Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 121

‫تَسلِّي العُمَاةِ عَنْ غَوامِضِ بَدرِ العُلَاةِ‬

‫مزج لرساةل بدر العالة يف كشف املقوالت للش يخ معر ابن القرداغي رمحه هللا‬ ‫وهو رشح ي‬
‫لعالمة الس تاذ فرهاد آكش ته حفظه هللا‬‫مس تفاد من دروس مسجةل للرساةل ابللغة الكردية ل ا‬
‫مضافة الهيا حوايش العالمة ابن الباساوي رمحه هللا تعاىل يف لك ابب‬
‫ويتبع ذكل‬
‫رشح مقوالت املوىل القزجلي رمحه هللا‬
‫للعالمة الش يخ عبد القادر ابن املؤمن رمحهام هللا‪ ،‬ومهنواته‬

‫إعداد‬
‫آعديه‬
‫أحمد هيوا‬
‫آمحد هيوا‬
‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫الحمد هلل رب العالمين والصالة والسالم على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين إلى يوم الدين‪ ،‬أما‬
‫أتممت تفريغ الدروس الصوتية في شرح رسالة بدر العالة لألستاذ فرهاد آكشته حفظه هللا من البليات‬
‫ُ‬ ‫بعد؛ فلما‬
‫ونشرتها بعد ترجمتها وترتيبها بين الطالب؛ أشار إلي بعض األحباب بخدمة بعض األعمال المتعلقة بها كشرح‬
‫رسالة القزلجي البن المؤمن وحواشي الشيخ ابن الباساوي على بدر العالة فأجبته إلى ذلك متوكال على هللا الملهم‬
‫للصواب‪ ،‬وقبل الدخول في المقصود فهذه نبذة من تراجم كل منهم حسب ترتيب الوفاة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬الشيخ علي القزلجي (رحمه هللا)‬
‫الشيخ العالمة المال علي ابن المال محمد بن إبراهيم القزلجي‪ ،‬ولد في ناحية قزلجة التابعة لقضاء بنجوين‬
‫في محافظة السليمانية في حدود سنة ‪1240‬هـ _‪1824‬م ‪ ،‬نشأ في بيت علم وأدب فدرس عند والده الشيخ محمد‬
‫برهة ‪ ،‬ثم رحل في طلب العلم إلى بغداد فدرس في المدرسة السليمانية عند مفتي العراق الشيخ محمد فيضي‬
‫الزهاوي رحمه هللا وتخرج عنده ثم رجع إلى كردستان وأقام في ترجان يدرس العلوم فاجتمع حوله الطالب ‪ ،‬له‬
‫رسائل بديعة وحواشي دقيقة منها رسالته في علم المقوالت‪ ،‬توفي شهر محرم الحرام سنة ‪1296‬هـ _ ‪1878‬م رحمه‬
‫هللا ‪ ،‬انظر ترجمته في كتاب‪ :‬علماءنا في خدمة العلم والدين للشيخ عبدالكريم المدرس رحمه هللا‪ ،‬ص‪.398‬‬
‫ثانيا‪ :‬الشيخ عبد القادر ابن المؤمن (رحمه هللا)‬
‫العالم الفاضل المتخلق بالكرامة والمتحلي بالعلم والفضل المال عبدالقادر ابن المال مؤمن‪ ،‬ولد في حدود‬
‫سنة ‪1290‬هـ _ ‪1873‬م ‪ ،‬درس في قضاء حلبجة وأطرافها ثم ذهب إلى مدرسة بيارة وبقي عند األستاذ الكبير‬
‫المال عبدالقادر حتى تخرج بمستوى عال وممتاز‪ ،‬عين مدرسا في قرية " بريس" فاجتمع حوله الطالب األذكياء‪،‬‬
‫ثم انتقل للتدريس في منطقة قرزاباد في حدود سنة ‪1320‬هـ_‪1902‬م وبقي هناك إلى أن توفي سنة‬
‫‪1326‬هـ_‪1908‬م رحمه هللا وطاب ثراه ‪ ،‬انظر ترجمته في كتاب ‪ :‬علماءنا في خدمة العلم والدين ‪ ،‬ص‪.311‬‬
‫ثالثا‪ :‬الشيخ عمر ابن القرداغي (رحمه هللا)‬
‫العالم العالمة المفضال خاتمة المحققين وأستاذ األساتذة في علوم الدين الشيخ عمر بن محمد أمين‬
‫القرداغي‪ ،‬ولد سنة ‪1303‬هـ_‪1885‬م ببلدة السليمانية‪ ،‬تربى في بيته بيت العلم والفضل فدرس عند والده الشيخ‬
‫محمد أمين وعمه الشيخ محمد نجيب وأخذ اإلجازة العلمية منه ‪ ،‬انتقل بعد بقاءه مدة في بيت الوالد وجامعه إلى‬
‫السليمانية واستقر هناك وعين إماما ومدرسا في خانقاه موالنا خالد قدس سره‪ ،‬له مؤلفات عدة منها شرح رسالة‬
‫الشيخ القزلجي في المقوالت‪ ،‬توفي شهر صفر من سنة ‪1355‬هـ _ ‪1936‬م ‪ ،‬انظر ترجمته في كتاب ‪:‬علماءنا‬
‫في خدمة العلم والدين ص‪.415‬‬

‫‪1‬‬
‫رابعا‪ :‬الشيخ أحمد ابن الباساوي (رحمه هللا)‬
‫العالم الكبير والشاعر األريب أحمد ابن المال عمر ابن الشيخ أحمد الباساوي الجريحي‪ ،‬ولد سنة‬
‫‪1324‬هـ_‪1906‬م في قرية "واشه مه زين" التابعة لقضاء "سه ردشت" ‪ ،‬تعلم مبادئ العلوم في مدرسة والده في‬
‫القرية المذكورة ثم انتقل بين المدارس وانتهى به المطاف عند العالمة الشيخ عمر ابن القرداغي رحمه هللا وتخرج‬
‫عنده وبعد تأهله رجع إلى قريته األم فاشتغل بتدريس العلوم هناك حتى انتهى به المطاف إلى قرية "باساوى" التابعة‬
‫لمدينة " سه رده شت" وتعين هناك إماما وخطيبا ومدرسا لمدرسته‪ ،‬له مؤلفات عدة وديوان شعر مطبوع ‪ ،‬وافاه‬
‫األجل شهر رمضان المبارك سنة ‪1363‬هـ _‪1944‬م رحمه هللا وأجزل مثوبته‪ ،‬انظر ترجمته في ‪ :‬كتاب "تسع‬
‫رسائل في علم المنطق" ‪ ،‬لألستاذ الدكتور لقمان عثمان البحركي ‪ ،‬ص‪.239‬‬
‫محتويات الكتاب‪:‬‬
‫ذكرت وهي مرتبة كاآلتي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫يتضمن الكتاب من األعمال ما‬
‫أوال‪ :‬الشرح المزجي على شرح بدر العالة للعالمة األستاذ فرهاد آكشته حفظه هللا مذيال بحواشي الشيخ أحمد ابن‬
‫الباساوي في كل باب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬شرح الشيخ ابن المؤمن على مقوالت القزلجي رحمهما هللا ومنهواته‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫الشرح املزجي على شرح بدر العالة للعالمة األستاذ فرهاد آكشته حفظه اهلل‬

‫مذيال حبواشي الشيخ أمحد ابن الباساوي رمحه اهلل يف كل باب‪.‬‬


‫بسم هللا الرحمن الرحيم‬

‫طوق‬
‫المن ُ‬ ‫قال َّ‬
‫ص َور َ‬
‫صلي َعلى َهُيولى ُ‬
‫ون َ‬
‫جواهر ال ُعُقول ُم َكيََّفة بال ُعُلوم‪ُ ،‬‬
‫حمُد َك يا َجاع َل َ‬
‫ّللَاُ تعالى‪َ :‬ن َ‬
‫مه َ َّ‬
‫الشارُح رح ُ‬ ‫َ‬
‫ين بتزكية النُفوس َعن‬
‫الم َنفعل َ‬
‫ضاعه كالن ُجوم‪ ،‬وأَص َحابه ُ‬
‫ضاَفة إلى كميَّة أَو َ‬
‫ين باإل َ‬
‫الصائر َ‬
‫فهوم‪َ ،‬وعَلى آله َّ‬‫الم ُ‬
‫وَ‬
‫عد‬
‫وب ُ‬
‫المذ ُموم َ‬
‫الفعل َ‬

‫جمع َجوهر‪ ،‬والمرُاد به‪ :‬معناه اللغوي وهو الشيء الثمين ال‬ ‫اهر‪:‬‬
‫العقول) الجو ُ‬
‫جاعل جواه َر ُ‬ ‫حمدك يا‬
‫(ن ُ‬
‫المقدمة‬

‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬


‫العلوم صور من‬
‫َ‬ ‫(مكيفة بالعلوم) أي ُمتصفة بالعلوم والمعارف‪ ،‬وسيأتي َّ‬
‫أن‬ ‫العرض َّ‬
‫َ‬ ‫االصطالحي الذي ُيقابل‬
‫العقول التي هي‬‫َ‬ ‫اللهم يا َمن جعل‬
‫ف بها‪ ،‬والمعنى‪ :‬نحمدك َّ‬ ‫يتكي ُ‬
‫مقولة الكيف فعندما تدخل الذهن فإن الذهن َّ‬
‫كالجواهر في نفاستها وقيامها بنفسها ُمتصفة بالعلوم مكتسبة لها (ونصلي على ) النبي ‪ ‬الذي هو كالـ( َهُيوَلى)‬
‫هر هي ك ـ(المنطوق) من جهة كون كل منهما قائم بنفسه (و) لصور‬‫الموجودات التي بعضها جوا ُ‬
‫صور) َ‬ ‫لـ( ُ‬
‫اض التي هي ك ـ(المفهوم) من جهة كون كل منهما قائم بغيره‪ ،‬فإن العرض‬
‫سائر الموجودات التي هي األعر ُ‬
‫شب َه‬
‫اض اللذين بهما قو ُام العالم بالصور و َّ‬
‫اهر واألعر َ‬ ‫المفهوم قائم بالمنطوق ‪َّ ،‬‬
‫شب َه الجو َ‬ ‫َ‬ ‫قائم بالجوهر كما أن‬
‫تتحقق في الوجود إال بالهيولى – على مذهب المشائين الذين ُوض َع‬ ‫ُ‬ ‫الصور ال‬
‫َ‬ ‫بالهُيولى‪ ،‬فكما أن‬
‫النبي ‪َ ‬‬
‫َّ‬
‫اهد‬
‫عالم الممكنات بجواهره وأعراضه ال يتحقق وجوُده إال بالنبي ‪ ، ‬وهناك شو ُ‬
‫الكتاب لبيان أصولهم‪ -‬فكذلك ُ‬
‫ُ‬
‫نقلية وعقلية على ذلك تُراجع في مضانها (و( نصلي (على آله الصائرين بـ) سبب النسبة و(اإلضافة إلى كمية‬
‫أوضاعه) ‪ ‬واستشعارهم بما كان يمر به من فرح وحزن وغيره من أحواله وعاداته بأنهم منورون (كالنجوم ‪،‬‬
‫المنفعلين بــ) سبب (تزكية النفوس) بأنهم مبتعدون (عن الفعل المذموم ‪ ،‬وبعد) فهذه‬
‫َ‬ ‫و) نصلي على (أصحابه‬
‫رسالة في شرح رسالة بدر العالة المنسوبة إلى حضرة الشيخ عمر ابن القرداغي فاضت عليه سحائب الرحمات‬
‫الكردية العالمة األستاذ فرهاد حفظه هللا من البليات ‪،‬‬
‫‪ ،‬استفدتها من دروس مسجلة ألقاها في شرحها باللغة ُ‬
‫وتركت ما‬
‫ُ‬ ‫يتعلق بها من مهمات‬
‫ُ‬ ‫اقتصرت منها ‪ -‬بعد تفريغها وترجمتها إلى العربية ‪ -‬على شرح العباراة وما‬
‫ُ‬ ‫و‬
‫أسأل‬
‫العالة"‪ ،‬وهللا ُ‬
‫العماة عن غوامض بدر ُ‬‫يتعلق باستطراد أو زيادة توضيح لبعض العبارات‪ ،‬وسميتُها بـ"تسلي ُ‬
‫ُ‬
‫خير الجزاء‪.‬‬
‫ينفع بها كما نفع بأصلها وأن يبارك في عمر األستاذ فرهاد ويجزيه عن طلبة العلم َ‬
‫أن َ‬

‫‪3‬‬
‫نه َما ال َهادي ل َّما َك َانت رَساَل ُة‬ ‫اج إَلى اَ َّللطيف اَلمتين ُعمر بن اَ َّ‬
‫َداغي َعَفا َع ُ‬ ‫لشيخ ُم َح َّمُد أَمين الَق َره‬ ‫َُ‬ ‫َ‬ ‫لمحتَ ُ‬
‫ول اَ ُ‬
‫َف َيُق ُ‬
‫َف َوائ َد ُمن َيفة ‪ ،‬أ ََرد ُت أَ ْن أَ ْكتُ َب َعَلي َها َف َرائ َد‬ ‫مع ص َغر َحجم َها ُمشتَمَلة َعَلى‬ ‫ّللَاُ َ‬
‫لموَلى الق ْزلجي َرح َم ُه َ َّ‬
‫لمُقوَالت ل َ‬
‫اَ‬
‫الع َالَة في َكشف ال َمُقوَالت‬
‫وس َّميتُ ُه ب َب ْدر ُ‬
‫المخل ‪َ ،‬‬
‫طناب ُ‬
‫الممل واإل َ‬‫وزَوائ َد َلط َيفة ‪ُ ،‬مجتَنبا َعن اإليجاز ُ‬ ‫َشر َيفة َ‬
‫ين ‪‬‬ ‫ين ب ُحرَمة َسيد اَْل ُم ْرَسل َ‬
‫ّللَاُ به ُك َّل َعارف ‪ ،‬آم َ‬
‫فع َ َّ‬
‫َن َ‬

‫عمر بن الشيخ محمد أمين القره داغي عفا عنهما الهادي ‪:‬‬
‫(فيقول المحتاج إلى اللطيف المتين ُ‬ ‫إذا ُعل َم ذلك‬
‫سبب تأليف الرسالة والتسمية‬

‫ُ‬
‫(أردت‬
‫ُ‬ ‫كانت رسال ُة المقوالت للمولى القزلجي رحمه هللا مع صغر حجمها مشتملة على فوائد منيفة ) وعالية‬
‫لما ْ‬
‫كالدر في نفاستها وشرافتها ( وزوائ َد ) ونكات ( لطيفة) دقيقة ‪،‬‬
‫مسائل هي ُ‬
‫َ‬ ‫ائد شريفة) أي‬
‫أكتب عليها فر َ‬
‫أن َ‬
‫الممل‬
‫حال كوني ( مجتنبا عن اإليجاز الممل واالطناب المخل) ‪ ،‬واألكثر ‪ :‬عن اإليجاز المخل واإلطناب ُ‬
‫(وسميتُه) أي الشرح (ببدر العالة) جمع عالية صفة لمحذوف‪ ،‬والمعنى‪ :‬بدر النجوم العالية ( في كشف‬
‫المقوالت) يريد ‪ :‬أن هناك شروحا أخرى في شرح رسالة القزلجي رحمه هللا هي كالنجوم وشرحي فيها كالقمر‬
‫نوره أنو َار تلك النجوم‪ ،‬وال يخفى أن هذا بالنسبة إلى مدى البصر ال إلى ما في نفس األمر‬
‫يغلب ُ‬
‫ليلة البدر ُ‬
‫(نفع هللا به كل عارف) أي طالب معرفة (آمين بحرمة سيد المرسلين ‪ ، ) ‬والمقوالت جمع مقولة وهي مأخوذة‬
‫من القول بمعنى الحمل ‪ ،‬والمقوالت عشرة بناء على االصطالح وهي تقال على األجناس العالية في الموجودات‬
‫‪ ،‬فكل موجود إذا لوحظ بالنظر إلى جنسه كان فوقه جنس قريب وفوق ذلك جنس بعيد وفوقه جنس أبعد إلى‬
‫أن نصل إلى جنس األجناس وهو الجنس الذي ليس فوقه جنس آخر وذلك كاإلنسان فإن جنسه القريب هو‬
‫الحيوان وجنس الحيوان هو الجسم النامي وجنس الجسم النامي هو الجسم وجنس الجسم هو الجوهر وليس فوق‬
‫الجوهر جنس فيكون الجوهر جنسا عاليا ويسمى جنس األجناس وتقال عليه مقولة حينئذ فالجوهر إذن مقولة‬
‫من المقوالت العشر ‪ ،‬وقس على الجوهر سائر المقوالت كالكيف مثال فإنا إذا أخذنا السواد مثال كان فوقه جنس‬
‫قريب هو اللون وجنس اللون هو الكيفيات المبصرة و جنس تلك الكيفيات هو الكيف المحسوس الذي يكون‬
‫جنسه الكيف ‪ ،‬وليس فوق الكيف جنس فالكيف جنس عالي وهو مقولة من المقوالت العشر وهكذا قياس سائر‬
‫المقوالت ‪ ،‬فإن قيل ‪ :‬األجناس السافلة أيضا تحمل على ما تحتها كالحيوان جنس سافل لإلنسان ويحمل عليه‬
‫فيقال ‪ " :‬اإلنسان حيوان " فل َم ال يقال لها مقولة ؟ ‪ ،‬فالجواب ‪ :‬أنه ال يلزم من وجود دليل التسمية وجود‬
‫التسمية فصحيح أن الحيوان يحمل على ما تحته وأن وجه التسمية بالمقولة فيه موجود لكن ال يلزم من ذلك‬
‫إطالق اسم المقولة عليه‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫َن المفهوم ) والمعُلوم و ُهو اَلصورةُ اَْلحاصَل ُة م ْن اَ َّ‬
‫لشيء ع َند اَْل ُمدرك َم َع َقطع اَ َّلن َ‬
‫صافه ب َها‬
‫ظر َعن ات َ‬ ‫َ َ‬ ‫( اعَلم أ َّ َ ُ َ َ َ َ َ َ‬
‫ثم إن التاء في لفظ مقولة إما للنقل من كونها للجنس بمعنى المحمول إلى كونها اسم علم للجنس العالي ‪-‬‬
‫تعريف المفهوم‪ ،‬وبيان الخالف في اإلدراك‬

‫والمشهور في العربية أن الكلمة إذا كانت صفة ثم نقلت إلى العلمية أضيفت إليها تاء إشارة إلى أنها في األصل‬
‫صفة كالكافية فإنها في األصل صفة للكتاب المشهور ثم نقل إلى العلمية له ‪ -‬أو هي للمبالغة مثل َّ‬
‫عالمة‬

‫المفهوم والمعلوم وهو الصورة الحاصلةُ‬


‫َ‬ ‫فيكون المعنى أنها تقال على أفرادها بكثرة ‪ ،‬إذا علمت هذا فـ(اعلم أن‬
‫البَّد قبل التوضيح من تقديم مقدمة وهي أنه قد حصل‬
‫المدرك مع قطع النظر عن اتصافه بها) ُ‬ ‫من الشيء عند ُ‬
‫اإلنسان شيئا‪ ،‬هل تنتقل من ذلك الشيء صورة إلى ذهنه أم ال ؟ وترتب على ذلك‬
‫ُ‬ ‫خالف فيما إذا تصور‬
‫خالف في ماهية العلم‪ ،‬على مذاهب‪ :‬فقال جمهور المتكلمين ‪ :‬ال تنتقل من الشيء صورة إلى الذهن عند‬
‫تصوره بل الحاصل تعلق وارتباط للذهن بذلك الشيء وليس العلم إال هذا التعلق واالرتباط‪ ،‬أما الحكماء فانقسموا‬
‫اعترض‬
‫َ‬ ‫قسمين ‪ ،‬فقسم قالوا ‪ :‬عند تصور شيء ما ؛ تنتقل إلى الذهن عين الماهية الخارجية لذلك الشيء‪ ،‬ولما‬
‫الوجود الخارجي ليس جزءا‬
‫َ‬ ‫عليهم باستحالة ذلك أجابوا بأن الماهية تدخل الذهن بحذف وجودها الخارجي؛ ألن‬
‫يضر حذُفه ‪ ،‬وهم يسمون بـ" أصحاب الحقيقة " ألن حقيقة الشيء‬
‫من ماهية الشيء بل هو أمر عارضي فال ُ‬
‫تدخل الذهن عندهم ويقال لهم "أصحاب الوجود الذهني" أيضا ‪ ،‬أما القسم َّ‬
‫الثاني من الحكماء فقالوا ‪ :‬عند‬
‫هن بعينها بل الذي يدخل هو ظل تلك الماهية‬
‫تصور شيء ما فإن الماهي َة الخارجية لذلك الشيء ال تدخل الذ َ‬
‫وشبحها ولذلك يسمون بــ"أصحاب الشبح" وتبعهم في ذلك محققوا المتكلمين ‪ ،‬ثم َّ‬
‫إن الصورَة الحاصلة من الشيء‬ ‫ُ‬
‫‪ -‬سواء كانت عين ذلك الشيء كما تقول أصحاب الحقيقة أو ظله كما تقول أصحاب الشبح ‪ -‬تقوم بالذهن‬
‫ويصبح الذهن متصفا بها كما أن الكاغد يتصف بالنقوش المكتوبة فيه ‪ ،‬وترتب على ذلك اختالف في تفسير‬
‫التفاوت بين العلم والمعلوم‬

‫المفهوم لفظان‬
‫ُ‬ ‫فالمعلوم و‬
‫ُ‬ ‫العلم وعالقته بالمعلوم فعند أصحاب الحقيقة تكون تلك الصورة علما ومعلوما ومفهوما‬
‫التفاوت بينهما وبين العلم ليس في الذات والماهية بل هو تفاوت اعتباري‪ ،‬فإنا إذا راعينا ذات الصورة‬
‫ُ‬ ‫مترادفان و‬

‫عين الماهية الخارجية دون مراعاة اتصاف الذهن بها ُس ْ‬


‫ميت تلك الصورةُ معلوما ومفهوما‪ ،‬أما إذا‬ ‫التي هي ُ‬
‫راعيناها مع اتصاف الذهن بها سميت حينئذ علما فتكون من ُ‬
‫حيث إنها علم عارضا للذهن وكيفا نفسانيا من‬
‫مقولة الكيف وموجودا خارجيا أصيليا التصاف النفس التي هي موجود خارجي بها‪ ،‬وأما من حيث كون الصورة‬
‫معلوما ومفهوما فهي موجود ظلي ال تدخل تحت أية مقولة من المقوالت ؛ ألن الذهن ال يتصف بها وليس لها‬

‫وجود في الخارج ‪ ،‬أما عند أصحاب الشبح فالعلم والمعلوم بينهما تفاوت ماهوي حقيقي ؛ ألن َ‬
‫العلم هو الصورة‬

‫‪5‬‬
‫الشبحي ُة الحاصلة في الذهن من الشيء الخارجي والمعلوم والمفهوم هو ما في نفس األمر والخارج حقيقة أو‬
‫فرضا ‪ ،‬فقوله ‪ :‬اعلم أن المفهوم والمعلوم وهو الصورة ‪...‬إلخ ُمماشاة للمصنف مع مذهب أصحاب الحقيقة‬
‫المصنف تبع أصحاب الحقيقة في تعريف المفهوم‬

‫في جعل المفهوم والمعلوم مترادفين وعدم التفريق بينهما وبين العلم إال باالعتبار ‪ ،‬فالصورة باعتبار اتصاف‬
‫مر ‪ ،‬وقوله ‪" :‬عند المدرك" يشير إلى ما‬
‫المدرك بها علم ومع قطع النظر عن هذا االعتبار مفهوم معلوم كما َّ‬
‫المدرك للصور الحاصلة من األشياء الخارجية هو العقل لكن ذلك اإلدراك‬
‫َ‬ ‫يعتقده الحكماء في اإلدراك وهو أن‬
‫الخمس‬
‫ُ‬ ‫الخمس الباطنة والحواس‬
‫ُ‬ ‫إما أن يكون من العقل بالذات‪ ،‬وإما أن يكون بواسطة آالت هي الحواس‬
‫الظاهرة ‪ ،‬فإنهم يقولون ‪ :‬ما يتصوره اإلنسان فهو إما موجود وإما معدوم فإن كان معدوما فهو قسمان ‪ :‬معدوم‬
‫ممكن كالعنقاء ‪ ،‬ومعدوم ُمحال كالالشيء وشريك الباري ‪ ،‬وإن كان موجودا فهو أيضا قسمان ‪ :‬كلي كمفهوم‬
‫اإلنسان ‪ ،‬وجزئي كأفراد اإلنسان زيد وعمرو وغيرهما ‪ ،‬والموجود الجزئي أيضا قسمان‪ :‬جزئي مادي وهو جسم‬
‫تصوُر كليا أو‬
‫الم َّ‬
‫جرد وهو ما ليس بجسم وال بجزء من جسم كالنفس ‪ ،‬فإن كان ُ‬‫أو جزُء من جسم ‪ ،‬وجزئي ُم َّ‬
‫المتص َّوُر‬
‫َ‬ ‫جزئيا مجردا أو معدوما ممكنا أو ممتنعا؛ فالمدرك له العقل من غير واسطة الحواس ‪ ،‬وإن كان‬
‫الخمس الظاهرة التي تحولها بدورها إلى الحواس الخمس الباطنة وتحصل‬
‫ُ‬ ‫جزئيات مادية؛ فالمدرك له الحواس‬
‫لها ارتباط بالعقل‪ ،‬وتبقى معاني غير محسوسة منتزعة من الجزئيات المادية كالجوع والشبع الجزئيين المنتزعين‬
‫المراد بالظرفية في قوله "عند المدرك " وجواب عن إشكال‬

‫من الجزئيات المادية كزيد وعمرو فيكون المدرك لها هو الحواس الباطنة وحدها‪ ،‬وبهذا َ‬
‫ثبت أن الجزئيات‬
‫المادية واألمور المنتزعة منها ال تدرك بالعقل بالذات بل تدرك بالحواس الظاهرة أو الباطنة ‪ ،‬إذا ُعلم هذا‬
‫فالمراد بالعندية في قوله ‪" :‬عند المدرك" أعم من المجاورة التي هي المعنى الحقيقي للفظة عند والظرفية التي‬

‫هي معناها المجازي أي ‪ :‬سواء ْ‬


‫كانت تلك الصورةُ داخلة في العقل المدرك كالكليات والجزئيات المجردة أو‬
‫جاورْت ُه بأن كانت داخلة في حاسة من الحواس المارة التي تجاور المدرك كالجزئيات المادية والمعاني المنتزعة‬
‫منها ‪ ،‬وهنا حصل إشكال ‪ :‬وهو أن المفهوم يشمل األمور الحاصلة في الذهن فقط وال يشمل األمور الخارجية‬
‫أصحاب صور وليست صو ار مع أننا إذا الحظنا تقسيم الحكماء ألقسام المفهوم نرى أنهم ُيطلقون‬
‫ُ‬ ‫؛ ألنها‬
‫َ‬
‫فهوم واجبا أو ممكنا أو ممتنعا‪ ،‬فالمقسم هنا‬
‫المفهوم على الموجودات الذهنية والخارجية معا سواء كان هذا الم ُ‬
‫َ‬
‫فالمقس ُم على‬
‫‪ -‬وهو المفهوم ‪ -‬لم يشمل ما في الخارج وأقسامه الثالثة وهي الواجب والممكن والممتنع تشمُله َ‬
‫أجاب عنه العالمة البالكي رحمه هللا في األلطاف بما حاصُله ‪ :‬أن الصورة هنا‬
‫َ‬ ‫هذا أخص من أقسامه ‪ ،‬وقد‬
‫ال نأخذها بالفعل بل بالقوة ‪ ،‬ونقول ‪ :‬المعلوم والمفهوم هو ذلك الشيء الذي يمكن أن تنتزع منه صورة‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫يث هي لل َع َدم ‪ ،‬أَو الوجود أَو تَصُل َح َل ُه َما ب َع َدم إ َبائه َعن‬ ‫ام ُه ( ثَ َالثَة ) ؛ ألََّن ُه إ َّما أَن َال تَصلُ َح َذاتُ ُه من ح‬
‫أَق َس ُ‬
‫َ ُ َ‬
‫وجود َوال َمع ُدوم َعَلى َوجه اَل َب َدل‬ ‫لم ُ‬ ‫الفرديَّة ل َ‬
‫َ‬
‫وتدخل إلى الذهن ولو فرضا وما في الخارج وإن لم يكن صورة لكن يمكن أن تنتزع منه صورة وتدخل إلى‬
‫أقسام المفهوم الثالثة‬

‫أقسامه ثالثة لـ)‬


‫المعلوم ) ُ‬
‫ُ‬ ‫المفهوم و‬
‫ُ‬ ‫الذهن ‪ ،‬ثم إنه لم يقل "عند العقل" ليشمل علم هللا الذي ليس بآلة عقل ‪ ،‬ثم‬
‫يرد‬
‫تصلح ذاتُه من حيث هي للعدم( وهو الواجب ‪ ،‬وهنا ُ‬
‫َ‬ ‫علة في الحصر وهي (أنه) أي المفهوم (إما أن ال‬
‫سؤال وهو أن هناك أمو ار كثيرة ال تقبل ذواتها العدم ‪ ،‬فالممكن مثال إذا لوحظ مقيدا بجانب الوجود ال تقبل ذاته‬
‫نقيض الوجود فال يردد على الممكن مادام موجودا فتبطل مانعي ُة تعريف الواجب بالممكن‬
‫ُ‬ ‫العدم ؛ ألن العدم‬

‫بشرط الوجود‪ ،‬فأجاب الشارح بإضافة قيد "من حيث هي"‪ ،‬فيكون المعنى‪ :‬الو ُ‬
‫اجب هو المفهوم الذي ال يقبل‬
‫العدم باعتبار ذاته ومالحظتها مع قطع النظر عن العلل والعوارض المتصلة بها‪ ،‬وبهذا يخرج الممكن الموجود؛‬
‫ألن انتفاء قبوله العدم يكون باعتبار العلل والعوارض المتصلة به أما من حيث هو في ذاته فإنه يقبل العدم‬
‫(أو) أن ال تصلح ذاته من حيث هي لــ(الوجود) وهو الممتنع وهنا أيضا يرد اعتراض وهو أن الممكنات المعدومة‬
‫الوجود لعدم جواز اجتماع الوجود مع العدم في المعدوم حال‬
‫َ‬ ‫لوحظت في حال عدمها فإنها ال تقبل‬
‫ْ‬ ‫كالعنقاء إذا‬

‫عدمه فيكو ُن الممكن المعدوم كالممتنع ويكو ُن تعريف الممتنع َ‬


‫غير مانع‪ ،‬وألجل ذلك يجب إضافة قيد "من‬
‫المعدوم حال عدمه‪ ،‬فالممتنع إذا لوحظ من حيث هو وبالنظر إلى ذاته ال‬
‫ُ‬ ‫حيث هي" هنا أيضا حتى يخرج‬
‫الممكن المعدوم فإنه إنما ال يقبل الوجود باعتبار العوارض والعلل المتصلة به أما من حيث‬
‫ُ‬ ‫يقبل الوجود‪ ،‬أما‬
‫الممكن الخاص وهو أيضا بحاجة إلى قيد‬
‫ُ‬ ‫تصلح) ذاته ( لهما) أي للوجود والعدم وهو‬
‫ُ‬ ‫ذاته فيقبل الوجود (أو‬
‫الموجود بشرط الوجود وكذلك الممكن المعدوم بشرط‬
‫ُ‬ ‫الممكن‬
‫ُ‬ ‫"من حيث هي" حتى يدخل في تعريف الممكن‬
‫األول والعدم في الثَّاني إال أن ذاتيهما‬
‫العدم؛ ألنهما وإن كانا باعتبار القيد يلزمان حالة واحدة وهي الوجود في َّ‬
‫من حيث هي تصلح للعدم والوجود‪ ،‬وقوله في تعريف الممكن الخاص ‪( :‬بعدم إبائه عن الفردية للموجود‬
‫الوجود والعدم نقيضان فكيف يصلح الممكن لهما‬
‫َ‬ ‫والمعدوم على وجه البدل) جواب عن سؤال مقدر تقديره‪ :‬أن‬
‫الممكن في آن واحد بل‬
‫َ‬ ‫العد َم يلحقان‬
‫الوجود و َ‬
‫َ‬ ‫؟ ‪ ،‬وحاصل الجواب َّ‬
‫أن الصالحي َة للوجود والعدم ال تعني أن‬
‫يمتنع أن يكون فردا للموجود أو المعدوم على وجه البدلية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫المعنى أن الممكن ال‬

‫‪7‬‬
‫الخاص‬ ‫الممك ُن َ‬ ‫يكه تَعاَلى ( و ) والثَّ ُ‬
‫الث ( ُ‬ ‫الم ْمتَن ُع ) َك َشر َ‬ ‫َّ‬
‫األو ُل ( الواج ُب ) َو ُهو الباري تَعاَلى ( و ) الثاني ( ُ‬
‫ف َّ‬
‫األو َل والثَّ َ‬
‫الث أو ُوجوده َف َي ُعم‬ ‫يعم َّ‬
‫الضرورةُ عن َعدمه َف ُ‬ ‫الخاص إلطالقه على َما ُسل َبت َّ‬ ‫وقي َدهُ ب َ‬
‫) كال َحيوان ‪َّ ،‬‬
‫الث أو أَحدهما َغير ُمعيَّن َف َي ُعم الثَّالث َة‬
‫الثَّاني والثَّ َ‬
‫تصلح ذاته من حيث هي للعدم هو (الواجب) أي لذاته بغض النظر عن العوارض الخارجية‬
‫ُ‬ ‫(فاألول) وهو ما ال‬
‫يصدق على أفراد كثيرين في الذهن وأما في الخارج فالموجود منه فرد واحد فقط وهو هللا‬
‫ُ‬ ‫‪ ،‬والواجب مفهوم كلي‬
‫المنحص ُر في الفرد ولذلك قال الشارح ‪ ( :‬وهو الباري تعالى) على وجه الحصر‬
‫الكلي ُ‬ ‫سمى‬
‫تعالى فهذا الكلي ُي َّ‬
‫ُ‬
‫ال المثال (و الثَّاني) وهو ما ال تصلح ذاته من حيث هي للعدم هو (الممتنع) أي لذاته كشريكه تعالى ولم يقل‬
‫تصلح ذاته من حيث هي‬
‫ُ‬ ‫"وهو" إشارة إلى أنه ليس ُمنحص ار في ذلك بل له أمثلة أخرى (و الثَّالث) وهو ما‬
‫للوجود والعدم هو( الممكن الخاص كالحيوان و) إنما (قي َده بالخاص إلطالقه) أي اإلمكان على أمور أربعة‬
‫إطالقات اإلمكان‬

‫يمتنع عن الفردية ألي منهما‬


‫ُ‬ ‫وعدمه على السوية فال‬
‫َ‬ ‫وجود الشيء‬
‫َ‬ ‫اإلمكان بمعنى َّ‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫عند الحكماء فقد ُيطَل ُق‬
‫وهو اإلمكان الخاص وهو المذكور في المتن ‪ ،‬وقد يطلق على اإلمكان العام وهو ينقسم إلى ثالثة أقسام ألنه‬
‫المقيد بجانب الوجود وهو ما يكون جهة للقضية الموجبة كقولنا‪" :‬هللا موجود‬
‫إما يكون بمعنى اإلمكان العام ُ‬
‫لب‬
‫باإلمكان العام" ‪ ،‬و "زيد موجود باإلمكان العام" فيطلق ( على ما ُسلبت الضرورةُ عن عدمه) بمعنى أن َس َ‬
‫الوجود عن هللا تعالى وسلب الوجود عن زيد ليس ضروريا سواء كان وجوده ضروريا (فيعم األول) وهو الواجب‬
‫وهو هللا تعالى في مثالنا‪( ،‬والثَّالث) وهو الممكن الخاص وهو زيد في مثالنا ويكون ضد الممتنع؛ ألننا قلنا إن‬
‫المقيد بجانب العدم وهو ما يكون جهة للقضية‬
‫اإلمكان على اإلمكان العام َّ‬
‫ُ‬ ‫عدمه ليس ضروريا (أو) يطلق‬
‫فيطَل ُق على ما ُسلبت‬
‫السالبة كقولنا‪" :‬الالشيء معدوم باإلمكان العام" ‪ ،‬و "زيد ليس بقائم باإلمكان العام" ُ‬
‫ثبوت العدم‬
‫أما ُ‬‫وثبوت القيام لزيد ليس ضروريا‪َّ ،‬‬
‫َ‬ ‫لب العدم عن الالشيء‬ ‫الضرورة عن ( وجوده) بمعنى أن َس َ‬
‫الممتنع وهو الالشيء في مثالنا‪،‬‬
‫ُ‬ ‫لالشيء وسلب القيام عن زيد فيجوز أن يكون ضروريا (فيعم الثَّاني) وهو‬
‫الممكن الخاص وهو زيد في مثالنا ‪ ،‬ويكون اإلمكان بهذا‬
‫ُ‬ ‫غير ضروري (و) هو ( الثَّالث) أي‬‫ويجوز أن يكون َ‬
‫المطَلق ‪ :‬وهو‬ ‫المعنى َّ‬
‫ضد الواجب؛ ألننا قلنا إن وجوده ليس ضروريا (أو) يطلق اإلمكان على اإلمكان العام ُ‬
‫العام بهذا‬
‫اإلمكان َ‬
‫َ‬ ‫فيعم)‬
‫(غير ُمعين ُ‬
‫َ‬ ‫ما ُسلبت الضرورةُ فيه عن (أحدهما) أي الوجود أو العدم حال كونه‬
‫المطلق (الثالث َة) فهو يعم الواجب؛ ألنه ما ُسلبت الضرورة فيه عن عدمه وهو اإلمكان العام المقيد‬
‫المعنى ُ‬
‫اإلمكان العام المقيُد بجانب العدم ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الممتنع وهو ما ُسلبت الضرورةُ فيه عن وجوده وهو‬
‫بجانب الوجود ‪ ،‬ويعم ُ‬

‫‪8‬‬
‫يما‬ ‫َّ‬
‫َو َعَلى الث َالثَة َيل َزُم َجع ُل القسم َقس َ‬
‫الخاص وهو ما ُسلبت الضرورةُ فيه عن كل منهما أي‪ :‬الوجود والعدم ‪ ،‬وهو اإلمكان العام المقيد‬
‫َّ‬ ‫الممكن‬
‫َ‬ ‫ويعم‬
‫ُ‬
‫بالجانبين (وعلى الثالثَة) أي‪ :‬على أخذ اإلمكان العام ُمقيدا بجانب الوجود وأخذه ُمقيدا بجانب العدم وأخذه‬
‫فيجب‬
‫ُ‬ ‫مطلقا (يلزم) في كل منها (جعل القسم) للممكن العام (َقسيما)‪ ،‬وبيانه‪ :‬إذا كان لمفهوم ما أقسام معينة؛‬
‫بعضها مع بعض ‪ ،‬وهنا ‪ " :‬الممكن " في قولنا‪" :‬المفهوم‬
‫يتداخل ُ‬
‫َ‬ ‫أن يكون هناك تباين بين تلك األقسام لكيال‬
‫ذكر مع قيد " الخاص " فقد يكون المراد به اإلمكان العام وحينئذ إذا‬
‫إما واجب أو ممتنع أو ممكن" إذا لم ُي َ‬
‫اجب؛ ألنه فرد من أفراد‬
‫أخذنا اإلمكان عاما ُمقيدا بجانب الوجود فهو وإن كان ضد الممتنع إال أنه يشمل الو َ‬
‫اإلمكان العام فإذا شمله والحال إنه قسم منه يصبح واجب الوجود الذي هو قسم من اإلمكان العام قسيما له‬
‫في المتن ‪ ،‬وكذلك إذا أخذنا اإلمكان العام مقيدا بجانب العدم فهو وإن كان ضدا للواجب إال أنه يشمل الممتنع‬
‫ممتنع الوجود الذي هو قسم من‬
‫ُ‬ ‫ألنه فرد من اإلمكان العام بهذا المعنى فإذا شمله والحال إنه قسم منه يصير‬
‫اإلمكان العام قسيما له في المتن ‪ ،‬وكذلك إذا أخذنا اإلمكان العام مطلقا فإنه يشمل الواجب والممتنع والممكن‬
‫علهما قسيمان له في المتن ‪ ،‬وألجل‬
‫الخاص ‪ ،‬فيصير الواجب والممتنع قسمان من الممكن العام فال يجوز َج ُ‬
‫اإلمكان بالخاص‪.‬‬
‫َ‬ ‫قي َد‬
‫أال يلزم كل من هذه الثالثة َّ‬

‫‪9‬‬
‫ود أو ال َع َد َم أَو ال وَال ألََّن َها َلفظيَّة‬
‫الوج َ‬
‫أخذه وال ُي َنافيه تَعر َيفاتُ َها ب َما َيقتَضي َذاتُ ُه ُ‬
‫نها َبديهي لب َداهة َم َ‬
‫ثُ َّم ُكل م َ‬

‫األقسام في‬ ‫الماتن هذه‬ ‫يرد هنا سؤال ُم َّ‬


‫قدر تقديره ‪ :‬لماذا لم يعرف‬ ‫بعد بيان األقسام الثالثة للمفهوم ؛ ُ‬
‫(ثم) َ‬
‫بداهة أقسام المفهوم‬

‫َ‬ ‫ُ‬
‫يحتاج إلى تعريف ( لبداهة َمأخذه)؛ ألنها ُمشتقات مأخوذة من‬‫ُ‬ ‫(كل منها بديهي) ال‬
‫اب بقوله‪ُ :‬‬‫أج َ‬
‫المتن ؟‪َ ،‬ف َ‬
‫تلك المشتقات بديهية بتبعيتها للمصادر؛ َّ‬
‫ألنها ذوات ُمتصفة بها‪ ،‬واستُشك َل‬ ‫صادر هي أمور بديهية َفتكو ُن َ‬ ‫َم َ‬
‫العدم وأن‬ ‫الممتنع ما يقتضي ذاتُه‬
‫َ‬ ‫الوجود وأن‬
‫َ‬ ‫اجب ما يقتضي ذاتُه‬
‫فت في ُكتب الحكمة بأن الو َ‬ ‫َّ‬
‫بأنها َقد ُعر ْ‬
‫َ‬
‫العدم ‪ ،‬فأجاب عن هذا االستشكال بقوله ‪( :‬وال ينافيه تَعريفاتُها‬
‫َ‬ ‫الوجود وال‬
‫َ‬ ‫الخاص ما ال يقتضي ذاتُه‬
‫َّ‬ ‫مكن‬
‫الم َ‬
‫ُ‬
‫الممتنع (أو) ما (ال) يقتضي ذاتُه‬
‫ُ‬ ‫اجب ( أو) ما يقتضي ذاتُه (العدم) وهو‬
‫الوجود) وهو الو ُ‬
‫َ‬ ‫بما يقتضي ذاتُه‬
‫يف (لفظية) ؛ ألن‬‫العدم وهو الممكن الخاص ‪ ،‬وعدم المنافاة يكون (لـ) علة هي (أنها) تعار ُ‬
‫َ‬ ‫الوجود (وال)‬
‫كانت مجهولة ‪ ،‬ولفظي ‪ :‬لمعرفة الموضوع له للمعرف‬
‫المعرف بعد أن ْ‬
‫التعريف نوعان ‪ ،‬حقيقي ‪ :‬لمعرفة ماهية َّ‬
‫بعد حصول المعرفة بالماهية ‪ ،‬وإنما كان كل منها بديهيا؛ ألننا ُندرك معنى "ما يقتضي ذاته الوجود" مثال لكننا‬
‫يف اللفظي ُة معلومات تصديقية‬
‫نجهل أنها موضوعة للفظ واجب الوجود‪ ،‬وألجل وجود الحمل فيها؛ كانت التعار ُ‬
‫ُ‬
‫الت النظرية‬
‫عند األكثرين ألنها أحكام وليست تصورات كالتعاريف الحقيقة‪ ،‬والتعريف الحقيقي تعرف به المجهو ُ‬
‫فقط ‪ ،‬أما اللفظي فتعرف به المجهوالت النظرية والبديهية أيضا لكن بعد معرفتها بالتعاريف الحقيقية‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وم ) قس َمان ‪ ،‬ألََّن ُه ( إ َّما َم ُ‬
‫وجود أَو َم ْعُدوم ) وهما َبديهيَّان أل َّ‬ ‫َّ‬
‫َن‬ ‫ُخ َرى ) ُمتح َدة َم َع األُوَلى َمآال ( َ‬
‫المف ُه ُ‬ ‫( َوبع َب َارة أ ْ‬
‫صر بال ُو ُجود ب َناء َعَلى أََّن ُه َلو َو َج َد َل َك َ‬
‫ان َل ُه ُو ُجود َوَننُق ُل‬ ‫الح ُ‬ ‫ض َ‬ ‫اء ال ُمشتَق َو َج َال َئ ُه باعت َبار َمأ َخذه ‪ ،‬وال َينتَق ُ‬ ‫َخَف َ‬
‫يض ُه‬
‫صد ُق َعَليه َنق ُ‬
‫ف ب َما َي ُ‬ ‫صَ‬ ‫َّ‬
‫الك َال َم إَليه َف َيتَ َسل َس ُل ‪َ ،‬وَلو َعُد َم ات َ‬
‫َ‬
‫المفهوم (بعبارة أُخرى)‬
‫َ‬ ‫الممتنع والممكن الخاص؛ أرَاد أن يقس َم‬
‫المفهوم إلى الواجب و ُ‬
‫َ‬ ‫ف‬‫(و) َبعد أن قس َم المصن ُ‬
‫تقسيم المفهوم بعبارة أخرى‬

‫المفهوم) وهو الصورةُ‬


‫َ‬ ‫بيانه وهي أن (‬ ‫غير التعبير األول ( ُمتحدة) ومتفقة (مع) القسمة (األُولى مآال) كما سيأتي ُ‬
‫ثالث لهما (وهما‬
‫الحاصل ُة من الشيء عند العقل (قسمان؛ ألنه إما موجود) بوجود محمولي (أو معدوم) وال َ‬
‫وكونه بديهيا يكو ُن (باعتبار‬
‫(وجالءه) َ‬
‫َ‬ ‫خفاء المشتق ) وكونه نظريا‬
‫بديهيان) فال يحتاجان إلى تعريف ؛ (ألن َ‬
‫المعدوم مشتقان من الوجود والعدم وهما مفهومان بديهيان فيكون المشتق‬
‫ُ‬ ‫الموجود و‬
‫ُ‬ ‫َمأخذه) ومصدره وتبعا له ‪ ،‬و‬
‫قوله ‪ " :‬إما موجود أو معدوم " انفصال حقيقي فليس لنا مفهوم‬ ‫ثالث لهما َّ‬
‫فألن َ‬ ‫منهما بديهيا أيضا ‪ ،‬وأما أنه ال َ‬
‫يكون موجودا ومعدوما في آن واحد كما أنه ليس هناك مفهوم ال يكون موجودا وال معدوما في آن واحد ‪ ،‬ثم‬
‫ض هذا الحصر من طرف المعتزلة‬
‫إنه لما ذكر أن المفهوم منحصر بكونه موجودا أو معدوما وال ثالث لهما ‪ُ ،‬نق َ‬
‫بالوجود بناء على أنه مفهوم من المفاهيم وهو ال موجود وال معدوم ‪ ،‬فإنهم يقولون ‪ :‬المفهوم ثالثة أقسام ‪:‬‬
‫الحال واسطة بين‬
‫ُ‬ ‫فكذلك‬
‫َ‬ ‫زمان الحال واسطة بين الماضي والمستقبل‬
‫َ‬ ‫"الموجود والمعدوم والحال" وكما أن‬
‫نثبت قسما ثالثا من المفاهيم‬
‫أن َ‬ ‫الموجود والمعدوم ‪ ،‬ومثلوا للحال بالوجود فهو حال ال موجود وال معدوم فوجب ْ‬
‫إلدخال الوجود فيه ونقول ‪ " :‬المفهوم إما موجود أو معدوم أو ال و ال " ‪ ،‬فأجاب الشارح بقوله ‪( :‬وال ينتقض‬
‫انتقاض حصر التقسيم بالوجود وحله‬

‫الدليل‬
‫الحصر بالوجود) وقوله (بناء) علة لقوله ‪" :‬ينتقض" فهو متوجه إلى المنفي لبيان أدلة المعتزلة أوال ف ُ‬
‫جد لكان له‬
‫تقسيم المفهوم إلى الموجود والمعدوم فقط ينتقض بالوجود بناء (على أنه لو َو َ‬
‫َ‬ ‫األول لهم هو‪ :‬أن‬
‫ُ‬
‫الكالم إليه) أي‪ :‬إلى الوجود الثَّاني فهو لو وجد لكان بوجود ثالث وهكذا إلى ما ال نهاية‬
‫َ‬ ‫(وننقل‬
‫ُ‬ ‫وجود) ثاني‬
‫يصد ُق عليه‬
‫صف بما ُ‬ ‫الوجودات‪ ،‬والتسلسل باطل فيبطل كون الوجود موجودا ‪ ،‬وقوله ‪( :‬ولو َع ُد َم ات َ‬
‫ُ‬ ‫(فيتسلسل)‬
‫البد من تقديم مقدمة وهي أن المناطق َة قرروا‬
‫وقبل توضيحه ُ‬
‫نقيضه) دليل ثان للمعتزلة على انتقاض الحصر‪َ ،‬‬
‫نقيض‬
‫ُ‬ ‫االتصاف بالنقيض وال بما يصدق عليه النقيض" ‪ ،‬فمثال‬
‫ُ‬ ‫فعه" وأنه " ال يجوز‬
‫أن "نقيض كل شيء ر ُ‬
‫نقيض االنسان الذي هو الالإنسان ‪ ،‬فالفرس فرد‬
‫ُ‬ ‫الفرس مثال فهو مما يصدق عليه‬
‫ُ‬ ‫اإلنسان هو الالإنسان‪ ،‬أما‬
‫اتصاف اإلنسان بالالإنسان؛ ال يجوز اتصافه أيضا بأفراد الالإنسان التي‬ ‫ُ‬ ‫من أفراد الالإنسان فكما ال يجوز‬
‫منها الفرس فال يقال‪ " :‬اإلنسان فرس" كما ال يقال ‪" :‬اإلنسان ال إنسان " ‪ ،‬وإذا عدنا إلى الدليل الثَّاني للمعتزلة‬

‫‪11‬‬
‫اء اَْل ُو ُجود ‪ ،‬أَو الثَّاني َوَنُقول‬ ‫َّ‬
‫ألَنا َنختَ ُار إ ًّما اَلش َّق اَألََّو َل ب َجعل ُو ُجود اَْل ُو ُجود َعي َن ُه ب َمعنى َال َماهَّي َة َل ُه َوَر َ‬
‫اتصاف الوجود بأفراد‬
‫ُ‬ ‫فنقول ‪ :‬كما أنه ال يجوز اتصاف الوجود بالالوجود الذي هو نقيضه فكذلك ال يجوز‬
‫النقيض كما ذكرنا ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫العدم مما يصدق عليه‬
‫َ‬ ‫العدم فال يقال ‪ " :‬الوجود معدوم" َّ‬
‫ألن‬ ‫ُ‬ ‫الالوجود التي منها‬
‫تتمة ‪ :‬قول الماتن " اتصف بما يصدق عليه نقيضه " في مثال الوجود مماشاة مع مذهب االعتزال ألن إثباتهم‬
‫الواسطة يقتضي ذلك ‪ ،‬فإنا إذا أثبتنا الواسطة بين الموجود والمعدوم وقلنا إن الوجود معدوم كان "معدوم" مما‬
‫يصدق عليه النقيض الذي هو الالوجود وليس مساويا له ‪ ،‬ألن لمفهوم الالوجود عند المعتزلة فردين اثنين‬
‫حمل ما يصدق عليه‬
‫حمل المعدوم على الوجود هو ُ‬ ‫المعدوم والحال وكل منهما يصدق عليه الالوجود فيكو ُن ُ‬
‫فالمعدوم مساو لالوجود لعدم وجود الحال الواسطة بين الوجود‬
‫ُ‬ ‫عند الجمهور‬
‫حمل النقيض ‪ ،‬أما َ‬
‫النقيض ال ُ‬
‫ُ‬
‫حمل المعدوم على الوجود هو حمل النقيض ال حمل ما يصدق عليه النقيض ‪ ،‬وبعد‬ ‫والعدم عندهم ؛ فيكون ُ‬
‫أن ذكر دليلي المعتزلة على انتقاض حصر المفهوم في الموجود والمعدوم ؛ شرع اآلن في جوابهم ‪ ،‬فقال ‪:‬‬
‫حصر المفهوم في الموجود والمعدوم‬
‫ُ‬ ‫ينتقض‬
‫ُ‬ ‫(ألنا نختار) وهو علة للنفي في قوله‪" :‬ال ينتقض" أي ‪ :‬ال‬
‫"الوجود موجود" وال‬
‫ُ‬ ‫نقول ‪:‬‬ ‫األول) ويكو ُن (بجعل وجود الوجود َ‬
‫عينه) وهو أن َ‬ ‫َ‬ ‫الشق‬
‫َّ‬ ‫نختار‪( :‬إما‬
‫ُ‬ ‫بالوجود؛ ألنا‬
‫اآلثار‬ ‫عين الوجود األول يعني‪ :‬أن‬ ‫َ َّ‬ ‫استحالة فيه؛ َّ‬
‫َ‬ ‫الوجود الثاني في السلسلة ليس مستقال بنفسه بل هو ُ‬ ‫ألن‬
‫آخر‪،‬‬ ‫َّ‬
‫تصدر في الوجود الثاني بواسطة ذاته ال بواسطة شيء َ‬
‫ُ‬ ‫تصدر في الموجود بواسطة الوجود األول‬
‫التي ُ‬
‫المكان مضيء بواسطة الضوء الصادر من الشمس"‬
‫ُ‬ ‫نقول للمكان المضيء بضوء الشمس "هذا‬
‫فنحن ُ‬
‫وهو جائز ُ‬
‫تسلسل في األضواء فيمكن أن نقول ‪" :‬الضوء ضوء"‬ ‫َ‬ ‫آخر َفال‬
‫مضيء بذاته ال بواسطة شيء َ‬
‫ُ‬ ‫الضوء فهو‬
‫ُ‬ ‫أما‬
‫و "الضوء مضيء" بحسب اللغة ‪ ،‬وعلى هذا يمكن أن نقول هنا أن " الوجود موجود" (بمعنی) أن الوجود الثَّاني‬
‫الوجودات وهذا رد على الدليل األول للمعتزلة ‪( ،‬أو) نختار الش َّق‬
‫ُ‬ ‫(ال ماهية له وراء الوجود) األول فال تتسلس ُل‬
‫نقيضه ؛ فنقول في الجواب‪:‬‬ ‫قيل ‪ :‬هذا اتصاف للوجود بما يصدق عليه ُ‬ ‫"الوجود معدوم" ‪ ،‬فإن َ‬
‫ُ‬ ‫ونقول) ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫(الثَّاني‬
‫ويسمى حمل المواطاة‪،‬‬ ‫أحدها ‪ :‬حمل بالذات وبال واسطة كما نقول "زيد إنسان" ُ‬ ‫هناك ثالث ُة أنواع من الحمل ‪ُ ،‬‬
‫سمى‬
‫وي َّ‬ ‫ًّ‬
‫المحمول ُمشتقا كما في حمل القيام على زيد في قولنا ‪" :‬زيد قائم" ُ‬
‫ُ‬ ‫والثَّاني ‪ :‬حمل يشترط فيه أن يكون‬
‫حمل االشتقاق ‪ ،‬والثَّال ُث‪ :‬حمل بواسطة إضافة كلمة ذو ويسمى "حمل ذي هو" كما في حمل المال على زيد‬
‫ال نقول "زيد مال" بل "زيد ذو مال"‪...‬‬

‫‪12‬‬
‫ان ُذو‬ ‫الح َيو ُ‬
‫ود َع َدم َال باالشتَقاق أَو ذي ُه َو َك َما ُيَقا ُل َ‬ ‫ال ال ُو ُج ُ‬
‫طاة بأَن ُيَق َ‬ ‫اف به إَّن َما َيمتَن ُع إ َذا َك َ‬
‫ان بال ُم َوا َ‬ ‫ص ُ‬ ‫االت َ‬
‫عدوم إ َّما ممتَنع) أَي ضروري اَْلع َدم لذاته ( َك َّ‬
‫الال َشيء أ َْو‬ ‫نه َما قس َمان أل َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ُ‬ ‫لم ُ َ‬ ‫َن (اَ َ‬ ‫لس َو ُاد‪( ،‬و) ُكل م ُ‬ ‫َال َحي َوان ُه َو اَ َّ‬
‫َع َّم من َوجه من‬ ‫عدوم ُممكن َف ُه َو َق ُيد اَلقسم َف َال َي َلزُم َجع ُل اَْلقسم أ َ‬ ‫الم َرُاد َم ُ‬
‫الع َدم َو ُ‬ ‫ض ُروري ا ُلو ُجود َو َ‬ ‫ُممكن ) َغي ُر َ‬
‫العنَقاء)‬
‫المقسم ( َك َ‬
‫َ‬
‫مل النقيض على النقيض في َحمل‬
‫صاف الموجود (به) أي‪ :‬بالعدم أي‪َ :‬ح ُ‬
‫(االتصاف) أي‪ :‬ات ُ‬
‫ُ‬ ‫إذا علم ذلك فـ‬
‫"الوجود عدم") أو "الوجود ال وجود" ‪ ،‬فـ(ال)‬
‫ُ‬ ‫المعدوم على الوجود ( إنما َيمتن ُع إذا كان بالمواطاة بأن ُيقا َل‪:‬‬
‫َ‬
‫الحمل إذا كان (باالشتقاق أو ب ــ) واسطة (ذي هو) ألنه إذا كان بواسطة االشتقاق أو بواسطة ذي؛ فيصح‬ ‫ُ‬ ‫يمتنع‬
‫ُ‬
‫الالوجود ‪ ،‬وهو ليس‬
‫ُ‬ ‫الوجود ُمتصف بوصف هو‬‫ُ‬ ‫"الوجود ذو َعدم" أي‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الوجود معدوم" أو‬
‫ُ‬ ‫بأن ُيقال "‬
‫وذلك ْ‬
‫ان ذو ال حيوان هو‬
‫بمحال لوجود مثاله في حمل السواد على الحيوان (كما يقال) ‪" :‬الحيوان أسود"‪ ،‬و (الحيو ُ‬
‫حمل العدم ‪ -‬الذي هو فرد‬
‫السو َاد الذي هو فرد من أفراد الالحيوان على الحيوان " فليكن ُ‬
‫السواد)؛ ألنا َحملنا َّ‬
‫المعدوم إما)‬
‫َ‬ ‫من أفراد الالوجود ‪-‬على الوجود مثَله ‪(،‬و كل منهما ) أي‪ :‬من الموجود والمعدوم (قسمان؛ ألن‬
‫أقسام المعدوم‬

‫َمعدوم ( ُممتنع أي‪ :‬ضروري العدم لذاته) أي‪َ :‬‬


‫عند ُمالحظة ذاته من غير مالحظة الالواحق الخارجية ال بمعنى‬
‫بمجرد مراعاة ذاته ‪( ،‬أو)‬
‫َّ‬ ‫وجوده‬
‫ُ‬ ‫يمتنع‬
‫ُ‬ ‫أن له ذاتا ألن الممتنع ال ذات له (كالالشيء) فإن مفهوم الالشيء ما‬
‫مكن‬
‫الم َ‬
‫جعل ُ‬
‫يرد اعتراض وهو أن الماتن َ‬ ‫غير ضروري الوجود والعدم) عند مالحظة ذاته ‪ ،‬وهنا ُ‬
‫معدوم (ممكن ُ‬
‫المقسم وكل من أقسامه عموم وخصوص‬ ‫ط التقسيم أن يكو َن بين األقسام تباين َ‬
‫وبين َ‬ ‫قسما من المعدوم‪ ،‬وضاب ُ‬
‫بأن يكون المقسم أعم مطلقا واألقسام أخص مطلقا منه ‪ ،‬وهنا "المعدوم" مقسم و"الممكن" و"الممتنع"‬ ‫ُمطلق ْ‬
‫قسمان منه والقسمان متباينان لكن النسبة بين كل من القسمين وبين المقسم هو العموم والخصوص من وجه‬
‫ال مطلقا ؛ ألن الممكن قد يكون موجودا كزيد وهو ينافي جعل المقسم معدوما فأجاب بقوله‪( :‬والمراد معدوم‬
‫(قيد القسم) الذي هو‬
‫الممكن ُ‬
‫ُ‬ ‫األمر بالعكس (فهو) أي‬
‫الممكن ليس قيدا للمعدوم وقسما منه بل ُ‬
‫َ‬ ‫ممكن) أي‪ :‬أن‬
‫أعم من وجه من المقسم ) حينئذ؛ ألن القسم َة تصبح هكذا‬
‫جعل القسم َّ‬
‫يلزم ُ‬
‫المعدوم والمرُاد معدوم ممكن ‪( ،‬فال ُ‬
‫ُ‬
‫‪" :‬المعدوم إما معدوم ممتنع كالالشيء أو معدوم ممكن وهو (كالعنقاء) وتكون النسب ُة بين المقسم وأقسامه هو‬
‫الخصوص من وجه لما ذكرنا‬
‫َ‬ ‫لعموم و‬
‫المطلق ال ا َ‬
‫َ‬ ‫الخصوص‬
‫َ‬ ‫العموم و‬
‫َ‬

‫‪13‬‬
‫ورَة است َلزامه التََّقد َم ب ُو ُجوده َعليه َبل ب َم َ‬
‫عنى‬ ‫ض ُر َ‬
‫ود إ َّما َواجب ) لذاته َال ب َمعنى عل َية َذاته ل ُو ُجوده لُبط َالنه َ‬
‫وج ُ‬
‫الم ُ‬
‫( َو َ‬
‫ض ُرور ُي اَْل ُو ُجود َوال َع َدم لذاته ‪.‬‬
‫وجود ( ُممكن ) َال َ‬
‫ظ ار إَلى َذاته ( َوإ َّما ) َم ُ‬
‫امت َناع انف َكاك اَ ُلو ُجود َعن ُه َن َ‬
‫الموجود) فهو أيضا قسمان ألنه (إما واجب) الوجود (لذاته ال بمعنى) إرادة الـ(علية) المستفادة من‬
‫ُ‬ ‫(و) أما (‬
‫أقسام الموجود‬

‫للذات (بوجوده عليه) أي‪ :‬على نفسه ؛‬ ‫الالم لعدم جواز علية (ذاته لوجوده لبطالنه ضرورَة استلزامه التقدم) َّ‬
‫َ‬
‫ألنه تقد ُم الشيء على نفسه وهو دور باطل‪( ،‬بل بمعنى امتناع انفكاك الوجود نظ ار إلى ذاته ‪ ،‬وإما موجود‬
‫الممكن الخاص؛ ألنه سل ُب الضرورة عن طرفيه‪ ،‬والحاصل‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُممكن ال ضرور ُي الوجود والعدم لذاته) فهو‬
‫المفهوم على هذا أربع ُة أقسام؛ ألنه إما معدوم ممتنع أو معدوم ممكن أو موجود واجب أو موجود ممكن وهو‬
‫ُ‬
‫التقسيم األول للمفهوم ألنه كان تقسيما إلى ثالثة أقسام‪ ،‬ولكنه ُمتحد َمعه مآال؛ َّ‬
‫ألن ُكال من الموجود‬ ‫َ‬ ‫ُيخالف‬
‫الممكن؛ ألنه يكو ُن قسما من كل من المعدوم والموجود أي‪ :‬المعدوم الممكن‬
‫ُ‬ ‫والمعدوم يلتقيان في قسم واحد وهو‬

‫والموجود الممكن‪ ،‬وألجل ذلك أُدغ َم هذان القسمان وجعال تحت الممكن في التقسيم األول وقيل‪ :‬المف ُ‬
‫هوم إما‬
‫واجب أو ممتنع أو ممكن‪.‬‬

‫‪14‬‬
‫حواشي ابن الباساوي رحمه هللا المتعلقة بالمفهوم وأقسامه‬

‫حواشي تعريف المفهوم‬


‫قوله (وهو) فيه استخدام‪ ،‬قوله (وهو الصورة إلخ) ليس المراد بالصورة ما يقابل األعيان الخارجية حتى ال يشمل‬
‫المعلوم الحضوري بل أعم من أن تكون خارجية أو ذهنية فيشمل المعلوم الحضوري كالحصولي‪ ،‬ال يقال إن‬
‫أريد بالحاصلة معناه الحقيقي فينتقض التعريف جمعا بالمعلوم الحضوري أو الحاضرة ينتقض بالحصولي ألنا‬
‫نقول الحاصلة بمعنى الثابتة أعم من أن تكون بطريق الحصول أو الحضور فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬عند المدرك )‬
‫وإنما عدل عما قاله القوم من "عند العقل" إلى ذلك إذ ورد عليهم أنه إن أريد بالعقل النفس ينتقض بمعلوم‬
‫الواجب والعقل وإن أريد به الجوهر المجرد الغير المتعلق بالبدن ينتقض بمعلوم االنسان والواجب وأجابوا عن‬
‫ذلك بأن المراد بالعقل المدرك فال يرد شيء فعدل مد ظله العالي إلى ذلك للتنصيص على المراد ودفع شائبة‬
‫الشبهة ‪ ،‬قوله ( مع قطع النظر عن اتصافه بها ) أي‪ :‬ال من حيث اتصاف المدرك بالصورة فإنه بتلك الحيثية‬
‫علم ‪ ،‬وهذا مبني على أن الحاصل في الذهن ماهيات األشياء بمعنى أن الصورة الذهنية عين الخارجية فحينئذ‬
‫اختلفوا في الفرق بين العلم والمعلوم فقيل الصورة في المعدوم من حيث قيامها بالذهن وحصولها فيه علم وصورة‬
‫يتصف بها النفس ومن حيث ذاتها وماهيتها العقلية مع قطع النظر عن قيامها بالذهن معلوم وذو صورة وفي‬
‫الموجود ما في الذهن علم وما في الخارج معلوم وقيل العلم والمعلوم في الكل الصورة الذهنية لكن باعتبار‬
‫قيامها بالمدرك علم وباعتبارها في نفسها معلوم والشارح مد ظله اختار هذا فافهم‪.‬‬

‫حواشي أقسام المفهوم‬


‫قوله‪( :‬إلطالقه على ما سلبت الضرورة إلخ ) بمعنى أن الممكن كما يطلق على ما سلبت الضرورة عن جانب‬
‫وجوده وعدمه كذلك يطلق على ما سلبت الضرورة عن جانب عدمه فقط فيسمى الممكن باإلمكان العام المقيد‬
‫فالوجود أعم من أن‬
‫ُ‬ ‫بجانب الوجود فحينئذ يشمل الواجب والممكن الخاص ألنه إذا سلبت الضرورة عن العدم‬
‫يكون ضروريا أو ال ‪ ،‬فاألول‪ :‬الواجب ‪ ،‬والثَّاني‪ :‬الممكن الخاص فافهم ‪ ،‬قوله ( أو وجوده فيعم الثاني والثالث‬
‫) أ ي وإلطالق الممكن أيضا على ما سلبت الضرورة عن جانب وجوده فيسمى الممكن باإلمكان العام المقيد‬
‫بجانب العدم فحينئذ يشمل الممتنع والممكن الخاص ألنه إذا سلبت الضرورة عن جانب الوجود فالعدم أعم من‬
‫أن يكون ضروريا أو غير ضروري فاألول الممتنع والثَّاني الممكن الخاص ‪ ،‬قوله‪( :‬مأخذه) وهو الوجوب‬
‫واالمتناع واإلمكان فإن كال من هذه المفهومات بديهي التصور ألن من ال يقدر على االكتساب أصال يعرفها‬
‫أال ُيرى أن كل عاقل يعلم أن اإلنسان يجب كونه حيوانا ويمتنع كونه حج ار ويمكن كونه كاتبا إلى غير ذلك‬

‫‪15‬‬
‫وال يتوهم من قوله ثم كل منها بديهي أنه ال تفاوت بينها في البديهة إذ الوجوب أظهرها ألنه أقرب إلى الوجود‬
‫الذي هو أظهر المفهومات وأجالها وذلك ألنه يؤكد الوجود ‪ ،‬واالمتناع مناف للوجود ‪ ،‬واإلمكان ما لم يصل‬
‫إلى حد الوجوب لم يقرب إلى الوجود وما هو أقرب إلى أجلى التصورات كان أظهر من غيره‬

‫حواشي أقسام المفهوم بعبارة أخرى‬


‫قوله‪( :‬لبداهة مأخذه) إ َّما بناء على أنه ال يلزم من بداهة الشيء أن يكون نسبة البديهة إليه بديهية فيكون‬
‫استدالال ويحتمل أن يكون تنبيها بناء على ما قيل من أن الحكم ببداهة تصور الشيء بديهي أيضا لكن قد‬
‫يحتاج في األمور البديهية إلى تنبيه بالنسبة إلى األذهان القاصرة فافهم‪ ،‬قوله‪( :‬باعتبار مأخذه) ألنه لو كان‬
‫مكتسبا فإما أن يكون بالحد أو بالرسم والكل باطل أما األول فألن الحد إنما يكون باألجزاء والوجود بسيط كما‬
‫استدل عليه وأما الثَّاني فألن الرسم يجب أن يكون باألعرف وال أعرف من الوجود باالستقراء ‪ ،‬قوله ( ال ينتقض‬
‫الحصر) إشارة إلى الرد على من قالوا بالواسطة بين الموجود والمعدوم فإن بعضهم قسم المفهوم بأنه إن لم يكن‬
‫له ثبوت فمعدوم وإن كان له ثبوت فإن كان باالستقالل فموجود وإال فواسطة وبعضهم بأنه إن لم يتحقق في‬
‫نفسه فمنفي وإن تحقق فثابت وحينئذ إن كان له كون في األعيان فموجود وإال فمعدوم ومبنى ترددهم في القسمة‬
‫مع أنهم متفقون في إثبات الواسطة التردد في كون المعدوم شيئا فاألول ال يعده شيئا والثَّاني يجعله شيئا هذا ‪،‬‬
‫قوله (بالوجود) وكذا باإليجاد بناءا على أنه ليس بموجود وإال الحتاج إلى إيجاد آخر وهلم ج ار وال بمعدوم ألنه‬
‫حينئذ لم يكن الفاعل موجودا ‪ ،‬قوله‪( :‬بناء) قيد المنفي يعني إن النقض بالوجود بأن يقال إنه ال يمكن أن‬
‫يجعل من الموجود وال من المعدوم ألنه لو وجد أي فرض كون الوجود موجودا ‪ ،‬قوله‪ ( :‬فيتسلسل) أي يتسلسل‬
‫الوجودات ويلزم اجتماع أمور غير متناهية في وجود أمر واحد وأنه محال ‪ ،‬قوله‪ ( :‬ولو عدم) أي فرض كون‬
‫الوجود معدوما‪ ،‬قوله ( اتصف بما يصدق عليه نقيضه) أي يلزم اتصافه فإن نقيضه الالوجود وهو يصدق‬
‫بالعدم صدق أحد المتساويين على اآلخر فإن العدم والالوجود يتساويان عند الفرق األخر من الفرق المثبتين‬
‫للواسطة كما يظهر من تأمل تقسيمهم المفهوم وصدق األعم على األخص عند الفرقة األولى فإن الالوجود‬
‫عندهم أعم من العد م إذ يصدق بالواسطة أيضا فظهر من هذا ما قاله الشيخ مد ظله في الحاشية من قوله ‪:‬‬
‫أي صدق أحد إلخ ‪ ،‬قوله‪ ( :‬بجعل وجود الوجود) يعني إن مبنى اإليراد على الشق األول كون وجود كل شيء‬
‫زائدا عليه فنمنع الكلية ونقول إن كل وصف يلحق الغير فهو زائد عليه لكن إذا ثبت لنفسه كما فيما نحن فيه‬
‫فليس أم ار زائدا عليه كالقدم والحدوث وإلى ذلك أشار بقوله بمعنى ال ماهية له إلخ ‪ ،‬قوله‪ ( :‬بمعنى ال ماهية‬
‫له إلخ) فإن كل مفهوم كان مغاي ار للوجود إنما يكون موجودا بسبب أمر زائد منضم إليه والحال أن الوجود‬
‫موجود بنفسه ال بسبب أمر زائد عليه كما حقق وامتيازه عما عداه بقيد سلبي وهو أن وجوده ليس زائدا على‬

‫‪16‬‬
‫ذاته أصال فال يلزم التسلسل ‪ ،‬قوله‪ ( :‬ونقوبجعلل االتصاف به إلخ ) يعني لو أردتم باالتصاف الحمل بالمواطاة‬
‫سلمنا بطالن التالي ونمنع المالزمة إذ ال يلزم من كونه معدوما أن يحمل ما يصدق عليه نقيضه عليه مواطاة‬
‫بل يحمل عليه باالشتقاق مثال وإن أردتم الحمل بطريق االشتقاق وذي هو سلمنا المالزمة ولكن نمنع بطالن‬
‫التالي إذ يجوز أن يقال الوجود معدوم وذو عدم وذو ال وجود كما يقال إلخ ‪ ،‬قوله ( الوجود عدم ال باالشتقاق)‬
‫ألن كل صفة قائمة بشيء يصدق عليه أنه فرد من أفراد نقيضه فإن السواد القائم بالجسم ليس بجسم مع‬
‫اتصافه به فيصدق أن الجسم ذو ال جسم فال بعد أن يصدق أيضا الوجود ذو ال وجود مثال ‪ ،‬قوله‪( :‬والمراد‬
‫معدوم ممكن) دفع لما يرد من أن الممكن أعم من المعدوم والموجود من وجه فيلزم جعل القسم أعم من وجه‬
‫من المقسم فأشار الشارح مد ظله إلى أن الممكن في المتن قيد المقسم ال القسم والمعنى أو معدوم ممكن فال‬
‫يلزم المحذور ويمكن أن يقال إنه مبني على مذهب من يجوز كون القسم أعم من وجه من المقسم ال يقال‬
‫إطالق الممكن على الموجود مجاز ألنا نقول إنه لفظ مشترك بين الموجود والمعدوم فافهم‪ ،‬قوله‪ ( :‬لبطالنه )‬
‫إشارة إلى المقدمة الرافعة المستلزمة لرفع المقدم وقوله ضرورة استلزامه إشارة إلى المقدمة الشرطية تقرير القياس‬
‫لو كان الواجب لذاته بمعنى علية ذاته لوجوده لزم التقدم بوجوده عليه والتالي باطل فكذا المقدم فافهم‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫الحص ُر‬ ‫المح ُمولي ‪َ ،‬وإ َّال ل َب َ‬
‫ط َل َ‬ ‫الو ُجود َ‬
‫ود ) ب ُ‬ ‫المو ُج َ‬
‫الممك َن َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫( ثُ َّم ) َبع َد اَلتقسيم بالنحوين ال َم َّارين اعَلم أَ َّن ( ُ‬
‫يم اَْل َم ْو ُجود ‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ضاَفة َه َذا ‪َ ،‬واألَن َس ُب بالتْقسيم الثاني تَْقد ُ‬ ‫باألَع َدام ُمطَلَقة أَو ُم َ‬

‫الوجود بالمحمولي‬ ‫الممكن الموجود بالوجود المحمولي) وقي ََّد‬ ‫(ثم بعد التقسيم) للمفهوم (بالنحوين المارين اعلم أن‬
‫بيان المراد بالممكن الموجود‬

‫َ‬ ‫َ‬
‫؛ ( وإال) بأ ْن لم يكن المرُاد منه ذلك بأن كان المراد منه األعم منه ومن الوجود الرابطي (لبطل الحصر) في‬
‫العدم ‪( ،‬أو) بطل الحصر باألعدام‬
‫ُ‬ ‫التقسيم (باألعدام ُمطلقة) كقولنا‪" :‬العنقاء معدوم" أي‪ :‬أن العنقاء يوجد له‬
‫الحصر باألعدام مطلقة‬
‫ُ‬ ‫يبطل‬
‫ُ‬ ‫(مضافة) كقولنا ‪ " :‬زيد أعمى" أي‪ :‬يوجد له العمى بمعنى عدم البصر‪ ،‬وإنما‬
‫المقسم الذي هو‬
‫أو مضافة؛ ألن الوجود يدخل في مفهومهما كما وضح من خالل المثال فيكونان داخَلين في َ‬
‫العدم وكل تقسيم‬
‫العرض؛ ألنهما موجودان ال يدخُلهما ُ‬
‫الجوهر و ُ‬
‫ُ‬ ‫الممكن الموجود خار َجين عن قسميه اللذين هما‬
‫منع الصغرى التي‬
‫تقسيم الممكن الموجود إلى الجوهر والعرض‪ ،‬وحاصل الجواب ‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫طل‬
‫شأنه فهو باطل فيب ُ‬
‫هذا ُ‬
‫"المقسم" الذي هو الممكن الموجود‬ ‫هي ‪ ":‬أنها داخلة في المقسم خارجة عن األقسام " مستندا بتحرير مفهوم َ‬
‫الممكن‬
‫َ‬ ‫بحيث ال يكون الوجود فيه رابطيا بأن تدخله األعدام وال يمكن ذلك إال بجعل وجوده َمحموليا ولذلك قي َد‬
‫التقسيم باألعدام؛ ألنا ال نريد بالوجود ما هو رابطة بين الموضوع‬
‫ُ‬ ‫ط ُل‬
‫الموجود بالوجود المحمولي فحينئذ ال يب ُ‬
‫َ‬
‫المفهوم إلى الموجود والمعدوم أوال‬
‫َ‬ ‫الماتن رحمه هللا‬
‫ُ‬ ‫قس َم‬ ‫والمحمول بل نريد به ما يكون محموال (هذا و) َ‬
‫بعد أن َّ‬
‫جعل الموجود فيه َمقسما‬ ‫َّ‬
‫(األنسب بالتقسيم الثاني) الذي َ‬
‫ُ‬ ‫الموجود منهما إلى الواجب والممكن ثانيا فكان‬
‫َ‬ ‫قسم‬
‫ثم َّ‬
‫يقول في قسمة الممكن ‪ " :‬الموجود الممكن "‬
‫(تقديم) لفظ (الموجود) في كل من قسميه الواجب والممكن بأن َ‬
‫بتقديم لفظ الموجود ال ‪ " :‬الممكن الموجود" بتأخيره ‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫نه ‪.‬‬
‫غنى َعن َم َحل ُيَقو ُم ُه‪َ ( ،‬وإ َّما َع َرض ) إن َلم َي ْستَغن َع ُ‬‫سمين ألََّن ُه ( إ َّما َجو َهر ) إن استَ َ‬
‫َعَلى ق َ‬
‫فيشمل‬ ‫وهر إن استغنى عن محل ُيقو ُمه ) وإن احتاج إلى مكان‬ ‫الموجود (على قسمين َّ‬
‫ألنه إما َج َ‬ ‫مكن‬
‫الم ُ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ثُ َّم ُ‬
‫تقسيم الممكن الموجود إلى الجوهر والعرض‬

‫الجوهر محتاجا إلى محل لكن هذا المحل ال ُيقو ُمه أي‪ :‬ليس المحل‬ ‫ُ‬ ‫الجسم والهيولى والعقل والنفس ‪ ،‬وقد يكون‬
‫َ‬
‫القسم الثَّاني الذي هو المستغني عن‬
‫ُ‬ ‫ولما كان‬
‫شرطا لوجوده بل هو شرط لتحققه في الخارج وهو الصورة ‪َّ ،‬‬
‫الجوهر بقوله ‪ " :‬يقومه " أي ‪ :‬هو مستغن عن المحل لكن االستغناء فيه‬
‫َ‬ ‫الماتن‬
‫ُ‬ ‫قي َد‬
‫غير ظاهر َّ‬
‫المحل المقوُم َ‬
‫غير مستغن عنه في تحققه في الخارج ‪( ،‬وإما‬ ‫غير مطلق ألنه وإن كان مستغنيا عن المحل في وجوده َّ‬
‫لكنه ُ‬
‫عرض إن لم َيستغن عنه) وعدم االستغناء عن المحل يكون بمعنى القيام بالغير‪ ،‬واختلف الحكماء والمتكلمون‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الناعت بحيث يصير األول نعتا والثَّاني منعوتا‬
‫ُ‬ ‫االختصاص‬
‫ُ‬ ‫في تفسير القيام بالغير هنا فعند الحكماء هو ‪:‬‬
‫جردات‪ ،‬وعند المتكلمين هو ‪:‬‬
‫الم َّ‬
‫وغير المتحيز كصفات ُ‬
‫حيز كسواد الجسم َ‬
‫يف العرض عندهم المت َ‬‫فيشمل تعر ُ‬
‫وجوده في نفسه هو‬
‫ُ‬ ‫يتحيز العرض بتحيز الجوهر الذي هو موضوعه بأن يكون‬
‫َ‬ ‫التبعي ُة في التحيز بمعنى‪ :‬أن‬
‫صفات المجردات إذ ال يقولون بوجودها وتخرج صفات هللا‬
‫ُ‬ ‫وجوده في موضوعه‪ ،‬فتخرج على هذا التعريف‬
‫َ‬
‫تعالى؛ ألن قيامها باهلل تعالى من دون تحيز الستحالته عليه تعالى ‪ ،‬وقول الماتن ‪ " :‬إما َج َ‬
‫وهر وإما َعرض"‬
‫‪ :‬أي ال يخرج الموجود الممكن عنهما‪ ،‬فالجوهر جنس عالي ألقسامه وهو مقولة من المقوالت أما العرض فلم‬
‫يعدوه جنسا عاليا بل هو عرض عام ألقسامه التسعة وتلك األقسام أجناس عالية كل منها مقولة فتصبح‬
‫المقوالت عشرة‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫لممك ُن‬‫تخدام وال ُجمَل ُة ا ْعتراضيَّة اَ ُ‬
‫تغناء َوكونه ذاتيًّا ل َما تَحتَه و ( ُهو ) فيه ا ْس ْ‬ ‫وهر ) َقَّد َم ُه لشرفه ب ْ‬
‫االس ْ‬ ‫( ثُ َّم اَْل َج ُ‬
‫الح َّال ُة في الهيوَلى أل َّن‬
‫الجوهرَّي ُة َ‬
‫لت الصورةُ ْ‬ ‫ود َخ ْ‬
‫ض َ‬‫الع َر ُ‬
‫خرُج َ‬
‫وضوع ) أي محل ُيَقو ُم ُه ‪َ ،‬ف َ‬ ‫الموجود َال في َم ُ‬ ‫( ْ‬
‫وضوع َم َع‬ ‫َّ‬
‫وجودة في َم ُ‬ ‫العقليَّة لل َجواهر لكون َها َم ُ‬
‫ض َجمعا بالصور َ‬ ‫محل َها َغي ُر ُمقوم َل َها بل هي ُمَقو َمة َله ‪َ ،‬وُنق َ‬
‫األشياء‬
‫َّات ْ‬ ‫الحاصل في الذ ْهن ماهي ُ‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫أََّن َها َجواه ُر ب َناء على َم َ‬
‫ذهب القائل ب َّ‬
‫قد َمه) على العرض ( لشرفه باالستغناء) عن محل يقو ُمه ( وكونه ذاتيا لما تحته ) كما سيأتي‬‫( ثُ َّم الجوهر َّ‬
‫تعريف الجوهر وبيان نقضه بالصور العقلية للجواهر بناء على مذهب أصحاب الحقيقة‬

‫التقسيم إلى أفراده وفي وقت‬


‫ُ‬ ‫قبل رجوع الضمير إليه‬
‫بخالف العرض ( وهو فيه استخدام ) إذ المرُاد بالجوهر َ‬
‫يف وهو للماهية ال المقسم‬
‫المقام يقتضي التعر َ‬
‫َ‬ ‫رجوع الضمير إليه الماهي ُة والحقيق ُة‪ ،‬وإنما قلنا باالستخدام؛ َّ‬
‫ألن‬
‫الموجود وجودا محموليا ال في موضوع أي‪ :‬محل يقومه) أي‬
‫ُ‬ ‫الممكن) باإلمكان الخاص (‬ ‫ُ‬ ‫(والجملة اعتراضية‬
‫‪ :‬ال يحتاج في وجوده إلى محل مقوم (فــ) على هذا التعريف (خرج العرض )؛ َّ‬
‫ألنه في محل مقوم ( ودخلت‬
‫تبين‬
‫لما َّ‬
‫(غير مقوم لها بل هي مقومة له ‪ ،‬و) َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الصورة الجوهرية الحال ُة في الهيولى؛ ألن محلها ) وهو الهيولى ُ‬
‫يف (جمعا بالصور العقلية للجواهر لكونها‬
‫ض) التعر ُ‬
‫يف الجوهر‪ :‬موجود يقوم بنفسه ال بمحل مقوم ( ُنق َ‬ ‫أن تعر َ‬‫َّ‬
‫تقوم بالعقل حاصلة فيه حصوال اتصافيا‪ ،‬فيصدق عليها َّأنها أعراض‬
‫ألن تلك الصور ُ‬ ‫موجودة في موضوع) أي‪َّ :‬‬
‫غير جامع‪ ،‬وهذا اإلشكال وارد (بناء على مذهب القائل‬
‫يف الجوهر َ‬ ‫قائمة بالعقل (مع َّأنها جو ُ‬
‫اهر ) فيكو ُن تعر ُ‬
‫أصحاب الحقيقة كما ذكرنا آنفا‪ ،‬فعندهم تكون الص ُ‬
‫ور العقلية‬ ‫ُ‬ ‫يات األشياء) وهم‬
‫الحاصل في الذهن ماه ُ‬
‫َ‬ ‫َّ‬
‫بأن‬

‫ماهية المعلوم الجوهري الخارجي ومطابقة لها‪ ،‬فيلزم كو ُن تلك الصور جو َ‬


‫اهر باعتبار ذاتها وأعراضا‬ ‫َّ‬ ‫نفس‬
‫َ‬
‫الصور العقلية كلية مع َّ‬
‫أن القائ َم‬ ‫َ‬ ‫آخر عليهم وهو أنهم جعلوا‬
‫ورد اعتراض ُ‬
‫باعتبار أنها قائمة بالنفس‪ ،‬ومن هنا َ‬
‫الممتنع‬
‫َ‬ ‫جيب عن اإلشكال الثَّاني َّ‬
‫بأن‬ ‫كونها كلية وجزئية في وقت واحد أيضا‪ ،‬وأُ َ‬
‫فيلزم ُ‬
‫بالنفس جزئي ضرورة‪ُ ،‬‬
‫امتناع ‪ ،‬فكو ُن الصورة جزئية من‬
‫َ‬ ‫كو ُن الشيء الواحد من وجه واحد كليا وجزئيا‪ ،‬وأما عند اختالف الوجوه فال‬
‫اإلشكال األو ُل واردا‬
‫ُ‬ ‫حيث قيامها بالنفس الجزئية وكونها كلية من حيث مطابقتها لألفراد الخارجية‪ ،‬و َّإنما كان‬
‫بحثه‪.‬‬
‫الشبح وسيأتي ُ‬ ‫رد على أصحاب َّ‬‫على أصحاب الحقيقة؛ ألنه ال َي ُ‬

‫‪20‬‬
‫الم َخالَف ُة َل َها في اَْل َماهيَّة اَْل ُم َناس َبةُ‬
‫َشياء ُ‬
‫اح األ َ‬ ‫ال إَّن ُه أ َ‬
‫َشب ُ‬ ‫تالف في اَ ُلوجود واألحوال التَّابعة َله َوأ َّ‬
‫َما عن َد َمن َق َ‬ ‫االخ ُ‬ ‫و ْ‬
‫النفس َعَلى َما في َشرح اله َد َاية‪.‬‬ ‫َعراض َخارجيَّة َقائمة ب َّ‬ ‫ض ألََّن َها أ َ‬
‫وصة ب َها َف َال َنق َ‬
‫َ‬ ‫خص َ‬
‫اس َبة َم ُ‬
‫َّاها ُم َن َ‬
‫إي َ‬
‫الحاصل في الذهن لو كان ماهي َة‬
‫َ‬ ‫آخر وهو‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ض على أصحاب الحقيقة اعتراضا ُ‬ ‫اإلمام الراز َّي قد َ‬
‫اعتر َ‬ ‫َ‬ ‫ثُم َّ‬
‫إن‬
‫اعتراض آخر على أصحاب الحقيقة لإلمام الرازي‬

‫يستلزم‬
‫ُ‬ ‫جميع الكيفيات وهو مع ظهور فساده‬ ‫ُ‬ ‫حارة‪ ،‬وكذا‬
‫دركة َّ‬ ‫الشيء للزَم من تصور الح اررة مثال كو ُن ُ‬
‫الم َ‬
‫عين ماهية ما في‬ ‫الحاصل في الذهن ُ‬
‫َ‬ ‫وحاصل الجواب ‪َّ :‬‬
‫أن‬ ‫ُ‬ ‫اجتماع الضدين ع َند تصور كيفيَّتين متضادتين‪،‬‬
‫َ‬
‫(االختالف) ثابت (في الوجود واألحوال التابعة له) فالحار مثال ما قامت به هوي ُة الح اررة التي‬
‫َ‬ ‫الخارج (و) َّ‬
‫أن‬
‫هي جزئية متلبسة بالعوارض فاعلة لآلثار الخارجية ال صورتُها وماهيتُها الكلية التي هي مجردة عن ترتب‬
‫لف ما في الذهن عما في الخارج بنفسه وباألحوال التابعة له‪ ،‬وبالجملة‪َّ :‬‬
‫إن الصورَة الذهني َة لكونها‬ ‫فاخت َ‬
‫اآلثار ‪َ ،‬‬
‫وجب‬
‫صاف ليس حصوُلها في الذهن كحصول العرض في المحل فال ُي ُ‬‫ُمغايرة للهوية الخارجية التي بها االت ُ‬
‫لزوم االتصاف إنما هو في حصول العرض‬
‫ألن َ‬‫بالمدرك؛ َّ‬
‫درك ُ‬
‫الم َ‬
‫اتصاف ُ‬
‫َ‬ ‫حصوُلها فيه مع مساواتها للخارجية‬
‫يف الجوهر‬ ‫وحصول الصورة في الذهن ليس كذلك بل هو عبارة عن حصولها وظهورها عنده‪ ،‬ثم َّ‬
‫إن تعر َ‬ ‫ُ‬ ‫لمحله‪،‬‬
‫َ‬
‫الحاصل في الذهن (أشباح)‬
‫َ‬ ‫ينتقض بالصور العقلية عند أصحاب الحقيقة‪ ( ،‬أما عند َمن قال إنه) أي‪َّ :‬‬
‫إن‬ ‫ُ‬ ‫إنما‬
‫بيان عدم انتقاض التعريف عند أصحاب الشبح‬

‫وهر وما في الذهن عرض‬


‫المحاكية لها (المخالفة لها في الماهية) َفما في الخارج َج َ‬
‫وظالل لــ(األشياء) الخارجية ُ‬
‫اف‬
‫ض َ‬‫ط بالصور األخرى في الذهن ؛ أ َ‬
‫ماهياتَها الخارجية تختل ُ‬
‫فقدت َّ‬
‫إن ْ‬ ‫ورد اعتراض َّ‬
‫بأن تلك األشباح ْ‬ ‫ولما َ‬
‫‪َّ ،‬‬
‫ماهياتها الخارجية‬
‫َّ‬ ‫تنفصل عن‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫قيد (المناسبة إياها مناسبة مخصوصة) بمعنى‪َّ :‬‬
‫أن تلك الصور بع َد ْ‬ ‫َ‬
‫الصور لو تجسمت في الخارج‬
‫َ‬ ‫تلك‬
‫أن َ‬‫المخصوصة فإنها ال تفقُد مناسبتَها لها‪ ،‬والمناسب ُة المخصوص ُة هي َّ‬
‫نقض بالصور العقلية للجواهر عندهم‬
‫اب "أما" أي‪ :‬فال َ‬
‫رجعت عين الماهية األولى ؛ وقوله ( فال نقض) جو ُ‬
‫فالصور العقلي ُة للجواهر‬
‫ُ‬ ‫األشباح إذا قلنا بها (أعراض خارجية) ال ذهنية وهي (قائمة بالنفس)‬
‫َ‬ ‫(ألنها) أي‪ :‬تلك‬
‫ووجود النفس خارجي فتكو ُن‬ ‫أن تكو َن أعراضا خارجية؛ ألنها صفة للنفس‪،‬‬ ‫لزم ْ‬
‫ُ‬ ‫أشباح األشياء َ‬
‫ُ‬ ‫إذا قلنا بأنها‬
‫صفتُها خارجية أيضا (على ما في شرح الهداية)‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫ض‬‫الع َر ُ‬
‫وجد فيه‪ ،‬ثُ َّم إ ْن ُفس َر َ‬‫وضوع وإن َلم تُ َ‬‫الخارج َك َانت َال في َم ُ‬ ‫الم َرَاد َماهيَّة إ َذا َو َج َدت في َ‬
‫َن ُ‬ ‫يب بأ َّ‬
‫َوأُج َ‬
‫لخارج‬
‫َعراض أَيضا َوَال ُم َناَفاةَ الخت َالف الج َهة ‪ ،‬أَو ب َماهيَّة إ َذا َو َج َدت في اَ َ‬
‫ضوع َفه َي أ َ‬ ‫ب َماهيَّة َك َان ْت في َم ْو ُ‬
‫ود إذ َال ُيمك ُن أَن ُي َرَاد به‬
‫وج َ‬
‫الم ُ‬ ‫َّ‬
‫الممك َن َ‬
‫المقسم ُ‬‫الحكيم بأَن ُه ُم َخالف ل َجعل َ‬ ‫ض َعَليه َع ُبد َ‬ ‫َك َانت فيه َف َال ‪َ ،‬واعتَ َر َ‬
‫وجود‬
‫الم ُ‬ ‫َّ‬ ‫وج َد في ال َخارج أل َّ‬
‫َن ُك َّل ُممكن َك َذل َك ؛ َف َال َفائ َد َة في اَلتقييد ب َ‬ ‫َما من َشأنه أَن ُي َ‬

‫تمنع جامعي َة تعريف الجوهر؛ (أُ َ‬


‫جيب)‬ ‫تقوم بالذهن ُ‬
‫الصور العقلي َة التي ُ‬
‫َ‬ ‫ورد على أصحاب الحقيقة أن‬ ‫لما َ‬
‫(و) َّ‬
‫جواب أصحاب الحقيقة عن نقض تعريف الجوهر بالصور‬
‫العقلية‬

‫كانت‬
‫وجدت في الخارج ْ‬
‫ْ‬ ‫من قبلهم َّ‬
‫(بأن المرَاد) بـ" الموجود ال في موضوع " في تعريف الجوهر هو‪( :‬ماهية إذا‬
‫ور العقلية للجواهر من التعريف فإنها‬
‫ال في موضوع وإن لم توجد فيه) أي‪ :‬في الخارج اآلن؛ فال تخرُج الص ُ‬
‫العرض بماهية كانت‬
‫ُ‬ ‫وإن قامت بالذهن اآلن‪ ،‬لكنها تكو ُن ال في موضوع إذا وجدت في الخارج‪( ،‬ثم ْ‬
‫إن ُفس َر‬
‫فالصور العقلية للجواهر حينئذ ( أعراض أيضا‪ ،‬وال منافاة) بين كونها جوه ار وكونها‬
‫ُ‬ ‫في موضوع فهي) أي‪:‬‬
‫الممتنع كو ُن الشيء الواحد من وجه واحد جوه ار وعرضا‪ ،‬وأما عند اختالف‬
‫َ‬ ‫عرضا ( الختالف الجهة)‪ ،‬فإن‬
‫أ ا‬
‫وكونها‬ ‫الجهة فال‪ ،‬وكو ُن الصورة العقلية للجوهر عرضا إنما هو من حيث ُ‬
‫قيامها بالموضوع الذي هو النفس‪ُ ،‬‬
‫تقسيم الموجود الممكن إلى‬ ‫وجدت في الخارج كانت ال في موضوع فيكون‬
‫ْ‬ ‫جوه ار من حيث إنها ماهية إذا‬
‫ُ‬
‫وجدت‬
‫ْ‬ ‫العرض (بــ) كونه ( ماهية إذا‬
‫ُ‬ ‫إن ُفس َر‬
‫الجوهر والعرض في تلك الصور العقلية تقسيما اعتباريا‪( ،‬أو) ْ‬
‫الصور العقلية في تعريف العرض؛ ألنها إن وجدت في‬
‫ُ‬ ‫تدخل‬
‫ُ‬ ‫في الخارج كانت فيه) أي‪ :‬في موضوع (فال)‬
‫جواب آخر‬

‫تقسيم الموجود الممكن إلى الجوهر والعرض تقسيما‬ ‫الخارج ال تكو ُن في موضوع أي‪ :‬محل ُمقوم‪ ،‬وحينئذ يكو ُن‬
‫ُ‬
‫حقيقيا لوجود التباين من حيث الذات بينهما ال باالعتبار فقط‪( ،‬و) لما عرفوا الجوهر بأنه‪ :‬ماهية إذا وجدت‬
‫يف‬
‫يشمل التعر ُ‬
‫َ‬ ‫الوجود بالقوة ال بالفعل حتى‬
‫ُ‬ ‫في الخارج كانت في موضوع وكان المعنى من قيد "إذا وجدت" هو‬

‫اعتراض عبد الحكيم على تعريف الجوهر‬


‫تعميم الوجود في الجوهر‬
‫ُ‬ ‫الصور العقلية للجواهر (اعترض عليه عبد الحكيم) اعتراضين‪ ،‬األول‪ ( :‬بأنه) أي‪:‬‬
‫َ‬
‫ليشمل الوجود بالقوة وبالفعل (مخالف لجعل المقسم الممكن الموجود) ألن المرَاد بالوجود في قولهم ‪ " :‬ثم‬
‫جب أن نأخ َذ‬
‫المقس َم معتبر في األقسام فو َ‬
‫وهر وإما عرض " هو الوجود بالفعل‪ ،‬وألن َ‬‫الممكن الموجود إما َج َ‬
‫قيل ‪ :‬فليكن المراد بالمقسم الممكن الموجود بالقوة؛ أجيب بعدم‬
‫الوجود في الجوهر والعرض بالفعل أيضا‪ ،‬فإن َ‬
‫جواز ذلك (إذ ال يمكن أن يراد به) أي‪ :‬بالموجود الذي هو َمقسم (ما من شأنه أن يوجد في الخارج؛ ألن كل‬
‫يوجد في الخارج وإن لم يوجد فيه اآلن ( فال فائدة في التقييد بالموجود)‬
‫ممكن كذلك) أي‪ :‬من شأنه أن َ‬

‫‪22‬‬
‫لممك ُن إ َّما أَن َي ُكو َن ب َحي ُث إ َذا َو َج َد في‬
‫ود اَ ُ‬
‫لمو ُج ُ‬
‫سمة َه َك َذا ‪ :‬اَ َ‬
‫ورة اَلق َ‬
‫ص ُير َ‬‫صاره في اَلق ْس َمين ل َ‬‫طال َن ا ْنح َ‬
‫ستلزُم ُب َ‬
‫َوَي َ‬
‫ضوع‬‫خرُج َما ال َي ُكو ُن بالفعل في َمو ُ‬ ‫وضوع َف َي ُ‬ ‫الخارج في َم ُ‬ ‫وجودا في َ‬ ‫وضوع أَو َي ُكو ُن َم ُ‬‫كان َال في َم ُ‬ ‫الخارج َ‬ ‫َ‬
‫ود بالفعل ُمعتََبر فيه َوتَفس ُيرُهم ب َماهيَّة إ َذا َو َج َد ْت في‬
‫الو ُج َ‬
‫َن ُ‬ ‫الحق أ َّ‬
‫لمعُدوم ‪َ ،‬و َ‬ ‫َوَي ُكو ُن فيه إ َذا َو َج َد َك َّ‬
‫الس َواد اَ َ‬
‫الواجب تَ َعاَلى‬
‫خراج َ‬‫الو ُجود إل َ‬
‫الخارج لإلشارة إلى زيادة ُ‬ ‫َ‬

‫الوجود بالفعل فيكون وجود الجوهر والعرض‬ ‫المقسم‬


‫وجب أن نأخ َذ في َ‬
‫في قولهم "الممكن الموجود"‪ ،‬فلذلك َ‬
‫تكملة اعت ارض عبد الحكيم على تعريف الجوهر وجوابه عنه‬

‫َ‬
‫الوجود في تعريف الجوهر عاما في الوجود‬
‫ُ‬ ‫أيضا بالفعل (و) االعتراض الثَّاني لعبد الحكيم هو أنه‪ :‬إذا ُجع َل‬
‫بطالن انحصاره) أي‪ :‬الموجود (في القسمين) أي ‪ :‬الجوهر والعرض (لصيرورة‬
‫َ‬ ‫يستلزم‬
‫ُ‬ ‫بالفعل والوجود بالقوة (‬
‫جد في‬
‫بحيث إذا َوجد في الخارج كان ال في موضوع) سواء َو َ‬
‫ُ‬ ‫القسمة هكذا ‪ :‬الموجود الممكن إما أن يكون‬
‫الخارج أو لم يوجد وهو الجوهر ( أو يكون موجودا في الخارج في موضوع) وهو العرض‪( ،‬فـ) هذا الحصر‬
‫باطل؛ ألنه (يخرج) من القسمين (ما ال يكو ُن بالفعل في موضوع ويكو ُن فيه إذا َوجد كالسواد المعدوم) َّ‬
‫فإن‬
‫دخ َل في أحد قسمي الجوهر والعرض وهو ليس‬ ‫أن َي ُ‬
‫وجب ْ‬
‫المقسم‪َ ،‬ف َ‬
‫السو َاد المعدوم ممكن موجود فيدخل في َ‬
‫الجوهر يكو ُن بحيث إذا وجد في الخارج كان ال في موضوع والسواد المعدوم يكون في الخارج في‬
‫َ‬ ‫جوه ار؛ أل َّن‬
‫العرض ما يكون موجودا في الخارج في موضوع اآلن وبالفعل والسو ُاد‬
‫َ‬ ‫موضوع ‪ ،‬وليس عرضا أيضا؛ ألن‬
‫فتجب إضاف ُة قسم ثالث للموجود الممكن‬
‫ُ‬ ‫المعدوم ال يكون في الخارج في موضوع اآلن ويكو ُن فيه إذا وجد ‪،‬‬
‫ُ‬
‫الوجود بالفعل معتبر فيه) أي‪ :‬في تعريف الجوهر والعرض كما‬‫َ‬ ‫حتى يدخل فيه السواد المعدوم‪( ،‬والحق أن‬
‫العرض‪ :‬هو موجود بالفعل‬
‫فالجوهر‪ :‬موجود بالفعل ال في موضوع ‪ ،‬و ُ‬
‫ُ‬ ‫الموجود وحينئذ‬
‫ُ‬ ‫الممكن‬
‫ُ‬ ‫اعتُب َر في َمقسمه‬

‫في موضوع‪ ،‬فحينئذ ال تكو ُن الصورة العقلية للجوهر جوه ار كما ال يخفى؛ ألنها و ْ‬
‫إن كانت جوه ار بمعنى‪ :‬أنها‬
‫جدت في الخارج كانت ال في موضوع؛ لكنها ليست جوه ار باعتبار وجودها بالفعل ألنها بهذا‬
‫بحيث إذا َو ْ‬
‫ُ‬ ‫تكو ُن‬
‫وجدت في الخارج " في‬
‫ْ‬ ‫غير مستغنية عنها فتكون عرضا‪ ،‬فإن َ‬
‫قيل ‪ :‬فما فائدةُ قيد " إذا‬ ‫االعتبار قائمة بالنفس ُ‬
‫أجاب عبدالحكيم بأ َّن هذا َ‬
‫القيد له فائدة‬ ‫َ‬ ‫تفسيره بتعميم الوجود في القوة والفعل باطال ؟ ‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إن كان‬
‫تعريف الجوهر ْ‬
‫(تفسيرُهم بماهية إذا وجدت في الخارج لإلشارة‬
‫ُ‬ ‫أخرى ُ‬
‫غير تعميم الوجود في القوة والفعل (و) تلك الفائدة هي أن‬
‫عين ذاته وماهيته ‪.‬‬
‫وجوده تعالى ُ‬
‫َ‬ ‫إلى زيادة الوجود إلخراج الواجب تعالى)؛ إلن‬

‫‪23‬‬
‫ظر أَما أ ََّوال َفل َج َواز َكون‬ ‫لعقلي َوأَُق ُ‬
‫ول فيه َن َ‬ ‫لخارجي َال اَ َ‬
‫لجو َهريَّة َكوَن ُه ب َهذه اَلصَفة في اَ ُلو ُجود اَ َ‬
‫المعتََب َر في اَ َ‬
‫َن ُ‬‫وأ َّ‬
‫َن اَلصَف َة َقد تَأتي‬ ‫الممتَن َعات َعَلى أ َّ‬ ‫َّ‬
‫طال ال َحصر ب ُ‬ ‫ست َلزَمة إلب َ‬
‫لم َ‬‫مكان ال َعام اَ ُ‬
‫الممكن باإل َ‬ ‫اَلتقييد ل َدفع تََوهم إ َرَادة ُ‬
‫ُم َؤك َدة‪.‬‬

‫تفسيرهم الماهي َة بقولهم‬


‫َ‬ ‫المعتبر) عطف على قوله ‪ " :‬زيادة الوجود " والمعنى ‪ :‬أن‬
‫َ‬ ‫( و) لإلشارة أيضا إلى (أن‬
‫كونه بهذه‬
‫المعتبر (في الجوهرية ُ‬
‫َ‬ ‫" إذا وجدت" إشارة إلى زيادة الوجود إلخراج الواجب وكذلك إشارة إلى َّ‬
‫أن‬
‫يف الجوهر بالصور العقلية‬
‫ينتقض تعر ُ‬
‫ُ‬ ‫الصفة) أي‪ :‬ال في موضوع (في الوجود الخارجي ال العقلي)‪ ،‬وحينئذ ال‬
‫للجواهر؛ ألنها وإن كانت في موضوع في العقل إال أنها ال في موضوع في الخارج‪ ،‬وهذا كاف في دخول تلك‬
‫الصور في تعريف الجوهر‪ ،‬قال الشيخ القرداغي رحمه هللا‪ ( :‬وأقول فيه) أي ‪ :‬في اعتراض عبدالحكيم وكذلك‬
‫اعتراض المصنف على اعتراض عبد الحكيم وتفسيره‬

‫قيد الموجود في تعريف الجوهر يكون‬ ‫في تفسيره (نظر) من أربعة أوجه (أما أوال فــ) في اعتقاد عبد الحكيم َّ‬
‫بأن َ‬
‫الموجود في الوجود بالفعل والوجود بالقوة ‪ ،‬الجواب ‪ :‬أن هذا غير الزم (لجواز كون التقييد لدفع‬
‫َ‬ ‫زائدا إذا عممنا‬
‫الممكن له أربعة إطالقات كما ذكرنا آنفا ‪ :‬اإلمكان الخاص واإلمكان‬
‫ُ‬ ‫توهم إرادة الممكن باإلمكان العام )؛ ألن‬
‫الممكن؛ فال‬
‫ُ‬ ‫العام المطلق واإلمكان العام المقيد بجانب الوجود واإلمكان العام المقيد بجانب العدم‪ ،‬فإذا أُطل َق‬
‫يعرف أي المعاني منها ُمراد في التقسيم إلى الجوهر والعرض‪ ،‬فتقييده بالموجود ألجل دفع أن يراد به اإلمكان‬
‫ُ‬
‫العام المقيد بجانب العدم وكذلك اإلمكان العام المطلق؛ ألن إرادة اإلمكان بهذين المعنيين باطلة؛ ألنها‬
‫(المستلزم ُة إلبطال الحصر) للممكن في الجوهر والعرض (بالممتنعات)؛ ألنها مرادة من لفظ الممكن بهذين‬
‫يوجد ليكون عاما في الوجود‬ ‫المعنيين فحتى ال يبطل الحصر به أُ َ‬
‫ضيف قيد الموجود وُفس َر بما من شأنه أن َ‬
‫غير موجود وليس من شأنه أن يوجد‪ ،‬فإن قيل‪ :‬إذا أريد بالممكن‬
‫الممتنع؛ ألنه ُ‬
‫ُ‬ ‫بالقوة والوجود بالفعل فيخرج‬
‫اإلمكان العام المقيد بجانب الوجود يبطل الحصر أيضا بالواجب؛ ألنه ليس جوه ار وال عرضا وهو داخل في‬
‫اإلمكان العام المقيد بجانب الوجود‪ ،‬فأجاب الشارح بأنه‪( :‬على) التسليم به ؛ ال يضرنا لــ(أن الصف َة قد تأتي‬
‫َ ۡ َ ‪ٞ َ َٰ َ ٞ‬‬
‫مؤكدة) فقيد الموجود ليس لتخصيص اإلمكان بجانب الوجود بل هو للتوكيد مثل قوله تعالى‪ :‬ﵟنفخة وحِدة‬

‫‪١٣‬ﵞ [الحاقة‪]13 :‬‬

‫‪24‬‬
‫ان‬
‫الخارج َك َ‬ ‫يث إ َذا َو َج َد في َ‬ ‫منوع ل َج َواز َكون َها َه َك َذا ‪ :‬إ َّما أَن َي ُكو َن ب َح ُ‬ ‫الحصر فيه َما َم ُ‬‫طالن َ‬ ‫َما ثَانيا َفأل َّ‬
‫َن ُب َ‬ ‫َوأ َّ‬
‫يل‬
‫الواجب تَ َعاَلى بَقولهم إ َذا َو َج َد حينئذ تَحص ُ‬ ‫اج َ‬ ‫َن إخ َر َ‬ ‫َما ثَالثا َفأل َّ‬
‫ان فيه ‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫وضوع أَو إ َذا َو َج َد فيه َك َ‬ ‫َال في َم ُ‬
‫َما َرابعا َفألََّن ُه َال تَ َز ُ‬
‫اح َم َبي َن اَلن َكات َك َما تََق َّرَر في‬ ‫الممكن َو ُه َو ُممتَنع ‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫الحاصل بتَحصيل َسابق ل ُخ ُروجه ب ُ‬ ‫َ‬
‫َمل‪.‬‬‫َم َحله َفتَأ َّ‬
‫جعلنا المرَاد بالوجود في الممكن الموجود‬
‫َ‬ ‫أما ثانيا) من وجوه َّ‬
‫النظر في كالم عبد الحكيم وهو في قوله‪ :‬لو‬ ‫(و َّ‬
‫تكملة اعتراض المصنف‬

‫حصر الممكن الموجود في الجوهر والعرض باطال بالسواد‬


‫ُ‬ ‫عاما في الوجود بالقوة والوجود بالفعل؛ للزم أن يكون‬
‫َ‬
‫بطالن الحصر فيهما ممنوع لجواز كونها) أي‪ :‬القسمة ( هكذا) الممكن‬
‫َ‬ ‫النظر فيه حاصل؛ َّ‬
‫(ألن‬ ‫ُ‬ ‫المعدوم (فــ)‬
‫الموجود (إما أن يكون بحيث إذا وجد في الخارج كان ال في موضوع) سواء كان موجودا فيه بالفعل أم ال وهو‬
‫الجوهر ( أو إذا وجد فيه كان فيه ) سواء كان موجودا فيه بالفعل أم ال وهو العرض ‪ ،‬فنزيد قيد "إذا وجد" في‬
‫العرض أيضا فال يرد إشكال بالسواد المعدوم ويدخل في العرض حينئذ ألنه يصدق عليه أنه إذا وجد في الخارج‬
‫كان في موضوع وإن لم يوجد فيه بالفعل ‪ ،‬وعبدالحكيم كان يعمم الوجود بالقوة والفعل في تعريف الجوهر وال‬
‫يعممه في تعريف العرض (وأما ثالثا) من وجوه النظر هو في قول عبد الحكيم وهو في قوله أن سبب تفسير‬
‫الموجود في تعريف الجوهر بقولهم ماهية إذا وجدت في الخارج هو اإلشارة إلى زيادة الوجود في الممكنات‬
‫حتى يخرج الواجب تعالى ألن وجوده تعالى عين ماهيته ‪( ،‬فــ) النظر حاصل فيه (ألن إخراج الواجب تعالى)‬
‫من تعريف الجوهر (بقولهم إذا وجد حينئذ تحصيل الحاصل بتحصيل سابق لخروجه ) أي الواجب من تعريف‬
‫الجوهر (بــ) قيد (الممكن ‪ ،‬وهو ) أي تحصيل الحاصل بتحصيل سابق (ممتنع ‪ ،‬وأما رابعا) من وجوه النظر‬
‫وهو أنه حتى لو سلمنا بتفسير عبدالحكيم لقيد "إذا وجد" بأنه يزاد إلخراج الواجب من الموجود الممكن‪ ،‬لكن ال‬
‫يلزم أال يراد به غير ذلك (فــ) النظر باق (ألنه ال تزاحم بين النكات كما تقرر في محله ) فليكن قيد " إذا وجد"‬
‫يتضمن نكات كثيرة منها إخراج الواجب ‪ ،‬ومنها عدم احتياج الجوهر إلى مقوم في وجوده الخارجي ومنها دخول‬
‫الصورة العقلية في تعريف الجوهر‪ ،‬وقوله ( فتأمل) إشارة إلى أن النظر الثَّالث في كالم عبد الحكيم غير قوي‬
‫ولذلك يجوز قبوله ولكن يمكن أن يعترض عليه بهذا النظر الرابع ‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫ورةَ‬
‫ض ُر َ‬
‫اج إَلى َفاعل ُم ْدرك َل َها َ‬ ‫اج إَلى َم َحل ُمَقوم َبل تَحتَ ُ‬ ‫فع اَلنَّقض بأََّن َها باعت َبار اَ ُلو ُجود اَلذهني َال تَحتَ ُ‬
‫َوُيمك ُن َد ُ‬
‫جواب المصنف عن نقض تعريف الجوهر بالصور العقلية للجواهر وترجيح كالم الدواني على كالم الصدر الشيرازي في العلم بالجوهر‬

‫َن‬ ‫َن اَلتَّ ْحق َ‬


‫يق َما َقاَل ُه ال ُم َحق ُق اَ َّلد َّواني أ َّ‬ ‫َن َمعُقوليَّتَ َها َحاصَلة َل َنا م ْن َغ ْير تَ َعقل َشيء ُمَقوم َل َها ‪َ ،‬ومن َه َذا ُيُلو ُح أ َّ‬
‫ْ‬
‫أ َّ‬
‫صول في اَلذهن َال تَنَقل ُب ‪َ ،‬ال َما َذ َه َب إَليه‬ ‫لح ُ‬
‫لماهيَّات ع َند اَ ُ‬ ‫َن اَ َ‬‫َوبال ُكم ُكم َو َه َك َذا ‪َ ،‬وأ َّ‬ ‫وهر‬‫وهر َج َ‬‫الج َ‬
‫الع َلم ب َ‬
‫ود‬ ‫يف َوالَقو ُل به َباطل ؛ أل َّ‬
‫َن اَْل ُو ُج َ‬ ‫هن ُم َكيََّفة َكالم ْمَل َحة ‪َ ،‬ك َ‬
‫َن اَلذ َ‬‫أََّن َها ع َندهُ تَنَقل ُب َكيفا أل َّ‬ ‫لصد ُر اَلش َيرازي م ْن‬
‫اَ َّ‬
‫ودين‬
‫الو ُج َ‬
‫فب ُ‬‫ختل ُ‬
‫الممك َنة َومن َع َوارض َها َف َال تَ َ‬
‫لماهيَّة ُ‬
‫َزائد َعَلى اَ َ‬
‫(ويمكن دفع النقض) وهو أن تعريف الجوهر ينتقض بالصور العقلية (بأنها) أي بأن تلك الصور العقلية‬
‫(باعتبار الوجود الذهني ال تحتاج إلى محل مقوم بل تحتاج إلى فاعل مدرك لها ضرورة أن معقوليتها حاصلة‬
‫لنا من غير تعقل شيء مقوم لها ‪ ،‬ومن هذا) وهو كون الصور العقلية ال تحتاج إلى محل مقوم باعتبار وجودها‬
‫وهر‬
‫الذهني بل تحتاج إلى فاعل مدرك (يلوح أن التحقيق ما قاله المحقق الدواني) من (أن العلم بالجوهر َج َ‬
‫وبالكم كم ) فالذهن ال يكون محال مقوما للماهيات فال تتغير الماهية في العقل عن حالته الخارجية فإذا كان‬
‫وهر وإن كان في الخارج عرضا فهو في الذهن عرض أيضا (وأن‬
‫الشيء في الخارج جوه ار فهو في الذهن َج َ‬
‫الماهيات عند الحصول في الذهن ال تنقلب) فال تنقلب الجواهر إلى أعراض عند تعلقها بالذهن وحصولها فيه‬
‫(ال ما ذهب) إليه (الصدر الشيرازي من أنها) أي األمور الخارجية ‪ -‬سواء كانت جواهر أو أعراض كما أو‬
‫كيفا أو غيره – (عنده تنقلب كيفا) عند الحصول في الذهن (لــ) دليل هو ( أن الذهن مكيفة) أي آلة تجعل‬
‫األمور الخارجية كيفا (كالمملحة) أي‪ :‬كالماء المالح الذي يقلب األشياء معه إلى ملح ‪( ،‬كيف) تنقلب كيفا‬
‫(والقول به باطل) عند الشارح (ألن الوجود زائد على الماهية الممكنة و من عوارضها فال) يمكن أن (تختلف)‬
‫حقيقة الماهية فتنقلب من الجوهر إلى العرض (بــ) سبب تغيير (الوجودين) أي من الخارجي إلى الذهني كما‬
‫أن البياض وصف للكاغد وال تختلف الكاغدية بتغيير لونها من البياض إلى السواد مثال‬

‫‪26‬‬
‫ود َها‬
‫ول ُو ُج ُ‬ ‫َّ‬ ‫ين بأ َّ‬ ‫َّ‬
‫الم ْج ُع ُ‬
‫لماهيَّة َوإال َلم تَ ُكن َم ْج ُعوَلة َبل َ‬
‫ود َع ْي ُن اَ َ‬
‫َن اَ ُلو ُج َ‬ ‫ين الَقائل َ‬
‫ذهب اَإل َش َراقي َ‬
‫إال أَن ُي َبنى َعَلى َم َ‬
‫وهر َوَال َي َلزُم أَن َي ُكو َن َشيء‬
‫الج َ‬ ‫َكما ع ْند َّ‬
‫الخارجي في َ‬ ‫الو ُجود َ‬ ‫اج َة إَلى اعت َبار ُ‬ ‫المشائيين َف َعَلى َما َذ َكرَنا َال َح َ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫وه ار َو َعرضا باعت َب َارين َف ُليحَفظ ‪.‬‬
‫َج َ‬
‫مذهب صدر الدين الشيرازي باطل (إال أن ُيبنى على مذهب االشراقيين القائلين بأن الوجود عين الماهية)‬
‫توجيه المصنف لكالم الصدر الشيرازي بحمله على كالم االشراقيين‬

‫فحينئذ تنقلب الماهية في الذهن كيفا ألنه بانتفاء الوجود الخارجي تنتفي الماهية الخارجية وتحصل ماهية جديدة‬
‫(وإال) أي لم يكن الوجود عين الماهية (لم تكن) الماهية (مجعولة بل) كان (المجعول وجودها) فقط (كما عند‬
‫المشائيين) وال بد من توضيح للمقام وهو أن الحكماء اختلفوا في خلق هللا تعالى لألشياء بأي معنى هو ‪ ،‬فذهب‬
‫االشراقيون إلى أن هللا تعالى خلق ماهيات تلك األشياء ويترتب على ذلك أن الوجود عين الماهية عندهم ال‬
‫بمعنى أن هناك وجودا وماهية يتحدان بل بمعنى أن الوجود أمر اعتباري منتزع من الماهية ‪ ،‬وذهب المشاؤون‬
‫إلى أن هللا لم يجعل الماهيات أي‪ :‬أنه لم يخلقها ومعنى خلق هللا لألشياء عندهم هو أن هللا تعالى جعل تلك‬
‫الماهيات متصفة بالوجود ويترتب على ذلك أن الوجود زائد على الماهية وأنه غير اعتباري وأن الماهيات عند‬
‫المشائين أمور أزلية ‪ ،‬فإذا عدنا إلى مسألتنا نقول ‪ :‬إذا دخل الشيء الذهن فعند انقالب وجوده من الخارجي‬
‫إلى الوجود الذهني تنقلب ماهيته أيضا عند االش ارقيين لما ذكرنا من عينية الوجود للماهية فيصح انقالب‬
‫الجوهر إلى العرض عندهم ‪ ،‬أما عند المشائين فألن الوجود زائد على الماهية ال تنقلب الماهية كيفا عند‬
‫انقالب وجودها من الخارجي إلى الذهني بل تبقى تلك الماهيات على حالتها الخارجية ويكون المنقلب وجودها‬
‫فقط ‪( ،‬فعلى ما ذكرنا) من أن الصور العقلية للجواهر ال تحتاج محال مقوما ال في وجوده الخارجي وال في‬
‫وجوده الذهني بل تحتاج إلى فاعل مدرك (ال حاجة إلى اعتبار الوجود الخارجي في الجوهر) كما كان يقول‬
‫عبد الحكيم ‪( ،‬و) كذلك (ال يلزم أن يكون شيء) وهو الصور العقلية للجواهر (جوه ار وعرضا باعتبارين) وقد‬
‫مر بيانه (فليحفظ)‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫حواشي ابن الباساوي رحمه هللا المتعلقة بتعريف الجوهر‬

‫قوله‪ ( :‬وإال لبطل الحصر إلخ ) إي وإن لم يكن المراد بالوجود في قوله الممكن الموجود الموجود بالوجود المحمولي‬
‫بأن كان المراد منه األعم منه ومن الوجود الرابطي انتقض التقسيم باألعدام المطلقة كقولنا العنقاء معدوم يعني أن‬
‫العنقاء يوجد له العدم واألعدام المضافة نحو زيد أعمى يعني أنه يوجد له العمى بمعنى عدم البصر بأن يقال إن‬
‫األعدام داخل في المقسم خارج عن األقسام وكل تقسيم شأنه هذا باطل فتقسيم الممكن الموجود إلى الجوهر والعرض‬
‫باطل وحاصل الجواب منع الصغرى مستندا بتحرير المقسم بحيث ال يدخل فيه األعدام قوله‪( :‬واألنسب بالتقسيم‬
‫الثاني تقديم الموجود) ألنه قسم أوال المفهوم إلى الموجود والمعدوم ثم قسم الموجود إلى الواجب والممكن فكان‬
‫المناسب أن يقول الموجود الممكن دون الممكن الموجود ‪ ،‬قوله‪( :‬إن استغنى إلخ) إشارة إلى أن المراد بالقيام بالذات‬
‫الذي فسروا به الجوهر ذلك أعني االستغناء عن المحل فيشمل المتحيز كالجسم وغير المتحيز وهو الجواهر المجردة‬
‫التي أثبتوها كالعقول والنفوس بخالفه على رأي المتكلمين من أن المراد به أن يتحيز بنفسه غير تابع تحيزه لتحيز‬
‫شيء آخر فإنه ال يشمل غير المتحيز إذ لم يثبتوا الجواهر المجردة ‪ ،‬قوله‪ ( :‬إن لم يستغن عنه) إشارة إلى أن‬
‫المراد بالقيام بالغير الذي جعلوها تعريفا للعرض ذلك أعني عدم االستغناء عن المحل بمعنى اختصاصه به بحيث‬
‫يصير األول نعتا والثَّاني منعوتا فيشمل المتحيز كسواد الجسم وغير المتحيز كصفات الباري وصفات المجردات‬
‫ال ما ذهب إليه المتكلمون من أن المراد به أن يتحيز بتحيز الجوهر الذي هو موضوعه بمعنى أن وجوده في نفسه‬
‫هو وجوده في موضوعه فيخرج الصفات القديمة ألنهم ال يطلقون العرض عليها وصفات المجردات إذ ال يقولون‬
‫بوجودها والحاصل إن القيام بالذات أو بالغير بالمعنى الذي عند الحكماء أعم منه بالمعنى الذي عند المتكلمين ‪،‬‬
‫قوله‪( :‬ألن محلها غير مقوم لها ) يريد أن المحل أعم من الموضوع إذ يجوز كون الحال في المحل جوه ار ال يقومه‬
‫بخالف الموضوع فإن الحال فيه ال يكون إال عرضا فعلم من هذا أن الحال أعم أيضا من العرض إذ الحال قد‬
‫المعرف‬
‫َّ‬ ‫يكون جوه ار كالصورة قوله‪( :‬ونقض جمعا) بأن يقال الصور العقلية للجواهر خارج عن التعريف داخل في‬
‫وكل تعريف هذا شأنه فاسد فهذا التعريف فاسد وقوله لكونها دليل الصغرى‪ ،‬قوله‪( :‬لكونها موجودة) فيصدق عليها‬
‫أنها عرض قائم بالنفس حاصل فيها حصوال اتصافيا‪ ،‬قوله‪( :‬على مذهب القائل بأن الحاصل ) يعني مع أن أهل‬
‫الحقيقة جعلوها نفس ماهية المعلوم الجوهري ومطابقة للموجود العيني فيلزم كونها جوه ار وعرضا ومن هذا نشأ‬
‫اعتراض آخر عليهم بأن جعلوا الصورة العقلية كلية مع أن القائم بالنفس جزئي ضرورة فيلزم كونها كلية وجزئية ‪،‬‬
‫وأجيب عن ذلك أيضا بأن الممتنع كون الشيء الواحد من وجه واحد كليا وجزئيا وأما عند اختالف الوجوه فال وكون‬
‫الصورة جزئية من حيث قيامها بالنفس الجزئية وكونها كلية من حيث مطابقتها لالفراد بمعنى أن الحاصل في العقل‬
‫من كل منها عند التجريد من العوارض يكون تلك الصورة بعينها فال تناقض‪ ،‬قوله‪( :‬على مذهب القائل بأن‬
‫الحاصل) فإنهم قالوا ال خفاء في أنا إذا تعقلنا شيئا يحصل للعقل أثر يناسب ذلك الشيء ويميزه عن غيره وذهبوا‬
‫إلى أن مناسبة ذلك األثر لذلك الشيء هو أنه بحيث لو وجد في الخارج لكان نفس ذلك ‪ ،‬وأما أهل الشبح فذهبوا‬

‫‪28‬‬
‫إلى أن تلك المناسبة هي أنه بحيث لو وجد فيه كان كيفية وشبحا منطبقا على ذلك الشيء ال عين الشيء كالصورة‬
‫المنقوشة من الفرس على الجدار مثال فإنها ليست نفس الفرس بل شبحه المساوي المنطبق عليه ‪ ،‬قوله‪ ( :‬واالختالف‬
‫في الوجود إلخ) إشارة إلى الجواب عن اعتراض اإلمام بأن الحاصل في الذهن لو كان ماهيات األشياء لزم من‬
‫تصور الح اررة كون المدركة حارة وكذا في جميع الكيفيات وهو مع ظهور فساده يستلزم اجتماع الضدين عند‬
‫الحار ما قام به هوية الح اررة التي هي جزئية متلبسة بالعوارض فاعلة لآلثار‬
‫َّ‬ ‫تصورهما وحاصل الجواب‪ :‬أن‬
‫الخارجية ال صورتها وماهيتها الكلية التي هي مجردة عن ترتب اآلثار وبالجملة إن الصورة الذهنية لكونها مغايرة‬
‫للهوية الخارجية التي بها االتصاف ليس حصولها في الذهن كحصول العرض في المحل فال يوجب حصولها فيه‬
‫مع مساواتها للخارجية اتصاف الم َدرك بالمدرك ألن لزوم االتصاف إنما هو في حصول العرض لمحله وحصول‬
‫الصورة في الذهن ليس كذلك بل هو عبارة عن حصولها وظهورها عنده ‪ ،‬قوله‪ ( :‬الختالف الجهة) فإن الممتنع‬
‫كون الشيء الواحد من وجه واحد جوه ار وعرضا وأما عند اختالف الجهة فال وكون الصورة عرضا إنما هي من‬
‫جهة قيامها بالموضوع الذي هو النفس وكونها جوه ار من حيث إنها ماهية إذا وجدت في الخارج كانت ال في‬
‫موضوع وفيه نظر ألنه إن أراد باختالف الجهة الجهة االعتبارية يلزم أن يكون الجوهر والعرض من األمور‬
‫االعتبارية مع أنهما من األمور الحقيقة وإن أراد بها الجهة الحقيقية كأن يراد أن تلك الصورة في وجودها الذهني‬
‫عرض وفي وجودها الخارجي جوهر ورد أنهما حينئذ متغيران بالحقيقية ال باالعتبار فيمتنع القول باتحادهما فال‬
‫يتم قولهم إن العلم نفس المعلوم فتفطن ‪ ،‬قوله‪( :‬ما من شأنه أن يوجد في الخارج) إشارة إلى قياس استثنائي تقريره‬
‫لو أريد بالممكن الموجود ما شأنه أن يوجد للغا فائدة التقييد بالموجود لكن التالي باطل فالمقدم مثله وقوله ألن كل‬
‫ممكن علة مالزمة الشرطية فتأمل ‪ ،‬قوله ( والحق أن الوجود بالفعل معتبر فيه ) فيكون الجوهر هو الموجود‬
‫المستغني عن الموضوع والعرض هو الموجود المفتقر إليه فحينئذ ال يكون الصورة العلمية القائمة بالنفس جوه ار‬
‫كما ال يخفى ألنها وإن كانت جوه ار بمعنى أنها بحيث وجدت في الخارج كانت ال في موضوع لكنها ليست جوه ار‬
‫بمعنى الموجود المستغني عن الموضوع ‪ ،‬قوله‪( :‬فلجواز كون التقييد إلخ) منع للمالزمة بمنع دليلها بمعنى ال نسلم‬
‫أن كل ممكن كذلك يعني بمعنى ما من شأنه أن يوجد في الخارج مستندا بأن الممكن باإلمكان العام ليس كذلك‬
‫ألنه لصدقه على الممتنع ال يصح إرادة ذلك منه ‪ ،‬قوله‪( :‬فألن بطالن الحصر) اي فألن استلزامه بطالن االنحصار‬
‫في القسمين فافهم ‪ ،‬قوله‪( :‬لجواز كونها هكذا إلخ) وهذا جواب بتسليم الدخول في المقسم ومنع الخروج عن األقسام‬
‫مستندا بتحرير األقسام بحيث يندرج فيها فإن السواد المعدوم حينئذ يدخل في الثَّاني ألنه يصدق عليه أنه لو وجد‬
‫في الخارج يكون في موضوع فافهم ‪ ،‬قوله‪( :‬تحصيل الحاصل بتحصيل سابق) وإنما قيده بقوله سابق ألن تحصيل‬
‫الحاصل بتحصيل مقارن مع ذلك التحصيل غير مستحيل غاية األمر أن التأثير متقدم على األثر ذاتا وال امتناع‬
‫فيه بخالف تحصيل الحاصل بحصول سابق على ذلك التحصيل فإنه مستحيل لتوارد العلتين المستقلتين على‬
‫معلول واحد ‪ ،‬قوله‪( :‬ال تزاحم بين النكات) يعني لو سلم صحة االحتراز عن الواجب بقولهم إذا وجد فنقول ال مانع‬

‫‪29‬‬
‫من أن يكون صدور ذلك التفسير منهم لذلك ولدخول الصورة العقلية للجواهر أيضا ‪ ،‬قوله‪( :‬ويمكن دفع النقض)‬
‫أي بمنع صغرى دليل النقض أي ال نسلم أن الصور العقلية للجواهر موجودة في موضوع كيف ولو كان كذلك لزم‬
‫من تعقلها تعقل شيء مقوم لها والتالي منتف فكذا المقدم‪ ،‬قوله‪( :‬ألن الوجود زائد) أي ذهنا بمعنى أن للعقل أن‬
‫يالحظ الوجود دون الماهية ويالحظ الماهية دون الوجود فالمقصود من زيادته على الماهية هو تغايرهما بحسب‬
‫المفهوم دون الهوية إذ ال قائل بزيادته عليها خارجا ‪ ،‬قوله‪( :‬الماهية الممكنة) التقيد بالممكنة إلخراج وجود الواجب‬
‫فإنه عين ماهيته لكن هذا مذهب الحكماء دون مذهب جمهور المتكلمين فإنهم على زيادته عليها في الممكن‬
‫والواجب إال أن ما يحكمون بزيادته عليها إنما هو الوجود بمعنى الكون والثبوت دون ما هو بمعنى مبدأ اآلثار‬
‫والحكماء ال ينكرون زيادة الوجود بالمعنى األول كما يظهر من تحقيق مذهبهم فافهم ‪ ،‬قوله‪( :‬عين الماهية) أي في‬
‫الواجب والممكن لكن بمعنى عدم انفراد كل منهما بتحقيق على حدة في الخارج إذ ليس في الخارج إال الماهية ال‬
‫بمعنى أنهما متحققان بتحقق واحد في الخارج إذ ال تحقق للوجود في الخارج ال بتحقق على حدة وال بتحقق الشيء‬
‫ويحتمل أن يكون مرادهم من الوجود الذي قالوا بكونها عينها الوجود بمعنى مبدأ اآلثار وهو الهوية دون الكون‬
‫والثبوت وال شك أنه بذلك المعنى نفس الشيء ولذا قالوا إذا ارتفع الوجود ارتفعت الماهية إذ لو كان مرادهم من‬
‫الوجود المعنى الثَّاني لم يلزم من ارتفاعه ارتفاعها النه مرتفع دائما إذ ال تحقق له في الخارج فليتأمل‪ ،‬قوله‪( :‬لم‬
‫تكن مجعولة) إشارة إلى قياس استثنائي والتقدير لو لم يكن الوجود عين الماهية لم تكن الماهيات مجعولة والتالي‬
‫باطل وكذا المقدم أما المالزمة فألن المجعولية هو أثر الفاعل وتأثير الفاعل إنما هو في اتصاف الماهية بالوجود‬
‫فالمجعول إنما يكون وجودها دون أنفسها وأما بطالن التالي فألن المقدر خالفه إذ لو لم يكن شيء من الماهيات‬
‫مجعولة ارتفعت المجعولية بالكلية ألن كل ما فرض كونه مجعوال من الوجود أو موصوفية الماهية به فهو ماهية‬
‫بنفسه والمقدر أن ال شيء من الماهيات بمجعولة فيلزم استغناء الممكن عن المؤثر وهل هذا إال سفسطة ويرد بأن‬
‫المجعول هو الوجود الخاص ال ماهية الوجود فال يلزم ارتفاع المجعولية عن الماهية بالكلية ‪ ،‬قوله‪( :‬فعلى ماذكرنا)‬
‫من أن التحقيق ما قاله الدواني من أن العلم بكل شيء عين ذلك الشيء ال حاجة أي ال حاجة إلى أن يقيد كون‬
‫الممكن الموجود جوه ار بكونه إذا وجد في الخارج كان ال في موضوع بل نقول الجوهر ما كان ال في موضوع مطلقا‬
‫سواء كان خارجا أو ذهنا ‪ ،‬قوله‪( :‬وال يلزم) كما يلزم ذلك على اعتبار الوجود الخارجي في الجوهر إذ صورته‬
‫الذهنيه حينئذ تدخل في تعريف العرض ويحكم به عليه فافهم‪.‬‬

‫‪30‬‬
‫عنى أََّن ُه ( َغ ُير ُمتَ َعلق‬ ‫الم َّادة َو َ‬
‫الم َحل َذاتا وفعال ‪ ،‬ب َم َ‬ ‫جرد ) أَي ُمتَ َجرد َعن َ‬ ‫وهر ُم َّ‬‫وه ُر ( إ َّما َعقل وهو َج َ‬
‫الج َ‬‫ثُ َّم َ‬
‫صرف ) فال ُي َنافي التَّ َعل َق به بالتَّأثير‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الب َدن تَ َعل َق التدبير َوالت َ‬
‫ب َ‬
‫(ثم) لما انتهى من تعريف الجوهر والعرض شرع في بيان أقسام كل منهما وابتدأ ببيان أقسام الجوهر ‪ ،‬وهي‬
‫تعريف العقل‬

‫جرد أي متجرد) لئال يوهم أن العقل كان ذا مادة ثم جرد عنها فهو‬
‫وهر ُم َّ‬
‫خمسة ‪ ،‬ألن (الجوهر إما عقل وهو َج َ‬
‫من باب التفعيل ويراد به التفعل (عن المادة والمحل ذاتا وفعال) أما التجرد الذاتي فاعلم أوال أنه إذا حل شيء‬
‫في شيء آخر فالشيء األول يسمى حاال والثَّاني يسمى محال وهذا الحال إما يكون ماديا وإما يكون غير مادي‬
‫فإن كان ماديا سمي متمكنا ومتحي از وسمي محله مكانا وحي از إن احتاج المتمكن إلى نوع المكان ال إلى مكان‬
‫بعينه ‪ ،‬وإن احتاج المتمكن إلى مكان بعينه كالبياض الحال في الكاغد فحينئذ يسمى الحال عرضا والمحل‬
‫معروضا وموضوعا أيضا‪ ،‬وإن كان الحال غير مادي ُسمي صورة وسمي محله مادة وهيولى‪ ،‬وبما أن العقل‬
‫شيء غير مادي فيكون معنى تجرده عن المحل ‪ :‬أن العقل متجرد عن المادة والهيولى وهذا هو التجرد الذاتي‪،‬‬
‫وأما التجرد الفعلي ف ــ( بمعنى أنه غير متعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف فال ينافي التعلق به بالتأثير ) فهذا‬
‫الجوهر المسمى بالعقل يتعلق بالبدن ولكن تعلقه ليس من جهة التدبير والتصرف والتغيير والتحريك بل من‬
‫جهة التأثير بالخلق واإليجاد ؛ فالعقل يخلق األبدان عندهم ولما كان العقل جوه ار مجردا عن المادة والمحل‬
‫ذاتا أوهم أنه ال يتعلق بها فعال أيضا فاستدرك عليه بما ترى ‪ ،‬فائدة‪ :‬الواجب تعالى عند الحكماء واحد حقيقي‬
‫من جميع الجهات باعتبار الذات وباعتبار الصفة حتى أنهم ينكرون الصفات ألن القول بها يلزم منه التعدد‬
‫عندهم ‪ ،‬فالواجب الواحد يخلق شيئا واحدا وهو العقل وهذا العقل يكون له ثالث جهات فمن جهة يكون موجودا‬
‫في نفسه ومن جهة وجوده في نفسه يكون ممكنا ومن جهة كونه مخلوقا يكون واجبا بالغير وبجهاته الثالث‬
‫يخلق أشياء ثالثة فمن جهة وجوده يخلق العقل الثَّاني ومن جهة وجوبه بالغير يخلق النفس ومن جهة إمكانه‬
‫يخلق الفلك ‪ ،‬ثم نأتي إلى العقل الثَّاني فهو له ثالث جهات كالعقل األول ‪ :‬الوجود بالنفس والوجوب بالغير‬
‫واإلمكان الذاتي فهو أيضا يخلق عقال ثالثا ونفسا ثانية وفلكا ثانيا وهكذا حتى نصل إلى العقل العاشر وهو‬
‫ألجل أنه قطع هذه المراحل الكثيرة حصلت له جهات كثيرة فألجل ذلك يمكن له أن يخلق أمور كثيرة فهو يكون‬
‫سببا في خلق المخلوقات األرضية وهذا العقل العاشر يقال له المبدأ الفياض والعقل الفعال‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫ض اَلتَّ ْعر ُ‬
‫يف َم ْنعا بالنُفوس اَْلَفَلكيَّة ل َع َدم‬ ‫ول في اَْل َع َش َرة َف َال ُي ْنتُُق ْ‬
‫صره ْم اَْل ُعُق َ‬
‫از بَقر َينة َح ْ‬ ‫َواْل ُم َرَاد باْل َب َدن اَْلج ْسم َم َج ا‬
‫ط َالق اَْل َب َدن َعَلى اَ ْألَْف َالك‪َ ،‬وَق ْد َي ْدَف ُع ب َح ْمل اَْل َك َالم َعَلى اَ ْالَ ْحتََباك ب َح ْذف اَْلج ْسم ُه َنا بَقر َينته في تَ ْعريف اَ َّلنْفس‬ ‫إْ‬
‫َو َح ْذف اَْل َب َدن فيه بَق ْرنيَّة َما ُه َنا‬
‫(والمراد بالبدن) هنا (الجسم مجازا) من ذكر األخص وإرادة األعم فاألجسم أعم من البدن ألنه يشمل اإلنسان‬
‫بيان إشكال في تعريف العقل وحله‬

‫والفلك ‪ ،‬أما البدن فإنه يشمل اإلنسان فقط (بقرينة) للمجاز وهي (حصرهم العقول في العشرة) فلو أريد بالبدن‬
‫معناه الحقيقي لصدق التعريف على النفوس الفلكية ولما بقيت العقول عشرة بل أصبحت تسع عشرة ‪ ،‬عشرة‬
‫عقول وتسع نفوس فلكية ‪ ( ،‬فال ينتقض التعريف) أي تعريف العقل (منعا بالنفوس الفلكية) أي بكونها كالعقول‬
‫جواهر مجردة غير متعلقة بالبدن تعلق التدبير والتصرف فيكون تعريف العقل غير مانع عن دخول النفوس‬
‫الفلكية (لعدم إطالق البدن على األفالك) ألن البدن لإلنسان والنفوس الفلكية ال تتعلق باإلنسان بل تتعلق بالفلك‬
‫الذي هو جسم‪( ،‬وقد يدفع) عدم مانعية تعريف العقل (بحمل الكالم على االحتباك) وهو حذف في السابق‬
‫جرد‬
‫وهر ُم َّ‬
‫بقرينة الالحق وحذف في الالحق بقرينة السابق (بحذف الجسم هنا) في تعريف العقل فيقال إنه ‪َ :‬ج َ‬
‫غير متعلق بالبدن والجسم تعلق التدبير والتصرف فيحذف " والجسم" (بقرينته) أي بقرينة ذكره ( في تعريف‬
‫جرد متعلق بالجسم والبدن تعلق‬
‫وهر ُم َّ‬
‫النفس وحذف البدن فيه) أي في تعريف النفس فيقال إن النفس ‪َ :‬ج َ‬
‫التدبير والتصرف فيحذف " والبدن " بقرينة ذكره في تعريف العقل ‪ ،‬فيكون تعريف العقل مانعا ألن الجسم وإن‬
‫لم يكن مذكو ار فيه فهو مراد (بقرينة ما هنا ) ‪.‬‬

‫‪32‬‬
‫ف تَْفسيريًّا َل ْم َي ْن َدف ْع ل َع َدم تَ َعلق َها ب َم ْج ُموع اَْلج ْسم َواْل َب َدن َوإ َّال‬
‫طُ‬ ‫ف اَْل َو َاو َفإ ْن َل ْم َي ْج َعل اَْل َع ْ‬ ‫َوفيه أََّن ُه إ ْن َك َ‬
‫ان اَْل َعاط ُ‬
‫ض‬ ‫طوف َعَل ْيه اَ ْنتََق َ‬ ‫طوف فيه َما َل ْم َي ْن َدف ْع أ َْيضا أ َْو في اَْل َم ْع ُ‬ ‫ان في اَْل َم ْع ُ‬ ‫َلزَم اَلتَّ َجوُز في َم َحلين‪َ ،‬عَلى أََّن ُه َل ْو َك َ‬
‫طوف في الثَّاني َل ْم َي ُك َ‬
‫ونا َعَلى َوت َيرة‬ ‫يف اَ َّلنْفس َج ْمعا ب َها أ َْو فيه في اَ ْأل ََّول َوفي اَْل َم ْع ُ‬ ‫تَ ْعر ُ‬
‫(وفيه) أي في هذا االحتباك نظر وهو (أنه) أي‪ :‬الشأن أن المعطوف المحذوف ال بد فيه من عاطف إما الواو‬
‫الجواب باالحتباك ضعيف‬

‫جرد غير متعلق بالبدن والجسم (فإن لم يجعل‬


‫وهر ُم َّ‬
‫وإما أو فـ(إن كان العاطف الواو) بأن نقول ‪ :‬العقل َج َ‬
‫العطف تفسيريا لم يندفع) اإلشكال ؛ (لعدم تعلقها ) أي النفوس الفلكية (بمجموع الجسم والبدن) أي ‪ :‬ألن‬
‫جرد غير متعلق بالبدن والجسم معا ألنه متعلق بالجسم فقط ‪( ،‬وإال) بأن جعلنا‬‫وهر ُم َّ‬
‫النفس الفلكية أيضا َج َ‬
‫البدن فحينئذ يمكن إخراج النفوس الفلكية من تعريف‬
‫ُ‬ ‫الجسم وبالجسم‬
‫ُ‬ ‫العطف تفسيريا فيمكن أن يراد بالبدن‬
‫الجسم في كل من تعريفي العقل والنفس ‪ ،‬لكن (لزم) عليه ( التجوز في محلين) أي‪ :‬في‬
‫ُ‬ ‫العقل بأن نريد بالبدن‬
‫كل من تعريفي العقل والنفس ‪ ،‬ثم حتى لو جعلنا العطف تفسيريا (على أنه) أي المجاز ليس في المعطوف‬
‫والمعطوف عليه معا في تعريف العقل والنفس ؛ فــ(لو كان) المجاز (في المعطوف) فقط (فيهما) أي‪ :‬في‬
‫جرد غير متعلق‬ ‫تعريفي العقل والنفس (لم يندفع) اإلشكال (أيضا) ألن تعريف العقل يكون حينئذ ‪َ :‬ج َ‬
‫وهر ُم َّ‬
‫جرد غير متعلق بالجسم والبدن بمعنى الجسم ‪،‬‬ ‫بالبدن والجسم بمعنى البدن ‪ ،‬و تعريف النفس يكون ‪َ :‬ج َ‬
‫وهر ُم َّ‬
‫يندفع اإلشكال ألن تعريف العقل يكون غير مانع حينئذ لدخول النفوس الفلكية فيه ألنها غير متعلقة‬‫ُ‬ ‫وإنما ال‬
‫بالبدن والجسم الذي بمعنى البدن أيضا ألنا قلنا إن البدن لإلنسان والنفوس الفلكية تتعلق باألجسام ‪( ،‬أو) كان‬
‫جرد غير متعلق بالبدن أي‪ :‬الجسم والجسم ‪،‬‬
‫وهر ُم َّ‬
‫المجاز (في المعطوف عليه) فقط بأن نقول العقل ‪َ :‬ج َ‬
‫جرد متعلق بالجسم أي‪ :‬البدن والبدن ‪ ،‬فحينئذ يندفع االعتراض عن تعريف العقل لخروج‬
‫وهر ُم َّ‬
‫والنفس ‪َ :‬ج َ‬
‫النفوس الفلكية ألنها متعلقة بالبدن الذي بمعنى الجسم ‪ ،‬ولكن (انتقض تعريف النفس جمعا بها) أي فيكون‬
‫تعريف النفس غير جامع للنفوس الفلكية ‪ ،‬ألن تعريف النفس يشمل النفوس اإلنسانية فقط حينئذ وال يشمل‬
‫النفوس الفلكية ألنها متعلقة بالجسم ال بالبدن ‪( ،‬أو) إن كان المجاز (فيه) أي في المعطوف عليه ( في األول)‬
‫أي في تعريف العقل ‪( ،‬وفي المعطوف في الثَّاني) أي في تعريف النفس ‪ ،‬فحينئذ يكون تعريف العقل مانعا‬
‫وتعريف النفس جامعا ولكن اإلشكال أن تعريفي العقل والنفس حينئذ (لم يكونا على وتيرة) واحدة وهذا يشوش‬
‫على الطالب‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫صائص اَْل َواو إَّن َما َيتم َل ْو‬ ‫ان أ َْو َف َم َع أََّن ُه َيتَّج ُه أ َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ف اَْل َعام َعَلى اَْل َخاص َو َع ْك َس ُه م ْن َخ َ‬ ‫طَ‬ ‫َن َع ْ‬ ‫َوإال َلزَم اَلث َالثَ ُة َوإ ْن َك َ‬
‫ض‬ ‫ْم ُل ‪ ،‬ثُ َّم إ ْن أُري َد باْل ُم َج َّرد َع ْن اَْل َم َّادة َع َد ُم َك ْون َها ُج ْزءا م ْن ُه ُي ْنتُُق ُ‬
‫طوف َبأ ْو َو ُه َو َم ْمُنوع تَأ ُ‬ ‫ف اَْل َم ْع ُ‬ ‫ُسم َع َح ْذ ُ‬
‫اضه َباْلهيولى الستحاَلة ا ْقتران اَ َّ‬
‫لشيء ب َنْفسه تَ ْخ ُرُج‬ ‫ورة أ َْو َع َد ُم اَْل ُمَق َارَنة لْل َم َّادة َف َم َع ا ْنتَف َ‬ ‫اَلتَّ ْعر ُ‬
‫َ‬ ‫ْ َ‬ ‫يف َباْلهيولى َوالص َ‬
‫وس َفَيْل ُغو اَلتَّْقي ُيد بَق ْوله َغ ْي ُر ُمتَ َعلق ‪.‬‬‫اَلنُف ُ‬

‫(وإال) بأن نعكس األمر فنجعل المجاز في تعريف العقل في المعطوف وفي تعريف النفس في المعطوف عليه‬
‫تحقيق المراد بالمجرد في تعريف العقل وبيان إشكال فيه‬

‫فحينئذ (لزم الثالثة) وهو أن يكون تعريف العقل غير مانع وتعريف النفس غير جامع وال يكون العطف على‬
‫وتيرة واحدة ‪( ،‬وإن) لم يكن العطف بالواو بأن (كان) بـ(أو ‪ ،‬فمع ) أن النسبة بين الجسم والبدن في تعريف‬
‫كل من العقل والنفس هي العموم والخصوص المطلق و(أنه يتجه أن عطف العام على الخاص وعكسه من‬
‫خصائص الواو) وال يجوز ذلك في العطف بــ"أو" ‪ ،‬ومع هذا يرد اعتراض آخر وهو أن جوابكم بجعل العاطف‬
‫المحذوف أو (إنما يتم لو سمع) من العرب (حذف المعطوف بأو وهو ممنوع) إذ لم يسمع منهم ذلك ‪ ،‬وقوله ‪:‬‬
‫(تأمل) لإلشارة إلى جواز إيجاد وجه لالحتباك بأن نقول‪ :‬إن العاطف هو الواو ال التي بمعنى الجمع بل التي‬
‫بمعنى أو ‪ ،‬وحينئذ تنحل اإلشكاالت بحذافيرها إذ يكون تعريف العقل مانعا وتعريف النفس جامعا وال يلزم‬
‫التجوز في موضعين ‪ ،‬لكن يبقى إشكال آخر وهو أن الواو التي بمعنى أو هل هو في حكم الواو التي لمطلق‬
‫الجمع في جواز حذف المعطوف ‪ ،‬أم هو في حكم أو في عدم جواز ذلك ‪ ،‬هذا األمر غير معلوم ‪( ،‬ثم إن‬
‫أريد بالمجرد عن المادة) في تعريف العقل (عدم كونها) أي المادة (جزءا منه) أي من العقل فحينئذ (ينتقض‬
‫التعريف) أي تعريف العقل منعا (بالهيولى) ألن المادة ليست جزءا من الهيولى أيضا بل هي عينها (والصورة)‬
‫الجوهرية أيضا ألنها مجردة عن المادة فيصدق عليها أن المادة ال تكون جزءا منها فيكون تعريف العقل غير‬
‫جرد‬
‫وهر ُم َّ‬
‫مانع ‪( ،‬أو) إن أريد بالتجرد عن المادة (عدم المقارنة للمادة فمع انتقاضه بالهيولى) ألن الهيولى َج َ‬
‫عن المادة (الستحالة اقتران الشي بنفسه) بمعنى أن الهيولى ليست مقارنة للمادة ألن الهيولى هي نفس المادة‬
‫فكيف تقترن بنفسها فيكون تعريف العقل غير مانع لدخول الهيولى فيه ؛ (تخرج النفوس) أيضا من تعريف‬
‫العقل بقيد " مجرد" ؛ ألنها أيضا مقارنة للمادة (فيلغو التقييد بقوله غير متعلق) بالبدن ويكون إخراج النفوس‬
‫به تحصيل الحاصل بتحصيل قد سبق ‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫وس‬
‫اء اَْلج ْسم َوالنُف ُ‬
‫َج َز ُ‬ ‫َن َال َي ُكو َن اَْل ُم َج َّرُد َم َّادة َوَال َمْل ُز َ‬
‫ومة َل َها َف َي ْخ ُرُج أ ْ‬ ‫اء اَْل ُمَقارَنة اَْل َواج َبة بأ ْ‬ ‫إ َّال أ ْ‬
‫َن ُي َرَاد باْل ُم َج َّرد ا ْنتَف ُ‬
‫اَْلَفَلكَّي ُة َال اَ ْإل ْن َسانيَّ ُة َفهي تَ ْخ ُرُج بَق ْوله َغ ْي ُر ُمتَ َعلق ‪.‬‬
‫َ‬
‫وال يكون تعريف العقل مانعا بجعل المراد بالتجرد الذاتي عدم المقارنة للمادة (إال أن يراد بالمجرد انتفاء المقارنة‬
‫الجواب عن اإلشكال في البيان بالمجرد في تعريف العقل‬

‫الواجبة) وتوضيحه أن المقارنة على قسمين ‪ :‬مقارنة واجبة ومقارنة جائزة ‪ ،‬فالمقارنة الواجبة ‪ :‬أن يقارن الشيء‬
‫المادة ويكون انفصال المادة عنه محاال كأن يكون الشيء في نفسه مادة كالهيولى أو ملزومة للمادة كالصورة‬
‫ملزومة للمادة التي هي الهيولى وكالنفوس الفلكية الملزومة للمادة التي هي مادة الفلك ‪ ،‬والمقارنة الجائزة ‪ :‬أن‬
‫يقارن الشيء المادة ويكون انفصال المادة عنه جائ از كمقارنة النفس اإلنسانية للمادة اإلنسانية فإن انفصالها‬
‫عنها جائز ‪ ،‬فإن أريد بالتجرد عن المادة في تعريف العقل المقارنة الواجبة يكون المعنى أن العقل ال يقارن‬
‫المادة(ب ــ) معنى (أن ال يكون المجرد مادة وال ملزومة لها فـ) حينئذ (يخرج أجزاء الجسم) من تعريف العقل ألنها‬
‫إما هيولى وهي مقارنة للمادة ألنها في ذاتها مادة أو صورة جوهرية وهي أيضا مقارنة للمادة ألنها ملزومة‬
‫للمادة بمعنى أن المادة التي هي الهيولى تلزم عنها (و) يخرج كذلك (النفوس الفلكية) القترانها بالمادة الفلكية‬
‫ملزومة لها‪ ،‬و(ال) تخرج النفوس (اإلنسانية) ألنها مقارنة لمادة اإلنسان مقارنة جائزة (فهي) ال تخرج بقوله‬
‫جرد بل (تخرج بقوله‪ :‬غير متعلق) بالبدن ‪.‬‬
‫ُم َّ‬

‫‪35‬‬
‫حواشي ابن الباساوي رحمه هللا المتعلقة ببيان العقل‬

‫قوله‪( :‬بالتأثير) أي وإفاضة الكمال ‪ ،‬قوله‪( :‬بقرينة حصرهم العقول) يعني حصرهم العقول في العشرة دليل‬
‫على أن المراد بالبدن الجسم وإال يلزم عليهم حصرهم في تسعة عشر والتالي باطل وكذا المقدم فاحفظه ‪ ،‬قوله(‬
‫في العشرة) فإنهم قالوا العقل األول الذي هو أول المخلوقات مصدره فلك ونفس وعقل وهكذا إلى آخر األفالك‬
‫الثابتة بالدليل فيكون العقول الصادرة مع األول المصدر عشرة وقالوا إن المدبر لعالم العناصر بحسب‬
‫االستعدادات الحاصلة للمواد العنصرية بتجدد األوضاع الفلكية هو عقل الفلك اآلخر قوله‪ ( :‬في المعطوف‬
‫فيهما) أي في لفظ الجسم في تعريف العقل ولفظ البدن في تعريف النفس الذين هما معطوفان في تعريفيهما‪،‬‬
‫وقوله‪( :‬لم يندفع) نقض تعريف العقل بالنفوس الفلكية ‪ ،‬قوله‪ ( :‬أيضا) أي كما لم يندفع إذا لم يجعل العطف‬
‫تفسيريا إذ لو تجوز في الجسم المعطوف في تعريف العقل ويقال إنه مستعمل في معنى البدن ينتقض أيضا‬
‫منعا بالنفوس الفلكية ألنها أيضا غير متعلقة بالبدن لعدم إطالق البدن على األفالك ‪ ،‬قوله في الحاشية‪:‬‬
‫(والجواب أن المراد من العينية) إلخ يتجه عليه أن عدم تمايز هوية الوجود عن هوية الموجود بحسب الخارج‬
‫ال يقتضي أن يكون هوية الوجود في الخارج عين هوية الموجود حتى يكون ما صدق عليه أحدهما عين ما‬
‫صدق عليه اآلخر لجواز صدق عدم االمتياز بأن ال يكون للوجود هوية خارجية لكونه من المعقوالت الثَّانية‬
‫كيف ولو اتحد الوجود بالسواد مثال ذاتا بحسب الخارج لكان محموال عليه مواطاة وأيضا لم يكن ألحد شك في‬
‫أن الوجود موجود كما ال شك في السواد موجود وإلى هذا أشار الشارح قدس سره بالتزييف اآلتي‪ ، ،‬قوله‪( :‬في‬
‫المعطوف عليه) أي في لفظ البدن في تعريف العقل ولفظ الجسم في تعريف النفس ‪ ،‬قوله‪ ( :‬انتقض تعريف‬
‫النفس جمعا بها) أي بالنفوس الفلكية إذ لو كان المراد بالجسم المعطوف عليه في تعريف النفس البدن تخرج‬
‫النفوس الفلكية عن تعريفها لعدم تعلقها باألبدان ‪ ،‬قوله في الحاشية‪( :‬والجواب أن المراد من العينية إلخ) يتجه‬
‫عليه أن عدم تمايز هوية الوجود عن هوية الموجود بحسب الخارج ال يقتضي أن يكون هوية الوجود في الخارج‬
‫عين هوية الموجود حتى يكون ما صدق عليه أحدهما عين ما صدق عليه اآلخر لجواز صدق عدم االمتياز‬
‫بأن ال يكون للوجود هوية خارجية لكونه من المعقوالت الثَّانية كيف ولو اتحد الوجود بالسواد مثال ذاتا بحسب‬
‫الخارج لكان محموال عليه مواطاة وأيضا لم يكن ألحد شك في أن الوجود موجود كما ال شك في السواد موجود‬
‫وإلى هذا أشار الشارح قدس سره بالتزييف اآلتي ‪ ،‬قوله‪( :‬وإال) أي وإن ال يكون التجوز في المعطوف عليه‬
‫في األول وفي المعطوف في الثَّاني بأن كان التجوز بالعكس بأن كان في المعطوف في األول وهو الجسم‬
‫وفي المعطوف عليه في الثَّاني وهو الجسم أيضا لزم الثالثة أي عدم دفع مانعية تعريف العقل بالنفوس الفلكية‬
‫وانتقاض تعريف النفس جمعا بها وعدم كونهما على وتيرة واحدة ‪ ،‬قوله‪( :‬ينتقض التعريف بالهيولى والصورة)‬
‫أما الهيولى فألن الشيء ال يكون جزءا من نفسه إذ الهيولى والمادة مترادفان على مذهب الحكيم ‪ ،‬وأما الصورة‬

‫‪36‬‬
‫فألنها حالة في المادة وهي محلها وليست أحدهما جزءا من االخر‪ ،‬قوله‪ ( :‬فيلغو التقييد) ألن التقييد بغير‬
‫متعلق إنما كان إلخراج النفوس فإذا كانت خارجة بالمجرد يكون قوله غير متعلق لغوا فافهم ‪ ،‬قوله‪( :‬فيخرج‬
‫أجزاء الجسم) ألنها مواد الجسم ‪ ،‬قوله‪( :‬والنفوس الفلكية) ألنها وإن لم تكن مادة إال أنها ملزومة للمادة بمعنى‬
‫أن المادة ال ينفك عنها ألنهم قائلون بقدم األفالك بخالف النفوس االنسانية فإنها ليست ملزومة لها لمفارقتها‬
‫عن األبدان فنحتاج إلخراجها إلى قيد غير متعلق‬

‫‪37‬‬
‫طَل ُق َعَلى َم ْب َدأ آثَار اَلنَّ َبات َواْل َح َي َوان ‪َ ( ،‬وه َي َج َ‬
‫وهر ُم َج َّرد )‬ ‫َما َنْفس ) َوُقس َم ْت إَلى َفَلكيَّة َوإ ْن َسانيَّة ‪َ ،‬وَق ْد تُ ْ‬
‫( َوأ َّ‬
‫صرف )‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫في َذاته َال في ف ْعله ألَن َها ( ُمتَ َعلق باْلج ْسم تَ َعل َق اَلت ْدبير َوالت َ‬

‫جرد متعلق‬
‫وهر ُم َّ‬
‫مر ( وإما نفس وقسمت إلى فلكية وإنسانية ) أما النفس الفلكية فهي َج َ‬
‫الجوهر إما عقل وقد َّ‬
‫تعريف النفس‬

‫بالفلك بحيث يتحرك الفلك بها تحركا إراديا ويدرك بواسطتها الكليات ‪ ،‬والمتكلمون ينكرون التحرك اإلرادي‬
‫لألفالك ويقولون إن حركتها قسرية فال تحتاج إلى نفس تحركها بل المحرك له هللا تعالى ‪ ،‬وأما النفس اإلنسانية‬
‫فهي متعلقة باإلنسان يتمكن اإلنسان بها من التحرك باإلرادة ويدرك بها الكليات (و) كما تطلق النفس على‬
‫الجوهر المجرد المتعلق بالجسم الفلكي واإلنساني تعلق التدبير والتصرف ف ـ(قد تطلق) النفس (على مبدأ آثار‬
‫النبات والحيوان) ‪ ،‬وآثار النبات ‪ :‬هي التغذية والتنمية فتطلق النفس على ما يتغذى ويتنمى بواسطته البدن‬
‫وتسمى بالنفس النباتية وتكون جسما ال جوه ار مجردا ‪ ،‬أما آثار الحيوان فهي الحس والحركة اإلرادية فتطلق‬
‫النفس على ما يحس ويتحرك البدن به وتسمى نفسا حيوانيا وتكون جسما أيضا ال جوه ار مجردا ‪ ،‬فالنفس بمعناه‬
‫العام الشامل للمجرد وغير المجرد تكون أربعة ‪ :‬النفس الفلكية والنفس اإلنسانية والنفس النباتية والنفس الحيوانية‬
‫وهر مجرد) عن المادة (في ذاته) بمعنى أن المادة ليست جزءا منها ال بمعنى انتفاء‬
‫‪ ( ،‬وهي) أي النفس ( َج َ‬
‫المقارنة الواجبة كما قلنا في تعريف العقل حتى ال تخرج النفوس الفلكية من تعريف النفس ألن لها مقارنة واجبة‬
‫بالفلك وال بمعنى انتفاء المقارنة الجائزة ألن النفوس اإلنسانية لها مقارنة جائزة مع مادة اإلنسان ‪ ،‬فوجب أن‬
‫جرد في ذاته فقط‬ ‫نفسر التجرد الذاتي بمعنى عدم كون المادة جزءا منها كما ذكرنا والحاصل أن النفس َج َ‬
‫وهر ُم َّ‬
‫جرد باعتبار ذاته بأن ال تكون المادة جزءا منها بالمعنى المار ‪( ،‬ال في فعله) بمعنى أن النفس‬ ‫بمعنى أنه ُم َّ‬
‫جرد باعتبار فعله ألنه متعلق بالبدن تعلقا فعليا من حيث التدبير والتصرف كما ذكرنا ‪ ،‬فبقولنا ‪:‬‬
‫وهر غير ُم َّ‬‫َج َ‬
‫" ال تكون المادة جزءا منها" يخرج الجسم ألن المادة جزء من الجسم فيبقى العقل والهيولى والصورة ‪ ،‬فتخرج‬
‫الثالثة بقوله ‪ (:‬ألنها متعلق بالجسم تعلق التدبير والتصرف )‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫ُخ َرى َعاقَلة‬ ‫ب َها َوأ ْ‬ ‫ظام أ َْمر اَْل َم َعاش َواْل َم َعاد‬ ‫صرف ال ْنت َ‬ ‫َّ‬
‫َوَل َها ُق َّوة َعامَلة تُ َس َّمى َعْقال َع َملًّيا َوه َي ُق َّوةُ اَال ْست ْن َباط َوالت َ‬
‫ات ُق َّوة ا ْست ْع َداد‬
‫َذ ُ‬ ‫َن اَل َّنْف َس إ َّما‬
‫ظرًّيا ‪َ ،‬وَل َها أ َْرَب ُع َم َرات ُب أل َّ‬
‫صديقَّي َة تُ َس َّمى َعْقال َن َ‬ ‫َّ‬ ‫ك بها اَ ْألُم ُ َّ‬
‫صورَّي ُة َوالت ْ‬‫ور اَلت َ‬ ‫ُ‬ ‫تُْد َر ُ َ‬
‫ضعيف َفاْل َعْق ُل اَْلهيوَالني أ َْو ُمتََوسط َفاْل َعْق ُل باْل َمَل َكة أ َْو ُقوي َفاْل َعْق ُل باْلف ْعل‪.‬‬ ‫اكات َو ُه َو إ َّما َ‬
‫ل ْإل ْد َر َ‬
‫(ولها) أي ‪ :‬للنفس قوتان وهما باعتبار النفس اإلنسانية (قوة عاملة تسمى عقال عمليا وهي قوة االستنباط‬
‫بيان قوى النفس العملية والنظرية‬

‫والتصرف النتظام أمر المعاش والمعاد بها) فمثال النجارة صنعة مادتها الخشب فيتصرف اإلنسان بسبب تلك‬
‫القوة في هذا الخشب ويستخرج منه األشكال المتعددة فاالستنباط هنا ليس استنباطا نظريا بل هو استنباط عملي‬
‫يشمل الصناعات وتدبير النفس المسمى باألخالق وكذلك تدبير المنزل والمدن فقد تبين أن أمر المعاش والمعاد‬
‫ينتظم بها وتسمى أيضا بالحكمة العملية وتفصيلها في كتب الحكمة ‪( ،‬و) القوة الـ(أخرى) من قوى النفس (هي)‬
‫قوة (عاقلة تدرك بها األمور التصورية والتصديقية تسمى عقال نظريا ) وتسمى بالحكمة النظرية وهي العلم‬
‫بحقائق األشياء بقدر الطاقة البشرية وهي إن لم تتعلق بالمادة ذهنا وخارجا فتسمى بالحكمة اإللهية وإن تعلقت‬
‫بالمادة في الخارج فقط فتسمى بالحكمة الرياضية وتشمل الحساب والهندسة وغيرها وإن احتاج إلى المادة في‬
‫الذهن والخارج فتسمى بالحكمة الطبيعية ‪( ،‬ولها) أي للعقل النظري (أربع مراتب) بحسب إدراكات النفس (ألن‬
‫النفس إما ذات قوة استعداد لإلدراكات وهو ) ثالث مراتب ‪ ،‬ألنه ( إما) استعداد (ضعيف) وهو حال النفس‬
‫قبل انتقاش العلوم والمعارف الضرورية والنظرية عليها وهي مستعدة لكسبها (فــ) تسمى النفس باعتبار هذا‬
‫االستعداد (العقل الهيوالئي) والمناسبة ظاهرة ألن النفس في هذه المرتبة لها قوة كسب العلوم الضرورية كما أن‬
‫الهيولى يكون وجود الجسم معها بالقوة وهذه المرتبة األولى (أو) استعداد (متوسط) وهو حال النفس عند العلوم‬
‫الضرورية ويكون للنفس معها استعداد الكتساب العلوم النظرية بتوسط تلك العلوم الضرورية (فـ) تسمى النفس‬
‫باعتبار هذا االستعداد (العقل بالملكة) ألن العلوم الضرورية رسخت في النفس في هذه المرتبة حتى أصبحت‬
‫ملكة للنفس الناطقة وهي المرتبة الثَّانية (أو) استعداد (قوي) وهو حال النفس عند إدراك جميع المعلومات‬
‫الضرورية والنظرية من غير احتياج إلى الفكر والنظر بل تحتاج إلى االلتفات فقط كنفوس األنبياء عليهم‬
‫الصالة والسالم (فـ) تسمى النفس باعتبار هذا االستعداد (العقل بالفعل) وهي المرتبة الثالثة ‪.‬‬

‫‪39‬‬
‫َسامي اَ ْأل َْرَبع َعَلى اَ َّلنْفس في َهذه اَْل َم َراتب َوَق ْد تُ ْ‬
‫طَل ُق‬ ‫ط َال ُق َهذه اَ ْأل َ‬ ‫ات ُق َّوة َك َمال َفاْل َعْق ُل اَْل ُم ْستََف ُاد‪َ ،‬و ْاألَ ْكثَُر إ ْ‬
‫أ َْو َذ ُ‬
‫ظري باْل َح ْدس ُي َس َّمى‬ ‫ص َل َل ُه ُكل َن َ‬
‫َن َي ْح ُ‬ ‫َعَلى أ َْنُفس َها َو َعَلى ُقوى ه َي َم َبادُئ َها‪َ ،‬واْل َعْق ُل باْل َمَل َكة إ َذا َك َ‬
‫ان في اَْل َغ َاية بأ ْ‬
‫ُق َّوة ُق ْدسيَّة‪.‬‬

‫(أو) أن النفس (ذات قوة كمال) اإلدراك بأن تكون النفس بحيث تستحضر جميع المعلومات الضرورية والنظرية‬
‫إطالقات أخرى لقوى النفس‬

‫من غير حاجة إلى نظر وال حتى إلى التفات (فــ)النفس باعتبار هذه القوة تسمى (العقل المستفاد) بمعنى أنه‬
‫عقل مستفاد من المبدأ الفياض أي العقل العاشر ‪ ،‬وهي القوة الثَّانية للنفس ‪( ،‬و) ذهب (األكثر) من الحكماء‬
‫إلى (إطالق هذه األسامي األربع على النفس في هذه المراتب) ففي مرحلة االستعداد الضعيف تسمى النفس‬
‫بالعقل الهيوالئي وفي مرحلة االستعداد المتوسط تسمى النفس بالعقل بالملكة وكذلك الحال في المرتبتين اآلخرتين‬
‫فحينئذ يكون العقل والنفس شيئا واحدا ويكون التغاير بينهما باالعتبار فقط (وقد تطلق) هذه األسامي (على‬
‫أنفسها) أي على أنفس هذه المراتب (وعلى قوى هي مباديها) أي مبادي هذه المراتب ‪ ،‬فالعقل الهيوالئي يطلق‬
‫مثال على االستعداد الضعيف وعلى قوى هي مبدأ للوصول إلى هذا االستعداد الضعيف والعقل بالملكة يطلق‬
‫على االستعداد المتوسط وعلى قوة هي مبدأ للوصول إلى االستعداد المتوسط وكذلك االستعداد بالفعل والعقل‬
‫المستفاد وحينئذ يفترق العقل عن النفس في المفهوم ألن العقل يطلق على المراتب وعلى قوى هي مبادئها‬
‫والنفس ال تطلق إال على تلك المراتب‪( ،‬والعقل بالملكة) ال يكون متساويا في جميع النفوس اإلنسانية بل تتفاوت‬
‫فيما بينهم بتعدد النفوس ‪ ،‬فهو (إذا كان في الغاية بأن يحصل له كل نظري بالحدس) أي بال واسطة النظر‬
‫والفكر ( يسمى) العقل بالملكة في هذه المرتبة (قوة قدسية) وهي قوة نفوس األنبياء واألولياء عليهم السالم ‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫حواشي ابن الباساوي رحمه هللا المتعلقة بالنفس‬

‫قوله (إلى فلكية) فإنهم أثبتوا لألفالك نفوسا مجردة لتعقل الكليات وقوى جسمانية لتخيل الجزئيات كاإلنسان‬
‫واعترض عليهم بأنهم أثبتوا لألفالك مبدء الحس والحركة فهي حية عندهم وإذا ثبت لها النفس الناطقة المتعلقة‬
‫بالكليات أيضا كان إنسانا حقيقة وأجيب‪ :‬بأن االنسان هو الحيوان الناطق فكل حيوان حي لكن العكس غير‬
‫الزم إذ الحيوان أن يكون فيه مع ما سبق من قوة الحس والحركة وقوة التغذية والتنمية أيضا وبأن المراد بتعقل‬
‫الكليات في اإلنسان ما هو شأن العقل الهيوالئي والعقل بالملكة ال العقل بالفعل وبالحس فيه ما هو بطريق‬
‫االنفعال وارتسام المثال ال الحضور‪ ،‬وأمر الفلكيات ليس كذلك عندهم ‪ ،‬قوله‪( :‬ولها قوة عاقلة) اي باعتبار‬
‫تأثيرها في البدن لتكميل جوهره قوه عاقلة وإن كان تكميلها لذلك بتأثيرها فيه عائدا إلى تكميلها بالنفس فإن‬
‫البدن آلة وتكميل اآللة عائد إلى تكميل ذي اآللة فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬قوة االستنباط) وعنى باالستنباط هنا االستخراج‬
‫العملي ال العلمي وإال لكان عين العقل النظري فيكون قوله والتصرف عطف تفسير ‪ ،‬قوله‪( :‬ولها قوة االستنباط)‬
‫اي الذي بها يتمكن اإلنسان من استنباط الصناعات والتصرف في موضوعاتها التي بمنزلة المواد كالخشب‬
‫للنجار وتمييز المصالح التي يجب اإلتيان بها عن المفاسد التي يجب االجتناب عنها النتظام الى آخره ‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫( وأخرى عاقلة) أي وللنفس قوة أخرى باعتبار تأثيرها من المبدأ لالستكمال بالعلوم واإلدراكات فإن لفظ القوة‬
‫كما يطلق على مبدأ التغيير والفعل كذلك يطلق على مبدأ التغير واالنفعال‪ ،‬قوله‪ ( :‬فالعقل الهيوالئي) فشأنها‬
‫االستعداد المحض لإلدراكات من غير حصول شيء منها بالفعل سميت بها تشبيها بالهيولى الخالية في نفسها‬
‫عن الصورة القابلة هي لها‪ ،‬قوله‪ ( :‬فالعقل بالملكة) فلها استعداد تحصيل النظريات بحصول الضروريات‬
‫سميت بالملكة ألنها حصل لها بسبب تلك الضروريات ملكة االنتقال إلى النظريات كذا قالوا ورد بأنه ليس في‬
‫هذه المرتبة إال استعداد االنتقال والمراد بالملكة ما يقابل الحال أي الكيفية الراسخية ألن استعداد االنتقال إلى‬
‫النظريات راسخ في هذه المرتبة أو ما يقابل العدم كأنه قد حصل للنفس فيها وجود االنتقال إليها بناء على قربه‬
‫كما يسمى العقل بالفعل عقال بالفعل مع كونه بالقوة ألن قوته قريبة من الفعل جدا‪ ،‬قوله‪( :‬فالعقل بالفعل) فلها‬
‫التمكن في استحضار النظريات متى شاء من غير افتقار إلى تجشم كسب جديد لكونها مكتسبة مخزونة تحضر‬
‫بمجرد االلتفات وذلك إنما يحصل إذا الحظت النظريات مرة بعد أخرى حتى تحصل لها ملكة تقوى بها على‬
‫ذلك االستحضار كذا قالوا لكن قال بعض المحققين ال اعتبار بملكة االستحضار في العقل بالفعل بل القدرة‬
‫على االستحضار كافية فيه فإذا حضرت المعقوالت وذهلت عنها فهي قادرة على استحضارها فهذه المرتبة لو‬
‫لم يكن عقال بالفعل لم تنحصر مراتب القوة النظرية في األربعة فال بد من االقتصار على االقتدار على‬
‫االستحضار‪ ،‬قوله‪( :‬فالعقل المستفاد) اي من العقل الفعال الذي يخرج نفوسنا من القوة إلى ما له من الكماالت‬
‫وهو حضور النظريات عند المشاهدة بحيث ال تغيب أصال ‪ ،‬قوله‪ ( :‬في هذه المراتب) اي في حال اتصافها‬

‫‪41‬‬
‫بتلك المراتب اي بكينونتها فيها فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬بأن يحصل له إلخ) أقول هذا مناف لما قاله قاضي مير من‬
‫أنه ليس في العقل بالملكة إال االستعداد لالنتقال لكن لكون استعداد االنتقال إلى النظريات فيها راسخا سميت‬
‫بالملكة فالملكة في مقابلة الحال أو ألنه حصل فيها للنفس وجود االنتقال إلى النظريات بناء على قربه فهي‬
‫في مقابلة العدم فليتأمل‬

‫‪42‬‬
‫الط ْبع ل َش َرفه باالتَفاق َعَل ْيه َدوَن ُه َما ‪َ ( ،‬و ُه َو ) م ْن‬ ‫( وإ َّما جسم ) َقَّدمه عَلى اَ ْألَخيرين مع تََقدم اَْلج ْزء عَلى اَْل ُكل ب َّ‬
‫ُ َ‬ ‫َْ َ َ‬ ‫َُ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫وهر مرَّكب ) بحسب اَْل َخارج ( م ْن اَْلهيولى والصورة ) اَْلجسميَّة وإ َّال َف ْاألَْفرُاد اَ َّ‬
‫لش ْخصَّي ُة َل َها‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ‬ ‫ََ‬ ‫َح ْي ُث ُه َو ج ْسم ( َج َ ُ َ‬
‫اج َك َما في اَْل َم ْع ُجون‪.‬‬ ‫ورة اَلنَّ ْوعيَّة َواْل َع ْرضيَّة َك َما في اَ َّ‬
‫لسرير َواْلم َز ُ‬ ‫أَ ْج َزاء َغ ْي ُرُه َما َكالص َ‬
‫تعريف الجسم‬

‫(وإما جسم) وهو الجوهر الحاصل من حلول الصورة في الهيولى وهنا يرد اعتراض وهو أن المركب يعرف بعد‬
‫معرفة ما يتركب منه فكان األولى أن يعرف الماتن الهيولى والصورة قبل الجسم ألنهما جزءان للجسم والجزء‬
‫مقدم بالطبع على الكل بمعنى أن تقدمه هو تقدم المحتاج إليه على المحتاج والجواب أنه إنما (قدمه على‬
‫األخيرين مع تقدم الجزء على الكل بالطبع لشرفه باالتفاق عليه) فقد اتفق المتكلمون والحكماء على وجود الجسم‬
‫في الخارج (دونهما) أي دون الهيولى والصورة إذ المتكلمون ال يقولون بهما فاقتضى األمر تقديم الجسم عليهما‬
‫( وهو ) أي الجسم )من حيث هو جسم جوهر مركب بحسب الخارج من الهيولى) وهي المادة (والصورة‬
‫الجسمية ) وهي قبول األبعاد لتلك المادة ‪ ،‬ويتركب بحسب الذهن من الجنس والفصل (وإال) أي إن لم نالحظ‬
‫الجسم من حيثية إنه جسم فقط بأن الحظناه من حيث إنه نوع من أنواع الجسم فحينئذ ال يكون مركبا من‬
‫الهيولى والصورة الجسمية فقط بل البد من صورة أخرى نوعية وقد يتشخص الجسم فالبد من صورة عرضية‬
‫(فاألفراد الشخصية) مثال كأفراد اإلنسان (لها أجزاء غيرهما) أي غير الهيولى والصورة (كالصورة النوعية‬
‫والعرضية) فزيد مثال مع تركيبه من هيولى وصورة جسمية يتركب من صورة نوعية بها يستقل عن باقي أنواع‬
‫الحيوان وأخرى عرضية بها يتشخص ويستقل عن باقي أفراد اإلنسان و(كما في السرير) فإنه مع تركبه من‬
‫جوهر وصورة جسمية بها يقبل األبعاد وصورة نوعية هي الخشبية يتركب كذلك من صورة عرضية بها تتحصل‬
‫السريرية (والمزاج) وهو اعتدال العناصر األربعة في الجسم فلتحصيل المزاج نحتاج مع هيولى وصورتين جسمية‬
‫ونوعية إلى صورة أخرى عرضية (كما) أي كالمعجونية (في المعجون) المركب من تلك العناصر‪.‬‬

‫‪43‬‬
‫ظاه َرة (‬‫اس َب ُة َ‬ ‫وناني ب َم ْع َنى اَْل َم َّادة أ َْو َع َربي ُم َخَّفف اَْل َهيول ْى بتَ ْشديد اَْل َياء َو ُه َو اَْلُق ْ‬
‫ط ُن َواْل ُم َن َ‬ ‫( َوإ َّما َهيول ْى ) َلْفظ ُي َ‬
‫آخ َر )‬
‫ورة َوه َي اَْل َج ْو َه ُر اَْل َحال في َج ْو َهر َ‬ ‫صَ‬ ‫ورةُ اَْل ُمَقو َم ُة َل َها ( َوإ َّما ُ‬
‫آخ َر ) ه َي اَلص َ‬ ‫َوه َي اَْل َج ْو َه ُر اَْل َم َحل ل َج ْو َهر َ‬
‫َّ‬
‫ين‬
‫َحُد اَْل ُمتَ َعلَق ْين َن ْعتا ل ْآل َخر َك َما َب َ‬‫َي اَلتَّ َعلق اَْل َخاص اَلذي َيص ُير به أ َ‬ ‫صاص اَ َّلناعت أ ْ‬ ‫ول باال ْخت َ‬ ‫َوُفس َر اَْل ُحُل ُ‬
‫اَْل َب َياض َواْلج ْسم ‪.‬‬

‫(وإما هيولى ) وهي إما (لفظ يوناني بمعنى المادة) واألصل ألن الهيولى أصل ترد عليه الصور ( أو عربي‬
‫تعريف الهيولى وتفسير الحلول‬

‫مخفف الهيَّوَلى بتشديد الياء وهو القطن والمناسبة) حينئذ (ظاهرة) بين المعنى اللغوي واالصطالحي فكما أن‬
‫القطن هو المادة األصلية لألقمشة فكذلك الهيولى هي المادة األصلية للصور‪( ،‬و) الهيولى اصطالحا (هي‬
‫الوجود ( وإما‬
‫َ‬ ‫الجوهر المحل لجوهر آخر هي الصورة المقومة لها) أي لوجود الهيولى بسببها تحص ُل الهيولى‬
‫صورة وهي الجوهر الحال في جوهر آخر ) هي الهيولى (وفسر الحلول باالختصاص الناعت أي التعلق‬
‫الخاص الذي يصير به أحد المتعلقين نعتا لآلخر كما ) في التعلق الحاصل ( بين البياض والجسم ) الذي‬
‫صار البياض بسببه نعتا للجسم فيسمى البياض حاال والجسم محال ‪ ،‬فالحال يشمل الصورة ‪ -‬الجسمية والنوعية‬
‫‪ -‬والعرض ‪ ،‬والمحل يشمل الهيولى والموضوع ‪ ،‬والفرق بين الصورة والعرض أن الصورة هي المقومة للهيولى‬
‫أما العرض فإنه ليس مقوما للموضوع بل الموضوع هو المقوم له ‪ ،‬والفرق بين الهيولى والموضوع أن الهيولى‬
‫ليس مقوما للصورة بل الصورة هي المقومة لها والموضوع هو المقوم للعرض كما ذكرنا ‪.‬‬
‫فائدة ‪ :‬الجوهر هيولى أولى فإذا كانت معها صورة جنسية هي الجسمية يتكون منهما الجسم فهذا الجسم نعده‬
‫هيولى ثانية تكون معها صورة نوعية كالنماء فيتكون منهما الجسم النامي والجسم النامي نعده هيولى ثالثة تكون‬
‫معها صورة نوعية هي كالتحرك باإلرادة فيتكون منهما جسم نامي متحرك باإلرادة وهو الحيوان والحيوان هيولى‬
‫رابعة تكون معها صورة نوعية كالنطق ويتكون منهما حيوان ناطق ‪ ،‬فهذه الصور كلها صور جوهرية واإلنسان‬
‫ال يزال كليا لم يتحول إلى جزئيات ‪ ،‬فإذا كانت معه صورة اللون والهيئة والمكان والزمان وغيرها صارت عبارة‬
‫عن جزئيات كزيد وعمرو وهذه الصور تسمى بالصور العرضية هذا عند الفالسفة أما المتكلمون فهم يعدون‬
‫الصورة الجنسية هي عين الصورة الجسمية أما الصور األخرى فهي كلها صور عرضية عندهم‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫صُد ُق َعَلى ُحُلول اَْل َب َياض في اَْلج ْسم َو ُحلُول‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫طاة َف َال َي َ‬
‫صاص ص َّحةُ َح ْمله ُم َوا َ‬
‫َوَيتج ُه َعَل ْيه أَن ُه إ ْن أُر َيد ب َه َذا اَال ْخت َ‬
‫طراف ومثل اَ ْألُب َّوة في محالها والصورة في اَْلهيولى واْلجسم اَلتَّعليمي في اَْلجسم اَ َّ‬
‫لطبيعي ‪ ،‬أ َْو َح ْمله َوَل ْو‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫ََ َ َ‬ ‫ُ‬ ‫اَ ْألَ ْ َ َ‬
‫صاحبه َواْل َم ْع ُروض بالن ْس َبة إَلى‬
‫ورة َواْل َمال بالن ْس َبة إَلى َ‬
‫لهيولى بالن ْس َبة إَلى اَلص َ‬
‫صد ُق َعَلى اَ َ‬
‫طة ُذو َف َي ُ‬
‫ب َواس َ‬
‫ضه ‪.‬‬‫َعار َ‬
‫(ويتجه) إشكال (عليه) أي على تفسير الحلول باالختصاص الناعت وهو ( أنه إن أريد بهذا االختصاص‬
‫إشكال على تفسير الحلول في تعريف الهيولى‬

‫صحة حمله) أي حمل النعت على المنعوت (مواطاة) وبال واسطة (فــ) حينئذ ال يكون التعريف جامعا ألنه (ال‬
‫يصدق على حلول البياض في الجسم) مثال فال يقال "الجسم بياض" بحمل المواطاة بل " الجسم ذو بياض"‬
‫بحمل ذي هو أو "الجسم أبيض" بحمل االشتقاق‪( ،‬و) ال يصدق التعريف على (حلول األطراف) التي هي‬
‫الطول والعرض والعمق في محالها بالحمل فإن الطول امتداد يحل في السطح الجوهري والعرض امتداد يحل‬
‫في الجسم التعليمي والعمق امتداد يحل في الجسم الطبيعي ‪ ،‬وال يمكن حمل كل منها على محالها فال يقال إن‬
‫" السطح الجوهري طول " بل ذو طول أو طويل وكذلك في حمل العرض والعمق على الجسم التعليمي‬
‫والطبيعي (و) كذلك ال يصدق على (مثل األبوة) واألخوة (في محالها) فال يقال "زيد أبوة" بل "زيد ذو أبوة" أو‬
‫"زيد أب" (و) كذلك ال يصدق على حمل (الصورة في الهيولى) فال يقال "الهيولى صورة" بل "الهيولى ذو صورة"‬
‫أو "الهيولى مصورة" (و) كذلك ال يصدق على حمل (الجسم التعليمي) وهو االمتداد الحاصل من تركب‬
‫الطول والعرض والعمق (في الجسم الطبيعي) فال يقال "الجسم الطبيعي جسم تعليمي" بل ذو جسم تعليمي‬
‫وعلى كل ال يكون التعريف جامعا (أو) كان المراد من الحلول صحة (حمله) أي النعت على المنعوت مطلقا‬
‫(ولو) بحمل المواطاة أو (بواسطة ذو) أو باالشتقاق (فــ) حينئذ يكون التعريف جامعا إال أنه ال يكون مانعا ألنه‬
‫(يصدق على الهيولى بالنسبة إلى الصورة) ألنه وإن لم يصدق حمل الهيولى على الصورة بالمواطاة يصدق‬
‫حملها على الصورة بذي هو فيقال "الصورة ذات هيولى" مع أن الهيولى لم تحل في الصورة بل الصورة هي‬
‫الحالة فيها (و) يصدق التعريف على حمل (المال بالنسبة إلى صاحبه) فيقال مثال "زيد ذو مال" أو "زيد متمول"‬
‫مع أن المال لم يحل في زيد (و) على حمل (المعروض بالنسبة إلى عارضه) فيقال مثال "البياض ذو جسم"‬
‫مع أن الجسم لم يحل في البياض بل العكس هو الصحيح ‪ ،‬وعلى كل ال يكون تعريف الصورة مانعا‪.‬‬

‫‪45‬‬
‫صوص بُدون‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َواْل َج َو ُ َّ‬
‫صاص َع َد ُم تَ َحقق اَلن ْعت اَْل َم ْخ ُ‬ ‫اب أَنا َن ْختَ ُار اَلش َّق الثاني َوَنُقول اَْل ُم ْعتََب ُر في َذل َك اَال ْخت َ‬
‫يب لل َّن ْعت َلكن َع َد ُم تُ َحققه في اَْل َهيولى‬ ‫لس َب ُب اَْلَقر ُ‬ ‫َن اَْلم َرَاد ب َّ‬
‫الناعت اَ َّ‬ ‫اب بأ َّ ُ‬ ‫صوص‪َ ،‬وَق ْد ُي َج ُ‬ ‫اَْل َم ْن ُعوت اَْل َم ْخ ُ‬
‫ْ‬
‫َواْل َم ْع ُروض ُم ْحتَاج إَلى اَْل َب َيان‪.‬‬

‫(والجواب) أي جواب الحكماء على عدم مانعية التعريف (أنا نختار الشق الثَّاني) وهو أن الحمل عام بالنسبة‬
‫الجواب عن عدم مانعية تعريف الهيولى‬

‫إلى حمل المواطاة وحمل ذي هو وحمل االشتقاق (و) ال يكون التعريف غير مانع ألنا (نقول المعتبر في ذلك‬
‫االختصاص) حلول يكون بمعنى (عدم تحقق النعت المخصوص بدون المنعوت المخصوص) وحينئذ يخرج‬
‫حمل الهيولى على الصورة ألن الهيولى تتحقق بدون الصورة المخصوصة ويخرج كذلك المعروض ألنه يتحقق‬
‫من دون عارضه المخصوص فالماء مثال هيولى مخصوصة ال تشترط فيه صورة المائية المخصوصة بل‬
‫يصح أن يصبح بخا ار بتغيير صورته المائية إلى الصورة البخارية فالمشترط فيها صورة نوعية فقط وهو الجسمية‬
‫وكذلك المال ال يشترط فيه صاحب مخصوص بل يصح أن يتغير صاحبه ‪ ،‬فبقيد المخصوص تخرج هذه‬
‫األمور من تعريف الحلول ويكون تعريف الصورة مانعا كما كان جامعا ‪( ،‬وقد يجاب) عن تفسير الحلول‬
‫باالختصاص الناعت (بأن المراد بالناعت) في قولهم " االختصاص الناعت" هو (السبب القريب للنعت) ففي‬
‫العارض والمعروض السبب القريب التصاف الجسم بالبياض هو البياض وفي األبوة السبب القريب التصاف‬
‫زيد باألبوة هو األبوة وفي الهيولى والصورة السبب القريب التصاف الهيولى بالصورة هو الصورة وكذلك السبب‬
‫القريب التصاف الجسم الطبيعي بالجسم التعليمي هو الجسم التعليمي وحينئذ يصح الحمل فيها (لكن عدم‬
‫تحققه في الهيولى والمعروض) بالنسبة إلى الصورة والعارض (محتاج إلى البيان) فإنه كما تعد الصورة مثال‬
‫السبب القريب التصاف الهيولى بها فكذلك الهيولى هي السبب القريب التصاف الصورة بها وكذلك المعروض‬
‫بالنسبة لعارضه وألن هذا الجواب ال يدفع عدم مانعية التعريف قال ‪ " :‬قد يجاب " إشارة إلى ضعفه‪.‬‬

‫‪46‬‬
‫حواشي ابن الباساوي المتعلقة بالجسم والهيولى والصورة‬
‫قوله ( من حيث هو جسم ) قيد الحيثية هنا لإلطالق على أي نظائره مما أدخل فيه على نفس الشيء من‬
‫الماهية من حيث هي هي وألن التعليل ال يصح ألن الجسمية ال يقتضي التركيب من جزئين يحل أحدهما في‬
‫اآلخر كيف واألجسام عند المتكلمين وبعض الحكماء ليست مركبة من جزئين والتقييد ال يجدر أزيد من اإلطالق‬
‫مع كونه خالف الظاهر‪ ،‬قوله‪( :‬وإال فاألفراد الشخصية) يعني وإن لم يكن المراد بالجسم المعرف الجسم من‬
‫حيث هو هو بل كان المراد به الجسم المتحقق في ضمن األفراد الشخصية فحصر أجزائه في الهيولى والصورة‬
‫باطل إذ األفراد الشخصية لها أجزاء إلخ ‪ ،‬فعبارته صريحة في أن اعتبار الحيثية ناظرة إلى أفراد الجسم لكن‬
‫قيل ‪ :‬إن الصورة النوعية مثال لألفراد إنما هو بواسطة األنواع فكان األولى كون اإلطالق نظ ار إلى األنواع‬
‫انتهى وفيه تأمل ‪ ،‬قوله‪ ( :‬لها أجزاء غيرهما إلخ) والحق أن إثبات الصور الجوهرية سيما النوعية عسير جدا‬
‫وأن الذي نعلمه قطعا هو أن الماء والنار مثال مختلفان بالحقيقة مع االشتراك في الجسمية وأما أن في كل‬
‫منها جوه ار ال يختلف بالحقيقة هو الهيولى وآخر كذلك هو الصورة الجسمية وآخر مختلفة الحقيقة هو الصورة‬
‫النوعية التي غير النفس الناطقة في االنسان فلم يثبت بعد كذا نقله بعض المحققين‪ ،‬قوله‪ ( :‬كالصورة النوعية)‬
‫فإن هم قالوا كما أن الصورة الجسمية جزء للجسم والزمة للهيولى كذلك الصورة النوعية جزء آخر للجسم وهي‬
‫جوهر بحسبها يتنوع الجسم أنواعا‪ ،‬واستدلوا على جزئيتها من الجسم بأن األجسام مختلفة باآلثار الالزمة كعدم‬
‫قبول االنفكاك في الفلكيات وقبولها بسهولة في الماء وبعسر في الحجر فال بد أن يكون ذلك ألمر ثابت لبعض‬
‫دون بعض ويجب أن يكون الزما ليمكن استناد ما هو الزم إليه وال سبيل ألن يكون خارجا عن الجسم ألنه‬
‫حينئذ يحتاج إلى أمر مختص يستند هو إليه فيلزم التسلسل فال بد أن يكون جزء منه ‪ ،‬قوله‪ ( :‬والمزاج) وهي‬
‫الكيفية المتشابهة المتوسطة بين الكيفيات المتضادة بناء على كونها جزءا عرضيا من المعاجين وفيه تأمل ‪،‬‬
‫قوله‪ ( :‬وهي الجوهر المحل) وهو قابل لالتصال واالنفصال باق في الحالتين ألن القابل يبقى مع المقبول‬
‫ونفسه ليس بواحد وال كثير وال متصل بل وحدته واتصاله بحلول الصورة االتصالية فيه وكثرته وانفصاله بطريان‬
‫االنفصال عليه فهو قبل ورود االنفصال واحد متصل بالصورة الواحدة الحالة فيه وبعده متكثر بالصور المتعددة‬
‫الحالة فيه ‪ ،‬قوله‪( :‬حلول األطراف) اي النقطة والخط والسطح فإن النقطة طرف الخط والخط طرف السطح‬
‫والسطح وطرف الجسم التعليمي وكل منها حال فيما أضيف إليه فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬في الجسم الطبيعي) الذي‬
‫يقول بها الفالسفة فإنهم قالوا بأن الجسم الطبيعي هو الجوهر القابل لألبعاد الثالثة المختلفة بتبدل المقادير‬

‫‪47‬‬
‫وهي الطول والعرض والعمق والجسم التعليمي عرض يقبل القسمة الوهمية في الطول والعرض والعمق وبالجملة‬
‫الجسم الطبيعي جوهر متحيز بذاته والجسم التعليمي كمية قائمة به وتسمى األول طبيعيا ألنه يبحث عنه في‬
‫الحكمة الطبيعية والثَّاني تعليميا ألنه يبحث عنه في العلوم التعليمية التي هي الرياضية فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬النعت‬
‫المخصوص) فحينئذ يخرج الهيولى بالنسبة إلى الصورة إذ الهيولى المخصوصة يتحقق بدون الصورة‬
‫المخصوصة والمال بالنسبة إلى صاحبه إذ المال المخصوص يتحقق بدون الصاحب المخصوص والمعروض‬
‫بالنسبة إلى عارضه فإن المعروض المخصوص يتحقق بدون العارض المخصوص فافهم ‪ ،‬قوله في الحاشية‬
‫(إشارة إلى دفع النقض إلخ ) لعل هذه الحاشية موضوعة على قوله قدس سره بحسب الخارج إذ به يشار إلى‬
‫دفع النقض المذكور وحاصل الدفع بقيد بحسب الخارج هو أن المراد بتركيبه من الهيولى والصورة التركيب‬
‫بحسب الخارج ال مطلقا وال التركيب بحسب الذهن حتى يرد أنه مركب من الجنس والفصل ألنهما أجزاء ذهنية‬
‫ال خارجية فوضعها على قيد الحيثية كما هو المصنوع في الطبع وقع سهوا من النساخ إذ ال دخل لدفع النقض‬
‫المذكور بقوله من حيث هو جسم فليتأمل‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫صر ‪ :‬اَْل َج ْو َه ُر‬
‫ام اَْل َج ْو َهر َخ ْم َسة ) َو ُه َو َم ْذ َه ُب اَْل َم َشائيين َو ُه ْم َقاُلوا في َو ْجه اَْل َح ْ‬ ‫( فـ ـ) ُع َلم م َّما َذكرَنا أ َّ‬
‫َن ( أَْق َس َ‬
‫ورة أ َْو َم َح ًّال َف َم َّادة أ َْو َم ْرَكبا م ْن ُه َما َفجسم َوإ َّال فإن تَ َعَّل َق بالجسم تعل َق التدبير والتصرف‬ ‫صَ‬ ‫ان في َم َحل َف ُ‬ ‫إ َّن َك َ‬
‫من جوهرين يحل‬ ‫مركب ْ‬ ‫استبعاد في وجود جوهر غير جسماني َّ‬ ‫َ‬ ‫رض عليه بأن ُه ال‬ ‫ولما اعتُ َ‬ ‫فنفس وإال فعقل َّ‬
‫وقي َد الجسم في قولهم أو َّ‬
‫مركب منهما فجسم بقوله‬ ‫وجه الحصر تارة َّ‬
‫غي َر َ‬
‫وليس هنا ما ينفيه َّ‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫أحده ُما في اآلخر َ‬
‫ُ‬
‫‪( :‬باالستقراء) أُخرى ‪.‬‬
‫(فـ ُعل َم مما ذكرنا أن أقسام الجوهر خمسة وهو مذهب المشائيين وهم قالوا في وجه الحصر‪ :‬الجوهر إن كان)‬
‫حاال (في محل) ويكون بحيث ال يتحقق بخصوصه من دون محله المخصوص (فــ) هو (صورة أو) كان‬
‫أقسام الجوهر خمسة باالستقراء‬

‫الجوهر (محال) لجوهر آخر بحيث ال يتحقق الجوهر اآلخر بدونه (فــ) هو (مادة) وهيولى ( أو) كان الجوهر‬
‫(مركبا منهما) أي من جوهر حال وآخر محل (فـ) هو (جسم وإال) أي وإن لم يكن الجوهر حاال وال محال وال‬
‫مركبا منهما فحينئذ ننظر إلى هذا الجوهر (فان تعلق بالجسم تعلق التدبير والتصرف فـ) هو (نفس وإال) أي‬
‫وإن لم يكن متعلقا بالجسم تعلق التدبير والتصرف بل كان تعلقه باإليجاد والتأثير (فـ) هو (عقل) ‪( ،‬ولما‬
‫اعترض عليه) أي على دليل المشائين (بأنه ال استبعاد) في القسم الثَّالث منها ‪ -‬وهو الجوهر المركب من‬
‫جوهرين حال ومحل (في وجود جوهر غير جسماني مركب من جوهرين يحل أحدهما في اآلخر وليس هنا ما‬

‫ينفيه) وحينئذ ال يكون الحصر في الخمسة عقليا ‪ ،‬فأجاب الشارح بأنه قد ( ُغي َر ُ‬
‫وجه الحصر تارة) من قبل‬
‫إما مقوم لمحله فهو الصورة ‪،‬‬
‫الحكماء فقالوا‪ :‬الممكن الموجود إما حال في محل أو غير حال فيه ‪ ،‬والحال َّ‬
‫أو غير مقوم لمحله بل المحل هو المقوم له فهو العرض ‪ ،‬وغير الحال إ َّما متحيز في المكان فهو الجسم ‪ ،‬أو‬
‫إما أن‬
‫جزء من المتحيز فهو المادة و الهيولى ‪ ،‬أو ليس بمتحيز وال جزء من المتحيز فهو أيضا قسان ألنه َّ‬
‫يكون مدب ار للبدن فهو النفس أو جزء النفس وإما ال يكون مدب ار للبدن فهو العقل أو جزء العقل ‪ ،‬وهذا الحصر‬
‫مفيد ألن الجسم فيه ُفسر بالمتحيز في المكان وهو يشمل الجوهر غير الجسماني المركب من جوهرين ‪(،‬وُقي َد‬
‫الجسم في قولهم أو مركب منهما فجسم بقوله‪ :‬باالستقراء) تارة (أخرى) أن الحكماء أبقوا على وجه الحصر ولم‬
‫ُ‬
‫يغيروه ولكنهم أضافوا قيد " االستقراء" في القسم الثَّالث فقالوا ‪ :‬إن المركب من الحال والمحل جسم باالستقراء‬
‫فكأنهم فتشوا ولم يجدوا جوه ار مركبا إال وهو جسم ‪ ،‬وقيد االستقراء يفيد أن هذا القسم ال ينافي وجود جوهر‬
‫مركب من جوهرين حال ومحل وهو غير جسماني في نفس األمر والواقع وإن لم نكن نعلمه‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫صار اَلشق اَ ْألَخير في اَْل َعْقل‬ ‫ال م ْن أَن ُه ْم َال َيُقولُو َن باال ْستْق َراء ُه َنا َففيه أَن ُه َال ُبَّد م ْن اَْلَق ْول به في ا ْنح َ‬ ‫َو َما ُيَق ُ‬
‫َن‬‫آخ َر َفْل َيُقل به فيه أ َْيضا ‪َ ،‬وَال َي ْب ُعُد اَْلَق ْو ُل بأ َّ‬ ‫ل َج َواز َكون اَْل َج ْو َهر اَْل َغ ْير اَْل ُم َدبر ُج ْزَء اَْل َعْقل أ َْو اَ َّلنْفس أ َْو َج ْو َه ار َ‬
‫َّ‬
‫اال ُت ‪َ ،‬بقي أََّن ُه ْم َقاُلوا ب ُو ُجود‬
‫َ‬ ‫اهة أ َْو اَْلُب ْرَهان َف َال َيْق َد ُح فيه َهذه اَال ْحت َم َ‬ ‫اَْل َمْقس َم اَْل َج ْو َه ُر اَلذي تَ َحَّق َق ُو ُج ُ‬
‫ودهُ باْل َب َد َ‬
‫ال بُد ُخوله تَ ْح َت اَْل َعْقل َم َع‬ ‫َن ُيَق َ‬ ‫صرف في اَ ْأل َْب َدان َم َع ُخ ُروجه َع ْن اَْل َخ ْم َسة إ َّال أ ْ‬ ‫َّ‬
‫اَْلجن َوأَن َها أ َْرَواح ُم َج َّرَدة َل َها تَ َ‬
‫ص َرهُ في اَْل َع َش َرة َيأ َْباهُ ‪.‬‬ ‫َن َح ْ‬ ‫أ َّ‬
‫(وما يقال) اعتراضا على الجواب الثَّاني وهو تقييد الجسم باالستقراء (من أنهم) أي الحكماء (ال يقولون‬
‫وجوب القول باالستقراء في تقسيم الجوهر وانتقاض التقسيم بالجن‬

‫باالستقراء هنا) أي في أقسام الجوهر (ففيه) نظر لــ( أنه ال بد من القول به في انحصار الشق األخير في‬
‫العقل) وهو قوله "وإال فعقل" (لجواز كون الجوهر الغير المدبر جزء العقل) وال يكون هو العقل (أو) يكون‬
‫الجوهر الغير المدبر جزء (النفس) وال يكون نفسا (أو) يكون الجوهر الغير المدبر (جوه ار آخر) لكننا ال نعلمه‬
‫(فليقل به) أي باالستقراء (فيه) أي في الشق األخير (أيضا) كما يقال في الشق الثَّالث ‪( ،‬وال يبعد القول) في‬
‫الجواب عن اعتراضهم على وجه الحصر (بأن المقسم) المحصور في أقسامه الخمسة هو (الجوهر الذي تحقق‬
‫إما (بالبداهة) ‪ -‬فيشمل الجوهر حينئذ الجسم والنفس فكل إنسان يعلم وجود نفسه ووجود األجسام حوله‬
‫وجوده) َّ‬
‫بالبداهة (أو ) بالدليل و (البرهان) فيشمل الهيولى والصورة والعقل ألن إثبات كل منها يفتقر إلى دليل وبرهان‬
‫‪( ،‬فــ) إذا كان الحصر بهذا الوجه (ال يقدح فيه هذه االحتماالت ) وهي احتمال انتقاضه بجوهر مركب غير‬
‫جسماني ‪ ،‬أو بجوهر غير مدبر إذ ال دليل على إثباتهما ‪( ،‬بقي) اعتراض آخر وهو (أنهم) أي الحكماء‬
‫المشائين (قالوا بوجود الجن وأنها أرواح مجردة) عن المادة (لها تصرف في األبدان) اإلنسانية بالوسوسة والمس‬
‫وسائر الشرور (مع خروجه) أي الجن الموصوف بهذه الصفات (عن) األقسام (الخمسة) للجوهر فال يشملها‬
‫تعاريفها (إال أن يقال بدخوله تحت العقل) فيجوز أن يكون الجن جوه ار مجردا متعلقا بالبدن تعلق التدبير‬
‫والتصرف بالوسوسة وإنزال الشرور لكن يمنع دخوله في تعريف العقل (مع) جوازه لــ( أن حصره) أي العقل‬
‫(في العشرة يأباه) أي يأبى إدخاله في تعريف العقل وذلك ألن الجن له أف ارد كثيرة غير منحصرة كما العقول‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫جرد َم ْو ُجود في‬ ‫ام اَْل َج ْو َهر أ َْرَب َعة اَْل َعْق ُل َوالنَّْف ُس َواْل َم َكا ُن َو ُه َو ع ْن َد ُه ْم ُب ْعد ُم َّ‬ ‫َما اَ ْالَ َش َراقيو ْن َف َذ َهُبوا إَلى أ َّ‬
‫َن أَْق َس َ‬ ‫َوأ َّ‬
‫ور َوَيج ُب َك ْوُن ُه َج ْو َه ار لق َيامه ب َذاته َوتََو ُارد اَْل ُم ْمك َنات َعَل ْيه َوَل ْو باْلُق َّوة ُمتََوسط َب ْي َن َعاَلمي‬ ‫ط ا‬‫ون ُه ُب ْعدا َمْف ُ‬
‫اَْل َخارج ُي َسم َ‬
‫َن اَْلج ْس َم َل ْي َس َم ْرَكبا م ْن اَْل َهيولى‬ ‫َج َسام ‪َ ،‬واْلج ْس ُم َو ُه َو َج ْو َهر َو َح َداني ُمتَ َحيز ب َذاته َوأ َّ‬ ‫اَْل َج َواهر اَْل ُم َج َّرَدة َو ْاأل ْ‬
‫َع َراض َي ْمتَ ُاز ب َها أ َْن َواعُ اَْلج ْسم َوالثَّاني ُة‬ ‫َّ‬
‫ورة اَ َّلن ْوعيَّة اَلتي ه َي أ ْ‬
‫ورة َب ْل اَ ْألُوَلى َنْف َس اَْلج ْسم م ْن َح ْي ُث َقُبوُل ُه للص َ‬ ‫َوالص َ‬
‫اض ‪.‬‬ ‫َع َر ُ‬ ‫تْل َك اَ ْأل ْ‬

‫(وأما االشراقيون فذهبوا إلى أن أقسام الجوهر أربعة العقل والنفس والمكان وهو عندهم بعد ُم َّ‬
‫جرد موجود في‬
‫مذهب االشراقيين في تقسيم الجوهر‬

‫الخارج) بوجود محقق عندهم (يسمونه بعدا مفطورا) أي مخلوقا بواسطة العقل الفعال أو المفطور بمعنى‬
‫المشقوق بمعنى أنه بعد مشقوق ومجعول فيه العالم ‪( ،‬ويجب كونه) أي المكان (جوه ار لـ) دليل هو (قيامه‬
‫بذاته) فال يحتاج إلى محل مقوم (وتوارد الممكنات عليه) وألجل أن المكان يقوم بذاته وال يحصل فيه أي تغيير‬
‫عند توارد الممكنات عليه حكمنا بأنه جوهر ‪ ،‬وإنما ذكر قيد ( ولو بالقوة ) حتى يشمل توارد الممكنات التي لم‬
‫عد وجودها ‪ ،‬ثم إن هذا البعد ‪-‬المسمى بالمكان‪( -‬متوسط) فال هو‬
‫عد وتتوارد على المكان َب َ‬
‫يتحقق وجودها َب ُ‬
‫كالمجردات في عدم قبول اإلشارة إليها وال هو كاألجسام في قبولها لإلشارة بل هو ( بين عالمي الجواهر‬
‫المجردة واالجسام) وهذ ا ينافي تعريفه سابقا بالبعد المجرد عن المادة إال أن يقال ‪ :‬إن التجرد في التعريف‬
‫بمعنى أننا نالحظ ذلك البعد مجردا وإن كان في نفسه متوسطا بين العالمين كما ذكرنا‪( ،‬و) القسم الرابع من‬
‫أقسام الجوهر عند االشراقيين هو (الجسم وهو) عندهم (جوهر وحداني) بمعنى أنه غير مركب من الهيولى‬
‫والصورة وال من أجزاء ال تتج أز بل هو جوهر واحد (متحيز بذاته) في المكان (و) قد حكموا بـ(أن الجسم ليس‬
‫مركبا من الهيولي والصورة ) كما يقول المشاؤون (بل األولى) وهي الهيولى (نفس الجسم من حيث قبوله‬
‫للصورة النوعية) كالصورة اإلنسانية والفرسية وغيرها (التي هي أعراض يمتاز بها أنواع الجسم والثَّانية) وهي‬
‫الصورة (تلك األعراض) التي يمتاز بها أنواع الجسم‪.‬‬

‫‪51‬‬
‫َّ‬
‫َما اَْل ُمتَ َكل ُمو َن َفَقاُلوا اَْل َج ْو َه ُر إن ا ْنَق َس َم َفج ْسم َوإال َف َج ْو َهر َف ْرد ‪َ ،‬و َم ْب َنى َنْفي اَْل َهيولى َوالص َ‬
‫ورة َعَلى َنْفي اَْل ُكلي‬ ‫َوأ َّ‬
‫لطبيعي في اَْل َخارج ‪.‬‬ ‫اَ َّ‬

‫(وأما المتكلمون فـ) إنهم قسموا الجوهر إلى قسمين (قالوا الجوهر إن انقسم فجسم) سواء كانت القسمة في الطول‬
‫فقط أو في الطول والعرض أو في الطول والعرض والعمق‪( ،‬وإال) بأن لم يقبل القسمة (فـ) هو (جوهر فرد)‬
‫مذهب المتكلمين في تعريف الجوهر ومبنى نفي الهيولى والصورة عندهم‬

‫وعلى هذا تتحقق الجسمية بجوهرين فردين إذ بهما تتحقق الطولية ‪ ،‬وهم أنكروا وجود العقل لعدم قولهم‬
‫بالمجردات ‪ ،‬وأنكروا الهيولى والصورة وقالوا بتركيب الجسم من أجزاء ال تتج أز هي الجواهر الفردة وسبب نفيهم‬
‫للهيولى والصورة ما يأتي ُب َعيد هذا ‪ ،‬أما النفس فإن المتكلمين ينكرون النفوس الفلكية ‪ ،‬وحركات األفالك عندهم‬
‫قسرية ال إرادية ويعدون النفوس اإلنسانية أجساما لطيفة وخالف بعضهم كالغزالي رحمه هللا فعدوها جواهر‬
‫مجردة كالمشائيين (ومبنى نفي الهيولى والصورة) عند المتكلمين (على نفي الكلي الطبيعي في الخارج) وال بد‬
‫قبل بيان ذلك من تقديم مقدمة وهي أن الكلي ثالثة أقسام فإن أريد به ‪ :‬ما يجوز العقل صدقه على كثيرين‬
‫فهو الكلي المنطقي ‪ ،‬وإن أريد بالكلي ما يعرض عليه مفهوم الكلي المنطقي فهو الكلي الطبيعي كاإلنسان‬
‫والفرس وغيرها فهي أمور يعرض عليها الكلي المنطقي فيقال ‪ " :‬اإلنسان كلي " و "الفرس كلي" وهو القسم‬
‫الثَّاني‪ ،‬وإن أريد بالكلي المجموع المركب من المعروض وعارضه فهو الكلي العقلي كمجموع اإلنسان مع قيد‬
‫الكلي وهو القسم الثَّالث من أقسام الكلي ‪ ،‬ثم ال خالف في عدم وجود الكلي المنطقي والعقلي في الخارج‬
‫إما تكون‬
‫ولكنهم اختلفوا في وجود الكلي الطبيعي وقبل أن نذكر الخالف البد من معرفة أن الكلي الطبيعي َّ‬
‫أفراده متحققة في الخارج كاإلنسان كلي طبيعي له أفراد محققة في الخارج كزيد وعمرو أو ال أفراد محققة له‬
‫في الخارج كالعنقاء فإنه كلي طبيعي ال أفراد له في الخارج ‪ ،‬والذي له أفراد محققة في الخارج أيضا قسمان‬
‫إما ذاتي بأن يكون جزءا من ماهية أفراده كاإلنسان بالنسبة إلى زيد وعمرو ‪ ،‬وإما عرضي ال يكون جزءا‬
‫ألنه َّ‬
‫من ماهية أفراده كالضاحك بالنسبة إلى زيد وعمرو ‪ ،‬والخالف بينهم في وجود الكلي الطبيعي في الخارج إنما‬
‫هو فيما له أفراد محققة في الخارج وهو ذاتي لتلك األفراد ‪ ،‬ألن غير ما له أفراد محققة في الخارج كالعنقاء ال‬
‫وجود له في الخارج اتفاقا ‪ ،‬وكذلك ما ال يكون جزءا من ماهية أفراده كالضاحك ال وجود له في الخارج اتفاقا‬
‫واالحتماالت ثالث فإما أن الكلي الطبيعي موجود في الخارج بوجود مستقل عن وجود أفراده الخارجية وال قائل‬
‫به ‪ ،‬أو أن الكلي الطبيعي منتف في الخارج والموجود في الخارج أفراده فقط وهو مذهب اإلشراقيين والمتكلمين‬

‫‪52‬‬
‫لشي ُء إ َّن أُخ َذ ب َش ْرط َال‬ ‫َن اَلتَّ َغ ُاير َب ْي َنهما وَب ْي َن اَْلج ْنس واْلَفصل ا ْعت َباري إ ْذ ما به يتقوم ا َّ‬ ‫َب ْل اَ َّلن ْف َيان ُمتَّح َدان أل َّ‬
‫َ ُْ ُ َ ْ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َُ َ‬
‫ان ُج ْزءا ذ ْهنيًّا َم ْح ُموال َو ُه َو اَ ْألَخ َيران‬
‫ان ُج ْزءا َخارجيًّا َغ ْي َر َم ْح ُمول َو ُه َو اَ ْألُوَل َيان ‪ ،‬أ َْو َال ب َش ْرط َش ْيء َك َ‬
‫َش ْيء َك َ‬
‫أو أن الكلي الطبيعي موجود في الخارج ولكن بوجود أفراده ال باالستقالل وهذا مذهب المشائين وهم يقولون‪:‬‬
‫توجيه نفي الكلي الطبيعي‬

‫بما أن الكلي الطبيعي جزء من ماهية أفراده الموجودة في الخارج فيكون هذا الكلي موجودا في الخارج تبعا لتلك‬
‫األفراد ‪ ،‬فإن قلنا بمذهب المشائين وقلنا إن الكلي الطبيعي موجود في الخارج بوجود أفراده فوجب أن نقول‬
‫بوجود الهيولى والصورة في الخارج ألن الكلي الطبيعي كاإلنسان يتركب من الجنس والفصل بحسب الذهن‬
‫وهما عين الهيولى والصورة بحسب الخارج وإذا قلنا بعدم وجود الهيولى والصورة في الخارج وجب أن ننفي‬
‫وجود الكلي الطبيعي فيه ولذلك قال ‪ " :‬ومبنى نفي الهيولى والصورة على نفي الكلي الطبيعي في الخارج " ‪،‬‬
‫( بل النفيان متحدان) فال ثنائية أصال بين المبنى والمبنى عليه (ألن التغاير بينهما) أي بين الهيولى والصورة‬
‫( وبين الجنس والفصل اعتباري) ‪ ،‬ألن ما يسمى جنسا في الذهن هو ما يسمى بالهيولى في الخارج وكذلك ما‬
‫يسمى فصال في الذهن هو الصورة في الخارج ‪( ،‬إذ ما به يتقوم الشيء) وهو الكلي الطبيعي ‪ -‬الذي يكون‬
‫جزءا مقوما لماهية الشيء كالحيوان والناطق اللذان هما جزءان مقومان لماهية اإلنسان (إن أخذ بشرط الشيء)‬
‫كأخذ الحيوان وحده بشرط عدم أخذ الناطق معه وكأخذ الناطق وحده بشرط عدم أخذ الحيوان معه ؛ (كان جزءا‬
‫خارجيا) لماهية مقومه (غير محمول) على ماهية مقومه لعدم صحة حمل الجزء الخارجي على ما يقومه فال‬
‫يقال " اإلنسان حيوان" أو ناطق بجعل الحيوان وكذلك الناطق جزءا خارجيا لإلنسان كما ال يحمل اليد الذي‬
‫هو جزء خارجي لزيد عليه فال يقال " زيد يد " ‪( ،‬وهو األوليان) أي‪ :‬أن الحيوان الذي هو كلي طبيعي بشرط‬
‫ال شيء هو الهيولى الخارجية وأن الناطق الذي هو كلي طبيعي بشرط ال شيء هو الصورة الخارجية ‪( ،‬أو)‬
‫أخذ الكلي الطبيعي (ال بشرط شيء) كأخذ الحيوان مطلقا بعدم مالحظة وجود الناطق وال عدم وجوده معه ‪،‬‬
‫وكأخذ الناطق مطلقا بعدم مالحظة وجود الحيوان وال عدم وجوده معه ‪ ،‬فحينئذ (كان) هذا الكلي الطبيعي‬
‫(جزءا ذهنيا) لماهية الشيء كاإلنسان (محموال) هذا الكلي الطبيعي على مقومه فيصح حمل الحيوان والناطق‬
‫على اإلنسان فنقول‪ " :‬اإلنسان حيوان" وكذلك‪" :‬اإلنسان ناطق" ‪( ،‬وهو األخيران) أي‪ :‬أن الكلي الطبيعي الذي‬
‫أخذناه ال بشرط شيء وذكرنا مثاله يكون جنسا وفصال ‪.‬‬

‫‪53‬‬
‫َّ‬
‫صط َالح َف َذ َه َب‬ ‫ط َال ُق اَْل ُج ْزء َعَلى إ ْح َداه َما ُم َج َّرَد ا ْ‬
‫إْ‬ ‫ان ل َشيء َواحد َماهيَّتَان أ َْو َي ُكو ُن‬
‫ْ‬ ‫َوَل ْو تَ َغ َايرَن بالذات َل َك َ‬
‫ال اَْل ُمتَأَخ ُرو َن‪ :‬إ َّن‬ ‫َّ‬
‫َّات‬
‫طة َخارجا ُي ْنتَ َزعُ َع ْن َها اَْل ُكلي ُ‬ ‫اص ُهويَّات َبسي َ‬ ‫اَ ْأل َْش َخ َ‬ ‫اَْل ُمتَ َكل ُمو َن َو َاال َش َراقيو َن إَلى َن ْفيه َحتى َق َ‬
‫ب َح َسب اَلتََّنبه لْل ُم َش َارَكات َواْل ُم َب َ‬
‫اينات‪.‬‬

‫(ولو تغايرَن) الجنس والهيولى من جهة والفصل والصورة من جهة أخرى (بالذات) وليس بمجرد االعتبار كأن‬
‫تكملة التوجيه وبيان اتحاد مذهبي المتكلمين واالشراقيين في كون الكلي الطبيعي أم ار انتزاعيا‬

‫يكون الحيوان الذهني الذي هو جنس مغاي ار بالذات للحيوان الخارجي الذي هو هيولى وكذلك الناطق الذهني‬
‫الذي هو فصل يكون مغاي ار بالذات للناطق الخارجي الذي هو صورة (لكان لشيء واحد) إذا أخذنا جزَئي‬
‫الماهية باعتبار وجودهما الذهني والخارجي معا (ماهيتان) ماهية ذهنية وأخرى خارجية فيكون لإلنسان ماهيتان‬
‫وهو محال (أو يكون إطالق الجزء على إحداهما) أي على الماهية الذهنية (مجرد اصطالح) إن كان المعتبر‬
‫ماهيته الخارجية فقط ‪ ،‬ولئال يلزم هذه اإلشكاالت جعلنا كال من الوجود الذهني والخارجي متغايران باالعتبار‬
‫متحدان بالذات ‪( ،‬فذهب المتكلمون واإلشراقيون إلى نفيه) أي نفي الكلي الطبيعي في الخارج وهو مبني على‬
‫نفيهم الهيولى والصورة كما ذكرنا ‪( ،‬حتى قال المتأخرون) من اإلشراقيين ( إن األشخاص) الخارجية كزيد‬
‫الذهن (عنها) أي عن تلك الهويات الخارجية البسيطة‬
‫ُ‬ ‫وعمرو (هويات بسيطة خارجا) ال أجزاء لها أصال (ينتزع)‬
‫(الكليات بحسب التنبه للمشاركات والمباينات) ‪ ،‬وال يستشكل حمل الكليات الطبيعية ‪ -‬إن قلنا بنفيها ‪ -‬على‬
‫تلك الهويات البسيطة ؛ ألنه حمل بالوجود الرابطي فيقال مثال " زيد حيوان" ال بمعنى أن الحيوانية موجودة في‬
‫الخارج بل بمعنى أن زيد يوجد لها الحيوانية كما يقال زيد أعمى ‪ ،‬واالستشكال إنما يرد إن جعلنا الحمل بالوجود‬
‫المحمولي وقلنا مثال " الحيوان موجود " والحاصل أن الذهن ينتزع مفهوم الكليات من مالحظة ما يشترك فيه‬
‫في الجنس فإنه يالحظ اشتراك زيد وعمرو وخالد في اإلنسانية فينتزع هذا االشتراك منها ويحملها عليها ومن‬
‫مالحظة ما يتباين فيه في الفصل فإنه يالحظ تباين زيد عن الفرس والغزال فينتزع من هذا التباين مفهوم‬
‫الناطقية ويحملها على زيد فيكون "زيد حيوان" في الخارج و "زيد ناطق" في الخارج وال يكون " الحيوان موجودا"‬
‫وال "الناطق موجودا في الخارج" ‪ ،‬فوجود الكليات في الخارج رابطي ال محمولي كما ذكرنا‬

‫‪54‬‬
‫استََدلوا َعَل ْيه بأََّن ُه َل ْو َك َ‬
‫ان َم ْو ُجودا َفإ َّما‬ ‫َع َرضيًّا َو ْ‬ ‫إ َّال أََّن ُه ُي َس َّمى اَْل ُم ْنتَ َزعُ م ْن َها ب َال ُم َال َح َ‬
‫ظة أ َْمر َخارج َذاتيًّا َوب َها‬
‫َن ُك َّل َم ْو ُجود في اَْل َخارج‬ ‫َف َال َيصح اَْل َح ْم ُل َوبأ َّ‬ ‫وم َع ْرض َواحد ب َم َحَّل ْين أ َْو ب ُو ُجود ُم َغاير َل ُه‬ ‫ب ُو ُجود اَْلَف ْرد َف َيُق ُ‬
‫ود أ َْمر ا ْعت َباري َف َال َق َد َح في ق َيامه ب َم َحَّل ْين ‪َ ،‬و َعَلى الثَّاني أََّن ُه م َن‬
‫َن اَْل ُو ُج َ‬‫اهة َوَيتَّج ُه َعَلى اَ ْأل ََّول أ َّ‬
‫ُم ْت َشخص َب َد َ‬
‫لش ْي ُخ في اَ ْإل َش َارات‬ ‫َشار إَل ْيه اَ َّ‬
‫َح َكام اَْل َكاذ َبة لْل َو ْهم َك َما أ َ َ‬
‫اَ ْأل ْ‬
‫( إال أنه) لما أعترض على كون الكلي الطبيعي أم ار انتزاعيا بأنهم جعلوا الكليات على قسمين كلي ذاتي وكلي‬
‫عرض واألوفق بجعل الكلي أم ار انتزاعيا جعلها أم ار واحدا عرضيا ؛ أجاب الشارح بأن الذاتية والعرضية ال‬
‫أدلة على نفي وجود الكلي الطبيعي في الخارج والرد عليها‬

‫تعني الجزئية للماهية بالذات وبالعرض كما يقول المشاؤون بل المقصود أن الكلي إن انتزع من الهوية الخارجية‬
‫من غير مالحظة تلك الهوية الخارجية فـ(يسمى) األمر (المنتزع منها بال مالحظة أمر خارج ذاتيا‪ ،‬و) يسمى‬
‫المنتزع (بها) أي بمالحظته األمر الخارجي (عرضيا) وعليه تصح قسمة الكلي إلى الذاتي والعرضي‬
‫َ‬ ‫ذلك‬
‫(واستدلوا) أي المتكلمون واإلشراقيون (عليه) أي على نفي الكلي الطبيعي في الخارج (بـ) أدلة ‪ ،‬الدليل األول‪:‬‬
‫(أنه) أي الكلي الطبيعي ( لو كان موجودا فإما بوجود الفرد ) كأن يكون الحيوان مثال موجودا بوجود أفراده من‬
‫زيد وعمرو وغيره بمعنى أنهما موجودان بوجود واحد (فـ) حينئذ (يقوم) هذا الوجود الذي هو (عرض واحد‬
‫بمحلين) وهما الكلي وكل من أفراده وذلك مستحيل ألن المحل مقوم للعرض فإن قام العرض بأحد المحلين‬
‫بطل عروضه باآلخر ألنه تحصيل الحاصل ‪ ( ،‬أو بوجود مغاير له ) أي لوجود أفراده (فــ) حينئذ (ال يصح‬
‫الحمل) أي حمل الكلي على تلك األفراد فال يصدق مثال حمل الحيوان على زيد ألن شرط الحمل أن يتحد‬
‫إما الدليل الثَّاني من أدلة نفي الكلي الطبيعي‬
‫الموضوع والمحمول بحسب الذات وقد فرضناهما متغايرين ‪( ،‬و) َّ‬
‫في الخارج ‪ :‬فهو (بأن كل موجود في الخارج متشخص بداهة) فلو كان الكلي الطبيعي موجودا في الخارج‬
‫لكان متشخصا بأن ال يجوز العقل وجود أفراد كثيرين له ولكن الكلي له أفراد في الخارج فثبت كونه غير‬
‫متشخص فال يوجد في الخارج (و) قد رد المشاؤون كال من الدليلين ‪ ،‬فـ(يتجه على األول َّ‬
‫أن الوجود أمر‬
‫اعتباري) وليس عرضا (فال قدح في قيامه بمحلين‪ ،‬و ) يتجه (على الثَّاني) أن المشائين ينكرون الحكم بتشخص‬
‫كل شيء خارجي ويقولون عن هذا الحكم بــ(أنه من األحكام الكاذبة للوهم) فالوهم يقيس الكليات على‬
‫المحسوسات الخارجية ويحكم عليها بأنها متشخصة في الخارج كالمحسوسات وليس له ذلك ألن الحكم على‬
‫األشياء من وظائف العقل ال الوهم (كما أشار إليه الشيخ) الرئيس (في) كتاب (اإلشارات) وحينئذ جاز عقال‬
‫وجود الكليات الطبيعية في الخارج من غير تشخص ‪.‬‬

‫‪55‬‬
‫ين بأََّن ُه ُج ْزُء اَْل َم ْو ُجود في اَْل َخارج َوَيتَّج ُه َب ْع َد تَ ْسليمه أََّن ُه َي ُج ُ‬
‫وز َك ْوُن ُه َجزءا‬ ‫َوَذ َه َب اَْل َم َشائيو َن إَلى ُو ُجوده ُم ْستَدل َ‬
‫ودهُ ‪.‬‬
‫َعْقليًّا َف َال َيْل َزُم م ْن ُو ُجود اَْل ُكل ُو ُج ُ‬

‫(وذهب المشائيون إلى وجوده) أي الكلي الطبيعي في الخارج كما ذكرنا (مستدلين بأنه) أي الكلي الطبيعي‬
‫المشائيون يقولون بالكلي الطبيعي‬

‫(جزء الموجود في الخارج) أي الهوية الخارجية فاإلنسان مثال كلي طبيعي وهو جزء ألفراده الموجودة في الخارج‬
‫فيكون هذا الكلي موجودا في الخارج بوجود تلك األفراد ‪( ،‬ويتجه) عليهم (بعد تسليمه) أي التسليم بكون الكلي‬
‫جزءا بـ(أنه يجوز) وال مانع من (كونه جزءا عقليا) من ماهية أفراده الخارجية (فــ)حينئذ (ال يلزم من وجود الكل)‬
‫من األفراد الخارجية (وجوده) أي وجود جزءها الكلي في الخارج فالمراد بالكل ‪ :‬األفراد الخارجية ألنها كل‬
‫بالنسبة إلى أجزاءه التي هي كليات طبيعية ‪.‬‬

‫‪56‬‬
‫حواشي ابن الباساوي رحمه هللا المتعلقة بخالف العقالء في أقسام الجوهر‪.‬‬

‫قوله‪( :‬وإال فإن تعلق بالجسم) أي وإن لم يكن في محل وال محال وال مركبا منهما ‪ ،‬قوله‪ ( :‬فليقل به فيه ) أي‬
‫فإذا اضطروا بالقول به في انحصار الشق األخير في العقل يجب أن يقولوا به أي باالستقراء فيه أي في ذلك‬
‫الوجه الحصر فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬فال يقدح فيه هذه االحتماالت) أي احتمال جوهر غير جسماني مركب من‬
‫جوهرين يحل أحدهما في اآلخر واحتمال الجوهر الغير المدبر جزء العقل أو النفس أو جوه ار آخر ألن الخروج‬
‫عن األقسام إنما يضر لو تحقق الدخول في المقسم والالزم منتف هنا ‪ ،‬قوله‪ ( :‬وأنها أرواح إلخ) إشارة إلى‬
‫صغرى الشكل الثالث وقوله مع خروجه إشارة إلى كبراه والتقدير الجن داخل في المقسم وهو خارج عن األقسام‬
‫وقوله إال أن يقال إشارة إلى الجواب بمنع الكبرى مستندا بأنه داخل في العقل وقوله مع أن حصره منع للسند‬
‫المساوي فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬بدخوله تحت العقل) فإن المصنف رحمه هللا قال في حواشي شرح تهذيب الكالم إن‬
‫الجن داخل في العقل بعموم المجاز وأما الشياطين فهي القوى المتخيلة االنسانية ثم قال‪ :‬وهذا مذهب جمهور‬
‫الحكماء‪ ،‬قوله‪( :‬واألجسام) التي تقبل اإلشارة الحسية وكونه متوسطا بين هذين الشيئين بأن تقبل اإلشارة بالتبع‬
‫‪ ،‬قوله‪( :‬جوهر وحداني) أي بسيط في نفسه ليس فيه تعدد األجزاء أصال ال من الهيولى والصورة وال من‬
‫األجسام الصغار الصلبة وال من الجواهر الفردة وإنما يقبل االنقسام بذاته بخالف مذهب المشائين فإن قبول‬
‫الجسم لالنقسام عندهم من جهة تركبه من الهيولى والصورة واعترض عليه بأنه لو كان واحدا في نفسه لكانت‬
‫الوحدة على تقدير ورود القسمة عليه منقسمة أيضا ألن الوحدة عارضة له حالة فيه وانقسام المحل يوجب‬
‫انقسام الحال ألن الحال في أحد الجزئين غير الحال في الجزء اآلخر فلم تكن الوحدة وحدة هذا خلف ‪ ،‬ويجاب‬
‫عنه بأن هذا إنما يتم لو كانت الوحدة صفة حقيقية سارية في محلها وليس كذلك بل هي صفة اعتبارية متعلقة‬
‫بمجموع المنقسم من حيث هو مجموع فإذا ورد عليه القسمة زالت الوحدة ‪ ،‬قوله‪( :‬الجوهر إن انقسم) إلى‬
‫الجواهر الفردة وأقله إلى جزئين ‪ ،‬قيل إلى أربعة أجزاء ليتحقق األبعاد الثالثة وقيل إلى ثمانية أجزاء ليتحقق‬
‫التقاطع على زوايا قوائم كما هو المذكور في المبسوطات ‪ ،‬قوله‪ ( :‬إن أخذ بشرط ال شيء) أي ال شيء من‬
‫انضمام فصل إليه داخل فيه يقومه ‪ ،‬قوله ( ال بشرط شيء) أي من انضمام فصل إليه وعدمه بأن أخذ مطلقا‬
‫‪ ،‬قوله‪( :‬لكان لشي واحد ماهيتان) أحدهما المركب من الهيولى والصورة وثانيهما المركب من الجنس والفصل‬
‫‪ ،‬قوله‪( :‬وبها عرضيا) أي بمالحظة أمر خارج عنها ‪ ،‬قوله‪ ( :‬فإما بوجود الفرد إلخ ) إشارة إلى قياس‬
‫استثنائي تقديره لو كان الكلي الطبيعي موجودا بوجود الفرد يلزم قيام عرض واحد بمحلين لكن قيام عرض واحد‬
‫بمحلين باطل ينتج أن كون الكلي الطبيعي موجودا بوجود الفرد باطل أما المالزمة فألن الوجود زائد على‬
‫الماهية عارض لها وأما بطالن التالي فألن حصول عرض واحد بمحلين كحصول الجسم الواحد في مكانين‬
‫في زمان واحد فلو جاز ذلك لجاز هذا وهو ضروري البطالن ‪ ،‬ويرد بوجود الفرق بين الحصولين أال يرى أنه‬

‫‪57‬‬
‫يجوز حلول أعراض متعددة في محل واحد معا وال يجوز اجتماع جسمين في مكان واحد وألن تشخص العرض‬
‫إنما هو بالمحل بمعنى أن محله مستقل بتشخصه فلو قام بمحلين لزم اجتماع العلتين على معلول هو تشخص‬
‫ذلك العرض‪ ،‬قوله‪ ( :‬بوجود مغاير إلخ) إشارة إلى قياس استثنائي آخر تقديره لو كان الكلي الطبيعي موجودا‬
‫بوجود مغاير للفرد يلزم أن ال يصح حمل الكلي الطبيعي على فرده ضرورة تغاير وجوديهما على ذلك التقدير‬
‫لكن التالي باطل ألن الكلي الطبيعي يحمل على فرده فكذا المقدم وهو وجوده بوجود مغاير للفرد ‪ ،‬قوله‪ ( :‬إن‬
‫الوجود أمر اعتباري) إشارة إلى منع مالزمة المقدمة الشرطية من القياس االستثنائي والتقدير أنا ال نسلم المالزمة‬
‫وإنما يلزم هذا لو كان الوجود أم ار حقيقيا وليس كذلك ألنه أمر اعتباري فال يلزم من كون الكلي الطببعي موجودا‬
‫بوجود فرده قيام عرض واحد بمحلين لكن كون الوجود الوجود أم ار اعتباريا إنما هو عند القائلين بأنه زائد على‬
‫الماهية وأما عند من يقول بأنه عين الماهية فليس أم ار اعتباريا بل أمر حقيقي أصيلي فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬كما‬
‫أشار إليه الشيخ) حيث قال ‪ :‬قد يغلب على أوهام الناس أن الموجود هو المحسوس وأن ما ال يناله الحس‬
‫ففرض وجوده محال قوله‪ ( :‬بأنه جزء الموجود) أي وجزء الموجود في الخارج موجود فيه ينتج أن الكلي‬
‫فذكر الصغرى وطوى الكبرى ‪ ،‬قوله‪ ( :‬ويتجه بعد تسليمه) يعني أنه إن أريد أنه‬
‫الطبيعي موجود في الخارج َ‬
‫جزء له في الخارج فممنوع بل هو أول المسألة وإن أريد أنه جزء له في الذهن فال نسلم أن الجزء الذهني‬
‫للموجود الخارجي يجب أن يكون موجودا في الخارج وأجاب عنه المحقق عبد الحكيم بأن الجزء ما يتقوم به‬
‫الشيء وال تعلق له بالخارج والذهن بل يتقوم به الماهية مع قطع النظر عن الوجود والعدم وتحقيقه أنا نعلم‬
‫بالضرورة أن إطالق الحيوان على أشخاصه ليس كإطالق لفظ العين على معانيه وال كإطالق األبيض على‬
‫الجسم حيث يحتاج إلى مالحظة أمر خارج عنه بل نجزم بأنه متقوم به وال نعني بالجزء إال ما يتقوم به الشيء‬
‫وال يمكن تحصيل ماهيته بدونه كالمثلث فإنه ال يتقوم وال يتحصل بدون الخط والسطح مع قطع النظر عن‬
‫وجوده وعدمه وال شك أن ما يتقوم به الموجود يجب أن يكون موجودا والحاصل أنه ال شك أن بعض األشخاص‬
‫يشارك بعضا آخر دون بعض في أمر مع النظر عن الوجود وما يتبعه من العوارض فذلك األمر المشترك‬
‫يتقوم به تلك األشخاص في حد ذاتها وال بد من وجوده أينما وجدت وإال لم تكن متقومة به‪.‬‬

‫‪58‬‬
‫ضوع باْل َم ْع َنى‬
‫ود في َم ْو ُ‬
‫ض ) َو ُه َو اَْل ُم ْمك ُن اَْل َم ْو ُج ُ‬ ‫( ثُ َّم ) َب ْع َد َب َيان اَْل َج ْو َهر َوأَْق َسامه َوتَ َعاريف َها ا ْعَل ْم أ َّ‬
‫َن ( اَْل َع ْر ُ‬
‫لسابق َوا ْكتََفى َع ْن تَ ْعريفه بتَ ْعريف اَْل َج ْو َهر‬ ‫اَ َّ‬

‫(ثم بعد بيان الجوهر وأقسامه وتعاريفها ) شرع في بيان العرض فقال (اعلم أن العرض وهو الممكن الموجود)‬
‫تعريف العرض‬

‫سواء كان موجودا بالوجود المحمولي كقولنا في البياض الذي هو عرض " البياض موجود" أو بالوجود الرابطي‬
‫كقولنا في حمل البياض على الثلج برابطة الوجود " الثلج أبيض" أي ‪ :‬الثلج يوجد له البياض ‪( ،‬في موضوع)‬
‫والمراد موضوع (بالمعنى السابق ) ذكره وهو المحل الذي يكون شرطا لوجود ذلك العرض ‪ ،‬وقوله ‪( :‬واكتفى‬
‫من تعريفه بتعريف الجوهر) يعني أن الماتن لم يعرف العرض الكتفاءه بتعريف الجوهر ألنهما ضدان والشيء‬
‫يعرف بضده فعندما قال إن الجوهر‪ :‬موجود ال في موضوع ‪ ،‬عرفنا أن العرض ‪ :‬موجود في موضوع ‪ ،‬ثم إن‬
‫الضمير " هو " في قوله ‪ " :‬وهو الممكن الموجود " فيه استخدام ألننا نريد بذكر العرض تقسيمه فنأخذ ماهية‬
‫العرض بشرط ال شيء وعند ذكر الضمير نريد تعريفه فنأخذ ماهيته ال بشرط شيء ‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬الجوهر له وجود محمولي فقط كقولنا في زيد "زيد موجود" وليس له وجود رابطي فال يمكن حمل زيد‬
‫على شخص برابطة الوجود كأن نقول "خالد زيد " أي يوجد له زيد‪ ،‬أما العرض فله وجود محمولي كقولنا‬
‫"البياض موجود" وله وجود اربطي أيضا كقولنا "الثلج أبيض" أي‪ :‬يوجد له البياض ‪ ،‬أما األمور االعتبارية‬
‫فليس لها وجود محمولي فال يمكن أن نقول في العمى الذي هو أمر عدمي اعتباري ‪" :‬العمى موجود" ‪ ،‬لكن‬
‫له وجود رابطي فيمكن أن نقول ‪" :‬زيد أعمى" أي ‪ :‬يوجد له العمى‪.‬‬

‫‪59‬‬
‫ول باْل َم ْع َنى اَْل َمار َال اَلتََّبعَّي ُة في اَلتَّ َحيز ل َع َدم ُش ُموله أل ْ‬
‫َع َراض اَْل ُم َج َّرَدات َوم ْن ثَ َّم َة َج َّوُزوا‬ ‫َواْل ُم َرَاد ب ُو ُجوده فيه اَْل ُحُل ُ‬
‫َّ‬
‫طة باْل َخط َوُرَّد بأَن ُه َما م ْن اَ ْأل ُ‬
‫ُمور اَال ْعت َباريَّة‬ ‫ام اَْل َع ْرض باْل َع ْرض َكق َيام اَلس ْرَعة باْل َح َرَكة َوالنْق َ‬
‫ق َي َ‬
‫(و) لما بين أن العرض هو الموجود في موضوع بمعنى أنه حال فيه ‪ ،‬أراد أن يبين معنى ذلك الحلول ‪ ،‬فقال‬
‫المرادد بالوجود في الموضوع في تعريف العرض‬

‫( المراد بوجوده) أي العرض (فيه) أي في موضوع ( الحلول بالمعنى المار) وهو االختصاص الناعت (ال‬
‫مر أن الحلول يأتي بمعنيين ‪ ،‬األول ‪ :‬التبعية في التحيز بأن يحصل التحيز للمحل‬
‫التبعية في التحيز ) وقد َّ‬
‫الموضوع أوال وبالذات ثم يحصل للحال العرض بالتبع وبهذا المعنى يفسر المتكلمون حلول العرض في محله‬
‫‪ ،‬والمعنى الثَّاني للحلول هو ‪ :‬االختصاص الناعت بمعنى أن بين العرض والموضوع عالقة يكون بها العرض‬
‫صفة للموضوع وبهذا المعنى يفسر الحكماء حلول العرض في موضوعه ‪ ،‬والشارح رحمه هللا رَّج َح هذا المعنى‬
‫لحلول العرض في موضوعه ولم يرجح المعنى األول وهو التبعية في التحيز ( لعدم شموله ألعراض المجردات)‬
‫ألن تلك األعراض مجردة عن المادة بتبعيتها لتلك المجردات كالعلم واإلرادة للعقل عند الحكماء فهي ال تكون‬
‫في حيز فال يشملها التعريف األول ‪( ،‬ومن ثمة) أي ويترتب على خالفهم في معنى الحلول خالف في قيام‬
‫العرض بالعرض فالقائلون ثمة بأن الحلول معناه االختصاص الناعت وهم الحكماء (جوزوا) هنا (قيام العرض‬
‫بالعرض كقيام السرعة بالحركة والنقطة بالخط) والقائلون بأن الحلول معناه التبعية في التحيز وهم المتكلمون‬
‫منعوه (و) قد ( ُرَّد) أي رد المتكلمون على الحكماء (بأنهما) أي أن السرعة القائمة بالحركة والنقطة القائمة‬
‫بالخط (من األمور االعتبارية) تتغير باعتبار المعتبرين فسرعة السيارة تكون بطيئة باعتبار الطيارة ولو كانت‬
‫أم ار خارجيا لم تتغير بالنسبة إلى اعتباراته‪ ،‬وكذلك النقطة والخط في المثال الثَّاني أمران اعتباريان ال وجود‬
‫لهما في الخارج فال يضر قيام بعضها ببعض ‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫استُد َّل َعَل ْيه تَ َارة بأََّن ُه َل ْو َكا َن ج ْنسا‬
‫رض َع ْرض َعام َل َها ‪َ ،‬و ْ‬ ‫ام ُه ( ت ْس َعة ) ا ْستْق َراء ُكل م ْن َها ج ْنس َعال َواْل َع ُ‬ ‫أَْق َس ُ‬
‫لشيء إَّن َما َي ُكو ُن‬ ‫لشيء ل َّ‬ ‫َن م ْع َنى اَْلعرض ما يعرض للموضوع وعروض ا َّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ ْ ُ ْ َْ ُ َ ُُ ُ َ ْ‬ ‫ََ‬ ‫ُخ َرى بأ َّ َ‬‫صوُرَها بُدونه َوأ ْ‬ ‫َل َها َال ْمتََن َع تَ َ‬
‫َن ُيَقا َل َل ْم ُي ْج َعل ج ْنسا ل َع َدم اَْل ُعثُور َعَلى َك ْونه َذاتيًّا‬ ‫َب ْع َد تَ َحقق َحقيَقته َف َال َي ُكو ُن َذاتيًّا َوق َ‬
‫يل‪ :‬اَ ْألَْق َر ُب أ ْ‬

‫ثم العرض (أقسامه تسعة) عند المشائين (استقراء) ال بالعقل و (كل منها) أي من تلك األعراض التسعة (جنس‬
‫األعراض تسعة استقراءا والعرض عرض عام ألقسامه‬

‫عال و ) مطلق (العرض عرض عام لها) ‪ ،‬وإنما لم يكن العرض جنسا عاليا لألعراض التسعة ألدلة ذكرها‬
‫بقوله ‪( :‬واستدل عليه) واالستدالل عليه يكون بتارتين فــ(تارة بأنه) أي مطلق العرض (لو كان جنسا لها ) أي‬
‫لألعراض التسعة بأن كان جزءا من ماهيتها ( المتنع) حينئذ (تصورها) أي تصور كل من األعراض التسعة‬
‫(بدونه) أي بدون تصور مطلق العرض لعدم إمكان تصور الماهية بدون تصور أجزاءها وليس كذلك فإننا‬
‫نتصور ماهية تلك األعراض من دون تصور مطلق العرض فنحن نتصور الكيف مثال من غير مالحظة قيد‬
‫العرض ‪( ،‬وأخرى بأن معنى العرض ما يعرض للموضوع) بأن يكون لذلك المعروض ماهية ثم يعرض له هذا‬
‫العارض (وعروض الشيء للشيء إنما يكون) أي ال يكون إال (بعد تحقق حقيقته) أي حقيقة المعروض وهي‬
‫ال تتحقق إال بالجنس والفصل والعارض ليس جنسا وال فصال فالعرض ليس جزءا من ماهية معروضه (فال‬
‫يكون) جنسا (ذاتيا) لألعراض التسعة ‪( ،‬وقيل األقرب أن يقال لم يجعل) العرض (جنسا) لألعراض التسعة‬
‫(لعدم العثور على كونه ذاتيا) لها ‪.‬‬

‫‪61‬‬
‫اصة َو ْح َد َها‪َ ،‬و َعَلى الثَّاني أََّن ُه إَّن َما َي ْسَتْلزُم‬
‫ول َيتَّج ُه َعَلى اَ ْأل ََّول َم ْن ُع اَْل ُم َالزَمة ُم ْستَندا ب َج َواز اَلتَّ ْعريف باْل َخ َّ‬
‫أَُق ُ‬
‫وج ُه َع ْن أَْق َسامه‪َ ،‬و َعَلى الثَّالث أََّن ُه َال َيْل َزُم م ْن َع َدم اَالط َالع َعَلى َذاتيَّته اَالط َالعُ‬
‫ُخ ُرو َج اَْل َع ْرض َع ْن َم َحله َال ُخ ُر َ‬
‫َعَلى اَْل َع َرضيَّة تَأَ َّم ْل‪.‬‬
‫لما ذكر الشارح أدلة ثالث في توجيه كون العرض عرضا عاما وليس جنسا عاليا ألقسامه‪ ،‬ذكر هنا أن تلك‬
‫اعتراضات على كون مطلق العرض عرضا عاما ألقسامه‬

‫األدلة مردودة كلها‪ ،‬فقال‪( :‬أقول يتجه على األول) وهو أن مطلق العرض لو كان جنسا ألقسامه المتنع تصورها‬
‫بدونه (منع المالزمة) أي نمنع لزوم المحال من تصور ماهية األعراض التسعة من دون تصور مطلق العرض‬
‫أي أن هذه المالزمة غير الزمة (مستندا بجواز التعريف بالخاصة وحدها) فليكن العرض جزءا من أقسامه وال‬
‫يلزم المحال في تصور ماهية األعراض التسعة من دون تصور مطلق العرض لجواز كون التعريف بالخاصة‬
‫وحدها ‪ ،‬إال أن يقال إن المراد من التصور تصوره بالكنه وحينئذ يلزم عدم جواز تصور كنه تلك األقسام من‬
‫غير العرض ‪( ،‬و) يتجه (على الثَّاني) ‪ -‬وهو أن مطلق العرض ليس جزءا من ماهية المعروض فال يكون‬
‫جزء من ماهية األعراض التسعة – (أنه) أي هذا الدليل (إنما يستلزم خروج العرض عن) الجزئية لماهية‬
‫(محله) المعروض (ال خروجه) عن ماهية (أقسامه) ‪( ،‬و) يتجه (على الثَّالث) ‪ -‬وهو أن العرض لم يجعل‬
‫جنسا لعدم العثور على كونه ذاتيا – (أنه ال يلزم من عدم االطالع على ذاتيته) أي ذاتية العرض ألقسامه‬
‫(االطالع) على (العرضية)أي على كون العرض عرضا عاما لتلك األعراض‪ ،‬وقوله ‪( :‬تأمل) إشارة إلى أنا‬
‫لم نحكم بأن العرض ذاتي لماهية أقسامه ولم نقل إنه ليس عرضيا لها بل سكتنا عن ذلك فيمكن أن تكون‬
‫األدلة الثالثة فاسدة وال يلزم منها فساد المدلول المدعى الذي هو كون العرض عرضا عاما ألقسامه ‪ ،‬فالدعوى‬
‫الزم أعم للدليل فيمكن أن تثبت الدعوى بدليل آخر غير هذا الدليل ‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫حواشي ابن الباساوي رحمه هللا المتعلقة ببيان ماهية العرض‬

‫قوله‪ ( :‬ال التبعية في التحيز) كما ذهب إليه المتكلمون حيث فسروا وجود العرض في المحل وقيامه بغيره‬
‫بالتبعية في التحيز بمعنى أن تحيزه تابع لتحيز الجوهر الذي هو موضوعه فيخرج الصفات القديمة عن العرض‬
‫فهي عندهم ليست جوه ار وال عرضا ألنها ليست متحيزة بنفسها وال تحيز لها تابعا لشيء آخر فتكون واسطة‬
‫ويخرج أيضا أعراض المجردات لعدم قولهم بوجود مجرد حادث ‪ ،‬وأما الفالسفة فلما قالوا بكون صفات هللا‬
‫أعراضا وبالمجردات وعوارضها عرفوا العرض بما يتناولها من االختصاص الناعت فافهم‪ ،‬قوله‪ ( :‬ومن ثمة)‬
‫أي ومن أجل أن مرادهم بوجود العرض في الموضوع االختصاص الناعت جوزوا إلخ ‪ ،‬إذ يجوز حينئذ أن‬
‫يكون عرض نعتا لعرض ال للجوهر الذي إليه االنتهاء كالسرعة للحركة فإن المنعوت حقيقة بالسرعة هي‬
‫الحركة ال الجسم‪ ،‬قوله‪َّ :‬‬
‫(ورد) حاصل الرد أن السرعة والنقطة ليستا عرضين قائمين بهما بل هما من األمور‬
‫االعتبارية فإن السرعة من االعتبارات الالحقة للحركة باإلضافة إلى حركة أخرى والنقطة نهاية الخط وهي عدم‬
‫وانقطاع أو نقول ال نسلم أن النقطة والخط عرضان بل النقطة عبارة عن الجوهر الفرد والخط جوهر مركب‬
‫من النقاط أي الجواهر الفردة وأجيب عن األول بأنها ذوات أوضاع يشير إليها إشارة حسية بأنها هنا أو هناك‬
‫وال إشارة إلى العدم ورد بأن اإلشارة إنما هي إلى نفس الجواهر الفردة المترتبة ترتيبا مخصوصا وال نهايات وهي‬
‫اعدام وانقطاعات فتأمل قوله‪ ( :‬منع المالزمة) يعني إن أراد التصور بالكنه فالمالزمة مسلمة لكن نمنع بطالن‬
‫التالي إذ على تقدير كون العرض جنسا لها ال يمكن تصورها بدون العرض وإن أ ارد مطلق التصور فبطالن‬
‫التالي مسلم لكن نمنع المالزمة إذ ال يلزم من كون العرض جنسا لها أن يمتنع تصورها بوجه من الوجوه بل‬
‫يجوز أن يتصور كل منها بالخاصة وحدها مثال فإذا عرفت ذلك يعلم أن الشارح مد ظله لو قال ويتجه على‬
‫األول منع بطالن التالي إن أريد التصور بالكنه ومنع المالزمة إن أريد مطلقا لكان أولى وأظهر فافهم‪.‬‬

‫‪63‬‬
‫ألََّن ُه ( إ َّما ُكم ) َوُرس َم َناقصا ب َع َرض َيْقَب ُل اَْلق ْس َم َة اَْل َو ْهمَّي َة لذاته ‪.‬‬
‫إما كم) وهو األول من التسعة ‪( :‬و)‬
‫ولما انتهى من تعريف العرض شرع في بيان أقسامه وهي تسعة (ألنه َّ‬
‫تعريف الكم‬

‫ف بـ(رسم ناقص بـ) أنه (عرض يقبل القسمة الوهمية) ‪ ،‬والقسمة قسمتان ‪ :‬قسمة فعلية وهي كون الشيء‬
‫ُعر َ‬
‫غير الشيء اآلخر بالفعل وفي الخارج ‪ ،‬وقسمة وهمية وهي فرض كون الشيء غير الشيء اآلخر ‪ ،‬فأما‬
‫القسمة الفعلية فتجري على الكم المنفصل الذي سيأتي أنه العدد فقط لوجود العدد بوجود معدوده في الخارج‬
‫فينقسم بانقسام معدوده فيه ‪ ،‬وال تجري على الكم المتصل الذي سيأتي أنه الزمان والمقدار ألن الشيء القابل‬
‫للقسمة يبقى مع المقبول في القسمة الفعلية وليس كذلك الزمان والمقدار ألنا إذا قسمنا الساعة مثال فال تبقى‬
‫حينئذ تلك الساعة بل تنتفي ويحصل قسمان لكل منهما حقيقة مختلفة عن حقيقة المقسم وكذلك المقدار ‪،‬‬
‫فالزمان والمقدار ال يقبالن القسمة الفعلية بل يقبالن القسمة الوهمية فقط ألننا نفرض فيهما كون شيء غير‬
‫شيء ‪ ،‬والحاصل ‪ :‬أن العدد وحده يقبل القسمة الفعلية وبقبوله لها يقبل القسمة الوهمية أيضا وألجل ذلك عرف‬
‫الكم بأنه ما يقبل القسمة الوهمية فيشمل التعريف الكم بنوعيه ‪ ،‬وقوله (لذاته) جواب عن سؤال مقدر وهو أن‬
‫الكيف وسائر المقوالت تقبل القسمة الوهمية أيضا فيكون التعريف غير مانع فأجاب بذكر قيد "لذاته" أي ‪ :‬إن‬
‫تلك األمور إن قبلت القسمة فإنما هو بسبب الكم أما الكم فيقبل القسمة لذاته ‪ ،‬بقي أنه عرف الكم بالرسم‬
‫الناقص ألن قوله ‪ " :‬عرض" عرض عام للكم ‪ ،‬وقوله ‪ " :‬يقبل القسمة " خاصة له والتعريف بالعرض العام‬
‫والخاصة يسمى رسما ناقصا ‪ ،‬وإنما لم يعرفه بالحد ألن الكم ال جنس له وما ال جنس له ال فصل له أيضا‬
‫والتعريف بالحد يكون بالجنس والفصل ‪ ،‬ولم يكن بالرسم التام ألنه يقتضي جنسا قريبا وقد قلنا إن الكم ال جنس‬
‫له فبقي الرسم الناقص فعرفه به ‪ ،‬هذا في الكم ‪ ،‬وقس عليه سائر المقوالت العرضية ‪.‬‬

‫‪64‬‬
‫ال إ َّن اَْل ُم َرَاد‬
‫َن ُيَق َ‬‫اق في اَْل َكم إ َّال أ ْ‬
‫َن اَْل ُم َس َاو َاة ه َي اَالتَف ُ‬
‫وَق ْد يَف َّسر بما يْقبل اَْلمساو َاة و َّ‬
‫الال ُم َس َاو َاة َوفيه أََّن ُه َد ْوري أل َّ‬ ‫َ ُ ُ َ ََُ َُ َ َ‬
‫َج َزائه‬ ‫اج إَلى اَلتَّ ْعريف إل ْد َراكه باْلحس ( َو ُه َو ق ْس َمان ) ألََّن ُه إ ْن َل ْم َي ُك ْن أل ْ‬ ‫اها اَلل َغوي أ َْو أَنَّ َها َال تَ ْحتَ ُ‬
‫باْل ُم َس َاواة َم ْع َن َ‬
‫طة بالن ْس َبة إَلى ُج ْزئي اَْل َخط‬ ‫َحده َما َكالنْق َ‬
‫صاص بأ َ‬ ‫َحد ُم ْشتَ َرك َو ُه َو َما َي ُكو ُن ن ْس َبتُ ُه إَلى اَْل ُج ْأزَْين ب َّ‬
‫السويَّة ب َال ا ْخت َ‬
‫ط أل َّ‬
‫َن َحقيَق َة‬ ‫َحده َما َوب َد َاية ل ْآل َخر ‪ ،‬ف ـ( ُم ْنَفصل َو ُه َو اَْل َع َدُد ) َفَق ْ‬
‫إل ْم َكان ا ْعت َبارَها ن َه َاية أ َْو ب َد َاية َل ُه َما أ َْو ن َه َاية أل َ‬
‫اَْلم ْنَفصل ما يجتَمع م ْن اَْلوح َدات ب َّ‬
‫الذات َوَال َم ْعنى لْل َع َدد س َواهُ ‪.‬‬ ‫ََ‬ ‫َ َْ ُ‬ ‫ُ‬
‫( وقد يفسر) ويعرف الكم (بــ) أنه (ما يقبل المساواة والالمساوة) وهما جاريتان في الكم المنفصل والمتصل أيضا‬
‫الكم قسمان‬

‫أما المنفصل فكالخمسة مع الخمسة فهما متساويتان وكالخمسة مع الثالثة فهما غير متساويتين ‪ ،‬أما المتصل‬
‫فكزمان يوم مع يوم مثله متساويان ‪ ،‬وكزمان يوم مع يومين فهما غير متساويين ‪ ،‬فيمكن تعريف الكم بهما‬
‫(و) لكن يرد (فيه) اعتراض وهو (أنه) أي هذا التعريف (دوري ألن المساواة هي االتفاق في الكم) فتتوقف‬
‫معرفة الكم على المساواة المتوقفة عليه (إال أن يقال) في الجواب (أن المراد بالمساواة) في تعريف الكم (معناها‬
‫اللغوي) وهو مطلق المساواة واالتفاق ال المساواة في الكم فقط ‪( ،‬أو) يجاب بـ(أنها) أي المساواة (ال تحتاج إلى‬
‫تعريف) فالكم متوقف على معرفة المساواة والالمساواة ولكن المساواة والالمساواة (إلدراكه بالحس) ال تتوقف‬
‫على معرفة الكم بل تتوقف على اإلدراك بالحس ‪( ،‬وهو) أي الكم (قسمان ألنه إن لم يكن ألجزاءه حد مشترك‬
‫و ) الحد المشترك (هو ما) يحصل عند القسمة و (يكون نسبته إلى الجزأين بالسوية بال اختصاص بأحدهما)‬
‫دون اآلخر (كالنقطة إلى جزئي الخط) عند تقسيمه فإننا إذا قسمنا الخط إلى قسمين نصل إلى النقطة التي‬
‫يشترك فيها القسمان فالنقطة حد مشترك ال يزيد القسمان بإضافتها ألي منهما ( إلمكان اعتبارها) أي النقطة‬
‫(نهاية) لهذا القسم (أو نهاية ألحدهما وبداية لــ)القسم (اآلخر) فيكون الحد المشترك الذي هو النقطة في مثالنا‬
‫أم ار عرضيا في كل من ذينك القسمين ‪ ،‬والحاصل أن الكم إن لم يكن ألجزاءه حد مشترك بهذا المعنى (فــ) هو‬
‫كم (منفصل وهو العدد فقط ) أي هو منحصر في العدد ( ألن حقيقة المنفصل) وتعريفه هو (ما يجتمع من‬
‫الوحدات) البسيطة فليس بين أقسامه حد مشترك (بالذات وال معنى للعدد سواه ) فالخمسة مثال كم منفصل ألنها‬
‫تتكون من خمس وحدات بسيطة ال يكون كل منها جزء من ماهية غيرها فال تكون الوحدة األولى أو الثَّانية‬
‫منها جزء من الثَّالثة مثال وال الثَّالثة أو الرابعة جزء من الوحدة الخامسة وألجل بساطة أجزاءها ال تكون بينها‬
‫حدود مشتركة حتى يبتدأ الجزء الثَّاني مثال بانتهاء الجزء األول منها ‪ ،‬ولذلك ال يمكن أن نقول في الخمسة‬
‫إنها مركبة من اثنين وثالثة أو واحد وأربعة مثال بل نقول إنها تتركب من خمس وحدات بسيطة ‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫َن ُك َّل َم ْرتََبة م ْن َها َن ْوع َحقيقي ُم ْمتَاز َع ْن َسائرَها ب َم َّادت َها َوالنَّ ْوعُ اَْل َحقيقي‬ ‫َّ‬
‫ألََّن ُه ُم َؤلف م ْن َها َال م ْن َم َراتب اَ ْأل ْ‬
‫َع َداد أل َّ‬
‫َال َي ُكو ُن ُج ْزءا آل َخ َر ‪.‬‬
‫ثم أن الشارح لما ذكر أن الكم المنفصل ال يوجد بين أجزاءه حد مشترك أراد أن يستدل عليه فقال ‪( :‬ألنه‬
‫العدد مؤلف من الوحدات ال من مراتب األعداد‬

‫مؤلف) أي إن العدد مؤلف (منها) أي من الوحدات (ال من مراتب األعداد ألن كل مرتبة منها ) أي من تلك‬
‫الوحدات (نوع حقيقي) لها ماهية مختلفة ( ممتاز عن سائرها بمادتها) فكل عدد نوع حقيقي له أفراد كثيرة (‬
‫والنوع الحقيقي ال يكون جزءا آلخر) فاالثنان مثال نوع حقيقي له أفراد كثيرة كهذا االثنين وذلك االثنين ‪ ،‬وكذلك‬
‫الثالثة واألربعة وغيرها من الوحدات كل منها نوع الحقيقي كلي ولذلك ال يمكن أن يكون أي منها جزءا من‬
‫ماهية اآلخر فاالثنان ال يكون جزء من ماهية الثالثة والثالثة ال تكون جزء من ماهية األربعة وكذلك بقية‬
‫الوحدات كما ال يكون اإلنسان جزءا من ماهية الفرس ‪ ،‬فناسب أن نحكم عليها بعدم وجود حد مشترك بينها ‪،‬‬
‫ولو كان العدد مؤلفا من مراتب األعداد لكان كل منها جزء لآلخر وحينئذ ال يكون كل منها نوعا حقيقيا ويجوز‬
‫أن يكون بين أجزاءها حد مشترك ‪ ،‬فألجل ذلك ترجح كون العدد مؤلفا من الوحدات ال من مراتب األعداد ‪.‬‬
‫فائدة‪ :‬اختلف الحكماء في العدد ‪ -‬بعد اتفاقهم على أنه كم منفصل‪ -‬هل هو ما يجتمع من الوحدات كاالثنين‬
‫مؤلف من وحدتين والثالثة من ثالث وحدات و هكذا ‪ ،‬أو هو مؤلف من مراتب األعداد فاالثنين مؤلف من‬
‫مرتبتين للواحد والثالثة مؤلفة من ثالث مراتب للواحد وكذا سائر العدد ‪ ،‬واختلف القائلون بأن العدد مؤلف من‬
‫مراتب األعداد أيضا ف َم ْنهم من يقول بأن العدد مؤلف من المرتبة التي قبلها بإضافة الوحدة فالثالثة مؤلفة من‬
‫اثنتين بإضافة وحدة واحدة وكذا األربعة وغيرها ‪ ،‬ومنهم من قال ‪ :‬إن العدد هو نصف مجموع حاشيتيه فالخمسة‬
‫مثال عدد حاشيته السفلى أربعة وحاشيته العليا ستة ومجموعهما عشرة ونصف هذا المجموع هو العدد المسمى‬
‫بالخمسة وقس عليها بقية األعداد ويترتب على الخالف حكمهم على الواحد فإنه ليس بعدد عند القائلين بأن‬
‫العدد ما يجتمع من الوحدات ألنه وحدة واحدة ال مؤلف من وحدات ‪ ،‬وكذلك ال يكون الواحد عددا عند القائلين‬
‫بأن العدد نصف مجموع حاشيتيه ألن حاشيته العليا اثنان وال توجد أسفله حاشية إال إذا عمما المراد بالحاشيتين‬
‫في الصحيحة والمكسرة فحينئذ يكون الواحد عددا بجعل حاشيته العليا واحدة ونصف الواحدة وحاشيته السفلى‬
‫نصفا فقط فمجموعهما اثنان ويكون الواحد نصف هذا المجموع فيصح إطالق العدد عليه ‪.‬‬

‫‪66‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫اء َع ْن اَلذاتي َوَكو ُن اَلش ْيء َذا َحَقائ َق في اَْل َع َش َرة َمثَال َلك َّن ا ْنح َ‬
‫ص َار‬ ‫يح ب َال ُم َرجح أ َْو اَال ْست ْغ َن ُ‬ ‫َعَلى أََّن ُه ُيْل َزُم اَلتَّ ْرج ُ‬
‫اَْل َع َدد فيه إَّن َما َيتم َل ْو َل ْم ُي َع َّد اَْل َواحُد َع َددا‪.‬‬
‫ثم إن قلنا بأن العدد مؤلف من مراتب األعداد فـ(على أنه ) يلزم أن يكون كل عدد جزء من ماهية اآلخر فكذلك‬
‫ما يرد لو قلنا أن العدد مؤلف من مراتب األعداد‬

‫إما (الترجيح بال مرجح) فالخمسة مثال إن قلنا إنها مؤلفة من مراتب األعداد فإما أن تتألف من اثنتين‬
‫(يلزم) َّ‬
‫وثالث فنقول ‪ :‬ل َم ال تكون مؤلفة من اثنتين واثنتين وواحدة ؟ ‪ ،‬فترجيح إحدى التآليف على األخرى في اختيار‬
‫ماهية الخمسة يكون من غير مرجح ‪ ،‬وقس على الخمسة غيرها من األعداد ‪( ،‬أو) يلزم (االستغناء عن الذاتي)‬
‫فيقال ‪ :‬إن تقرر أن األربعة مثال تتألف من اثنين وواحدة وواحدة تكون هذه المجموعة من األعداد ذاتيا لها ‪،‬‬
‫فإن قلنا إن األربعة تتألف أيضا من ثالثة وواحدة يلزم حينئذ االستغناء عن المجموعة األولى التي كانت ذاتية‬
‫له ‪( ،‬و) كذلك يلزم أمر ثالث هو (كون الشيء ذا حقائق ) وهو عطف على األمر الثَّاني عطف السبب على‬
‫سبب عن اجتماع الحقائق المختلفة للعدد الواحد ‪ ،‬وقوله ‪ " :‬في العشرة "‬
‫المسبب ألن االستغناء عن الذاتي ُم َّ‬
‫هذا مثال يستخدم لكل من األمور الثالثة ونحن مثلنا بأعداد أخر وال ضير في تنوع األمثلة ألنه ال مناقشة في‬
‫المثال ‪( ،‬لكن انحصار العدد فيه) أي فيما يجتمع من الوحدات (إنما يتم لو لم يعد الواحد عددا) وقد ذكرنا أن‬
‫الواحد ال يتألف من الوحدات ألنه وحدة واحدة فال يصدق عليه التعريف ‪ ،‬إال أن نقول إن الواحد عدد بناء‬
‫على تعريف العدد ‪ :‬بأنه نصف مجموع حاشيتيه سواء كانت حاشيتاه صحيحتين كاالثنين واألربعة وكل عدد‬
‫زوجي أو مكسرتين كالواحد والثالثة وكل عدد فردي فحينئذ يكون الواحد عددا ونوعا حقيقيا ولكن ال يمكن جعل‬
‫العدد حينئذ منحص ار فيما يجتمع من الوحدات بل يكون عاما فيما يجتمع من الوحدات وما يكون عبارة عن‬
‫نصف مجموع حاشيتيه‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫َّ‬
‫َصال َوإ َذا ُفص َل‬ ‫َحد اَْلق ْس َم ْين َل ْم َيزْد به أ ْ‬ ‫(و) إال ف ـ( ُمتَّصل ) َواْل َحد اَْل ُم ْشتَ َر َك َيج ُب َك ْوُن ُه ب َح ْي ُث إ َذا ُ‬
‫ض َّم إَلى أ َ‬
‫يم إَلى ق ْس َم ْين تَْقسيما إَلى ثَ َالثَة َوثَ َالثَة‬ ‫ص م ْن ُه َش ْيئا َفَيْل َزم م َخاَلَفتُ ُه بالنَّوع لذي اَْل َحد‪ ،‬وإ َّال َل َك َ َّ‬
‫ان اَلتْقس ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َع ْن ُه َل ْم َي ْنُق ْ‬
‫إَلى َخ ْم َسة َو َه َك َذا ‪.‬‬

‫فالكم إن لم يكن ألجزاءه حد مشترك فهو كم منفصل (و إال) بأن كان لتلك األجزاء حد مشترك (فـ)هو كم‬
‫بيان الكم المتصل‬

‫(متصل و) قد ذكرنا أن (الحد المشترك) هو ما تكون نسبته إلى الجزئين على السوية بال اختصاص ألحدهما‬
‫على اآلخر ‪ ،‬و (يجب) للحد المشترك شيء ذكره الشارح هنا وهو (كونه بحيث إذا ضم إلى أحد القسمين لم‬
‫يزد به أصال وإذا فصل عنه لم ينقص منه شيئا) وإنما ال يزيد وال ينقص كل من القسمين به ألن هذا الحد‬
‫ليس جزء من كل من القسمين بل هو أمر عرضي فالخط المنقسم إلى خطين يكون بينهما حد مشترك هو‬
‫النقطة تكون نهاية ألحدهما بداية لآلخر وال يزيد أي من الخطين بها وال ينقص بدونها ألن النقطة ليست جزءا‬
‫حقيقيا من ماهيتهما بل هو أمر عرضي (فيلزم مخالفته) أي الحد المشترك (بالنوع لذي الحد) وهو كل من‬
‫القسمين (وإال ) إي إن لم نجعل الحد المشترك مخالفا بالنوع لذي الحد بأن يكونا من نوع واحد (لكان التقسيم‬
‫إلى قسمين تقسيما إلى ثالثة) فالنقطة مثال حد مشترك بين خطين فإن لم نجعلها مخالفا بالنوع للخطين بل‬
‫جعلناها من نوع كل منهما وجب حينئذ عند جعل الخط قسمين التقسيم إلى ثالثة أقسام خطين مع قسم آخر‬
‫هو النقطة ألنها أيضا يجب أن تجري عليها القسمة ألنها من نفس نوع الخط (و) يكون التقسيم إلى (ثالثة)‬
‫أقسام تقسيما (إلى خمسة) ألن الخط لما ينقسم إلى ثالثة أقسام يتحصل معها حدان مشتركان فوجب أن يلحقهما‬
‫التقسيم أيضا فيكون التقسيم إلى الثالثة تقسيما إلى خمسة (وهكذا) يكون التقسيم إلى خمسة تقسيما إلى تسعة‬
‫ألن لها أربع حدود مشتركة ويكون التقسيم إلى تسعة تقسيما إلى سبعة عشر قسما لوجود ثمان حدود مشتركة‬
‫مع األقسام التسعة وهلم ج ار ‪.‬‬

‫‪68‬‬
‫امحة ألََّنها أَ ْعراض‬ ‫َّ‬ ‫َففي َما اشتُه َر من أَ َّن النق َ‬
‫السطح َوهو ُجزُء الجسم التعليمي ُم َس َ‬ ‫ُجزُء َّ‬ ‫وهو‬
‫الخط ُ‬ ‫ط َة ُجزُء َ‬
‫الخط‬
‫ام ُه ثَ َالثة األََّو ُل ( َ‬ ‫هو) الم َقد ُار‪َ ،‬وأَ َ‬
‫قس ُ‬ ‫الو ُجود ( َو َ‬
‫األَجزاء في ُ‬ ‫يضا قسمان (قار) ُمجتَم ُع‬ ‫المتَّص ُل أَ َ‬
‫الكم ُ‬‫َلها‪ ،‬و َ‬
‫مق‬ ‫َّ‬ ‫) مقدار انَق َس َم في جهة َفَقط ( و) الثَّاني ( َّ‬
‫الع ُ‬ ‫خن ) أي ُ‬ ‫طح ) َما انَق َسم في ج َهتين فقط ( و) الثالث ( الث ُ‬ ‫الس ُ‬
‫لين بأََّن ُه‬
‫ط ع َند الَقائ َ‬
‫مان) َفق ْ‬ ‫والجسم التَّعليمي وهو المنَقسم في الجهات الثَّالث (أَو َغ ُير قار ) بخالفه (و ُهو َّ‬
‫الز ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ‬
‫ظم ألََّن ُه محيط بالكل و َّ‬
‫يل ‪َ :‬ح َرَكتُها ؛‬ ‫ذلك ‪ ،‬وق َ‬ ‫ان َك َ‬
‫الزَم ُ‬ ‫ُ‬ ‫الفَل ُك األَع َ ُ‬
‫يل ‪ُ :‬هو َ‬ ‫قدار َحركة ُم َحَّدب ُ‬
‫الم َحدد ‪ ،‬وق َ‬ ‫م ُ‬
‫َألَّنها َغ ُير َق َّارة ك َّ‬
‫الزَمان‪.‬‬

‫(ففي ما اشتهر) في الكتب (من أن النقطة جزء الخط و) الخط ( هو جزء السطح و) السطح (هو جزء الجسم‬
‫الكم المتصل قسمان‪ :‬قار‪ ،‬وغير قار‬

‫التعليمي مسامحة) ومجاز ألنه يعارض ما تقرر من أنها حدود مشتركة ال تكون جزءا مما يحل فيها (ألنها‬
‫أعراض لها ) أي لما يحل فيها فال ينتقض تعريف الحد المشترك بها وإنما ينتقض لو كانت أجزاء حقيقية لما‬
‫يحل فيها ‪( ،‬والكم المتصل أيضا) كمطلق الكم (قسمان) وهما كم متصل (قار) وهو ما يكون (مجتمع األجزاء‬
‫في الوجود) ‪ -‬بأن تكون تلك األجزاء موجودة معا ‪ -‬وال يتوقف وجود جزء منها على انتفاء جزء آخر (وهو‬
‫المقدار) وهو اسم آلة بمعنى ما يقدر به ‪( ،‬وأقسامه ثالثة ‪ ،‬األول ‪ :‬الخط) وهو (مقدار انقسم في جهة واحدة‬
‫فقط) وهي جهة الطول ‪( ،‬و الثَّاني ‪ :‬السطح) وهو (ما انقسم في جهتين) الطول والعرض ‪( ،‬و الثَّالث ‪ :‬الثخن‬
‫أي العمق والجسم التعليمي) أي ويسمى بهما أيضا (وهو) أي الثخن المقدار (المنقسم في الجهات الثالث)‬
‫الطول والعرض واالرتفاع (أو) أن الكم المتصل يكون (غير قار) وهو (بخالفه) أي هو بخالف القار فال‬
‫تجتمع أجزاءه في الوجود بل يتوقف وجود كل جزء منها على انتفاء الجزء اآلخر (وهو الزمان فقط عند القائلين‬
‫بأنه) أي الزمان ‪( :‬مقدار حركة محدب المحدد) ‪ ،‬ومحدب المحدد هو الفلك األعظم وسمي محددا ألنه يحدد‬
‫جهات العالم فاليمين يمين بالنسبة إليه وكذلك سائر الجهات ألنه محيط بكل العالم وألجل تحدبه يقع العالم في‬
‫قعره ‪( ،‬وقيل هو) أي الزمان نفس (الفلك األعظم ) المحدب (ألنه) أي الفلك األعظم (محيط بالكل والزمان‬
‫كذلك ) محيط بالكل فثبت أنهما شيء واحد وحينئذ يكون الزمان جسما وجوه ار فال يكون عرضا وكما متصال‬
‫‪( ،‬وقيل) الزمان (حركتها) أي حركة ذلك المحدب المحدب وحينئذ يكون الزمان من مقولة األين (ألنها) أي‬
‫الحركة (غير قارة) الذات (كالزمان) ‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫البطء بخ َالفه‪َ ،‬وعليه َما‬‫ف بالس َرعة و ُ‬ ‫وص ُ‬ ‫الحرك َة تُ َ‬
‫أن َ‬ ‫وعلى الثَّاني َّ‬
‫ختلفتَان‪َ ،‬‬ ‫َوَيتَّج ُه َعَلى األََّول أَ َّن اإل َحا َ‬
‫طتَين ُم َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫كان في َزَمان‬‫الع َد َم لذاته ألََّن ُه َلو َوَق َع َل َ‬
‫وهر ُم َج َّرد َال َي َقب ُل َ‬
‫وقيل َج َ‬
‫وج َبتين من الشكل الثاني‪َ ،‬‬ ‫دال َل ب ُم َ‬
‫أن االست َ‬ ‫َّ‬
‫ال َع َدمه‪.‬‬
‫وده َح َ‬
‫يلزُم ُو ُج ُ‬
‫َف َ‬

‫األول من القولين اللذين أشار الشارح إلى ضعفهما بإضافة لفظ " قيل"‬
‫األول) أي ‪ :‬على القول َّ‬
‫(ويتجه على َّ‬
‫اعتراضات على تعريفين للزمان وبيان تعريف آخر له‬

‫األول على هذا هو القول الثَّاني من األقوال الثالثة التي ذكرها في تفسير الزمان وهو أنه‬
‫قبلهما ‪ ،‬فالمقصود ب َّ‬
‫الفلك األعظم فيتجه على هذا التفسير (أن اإلحاطتين مختلفتان )أي َّ‬
‫أن إحاطة الفلك األعظم بأجزاءه تختلف‬
‫عن إحاطة الزمان بأجزاءه فليسا سواء ألن إحاطة الفلك األعظم بأجزاءه إحاطة ظرفية شمولية وإحاطة الزمان‬
‫بأجزاءه إحاطة مقارنة ألن الزمان مقارن لتلك األجزاء ال أنه في ضمنها ‪( ،‬و) يتجه (على الثَّاني) أي‪ :‬على‬
‫القول الثَّاني من القولين اللذين أشار الشارح إلى ضعفهما وهو الثَّالث من األقوال الثالثة الماضية في تفسير‬
‫الزمان وهو أنه حركة الفلك المحدب فيتجه عليه (أن الحركة توصف بالسرعة والبطء بخالفه) أي بخالف‬
‫أن االستدالل بموجبتين من الشكل الثَّاني)‬
‫الزمان فهو ال يوصف بالبطأ والسرعة فاختلفا ‪ ،‬وقوله ‪ ( :‬وعليهما َّ‬
‫األول فألن االستدالل فيه هكذا ‪" :‬الفلك األعظم‬ ‫يريد َّ‬
‫أن االستدالل في كل من القولين السابقين غير منتج أما َّ‬
‫محيط بالكل والزمان محيط بالكل " وهو غير منتج ألنه قياس من الشكل الثَّاني وحده األوسط غير مشترك‬
‫للفرق بين اإلحاطتين كما ذكرنا ثم حتى لو اشترك الحد األوسط فال يكون القياس منتجا ألنه قياس من الشكل‬
‫الثَّاني وشرطه اختالف المقدمتين باإليجاب والسلب و المقدمتان هنا موجبتان ‪ ،‬وأما الثَّاني فألن االستدالل‬
‫عليه بكون " الزمان غير قار والحركة غير قارة " قياس من الشكل الثَّاني ‪ ،‬فيشكل عليه أيضا بأن الصغرى‬
‫والكبرى موجبتان ولم تختلفا باإليجاب والسلب وهو شرط في الشكل الثَّاني (وقيل) إن الزمان (جوهر مجرد)‬
‫أن الزمان لو كان جوه ار لكان ممكنا ألن الجوهر قسم من الممكن فيكون‬
‫ال يحتاج إلى محل مقوم ولما تُُوه َم َّ‬
‫أن الجوهر هنا غير الجوهر الذي هو قسم من الممكن فهو‬‫ممكنا ؛ استدرك بأنه (ال يقبل العدم لذاته ) بمعنى َّ‬
‫هنا بمعنى القائم بالذات غير المحتاج إلى محل وهذا الوصف يصدق على هللا تعالى ‪ ،‬ولذلك فالمقصود‬
‫بالجوهر المجرد الذي هو الزمان هنا هو هللا تعالى ألنهم يعتقدون بأن واجب الوجود هو الذي ال يقبل العدم‬
‫العدم ‪ -‬على هذا القول – (ألنه) أي عدم الزمان (لو وقع لكان في زمان فيلزم‬
‫َ‬ ‫الزمان‬
‫ُ‬ ‫لذاته ‪ ،‬وإنما ال يقبل‬
‫وجوده) أي الزمان (حال عدمه) وهو محال‬

‫‪70‬‬
‫الظرف َّ‬ ‫ويمنع بأََّنه إن أَراد ب َّ‬
‫ض بأنَّ ُه َلو ُوج َد َل َ‬
‫كان في َزَمان‬ ‫وم َف َغ ُير ُمفيد ُوُي َع َار ُ‬
‫وه َ‬ ‫منوع أَو َ‬
‫الم ُ‬ ‫ود َف َم ُ‬
‫وج َ‬
‫الم ُ‬
‫ان َ‬ ‫الزَم َ‬ ‫َ َُْ ُ ُ ْ َ‬
‫المتَّصل‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الكم َفضال َعن ُ‬ ‫يس من َ‬ ‫المذاهب الثالث َل َ‬ ‫وعلى َ‬ ‫لس ُل َ‬
‫ظرفَّيتُ ُه ل َنفسه وإال َيتَ َس َ‬‫األول َي َلزُم َ‬
‫ين َّ‬ ‫ان َع َ‬ ‫إن َك َ‬
‫َف ْ‬
‫المقاد ُير َجواه ُر ُمجتَم َعة أَو أُمور َعدمَّية‬
‫الك َّم وقاُلوا‪َ :‬‬ ‫المتَكل ُمون أَ َ‬
‫نكروا َ‬ ‫هذا ‪ ،‬و ُ‬
‫(و) لما استدل على كون الزمان قديما بأنه لو كان حادثا وعدم لوقع عدمه في زمان وتسلسل ؛ ذكر الشارح‬
‫ورود المنع والمعارضة على دليل كون الزمان قديما ومذهب المتكلمين في الكم‬

‫بأن هذا الدليل َيرُد عليه منع ومعارضة فــ(يمنع) والمنع في الحقيقة وارد على أحد جزئي الدليل وهو قوله ‪" :‬لو‬
‫كان في زمان" (بأنه) متعلق بيمنع ( إن أراد بالظرف) في قوله‪ " :‬في زمان" (الزمان الموجود) بمعنى َّ‬
‫أن عدم‬
‫الزمان واقع في زمان موجود (فــ) هذا (ممنوع) ؛ ألنه يعود إلى أصل المتنازع فيه وهو وجود الزمان ونحن ال‬
‫نقبل أصال أن يكون الزمان موجودا سواء كان ظرفا أو مظروفا ‪( ،‬أو) أراد بهذا الظرف الزمان (الموهوم فــ)‬
‫هذا الدليل حينئذ (غير مفيد) في إثبات وجود الزمان فليكن الزمان معدوما وظرف العدم يكون زمانا موهوما‬
‫معدوما مثله ‪( ،‬و يعارض) والمعارضة ‪ -‬وهو إقامة الدليل على خالف مدعى الخصم – (بأنه) أي َّ‬
‫أن الزمان‬
‫الثَّاني الذي كان ظرفا للزمان َّ‬
‫األول (لو وجد لكان في زمان) أي محتاجا إلى ظرف زمان ثالث (فإن كان) أي‬
‫الزمان الثَّالث (عين) الزمان ( َّ‬
‫األول) حصل الدور وهو أن (يلزم ظرفيته) أي ظرفية الشيء (لنفسه) (وإال) أي‬
‫األول بإن كان في زمان رابع احتاج إلى زمان خامس وهو إلى سادس وهكذا فـ(يتسلسل)‬
‫إن لم يكن عين الزمان َّ‬
‫والتسلسل باطل فيبطل كون الزمان الثَّاني موجودا ‪ ،‬والحاصل إن الزمان قد ثبت فيه أربعة مذاهب عند الحكماء‬
‫األول ‪ :‬إنه مقدار حركة محدب المحدد ‪ ،‬والثَّاني ‪ :‬إنه الفلك ‪ ،‬والثَّالث ‪ :‬إنه حركة الفلك ‪ ،‬والرابع ‪ :‬إنه‬
‫‪َّ ،‬‬
‫األول‬ ‫األول يكون الزمان من الكم المتصل ‪( ،‬وعلى المذاهب الثالث) األ َ‬
‫ُخر غير َّ‬ ‫جرد ‪ ،‬فعلى المذهب َّ‬
‫جوهر ُم َّ‬
‫فـ(ليس) يعد الزمان (من الكم فضال عن المتصل ؛ ألنه على القول بأنه حركة يكون الزمان من مقولة ألين ‪،‬‬
‫جرد يخرج عن كونه‬ ‫وعلى القول بأنه الفلك يكون الزمان جسما ومن مقولة الجوهر ‪ ،‬وعلى القول بأنه َج َ‬
‫وهر ُم َّ‬
‫ممكنا أصال ويصبح واجب الوجوب (هذا ‪ ،‬و) أما (المتكلمون) فهم (أنكروا الكم وقالوا) ‪ :‬إن (المقادير وهي ‪:‬‬
‫الخط والسطح والثغن هي إما (جواهر) فردة (مجتمعة) وليست بأعراض إن أريد بها نفس تلك المقادير فإنها‬
‫إن اجتمعت في الطول حصل الخط فإن أضيف إليه جواهر أخرى مجتمعة في العرض حصل السطح وإن‬
‫اجتمعت إليه جواهر في االرتفاع حصل الثغن والجسم التعليمي (أو) هي (أمور عدمية) اعتبارية ليست بجواهر‬
‫وال أعراض إن لم ترد بالمقادير الجواهر المجتمعة بل أريد بها امتداداتها المتعلقة بها التي هي الطول المتعلق‬
‫بالخط والعرض المتعلق بالسطح واالرتفاع المتعلق بالثغن فإنها أمور اعتبارية ذهنية تتعلق بتلك الجواهر‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫غايرين باالعتبار‬
‫المعُدود ُمتَ َ‬
‫الع َدد و َ‬
‫عل َ‬‫بعُد َج ُ‬
‫طول ‪ ،‬وال َي ُ‬
‫ان َوهمي وفي ذكر َدالئلهم ُ‬ ‫العدد أمر اعتباري والزَم ُ‬ ‫و ُ‬
‫ط اة‬
‫عدود ُموا َ‬
‫الم ُ‬
‫وي َؤيُدهُ ص َّح ُة َحمله َعلى َ‬
‫َفقط ‪ُ ،‬‬
‫(والعدد أمر اعتباري) عند المتكلمين والموجود هو معدوداتها فقط (و) كذلك (الزمان) عند المتكلمين أمر‬
‫تكملة بيان مذهب المتكلمين وذكر كالم للمصنف لحل خالف على العدد‬

‫(وهمي) يحصل من مقارنة المتجدد المجهول للمتجدد المعلوم كمقارنة مجيء زيد لطلوع الشمس ‪( ،‬وفي ذكر‬
‫دالئلهم طول) ‪( ،‬و ال يبعد جعل العدد والمعدود) متحدان بالذات بمعنى أن المعدود لو كان من مقولة الجوهر‬
‫فالعدد يكون جوه ار وإن كان المعدود من مقولة عرضية يكون العدد أيضا عرضا من مقولته وإن كان المعدود‬
‫أم ار اعتباريا كان العدد اعتباريا أيضا ‪ ،‬فيكونان (متغايرين باالعتبار فقط) وهذا الكالم تفرد به الشارح القرداغي‬
‫وهو توسط منه بين مذهبي الحكماء المثبتين لوجود العدد والمتكلمين النافين لوجوده ‪( ،‬ويؤيده) أي‪ :‬يؤيد قولنا‬
‫إن العدد والمعدود متحدان بالذات متغايران باالعتبار (صحة حمله) أي العدد (على المعدود مواطأة) وفي حمل‬
‫المواطأة يكون المحمول متحدا بالذات مع الموضوع فيصح حمل الثالثة على الرجال بالمواطاة بأن نقول ‪" :‬‬
‫الرجال ثالثة" ومنه ُيعلم أنهما متحدان بالذات متغايران باالعتبار فالرجال باعتبار الحساب عدد وباعتبار الذات‬
‫معدود‪.‬‬

‫‪72‬‬
‫حواشي ابن الباساوي المتعلقة ببيان مقولة الكم‬

‫قوله ‪( :‬إلدراكه بالحس) أي مع المحل فال حجر في أن يقصد في التعريف بها تعريف المعقول المحسوس ‪،‬‬
‫قوله‪ ( :‬غير قار بخالفه) أي ما ال يجتمع أجزائه في الوجود وهو الزمان واعترض بأنه إن وجد شيء من أجزاء‬
‫الزمان يلزم اتصاف الموجود بالمعدوم وإن لم يوجد يلزم اتصاف المعدوم بالمعدوم وكالهما محاالن بالضرورة‬
‫وإن اتصال أجزائه بعضها ببعض في الخيال كان من قبيل القار الجتماع أجزائه هناك وأجيب بأن اتصاله‬
‫بالنسبة إلى الوهم والخيال وغير قاريته بالقياس إلى الخارج قوله‪ ( :‬وهو الزمان) وإنما كان الزمان كما ألنه‬
‫يتفاوت ويقبل المساواة والالمساواة فإن زمان دورة في الفلك مساو لزمان دورة أخرى منه وأقل من زمان دورتين‬
‫وأكثر من زمان نصف دورة وذلك من خواص الكم وإنما لم يكن كما منفصال ألنه لو كان كذلك يلزم القول‬
‫بتألفه من اآلنات وذلك مستلزم لوجود الجزء الذي ال يتجزئ والحكماء غير قائلين به‪ ،‬قوله‪( :‬بأنه مقدار حركة‬
‫إلخ) يعني كم متصل يقدر به حركة محدب ‪ :‬أي بشيء قليل منه شيء كثير من حركته بناء على تقدير الكثير‬
‫بالقليل كتقدير دورة منها بساعة أربعا وعشرين مرة أو شيء مساو منها بناء على تقدير المساوي بالمساوي‬
‫كتقدير دورة بزمان دورة أخرى فإضافة المقدار إلى الحركة من إضافة المقدار إلى المقدر أو العارض إلى‬
‫المعروض‪ ،‬قوله‪ ( :‬محدب المحدد) وهو الفلك األعظم سمي محددا لتحديده الجهات الحقيقية التي ال تتبدل‬
‫كالعلو والسفل فإنه يتحدد بمحيطه الحد القريب منه وهو جهة العلو وبمركزه الحد البعيد منه وهو جهة السفل‪،‬‬
‫قوله‪( :‬ألنه محيط بالكل) أي بكل األجسام المتحركة المحتاجة إلى مقارنة الزمان ‪ ،‬قوله‪( :‬أن اإلحاطتين) أي‬
‫إحاطة الفلك األعظم بكل األجسام وإحاطة الزمان فيها مختلفان أي مختلفي المعنى ومن شرط حد األوسط أن‬
‫يكون متحد المعنى في الصغرى والكبرى فال تكرر في الحد األوسط في هذا القياس‪ ،‬قوله‪ ( :‬فيلزم وجوده إلخ)‬
‫هذا على تقدير أن يكون ذلك الزمان عين الزمان األول وأما على تقدير أن يكون الزمان الثَّاني غير الزمان‬
‫األول يلزم التسلسل ألنها ننقل الكالم إلى ذلك الزمان ويرد عليه أيضا أن الجوهر قسم للممكن القسيم للواجب‬
‫اللهم إال أن يقال إنه لم يرد بالجوهر ما هو قسم للممكن فافهم ‪ ،‬قوله‪( :‬ويمنع بأنه إلخ) وبأن امتناع العدم بعد‬
‫الوجود ال ينافي اإلمكان لجواز أن ال يقتضي الوجود نظ ار إلى ذاته غايته دوام الزمان بتجدد األمثال على‬
‫االستمرار وال استحالة فيه أو نقول إن العدم يقع في طرف الماضي وهو اآلن فال نسلم المالزمة تأمل‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫( جواهر مجتمعة إلخ ) ألن الجسم عندهم مركب من الجواهر الفردة وأنها منفصلة لكن لصغر المفاصل التي‬
‫تماست األجزاء عليها ال يحس بانفصالها فال اتصال وال عرض هو متصل في نفسه قوله‪( :‬أو أمور عدمية)‬
‫فإنهم قالوا إن السطح نهاية وانقطاع للجسم والخط للسطح والجسم التعليمي مركب من السطوح التي هي أمور‬
‫عدمية فالكل أمور عدمية وما استدل به الحكماء من أنها لو لم تكن وجودية لما أشير إليها إشارة حسية إذ ال‬
‫إشارة إلى العدم مردود بأن اإلشارة إلى نفس الجواهر الفردة المترتبة ترتيبا مخصوصا ولها نهايات هي أعدام‬

‫‪73‬‬
‫وانقطاعات بمعنى أن الجواهر ليست بعدها جواهر أخر‪ ،‬قوله‪ ( :‬العدد أمر اعتباري) أي ال موجود حتى يكون‬
‫قسما من العرض ألنه مركب من الوحدات والوحدة من األمور االعتبارية إذ لو وجد فرد منها لكانت واحدة وإال‬
‫كانت كثيرة فينقسم الوحدة ولكن ال يخفى أن الحكماء ال يجعلون العدد من الموجودات الخارجية بل يجعلونه‬
‫من األمور الذهنية فالخالف بين الفريقين فيه فرع االختالف في الوجود الذهني فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬الزمان وهمي)‬
‫أي وهم محض ال تحقق له ولو باالعتبار فال تدخل في العرض الذي هو قسم من الموجود ألنه لو وجد كان‬
‫بعض أجزائه مقدما على بعض فيلزم تقدمه بالزمان فيتسلسل ألنا ننقل الكالم إلى ذلك الزمان وتقدم أجزائه وهلم‬
‫ج ار وألنه منحصر في الماضي والمستقبل والحال وال وجود لألولين ولو وجد الحال يلزم وجود الجوهر الفرد‬
‫الممتنع عند الحكماء وأجيب عنهما بوجوه مذكورة في المبسوطات‪ ،‬قوله‪( :‬لشموله المجردات) أي باعتبار الكم‬
‫المنفصل وذلك كالعدد للعقول والنفوس والمقدار للمكان عند من يجعله بعدا موجودا واعترض بأن العلم على‬
‫تقدير كونه عبارة عن الصورة يتصف به المجردات وهو من مقولة الكيف فيعم الكيف الماديات والمجردات‬
‫كالكم ورد بأن العلم ليس من مقولة الكيف مطلقا بل العلم الحصولي من الكيف دون الحضوري وعلم المجردات‬
‫ليس بحصولي بل حضوري فال يعم الكيف المجردات ولكن قال المصنف في بعض تعليقاته فيه إن علم الكيف‬
‫كيف حينئذ ‪ ،‬أي حين إذ كان العلم حضوريا انتهى فليتأمل‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫الم َج َّردات‬
‫الكيف ل ُش ُموله ُ‬
‫أعم ُو ُجودا من َ‬ ‫المُقوالت النسبَّية َو َ‬
‫صح ُو ُجودا من َ‬ ‫الكم الذي ُهو أَ َ‬
‫الف ارغ من َ‬
‫بعد َ‬
‫َو َ‬
‫ال‬
‫سبة ‪َ ،‬وَقد ُيَق ُ‬
‫سمة َوال ن َ‬
‫إما َكيف) َو ُرس َم َناقصا َب َع َرض َال َي َقب ُل لذاته ق َ‬
‫ع فيه وَقال ‪ (:‬و َّ‬
‫الكيف َشر َ‬
‫بخالف َ‬
‫صور‬ ‫َّ‬
‫صورَها َعلى تَ َ‬
‫الم َرك َبة لتََوقف تَ َ‬
‫الكيفيَّة ُ‬
‫ض َجمعا ب َ‬‫صور َغيره ف ْينتَق ُ‬ ‫صوره َعلى تَ َ‬ ‫ف تَ َ‬ ‫سبة تََوق ُ‬
‫الم َرُاد بالن َ‬
‫ُ‬
‫الرسم لتَ َوقف َها َعَليه‪.‬‬
‫الحد أَو َّ‬
‫المكتَ َس َبة ب َ‬
‫الكيفيَّة ُ‬
‫َجزائ َها َوب َ‬
‫أ َ‬
‫(وبعد الفراغ من الكم الذي هو أصح وجودا من المقوالت النسبية) ألنه أكثر دواما منها (وأعم وجودا من الكيف‬
‫لشموله) أي الكم لألجسام و(المجردات بخالف الكيف) فإنه يقتصر على األجسام فاقتضى ذلك تقديم الكم على‬
‫تعريف الكيف وورود النقض عليه‬

‫سائر المقوالت واتباعه بالكيف ألنه يشترك مع الكم في كونه أصح وجودا من المقوالت النسبية ‪ ،‬والمقوالت‬
‫النسبية هي المقوالت التي تكون النسبة فيها عينها وهي األين ومتى والفعل واالنفعال والجدة أو تكون النسبة‬
‫جزءا منها وذلك في مقولة اإلضافة فــ( شرع فيه) أي في الكيف وقال (وأما كيف ورسم ناقصا بــ) أنه (عرض‬
‫ال يقبل لذاته قسمة وال نسبة) واحترز بقوله ‪" :‬ال يقبل قسمة" عن الكم ألنه يقبل القسمة ‪ ،‬وبقوله ‪" :‬وال نسبة"‬
‫عن المقوالت النسبية فيكون تعريفه جامعا مانعا ‪ ،‬وإنما قيد ذلك بقوله‪" :‬لذاته" ألن الكيف يقبل القسمة والنسبة‬
‫لكن ال باعتبار ذاته بل باعتبار معروضه أما الكم فهو يقبل القسمة لذاته ‪ ،‬ثم إن الكيف ال يحد بل يرسم‬
‫مر سبب ذلك في تعريف الكم فراجعه‪( ،‬وقد يقال)_ بعد تعريف الكيف بأنه ال يقبل النسبة‬
‫بالرسم الناقص وقد َّ‬
‫_ بأن (المراد بالنسبة توقف تصوره على تصور غيره فــ) إن أريد ذلك فحينئذ (ينتقض) التعريف (جمعا بالكيفية‬
‫المركبة) كالمزاج فإنه كيف مركب من العناصر األربعة في الجسم وهي الح اررة والبرودة والرطوبة واليبوسة‬
‫بحيث تصل إلى حد االعتدال ‪ ،‬وإنما ينتقض التعريف بذلك (لتوقف تصورها) أي تلك الكيفية المركبة (على‬
‫تصور أجزاءها) ألن الكل متوقف تصوره على تصور أجزاءه وبهذا يدخل الكيف في المقوالت النسبية (و)‬
‫كذلك ينتقض التعريف (بالكيفية المكتسبة بالحد أو الرسم) كالكيف االستعدادي والكيف المحسوس (لتوقفها)‬
‫المعرف متوقف على‬
‫َّ‬ ‫أي تلك الكيفيات (عليه) أي على تصور تعريفاتها التي هي حد أو رسم فإن تصور‬
‫تصور المعرف فتدخل تلك الكيفيات في المقوالت النسبية أيضا‪.‬‬

‫‪75‬‬
‫المكتَ َس َب ُة ُيمك ُن‬ ‫َّ‬ ‫الخارُج لتََب ُادره َوبالتََّوقف َع َد ُم إ َ‬ ‫اب أ َّ‬
‫الكيفَّيةُ ُ‬
‫صور بُدونه َو َ‬‫مكان الت َ‬ ‫َمر َ‬ ‫الغير األ ُ‬
‫الم َرَاد ب َ‬
‫َن ُ‬ ‫الج َو ُ‬
‫َو َ‬
‫كيف َال‬
‫أخوذ في تَعريفه َف َ‬ ‫وضوع َم ُ‬
‫الم ُ‬
‫صور َ‬ ‫صوُره َعلى تَ َ‬‫ف تَ َ‬ ‫المتَ َوق َ‬
‫ض ُ‬ ‫ض بأَ َّن َ‬
‫الع َر َ‬ ‫اهة ‪َ ،‬واعتُر َ‬‫الب َد َ‬
‫صوُل َها ب َ‬‫ُح ُ‬
‫َّ‬
‫وهو)‬ ‫األول تَوقف الثاني ( ُ‬
‫ص َدُق ُه ‪ ،‬وال َي َلزُم من تَوقف َّ‬
‫يف َما َ‬
‫الك ُ‬
‫العرض و َ‬ ‫فهوم َ‬‫ف َم ُ‬ ‫و ُدف َع بأَ َّن ُ‬
‫المتَوق َ‬ ‫سبة‬
‫َي َقب ُل ن َ‬
‫الع َسل ) و َّإال‬
‫عاليات ( َك َحالوة َ‬
‫كان ْت (راسخة) فانف َّ‬ ‫وسة ) َفإن َ‬ ‫حس َ‬
‫َّ‬
‫َعلى أَرَبعة َ‬
‫أقسام ألن ُه ( إ َّما َه َيئة َم ُ‬ ‫قراء‬
‫باالست َ‬
‫الماء أَو َّ‬ ‫َّ‬ ‫الخجل) ‪ ،‬واإلحساس َّ َّ‬
‫السامعة‬ ‫الباصرة َكما َم َّر أَو الالمسة َكُب َ‬
‫رودة َ‬ ‫إما بالذائَقة أَو َ‬ ‫َ ُ‬ ‫مرة َ َ‬
‫كح َ‬
‫عاالت ( ُ‬ ‫فانف َ‬
‫َّ‬
‫الح َيوانَّية‬
‫صة بذوات األَ ُنفس َ‬ ‫كالرائ َحة ‪( ،‬أَو) َه َيئة ( َن َ‬
‫فسانية ) ُمختَ َّ‬ ‫كالصوت أَو الش َ‬
‫امة َّ‬ ‫َّ‬

‫(و) في (الجواب) نقول ‪( :‬أن المراد بالغير) في قولنا ‪" :‬يتوقف تصوره على تصور الغير" ‪ ،‬هو الغير بمعنى‬
‫الجواب على النقض ودفع اعتراض‬

‫(األمر الخارج لتبادره) وجزء الشيء ليس بخارج عنه في الكيف المركب ‪( ،‬و) أما الكيفيات المكتسبة بالحد أو‬
‫الرسم فنقول فيه الجواب عنها أن المراد (بالتوقف) أي توقف تصورها على تصور تعريفاتها (عدم إمكان‬
‫التصور بدونه ) أي بدون تصور تلك التعريفات (و) الحال أن (الكيفية المكتسبة) ليست كذلك ألنه (يمكن‬
‫حصولها) من غير حد أو رسم بأن يكون (بالبداهة) أو باإللهام أو بتعليم الغير (واعترض) على تعريف الكيف‬
‫(بأن العرض المتوقف تصوره على تصور الموضوع) والحال أن التوقف أمر نسبي وهو (مأخوذ في تعريفه)‬
‫وهو بهذا يدخل في المقوالت النسبية ( فكيف ال يقبل) الكيف ( نسبة و ) هذا االعتراض قد ( دفع بأن المتوقف)‬
‫على تصور الموضوع هو (مفهوم العرض و) الحال أن (الكيف) فرد من (ما صدقه) أي ما صدق عليه هذا‬
‫المفهوم ‪ ،‬ونحن لما نقول إن الكيف عرض ال نعني أن مفهوم الكيف هو نفس مفهوم العرض بل نعني أنه فرد‬
‫األول) أي ‪ :‬مفهوم العرض على تصور الموضوع (توقف الثَّاني) أي ما صدق‬
‫من أفراده (وال يلزم من توقف َّ‬
‫عليه العرض ‪ -‬وهو أفراده ‪ -‬على ذلك الموضوع ‪( ،‬وهو) أي الكيف (باالستقراء على أربعة أقسام ألنه إما‬
‫أقسام الكيف‬

‫هيئة محسوسة) تدرك بإحدى الحواس الخمس الظاهرة (فإن كانت راسخة فانفعاليات كحالوة العسل) فإن الحالوة‬
‫هيئة راسخة في العسل ‪( ،‬وإال بأن كانت) هيئة (غير راسخة فانفعاالت كحمرة الخجل) فإن الحمرة هيئة زائلة‬
‫وغير راسخة ‪ ،‬واستشكل بأن االنفعال مقولة من المقوالت التسع فهو قسيم للكيف فكيف يكون قسما منه ‪،‬‬
‫والجواب ‪ :‬أن المراد باالنفعالي هنا الهيئة المنسوبة إلى االنفعال ‪ ،‬فهي منسوبة إلى االنفعال وليست عينه‬
‫ولذلك نقول ‪ :‬انفعالي فهو من نسبة السبب إلى المسبب (واإلحساس) يكون بخمسة أمور ألنها (إما بالذائقة)‬
‫كحالوة العسل (أو الباصرة كما مر ) من حمرة الخجل (أو الالمسة كبرودة الماء أو السامعة كالصوت أو‬
‫الشامة كالرائحة أو) أنه (هيئة نفسانية مختصة بذوات األنفس الحيوانية) وهو القسم الثَّاني من مطلق الكيف‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪76‬‬
‫الجماد أو‬
‫إضافي بالنسبة إلى َ‬ ‫صاص َ‬
‫ألن االخت َ‬ ‫إما َّ‬
‫للواجب تعالى َّ‬
‫الحياة والعلم م َّما ُهو ثَابت َ‬
‫ض بنحو َ‬ ‫َوال َينتَق ُ‬
‫تابة و ) إال‬
‫كأول الك َ‬
‫إن َلم تَكن َراسخة فـ(حاَلة َّ‬‫المُقوالت َوهي ْ‬
‫إحدى َ‬
‫حت َ‬‫ألَ َّن الثَّاب َت َل ُه تَعالى َقديم ال َي َندرُج تَ َ‬
‫الف َب َين ُهما َقد َيكو ُن‬ ‫نه أَو َي ُ‬
‫عس ُر فاالخت ُ‬ ‫يث َيمتن ُع َزواُلها َع ُ‬
‫وضوعها ب َح ُ‬
‫تابة) إذا استُحك َم ْت في َم ُ‬
‫َفـ( َملكة كالك َ‬
‫حمري‬‫للجزئي إلى ُكليه َك َما في أَ َ‬
‫للمباَل َغة أو ُ‬ ‫العارض (أَو َهيئة استعداد َّية ) من جنس االستعداد فالن َ‬
‫سب ُة ُ‬ ‫ب َ‬
‫فإن قيل ‪ :‬العلم والحياة وأمثالهما تخرج عن التعريف ألنها تثبت هلل تعالى أيضا وال تختص بذوات األنفس‬
‫جواب عن نقض وتكملة األقسام‬

‫الحيوانية (و) الجواب أنه (ال ينتقض) التعريف بــ(نحو الحياة والعلم مما هو ثابت للواجب إما ألن االختصاص‬
‫إضافي بالنسبة إلى الجماد) فتكون الكيفيات النفسانية مختصة بذوات األنفس الحيوانية باإلضافة إلى الجمادات‬
‫وهذا ال ينافي وجودها في الواجب تعالى (أو ألن الثابت له) أي للواجب (تعالى قديم ال يندرج تحت إحدى‬
‫المقوالت) وما هنا حادث فاختلفا (وهي) أي الهيئة النفسانية على قسمين ألنها (إن لم تكن) هيئة (راسخة فــ)‬
‫تسمى (حالة) بتخفيف الالم ال بالتشديد وهي ابتداء الشيء وعدم استحكامه (كأول الكتابة و إال) بإن كانت‬
‫هيئة راسخة (فــ) تسمى (ملكة) وهي حالة االستحكام (كالكتابة إذا استحكمت في موضوعها بحيث امتنع زوالها‬
‫عنه أو عسر‪ ،‬فاالختالف بينهما) أي بين الحالة والملكة (قد يكون بالعارض) بناء على التمثيل في القسمين‬
‫بالكتابة فباعتبار االبتداء تسمى حالة وباعتبار االستحكام تسمى ملكة ‪ ،‬وقد ال يكون االختالف عارضا بل‬
‫يكون بالذات مثل أول العلم مثاال للحالة واستحكام الكتابة مثاال للملكة (أو) أن الكيف كيف استعدادي وهو‬
‫(هيئة استعدادية) بمعنى أنه ( من جنس االستعداد) ومنسوب إليه وهذه النسبة إما أن تكون من نسبة الشيء‬
‫إلى نفسه (فــ) تكون (النسبة للمبالغة) ويكون المقصود باالستعدادي ‪ :‬كثير االستعداد ‪( ،‬أو) تكون من نسبة‬
‫(للجزئي إلى كليه كما في) قولك للشيء األحمر إنه (أحمري)‪ ،‬أي‪ :‬منسوب إلى جنس هو األحمر فيكون‬
‫المقصود‪ :‬كيف منسوب إلى جنس االستعداد‪.‬‬

‫‪77‬‬
‫عدم التَّأثر‬
‫الكيفيَّ ُة االستعدادي ُة ل َ‬
‫البة وهي ) أي‪َ :‬‬ ‫الظاهر‪ :‬ل َع َدم التَّأَثر ( َّ‬
‫كالص َ‬ ‫ُ‬ ‫عداد َشديد ( ل َع َدم التَّأثير )‬
‫َفهي است َ‬
‫عف )‬
‫الض ُ‬ ‫عداد َشديد لالنف َعال و( التَّأَثر ) كاللَّين ( َو ُه َو ) ُي َس َّمى ( َّ‬ ‫عف ( أَو) است َ‬ ‫ض ُ‬
‫َّ‬
‫القوةُ ) َوالال َ‬
‫تُ َس َّمى ( َّ‬
‫عنى‬
‫حم َل َعَلى َم َ‬ ‫َّ‬ ‫جع َّ‬ ‫َّ‬
‫َن َال ُي َزُاد التسم َي ُة أَو تُ َ‬
‫البة َواللين َوحينئذ َين َبغي أ ْ‬ ‫الص َ‬
‫الضم َيرين إَلى َّ‬ ‫بعُد َر ُ‬ ‫َوالالُق َوةُ وَال َي ُ‬
‫لكيفيَّات‬
‫عداديَّة ال اَ َ‬
‫الكيفيَّات االست َ‬ ‫ام من أََّن ُه َما من َ‬ ‫الح َّق ما َذ َه َب إليه اإل َم ُ‬
‫َن َ‬‫طالق‪ ،‬وفي التَّمثيل إ َش َارة إلى أ َّ‬ ‫اإل َ‬
‫ال به َغي ُرهُ ‪.‬‬ ‫وسة كما َق َ‬ ‫لم َ‬ ‫الم ُ‬
‫َ‬
‫(فـ) الهيئة االستعدادية (هي) إما (استعداد شديد) _ وإنما قيده بالشديد ألن االستعداد الخفيف ومطلق االستعداد‬
‫أقسام الهيئة االستعدادية‬

‫ليسا من مقولة الكيف بل هما من مقولة اإلضافة بين المستعد والمستعد له _ ( لعدم التأثير الظاهر‪ :‬لعدم‬
‫التأثر ) أي الظاهر أن يقال ذلك وال يقال " عدم التأثير " كما ذكر الماتن ألن الكالم في قبول األثر من عدمه‬
‫ال في فعل التأثير من عدمه فهي ( كالصالبة وهي أي‪ :‬الكيفية االستعدادية لعدم التأثر تسمى) حينئذ (القوة و‬
‫الالضعف أو) هو ( استعداد شديد لالنفعال و التأثر كاللين وهو يسمى) حينئذ (الضعف والالقوة وال يبعد رجع‬
‫الضميرين) أي ‪ :‬الضمير "هي" التي ترجع في الشرح لـلكيفية االستعدادية ‪ ،‬والضمير "هو" الذي يرجع لقوله‬
‫"استعداد شديد" (إلى الصالبة واللين) اللذين هما فردان من أفراد الكيف (وحينئذ ينبغي أال يزاد التسمية ) وهي‬
‫قوله ‪" :‬تسمى ‪ ،‬يسمى" لكيال يكون الكيف مقتص ار على الصالبة واللين بل يكون شامال لهما وللممراضية‬
‫والمصحاحية أيضا فيكون المعنى‪ :‬أن الصالبة فرد من أفراد القوة ال أنها المسماة بالقوة و أن اللين فرد من‬
‫أفراد الضعف ال أنه المسمى بالضعف‪( ،‬أو) تزاد لفظة تسمى ويسمى و(تحمل على معنى اإلطالق) ال التسمية‬
‫بمعناه الخاص بمعنى أن القوة تطلق على الصالبة والضعف يطلق على اللين فال يمنع حينئذ من إطالق كل‬
‫منهما على غيرهما كالمصحاحية والممراضية (وفي التمثيل) للكيفيات االستعدادية بالصالبة واللين ( إشارة إلى‬
‫أن الحق ما ذهب إليه اإلمام الرازي من أنهما) أي الصالبة واللين (من الكيفيات االستعدادية‪ ،‬ال الكيفيات‬
‫الملموسة ) التي هي قسم من الكيفيات المحسوسة (كما قال به غيره) والمثال للكيفيات االستعدادية عند غير‬
‫اإلمام هو المصحاحية ‪ -‬وهي الهيئة التي بها صار الجسم ال يقبل المرض ‪ -‬والممراضية وهي الهيئة التي‬
‫بها صار الجسم يقبل المرض‪.‬‬

‫‪78‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫المَق َارن ل ُحُدوث َها َواست َ‬
‫عداد لَقُبوله َما‬ ‫كل اَلتْقعير ُ‬
‫الحاصَلةُ في َسطحه َو َش ُ‬ ‫الح َرَك ُة َ‬
‫ُمور‪َ :‬‬ ‫أل َّ‬
‫َن في الجسم اَللين ثَالثَ َة أ ُ‬
‫واأل ََّوَالن َليسا بلين إلدراكهما بالبصر بخ َالف اَ َّللين َفتَعي َّ‬
‫َّن الثال ُث ‪َ ،‬وفي الصلب أَرَب َعة ‪َ :‬ع َد ُم االَنغ َماز َو َ‬
‫هو‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اللمس َوهي‬ ‫اَلمحسوس ُة ب َّ‬ ‫المَق َاو َم ُة‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫صة باْل َكميَّات ‪َ ،‬و ُ‬‫كل ال َباقي َعَلى َحاله َو ُه َو من اَْل َكيفيَّات اَْل ُمختَ َّ‬
‫َع َدمي ‪َ ،‬والش ُ‬
‫َل ُه اَ َّلراب ُع َو ُه َو اَالست ْع َد ُاد‬ ‫الم ُنفوخ فيه ‪َ ،‬فتَ َعيَّ َن‬ ‫ق‬ ‫َّ‬
‫اله َواء اَلذي في الز َ‬ ‫المَق َاو َمة بُدون َها في َ‬
‫ص َال َبة ل ُو ُجود ُ‬
‫يست َ‬
‫َل َ‬
‫َّ‬
‫يل ب ُه َما أُوَلى من اَلتَّمثيل بالم َ‬
‫صحاحيَّة َوالمم َراضيَّة‬ ‫الشد ُيد َنحو االنف َعال ولهذه النكتَة َك َ َّ‬
‫ان التمث ُ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬
‫ولما أثبت المصنف أن الصالبة واللين من الكيفيات االستعدادية تبعا لالمام الرازي شرع اآلن في سبب اختيار‬
‫إثبات أن الصالبة واللين من الكيفيات االستعدادية تبعا لإلمام الرازي‬

‫األول منها هو (الحركة الحاصلة في سطحه)‬


‫مذهب اإلمام أما اللين فـ(ألن) هناك (في الجسم اللين ثالثة أمور) َّ‬
‫أي سطح ذلك الجسم (و) الثَّاني (شكل التقعير) الحاصل (المقارن لحدوثها) أي لحدوث تلك الحركة (و) الثَّالث‬
‫األوالن ليسا بلين‬
‫هو (استعداد) الجسم (لقبولهما) أي لقبول كل من الحركة والتقعير الحاصل مع الحركة‪( ،‬و َّ‬
‫إلدراكهما بالبصر) فهما من الكيفيات المحسوسة (بخالف اللين) ألنه ال يتعلق به البصر ال بالذات وال بالواسطة‬
‫باالتفاق (فتعين الثَّالث) وهو استعداد الجسم لقبول الحركة والتقعير فيكون هو اللين ويكون من الكيفيات‬
‫االستعدادية ‪ ،‬بقي أن الحركة والتقعير إنما يكونان مبصرين ال بالذات بل بالتبع ؛ ألن الحركة من مقولة األين‬
‫بالذات والتقعير شكل فيكون من الكيفيات المختصة بالكم بالذات (و) أما سبب اختيار مذهب اإلمام الرازي في‬
‫األول‪( :‬عدم) قبول‬
‫الصالبة وهو أنها من الكيفيات االستعدادية فألن (في) الجسم (الصلب أربعة) أمور‪َّ ،‬‬
‫(االنغماز) وال يمكن إطالق الصالبة عليه ألن الكيف عرض وأمر وجودي بالوجودين المحمولي والرابطي (و)‬
‫عدم االنغماز وإن كان موجودا بالوجود الرابطي فـ(هو عدمي) ال يكون موجودا بالوجود المحمولي ‪( ،‬و) الثَّاني‬
‫‪( :‬الشكل الباقي على حاله وهو) مترتب على عدم االنغماس وال يمكن عده صالبة أيضا ألن الشكل (من‬
‫الكيفيات المخصوصة بالكميات) والصالبة ليست من تلك الكيفيات باالتفاق ‪( ،‬و) الثَّالث ‪( :‬المقاومة المحسوسة‬
‫باللمس وهي) أيضا (ليست صالبة) ألن المقاومة ال يشترط أن تتحقق بالصالبة فقط (لوجود المقاومة بدونها‬
‫في الهواء الذي) هو الموجود (في الزق المنفوخ فيه‪ ،‬فتعين له) أي ليكون صالبة األمر (الرابع وهو ‪ :‬االستعداد‬
‫الشديد نحو االنفعال) فالصالبة إذن من الكيفيات االستعدادية‪( ،‬ولهذه النكتة) أي ألجل وجود الخالف في‬
‫الصالبة واللين وعدهما من الكيفيات االستعدادية تبعا لإلمام الرازي (كان التمثيل بهما) أي بالصالبة واللين‬
‫(أولى من التمثيل بالمصحاحية والممراضية) فإنه وإن كان التمثيل بهما صحيحا لكن ال تظهر منه هذه النكتة‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫كالفردَّية للثَّالثَة‪ ،‬واألوَلى أَن‬
‫للسطح أو ُم َنفصَلة َ‬ ‫للخط َوالتَّقعير َّ‬
‫ميات ُمتصلة كاالستَقامة َ‬ ‫الك َّ‬
‫صة ب َ‬‫أَو َه َيئة ُمختَ َّ‬
‫َّ‬ ‫بالبصر َففيه أَنَّ ُه ْ‬ ‫قال من أََّنها َراج َعة إلى َ‬
‫إن أُر َيد أَنها ُم َ‬
‫بص َرة بال‬ ‫وسة َ‬‫حس َ‬
‫الم ُ‬
‫الكيفَّيات َ‬ ‫وما ُي ُ‬‫ف‪َ ،‬‬‫صن ُ‬ ‫الم َ‬
‫ذك َرها ُ‬ ‫َي ُ‬
‫منوع‬ ‫ط ُة في الثبوت َكما في َّ‬
‫اللون أَم َال كما في َّ‬
‫الضوء َف َم ُ‬ ‫ُ‬ ‫الواس َ‬
‫العروض َسواء َو َج َدت َ‬
‫َواسطة في ُ‬
‫(أو) أن الكيف (هيئة مختصة بالكميات) وهذا القسم الرابع من أقسام الكيف وهي تنقسم بتبعية الكم إلى قسمين‬
‫الكيف قد يكون هيئة مختصة بالكميات وهي غير عائدة للكيفيات المحسوسة‬

‫ألنه إما هيئة (متصلة كاالستقامة للخط والتقعير للسطح) فإن الخط والسطح لكونهما من الكم المتصل كان‬
‫الكيف المختص بهما متصلين (أو) هي هيئة (منفصلة كالفردية للثالثة) والزوجية لألربعة مثال ‪ ،‬ولم يرد هذا‬
‫القسم في المتن لما سيأتي من أنه راجع إلى الكيفيات المحسوسة وسيذكر الشارح ما فيه (و) لذلك كان (األولى‬
‫األول‪ :‬الواسطة في‬
‫أن يذكرها المصنف و) قبل توضيح العبارة البد من بيان مفهوم الواسطة وأنها نوعان ‪َّ ،‬‬
‫العروض‪ :‬وهي تعني عروض الوصف الواحد لشيء ما أوال وبالذات وعروضه لشيء ثان بالتبع وبواسطة‬
‫عروضه للشيء األ َّول كحركة السيارة أوال وبالذات وحركة راكبها ثانيا وبواسطة حركة تلك السيارة ‪ ،‬والثَّاني ‪:‬‬
‫الواسطة في الثبوت وهي ثبوت الوصف للشيء الثَّاني بواسطة الشيء َّ‬
‫األول سواء كان ذلك الوصف ثابتا‬
‫األول أم ال ‪ ،‬وذلك كثبوت الوجود لإلنسان فإنه وصف ثابت له بواسطة ثبوته هلل تعالى وكثبوت الحدوث‬
‫للشيء َّ‬
‫لإلنسان فإنه وصف ثابت اإلنسان فقط وال يثبت هلل تعالى‪ ،‬إذا علم ذلك فـ(ما يقال من إنها) أي الهيئات‬
‫المختصة بالكميات كاالستقامة والتقعير وغيرها (راجعة إلى الكيفيات المحسوسة بالبصر ففيه ) اعتراض وهو‬
‫(أنه إن أريد) بكونها محسوسة بالبصر (أنها) أي تلك الكيفيات (مبصرة) بالذات و (بال واسطة في العروض‬
‫سواء وجدت الواسطة في الثبوت كما في اللون) فإن الرؤية البصرية المتعلقة باللون ال توجد فيها واسطة في‬
‫العروض الن الرؤية تتعلق باللون بالذات وال تتعلق بشيء آخر يكون واسطة في عروض الرؤية له ولكن توجد‬
‫فيها الواسطة في الثبوت إلن الرؤية البصرية تثبت للضوء أوال وبالذات وتثبت للون ثانيا وبواسطة ثبوتها للضوء‬
‫(أم ال) أي بأن لم توجد الواسطة في الثبوت أيضا أي‪ :‬كما لم توجد الواسطة في العروض (كما في الضوء)‬
‫فإن الرؤية تتعلق بالضوء من غير واسطة تكون سببا في عروضها به ومن غير حاجة كذلك إلى واسطة في‬
‫الثبوت ألن الرؤية تثبت للضوء بالذات ومن غير واسطة في ثبوتها له‪( ،‬فممنوع) أي إذا أريد بكون الكيفيات‬
‫المختصة بالكم محسوسة أنها محسوسة بالمعنى المار فهذا ممنوع‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫اج‬ ‫الع َرض ‪ ،‬أَو ُمبص َرة ب َها ؛ َففيه أََّن ُه َي َ‬ ‫َّ‬ ‫َكيف والرؤي ُة المتَعلَق ُة ب َّ‬
‫اللون‬
‫ستلزُم اند َر َ‬ ‫أ ََّوال َوبالذات ُمتَ َعلَقة ب َها ثَانيا َوب َ‬ ‫َ َ َ َُ‬
‫وسة ‪َ ،‬و َما‬
‫حس َ‬
‫الكم َوَكون َها َم ُ‬ ‫صة َب ُ‬ ‫جنسا َعاليا ‪َ ،‬عَلى أََّن ُه َال تََنافي َب َ‬
‫ين َكون َها ُمختَ َّ‬ ‫الكيف َف َال َي ُكو َن‬
‫حت َ‬ ‫اَألَين تَ َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ام‬ ‫ال إ َّن األ َ‬
‫َقس َ‬ ‫نسين في َمرتََبة ل َحقيَقة َواح َدة إال أَن ُيَق َ‬
‫وم ج َ‬‫الحكيم من أَن ُه َيرُد َعَلى الَقول ب َع َدم الت َنافي ُل ُز ُ‬
‫َقاَل ُه َع ُبد َ‬
‫التغاي َر االعتبار َّي كاف على َّ‬
‫أن دعواهُ الثاني َة‬ ‫ُ‬ ‫يس جنسا َعاليا ُمندفع َّ‬
‫بأن‬ ‫يف َل َ‬ ‫الك َ‬
‫طة َو َ‬ ‫َجناسا ُمتََوس َ‬
‫يس ْت أ َ‬
‫اَألَرَب َع َة َل َ‬
‫غير الزمة‬
‫ُ‬
‫(كيف) ال يمنع (و) أن تلك الكيفيات تحتاج إلى الواسطة في العروض كما تحتاج إلى الواسطة في الثبوت إذ‬
‫تكملة بيان عدم رجوع الكيف المختص بالكميات إلى الكيف المحسوس ودفع كالم لعبدالحكيم‬

‫(الرؤية المتعلقة باللون أوال وبالذات متعلقة بها) أي باالستقامة (ثانيا وبالعرض) وكذا التقعير والفردية فال تكون‬
‫تلك الكيفيات مثل اللون وال مثل الضوء لعدم وجود الواسطة في العروض فيهما بخالفه في تلك الكيفيات (أو)‬
‫قيل أن الكيفيات المختصة بالكم (مبصرة بها) أي بالواسطة في العروض (فـ) هذا الكالم صحيح لكن (فيه)‬
‫مبصر بسبب الواسطة في العروض يكون كيفا ألن الحركة والسكون‬
‫ا‬ ‫إشكال وهو (أنه) ليس كل ما يكون‬
‫واالجتماع واالفتراق كلها مبصرات بسبب الواسطة في العروض ألنها ترى بواسطة عروض اللون وهي من‬
‫مقولة األين ولو كانت من مقولة الكيف لكان ذلك (يستلزم اندراج األين تحت الكيف فال يكون) األين (جنسا‬
‫عاليا‪ ،‬على أنه ) حتى لو سلمنا أن الكيفيات المختصة بالكم محسوسة بالبصر فــ(ال تنافي بين كونها مختصة‬
‫بالكم وكونها محسوسة) بالبصر أيضا (وما قاله عبدالحكيم ) اعتراضا (من أنه يرد على القول بعدم التنافي)‬
‫بين كون الكيفية مختصة بالكم وكونها محسوسة (لزوم جنسين في مرتبة) واحدة (لحقيقة واحدة) أما إن كان‬
‫الجنسان في مرتبتين ف جاز أن يكونا جنسين لماهية واحدة كاإلنسان جنسه الحيوان والجسم النامي لكن الجسم‬
‫النامي جنس لإلنسان في مرتبة أعلى من مرتبة الحيوان ‪ ،‬وقوله‪ ( :‬إال أن يقال) هو جواب عبد الحكيم عن‬
‫اعتراض نفسه في لزوم جنسين في مرتبة واحد وهو أن يقال (إن األقسام األربعة) للكيف (ليست أجناسا‬
‫متوسطة) بل هي أصناف (و) أنواع اعتبارية ومطلق (الكيف ليس جنسا عاليا) لها بل هو نوع حقيقي فحينئذ‬
‫ال يجتمع جنسان بل نوعان اعتباريان وال يضر اجتماعهما في مرتبة واحدة وقوله‪( :‬مندفع) خبر ما قاله‬
‫عبدالحكيم (بأن التغاير االعتباري) بين الكيف المخصوص بالكم والكيف المحسوس (كاف) في دفع اعتراض‬
‫لزوم جنسين في مرتبة واحدة وال حاجة لجعل األقسام األربعة أجناسا متوسطة وال لجعل مطلق الكيف نوعا لها‬
‫‪( ،‬على أن دعواه) أي دعوى عبد الحكيم (الثَّانية) وهو كون األقسام األربعة أصنافا ومطلق الكيف نوعا حقيقيا‬
‫لها (غير الزمة)‬

‫‪81‬‬
‫فتدب ْر‬
‫تحته جنس ْأو ال خالفا للمناطقة َّ‬
‫كان ُ‬‫جنس فوَق ُه سواء َ‬
‫كالمهم ما ال َ‬
‫ْ‬ ‫أن ُيرَاد بالعالي في‬
‫لجواز ْ‬
‫(لجواز أن يراد بـ) الجنس (العالي في كالمهم) ما يكون عاليا علوا نسبيا وهو (ما ال جنس) يوجد (فوقه سواء‬
‫كان تحته جنس( كما هي حال األجناس العالية غير النسبية (أو ال) يكون تحته جنس كالحال في مطلق الكيف‬
‫ألنه جنس عالي ألقسامه األربعة لكن تلك األقسام ليست أجناسا بل هي أنواع تحته ‪ ،‬بقي أن هذا التعريف‬
‫للجنس العالي واقع (خالفا لـ) ما تقرر عند (المناطقة) ألنه عندهم ما ليس فوقه جنس ولكن يجب أن يكون‬
‫تحته جنس (فتدبر)‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫حواشي ابن الباساوي المتعلقة بمقولة الكيف‬
‫قوله‪ ( :‬ال يقبل لذاته قسمة ) لم يقل وال ال قسمة ألن الحاجة إليه إنما هي إلخراج النقطة والوحدة عند من‬
‫جعلها من األعراض والمحققون وتبعهم الشارح يجعلونها منها فلم تدخال في المعرف فال يحتاج إلى قيد‬
‫إلخراجهما إذ اإلخراج فرع الدخول ‪ ،‬قوله‪ ( :‬فإن كانت راسخة) أي في موضوعها ومستحكمة فيه بحيث ال‬
‫يزول عنه أصال أو يعسر زوالها ‪ ،‬قوله‪ ( :‬مختصة بذوات) يعني إن المقصود من نسبتها إلى ذوات األنفس‬
‫اختصاصها بها اختصاصا إضافيا أو حقيقيا ال كونها عارضة لها الشتراك سائر العوارض في ذلك ‪ ،‬قوله‪( :‬‬
‫تحت إحدى المقوالت) ال تحت الكيف وال في سائر األعراض وال الجواهر أيضا فإن الحياة مثال في الواجب‬
‫وسائر المجردات ليست عبارة عن مبدأ الحس والحركة كما في الحيوان فيكون االختصاص حقيقيا‪ ،‬قوله‪( :‬‬
‫وإال فملكة) بأن كانت راسخة ومستحكمة في موضوعها بحيث ال يزول عنها أصال أو يعسر زوالها ‪ ،‬قوله‪( :‬‬
‫فاالختالف بينهما قد يكون بالعارض) إنما قال قد ألن االختالف بينهما قد يكون بالذات أيضا كما إذا كان‬
‫الحال داخال تحت نوع من الكيفيات والملكة داخال تحت نوع آخر‪ ،‬قوله‪ ( :‬بالعارض) فإن الحال تصير ملكة‬
‫بالتدريج كما علم من أن الكتابة مثال تكون في ابتداء حصولها حاال وإذا ثبت زمانا واستحكمت صارت هي‬
‫بعينها ملكة فإن قلت ‪ :‬ال يخفى أن في الحال ضعفا وفي الملكة شدة واالختالف بهما موجب لالختالف النوعي‬
‫فكيف يقال بأن الكيفية الواحدة بالشخص تارة تصير ملكة وتارة تصير حاال ‪ ،‬قلت ‪ :‬أجاب عن هذا العالمة‬
‫الثَّاني بما حاصله أن االختالف في الشدة والضعف المقتضي لالختالف في النوع إنما هو في حصول الكلي‬
‫في جزئياته وصدقه عليها أعني ما هو قسم من التشكيك ال في ثبوت الجزئيات لموضوعاتها وما نحن فيه من‬
‫قبيل الثَّاني ال األول ‪ ،‬قوله ( وهي القوة) اعترض بأن القوة يقال على مبدأ التأثير كالح اررة فإنها مبدأ اإلحراق‬
‫فبهذا المعنى تكون من الكيفيات المحسوسة وعلى صفة بها يمكن الحيوان من مزاولة أفعال شاقة وبهذا تكون‬
‫من الكيفيات النفسانية أجيب بأنه ال تنافي بين أقسام الكيفية بأن يمتنع صدق البعض منها على شيء مع ما‬
‫صدق عليه اآلخر فإن الح اررة من حيث كونها مدركة بالحس يصدق عليها أنها من الكيفيات المحسوسة ومن‬
‫حيث كونها قوة شديدة فاعلة يصدق عليها أنها من الكيفيات االستعدادية ‪ ،‬قوله‪ ( :‬بال واسطة في العروض)‬
‫الذي هو قسم الواسطة في الثبوت بالمعنى إذ هي أمر بسببه يحصل الشيء هو ذو الواسطة صفة حقيقة أي‬
‫أوال كالنار الواسطة لحصول الح اررة للقدر والماء أو مجا از أي ثانيا بمعنى أن الصفة حاصلة للواسطة أوال‬
‫وتنسب إلى ذي الواسطة ثانيا وبتبعية الواسطة كالسفينة الواسطة في عروض الحركة لمن في السفينة ويسمى‬

‫‪83‬‬
‫األول واسطة في الثبوت بالمعنى األخص والثَّاني واسطة في العروض‪ ،‬قوله‪ ( :‬كما في اللون) فإنها مبصرة‬
‫بال واسطة في العروض لكن يوجد الواسطة في الثبوت وهو الضوء فإن رؤية اللون مشروطة برؤية الضوء‬
‫فهي واسطة في ثبوت الرؤية للون فمراده قدس سره من الواسطة في الثبوت الواسطة في الثبوت بالمعنى‬
‫األخص إذ هو بالمعنى األعم يعم الواسطة في العروض فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬بأن التغاير االعتباري كاف) أي في‬
‫عدم لزوم جنسين في مرتبة لحقيقة واحدة فإن االستقامة واالنحناء مثال من حيث كونها مدركة بالحس من‬
‫الكيفيات المحسوسة ومن حيث عروضها بالذات للكم من الكيفيات المختصة بالكميات‬

‫‪84‬‬
‫وقال ( وإما أين )‬
‫َ‬ ‫األين ولذا َّ‬
‫قد َم ُه‪:‬‬ ‫ع في األعراض النسبية والمتكلمو َن أنكروها إال َ‬
‫من الكيف شر َ‬
‫وبعد الفراغ ْ‬
‫َ‬
‫بينهما‬
‫تخل ُل ثالث ُ‬
‫مكن‬
‫فإن أ َ‬‫آخر ْ‬
‫حصول جوهر باعتبار َ‬
‫ُ‬ ‫إن اعتُب َر‬
‫الحصول في الحيز وقالوا ْ‬
‫ُ‬ ‫بأنه‬
‫وفس ُروهُ ُ‬
‫َّ‬
‫فحركة‪.‬‬
‫َ‬ ‫فسكون ْأو في َ‬
‫آخر‬ ‫ذلك الحيز ُ‬
‫سبوقا بحصوله في َ‬
‫كان َم ُ‬‫فإن َ‬
‫عتب ْر ْ‬
‫إن لم ُي َ‬
‫فافتراق وإال فاجتماع ‪ ،‬و ْ‬
‫(وبعد الفراغ من الكيف شرع في األعراض النسبية ) وهي سبعة أولها األين ( والمتكلمون أنكروها) فهي عندهم‬
‫تعريف األين وبيان أقسامه‬

‫أمور اعتبارية لها وجود رابطي فقط كاألخوة في مقولة اإلضافة له وجود رابطي فنقول "زيد أخ لعمرو" وليس‬
‫له وجود محمولي فال نقول "زيد أخوة" وقس على اإلضافة غيرها من المقوالت النسبية (إال األين) فإن المتكلمين‬
‫اعتبروا وجوده المحمولي وعدوه عرضا (ولذا قدمه وقال وإما أين وفسروه) أي فسر المتكلمون األين (بأنه ‪:‬‬
‫الحصول في الحيز) والحصول نسبة بين المتحيز وحيزه ‪( ،‬وقالوا) أي المتكلمون ‪ :‬األين أربعة أقسام وهي‬
‫وهر (آخر فإن أمكن تخلل ثالث‬ ‫االفتراق واالجتماع والسكون والحركة ألنه (إن اعتبر حصول َج َ‬
‫وهر باعتبار) َج َ‬
‫بينهما فـ) الحاصل هو (افتراق وإال ) أي وإن لم يمكن تخلل ثالث (فـ) الحاصل هو (اجتماع ‪ ،‬وإن لم يعتبر)‬
‫حصول الجوهر باعتبار آخر بل اعتبر الجوهر في نفسه (فإن كان مسبوقا بحصوله في ذلك الحيز) الذي هو‬
‫فيه (فسكون أو) إن كان مسبوقا بالحصول (في) حيز (آخر فحركة) واختلفوا في السكون هل هو‬
‫مجموع الحصولين‪ ،‬أو الحصول الثَّاني فقط وكذلك الحركة هل هي الحصول الثَّاني أو مجموع الحصولين‬
‫على مذهبين ‪ ،‬وإنما قال "إن اعتبر حصول جوهر" ولم يذكر حصول العرض ألن هذه األقسام األربعة تحصل‬
‫للجوهر بالذات وللعرض بتبعية الجوهر و واسطته فاكتفى بذكر ما بالذات عما بالعرض‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫من مقولة اإلضافة كاألخوة‬ ‫قال إن ُه ْ‬
‫المقيد بما َم َّر افتراقا اصطالحية ‪ ،‬فما ُي ُ‬ ‫خفى َّ‬
‫أن تسمي َة الحصول َّ‬ ‫وال َي َ‬
‫تلك اإلضاف ُة‬ ‫ف يكو ُن منها ْ‬
‫نعم َ‬ ‫له كي َ‬
‫كان اسما ُ‬
‫أنه إذا َ‬‫وعكسه ففيه ُ‬
‫ُ‬ ‫عن عمرو مثال‬
‫والمتضايفان افتراق زيد ْ‬
‫َّ‬
‫هو‬‫الحكماء ( َ‬
‫ُ‬ ‫االجتماع (و) قالت‬
‫َ‬ ‫وقس عليه‬ ‫معناهُ اللغوي و ُ‬
‫الزم االصطالحي فهذا م ْن اشتباه الملزوم بالالزم ْ‬
‫اإلمام‬ ‫بأن ال يز َيد عليه وغيره ككون زيد في اإلقليم ‪َّ ،‬‬
‫وردهُ‬ ‫تحصل للشيء بحصوله في المكان ) الحقيقي ْ‬‫ُ‬ ‫هيئة‬
‫ُ‬
‫فتلك النسب ُة َّإنما هي‬ ‫لزم كو ُن األين َّ‬
‫كما أو كيفا وإال َ‬ ‫تكن نسبة َ‬ ‫دليل على غير الحصول ألَّنها ْ‬
‫إن ْلم ْ‬ ‫بأنه ال َ‬
‫ُ‬
‫َ‬
‫إلى المكان بالحصول فيه‪.‬‬

‫( وال يخفى أن تسمية الحصول المقيد بما مر ) بأنه في حيز (افتراقا اصطالحية ‪ ،‬فما يقال) من (أنه من‬
‫ما اشتبه فيه العالمة البنجويني وتعريف الحكماء لألين‬

‫مقولة اإلضافة ) والقائل هو العالمة البنجويني في حواشيه على تقريب المرام فإنه ذكر ما مفاده أنه يمكن جعل‬
‫االجتماع واالفتراق من مقولة اإلضافة ( كاألخوة والمتضايفان) ألن الحصول المتضمن في تعريفها نسبة والنسبة‬
‫إضافة ألنها تحتاج إلى متضايفين يتوقف تصور أحدهما على اآلخر‪ ،‬وذلك كالنسبة بين زيد وعمرو مثال ‪،‬‬
‫أي (افتراق زيد عن عمرو وعكسه) وهو افتراق عمرو عن زيد وكذلك اجتماع كل منهما مع اآلخر‪( ،‬ففيه) أي‬
‫في كالم البنجويني نظر من حيث (أنه) أي االفتراق (إذا كان اسما له) أي للحصول المقيد بأنه في حيز ‪،‬‬
‫فـ(كيف يكون منها) أي من مقولة اإلضافة ألن الحصول يتضمن نسبة واحدة بين المتحيز وحيزه أما اإلضافة‬
‫فإنها تتطلب تكرر النسبة في التعقل بين المضاف والمضاف إليه ‪( ،‬نعم) لو سلمنا بأن فيه إضافة فـ(تلك‬
‫اإلضافة معناه اللغوي)‪ ،‬واالجتماع هنا اصطالحي (و) ذلك المعنى اللغوي (الزم) للمعنى (االصطالحي فهذا‬
‫) من الشيخ البنجويني (من اشتباه الالزم بالملزوم وقس عليه) أي على االفتراق (االجتماع ‪ ،‬و) بعد أن ذكرنا‬
‫أن االين عند المتكلمين هو الحصول في الحيز (قالت الحكماء) األين (هو هيئة تحصل للشيء) المتمكن‬
‫(بحصوله في المكان)‪ ،‬ثم إن المكان ينقسم إلى (الحقيقي) وهو (بأن ال يزيد) المكان فيه (عليه) أي على‬
‫الشيء المتمكن كالكوب للماء (و) إلى (غيره) أي غير الحقيقي وهو ما زاد عن المتمكن (ككون زيد في اإلقليم)‬
‫فزيد لم يتمكن في اإلقليم حقيقة بل في جزء منه (ورده اإلمام) أي رد اإلمام الرازي تعريف الحكماء لألين وحكم‬
‫(بأنه ال دليل على غير الحصول‪ ،‬ألنها) أي الهيئة التي عرف الحكماء األين بها إما أن تكون نسبة أو غير‬
‫نسبة فـ(إن لم تكن نسبة لزم كون األين كما أو كيفا ) وهذه الهيئة أين عندهم فال تكون كما وال كيفا‪( ،‬وإال) أي‬
‫بإن كانت تلك الهيئة نسبة (فتلك النسبة إنما هي إلى المكان بالحصول فيه)‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫تحصل للشيء بحصوله في الزمان ) حقيقيا كاليوم للصوم ْأو ال كالشهر‬
‫ُ‬ ‫الحصول ْأو ( هيئة‬
‫ُ‬ ‫وهو )‬
‫( وإ َّما متى َ‬
‫الزمان‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫الزمان عليه فحقيقي وإال فغيرهُ ‪ ،‬والفر ُق َ‬
‫بين الحقيقيين َّ‬ ‫ُ‬ ‫إن ْلم يفضل‬
‫فهو كاألين قسمان ألن ُه ْ‬
‫للخسوف َ‬
‫وجود اآلن المتناع وقوع‬ ‫اآلن الستلزامه‬‫يقل أو َ‬‫ين بخالف المكان ولم ْ‬ ‫بين كثير َ‬ ‫يقبل َّ‬
‫الشرك َة َ‬
‫َ‬ ‫احد َ ُ‬
‫الحقيقي الو َ‬
‫َّ‬
‫ينقسم‬
‫ُ‬ ‫الزمان‬
‫بعد انقطاعه وانقسامه ‪ ،‬و ُ‬ ‫طرف الشيء ال يتحق ُق إال َ‬
‫َ‬ ‫وهو َمعدوم َّ‬
‫ألن‬ ‫الشيء في غير الموجود َ‬
‫متكلمين لعدم قولهم بوجود الزمان‬
‫َ‬ ‫وجود لمتى عند ال‬
‫َ‬ ‫يظهر أنَّ ُه ال‬
‫ُ‬ ‫ينقطع عندهم ‪ ،‬وم ْن هنا‬
‫ُ‬ ‫بالوهم فقط وال‬

‫(وأما متى و) اختلف المتكلمون والحكماء في تعريفه فـ(هو الحصول) أي حصول الشيء في الزمان وهذا‬
‫تعريف المتى وبيان أقسامه‬

‫تعريف المتكلمين ‪( ،‬أو) هو (هيئة تحصل للشيء بحصوله في الزمان) وهذا تعريف الحكماء ‪ ،‬فإضافة قيد "‬
‫الحصول " لإلشارة إلى هذا الخالف ‪ ،‬والزمان إما يكون (حقيقيا) إن لم يفضل الزمان عنه (كاليوم للصوم أو‬
‫ال) يكون حقيقيا بأن يفضل الزمان عنه (كالشهر للخسوف‪ ،‬فهو كاألين قسمان ألنه إن لم يفضل الزمان عليه‬
‫فـ) هو زمان (حقيقي ‪ ،‬وإال) بأن فضل الزمان عليه (فغيره) أي غير حقيقي‪( ،‬والفرق بين) متى واألين (‬
‫الحقيقيين) هو (أن الزمان الحقيقي الواحد) في متى (يقبل الشركة بين كثيرين بخالف المكان) الحقيقي في‬
‫األين فإنه ال يقبل إال شخصا واحدا (ولم يقل) الماتن (أو اآلن) في تعريف متى بأن يقول ‪ :‬هيئة تحصل‬
‫للشيء بسبب حصوله في الزمان أو اآلن ‪( ،‬الستلزامه وجود اآلن) والحال أن الحكماء ال يقولون به ‪ ،‬ودليلهم‬
‫على عدم وجود اآلن هو أن الزمان موجود ووجوده يستلزم وجود طرفه (المتناع وقوع الشيء) الموجود (في)‬
‫الطرف (غير الموجود وهو) أي ذلك طرف (معدوم ‪ ،‬ل ـ) دليل هو (أن طرف الشيء ال يتحقق) في الوجود (إال‬
‫بعد انقطاعه) أي انقطاع ذلك الزمان ( وانقسامه) وقد قلنا إن الزمان قديم ال ينقطع فثبت أن ذلك الطرف ال‬
‫يتحقق في الوجود ألن وجوده متوقف على ذلك االنقطاع المحال فوجب عدم ذكر قيد اآلن في التعريف ‪ ،‬وقوله‬
‫‪ " :‬انقطاعه وانقسامه " عطف السبب على المسبب (والزمان) عند الفالسفة (ينقسم بالوهم فقط) وال يضره تلك‬
‫القسمة الوهمية ألنها عبارة عن فرض شيء غير شيء ( وال ينقطع) الزمان (عندهم) وقد ذكرنا في الكم المتصل‬
‫دليل ذلك وهو أن الزمان مقدار حركة الفلك األطلس وبما أن الحركة قديمة فالزمان قديم فال ينقطع وال ينقسم‬
‫إال بالوهم ‪( ،‬ومن هنا) أي ‪ :‬من قوله ‪ :‬المتناع وقوع الشيء في غير الموجود وهو معدوم ( يظهر أنه ال‬
‫مر بيانه ‪.‬‬
‫وجود لمتى عند المتكلمين لعدم قولهم بوجود الزمان ) وقد َّ‬

‫‪87‬‬
‫حواشي ابن الباساوي المتعلقة بمقوالت األين والمتى‬
‫قوله‪ ( :‬فإن أمكن تخلل ثالث) أشار بأمكن إلى أنه ال يلزم تخلل ثالث بالفعل كما في صورة الخالء فدخل‬
‫افتراق الجوهرين بتوسطه ألن الخالء ممكن عند المتكلمين ‪ ،‬قوله‪ ( :‬فافتراق) أي فذلك الحصول يسمى باالفتراق‬
‫فيكون تسمية حصول واحد به بمجرد العرف أو المعنى فالحصوالن افتراق أو فذلك شق افتراق على ما قاله‬
‫المصنف في بعض تعليقاته فافهم ‪ ،‬قوله ‪( :‬وإن لم يعتبر) أي حصول جوهر في حيز باعتبار جوهر آخر‪،‬‬
‫قوله‪ ( :‬فسكون) فيكون السكون الحصول الثَّاني في الحيز األول والحركة الحصول األول في الحيز الثَّاني وال‬
‫يخفى أن أولية الحيز في السكون أعم من أن يكون تحقيقا أو تقدي ار كالساكن الذي ال يتحرك أصال وال يحصل‬
‫في حيز ثان وأولية الحصول في الحركة كذلك لجواز أن ال يوجد للمتحرك الحصول الثَّاني بأن ينعدم في آن‬
‫انقطاع الحركة فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬بالحصول فيه) فيكون األين نفس تلك الحصول دون الهيئة التي تحصل‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫( في الزمان حقيقيا) وهو كون شيء في زمان ال يفضل عنه كاليوم و كحدوث المطر في ساعة معينة‪ ،‬قوله‬
‫‪ ( :‬الستلزامه وجود اآلن) أي الستلزام وقوع الشيء في اآلن الذي هو طرف الزمان وجودا‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫أي المعقولة بالقياس إلى األُخرى معقولة بالقياس إلى األولى (‬
‫وهي النسب ُة المتكررةُ في التعقل) ْ‬ ‫( وإما إضافة‬
‫َ‬
‫الدية‬
‫رك ُب منه ومن معروضه كالوالد مع الو َّ‬ ‫سمى هذه النسب ُة مضافا حقيقيا أيضا والم َّ‬‫الولدية ) وتُ َّ‬
‫كالوالدية و َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫اهية‬
‫الم َّ‬ ‫وحدهُ ُمضافا مشهورَّيا ‪ ،‬والنسبتان المتكرَرتان ْقد تتماثالن فتتَّ َ‬
‫حدان في االسم كتمام َ‬ ‫المعروض َ‬
‫ُ‬ ‫وكذا‬

‫)وأما إضافة وهي النسبة المتكررة في التعقل أي ) أن فيها نسبتين النسبة األولى منهما هي (المعقولة بالقياس‬
‫تعريف اإلضافة وبيان أقسامها‬

‫إلى األخرى) وهي الثَّانية وهذه الثَّانية (معقولة بالقياس إلى األولى) كاألبوة معقولة بالقياس إلى البنوة والبنوة‬
‫معقولة بالقياس إلى األبوة بمعنى أن تصور أحديهما ال يكون من دون تصور األخرى ‪ ،‬وهذا دور لكنه دور‬
‫معي فال يضر والدور يضر إذا كان تقدميا بأن يتقدم أحد الدائرين على اآلخر فيلزم منه تقدم الشيء على‬
‫نفسه ‪ ،‬وليس كذلك الدور المعي ففي الوقت الذي تتصور فيه األبوة تتصور فيه البنوة معها فال تقدم والنسبة‬
‫األولى مقصودة بالذات والنسبة الثَّانية مقصودة بالتبع ‪( ،‬كالوالدية والولدية) فالوالدية مثل "زيد والد لعمرو"‬
‫والولدية مثل "عمرو ولد لزيد" فإن كال من النسبتين يتعقل باإلضافة إلى األخرى كما ذكرنا في األبوة والبنوة ‪.‬‬
‫(وتسمى هذه النسبة مضافا حقيقيا أيضا) أي كما تسمى إضافة؛ ألن الوالدية في المثال أعاله هي المضافة‬
‫حقيقة إلى الولدية ال الوالد الذي هو زيد وكذلك ولدية عمرو فإنها هي المضافة حقيقة إلى الوالدية ال الولد‬
‫الذي هو عمرو (و) يسمى المجموع (المركب منه) أي من المضاف الحقيقي الذي هو الوالدية العارضة في‬
‫زيد (ومن معروضه) الذي هو الولدية في عمرو (كالوالدية مع الوالد‪ ،‬وكذا) يطلق على (المعروض وحده) الذي‬
‫زيد أو عمرو ال بقيد الوالدية أو الولدية ‪ ،‬وقوله (مضافا مشهوريا) هو الخبر‪ ،‬وإنما سمي مشهوريا ألن المشهور‬
‫بين الناس أن زيدا بقيد الوالدية أو زيد وحده هو المضاف ‪ ،‬أما المضاف حقيقة فهو نسبة والدية زيد إلى ولدية‬
‫عمرو كما ذكرنا‪( ،‬والنسبتان المتكررتان) في اإلضافة (قد تتماثالن) والتماثل اشتراك المنتسبين في تمام الماهية‬
‫الذاتية ويكون اختالفهما في العوارض فقط (فتتحدان في االسم) أيضا (كـ) ما تتحدان في (تمام الماهية)‬

‫‪89‬‬
‫ض اإلضافةُ‬
‫عر ُ‬
‫البنوة والعموم والخصوص وتُ َ‬
‫كاألبوة و َّ‬
‫َّ‬ ‫كاألخوة والتساوي والتباين وقد تتجانسان فتختلفان فيهما‬
‫َّ‬
‫كاألبوة واألقلي ُة للجوهر والكم‬
‫َّ‬ ‫له ْأو ال‬
‫كاألولية ُ‬
‫َّ‬ ‫أقبح من العمى والموجود واجبا‬
‫الجهل ُ‬
‫ُ‬ ‫نحو‬
‫للمعدوم َ‬
‫وذلك (كاألخوة) في "زيد أخ لعمرو " و " عمرو أخ لزيد" ‪ ،‬فاألخوة اسم لكليهما فهما مشتركان في هذا االسم‬
‫بيان أمثلة على مقولة اإلضافة وبيان عروضها للمعدوم والموجود‬

‫كاشت اركهما في تمام الماهية اإلنسانية ‪( ،‬و) كـ(التساوي) وهو صدق كل من الكليين على تمام أفراد اآلخر‬
‫كنسبة اإلنسان إلى الناطق ونسبة الناطق إلى اإلنسان بينهما نسبة التساوي فتساوي كل منهما متوقف على‬
‫تساوي اآلخر فهما متضايفان وبينهما اتحاد في الماهية واالسم ‪( ،‬و) كـ(التباين) وهو عدم صدق كل من‬
‫الكليين على كل من أفراد اآلخر مثل تباين اإلنسان للحصان وتباين الحصان لإلنسان ‪ ،‬فتصور تباين كل‬
‫منهما متوقف على تصور تباين اآلخر‪ ،‬فهما متضايفان وبينهما اتحاد في الماهية واإلسم‪( ،‬وقد تتجانسان) أي‬
‫تتح د النسبتان في الجنس (فتختلفتان فيهما) أي في تمام الماهية النوعية وتختلفان كذلك في االسم (كاألبوة‬
‫والبنوة) متضايفان لكن ال تماثل بينهما في النوع بل التماثل بينهما في الجنس فقط وهو التوالدية ‪( ،‬و) من‬
‫مضان تجانس النسبتين (العموم والخصوص) فهما مشتركان في جنس واحد وهو كونهما من النسب األربع‬
‫ومختلفان في النوع ألن العموم ينطبق على جميع مصاديقه والخصوص على بعضها وهما مختلفان في االسم‬
‫أيضا (وتعرض اإلضافة للمعدوم ) فال تختص بالواجب وال بالموجود الممكن‪ ،‬أما عروضها للمعدوم فـ(نحو)‬
‫قولنا (الجهل أقبح من العمى) فاألقبحية هنا نسبة عرضت لكل من الجهل والعمى وهما معدومان إذ الجهل‬
‫عدم العلم والعمى عدم البصر فاألقبحية إضافة ولكنها ليست موجودة بل معدومة لتعلقها بالمعدوم الذي هو‬
‫الجهل والعمى كما ذكرنا ‪( ،‬و) أما عروضها لـ(الموجود واجبا) فـ(كاألولية له) أي للواجب فإنها إضافة تعرض‬
‫للواجب إذ هي نسبة بين الواجب والممكن تتكرر في التعقل ألن تصور أولية الواجب بالنسبة إلى الممكن تتوقف‬
‫على تصور آخرية الممكن بالنسبة إلى الواجب ‪( ،‬أو) تعرض اإلضافة للموجود (ال) واجبا بأن تعرض للموجود‬
‫ممكنا وهو الجوهر والعرض (كاألبوة) مثاال لما يعرض للجوهر فإنها إضافة عرضت لجوهر هو زيد باإلضافة‬
‫وهر آخر يكون ابنا له‪( ،‬و) كـ(األقلية) مثاال لعروضها للعرض فإنها إضافة عرضت للكم فيقال "ثالثة‬
‫إلى َج َ‬
‫أقل من أربعة" ‪ ،‬فاألبوة عرضت (للجوهر و) األقلية عرضت للثالثة التي هي (الكم) وهذا العروض حصل‬
‫باإلضافة إلى العدد أربعة ‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫ط به ) إحاطة تامة كاإلهاب‬
‫تحصل للشيء بسبب ما يحي ُ‬
‫ُ‬ ‫له ( ج َدة ) أيضا ( وهي حالة‬
‫يقال ُ‬
‫( وإما ملك و) ُ‬
‫َ‬
‫ط به ُمسامحة‪.‬‬
‫يقل ْأو ببعضه وتفسيرهُ بنسبة الشيء إلى ما يحي ُ‬
‫ْأو ناقصة كما في العمامة ولذا ْلم ْ‬
‫(وإما ملك ويقال له جدة أيضا وهي حالة تحصل للشيء بسبب ما يحيط به) فهي نسبة بين المحاط والمحيط‬
‫تعريف الملك والجدة‬

‫لوالها لم تحصل تلك الحالة التي يقال لها ملك وجدة ‪ ،‬وهذه اإلحاطة إما تكون (إحاطة تامة كاإلهاب) للهر‬
‫(أو) تكون (ناقصة كما في العمامة) لإلنسان فإنها تحيط بجزء منه بل بجزء من رأسه ‪ ،‬ثم إن مصنف تهذيب‬
‫الكالم زاد في تعريف الملك ‪ :‬أو ببعضه ‪ ،‬فقال ‪ " :‬بسبب ما يحيط به أو ببعضه " والشيخ القزلجي رحمه هللا‬
‫اس تغنى عن ذكر البعض مكتفيا بذكر اإلحاطة ألنها جنس لها فردان تامة وهي اإلحاطة الكلية وناقصة وهي‬
‫اإلحاطة الجزئية فاكتفى بذكر الجنس عن ذكر أفراده ( ولذا لم يقل أو ببعضه ) ‪ ،‬وفي التهذيب أيضا تفسير‬
‫الجدة بأنها نسبة الشيء إلى ما يحيط به ‪( ،‬و) الشارح قرر بأن (تفسيره) بذلك أي (بنسبة الشيء إلى ما يحيط‬
‫به مسامحة) ألن الكتاب على مزاج الحكماء وهم ال يطلقون الجدة على النسبة ‪ ،‬بل على الهيئة التي تحصل‬
‫بسبب تلك النسبة فهو من ذكر السبب وإرادة المسبب‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫أمر ( طبيعيا ) ذاتيا ( كاإلهاب ) للهرة َمثال ( ْأو ال ) طبيعيا وعرضيا (‬
‫َا‬ ‫ط أعم من أن يكو َن‬
‫ث َّم إن المحي َ‬
‫ينتقل بانتقاله ) أي الشيء المحاط وصيغ ُة المضارع‬
‫ُ‬ ‫ط(‬ ‫الحال إ َّن المحي َ‬
‫و ُ‬ ‫وهو ) أي‬
‫كالثياب ) لإلنسان ( َ‬
‫ط به إال َّ‬
‫أن‬ ‫لشيء بسبب ما يحي ُ‬ ‫تحصل ل‬
‫ُ‬ ‫كانت حالة‬
‫ْ‬ ‫إن‬
‫المتعلق بالمكان فإن ُه و ْ‬
‫ُ‬ ‫األين‬
‫ُ‬ ‫لالستمرار فيخرُج به‬
‫َ‬
‫انتقل بانتقاله في‬
‫َ‬ ‫إن‬
‫كان سطحا فألن ُه و ْ‬
‫كان ُبعدا فظاهر وأما إذا َ‬
‫ينتقل بانتقال المتمكن ‪ ،‬أما إذا َ‬
‫ُ‬ ‫المكان ال‬
‫َ‬
‫ينتقل دائ َما‪.‬‬
‫ثم خل َي إال أن ُه ال يصح أن ُه ُ‬ ‫الزق المنفوخ إذا ُسك َن َ‬
‫تحت الماء َ‬
‫(ثم إن) األمر (المحيط) بالشيء (أعم من أن يكون أم ار طبيعيا ذاتيا) بأن يكون جزءا من طبيعة الشي في‬
‫أقسام اإلضافة وبيان محترزات تعريفها‬

‫الخارج ومن ذاته (كاإلهاب للهرة مثال أو) يكون أم ار ( ال طبيعيا وعرضيا) بأن ال يكون جزءا من طبيعية‬
‫الشيء (كالثياب لإلنسان)‪ ،‬فليس المراد بالذاتي هنا ما يكون جزء للماهية كما أن العرض ليس معناه االختصاص‬
‫الناعت‪ ،‬بل المراد المعنى اللغوي لهما (وهو أي والحال أن المحيط ينتقل بانتقاله أي) بانتقال (الشيء المحاط)‬
‫وهذه العبارة تكملة لتعريف الجدة ولو لم يذكر هذه التكملة لكان التعريف غير مانع من دخول األين إذ المحيط‬
‫في الجدة ينتقل بسبب انتقال المحاط وكذلك المحيط في األين وألجل أن يخرج األين زاد المصنف قيد االنتقال‬
‫(وصيغة المضارع لـ) الداللة على (االستمرار فيخرج به األين المتعلق بالمكان) فالمحيط في الجدة "ينتقل" دائما‬
‫بانتقال المحاط ‪ ،‬أما األين (فإنه وإن كانت حالة تحصل للشيء بسبب ما يحيط به إال أن المكان فيه ال ينتقل‬
‫بانتقال المتمكن) أو هو منتقل لكن في بعض األحيان ال دائما والدليل على أن المكان في األين ال ينتقل بانتقال‬
‫المتمكن دائما أن نقول ‪ :‬المكان إما بعد وإما سطح ‪( ،‬أما إذا كان بعدا فظاهر) أنه ال ينتقل بانتقال المتمكن‬
‫ألن البعد ال ينتقل بانتقال األشياء فيه بل يبقى وينتقل الشيء إلى بعد آخر سواء كان بعدا موهوما كما يقول‬
‫المتكلمون أو بعدا مفطو ار موجودا كما يقول اإلشراقيون‪ ( ،‬وأما إذا كان) ذلك المكان (سطحا) ؛ (فألنه) قال‬
‫المشاؤون إن المحيط الذي هو السطح الباطن للزق (وإن انتقل بانتقاله) أي بانتقال المحاط (في الزق المنفوخ)‬
‫فيه ألن المحيط الذي هو السطح الباطن للزق هو المكان فـ(إذا ُسك َن) الزق (تحت الماء) بالقوة (ثم خلي) فإنه‬
‫يصعد إلى سطح الماء بمجرد تركه فينتقل الهواء المحاط بالزق من الداخل بانتقال الزق إلى سطح الماء وينتقل‬
‫السطح الباطن للزق أيضا بانتقال الهواء الذي نفخ فيه فثبت أن المحيط الذي هو السطح في األين ينتقل بانتقال‬
‫المحاط فيدخل األين في تعريف الجدة‪( ،‬إال أنه ال يصح أنه) أي السطح (ينتقل دائما) في جميع األمثلة بانتقال‬
‫المحاط في األين بخالف ذلك في الجدة فإن المحيط فيها ينتقل بانتقال المحاط دائما فافترقا وبطل انتقاض‬
‫تعريف الجدة باألين ‪.‬‬

‫‪92‬‬
‫وتلك الحال ُة ( كالهيئة‬
‫االنتقال بالذات ‪َ ،‬‬ ‫أن ُيرَاد‬
‫عند أصحاب السطح إال ْ‬ ‫يتمشى َ‬ ‫إن هذا ال َّ‬‫قال َّ‬
‫ُ‬ ‫فاندفع ما ُي ُ‬
‫َ‬
‫يفعل الدال على التجدد إلطالق‬
‫أن َ‬ ‫الحاصلة لإلنسان بسبب كونه ُمتعم َما أو ُمتقمصا ‪ ،‬وإما فعل ) األَولى وإما ْ‬
‫التأثير ) أي‬
‫ُ‬ ‫وهو‬
‫االنفعال ( َ‬
‫َ‬ ‫وقس عليه‬
‫من التأثير كالسخونة الحاصلة في المتسخن ْ‬
‫الفعل على األثر الحاصل ْ‬
‫حال التأثير‬
‫ض للمؤثر َ‬ ‫قارة تَعر ُ‬
‫غير َّ‬
‫األنسب بالتعريفات المارة ‪ :‬هيئة ُ‬
‫ُ‬ ‫مادام سالكا و‬
‫َ‬ ‫تأثير الشيء في الشيء‬
‫‪ُ :‬‬
‫التأثير التسخيني‬
‫ُ‬ ‫غير قارة وهي‬
‫له فيها حالة ُ‬ ‫مادام ُيسخ ُن َّ‬
‫فإن ُ‬ ‫َ‬ ‫المسخن‬
‫أي ‪ :‬كحال ُ‬‫( كالتسخين ) ْ‬
‫َ‬
‫ولما أجاب الشارح عن انتقاض تعريف الجدة باألين بأن انتقال المحاط في الجدة دائمي بخالفه في األين ؛‬
‫تعريف الفعل ومثاله‬

‫(فاندفع ما يقال) في جوابه (إن هذا ال يتمشى مع أصحاب السطح) الذين يفسرون المكان بالسطح وأنه ينتقل‬
‫بانتقال الهواء المحيط به من الداخل (إال أن يراد االنتقال بالذات) بمعنى أن انتقال المحاط في الجدة يكون‬
‫بالذات وفي األين يكون بالتبع لما يحيط به ؛ وإنما اندفع هذا الجواب ألنه ال يفيد ؛ إذ االنتقال في كل من‬
‫الجدة واألين يكون بالتبع لما يحيط به فال يكون ذاتيا في أحدهما وفي اآلخر بالتبع ‪ ،‬وألجل ذلك كان تقييد‬
‫االنتقال باالستم اررية كافيا في إخراج األين من تعريف الجدة ولم يكن هناك حاجة إلى تقييد االنتقال بأنه بالذات‬
‫هذا ‪( ،‬و) مثال (تلك الحالة) التي تسمى بالجدة هو (كالهيئة الحاصلة لإلنسان بسبب كونه متعمما أو متقمصا‬
‫‪ ،‬وإما فعل‪ ،‬األولى وإما أن يفعل) ألن إيراد المقولة بلفظ المضارع (الدال على التجدد) يكون نصا في الداللة‬
‫على مقولة الفعل (إلطالق الفعل) على معنيين باالشتراك اللفظي فإنه يطلق على المعنى المصدري الذي هو‬
‫التأثير‪ ،‬و(على األثر الحاصل من) ذلك (التأثير)‪ ،‬ويكون هذا الفعل مقولة باعتبار المعنى المصدري أما‬
‫باعتبار المعنى الحاصل بالمصدر فهو يكون كيفا وذلك (كالسخونة) التي هي من مقولة الكيف وهي الكيفية‬
‫(الحاصلة في المتسخن) الذي هو من مقولة الفعل وكالسوادية التي هي من مقولة الكيف وهي الكيفية الحاصلة‬
‫في التسويد الذي يكون من مقولة الفعل‪ ،‬وألجل أال نقع في هذا االشتراك دللنا على هذه المقولة بلفظة " أن‬
‫يفعل" (وقس عليه) أي على الفعل مقولة (االنفعال) (و) الفعل في االصطالح (هو التأثير أي تأثير الشيء‬
‫في الشيء) اآلخر بأن يترك فيه أث ار وتبقى هذه التسمية (مادام) التأثير باقيا (سالكا) وهذا تعريف المتكلمين‬
‫فإنهم يجعلون الفعل هو التأثير وهو أمر اعتباري عندهم (و) لكن (األنسب بالتعريفات المارة) تعريفه بأنه ‪:‬‬
‫(هيئة غير قارة تعرض للمؤثر حال التأثير) حتى يكون على مذهب الحكماء ألن الكتاب وضع لبيان مذهبهم‬
‫(كالتسخين أي كحال المسخن ما دام يسخن فإن له) أي للمسخن (فيها) أي في تلك الحال (حالة غير قارة‬
‫وهي التأثير التسخيني) ‪.‬‬

‫‪93‬‬
‫حال التأثر ( كالتسخن‬
‫ض للمتأثر َ‬
‫قارة تَعر ُ‬
‫غير َّ‬
‫وهو التأث ُر ) عن الغير مادا َم سالكا واألَولى هيئة ُ‬
‫( وإما انفعال َ‬
‫يقال َّ‬
‫إن هذا ُينافي‬ ‫هي التأث ُر التسخني ‪ ،‬وقد ُ‬ ‫غير قارة‬
‫له حينئذ حالة َ‬
‫فإن ُ‬ ‫َّ‬
‫يتسخ ُن َّ‬ ‫دام‬
‫َ‬ ‫أي كحال المتسخن ما َ‬
‫) ْ‬
‫قبل استقرار التأثير‬
‫كونهما فعال وانفعاال َ‬
‫اب أن َ‬ ‫سخين تحريك فيه والجو ُ‬ ‫القول َّ‬
‫بأن التسخن حركة في الكيف والت َ‬ ‫َ‬
‫بعد االستقرار ال يكو ُن من هذا القبيل بل يكو ُن كيفا أو وضعا‬
‫الحاصل َ‬
‫َ‬ ‫بعده ‪ ،‬ولذا قاُلوا َّ‬
‫إن‬ ‫وكونهما كيفا َ‬
‫والتأثر َ‬
‫ذلك من األعراض‬
‫غير َ‬ ‫أو إضافة أو َ‬
‫(وإما انفعال وهو التأثر عن الغير ما دام) ذلك الغير (سالكا) وباقيا فيه ‪( ،‬واألولى) هنا أيضا أن يقول ‪( :‬هيئة‬
‫تعريف االنفعال ومثاله‬

‫غير قارة تعرض للمتأثر حال التأثر) عن الغير‪ ،‬فاالنفعال هو الهيئة الحاصلة من التأثر ال نفس التأثر ألنه‬
‫أمر اعتباري وذلك (كالتسخن أي كحال المتسخن ما دام يتسخن فإن له حينئذ حالة غير قارة) تتحصل عن‬
‫الغير وتبقى ببقاءه و (هي التأثر التسخني ‪ ،‬وقد يقال إن هذا ) أي التسخن والتسخين من مقولة الفعل واالنفعال‬
‫(ينافي القول بأن التسخن حركة) المائع (في الكيف) الذي هو السخونة وبما أن الحركة تتبع المتحرك في‬
‫مقولته فيكون التسخن من مقولة الكيف بتبعية السخونة‪( ،‬و) كذلك (التسخين تحريك) المائع (فيه) أي في‬
‫الكيف الذي هو السخونة فيكون التحريك أيضا من مقولة الكيف‪( ،‬والجواب أن) الفعل واالنفعال لهما حالتان‬
‫حالة الجريان وحالة االستقرار بعد الجريان و (كونهما) أي التسخن والتسخين (فعال وانفعاال) في الحالة األولى‬
‫وهي حالة الجريان وما (قبل استقرار التأثير والتأثر ) ‪( ،‬وكونهما) أي التسخن والتسخين (كيفا بعده) أي بعد‬
‫االستقرار وتوقف الجريان فال خالف بين القولين (ولذا قالوا) أي الحكماء (إن الحاصل بعد االستقرار ال يكون‬
‫من هذا القبيل بل يكون كيفا أو وضعا أو إضافة أو غير ذلك من األعراض) ‪ ،‬فالتبيض مثال من مقولة الفعل‬
‫مادام مؤث ار فإذا حصل أثره الذي هو البياضية يكون ذلك األثر من مقولة الكيف ‪ ،‬واإلقامة من مقولة الفعل‬
‫مادام مؤث ار فإذا حصل أثره وهو القيام يكون ذلك األثر من مقولة الوضع ‪ ،‬والتسوية من مقولة الفعل مادام‬
‫مؤث ار فإذا حصل أثره وهو المساواة يكون ذلك األثر من مقولة اإلضافة ‪.‬‬

‫‪94‬‬
‫الجسم الطبيعي‬
‫ُ‬ ‫الجسم وإال فإن أُر َيد به‬
‫ُ‬ ‫يس المرُاد به‬
‫عرض للشيء ) جسما أو ال ول َ‬ ‫وهو هيئة تَ ُ‬
‫( وإما وضع َ‬
‫وضع ماعدا الجسم التعليمي من المقادير ‪ ،‬وما‬ ‫ُ‬ ‫الجسم مطلقا ولو تعليميا خرَج‬
‫ُ‬ ‫الثابت للمقادير أو‬
‫ُ‬ ‫الوضع‬
‫ُ‬ ‫خرَج‬
‫من مقولة الكيف ففيه أن ُه ال مالحظ َة‬
‫هو ْ‬
‫يف منعا بالشكل الذي َ‬
‫انتقض التعر ُ‬
‫َ‬ ‫الجسم‬
‫ُ‬ ‫من أنَّ ُه لو لم ُي َرْد به‬
‫يقال ْ‬
‫ُ‬
‫في الشكل لألجزاء وال لنسبتها إلى األمور الخارجة فيخرُج بقوله ( بسبب نسبته ) كما في البسائط أو نسبة‬
‫نحو األرض ‪ ،‬وتفسي ُر‬
‫وآخر َ‬‫نحو السماء َ‬
‫عنه ) كوقوع بعض َ‬
‫أجزائه كما في المركبات ( إلى األمور الخارجة ُ‬
‫وليس بمعنى الواو الواصلة‬
‫له ( أو ) لمنع الخلو َ‬
‫وضع ما ال جزَء ُ‬
‫َ‬ ‫قوله ‪ :‬بنسبته بالشق الثاني ُيخرُج‬
‫(وإما وضع وهو هيئة تعرض للشيء) سواء كان ذلك الشيء (جسما أو ال) يكون جسما ‪ ،‬فالمراد بالشيء هنا‬
‫تعريف الوضع وبيان محترزاته ودفع نقض عنه‬

‫أعم من خصوص الجسم (وليس المراد به) أي بالشيء (الجسم) خاصة (وإال) بإن أريد به الجسم فقط (فإن‬
‫أريد به الجسم الطبيعي خرج الوضع الثابت للمقادير) التي هي الخط والسطح والجسم التعليمي فال يكون‬
‫التعريف جامعا ‪( ،‬أو) أريد بالجسم (الجسم مطلقا ولو تعليميا) وطبيعيا فحينئذ (خرج) من التعريف (وضع ما‬
‫عدا الجسم التعليمي من المقادير) التي ال تكون جسما وهو الخط والسطح فال يشملهما تعريف الوضع فعمم‬
‫المراد بالشيء حتى يشمل تلك المقادير غير الجسمية (وما يقال من أنه لو لم ُيرد به) أي بالشيء في تعريف‬
‫(الجسم انتقض التعريف منعا بالشكل الذي هو ) هيئة تعرض للكم بسبب إحاطة حد أو حدود به فهو‬
‫ُ‬ ‫الوضع‬
‫مر فيكون تعريف الوضع غير‬‫يعرض للمقادير غير الجسمية كالخط والسطح وهو (من مقولة الكيف) كما َّ‬
‫مانع من دخول الشكل ‪( ،‬ففيه) نظر لـ(أنه ال مالحظة في الشكل لألجزاء) وهي نسبة بعض أجزاءه إلى بعض‬
‫(وال لنسبتها إلى األمور الخارجة) عنه ‪ ،‬أما الوضع فإنه تالحظ فيه نسبتان نسبة إلى األمور الخارجة عنه‬
‫ونسبة بعض أجزاءه إلى بعض (فيخرج) الشكل من تعريف الوضع (بقوله بسبب نسبته كما في ) وضع ما ال‬
‫أجزاء له وهو (البسائط أو) بسبب (نسبة أجزائه كما في المركبات إلى األمور الخارجة عنه كوقوع بعض نحو‬
‫السماء وآخر نحو األرض‪ ،‬و) حينئذ فارتكاب المجاز بحذف مضاف في ( تفسير قوله "بنسبته" بالشق الثَّاني‬
‫) ليكون التقدير "بنسبة أجزاءه" (يخرج وضع ما ال جزء له ) وهو البسائط ‪ ،‬فحتى ال تخرج البسائط من تعريف‬
‫الوضع لم نرتكب هذا المجاز ‪ ،‬والعطف بـ(أو) يكون (لمنع الخلو) فالنسبة ال تخلو إما أن تكون إلى األمور‬
‫الخارجة وإما أن تكون إلى أجزاء بعضها بمعنى أن إحدى النسبتين كافية في تحصيل مقولة الوضع (وليس‬
‫شترط النسبتان معا في التعريف‬
‫العطف بمعنى الواو الواصلة) حتى تُ َ‬

‫‪95‬‬
‫يف جمعا بوضع مركز العالم الحاصل بنسبته إلى األمور الخارجة فقط وبوضع الفلك األطلس‬
‫النتقض التعر ُ‬
‫َ‬ ‫وإال‬
‫الوضع هيئة معلولة للنسبتين َّ‬
‫ألن ُه َمخصوص‬ ‫َ‬ ‫الحاصل بنسبته إلى األمور الداخلة فقط ‪ ،‬وال ينافي هذا جعَلهم‬
‫بسبب نسبة‬
‫َ‬ ‫إطالق الوضع على حالتهما باالشتراك اللفظي فيكو ُن المعنى و(‬‫َ‬ ‫القول َّ‬
‫بأن‬ ‫ُ‬ ‫يبعد‬
‫بما إذا وجدتا وال ُ‬
‫فإنهما وضعان متغايران الختالف‬‫) بعض ( أجزائه إلى بعض ) بالقرب والبعد والمحاذاة ( كالقيام والقعود ) َّ‬
‫القيام‬ ‫نسبته إلى الخارج أيضا لئال يكو َن‬
‫ُ‬ ‫اعتبر في ماهية الوضع‬
‫نسبة األجزاء فيهما إلى الداخل والخارج وإنما َ‬
‫ُ‬
‫لتلك النسبة باقية‬
‫كانت الهيئ ُة المعلول ُة َ‬
‫بين أجزائه ْ‬
‫تتغير النسب ُة فيما َ‬
‫بحيث ال ُ‬
‫ُ‬ ‫لب‬
‫القائم إذا ُق َ‬
‫َ‬ ‫ألن‬
‫بعينه انتكاسا َ‬
‫ب َشخصها‬
‫(وإال) بأن أريد العطف بمعنى الواو الواصلة (النتقض التعريف جمعا بوضع) النقطة التي هي (مركز العالم‬
‫تكملة بيان التعريف و شرط عدم ورود النقض عليه‬

‫بـ) سبب (نسبته) أي العالم (إلى األمور الخارجة فقط) ألن النسبة في النقطة إلى األمور الخارجية فقط وال‬
‫توجد فيها نسبة إلى بعضها لعدم تركبها‪( ،‬و) النتقض التعريف أيضا (بوضع الفلك األطلس الحاصل بنسبته‬
‫إلى األمور الداخلة فقط) ألن خارجها أمور عدمية ال وجود لها حتى ينتسب إليها ‪( ،‬وال ينافي هذا ) أي جعل‬
‫العطف لمنع الخلو (جعلهم) أي جعل الحكماء (الوضع هيئة معلولة للنسبتين) معا ال إلحداهما فقط (ألنه‬
‫مخصوص بما إذا وجدتا) اي إذا وجدت النسبتان معا فتكون معلولة إلحداهما إن لم توجدا معا فال منافاة بين‬
‫التعريفين‪( ،‬وال يبعد القول بأن إطالق) الحكماء (الوضع على حالتهما) أي على الحالة الحاصلة من النسبتين‬
‫بمنع الخلو والحالة الحاصلة بسبب المعلولية للنسبتين معا (باالشتراك اللفظي) وال يضر في المشترك اللفظي‬
‫إرادة اإلطالقين معا كالعين يراد به الباصرة وعين الماء وغيرهما معا (فيكون المعنى و بسبب نسبة بعض‬
‫أجزائه إلى بعض) بجعل العاطف بمعنى الواو الواصلة ثم إن نسبة األجزاء إلى بعضها تكون (بالقرب والبعد‬
‫والمحاذاة كالقيام والقعود فإنهما وضعان مختلفان متغايران الختالف نسبة األجزاء فيهما إلى الداخل والخارج)‬
‫فالرأس مثال بعيد من القدم في وضع القيام وقريب منه في وضع القعود وبمحاذاته عند السجود عند نسبة‬
‫األجزاء إلى بعضها وكذلك وضع هذه األمور إلى األمور الخارجية كنسبة الرأس إلى الحائط في وضع القيام‬
‫ونسبته إلى الحائط في وضع القعود بالقرب والبعد والمحاذاة (وإنما اعتبر في ماهية الوضع) النسبتان ‪ :‬نسبة‬
‫الشيء إلى بعضه و (نسبته إلى الخارج أيضا لــ) علة وهي ( أن ال يكون القيام بعينه انتكاسا ألن القائم إذا‬
‫قلب بحيث ال تتغير النسبة فيما بين أجزائه ) بأن نعتبر نسبته إلى األمور الداخلة فقط (كانت الهيئة المعلولة‬
‫لتلك ال نسبة باقية بشخصها) لعدم تغيير النسبة بين الرأس والقدم بالقيام واالنتكاس وهما إنما كانا وضعين‬
‫مختلفين بسبب نسبة كل منهما إلى األمور الخارجة فقط‪.‬‬

‫‪96‬‬
‫بأن األجزاء التحتاني َة في القيام فو َق األجزاء الفوقانية فيه في االنتكاس مندفع َّ‬
‫بأنها راجعة إلى النسبة‬ ‫القول َّ‬
‫و ُ‬
‫َ‬
‫رض على دليل‬ ‫البعد من المحيط والفوقي َة بالعكس واعتُ َ‬
‫ألن التحتي َة عبارة عن القرب إلى المركز و ُ‬ ‫إلى الخارج َ‬
‫اقهما بالفصل‬
‫فجاز افتر ُ‬
‫جنسهما َ‬ ‫هو ُ‬ ‫اكهما في معنى الوضع الذي َ‬
‫منه اشتر ُ‬
‫الالزم ُ‬
‫َ‬ ‫اعتبار النسبة إلى الخارج َّ‬
‫بأن‬
‫صة من‬
‫تص َّوُر ُمقارن ُة ح َّ‬
‫وجعال فال تُ َ‬
‫الفصل متحدان وجودا َ‬
‫َ‬ ‫الجنس و‬
‫َ‬ ‫جيب َّ‬
‫بأن‬ ‫الحاصل من النسبة الخارجية وأُ َ‬
‫تخالف بالنوع‬
‫ُ‬ ‫ثم األوضاعُ قد ت‬
‫اعتبار النسبتين في الوضع ‪َّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫فيلزم‬
‫آخر ُ‬ ‫الجنس لفصل ثم ُمفارقتُها إلى فصل َ‬
‫حين انقالب سطوحه‬
‫يتخالف به كأوضاع المتمكن َ‬
‫ُ‬ ‫كوضع القيام واالنتكاس وقد ال‬

‫(والقول) اعتراضا (بـ) أن القيام ال يكون بعينه انتكاسا ؛ لـ(أن األجزاء التحتانية في القيام) تكون (فوق األجزاء‬
‫دفع اعتراضات عن التعريف‬

‫الفوقانية فيه في االنتكاس) فال حاجة إلى اعتبار النسبة الخارجية ‪ ،‬هذا االعتراض (مدفوع بأنها) أي التحتية‬
‫والفوقية (راجعة إلى النسبة إلى الخارج) ال إلى النسبة فيما بين أجزاءها فقط (ألن التحتية عبارة عن القرب من‬
‫المركز والبعد من المحيط والفوقية بالعكس) فهي إنما عبارة عن البعد من المركز والقرب من المحيط‪ ،‬والحال‬
‫أن المركز والمحيط خارجان عن الشيء في وضعي القيام واالنتكاس‪ ،‬فالبد من اعتبار النسبة الخارجية أيضا‬
‫(واعترض على دليل اعتبار النسبة إلى الخارج بأن الالزم منه اشتراكهما) أي اشتراك القيام واالنتكاس (في‬
‫معنى الوضع الذي هو جنسهما) والذي هو "الهيئة الحاصلة من نسبة الشيء إلى بعض أجزاءه" (فجاز افتراقهما)‬
‫أي افتراق كل من القيام واالنتكاس (بالفصل الحاصل من) اعتبار (النسبة الخارجية) في التعريف (وأجيب بأن‬
‫الجنس والفصل متحدان وجودا وجعال) بمعنى أن الخالق يخلقهما معا فانتفاء الفصل عن ماهية يوجب انتفاء‬
‫الجنس عنها أيضا (فـ) حينئذ (ال تتصور مقارنة حصة من الجنس لفصل ثم مفارقتها إلى فصل آخر) ‪،‬‬
‫والحاصل أن الجنس في القيام واالنتكاس متحد مع فصله فإذا ارتفع الجنس من أحدهما ارتفع الفصل معه (فـ)‬
‫حينئذ (يلزم اعتبار النسبتين في الوضع) النسبة إلى بعضها والنسبة إلى الخارج وحينئذ فالفرق بين القيام‬
‫واالنتكاس ليس باعتبار األمور الخارجية فقط بل هو باعتبار بالنسبتين معا‪( ،‬ثم األوضاع) الحاصلة بين‬
‫المنتسبين (قد تتخالف) ‪ ،‬والتخالف يكون على أنحاء فقد يكون (بالنوع كوضع القيام واالنتكاس) فإنهما مختلفان‬
‫في النوع ‪(،‬وقد ال تتخالف به) أي بالنوع بل في الشخص (كـ) اختالف (أوضاع المتمكن حين انقالب سطوحه)‬
‫كما في الطير الواقف في السماء فإن وضعيته متحدة في النوع ال تتغير إلى وضع آخر والتخالف في شخصها‬
‫فقط بتوارد الهواء عليه‬

‫‪97‬‬
‫وتكون بالطبع كالقيام وبخالفه كاالنتكاس ويكون فيه تضاد كما فيهما وشدة وضعف إذ الشيء ْقد يكو ُن َّ‬
‫أشد‬ ‫ُ‬
‫من األعراض النسبية واستدلوا عليه َّ‬
‫بأن متى‬ ‫المتكلمين قالوا ال وجود لما عدا األين ْ‬
‫َ‬ ‫انتصابا أو انحناء واعلم َّ‬
‫أن‬
‫وجدت‬
‫ْ‬ ‫فيتسلسل واإلضاف ُة لو‬
‫ُ‬ ‫جر‬
‫وهلم َّا‬
‫الكالم إليه َّ‬
‫َ‬ ‫وننقل‬
‫ُ‬ ‫لو ُوجد في الخارج لكان كائنا في زمان فله متى‬
‫االنفعال‬
‫ُ‬ ‫الفعل و‬
‫لك و ُ‬ ‫الوضع والم ُ‬
‫ُ‬ ‫سل و‬‫آخر فيتسل ُ‬
‫بين الحال والمحل ولها حلول ُ‬
‫الحلول إضافة َ‬
‫ُ‬ ‫لحلت في محل و‬
‫ْ‬
‫الكالم إليها فيتسل َس ُل‬
‫َ‬ ‫فننقل‬
‫ُ‬ ‫ذات وضع وملك وفعل وانفعال‬
‫لكانت َ‬
‫ْ‬ ‫جدت فيه‬
‫لو ُو ْ‬

‫(و) األوضاع قد (تكون بالطبع كالقيام) فإنه وضع طبيعي لإلنسان (و) قد تكون (بخالفه) أي بخالف الطبع‬
‫تكملة الوضع ومذهب المتكلمين في األعراض النسبية‬

‫(كاالنتكاس) فإنه مخالف لطبيعة االنسان (و) قد (يكون فيه) أي في الوضع (تضاد كما فيهما) أي في القيام‬
‫واالنتكاس فإنهما وضعان متضادان (و) قد يكون فيه (شدة وضعف) كاالنتصاب أو االنحناء (إذ الشيء قد‬
‫يكون أشد انتصابا أو انحناءا) من غيره ‪ ،‬فإن االنتصاب في األشياء يختلف شدة وضعفا وكذلك االنتكاس‬
‫(و) بعد الفراغ من بيان المقوالت العرضية التسعة وأقسامها على مذهب الحكماء‪( ،‬اعلم أن المتكلمين قالوا) في‬
‫بيان مذهبهم حول تلك المقوالت‪ :‬إن األعراض إما غير نسبية وإما نسبية ‪ ،‬فأما األعراض غير النسبية فالموجود‬
‫منها الكيف المحسوس والكيف النفساني فقط منها وهم أنكروا الكيف االستعدادي والكيف المختص بالكميات‬
‫مر ‪ ،‬وأما األعراض النسبية فإنهم قالوا‬
‫وأنكروا كذلك الكم بقسميه المتصل والمنفصل وعدوها أمو ار اعتبارية وقد َّ‬
‫( ال وجود لما عدا األين من األعراض النسبية ) بمعنى أنهم أنكروا وجودها المحمولي (واستدلوا عليه) أي‬
‫على نفي سائر المقوالت العرضية بأدلة ‪ ،‬أما دليل نفي "متى" (بأن متى لو وجد في الخارج لكان) وجوده (كائنا‬
‫في زمان فله متى وننقل الكالم إليه وهلم ج ار فيتسلسل) ‪( ،‬و) أما دليل نفي (اإلضافة) فألنها (لو وجدت لحلت‬
‫في محل والحلول إضافة بين الحال والمحل ولها حلول آخر) فننقل الكالم إليه (فيتسلسل‪ ،‬و) أما دليل نفي‬
‫(الوضع والملك والفعل واالنفعال) فهي أنها (لو وجدت فيه) أي في الخارج (لكانت ذات وضع وملك وفعل‬
‫وانفعال فننقل الكالم إليها فيتسلسل) وهو باطل فيبطل وجود تلك المقوالت العرضية‬

‫‪98‬‬
‫وهو ال يقتضي‬
‫سلب الكل َ‬ ‫من أفرادها وهذا ُ‬ ‫الالزم من الدليل امتناعُ وجود كل فرد ْ‬
‫َ‬ ‫بأن‬
‫أجيب في اإلضافة َ‬ ‫و َ‬
‫اب‬
‫يمكن الجو ُ‬
‫اب جار في الكل وأن ُه ُ‬‫أن هذا الجو َ‬ ‫يظهر لي َّ‬
‫ُ‬ ‫له والذي‬
‫يب ُ‬
‫مدعاكم فال تقر َ‬
‫ْ‬ ‫هو‬
‫الكلي الذي َ‬
‫َّ‬ ‫السلب‬
‫َ‬
‫ذلك لو لم ينتهيا إلى فاعل‬
‫يلزم َ‬
‫مع قولكم بوجوده وفي الفعل واالنفعال بأن ُه إنما ُ‬
‫الدليل جار في األين َ‬
‫َ‬ ‫فيه َّ‬
‫بأن‬
‫أنت‬
‫لوجوب انتهاء ما بالعرض إلى ما بالذات ‪ ،‬و َ‬ ‫وهو ممنوع‬
‫ومنفعل ال يحتاجان إلى فعل وانفعال تدريجيين َ‬
‫فسادها‬
‫يستلزم َ‬ ‫أخص وال‬
‫َّ‬ ‫أن يكو َن‬ ‫فساد الدليل لكونه ملزوما للدعوى َ‬
‫وجاز ْ‬ ‫بأن َ‬ ‫خبير َّ‬
‫ُ‬
‫(وأجيب) المتكلمون م ن قبل الحكماء (في) مقولة (اإلضافة بأن الالزم من الدليل امتناع وجود كل فرد من‬
‫جواب الحكماء عن نفي المتكلمين لما عدا األين من المقوالت النسبية‬

‫أفرادها) أي أن دليكم معاشر المتكلمين ينتج عنه أن "كل فرد من أفراد اإلضافة ليس موجودا" (وهذا سلب الكل‬
‫وهو ال يقتضي السلب الكلي) وهو " ليس كل فرد من أفراد اإلضافة موجودا " (الذي هو مدعاكم ) فليكن بعض‬
‫األول وليجر السلب على سائر األفراد وال استحالة في تسلسلها ألنها أمور اعتبارية ‪،‬‬
‫أفرادها موجودا وهو الفرد َّ‬
‫(فال تقريب له) أي لدليلكم معاشر المتكلمين أي أنه غير مستلزم للمطلوب ‪( ،‬و) لما أجاب الحكماء دليل‬
‫المتكلمين في نفي مقولة اإلضافة قال الشارح (الذي يظهر لي أن هذا الجواب جار في الكل) أي يصلح جوابا‬
‫في إثبات سائر المقوالت العرضية النسبية التي حكم المتكلمون بنفيها (وأنه يمكن الجواب فيه بأن الدليل جار‬
‫في األين) بالنقض ‪ -‬والنقض هو عدم إعمال الدليل في جميع ما يجري فيه – فاألين موجود عند المتكلمين‬
‫وهو الحصول في الحيز وهذا الحصول موجود في مكان فيقتضي حصوال آخر في حيز آخر وننقل الكالم‬
‫إليه فيتسلسل فإن تقرر أن دليل لزوم التسلسل جار في اإلضافة فهو جار في األين أيضا (مع قولكم) معاشر‬
‫المتكلمين (بوجوده) فما أجبتم به في األين فهو يصلح جوابا في اإلضافة أيضا (و) كذلك يمكن الجواب (في‬
‫الفعل واالنفعال بأنه إنما يلزم ذلك) التسلسل (لو لم ينتهيا) أي الفعل واالنفعال (إلى فاعل ومنفعل ال يحتاجان‬
‫إلى فعل وانفعال تدريجيين) حتى يلزم التسلسل (وهو ممنوع لوجوب انتهاء ما بالعرض إلى ما بالذات) فالتسخين‬
‫فعل تدريجي للنار وهو بالعرض ولكنه ينتهي إلى ما بالذات وهو فعل الباري تعالى وهو ليس تدريجيا بل هو‬
‫فعل آني فينقطع التسلسل والحاصل أن أدلة المتكلمين مردودة (و) لكن (أنت خبير بأن فساد الدليل لكونه‬
‫ملزوما) خاصا (للدعوى) األعم منه (وجاز أن يكون) الدليل (أخص) من دعواه األعم منه (وال يستلزم) فساد‬
‫الدليل حينئذ (فسادها) أي فساد الدعوى‪.‬‬

‫‪99‬‬
‫حواشي ابن الباساوي رحمه هللا المتعلقة بباقي المقوالت ‪.‬‬
‫قوله‪ ( :‬معقولة بالقياس إلى األولى) يعني ال يتم تعقل إحدى النسبتين إال بتعقل النسبة األخرى حتى إن تعقلهما‬
‫يكون معا بحيث ال يتقدم أحدهما على اآلخر فخرج ما يكون تعقله مستلزما و مستعقبا لتعقل اآلخر كالملزومات‬
‫بالنسبة إلى لوازمها البينة ‪ ،‬قوله‪ ( :‬كالوالد مع الوالدية) أي كذات الوالد المعتبر مع وصف الوالدية ‪ ،‬قوله‪( :‬‬
‫وكذا المعروض وحده) هذا ما قاله صاحب المواقف واعترض عليه بأن إطالق المضاف على الذات وحدها‬
‫غير مشهور وإن صح على قانون اللغة ‪ ،‬قوله‪ ( :‬ولذا لم يقل) أي لكون قوله بسبب ما يحيط به يشمل اإلحاطة‬
‫التامة والناقصة لم يقل أو ببعضه كما زادوه إلدخال اإلحاطة الناقصة ولم يكتفوا باألول فالشيخ مد ظله ذكر‬
‫وجه عدول المصنف عن طريق القوم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬مسامحة) إذ الملك ليس نسبة بل حالة نسبية إذ هو من‬
‫األعراض النسبية وال اتحاد للمنسوب والمنسوب إليه ‪ ،‬قوله‪ ( :‬المضارع لالستمرار) فيفيد استمرار انتقال‬
‫المحيط بانتقال المحاط ودوامه بمعنى أنه كلما انتقل المحاط انتقل المحيط بذلك االنتقال فاتضح خروج المكان‬
‫بمعنى السطح فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬ينتقل دائما) والحال أن المراد أن انتقال المحاط يكون موجبا النتقال المحيط‬
‫بمعنى أنه كلما انتقل المحاط انتقل المحيط بذلك االنتقال ‪ ،‬قوله‪( :‬الحاصل بعد االستقرار) كالسخونة الحاصلة‬
‫للماء والقيام الحاصل لإلنسان والقرب الحاصل بالقرب الذي هو من مقولة أن يفعل ومصدر قرب زيد مثال ‪،‬‬
‫قوله‪ ( :‬وإال فإن أريد ) بأن كان المراد بالشيء الجسم فإما أن يراد بالجسم الجسم الطبيعي أو المطلق الشامل‬
‫له وللجسم التعليمي وكل من اإلرادتين غير جائز ألنه إن أريد إلخ ‪ ،‬قوله‪ ( :‬خرج وضع ما عدا الجسم) أي‬
‫الهيئة العارضة للخط والسطح ‪ ،‬قوله‪ ( :‬الجسم التعليمي) إذ الجسم التعليمي من المقادير‪ ، .‬قوله‪( :‬معلولة‬
‫للنسبتين) أي للنسبة إلى األمور الخارجة والنسبة إلى األمور الداخلة قوله‪ ( :‬إطالق الوضع على حالتهما) أي‬
‫حالة النسبتين يعني الهيئة العارضة للشيء بواسطة النسبتين أعني النسبة إلى األمور الداخلة والنسبة إلى‬
‫األمور الخارجة فاإلضافة من إضافة المسبب إلى السبب فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬باقية بشخصها) فيكون وضع القيام‬
‫وضع االنتكاس بعينه ‪ ،‬قوله‪ ( :‬في االنتكاس) فاعتبر فيه النسبة إلى األجزاء الداخلة دون الخارجة‪ ،‬قوله‪( :‬‬
‫بالعكس) أي عبارة عن البعد من المركز والقرب من المحيط ‪ ،‬قوله‪ ( :‬اعتبار النسبتين) أي النسبة إلى األمور‬
‫الداخلة والنسبة إلى األمور الخارجة ‪ ،‬قوله‪ ( :‬واإلضافة لو وجدت) أي اإلضافة في الخارج ألن االمتناع‬
‫المذكور إنما يلزم على تقدير أن يكون كل ما هو من أفراد اإلضافة موجودا فالالزم من ذلك أن ال يوجد الكل‬
‫إلخ ‪.‬‬

‫‪100‬‬
‫هي ( العشرةُ‬ ‫اعلم َّ‬
‫أن ( المقوالت ) الالئي كل منها جنس عال‬ ‫بعد تفصيل الجوهر والعرض بأقسامهما ْ‬ ‫ثم ) َ‬
‫( َّ‬
‫َ‬
‫أن‬
‫مكن ْ‬
‫األمور التي ي ُ‬
‫َ‬ ‫أن‬
‫جعل العشرة صفتَها على معنى َ‬‫يبعد ُ‬
‫العبد ‪ ،‬وال ُ‬
‫الد َك ُ‬
‫من قبيل و ُ‬
‫فالكالم ْ‬
‫ُ‬ ‫) المذكورُة‬
‫األمور التي‬ ‫عن مالحظة المعنى اللغوي ال على معنى َّ‬
‫أن‬ ‫مع قطع النظر ْ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫طلق عليها هذا المرك ُب التوصيفي َ‬ ‫ُي َ‬
‫عرضا عاما‬
‫الجوهر َ‬
‫ُ‬ ‫ويزيُفه َّأنه ُي َ‬
‫تباد ُر منه أنه إذا كان‬ ‫سمى به إذ لم ُيعلم التسمي ُة (هي) مجموعُ هذه األمور‪ُ ،‬‬
‫تُ َّ‬
‫تأم ْل‪.‬‬
‫عشر َّ‬
‫الت األربع ُة َ‬
‫المطَل َق عليها المقو ُ‬
‫أن ُ‬‫طلق على أُمور أُ َخ َر َغيرها مع َّ‬
‫ُي ُ‬
‫(ثم بعد تفصيل الجوهر والعرض بأقسامهما اعلم أن المقوالت الالئي كل منها جنس عال هي العشرة المذكورة)‬
‫المقوالت العشرة وتوجيه هذه العبارة‬

‫األول ‪ :‬المقوالت مبتدأ وخبره العشرة ‪ ،‬وتعريف‬


‫واعلم أن " المقوالت العشرة " فيه وجهان من اإلعراب ‪ ،‬الوجه َّ‬
‫العبد‬
‫الدك ُ‬‫الخبر ألجل التوكيد بمعنى أن ثبوت المحمول لهذا الموضوع أمر محقق (فـ) يكون (الكالم من قبيل و ُ‬
‫) فالعبد خبر لوالدك وقد كان معرفة لتوكيد كون الوالد عبدا ‪ ،‬فالمعنى أن كو َن المقوالت عشرة أمر محقق عند‬
‫المشائين ‪( ،‬وال يبعد جعل) المقوالت مبتدأ و (العشرة صفتها) أي صفة المقوالت ويكون الخبر قول الماتن ‪" :‬‬
‫هي الجوهر " (على معنى ‪ :‬أن األمور التي يمكن أن يطلق عليها هذا المركب التوصيفي مع قطع النظر عن‬
‫مالحظة المعنى اللغوي) هي الجوهر وإنما قيدنا المركب التوصيفي بقيد "قطع النظر عن معناه اللغوي" ألننا‬
‫إذا الحظنا المعنى اللغوي لتركيب "المقوالت العشرة " ثم حملنا عليها جملة ‪" :‬هي الجوهر" كان لفظ العشرة‬
‫حينئذ زائدا للعلم بكون المقوالت عشرة من خالل تعدادها ثم إن استخدام لفظ اإلطالق في قوله ‪" :‬يمكن أن‬
‫يطلق عليها " ألجل أنا عرفنا إمكان إطالق لفظ "المقوالت العشرة" على هذه المقوالت من خالل دراستنا لها في‬
‫الصفحات الماضية (ال على معنى أن األمور التي تسمى به ) أي تسمى باسم " المقوالت العشرة" (إذ لم يعلم‬
‫التسمية) إذ لم تسبق للماتن تسميتها به فيما سبق فإذا حملنا عليها الخبر عرفنا كونها مسماة بهذا االسم‪ ،‬وال‬
‫يرد على كون المقوالت عشرة كون خبرها جملة "هي الجوهر" وهي مقولة واحدة وأن سائر المقوالت معطوفات‬
‫عليها فال تكون جزء من الخبر ‪ ،‬ألنا نقول‪ :‬إن العطف مقدم على الربط بمعنى أنا نعطف سائر المقوالت على‬
‫الجوهر ثم نجعل المجموع خب ار للمبتدأ ولهذا قال‪( :‬هي مجموع هذه األمور ويزيفه) أي يزيف اإلعراب الثَّاني‬
‫‪ -‬وهو كون قوله ‪ :‬هي الجوهر خب ار للمقوالت العشرة – (أنه يتبادر منه أنه إذا كان الجوهر عرضا عاما)‬
‫ألقسامه الخمسة ويجعل تلك األقسام أجناسا عالية ومقوالت عليحدة فحينئذ (يطلق) لفظ المقولة ( على أمور‬
‫غيرها) أي تلك األقسام (مع أن المطلق عليها المقوالت األربعة عشر) وهذا ينافي جعل المبتدأ " المقوالت‬

‫‪101‬‬
‫الجوهر) (و) الثَّاني (الكم) (و) الثَّالث ( الكيف) (و) الرابع ( األين) (و) الخامس ( المتى) (و)‬
‫ُ‬ ‫األول (‬
‫َّ‬
‫السادس (اإلضافة ) ( و ) السابع ( الملك ) (و) الثامن ( الفعل ) ( و ) التاسع ( االنفعال ) (و) العاشر (‬
‫عاما) لألقسام الخمسة (كالعرض) أي كما‬
‫عرضا َّ‬
‫َ‬ ‫الجوهر‬
‫ُ‬ ‫الوضع ) ‪ ،‬وإنما تكون منحصرة فيها ( إذا لم يكن‬
‫لكان كل منها مقولة على حدة‬
‫عاما لها َ‬
‫عرضا َّ‬
‫َ‬ ‫الجوهر‬
‫ُ‬ ‫العرض عرض عام ألقسامها التسعة إذ لو كان‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫أن‬
‫كان جنسا لها لكان كل منها َّ‬
‫مركبا من‬ ‫عشر وقد ُيستدل على عرضيته َّ‬
‫بأنه لو َ‬ ‫الت إلى أربع َة َ‬
‫فتصعد المقو ُ‬
‫ُ‬
‫ألن النفس منها تَعقل الماهيَّ َة البسيط َة َّ‬
‫الحال َة فيها فال تكو ُن مركبة النقسام الحال‬ ‫الجنس والفصل والتالي باطل َّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫بانقسام المحل‬

‫العشرة " ‪ ،‬وقوله ‪( :‬تأمل) إشارة إلى عدم المنافاة ألن العشرة في المبتدأ متضمنة في األربعة عشر فيصح‬
‫عودا على بدء وبيان اشتراط كون الجوهر جنسا عاليا ليتم الحصر‬

‫إطالق العشرة بغض النظر عن كونها في الحقيقة عشرة أو أكثر إذ ال يعتبر مفهوم المخالفة فيها استنادا إلى‬
‫األول الجوهر والثَّاني الكم‬
‫أن مفهوم المخالفة غير معتبر في كالم المصنفين كما ذهب إليه اإلمام السبكي ‪َّ ( ،‬‬
‫والثَّالث الكيف والرابع األين والخامس المتى والسادس اإلضافة والسابع الملك والثامن الفعل والتاسع االنفعال‬
‫والعاشر الوضع ‪ ،‬وإنما تكون منحصرة فيها ) أي في العشرة ( إذا لم يكن الجوهر عرضا عاما لألقسام الخمسة‬
‫)‪ ،‬وحينئذ فال حاجة إلى قول الشارح ‪ " :‬ويزيفه أنه يتبادر منه ‪ "...‬إذ الماتن منع هذا التبادر بقوله "إذا لم يكن‬
‫الجوهر عرضا عاما" وقوله‪( :‬كالعرض) قيد للمنفي (أي‪ :‬كما أن العرض عرض عام ألقسامها التسعة)‪ ،‬وإنما‬
‫شرط عدم كون الجوهر عرضا عاما ألقسامه ( إذ لو كان الجوهر عرضا عاما لها لكان كل منها) أي من‬
‫أقسامه الخمسة (مقولة على حدة فـ) بإضافتها إلى المقوالت التسعة ؛ (تصعد المقوالت أربعة عشر) مقولة كما‬
‫ذكرنا ‪( ،‬وقد يستدل على عرضيته) أي على كون الجوهر عرضا عاما ألقسامه (بأنه لو كان جنسا لها ) أي‬
‫ألقسامه (لكان كل منها) أي كل ماهية من تلك األقسام ( مركبا من الجنس والفصل) يميزها (والتالي) وهو‬
‫كون ماهيات تلك األقسام مركبة (باطل ألن النفس) قسم (منها) أي من تلك األقسام وهي (تعقل الماهية‬
‫البسيطة الحالة فيها) كتصورها للنقطة مثال‪ ،‬فلما كان الحال ماهية بسيطة كان محلها بسيطا أيضا (فال تكون)‬
‫النفس (مركبة) من الجنس والفصل (النقسام الحال بانقسام المحل) فالنفس على هذا جنس عالي بسيط ومقولة‬
‫من المقوالت ويلزم منه إبطال كون الجوهر جنسا ألقسامه فتصبح تلك األقسام مقوالت عليحدة وتكون المقوالت‬
‫أربعة عشر‬

‫‪102‬‬
‫مستلزما للتركيب الخارجي من الهيولى‬
‫َ‬ ‫التركيب الذهني من الجنس والفصل‬ ‫ُ‬ ‫من ُع بأنَّه إنما يتم لو كان‬
‫وقد ُي َ‬
‫انقس َم حالها ويتَّج ُه على‬ ‫َّ‬
‫المرك َب َة َفال تكو ُن بسي َ‬ ‫ض َّ‬
‫طة وإال َلما َ‬ ‫الماهي َة‬
‫َّ‬ ‫عقل‬
‫بأنها تَ ُ‬ ‫عار ُ‬
‫وي َ‬‫والصورة وهو ممنوع ُ‬
‫بين األربعة‬
‫التغاير َ‬
‫َ‬ ‫األول َّ‬
‫أن‬ ‫اؤه في التصور وعلى َّ‬
‫جتمع أجز ُ‬
‫أن ال ي َ‬
‫فيجوز ْ‬
‫ُ‬ ‫تصور الم َّ‬
‫ركب تَدريجي‬ ‫أن َّ َ ُ‬ ‫الثَّاني َّ‬
‫الخارجي‬
‫َّ‬ ‫التركيب‬
‫َ‬ ‫يستلزم‬
‫ُ‬ ‫فكيف ال‬
‫َ‬ ‫اعتباري‬

‫(وقد يمنع) دليل كون الجوهر عرضا عاما (بأنه إنما يتم لو كان التركيب الذهني من الجنس والفصل مستلزما‬
‫ورود المنع والمعارضة على دليل كون الجوهر عرضا عاما وجواب المصنف عنهما‬

‫للتركيب الخارجي من الهيولى والصورة وهو ممنوع) ‪ ،‬فليكن مفهوم النفس مركبا ذهنا ولتكن ذاته بسيطة خارجا‬
‫والتركيب الذهني كاف في إبطال كونها مقولة وبإبطال ذلك يبطل كون الجوهر عرضا عاما ويبطل كون‬
‫المقوالت أربعة عشر (و) كما يمنع دليل كون الجوهر عرضا عاما ألقسامه (يعارض) أيضا والمعارضة ‪ :‬إيراد‬
‫الدليل بخالف مدعى الخصم والمعارضة هنا (بــ) أن نقول‪( :‬إنها) أي النفس ليست بسيطة بل هي مركبة‬
‫والجوهر جنس لماهيتها ألن النفس (تعقل الماهية المركبة) كماهية اإلنسان المركبة من الحيوان والناطق فتنقسم‬
‫النفس بانقسام تلك الماهية المركبة ‪( ،‬فال تكون) النفس (بسيطة وإال) أي بأن كانت بسيطة (لما انقسم حالها)‬
‫أي الماهية الحالة فيها ‪ ،‬فلما كان الحال مركبا يقبل القسمة عرفنا أن المحل الذي هو النفس مركب أيضا‬
‫وبتركبها يبطل كونها بسيطة ومقولة من المقوالت فيبطل كون المقوالت أربعة عشر (و) لما أورد الشارح منعا‬
‫ومعارضة على القائلين بكون الجوهر عرضا عاما ذكر اآلن ما يتجه على كل منهما ‪ ،‬فأما ما ( يتجه على‬
‫الثَّاني) وهو المعارضة فهو أن النفس تتصور المركب وال يلزم منه التركيب فيها لـ(أن) النفس (تصور المركب)‬
‫بشكل (تدريجي) ال آني (فيجوز أن ال تجتمع أجزاؤه في التصور) فعند تصورها لماهية اإلنسان المركبة مثال‬
‫تحولها إلى أجزاء بسيطة وتتصور تلك البسائط تدريجيا إلى أن تصل إلى تصور جميع أجزاءه (و) أما ما يتجه‬
‫(على األول) وهو المنع فهو أن هذا المنع أي‪ :‬منع استلزام التركيب الذهني للتركيب الخارجي ضعيف ألنا‬
‫أثبتنا فيما سبق بـ(أن التغاير بين األربعة) أي الجنس والفصل الذهنيين والهيولى والصورة الخارجيين (اعتباري)‬
‫فالجنس الذهني هو نفس الهيولى الخارجية كما أن الفصل الذهني هو نفس الصورة الخارجية (فكيف ال يستلزم)‬
‫(التركيب الخارجي) ‪ ،‬والحاصل إن التركيب الذهني يستلزم التركيب الخارجي فالماهية المركبة‬
‫َ‬ ‫التركيب الذهني‬
‫ذهنا تكون مركبة في الخارج أيضا‪.‬‬

‫‪103‬‬
‫من‬
‫عد الهيولى والصورَة ْ‬ ‫المانع وإال لما َّ‬
‫ُ‬ ‫يقول به‬
‫لكن ال ُ‬ ‫الكلي الطبيعي في الخارج التَّ َجه ْ‬
‫يل بنفي ُ‬
‫نعم لو ق َ‬
‫كونه جواريا فال يكو ُن‬
‫يجوز ُ‬ ‫وهو ممنوع َلم ال ُ‬
‫الحلول َس َريانيا َ‬
‫ُ‬ ‫كان‬
‫يرد أن ُه إنما يصح لو َ‬
‫أنه ُ‬
‫بقي ُ‬ ‫أقسام الجوهر‪،‬‬
‫َ‬
‫بل ) يكو ُن ( جنسا ) عاليا فيكون حينئذ مقولة واحدة جنسا ألقسامه الخمسة كأقسام‬ ‫الجوهر عرضا عاما ( ْ‬
‫ُ‬
‫العرض التسعة ‪.‬‬

‫المنع ؛ ألن الكلي الطبيعي هو الجنس والفصل في الذهن‬


‫ُ‬ ‫(نعم لو قيل بنفي الكلي الطبيعي في الخارج التجه)‬
‫التسليم للمنع بشرط ‪ ،‬وذكر إيراد آخر‬

‫فإن قلنا بعدم وجوده في الخارج ألمكن أال يكون التركيب الذهني مستلزما للتركيب الخارجي (لكن ال يقول به)‬
‫(المانع) بل يقول بوجوده فيه (وإال لما عد الهيولى والصورة من أقسام‬
‫ُ‬ ‫أي بنفي الكلي الطبيعي في الخارج‬
‫الجوهر) فإنهما كليان خارجيان يتركب منهما الماهية في الخارج وهذا التركيب الخارجي مستلزم للتركيب الذهني‬
‫فبطل توجيه المنع (بقي) بعد المنع والمعارضة (أنه يرد) إيراد آخر على جعل النفس مقولة والجوهر عرضا‬
‫عاما لها ولسائر أقسامه هو أنا نسلم كون النفس تتصور الماهيات البسيطة الحالة فيها وتكون محال لها ولكن‬
‫انقسام المحل ال يستلزم انقسام الحال ألن الحلول قسمان ‪ :‬فقسم يسمى بالحلول السرياني كحلول الماء في‬
‫عروق األشجار وقسم آخر يسمى بالحلول الجواري كحلول الناس في بيوتهم ‪ ،‬وال يلزم في الحلول الجواري‬
‫انقسام الحال بانقسام محله كما ال يلزم من انقسام البيت انقسام ساكنيه ‪ ،‬بل يلزم هذا االنقسام في الحلول‬
‫السرياني فقط فحينئذ نقول (إنه إنما يصح)كالمكم بجعل النفس مقولة (لو كان الحلول سريانيا وهو ممنوع ‪ ،‬ل َم‬
‫ال يجوز كونه) أي الحلول (جواريا) وال محذور من بساطة الحال وتركب محله في الحلول الجواري ‪ ،‬وحينئذ‬
‫جاز تركب النفس من الجنس والفصل وبطل كونها مقولة (فال يكون الجوهر عرضا عاما بل يكون جنسا عاليا)‬
‫يشترك في تركيب أقسامه الخمسة (فيكون حينئذ مقولة واحدة جنسا ألقسامه الخمسة كأقسام العرض التسعة)‬
‫فتكون المقوالت عشرة ‪.‬‬

‫‪104‬‬
‫العرض جنسا كالجوهر‬
‫ُ‬ ‫الموجود جنسا للجوهر والعرض فتكو َن مقولة واحدة وال‬
‫ُ‬ ‫ثم إنه ينبغي أن يز َيد‪ :‬ولم يكن‬
‫الجوهر عرضا عاما فتكو ُن المقو ُ‬
‫الت ستة وال النسب ُة جنسا للمقوالت النسبية‬ ‫ُ‬ ‫العرض جنسا و‬
‫ُ‬ ‫فيكونان مقولتين وال‬
‫يكن ما تحتها أنواعا حقيقية فيكون كل جنسا مفردا ال عاليا‪.‬‬ ‫فتكون المقو ُ‬
‫الت أربعة ولم ْ‬
‫(ثم) ذكر الشارح بعض القيود التي ينبغي زيادتها في المتن والتي يتوقف عليها كون المقوالت عشرة ‪ ،‬وهو (أنه‬
‫ينبغي أن يزيد) أي المصنف في المتن (ولم يكن الموجود جنسا للجوهر والعرض فتكون مقولة واحدة) وإال لكان‬
‫قيود البد منها للتسليم بحصر المقوالت في العشرة‬

‫الجوهر والعرض عرضين عامين ولكان الموجود جنسا عاليا ألقسامه وتكون المقوالت مقولة واحدة هي الموجود‬
‫وينبغي أن يزيد قيدا ثانيا وهو (وال العرض جنسا كالجوهر فيكونان مقولتين) فإن كان العرض جنسا عاليا‬
‫كالجوهر ولم يكن عرضا عاما ألقسامه التسعة لكانت المقوالت اثنتين وهما الجوهر والعرض ‪ ،‬وينبغي أن يزيد‬
‫قيدا ثالثا وهو (وال العرض جنسا والجوهر عرضا عاما فتكون المقوالت ستة) ألنه لو كان العرض جنسا ألقسامه‬
‫التسعة والجوهر عرضا عاما ألقسامه الخمسة لكانت المقوالت ستة وهي العرض مع األقسام الخمسة للجوهر‬
‫التي كل منها صار مقولة بجعل الجوهر عرضا عاما لها ‪ ،‬وينبغي أن يزيد قيدا رابعا وهو ( وال النسبة جنسا‬
‫للمقوالت النسبية فتكون المقوالت أربعة) فالمقوالت النسبية سبعة وكل منها جنسا عالي ومقولة على حدة لكن‬
‫لو جعلنا النسبة جنسا لها صارت المقوالت أربعة وهي ‪ :‬الجوهر والكم والكيف والنسبة التي تشتمل على سائر‬
‫المقوالت النسبية ‪ ،‬والقيد الخامس هو (ولم يكن ما تحتها أنواعا حقيقية فيكون كل جنسا مفردا ال عاليا) قد‬
‫ذكرنا أن المقوالت أجناس عالية فتكون أقسام كل منها أجناس مختلفة الحقيقة كالجوهر جنس عال وأقسامه‬
‫أجناس تحته ‪ ،‬وكذلك الكم والكيف وغيرهما من المقوالت كل منها أجناس عالية أقسامها أجناس تحتها وما‬
‫تحت تلك األجناس أنواع وفي هذا القيد يقرر الشارح أن هذا الكالم صحيح لو لم يكن ما تحت األجناس العالية‬
‫أنواعا متفقة الحقيقة ‪ ،‬أما إذا كان ما تحتها أنواعا حقيقية فحينئذ ال تكون المقوالت أجناسا عالية بل يكون كل‬
‫منها جنسا مفردا وعلى هذا يكون الجوهر جنسا مفردا وأقسامه الخمسة كل منها يكون نوعا حقيقيا ال جنسا ‪،‬‬
‫وكذلك الكم والكيف وغيرهما يكون كل منها أجناس مفردة وما تحتها أنواع حقيقة متفقة الحقيقة ال أجناس وحينئذ‬
‫ال يمكن إطالق المقوالت العشرة عليها ألنها ليست أجناسا عالية ألن شرط إطالق المقولة كونها أجناسا عالية‬
‫ال مفردة كما هنا‪.‬‬

‫‪105‬‬
‫الت ثنتي عشرَة بجعل النقطة والوحدة منها لتوقف الدعوى على كل من المذكورات َ‬
‫وهو ممنوع‬ ‫ولم تكن المقو ُ‬
‫ويتعقل كل منهما مع َّ‬
‫الشك في وجوده‬ ‫وقد ُيستدل عليها َّ‬
‫َ‬ ‫الموجود مقول بالتشكيك على الجواهر واألعراض ُ ُ‬
‫َ‬ ‫بأن‬ ‫ْ‬
‫وحقيقته فيكو ُن داخال فيما ُ‬
‫تحته‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫ذات الشي‬
‫المعني من الجوهر ُ‬
‫َ‬
‫وبأن‬
‫يس بجنس لهما َ‬ ‫فل َ‬

‫والقيد السادس الذي تجب إضافتها هو (ولم تكن المقوالت ثنتي عشرة بجعل النقطة والوحدة منها) قد سبق ذكر‬
‫أن النقطة هي نهاية الخط والوحدة نهاية المركب واختلفوا في كونهما من األمور االعتبارية أم هما أمران‬
‫وجوديان ‪ ،‬فإن جعلناهما من األمور االعتبارية كانت المقوالت عشرة ولكن إن جعلناهما أمرين وجوديين بالوجود‬
‫المحمولي كانت المقوالت اثنتي عشرة بإضافتهما إلى سائر العشرة‪ ،‬وقوله (لتوقف الدعوى على كل من‬
‫المذكورات ) علة لقوله‪" :‬ينبغي أن يزيد" والمعنى‪ :‬أن دعوى كون المقوالت عشرة تتوقف على زيادة كل قيد من‬
‫تلك القيود وقد سبق علة ذلك ‪( ،‬وهو) أي قولنا بأنه ينبغي زيادة كل قيد من القيود الستة السابقة العتبار كون‬
‫بيان عدم الحاجة إلى القيود إلثبات حصر المقوالت في العشرة واالستدالل على ذلك‬

‫المقوالت عشرة (ممنوع) في كل من تلك القيود ‪( ،‬وقد يستدل عليها) أي على زيادة هذه القيود بـ(أن الموجود)‬
‫مقول بالتشكيك على الجواهر واألعراض) بمعنى أن الوجود في الجوهر أولى منه في العرض ألن قيام الجوهر‬
‫بنفس ه وقيام العرض بتبعيته للجوهر فلو كان الموجود جنسا للجوهر والعرض لكان جزءا من ماهيتهما والذاتي‬
‫ال تفاوت فيه بين أفراده وقد قلنا بوجود التفاوت بينهما (و) من ثمة (يتعقل كل منهما) أي من ماهية الجوهر‬
‫والعرض (مع الشك في وجوده) أي وجود كل منهما (فليس) الوجود (بجنس لهما) ‪ ،‬ولو كان الوجود جنسا لهما‬
‫لوجب كونه متعقال بتعقل كل منهما وال قائل بذلك فبطل كون الموجود ذاتيا وجنسا للجوهر والعرض وبطل‬
‫كون المقوالت مقولة واحدة هي الموجود فقط بل المقوالت عشرة والموجود عرض عام لها ‪ ،‬فهذا منع للقيد َّ‬
‫األول‬
‫(و) أما المنع في القيد الثَّاني وهو أن العرض لو كان جنسا عاليا كالجوهر لكانت المقوالت اثنتين وهما الجوهر‬
‫والعرض‪ ،‬فاستدل عليه (بأن المعني من الجوهر ذات الشيء وحقيقته فيكون) جنسا (داخال فيما تحته ) أي ما‬
‫تحت حقيقة أقسامه فيكون مقولة ولو كان العرض ذات الشيء وحقيقته ألمكن عده جنسا ومقولة عليحدة‪.‬‬

‫‪106‬‬
‫وعروض الشيء للشيء إنما يكون بع َد تحقق حقيقته َّ‬
‫ومر منا ما فيه َّ‬
‫وبأن‬ ‫ُ‬ ‫يعرض للموضوع‬
‫ُ‬ ‫ومعنى العرض ما‬
‫تدخل النسب ُة في ذواتها سوى اإلضافة َّ‬
‫وبأن‬ ‫ُ‬ ‫النسب َة لألعراض النسبية كالعرض لها فإنهم ال يقصدو َن بها ما‬
‫ألنهم‬
‫ْ‬ ‫أن يكو َن ُ‬
‫بعضها أو كلها أجناسا مفردة وفيه ضعف‬ ‫فجاز ْ‬
‫مر َ‬‫جنس فوَقه كما َّ‬
‫المراد بالعالي هنا ما ال َ‬
‫كثي ار ما يقابلو َن العالي بالمفرد ‪.‬‬

‫(و) لكنه ليس كذلك ألن (معنى العرض) هو (ما يعرض للموضوع وعروض الشيء للشيء إنما يكون بعد‬
‫تكملة بيان عدم الحاجة إلى القيود إلثبات حصر المقوالت في العشرة واالستدالل على ذلك‬

‫تحقق حقيقته) أي بعد تحقق ماهية ذلك الشيء المعروض وهذا الدليل يصلح ردا على القيد الثَّالث أيضا وقوله‬
‫ومر منا ما فيه) إشارة إلى أن الكالم هنا ليس في كون العرض ال يتحقق إال بعد تحقق المعروض الذي هو‬
‫( َّ‬
‫موضوع له بل في جعل العرض جنسا ألقسامه التي كل منها أعراض فال تقريب للدليل (و) أما القيد الرابع‬
‫وهو أن المقوالت تكون عشرة لو لم تكن النسبة جنسا للمقوالت النسبية وتصير المقوالت أربعة فنمنعه (بأن)‬
‫مطلق (النسبة لألعراض النسبية كـ) مطلق (العرض لها)أي لألعراض فكما أن مطلق العرض عرض عام‬
‫لجميع األعراض فكذلك النسبة عرض عام لجميع األعراض النسبية (فإنهم) أي الحكماء (ال يقصدون بها) أي‬
‫باألعراض النسبية (ما تدخل النسبة في ذواتها) وماهيتها‪ ،‬بل يقصدون أن النسبة عارضة لها وأن تلك األعراض‬
‫هيئات تحصل بسبب عروض تلك النسبة عليها ال أن النسبة جزء من ماهيتها (سوى) مقولة (اإلضافة) فإن‬
‫النسبة جزء من ماهيتها (و) أما القيد الخامس وهو أن كون المقوالت عشرة متوقف على عدم اعتبار األجناس‬
‫العالية أجناسا مفردة ‪ ،‬فنمنعه (بأن) ليس المراد بالجنس العالي هنا ما اصطلحت عليه المناطقة وهو ما ال‬
‫جنس فوقه ويكون ما تحته جنس متوسط أو سافل بل (المراد بالعالي هنا) ما هو في اصطلح عليه الحكماء‬
‫وهو (ما ال جنس فوقه كما مر) سواء كان ما تحته جنسا أو نوعا (فجاز) عليه (أن يكون بعضها) أي بعض‬
‫المقوالت (أو كلها أجناسا مفردة) يكون ما تحتها أنواعا حقيقية ال أجناس ‪( ،‬وفيه ضعف ألنهم) أي الحكماء‬
‫كثي ار ما يقابلون العالي بالمفرد) فال يصح عدهما حقيقة واحدة ‪.‬‬

‫‪107‬‬
‫تحت الجنس في هذه‬ ‫ط به عقوُلنا من الماهيات المندرجة َ‬ ‫حصر األجناس العالية لما ال يحي ُ‬
‫ُ‬ ‫المقصود‬
‫َ‬ ‫َوب َّ‬
‫أن‬
‫قول الجنس وكو ُن ما تحتَه‬‫ول ُكل منهما على َما تحتَه َ‬
‫يثبت َق ُ‬
‫وجود النقطة والوحدة َما لم ْ‬
‫ُ‬ ‫يقدح‬
‫العشرة فال ُ‬
‫يثبت‬
‫ولم ْ‬ ‫قول الجنس وكون َما تحتَه أَ َ‬
‫جناسا ْ‬ ‫يثبت شيء منهما لجواز قول كل منهما على ما تحتَه َ‬ ‫أجناسا ولم ْ‬
‫َ‬
‫شيء منهما لجواز َقول كل منهما قوال عرضيا وكون ما تحتهما أشخاصا متفق َة الحقيقة أو أنواعا حقيقية ‪ ،‬وقد‬
‫األول أََّنهم قالوا بوجود‬ ‫جاب عنهما تارة بأنهما عدميان وأخرى بأنهما مندرجان تحت الكيف ‪ ،‬ويتَّ ُ‬
‫جه على َّ‬ ‫ُي ُ‬
‫بطالن حصر الكيف في األقسام األربعة لعدم‬
‫َ‬ ‫يستلزم‬
‫ُ‬ ‫وجود النقطة عندهم وعلى الثَّاني أنه‬
‫ُ‬ ‫المشهور‬
‫ُ‬ ‫الوحدة و‬
‫تحت شيء منها ‪.‬‬‫اندراجهما َ‬
‫تكملة بيان عدم الحاجة إلى القيود إلثبات حصر المقوالت في العشرة واالستدالل على ذلك‬

‫(و) أما القيد السادس وهو اعتبار النقطة والوحدة مقولتين فنمنعه (بأن) المقصود ليس الحصر الحقيقي لجميع‬
‫الماهيات تحت هذه األجناس العالية بل (المقصود) هو (حصر األجناس العالية لما يحيط به عقولنا من‬
‫الماهيات المندرجة تحت الجنس في هذه العشرة فال يقدح وجود النقطة والوحدة ما لم يثبت قول كل منهما على‬
‫ما تحته قول الجنس وكون ما تحته أجناسا ولم يثبت شيء منهما‪ ،‬لجواز قول كل منهما قوال عرضيا) بأن‬
‫يكون كل من النقطة والوحدة عرضا عاما ألفراده ال أجناسا عالية (و) جواز (كون ما تحتهما أشخاص متفقة‬
‫الحقيقة أو أنواعا حقيقية ‪ ،‬وقد يجاب عنهما) أي عن النقطة والوحدة (تارة بأنهما عدميان) فال يشملهما بحثنا‬
‫ألننا نبحث في المقوالت وهي أمور وجودية ‪( ،‬و) يجاب تارة (أخرى بأنهما مندرجان تحت) مقولة (الكيف و)‬
‫األول أنهم) أي الحكماء (قالوا بوجود الوحدة) باالتفاق (والمشهور‬
‫الجوابان ضعيفان فـ(يتجه على) الجواب ( َّ‬
‫وجود النقطة عندهم) ‪( ،‬و) يتجه (على) الجواب (الثَّاني أنه يستلزم بطالن حصر الكيف في األقسام األربعة)‬
‫فإنهم حصروا الكيف في أربعة أقسام كما سبق ( لعدم اندراجهما) أي النقطة والوحدة (تحت شيء منها) إال‬
‫بأن نجعل الكيف ستة أقسام وحينئذ يبطل حصرها في األربعة ‪.‬‬

‫‪108‬‬
‫غير ُمبينة أَ َ‬
‫شار بقوله‬ ‫العرضية التي هي أَجناس َعالية في التسعة خفية َ‬ ‫كانت َدعوى ْانحصار َ‬
‫المقوالت َ‬ ‫وَلما ْ‬
‫الم َّارة َّإنما تَتم َلو ثَ َ‬
‫بت أَ َّن َهذه أَجناس َعالية وهو َممنوع لجواز أَن َيكو َن‬ ‫( َفافهم ) إلى أََّنها َب َ‬
‫عد إثبات َّ‬
‫الدعاوى َ‬
‫أن يكو َن واحد منها أو ُ‬
‫أكثر‬ ‫فيجوز‬
‫ُ‬ ‫كونه ذاتيا‬
‫وهو َعارض َلها ولو ُسل َم ُ‬‫مور ُمختلف َة الحقيقة ُ‬ ‫حت كل أ ا‬ ‫َما تَ َ‬
‫كان أنواعا حقيقية‬
‫إن َ‬‫وسافال ْ‬
‫َ‬ ‫أجناسا‬
‫َ‬ ‫كان ما تحتَ ُه‬ ‫إن َ‬‫الداخل جنسا ُمتوسطا ْ‬
‫ُ‬ ‫آخر َفيكو ُن‬
‫تحت جنس َ‬ ‫داخال َ‬
‫خرى هي جنس َعال ُمغاير َلها‪َ ،‬أال تَرى‬ ‫وهو َممنوع لجواز َمُقوَلة أُ َ‬
‫اها ُ‬
‫للعرض جنس َعال سو َ‬ ‫يس َ‬ ‫وثََب َت أَ َّن َل َ‬
‫رك َة َمُقولة برأسها‬ ‫عض ُهم َعَّد َ‬
‫الح َ‬ ‫أن َب َ‬ ‫َّ‬

‫(ولما كانت دعوى انحصار المقوالت العرضية التي هي أجناس عالية في التسعة خفية غير مبينة) إال بعد‬
‫التسليم للدعاوى المارة بشرط كون المقوالت أجناسا عالية وهو ممنوع‬

‫إثبات الدعاوى المارة (أشار) الماتن (بقوله فافهم إلى أنها) أي المقوالت العرضية (بعد إثبات الدعاوى المارة‬
‫إنما تتم ) كونها تسعة ( لو ثبت أن هذه) األعراض (أجناس عالية) ألقسامها ( وهو ممنوع لجواز أن يكون ما‬
‫تحت كل) من تلك األعراض (أمو ار مختلفة الحقيقة) هي أجناس عالية (و) يكون (هو ) أي كل من األعراض‬
‫التسعة (عارض) عام (لها) أي لتلك األجناس‪ ،‬والحاصل أن كون األعراض تسعة يحتاج بعد إثبات الدعاوى‬
‫المارة إلى إثبات كون تلك األعراض أجناسا عالية ألقسامها وهو ممنوع لجواز كونها أعراضا عامة ويكون ما‬
‫تحتها أجناسا مختلفة الحقيقة ال تدخل تلك األعراض العامة في ذاتياتها (و) حتى (لو سلم كونه) أي كون كل‬
‫من تلك األعراض (ذاتيا) بأن تكون أجناسا تدخل في ذاتيات أقسامها ‪ ،‬إال أننا ال نسلم كونها أجناسا عالية‬
‫(فيجوز أن يكون واحد منها أو أكثر داخال تحت جنس آخر فيكون) هذا الجنس اآلخر هو الجنس العالي‬
‫ويكون (الداخل) من األعراض (جنسا متوسطا إن كان ما تحته أجناسا) أخرى سافلة (و) يكون كل منها جنسا‬
‫(سافال إن كان) ما تحتها (أنواعا حقيقية)‪ ،‬فال يثبت أيضا كون المقوالت عشرة قوله (وثبت) عطف على " لو‬
‫ثبت " أي ‪ :‬إثبات الدعاوى المارة إنما تتم لو ثبت أن هذه أجناس عالية وثبت كذلك (أن ليس للعرض جنس‬
‫عال سواها) أي سوى التسعة (وهو ممنوع لجواز) أن توجد (مقولة أخرى هي جنس عال) ويكون العرض عرضا‬
‫عاما لها وتكون هذه المقولة جنسا (مغاي ار لها) أي للمقوالت التسعة العرضية (أال ترى أن بعضهم) أي بعض‬
‫الحكماء (عد الحركة مقولة برأسها) فالحركة إن لم نجعلها قسما من األين بل تبعنا ذلك البعض في عدها مقولة‬
‫برأسها فبإضافتها إلى المقوالت العرضية تصبح المقوالت إحدى عشر‪ ،‬والحاصل إن حصر المقوالت في العشرة‬
‫غير مسلم‪.‬‬

‫‪109‬‬
‫دامت‬
‫ْ‬ ‫وصحبه َما‬
‫وعلى آله َ‬
‫الرسول الكريم‪َ ،‬‬ ‫السالم َعلى َّ‬
‫الحمد هلل العليم والصالةُ و ُ‬ ‫آخر َما أَ َر َ‬
‫دنا إيرُادهُ و ُ‬ ‫َهذا ُ‬
‫رسلين َسن َة أَلف‬
‫الم َ‬‫علنا هللاُ من ُعتقائه ب ُحرمة َسيد ُ‬
‫مضان َج َ‬
‫لت من َر َ‬ ‫امه لعشر َخ ْ‬ ‫َجَّن ُة النَّعيم‪ ،‬قد و َ‬
‫افق اختتَ ُ‬
‫وثَالثمائة وتسعة َوعشرين ‪.‬‬

‫أردت تقييده عليه مما استفدته من دروس موالنا األستاذ فرهاد آكشته حفظه هللا ‪،‬‬
‫وبانتهاء الشرح ينتهي ما ُ‬
‫الختام‬

‫وكان ذلك في يوم األربعاء لسبع ليالي خلت من شهر جمادى اآلخرة سنة خمس وأربعين وأربعمئة وألف ‪،‬‬
‫وصلى هللا على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين والحمد هلل رب العالمين‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫حواشي ابن الباساوي المتعلقة ببيان عدد المقوالت‬

‫قوله‪( :‬والتالي باطل) كون كل من أقسام الجواهر الخمسة مركبة من الجنس والفصل باطل ألن النفس التي‬
‫هي من جملة أقسامه يتعقل ويتصور البسائط ولو كانت مركبة يلزم أن ال يكون البسيط بسيطا والالزم باطل‬
‫وكذا الملزوم‪ ،‬قوله‪( :‬وهو ممنوع) كيف والبساطة الخارجية ال ينافي التركيب الذهني فافهم ‪ ،‬قوله‪ ( :‬أن تصور‬
‫المركب) حاصل الجواب منع استلزام تعقل النفس الماهية المركبة كونها بسيطة فقوله فيجوز سند للمنع تأمل‪،‬‬
‫قوله‪ ( :‬التغاير بين األربعة) أي الجنس والفصل والهيولى والصورة ‪ ،‬قوله ( التجه) أي القول بأن التركيب‬
‫الذهني من األولين ال يستلزم التركيب الخارجي من اآلخرين ‪ ،‬قوله‪ ( :‬ولم يكن الموجود جنسا) تفريع على‬
‫المنفي دون النفي وحاصله إن حصر المقوالت في العشرة المذكور إنما يكون إذا لم يكن الموجود جنسا للجوهر‬
‫والعرض فإنه إذا كان كذلك يكون مقولة واحدة هو الموجود ال متعددة ‪ ،‬قوله‪ ( :‬فيكونان مقولتين) هما الجوهر‬
‫والعرض ‪ ،‬قوله‪( :‬وبأن المقصود) استدالل على عدم عد النقطة والوحدة من المقوالت ‪ ،‬قوله‪ ( :‬قول كل منهما)‬
‫أي مقولية ومحمولية كل من النقطة والوحدة على ما تحته مثل مقول الجنس أي مقوليته ومحموليته على ما‬
‫تحته قوله‪ ( :‬شيء منهما) أي من قول كل منهما على ما تحته قول الجنس وكون ما تحته أجناس‪ ،‬قوله‪( :‬‬
‫بوجود الوحدة) ويرد بأن الوحدة لو وجد فرد منها لكان إما واحدا أو كثي ار فعلى األول يلزم التسلسل في الوحدات‬
‫إذ ننقل الكالم إلى وحدة ذلك الفرد أيضا وهلم وعلى الثَّاني يلزم انقسام الوحدة وهو باطل‪.‬‬

‫‪111‬‬
‫شرح الشيخ ابن املؤمن على مقوالت القزجلي رمحهما اهلل‪ ،‬ومنهواته‬

‫مقدمة‬
‫الرحيم ‪ ،‬رب تَمم باْل َخ ْير‬
‫الر ْحمن َّ‬
‫ّللَا َّ‬
‫ب ْسم َّ‬
‫يجاد الموجود َوآله َوصحبه َعين َمصَلحة اَ ُلوجود‪ ،‬وبعُد‬ ‫الصالةُ على حكمة إ َ‬ ‫المعبود و َّ‬
‫الحمُد َّهلل الواجب ْ‬
‫ْ‬
‫القاصر ا ْب ُن َع ْبد اَلمؤمن َعبُد القادر‪َ :‬هذه َفوائُد ُرتَّبتُ َها برسالة في َمصَلحة الحكمة للكامل‬ ‫ُ‬ ‫لمذن ُب‬ ‫ول اَ ُ‬
‫؛ َفيُق ُ‬
‫ّللَاُ في عيشة َراضية َوجنَّة َع َ‬
‫الية‬ ‫لمنجي اَْل َمولى َعلي القزلجي َجعَل ُه َ َّ‬ ‫ّللَا اَ ُ‬
‫المقتدى ألص َحاب اَلنهية الخالص في َ َّ‬
‫‪1‬‬ ‫( )‬

‫أل أن َي َنف َع اَلفق َير َف َّإنه على َما َي َشاء قدير‪.‬‬


‫ّللَاَ ُيس ُ‬
‫ائد‪َ ،‬وَ َّ‬ ‫ذها بالنَّواجذ َفإ َّن ف َ‬
‫يها العو َ‬ ‫‪ُ ،‬خ َ‬
‫تعريف المفهوم وأقسامه‬
‫الشيء في َّ‬
‫النْفس (ثَالثَة) ألَنه إ َّما‬ ‫أن المفهوم) أي الصورةُ الحاصل ُة من َّ‬ ‫ّللَا تَعاَلى ‪( :‬اعَلم َّ‬
‫حمه َ َّ‬
‫َ‬ ‫قال َر َ‬
‫تنع) كشريك الباري (و) الثَّ ُ‬
‫الث‬ ‫المم ُ‬
‫َّ‬
‫اجب) كاْلباري (و) الثاني ( ْ‬ ‫ضروري اَ ُلوجود أو العدم أو َال وَال‪ْ ،‬‬
‫فاأل ََّول (الو ُ‬ ‫َ‬
‫طرفيه‬ ‫عن أحد‬ ‫الضرورة َّ‬
‫الذاتيَّة ُه َنا ْ‬ ‫معنى َسْلب َّ‬ ‫عنقاء ه َذا‪ ،‬فاعلم َّ‬
‫ْ‬ ‫أن اَلممك َن ب ْ‬ ‫الممكن اَلخاص) كاإلنسان واْل ْ‬‫ُ‬ ‫(‬
‫لمقيد بجانب اَ ُلوجود‬
‫لممك َن اَْلعام اَ ُ‬
‫سمى اَ ْ‬‫وي َّ‬ ‫األو َل والثَّ َ‬
‫الث ُ‬ ‫طرفه العدم َي ُعم َّ‬ ‫وبمعنى َما ُسل َب ْت عن َ‬
‫ْ‬ ‫َي ُعم الثَّالث َة‬
‫قيد بجانب العدم ‪( ،‬وبعبارة‬‫لم َ‬ ‫عام اَ ُ‬
‫ويسمى اَلممكن اَْل َّ‬
‫َّ‬ ‫طرفه اَ ُلوجود َي ُعم الثَّاني والثَّالث ْأيضا‬
‫وبمعنى َما ُس َلب ْت عن َ‬ ‫ْ‬
‫عدوم) ‪ ،‬تَصوُر اَ ُلوجود َوك َذلك‬
‫وجود أو َم ُ‬
‫هوم) ق ْس َمان ألَنه (إ َّما َم ُ‬
‫لهما َواحد (المْف ُ‬ ‫ُخرى) َغ ْير العبارة َّ‬
‫المارة ومآ َ‬ ‫أ َ‬
‫وجالئ ُه بخفاء المأخذ وجالئه ‪ ،‬قال في الشَفاء ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫لمشتق‬
‫فاء اَ ُ‬
‫ْخذان للموجود والمعدوم َو َخ ُ‬
‫ال َعدم َبديهي َوه َما َمأ َ‬
‫داهة َّ‬
‫الشيء‬ ‫المعدوم َكذلك الستلزام َب َ‬ ‫فين َبغي أن َي ُكون‬ ‫جود و َّ‬
‫الشي ُء َم ْع َناهما َيرتَس ُم في الذ ْهن ا ْرتساما أَوليا ْ‬ ‫المو ُ‬
‫ُ‬
‫كما قد‬
‫هما َغ ْي ُر َجائز َ‬ ‫هما‪ ،‬والتَّ ْعر ُ‬
‫يف ب َ‬ ‫ُدو ُن م ْن َ‬ ‫ضروري إال َو ُهو ُم َساوي َل َ‬
‫هما أو أ َ‬ ‫داه َة نقيضه َفإ َذن َال ُي ْمك ُن َ‬
‫َب َ‬
‫ضروري العدم‬ ‫الموجود (والمعدوم) ق ْس َمان ْأيضا َوذلك أل َّن المعد َ‬
‫وم (إ َّما ُم ْمتَنع) أي َ‬ ‫ُعل َم في َمحله ‪ ،‬ثُ َّم لكل من ْ‬

‫قوله‪ ( :‬ألصحاب النهية الخالص) هكذا في األصل ولم يظهر لي وجهه ‪ ،‬قوله ‪ ( :‬ضروري الوجود أو العدم أو َال وَال )‬ ‫)‪(1‬‬

‫التعريف المستفاد من دليل الحصر لكل من الواجب والممتنع والممكن لفظي ال حقيقي‪ ،‬فالبد أنها ضروريات ال تعرف إذ‬
‫البديهيات إنما يمتنع تعريفها الحقيقي ال اللفظي‪ ،‬منه ‪ ،‬قوله‪ ( :‬كالباري) الكاف استقصائية‪ ،‬منه‪ .‬قوله‪ ( :‬سلب الضرورة الذاتية‬
‫) أي‪ :‬الناشئة عن ذات الشيء وماهيته بحيث يستحيل انفكاك أحد الطرفين عنه الستلزامه االنقالب المستحيل‪ ،‬فضرورة الوجوب‬
‫الذاتية امتناع انفكاكه عن الذات وضرورة العدم كذلك‪ ،‬ولو فرضنا جواز انفكاك الوجود في الواجب والعدم في الممتنع النقلب كل‬
‫منهما إما إلى اآلخر أو إلى الممكن وهو ممتنع وال يكونان فيهما بالغير لذلك االنقالب‪ ،‬منه‪.‬‬

‫‪112‬‬
‫ب َّ‬
‫الذات ( َّ‬
‫إما َواجب)‬
‫الموجود َّ‬
‫َ‬ ‫الوجود ( َكالعنَقاء و‬ ‫ضروري َ‬
‫العدم و ُ‬ ‫وشريك الباري تَعاَلى (أو ُم ْمكن) َال َ‬‫كالالشيء) َ‬
‫ض ُروري ال َ‬
‫طرَفين‪.‬‬ ‫ضروري الوجود َّ‬
‫إما ُممكن) ال َ‬ ‫بالذات (و َّ‬ ‫َُ‬
‫الممكن جوهر وعرض‬
‫سيم إلى‬ ‫َّ‬ ‫المفهوم باْلعبار ْتين‪ ،‬اعَلم َّ‬
‫لعيني إذ التْق ُ‬ ‫جود) بالوجود اَ ْ‬
‫أن (اَلممك َن المو َ‬ ‫(ثُ َّم) َب ْع َد َب َيان تَقسيم َ‬
‫وهر َو ُهو)‬
‫وهر أو َع َرض ‪ ،‬ثُ َّم اَْل َج ُ‬‫األعيان الموجودة من الجواهر واألعراض َو ُهو على قسمين ألَن ُه (إ َّما َج َ‬
‫وم بالموجود‬
‫المعُد ُ‬
‫الممتَن ُع بال ُممكن و َ‬
‫اجب و ُ‬
‫خرَج الو ُ‬
‫وضوع) أي َمحل ُمقوم ل َما َح َّل فيه َف َ‬
‫جود َال في َم ُ‬
‫المو ُ‬
‫لممك ُن ( ْ‬
‫اَ ُ‬
‫جود في‬‫المو ُ‬
‫علي َها " ْ‬
‫ص َد َق ْ‬ ‫الهُيوَلى َفإن َها وإ ْن َ‬
‫الجوهريَّ ُة الحال ُة في َ‬
‫ودخَلت الصورةُ ْ‬ ‫وضوع َ‬ ‫ض ب َال في َم ُ‬ ‫العر ُ‬‫وَ‬
‫فصالت‪َ ،‬ن َعم أَوَرُدوا عليه اإل َ‬
‫شكال بأَنه‬ ‫الم َّ‬
‫كما ُبي َن في ُ‬‫محل" َلكن َذلك المحل َغ ْي ُر ُمقوم َل َها بل هي ُمَقو َمة َله َ‬
‫وهر ُنس َب‬
‫وهر َج َ‬ ‫وضوع َم َع َّ‬
‫أن اَْل َج َ‬ ‫وجودة في َم ُ‬ ‫وهر لكون َها َم ُ‬
‫اهر الحاصل ُة في الذهن َج ا‬ ‫َي َلزُم أَ ْن َال َي ُكو َن الجو ُ‬
‫()‬
‫‪1‬‬

‫وضوع‬
‫جدت في الخارج َك َانت َال في َم ُ‬
‫لمرَاد َماهية إ َذا َو َ‬ ‫ُجيب‪ :‬ب َّ‬
‫أن اَ ُ‬ ‫إلى اإلدراك اَلعقلي أو إلى اَ ُلوجود الخارجي‪ ،‬أ َ‬
‫وجد‬
‫وضوع َس َواء َ‬
‫وجد َلم َي ُكن في َم ُ‬‫وضوع بل َلو َ‬‫حص َل في الخارج اَلذي َل ْيس في َم ُ‬ ‫لم َّ‬ ‫َّ‬
‫أي‪َ :‬ال َنعني به الش ْيء اَ ُ‬
‫ْ‬
‫وضوع‬
‫وجودة باْلف ْعل في َم ُ‬
‫كون َها َم ُ‬
‫َعراض ْأيضا؛ ل ْ‬
‫اهر أ َ‬ ‫في الخارج أو َال‪ ،‬فالتَّ ْعر ُ‬
‫يف َشامل َل َها‪ ،‬ثُ َّم إ َّن َهذه الجو َ‬
‫وضوع‪َ ،‬ال َما َي ُكو ُن‬ ‫اة َب ْي َن َكون َّ‬
‫جود في َم ُ‬‫ض ُهو المو ُ‬ ‫جوهر وعرضا ب َناء على أ َّن َ‬
‫العر َ‬ ‫ا‬ ‫الشيء الواحد‬
‫ْ‬ ‫َ‬ ‫وَال ُمناَف َ‬
‫ونص‬‫عده_ َّ‬ ‫وتبع ُه َمن جاء َب َ‬
‫الد َّواني في حواشيه القديمة في َب ْحث اَ ُلوجود اَلذهني _ َ‬ ‫لمحق ُق َّ‬
‫جد ك َذا قال اَ ُ‬‫إ َذا َو َ‬
‫جبل من َياُقوت وبحر من زئبق‬ ‫الخيالي َك َ‬
‫َّ‬ ‫عضهم‪ :‬إ َّن المرَّك َب‬
‫ب َعدم اشتراط اَ ُلوجود باْلفعل في اَْل َجوهر َحتَّى قال َب ُ‬
‫ص َّوُر‬
‫كال على تَسليم ُوروده َال ُيتَ َ‬ ‫أن ه َذا اإلش َ‬ ‫خفى َّ‬‫نما َشك في ُو ُجوده ه َذا‪ُ ،‬قل ُت‪ :‬وَال َي َ‬‫َال َش َّك في ُجوهريَّته َوإ َ‬
‫َصحاب الحقيقة؛ ألَّن ُهم َال يقولو َن بات َحاد الصورة َوذي الصورة َفتَ َّ‬ ‫َّ‬ ‫ب َّ‬
‫أمل‬ ‫النظر إلى أَرَباب الش َبح والمثال ُدو َن أ َ‬
‫وينا َكش َح َها َمخاَف َة‬
‫ط َ‬ ‫الج َالل في ه َذا المَقام أقواال َف َ‬
‫لمدقق َ‬
‫اب اَ ُ‬
‫ض َع َج َو َ‬ ‫َفإ َّن ُمحق َق الر َجال في َد ْفع ه َذا ْ‬
‫اإلشكال َو َ‬
‫اإلمالل‪.‬‬

‫وضوع ) أقول‪ :‬ليس الذهن محال مقوما لهذه الجواهر الحاصلة فيها من حيث اتحادها مع ما في‬
‫وجودة في َم ُ‬
‫قوله‪ ( :‬لكون َها َم ُ‬
‫)‪(1‬‬

‫الخارج ومطابقته ا إياه‪ ،‬وإنما هو الموضوع لها مع قطع النظر عن اتحادها واتصاف الذهن بها‪ ،‬فإن للموجود الذهني عندهم‬
‫حيثيتين‪ :‬حيثية القيام واالتصاف وحيثية عدمه‪ ،‬فهو من الحيثية األولى عرض ومن الحيثية الثانية عين المنشأ الخارجي‪ ،‬فاندفع‬
‫اإلشكال بدون االحتياج إلى أخذ الوجود بالقوة في تعريف الجوهر دون العرض والتكليفات الباردة وهللا الموفق‪ ،‬منه‪.‬‬

‫‪113‬‬
‫أقسام الجوهر‬
‫المتَق َّوَم في َذاته‬
‫الم َح َّل ُ‬ ‫جرد) عن َّ‬
‫المادة أَعني َ‬ ‫وهر ُم َّ‬
‫وهر (إ َّما َعْقل َو ُهو َج َ‬ ‫فاعلم َّ‬
‫أن اَْل َج َ‬ ‫َوإ َذا َعلم َت َذلك ْ‬
‫وفعله‪ ،‬ومعنى َكونه ( َغير متَ َّ‬
‫علق باْل َبدن تَعل َق التَّْدبير والتَّصرف ) في البدن َلكن َله تُعلق به ب ْاإليجاد والتَّأْثير‬ ‫َ ُ‬
‫‪1‬‬ ‫( )‬

‫وع َمال‪َ ،‬وُيطَل ُق على َنفس تْلك المراتب‬ ‫اتبها في استكمال َها علما َ‬
‫النْفس باعتبار مر َ‬ ‫فيه‪َ ،‬ويطَل ُق العق ُل أيضا على َّ‬
‫األشعري‪ُ :‬هو الع ُلم ب َبعض‬ ‫سب االصطالحات َفَقال ْ‬ ‫طالقات أُ َخ ُر َح َ‬ ‫اها في تْلك المراتب‪ ،‬وَله إ ْ‬ ‫َوعَلى ُق َو َ‬
‫استحالة‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫سمى بال َعْقل باْلملكة‪َ ،‬وَقال القاضي أَُبو َب ْكر الباقالني‪ُ :‬هو الع ُلم بوجوب الواجبات و ْ‬ ‫لم َّ‬
‫الضروريَّات اَ ُ‬
‫بعُد أن َي ُكون الثَّاني تْف ا‬
‫سير‬ ‫هما ُمتقاربان َحتَّى قال َّ‬
‫السيُد ُقد َس س َّره ‪َ :‬ال َي ُ‬ ‫المستحيالت ب َحسب َمجاري العادات َو َ‬ ‫ُ‬
‫بح‬
‫ف به ُحس ُن المستحسنات َوُق ُ‬ ‫عر ُ‬
‫سن والقب َح ذاتيَّان للعقل َف َّس ُروه ب َما ُي َ‬‫الح َ‬ ‫ل ْأل َّول‪ ،‬واْلقائلون أَعني ْ‬
‫المعتزلة بأ َّن ُ‬
‫زم َها الع ُلم‬
‫السيد ُق ْدس سره‪ُ :‬هو َغر َيزة َيل ُ‬‫كما َيظه ُر من َك َالم َّ‬ ‫الرازي َ‬ ‫اإلمام َّ‬
‫ماعة م ْنهم َ‬‫المستقبحات‪َ ،‬وَقال َج َ‬
‫جرد) َعن‬ ‫لمحق ُق الطوسي في التَّ ْجريد ‪َ ( ،‬وإ َّما َنفس َوهي َج َ‬
‫وهر ُم َّ‬ ‫تارهُ اَ ُ‬
‫اخ َ‬
‫اآلالت و ْ‬
‫المة َ‬ ‫ب َّ‬
‫الضروريَّات عن َد َس َ‬

‫ق التَّ ْدبير والتَّصرف ) أي والتحريك‪ ،‬منه ‪ ،‬قوله‪ ( :‬ويطَل ُق العق ُل أيضا على َّ‬
‫النْفس ) أي الناطقة اإلنسانية‪ ،‬منه ‪ ،‬قوله‪:‬‬ ‫قوله‪ ( :‬تَعل َ‬
‫َ‬
‫)‪(1‬‬

‫وع َمال) بيان ذلك أن للنفس باعتبار استفاضتها عن المبادئ العالية ما يكمل جوهرها من التعقالت قوة‬ ‫( في استكمال َها علما َ‬
‫سمى عقال عمليا وله‬
‫تُسمى عقال نظريا وله مراتب أربع‪ ،‬وأن لها باعتبار تأثيرها في البدن لتكميل جوهرها تأثي ار اختياريا قوة تُ َّ‬
‫اتب العقل النظري فهي إما كمال أو استعداد للكمال قريب أو متوسط أو بعيد فاألولى‪ :‬المرتبة التي هي‬ ‫أما مر ُ‬
‫مراتب أربع أيضا‪َّ ،‬‬
‫النفس وقوةُ النفس في هذه المرتبة‬
‫سمى ُ‬ ‫سمى عقال هيوالئيا‪ ،‬وتُ َّ‬
‫وي َّ‬
‫االستعداد البعيد وهو محض قابلية النفس لإلدراكات كما للطفل ُ‬
‫الحال في سائر المراتب فإنه تُطلق األسماء الثالثة اآلتية على المراتب أنفسها وعلى النفس الناطقة في‬
‫ُ‬ ‫أيضا بهذا االسم وكذا‬
‫تلك المراتب وعلى قواها فيها‪ ،‬والثانية‪ :‬المرتبة التي هي االستعداد المتوسط الذي هو استعداد النفس لتحصيل النظريات بعد‬
‫حصول الضروريات ويسمى عقال بالملكة‪ ،‬الثالثة‪ :‬المرتبة التي هي االستعداد القريب وهو االقتدار على استحضار النظريات‬
‫متى شاء من غير افتقار إلى كسب جديد كالقادر على الكتابة حين ال يكتب وله أن يكتب متى شاء ويسمى عقال بالفعل‪،‬‬
‫والرابعة‪ :‬المرتبة التي هي الكمال وهو أن تحصل النظريات مشاهدة ويسمى عقال مستفادا أي‪ :‬من خارج وهو العقل الفعال الذي‬
‫النفوس من القوة إلى الفعل‪ ،‬وعند أصحاب الرياضة منهم بعد هذه المرتبة التي هي الكمال مرتبتان‪ :‬عين اليقين‪ :‬وهي أن‬
‫َ‬ ‫يخرج‬
‫تصير النفس بحيث تشاهد المعقوالت في العقل األول‪ ،‬وحق اليقين‪ :‬أن تصير النفس بحيث تتصل بالمفارق اتصاال عقليا ويالقي‬
‫ذاتها ذاته تالقيا روحيا‪ ،‬وأما مراتب العملي فأوالها‪ :‬تهذيب الظاهر باستعمال الشرائع النبوية والنواميس اإللهية وثانيتها‪ :‬تهذيب‬
‫الباطن من الملكات الردية ونفض آثار شواغله عن عالم الغيب وثالثتها‪ :‬ما يحصل بعد االتصال بعالم الغيب وهو تحلي النفس‬
‫بالصور القدسية ورابعتها‪ :‬ما يتحلى له عقب اكتساب ملكة االتصال واالنفصال عن نفسه بالكلية وهو مالحظة جالل هللا تعالى‬
‫وجماله وقصر النظر على كماله حتى يرى كل قدرة مضمحلة في جنب قدرته الكاملة وكل علم مستغرق في علمه الشامل بل كل‬
‫وجود وكمال إنما هو فائض من جنابه ذي الجالل‪ ،‬هذا بعض ما نطق به كتب المحققين وخالصها‪ ،‬منه‪.‬‬

‫‪114‬‬
‫وهر م َّ‬
‫ركب من‬ ‫المادة كالعقل َلكن في َذاته فقط (متَعلق بالجسم تَ َّ‬
‫عل َق التَّْدبير والتَّصرف) فيه ( َو َّ‬ ‫َّ‬
‫إما جسم َو ُهو َج َ ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫‪1‬‬ ‫( )‬

‫وهر‬
‫ورة َوهي اَْل َج ُ‬ ‫صَ‬ ‫آخر) ُمقوم َله َوهي الصورةُ ( َوإ َّما ُ‬
‫جوهر َ‬ ‫وهر المحل ل ْ‬‫الهيولى والصورة َوإ َّما َهيولى َوهي اَْل َج ُ‬
‫ول‪َ " :‬وإ َّما‬
‫يم الهيولى والصورة ثُ َّم َيُق َ‬ ‫آخر) َمتُقوم ُهو بالجوهر اَلحال َو ُهو الهيولى فالالَزُم تَقد ُ‬‫وهر َ‬ ‫اَلحال في َج َ‬
‫َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫هما"؛ لتوقف َب َيان الجسم على َبيانهما وتقدمهما عليه بالط ْبع ‪ ،‬ثُ َّم إ َّن ه َذا التْق َ‬
‫سيم ُهو‬ ‫جسم َو ُهو ُمركب م ْن َ‬
‫حل ُهو الجس ُم َف َّإنه َال ا ْس ْتبعاد في ُو ُجود َج َ‬
‫وهر‬ ‫الم َّ‬
‫حال و َ‬
‫وهر اَل َّ‬ ‫اإلمام‪َ :‬الُبَّد من َب َيان َّ‬
‫أن اَْل َج َ‬ ‫دهم قال َ‬ ‫هور عن ُ‬
‫المش ُ‬
‫فأوردوا تقسيما آخر َال َيرُد عليه‬ ‫َغير جسماني ي ُكون مرَّكبا من جوهرين ي ُكو ُن أَحدهما َّ‬
‫حاال في اآلخر ُمَقو َما َله‬
‫ُ‬ ‫َ َُ‬ ‫ْ َْ َ‬ ‫َْ‬ ‫َ‬ ‫ْ ُْ‬
‫مسة) ‪ :‬العق ُل‬‫ام اَْل َجوهر ُخ َ‬ ‫وهر أ َّن (أ َ‬
‫َقس َ‬ ‫يسع ذك ُرهُ في ه َذا المَقام ‪( ،‬فـ) قد ُعل َم من تَقسيم اَل َج َ‬
‫اإلمام َال ُ‬
‫َبح ُث َ‬
‫أما‬
‫القائلين باْلهيولى والصورة‪َ ،‬و َّ‬ ‫المشائين‬ ‫أرسطو وتابعيه من‬ ‫ذه ُب ْ‬‫سم والهيولى والصورة‪ ،‬ه َذا َم َ‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫والنْف ُس َوالج ُ‬
‫أن اَْل َجوهر ثَالثَة‪ :‬الجس ُم واْل َعق ُل والنَّف ُس؛ ألَّنهم يقولو َن‪:‬‬
‫افين َل ُه َما فذهبوا إلى َّ‬
‫الن َ‬‫اقيين َّ‬
‫وتابعوه من اإلشر َ‬
‫ُ‬ ‫أ ْفالطو ُن‬
‫محل‬‫وهر حال ُهو الصورةُ َو َ‬ ‫وهر إ ْن كان ُمتحي از فجرماني َو ُهو الجس ُم َال َغي ُر إذ َال ثبو َت عندهم لوجود َج َ‬
‫اَْل َج ُ‬
‫ُهو الهيولى َوإن َما الهيولى عندهم اسم للجسم من َحي ُث َقبوُله لألعراض والصورةُ ا ْسم لتْل َك األعراض‪َ ،‬وإن َلم‬
‫َي ُكن متحي از فروحاني َو ُهو العق ُل و َّ‬
‫النف ُس‪.‬‬ ‫ُ‬

‫قوله‪ُ ( :‬متَعلق بالجسم ) ذكر الجسم هنا والبدن في السابق وال يخلو عن شيء إذ البدن ال يطلق على الفلك كما قاله القرداغي‬ ‫)‪(1‬‬

‫فيكون تعريف العقل صادقا على النفوس الفلكية كتعريف النفس فال يكون مانعا‪ ،‬فإن قلت‪ :‬فليكن المراد بالنفس َ‬
‫النفس اإلنسانية‬
‫ولتكن الفلكية داخلة في العقل‪ ،‬قلت‪ :‬فال يكون تعريف النفس مانعا أيضا اللهم إال أن يقال في كالمه احتباك حيث ترك "بالجسم"‬
‫في تعريف العقل بق رينة ذكره في تعريف النفس وترك "بالبدن" في تعريف النفس بقرينة ذكره في تعريف العقل‪ ،‬فيصدق تعريف‬
‫أما أ ْفالطو ُن ‪..‬إلخ‬
‫النفس على النفوس الفلكية واإلنسانية فيكون جامعا وال يصدق تعريف العقل عليها فيكون مانعا‪ ،‬منه‪ ،‬قوله‪َ( :‬و َّ‬
‫) وأما المتكلمون فهم شاركوا معهم نفيهما إال أنهم ال يقولون بكون الجوهر ثالثة فهم يقولون‪ :‬الجوهر وهو الحادث المتحيز بذاته‬
‫إن كان منقسما فجسم وإال فجوهر فرد‪ ،‬واشتراكهم مع اإلشراقيين في هذا النفي مبني على اشتراكهم معهم في نفي الكلي الطبيعي‬
‫في الخارج‪ ،‬فاالشراقيون كالمتكلمين على أنه غير موجود في الخارج حتى قال المتأخرون‪ :‬إن األشخاص هويات بسيطة في‬
‫الخارج ينتزع العقل فيها بسبب تنبيهه للمشاركات والمباينات أمو ار كلية إال أن ما ينتزع من ذواتها يسمى اصطالحا جزءا وذاتيا‬
‫وما ينتزع فيها بمالحظة أمر خارج عنها يسمى عرضيا‪ ،‬منه‪.‬‬

‫‪115‬‬
‫العرض وأقسامه‬
‫وضوع َو‬‫جود في َم ُ‬
‫العرض) َو ُهو اَلممك ُن المو ُ‬
‫ام ( َ‬
‫َقس َ‬ ‫(ثُ َّم) َب ْعد َب َيان تَعريف اَل َجوهر وأ ْقسامه اعَلم َّ‬
‫أن أ َ‬
‫رك تعر َيف ُه اكتفاء بتعريف اَل َجوهر فالمرُاد بوجوده فيه ُحُلوُله فيه بمعنى االختصاص النَّاعت‬
‫محل ُمقوم َله‪ ،‬تَ َ‬ ‫َ‬
‫آخر المَقال‪.‬‬
‫نها ج ْنس عال َيأتي بيانه َ‬
‫(تُ ْسعة) ُكل َواحد م َ‬
‫مقولة الكم‬
‫لك َّم بأَنه َع َرض َي َقب ُل القسم َة الوهميَّة لذاته ( َو ُهو) أيضا (ق ْس َمان)؛ ألَنَّه إن َلم‬
‫ألَن ُه (إ َّما َكم) ورسموا اَ َ‬
‫العدد) َال َغير أل َّن حقيَق َة المنفصل ما يجتَمع من الوحدات ب َّ‬
‫الذات وَال‬ ‫َي ُكن ألجزائه حد ُمشتَ َرك فـ( ُم َنفصل َو ُهو ُ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫المشتَرك َما تَ ُكو ُن نسبتُ ُه إلى‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫أَ‬
‫الجزين نس َبة َواحدة‬ ‫َم ْعنى للعدد سوى َذلك‪َ ( ،‬و) إال َفـ (متصل) والمرُاد بالحد ُ‬
‫تبارَها نهاية لآلخر َوك َذل َك بداية‪،‬‬ ‫الجزْأين ُي ْمك ُن اع ُ‬
‫لخط إن اعتُب َر ْت نهاية ألَحد ُ‬ ‫كالنقطة بالقياس إلى ُجزئي اَ َ‬
‫السطح‬ ‫لخط بالنسبة إلى ُج ْزئي َّ‬ ‫السويَّة َوك َذلك اَ َ‬‫هما ُدون اآلخر بل نسبتُ َها إليه َما ب َّ‬ ‫فلي َس َل َها اختصاص بأحد َ‬
‫دود المشترك َة َيج ُب كون ُها‬
‫لح َ‬ ‫النظر إلى ُجزئي َّ‬
‫الزَمان ‪ ،‬ثُ َّم إ َّن اَ ُ‬ ‫السط ُح إلى ُج ْزئي الجسم التَّ ْعليمي و ْاآل ُن ب َّ‬
‫و َّ‬
‫م َخالَفة ب َّ‬
‫القسمين َلم َيزد به أصال‬
‫ْ‬ ‫ض َّم إلى أحد‬‫يث إ َذا ُ‬
‫ونه ب َح ُ‬ ‫لحَّد ُ‬
‫المش َتر َك َيج ُب َك ُ‬ ‫الن ْوع ل َما هي ُحُدود َله َأل َّن اَ َ‬ ‫ُ‬
‫سيم إلى‬ ‫ترك ُجزءا من المقدار المقسوم َف ُ ن َّ‬
‫يكو ُ التق ُ‬ ‫لحد المش ُ‬ ‫َوإ َذا ُفصل َعنه َلم َينُقص شيئا ولوَال َذلك َل َكان اَ َ‬
‫لخط بل هي‬ ‫يست ُج ْزءا من اَ َ‬ ‫َّ‬
‫مسة وهك َذا فالنقط ُة َل َ‬‫سيم إلى ثَالثَة تقسيما إلى َخ َ‬ ‫قسمين تقسيما إلى ثَالثَة والتق ُ‬
‫لكم‬
‫َجزاء اَ َ‬
‫َبي َن أ َ‬ ‫السط ُح بالقياس إلى الجسم التَّعليمي وَال ُي َ‬
‫وجُد‬ ‫السطح و َّ‬
‫لخط بالقياس إلى َّ‬
‫َعرض فيه َوك َذا اَ َ‬
‫ُجزءا من الستَّة‬ ‫ادس‬
‫الس ُ‬
‫بعة كان َّ‬ ‫العشرَة إ َذا َق َّسمتَ َها إلى ستَّة َوأَر َ‬
‫المذكور َفإن َ‬
‫المعنى َ‬
‫المنفصل َحد ُمشتَ َرك ب َ‬
‫ُ‬
‫كما َك َانت النْقط ُة ُمش َترَكة َب ْي َن قسمي‬
‫العشرة َ‬
‫سمي َ‬‫يها َوخارجا من األربعة فلم َي ُكن ثَ َّم َة أَمر ُمشتَ َرك َبي َن ق َ‬
‫داخال ف َ‬
‫دار ( َو ُهو) ثَالثَة‬
‫وز اجتماعُ أجزائه في اَ ُلوجود َفذل َك ُهو المق ُ‬ ‫صل ق ْس َمان ْأيضا‪َ( :‬قار) َي ُج ُ‬ ‫َّ‬
‫لخط‪ ،‬والكم اْلمت ُ‬ ‫اَ َ‬
‫قبلها في جهتين (و)الثَّالث‪( :‬الث ْخ ُن)‬ ‫طح) إن َ‬ ‫لخط) إن َقب َل القسم َة في جهة َواحدة (و)الثَّاني‪َّ ( :‬‬
‫الس ُ‬ ‫َحدها‪( :‬اَ َ‬‫أ ُ‬
‫ان) فقط‬ ‫سمى الجسم التَّ ْعليمي‪( ،‬أو َغ ُير قار) بخالف َذلك (و ُهو َّ‬ ‫َّ‬
‫الزَم ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫وي َّ‬
‫الجهات الث َالث ُ‬
‫مق إ ْن َقبَل َها في َ‬ ‫لع ُ‬
‫أي اَ ُ‬
‫أما‬
‫ركة الفلك األطلس َو َّ‬ ‫ان م َقد ُار َح َ‬ ‫أن َّ‬
‫الزَم َ‬ ‫القائلين ب َّ‬
‫َ‬ ‫ذهب‬
‫لكم القسم للعرض َمبني على َم َ‬ ‫‪ ،‬ثم َكو ُن َّ‬
‫الزَمان قس ُم اَ َ‬
‫ظم؛ َي ُكو ُن َداخال في َمُقوَلة‬
‫الفلك األع ُ‬
‫ذهب َمن َقال‪ُ :‬هو ُ‬ ‫جرد عن َّ‬
‫المادة أو َم َ‬ ‫وهر ُم َّ‬
‫قال‪ُ :‬هو َج َ‬
‫ذهب َمن َ‬ ‫على َم َ‬
‫رك ُة الفلك األعظم؛ َي ُكون َعرضا َلكن‬ ‫أما عن َد َمن َقال ُهو َح َ‬ ‫اَْل َجوهر َف َال َي ُكو ُن من العرض َفضال َعن اَ َ‬
‫لكم‪َ ،‬و َّ‬
‫لكم بل من َأألين‪.‬‬
‫َال من اَ َ‬

‫‪116‬‬
‫مقولة الكيف‬
‫وهر واْلكم َوسائ ُر األعراض النسبيَّة‬ ‫خرَج اَْل َج ُ‬
‫َي َقب ُل لذاته قسمة وَال نس َبة َف َ‬‫( َوإ َّما َك ْيف) أي َع َرض َال‬
‫َّ‬
‫الخجل) أو‬ ‫مرة َ‬
‫العسل) َوإ َّما بالباص َرة ( َك ُح َ‬‫الوة َ‬‫حسوسة) بالذائقة ( َك َح َ‬
‫َم ُ‬ ‫( َو ُهو) َعلى أَرَبعة أ َ‬
‫َقسام (إ َّما َه َيئة‬
‫سمى ( َحاَلة) إ َذا‬
‫كالروائح (أو) َه َيئة (نفسانيَّة) َوهي تُ َّ‬ ‫النار أو بالسامعة كاألصوات أو بالشامة َّ‬ ‫باْلالمسة َك َحرَارة َّ‬
‫ول‬
‫كمت فيه ب َحيث َال تَُز ُ‬
‫تح ْ‬‫اس ْ‬ ‫لكة كالكتابة) إ َذا َرَس َخ ْت و ْ‬
‫سمى ( َم َ‬
‫َلم تَ ُكن َراسخة في َموضعها ( َك َّأول الكتابة و) تُ َّ‬
‫الالضعف (أو للتَّأَثر َّ‬
‫كاللين)‬ ‫قوة و َّ‬
‫سمى باْل َّ‬ ‫تعداديَّة ل َعدم التَّأَثر َّ‬
‫كالصالبة) َوهي تُ َّ‬ ‫عس ُر َزَواُل َها (أو َه َيئة ا ْس ْ‬
‫َع ْنه أو َي ُ‬
‫الضعف و َّ‬
‫اإلمام‬
‫تار َ‬ ‫الكيفيَّات االستعداديَّة إَّنما ُهو ُمخ ُ‬
‫الصالبة واللين من ْ‬ ‫أن عَّد َّ‬ ‫خفى َّ‬ ‫الالقوة وَال َي َ‬ ‫سمى ب َّ‬
‫َو ُهو ُي َّ‬
‫تصة‬
‫لضعف‪ ،‬أو َه َيئة ُم ْخ َّ‬ ‫اضية ل َّ‬
‫صحاحيَّة َللُقوة والممر َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫ثيل بالم َ‬
‫وسة فاألَوَلى الت ْم ُ‬‫المل ُم َ‬
‫الكيفيَّات َ‬
‫َوإال َف ُهما من ْ‬
‫ف ُقد َس سره‬ ‫لمصن َ‬
‫كالزوجية لأل ْربعة‪َ ،‬و َلع َّل اَ ُ‬
‫َّ‬ ‫لسطح‪ ،‬أو المنفصَلة‬
‫كاالستقامة لْلخط والكرَّية ل َّ‬
‫ْ‬ ‫باْلكميَّات المتَّصلة‬
‫األول‪َ ،‬يُدل على َذلك َك َال ُم‬ ‫المبصرات من القسم َّ‬ ‫رك ه َذا القس َم من األقسام األربعة لكونه راجعا إلى ُ‬ ‫إَّنما تَ َ‬
‫‪1‬‬ ‫( )‬
‫الفاضل القو َشجي في َشرح التَّجريد َفتَ َّ‬
‫أمل‪.‬‬
‫مقولة األين‬
‫السبعة َفَقال ‪:‬‬‫ع في أقسامه الباقية من األعراض النسبيَّة َّ‬ ‫لع َرض َش َر َ‬
‫لكم واْل َك ْيف ل َ‬
‫لما َفرغَ من قسمي اَ َ‬ ‫َو َّ‬
‫َينا َحقيقيا‪( ،‬و)‬ ‫ويسمى ه َذا أ َ‬
‫َّ‬ ‫يث َي ُكون َممُلوءا به‬
‫ول الجسم في الحيز ب َح ُ‬ ‫ص ُ‬ ‫( َوإ َّما أَين) َفس ُروا َأألي َن َّأوال بأَُنه ُح ُ‬
‫فاأل ََّو ُل َسبَّب للثَّاني‬
‫لمكان ْ‬
‫نس َبته إلى ا َ‬
‫المكان) الحقيقي أي ب ْ‬‫لشيء بحصوله في َ‬ ‫قالوا ثانيا‪ُ ( :‬هو َه َيئة تَحصل ل َّ‬
‫ُ ُ‬
‫عضهم إ َّن أ َالي َن ُهو الثَّاني َال اَألََّو ُل َو ُهو َباطل أل َّن تل َك الهيئة إ َّما أن‬
‫قال َب ُ‬
‫ام في المباحث المشرقيَّة‪َ :‬‬ ‫اإلم ُ‬
‫قال َ‬
‫َّ‬
‫كما‬ ‫أمر ن ْسبيًّا أو َال‪ ،‬ال َجائز أن َي ُكو َن َغي َر نسبيَّة لظهور أََّن ُه إ َّما َكم أو َكيف َوإال َيل َزُم أن َي ُ‬
‫كو َن األَي ُن ًّ‬ ‫تَ ُكو َن ا‬
‫دليل‬
‫فال َ‬ ‫لوب َ‬‫المكان بالحصول فيه َف ُهو المط ُ‬ ‫منوع ‪َ ،‬وإن َك َانت نسبيَّة فتل َك النسب ُة إَّنما هي إلى َ‬ ‫كيفا َو ُهو َم ُ‬‫أو ْ‬
‫َّ‬
‫ومه‬ ‫عده من الستة الباقية معقوالت ن ْسبيَّة َوهي َما َي ُكو ُن َم ُ‬
‫فه ُ‬ ‫وما َيأتي َب َ‬
‫لحصول ه َذا‪ ،‬واألي ُن َ‬
‫اء اَ ُ‬
‫على ثُُبوت أَمر َوَر َ‬
‫جود َها إ َّال ا َألي َن‪ ،‬وقد ُيَقال لحصول ال َّشيء في م ْثل‬ ‫الغير ألنَّ َها ن َسب‪ ،‬واْلمتكلمو َن أن ُ‬
‫كروا ُو َ‬ ‫َمعُقوال باْلقياس إلى ْ‬
‫ْ‬
‫مجاز‪.‬‬
‫ا‬ ‫َّ‬
‫الدار‬

‫قوله‪( :‬فتأمل) إشارة إلى تحقيق معنى رجوعه إلى المبصرات‪ ،‬فإن كان معنى رجوعه إليها أنه مبصر بالذات كالضوء واللون‬ ‫)‪(1‬‬

‫فهو في حيز المنع‪ ،‬وإن كان معناه أنه مبصر بواسطتهما فينبغي ترك األين بأقسامه األربعة أعني‪ :‬الحركة والسكون واالجتماع‬
‫واالفتراق لكونه راجعا إليها بالمعنى األخير أيضا وذلك غير مستحسن‪ ،‬منه‪.‬‬

‫‪117‬‬
‫مقولة المتى‬
‫اآلن‬
‫طرفه َو ُهو ُ‬ ‫لشيء بحصوله في َّ‬
‫الزَمان) الحقيقي أو َ‬ ‫(وإ َّما متَى و ُهو) اَلحصول أو ( َه َيئة تَحصل ل َّ‬
‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ َ َ‬
‫الصوم في اليوم‬
‫حصول َّ‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫المتَى كاألين إلى َحقيقي َك ُ‬
‫سم َ‬ ‫فعة مثل التاء والطاء‪ ،‬وينَق ُ‬
‫كالحروف اَآلنية الحاصلة ُد َ‬
‫ان في المتى‬
‫الزَم َ‬ ‫اب به للس َؤال ب َمتى‪ ،‬إ َّال َّ‬
‫أن َّ‬ ‫َجزاء اليوم َفإنَّ ُه َي ُج ُ‬
‫وز أن ُي َج َ‬ ‫وقع في َبعض أ َ‬ ‫ومجازي َك ُ‬
‫حصول َما َ‬
‫المكان في ا َألين الحقيقي‪.‬‬ ‫وز أن َيشتَر َك فيه كثيرو َن بخالف َ‬
‫الحقيقي َي ُج ُ‬
‫مقولة اإلضافة‬
‫ُخرى َمعُقولة باْلقياس إلى اَألُولى‬ ‫أي ن ْس َبة تُعَق ُل باْلقياس إلى ن ْس َبة أ َ‬
‫( َوإ َّما أضافة َوهي الن ْسب ُة المتكررةُ) ْ‬
‫ضافا َحقيقيا‬ ‫نهما باْلقياس إلى اَألُخرى‪َ ،‬وهذه النسب ُة تُ َّ‬
‫سمى ُم َ‬ ‫َّ‬
‫هما نسبتَان ُيعَقل ُكل م َ‬ ‫دية) فإن َ‬
‫الوَل َّ‬
‫الدية و َ‬
‫(كالو َّ‬
‫ض‬ ‫عر ُ‬ ‫َّ‬
‫ضافا م ْشهورَيا‪َ ،‬وتُ َ‬ ‫سمى ُم َ‬
‫المعروض َل ُه كالوالد مع َوصف الوالديَّة ُي َّ‬ ‫المرك ُب من الحقيقي َومن َ‬ ‫والمج ُموعُ َ‬
‫وجود‪.‬‬
‫اإلضاف ُة ل ُكل َم ُ‬
‫مقولة الملك‬
‫ط‬
‫ط به) َس َواء كان َذل َك اَلمحي ُ‬ ‫يسمى (ج َدة) أيضا (وهي حاَلة تَحصل ل َّ‬
‫لش ْيء ب َسبب َما ُيحي ُ‬ ‫( َوإ َّما ملك و) َّ‬
‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫طبيعيا كاإلهاب) بالنسبة إلى اَله َّرة (أو َال) َي ُكون َخلقيًّا (كالثياب) بالنسبة إلى اإلنسان ( َو ُهو) أَي‬ ‫مر َخلقيًّا ( َ‬‫أَ ا‬
‫تاز اَلمل ُك عن‬
‫القيد َي ْم ُ‬
‫لمحاط‪َ ،‬فبه َذا ْ‬ ‫َّ‬ ‫ط ب َذ َ َّ‬ ‫حال َّ‬
‫لك الشيء ( َينتَق ُل بانتقاله) أي بانتقال َذلك الشيء اَ ُ‬ ‫أن َما ُيحي ُ‬ ‫واَْل ُ‬
‫المكان َال َينتَق ُل ب ْانتقال المتمكن‪،‬‬
‫أن َ‬ ‫المكان اَلمحيط به إ َّال َّ‬
‫لشيء ب َسبب َ‬ ‫ضة ل َّ‬‫ا َألين َف َّإن ُه وإ ْن كان َحاَلة عار َ‬
‫هيئة الحاصلة لإلنسان ب َسبب َكونه ُمتعمما ومتقمصا)‪.‬‬
‫وتْل َك الحال ُة (كاْل ْ‬
‫مقولة الفعل‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫الم َسخن َما دام ُيسخ ُن‬
‫ْثير) أي تَأث ُير الشيء َما دام سالكا (كالتسخين) أي كحال ُ‬ ‫( َوإ َّما ف ْعل َو ُهو التَّأ ُ‬
‫ْثير التَّسخيني‪.‬‬
‫خين َغي َر َق َّارة َوهي التَّأ ُ‬‫دام ُيسخ ُن َحاَلة أَعني ب َها التَّس َ‬
‫َفإ َّن َله َما َ‬
‫مقولة االنفعال‬
‫أي َك َحال المتسخن ما دام يتَ َّ‬
‫سخ ُن َفإ َّن َله َحاَلة َغي َر‬ ‫َّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫كالتسخن) ْ‬ ‫( َوإ َّما انفعال َو ُهو التأَث ُر) َعن الغير ( َ‬
‫ونة الحاصلة لْل َماء واْلقيام الحاصل‬ ‫أما الحاص ُل َب ْع َد ا ْستْقرار التَّأْثير والتَّأثر كالس ُخ َ‬‫َق َّارة هي التَّأَثر التَّ َسخني‪َ ،‬و َّ‬
‫كاأل ََّول أو وضعا كالثَّاني أو َغ ْي َر َذلك‬ ‫أثر أو ا ْنفعاال بل َي ُكو ُن كيفا ْ‬ ‫سمى ا‬ ‫فلي َس من ه َذا اَلقبيل وأن ُي َّ‬ ‫ل ْإل ْنسان ْ‬
‫من األعراض‪.‬‬

‫‪118‬‬
‫مقولة الوضع‬
‫الشيء (إلى‬ ‫َجزاء َذلك َّ‬ ‫أي لْلجسم (ب َسبب نسبته) أي ن ْس َبة أ َ‬ ‫إما وضع و ُهو َه َيئة تَعر ُ َّ‬
‫ْ‬ ‫ض للش ْيء) ْ‬ ‫َ‬ ‫( َو َّ َ‬
‫لشيء (ب َسبب ن ْس َبة‬‫ض ل َّ‬ ‫الس َماء َوَبعض َها َنحو األرض (أو) َه َيئة تَعر ُ‬
‫اَألُمور الخارجة) َع ْنه َكوُقوع بعض َها َن ْحو َّ‬
‫ْ‬
‫سبة‬
‫اختالف َن َ‬ ‫تغايران و ْ‬ ‫هما َوضعان ُم َ‬ ‫َّ‬
‫َب ْعض أجزائه إلى َب ْعض) بالقرب واْلبعد واْلمحاذاة (كاْلقيام واْلقعود) فإن َ‬
‫حسب كون‬
‫قيام مثال َه َيئة ل ْإلنسان ب َحسب ا ْنتصابه َو ُهو ن ْس َبة في َما َب ْين األجزاء َوب َ‬
‫يهما إلى الخارج‪ ،‬فال ُ‬
‫األجزاء ف َ‬
‫أسه من َف ْو ُق َو رجله من تَ ْح ُت َوهي ن ْس َبة إلى اَألُمور الخارجة‪َ ،‬وله َذا يصير االنعكاس ْ‬
‫وضعا آخر‪.‬‬ ‫‪1‬‬ ‫( )‬

‫َر َ‬
‫المقوالت العشرة‬
‫أن (المقوالت) َّ‬
‫اللواتي‬ ‫سبق من التَّْفصيل ب َحسب التَّْقسيمات والتَّ ْعريفات َّ‬
‫المارة_ اعَلم َّ‬ ‫(ثُ َّم) _ َب ْعد َب َيان َما َ‬
‫جموعُ َهذه اَألُمور أَحدها‪( :‬اَْل َجوهر و) الثَّاني‪:‬‬
‫يها (هي) َم ُ‬
‫نحصرة ف َ‬
‫َ‬ ‫أي ُم‬
‫العشرُة) ْ‬
‫نها ج ْنس عال ل َما تَحتَه ( َ‬
‫ُكل م َ‬
‫السابع‪( :‬الجدة و)‬ ‫السادس‪( :‬اإلضافة و) َّ‬ ‫الرابع‪( :‬ا َألين و) اْلخامس‪( :‬المتَّى و) َّ‬
‫ف و) َّ‬ ‫َّ‬
‫الكي ُ‬
‫لكم و) الثالث‪ْ ( :‬‬ ‫(اَ َ‬
‫خبر "المقوالت" َوقوله‪" :‬هي" بدل‬ ‫الثَّامن‪( :‬الفعل و) التَّاسع‪( :‬االنفعال و) اْلعاشر‪( :‬الوضع)‪ ،‬فقوله‪َ " :‬‬
‫العشرةُ" ُ‬
‫الرْي لفساد ُيعَلم‬
‫المتبادر من العبارة في َبادئ َّأ‬
‫ُ‬ ‫كما ُهو‬
‫خبر َل َها َ‬
‫صفة لْلمقوالت َوهي ا‬ ‫م ْنه‪ ،‬وَال َي ُجوز َكو ُن العشرة َ‬
‫عرضا عاما) ل ْأل ْقسام الخمسة الباقية‬‫وهر ْ‬‫العشرة إَّنما َيكو ُن (إن َلم َي ُكن اَْل َج ُ‬
‫نحصرة في َ‬
‫َ‬ ‫ون َها ُم‬
‫أمل ‪َ ،‬وَك ُ‬
‫باآلتي تَ َّ‬
‫نحص ُر‬
‫عرضا؛ َال تَ َ‬
‫وهر َ‬‫ض َعرض عام أل ْقسامه الت ْسعة الماضية‪َ ،‬فإن كان اَْل َج ُ‬ ‫العر َ‬ ‫كما َّ‬
‫أن َ‬ ‫(كاْل َع ْرض) أي‪َ :‬‬
‫العرض الت ْسعة‬ ‫يكون ُكل من األ ْقسام الخمسة َله مُقوَلة على حدة كما َّ ًّ‬
‫َقسام َ‬ ‫أن ُكال من أ َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫الت في العشرة َف ُ‬
‫المقو ُ‬
‫وهر جنسا عاليا َف َّإنه حينئذ َي ُكو ُن َمُقوَلة َواحدة ج ْنسا ل َما‬
‫شرَة بل َي ُكو ُن اَْل َج ُ‬
‫الت إلى أَرَب َع َع َ‬
‫َكذل َك فتص َعُد المقو ُ‬
‫العرض الت ْسعة َمُقوَلة على ح َدة جنس ل َما تَحتَه َوذلك أل َّن المعنى من اَْل َجوهر ُ‬
‫ذات‬ ‫تَحتَه كما َّ ًّ‬
‫َقسام َ‬ ‫أن ُكال من أ َ‬ ‫َ‬
‫وض َّ‬ ‫َّ‬
‫الشيء على‬
‫ْ‬ ‫عر ُ‬
‫ض لْلموضوع‪َ ،‬و ُ‬ ‫يكو ُن ذاتيًّا ل َما تَحتَه بخالف َ‬
‫الع َرض َفإ َّن َمع َناه َما َيعر ُ‬ ‫الش ْيء وحقيَقتُه َف ُ‬

‫قوله‪َ ( :‬وهي ن ْسَبة) التأنيث باعتبار الخبر‪ ،‬منه‪ ،‬قوله‪َ ( :‬وله َذا يصير االنعكاس) أي‪ :‬لكون القيام هيئة معلولة للنسبتين ال للنسبة‬ ‫)‪( 1‬‬

‫األولى فقط فلو اكتفى بالنسبة األولى فقط لزم أن يكون القيام عين االنعكاس ألن القيام إذا قلب بحيث ال تتغير النسبة فيما بين‬
‫أجزاءه كانت الهيئة المعلولة لهذه النسبة وحها باقية بشخصها فيكون وضع االنعكاس وضع القيام بعينه وهو باطل بالضرورة‪،‬‬
‫ولذا قال قدس سره في شرح المواقف‪ :‬فالحق إذن اعتبار النسبتين في ماهية الوضع‪ ،‬بل نقل المحقق السيالكوتي االتفاق على أن‬
‫الوضع هيئة بسيطة معلولة للنسبتين‪ ،‬فعلى هذا ينبغي أن يكون أو الفاصلة في عبارة المصنف بمعنى واو الواصلة‪ ،‬منه ‪ ،‬قوله‪:‬‬
‫(ـتأمل) يمكن أن يكون المراد‪ :‬األمور المسماة بهذا االسم أعني‪ :‬المقوالت العشرة بدون مالحظة تقييد المقوالت بالعشرة فحينئذ‬
‫يكون قوله "هي الجوهر" خب ار على ما هو المتبادر‪ ،‬منه‪.‬‬

‫‪119‬‬
‫كما َقَّي َدهُ المحققو َن إل ْخ َراج‬ ‫َّ‬
‫الشيء إَّنما َي ُكو ُن َبع َد تَحقق حقيَقته َ‬
‫فال َي ُكون ذاتيًّا ‪ ،‬ثم إننا َقَّيدنا الجن َس بكونه عاليا َ‬
‫الكيف وَال َي َقد ُح َذلك في الحصر؛ َأل َّن‬ ‫هما في َمُقوَلة ْ‬ ‫عدم ُدخول َ‬‫النْقطة والوحدة على تَقدير َكونهما ُوجوديَّتين َو َ‬
‫العشرةُ َوه َذا َال‬
‫لجنس هي َهذه َ‬ ‫المندرجة تَ ْحت ا ْ‬ ‫ط به ُعقولُ َنا من الماهيَّات ْ‬‫ناس العالي َة ل َما ُيحي ُ‬
‫األج َ‬
‫أن ْ‬ ‫المعنى‪َّ :‬‬
‫بت َكو ُن ُكل من‬ ‫كال إَّنما َيرُد َلو ثَ َ‬ ‫ود َش ْيء َال َي ُكون ج ْنسا عاليا وَال ُم ْندرجا تَ َ‬
‫حت الجنس العالي‪ ،‬و ْاإل ْش ُ‬ ‫ُي َنافي ُو ُج َ‬
‫الرازي من أََّنه َال بَّد من إقامة البرهان على أََّنهما من َّ‬
‫الطبائع‬ ‫ام َّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫اإلم ُ‬
‫فان َدفع َما َقاَله َ‬
‫الوحدة والنْقطة جنسا عاليا‪ْ ،‬‬
‫َّ‬
‫الن ْوعيَّة ُدون الجنسيَّة‪.‬‬
‫بيان دعوى ممنوعة‬
‫الدعوى‬ ‫ذه ُب أرسطو وتابعيه (فافهم) َفإ َّن َهذه َّ‬ ‫العشرة إَّنما هي َم َ‬
‫المُقوالت في َ‬ ‫عوى َحصر َ‬ ‫ثُ َّم إ َّن َد َ‬
‫شرَة‬ ‫قدمات ضمنيَّة َما تَ َّ‬
‫صدى إلى إ َثبات َبعضها أحد من األعالم إحداها‪َ :‬م ْن ُع عدم كون َها أَرَب َع َع َ‬ ‫منوعة ب َمنع ُم َ‬‫َم ُ‬
‫َّ‬
‫جوهر ج ْنسا والثالثة‪:‬‬ ‫العرض كاْل ْ‬ ‫عرضا كاْل َع َرض‪ ،‬والثانية‪َ :‬م ْن ُع عدم َكونهما مقولتين ب َكون َ‬
‫َمُقوَلة ب َكون اَْل َجوهر َ‬
‫كون َها أَرَبعة ب َكون الن ْسبة ج ْنسا‬
‫عرضا واْل َع َرض جنسا‪ ،‬والرابعة‪َ :‬من ُع عدم َ‬ ‫َم ْن ُع عدم كون َها ستَّة ب َكون اَْل َجوهر َ‬
‫الداخلة تَ ْح َت ُكل م َّما ُعَّد ج ْنسا ب َكون‬
‫نها مقوَالت َكثيرات ب َعدد األ ْقسام َّ‬
‫كو َ‬
‫لْلمقوالت الن ْسبيَّة‪ ،‬والخامسة‪َ :‬م ْن ُع عدم ْ‬
‫َّ‬
‫شرة ب َكون اَْل َجوهر‬
‫كون َها اثنتَي َع َ‬ ‫السادسة‪َ :‬م ْن ُع عدم ْ‬‫عرضا‪َّ ،‬‬ ‫َجناس عالية َ‬ ‫عموا أََّن َها أ َ‬
‫اَْل َجوهر و ْاألمور اللواتي َز ُ‬
‫فرَدة‪.‬‬
‫أجناسا ُم َ‬
‫وحدة ْ‬
‫وتْل َك اَألُمور والنْقطة واْل ْ‬
‫الختام‬
‫األحوال بتطاول َّ‬
‫الد ْهر باْلمالل‬ ‫اضطراب في ْ‬ ‫ماجة و ْ‬ ‫أقل الر َجال مع انكساف في اَْلبال َو َس َ‬
‫ه َذا َما َس َّوَده َّ‬
‫لهمام‪:‬‬
‫ض اَ ُ‬‫الكرام واْلَق ْول َما َقاَله َب ْع ُ‬
‫فأصلحوه باْل َخ ْير َمعاشر َ‬
‫الكالم ْ‬
‫ظ َه َر ن ْس َيان في ه َذا َ‬
‫فلو َ‬
‫ووهنا في َبياني واْلمعاني‬
‫تور ‪ْ . . .‬‬ ‫كت في َنظمي ُف ا‬
‫َدر َ‬
‫َلئن أ َ‬
‫فال تَنسب بنْقصي إ َّن َرقصي ‪ . . .‬على مق َدار تَنشيط َّ‬
‫الزَمان‬ ‫َ ُ‬
‫(‬

‫صة الوجود وآله الموصوفين باْل َكرم واْلجود َوسلَّم‬ ‫صالة على ُخ َال َ‬
‫األعيان وله الحمُد‪ ،‬وال َّ‬
‫ّللَا أَعَلم بحقائق ْ‬
‫َوَ َّ‬
‫تسليما‪.‬‬‫ْ‬

‫‪120‬‬

You might also like