المختلطة أو الهجينة‬
‫تعود البدايات األولى لطرح مفهوم أو مشكل توطين السياسة العمومية وكيفية تنفيذها إلى‬
‫بداية سنوات السبعينات من القرن العشرين من خالل أعمال كل من ‪PRESSMAN et‬‬
‫‪ WILDAVSKY‬في دراستهما حول فشل السياسة الفيديرالية األمريكية في خلق فرص‬
‫الشغل‪ ،114‬ففي سنة ‪ 1966‬خصصت إحدى الوكاالت الفيديرالية األمريكية (اإلدارة األمريكية‬
‫للتنمية االقتصادية)‪ ،‬دعما ماليا للمقاوالت العاملة في مدينة أوكالند من أجل خلق فرص‬
‫الشغل واستيعاب العاطلين عن العمل لفترة طويلة‪ .‬وخصصت هذه الوكالة ‪ 23‬مليون دوالر‬
‫لتمويل هذا البرنامج بهدف خلق ‪ 3000‬فرصة عمل وإنجاح هذا البرنامج الطموح‪ .‬لكن ثالث‬
‫سنوات بعد بداية تنفيذ هذه السياسة تم صرف ‪ 4‬ماليين دوالر ولم يتم خلق إال ‪ 60‬فرصة‬
‫عمل فقط‪ .‬فالسياسة بهذه النتيجة لم يتم توطينها أو تنفيذها بالشكل الذي حدده الفاعلون الذين‬
‫صاغوا ووضعوا هذه السياسة‪.‬‬
‫من هنا اعتبر كل من ‪ PRESSMAN et WILDAVSKY‬أن مشكل عدم قدرة توطين هذه‬
‫السياسة هو سبب فشلها‪ ،‬مما يتطلب تحليال رصينا لذلك‪ .‬كما أن العديد من الدراسات قد‬

‫‪114‬‬
‫‪-PRESSMAN. J. L. et WILDAVSKY.A : « Implementation », 2eme Edi. Berkley, CA : University‬‬
‫‪of California Press.‬‬ ‫أنظر أيضا‪.‬‬
‫‪PARSONS. W : « Public Policy : An Introduction to the Theorie and the practiceof the policy‬‬
‫‪analisis », Cheltenham, UK. Edward Elgard Publishing.‬‬
‫‪64‬‬
‫أثبتت نفس المشكل‪ ،‬بمعنى تحقيق أهداف السياسة العمومية من حيث فعالية الطريقة التي تنفذ‬
‫بها‪.115‬‬
‫لقد اهتم العديد من الباحثين منذ بداية سنوات السبعينات من القرن العشرين بدراسة هذه‬
‫المرحلة من مسلسل السياسة العمومية‪ .‬بحيث هيمنت على هذه الدراسات مقاربتين اثنتين‬
‫وهما المقاربة التنازلية (من أعلى إلى أسفل) ‪ ،Top- Down‬والمقاربة التصاعدية (من أسفل‬
‫إلى أعلى) ‪ ، Bottom – up.‬فما مضمون هاتين الطريقتين ؟‬
‫لتنفيذ السياسة العمومية‪.‬‬ ‫‪Top – Down‬‬ ‫أ‪ -‬المقاربة التنازلية‬
‫نشأت هذه المقاربة أو الطريقة التنازلية منذ أواخر سنوات الستينات وبداية سنوات السبعينات‬
‫من القرن العشرين‪ .‬وتهتم بمسألة تنفيذ السياسة العمومية من منظور الذين يتولون صياغة‬
‫وهندسة السياسة العمومية‪ .‬ألن مرحلة التنفيذ هي مرحلة مستقلة ومنفصلة عن مرحلة‬
‫صياغة السياسة العمومية‪ .‬ويمكن اعتبارها بمثابة مسلسل تراتبي يحيل إلى تطبيق وتنفيذ‬
‫القرارات الصادرة عن السلطة المركزية‪ .‬فواضعوا السياسة العمومية يحددون مركزيا كيف‬
‫سيتم تنفيذ هذه السياسة العمومية من طرف المنفذين‪ .116‬وقد وضعت هذه المقاربة العقالنية‬
‫العديد من االستراتيجيات من أجل تنفيذ فعال وناجح‪ .‬وأهم هذه االستراتيجيات ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تحديد األهداف على المستوى المركزي‬
‫‪ -‬التحديد الواضح للغايات والوسائل والمساطر‪.‬‬
‫‪ -‬توقع نتائج قابلة للقياس بشكل يمكن من تقييم مدى إمكانية تحقيق األهداف‬
‫‪ -‬تضييق مجال السلطة التقديرية لإلدارة المنفذة وتضييق حرية الفعل والتصرف للمنفذين‬
‫لهذه السياسة العمومية الذين يتوجب عليهم تنفيذها طبقا لألهداف المحددة والتوجيهات‬
‫المعطاة من قبل المقرر ‪.‬‬
‫‪ -‬نقل المعلومة بشكل تنازلي على شكل تفاعالت دقيقة ومفصلة بمساطر وبرامج عملية‪.‬‬
‫‪ -‬استعمال إجراءات تحفيزية وعقابية‪.117‬‬
‫إن هذه المقاربة التقنية والعقالنية وذات االتجاه األحادي‪ ،‬وبالرغم من استعماالتها المتعددة‬
‫في تنفيذ العديد من السياسات العمومية في مواقع دولية مختلفة‪ ،‬فإن النتائج التي تحققت من‬
‫خاللها كانت مخيبة كثيرا‪ ،‬مما جعلها عرضة لجملة من االنتقادات تتمحور حول مسالة‬
‫‪115‬‬
‫‪- PRESSMAN. J. L. et WILDAVSKY.A : « Implementation », Op. cit. Aussi‬‬
‫‪- VAN METTER, D. C et VAN HORN, C. E : « The Policy implementation process : Aconceptual‬‬
‫‪framework. Administration and Society, 6/4, pp : 445 - 487‬‬
‫‪116‬‬
‫‪- LAZIN F. A : « Lessons for the study of Policy Implementation : project renewal In Israel »,‬‬
‫‪Governance, 8/2 ? P : 261 - 280‬‬
‫‪117‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪65‬‬
‫أساسية وهي أن التقيد بمنظور المقررين في التنفيذ غالبا ما يؤدي إلى سيطرة نوع من‬
‫الالمباالة واالهمال لدى الفاعلين اآلخرين‪ ،118‬والمنفذين أيضا لهذه السياسة‪ ،‬والذين يعتبرون‬
‫أن القواعد والمعايير المعتمدة مركزيا ال تحترم وال تعبر ال عن آراء ومواقف األجهزة‬
‫المنفذة وال عن مختلف أوجه الواقع ومختلف التحديات التي تطرح على أرض الواقع‪ .‬كما ال‬
‫تحترم أيضا االستقاللية المهنية للفاعلين المستهدفين بهذه التحوالت والتغييرات أو‬
‫االصالحات‪ ،‬ألن السياسة العمومية توطن من خالل قدرتها على التكيف مع طرق المنفذين‬
‫فتسلك خطا تطوريا غير مستقيم خالفا لما بنيت عليه المقاربة التنازلية‪.119‬‬
‫لتنفيذ السياسة العمومية‬ ‫‪Bottom - Up‬‬ ‫المقاربة التصاعدية‬ ‫ب‪-‬‬
‫ظهرت المقاربة التصاعدية منذ أواخر سنوات السبعينات وبداية ثمانينات القرن العشرين‪.‬‬
‫وقد اعتبرت بمثابة حل بديل للمقاربة التنازلية‪ ،‬وتعتمد منطقا تحليليا يأخذ بعين االعتبار رأي‬
‫المجموعة التي تباشر عملية تنفيذ السياسة العمومية أو التي تقدم الخدمة المقصودة‪ .‬فهذه‬
‫المقاربة تعتمد انتقال االهتمام من الجهة المقررة إلى الجهة التي تتولى عملية التنفيذ‪،‬‬
‫باإلضافة إلى األفراد واألشخاص في قاعدة الهرم‪ ،‬كالبيروقراطية التي تعمل في الميدان‬
‫والتي تلعب دورا محوريا في عملية التنفيذ وتمارس تأثيرا فعليا من خالل ما تدخله من‬
‫تأويالت وتعديالت على السياسة العمومية‪ ،‬وأيضا ما يلحق السياسة العمومية من تفسيرات‬
‫وتأويالت من لدن مختلف الفاعلين والتفاعالت مع مختلف الجماعات الضاغطة المعنية بهذه‬
‫السياسة العمومية‪.120‬‬
‫فالمركز ال يهتم بمعرفة كيفية أداء هذه المهام وال بالشكل الذي أنجزت به‪ ،‬وهل هو موحد‬
‫ومتناسق من الناحية العملية والفعلية أم ال‪ .‬من هنا إذن فإن التعدد في أشكال وطرق التنفيذ‬
‫يشكل أسلوبا أساسيا ومحوريا لدى هذه المقاربة لتطوير وتحسين الفعل العمومي‪ .‬لذلك تلزم‬
‫هذه المقاربة التصاعدية كل الفاعلين الحكوميين وغير الحكوميين بوضع نماذج مبسطة لتنفيذ‬
‫السياسة العمومية تتميز بما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬أن تصاغ في شكل قاعدة للمعطيات حول المحاور الكبرى واألساسية لهذه السياسة‪.‬‬
‫‪ -‬ترك هامش من المرونة وسلطة التقدير في التصرف للمنفذين وللفاعلين المحليين في‬
‫اختيار ووضع استراتيجياتهم وطرقهم للتنفيذ‪ ،‬والتركيز بشكل أساسي على الموارد لدعم‬
‫المواقف والنماذج الوسطية‪ ،‬كمدخل لالعتراف بأهمية الدور الذي يباشره الفاعلون‬
‫‪118‬‬
‫‪- SABATIER. P. A : « Top-Down and bottom-up approaches to implementation research : Acritical‬‬
‫‪and suggested synthesis », Journal of Public Policy, 6, P : 21 – 48. Aussi :‬‬
‫‪- FULLAN. M : « The new meaning of Educational change», 4eme Ed. New York. Teachers college‬‬
‫‪Press. 2007‬‬
‫‪119‬‬
‫‪- TYACK, D. et CUBAN. L: «Tenkering Toward Utopia : Acentury of Public school Reform ».‬‬
‫‪Cambridge, MA: Havard University Press. 2009‬‬
‫‪120‬‬
‫‪- FITZ.J, H, HALPIN . D et POWER. S : « Implementation researc and Education policy. Practice‬‬
‫‪and prospect». British journal of educational Studies. 42/1. P: 53 – 67.‬‬
‫‪66‬‬
‫الميدانيون في توطين السياسة العمومية‪ ،‬نظرا لمعرفتهم العملية‪ ،‬ومشاركتهم اإليجابية في‬
‫مسلسل توطين أو تغيير وإصالح السياسة العمومية‪ .‬هذا إضافة إلى أن نجاح السياسات‬
‫االصالحية أو التغييرية تتطلب اعتماد المقاربة التصاعدية في التنفيذ‪.‬‬
‫ففي الواليات المتحدة مثال‪ ،‬تلجأ العديد من الواليات إلى المركزية األدوار واالختصاصات‬
‫ومنحها للفاعلين المحليين أو الميدانيين من أجل تفعيل وتحسين حكامة السياسات العمومية‪،‬‬
‫ومنح هؤالء الفاعلين المحليين إمكانية أوسع لتنفيذ ومراقبة مسار سياسة عمومية معينة‪،‬‬
‫كالمشاركة في اعتماد وتحديد الموارد المالية الضرورية وكيفية صرفها‪ ،‬واختيار الموارد‬
‫البشرية ونوعيتها‪ .‬لكن وبالرغم من ذلك‪ ،‬فإن الالمركزية وعدم التركيز لم يحققا األهداف‬
‫المرجوة منهما‪ .‬وهي نفسها النتائج التي تمت مالحظتها وتسجيلها في فرسا أيضا بشأن العديد‬
‫من السياسات العمومية‪ ،‬وخاصة السياسة الترابية وتدبير المجال‪ ،‬التي تم تنفيذها عبر‬
‫المقاربة التصاعدية كأسلوب جديد لتدبير الفعل العمومي الذي استند على العمليات التالية‪:‬‬
‫‪ -‬االستقاللية النسبية للفاعلين والمؤسسات‪.‬‬
‫‪ -‬الالمركزية اإلدارية وعدم تمركز السلطة‪.‬‬
‫‪ -‬تنوع األساليب والمناهج المعتمدة في التنفيذ‪.‬‬
‫لكن كل هذا أدى بشكل عكسي إلى جو من االرتباك وعدم الوضوح‪ ،‬فأضحى المشكل‬
‫األساسي و الجوهري للتدبير الترابي يكمن عمليا في كيفية تدبير االعتمادات المتبادلة‬
‫واختالالت التنسيق في فضاء قراري منقسم ومجزأ‪ .‬وهي انتقادات تنطبق أيضا على الحالة‬
‫المغربية في كيفية تدبير الجماعات الترابية للشأن المحلي‪ ،‬وتنفيذ السياسة العمومية في بعدها‬
‫المحلي والجهوي‪.121‬‬
‫كما واجهت كل من بريطانيا وأستراليا نفس المشكل عندما تم اعتماد المقاربة التصاعدية‬
‫لتنفيذ السياسات التعليمية أو التربوية‪ :‬ففي أستراليا وخاصة في والية فكتوريا اعتمدت‬
‫السلطات التعليمية سنة ‪ 1992‬الالمركزية اإلدارية وعدم تمركز السلطة والمسؤولية ومنحها‬
‫للمؤسسات التعليمية (في إطار ما سمي بمدرسة المستقبل)‪ .‬لكن النتائج كانت سلبية أيضا‬
‫وغير فعالة مما دفع السلطات المختصة إلى استرجاع االختصاصات التي تنازلت عنها لفائدة‬
‫الفاعلين المحليين والعودة إلى مركزة التنفيذ عبر المركزية والتمركز‪ .‬بحيث سجلت مجموعة‬
‫من المشاكل المرتبطة باإلصالحات التي تم تنفيذها وتوطينها استنادا للمقاربة التصاعدية‬
‫مثل‪:122‬‬

‫‪121‬‬
‫‪- VAN ZANTEN, A. « les politiques d’Education» , Paris. Presses Universitaires de France. (Que‬‬
‫‪sais-je ?). 2004.‬‬
‫‪122‬‬
‫‪- GATHER THURLER, M: « Innover au cœur de l’Etablissement scolaire », Paris. ESF. 2000.‬‬

‫‪67‬‬
‫‪ -‬غياب التنسيق بين مختلف الفاعلين المتدخلين‪.‬‬
‫‪ -‬تحقيق تغييرات فوقية وشكلية ال ترقى إلى األهداف المطلوبة‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف المجهود المبذول وضيق في الوقت المخصص لذلك‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف مستوى الفعالية‪.‬‬
‫‪ -‬ضعف أثار هذه االصالحات على مستوى التعلم لدى التالميذ ‪.‬‬
‫وبناء على ما سبق‪ ،‬يمكن القول أن هذه المقاربة ال تساعد على تحقيق األهداف المرصودة‬
‫مسبقا وتعرضت بالتالي لمجموعة من االنتقادات‪ .123‬تنطبق هذه المالحظات واالنتقادات‬
‫أيضا على طريقة تدبير السلطات الحكومية المختصة في المغرب للسياسة التعليمية ومجموع‬
‫االصالحات المرتبطة بها مند سنة ‪ :2000‬من الميثاق الوطني للتربية والتكوين والقانون‬
‫‪ 01-00‬واالستقاللية الناقصة للجامعة‪ ،‬والبرنامج االستعجالي‪ ،‬والرؤية الوطنية للتربية‬
‫والتكوين‪ ،‬وقانون اإلطار وما يرتبط به من إشكاليات لغة التدريس وتنويع مصادر تمويل‬
‫التعليم‪ ،‬وطبيعة الصالحيات الممنوحة لألكاديميات الجهوية للتربية التكوين‪ ،‬وإشكالية‬
‫االنتقال من نظام االجازة إلى نظام البكالوريوس ‪.‬‬
‫إن هذه المحاوالت المتعددة لتغيير مقاربات تنفيذ السياسات العمومية‪ ،‬والتي ظهرت خالل‬
‫سنوات الستينات والسبعينات والثمانينات من القرن العشرين‪ ،‬مكنت الباحثين من استخالص‬
‫أن ال المقاربة التنازلية التي بنت استراتيجيتها لتنفيذ السياسات العمومية على أساس مركزية‬
‫القرار وتمركز السلطة وتبعية األجهزة المنفذة‪ ،‬وال المقاربة التصاعدية التي اعتمدت‬
‫استراتيجيتها على الالمركزية وعدم التمركز ومنح اختصاصات تنفيذية وتقريرية واسعة‬
‫للجهات المنفذة‪ ،‬تصلح لتنفيذ السياسات العمومية عندما يتم استعمالها بشكل منفصل‬
‫وأحادي‪ . 124‬وهو ما أدى إلى التفكير في اعتماد مقاربات أخرى بديلة خالل العشرية األخيرة‬
‫من القرن العشرين‪ ،‬نظرا ألن ال المركزية والتمركز وال الالمركزية والالتمركز اتسمتا‬
‫بالفعالية والنجاعة في التنفيذ وتحقيق األهداف التي حددتها السياسة العمومية‪ .‬فاألولى تتبنى‬
‫نظاما مبالغ فيه وصارم للوصاية والمراقبة‪ .‬أما الثانية التي اعتمدت الالمركزية وعدم‬
‫التمركز فقد أفضت إلى نوع من الفوضى نظرا لغياب التنسيق وتعدد المقررين‪ .‬فكال‬
‫المقاربتين قد تعرضتا لمجموعة من االنتقادات لكن الحكومات لم تكن تملك دائما‪ ،‬وفي كلتا‬
‫الحالتين‪ ،‬بديال لذلك واستمرت في االعتقاد أن هذه االستراتيجيات أو المقاربات بالرغم من‬
‫هذه االنتقادات بإمكانها تحقيق األهداف التي حددتها كل سياسة عمومية‪ ،‬لكن مع االستمرار‬

‫‪123‬‬
‫‪- SABATIER . P. A: «Top-Down and bottom-up approaches to implementation research : Acritical‬‬
‫‪and suggested synthesis», Op. Cit. P: 21 – 48‬‬
‫‪124‬‬
‫‪- DATNOW. A, HUBBARD. L, et MEHAN, H : « Educational Reform implementation : A co-‬‬
‫‪constructed process », Center for researchon Education Diversity and Excellence. 1998 : (En ligne).‬‬
‫‪(www. Cal.org /crede/pubs/research .‬‬
‫‪68‬‬
‫في البحث عن بديل لها‪ .‬وهو ما ساهم في ظهور مقاربة ثالثة لتجاوز هذه النقائص سميت‬
‫بالمقاربة المختلطة أو الهجينة‪.‬‬
‫ج‪ -‬المقاربة المختلطة كاستراتيجية لتنفيذ السياسات العمومية‬
‫يتعلق األمر بطريقة جديدة ومختلفة لفهم واستيعاب التعقيدات الممكنة‪ ،‬والتوفيق بين المآزق‬
‫والمعضالت األساسية التي يصعب في كثير من األحيان إصالحها أو حلها من أجل إنجاح‬
‫تنفيذ االصالحات المستدامة‪ .‬بحيث تميزت سنوات الثمانيات والتسعينات من القرن العشرين‬
‫بظروف اقتصادية واجتماعية متغيرة ومتحولة بشكل متسارع ودائم‪ ،‬وبتغير جوهري في‬
‫المنظومة االيديولوجية وطبيعة النظم السياسية‪ ،‬وبتحول كبير في منظومة القيم االجتماعية‬
‫التي غيرت من نظرة المواطن إلى المؤسسات السياسية واإلدارية‪ ،‬والسياسيين أيضا‪.‬‬
‫وبموازاة هذه المرحلة‪ ،‬تراجعت األنساق أو األنظمة التعليمية بشكل كبير نظرا لضعف‬
‫قدرتها على مواكبة هذا التحول الكبير‪ ،‬وتكوين مواطنين قادرين على المساهمة واالندماج‬
‫في الفرص التي يوفرها هذا العالم الجديد‪ ،‬وتتطلب كفاءات عالية عجز النظام التعليمي على‬
‫تكوينها ‪.‬‬
‫ففي العديد من الدول‪ ،‬أظهرت الحكومات والمواطنين رغبة كبيرة في إدخال تغييرات كبيرة‬
‫على نظمها التعليمية‪ ،‬وتجد هذه الرغبة تفسيرها في ذهنية المواطنين والسياسيين إليجاد‬
‫التطابق المفقود بين اقتصاد وطني معولم وتنافسي‪ ،‬وضعف جودة النظم التعليمية الوطنية‬
‫التي لم تستطع مواكبة المتطلبات الجديدة لسوق الشغل‪ .‬على هذا األساس‪ ،‬بدأ إيالء األهمية‬
‫واألولوية لإلصالحات الكبرى يرى النور من جديد‪ ،‬وخاصة خالل العشرية األخيرة من‬
‫القرن العشرين‪ ،‬من أجل إنهاء االنتقادات الموجهة للنظم التعليمية الوطنية حتى تستطيع‬
‫تكوين مواطنين يملكون الكفايات المعرفية والعلمية المطلوبة‪ ،‬وقادرين على العيش والتطور‬
‫داخل عالم معولم ويتعقد بشكل سريع‪.125‬‬
‫لقد شجع السياق الدولي حقيقة‪ ،‬السياسيين والحكومات على تبني االصالحات الكبرى في‬
‫مجال التربية والتكوين لكونها تشكل خزانا ومصدرا لحل مشاكلهم االقتصادية واالجتماعية‪،‬‬
‫من خالل تبني استراتيجيات جديدة مختلطة لتنفيذ السياسات الجديدة‪ ،‬والتي تتطلب إشراك‬
‫وتعبئة الفاعلين الميدانيين‪ ،‬من خالل منحهم مسؤوليات حقيقة وفعلية يوازيها قدرا أكبر من‬
‫المساءلة والمحاسبة عن مدى تحقيق األهداف المنشودة‪ .‬وتجد أسباب ومبررات الدعوة إلى‬
‫تبني آلية المساءلة والمحاسبة مصدرها في السياق االجتماعي واالقتصادي والسياسي‬

‫‪125‬‬
‫‪- « Anational at Risk , the Imperative for Educational Reform », A reportto the Nation and the‬‬
‫‪secretary of Education The National Commission on Excellence in Education. April 1983‬‬
‫‪69‬‬
‫المطبوع بالعولمة والكونية‪ ،‬والذي تنتمي إليه المنظومة التعليمية وما يفرضه عليها من‬
‫ضرورات االستجابة والتكيف‪ ،‬عبر تحقيق األهداف المنتظرة من المنظومة التعليمية‪.126‬‬
‫وقد أدى ذلك إلى استنتاج خالصتين اثنتين‪ :‬فمن جهة‪ ،‬سمح بخلق توازن بين طموحات عامة‬
‫الناس في تحقيق أهدافها التعليمية والمعرفية‪ ،‬وتحسين أداء المؤسسات التعليمية في الوصول‬
‫لنفس األهداف‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن هذه االصالحات الكبرى قد دفعت إلى تسليط الضوء‬
‫على االستراتيجيات الحكومية المختلطة المعتمدة لتحقيق فعالية هذه االصالحات والمساهمة‬
‫في بلوغ تنمية حقيقة ومستدامة‪.127‬‬
‫شكلت السياسة التعليمية إذن مجاال خصبا لتطوير العديد من المقاربات في مجال السياسات‬
‫العمومية‪ ،‬ومن أهمها النموذج الخاص بتوطين السياسات الذي شكل موضوعا الستراتيجيات‬
‫حكومية مختلطة لتنفيذ السياسات العمومية‪ ،‬ومكن من طرح السمات البارزة لهذا المفهوم‬
‫الجديد‪ .‬لكن هذا المفهوم لم يشكل في الغالب موضوعا لالهتمام إال في تخصصين معرفيين‬
‫حاوال تقديم أولى التحليالت العلمية في هذا المجال‪ ،‬ويتعلق األمر بحقلي السياسات العمومية‬
‫وسوسيولوجيا التربية‪ .‬ويمكن حصر أربعة أبعاد أساسية تميز هذه المقاربة المختلطة لتوطين‬
‫السياسات العمومية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬القيادة أو االدارة المشتركة‪ ،‬والتي تتشكل من قطب مركزي تتواله الحكومة ‪,‬قطب‬
‫المركزي يتواله الفاعلون على األرض أو المنفذون‪ .‬ثانيا‪ :‬مجال السلطة والمساومة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬تطور وتحول السياسة العمومية أثناء التنفيذ‪ .‬ورابعا وأخيرا‪ ،‬بيئة السياسة العمومية‬
‫وسياقها العام‪.128‬‬
‫‪ -1‬القيادة واإلدارة المشتركة‪:‬‬
‫إن الخاصية األساسية للمقاربة المختلطة هي الجمع بين المركزية والالمركزية في اتخاد‬
‫قرارات تنفيذ السياسة العمومية‪ ،‬في إطار حكامة عمودية تستهدف التأطير بشكل منسق‬
‫ألفعال وأنشطة الفاعلين‪ ،‬الذين تم تكليفهم بامتيازات سلطة المبادرة التي يجب أن تتم أو تتخذ‬
‫داخل الرواق أو االطار الذي حددته السلطة العليا‪ ،‬مما يجعل من التنفيذ عملية مستمرة‬
‫ومتواصلة ينشأ فيها مسلسل تفاعلي متفاوض بشأنه‪ ،‬ويأخذ مكانه‪ ،‬شيئا فشيئا‪ ،‬في العالقة بين‬
‫أولئك الذين يتولون صياغة السياسة العمومية وأولئك الذين يتولون مهمة تنفيذها‪ .‬بمعنى أن‬

‫‪126‬‬
‫‪- Organisation de Cooperation et de Développement Economiques (OCDE): « Apprendre à‬‬
‫‪apprendre, penser pour apprendre », Paris. Ed. de l’OCDE. 1993.‬‬
‫‪127‬‬
‫‪- LIETHWOOD,K. JANTZKI, D. et MASCALL, B. « A Framework for research on large – scale‬‬
‫‪reforme ». Journal of Educational change. 3 ? 2002, p: 7- 33.‬‬
‫‪128‬‬
‫‪- LESSARD. C, HENRIPIN. M. et LAROCHELLE . M : « les politiques d’éducation au Québec.‬‬
‫‪Université de Montréal. Faculté des sciences de l’éducation. Département d’administration et‬‬
‫; ‪fondement de l’éducation. 2004‬‬
‫‪70‬‬
‫عملية تنفيذ السياسة العمومية ال يجب أن تتم بمعزل عن الجهة التي تولت صياغتها ووضع‬
‫خطوطها العريضة‪ ،‬بل يتطلب األمر أن يشتغل القطبين بشكل متزامن ومشترك ‪.‬‬
‫فعلى مستوى االستراتيجية الحكومية لتوطين السياسة العمومية‪ ،‬تتصرف الحكومة بمثابة‬
‫موجه ومنسق بين الفاعلين الميدانيين‪ ،‬والمؤسسات واألجهزة المعنية حول رؤية واضحة‬
‫ومتناسقة‪ ،‬وأهداف دقيقة ومحددة‪ ،‬للرفع من انسجام وتناسق العمليات المتخذة‪ ،‬ودفع الفاعلين‬
‫الميدانيين لتنفيذ المهام واألدوار المنوطة بهم في إطار هذه السياسة على أحسن وجه‪ .‬كما‬
‫تلتزم الحكومات بتوفير الموارد المختلفة والضرورية كالمالية والبشرية واللوجستيكية‬
‫والقانونية‪ ،‬وتبسيط مساطر وظروف استعمالها بشكل متناسق ومتواصل خالل مرحلة‬
‫توطين السياسة العمومية‪ ،‬بكل ما يتطلبه ذلك من دعم وتحفيز المنفذين بمختلف األشكال‪،‬‬
‫وتوفير التجهيزات الضرورية‪ ،‬وتخصيص الوقت الكافي‪ ،‬وإيجاد التمويل المالئم‪ ،‬والتكوين‬
‫‪129‬‬
‫المستمر‪.‬‬
‫وأخيرا فإنه من األهمية بمكان‪ ،‬أن تمارس السلطة الحكومية في إطار وظائفها وصالحياتها‪،‬‬
‫ضغطا وتأثيرا على الفاعلين الميدانيين‪ ،‬عبر آلية إجراء التقييمات الضرورية القبلية‬
‫والموازية الجزئية والعامة‪ ،‬تشمل المدخالت‪ ،‬والنتائج‪ ،‬ومدى تحقيق األهداف‪ ،‬وسير‬
‫مسلسل السياسة العمومية برمته‪ ،‬وذلك كله من أجل تفعيل مسؤولية الفاعلين الميدانيين عن‬
‫أفعالهم وأعمالهم بناء على رؤية تستهدف تجويد عملية التنفيذ وليس معاقبة المنفذين‪.‬‬
‫أما المطلوب من القطب الالمركزي‪ ،‬وحسب دراسات متعددة أنجزها العديد من الباحثين في‬
‫مجال السياسة التعليمية‪ ،‬فقد حددوا على ضوئها مهام الفاعلين الميدانيين وتشمل ما يلي‪:‬‬
‫‪ -‬تفادي التعامل مع الهيئات المنفذة من أساتذة وإداريين وموجهين على أنهم مجرد تقنيين‪،‬‬
‫بل باعتبارهم محترفين يمتلكون معارف متخصصة‪ ،‬وتجارب خاصة‪ ،‬عن الفضاء أو‬
‫المجال الذي يعملون فيه‪ ،‬وأيضا معطيات ومعلومات ضرورية إلنجاح تنفيذ السياسة ال‬
‫يملكها عادة واضعوا السياسة العمومية‪ ،‬ألن األنشطة التعليمية والتربوية ال يمكن برمجتها‬
‫بشكل مسبق ألنها جزء من عملية الخلق واالبداع التي يتولى األساتذة أو الهيأة‬
‫البيداغوجية تصميم ووضع برامجها التي تتالءم مع وضعيات وميوالت‪ ،‬وقدرات التالميذ‬
‫والطلبة‪ .‬وهو ما يحدث العديد من التغيرات والتحوالت على السياسة عندما تتصل أو‬
‫تحتك بالواقع العملي للمؤسسات التعليمية‪ ،‬وتجعل من الصعب بمكان‪ ،‬تطبيق االصالح أو‬
‫السياسة بشكل حرفي لمقتضيات النسخة األصلية كما صاغها واضعوا السياسة‪.130‬‬

‫‪129‬‬
‫‪- LIETHWOOD,K. JANTZKI, D. et MASCALL, B. « A Framework for research on large – scale‬‬
‫‪reforme », Op. Cit. p : 7- 33.‬‬
‫‪130‬‬
‫‪- BONAMI . M, et GARANT ,M : « Systèmes scolaires et pilotage de l’innovation : émergence et‬‬
‫‪implantation du changemet », Bruxelles : DE Boeck Université. 1996‬‬
‫‪71‬‬
‫‪ -‬ويتعلق األمر هنا كخطوة أولى ضمن االستراتيجية الالمركزية للحكومة تمتيع الفاعلين‬
‫الميدانيين بهامش من االستقاللية في العمل‪ ،‬يسمح لهم بتنفيذ السياسة بشكل يتالءم وينسجم‬
‫مع محيطها وسياقها‪ ،‬ألنه من الناحية العملية يعتبر الفاعلون الميدانيون األقرب واألقدر‬
‫على اتخاد القرارات األكثر مالءمة للتنفيذ‪ .‬كما أن الالمركزية والالتمركز يساعدان على‬
‫الرفع من مستوى تعبئة وانخراط الفاعلين الميدانيين في عملية توطين السياسة العمومية‬
‫موضوع التنفيذ‪ .‬ويتطلب األمر أيضا‪ ،‬خلق بنيات وهياكل مهنية قوية قادرة على تعزيز‬
‫وتدعيم تعلم الكفاءات الجديدة‪ ،‬يستطيع عبرها الفاعلون الميدانيون تثمين تجاربهم‬
‫وخبراتهم العملية‪ ،‬وتقاسم التجارب‪ ،‬حتى يمكن تطوير رؤية مشتركة حول الصيغ العملية‬
‫لتنفيذ السياسة العمومية بين مختلف األقطاب المركزية والالمركزية على أساس‬
‫الشراكة ‪.131‬‬
‫‪ -2‬دائرة القوة والمساومة‪:‬‬
‫يستند البعد الثاني إلى دائرة القوة والمساومة‪ ،‬بمعنى نقطة االلتقاء بين حركتين اثنتين‪:‬‬
‫المركزية والالمركزية اللتان تنشآن هذه الدائرة أو الزاوية‪ ،‬ألن لكل الفاعلين مصالح ومنافع‬
‫يدافعون عنها‪ .‬فالحوار والنقاش والتفاهم تشكل آليات وقنوات مهمة وفعالة من أجل الوصول‬
‫إلى توافقات تسهل عملية التنفيذ األمثل‪ .‬لذا فإن توطين السياسات يمكن النظر إليه باعتباره‬
‫مسارا سياسيا وتدبيريا متواصال ينشأ في إطاره مسلسل من التفاعالت والتوافقات‪ ،‬مع‬
‫مرور الزمن‪ ،‬بين أولئك الذين صاغوا السياسة موضوع التنفيذ وأولئك الذين يتوقف عليهم‬
‫تنفيذها‪ .‬ألن السلطة والمصالح والمنافع تحتل مكانة محورية في ديناميكية هذه العالقة‪.‬‬
‫فالتوطين إذن يشكل فعليا وعمليا مسلسال من التفاوض التفاعلي بين من هم مسؤولون عن‬
‫إثارة التغيير والتحول وصياغة مساراته والذين ينتظر منهم توطينه وتنفيذه على أرض‬
‫الواقع‪. 132‬‬
‫إن الكتابات حول المقاربة المختلطة لتنفيذ السياسات العمومية التعليمية قد تناولت العديد من‬
‫االستراتيجيات‪ ،‬الرامية إلى تسهيل التوافقات والتقارب في اآلراء التي تعبئها السياسة‬
‫العمومية وحقيقة تنفيذها على أرض الواقع‪ .‬فاالستراتيجية األولى في هذا المجال‪ ،‬تتطلب‬
‫التكوين المالئم لمختلف الفاعلين الميدانيين والمواطنين‪ ،‬ألن كل تحول أو تغيير يتطلب فهما‬
‫حقيقيا لطبيعته ووسائل توطينه‪ .‬إضافة إلى تبادل المعلومات والمعطيات الصحيحة وإشراك‬
‫الفاعلين الميدانيين في تحديد مفهوم التغيير وكيفية إدارة مساره‪ ،‬من أجل تحفيز وتيسير‬
‫انخراطهم وتعبئتهم والحصول على دعمهم الضروري‪ .‬ألن المطلوب من الفاعلين الميدانيين‬
‫هو االنخراط في كل مستويات توطين هذه السياسة العمومية أو إدارة هذا التغيير‪ .‬كما يجب‬
‫األخذ بعين االعتبار التحالفات القائمة‪ ،‬وضمان وجود تحالف سياسي يدعم مسلسل التحول‪،‬‬
‫‪131‬‬
‫‪- ELMORE, R : « School reform from the Inside out : Policy, Practice and performance »,‬‬
‫‪Cambridge, UK : Harvard Education Press.2004‬‬
‫‪132‬‬
‫‪- Ibid.‬‬
‫‪72‬‬
‫وفتح الحوار وتشجيعه مع الرأي العام‪ ،‬والمجتمع المدني‪ ،‬حول األهداف والمعايير والغايات‬
‫من مسار التحول‪.133‬‬
‫يبدو إذن أنه من األهمية بمكان‪ ،‬انخراط الفاعلون الميدانيون في نقاش عمومي‪ ،‬يشمل‬
‫مختلف عناصر السياسة العمومية ومسلسل تحولها‪ ،‬حتى يحصل توافق وتراضي حول‬
‫مختلف العناصر المكونة للسياسة العمومية ‪.‬‬
‫‪ -3‬تطور وتحول السياسة العمومية أثناء التنفيذ‬
‫يتعلق البعد الثالث بمسألة تطور السياسة العمومية التي تعتبر نتيجة لألبعاد األخرى (اإلدارة‬
‫المشتركة‪ ،‬ودائرة القوة والمساومة‪ ،‬وبيئة السياسة العمومية وسياقها العام)‪ .‬والمقصود بهذا‬
‫البعد هو أن السياسة العمومية ليست عملية جامدة‪ ،‬بل تتصف دائما بالتطور والتحول‪ .‬وكما‬
‫هو األمر بالنسبة لتوطين السياسة العمومية‪ ،‬فإنه من المهم اإلشارة إلى أن السياسات‬
‫العمومية ليست جامدة‪ ،‬كما أن التحوالت التي تمس األنساق التعليمية هي عادة من أنماط‬
‫مختلفة ومتطورة‪.134‬‬
‫ونظرا ألن االصالحات التي تتبناها الحكومات وتنخرط فيها‪ ،‬يطبعها التعقيد‪ ،‬وطريقة‬
‫تنفيذها ال يمكن تحديدها مسبقا وبكل جزئياتها‪ ،‬فإن السياسات العمومية يمكن تعديلها عبر‬
‫الممارسة العملية أثناء االلتقاء أو التقاطع بين قطبي المركزية والالمركزية‪ ،‬بواسطة‬
‫الفاعلين الميدانيين الذين يتوفرون على هامش من المرونة واالستقاللية في العمل‪ ،‬وأيضا‬
‫بواسطة العناصر المكونة للسياق الذي يتم فيه تنفيذ هذه السياسة‪ .‬فالفاعلون الذين يتولون‬
‫وضع وصياغة السياسة العمومية عليهم معرفة وتوقع أن مسلسل التحول يتم عبر مرحلة‬
‫زمنية غير قصيرة‪ ،‬حتى يمكن خاللها تعديل أو تغيير هذه السياسة‪.‬‬
‫وبخصوص استراتيجية تحديد وتوصيف السياسة مع مرور الوقت‪ ،‬دعا بعض الباحثين‬
‫السلطات الحكومية إلى اعتماد برامج التنفيذ التجريبي في مواقع ضيقة‪ ،‬وبعينات محدودة‪ ،‬ثم‬
‫يلي ذلك تجارب على المستوى الوطني بعينات متوسطة ومواقع متعددة نسبيا‪ ،‬وبعد ذلك‬
‫تحليل المعطيات والنتائج المحصل عليها من كل هذه التجارب المختلفة في مستوياتها‬
‫وعيناتها‪ ،‬ومجاالتها الجغرافية‪ ،‬لمعرفة النتائج وردود األفعال ثم االنتقال أخيرا إلى إدخال‬
‫االصالحات والتعديالت المالئمة أثناء سريان مسلسل التنفيذ‪ ،‬بناء على المعطيات المحصل‬
‫عليها‪ ،‬إما عبر المالحظة أو من خالل عمليات التقييم القبلي والموازي‪ ،‬وأيضا األفعال‬
‫وردود األفعال الصادرة عن األنساق الفرعية لمجال التعليم‪.‬‬

‫‪133‬‬
‫‪- FULLAN, M. « The New meaning of Educational change « , (4eme Ed), New York, Teachers‬‬
‫‪college Press. 2007.‬‬
‫‪134‬‬
‫‪- Ibid‬‬
‫‪73‬‬
‫بيئة السياسة العمومية وسياقها العام‪:‬‬ ‫‪4-‬‬
‫يتمثل البعد الرابع للمقاربة المختلطة في ضرورة األخذ بعين االعتبار بيئة السياسة العمومية‪،‬‬
‫والسياق العام الذي وضعت فيه‪ ،‬وتقرر في ظله توطينها‪ .‬وتكمن أهمية بيئة السياسة العمومية‬
‫في تأثيرها من جهة‪ ،‬على شروط اختيار االستراتيجيات الحكومية‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬تؤثر‬
‫على مسلسل توطين وتنفيذ السياسة العمومية في شموليته‪ ،‬ألنه من مصلحة السلطات‬
‫الحكومية تبني تقنيات أكثر فعالية لتوطين السياسة العمومية‪ ،‬مما يستوجب معه االعتراف‬
‫والتعاطي مع مختلف الوضعيات والمواقف التي يفرضها التفاعل مع البيئة العامة للسياسة‬
‫العمومية‪ ،‬والعمل أيضا‪ ،‬على تكيفها مع كل المتغيرات التي تفرضها البيئة على مسار‬
‫توطين السياسة العمومية‪.‬‬
‫إن نتائج السياسة وفعالية استراتيجية توطينها تتعلق بدرجة وشكل التفاعل بين هذه‬
‫االستراتيجيات‪ ،‬واالكراهات المرتبطة بالوضعية السياسية‪ ،‬ألن الجهة التي تضع السياسة‬
‫ملزمة ومطالبة بتبني استراتيجية للتوطين أو التنفيذ تالءم مختلف الوضعيات سلبية كانت أم‬
‫إيجابية‪ ،‬لهذا يحظى عنصر بيئة السياسة العمومية وسياقها العام بأهمية كبيرة لدى المقاربة‬
‫المختلطة لتنفيذ السياسة العمومية‪.‬‬

‫الئحة المراجع‬
‫‪ -1‬باللغة العربية‬
‫‪ -‬المنوفي كمال‪" :‬أ صول نظم السياسة المقارنة"‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬شركة الربيعان للنشر‬
‫والتوزيع‪1987 ,‬‬
‫_ جيمس دورتي و روبيرت بالسيغراف‪" :‬النظريات المتضاربة في العالقات الدولية"‪،‬‬
‫ترجمة وليد عبدالحي‪ ،‬بيروت‪ ،‬المؤسسة الجامعية للدراسات‪1985 .‬‬
‫_ روبيرت دال‪" :‬التحليل السياسي الحديث"‪ ،‬ترجمة عال أبو زيد‪ ،‬القاهرة‪ ،‬مؤسسة األهرام‪،‬‬
‫‪1993‬‬
‫‪ -‬أندرسون جيمس‪" :‬صنع السياسات العامة"‪ ،‬ترجمة عامر الكبيسي‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬عمان‪،‬‬
‫دار المسيرة للنشر والتوزيع والطباعة‪.1999 .‬‬

‫‪74‬‬
‫الئحة المراجع باللغات األجنبية‬

 JONES. C. O: «An introduction to the study of public policy», Belmont, Duxbury


Press, 1970.
 LASWELL Harold Dwight: «Politics : who gets what, when, how », Magnolin, P.
smith. 1950
 LASWELL Harold Dwith: «The décision process: seven catégories of functional
analysis», college Park and. University of Maryland, 1956.
 THOENIG Jean Claude: «L’analyse des politiques publiques», dans Madeleine
GRAWITZ ET Jean LECA (dir): «Traité de science politique », Tome 4, Paris, PUF,
1985.
 SABATIER Paul. A: «Theories of the policy process», Blonder (colo), Westview
Press, 1999.
 MULLER (Pierre) et SUREL (Yves): «L’analyse des politiques publiques», Paris,
Montchrestien, coll. «clefs-Politiques». 1998.
 KINGDON John: «Agendas, alternatives and public policies», New York. (N.Y).
Longman, 1995.
 VILDAVSKY Aron: «Speaking Truth to power. The art and craft of policy analysis »,
New Brunswik (N. J), Transaction Publishers, 1987.
 KUBLER. D. et DE MAILLARD. J: «Analyser les politiques publiques», Presses
Universitaire de Grenoble. Paris. 2009
 COBB (Roger W) and ELDER (Charles D): «The politics of Agenda-building: An
alternative perspective for modern Democraty Theory», The journal of Politics, 33 (4),
1971.
 CEFAI (D): «La construction des Problèmes publics. Définitions de situations dans
des arènes publiques ». Dans Réseaux, Vol. 14. 75; 1996
 HILGARTNER (S) et BOSK. S . L. «The rise and fall of social Problems: A public
Arenas Model», Americain Journal of Sociology. Vol. 94/1, 1988.
 CHATEAURAYNAUD (F). «Argumenter dans un champ de forces. Essai de
balistique sociologiques», Paris, Pétra, 2011.
 PADIOLEAU Jean – Gustave: «L’ordre social: Principes d’analyse sociologique
»,Paris, L’Harmattan, 1986.
 PADIOLEAU Jean – Gustave: «L’Etat au concret», Paris, Presses Universitaires de
France. 1982.
 FLESTINER. W, ABEL R. L, «L’émergence et la transformation des litiges: réaliser,
reprocher, réclamer», dans Revue POLITIX ? Vol. 16, 1991.
 BECKER H.S. : « Outsiders: studies in the sociology of Deviance», New York, Free
Press, 1997.
 LOWI Theodore : « four systems of policy, politics and choice », Pulic Administration
Review, 32/4, 1972.
 DEWEY. J : «The public and its Problems », Athens, Ohio University Press, 1991.
 HABERMAS Jurgen: «L’Espace public. Archéologie de la publicité comme
dimension constitutive de la société bourgeoise», Paris, Payot, Reed. 1988.

75
 HALL. S et CRITCHER. C: «Policing the crisis, Mugging, the State and Law and
Order», london Macmillan. 1993.
 RHINARD. M: «le cadrage de la politique antiterroriste de l’UE, dans la construction
des problèmes publics en Europe, CAMPANA A, et AL Strasbourg, Presses
Universitaires de strasbourg, 2008.
 SNOW. A, ROCHFORD. E, et AL. «Frame Alignement Processes :
Micromobilization and Movement participation, dans Americain sociological Review,
Vol. 51, 1986.
 GUSFIELD. J. R. «The culture of Public Problems :Drinking-Driving and the
Symbolic order», chicago, The University of chicago Press, 1980.
 LEMIEUX Vincent: «L’Etude des politiques Publiques : Les acteurs et leur pouvoir»,
3eme Edition Revue et augmentée. Sainte – foy : Presses de l’université de Laval,
2009 .
 COBB (Roger W) et ELDER (Charles D): «The Politics of Agenda-Building: An
Alternative Perspective for Modern Democratic Theory», The journal of politics, 33/4,
1971.
 KINGDON John: «Agendas, Alternatives and Public Policies», New York (N. L),
Longman, 1995.
 COHEN (Michael), MARCH (James. G) et OLSEN (Johan): «A Garbage Can Model
of Organisational choice », Administration science Quartely, 17/1, 1972.
 COBB R. W et ELDER C. D: «Participating in American Politics: The dynamics of
Agenda – Building », Baltimore, John Hopkins University Press. 1972 .
 BAUMGARTNER Frank: «Policy Dynamics », chcago, Universite of chicago Press.
2002 .
 KUBLER. D. et DE MAILLARD. J: «Analyser les politiques publiques», Presses
Universitaire de Grenoble. Paris. 2009.
 GARRAUD Phiippe: «Politiques nationales: élaboration de l’Agenda», l’Année
Sociologique 40. 1990
 JAMOUS (H): «sociologie de la décision», Paris, SNRS, 1969.
 SFEZ Lucien: «La décision », Paris, Ed. PUF. Coll. Que sais-je ? 1984.
 MULLER Piere et SUREL Yves: «L’Analyse des politiques publiques», Paris, Ed.
MONTCHRESTIEN. 1998.
 LASCOUMES, P. «L’éco – Pouvoir. Environnement et politiques», Paris, La
découverte, 1994.
 GREMION. C: «Profession : décideurs. Pouvoir des hauts fonctionnaires et réforme
de l’Etat », Paris, Gautier – Villars. 1979.
 PADIOLEAU Jean- Gustave: «L’Etat au concret», Paris, PUF. 1982.
 THOENIG. J. C: «L’ère des technocrates», Paris, L’Harmattan, 1987 .
 Thomas. R. DYE : «Understanding Public Policy», 7eme Ed. New Jersey, Prentice
Hall, Englewood Cliffs, 1992.
 LINDBLOM Charles: «The policy Making Process», 2eme Ed. New Jersey,
Englewood Prentice-hall, 1980.
 SIMON. H: «Administrative behavior. A study of decision–making processes in
administrative Organisation», New York, free Press. 1957.

76
 LINDNLOOM Charles: «The sciences of Muddling Throuth», PAR, Vol : 19, N 2,
1957.
 ETZIONI Amitai: «Mixel seanning: A third Approach to decision Making», PAR
Vol: XXVII. Decembre. 1967.
 MUELLER Dennis. C. «Choix Public : Analyse Economique des décisions
publiques», Traduction de la 3eme Edition Américaine. Economica. Paris. 2010.
 MITCHELL/ Joyce. M, et MITCHELL William. C: «Political analysis and Political
policy: An introduction to Political science», Chicago, Rand and company. 1969.
 SAPRU. R. K: «Public Policy», New Delhi: sterling Publishers Private Limited. 1994
 NAKAMURA (Robert) et SAMLL WOOD Frank: «The Politics of Policy
Implementation», New York. ST Martins Press Inc. 1980.
 HAM Christopher et HILL Michael: «The Policy Process in the modern capitalist
state». New York. Harvester Wheatsheaf. 1984.
 WIHTE Michael. J: «The Ombusdsman and Public Administration», PAR. N5. VOL.
43. 1983.
 GICQUE Jean et HAURIOU André: «droit constitutionnel et Institutions Politiques»,
Ed. Montechrestien 1985.
 COLEMAN James and ROSBERG Carl: «Political parties and National integration in
tropical Africa», Berkeley, californie. University of california press, 1966.
 LAPLOMBARA Joseph and WEINER Myrom: «The origin and development of
political parties», in LAPLOMBARA Joseph and WEINER Myrom: «Political Parties
and Political development», Princeton, Princeton University Press, 1966.
 PRESSMAN. J. L. et WILDAVSKY.A: «Implementation», 2eme Edi. Berkley, CA:
University of California Press.
 PARSONS. W: «Public Policy : An Introduction to the Theorie and the practice of the
policy analisis», Cheltenham, UK. Edward Elgard Publishing.
 VAN METTER, D. C et VAN HORN, C. E: «The Policy implementation process:
Aconceptual framework. Administration and Society, 6/4.
 LAZIN F. A: «Lessons for the study of Policy Implementation: project renewal In
Israel», Governance, 8/2.
 SABATIER. P. A: «Top-Down and bottom-up approaches to implementation
research: Acritical and suggested synthesis», Journal of Public Policy.
 FULLAN. M: «The new meaning of Educational change», 4eme Ed. New York.
Teachers college Press. 2007.
 TYACK, D. et CUBAN. L: «Tenkering Toward Utopia: Acentury of Public school
Reform». Cambridge, MA: Havard University Press.
 FITZ.J, H, HALPIN. D et POWER. S: «Implementation researc and Education policy.
Practice and prospect». British journal of educational Studies. 42/1.
 VAN ZANTEN, A. «les politiques d’Education «Paris. Presses Universitaires de
France. (Que sais-je ?). 2004 .
 GATHER THURLER, M: «Innover au cœur de l’Etablissement scolaire», Paris. ESF.
2000.
 DATNOW. A, HUBBARD. L, et MEHAN, H : «Educational Reform
implementation: A co-constructed process», Center for researchon Education
Diversity and Excellence. 1998: (En ligne). (www. Cal.org /crede/pubs/research

77
 « A national at Risk, the Imperative for Educational Reform », A reportto the Nation
and the secretary of Education b The National Commission on Excellence in
Education. April 1983.
 Organisation de Cooperation et de Développement Economiques (OCDE):
«Apprendre à apprendre penser pour apprendre», Paris. Ed. l’OCDE. 1993.
 LIETHWOOD,K. JANTZKI, D. et MASCALL, B. «A Framework for research on
large – scale reforme». Journal of Educational change. 3 ? 2002.
 LESSARD. C, HENRIPIN. M. et LAROCHELLE. M: «les politiques d’éducation au
Québec. Université de Montréal. Faculté des sciences de l’éducation. Département
d’administration et fondement de l’éducation. 2004.
 BONAMI . M, et GARANT, M: «Systèmes scolaires et pilotage de l’innovation:
émergence et implantation du changemet», Bruxelles : DE Boeck Université. 1996
 ELMORE, R : «School reform from the Inside out : Policy, Practice and
performance», Cambridge, UK : Harvard Education Press . 2004
 FULLAN, M. «The New meaning of Educational change », (4eme Ed), New York, Teachers
college Press. 2007.

78
‫الفهرس‬
‫مقدمة‬
‫الفصل األول‪ :‬تحديد المشكل المولد للسياسة العمومية‬
‫أوال‪ :‬المشكل والنقاش العمومي‬
‫ثانيا‪ :‬اإلطار التحليلي للمشكل العمومي‬
‫ثالثا‪ :‬من المشكل كمرحلة إلى المشكل كمسار‬
‫رابعا‪ :‬نموذج التيارات عند ‪KINGDON‬‬

‫خامسا‪ :‬تعريف المشكل العمومي عند ‪COBB et ELDER‬‬

‫الفصل الثاني‪ :‬الوضع على جدول العمال الحكومي‬


‫أوال‪ :‬تعريف جدول األعمال‬
‫ثانيا‪ :‬نماذج الوضع على جدول العمال الحكومي‬
‫الفصل الثالث‪ :‬القرار العمومي‪ :‬مراحله‪ ،‬إكراهاته ومقارباته‪.‬‬
‫أوال‪ :‬مراحل القرار‬
‫ثانيا‪ :‬إكراهات القرار‬
‫ثالثا‪ :‬المقاربات النظرية لعملية اتخاذ القرار‬
‫‪ -1‬نموذج االختيار العقالني‬
‫‪ -2‬النموذج التراكمي‬
‫‪ -3‬نموذج الفحص المختلط‬
‫‪ -4‬نموذج االختيار العمومي‬
‫الفصل الرابع‪ :‬صياغة السياسة العمومية‬
‫الخطوة األلى‪ :‬صياغة بدائل السياسة العمومية‬
‫الخطوة الثانية‪ :‬اختيار البديل المناسب‬
‫الخطوة الثالثة‪ :‬تبني الحل‬

‫‪79‬‬
‫الفصل الخامس‪ :‬تنفيذ السياسة العمومية‬
‫أوال‪ :‬السلطة التنفيذية‬
‫ثانيا‪ :‬الجهات المؤثرة في منفذي السياسة العمومية‬
‫ثالثا‪ :‬متطلبات عملية تنفيذ السياسة العمومية‬
‫‪ - 1‬المقاربة التنازلية ‪ Top Down‬لتنفيذ السياسة العمومية‬
‫‪ -2‬المقاربة التصاعدية ‪ Bottom Up‬لتنفيذ السياسة العمومية‬
‫‪ -3‬المقاربة المختلطة كاستراتيجية لتنفيذ السياسات العمومية‪.‬‬
‫الئحة المراجع‬
‫الفهرس‬

‫‪80‬‬

You might also like