Professional Documents
Culture Documents
تلخيص تهافت الحكماء
تلخيص تهافت الحكماء
[ديباجة]
[ ]1ال ّلهم يا واجب الوجود ،ويا ُمفيض الخير والجودِ ،أف ْض علينا من فضلك
ّ
الغير المتناهي ،وأرنا حقايق األشياء كما هي ،وخ ّلصنا بنور هدايتك عن الشكوك
ونور قلوبنا بأنوار التوحيد
واألوهام في تحقيق مباحث العقائد ومقاصد الكالمّ ، 5
وصل على سيد أنبيائك
ّ والعرفان ،واحفظ عقايدنا بعصمتك عن الزيغ والبطالن،
1
ّ
محمد المبعوث إلى كا ّفة الخلق بأقوى الدالئل ،وعلى آله وأصحابه
ّ وأكرم أصفيائك
ذوي الفواضل والفضايل.
محمد
ّ محمد أمين بن
ّ ربه الغني 3الباري
[ّ ]2أما بعد فيقول العبد الفقير إلى ّ
2
ّ
رد مذاهب أهل األهواء المسماة بتهاف الحكماء في ّ األُ ُ
سكداري :إ ّن الرسالة
4
10
ّ
محمد الغزالي أعلى اهلل ّ حجة اإلسالم أبا حامد بنالمنسوب َة إلى اإلمام المح ّقق ّ
ِ
والحبر المد ّقق المشتهر لخصها الفاضل المح ّقق
لما ّ
ْ تعالى درجته في دار السالم ّ
ونور َمهجعه صارت رسالة عذراء في إبطال أقوال بخواجه زاده ّبرد اهلل َمضجعه ّ
الحكماء ومقالة 5حاوية على التحقيقات والتدقيقات وكثيرٍ في األبحاث واألنظار
والنكات لكنّه بالغ في إيراد األسولة واألجوبة ولم يكتف بذكر أقواهما كما اكتفى 15
على اإلجمال:
[ ]4هو أ ّن الحكمة تنقسم بالقسمة األولى إلى نظرية وعملية؛ ألنّها إن تع ّلقت
تختص
ّ وإل فالنظرية .والعملية ّإما أن
بما لقدرتنا تأثير 2فيه فهو الحكمة العمليةّ ، 5
أيضا؛
بالتصوف ً
ّ ويسمى
ّ فالمختصة هي علم األخالق
ّ يختص.
ّ بالشخص وحده أو ال
وإل
المختصة إن كان باعتبار 3مشاركة أهل المنزل فقط فهو علم تدبير المنزلّ ،
ّ وغير
أيضا.
ويسمى بالسياسة المدنية ً
ّ فهو علم تدبير المدينة
صح تجرد وبالفلسفة األولى وبعلم ما بعد الطبيعة والعلم اإللهي .والذي ال يكون إن
ّ ّ
أيضا.
ويسمى بالعلم الرياضي ً
ّ معلومه عنها في الذهن فقط فهو الحكمة 6الوسطى
قدس سره في حاشية المطالع :الطريق إلى معرفة المبدأ والمعاد من وجهتين :أحدهما السيد الشريف ّ قال 1
ّ
األول إن التزموا م ّلة من ِملل األنبياء
طريقة أهل النظر ،وثانيهما طريقة أهل الرياضة والمجاهدة .والسالكون للطريق ّ
المشائيون .والسالكون للطريق الثاني إن وافقهم في رياضتهم أحكام الشريعة فهم فهم المتك ّلمون وإالّ فهم الحكماء ّ
وإل فهم الحكماء اإلشراقيون.الصوفية المتشرعون ّ
ّ
المراد به الكسب ال التأثير الحقيقي .فال يلزم إثبات القدرة المؤثّرة للعبد كما ذهبت إليه المعتزلة. 2
إ :باعتبا. 3
أي الهيولي. 4
ووجوه التسمية بتلك األسامي مشهورة ومذكورة في أوائل كتب الحكمة. 5
المنقسمة إلى الهندسة والحساب والهيئة 6
أصل ال في الذهن وال في الخارج. المادة الجسمانية ً
ّ يصح تجرد معلومه عن أي وإن لم 7
ّ ّ
ءامكحلا تفاهت صيخلت 67
أصل مع
وأما الحكمة الوسطى 1فالهندسيات والحسابيات منها ال تع ّل َق لهما بالشرع ً
ّ
ِ
منتظمة بحكم الوهم فيها على طاعة من العقل فال يقع فيهما متسقة
كون مباديهما ّ
الغلط.
وأما الهيئة منها فأكثر ما ُذكر فيها من ِعظم أمر السموات وعجيب خلقها
[ّ ]7
ودل عليها العالمات من غير إخالل بما ثبت
أمر يشهد به األمارات ّ وبديع ُصنعها 5
ٌ
من القواعد الشرعية والعقائد الدينية؛ بل قد يُنتفع ببعض مسائلها في الشرعيات
كتعدد المشارق والمغارب واختالف المطالع وأمرِ القبلة وأوقات الصالة وغير ذلك،
ّ
عليها من مسائل الهيئة ،فال حاجة لنا إلى التعرض لها باالستقالل.
ّ
[ ]8فنريد أن نحكي في هذه الرسالة من قواعدهم الطبيعية واإللهية ما أورده
المعول عليها
َّ آخر أورده المح ّقق خواجه زاده بأدلّتها
حجة اإلسالم مع بعض َ
اإلمام ّ
الحق
ّ وإعظاما ألهل
ً المبطلين
إرغاما للمتفلسفة ُ
ً عندهم على وجوهها ،ثم نُبطلها
وانتقاما من الذين أجرموا وكان ح ًّقا علينا نصر المؤمنين .وهي مشتملة على
ً واليقين 15
ُ
فصل:
اثنين وعشرين ً
األول ِ
موجب بالذات ال فاعل باالختيار؛ األول في إبطال قولهم المبدأ ّ
1
المبدأ الواحد؛
عين ماهيته؛
الحادي عشر في تعجيزهم عن إثبات قولهم إ ّن وجوده تعالى ُ
الثاني عشر في تعجيزهم عن 6بيان أنّه تعالى ليس بجسم؛
الخامس عشر في إبطال قولهم إنّه تعالى ال يعلم الجزئيات من حيث هي جزئيات؛
التاسع عشر في إبطال قولهم بوجوب االقتران وامتناع االنفكاك بين األسباب
العادية والمسببات؛
َّ
العشرون في تعجيزهم عن إثبات [2ب] أ ّن نفس اإلنسان جوهر مجرد قائم بذاته؛
ّ
الحادى والعشرون في إبطال قولهم باستحالة الفناء على النفوس البشرية؛
الزما لذاته
ً وتركه .وليس شيء منهما
ُ إيجاد العالم
ُ يصح منه
ّ مختار على معنى أنّه
بحيث يستحيل انفكاكه عنه ،وترجيح الفعل إنّما هو بإرادته .وخـالفت الفالسفة في 5
ذلك.
الفعل
ُ يصح منه
ّ [ ]11وما وقع في كالمهم من أنّه تعالى قادر مختار ليس بمعنى أنّه
[ ]12والمتك ّلمون ذهبوا إلى أ ّن مشيئة الفعل غير الزمة لذاته .فيجوز االنفكاك
ُ
فيصح منه
ّ جائز الصدق،
ُ ِ
الصدق عندهم؛ بل واجب
ِ فمقدم الشرطيتين غير
ّ بينهما.
ُ
المشيئة والفعل وعدم المشيئة والترك.
ّق قدرتِه بأحد مقدوريه المتساويين بالنظر إلى نفس القدرة دون
واالختيار دون اإليجاب فتعل ُ 5
جرا ،فيلزم
مرجح آ َخر وهلُ ّم ّ
المرجح؛ أل ّن نسبتها إليه وإلى ض ّده على السواء ،فيفتقر [3أ] إلى ِّ
َّ
المرجحات وهو محال .وإن لم يفتقر لزم استغناءُ الممكن 2في وجوده عن المؤثّر؛
التسلسل في ِّ
المرجح هو اإلرادة التي يتع ّلق بأحد المتساويين لذاتها من غير احتياج إلى ِ ّ
مرجح ِّ يكون
الترجح بال ِ ّ
مرجح المستلزم لوجود الممكن بال مؤثّر ال على بطالن ترجيح القادر ّ 10
أحد مقدوريه المتساويين على اآلخر بإرادته من غير دا ٍع إلى تلك اإلرادة.
المريد َ
فيه ّإما باإلرادة 4أو باإليجاب؛ إذ الفعل الصادر عن الفاعل ال يخلو عنهما .فإن كان
[ ]17قلنا :نختار أ ّن تأثيره في تع ّلق [3ب] اإلرادة باإلرادة وال نس ّلم لزوم التسلسل.
وإنّما يلزم لو احتاج تع ّلق اإلرادة إلى تع ّلق آخر ،وهو ممنوع ،بل تلك اإلرادة إرادة
قصدا 1فهو
ً قصدا هو المراد
ً قصدا وإرادة لنفسها بتبعية المراد .فإ ّن المفعول
ً للمراد
ٍ
قصدا وال بمراد كذلك؛ بل
ً وأما تع ّلق اإلرادة فليس بمفعول يحتاج إلى إرادة ِ ّ
ترجحهّ .
ِ
الموجب قصدا ،فال يحتاج فيه إلى إرادة أخرى .2فكما أ ّن
ً تب ًعا لذلك المفعول المراد 5
َ
االتصاف باإليجاب إلى إيجاب آخر كذلك
شيئا باإليجاب ال يحتاج في ّ
إذا أوجب ً
االتصاف بها إلى إرادة أخرى.
شيئا باإلرادة ال يحتاج في ّ
المختار إذا أوجد ً
وإل
[ ]18فإن قلت :نحن نعلم بالضرورة أ ّن تع ّلق اإلرادة ال يدخل في ع ّلة نفسه ّ
بد من
فعل للمريد ال ّ
لما كان تع ّلق اإلرادة ً
[ ]20فإن قلت :س ّلمنا ذلك لكن ّ
وعدم
ُ نسبته إليه وإلى عدمه سواء ،وكان تحصيله
وإل لكان ُ
أمر دا ٍع إلى تحصيلهّ ،
قصدا.
ً إ – هو المراد 1
إ – أخرى. 2
فيه إشارة إلى ما وقع من التقصير في عبارة بعض األفاضل؛ إذ لم يظهر من تقريره جواب عن سؤال الدور حيث 3
اقتصر على جواب السؤال الذي يليه ،تدبّر.
وهو جائز. 4
ءامكحلا تفاهت صيخلت 81
[ ]21قلنا :ال نس ّلم صدق ما ذكرتم من القضية على إطالقها؛ بل ذلك فيما إذا
ّ
مختارا فال نس ّلم ذلك .لم ال يجوز أن يكون ذلك
ً وأما إذا كان كان الفاعل ِ
موج ًباّ .
الجوع
ُ يشتد به
ّ بمجرد إرادته من غير حاجة إلى أمر آخر؟ فإ ّن الشخص الجائع الذي
ّ
إذا ُوضع بين يديه رغيف فإنّه يبتدئ 1بأكل جانب معين منه 2دون سائر الجوانب ،ال
ّ
احتمال
ُ ألمر اقتضى إرادة ذلك الجانب وترجيحه على سائر الجوانب .ويكفي لنا 5
ِّ
المرجح فيما ذكر. سندا للمنع وال حاجة لنا إلى إثبات عدم ِّ
المرجح ً عدم
وتجويزهم
ُ نقضا لتلك الك ّلية التي ّاد َعوا ضروريتها.
[ ]22نعم ،إ ّن ْثبت ذلك يكون ً
3
ٍ
حينئذ بأكل شيء من جوانبه محال قلنا :ال يبتدئ 6الجائع
ً األمور المذكورة وإن كان
محال آخر.
ً جوعا؛ إذ المحال جاز أن يستلزم
ً و أجزائه إلى أن يموت
المقدمة ومنع
ّ [ ]23هذا ما ذكروه وهذا ال يضرنا ِلما ذكرنا من أ ّن منع ك ّلية 1تلك
ّ
المقدمة منقوضة بصور كثيرة مبسوطة ،وأجوبتهم ّ ضروريتها ٍ
كاف لنا على أ ّن تلك
أظن أنّه اختلج في
ألوردت جميع ذلك لكن ّ
ُ تامة .ولوال خشي ُة اإلطناب
عنها غير ّ
تدعي ضرورية 2القضية المذكورة، قلبك شيء من وساوس الوهم يبعثك إلى أن ّ
ّ
ِ
والقول بأ ّن فوجب عليك أن تتخ ّلص عن احتجاجهم بالتزام التسلسل في التع ّلقات 5
وأما
إرادتنا إلى إرادة أخرى؛ أل ّن إرادتنا ليست من فعلنا؛ بل من فعل اهلل تعالىّ .
7
عدم إرادة
بد أن يكون من فعله .فال يلزم من عدم إرادتنا إلرادتنا ُ
إرادة اهلل تعالى فال ّ
اهلل تعالى إلرادته.
حتج على كونه تعالى ِ
موجبا بالذات بأ ّن الفاعل بالقصد واإلرادة ال [ ]25وقد يُ ّ
ً
بد
ليترجح الفعل على الترك عنده ،وذلك الباعث ال ّّ بد له من أمر باعث على الفعل
ّ 15
ٍ
فحينئذ يلزم استكماله [4ب] بالغير وإنّه محال. له على الفعل،
بالنسبة إلى الفاعل أولى من ال حصوله .ولم 1ال يكفي األولوية بالنسبة إلى الغير في
بد أن يكون
[ ]27واألشاعرة يوافقون الحكماء في أ ّن الباعث على الفعل ال ّ
2
5
بد له من أمر باعث غيرِ اإلرادة على الفعل لكنّهم يمنعون 3لزوم كونه أولى بالنسبة
ّ
إلى الفاعل ويكتفون 4في الجواب بهذا المنع.
ُر ّد ذلك بأنّه لو كان حصول األولى لغيره وعدم حصوله لغيره متساويين بالنسبة إليه تعالى ال يكون باع ًثا بداهة .وإن 1
األول.
كان حصوله أولى يلزم استكماله بالغير ،وإنّه محال .فالتعويل على المنع ّ
بد له من أمر باعث غير اإلرادة كما وافقهم المعتزلة في ذلك. وال يوافقونهم في أ ّن الفاعل باالختيار ال ّ 2
بد له من
ّ ال باالختيار الفاعل نّ أ وهو متين: مقد
ّ من ب مرك
ّ الفالسفة عاه اد
أي ال يوافقونهم في ذلك .والحاصل أ ّن ما ّ 3
وكل
بد أن يكون أولى بالنسبة إلى الفاعل من ال حصولهٌّ . أمر باعث على الفعل غير القصد واإلرادة وأ ّن حصوله ال ّ
المقدمتين ممنوع عند الماتريدية والثانية مس ّلمة عند األشاعرة وبالعكس عند المعتزلة.
ّ من
األول.
لعدم جريان المنع ّ 4
الفصل الثاني
في إبطال قولهم بقدم العالم
علمت أ ّن العالم
ُ عنه أنّه قال في مرضه الذي ُتو ّفي فيه لبعض تالمذته «اكتب عني ما 5
آراء
قديم أو حادث» .واعلم أ ّن للفالسفة في أمر العالم وتعيين ما هو القديم منه ً
مقدمهم الذي هو
فلنقتصر على بيان مذهب َّ وأقوال منتشرة ال فائدة لتفصيلها.
ً 1
متشتة
ّ
ْ
األول عندهم وهو أرسطاطاليس .فنقول:
الفيلسوف المطلق والمع ّلم ّ
والمجردات منها
ّ مجردات أو ما ّديات.
[ ]29ذهب هو ومن تبعه إلى أ ّن العالم ّإما ّ
ما هي قديمة كالعقول العشرة 2والنفوس الفلكية ،ومنها ما هي حادثة كالنفوس البشرية. 10
وأما الماديات فالفلكيات قديمة بموا ّدها وصورها الجسمية والنوعية وبعض أعراضها
ّ
وأما العنصريات فإنّها قديمة بموا ّدها وصورها الجسمية بالنوع ال
الشكل والضوءّ .
ّ وهو
بالشخص وصورها النوعية بالجنس على معنى أ ّن ما ّدة العناصر ال تخلو عن صورة نوعية
وعروتهم
[ ]30ولهم في إثبات قدم العالم وجوه أربعة :األول ُعمدتهم العظمى ُ
1
حاصل فيه كذلك؛ إذ لو لم يحصل ذلك اإليجاد فيه لكان حصوله بعده
ً عن اإليجاد 5
قطعا .فإن لم يحتج هذا الحادث إلى تأثير مؤثّر لزم استغناء الحادث عن المؤثّر وهو
ً
حاصل في
ً فإما أن يكون جميع ما ال ب ّد منه في 3تحصيله
ضروري االستحالة .وإن احتاج ّ
األزل فيلزم قدم الحادث أو ال يكون فبعضه حادث وننقل الكالم إليه ويلزم التسلسل.
مرجح ممنوع.
التأثير على شرط حادث لزم من عدم حصول األثر فيه الرجحان من غير ّ
بد منه تع ّلق اإلرادة التي من شأنها
وإنّما يلزم ذلك إذا لم يكن من جملة ما ال ّ
ِ
ومخصص من
ّ والترجح بوقت دون وقت من غير احتياج إلى ِ ّ
مرجح ّ التخصيص
أحد
بد منه تع ّلق اإلرادة فالالزم ترجيح المختار َ
وأما إذا كان من جملة ما ال ّ
خارجّ . 5
المتساويين من غير ِ ّ
مرجح من خارج واستحالته ممنوعة.1
أيضا ؛إذ لو كان حاد ًثا لزم 3تخ ّلف المعلول عن ع ّلته
قديما ً
ً في وجوده هذا التع ّلق
التامة وهو محال ،وإن كان حاد ًثا نقلنا الكالم إليه .فإن أُ ِ
سند حدوثُه إلى حادث آخر ّ
وهكذا ال إلى نهاية سواء كان ذلك الحادث [5ب] تع ّل َق إرادة أو غيره لزم التسلسل 10
َ
يخصصه بوقت حدوثه ،فيلزم الرجحان
وإل استغنى الحادث عن مؤثّر ّ
في الحوادثّ ،
بال ِ ّ
مرجح.
[ ]35قلنا :يجوز أن يتع ّلق اإلرادة القديمة في األزل 4بوجود العالم 5في وقت
التامة؛ إذ من جملتها
معين من األوقات اآلتية ،فال يلزم تخ ّلف المعلول عن ع ّلته ّ
ّ
تع ّلق اإلرادة بوجوده فيما سيأتي. 15
ِ
مستن ًدا إلى أيضا بأنّه يجوز أن يكون ذلك التع ّلق حاد ًثا
[ ]36وقد يجاب عنه ً
تع ّلق آخر وهكذا إلى غير النهاية؛ ألنّها أمور اعتبارية .والدليل ما قام على استحالة
كل سابق
أمورا متعاقبة ويكون ّ
التسلسل فيها على أنّه يجوز أن يكون تلك التع ّلقات ً
1
طا لالحق إلى أن ينتهي إلى تع ّلق هو شرط لحدوث األجسام ،وبطالن
منها شر ً
التسلسل في األمور المتعاقبة لم يثبت عندهم .وللمتك ّلمين أن يلتزموا في مقام المنع 5
صحته.
ّ
كل علم
مبني على أ ّن ّ خالفه .فال جر َم تع ّلق إرادته في الوقت الذي أوقعه فيه ،وهذا
ّ َ
ليس بتابع لمعلومه؛ بل ذلك إنّما هو في العلم االنفعاليِ .
وعلمه تعالى بإيقاع العالم 10
ِ
مخص ًصا له. متبوعا ،فيجوز كونه تابعا لمعلومه بل
ّ ً في وقته علم فعلي فال يكون ً
[ ]38الوجه الثاني من وجوه الجواب عن استداللهم على قدم العالم هو النقض
بالحادث 2اليومي؛ إذ ال شبهة في وجوده مع جريان الدليل فيه بعينه بأن يقال :جميع ما ال
يعني س ّلمنا استحالة التسلسل في األمور االعتبارية الواقعة في نفس األمر المجتمعة في الوجود لكن يجوز (إ :تجوز) 1
إلى آخر.
كونه الحادث اليومي. 2
ءامكحلا تفاهت صيخلت 95
المعدة فمتق ّدمة على المعلول؛ ألنّها مفيدة الستعداد المعلول لقبول األثر من العلّة
وأما المؤثّرة فيجب أن تكون
الفعلّ .
بالقوة فال يجامع َ
المؤثّرة .واستعداد الشيء هو كونه ّ
مقارنة للمعلول موجودة معه.
ضا دائم
األول أي ً
6
األول دائم الوجود كان معلوله ّ
5
لما كان المبدأ ّ [ ]41ثم ّ
الوجود .وهكذا 7إلى أن ينتهي سلسلة المعلوالت الدائمة إلى 8أجرام األفالك ونفوسها 15
إ– ّ
فإما. 1
إ :حادث. 2
ِ
الموصلة إلى المقاصد فإنّها التجامع مع عما يتو ّقف عليه الشيء وال يجامعه في الوجود كالخطوات ِ
المع ّدات عبارة ّ 3
المقصود .
إ :يكون. 4
وأبدا.
أزل ً ً 5
األول.
ّ العقل وهو 6
إلى العقل العاشر إلى أن ينتهي إلى آخر. 7
إ :على. 8
وهو نفوسها. 9
ءامكحلا تفاهت صيخلت 97
كل وضع.
مع ًّدا لحصول وضع آخر لدوامها يكون ّ 1م؛ إ – من تلك األوضاع ِ
2إ :مسبوق.
3أي هيولى.
4وهي األجرام السماوية ونفوسها.
5هي المبادي.
6هي الصور واألعراض.
7أي لوال الحركة الدورية التي لها جهتان الدوام وعدم االستقرار لما انتهت سلسلة المبادي الدائمة إلى الحوادث إذ
المستند إلى الع ّلة الدائمة القديمة (إ :قديم) دائم قديم.
8إ :أماكن.
9أي تغير األوضاع.
ّ
تأخر الحركات عن نفسها.تأخرها عن الحركات ومرتبة ّ 10مرتبة ّ
الدواني.
11ووجه الجريان مذكور في شرح العقايد العضدية للمح ّقق جالل ّ
ءامكحلا تفاهت صيخلت 99
2
بأ ّن التسلسل الالزم في إحداهما تسلسل في األمور 1المجتمعة وفي اآلخر تسلسل
ِ
اإلرادات الغير المتناهية من طرف المبدأ انتهت المجتمعة في الوجود 3.ثم إ ّن تلك
َ
من الطرف اآلخر إلى إرادة حادثة تع ّلقت بإيجاد العالم.
غير متناهية وينتهي تلك اإلرادات الجزئية الحادثة إلى إرادة جزئية حادثة تع ّلقت
ُ
بإحداث األجسام؟
وجود المؤثّر فكذا يُعتبر فيه إمكان األثر .فإذا لم يكن األثر
ُ واإليجاد كما يُعتبر فيه
حاصل فيه.
ً ممكن الحصول في األزل لم يكن اإليجاد
َ
[ ]45وأورِ َد على هذا الجواب أنّه إذا كان جميع ما ال ب ّد منه في إيجاد الباري للعالم
مرجح.
حاصل فيه المتناع أزليته يلزم الترجيح بال ِّ
ً حاصل في األزل ولم يكن [7أ] العالم
ً
ألف دورة ال يصير بذلك
ألنّه لو ُوجد العالم قبل الوقت الذي ُوجد فيه بمقدار ما يسع فيه ُ 5
مرجحُ .
ودفع بأ ّن األوقات التي أزليًا .فحدوثه في الوقت الذي حدث فيه ترجيح من غير ِّ
تميز فيها ،فال وجه لطلب وجه الترجيح لحدوثه في وقته.
متوهمة ال ُّ
َّ قبل حدوث العالم
[ ]46الوجه الثاني من وجوه االستدالل على قدم العالم هو أنّه ال يجوز أن يكون
السابق
ُ وإل لكان عدمه ساب ًقا على وجوده سبـًْقا يمتنع أن يجامع معه
الزمان حادثًاّ ،
المسبو َق .وهذا السبق هو السبق الزماني .فيلزم أن يكون عدمه مقارنًا لزمان .فيكون 10
معدوما.
ً س؛ م – 1
إ :كان. 2
إ :ذوي. 3
وهو الفلك. 4
ءامكحلا تفاهت صيخلت 103
يدل على
[ ]48قلنا :نعمّ ،إل أ ّن ما ذكروه من الدليل عليه تمويه وتلبيس ال ّ
مقدمات دليله .ولوال
مطلوبهم الذي هو وجود الزمان .فمنعه بالحقيقة راجع إلى ّ
مقدماته ،لكن
محل المنع في ّ
هت على ّ
ونب ُ لذكرت أدلّتهم على وجوده
ُ خشية التطويل
ّ
الخلل.
وأبين ما وقع فيه من َ
1
أريد أن أذكر ما نُقل عن أرسطاطاليس
ّ
والمنتهى حالة مخصوصة معلومة للمتحرك فيما بين المبدأ ُ
ّ [ ]49وهو أنّه قال: 5
الحس وهي صفة واحدة شخصية من مبدأ المسافة إلى منتهاها تستلزم اختالف ّ بمعاونة
التوسط .وهي باعتبار ِ
تسمى الحركة بمعنى ّ المتحرك إلى حدود المسافة .وهي ّ ّ سب نَ
سبها إلى تلك الحدود سيّالة .فهي باستمرارها وسيالنها ِ
مستمرة وباعتبار اختالف ن َ
ّ ذاتها
قار بمعنى أنّه يجزم العقل بأ ّن ذلك األمر الممت ّد [7ب]
غير ٍّ
أمرا ممتدًّا َ
يفعل في الخيال ً
معا؛ بل كان بعضها
توجد تلك األجزاء ً
لو ُوجد في الخارج وفُرض فيه أجزاء امتنع أن َ 10
الخيال .ونعلم أ ّن ذلك األمر المرتسم في الخيال بحيث لو فُرض وجوده في الخارج
معا .ونعلم بالضرورة أ ّن االمتداد الخيالي ال يكون
وفُرض فيه أجزاء المتنع اجتماعها ً
مستقر يحصل في الخيال بحسبّ غير
مستمر ُ
ّ كذلك ّإل إذا كان في الخارج شيء موجود
ظاهرا في بادي الرأي
ولما كان االمتداد الخيالي ً
3
استمراره وعدم استقراره ذلك االمتدادّ .
مقامه وبُحث عن أحواله .انتهى كالمه. ٍ ًّ
ودال على ذلك األمر الذي فيه نوعُ خفاء أقيم َ 20
مسموعة.
الفصل الثالث
مر 3.فلو عُدم العالم لكان ّإما مع بقاء الذات على ما كان عليه في األزل فيلزم
األزل لما ّ
التامة وهو ظاهر االستحالة ،أو بدون بقائه على ما كان عليه في
تخلّف المعلول عن العلّة ّ
ضا مستحيل.
األزل فيلزم تغيّره وهو أي ً
وأما إذا كان [ ]53وجوابه أ ّن ما ُذكر إنّما هو على تقدير [8أ] كون المبدأ ِ
موج ًباّ .
بد منه في إيجاد العالم تع ّلق إرادته في
مختارا فيجوز أن يقال إ ّن من جملة ما ال ّ
ً 10
التامة فينعدم
المعين .وبعد انقضاء ذلك الوقت ال يبقى ع ّلته ّ األزل بوجوده في الوقت
ّ
العالم .وال يلزم تغير الواجب؛ أل ّن تغير الوقت الذي هو أمر وهمي ال يوجب تغيره.
ّ ّ ّ
بد منه في إيجاد العالم هو تع ّلق 4إرادته فيما ال
[ ]54أو يقال من جملة ما ال ّ
شيئا
بناء على أ ّن الفاعل باالختيار إذا أوجد ً
يزال بإيجاده ّإما بأن نمنع لزوم التسلسل ً
5
وإما بأن نلتزم التسلسل في التع ّلقات ونمنع بطالنهّ ،إما ألنّها أمور اعتبارية أو ألنّها
ّ
التامة وال
يجوز أن يكون متعاقبة ،ثم ينقطع ذلك التع ّلق فينعدم العالم لزوال ع ّلته ّ
يلزم من تغير التع ّلق تغير في ذاته؛ ألنّه من اإلضافات الغير الالزمة كمعيته مع
ّ ّ ّ
الحادث المعين.
ّ
[ ]55وتقرير الدليل الثاني أنّه لو عُدم الزمان بعد وجوده لكان عدمه بعد وجوده 5
منعدما بعد
ً [ ]56وجوابه كما مر أ ّن الزمان أمر وهمي .وباعتباره يكون الحادث 10
ّ
معدوما إلى آخره
ً موجودا حينما فُرض
ً موجودا .فقوله فيكون الزمان
ً وجوده ،وليس أمرا
ً
ممنوع.
[ ]57قالوا :الفاعل إذا كان 2واح ًدا في ح ّد ذاته ولم يكن له صفة حقيقية 3وال اعتبارية
المعني بالواحد من جميع الوجوه -ال يجوز أن يصدر
ّ ولم يكن فعله بآلة وال بشرط -وهو
أكثر من واحد.
عنه ُ 5
5
الموجدة للمعلول يجب أن تكونِ احتجوا عليه هو أ ّن 4العلّة [ ]58وزبدة ما
ّ
موجودة قبل المعلول قبليّةً 6بالذات 7،ويجب أن يكون لها خصوصية مع معلولها المعيّن
ليست مع غيره؛ 8إذ لوالها لم يكن اقتضاؤها لهذا المعلول أولى من اقتضائها لما 9عداه،
صدوره عنها.
ُ تصور
فال يُ ّ
[ ]59وإذا كانت [8ب] العلّة ِ
الموجدة ذاتًا بسيطة ال تكثّر فيها بوجه من الوجوه فال 10
شك أ ّن تلك الخصوصية إنّما تكون بحسب الذات؛ أل ّن المفروض أن ال مدخل في
ّ
العلّية لغير الذات البسيطة التي ال تكثّر فيها بوجه من الوجوه .فإذا فُرض لها معلول كانت
أصل .فال يمكن أن يكون لها معلول
للعلّة بحسب ذاتها خصوصية معه ليست مع غيره ً
وإل لزم أن ال يكون لها خصوصية معه ليست لها مع غيره فال يكون علّة لشيء
آخر ّ
األول بحسب ذاتها
منها ،هذا خلف .ال يقال ‘يجوز أن يكون خصوصيتها مع المعلول ّ 15
كل الوجوه.
وهو الواحد من ّ 1
إ :إذا كان الفاعل. 2
أي موجودة في الخارج. 3
إ – أ ّن. 4
إ :يكون. 5
تقدم المحتاج إليه) على المحتاج وإن كان في زمان واحد.
تقدم عن ّ تقدم المحتاج إليه (إ :عن ّ
هي عبارة عن ّ 6
األول كالهما قديم عندهم.
ّ ومعلوله ل األو
ّ المبدأ ن
ّ أل بالزمان؛ المعلول على وجوده تقدم
إذ ال يجب ّ 7
إ :غيرها. 8
إ :ال. 9
ءامكحلا تفاهت صيخلت 113
مختصة بها من جملتها 3ذلك المعلول المعين .وبحسبها يكون اقتضاؤها له
ّ متعددة
ّ
ّ
معلول لها .وبسببها يصدر عنها ذلك المعلول مع سائر
ً أولى من اقتضائها لما ليس
مما هو معلول
المعين لم يكن اقتضاؤها لهذا المعلول أولى من اقتضائها لما عداه ّ
ّ
لها’ فالمالزمة مس َّلمة وبطالن التالي ممنوع؛ إذ يصدر عنها جميع ما هو معلول لها
[ ]62فإن قلت :نحن نعلم بالضرورة أ ّن ذات الع ّلة إذا كانت واحدة من جميع
يكون لواحدها من الع ّلة ما ليس [خصوصية] لآلخر؛ بل يجب تساويها في جميع ما
واحدا.1
ً شيئا
متعددة بل ً
ّ لها من الع ّلة فال تكون أشياء
[ ]63قلنا :تمايز الحقايق المختلفة بذواتها ال بعوارضها .فهي ال تحتاج في 5
األول
في إبطال قولهم في كيفية صدور العالم من المبدأ ّ
حال في جوهر آخر [ ]64قالوا :الممكن ّإما عرض أو جوهر .والجوهر إن كان ًّ
وإل 1فإن كان متعلِّ ًقا فصورة ،وإن كان ًّ
محل فهيولى ،وإن كان مرّكبًا منهما فجسمّ .
األول من والتصرف فنفسّ .
وإل فعقل .وال يجوز أن يكون الصادر ّ ّ بالجسم تعلّق التدبير 5
محل.
حال في جوهر وال ًّ أي وإن لم يكن ًّ 1
األول من شأنه (إ :من شأنها) أن يتو ّقف عليه ما بعده من المعلوالت.
أل ّن المعلول ّ 2
وهي الهيولى (إ :كما أن الهيولى). 3
إ :ألنّها. 4
إ – فعلها. 5
ءامكحلا تفاهت صيخلت 119
[ ]66وبعضهم اعتبر فيه كثرة من جهتين :وهما وجوب الوجود بالغير وإمكان الوجود
لغيره .فقال :يصدر عنه باعتبار وجوب الوجود بالغير العقل الثاني ،وباعتبار إمكان الوجود
[ ]67ثم صدر من العقل الثاني عقل ثالث ونفس وفلك إلى آخر ما ثبت بالبرهان 10
من وجود األفالك .وصدر عن العقل العاشر الذي هو العقل الفعال هيولى العالم
العنصري .ففاض عليها من األجرام السماوية ما يهيّئها لقبول صور العناصر المختلفة
الفعال بمعاونة
الصور [ ] 10من واهبها وهو العقل ّ
أ
َ إلى أربع كرات 6مختلفة الصور فنالت
األجرام السماوية.
لما كانت األجسام العنصرية قابلة لجميع أنواع التغيّر بخالف األجرام
7
[ ]68ألنّها ّ
تامة
ضا الستحالة كون الثابت علّة ّ
8
عقل مح ً
السماوية لم يمكن أن يكون سبب وجودها ً 5
ِ
ووجوب ثبوت المعلول عند ثبوتها؛ بل وجب أن التامة
للمتغيّر المتناع التخلّف عن العلّة ّ
يشمل 9التغيـَّر
مشتمل على نوع من التغيّر وليس هناك شيء َ
ً يكون ما هو سببها القريب
والحركةَ ّإل األجرام السماوية فوجب أن يكون لألجرام السماوية د ْخل في إيجادها.
[ ]69ثم يحصل امتزاج العناصر واختالطها على ضروب مختلفة وفنون شتّى بسبب
حركات يحصل فيها من البرودة والحرارة الفائضة من األجرام السماوية بسبب اختالف 10
10
نِسبَها من العنصريات .فإ ّن الشمس إذا حاذت لموضع من األرض اقتضت إضاءةَ ذلك
إصعاده
َ وبتوسط السخونة خلخلةَ الجسم المتس ّخن أو
وبتوسط الضوء تسخينَها ّ
الموضع ّ
اجه من الموضع الطبيعي .وبسبب الخروج من موضعه
وبسبب التخلخل أو الصعود إخر َ
امتزاجه بغيره وبعد حصول االمتزاجات تحدث 11األمزجةُ المختلفة وتستع ّد بحسب قربها
وبعدها من االعتدال لقبول الصور المعدنية والنفوس النباتية والحيوانية والناطقية فتفيض 15
الفعال.
الصور والنفوس عليها من العقل ّ
ُ تلك
1أي تفريقه.
2أي جزء.
3أي جزء.
4أي وسط.
5وهو فلك القمر الذي يقال له في لسان الشرع السماء الدنيا لقربها من األرض.
6كرة النار وكرة الهواء وكرة الماء وكرة األرض.
7فإنّها قابلة لنوع من التغير.
ّ
8بدون معاونة األجرام السماوية.
9إ :يستعمل.
10إ :تلك.
11إ :تحدثت.
ءامكحلا تفاهت صيخلت 123
جسما.
األول ً
[ ]70والجواب عنه أن يقال :ال نس ّلم أنّه ال يجوز أن يكون الصادر ّ
قولهم ألنّه مرّكب من الما ّدة والصورة قلنا ممنوع .ولم ال يجوز أن يكون أمرا بسي ًطا
ً
تركبه
ممتدا في األقطار الثالثة كما هو رأي أفالطون؟ وما ذكروا من الدليل على ّ
ًّ
[ ]71ثم إنّهم جعلوا األمور االعتبارية منشأً لصدور الكثرة عن الواحد كوجوب 10
بأ ّن السلوب واإلضافات تتوقّف ثبوتُها 4على الغير وهو المسلوب والمنسوب .فلو توقّف
ثبوت الغير على السلب أو اإلضافة لزم الدور.
ور ّد بأ ّن السلوب واإلضافات متو ّقفة على الغير في التع ّقل أي الوجود
[ُ ]72 15
بمتمكن وأمثاله.
ّ فإنّه ليس بحادث وال 1
فإنّه خالق زيد وعمرو وبكر (إ – وبكر). 2
م؛ إ :يحصى. 3
إ :بثبوتها. 4
ءامكحلا تفاهت صيخلت 125
األول
تصور تح ّق ُقها ّإل بعد تح ّققهما .ثم إ ّن المبدأ ّ
وأما اإلضافة بين الشيئين فال يُ ّ
ّ
لكن الوجود المطلق عارض 1لوجوده
عين حقيقته عندهم ّ
الخاص َ
ّ وإن كان وجوده
الخاص ،فيجوز أن يكون وجوده الخاص الذي هو عين حقيقته من حيث هو مبدأً
ّ ّ
ألمر وباعتبار الوجود المطلق مبدأً ألمر آخر فيصدر منه الكثرة بهذه الحيثيات
االعتبارية. 5
الواحد الكثرة الموجودة .فال يصلح الوجود المطلق وال السلوب واإلضافات ألن
عدوها جهات
وأما اإلمكان والوجود والوجوب التي ّ ً
تكون منشأ لصدور المعلولّ .
في صدور الكثرة عن المعلول فالمراد منها تع ّقلها ال أنفسها .وتع ّقالت تلك األشياء 10
[ ]74قلنا ال نس ّلم ذلك .لم ال يجوز أن يكون الجهات االعتبارية منشأً لصدور
األمور
ُ الكثرة عن [11أ] الواحد؟ ومن أين يلزم أ ّن منشأ كثرة المعلول ليس ّإل 15
بد أن يكون
شهدت إالّ على أ ّن الفاعل في أمر موجود ال ّ
ْ الموجودة والضرور ُة ما
حج ٌة
قامت ّ
ْ شهدت ضرورةٌ وال
ْ وأما األمور التي لها مدخل في التأثير فما
موجوداّ .
ً
على كونها موجودة .فيجوز أن يكون الوجود المطلق وغيره من السلوب منشأً
ُ
األول من غير حاجة إلى ما ذكروه.
لصدور الكثرة من المبدأ ّ
في تعجيزهم عن االستدالل على وجود الصانع للعالم الذي هو السموات وما فيها
يتركب منها
والعناصر وما ّ
ٍ
موجود .فإن كان واجبًا ثبت المطلوب ،وإن كان ممكنًا فال شك في ِ
وجود فواجب .وال ّ
ب ّد له من علّة .فتلك العلّة إن كانت واجبًا لذاته ثبت المطلوب ،وإن كانت ممكنًا فال ب ّد
لها من علّة .فننقل الكالم إليها .فأما أن يدور أو يتسلسل ِ
العلل أو ينتهي إلى موجود ال ّ
واألوالن باطالن ،فتعيّن الثالث .والموجود الذي ال علّة له واجب لذاته خارج عن
علّة لهّ .
جملة العالم وعلّة له وهو المطلوب. 10
التسلسل ال تثبت 1على أصلهم؛ إذ ليست تلك االستحال ُة ضرورية بال خالف.
ُ
والمعتمد من األدلّة المذكورة الستحالته برها ُن التطبيق وهو منقوض بحوادث
َ
وأما المتك ّلمون فهم ين ُفون
متعاقبة ال ّأول لها .وهم معترفون بجوازها بل بوقوعهاّ .
يجوزونها ،فال 2نقض بها على أصولهم.
الحوادث المتعاقبة التي ال تتناهى وال ّ 15
ِ
مجتمعة في غير
[ ]77وأجيب عنه بأ ّن الحوادث المتعاقبة التي ال ّأول لها ُ
التطبيق بين أجزائها ال في الخارج لعدم اجتماعها فيه وال في
ُ تصور
الوجود .فال يُ ّ
الذهن الستحالة وجود ما ال يتناهى على سبيل التفصيل في الذهن .ووجودها اإلجمالي
غير ٍ
كاف للتطبيق كما يشهد به الوجدا ُن .فال جريان للدليل فيها فال نقض .وهذا بخالف
األجسام [11ب] المجتمعة في الوجود المترتّبة بالمكان إلى غير النهاية؛ فإنّها بوجودها
األعلى .1وذلك يكفينا في إتمام النقض على أصولهم؛ ألنّهم قائلون بأ ّن علوم العقول
[ ]79فإن قلت :لع ّلهم ال يثبتون لتلك الحوادث في تلك العلوم ترتّبا لعدم 10
ً
عدم
َ دخول الزمان فيها .قلنا :عدم دخول الزمان فيها ألزليتها ال يقتضي
الترتّب فيها لوجهين :أحدهما أ ّن الترتّب بين تلك الحوادث ليس بمجرد ترتّب
ّ
أزمنتها؛ بل بينها 3ترتّب 4طبيعي عندهم لتو ّقف بعضها على بعض كما تقرر من
ّ
قواعدهم .وثانيهما أ ّن عدم دخول الزمان في تلك العلوم إنّما هو بحسب أوصافه
الم ِضية والحالية واالستقبالية على معنى أ ّن علمها بالحوادث ليس الثالثة أعني 15
ُ ّ
من حيث إ ّن بعضها واقع اآلن وبعضها في الماضي وبعضها في المستقبل؛
األول والعقول.
كالمبدأ ّ 1
أي ال بحصول أنفسها كما في العلم الحضوري. 2
إ :بين ما. 3
ال يقال الترتّب الطبيعي بين الحوادث إنّما هو في الوجود األصلي (إ :األصيلي) دون الظ ّلي؛ ألنّا نقول علم المبادي 4
كل واحد منوكل حادث جزء من ع ّلة حادث آخر .فكذا علم ّ العالية باألشياء عندهم إنّما هو بسبب العلم بعللهاّ .
أيضا.
الترتب الطبيعي بحسب الوجود الظ ّلي ً
الحوادث جزء من ع ّلة علم اآلخر ،فيحصل ّ
ءامكحلا تفاهت صيخلت 131
منقوضا بها.
ً قواعدهم فيكون
ِ 2
غير برهان
[ ]80فإن قيل :للحكماء برهان قاطع على استحالة التسلسل في العلل َ
كل ممكن إلى ممكن
األول للموجودات ،وهو أنّه لو استند ّ
إثبات المبدأ ّ
فيتم ُالتطبيقّ ، 5
ش ّذ
غيرها وال ي ُ آخر ال إلى نهاية فجميع تلك السلسلة إذا أ ِ
ذت بحيث ال يدخل فيها ُ
ُخ ْ
غيره فله علّة إلمكانه .وتلك
ممكن الحتياجه إلى أجزائه التي هي ُ
3
ٌ عنها شيءٌ منها
ِ 5 ِ
لكل جزء من أجزائه .فيكون ذلك الجزء
الكل موج ٌد ّ
وهو محال وال جزأَه أل ّن موجد ّ
علّةً لنفسه ،وهو محال .فتعيّن أن تكون12[ 6أ] خارجة عنه .وتلك العلّة الخارجة 10
المتوسط،
ّ يجوز أن يكون الفرد المعلول لتلك العلّة الخارجة هو المعلول األخير أو 15
وإل يلزم توارد العلّتين المستقلّتين على معلول واحد على تقدير االستقالل والزيادةُ في
ّ
لكن تلك الع ّلة جزء منه .وهو ما فوق المعلول 3الثاني ال إلى نهاية .وهلم جرا.
ّ
ّ ّ
المستقل
ّ
5
[ ]82وما يقال 4من أ ّن المراد بالعلّة في تقرير الدليل هو الفاعل 10
على معنى أنّه ال يستند شيء من أجزاء السلسلة ّإل إليه أو 6إلى ما صدر عنه.
ًّ
مستقل بهذا المعنى وهو ظاهر .فجوابه فاعل
وما قبل المعلول األخير ليسً 7
مستقل.
ّ بد له من فاعل
مركب من ممكنات ال ّ
ّ كل ممكن
أ ّن المعلوم لنا أ ّن ّ
وأما
مركب من آحاد متناهية يستند بعضها إلى بعضّ .
ما صدر عنه فهو إنّما يجب في ّ
المركب من اآلحاد الغير المتناهية التي يستند بعضها إلى بعض على ما هو المفروض
ّ
أي جزء من أجزاء السلسلة ُتفرض ع ّل ًة 3فع ّلته أولى منه بأن
[ ]83فإن قلت ّ :
2
يكون ع ّلة لها؛ أل ّن تأثير ذلك الجزء في السلسلة بتحصيل ما تحته فقط ،وتأثير ع ّلته
محصل للسلسلة .فيكون 6متعي ًنا لكونه ع ّلة للسلسلة من غير محذور.ِ وبواسطته
ّ ّ
في تعجيزهم عن إقامة الدليل على وحدانية الواجب تعالى وانحصار وجوب
يقتضي لذاتها التعيّ َن أو ال يقتضي .فإن اقتضت كانت منحصرًة في شخص؛ أل ّن الطبيعة
المقتضية للتش ّخص إن كان لها فرد فوق الواحد لزم تخلّف مقتضى 1الذات عنها ،وهو
محتاجا في تعيّنه إلى غيره فيكون
ً محال .وإن لم يقتض لذاتها التعيّ َن يكون واجب الوجود
واجب الوجود واجبًا.
َ معلول للغير .فال يكون ما فُرض
واجب الوجود المتعيّن ً
2
رد على هذا المسلك أنّه لم ال يجوز أن يكون حقيقتان مختلفتان
[ ]85ويُ ّ 10
‘حقيقة واجب الوجود ليس ّإل المعنى الذي نفهمه من لفظ الوجود’ فممنوع.
4
مستلزما لالمتياز بالتعيّن.
ً والوجوب .وإذا كان الوجوب نفس الماهية كان االشتراك فيه
مستندا إلى ذات الواجب بل إلى الغير ،فال يكون واجبا بالذات بل بالغير ،هذا خلف. ً أي 1
ً
إ – ذات. 2
ألن تأثير الع ّلة يتو ّقف على وجودها .والوجود يتو ّقف على الوجوب؛ إذ الشيء مالم يجب لم يوجد سواء وجب 3
مقد ًما على معلوله ،فلو كان الوجوب لذاته (م؛ إ :بذاته) أو لغيره (م؛ إ :بغيره) والكالم ههنا في الواجب بالذات َّ
تقدمه على نفسه ،وهو محال. معلول له يلزم ّ
ً
األول أ ّن التش ّخص والتعين زائد على ماهية الواجب يقتضيه ماهيته وهو خالف ما يُفهم فإن قلت :يفهم من المسلك ّ 4
ّ
يصح التمسك بأحدهما .قلنا :إ ّن التعين نفس ماهية ّ وأيا ما كان ال
تعينه على ماهيتهًّ . من هذا المسلك من أنّه ال يزيد
ّ ّ
مشتركا بين اثنين لم يكن تعين الواجب
ً مقدمة مطوية وهي أنّه لو كان الوجوبّ األول الواجب عندهم .وفي المسلك ّ
ّ
فإما أن يقتضي طبيعة الواجب تعينه أو ال يقتضي إلى آخر المسلك ّ زائدا عليها
ً نفس ماهيته وهو ظاهر .وإذا كان
ّ
التعدد ظاهرا على تقدير كون التعين نفس الماهية لم يُتعرض له. ّ ولما كان امتناع
األولّ .
ّ
ّ ّ ً
ءامكحلا تفاهت صيخلت 141
الوجود
َ اقتضاء الذات
ُ [ ]87والجواب عن هذا المسلك أنّه إن أريد بالوجوب
قطعا،
فال نس ّلم أنّه نفس حقيقة الواجب؛ بل هو أمر اعتباري ال وجود له في الخارج ً
المفهوم
ُ فكيف يكون نفس حقيقة الواجب؟ وإن أريد معنى آخر يعرِ ض له هذا
حقايق
َ المفهوم
ُ فمس َّلم .لكنّه ال يفيد المطلوب لجواز أن يكون ما يعرِ ض له هذا
[ ]88فإن قلت :الخصم قد أقام الدليل على كون الوجوب نفس الماهية الواجبية،
على كونه نفس ماهية الواجب سفسطة مصادمة للضرورة فال يسمع .ويمكن بيان
[ ]89فإن قلت :المفهومات االعتبارية وإن لم تحتج 2إلى ع ّلة لثبوتها في أنفسها
خاص يقتضى
ّ لكنّها تحتاج إليها لثبوتها لمحالّها ويتم الكالم به .قلنا :ذاته وجوب
ّ
تقدم ذاته بالوجوب ٍ
حينئذ ّ بنفسه اتّصا َفه بعارضه الذي هو الوجوب المطلق ،فيلزم
4 ٍ
مقتض للوجود المطلق الذي هو عارض عندهم. خاص نفسه كما أ ّن ذاته وجود
ّ
األول فاللزوم بين الشيئين ّإما يكون أحدهما علّة لآلخر أو بكونهما
[ ]91وإن كان ّ
3
معلولَي علّة واحدة .فإن كان بكون أحدهما علّة لآلخر فإن كان بكون الوجوب علّة
يوجد الواجب
للتعيّن لزم خالف الغرض؛ أل ّن التعيّن المعلول الزم غير متخلّف ،فال َ
4 10
بدونه .وإن كان بكون التعيّن علّة للوجوب لزم كون الوجوب الذاتي بالغير 5إن ُجعل التعيّن
وإل أي وإن لم يُجعل زائ ًدا عليها لزم خالف 6الغرض 7وتق ّدم
زائ ًدا على ماهية الواجبّ ،
ِ
الوجوب على نفسه ضرورةَ تق ّدم العلّة 8على المعلول بالوجود والوجوب.
[ ]92وإنكان اللزوم بينهما بكونهما معلولَي علّة ثالثة فإنكان تلك العلّة هي ذات الواجب
10
لزم خالف 9الغرض؛ أل ّن الطبيعة [14أ] إذا اقتضت تعيـّنًا انحصر نوعها في شخصها لِما تق ّدم، 15
1إ – ذلك.
2لكونهما معلو َلي ع ّلة واحدة.
3والع ّلة الزمة للمعلول فحينئذ لزم خالف إلى آخر.
4م؛ إ :مفروض؛ وهو كونه بكون الوجوب ع ّلة للتعين.
ّ
5وهو التعين.
ّ
زائدا على ماهيته.
تعي ًنا ً لكل منهما
6ألنّا فرضنا أ ّن ّ ٍ
ّ
7إ :مفروض.
يوجد.
َ لم يجب لم وما د، يوج
َ مالم رّ ث يؤ ال الشيء ن
ّ أل والوجوب، بالوجود الوجوب وهو المعلول على 8وهي التعين
ّ
واحدا؛ أل ّن الطبيعة إذا اقتضت (س؛ م – إذا اقتضت) إلى آخره.
ً ٍ
وحينئذ يكون 9ألنّا فرضنا كون الواجب أكثرمن واحد
10من أنّه لو لم يكن كذلك لزم تخ ّلف مقتضى الذات عنها.
ءامكحلا تفاهت صيخلت 145
[ ]93والجواب عن هذا المسلك أنّا ال نس ّلم أنّه لو كان الواجب أكثر من واحد
لكل منهما تعيّن زائد على ماهيته .وإنّما يلزم ذلك لو كان ما يقال له الواجب
لكان ٍّ 5
أمورا مشتركة في الماهية النوعية ،وهو ممنوع .لم ال يجوز أن يكون ما صدق عليه
ً
كل منها عن اآلخر بذاته من غير احتياج
يتميز ٌّ أمورا متخالفة في الحقيقة
ً الواجب
ُ
ّ
خاصا
وجوبا ًّ
ً كل منها نفس ماهيته ويكون ماهية ّ ٍ
كل منها تعين ّ ٍ
ّ
إلى تعين زائد ويكون
ّ
تقدم الواجب على الوجوب المطلق بالوجوب
مقتضيا للوجوب المطلق ويكون ّ
ً
الخاص الذي هو نفس الذات كما سبق تحقيقه.
ّ 10
أصل،
[ ]94ذهب الحكماء إلى أ ّن البسيط الحقيقي الذي ال تع ّدد فيه من جهةً 1
امتناع اتّصاف
َ وفاعل 2له .وبنَوا على ذلك
ً قابل لشيء
كالواجب على رأيهم ،ال يكون ً
عولوا عليه في ذلك هو أ ّن نسبة الفاعل إلىالواجب تعالى بصفات حقيقية .والذي ّ 5
المفعول بالوجوب 3ونسبة القابل إلى المقبول باإلمكان 4،والوجوب واإلمكان متنافيان ال
محل واحد 5بالقياس إلى أمر واحد من جهة واحدة.
يجتمعان في ّ
ور ّد هذا االستدالل بأنّه إن اريد أ ّن الفاعل عند اجتماع شرائطه وارتفاع
[ُ ]95
وجود المفعول به فنقول :القابل
ُ موانعه وصيرورته موصو ًفا بالفاعلية بالفعل وجب
قابل بالفعل وجب وجود المقبول فيه ،فال
إذا اجتمع معه جميع ما يتو ّقف عليه كونُه ً 10
عدمه’ ٍ
فرق بينهما حينئذ .وإن أريد أ ّن ‘القابل وحده ال يجب معه وجود المقبول وال ُ
أيضا.
عدمه ،فال فرق ً
فنقول :الفاعل وحده ال يجب معه وجود المفعول وال ُ
مستقل ِ
موجبًا لمفعوله ًّ [ ]96وأجيب عنه بأ ّن الفاعل من حيث إنّه فاعل قد يكون
احتياج
ِ تصور استقاللُه وإيجابه من حيث إنّه قابل في شيء ضرورَة
دون القابل؛ إذ ال يُ ّ
والقبول ال ِ
يوجب ُ المقبول إلمكانه [14ب] إلى الفاعل .فالفعل وحده ِ
موجب في الجملة 15
أصل .فلو اجتمعا في شيء واحد من جهة واحدة لزم إمكان 6الوجوب وامتناعه من تلك
ً
الجهة [الواحدة] 7وهو محال.
س :من جهة فيه. 1
وقابل له خال ًفا لألشاعرة حيث ذهبوا إلى أ ّن هلل تعالى صفات حقيقية زائدة على ذاته وهي
ً أي ال يكون مصدر األثر 2
صادرة عنه وقائمة به.
إذ بالفاعل يجب وجود المفعول. 3
إذ بالقابل يمكن وجود المقبول. 4
إ – وهو الواحد الحقيقي. 5
أصل.
موجبا في الجملة .وقوله )وامتناعه( بالنظر إلى كون القبول غير موجب ً وذلك بالنظر إلى كون الفعل وحده 6
ً
إ – الواحدة. 7
ءامكحلا تفاهت صيخلت 149
ور ّد ذلك الجواب بأ ّن قيد الحيثية قد يراد به بيان اإلطالق كما في قولنا
[ُ ]97
’اإلنسان من حيث هو إنسان‘ ،و’الموجود من حيث هو موجود‘ أي نفس مفهوم
اإلنسان ونفس مفهوم الموجود من غير اعتبار أمر آخر معهما .وقد يراد به التقييد
كما في قولنا ’التابع من حيث إنّه تابع ال يوجد بدون المتبوع‘ أي التابع مقي ًدا بصفة
َّ
التبعية ال يوجد بدون المتبوع .وقد يراد به التعليل كما في قولنا ’النار من حيث إنّها 5
من عدم اإلمكان على معنى أ ّن صفة القابلية ال تكون سببا إلمكان وجوب المقبول
ً
في القابل فمس َّلم ،وال محذور فيه .وإنّما يلزم المحذور لو كانت القابلية سببا لعدم
ً
ٍ
حينئذ يلزم المنافاة بين الفاعلية والقابلية للمنافاة إمكان وجوب المقبول في القابل؛ إذ
محل واحد من جهة واحدة.
الزميهما ،2فيلزم امتناع اجتماعهما في ّ
بين َ
اعتبر السلب ّأوال ثم 1التعليل على معنى أ ّن صفة القابلية سبب لعدم
[ ]99وإن ُ
إمكان وجوب المقبول في القابل فال نس ّلم ذلك .غاية األمر أنّها ليست سببا إلمكان
ً
وجوب المقبول في القابل15[ .أ] وال يلزم من عدم سببيتها إلمكان وجوب المقبول
ّ
أن يكون 2سببا لعدم إمكانه حتى يلزم المنافاة بين الالزمين فيمتنع اجتماعهما بسبب
ً
امتناع اجتماع الزميهما. 5
أصل
والقبول وحده ليس بموجب ً
ُ [ ]100ثم قولهم الفعل وحده موجب في الجملة
إن أريد به كما هو الظاهر أ ّن ‘القبول ليس سببا للوجوب’ فال يلزم ثبوت امتناع
ً
ترتب قوله فلو اجتمعا في شيء واحد من جهة واحدة لزم إمكان
يصح ّ
ّ الوجوب .فال
الوجوب وامتناعه من تلك الجهة .وإن أريد به أ ّن ‘القبول سبب المتناع الوجوب’ فهو
ممنوع. 10
هب أ ّن القبول ليس سببا المتناع الوجوب لكنّه إذا لم[ ]101فإن قلتْ :
ً
والفعل سبب للوجوب 3فلو اجتمعا في ذات واحدة من ُ يكن سببا للوجوب
ً
جهة واحدة لزم أن يكون الذات الواحدة من جهة واحدة سببا للوجوب وغير
َ ً
شك في استحالته .قلت :الفعل والقبول إنّما يُحمالن على
سبب للوجوب وال ّ
تلك الذات باالشتقاق 4ال بالمواطأة .وال يلزم من كون المفهومين 5المتناقضين 15
محمولين عليهما مواطأ ًة 6أن يُحمال على تلك الذات بالمواطأة حتى يلزم صدق
أصل‘ فيلزم التناقض.
ً قولنا ’الذات موجب في الجملة والذات ليس بموجب
تعليل للسلب.
ً حتى يكون 1
إذ كثير من األشياء يكون سببا لوجود شيء وال لعدمه. 2
ً
م :للوجود. 3
بأن يقال إنّها فاعلة وقابلة . 4
وهما الموجب وغير الموجب محمولين عليهما أي على الفعل والقبول في قولنا ‘الفعل موجب والقبول غير موجب 5
إن يحمال على تلك الذات بالمواطأة’ .نعم لو كان الفعل والقبول محمولين على تلك الذات بالمواطأة للزم أن يكون
أيضا كذلك .
المفهومان المتناقضان المحموالن عليهما بالمواطأة إن يحمال على تلك الذات ً
أي باعتبار نفس الفعل والقبول ال غير. 6
ءامكحلا تفاهت صيخلت 153
وقولنا‘ 1الذات باعتبار قابليته غير موجب’ مجرد عبارة ،وليس القصد ّإل أ ّن القبول
ّ
غير موجب كما أ ّن المقصود بقولنا ‘الذات باعتبار فاعليته موجب’ ليس ّإل أ ّن
حقيقيا لها.
ً
فاعل
تنزلنا عن هذا المقام نقول لهم :إن أريد أ ّن القابل ال يكون ً
[ ]102ثم إن ّ
أصل 2فالدليل على تقدير تمامه ال يساعده .وإن أريد أ ّن الشيء الواحد ال يكون ً
قابل ً
وفاعل له من جهة واحدة فعلى تقدير تسليمه ال ينفعكم وال يضرنا؛ أل ّن المبدأ
ً لشيء
ّ
قابل لصفاته باعتبار ذاته
مر تحقيقه .فيجوز أن يكون ً األول فيه جهات واعتبارات كما
ّ 10
ّ
وفاعل لها باعتبار جهات اعتبارية .فال يثبت نفي الصفات الحقيقية عنه تعالى [15ب]
ً
ُ ُ
تمسك لهذا الدعوى بوجه آخر وهو أ ّن القبول
وهو المقصود من هذه المسألة .وقد يُ ّ
والفعل أثران فال يصدران عن مؤثّر واحد من جهة واحدة .ويجاب بأنّا ال نس ّلم أ ّن
تمسكوا به
القبول أثر .ولو س ّلم فال نس ّلم أ ّن الواحد ال يصدر عنه ّإل الواحد .وما ّ
عرفت حاله.
َ عليه فقد 15
قائما بنفسه
من الصفة والموصوف مغاير لآلخر بداه ًة الستحالة كون الشيء الواحد ً
يترتب على
يترتب عليه ما ّ وقائما بغيره بداهة؛ بل على معنى أ ّن ذاته تعالى
ً وذاته
ّ
مثل ذاتك غير كافية في انكشاف األشياء لك؛ بل يُحتاج فيه
معاً .
الذات والصفات ً
إلى صفة العلم الذي تقوم بك بخالف ذاته تعالى؛ فإنّه ال يحتاج في انكشاف األشياء
وظهورها عليه إلى صفة تقوم به؛ بل المفهومات منكشفة له تعالى ألجل ذاته .فذاته 10
غيره لزم
وفاعل لها ،وإنّه محال .وإن كان َ
ً قابل لصفة
الشيء الواحد من جميع الوجوه ً
ضا محال.
احتياج الواجب في صفته إلى غيره ،وهو أي ً
ءامكحلا تفاهت صيخلت 157
واحدا من جميع الوجوه ،وهو ممنوع .فإنّك قد عرفت ساب ًقا أ ّن فيه كثر ًة
ً األول
المبدأ ّ
بحسب حيثيات اعتبارية .ولو ُس ّلم فال نس ّلم استحالة كون الشيء الواحد من جميع
عرفت ضعفه.
َ وقابل لها .وما استدلّوا [به] عليه فقد
ً فاعل لصفة
الوجوه ً 5
ستدل على مذهبهم المذكور بأنّه لو كان [16أ] صفاته زائدة على
[ ]106وقد يُ ّ
في وجوده إليها’ فلزومه ممنوع .وإن أريد ‘في انكشاف األشياء وأمثاله’ فاللزوم
مما ال
وأما احتياجه في انكشاف األشياء وغيرِ ه ّ
1
مستغنيا عن جميع ما سواهّ . وجوده
ً
حجة على امتناعه.
يتو ّقف وجوده عليه إلى صفة قديمة قائمة به فلم يقم ّ
المح ّققون من الحكماء على أنّه تعالى ليس بجوهر؛ إذ الجوهر ماهية إذا ُوجدت
في األعيان كانت ال في موضوع .وهذا المعنى غير صادق على الواجب؛ إذ ليس له
الخاص الواجبي فال يكون
ّ الوجود؛ وإنّما حقيقته عين الوجود
ُ عندهم ماهية يعرِ ضها
معنى الجوهر مشتر ًكا بينه وبين غير .والمشهور منهم في بيان هذه الدعوى مسلكان:
َ
يدل على نفي الترّكب عنه مطل ًقا سواء كان من
العام الذي ّ
األول هو المسلك ّ[ّ ]108 15
أجزاء متمايزة في الخارج أو من أجزاء متمايزة في الذهن .وهو أنّه لو ترّكب الواجب 2من
أجزاء متمايزة في الذهن أو في الخارج الحتاج الواجب لذاته 3ووجوده إلى جزئه بحسب
كل واحد
نفس األمر .وجميع أجزاء الشيء وإن كان نفس ذلك الشيء [ ] 16لكن ّ
ب
[ ]109وجوابه أن يقال :ليس معنى كون األجزاء العقلية أجزاء للماهية ّإل أ ّن
فصل .وهذه المفهومات وإن كانت متغايرة في الذهن بحسب أنفسها ووجوداتها
ً
تعدد فيه .غايته أ ّن ذلك األمر
حد ذاته بسيط ال ّ
أيضا ّإل أنّها صور لشيء واحد في ّ
ً 5
متعددةٌ محموالت
ّ مفهومات
ٌ البسيط بحيث يجوز أن يؤخذ من ذاته بدون عوارضه
عليه 1.فإن أريد باحتياجه إلى الغير في ذاته ووجوده هذا القدر فال نس ّلم استحالته
[ ]110فإن قلت :األدلّة الدالّة على الوجود الذهني دلّت على أ ّن الموجود في
كل واحد
حد نفسها من أمرين محتاجة إلى ّ
مركبة في ّ
العقل من الجنس والفصل ّ
متحدة غير متمايزة بحسب الخارج
قلت :األجزاء العقلية ّ
منهما ،فيعود المحذورُ .
وجودا أو تختلف في الماهية
ً
2
وتتحد
فإما أن تختلف ماهي ًة ّ
وإل ّ
ووجوداّ .
ً ماهية
معا.
والوجود ً
3
بكل واحد من تلك األجزاء لزم
األول إن قام ذلك الوجود الواحد ّ
[ ]111وعلى ّ 15
أيضا.
الكل بدون أجزائه ،وهو محال ً
5
مجموع لزم وجود ّ
[ ]112وعلى الثاني يلزم أن يمتنع حمل أحدها على اآلخر بهو هو؛ أل ّن األمور
المتمايزة بحسب الخارج في الماهية والوجود يمتنع حمل بعضها على بعض
بالتركب
ّ أي ارتباط أمكن .فالماهية الواحدة تكون مختلفة
بالمواطأة وإن ُفرض بينها ُّ
1
أصل؛ فذاته
تركب فيها ً
والبساطة بحسب الوجودين .فباعتبار الوجود الخارجي ال ّ
البسيطة كافية في [17أ] وجودها الخارجي من غير اعتبار أمر آخر معها .وباعتبار 5
مركبة ،وذاته بحسب هذا الوجود محتاجة إلى غيرها الذي هو
الوجود الذهني يكون ّ
المحل .وال نس ّلم
ّ المفيض لوجودها في ذلك
المحل والفاعل ُ
ّ جزؤها كما يحتاج إلى
ومنافاته للوجوب الذاتي .وبالجملة ال تكون الماهية مطل ًقا وال
َ استلزامه لإلمكان
بحسب الخارج محتاجة إلى غيرها في ذاتها ووجودها الخارجي؛ بل عند حصولها
في الذهن ،وال نس ّلم استحالته واستلزامه لإلمكان. 10
[ ]113المسلك الثاني أ ّن واجب الوجود ال يشارك شيئًا من األشياء في ماهيته؛ أل ّن
غيره في ماهية
الواجب َ
ُ كل ماهية لما سوى الواجب مقتضية إلمكان الوجود 2.فلو شارك
ّ
كبيرا .وإذا لم يكن مشارًكا لغيره في ذاته لم
علوا ً
ذلك الغير يلزم إمكانه تعالى عن ذلك ًّ
يحتج في العقل إلى فصل يتميّز به عن غيره ،فال يكون مرّكبًا في العقل.
وإل
[ ]114وجوابه أ ّن ما ُذكر مبني على أن ال يكون في الوجود واجبان؛ ّ 15
ّ
ٍ
فيجوز أن يكون بينهما جنس مشترك غير مقتض إلمكان الوجود بل لوجوبه،
3
ُ َ
كل منهما عن اآلخر بفصل ذاتي فال يلزم إمكان الواجب .وقد بينّا أ ّن ما
ويتميز ٌّ
ّ
أيضا .والتوحيد وإنيتم ما يبتني عليه ً تام ،فال
ذكروه من األدلّة على الوحدانية غير ّ
ّ
إلزامهم بأ ّن مطلوبهم ال يتم على ما ذكروا.
ُ قطعا ّإل أ ّن المقصود
ثابتا عندنا ً
كان ً
ّ
يدل على أنّه ال جنس له.
ثم ال نس ّلم أ ّن عدم مشاركته لشيء من األشياء في ماهيته ّ 20
[ ]115وإن كان له أنواع كثيرة في العقل ويكون له فصل يتميز به عن سائر
ّ
األنواع التي في العقل من غير لزوم ما ُذكر من إمكان الواجب .وذلك ال ينافي برهان
التوحيد .وفيه نظر؛ ألنّه إذا كانت ماهيته الجنسية مقتضية لوجوب الوجود في الخارج
بعض أنواعه
يوجد ُ
منحصرا في نوعه بحسب الخارج بأن ال َ فكيف يجوز أن يكون
ً
أيضا
في الخارج؛ أل ّن مقتضى الماهية ال يتخ ّلف عنها .وأجيب عن الدليل المذكور ً 5
أصل .ولو
وإل لم تكن موجودة ً
قائما بهاّ ،
وجود الواجب لو كان زائ ًدا على ماهيته لكان ً 5
الماهية الواجبة 2علّة لوجودها لتق ّدم على وجودها بالوجود .فالوجود المتق ّدم ّإما نفس
نفسه لزم تق ّدم الشيء على نفسه ،وهو محال .وإن
غيره .فإن كان َ
الوجود المفروض أو ُ
ضا محال .ويلزم
غيره عاد الكالم إليه ،فكان للشيء وجودات ال نهاية لها ،وهو أي ً
كان َ
ضا ثبوت المطلوب 3على تقدير عدمه؛ أل ّن الماهية المقتضية لجميع 4تلك الوجودات
أي ً
5
وإل لم يكن
الزائدة المتسلسلة ال ب ّد أن تتق ّدمها بوجود ال يكون زائ ًدا عليها بل عينها؛ ّ 15
جميعا.
ً
6
[18أ] الجميع
فهو اعتباري عقلي ال هوية خارجية ،فال ع ّلة له في الخارج ال الماهي ُة وال غيرها حتى
ُ
يلزم ما ُذكر من المحذور.
ور ّد هذا الجواب بأ ّن الوجود وإن لم يكن له هوية خارجية لكن للماهية
[ُ ]119 5
العقلية التي ال وجود لها في الخارج لكن له احتياج إلى العلّة باعتبار اتّصاف الماهية به.
غيرها فيلزم افتقار الماهية الواجبة في اتّصافها بالوجود إلى أمر خارج عن
فتلك العلّة ّإما ُ
لما وجب
ذاته أو عينُها فيلزم تق ّدمها على وجودها بالوجود.ال يقال ذات الواجب تعالى ّ
اتّصافه بالوجود ولم يجز أن ال يتّصف به لم يكن هناك احتياج إلى علّة؛ إذ المح ِوج إلى 10
جائزا حصولُه وال حصولُه .فال ب ّد في 2ترجيح أحد جانبَي حصولِه وال حصوله
يكون ّإل ً
[ ]120الوجه الثاني ما ذكره اإلمام الرازي [رحمه اهلل] وهو أنّا ال نس ّلم أ ّن ع ّلة
تقدمها
شك في ّ
متقدمة على معلولها بالوجود؛ فإ ّن الع ّلة ال ّ
الوجود تجب أن تكون ّ
التقدم بالوجود فممنوع .لم ال يجوز أن تكون الماهية من
وأما أ ّن هذا ّ
على المعلولّ .
وجودا؟ أال يُرى أ ّن ماهيات الممكنات
ً ذاتا ال
فتتقدم عليه ً
ّ حيث هي ع ّلة لوجودها
االستدالل بوجود اآلثار على وجود 2المؤثّر .قلت :ضرورة العقل فارقة بينهما .فإنّا 10
يوجد ال يكون سببا لوجود غيره ،بخالف ما إذا كان نعلم بالضرورة أ ّن الشيء ما لم َ
ً
العقل له
أيضا بأ ّن الفاعل للوجود ال ب ّد أن يالحظ ُ
ور ّد هذا الجواب ً
سببا لوجود نفسهُ .
ً
وجودا ّأوال حتى يمكنه أن يالحظ له إفادة الوجود؛ أل ّن مرتبة اإليجاد متأ ّخرة عن مرتبة
ً
إيجاد
قطعا ،سواء كان َ
تصور منه إيجا ٌد ً
يوجد في نفسه ال يُ ّ
الوجود بالضرورة .فإ ّن ما ال َ
3
غيره أو إيجاد نفسه .فال يجوز أن يكون ماهية الواجب من حيث هي مقتضية 4لوجودها. 15
وأما العلّة القابلية فهي 5مستفيدة للوجود .والمستفيد للوجود ال ب ّد وأن يالحظ العقل له
ّ
الخلو عن الوجود حتى يمكنه أن يالحظ له استفادة الوجود .وذلك أل ّن استفادة الحاصل
ّ
محال كتحصيله .فال يجوز أن يتق ّدم قابل الوجود ومستفيده عليه بالوجود ضرورة.
منع كون
ومحصله ُ
َّ
1
[ ]122الوجه الثالث ما ذكره اإلمام الغزالي (رحمه اهلل)
بناء على
محتاجا إلى فاعل مؤثّر ً
ً وجود الواجب على تقدير زيادته وقيامه بالماهية
وقطعه يحصل بحقيقة موجودة يكون وجودها يدل ّإل على قطع تسلسل ِ
العلل. لم ّ 5
ُ
كل
قدمناه في المباحث السابقة أ ّن ّ
مما ّ
زائدا على ذاته .وأورد عليه أنّه قد عرفت ّ
ً
يحصله ِ
حصوله بالنظر إليه على السواء .فيحتاج إلى فاعل ِ
حصوله وال كان طرفا
ّ
قديما أو حاد ًثا .فإن قلت :الوجود أمر اعتباري ال تح ّقق له في
ً ضرورة سواء كان
الخارج حتى يكون طرفا حصوله وال حصوله متساويين نظرا إلى ذاته فيحتاج إلى 10
ً
لكن حصوله
فاعل ] 19[ .قلنا :هو وإن لم يحتج في وجوده إلى فاعل لعدميته ّ
أ
االتصاف
وأما ّ
ّاتصاف الماهية بالوجود ّاتصا ًفا حاد ًثا يقتضي االحتياج إلى الفاعلّ .
األزلي فال نس ّلم أنّه يقتضي االحتياج إليه .قلنا :نحن نعلم بالضرورة أ ّن ّاتصاف 15
متصفة بالصفة
بد فيه من أمر يجعل الذات ّ
أزليا أو حاد ًثا ال ّ الشيء بالشيء سواء كان
ً
عد مكابرة.
هو ّإما الذات أو غيره .ومنعه يُ ّ
[ ]125وجوابه أنّا ال نس ّلم أنّه منقسم بالقسمة المعنوية إلى هيولى وصورة .وما
مقدماته كما بيِن
بتام [ ] 19لورود المنع على بعض ّ
ب
ُذكر من الدليل عليه ليس ّ
2
ّ
مركب ال
غير ّ الحس
ّ المفصالت؛ بل هو أمر بسيط في نفس األمر كما هو عند
ّ في
ُ
تتجزى 4كما قال به عظيمهم
ّ من الهيولى وال من 3الصورة وال من األجزاء التي ال
انقساما بالفعل بل بالقوة فقط؛
ً أفالطون .واالنقسام بالكم إلى أجزاء مقدارية ليس 15
متصل واحد عندهم ال انقسام فيه بالفعل إلى أجزاء مقدارية بل
أل ّن الجسم البسيط ّ
بالقوة 5فقط .فال يكون الجسم البسيط بحسب هذا 6االنقسام واجبا بالجزء؛ أل ّن
ً
الجزء ليس بموجود معه.
إ – كبرى. 1
إ – عليه. 2
س؛ م – ال من. 3
س؛ م :يتجزى. 4
واحدا ال انقسام
ً صل
مت ً
جسما بسي ًطا ّ
ً منهما كل
ٌّ يكون مثل
ً ين ق
ّ ش إلى بالفعل انقسم فإذا بالفعل. ينقسم أي من شأنه أن 5
أيضا.
فيه بالفعل ً
إ :هذه. 6
ءامكحلا تفاهت صيخلت 179
الطبيعة المتع ّددة في الخارج تكون معلولة؛ أل ّن تع ّددها في الخارج ال يكون لذاتها بل
معلول .وال شيء
2
الكل ً
معلول يستلزم كون ّ ٌ
معلول؛ أل ّن كون الجزء ً فكل جسم
لغيرهاّ .
من المعلول بواجب الوجود .فال شيء من الجسم بواجب الوجود .وينعكس إلى قولنا ‘ال
شيء من واجب الوجود بجسم’ وهوالمطلوب.
[ ]127وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن االمتداد الجسماني طبيعة نوعية .ولم ال يجوز 10
أن يكون االمتداد الجسماني في بعض األجسام مخال ًفا بالحقيقة لسائر االمتدادات
عنصرية وتلك لها طبيعة فلكية .وهي أمور تلحق الجسمية من خارج .فإ ّن الجسمية
أمر موجود في الخارج والطبيعة الفلكية موجود آخر قد انضاف [20أ] هذه
الطبيعة في الخارج إلى الطبيعة الجسمية الممتازة عنها في الوجود بخالف المقدار
شيء متقرر هو جسميةٌ كل شيء يُفرض [ ]128ألنّا ال نس ّلم أ ّن الجسمية مع ّ
ّ
تصور وجودها
مبهما كالمقدار ال يُ ّ
ً فقط .لم ال يجوز أن يكون الطبيعة الجسمية أمرا
ً
تنوعها بها ينضم إليها أمور خارجة عنها. ينضم إليها فصول ِّ
مقدمة لها وبعد ّ ّإل بأن
4
ّ ّ
ولكن انحصار اختالفها فيه ممنوع.
ّ وما ذكره من االختالف باألمور الخارجية مس ّلم،
وأيضا لم ال يجوز أن يكون طبايع متخالفة غير متشاركة في ذاتي ويكون امتياز
ً 10
تابعا
بعضها عن بعض آخر بذواتها ال بالفصول واالختالف بالخارجيات يكون ً
الختالف حقايقها.
مقابل لجرمها[.
ً كل شيء؛ بل ما كان
بالنسبة إليها .وكذلك الشمس ال ُتضيء ّ
خاص
ّ وضع
يحل فيه ّإل في قابل له ْ
المقدمة -أعني عدم تأثير الجسم وما ّ
ّ وهذه
بالنسبة إليه -ضرورية .وما ُذكر من األمثلة الجزئية إنّما هو التنبيه عليها باستقراء
وضع مخصوص بالنسبة إليه .ودعوى الضرورة غير مسموعة .وما ُذكر
في قابل له ْ
حجة
من استقراء أحوال األجسام في تأثيراتها تجرب ٌة ناقصة غير شاملة ،فال تكون ّ
على قاعدة ك ّلية. 10
الفصل الثالث عشر
في تعجيزهم عن القول بأ ّن األّ ّول تعالى يعلم غيره بنوع ك ّلي
مجردا
عاقل إذا كان ّ
يصح أن يكون ً
معقول ّ
يصح أن يكون ً
كل ما ّ
وأما أ ّن ّ
[ّ ]132
كل 7ما
معقول مع غيره .و ّ
يصح أن يكون ً
معقول ّ
يصح أن يكون ً
كل ما ّ
6
قائما بنفسه فأل ّن ّ
ً
قائما بنفسه.
مجر ًدا ً
عاقل إذا كان ّ معقول مع غيره ّ
يصح أن يكون ً يصح أن يكون ً
ّ
صحة الحكم
ينفك عن ّ
يصح أن يُعقل فتع ّقله يمتنع أن ّ
كل ما ّ
[ّ ]133أما الصغرى فأل ّن ّ
العامة .والحكم على شيء بشيء
عليه بالوجود والوحدة وما يجري مجراها من األمور ّ 15
4
صحة المقارنة المطلقة غير متوقّفة على المقارنة في العقل .فإذا ُوجد
[ ]134فإذن ّ
ٍ
حينئذ ال يمكن صحة المقارنة المطلقة 5ثابتة له .وهي
في الخارج وهو قائم بذاته يكون ّ
قائم الذات
المحل .وذلك ألنّه إذا كان َ
ّ الحال في
ّ حصول
َ ّإل بأن يحصل فيه 6المعقول
امتنع أن يكون مقارنته للغير لحلوله فيه وحلولهما في ثالث .والمقارنة منحصرة في هذه
صحة
الصحة بالنسبة إلى الثالثة .وهي ّ
7
ّ الثالثة .فإذا امتنع اثنتان منهما تعيّن أن تكون 15
للحال.
ّ 8
المحل
ّ مقارنته للمعقول اآلخر مقارنةَ
قائما بنفسه
مجر ًدا ً
يصح أن يُعقل فإذا ُوجد في الخارج وكان ّ
كل ما ّ
[ ]135فثبت أ ّن ّ
عاقل
يصح أن يكون ً
كل ما كان كذلك ّ
الحال لمحلّه .و ّ
يصح أن يقارنه معقول آخر مقارنةَ ّ
ّ
المجرد القائم
ّ لذلك الغير؛ إذ ال معنى لتع ّقل ذلك الغير ّإل مقارنةَ ذلك الغير للموجود
صح أن يكون
عاقل لغيره .وإذا ّ
يصح أن يكون ً
مجرد ّ
فكل ّ
للمحلّ .
ّ الحال
بالذات مقارنة ّ
عرفت.
َ حاصل بالفعل؛ أل ّن التغيّر 1والحدوث من توابع الما ّدة كما
ً عاقل له كان عقله له
ً 5
كل
المادة؟ 2وما الدليل على انحصار المانع فيها؟ ولئن س ّلمنا ذلك لكن ال نس ّلم أ ّن ّ
ّ
قائما بنفسه.
[مجردا] ً عاقل إذا كان
يصح أن يكون ً
ّ معقول مع غيره
ً يصح أن يكون
ّ ما 10
ّ
صحة المقارنة المطلقة على المقارنة في
تام؛ أل ّن انتفاء تو ّقف ّ
وما ُذكر في بيانه فغير ّ
قائما بذاته لجواز أن
صحة كونه مقار ًنا لغيره إذا ُوجد في الخارج ً
العقل ال يستلزم ّ
متحدة
المجرد وإن كانت ّ
3
لصحة المقارنة .فإ ّن ماهية
ّ طا
يكون وجوده العقلي شر ً
ّ
في الذهن [21ب] والخارج ّإل أ ّن الوجود الذهني والخارجي متخالفان .فيجوز أن
لصحة المقارنة
ّ طا
المجرد في العقل شر ً طا بنفسه .وإذا لم يجز كون وجود
مشرو ً
ّ
موجودا في الخارج.
ً المطلقة بينه وبين الغير جازت المقارنة إذا كان المجرد
ّ
لصحة المقارنة المطلقة
ّ طا
[ ]138قلنا :ليس المراد بكون 5الوجود العقلي شر ً
المطلقة بين المجرد والمعقول اآلخر الذي اجتمع معه في العقل مشروطة بوجود
ّ
المجرد في العقل .وال يلزم 6من اشتراط المقارنة المطلقة بين المجرد والمعقول
ّ ّ
المذكور بوجود المجرد في العقل اشتراط المقارنة بين المجرد والعاقل في العقل
ّ ّ
بذلك 7حتى يلزم اشتراط الشيء بنفسه.
أيضا.إ– ً 1
وجود عقلي. 2
األخص.
ّ أل ّن األعم متح ّقق في ضمن 3
ّ
وجود عقلي. 4
إ :يكون. 5
مثل لعدم تح ّققه ّإل في ضمنه .والونظيره أ ّن وجود الحيوان في الخارج مشروط بوجود نوع من أنواعه كاإلنسان ً 6
طا بنفسه؛ أل ّن المراد أ ّن وجود الحيوان
يلزم من ذلك أن يكون وجود اإلنسان الذي يصدق عليه الحيوان مشرو ً
كل ما يطلق عليه الحيوان من اإلنسان وغيره من األنواع مشروط به حتى يلزم ذلك . مشروط به ال أ ّن ّ
أي بوجود المجرد في العقل. 7
ّ
ءامكحلا تفاهت صيخلت 193
لصحة المقارنة
ّ طا
[ ]140ولو س ّلم أنّه ال يجوز أن يكون وجوده العقلي شر ً
أصل.
تنفك عنه ً
بالمعلول وال يتو ّقف عليه مع أنّها ال ّ
يدل
بأ ّن علمه تعالى مطل ًقا حضوري ال حصولي؛ ّإل أ ّن كالم الشيخ في اإلشارات ّ
على أ ّن علمه تعالى باألشياء بحصول صورها .فهذا الدليل ال يص ُلح ّإل له. 15
المجردة القائمة
ّ كل ما كان ذاتُه
غير غائبة عنه .و ّ
المجردة القائمة بذاته حاضرة له ُ
ّ فإ ّن ذاته
يقرر بوجه آخر وهو أنّه إذا علِم ذاتَه وذاتُه مبدأ لغيره فال ب ّد وأن يعلم
[ ]143وقد َّ
ِ
واجب الوجود مستند إليه وينتهي سلسلة يعلم معلول ذلك 3الغير 4.وقد ثبت أ ّن ما عدا
حيث هو موجود فهو ال يمتنع على واجب الوجود فيجب لهّ .أما الصغرى
الشق الثالث.
حيز المنع فلهذا منعه في ّ عالما بذاته من حيث إنّه ع ّلة للمعلول ألنّه في
أي س ّلمنا كون المبدأ ً 1
ّ
للمسلك الثاني حيث قال :يستلزم . 2
صغرى. 3
كبرى. 4
ءامكحلا تفاهت صيخلت 199
الخاص لكان فيه جهة إمكانية فيلزم التكثّر ،وهو محال في ح ّقه تعالى.
ّ
[ ]148وجوابه أنّا ال نس ّلم ‘العلم كمال مطلق للموجود’ فإ ّن معنى الكمال
ُ
كمال على اإلطالق
ً كمال من وجه ونقصا ًنا من وجه؛ بل يكون
ً المطلق أن ال يكون 10
يدل على
يدل عليه ،فإنّه إنّما ّ
من غير تقييد بجهة من الجهات .وما ذكره من الدليل ال ّ
عدم إيجاب
أنّه ال يوجب التكثّر وهو نقص مخصوص .وعدم إيجابه له ال يستلزم َ
يدل
غيره من النقايص لجواز أن يكون فيه نقص من جهة أخرى .وعدم االطّالع ال ّ
بالنظر إلى وجوده في نفسه’ فممنوع .وإن أريد ‘بالنظر إلى بعض عوارضه’ فمس ّلم، 15
واستحالته ممنوع .قوله ‘فيلزم التكثّر’ ممنوع إن أريد باعتبار ذاته ،ومس ّلم ولكنّه غير
األول :أنّهم يثبتون أنّه تعالى يعلم غيره بما ذكرنا من
[ ]149ولهم فيه طريقان؛ ّ
غيره أمكنه باإلمكان
كل َمن عقل َ
المتقدمة .ثم يقولونّ :
ّ األول في المسألة
المسلك ّ
عالما بالمجسطي العام أن ِ
وإل جاز أن يكون أحدنا ً
عاقل لذلك الغيرّ ،
يعقل كونَه ً ّ 5
والمخروطات وسائر العلوم الدقيقة الكثيرة المباحث المثبَتة بالدالئل القطعية وال يمكنه
أن يعلم أنّه عالم به ،وإن التفت إليه وبالغ في االجتهاد .وذلك سفسطة ظاهرة .فواجب
عالما
ً [ ]150الطريق الثاني 3هو ما ُذكر في المسلك الثاني إلثبات كونه تعالى
[ ]152قالوا :الجزئيات 1المتش ّكلة سواء كانت دائمةً 2كأجرام األفالك الثابتة على
األول ال من حيث هي
أشكالها أو متغيّرة كالمرّكبات العنصرية التي تكون وتفسد يعلمها ّ
3
جزئيات متش ّكلة ،بل يعلمها على وجه كلّي ال على معنى أنّه يعلم ماهيتها الكلّية فقط؛ 5
[ ]153وكذا ال يعلم الجزئيات الزمانية 5سواءكانت متش ّكلة [كاألجسام] أو الكالنفوس
خلوه عن إدراك ما هو الواقع؛ أل ّن الزمان
[البشرية] على وجه كونها جزئيات .وال يلزم منه ّ
6 10
حال وبعضها
األوصاف الثالثةَ .وليس بعض األزمنة بالنسبة إلى علمه تعالى ً
َ ليس له بالنسبة إليه
مثل
خلوه عن إدراك ما هو الواقعً ،
مستقبل حتى يلزم من عدم علمه بهذا الوجه ّ
ً ماضيًا وبعضها
تقاطعا
كل يوم كذا درجة ،والشمس كذا درجة ،وبين منطقتَي فلكهما ً
يتحرك ّ
يعلم أ ّن القمر ّ
يوم كذا بأن يكون الشمس في إحدى 7نقطتي
على التناصف فيحصل لهما بحركتهما مقابلةٌ َ
مثل .وهذا
القمر في عقدة الرأس ً
األرض بينهما فينخسف ُ
ُ فيتوسط
القمر في األخرى ّ
التقاطع و ُ 15
األول 1بأ ّن إدراك الجزئيات المتش ّكلة سواء كانت دائمة أو
واحتجوا على ّ
ّ []154
والمجرد
ّ مجرد بالكلّية،
واألول تعالى ّ متغيّرة إنّما تكون بآالت [ ] 24جسمانية ّ
متجزئةّ .
أ 2
ِ
مستكم ًل بالما ّدة كالنفس [اإلنسانية بالكلّية ال يد ِرك بآالت جسمانيةّ ،
وإل لكان
تاما ،وهذا محال.
تجر ًدا ًّ
مجر ًدا عنها ّ
المستكملة بالبدن] فال يكون ّ
المتشكلة ال يكون ّإل بآالت
ّ [ ]155وأجيب بأنّا ال نس ّلم أ ّن إدراك الجزئيات 5
ولم ال يجوز أن يكون العلم إضافة محضة أو صفة حقيقية ذات إضافة بدون الصورة
واحتجوا على الثاني 4بأ ّن العلم باألشياء الزمانية من حيث كونُها زمانيةً يوجب
ّ []156
التغيّر في علمه وهو على اهلل تعالى محال؛ أل ّن من يعتقد في الشيء المعيّن قبل حدوثه 10
وذلك أل ّن العلم يستلزم اإلضافة إلى معلومه المعيّن وال يتعلّق بغير ذلك المعلوم؛ بل العلم
المتعلِّق بمعلوم آخر علم مستأنَف له إضافة مستأنَفة بخالف القدرة ،فيكون التغيّر فيه
[ ]157وأجيب عنه بأ ّن العلم ّإما إضافة محضة ،وتغير اإلضافات في ح ّقه تعالى
ّ
غير مستحيل عندهم ،أو صفة حقيقية ذات إضافة .وال نس ّلم أنّه يلزم من تغير إضافته 5
ّ
بتغير المعلوم تغير تلك الصفة .وإنّما يلزم ذلك لو كان العلم صورة مساوية للمعلوم؛
ّ ّ
كل صورة فإنّما
علما به؛ بل ّ ٍ
تصور أن يتع ّلق بمعلوم آخر وأن يكون ًفإنّه حينئذ ال يُ ّ
علما بما هي صورة له فقط دون ما عداه .وذلك أي كون العلم صورة
يكون [ً ] 24
ب
مساوية للمعلوم ممنوع .ولم ال يجوز أن يكون صفة واحدة لها إضافات وتع ّلقات
تعدد المعلوم وال يلزم من تغير المعلوم ّإل تغير تلك اإلضافات دون
متعددة بحسب ّ
ّ 10
ّ ّ
الصفة كما في القدرة.
الفصل السادس عشر
نسبتها
ُ [ ]158قالوا إ ّن األجرام الفلكية حيوانات لها نفوس متع ّلقة بأجرامها،
إليها كنسبة نفوسنا إلى أبداننا .فكما أ ّن أبداننا متحرك باإلرادة لغرض من األغراض
ّ
الجزئية فكذا األفالك .وهذه الدعوى وإن كانت من األمور الممكنة فإ ّن اهلل تعالى 5
على امتناع الخرق عليها من أنّها لو كانت قابلة للخرق لكانت أجزاؤها قابلة للتفرق.
ِّ
المحدد [وهو فلك األفالك] دون ما عداه .وكذا ما ذكره تقدير تسليمه إنّما يتم في
ّ
بعض
فصله ُ
تام على ما ّ
غير ّ الطبيعيون في إثبات كون األفالك متحركة باالستدارة
ُ ّ
مفص ًل.
ألوردت ذلك ّ
ُ الفضالء .ولوال خشية اإلطناب
فيجوز حركتها بدون حركة األفالك بناء على جواز الخرق عليها. 1
وهي ال تكون ّإل بجهة من الجهات. 2
الفصل السابع عشر
في إبطال ما ذكروه من الغرض المحرك للسماء
ّ
المحرك للسماء هو التشبّه بالعقول المفارقة [عن األبدان]؛ 1أل ّن
ّ [ ]162قالوا :الغرض
كل حركة إرادية فهي لغرض 2.فإ ّن البداهة تشهد بأ ّن الحالة ِ
مر .و ّ
حركة الفلك إرادية لما ّ
وجوده أولى
المتحر ُك باإلرادة َ
ّ المسماة باإلرادة ال تتعلّق ّإل بشيء مشعور به يرى
ّ الميالنية 5
[ ]163فالغرض ال يخلو من أن يكون حسيًا أو عقليًا .ال جائز أن يكون الغرض
كل غرض حسي فالداعي إليه ّإما جذب الماليم أو دفع
المحرك للفلك حسيًا؛ أل ّن ّ
ّ
متصور حسي ال يكون فيه جذب ماليم وال دفع
كل َّالمنافر .وال َمخرج عن هذين؛ أل ّن ّ
ضا له باعثًا على الفعل بالضرورة .فجذب الماليم منافر عند المد ِرك لم ّ
يصح أن يكون غر ً 10
يختصان بالجسم
ّ هو الشهوة ودفع المنافر هو الغضب .وهما محاالن على الفلك ألنّهما
الذي ينفعل ويتغيّر من حال ماليمة إلى حال غير ماليمة وبالعكس.
إ – عن األبدان. 1
وأما حركة العابث باللحية والنائم والساهي وغيرها من الحركات باإلرادة من غير أن يكون هناك غرض فجوابه أ ّن في ّ 2
ضربا خفيا من اللذة .وإ ّن النائم والساهي إنّما يفعالن بتخيل اللذة أو إزالة حالة مورِ ثة لأللم ،وإن لم يشعر
ً العبث
ّ ً
العابث والنائم والساهي بذلك.
أي حتى تغير. 3
ءامكحلا تفاهت صيخلت 217
فظهر أ ّن األجرام السماوية ال تتغيّر من حال ماليمة إلى حال غير ماليمة وبالعكس ،فال
يكون لها شهوة وال غضب فال يكون حركاتها ألغراض حسية.
الكامل بالناقصّ .أما على الثالث وهو أن يكون الغرض عائ ًدا إلى العالي فظاهر أل ّن العالي
األول وهو أن يعود الغرض
وأما على ّ
كمال من السافل الذي هو ناقصّ .
4
كامل .وقد استفاد ً
إلى السافل 5فأل ّن إيصال ذلك الغرض إلى السافل يجب أن يكون أولى بالقياس إلى الفلك
ٍ
فحينئذ يستفيد الفلك 6تلك األولوية من السافل بإيصال كمال ضا له.
يصح غر ً
وإل لم ّ
ّ
يتحرك ألجله.
أحقر بالنسبة إلى أجرامها الشريفة من أن ّ
8 7
إليه على أ ّن العالم العنصري ُ 15
فإنّها آمنة من الفساد بخالف العالم العنصري .وليس لمجموعه بالنسبة إلى األجرام
فضل عن مجموعها.
الفلكية قدر يُعت ّد به ،بل إلى واحد من األفالك ً
ٍ
وحينئذ ال يخلو من أن يكون ذلك [ ]167فتعيّن أن يكون الغرض عائ ًدا إلى نفسها.
شبها
المستقر أي ً
ّ نيل الشبَه معشوق موجود وهو يطلب َّ
الشبَه به .فالمطلوب ّإما أن يكون َ
دائما فيلزم أحد األمرينّ :إما انقطاع 2الحركة أو طلب المحال ،أو يكون نيل
واح ًدا باقيًا ً
شبها بعد شبَه بحيث ينقضي شبًه ويحصل شبَه آخر .وال يخلو
الشبَه الغير المستقر أي ً
وإل لزم وقوف الفلك
ّإما أن ينحفظ نوعُه بتعاقب األفراد أو ال ينحفظ .والثاني باطل ّ
وانقطاع حركته .فإذن المطلوب شبَه محفوظ النوع بتعاقب أفراد غير متناهية. 15
[ ]169فهذه المشابهات الغير المتناهية مع المعشوق ّإما من حيث براءتها 1من
متناهية .فيكون للفلك معشوق موصوف بصفات كمال غير متناهية .وال يجوز أن يكون
أل ّن المطلب متى كان واح ًدا كان الطلب ال محالة واح ًدا وليس كذلك؛ أل ّن حركات
القوة
بالقوة ال على معنى أ ّن كماالت تلك النفوس الفلكية تخرج من ّ
5
ال يبقى فيها شيء ّ
بالقوة في
إلى الفعل في وقت ما بحيث ال يبقى فيها كمال من الكماالت الممكنة لها ّ
محركة للفلك
مجر ًدا بالكلّية ولم تبق ِّ ذلك الوقت .فإنّها لو كانت كذلك لصارت ً
عقل ّ
عرفت.
َ فتنقطع حركته وهو محال كما
الفعل لكن ال تخرِجكلّها إلى الفعل َدفعةً؛ بل على سبيل التدريج شيئًا بعد شيء ال إلى نهاية.
بالقوة إلى
والكماالت الاليقة به منها ما هو بحسب جسمه وهو إخراج األوضاع التي فيه ّ
1
فكل نفس من هذه النفوس ينبعث عنها بما ينال من مبدئها القدسي
كماالت متواليةّ . 5
األوضاع الممكنة
َ متحرك ويستخرج بواسطة تلك الحركة
[ ]173وتحقيقيه أ ّن الفلك ّ
كل وضع شبَه إلى العقول التي هي بالفعل من
القوة إلى الفعل .ويحصل له بواسطة ّ
من ّ
ضع زال ذلك الشبّه الذي كان بواسطة ذلك الو ْ
ضع .وإذا جميع الوجوه .ثم إذا زال و ْ
1
ضع آخر حصل شبَه آخر .فكما أ ّن نوع الوضع ينحفظ بتعاقب األوضاع ينحفظ
حصل و ْ
الفيض من مبدئه.
َ وتقبل بواسطة تلك المشابهات
ُ نوعُ الشبه بحسب تعاقب المشابهات 5
فهناك أربع سالسل :سلسلة الحركات ثم سلسلة [27أ] األوضاع ثم سلسلة التشبّهات
آثارها في األجرام
أوضاع األجرام النيّرة يختلف ُ
ِ على العالم السفلي ،إذ بحسب اختالف 10
التشنيع.
األوضاع
َ [ ]175ثم إنّه ال استبعاد في أن يحصل للنفوس الفلكية بسبب إخراجها
[ ]176وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن الحركة الفلكية إرادية .وما ذكروا لبيانه من الدليل
فال تكون مطلوبة لذاتها ففيه ما فيه 1 .ولو س ّلم ذلك فال نس ّلم أ ّن الغرض ال يكون 10
حسيا .قوله أل ّن الداعي إليه ّإما الشهوة أو الغضب وهما محاالن على الفلك .قلنا:
ّ
ال نس ّلم استحالتهما على الفلك ،فإ ّن الالزم في البسيط هو تشابه أجزائه المفروضة
وأما تشابه أحواله فغير الزم .ومن الجائز أن يكون للفلك شهوات
في الحقيقةّ .
لذات غير
غير متناهية [27ب] بحسب محسوسات غير متناهية كما جاز أن يكون له ّ
ُ
متناهية من معقوالت غيرِ متناهية. 15
التأدي إلى الغير؛ فإ ّن هذا من مصطلحات الفالسفة .وما الدليل على ذلك وال يلزم من
ألنّا ال نس ّلم أ ّن حقيقتها ّ 1
دائما كون حقيقتها ذلك؟
وجودها مع التأدي ً
ءامكحلا تفاهت صيخلت 229
العوارض الما ّدية يستحيل أن يكون نحو شيء محال فكالم إقناعي ال ّ
يعول عليه في 5
المطالب البرهانية .وكذا ما ُذكر من أ ّن طلب المحال ال يدوم أبد الدهور بل ال ب ّد من
أيضا أنّه ال يكون الغرض نيل ذات .قولهم نيل الذات ال يكون إال دفعة
وال نس ّلم ً
فوقفت الحركة فينقطع الزمان وهو محال .قلنا :ال نم امتناع انقطاع الزمان وقد ّ
تقدم
في مسألة قدم العالم .ولو س ِّلم فإنّما يفيد في الفلك األعظم؛ أل ّن الحركة الحافظة
وإل لكان
واجبا .قولهم ّ
ً
أيضا أن المتشبه به ال يجوز أن يكون
َّ [ ]179وال نس ّلم ً 15
المتشبَّه به في جميع السماويات واح ًدا قلنا ممنوع .ولم ال يجوز أن يكون التخالف
وإل لكانت حركة المتشبّه به والمتشبِّه واح ًدا في السرعة والبطء والنهج قلنا
قولهم ّ
مما
في إبطال قولهم إ ّن نفوس السماوات مطّلعة على جميع الجزئيات الحادثات ّ
كان وما سيكون وما هو كائن في الحال
مما
القوة فينافي الدماغ .وزعموا أ ّن هذا هو المراد ّ
أجزائها بخالف اإلنسان .فإ ّن تلك ّ
4
ورد في الشرع الشريف من كون جميع الحوادث مكتوبة في اللوح المحفوظ .فإ ّن اللوح
عبارة عن النفوس الفلكية .وانتقاشها بصور الجزئيات هو المراد من كونها مكتوبة في
اللوح؛ أل ّن اللوح جسم مسطَّح من ُد ّرة بيضاء ُكتب عليها ما كان وما سيكون وما هو
كل
غير متناهية و ّ
كائن في الحال كما يُكتب للصبيان على األلواح؛ أل ّن الحوادث الجزئية ُ 15
جسم فهو متناهي المقدار .وال يمكن أن يُكتب على سبيل التفصيل أمور غير متناهية
على جسم متناهي المقدار .وهذا بناءً على ما زعموا من قدم العالم.
المشائيون طائفة من تالمذة أرسطو كانوا يأخذون العلم منه ماشين لعدم فرصتهم عند الجلوس الزدحام األكابر 1
وقتئذ .كذا في بحث قدم الزمان من شرح الصحايف للعالمة عضد الملة والدين. ٍ
ونفوسا.
ً إ– 2
ونفوسا.
ً إ– 3
وأما عند المشائيين المقتصرين على إثبات النفس
ّ الفالسفة. متأخري مذهب وهو له. دة المجر النفس أثبت من عند 4
ّ
األول كما صرح به في شرح المقاصد ،إذ الكليات ال ترتسم في النفس ّ العقل هو المحفوظ فاللوح لها المنطبعة
ّ
األول فصور الكليات وصور الجزئيات
وأما في العقل ّ
بد أن يرتسم فيه صور الجميعّ .
المنطبعة .واللوح المحفوظ ال ّ
تأمل.
على وجه كلي .وهذا القدر كافّ .
ءامكحلا تفاهت صيخلت 235
[ ]182وعندنا العالم حادث بجميع ما فيه .فال يكون جزئياته غير متناهية .فال استحالة
جميع ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة .نعم ،لو قيل
ُ في أن يُكتب على لوح متناهي المقدار
تصور
يكون الحوادث بأجمعها حتى الحوادث في دار اآلخرة ال إلى نهاية مكتوبة في اللوح لم يُ ّ
اللهم ّإل على
اتساعُ الجسم المتناهي المقدار على النقوش الدالّة عليها على سبيل التفصيلّ .
ضرب آخر ال ِ
يقدر على اكتناهه القوى البشرية. 5
حجة اإلثبات.
حجة اإلسالم الغزالي [رحمه اهلل] نقل عنهم ّ
1
[ ]183ثم إ ّن اإلمام ّ
محصلها هو أ ّن حركة األفالك إرادية [28ب] لما تق ّدم .والحركة اإلرادية
َّ هذا المطلوب
ال تكفي في وقوعها اإلرادة الكلّية؛ أل ّن الداخل في الوجود جزئي معيّن من جزئياتها.
ونسبة اإلرادة الكلّية إلى جميع الجزئيات واحدة .فوقوع هذا المعيّن بها دون آخر ترجيح
مرجح .فإذن ال ب ّد فيها من إرادة جزئية متعلّقة بخصوص الحركة الواقعة .فللفلك
بال ِّ 10
بكل حركة جزئية معيّنة من نقطة معيّنة إلى نقطة معيّنة أخرى .فله ال
إرادات جزئية متعلّقة ّ
بالقوة الجسمانية ضرورةَ أ ّن إراداتها موقوفة
تصورات جزئية لتلك الحركات المعيّنة ّ
محالة ّ
تدرك إال بآالت 2جسمانية .فإ ّن المسافة
تصورها .وإ ّن الجزئيات الجسمانية ال َ
على ّ
يتجزى المسافة بها إلى
تشتمل ال محالة على امتداد يمكن أن يُفرض فيه حدود جزئية ّ
الحدود
َ الوصول إلى آخرها ّأوال ثم يتخيّل تلك
َ أجزائها .فقاطع تلك المسافة يَتخيّل 15
كل تخيّل إرادةٌ جزئية لقصد ذلك الح ّد .ومع وصوله إليه
واح ًدا بعد واحد وينبعث عن ّ
كل حركة
ووجود ّ
ُ كل حركة،
كل إرادة سببًا لوجود ّ
غيره فيصير ّ
يفنى تلك اإلرادة ويتج ّدد ُ
كل وصول إلى ح ّد سببًا لوجود إرادة يتج ّدد معه.
سببًا للوصول إلى ح ّد ،و ّ
فكل حادث أرضي فله سبب حادث إلى أن ينقطع التسلسل باالرتقاء
[ ]185وبالجملة ّ
إلى الحركة السماوية التي بعضها سبب لبعض .فإذا انتهى أسباب الحوادث الجزئية إلى
تصور
تصور الملزوم يستلزم ّ
متصور لها؛ أل ّن ّ
ّ فالمتصور 3للحركات
ِّ الحركات السماوية
وعدم علمنا بما يحدث في المستقبل لعدم العلم
الزمه ولوازم لوازمه إلى آخر السلسلةُ . 10
بجميع أسبابه؛ أل ّن السماويات [29أ] كثيرة ولها 4اختالط بالحوادث األرضية .وليس
القوة البشرية االطّالع عليها .ونفوس السماوات مطّلعة عليها الطّالعها على السبب
في ّ
األول ولوازمها ولوازم لوازمها إلى آخر السلسلة.
ّ
[ ]186قال 5:وهلذا زعموا أ ّن النائم يرى يف نومه ما يكون يف املستقبل .فإ ّن النفس
صال بتلك املبادي ّإل ّأنا مشغولة بالتف ّكر فيما يوِرده احلو ُّ
اس عليها. اإلنسانية من شأهنا االتّ ُ 15
إ – في. 1
إ – والحوادث األرضية تستند إلى الحوادث السماوية. 2
تامة للحوادث وال ِعلال فاعلية لها عندهم؛ بل هي ِ
فيه أ ّن الحركات الفلكية وما يستند إليها من األوضاع ليست علال ّ 3
عدات األشياء للمواد لحصول الحوادث فيها .وإنّما مبدأ وجودها هي (م – هي) المبادى المفارقة .والعلم ُ
بم ّ ّ عدات ُم ّ
التامة يستلزم العلم بالمعلول .فكون هذا االستدالل
يدعون أ ّن العلم بالع ّلة ّ
أصل؛ بل إنّما ّ
ال يستلزم العلم بها عندهم ً
دليل
منسوبا إليهم ال يناسب مذهبهم .ومن هذا ظهر وجه ما قال بعض الفضالء "لم نجد فيما وصل إلينا من كتبهم ً ً
ملخصا" كما سيأتي.
َّ
إ :له. 4
حجة اإلسالم الغزالي (م – الغزالي).أي اإلمام ّ 5
ءامكحلا تفاهت صيخلت 239
فإذا وجدت فرصة الفراغ من ذلك اتّصلت بطباعها 1هبا .فينطبع فيها من الصور احلاصلة هناك
القوة ِ
أليق بتلك النفس من أحواهلا وأحوال ما يقرب منها من األهل والولد والبلد .مث إ ّن ّ
ما هو ُ
2
املدرك
احملاكمات حتاكي تلك األمور بأمثلة تناسبها يف اجلملة فينمحي َ
ُ املتخيِّلة اليت من طباعها
احلقيقي من احلفظ .فيحتاج إىل التعبري .وهو أن يرجع من الصورة اليت يف اخليال إىل املعىن الذي
جميع الكائنات ثابتة في اللوح المحفوظ لما عرف األبنياء [عليهم السالم] الغيب في
عما نقله بما حاصله أنّه لم ال يجوز أن يكون اطّالع النبي [عليه
[ ]188ثم أجاب ّ
3
ّ
السالم] على الغيب و اطّالع النائم في نومه بما يكون في المستقبل بتعريف اهلل تعالى
نطول الكالم بإبطالها لكنّا ننازع في [مقدمات] ثالث منها. فمبني على ِّ
مقدمات لسنا ّ ّ
[ ]189األولى قولكم إ ّن حركات األفالك إرادية وقد فرغنا من إبطالها فيما سبق.
المقدمة الثالثة
ّ التصور الك ّلي واإلرادة الك ّلية.
ّ إلى استيفاء األيون الممكنة لها ويكفيها 5
ملخ ًصا على هذا المطلوب .والذي يمكن لهم أن يقال :إ ّن النفوس الفلكية
دليل َّ
ً 10
حيث قال‘ :ونفوس السماوات مطلعة عليها الطالعها على السبب األول [إلى
أيضا كذلك؟
اإلنسانية ال يعلمه بحقيقته .فلم ال يجوز أن تكون النفوس الفلكية ً
وم ِنع أ ّن العلم بالمبدأ يستلزم العلم بما له المبدأ .وقد سبق 3تحقيق القول فيه.
ُ
ال يقال عدم إدراك النفس اإلنسانية له تعالى بحقيقته إنّما هو الشتغالها بما يمنع
االتصال بالمبادي العالية واالنتقاش بما فيها من الصور المعقولة وال مانع في
عن ّ
النفوس الفلكية من ذلك.
[ ]191ألنّا نقول ال نس ّلم أنّه ال مانع في النفوس الفلكية من ذلك .وعدم اشتغالها
وغير ذلك على تقدير تسليمه ال يوجب عدم المانع ّإل إذا ثبت انحصار المانع
في إبطال قولهم بوجوب [03أ] االقتران وامتناع االنفكاك بين األسباب العادية
والمسببات
َّ
وأفعال في موا ّدها كالحرارة
ً آثارا
[ ]192ذهب الفالسفة إلى أ ّن لطبايع األجسام ً
2 1
في القطن من النار؛ وإعداداً لموا ّد غيرها بواسطة الكيفيات الحاصلة منها في موا ّدها
كإعداد صورة النار لما ّدة الماء بواسطة كيفية الحرارة لقبول الصورة الهوائية .وتلك
اآلثار في
تامة بانفرادها آلثارها ،وقد تكون علّة ناقصة تحتاج تلك ُ
الطبايع قد تكون علّة ّ
ينضم إليها من الشرائط وارتفاع الموانع .فإذا
حصولها عن تلك الطبايع إلى أمور آخر ّ
يتم العلّة ويحصل األثر من غير تخلّف.
حصلت ّ
ْ 10
الم ِع ّدة
تم استعداد الما ّدة لقبول صورة أو عرض بواسطة األمور ُ
3
[ ]193وإذا ّ
تام في فاعليته ،ال ب ْخ َل
حصل فيها ما استع ّدت هي له من صورة أو عرض؛ إذ المبدأ ّ
تصور التخلّف هناك وال قصور في فيضه وال تفاوت فيها ّإل من جهة القابل .فال يُ ّ
4
ٍ
حينئذ لتمام القابل والفاعل .وإذا لم يحصل استعداد الما ّدة يمتنع حصول الفيض
التامة .ال كما ظُ ّن من أنّهم أنكروا إمكان
المتناع حصول المعلول بدون العلّة ّ 15
الر ّي عند الشرب وعدم حصول عدم حصول الشبع عند األكل وعدم حصول ِ
ّ َ
اإلسهال عند تناول الدواء المسهل .كيف وما ُذكر من األكل والشرب وتناول
وإل فال.
التامة ّ
ُذكر المتناع التخ ّلف عن الع ّلة ّ
[ ]194قال اإلمام الغزالي [رحمه اهلل] :وعلى هذا األصلَ 4بنوا إنكار بعض
المعجزات المنقولة عن األنبياء [عليهم السالم] كالوقوع في النار 5من غير احتراق
مع بقاء النار على طبيعتها وبقاء البدن على حقيقته ،وقلب العصا ثعبا ًنا وإحياء
الحجة اإللهية
ّ الموتى بإزالة موت 6الجهل وتل ّقف 7العصا سحر السحرة بإبطال
َ
ِ
شبهات المنكرين إلى غير ذلك. الظاهرة على يد موسى [عليه السالم]
[ ]195وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن الطبايع ِعلل تامة ّإما بانفرادها أو مع أمور
ينضم إليها من وجود الشرائط وارتفاع الموانع لما يترتّب عليها من اآلثار.
ّ
بأن يُجعل الغداء كيلوسا وهو جوهر كماء الكشك الثخين في بياضه وقوامه .كذا في المواقف. 1
الم ِعدة وجميع األمعاء .ينجذب لطيف الكيلوس
ضيقة تجاويفها .وأصلها بين الكبد وآخر َ وهي عروق دقاق صلبة 2
ّ
الم ِعدة إلى األمعاء ومن األمعاء إلى الكبد بطريق ماساريقا .كذا في شرح المواقف.
من َ
إ :من األكل والشرب. 3
وهو وجوب امتناع االنفكاك بين األسباب العادية والمسببات . 4
َّ
إ :كوقوع النار. 5
إ – موت. 6
يقال تل ّقفت الشيء أي تناولته بسرعة .كذا في الصحاح. 7
ءامكحلا تفاهت صيخلت 249
أكثريا
ً دائما أو
البيِن أن ترتّب الشيء على الشيء ً وبين ما زعموه معلوالت .ومن
ّ
يدل على الع ّلية .ولم ال يجوز أن يكون المبدأ أجرى
المسمى بالدور -أن ال ّ
ّ -وهو
المترتبات.
ّ اإلحراق؟ وكذا في جميع 5
عند تمامه وامتناعه بدونه مبني على كون المبدأ موجبا بالذات .وقد فرغنا عن إبطال
ً ّ
دليلكم عليه فيما سبق. 10
ذاتا
المادة ً
ّ في تعجيزهم عن إثبات أ ّن النفوس البشرية مجردة 1عن
ّ
األول :إ ّن بعض المعقوالت ليس بمنقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع
[ ]198الوجه ّ
ٍ
فحينئذ ّإما أن يكون منقسما إلى أجزاء متباينة في الوضع] كل معقول
[وإل لكان ّ
ّ
2
ً
منقسما بالفعل كانت تلك األجزاء [31أ] المتباينة
ً بالقوة .فإن كان
منقسما بالفعل أو ّ
ً 10
بالفعل .فيلزم 3أن يكون الذهن محيطًا بما ال يتناهى َدفْعة ،وإنّه محال .وعلى تقدير جوازه
كل كثرة بالفعل سواء كانت متناهية أو غير متناهية فالواحد بالفعل موجود
[ ]199أل ّن ّ
ِ
الكثرة إنّما هو باآلحاد .والواحد من حيث هو واحد غير منقسم إلى أجزاء تقوم
فيها؛ أل ّن ُّ
1
منقسما بالقوة ال بالفعل
ً فضل عن انقسامه إلى أجزاء متباينة في الوضع .وإن كان
أصلً ،
ً
وإل
األول ّ
فإما إلى أجزاء متخالفة في الماهية أو إلى أجزاء متشابهة فيها .ال سبيل إلى ّ
ّ
ٍ
حينئذ تكون لكانت األجزاء حاصلة بالفعل وهو خالف المفروض .وال إلى الثاني ألنّه 5
غير منقسم.
فيكون حيث إنّه واحد َ
[ ]200ففي المعقوالت ما هو غير منقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع .فيكون
وإل
غير منقسم إلى أجزاء متباينة في الوضعّ 3
محل تلك الصورة العقلية وهو النفس َ
ّ
المحل إلى أجزاء متباينة في الوضع يوجب انقسام
ّ لزم انقسام تلك الصورة؛ أل ّن انقسام
قوة جسمانية ينقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع .فالنفس
كل جسم أو ّ
4
الحال كذلك .و ّ
ّ 15
[ ]201وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن بعض المعقوالت غير منقسم .ولم ال يجوز أن
بالقوة إلى أجزاء متشابهة؟ قولهم فتكون الصورة العقلية معروضة للزيادة
ّ منقسما
ً يكون
والنقصان قلنا :إن أريد أنّه ‘يلزم [31ب] أن تكون الصورة العقلية معروضة لهما
بالذات’ فال نس ّلم ذلك .ولم ال يجوز أن يكون عروضهما لها بواسطة حلولها في
النفس التي هي جسم معروض لهما حقيقة؟ وإن أريد أنّه ‘يلزم أن تكون معروضة 5
لهما بواسطة عروضهما لمح ّلها أعني النفس’ فمس ّلم .ولكن ال نس ّلم أ ّن الصورة
المعقولة يجب أن تكون مجردة عن مثل هذه العوارض؛ بل الواجب تجر ُدها عن
ّ ّ
مواد جزئياتهما المحسوسة وعن عوارضها.
ّ
بالقوة واحد بالفعل
وأما قولهم ومع ذلك فالمطلوب حاصل؛ أل ّن المنقسم ّ
[ّ ]202
[إلى آخره] فليس بشيء؛ إذ ال يلزم من عدم انقسام تلك الصورة العقلية من حيث 10
ذاتها إلى تلكعدم انقسامها من حيث ُ ُ إنّها واحدة إلى أجزاء متباينة في الوضع
أ ّن بعض المعقوالت غير منقسم فال نس ّلم أنّه يلزم أن يكون مح ّلها غير منقسم.
لحوق
ُ ذاته بل من حيث
الخط ليس من حيث ُ
ّ أصل .ال يقال حلول النقطة في
ً
طبيعة أخرى بها ،أعني االنتهاء واالنقطاع .والحلول في المنقسم ال من حيث ذاتُه
ذاته المنقسمة،
المنقسمة ال يوجب االنقسام بخالف ما إذا كان الحلول فيه من حيث ُ
ذاتها المنقسمة ال
فإنّه يوجب االنقسام .وحلول الصورة العقلية في النفس من حيث ُ
انقسام الصورة العقلية.
ُ باعتبار لحوق طبيعة أخرى بها فيلزم من انقسامها 20
ءامكحلا تفاهت صيخلت 257
ذاتها .ولم ال يجوز أن يكون حلولها فيها باعتبار طبيعة أخرى؟ بل نقول ما ذكروا
ُ
من أ ّن حلول الشيء في األمر المنقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع يوجب انقسام
الحال كذلك إنّما يتم إذا كان حلول الصورة العقلية في العاقلة من قبيل حلول
ّ [32أ] 5
ّ
األعيان الخارجية في مح ّلها ،وهو ممنوع .ولم ال يجوز أن يكون على وجه آخر ال
الحال؟
ّ المحل انقسام
ّ يلزم فيه من انقسام
صورة المعلوم في العالم ،وهو ممنوع لجواز أن يكون العلم بانكشاف األشياء على
النفس بدون ارتسام صورة فيها؛ بل في مجرد آخر فتالحظها النفس من هناك كما
ّ
تدرِ ك ما انتقش من الجزئيات في آالتها.
المدرِ ك بأنّا ندرِ ك أشياء ال وجود لها في الخارج منها ما هي ممكنة الوجود ومنها ما
هي ممتنعة الوجود ،ونميز بينها وبين غيرها ونحكم عليها باألحكام الثبوتية الصادقة.
ّ
بد لها من وجود، والمعدوم ِ
الص ْرف ال امتياز فيه وال ّاتصاف له بأوصاف ثبوتية ،فال ّ
وإذ ليس في الخارج فهو في الذهن.
ثبوت ٍ
وجود لتلك األشياء في الجملة ال مما ُذكر ثبوت
ُ [ ]206قلنا :إ ّن الالزم ّ
وجودها في أذهاننا لجواز أن تكون وجوداتها في بعض األمور الغائبة عنّا كالعقل
مثل .ويكون التفات مداركنا إلى الموجود فيه كافيا في إدراكها وتميزها
الفعال ً
ّ
ّ ً
والحكم عليها باألوصاف الثبوتية .فإن قلت :لو لم يكن لألشياء وجود في نفوسنا
أصل؛ إذ لو أدركنا
مدركة لنا ً
غير َ دائما أو
مدركة لنا ً
بل في األمور الغائبة عنّا لكانت َ 5
َ
توجه النفس
يكون إدراكنا لتلك األشياء المنطبعة في األمور الغائبة عنّا متو ّق ًفا على ّ
وزوال المانع وحصول استعدادها بمالحظتها من هناك؟ فال يدوم إدراكنا لعدم دوام
شرطه ،ال لعدم [32ب] االرتسام فيها .ثم نقول لم ال يجوز أن يكون النفس هذا
[ ]207الوجه الثاني :أنّا نعقل المفهوم الكلّي وذلك ظاهر ال ُسترة به .وال ب ّد أن يكون
مجر ًدا عن جميع اللواحق الما ّدية من وضع معيّن وشكل معيّن ومقدار معيّن
ذلك الكلّي ّ
الشتراكه بين األشخاص ذوات المقادير واألوضاع واألشكال المختلفة وامتناع أن يكون 15
الموصوف بمقدار معيّن وشكل معيّن ووضع معيّن مشترًكا فيما بين األشخاص ذوات المقادير
واألشكال واألوضاع المختلفة .وليس التع ّقل ّإل بحصول صورة المعقول في العاقل .فلو
جسما أو جسمانية لكان لها مقدار معيّن وشكل معيّن ووضع معيّن؛
كانت النفس اإلنسانية ً
ءامكحلا تفاهت صيخلت 261
كل جسم أو جسماني كذلك .فيكون الصورة العقلية الحالّة فيها موصوفة بذلك
أل ّن ّ
مجر ًدا عن جميع
الشكل والوضع والمقدار بسبب حلولها فيها فال يكون المفهوم الكلّي ّ
العوارض الما ّدية ،وقد ثبت أنّه كذلك .فتعيّن أنّها ليست بجسم وال جسمانية.
يلزم منه امتناع حلوله في جسم أو جسماني؛ أل ّن الالزم منه ّاتصافه بتلك العوارض
من قبل مح ّله وهو ال ينافي تجرده عنها بحسب ذاته .وإن أريد أنّه ‘يجب أن يكون
ّ
كذلك مطل ًقا’ فممنوع .وما ُذكر في بيانه ال يفيد ذلك؛ أل ّن التجرد عن هذه العوارض
ّ
كاف في مطابقته لألشخاص ذوات المقادير واألوضاع واألشكال بحسب الذات ٍ
المختلفة؛ أل ّن مطابقته لتلك األشخاص بحسب ذاته ال باعتبار حلوله في مح ّله. 10
[ ]209ولئن س ّلمنا ذلك لكن ال نس ّلم أ ّن التع ّقل ال يكون ّإل بحصول
صورة المعقول في العاقل .ولم ال يجوز أن يكون بانكشاف األشياء للنفس من
دون ارتسام صورة المعقول فيها بل في مجرد آخر فيلحظها [33أ] النفس من 15
ّ
هناك؟ ولو س ِّلم أ ّن التع ّقل إنّما 3يكون بحصول صورة المعقول في العاقل لكن
ال نس ّلم أنّه يلزم منه أن ال يكون المفهوم الك ّلي مجر ًدا عن جميع العوارض.
ّ
إ – إن. 1
س :بسبب. 2
إ :ال. 3
ءامكحلا تفاهت صيخلت 263
وإنّما يلزم ذلك أن لو كان حلوله فيها كحلول السواد في الجسم ،وهو ممنوع لجواز أن
المحل من الوضع
ّ الحال بما ّاتصف به
ّ نوعا آخر من الحلول ال يلزم فيه ّاتصاف
يكون ً
والمقدار والشكل .ويكون حلول الصورة العقلية في النفس من هذا القبيل .ولو س ِّلم
ذلك فإنّما يلزم ما ُذكر لو كانت الصورة العقلية ك ّلية ،وهو ممنوع؛ بل الك ّلي هو الماهية
المعلومة بها .وتسمية الصورة العقلية ك ّلية 1مجاز باعتبار أ ّن المفهوم المعلوم بها ك ّلي. 5
ونسبة الصورة العقلية إليها كنسبة صورة الفرس المنقوشة على الجدار إلى ذات الفرس.
فكما أ ّن الصورة المنقوشة على الجدار مثال وشبح للفرس الموجود في الخارج ال أنّها
َ
عين حقيقتها كذلك الصورة العقلية بالنسبة إلى ما له تلك الصورة.
[ ]210الوجه الثالث :إ ّن النفس 2الناطقة تقوى على إدراك ذاتها وإدراك إدراكاتها.
وال شيء من القوى الجسمانية تد ِرك ذاتها وإدراكاتها .فال شيء من النفس ّ
بقوة جسمانية 10
تدرِ ك ذاتها وال إدراكاتها .ولكن ال يلزم منه الحكم الك ّلي .لم ال يجوز أن تكون ّ
قوة
أخرى جسمية تفارقها في أنّها تدرِ ك ذاتها وإدراكاتها؟ فإ ّن القوى الجسمانية متخالفة 15
مدرِ ًكا لذاته وإدراكه مشروط بتجرد المدرِ ك’ ممنوعة إلى أن يقوم عليها البرهان.
ّ
إ – ك ّلية. 1
إ :النفوس. 2
الفصل الحادي والعشرون
في إبطال قولهم النفوس اإلنسانية يستحيل [33ب] عليها العدم بعد وجودها
كل
[ ]212قالوا :الجوهر المدرك من اإلنسان وهو النفس الناطقة التي يشير إليه ّ
أحد بقوله« 1أنا» يجب 2أن ال يعدم ألبتة بعد تركه التصرف في البدن لبطالن مزاجه
ّ
واحتجوا عليه بوجهين.
ّ صالحا لتصرفاتها فيه.
ً الذي كان به 5
ّ
مجردة ال
[ ]213أحدهما أ ّن النفس الناطقة غير منطبعة في الجسم لما ثبت من أنّها ّ
تعلّق لها في ذاتها وجوهرها بالبدن؛ بل هي متعلّقة به ليكون آلة لها في اكتساب كماالتها.
فإذا خرج الجسم بالموت عن صالحية كونه آلة لها فقد فسد ما ال حاجة للنفس إليه في
بقائها مع كون العلّة المؤثّرة في وجودها من الجواهر العقلية باقيةً .فوجب بقاؤها بتلك
العلّة بعد فساد البدن. 10
[ ]214وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن النفس الناطقة غير منطبعة في الجسم .وما ذكروا
من األدلّة عليه فقد عرفت ضعفها وعدم تماميتها .ولو س ِّلم أنّها غير منطبعة فيه لكن
ُ
ال نس ّلم أنّه إذا خرج الجسم بالموت عن صالحية كونه آلة لها فقد فسد ما ال حاجة
لما كان له مدخل في حدوث النفس -ولذلك لم يوجد قبل
]إلى آخره[؛ فإ ّن البدن ّ
ٍ
وحينئذ يلزم من 3انتفائه انتفاء النفس أيضا.
البدن -جاز أن يكون له مدخل في بقائها ً 15
قطعا.
ً
[ ]215وثانيهما أنّها لو كانت قابلة للفناء كانت قبل الفناء باقيةً بالفعل وفاسدةً
يفسد كان بالضرورة قبل فساده باقيًا
كل موجود يبقى زمانًا ويكون من شأنه أن ُ
بالقوة؛ أل ّن ّ
ّ
محل يقوم به.
بالقوة ،أي له استعداد الفساد .فال ب ّد لذلك االستعداد من ّ
بالفعل وفاس ًدا ّ
إ – بقوله. 1
أي يستحيل الفناء عليه. 2
إ – من. 3
ءامكحلا تفاهت صيخلت 267
محل
المحل هوالنفس؛ ألنّها ال تبقى عند الفساد .وما هو ّ
ّ وال يجوز أن يكون ذلك
الستعداد الفساد وهو قابل للفساد .والقابل يجب وجوده عند حصول المقبول 1ليكون
والتصرف
ّ مجردة في ذاتها لكنّها متعلقة بالبدن تعلّق التدبير
فالنفس الناطقة وإن كانت ّ
وتصرفها فيه.
ّ محل الستعداد تعلّقها به
الستحصال كماالتها بواسطته .فيكون البدن ّ 15
ولما توقّف تعلّقها به على وجودها في نفسها كان 1هذا االستعداد منسوبًا ّأوال وبالذات
ّ
إلى تعلّقها أعني وجودها من حيث إنها متعلّقة به ،وثانيًا وبالعرض إلى وجودها في نفسها.
فهذا االستعداد كاف لفيضان الوجود عليها متعلّقة به .وال حاجة في ذلك إلى استعداد
منسوب ّأوال وبالذات إلى وجودها في نفسها حتى يمتنع قيامه بالبدن؛ ألنّها من حيث
محل الستعداد ما هو مباين له .وكما جاز
وجودها في نفسها مباينة له .والشيء ال يكون ّ 5
[ ]216وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن القابل للفساد يجب وجوده عند حصول المقبول
أعني الفساد .فإنّه ليس معنى قبول الشيء للعدم والفساد أ ّن ذلك الشيء يبقى متح ّق ًقا
ويحل فيه الفساد على قياس قبول الجسم لألعراض الحالّة فيه؛ بل معناه أ ّن ذلك
ّ
وتصور
ّ الشيء ينعدم في الخارج بطريان الفساد .وإذا حصل ذلك الشيء في العقل
قائما به في العقل ،على معنى أنّه
العدم الخارجي كان العدم الخارجي ً
َ العقل معه
ُ 15
وقبول
ُ حد نفسه في العقل ال في الخارج؛ إذ ليس في الخارج شيء
ّيتصف به في ّ
قائما بها 4،فال يلزم ٍ
عدم قائم بذلك [ ] 34الشيء فيجوز أن يكون استعداد فسادها ً
ب
كونها مادية.
لعدم الواسطة بين هذا االستعداد وبين التع ّلق بخالف وجودها في نفسها .فإ ّن التع ّلق حينئذ يكون واسطة بينهما. 1
محل لتدبيرها
بمجرد خروج البدن عن المزاج الصالح ألن يكون ّ حال وجودها في نفسها إذ يمكن انقطاع تدبيرها َ 2
ّ
وتصرفها.
ّ
كما تو ّقف تع ّلقها به على وجودها في نفسها . 3
أي بالنفس الناطقة. 4
ءامكحلا تفاهت صيخلت 271
[ ]217ولو س ّلم أ ّن القابل للفساد يجب وجوده عند حصول الفساد لكن ال نس ّلم
جسما
ً محل استعداد فسادها
ّ أنّه يلزم منه كون النفس مادية .وإنّما يلزم ذلك لو كان
محل
ًّ قائما بنفسه ّإما
مجر ًدا ً مادة جسمية ،وهو ممنوع .لم ال يجوز أن يكون
أو ّ
ّ
محل لجزئها اآلخر؟ ال يقال :إذا كان ذلك المحل الباقي 1مجر ًداجزءا منها ًّ
للنفس أو ً
ّ
كل مجرد قائم بنفسه عاقل .وكانت هي 2النفس
ّ قائما بنفسه كانت عاقلة ِلما ثبت أ ّن ّ
ً 5
العاقل المتع ّلق بالبدن .وهذا خالف المفروض .ومع ذلك فالمطلوب حاصل وهو
النفس الناطقة المجردة من اإلسالميين كاإلمام الغزالي [35أ] ]رحمه اهلل[ والحليمي
ّ
والراغب وأبي زيد الدبوسي وكثير من المتصوفة.
عتد
[ ]223ورابعها :عدم ثبوت شيء منهما .وهو قول قدماء الطبيعيين الذين ال يُ ّ
بهم وال بمذهبهم ال في الم ّلة وال في الفلسفة.
[ ]224وخامسها :التو ّقف وهو المنقول عن جالينوس؛ فإنّه نُقل عنه أنّه قال 15
في مرضه الذي تُو ّفي فيه «إنّي ما علمت أ ّن النفس هي المزاج فينعدم عند الموت
ٍ
حينئذ”.5 فيستحيل إعادتها أو هي جوهر ٍ
باق بعد فساد البدن فيمكن المعاد
المطهرة
ّ إبطال ما ذكره الحكماء فيما خالفوا فيه الشريعة
َ ولما كان الغرض
[ّ ]225
فلنقدم تقرير مذهبهم وما اعتمدوا عليه من شبههم التي َبنوا عليها مذهبهم فنقول:
ّ
لهم في أمر المعاد مقامان:
األول فتقرير كالمهم فيه أنّهم قالوا :إ ّن للنفوس اإلنسانية ل ّذة
[ّ ]226أما المقام ّ
ونيل لوصول ما هو كمال وخـير عند المد ِرك من
اك ٌ وألما روحانيين؛ أل ّن الل ّذة هي إدر ٌ
ً
وشر عند المدرك من حيث حيث هو ٌ
كمال وخـير .واأللم إدراك ونيل لوصول ما هو آفة ّ
يخصان بها -فإ ّن للذائقة
كمال وآفة ّ
قوة من القوى البدنية ً
لكل ّ
وشر .وكما أ ّن ّ
هو آفة ّ
مثل سواء كانت مأخوذة من ما ّدة خارجية هي شيء
كمال هو تكيّفها بكيفية الحالوة ً
ً 10
ُحلْو أو كانت حادثة في العضو ال عن سبب خارج؛ فإ ّن كليهما في إفادة الل ّذة متساويان،
وللباصرة كمال وهو مشاهدتها لأللوان الحسنة واألشكال الجميلة ،وللسامعة كمال هو
استماعها لألصوات الرخيمة والنغَمات المتناسبة ،ولالمسة كمال هو إدراكها للكيفيات
وللشامة كمال هو إدراكها للروايح الطيبة-
ّ المناسبة ولمسها للسطوح الليّنة الناعمة،
يخصانها.
فكذلك للنفس الناطقة التي هي جوهر عاقل كمال وآفة ّ 15
جل ذكره
األول ّ
[ ]227وكمالها أن يتمثّل فيها صورالموجود كلّه مبتديًا من المبدأ ّ
وسال ًكا إلى العقول ثم النفوس السماوية ثم األجرام العلوية بهيئاتها وقواها ثم ما دون ذلك
إلى أن يتمثّل فيها صور جميع معلوالته المترتّبة تمثًّل يقينيًّا خاليًا عن 1شوائب الظنون
واألوهام35[ .ب] وآفتها هي أن تكون منتقشة بض ّد ما هو الواقع.
كل قوة تلت ّذ بكماالتها وتشتاق إلى حصولها وتتألّم بحصول أضدادها
ضاد له؛ فإ ّن ّ
الم ّ
ُ
القوة الباصرة إلى النور وتألّمها بالظلمة.
كاشتياق ّ
[ ]229وأجابوا بأ ّن اشتغال النفس بالمحسوسات يمنعها عن االلتفات إلى المعقوالت. 5
وبعدم االلتفات ال يحصل الشوق إليها عند فقدها وااللتذاذُ بها عند وجودها .وأضداد
[ ]230ثم إ ّن النفس إذا حصلت ما هو كمال لها في حياتها الدنيا بواسطة اآلالت
البدنية فإذا فارقت عن البدن عند خرابه وخـروجه عن صالحية تدبير النفس وكونه آلة
لذلك الكمال موجود بعد المفارقة لِما عرفت فيما سبق من أ ّن النفس باقية بعد خراب
حال
حصلته َ
[ ]231فثبت أ ّن ما هو كمال للنفس حاصل لها بعد مفارقة البدن إذا ّ
شك في أ ّن هذا الكمال خير بالقياس إليها وأنّها مد ِركة بحصول هذا
تعلّقها به .وال ّ
الكمال لها من حيث هو كمال وخـير .فإذن هي ملت ّذة بذلك بعد المفارقة .وكذلك
كمال ولم
عرفت في حياتها الدنيا باالكتساب النظري أ ّن لها ً
ْ حال األلم؛ فإن النفس إذا
ُ
تكتسبه بل اكتسبت ما يضا ّده وهو الجهل المرّكب أو لم تكتسب شيئًا منهما بل اشتغلت 5
[ ]232ثم إ ّن اللذة الروحانية الحاصلة للنفس أقوى من الل ّذة الجسمانية لوجوه:
أتم من
المدرك بال ّقوة الجسمانيةكانت الل ّذة العقلية أقوى و ّ
أشرف من َ
بالقوة العقلية َ
المدرك ّ
و َ
لكن المق ّدم ح ّق والتالي مثلهّ .أما الشرطية فأل ّن اللذة هي إدراك الماليم.
اللذة الجسمانيةّ .
القوة الجسمية ال تد ِرك ّإل السطوح 1والظواهر
األول منه فأل ّن ّ
و ّأما أ ّن المق ّدم ح ّقّ :أما الجزء ّ
القوة العقلية ال تقتصر على ذلك؛ بل تد ِرك ظاهر الشيء وباطنه ،فتميِّز
مقتصرًة عليها .و ّ
بين الماهية وأجزائها وعوارضها وتفصل بين الجزء الجنسي والجزء الفصلي .والباطن عندها 15
[ ]234الثاني من تلك الوجوه أنّه لو لم يكن الل ّذة العقلية أقوى من الل ّذة الحسية
لكان حال البهايم من الحمير وغيره ّإما مساويًا لحال المالئكة أو أطيب .والتالي ظاهر
الفساد فالمق ّدم مثله.
[ ]235الثالث منها أ ّن الل ّذة العقلية ولو في أمر خسيس كالشطرنج والنـَّْرد وما يجري
ظن أنّها أقوى اللذات الحسية .فإ ّن
مجراهما من اللعب مؤثّرة عند اإلنسان على لذات يُ ّ 5
استظهارا في شيء من ذلك يوجب له أن يكون غالبًا إذا عُرض له مطعوم أو
ً الذي يجد
ضا عليها .فإ ّن كثير منكوح ربّما رفضهما .وإ ّن ل ّذة نيل الح ْشمة كالجاه وغيره مؤثَرة أي ً
الهمة يختار ترك كثير من الل ّذات الحسية على ترك ذلك .وإ ّن ل ّذة إيثار الغير عالي ّ
النفس َ
كل ما
على نفسه فيما يحتاج إليه ضرورة [ ] 36موثَرة عند الكريم على ل ّذة التمتّع به .و ّ
ب
آثر عند الشخص فهو أل ّذ بالقياس إليه .فهذه الل ّذات الباطنة مستعلية على الحسية
هو ُ 10
الظاهرة .وإذا كانت الل ّذات الباطنة وإن لم تكن عقلية 1مستعلية على الل ّذات الحسية
3
فالعقلية في استعالئها عليها أولى .وقس على ذلك حال 2األلمين.
[ ]236وتفصيل كالمهم في أحوال النفوس بحسب السعادة والشقاوة بعد
مفارقتها عن البدن :هو أ ّن النفس إن اكتسبت االعتقادات الح ّقة ،فإن لم تكتسب
الميل إلى الشهوات البدنية والل ّذات
َ بمقارنة البدن هيئات ردية وأخالقًا ذميمة يوجب 15
ابتهاجا
ً ت بوجدان ذاتها كذلك التذا ًذا باقيًا وابتهجت بإدراك كماالتها
الحسية ،الت ّذ ْ
سرم ًدا كالمؤمن المتّقي على رأينا .وإن اكتسب هيئات ردية بمالبستها للبدن ومباشرتها
عظيما واشتاقت
للرذائل المقتضاة للطبيعة وميلها إلى المشتهيات الفانية تألّمت تأل ًّما ً
فت بها وقد ِحيل بالموت 4بينها وبين ما تشتهي فتكون كالعاشق مشتهياتها التي ألِ ْ
إلى َ
المهجور الذي لم يبق له رجاء الوصول .ولكن هذا التألّم ال يدوم بل يزول ِ
آخر األمر؛ 20
ّ ُ
منه من األمزجة واألفعال .وهذه الهيئات مختلفة في ش ّدة الرداءة وضعفها وسرعة الزوال
وبطئه .ويختلف التع ّذب بها بعد الموت في الكم والكيف وهذا كالمؤمن الفاسق على
رأينا.
ّمت بعد المفارقة الشتياقها إلى الكمال الفائت عنها سواء اكتسبت ما يُضا ّد
كمال تأل ْ
ً
الكمال فصارت جاحدة 1له من حيث الماهية 2وإن كانت معترفة به من حيث اإلنّية 3أو
بسبب تلك الهيئات ال يدوم لزوال تلك الهيئات الموجبة له .وإن لم تع ِرف باالكتساب النظري
حسب رسوخها فيها .ثم يزول التألّم بزوال تلك الهيئة .وإن لم يتلطّخ فهي من أهل السالمة. 15
أي منكرة (إ – منكرة) على معنى أنّها جاحدة لثبوت حقيقة الكمال وماهيته في نفس األمر ويجعله من قبيل األوهام 1
والخياالت.
أي ماهية الكمال. 2
أي التح ّقق. 3
فتلوث.
لوثه ّ
لطخا فتلطّخ به أي ّ
يقال لطخه بكذا ً 4
ءامكحلا تفاهت صيخلت 285
2
لخلوها عن أسباب الل ّذة واأللم والخالص 1فوق الشفاء
وإن لم تكن من أهل السعادة ّ
وهي في َسعة رحمة اهلل تعالى .والنفوس التي بهذه الصفة هي نفوس البـُلْه .وهم الذين
4
يغلِب عليهم سالمةُ الصدر والسذاجة 3كاألطفال ومن يجري مجراهم .وكذلك نفوس
والزهاد.
الصلحاء ّ
[ ]239وبعضهم 5ذهبوا إلى أ ّن أمثال هذه النفوس تتعلّق بأجسام أخر ،ألنّها ال 5
َّ َّ
يجوز أن تكون معطلة عن اإلدراك إذ ال معطل في الوجود ،وال تد ِرك َ
غير الجسمانيات
موضوعا لتخيّالتها .وال فعل لها غير اإلدراك.
ً حتى تستغني في إدراكها عن جسم يكون
نفسا لجرم
فال ب ّد أن يتعلّق بأجسام أخر ال على أ ّن النفس بعد المفارقة عن البدن تصير ً
آخر مدبّرة له .فإ ّن ذلك عين مذهب التناسخ وهم 6ال يقولون به؛ بل على أ ّن ذلك
موضوعا لتخيالتها .فإ ّن التخيل ال يمكن ّإل بآلة جسمانية .ثم يتخيل
ً الجرم يكون 10
ّ ّ ّ
الصور التي كانت معت َقدة عندها .فإن كان اعتقادها في نفسها وأفعالها الخير شاهدت
َ
العقاب وإل فشاهدتاعتقدتها في حياتها الدنياّ ،
ْ ِ
الخيرات األخروية على حسب ما
َ
كذلك .والجسم الذي تتعلق به هذه النفوس ّإما أجرام سماوية أو أجرام متولّدة عن
روحا.
المسمى ً
ّ الهواء واألدخنة .وال تكون مقار ًنا لمزاج الجوهر
[ ]240ثم إنّه اضطرب قول الشيخ أبي علي في قدر العلم الذي يحصل به 15
السعادة األخروية .ففي بعض كتبه اكتفى بالتفطّن للمفارقات 7،وفي بعضها قال:
نصا ّإل
أنص عليه ًّ
«وأما قدر العلم الذي يحصل به هذه السعادة فليس يمكنني أن ّ
ّ
تصوًرا حقيقيًا ويص ّدق
يتصور اإلنسا ُن المبادي المفارقةَ ّ
وأظن أ ّن ذلك :أن ّ بالتقريبّ .
[37ب] بها تصدي ًقا يقينيا برهانيا ،ويع ِرف ِ
العلل الغائية للحركة الكلّية دون الجزئية التي ً ً
والنظام اآلخذ من
ُ الكل ونِسب أجزاء بعضها إلى بعض ويتقرر عنده هيئةُ ّ ال تتناهىّ ،
ويتصور العناية وكيفيتها ويتح ّقق
ّ األول إلى أقصى الموجودات الواقعة في ترتيبه،
المبدأ ّ 5
حدا لها بحسب نفس األمر ،وهو ممنوع .وعدم انفكاك أحدهما 3عن اآلخر
لو كان ًّ
أيضا ممنوع .واالعتماد على التجارب
االتحاد على أ ّن عدم االنفكاك ً
يدل على ّ
ال ّ
الظنية غير مفيد أل ّن االستقراء وإن كان ألكثر الجزئيات ال يفيد العلم لجواز وجود
جزئي حالُه بخالف ما ُوجد باالستقراء .ال يقال عدم االنفكاك ضروري حاصل 15
وأي
ليتوجه عليه ما ُذكر ألنّا نمنع الضرورة َّ
ّ ستدل عليه باالستقراء
بالتجربة ال نظري يُ ّ
يدل عليها.
دليل ّ
إ – ُّ
أي. 1
إ :هذه. 2
أي الل ّذة واإلدراك. 3
ءامكحلا تفاهت صيخلت 289
كل
لذ ٌة في الجملة ولكن ال نس ّلم أ ّن ّ
كمال ّ
ٌ [ ]242ثم إن س ّلمنا أ ّن إدراك ما هو
اللذة إنّما هو إدراك الكمال الجسماني .فإ ّن إدراك
لكل ما هو كمال لذ ٌة؛ بل ّ
إدراك ّ
الكمال الجسماني 1يجوز أن يكون مخال ًفا بالحقيقة إلدراك الكمال الغير الجسماني،
لذ ًة كو ُن اآلخر كذلك .ولو س ِّلم أ ّن إدراك الكمال مطل ًقا
فال يلزم من كون أحدهما ّ
جسمانيا 2كان أو غيره لذ ٌة ولكن ال نس ّلم أ ّن النفس باقية بعد خراب البدن .وما 5
َ ً
لكن كونها قابل ًة ِ
عرفت ضعفه .ولو س ّلم بقاؤها بعد خراب البدن ّ
َ استدلّوا به عليه فقد
طا بتع ّلقها بالبدن .ولو س ِّلم
للصور العقلية ممنوع لجواز أن يكون قبولها لها مشرو ً
ٍ
حينئذ للصور العقلية لكن ال يلزم حصول الصورة العقلية فيها .وإنّما يلزم كونُها قابل ًة
مختارا ،وهو ممنوع .ثم إ ّن ما ذكروه معارض بأ ّن النفس
ً لو كان الفاعل موجبا ال
ً
نفس الل ّذات لكانت متل ّذذة
قبل الموت عالمة بهذه المعلومات ،فلو كانت إدراكاتها َ 10
[ ]243والقبول بأ ّن االشتغال بتدبير البدن واستغراقها في الل ّذات الجسمانية مانع
مانعا عن حصول شيء عند حصوله. قول بكون الشيء ً
4
اللذة العقلية ٌ
عن حصول ّ
للذات
اللذات الجسمانية أضعف من الل ّذات العقلية عندهم؛ بل ال نسبة ّ
وأيضا ّ
ً
اللذات العقلية عندهم .فكيف يمكن جعل العوارض البدنية على ضعفها
الحسية إلى ّ 15
أشد
كثيرا من المتع ّلمين الذين لم يتع ّلموا ّإل مسائل معدودة يبتهجون بها ّ فإنّا نرى
ً
فضل عن لذة مطعوم
ً ابتهاج ويوثرون االشتغال بمذاكرتها على ملك الدنيا وما فيها
أو منكوح .هذا ثم قولهم ‘إ ّن األلم الذي يحصل للنفس بعد المفارقة بواسطة الهيئات
الردية التي اكتسبها بمالبسة البدن يزول عاقبةَ األمر بزوال تلك الهيئات’ ال يستقيم على
ذكروه في بقاء الكماالت العلمية .فكيف يجوز زوال تلك الهيئات حتى يزول بزوالها
التألّم الحاصل بسببها؟ وكونها حاصلة بمالبسة األمور البدنية من األفعال واألمزجة
ال يوجب زوالها؛ أل ّن 1ما ُذكر من مالبسة األمور البدنية ُم ِع ّدة لحصول تلك الهيئات،
[ ]245وقد يجاب عنه بأ ّن النفس بمفارقة البدن لم يخرج عن 2أن تكون منفعلة
عن الحركات السماوية .فإ ّن في عالم النفوس تج ّددات مستندة إلى الحركات الفلكية.
وأقلّها ما يعلمه من تالحق النفوس المفارقة لألبدان قرنًا بعد قرن على الدوام واالستمرار.
لكل نفس من النفوس [38ب]
وال يبعُد أن يكون التالحق المذكور موجبًا ألحوال يتج ّدد ّ
استعدادا لزوال تلك الهيئات عنها .فيزول عند
ً المفارقة أو لبعضها يوجب تلك األحوال 15
حصلت االعتقادات الغير المطابقة .ثم فر ُقهم بين الجاحدين والمهملين والمعرضين
الشوق إلى الكمال الفائت .وال فرق بين ثالثة في هذا السبب .فما الذي 1أوجب
انقطاع عذاب البعض دون البعض؟ والحكم بانقطاع شوق المهملين والمعرضين
تحكم باطل .فإن قلت :الفرق بيِن؛ فإن الجاحدين فيهم اعتقادات
ّ دون الجاحدين
ّ
المضادة للكمال ليست بمستندة إلى
ّ باطلة مضادة لكمالهم دونهما ،قلنا :االعتقادات
البراهين .فلم ال يجوز زوالها وعدم بقائها حتى يدوم التع ّذب بسببها؟ 10
جازما بكونه غير واصل إليه 2.والنفوس ذوات العقائد الباطلة قبل المفارقة تعتقد
ً
َ
علوما .فإن بقي هذا االعتقاد بعد المفارقة لم يتألّم بفقدان
ً كون تلك االعتقادات
الكمال ،إذ ال شعور لها بفقده؛ أل ّن المفروض أنّه بقي اعتقاد كون اعتقاداتها الباطلة
وإل
أيضاّ .
علوما .وإن لم يبق بل زال هذا االعتقاد فليزل تلك االعتقادات الباطلة ً
3
ً 15
نفي التألّم؛ أل ّن تألّمها ليس لالشتياق إلى اإلدراك بل ألنّها لما اعتقدت أ ّن ما أدركته
رجت الوصول إليه .قيل وفيه نظر؛ أل ّن الل ّذة عندهم كما مر إدراك ونيل لوصول ما 5
ّ
هو كمال وخير عند المدرِ ك من حيث هو كمال وخـير.
[ ]249وفائدة قولهم‘ 4عند المدرك’ على ما صرحوا به هو إيذا ٌن أ ّن المعتبر في
َ ّ
كماليته وخـيريته في اعتقاد المدرِ ك ال في نفس األمر ،حتى لو لم يكن الشيء
ُ الل ّذة
كمال وخـيرا في نفس األمر لذلك المدرِ ك وهو يعتقد كماليته وخـيريته يتل ّذذ به .فلو
ً
ً
حق مطابق للواقع لزم أن يتل ّذذ
اعتقاد أ ّن ما أدركه ّ
ٌ المركب
ّ لم يزل لصاحب الجهل 10
ما رجت الوصول إليه .وال يقولون به؛ بل يزعمون أ ّن ألمه هو األلم الشديد الذي ال
ألم فوقه .ثم إ ّن نفوس الب ْله والصلحاء قد اعتقدت في حياتهم الدنيا اعتقادات غير
5
ُ
مطابقة للواقع بزعمهم 6.فكيف يكونون من أهل السالمة؟
‘وأيضا’ .
ً عما أورده بقوله
في الجواب ّ 1
إ :يكون. 2
إ :يفقد؛ لظهور عدم مطابقته للواقع بعده. 3
إ :لهم. 4
لعدم كمال عقولهم فيتبعون الوهم في كثير من األحكام. 5
أي زعم الحكماء. 6
ءامكحلا تفاهت صيخلت 297
الكمال الفائت فيكونون من أهل السالمة بل من أهل السعادة على ما يليق بحالهم
[ ]251ثم استداللهم على تع ّلق أمثال 1تلك النفوس بأجسام أخر بأنّها إن 2لم
طل في الوجود ،ممنوع بمقدمتيه .فإنّها تشعر بذواتها
تتع ّلق تكون مع َّطلة ،وال مع َّ 5
مشهورا فيما
ً ووجودها .فال تكون مع َّطلة عن اإلدراك .وس ْلب 3التعطّل وإن كان
جعل جرم
وأيضا ْ
أيضاً .
حيِز المنع ً
5
مبرهنا 4عليه فهو في
َ ضروريا وال
ً بينهم لكنّه ليس
ّ
الفلك آلة 6لتخيالت نفوس الب ْله والصلحاء غير مستقيم؛ أل ّن أجزاء الفلك متشابهة.
ُ ّ
فإما
فليس بعض تلك األجزاء بأن يكون آلة لبعض تلك النفوس أولى من البعضّ .
7
المعاد
بالمواضع العلمية .ثم إنّا لسنا نُنكر على الحكماء من جهة أنّهم أثبتوا َ
واللذات واآلالم العقليين وكو َنهما أعظم من الحسيين؛ فإ ّن المهرة المتقنين
ّ الروحاني 15
َّ َ َّ
من علماء اإلسالم ذهبوا إلى ذلك.
إ – أمثال. 1
إ – إن. 2
للمقدمة الثانية.
ّ منع 3
مبرهنا.
َ وال – إ 4
إ :خير. 5
الواحد. 6
إ – آلة. 7
ءامكحلا تفاهت صيخلت 299
يوجد في كالم اهلل تعالى وكالم رسوله ]عليه السالم[ ما يشير إلى ذلك.
بل يمكن أن َ
المعاد الجسماني والل ّذات واآلالم الجسمانية
وإنّما نُنكر عليهم من جهة أنّهم أنكروا َ
دل عليه كتاب اهلل وكالم رسوله ]عليه الصلوة السالم[ في
في الدار اآلخرة على ما ّ
[ ]253قال اإلمام الرازي ]عليه الرحمة« :[2إنّا ال نُنكر الل ّذة العقلية وال أنّها 5
كل ما ال
مما ال يمكن إثباته 3باألدلّة العقلية .وليس ّ
أقوى من غيرها؛ ولكن ذلك ّ
أحدا لو حاول الداللة على طعوم األشياء
يمكن إثباته بهذا الطريق وجب إنكاره؛ فإ ّن ً
اللذات العقلية من هذا
الحس يشهد بثبوتها .وهذه ّ
ّ لتعذر عليه ذلك مع أ ّن
وروايحها ّ
وانجذابه إلى المعارف اإللهية أتم كان حظُّه منها أوفى .ولقد
ُ عن العاليق الجسدانية 10
ّ
رزقنا اهلل تعالى منها في المنام واليقظة مرة بعد أخرى ما قوِ ي إيماننا بها وسكن
ّ
نفسنا 4إليها .والظاهر من الحكماء أنّهم ما ذكروا من الوجوه التي حكينا عنهم ّإل
والمشوقات.
ِّ ليكون جارية مجرى المنبِهات
ّ
كل ِحرفة
[ ]254وأنا أزيد عليها فأقول :الكمال لذاته محبوب باالستقراء .فإ ّن ّ
مرتبتين:
الحب ُتفيد حالتين ّ
ّ شدة
فالحب الشديد ليس ّإل هلل تعالى .ثم إ ّن ّ
ّ تعالى
فشدة
ويدل عليه االستقراءّ .
ّ الغفلة عن غير المحبوب وااللتذاذ بإدراك المحبوب.
يسمون الغفلة
بد وأن يورث هاتين الحالتين .وأصحاب الذوق ّ
حب اهلل تعالى ال ّ
ّ
كامل
ً عد
عما سوى اهلل تعالى فناء .وكما [ ] 40أ ّن الكامل بالنسبة إلى األكمل ال يُ ّ
أ
ّ
الحب
ّ حبا .ولذلك ال يبقى
يسمى ًّ
حب األكمل ال ّ
حب الكامل بالنسبة إلى ّ
كذلك ّ
قائل ﴿أال بذكر
عز من ٍ
يطمئن القلوب ّإل بذكره كما قال ّ
ّ الشديد ّإل هلل تعالى 1.فال 5
2
تطمئن القلوب﴾
ّ اهلل
اللذة
[ ]255والذي يظنّه الحكماء من أ ّن العلم باألمور العقلية ك ّلها أسباب ّ
اللذة ال تحصل ّإل من العلم باهلل تعالى واالستغراق في محبته.
العقلية فهو خطأ؛ بل ّ
ّ
لما لم يحصل للعقول البشرية ّإل بواسطة العلم بأفعاله فك ّلما كان
ثم إ ّن العلم باهلل ّ
العلم بها أكثر واالطّالع على حكمته أتم كان حبه وااللتذاذ بحبه أتم .فهذا ما عندي 10
ّ ّ ّ ّ
3
في هذا الباب .واهلل أعلم بالصواب .هذا لفظ اإلمام [رحمه اهلل تعالى].
وأما المقام الثاني فتقريره هو أنّهم قالوا :األبدان 4البشرية ينعدم بصورها
[ّ ]256
المتفرقة المختلطة بأجزاء
ّ وأعراضها بالموت وزوال الحياة وال يبقى ّإل الموا ّد العنصرية
أصل .وما ورد به الشرايع من إثبات المعاد الجسماني والل ّذات
العناصر .ثم إنّها ال تعاد ً
ضربت على ح ّد أفهام الخلق لبيان المعاد
واآلالم الجسمانية في الدار اآلخرة أمثال ُ 15
الروحاني وأحوال سعادة النفوس وشقاوتها بعد مفارقة األبدان؛ أل ّن األنبياء [عليهم
السالم] مبعوثون إلىكافّة الخالئق ،وأكثرهم قاصرون عن فهم المعاد الروحاني والكماالت
الحقيقية والل ّذات العقلية .وذلك كاآليات الم ِ
شعرة بالجهة 5والجسمية. ُ
في ذلك يمتنع حملها على التشبيه والتمثيل .يشهد بذلك تتبع كتاب اهلل تعالى وسنّة 5
ّ
1
رسول اهلل ]صلى اهلل تعالى عليه وسلم[.
[ ]258وشبههم في امتناع المعاد الجسماني كثيرة :منها أ ّن المعاد الجسماني ّإما
يفرق [40ب] أجزاءها ِ ِ
بأن يُعدم اهلل تعالى األبدان وأجزاءها بالكلّية ثم يوجدها بعينها أو ّ
2
األول فظاهر.
يتضمن إعادة المعدوم بعينهّ .أما ّ
ثم يجمعها ويعيد إليها الحياة .وكالهما ّ
وأما الثاني فأل ّن اإلنسان المعيّن مشارك لسائر الناس في اإلنسانية وممتاز عنهم في تعيّنه
ّ 10
وأما ثانيًا فألنّه يستلزم تخلّل العدم بين الشيء ونفسه وهو ضروري االستحالة.
[ّ ]260
وأما ثالثًا فألنّه لو جاز إعادة المعدوم بعينه أي بجميع مش ّخصاته لجاز إعادة
[ّ ]261 5
غير الموجود
األول؛ ألنّه من جملتها ضرورة أ ّن الموجود بقيد كونه في هذا الوقت ُ
وقته ّ
بقيد كونه في وقت آخر .والالزم باطل إلفضائه إلى كون الشيء مبتدأً من حيث إنّه ُمعاد؛
الستلزامه عدم التميّز بين المبتدأ والمعاد؛ أل ّن المفروض اشترا ُكهما في الماهية وجميع
العوارض.
[ ]263والجواب أنّا ال نس ّلم امتناع إعادة المعدوم بعينه .وما ُذكر من الوجوه
بصحة
ّ يصح الحكم عليه
ّ [ّ ]264أما األول فألنّا ال نس ّلم أ ّن المعدوم ال 15
الهوية’ قلنا :إن أريد انتفاء الهوية مطل ًقا في الخارج وفي الذهن فممنوع.
وإن أريد في الخارج [41أ] فمس َّلم لكن ال يلزم من انتفاء الهوية في الخارج امتناع
اإلشارة إليه .فإ ّن التميز والثبوت عند العقل ٍ
كاف في اإلشارة العقلية وهي كافية في
ّ
صحة الحكم .واالحتياج إلى الثبوت العيني إنّما هو عند ثبوت الصفة في الخارج.
ّ
بصحة العود النتفاء اإلشارة إليه النتفاء هويته ال يستلزم
ّ ولو س ّلم فامتناع الحكم عليه
حكم عليه
متصور أويُ َ
يتصوره ّ
ّ امتناع العود لجواز وقوعه بتأثير الفاعل من غير أن 5
بشيء من األحكام.
[ ]265و ّأما الثاني فألنّا ال نس ّلم لزوم تخ ّلل العدم بين الشيء و نفسه بحسب
ذلك الوجود في زمان آخر ثم اتّصف به في زمان ثالث .ومآله راجع إلى تخ ّلل العدم
اعتبار التغاير
ُ مجازا كفاه
ً اعتبر نسبة هذا التخ ّلل إلى العدم
بين زماني وجوده .وإذا ُ 10
كل أحد
المشخصات .فإ ّن ّ
ّ وأما الثالث فألنّا ال نس ّلم كون الوقت من
[ّ ]266
يقطع بأ ّن ثيابه وكتبه اليوم هي 1بعينها التي كانت باألمس 2حتى إ ّن من زعم خالف
وأما الرابع فألنّا ال نس ّلم الشرطية؛ 3بل وجود المثل بالمعنى المذكور محال؛
[ّ ]267 15
[ ]268فإن قلت :الحكم بامتناع إعادة المعدوم ضروري .وما ُذكر من الوجوه في
المسماة
ّ جدا ،وهي
األصلية الباقية من ّأول الحياة إلى الممات .وتلك األجزاء قليلة ًّ 5
بالروح .فعند حضور الموت بأمر اهلل تعالى المالئكة تقبِض تلك األجزاء التي هي
وأيضا
ً الدواب وأكلناها،
ّ علمت أ ّن ترابها جثث الموتى قد ُجعل منها النبات وأكله
قد ُزرع فيها و ُغرس ثم حصلت منها الفواكه والحبوب فأكلناها .فاألجزاء المأكولة
منيا في اآلكل
دما ثم ًّ
فإن قيل يجوز أن تكون األجزاء األصلية من المأكول استحال ً
3 2
ويحصل منه مولود فتكون األجزاء األصلية من المأكول أجزاء أصلية لذلك المولود
واألم.
ّ تكونه ال من األب
كل إنسان تراه أن يكون ّ
لو جاز ذلك في الجملة لجاز في ّ
[ ]273والجواب عنه أنّا ال نس ّلم بطالن التالي .قوله ّأوال لو جاز ذلك في الجملة
[ ]274وقوله ثانيا نحن نعلم بالضرورة أن العناصر ما لم تستحل في األطوار بأن
ً
تصير نباتا إلى آخره ،ممنوع .بل المعلوم لنا هو أ ّن العناصر إذا استحالت في األطوار
فلعل هناك
ّ وأما أنّه ال يكون ّإل بهذا الطريق فال علم لنا به.
المذكورة تصير إنسا ًناّ .
متعددة ال نعلمها لعدم مشاهدتنا إياها .وقد ورد في بعض األخبار
طري ًقا آخر أو طر ًقا ّ
غرائب وعجايب ال يعلمها ّإل اهلل سبحانه وتعالى .وليس إنكاره إال كإنكار سائر