Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 128

‫رد مذاهب أهل األهواء‬

‫تلخيص تهافت الحكماء في ّ‬

‫محمد أمین األسكداري‬‫ّ‬


‫رحمة اهلل عليه‬
‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫[ديباجة]‬
‫[‪ ]1‬ال ّلهم يا واجب الوجود‪ ،‬ويا ُمفيض الخير والجود‪ِ ،‬أف ْض علينا من فضلك‬
‫ّ‬
‫الغير المتناهي‪ ،‬وأرنا حقايق األشياء كما هي‪ ،‬وخ ّلصنا بنور هدايتك عن الشكوك‬
‫ونور قلوبنا بأنوار التوحيد‬
‫واألوهام في تحقيق مباحث العقائد ومقاصد الكالم‪ّ ،‬‬ ‫‪5‬‬
‫وصل على سيد أنبيائك‬
‫ّ‬ ‫والعرفان‪ ،‬واحفظ عقايدنا بعصمتك عن الزيغ والبطالن‪،‬‬
‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫محمد المبعوث إلى كا ّفة الخلق بأقوى الدالئل‪ ،‬وعلى آله وأصحابه‬
‫ّ‬ ‫وأكرم أصفيائك‬
‫ذوي الفواضل والفضايل‪.‬‬
‫محمد‬
‫ّ‬ ‫محمد أمين بن‬
‫ّ‬ ‫ربه الغني‪ 3‬الباري‬
‫[‪ّ ]2‬أما بعد فيقول العبد الفقير إلى ّ‬
‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫رد مذاهب أهل األهواء‬ ‫المسماة بتهاف الحكماء في ّ‬ ‫األُ ُ‬
‫سكداري‪ :‬إ ّن الرسالة‬
‫‪4‬‬
‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫محمد الغزالي أعلى اهلل‬ ‫ّ‬ ‫حجة اإلسالم أبا حامد بن‬‫المنسوب َة إلى اإلمام المح ّقق ّ‬
‫ِ‬
‫والحبر المد ّقق المشتهر‬ ‫لخصها الفاضل المح ّقق‬
‫لما ّ‬
‫ْ‬ ‫تعالى درجته في دار السالم ّ‬
‫ونور َمهجعه صارت رسالة عذراء في إبطال أقوال‬ ‫بخواجه زاده ّبرد اهلل َمضجعه ّ‬
‫الحكماء ومقالة‪ 5‬حاوية على التحقيقات والتدقيقات وكثيرٍ في األبحاث واألنظار‬
‫والنكات لكنّه بالغ في إيراد األسولة واألجوبة ولم يكتف بذكر أقواهما كما اكتفى‬ ‫‪15‬‬

‫قدر ما يُحتاج إليه‬


‫ألخصها باالقتصار على ْ‬
‫فأردت أن ّ‬
‫ُ‬ ‫بذكر أقوى ُحجج الفالسفة‪.‬‬
‫من ذكر أقواهما وترك بعض التفاصيل‪ 6‬التي ال تخلو عن الفائدة لكنّها كالزائدة‬
‫ِلما رأيت أ ّن أبناء الزمان مائلون إلى االختصار‪ ،‬متجنّبون عن مسلك التطويل‬
‫واخترت عبارات كافية ومقاالت واضحة وافية وأوضحت غوامض في‬ ‫ُ‬ ‫واإلكثار‪.‬‬
‫وتسهيل على المشتغلين طلبا لمرضاة اهلل الملك الكريم‪،‬‬
‫ً‬ ‫الحاشية‪ 7‬تيسيرا للطالبين‬ ‫‪20‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إنّه هوالرؤوف الرحيم ذو الفضل العظيم‪.‬‬

‫إ‪ :‬من‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ‪ :‬و‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫م؛ إ – الغني‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫إ‪ :‬الهواء‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫إ‪ :‬مقاولة‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫وهي األبحاث التي أوردها الفاضل خواجه زاده على أجوبة اإلمام الغزالي عن أدلّة الفالسفة فتركت هذه األجوبة‬ ‫‪6‬‬
‫الرد على الفالسفة‪.‬‬
‫واألبحاث واكتفيت بذكر أقوى األجوبة إذ المقصود هو ّ‬
‫س – وأوضحت غوامض في الحاشية‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪65‬‬

‫وأجناسا وبحثوا عن‬


‫ً‬ ‫أنواعا‬
‫ً‬ ‫[‪ ]3‬اعلم أ ّن الحكماء ‪1[1‬ب] وضعوا الموجودات‬

‫متشعبة وفنون متكثّرة‪ ،‬وبيانها‬


‫ّ‬ ‫أحوالها حسب ما وصل إليه عقولهم فحصل لهم علوم‬

‫على اإلجمال‪:‬‬

‫[‪ ]4‬هو أ ّن الحكمة تنقسم بالقسمة األولى إلى نظرية وعملية؛ ألنّها إن تع ّلقت‬

‫تختص‬
‫ّ‬ ‫وإل فالنظرية‪ .‬والعملية ّإما أن‬
‫بما لقدرتنا تأثير‪ 2‬فيه فهو الحكمة العملية‪ّ ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫أيضا؛‬
‫بالتصوف ً‬
‫ّ‬ ‫ويسمى‬
‫ّ‬ ‫فالمختصة هي علم األخالق‬
‫ّ‬ ‫يختص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بالشخص وحده أو ال‬

‫وإل‬
‫المختصة إن كان باعتبار‪ 3‬مشاركة أهل المنزل فقط فهو علم تدبير المنزل‪ّ ،‬‬
‫ّ‬ ‫وغير‬

‫أيضا‪.‬‬
‫ويسمى بالسياسة المدنية ً‬
‫ّ‬ ‫فهو علم تدبير المدينة‬

‫المادة‪ 4‬الجسمانية في الوجودين أي‬


‫ّ‬ ‫علما بما يتجرد عن‬
‫[‪ ]5‬والنظرية ّإما أن تكون ً‬
‫ّ‬
‫أيضا بالعلم الك ّلي‬
‫ويسمى ً‬
‫‪5‬‬
‫ّ‬ ‫واألول هو العلم األعلى‬
‫ّ‬ ‫الذهني والخارجي أو ال يكون‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫صح تجرد‬ ‫وبالفلسفة األولى وبعلم ما بعد الطبيعة والعلم اإللهي‪ .‬والذي ال يكون إن‬
‫ّ ّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ويسمى بالعلم الرياضي ً‬
‫ّ‬ ‫معلومه عنها في الذهن فقط فهو الحكمة‪ 6‬الوسطى‬

‫أيضا بالعلم األسفل‪.‬‬


‫ويسمى ً‬
‫ّ‬ ‫وإل ‪7‬فهو العلم الطبيعي‬
‫ّ‬

‫غرضنا باإلبطال في هذه الرسالة ّإل بقسمين منها أعني الطبيعي‬


‫[‪ ]6‬وليس يتع ّلق ُ‬
‫واإللهي؛ أل ّن مخالفة ما ثبت من القواعد الشرعية والعقائد الدينية مقصورة عليهما‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫قدس سره في حاشية المطالع‪ :‬الطريق إلى معرفة المبدأ والمعاد من وجهتين‪ :‬أحدهما‬ ‫السيد الشريف ّ‬ ‫قال‬ ‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫األول إن التزموا م ّلة من ِملل األنبياء‬
‫طريقة أهل النظر‪ ،‬وثانيهما طريقة أهل الرياضة والمجاهدة‪ .‬والسالكون للطريق ّ‬
‫المشائيون‪ .‬والسالكون للطريق الثاني إن وافقهم في رياضتهم أحكام الشريعة فهم‬ ‫فهم المتك ّلمون وإالّ فهم الحكماء ّ‬
‫وإل فهم الحكماء اإلشراقيون‪.‬‬‫الصوفية المتشرعون ّ‬
‫ّ‬
‫المراد به الكسب ال التأثير الحقيقي‪ .‬فال يلزم إثبات القدرة المؤثّرة للعبد كما ذهبت إليه المعتزلة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬باعتبا‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫أي الهيولي‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ووجوه التسمية بتلك األسامي مشهورة ومذكورة في أوائل كتب الحكمة‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫المنقسمة إلى الهندسة والحساب والهيئة‬ ‫‪6‬‬
‫أصل ال في الذهن وال في الخارج‪.‬‬ ‫المادة الجسمانية ً‬
‫ّ‬ ‫يصح تجرد معلومه عن‬ ‫أي وإن لم‬ ‫‪7‬‬
‫ّ ّ‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪67‬‬

‫أصل مع‬
‫وأما الحكمة الوسطى‪ 1‬فالهندسيات والحسابيات منها ال تع ّل َق لهما بالشرع ً‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫منتظمة بحكم الوهم فيها على طاعة من العقل فال يقع فيهما‬ ‫متسقة‬
‫كون مباديهما ّ‬
‫الغلط‪.‬‬

‫وأما الهيئة منها فأكثر ما ُذكر فيها من ِعظم أمر السموات وعجيب خلقها‬
‫[‪ّ ]7‬‬
‫ودل عليها العالمات من غير إخالل بما ثبت‬
‫أمر يشهد به األمارات ّ‬ ‫وبديع ُصنعها‬ ‫‪5‬‬
‫ٌ‬
‫من القواعد الشرعية والعقائد الدينية؛ بل قد يُنتفع ببعض مسائلها في الشرعيات‬

‫كتعدد المشارق والمغارب واختالف المطالع وأمرِ القبلة وأوقات الصالة وغير ذلك‪،‬‬
‫ّ‬

‫المؤدي إلى مزيد اطّالع‬


‫ّ‬ ‫التفكر في خلق السموات واألرض‬
‫ّ‬ ‫مما يُعين على‬
‫وبعضها ّ‬
‫ُ‬

‫مما يخالف ظاهر الشرع [‪2‬أ]‬


‫ببالغ حكمة الصانع وباهر قدرته‪ .‬وإن وقع فيها شيء ّ‬
‫إثباتها فال يثبت ما يُبنى‬
‫يتيسر لهم ُ‬
‫مقدمات طبيعية وإلهية ال ّ‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬
‫إثباته على ّ‬
‫مما َبنوا َ‬
‫فهو ّ‬ ‫‪10‬‬

‫عليها من مسائل الهيئة‪ ،‬فال حاجة لنا إلى التعرض لها باالستقالل‪.‬‬
‫ّ‬
‫[‪ ]8‬فنريد أن نحكي في هذه الرسالة من قواعدهم الطبيعية واإللهية ما أورده‬

‫المعول عليها‬
‫َّ‬ ‫آخر أورده المح ّقق خواجه زاده بأدلّتها‬
‫حجة اإلسالم مع بعض َ‬
‫اإلمام ّ‬
‫الحق‬
‫ّ‬ ‫وإعظاما ألهل‬
‫ً‬ ‫المبطلين‬
‫إرغاما للمتفلسفة ُ‬
‫ً‬ ‫عندهم على وجوهها‪ ،‬ثم نُبطلها‬

‫وانتقاما من الذين أجرموا وكان ح ًّقا علينا نصر المؤمنين‪ .‬وهي مشتملة على‬
‫ً‬ ‫واليقين‬ ‫‪15‬‬
‫ُ‬
‫فصل‪:‬‬
‫اثنين وعشرين ً‬

‫م‪ :‬أي الرياضي‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مقدمة‪.‬‬
‫إ‪ّ :‬‬ ‫‪2‬‬
‫المقدمات الطبيعية واإللهية ٍ‬
‫كاف في إبطال ما ُبني عليهما‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فإبطالنا في هذه الرسالة لهذه‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪69‬‬

‫األول ِ‬
‫موجب بالذات ال فاعل باالختيار؛‬ ‫األول في إبطال قولهم المبدأ ّ‬
‫‪1‬‬

‫الثاني في إبطال قولهم بقدم العالم؛‬

‫الثالث في إبطال قولهم في‪ 2‬أبدية العالم؛‬

‫الرابع في إبطال قولهم الواحد ال يصدر عنه ّإل الواحد؛‬


‫‪4‬‬ ‫ِ‬
‫المختلفات عن‬ ‫المركب من‬
‫ّ‬ ‫الخامس في إبطال قولهم في كيفية‪ 3‬صدور العالم‬ ‫‪5‬‬

‫المبدأ الواحد؛‬

‫السادس في تعجيزهم‪ 5‬عن االستدالل على وجود الصانع للعالم؛‬

‫السابع في بيان عجزهم عن إقامة الدليل على وحدانية الواجب؛‬

‫وفاعل لشيء واحد؛‬


‫ً‬ ‫قابل‬
‫الثامن في إبطال قولهم إ ّن الواحد ال يكون ً‬
‫التاسع في إبطال مذهبهم في نفي الصفات؛‬ ‫‪10‬‬

‫العاشر في تعجيزهم عن إثبات قولهم إ ّن الواجب تعالى ال ينقسم بالجنس‬


‫والفصل؛‬

‫عين ماهيته؛‬
‫الحادي عشر في تعجيزهم عن إثبات قولهم إ ّن وجوده تعالى ُ‬
‫الثاني عشر في تعجيزهم عن‪ 6‬بيان أنّه تعالى ليس بجسم؛‬

‫الثالث عشر في تعجيزهم عن القول‪ 7‬بأنّه تعالى يعلم غيره؛‬ ‫‪15‬‬

‫الرابع عشر في تعجيزهم عن القول بأنّه تعالى يعلم ذاته؛‬

‫فصل‪ .‬والتي أضاف إليها العجز‬


‫اعلم أ ّن األقوال التي أضاف إليها اإلبطال مخالفة ألصول اإلسالم‪ ،‬وهي خمسة عشر ً‬ ‫‪1‬‬
‫عن االستدالل غير مخالفة لها؛ وإنّما تعرض لها لعدم تمامية دليلهم عليها وهي سبعة أقوال‪.‬‬
‫ّ‬
‫إ – في‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫بإثباتهم للعقول العشرة‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬من‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫قال اإلمام الغزالي رحم (إ‪ :‬ال يوجد)‪" :‬إ ّن بعض ما ذكر من هذه الدعاوي يجوز اعتقاده بل يجب؛ لكن ال يثبت على‬ ‫‪5‬‬
‫كل واحدة منها في مسألة على‬ ‫ونبين فساده‪ .‬ونرسم ّ‬ ‫أصولهم‪ ،‬فنبين عجزهم عن إثباتها‪ ،‬وبعضها ال يجوز اعتقاده‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل منها على حيالها‪.‬‬
‫حيالها‪ ".‬ونحن نقتفي إ ْثر اإلمام في إيراد ّ‬
‫إ‪ :‬من‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫إ – عن القول‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪71‬‬

‫الخامس عشر في إبطال قولهم إنّه تعالى ال يعلم الجزئيات من حيث هي جزئيات؛‬

‫السادس عشر في إبطال قولهم إ ّن السماء متحرك باإلرادة؛‬


‫ّ‬
‫السابع عشر في إبطال ما ذكره من الغرض‪ 1‬المحرك للسماء؛‬
‫ّ‬
‫الثامن عشر في إبطال قولهم إ ّن نفوس السماوات مطّلعة على جميع الجزئيات‬
‫الحادثة في هذا العالم؛‬ ‫‪5‬‬

‫التاسع عشر في إبطال قولهم بوجوب االقتران وامتناع االنفكاك بين األسباب‬
‫العادية والمسببات؛‬
‫َّ‬
‫العشرون في تعجيزهم عن إثبات [‪2‬ب] أ ّن نفس اإلنسان جوهر مجرد قائم بذاته؛‬
‫ّ‬
‫الحادى والعشرون في إبطال قولهم باستحالة الفناء على النفوس البشرية؛‬

‫الثاني والعشرون في إبطال قولهم بنفي البعث وحشر األجساد‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫واهلل الهادى إلى سبيل الرشاد‪.‬‬

‫وهو التشبه (إ‪ :‬التشبيه) بالعقول عندهم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ّ‬
‫األول‬
‫الفصل ّ‬
‫فاعل باالختيار‬
‫ٌ‬ ‫ب بالذات ال‬ ‫األول ِ‬
‫موج ٌ‬ ‫في إبطال قولهم المبدأ ّ‬
‫[‪ ]9‬ذهب أرباب ِ‬
‫الملل والشرايع من أهل اإلسالم وغيرِ هم إلى أنّه تعالى قادر‬

‫الزما لذاته‬
‫ً‬ ‫وتركه‪ .‬وليس شيء منهما‬
‫ُ‬ ‫إيجاد العالم‬
‫ُ‬ ‫يصح منه‬
‫ّ‬ ‫مختار على معنى أنّه‬

‫بحيث يستحيل انفكاكه عنه‪ ،‬وترجيح الفعل إنّما هو بإرادته‪ .‬وخـالفت الفالسفة في‬ ‫‪5‬‬

‫ذلك‪.‬‬

‫[‪ ]10‬وقالوا‪ :‬إنّه تعالى ِ‬


‫موجب بالذات ال بمعنى أ ّن فاعليته كفاعلية‪ 1‬المجبورين‬
‫من ذوي الطبايع الجسمانية كاإلحراق للنار‪ 2‬واإلشراق للشمس؛ بل على معنى أنّه‬
‫‪3‬‬
‫استعداده للوجود منه من غير انبعاث‬
‫ُ‬ ‫تم‬
‫تعالى تامٌّ في فاعليته‪ .‬فيجب صدور ما ّ‬
‫ٍ‬
‫وطلب مع علمه بمعلوله‪ 4‬وصدوره منه‪ .‬فهو الجواد الح ّق والفيّاض المطلق‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫قصد‬ ‫‪10‬‬

‫الفعل‬
‫ُ‬ ‫يصح منه‬
‫ّ‬ ‫[‪ ]11‬وما وقع في كالمهم من أنّه تعالى قادر مختار ليس بمعنى أنّه‬

‫متفق عليه بين‬


‫والتر ُك؛ بل بمعنى إن شاء فعل وإن لم يشأ لم يفعل‪ .‬وهذا المعنى ّ‬
‫الفريقين‪ّ ،‬إل أ ّن الحكماء ذهبوا إلى أ ّن مشيئة الفعل الزمة لذاته فيستحيل االنفكاك‬

‫ومقدم الشرطية الثانية ممتنع صد ُقه‪.‬‬


‫ّ‬ ‫فمقدم الشرطية األولى واجب صد ُقه‬
‫ّ‬ ‫بينهما‪.‬‬

‫حق الباري تعالى؛ أل ّن صدق الشرطية ال يقتضي‬


‫وكلتا الشرطيتين صادقتان في ّ‬
‫‪5‬‬
‫‪15‬‬

‫صدق الطرفين وال صدق أحدهما‪.‬‬

‫إ‪ :‬كفاعل‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ‪ :‬بالنار‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫بد له من باعث وع ّلة‬ ‫أي من باعث لها كما في صورة االختيار‪ ،‬فإ ّن القصد والطلب الصادر من الفاعل المختار ال ّ‬ ‫‪3‬‬
‫محتاجا إلى الع ّلة الغائية في‬
‫ً‬ ‫كل فاعل مختار‬‫وأما على مذهب المتكلمين فليس ّ‬ ‫غائية له‪ ،‬هذا على مذهب الحكماء‪ّ .‬‬
‫منزهة عن الغرض على ما ُبين في‬ ‫ّ‬ ‫أفعاله‬ ‫ذلك‬ ‫ومع‬ ‫عندهم‪،‬‬ ‫مختار‬ ‫تعالى‬ ‫الباري‬ ‫صدور األفعال عنه باالختيار؛ أل ّن‬
‫ّ‬
‫مح ّله‪.‬‬
‫إ‪ :‬بمعلومه‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫إ‪ :‬صادقتين‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪75‬‬

‫[‪ ]12‬والمتك ّلمون ذهبوا إلى أ ّن مشيئة الفعل غير الزمة لذاته‪ .‬فيجوز االنفكاك‬
‫ُ‬
‫فيصح منه‬
‫ّ‬ ‫جائز الصدق‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الصدق عندهم؛ بل‬ ‫واجب‬
‫ِ‬ ‫فمقدم الشرطيتين غير‬
‫ّ‬ ‫بينهما‪.‬‬
‫ُ‬
‫المشيئة والفعل وعدم المشيئة والترك‪.‬‬

‫فاعل بالقدرة‬ ‫احتجوا به على مذهبهم هو أ ّن المبدأ ّ‬


‫األول لو كان ً‬ ‫ّ‬ ‫[‪ ]13‬وأقوى ما‬

‫ّق قدرتِه بأحد مقدوريه المتساويين بالنظر إلى نفس القدرة دون‬
‫واالختيار دون اإليجاب فتعل ُ‬ ‫‪5‬‬

‫الكالم إلى تأثيره‪ 1‬في ذلك‬


‫ُ‬ ‫مرجح يُنقل‬
‫اآلخر‪ ،‬كحركة شيء واحد دون سكونه‪ ،‬إن افتقر إلى ِّ‬

‫جرا‪ ،‬فيلزم‬
‫مرجح آ َخر وهلُ ّم ّ‬
‫المرجح؛ أل ّن نسبتها إليه وإلى ض ّده على السواء‪ ،‬فيفتقر [‪3‬أ] إلى ِّ‬
‫َّ‬

‫المرجحات وهو محال‪ .‬وإن لم يفتقر لزم استغناءُ الممكن‪ 2‬في وجوده عن المؤثّر؛‬
‫التسلسل في ِّ‬

‫انسداد باب إثبات الصانع‪،‬‬


‫ُ‬ ‫مرجح فيلزم‬
‫الترجح بال ِّ‬
‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫إذ مبنى االحتياج إلى المؤثّر على امتناع‬

‫مبني على افتقار الممكن في وجوده إلى مؤثّر‪.‬‬


‫ألنّه ّ‬
‫‪4‬‬
‫‪10‬‬

‫الشق األول ونمنع لزوم التسلسل المذكور لجواز أن‬


‫ّ‬ ‫[‪ ]14‬والجواب أنّا نختار‬

‫المرجح هو اإلرادة التي يتع ّلق بأحد المتساويين لذاتها من غير احتياج إلى ِ ّ‬
‫مرجح‬ ‫ِّ‬ ‫يكون‬

‫الضدين‪ 6‬إن كانت كنسبة القدرة إليهما على السوية‬


‫ّ‬ ‫قلت‪ 5 :‬نسبة اإلرادة إلى‬
‫آخر‪ .‬فإن َ‬

‫أي تأثير الفاعل المختار‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫و هو أحد المقدورين‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫مرجح‪.‬‬
‫وقد تع ّلقت بأحدهما من غير ّ‬ ‫‪3‬‬
‫بد له من موجد مؤثّر‬
‫ممكنا فال ّ‬
‫ً‬ ‫شك في وجود موجود فإن كان واجبا فهو المطلوب وإن كان‬ ‫فإن العمدة فيه أنّه ال ّ‬ ‫‪4‬‬
‫ً‬
‫فإما أن يدور أو يتسلسل وهو محال‬ ‫ده‪.‬‬ ‫ِ‬
‫موج‬ ‫إلى‬ ‫الكالم‬ ‫نقل‬ ‫في‬ ‫ح‬ ‫ِ‬
‫مرج‬ ‫بال‬ ‫الممكن‬ ‫طرفي‬ ‫أحد‬ ‫ترجح‬
‫ضرورة امتناع ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ ُ‬
‫أو ينتهي إلى الواجب وهو المطلوب‪.‬‬
‫الضدين إثبات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إ‪ :‬فإن قلت نسبة اإلرادة إلى‬ ‫‪5‬‬
‫للمقدمة الممنوعة بإقامة الدليل عليها‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪6‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪77‬‬

‫ترجح أحد المتساويين على‬ ‫فتع ّلقها بأحدهما إن لم يحتج إلى ِ ّ‬


‫مرجح فقد يلزم ّ‬
‫يسد باب إثبات الصانع‪ .‬وإن احتاج لزم التسلسل وإن لم تكن نسبتها‬
‫اآلخر‪ ،‬وإنّه ّ‬

‫تصور تع ّل ُقها باآلخر الستحالة‬


‫إليهما على السوية بل كان تع ّلقها بأحدهما لذاتها لم يُ ّ‬
‫معا فيلزم كونه تعالى ِ‬
‫موجبا بالذات‪.‬‬ ‫الضدين ً‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫وترجح‬
‫ّ‬ ‫زوال ما‪ 1‬بالذات‬
‫ً‬
‫الضدين على السوية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫األول وهو أ ّن نسبة اإلرادة إلى‬
‫الشق ّ‬
‫ّ‬ ‫[‪ ]15‬قلنا‪ :‬نختار‬ ‫‪5‬‬

‫ترجح أحد المتساويين على‬


‫مرجح فقد يلزم ّ‬
‫قوله ‘فتع ّلقها بأحدهما إن لم يحتج إلى ّ‬
‫أحد المقدورين المتساويين على اآلخر‬
‫اآلخر’ ممنوع؛ بل الالزم منه ترجيح القادر َ‬

‫مرجح ومؤثّر مغاير ًة‬


‫الترجح بال ّ‬
‫ّ‬ ‫من غير دا ٍع يدعو إلى ترجيحه واختياره‪ ،‬وهو غير‬

‫انسداد باب إثبات‪ 3‬الصانع؛ فإنّه مبني على بطالن‬


‫ُ‬ ‫ظاهر ًة وغير مستلزم له‪ .‬فال يلزم‬
‫ّ‬ ‫ُ‬

‫الترجح بال ِ ّ‬
‫مرجح المستلزم لوجود الممكن بال مؤثّر ال على بطالن ترجيح القادر‬ ‫ّ‬ ‫‪10‬‬

‫أحد مقدوريه المتساويين على اآلخر بإرادته من غير دا ٍع إلى تلك اإلرادة‪.‬‬
‫المريد َ‬

‫فعل لذات المريد‪ ،‬فتأثيره‬


‫الضدين ٌ‬
‫ّ‬ ‫شك أ ّن تع ّلق اإلرادة ألحد‬
‫[‪ ]16‬فإن قلت‪ :‬ال ّ‬

‫فيه ّإما باإلرادة‪ 4‬أو باإليجاب؛ إذ الفعل الصادر عن الفاعل ال يخلو عنهما‪ .‬فإن كان‬

‫األول لزم التسلسل‪ .‬وإن كان الثاني يلزم كونه ِ‬


‫موجبا؛ أل ّن الفعل إذا كان واجبا بسبب‬ ‫ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫التمكن من الترك‪ ،‬فال يكون‬
‫ّ‬ ‫تصور‬
‫تع ّلق اإلرادة به الحاصل من الفاعل بااليجاب ال يُ ّ‬ ‫‪15‬‬

‫صحة الفعل والترك‪ .‬وهوالمعني بااليجاب‪.‬‬


‫قادرا بمعنى ّ‬
‫ً‬
‫ّ‬

‫إ‪ :‬زوالها‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫معا المستلزم الجتماعها وهو محال‪.‬‬
‫ً‬ ‫ين‬ ‫الضد‬
‫ّ‬ ‫ح‬ ‫ترج‬
‫ّ‬ ‫والستحالة‬ ‫أي‬ ‫بالذات‬ ‫ما‬ ‫زوال‬ ‫على‬ ‫عطف‬ ‫بالجر‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬باب انسداد إثبات‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫المتع ّلقة بتلك اإلرادة‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪79‬‬

‫[‪ ]17‬قلنا‪ :‬نختار أ ّن تأثيره في تع ّلق [‪3‬ب] اإلرادة باإلرادة وال نس ّلم لزوم التسلسل‪.‬‬

‫وإنّما يلزم لو احتاج تع ّلق اإلرادة إلى تع ّلق آخر‪ ،‬وهو ممنوع‪ ،‬بل تلك اإلرادة إرادة‬

‫قصدا‪ 1‬فهو‬
‫ً‬ ‫قصدا هو المراد‬
‫ً‬ ‫قصدا وإرادة لنفسها بتبعية المراد‪ .‬فإ ّن المفعول‬
‫ً‬ ‫للمراد‬

‫ٍ‬
‫قصدا وال بمراد كذلك؛ بل‬
‫ً‬ ‫وأما تع ّلق اإلرادة فليس بمفعول‬ ‫يحتاج إلى إرادة ِ ّ‬
‫ترجحه‪ّ .‬‬
‫ِ‬
‫الموجب‬ ‫قصدا‪ ،‬فال يحتاج فيه إلى إرادة أخرى‪ .2‬فكما أ ّن‬
‫ً‬ ‫تب ًعا لذلك المفعول المراد‬ ‫‪5‬‬
‫َ‬
‫االتصاف باإليجاب إلى إيجاب آخر كذلك‬
‫شيئا باإليجاب ال يحتاج في ّ‬
‫إذا أوجب ً‬
‫االتصاف بها إلى إرادة أخرى‪.‬‬
‫شيئا باإلرادة ال يحتاج في ّ‬
‫المختار إذا أوجد ً‬

‫وإل‬
‫[‪ ]18‬فإن قلت‪ :‬نحن نعلم بالضرورة أ ّن تع ّلق اإلرادة ال يدخل في ع ّلة نفسه ّ‬

‫لزم تو ّقف الشيء على نفسه‪.‬‬

‫تقد ٍم ِلما ذكرنا من أ ّن هذه اإلرادة‬


‫معية ال دور ّ‬
‫‪4‬‬
‫[‪ ]19‬قلنا‪ :‬هذا‪ 3‬من قبيل دور‬ ‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫قصدا‪ ،‬وبنفسها بتبعية تع ّلقها بالمراد في زمان واحد‪.‬‬
‫ً‬ ‫تتع ّلق بالمراد‬

‫بد من‬
‫فعل للمريد ال ّ‬
‫لما كان تع ّلق اإلرادة ً‬
‫[‪ ]20‬فإن قلت‪ :‬س ّلمنا ذلك لكن ّ‬
‫وعدم‬
‫ُ‬ ‫نسبته إليه وإلى عدمه سواء‪ ،‬وكان تحصيله‬
‫وإل لكان ُ‬
‫أمر دا ٍع إلى تحصيله‪ّ ،‬‬

‫فعل لذلك المريد؛ إذ‬


‫وعدم صدوره سواء‪ .‬فال يجوز أن يكون ً‬
‫ُ‬ ‫وصدوره عنه‬
‫ُ‬ ‫تحصيله‬

‫صدوره عن الفاعل متساويين‬


‫ُ‬ ‫الضرورة العقلية حاكمة بأنّه إذا كان صدور الشيء وال‬ ‫‪15‬‬

‫يمتنع صدوره عنه‪.‬‬

‫قصدا‪.‬‬
‫ً‬ ‫إ – هو المراد‬ ‫‪1‬‬
‫إ – أخرى‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫فيه إشارة إلى ما وقع من التقصير في عبارة بعض األفاضل؛ إذ لم يظهر من تقريره جواب عن سؤال الدور حيث‬ ‫‪3‬‬
‫اقتصر على جواب السؤال الذي يليه‪ ،‬تدبّر‪.‬‬
‫وهو جائز‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪81‬‬

‫[‪ ]21‬قلنا‪ :‬ال نس ّلم صدق ما ذكرتم من القضية على إطالقها؛ بل ذلك فيما إذا‬
‫ّ‬
‫مختارا فال نس ّلم ذلك‪ .‬لم ال يجوز أن يكون ذلك‬
‫ً‬ ‫وأما إذا كان‬ ‫كان الفاعل ِ‬
‫موج ًبا‪ّ .‬‬
‫الجوع‬
‫ُ‬ ‫يشتد به‬
‫ّ‬ ‫بمجرد إرادته من غير حاجة إلى أمر آخر؟ فإ ّن الشخص الجائع الذي‬
‫ّ‬
‫إذا ُوضع بين يديه رغيف فإنّه يبتدئ‪ 1‬بأكل جانب معين منه‪ 2‬دون سائر الجوانب‪ ،‬ال‬
‫ّ‬
‫احتمال‬
‫ُ‬ ‫ألمر اقتضى إرادة ذلك الجانب وترجيحه على سائر الجوانب‪ .‬ويكفي لنا‬ ‫‪5‬‬

‫ِّ‬
‫المرجح فيما ذكر‪.‬‬ ‫سندا للمنع وال حاجة لنا إلى إثبات عدم‬ ‫ِّ‬
‫المرجح ً‬ ‫عدم‬

‫وتجويزهم‬
‫ُ‬ ‫نقضا لتلك الك ّلية التي ّاد َعوا ضروريتها‪.‬‬
‫[‪ ]22‬نعم‪ ،‬إ ّن ْثبت ذلك يكون ً‬
‫‪3‬‬

‫يقدح فيما هو المقصود؛ بل عليهم أن يُثبتوا‬ ‫إثباته ال َ‬ ‫ِّ‬


‫المرج َح في المثال الجزئي بل ُ‬
‫المقدمة أو ضروريتها‪ ،‬وأنّى لهم ذلك‪ .‬فال وجه لما قيل من أنّا ال نس ّلم إمكان‬
‫ّ‬ ‫تلك‬

‫وحسن اللون وكثرة النُضج‬


‫جميع جوانبه في القرب [‪ ] 4‬والبعد ُ‬
‫أ‬
‫ُ‬ ‫وجود رغيف يتساوى‬ ‫‪10‬‬

‫كل جزء من أجزاء‬


‫البعد بين الجائع وبين ّ‬ ‫‪4‬‬
‫وغير ذلك‪ .‬كيف فإ ّن فرضه بحيث يكون‬
‫ُ‬
‫وأما إذا‬
‫أحد جوانبه فظاهر‪ّ .‬‬
‫‪5‬‬
‫واحدا محال‪ّ .‬أما إذا كان المقابل للجائع َ‬
‫ً‬ ‫بعدا‬
‫الرغيف ً‬
‫كل جزء من جوانبه َو َتر لزاوية قائمة‬
‫كان المقابل له أحد وجهيه فأل ّن البعد بينه وبين ّ‬
‫ٌ‬
‫الحادة فيكون‬
‫ّ‬ ‫حادة‪ .‬ووتر القائمة أعظم من وتر‬
‫بينه وبين مركز الرغيف ووتر لزاوية ّ‬
‫أقرب إليه من جوانبه‪ .‬وإن ُفرض رغيف متساوي الجوانب واألجزاء في‬
‫َ‬ ‫مركز الرغيف‬ ‫‪15‬‬

‫ٍ‬
‫حينئذ بأكل شيء من جوانبه‬ ‫محال قلنا‪ :‬ال يبتدئ‪ 6‬الجائع‬
‫ً‬ ‫األمور المذكورة وإن كان‬

‫محال آخر‪.‬‬
‫ً‬ ‫جوعا؛ إذ المحال جاز أن يستلزم‬
‫ً‬ ‫و أجزائه إلى أن يموت‬

‫إ‪ :‬يبتدأ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – منه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬يكوني‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬يكوني‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫هي الطول والعرض‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫إ‪ :‬يبتدأ‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪83‬‬

‫المقدمة ومنع‬
‫ّ‬ ‫[‪ ]23‬هذا ما ذكروه وهذا ال يضرنا ِلما ذكرنا من أ ّن منع ك ّلية‪ 1‬تلك‬
‫ّ‬
‫المقدمة منقوضة بصور كثيرة مبسوطة‪ ،‬وأجوبتهم‬ ‫ّ‬ ‫ضروريتها ٍ‬
‫كاف لنا على أ ّن تلك‬
‫أظن أنّه اختلج في‬
‫ألوردت جميع ذلك لكن ّ‬
‫ُ‬ ‫تامة‪ .‬ولوال خشي ُة اإلطناب‬
‫عنها غير ّ‬
‫تدعي ضرورية‪ 2‬القضية المذكورة‪،‬‬ ‫قلبك شيء من وساوس الوهم يبعثك إلى أن ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫والقول بأ ّن‬ ‫فوجب عليك أن تتخ ّلص عن احتجاجهم بالتزام التسلسل في التع ّلقات‬ ‫‪5‬‬

‫الضدين محتاج إلى ِ ّ‬


‫مرجح آخر‪ ،‬وهو تع ّلق آخر لإلرادة متع ّلق‬ ‫ّ‬ ‫تع ّلق اإلرادة إلى أحد‬
‫وتمنع‪ 4‬بطالن مثل هذا التسلسل؛ ألنّه‬
‫‪5‬‬
‫َ‬
‫‪3‬‬
‫بذلك التع ّلق وهلم جرا إلى غير النهاية‬
‫ّ ّ‬
‫تسلسل في األمور االعتبارية التي ال وجود لها فى الخارج‪.‬‬

‫شيئا ال يزيد إرادتُنا‪ ،‬فظهر‬


‫[‪ ]24‬فإن قلت‪ :‬نحن نعلم بالضرورة أنّا متى أردنا ً‬
‫عدم احتياجنا فى‬
‫بد من أمر آخر‪ .‬قلنا َ‬
‫أ ّن تع ّلق اإلرادة ال يكون بتع ّلق آخر؛ بل ال ّ‬
‫‪6‬‬
‫‪10‬‬

‫وأما‬
‫إرادتنا إلى إرادة أخرى؛ أل ّن إرادتنا ليست من فعلنا؛ بل من فعل اهلل تعالى‪ّ .‬‬
‫‪7‬‬

‫عدم إرادة‬
‫بد أن يكون من فعله‪ .‬فال يلزم من عدم إرادتنا إلرادتنا ُ‬
‫إرادة اهلل تعالى فال ّ‬
‫اهلل تعالى إلرادته‪.‬‬
‫حتج على كونه تعالى ِ‬
‫موجبا بالذات بأ ّن الفاعل بالقصد واإلرادة ال‬ ‫[‪ ]25‬وقد يُ ّ‬
‫ً‬
‫بد‬
‫ليترجح الفعل على الترك عنده‪ ،‬وذلك الباعث ال ّ‬‫ّ‬ ‫بد له من أمر باعث على الفعل‬
‫ّ‬ ‫‪15‬‬

‫وإل لم يكن باع ًثا على‬


‫أن يكون حصولُه أولى بالنسبة إلى الفاعل من ال حصوله‪ّ ،‬‬
‫الفعل ضرور َة أ ّن ما كان حصولُه وال حصولُه بالنسبة إلى الفاعل سواء لم يكن باع ًثا‬
‫‪8‬‬

‫ٍ‬
‫فحينئذ يلزم استكماله [‪4‬ب] بالغير وإنّه محال‪.‬‬ ‫له على الفعل‪،‬‬

‫إ‪ :‬كلتي‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ‪ :‬ضرورة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬ذلك‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫س‪ :‬انت تمنع‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫إ‪ :‬ألنّها‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫إ‪ :‬يكونى‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫على ما ذهبت إليه األشاعرة‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫إ – على الفعل ضرورة أ ّن ما كان حصوله وال حصوله بالنسبة للفاعل سواء لم يمكن باع ًثا‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪85‬‬

‫بد له من أمر باعث‬


‫[‪ ]26‬والجواب أنّا ال نس ّلم أ ّن الفاعل بالقصد واإلرادة ال ّ‬
‫على الفعل سوى القصد واإلرادة‪ .‬ولو ُس ّلم فال نس ّلم أنّه يلزم أن يكون حصوله‬

‫بالنسبة إلى الفاعل أولى من ال حصوله‪ .‬ولم ‪1‬ال يكفي األولوية بالنسبة إلى الغير في‬

‫كونه باع ًثا على الفعل؟‬

‫بد أن يكون‬
‫[‪ ]27‬واألشاعرة يوافقون الحكماء في أ ّن الباعث على الفعل ال ّ‬
‫‪2‬‬
‫‪5‬‬

‫ويدعون فيه الضرورة ويقتصرون في‬


‫حصوله أولى بالنسبة إلى الفاعل من ال حصوله ّ‬
‫المقدمة األولى‪ .‬والمعتزلة يوافقونهم في أ ّن الفاعل باالختيار ال‬
‫ّ‬ ‫الجواب على منع‬

‫بد له من أمر باعث غيرِ اإلرادة على الفعل لكنّهم يمنعون‪ 3‬لزوم كونه أولى بالنسبة‬
‫ّ‬
‫إلى الفاعل ويكتفون‪ 4‬في الجواب بهذا المنع‪.‬‬

‫ُر ّد ذلك بأنّه لو كان حصول األولى لغيره وعدم حصوله لغيره متساويين بالنسبة إليه تعالى ال يكون باع ًثا بداهة‪ .‬وإن‬ ‫‪1‬‬
‫األول‪.‬‬
‫كان حصوله أولى يلزم استكماله بالغير‪ ،‬وإنّه محال‪ .‬فالتعويل على المنع ّ‬
‫بد له من أمر باعث غير اإلرادة كما وافقهم المعتزلة في ذلك‪.‬‬ ‫وال يوافقونهم في أ ّن الفاعل باالختيار ال ّ‬ ‫‪2‬‬
‫بد له من‬
‫ّ‬ ‫ال‬ ‫باالختيار‬ ‫الفاعل‬ ‫ن‬‫ّ‬ ‫أ‬ ‫وهو‬ ‫متين‪:‬‬ ‫مقد‬
‫ّ‬ ‫من‬ ‫ب‬ ‫مرك‬
‫ّ‬ ‫الفالسفة‬ ‫عاه‬ ‫اد‬
‫أي ال يوافقونهم في ذلك‪ .‬والحاصل أ ّن ما ّ‬ ‫‪3‬‬
‫وكل‬
‫بد أن يكون أولى بالنسبة إلى الفاعل من ال حصوله‪ٌّ .‬‬ ‫أمر باعث على الفعل غير القصد واإلرادة وأ ّن حصوله ال ّ‬
‫المقدمتين ممنوع عند الماتريدية والثانية مس ّلمة عند األشاعرة وبالعكس عند المعتزلة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫من‬
‫األول‪.‬‬
‫لعدم جريان المنع ّ‬ ‫‪4‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫في إبطال قولهم بقدم العالم‬

‫[‪ ]28‬اتفقت أرباب ِ‬


‫الملل والشرائع من أهل اإلسالم وغيرهم على أ ّن العالم‬

‫جمهور الفالسفة‪ .‬وتو ّقف جالينوس فيه على ما ُحكي‬


‫ُ‬ ‫محدث وخـالفهم في ذلك‬
‫َ‬

‫علمت أ ّن العالم‬
‫ُ‬ ‫عنه أنّه قال في مرضه الذي ُتو ّفي فيه لبعض تالمذته «اكتب عني ما‬ ‫‪5‬‬

‫آراء‬
‫قديم أو حادث»‪ .‬واعلم أ ّن للفالسفة في أمر العالم وتعيين ما هو القديم منه ً‬
‫مقدمهم الذي هو‬
‫فلنقتصر على بيان مذهب َّ‬ ‫وأقوال منتشرة ال فائدة لتفصيلها‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪1‬‬
‫متشتة‬
‫ّ‬
‫ْ‬
‫األول عندهم وهو أرسطاطاليس‪ .‬فنقول‪:‬‬
‫الفيلسوف المطلق والمع ّلم ّ‬

‫والمجردات منها‬
‫ّ‬ ‫مجردات أو ما ّديات‪.‬‬
‫[‪ ]29‬ذهب هو ومن تبعه إلى أ ّن العالم ّإما ّ‬
‫ما هي قديمة كالعقول العشرة‪ 2‬والنفوس الفلكية‪ ،‬ومنها ما هي حادثة كالنفوس البشرية‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫وأما الماديات فالفلكيات قديمة بموا ّدها وصورها الجسمية والنوعية وبعض أعراضها‬
‫ّ‬
‫وأما العنصريات فإنّها قديمة بموا ّدها وصورها الجسمية بالنوع ال‬
‫الشكل والضوء‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫وهو‬

‫بالشخص وصورها النوعية بالجنس على معنى أ ّن ما ّدة العناصر ال تخلو عن صورة نوعية‬

‫لكن خصوصية‪ 3‬النارية أو الهوائية أو المائية أو األرضية ال تجب أن تكون‬


‫لعنصر ما؛ ّ‬
‫قديمة‪ .‬فهذه الصور متشاركة في جنس الصورة النوعية دون ماهيتها النوعية فيكون جنسها‬ ‫‪15‬‬

‫مستمر الوجود بتعاقب أنواعه‪.‬‬


‫َّ‬

‫إ‪ :‬منشتة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫م؛ إ – العشرة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫وهي نوع من أنواع الصور النوعية‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪89‬‬

‫وعروتهم‬
‫[‪ ]30‬ولهم في إثبات قدم العالم وجوه أربعة‪ :‬األول ُعمدتهم العظمى ُ‬
‫‪1‬‬

‫[‪5‬أ] الوثقى‪ ،‬والثاني قريب‪ 2‬منه‪ .‬فلنكتف بإيرادهما وتقرير أجوبتهما‪.‬‬

‫األول أ ّن جميع ما ال ب ّد منه في إيجاد الباري تعالى للعالم إن كان‬


‫[‪ ]31‬فتقرير ّ‬
‫حاصل فيه كذلك‪ ،‬فكان وجود العالم الذي ال يتخلّف‬
‫ً‬ ‫حاصل فى األزل لكان اإليجاد‬
‫ً‬

‫حاصل فيه كذلك؛ إذ لو لم يحصل ذلك اإليجاد فيه لكان حصوله بعده‬
‫ً‬ ‫عن اإليجاد‬ ‫‪5‬‬

‫حاصل في األزل وهو‬


‫ً‬ ‫ّإما أن يتوقّف على شرط حادث له فال يكون جميع ما ال ب ّد منه‬

‫مرجح؛ أل ّن المؤثّر المستجمع‬


‫خالف المفروض‪ ،‬أو ال يتوقّف عليه فيلزم الرجحان بال ِّ‬

‫مشترك بين الوقت الذي حصل فيه اإليجاد وبين ما‬


‫لجميع األمور المعتبَرة في اإليجاد َ‬
‫قبله‪ ،‬فوقوعه في ذلك الوقت دون ما قبله رجحان ألحد المتساويين على اآلخر‪.‬‬

‫حاصل في األزل كان بعضه حادثًا‬


‫ً‬ ‫[‪ ]32‬وإن لم يكن جميع ما ال ب ّد منه في اإليجاد‬ ‫‪10‬‬

‫قطعا‪ .‬فإن لم يحتج هذا الحادث إلى تأثير مؤثّر لزم استغناء الحادث عن المؤثّر وهو‬
‫ً‬
‫حاصل في‬
‫ً‬ ‫فإما أن يكون جميع ما ال ب ّد منه في‪ 3‬تحصيله‬
‫ضروري االستحالة‪ .‬وإن احتاج ّ‬
‫األزل فيلزم قدم الحادث أو ال يكون فبعضه حادث وننقل الكالم إليه ويلزم التسلسل‪.‬‬

‫األول وهو المشهور فيما بين القوم وعليه اعتماد األكثر‬


‫[‪ ]33‬وأجيب عنه بوجوه؛ ّ‬
‫حاصل في األزل‬
‫ً‬ ‫هو أنّا ال نس ّلم أ ّن جميع ما ال ب ّد منه في إيجاد الباري تعالى للعالم إنكان‬ ‫‪15‬‬

‫األول من استداللهم على قدم العالم‪.‬‬


‫الوجه ّ‬ ‫‪1‬‬
‫أي في كونه عمدة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ – في‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪91‬‬

‫حاصل في األزل ولم يتوقف‬


‫ً‬ ‫حاصل فيه‪ .‬قولهم إذا كان جميع ما ال ب ّد منه‬
‫ً‬ ‫كان اإليجاد‬

‫مرجح ممنوع‪.‬‬
‫التأثير على شرط حادث لزم من عدم حصول األثر فيه الرجحان من غير ّ‬
‫بد منه تع ّلق اإلرادة التي من شأنها‬
‫وإنّما يلزم ذلك إذا لم يكن من جملة ما ال ّ‬
‫ِ‬
‫ومخصص من‬
‫ّ‬ ‫والترجح بوقت دون وقت من غير احتياج إلى ِ ّ‬
‫مرجح‬ ‫ّ‬ ‫التخصيص‬

‫أحد‬
‫بد منه تع ّلق اإلرادة فالالزم ترجيح المختار َ‬
‫وأما إذا كان من جملة ما ال ّ‬
‫خارج‪ّ .‬‬ ‫‪5‬‬

‫المتساويين من غير ِ ّ‬
‫مرجح من خارج واستحالته ممنوعة‪.1‬‬

‫قديما يلزم أن يكون األثر الذي يكفي‬


‫ً‬ ‫[‪ ]34‬فإن قلت‪ :‬إن‪ 2‬كان ذلك التع ّلق‬

‫أيضا ؛إذ لو كان حاد ًثا لزم‪ 3‬تخ ّلف المعلول عن ع ّلته‬
‫قديما ً‬
‫ً‬ ‫في وجوده هذا التع ّلق‬

‫التامة وهو محال‪ ،‬وإن كان حاد ًثا نقلنا الكالم إليه‪ .‬فإن أُ ِ‬
‫سند حدوثُه إلى حادث آخر‬ ‫ّ‬
‫وهكذا ال إلى نهاية سواء كان ذلك الحادث [‪5‬ب] تع ّل َق إرادة أو غيره لزم التسلسل‬ ‫‪10‬‬
‫َ‬
‫يخصصه بوقت حدوثه‪ ،‬فيلزم الرجحان‬
‫وإل استغنى الحادث عن مؤثّر ّ‬
‫في الحوادث‪ّ ،‬‬

‫بال ِ ّ‬
‫مرجح‪.‬‬

‫[‪ ]35‬قلنا‪ :‬يجوز أن يتع ّلق اإلرادة القديمة في األزل‪ 4‬بوجود العالم‪ 5‬في وقت‬

‫التامة؛ إذ من جملتها‬
‫معين من األوقات اآلتية‪ ،‬فال يلزم تخ ّلف المعلول عن ع ّلته ّ‬
‫ّ‬
‫تع ّلق اإلرادة بوجوده فيما سيأتي‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫إ‪ :‬ممنوع‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ‪ :‬إذا‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ّ‬ ‫وأيضا لزم الرجحان بال ِ ّ‬
‫مرجح؛ أل ّن الرجحان الحاصل من ذلك التع ّلق يعم األوقات ك َّلها كما قيل‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪3‬‬
‫إ – في األزل‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫حينئذ على حضور ذلك الوقت الحادث فينقل الكالم إليه ويلزم التسلسل’ قلنا‪ :‬حضور‬ ‫ٍ‬ ‫فإن قلت‪‘ :‬يتو ّقف وجوده‬ ‫‪5‬‬
‫ذلك الوقت الذي هو حادث يتو ّقف على وقت آخر حادث سابق عليه‪ .‬وهكذا فالالزم منه تسلسل األوقات الماضية‬
‫أصل؛ أل ّن الكالم في أوقات قبل العالم ومثل هذا التسلسل غير محال‪.‬‬‫المتوهمة التي ال وجود لها في الخارج ً‬
‫َّ‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪93‬‬

‫ِ‬
‫مستن ًدا إلى‬ ‫أيضا بأنّه يجوز أن يكون ذلك التع ّلق حاد ًثا‬
‫[‪ ]36‬وقد يجاب عنه ً‬

‫تع ّلق آخر وهكذا إلى غير النهاية؛ ألنّها أمور اعتبارية‪ .‬والدليل ما قام على استحالة‬

‫كل سابق‬
‫أمورا متعاقبة ويكون ّ‬
‫التسلسل فيها على أنّه يجوز أن يكون تلك التع ّلقات ً‬
‫‪1‬‬

‫طا لالحق إلى أن ينتهي إلى تع ّلق هو شرط لحدوث األجسام‪ ،‬وبطالن‬
‫منها شر ً‬

‫التسلسل في األمور المتعاقبة لم يثبت عندهم‪ .‬وللمتك ّلمين أن يلتزموا في مقام المنع‬ ‫‪5‬‬

‫صحته‪.‬‬
‫ّ‬

‫مستندا إلى علمه‬


‫ً‬ ‫أيضا بأنّه يجوز أن يكون ذلك التع ّلق حاد ًثا‬
‫[‪ ]37‬وقد يجاب ً‬
‫األزلي بإيقاع العالم في الوقت الذي أوقعه فيه‪ ،‬وما ِ‬
‫علم اهلل يجب وقوعه ويمتنع‬

‫كل علم‬
‫مبني على أ ّن ّ‬ ‫خالفه‪ .‬فال جر َم تع ّلق إرادته في الوقت الذي أوقعه فيه‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫ليس بتابع لمعلومه؛ بل ذلك إنّما هو في العلم االنفعالي‪ِ .‬‬
‫وعلمه تعالى بإيقاع العالم‬ ‫‪10‬‬

‫ِ‬
‫مخص ًصا له‪.‬‬ ‫متبوعا‪ ،‬فيجوز كونه‬ ‫تابعا لمعلومه بل‬
‫ّ‬ ‫ً‬ ‫في وقته علم فعلي فال يكون ً‬

‫[‪ ]38‬الوجه الثاني من وجوه الجواب عن استداللهم على قدم العالم هو النقض‬

‫بالحادث‪ 2‬اليومي؛ إذ ال شبهة في وجوده مع جريان الدليل فيه بعينه بأن يقال‪ :‬جميع ما ال‬

‫حاصل في األزلكان اإليجاد أزليًا فكان وجود ذلك الحادث أزليًا‪،‬‬


‫ً‬ ‫ب ّد منه في إيجاده إنكان‬
‫إذ ال يتخلّف الوجود عن اإليجاد؛ ألنّه لو لم يكن اإليجاد أزليا ٍ‬
‫حينئذ لكان حصوله بعده ّإما‬ ‫‪15‬‬
‫ً‬
‫مرجح‪.‬‬
‫أن يتوقّف على شرط حادث‪ ،‬وهو خالف المفروض‪ ،‬أو ال يتوقّف فيلزم الرجحان بال ِّ‬

‫يعني س ّلمنا استحالة التسلسل في األمور االعتبارية الواقعة في نفس األمر المجتمعة في الوجود لكن يجوز (إ‪ :‬تجوز)‬ ‫‪1‬‬
‫إلى آخر‪.‬‬
‫كونه الحادث اليومي‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪95‬‬

‫حاصل في األزل كان بعضه حادثًا‪ .‬فإن لم‬


‫ً‬ ‫وإن لم يكن جميع ما ال ب ّد منه في اإليجاد‬
‫يحتج ذلك البعض الحادث إلى تأثير مؤثّر لزم استغناء الحادث عن المؤثّر‪ .‬وإن احتاج‬
‫حاصل في األزل فيلزم قدم الحادث‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫فإما‪ 1‬أن يكون جميع ما ال ب ّد منه في تحصيله‬
‫ّ‬
‫صح هذا [‪6‬أ] الدليل‬‫ّ‬ ‫ال يكون فبعضه حادث فيُنقل الكالم إليه ويلزم التسلسل‪ .‬فلو‬
‫والمدعى‬
‫ّ‬ ‫قطعا‪ .‬فالدليل جارٍ فيه‬
‫قديما مع أنّه حادث ً‬
‫ً‬ ‫لزم أن يكون الحادث‪ 2‬اليومي‬ ‫‪5‬‬

‫متخ ّلف عنه‪.‬‬

‫واعترض عليه بأ ّن التسلسل الالزم في الحادث اليومي هو تسلسل في األمور‬


‫ُ‬ ‫[‪]39‬‬
‫المتعاقبة‪ .‬وليس ذلك يمتنع بخالف التسلسل الالزم في حدوث العالم؛ فإنّه تسلسل في‬
‫األمور المترتّبة المجتمعة في الوجود وهو محال فال يكون الدليل بعينه جاريًا فيه‪.‬‬
‫ِ ‪3‬‬
‫[‪ ]40‬وتفصيل مذهبهم في ذلك أ ّن العلّة قد تكون ُمع َّدةً وقد تكون مؤثّرة‪ّ .‬‬
‫وأما‬ ‫‪4‬‬
‫‪10‬‬

‫المعدة فمتق ّدمة على المعلول؛ ألنّها مفيدة الستعداد المعلول لقبول األثر من العلّة‬
‫وأما المؤثّرة فيجب أن تكون‬
‫الفعل‪ّ .‬‬
‫بالقوة فال يجامع َ‬
‫المؤثّرة‪ .‬واستعداد الشيء هو كونه ّ‬
‫مقارنة للمعلول موجودة معه‪.‬‬
‫ضا دائم‬
‫األول أي ً‬
‫‪6‬‬
‫األول دائم الوجود كان معلوله ّ‬
‫‪5‬‬
‫لما كان المبدأ ّ‬ ‫[‪ ]41‬ثم ّ‬
‫الوجود‪ .‬وهكذا‪ 7‬إلى أن ينتهي سلسلة المعلوالت الدائمة إلى‪ 8‬أجرام األفالك ونفوسها‬ ‫‪15‬‬

‫ضا دائمة الوجود لدوام‬


‫نفوسها أجر َامها حركةً دوريةً إراديةً وهذه الحركة أي ً‬
‫فحركت ُ‬‫ّ‬
‫المتحرك بها‬
‫ّ‬ ‫سببها وعلّتها‪ّ ،‬إل أنّها لعدم استقرارها يتب ّدل أوضاعُ أجرام الجسم‬
‫‪9‬‬

‫إ– ّ‬
‫فإما‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إ‪ :‬حادث‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ِ‬
‫الموصلة إلى المقاصد فإنّها التجامع مع‬ ‫عما يتو ّقف عليه الشيء وال يجامعه في الوجود كالخطوات‬ ‫ِ‬
‫المع ّدات عبارة ّ‬ ‫‪3‬‬
‫المقصود ‪.‬‬
‫إ‪ :‬يكون‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫وأبدا‪.‬‬
‫أزل ً‬ ‫ً‬ ‫‪5‬‬
‫األول‪.‬‬
‫ّ‬ ‫العقل‬ ‫وهو‬ ‫‪6‬‬
‫إلى العقل العاشر إلى أن ينتهي إلى آخر‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫إ‪ :‬على‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫وهو نفوسها‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪97‬‬

‫كل وضع‪ 1‬منها‬ ‫ِ‬


‫وضع من تلك األوضاع معدًّا لحصول وضع آخر‪ .‬ولدوامها يكون ّ‬
‫ويكون ٌ‬
‫مسبوقًا‪ 2‬بوضع آخر ال إلى ّأول‪ .‬وبسبب تب ّدل تلك األوضاع يحصل للما ّدة‪ 3‬استعدادات‬
‫مختلفة لقبول الصور واألعراض فتفيض من مباديها‪ 4.‬فالحركة الدورية هي الواسطة بين‬
‫عالمي الثابتات‪ 5‬والمتغيّرات‪ 6.‬ولوالها‪ 7‬لما انتهت سلسلة المبادي الدائمةُ إلى الحوادث‬
‫َ‬
‫حدوث‬
‫ُ‬ ‫‪8‬‬
‫ولما ترقّت سلسلة الحوادث إلى المبادي الدائمة‪ .‬على هذا الوجه أمكن‬ ‫‪5‬‬

‫أزل وأب ًدا‪ .‬فالتسلسل الالزم في األوضاع‬


‫الحوادث عن الباري تعالى الذي هو الدائم ً‬
‫واالستعدادات المتسابقة التي ال يجامع المتق ّد ُم منها المتأ ّخ َر ومثله غير ممتنع‪ .‬وال يمكن‬
‫األول على هذا الوجه؛ أل ّن الصدور على هذا الوجه‬
‫أن يكون صدور العالم عن المبدأ ّ‬
‫لما توقف على الحركة والتغيّر‪- 9‬والحركة من عوارض األجسام‪ -‬فتكون األجسام التي‬
‫ّ‬
‫هي معروضة لتلك الحركات استحال أن يكون صدورها عنه بواسطة الحركات العارضة‬ ‫‪10‬‬

‫وإل لتأ ّخرت عن الحركات العارضة لها المتأ ّخ ِ‬


‫رة عنها فيلزم تأ ّخرها عن [‪6‬ب] نفسها‬ ‫لها؛ ّ‬
‫بمرتبتين؛‪ 10‬بل ال ب ّد من صدور بعض األشياء عنه على سبيل اإلبداع‪ .‬وذلك هو العقول‬
‫المجردة والنفوس الفلكية وأجرامها‪.‬‬
‫ّ‬
‫المفصلة في كتب‬
‫ّ‬ ‫[‪ ]42‬وأجيب بأ ّن بعض البراهين الدالّة على بطالن التسلسل‬
‫القوم كبرهان التطبيق والتضايف يجري‪ 11‬فيما يدخل تحت الوجود على سبيل‬ ‫‪15‬‬

‫محل النزاع وصورة النقض‬


‫ّ‬ ‫الترتيب سواء كانت مجتمعة أو متعاقبة‪ .‬فالفرق بين‬

‫كل وضع‪.‬‬
‫مع ًّدا لحصول وضع آخر لدوامها يكون ّ‬ ‫‪ 1‬م؛ إ – من تلك األوضاع ِ‬
‫‪ 2‬إ‪ :‬مسبوق‪.‬‬
‫‪ 3‬أي هيولى‪.‬‬
‫‪ 4‬وهي األجرام السماوية ونفوسها‪.‬‬
‫‪ 5‬هي المبادي‪.‬‬
‫‪ 6‬هي الصور واألعراض‪.‬‬
‫‪ 7‬أي لوال الحركة الدورية التي لها جهتان الدوام وعدم االستقرار لما انتهت سلسلة المبادي الدائمة إلى الحوادث إذ‬
‫المستند إلى الع ّلة الدائمة القديمة (إ‪ :‬قديم) دائم قديم‪.‬‬
‫‪ 8‬إ‪ :‬أماكن‪.‬‬
‫‪ 9‬أي تغير األوضاع‪.‬‬
‫ّ‬
‫تأخر الحركات عن نفسها‪.‬‬‫تأخرها عن الحركات ومرتبة ّ‬ ‫‪ 10‬مرتبة ّ‬
‫الدواني‪.‬‬
‫‪ 11‬ووجه الجريان مذكور في شرح العقايد العضدية للمح ّقق جالل ّ‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪99‬‬

‫‪2‬‬
‫بأ ّن التسلسل الالزم في إحداهما تسلسل في األمور‪ 1‬المجتمعة وفي اآلخر تسلسل‬

‫صح ُة ما ذكرتموه من الجواب لكن ال‬ ‫ِ‬


‫نفعا‪ .‬ولو س ّلم ّ‬
‫في األمور المتعاقبة ال يُجدي ً‬
‫إثبات قدم العالم الحتمال أن يقال إ ّن واجب الوجود مريد‬
‫ُ‬ ‫بصحته‬
‫ّ‬ ‫يمكنكم مع القول‬
‫ٍ‬
‫سابقة ع ّل ٌة لحصول اإلرادة الالحقة‬ ‫كل إرادة‬
‫بإرادات حادثة غير متناهية ال ّأول لها ّ‬
‫على الوجه الذي ذكرتموه في الحركات واألوضاع‪ .‬فال يلزم التسلسل في األمور‬ ‫‪5‬‬

‫ِ‬
‫اإلرادات الغير المتناهية من طرف المبدأ انتهت‬ ‫المجتمعة في الوجود‪ 3.‬ثم إ ّن تلك‬
‫َ‬
‫من الطرف اآلخر إلى إرادة حادثة تع ّلقت بإيجاد العالم‪.‬‬

‫[‪ ]43‬ولو س ِّلم أ ّن ما ُذكر يستحيل في ّ‬


‫حق الباري تعالى لكن ال يمكنكم مع القول‬
‫‪5‬‬
‫إثبات قدم العالم الجسماني؛ إذ يقال لم ال يجوز أن يكون‪ 4‬الباري ]تعالى]‬
‫ُ‬ ‫بصحته‬
‫ّ‬
‫َ‬
‫إرادات جزئية حادثة‬
‫ٌ‬ ‫ع ّلة لموجود‪ 6‬غيرِ جسم وال جسماني ثم يكون لذلك الموجود‬ ‫‪10‬‬

‫غير متناهية وينتهي تلك اإلرادات الجزئية الحادثة إلى إرادة جزئية حادثة تع ّلقت‬
‫ُ‬
‫بإحداث األجسام؟‬

‫[‪ ]44‬الوجه الثالث من وجوه الجواب عن استداللهم المذكور أن يقال ال نس ّلم‬

‫حاصل في األزل كان اإليجاد‬


‫ً‬ ‫أ ّن جميع ما ال ب ّد منه في إيجاد الباري تعالى للعالم إن كان‬
‫وجود العالم في األزل‪ ،‬وهو ممنوع‪.‬‬
‫ُ‬ ‫حاصل في األزل‪ .‬وإنّما يلزم ذلك لو أمكن‬
‫ً‬ ‫‪15‬‬

‫قابل للوجود األزلي‪.‬‬


‫قابل للوجود فيما ال يزال وال يكون ً‬
‫ولم ال يجوز‪ 7‬أن يكون العالم ً‬

‫إ‪ :‬االرمور‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫تسلسل‪.‬‬ ‫م‪ :‬تس؛ إ –‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬الوجوه‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫محمد بن‬
‫ّ‬ ‫كان‬ ‫السماء‪.‬‬ ‫بحدوث‬ ‫القائلين‬ ‫الفالسفة‬ ‫قدماء‬ ‫من‬ ‫قوم‬ ‫إليه‬ ‫ذهب‬ ‫ا‬ ‫مم‬
‫ّ‬ ‫االحتمال‬ ‫هذا‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫إ‬ ‫الرازي‪:‬‬ ‫قال اإلمام‬ ‫‪4‬‬
‫زكريا الرضي ناصرا لهذا القول ولم يشتغل أحد من أصحاب أرسطو بإبطاله‪.‬‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫س؛ م – تعالى‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫األول فال يلزم قدم العالم الجسماني‪.‬‬‫كالعقل ّ‬ ‫‪6‬‬
‫ممكنا فيما ال يزال؛‬
‫ً‬ ‫ال يقال هذا السند باطل؛ أل ّن إمكان العالم أزلي وإال يلزم انقالب الممتنع بالممكن حال كونه‬ ‫‪7‬‬
‫ممتنعا فال يلزم االنقالب‪.‬‬
‫ً‬ ‫ألنّا نقول أزلية اإلمكان ال يستلزم إمكان األزلية فيجوز أن يكون إمكانه أزليا وأزليته‬
‫ً‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪101‬‬

‫وجود المؤثّر فكذا يُعتبر فيه إمكان األثر‪ .‬فإذا لم يكن األثر‬
‫ُ‬ ‫واإليجاد كما يُعتبر فيه‬

‫حاصل فيه‪.‬‬
‫ً‬ ‫ممكن الحصول في األزل لم يكن اإليجاد‬
‫َ‬
‫[‪ ]45‬وأورِ َد على هذا الجواب أنّه إذا كان جميع ما ال ب ّد منه في إيجاد الباري للعالم‬
‫مرجح‪.‬‬
‫حاصل فيه المتناع أزليته يلزم الترجيح بال ِّ‬
‫ً‬ ‫حاصل في األزل ولم يكن [‪7‬أ] العالم‬
‫ً‬
‫ألف دورة ال يصير بذلك‬
‫ألنّه لو ُوجد العالم قبل الوقت الذي ُوجد فيه بمقدار ما يسع فيه ُ‬ ‫‪5‬‬

‫مرجح‪ُ .‬‬
‫ودفع بأ ّن األوقات التي‬ ‫أزليًا‪ .‬فحدوثه في الوقت الذي حدث فيه ترجيح من غير ِّ‬
‫تميز فيها‪ ،‬فال وجه لطلب وجه الترجيح لحدوثه في وقته‪.‬‬
‫متوهمة ال ُّ‬
‫َّ‬ ‫قبل حدوث العالم‬

‫[‪ ]46‬الوجه الثاني من وجوه االستدالل على قدم العالم هو أنّه ال يجوز أن يكون‬
‫السابق‬
‫ُ‬ ‫وإل لكان عدمه ساب ًقا على وجوده سبـًْقا يمتنع أن يجامع معه‬
‫الزمان حادثًا‪ّ ،‬‬
‫المسبو َق‪ .‬وهذا السبق هو السبق الزماني‪ .‬فيلزم أن يكون عدمه مقارنًا لزمان‪ .‬فيكون‬ ‫‪10‬‬

‫قديما وهو مقدار‬


‫معدوما وهذا خلف‪ .‬وإذا كان الزمان ً‬
‫‪1‬‬
‫ً‬ ‫موجودا حينما فُرض‬
‫ً‬ ‫الزمان‬
‫ضا قديمة المتناع وجود المقدار بدون ذي‪ 3‬المقدار فيكون‬
‫الحركة كانت الحركة أي ً‬
‫‪2‬‬

‫قديما‪ ،‬وهو المطلوب‪.‬‬


‫محلّها أعني الجسم ً‬
‫‪4‬‬

‫المتجددات وباعتباره يكون وجود‬


‫ّ‬ ‫يقدر به‬
‫[‪ ]47‬وجوابه أ ّن الزمان أمر وهمي َّ‬
‫قدمه فيلزم‬
‫موجودا حتى يلزم من انتفاء حدوثه ُ‬
‫ً‬ ‫الحادث مسبو ًقا بعدمه‪ ،‬وليس أمرا‬ ‫‪15‬‬
‫ً‬
‫استدل الحكماء على وجود الزمان فيكون منعه بعد قيام‬
‫ّ‬ ‫قدم العالم‪ .‬فإن قلت‪ :‬قد‬

‫خارجا عن قانون المناظرة‪.‬‬


‫ً‬ ‫الدليل عليه‬

‫معدوما‪.‬‬
‫ً‬ ‫س؛ م –‬ ‫‪1‬‬
‫إ‪ :‬كان‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬ذوي‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫وهو الفلك‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪103‬‬

‫يدل على‬
‫[‪ ]48‬قلنا‪ :‬نعم‪ّ ،‬إل أ ّن ما ذكروه من الدليل عليه تمويه وتلبيس ال ّ‬
‫مقدمات دليله‪ .‬ولوال‬
‫مطلوبهم الذي هو وجود الزمان‪ .‬فمنعه بالحقيقة راجع إلى ّ‬
‫مقدماته‪ ،‬لكن‬
‫محل المنع في ّ‬
‫هت على ّ‬
‫ونب ُ‬ ‫لذكرت أدلّتهم على وجوده‬
‫ُ‬ ‫خشية التطويل‬
‫ّ‬
‫الخلل‪.‬‬
‫وأبين ما وقع فيه من َ‬
‫‪1‬‬
‫أريد أن أذكر ما نُقل عن أرسطاطاليس‬
‫ّ‬
‫والمنتهى حالة مخصوصة معلومة‬ ‫للمتحرك فيما بين المبدأ ُ‬
‫ّ‬ ‫[‪ ]49‬وهو أنّه قال‪:‬‬ ‫‪5‬‬

‫الحس وهي صفة واحدة شخصية من مبدأ المسافة إلى منتهاها تستلزم اختالف‬ ‫ّ‬ ‫بمعاونة‬
‫التوسط‪ .‬وهي باعتبار‬ ‫ِ‬
‫تسمى الحركة بمعنى ّ‬ ‫المتحرك إلى حدود المسافة‪ .‬وهي ّ‬ ‫ّ‬ ‫سب‬ ‫نَ‬
‫سبها إلى تلك الحدود سيّالة‪ .‬فهي باستمرارها وسيالنها‬ ‫ِ‬
‫مستمرة وباعتبار اختالف ن َ‬
‫ّ‬ ‫ذاتها‬
‫قار بمعنى أنّه يجزم العقل بأ ّن ذلك األمر الممت ّد [‪7‬ب]‬
‫غير ٍّ‬
‫أمرا ممتدًّا َ‬
‫يفعل في الخيال ً‬
‫معا؛ بل كان بعضها‬
‫توجد تلك األجزاء ً‬
‫لو ُوجد في الخارج وفُرض فيه أجزاء امتنع أن َ‬ ‫‪10‬‬

‫واألول موجود في الخارج‬


‫تسمى الحركة بمعنى القطع‪ّ .‬‬ ‫متق ّد ًما وبعضها متأ ّخ ًرا‪ .‬وهذه ّ‬
‫بداهةً بخالف الثاني ضرورةَ أ ّن االمتداد الذي يمتنع اجتماع أجزائه في الوجود ال يكون‬
‫موجودا في الخارج‪ .‬وكما أ ّن الحركة تقال ألمرين كذلك الزمان يقال لمعنيين‪ :‬أحدهما‬
‫ً‬
‫التوسط‪ .‬وثـانيهما أمر متّصل مطابق‪ 2‬للحركة‬
‫أمر بسيط غير منقسم مطابق للحركة بمعنى ّ‬
‫أصل؛ بل هو أمر مرتسم في‬
‫بمعنى القطع‪ .‬وهو بهذا المعنى ال وجود له في الخارج ً‬ ‫‪15‬‬

‫الخيال‪ .‬ونعلم أ ّن ذلك األمر المرتسم في الخيال بحيث لو فُرض وجوده في الخارج‬
‫معا‪ .‬ونعلم بالضرورة أ ّن االمتداد الخيالي ال يكون‬
‫وفُرض فيه أجزاء المتنع اجتماعها ً‬
‫مستقر يحصل في الخيال بحسب‬‫ّ‬ ‫غير‬
‫مستمر ُ‬
‫ّ‬ ‫كذلك ّإل إذا كان في الخارج شيء موجود‬
‫ظاهرا في بادي الرأي‬
‫ولما كان االمتداد الخيالي ً‬
‫‪3‬‬
‫استمراره وعدم استقراره ذلك االمتداد‪ّ .‬‬
‫مقامه وبُحث عن أحواله‪ .‬انتهى كالمه‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫ًّ‬
‫ودال على ذلك األمر الذي فيه نوعُ خفاء أقيم َ‬ ‫‪20‬‬

‫إ‪ :‬من‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ‪ :‬مطاقة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ– ّ‬
‫ولما كان االمتداد‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪105‬‬

‫بعض الفضالء هو أنّا ال نس ّلم أ ّن‬


‫[‪ ]50‬وبيان الخلل الواقع فيه على ما أفاده ُ‬
‫االمتداد الخيالي ال يكون كذلك ّإل إذا كان في الخارج شيء موجود مستمر غير‬
‫ّ‬
‫ابتداء من غير أن يكون هناك‬
‫ً‬ ‫مستقر‪ .‬ولم ال يجوز أن يحصل ذلك األمر في الخيال‬
‫ّ‬
‫أمر موجود بسيط سيال؟ نعم‪ ،‬قد يكون سيالن أمر خارجي سببا لحصول مثل ذلك‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫كل امتداد‬
‫لكن كون ّ‬
‫الجوالة؛ ّ‬
‫ّ‬ ‫االمتداد في الخيال‪ ،‬كما في القطرة النازلة والشعلة‬ ‫‪5‬‬

‫حاصل من األمر الموجود الخارجي ممنوع ودعوى الضرورة غير‬


‫ً‬ ‫خيالي كذلك‬

‫مسموعة‪.‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫في إبطال قولهم في أبدية العالم‬

‫أيضا بأدنى تغير‪ 1‬وتصرف‬


‫[‪ ]51‬والدليالن المذكوران في أزلية العالم جاريان ههنا ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أيضا‪.2‬‬
‫معتمداهم في هذه المسألة ً‬
‫َ‬ ‫فيها وكذا األجوبة‪ ،‬وهما‬

‫األول أ ّن جميع ما ال ب ّد منه للباري تعالى في إيجاد العالم حاصل له في‬


‫[‪ ]52‬تقرير ّ‬ ‫‪5‬‬

‫مر‪ 3.‬فلو عُدم العالم لكان ّإما مع بقاء الذات على ما كان عليه في األزل فيلزم‬
‫األزل لما ّ‬
‫التامة وهو ظاهر االستحالة‪ ،‬أو بدون بقائه على ما كان عليه في‬
‫تخلّف المعلول عن العلّة ّ‬
‫ضا مستحيل‪.‬‬
‫األزل فيلزم تغيّره وهو أي ً‬

‫وأما إذا كان‬ ‫[‪ ]53‬وجوابه أ ّن ما ُذكر إنّما هو على تقدير [‪8‬أ] كون المبدأ ِ‬
‫موج ًبا‪ّ .‬‬
‫بد منه في إيجاد العالم تع ّلق إرادته في‬
‫مختارا فيجوز أن يقال إ ّن من جملة ما ال ّ‬
‫ً‬ ‫‪10‬‬

‫التامة فينعدم‬
‫المعين‪ .‬وبعد انقضاء ذلك الوقت ال يبقى ع ّلته ّ‬ ‫األزل بوجوده في الوقت‬
‫ّ‬
‫العالم‪ .‬وال يلزم تغير الواجب؛ أل ّن تغير الوقت الذي هو أمر وهمي ال يوجب تغيره‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بد منه في إيجاد العالم هو تع ّلق‪ 4‬إرادته فيما ال‬
‫[‪ ]54‬أو يقال من جملة ما ال ّ‬
‫شيئا‬
‫بناء على أ ّن الفاعل باالختيار إذا أوجد ً‬
‫يزال بإيجاده ّإما بأن نمنع لزوم التسلسل ً‬
‫‪5‬‬

‫ّ‬ ‫باختياره ال يحتاج في تع ّلق إرادته إلى أمر غير ذاته ِ ّ‬


‫يرجح ذلك التع ّل َق كما مر تقريره‪،‬‬ ‫‪15‬‬

‫س‪ :‬تغيير‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫أي كالدليلين المذكورين لقدم العالم‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫من أنّه لو لم يكن كذلك لكان بعضه حاد ًثا‪ .‬فإن لم يحتج هذا الحادث إلى تأثير مؤثّر لزم استغناء الحادث عن المؤثّر‬ ‫‪3‬‬
‫حاصل في األزل فيلزم قدم الحادث؛ أو ال‬‫ً‬ ‫بد منه في تحصيله‬
‫فإما أن يكون جميع ما ال ّ‬ ‫وهو محال وإن احتاج ّ‬
‫يكون‪ .‬فبعضه حادث وننقل الكالم إليه ويلزم التسلسل‪.‬‬
‫هذا مبني على تسليم كون تع ّلق اإلرادة حاد ًثا‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ّ‬
‫إ‪ :‬تمنع‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪109‬‬

‫وإما بأن نلتزم التسلسل في التع ّلقات ونمنع بطالنه‪ّ ،‬إما ألنّها أمور اعتبارية أو ألنّها‬
‫ّ‬
‫التامة وال‬
‫يجوز أن يكون متعاقبة‪ ،‬ثم ينقطع ذلك التع ّلق فينعدم العالم لزوال ع ّلته ّ‬
‫يلزم من تغير التع ّلق تغير في ذاته؛ ألنّه من اإلضافات الغير الالزمة كمعيته مع‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الحادث المعين‪.‬‬
‫ّ‬
‫[‪ ]55‬وتقرير الدليل الثاني أنّه لو عُدم الزمان بعد وجوده لكان عدمه بعد وجوده‬ ‫‪5‬‬

‫القبل‪ .‬والبعديّة التي كذلك ال تكون ّإل بالزمان‪.‬‬


‫بعديّةً يمتنع أن يجامع معها البَع ُد َ‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫معدوما‪ ،‬هذا خلف‪ .‬وإذا كان الزمان ال يجوز عليه أن‬


‫ً‬ ‫موجودا حينما فُرض‬
‫ً‬ ‫فيكون الزمان‬

‫ضا ال تنعدم بعد وجودها‪ .‬فيكون‬


‫ينعدم بعد وجوده وهو مقدار الحركة كانت الحركة أي ً‬
‫ضا ال ينعدم‪ ،‬وهوالمطلوب‪.‬‬
‫محلّها أعني الجسم أي ً‬

‫منعدما بعد‬
‫ً‬ ‫[‪ ]56‬وجوابه كما مر أ ّن الزمان أمر وهمي‪ .‬وباعتباره يكون الحادث‬ ‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫معدوما إلى آخره‬
‫ً‬ ‫موجودا حينما فُرض‬
‫ً‬ ‫موجودا‪ .‬فقوله فيكون الزمان‬
‫ً‬ ‫وجوده‪ ،‬وليس أمرا‬
‫ً‬
‫ممنوع‪.‬‬

‫إ‪ :‬يجامعها‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – معها‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫الفصل الرابع‬
‫في إبطال قولهم الواحد الحقيقي‪ 1‬ال يصدر عنه ّإل الواحد‬

‫[‪ ]57‬قالوا‪ :‬الفاعل إذا كان‪ 2‬واح ًدا في ح ّد ذاته ولم يكن له صفة حقيقية‪ 3‬وال اعتبارية‬
‫المعني بالواحد من جميع الوجوه‪ -‬ال يجوز أن يصدر‬
‫ّ‬ ‫ولم يكن فعله بآلة وال بشرط ‪-‬وهو‬
‫أكثر من واحد‪.‬‬
‫عنه ُ‬ ‫‪5‬‬

‫‪5‬‬
‫الموجدة للمعلول يجب أن تكون‬‫ِ‬ ‫احتجوا عليه هو أ ّن‪ 4‬العلّة‬ ‫[‪ ]58‬وزبدة ما‬
‫ّ‬
‫موجودة قبل المعلول قبليّةً‪ 6‬بالذات‪ 7،‬ويجب أن يكون لها خصوصية مع معلولها المعيّن‬
‫ليست مع غيره؛‪ 8‬إذ لوالها لم يكن اقتضاؤها لهذا المعلول أولى من اقتضائها لما‪ 9‬عداه‪،‬‬
‫صدوره عنها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تصور‬
‫فال يُ ّ‬
‫[‪ ]59‬وإذا كانت [‪8‬ب] العلّة ِ‬
‫الموجدة ذاتًا بسيطة ال تكثّر فيها بوجه من الوجوه فال‬ ‫‪10‬‬

‫شك أ ّن تلك الخصوصية إنّما تكون بحسب الذات؛ أل ّن المفروض أن ال مدخل في‬
‫ّ‬
‫العلّية لغير الذات البسيطة التي ال تكثّر فيها بوجه من الوجوه‪ .‬فإذا فُرض لها معلول كانت‬
‫أصل‪ .‬فال يمكن أن يكون لها معلول‬
‫للعلّة بحسب ذاتها خصوصية معه ليست مع غيره ً‬
‫وإل لزم أن ال يكون لها خصوصية معه ليست لها مع غيره فال يكون علّة لشيء‬
‫آخر ّ‬
‫األول بحسب ذاتها‬
‫منها‪ ،‬هذا خلف‪ .‬ال يقال ‘يجوز أن يكون خصوصيتها مع المعلول ّ‬ ‫‪15‬‬

‫كل من المعلولين خصوصية‬


‫غير خصوصيتها مع المعلول الثاني بحسبها فيكون لها مع ٍّ‬
‫لكل منهما’‪.‬‬
‫ليست لها مع اآلخر فتكون علّة ٍّ‬

‫كل الوجوه‪.‬‬
‫وهو الواحد من ّ‬ ‫‪1‬‬
‫إ‪ :‬إذا كان الفاعل‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي موجودة في الخارج‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ – أ ّن‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫إ‪ :‬يكون‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫تقدم المحتاج إليه) على المحتاج وإن كان في زمان واحد‪.‬‬
‫تقدم عن ّ‬ ‫تقدم المحتاج إليه (إ‪ :‬عن ّ‬
‫هي عبارة عن ّ‬ ‫‪6‬‬
‫األول كالهما قديم عندهم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ومعلوله‬ ‫ل‬ ‫األو‬
‫ّ‬ ‫المبدأ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫بالزمان؛‬ ‫المعلول‬ ‫على‬ ‫وجوده‬ ‫تقدم‬
‫إذ ال يجب ّ‬ ‫‪7‬‬
‫إ‪ :‬غيرها‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫إ‪ :‬ال‪.‬‬ ‫‪9‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪113‬‬

‫تصور أن تكون لها‬


‫ذات العلّة واحد ًة من جميع الوجوه لم يُ ّ‬
‫لما فُرض ُ‬
‫[‪ ]60‬ألنّا نقول ّ‬
‫بحسب ذاتها خصوصيتان يترتّب عليهما عليتان؛ بل ال ب ّد في ذات العلّة من تع ّدد ولو‬
‫تصور تع ّدد الخصوصية بحسبها فيها‪.‬‬
‫بحسب االعتبار حتى يُ ّ‬
‫[‪ ]61‬وجوابه أنّا ال نس ّلم أنّه يجب أن تكون للع ّلة خصوصية مع معلولها المعين‬
‫ّ‬
‫كل ما هو معلول لها ال تكون‬
‫ليست مع غيره؛ بل الالزم أن يكون لها خصوصية مع ّ‬ ‫‪5‬‬

‫وإل لم يكن اقتضاؤها لمعلولها أولى من‬


‫معلول لها‪ّ ،‬‬
‫ً‬ ‫تلك الخصوصية لما ال يكون‬

‫وأما أنّه يجب أن يكون لها خصوصية مع معلولها المعيّن ال يكون‬


‫اقتضائها لما عداه ‪ّ .‬‬
‫‪1‬‬

‫أصل‪ 2‬فال داللة عليه‪ .‬وما ذكره من أنّه‬


‫تلك الخصوصية لغير ذلك المعلول المعيّن ً‬
‫لوالها لم يكن اقتضاؤها لما عداه إن أريد به أنّه ‘لوال الخصوصية بالمعلول المعين‬
‫ّ‬
‫معلول لها’‬
‫ً‬ ‫مما ليست‬
‫لم يكن اقتضاؤها لهذا المعلول أولى من اقتضائها لما عداه ّ‬ ‫‪10‬‬

‫أصل‪ ،‬وهو ممنوع‬


‫ً‬ ‫فال نس ّلم المالزمة‪ .‬وإنّما يتم لو لم يكن لها خصوصية معه‬
‫ّ‬
‫مختصة به‪ .‬ومع ذلك يكون لها خصوصية مع أمور‬
‫ّ‬ ‫لجواز أن ال يكون لها خصوصية‬

‫مختصة بها من جملتها‪ 3‬ذلك المعلول المعين‪ .‬وبحسبها يكون اقتضاؤها له‬
‫ّ‬ ‫متعددة‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫معلول لها‪ .‬وبسببها يصدر عنها ذلك المعلول مع سائر‬
‫ً‬ ‫أولى من اقتضائها لما ليس‬

‫المختصة [‪9‬أ] بالمعلول‬


‫ّ‬ ‫معلوالتها دون ما سواها‪ .‬وإن أريد به ‘لوال الخصوصية‬ ‫‪15‬‬

‫مما هو معلول‬
‫المعين لم يكن اقتضاؤها لهذا المعلول أولى من اقتضائها لما عداه ّ‬
‫ّ‬
‫لها’ فالمالزمة مس َّلمة وبطالن التالي ممنوع؛ إذ يصدر عنها جميع ما هو معلول لها‬

‫بحسب الخصوصية المذكورة من غير ّأولية بين المعلوالت‪.‬‬

‫مما هو (م – هو) ليس بمعلول لها‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪1‬‬


‫معلول لها أو ال‪.‬‬
‫ً‬ ‫سواء كان ذلك الغير‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬ومن جملتها‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪115‬‬

‫[‪ ]62‬فإن قلت‪ :‬نحن نعلم بالضرورة أ ّن ذات الع ّلة إذا كانت واحدة من جميع‬

‫متعددة كان نسبتها إليها واحدة‪ .‬فال‬


‫ّ‬ ‫الوجوه وكان لها خصوصية واحدة مع أمور‬

‫يكون لواحدها من الع ّلة ما ليس [خصوصية] لآلخر؛ بل يجب تساويها في جميع ما‬

‫واحدا‪.1‬‬
‫ً‬ ‫شيئا‬
‫متعددة بل ً‬
‫ّ‬ ‫لها من الع ّلة فال تكون أشياء‬

‫[‪ ]63‬قلنا‪ :‬تمايز الحقايق المختلفة بذواتها ال بعوارضها‪ .‬فهي ال تحتاج في‬ ‫‪5‬‬

‫الوجود وهو أمر واحد‪ .‬وإنّما‬


‫ُ‬ ‫الفائض لها من الع ّلة‬
‫ُ‬ ‫تكثّرها وتمايزها إلى الع ّلة؛ بل‬

‫وتعددها ال من جهة الع ّلة‪ ،‬فال يلزم من تساويها في جميع ما لها‬


‫ّ‬ ‫تتمايز بتمايز القوابل‬

‫متعددة‪ .‬وتمايز أفراد نوع واحد يكون بعوارض مختلفة‬


‫ّ‬ ‫من الع ّلة أن ال يكون أشياء‬

‫الوجود‪ ،‬وهو أمر واحد‪.‬‬


‫ُ‬ ‫والفائض لها من الع ّلة‬
‫ُ‬ ‫الحقايق‪،‬‬

‫إ‪ :‬واحد‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الفصل الخامس‬

‫األول‬
‫في إبطال قولهم في كيفية صدور العالم من المبدأ ّ‬
‫حال في جوهر آخر‬ ‫[‪ ]64‬قالوا‪ :‬الممكن ّإما عرض أو جوهر‪ .‬والجوهر إن كان ًّ‬
‫وإل‪ 1‬فإن كان متعلِّ ًقا‬ ‫فصورة‪ ،‬وإن كان ًّ‬
‫محل فهيولى‪ ،‬وإن كان مرّكبًا منهما فجسم‪ّ .‬‬
‫األول من‬ ‫والتصرف فنفس‪ّ .‬‬
‫وإل فعقل‪ .‬وال يجوز أن يكون الصادر ّ‬ ‫ّ‬ ‫بالجسم تعلّق التدبير‬ ‫‪5‬‬

‫معلول ّأول لكان‬


‫‪2‬‬
‫ضا؛ أل ّن العرض مشروط في وجوده بالجوهر‪ .‬فلو كان ً‬
‫األول عر ً‬
‫المبدأ ّ‬
‫جسما؛ ألنّه مرّكب من الما ّدة والصورة‪.‬‬
‫علّة أو شرطًا لوجود الجوهر فيلزم الدور‪ ،‬وال ً‬
‫معلول ّأول لزم صدور الكثير من الواحد الحقيقي وهو ُمحال‪ ،‬وال ما ّدةً؛ أل ّن‬
‫فلو كان ً‬
‫األول يجب أن يكون علة ومؤثـًّرا فيما بعده‪ .‬والما ّدة‪ 3‬ليس لها صالحية التأثير‬
‫المعلول ّ‬
‫األول لكان متق ّدمة بالوجود‬
‫ضا لو كان الما ّدة هي المعلول ّ‬
‫القبول فقط‪ .‬وأي ً‬
‫ُ‬ ‫بل من شأنها‬ ‫‪10‬‬

‫تتجرد عن الصورة عندهم‪ ،‬وال صورة؛ أل ّن‬


‫على الصورة‪ .‬وهو ُمحال؛ أل ّن الما ّدة ال ّ‬
‫فاعليتها موقوفة على وجودها في الخارج‪ .‬ووجودها في الخارج موقوف على تش ّخصها؛‬
‫إذ ال وجود [‪9‬ب] في الخارج إال للمتش ّخصات‪ .‬وتش ّخصها موقوف على الما ّدة لِما‬
‫تقرر عندهم من أ ّن تش ّخص الصورة يفتقر إلى الهيولى‪ ،‬كما أ ّن الهيولى يفتقر إلى الصورة‬
‫ّ‬
‫األول هوالصورة لزم تق ّدمها بالشخص على الما ّدة‬
‫في الوجود والبقاء‪ .‬فلو كان المعلول ّ‬ ‫‪15‬‬

‫نفسا؛ أل ّن‪ 4‬فعلها‪ 5‬يتوقّف على اآللة‬


‫لكونها فاعلة لها ّإما بواسطة أو بغير واسطة‪ ،‬وال ً‬
‫األول هو النفس لكانت سابقة في تأثيرها على‬‫المحتاجة إلى الما ّدة‪ .‬فلو كان المعلول ّ‬
‫كون الما ّدة معلولة لها ٍ‬
‫حينئذ ّإما بواسطة أو بغير واسطة فيلزم الدور‪.‬‬ ‫الما ّدة ضرورَة ِ‬

‫محل‪.‬‬
‫حال في جوهر وال ًّ‬ ‫أي وإن لم يكن ًّ‬ ‫‪1‬‬
‫األول من شأنه (إ‪ :‬من شأنها) أن يتو ّقف عليه ما بعده من المعلوالت‪.‬‬
‫أل ّن المعلول ّ‬ ‫‪2‬‬
‫وهي الهيولى (إ‪ :‬كما أن الهيولى)‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬ألنّها‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫إ – فعلها‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪119‬‬

‫أمرا بسيطًا في ذاته‬


‫األول هو العقل‪ .‬وهو وإن كان ً‬
‫[‪ ]65‬فتعيّن أن يكون المعلول ّ‬
‫‪2‬‬
‫نظرا إلى مبدئه‪.‬‬
‫نظرا إلى ذاته بالقياس إلى الوجود ووجوب ً‬
‫‪1‬‬
‫لكن له وجود وإمكان ً‬
‫أمر‪ :‬فباعتبار‪ 3‬وجوبه بالغير‬
‫بكل اعتبار ٌ‬
‫فاعتبروا فيه كثرًة من ثالثة أوجه وقالوا‪ :‬يصدر عنه ّ‬
‫يصدر‪ 4‬عنه العقل الثاني‪ .‬وباعتبار وجوده يصدر عنه نفس الفلك األعظم‪ .‬وباعتبار إمكانه‬
‫‪5‬‬
‫يصدر عنه جرمه‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫[‪ ]66‬وبعضهم اعتبر فيه كثرة من جهتين‪ :‬وهما وجوب الوجود بالغير وإمكان الوجود‬

‫لغيره‪ .‬فقال‪ :‬يصدر عنه باعتبار وجوب الوجود بالغير العقل الثاني‪ ،‬وباعتبار إمكان الوجود‬

‫الوجود واإلمكا َن‪ ،‬وبعضهم جعلهما تع ّقلَه لوجوده‬


‫َ‬ ‫الفلك األعظم‪ .‬وبعضهم جعل الجهتين‬

‫وتع ّقلَه إلمكانه فاختلفت أقوالهم في هذه المسألة‪.‬‬

‫[‪ ]67‬ثم صدر من العقل الثاني عقل ثالث ونفس وفلك إلى آخر ما ثبت بالبرهان‬ ‫‪10‬‬

‫من وجود األفالك‪ .‬وصدر عن العقل العاشر الذي هو العقل الفعال هيولى العالم‬

‫العنصري‪ .‬ففاض عليها من األجرام السماوية ما يهيّئها لقبول صور العناصر المختلفة‬

‫عطف على إمكان أي وله وجوب ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ممكنا لذاته واجبا لغيره (إ – فيكون ممكنا لذاته واجبا لغيره)‪.‬‬ ‫ً‬ ‫فيكون‬ ‫‪2‬‬
‫ً‬
‫مقد ًما على اعتبار الوجوب‪ .‬ووجهه غير ظاهر تدبر (م؛ إ – تدبر)‪.‬‬ ‫ورأيت فى بعض الكتب اعتبار الوجود َّ‬ ‫‪3‬‬
‫وجوبا بالغير أشرف‬ ‫ً‬ ‫تابعا للجهة التي هي أشرف جهات في العقل؛ أل ّن الوجوب وإن كان‬ ‫فجعلوا المعلول األشرف ً‬ ‫‪4‬‬
‫األول الذي‬
‫مجرد‪ .‬فيكون أشرف من الفلك ّ‬ ‫صادرا في المرتبة الثانية لكنّه جوهر‬
‫ً‬ ‫من اإلمكان‪ .‬والعقل الثاني وإن كان‬
‫ّ‬
‫متوسطة بين العقل‬‫ّ‬ ‫متوسط بين الوجوب واإلمكان في الشرف‪ .‬وكذا النفس‬ ‫ّ‬ ‫المادة‪ .‬والوجود‬
‫ّ‬ ‫مادي مفتقرا إلى‬
‫هو ّ‬
‫ً‬
‫المادة في ذاته ال في فعله فصدرت عنه باعتبار وجوده‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عن‬ ‫د‬ ‫مجر‬ ‫جوهر‬ ‫ها‬‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أل‬ ‫فيه؛‬ ‫الفلك‬ ‫وجرم‬ ‫الثاني‬
‫ّ‬
‫األول ع ّلة لهيولى‬
‫األول فجعل إمكان العقل ّ‬ ‫وبعضهم اعتبر فيه كثرة من أربعة أوجه فزاد تع ّقله لذلك الغير وهو المبدأ ّ‬ ‫‪5‬‬
‫الفلك األعظم وتع ّقله لذلك الغير ع ّلة لصورته‪.‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪121‬‬

‫حشو‪ 4‬الفلك األخير‬


‫‪5‬‬
‫بتفصيل ما يلي جهةَ المركز مما يلي جهةَ المحيط إلى أن ينفصل ُ‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫الفعال بمعاونة‬
‫الصور [‪ ] 10‬من واهبها وهو العقل ّ‬
‫أ‬
‫َ‬ ‫إلى أربع كرات‪ 6‬مختلفة الصور فنالت‬
‫األجرام السماوية‪.‬‬
‫لما كانت األجسام العنصرية قابلة لجميع أنواع التغيّر بخالف األجرام‬
‫‪7‬‬
‫[‪ ]68‬ألنّها ّ‬
‫تامة‬
‫ضا الستحالة كون الثابت علّة ّ‬
‫‪8‬‬
‫عقل مح ً‬
‫السماوية لم يمكن أن يكون سبب وجودها ً‬ ‫‪5‬‬

‫ِ‬
‫ووجوب ثبوت المعلول عند ثبوتها؛ بل وجب أن‬ ‫التامة‬
‫للمتغيّر المتناع التخلّف عن العلّة ّ‬
‫يشمل‪ 9‬التغيـَّر‬
‫مشتمل على نوع من التغيّر وليس هناك شيء َ‬
‫ً‬ ‫يكون ما هو سببها القريب‬
‫والحركةَ ّإل األجرام السماوية فوجب أن يكون لألجرام السماوية د ْخل في إيجادها‪.‬‬
‫[‪ ]69‬ثم يحصل امتزاج العناصر واختالطها على ضروب مختلفة وفنون شتّى بسبب‬
‫حركات يحصل فيها من البرودة والحرارة الفائضة من األجرام السماوية بسبب اختالف‬ ‫‪10‬‬

‫‪10‬‬
‫نِسبَها من العنصريات‪ .‬فإ ّن الشمس إذا حاذت لموضع من األرض اقتضت إضاءةَ ذلك‬
‫إصعاده‬
‫َ‬ ‫وبتوسط السخونة خلخلةَ الجسم المتس ّخن أو‬
‫وبتوسط الضوء تسخينَها ّ‬
‫الموضع ّ‬
‫اجه من الموضع الطبيعي‪ .‬وبسبب الخروج من موضعه‬
‫وبسبب التخلخل أو الصعود إخر َ‬
‫امتزاجه بغيره وبعد حصول االمتزاجات تحدث‪ 11‬األمزجةُ المختلفة وتستع ّد بحسب قربها‬
‫وبعدها من االعتدال لقبول الصور المعدنية والنفوس النباتية والحيوانية والناطقية فتفيض‬ ‫‪15‬‬

‫الفعال‪.‬‬
‫الصور والنفوس عليها من العقل ّ‬
‫ُ‬ ‫تلك‬

‫‪ 1‬أي تفريقه‪.‬‬
‫‪ 2‬أي جزء‪.‬‬
‫‪ 3‬أي جزء‪.‬‬
‫‪ 4‬أي وسط‪.‬‬
‫‪ 5‬وهو فلك القمر الذي يقال له في لسان الشرع السماء الدنيا لقربها من األرض‪.‬‬
‫‪ 6‬كرة النار وكرة الهواء وكرة الماء وكرة األرض‪.‬‬
‫‪ 7‬فإنّها قابلة لنوع من التغير‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 8‬بدون معاونة األجرام السماوية‪.‬‬
‫‪ 9‬إ‪ :‬يستعمل‪.‬‬
‫‪ 10‬إ‪ :‬تلك‪.‬‬
‫‪ 11‬إ‪ :‬تحدثت‪.‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪123‬‬

‫جسما‪.‬‬
‫األول ً‬
‫[‪ ]70‬والجواب عنه أن يقال‪ :‬ال نس ّلم أنّه ال يجوز أن يكون الصادر ّ‬
‫قولهم ألنّه مرّكب من الما ّدة والصورة قلنا ممنوع‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون أمرا بسي ًطا‬
‫ً‬
‫تركبه‬
‫ممتدا في األقطار الثالثة كما هو رأي أفالطون؟ وما ذكروا من الدليل على ّ‬
‫ًّ‬

‫ال يخلو عن ضعف‪ .‬ولو س ِّلم أنّه ّ‬


‫مركب منهما فال نس ّلم امتناع صدور الكثير عن‬

‫عرفت ما فيه‪ .‬ثم إن س ّلمنا استحالة ذلك لكن‬


‫َ‬ ‫الواحد‪ .‬وما ذكروه من الدليل عليه فقد‬ ‫‪5‬‬

‫عقل‪ .‬لم ال يجوز أن‬


‫أحد هذه األربعة أن يكون ً‬
‫األول َ‬
‫ال يلزم من انتفاء كون الصادر ّ‬
‫األول ثم يصدر المعلول الثاني عن تلك الصفة أو عن‬
‫يكون صفة من صفات المبدأ ّ‬
‫قابل لشيء‬
‫الذات بواسطة تلك الصفة؟ فإن قلت‪‘ :‬يلزم كون الشيء [‪10‬ب] الواحد ً‬
‫وفاعل له وهو غير جائز’‪ ،‬قلنا سيجيء الكالم فيه إن شاء اهلل تعالى‪.‬‬
‫ً‬

‫[‪ ]71‬ثم إنّهم جعلوا األمور االعتبارية منشأً لصدور الكثرة عن الواحد كوجوب‬ ‫‪10‬‬

‫األول فيه من السلوب‬


‫‪1‬‬
‫األول بالغير و وجوده وإمكانه‪ .‬فإذا جاز ذلك فالمبدأ ّ‬
‫العقل ّ‬
‫واإلضافات‪ 2‬ما ال تُحصى‪ 3،‬فلم ال يجوز أن يكون مبدأ الكثرة بحسبها؟ وأجيب عنه‬

‫بأ ّن السلوب واإلضافات تتوقّف ثبوتُها‪ 4‬على الغير وهو المسلوب والمنسوب‪ .‬فلو توقّف‬
‫ثبوت الغير على السلب أو اإلضافة لزم الدور‪.‬‬

‫ور ّد بأ ّن السلوب واإلضافات متو ّقفة على الغير في التع ّقل أي الوجود‬
‫[‪ُ ]72‬‬ ‫‪15‬‬

‫جهتي التو ّقف‪.‬‬


‫الذهني‪ .‬والغير يتو ّقف عليها في وجوده الخارجي‪ ،‬فال دور لتغاير َ‬
‫والحق أ ّن سلب شيء عن شيء ال يتو ّقف على تح ّقق شيء من الطرفين‪.‬‬
‫ّ‬

‫بمتمكن وأمثاله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫فإنّه ليس بحادث وال‬ ‫‪1‬‬
‫فإنّه خالق زيد وعمرو وبكر (إ – وبكر)‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫م؛ إ‪ :‬يحصى‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬بثبوتها‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪125‬‬

‫األول‬
‫تصور تح ّق ُقها ّإل بعد تح ّققهما‪ .‬ثم إ ّن المبدأ ّ‬
‫وأما اإلضافة بين الشيئين فال يُ ّ‬
‫ّ‬
‫لكن الوجود المطلق عارض‪ 1‬لوجوده‬
‫عين حقيقته عندهم ّ‬
‫الخاص َ‬
‫ّ‬ ‫وإن كان وجوده‬
‫الخاص‪ ،‬فيجوز أن يكون وجوده الخاص الذي هو عين حقيقته من حيث هو مبدأً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ألمر وباعتبار الوجود المطلق مبدأً ألمر آخر فيصدر منه الكثرة بهذه الحيثيات‬

‫االعتبارية‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫المتأخرين منهم إلى أ ّن الحيثيات االعتبارية ال‬


‫ّ‬ ‫[‪ ]73‬فإن قلت‪ :‬ذهب بعض‬

‫يجوز أن تكون منشأً لصدور الكثرة؛ بل ال ّ‬


‫بد من أمور موجودة بها يصدر عن المبدأ‬

‫الواحد الكثرة الموجودة‪ .‬فال يصلح الوجود المطلق وال السلوب واإلضافات ألن‬

‫عدوها جهات‬
‫وأما اإلمكان والوجود والوجوب التي ّ‬ ‫ً‬
‫تكون منشأ لصدور المعلول‪ّ .‬‬
‫في صدور الكثرة عن المعلول فالمراد منها تع ّقلها ال أنفسها‪ .‬وتع ّقالت تلك األشياء‬ ‫‪10‬‬

‫األول يتع ّقل مبدأه ووجوده ووجوبه بالغير وإمكانه‪ ،‬فيصدر‬


‫أمور موجودة‪ .‬فالمعلول ّ‬
‫معلوالت أخر بعددها‬
‫ٌ‬ ‫عنه من حيث هو هو معلول وباعتبار هذه الجهات األربع‬

‫فيحصل من هناك كثرة‪.‬‬

‫[‪ ]74‬قلنا ال نس ّلم ذلك‪ .‬لم ال يجوز أن يكون الجهات االعتبارية منشأً لصدور‬

‫األمور‬
‫ُ‬ ‫الكثرة عن [‪11‬أ] الواحد؟ ومن أين يلزم أ ّن منشأ كثرة المعلول ليس ّإل‬ ‫‪15‬‬

‫بد أن يكون‬
‫شهدت إالّ على أ ّن الفاعل في أمر موجود ال ّ‬
‫ْ‬ ‫الموجودة والضرور ُة ما‬

‫حج ٌة‬
‫قامت ّ‬
‫ْ‬ ‫شهدت ضرورةٌ وال‬
‫ْ‬ ‫وأما األمور التي لها مدخل في التأثير فما‬
‫موجودا‪ّ .‬‬
‫ً‬
‫على كونها موجودة‪ .‬فيجوز أن يكون الوجود المطلق وغيره من السلوب منشأً‬
‫ُ‬
‫األول من غير حاجة إلى ما ذكروه‪.‬‬
‫لصدور الكثرة من المبدأ ّ‬

‫إ‪ :‬خارج‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الفصل السادس‬

‫في تعجيزهم عن االستدالل على وجود الصانع للعالم الذي هو السموات وما فيها‬

‫يتركب منها‬
‫والعناصر وما ّ‬

‫كل موجود ال يخلو‬


‫[‪ ]75‬قالوا في إثبات مبدأ العالم‪ :‬إ ّن ضرورة العقل حاكمة بأ ّن ّ‬
‫وإل‬
‫من أن يكون ممكنًا أو واجبًا؛ ألنّه إن احتاج في وجوده إلى غيره فهو ممكن‪ّ ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ٍ‬
‫موجود‪ .‬فإن كان واجبًا ثبت المطلوب‪ ،‬وإن كان ممكنًا فال‬ ‫شك في ِ‬
‫وجود‬ ‫فواجب‪ .‬وال ّ‬
‫ب ّد له من علّة‪ .‬فتلك العلّة إن كانت واجبًا لذاته ثبت المطلوب‪ ،‬وإن كانت ممكنًا فال ب ّد‬
‫لها من علّة‪ .‬فننقل الكالم إليها‪ .‬فأما أن يدور أو يتسلسل ِ‬
‫العلل أو ينتهي إلى موجود ال‬ ‫ّ‬
‫واألوالن باطالن‪ ،‬فتعيّن الثالث‪ .‬والموجود الذي ال علّة له واجب لذاته خارج عن‬
‫علّة له‪ّ .‬‬
‫جملة العالم وعلّة له وهو المطلوب‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫لكل ع ّلة عل ًة إلى غير النهاية‪ .‬واستحالة‬


‫واعترض عليه بأنّه يجوز أن يكون ّ‬
‫ُ‬ ‫[‪]76‬‬

‫التسلسل ال تثبت‪ 1‬على أصلهم؛ إذ ليست تلك االستحال ُة ضرورية بال خالف‪.‬‬
‫ُ‬
‫والمعتمد من األدلّة المذكورة الستحالته برها ُن التطبيق وهو منقوض بحوادث‬
‫َ‬
‫وأما المتك ّلمون فهم ين ُفون‬
‫متعاقبة ال ّأول لها‪ .‬وهم معترفون بجوازها بل بوقوعها‪ّ .‬‬
‫يجوزونها‪ ،‬فال‪ 2‬نقض بها على أصولهم‪.‬‬
‫الحوادث المتعاقبة التي ال تتناهى وال ّ‬ ‫‪15‬‬

‫ِ‬
‫مجتمعة في‬ ‫غير‬
‫[‪ ]77‬وأجيب عنه بأ ّن الحوادث المتعاقبة التي ال ّأول لها ُ‬
‫التطبيق بين أجزائها ال في الخارج لعدم اجتماعها فيه وال في‬
‫ُ‬ ‫تصور‬
‫الوجود‪ .‬فال يُ ّ‬
‫الذهن الستحالة وجود ما ال يتناهى على سبيل التفصيل في الذهن‪ .‬ووجودها اإلجمالي‬

‫إ‪ :‬لما ثبت؛ في حاشية (إ‪ :‬ال ثبت)‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫أي فال عجز لهم في إثبات الواجب لذاته بما ذكروه من الدليل المذكور‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪129‬‬

‫غير ٍ‬
‫كاف للتطبيق كما يشهد به الوجدا ُن‪ .‬فال جريان للدليل فيها فال نقض‪ .‬وهذا بخالف‬

‫األجسام [‪11‬ب] المجتمعة في الوجود المترتّبة بالمكان إلى غير النهاية؛ فإنّها بوجودها‬

‫ويتم البرهان فلذلك حكموا ببطالنه‪.‬‬


‫التطبيق ّ‬
‫ُ‬ ‫وضعا يجري فيها‬
‫معا وترتّبها ً‬
‫ً‬
‫ور ّد هذا الجواب بأ ّن الحوادث المتعاقبة وإن لم تجتمع في الوجود‬
‫[‪ُ ]78‬‬
‫معا في علم المأل‬
‫الخارجي لكنّها مجتمعة في الوجود العلمي عندهم‪ ،‬لكونها ثابتة ً‬ ‫‪5‬‬

‫األعلى‪ .1‬وذلك يكفينا في إتمام النقض على أصولهم؛ ألنّهم قائلون بأ ّن علوم العقول‬

‫أيضا عند الشيخ أبي‬


‫األول ً‬
‫والنفوس بحصول صور األشياء فيها‪ ،‬بل علم المبدأ ّ‬
‫‪2‬‬

‫علي [كذلك] فتكون الحوادث المتعاقبة في الوجود الخارجي مجتمعة في علومهم‬

‫بحسب وجوداتها الظ ّلية‪.‬‬

‫[‪ ]79‬فإن قلت‪ :‬لع ّلهم ال يثبتون لتلك الحوادث في تلك العلوم ترتّبا لعدم‬ ‫‪10‬‬
‫ً‬
‫عدم‬
‫َ‬ ‫دخول الزمان فيها‪ .‬قلنا‪ :‬عدم دخول الزمان فيها ألزليتها ال يقتضي‬

‫الترتّب فيها لوجهين‪ :‬أحدهما أ ّن الترتّب بين تلك الحوادث ليس بمجرد ترتّب‬
‫ّ‬
‫أزمنتها؛ بل بينها‪ 3‬ترتّب ‪4‬طبيعي عندهم لتو ّقف بعضها على بعض كما تقرر من‬
‫ّ‬
‫قواعدهم‪ .‬وثانيهما أ ّن عدم دخول الزمان في تلك العلوم إنّما هو بحسب أوصافه‬

‫الم ِضية والحالية واالستقبالية على معنى أ ّن علمها بالحوادث ليس‬ ‫الثالثة أعني‬ ‫‪15‬‬
‫ُ ّ‬
‫من حيث إ ّن بعضها واقع اآلن وبعضها في الماضي وبعضها في المستقبل؛‬

‫األول والعقول‪.‬‬
‫كالمبدأ ّ‬ ‫‪1‬‬
‫أي ال بحصول أنفسها كما في العلم الحضوري‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬بين ما‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ال يقال الترتّب الطبيعي بين الحوادث إنّما هو في الوجود األصلي (إ‪ :‬األصيلي) دون الظ ّلي؛ ألنّا نقول علم المبادي‬ ‫‪4‬‬
‫كل واحد من‬‫وكل حادث جزء من ع ّلة حادث آخر‪ .‬فكذا علم ّ‬ ‫العالية باألشياء عندهم إنّما هو بسبب العلم بعللها‪ّ .‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫الترتب الطبيعي بحسب الوجود الظ ّلي ً‬
‫الحوادث جزء من ع ّلة علم اآلخر‪ ،‬فيحصل ّ‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪131‬‬

‫مستقبل بالنسبة إليها‪ ،‬لكن يعلمها بأوقاتها الواقعة هي فيها‪.‬‬


‫َ‬ ‫حال وال‬
‫إذ ال ماضي وال َ‬
‫َ‬
‫الترتب بحسب األوقات‪ ،‬فينتظم برهان‪ 1‬التطبيق فيها على ما يقتضيه‬
‫وذلك يكفي في ّ‬

‫منقوضا بها‪.‬‬
‫ً‬ ‫قواعدهم فيكون‬

‫ِ ‪2‬‬
‫غير برهان‬
‫[‪ ]80‬فإن قيل‪ :‬للحكماء برهان قاطع على استحالة التسلسل في العلل َ‬
‫كل ممكن إلى ممكن‬
‫األول للموجودات‪ ،‬وهو أنّه لو استند ّ‬
‫إثبات المبدأ ّ‬
‫فيتم ُ‬‫التطبيق‪ّ ،‬‬ ‫‪5‬‬

‫ش ّذ‬
‫غيرها وال ي ُ‬ ‫آخر ال إلى نهاية فجميع تلك السلسلة إذا أ ِ‬
‫ذت بحيث ال يدخل فيها ُ‬
‫ُخ ْ‬
‫غيره فله علّة إلمكانه‪ .‬وتلك‬
‫ممكن الحتياجه إلى أجزائه التي هي ُ‬
‫‪3‬‬
‫ٌ‬ ‫عنها شيءٌ منها‬

‫وإل لتق ّدم على نفسه‬


‫نفسه المتناع كون الشيء علّةً لنفسه ّ‬
‫العلّة ال يجوز أن تكون َ‬
‫‪4‬‬

‫ِ ‪5‬‬ ‫ِ‬
‫لكل جزء من أجزائه‪ .‬فيكون ذلك الجزء‬
‫الكل موج ٌد ّ‬
‫وهو محال وال جزأَه أل ّن موجد ّ‬
‫علّةً لنفسه‪ ،‬وهو محال‪ .‬فتعيّن أن تكون‪12[ 6‬أ] خارجة عنه‪ .‬وتلك العلّة الخارجة‬ ‫‪10‬‬

‫كل جزء منها بغيرها كان‬ ‫ِ‬


‫توجد ال محالة جزءاً من أجزاء تلك السلسلة؛ إذ لو ُوجد ّ‬
‫واقعا بغيرها‪ .‬إذ ليس في المجموع شيء سوى تلك األجزاء فلم تكن‬
‫ضا ً‬ ‫المجموع أي ً‬
‫العلّة الخارجة علةً للمجموع وقد فُرض خالفُه‪ .‬وإذا كانت العلّة الخارجة موجودة لجزء‬

‫استقالل أو بدون استقالل‪ .‬وال‬


‫ً‬ ‫من أجزاء السلسلة فال ب ّد أن يكون لفرد منها ّإما‬

‫المتوسط‪،‬‬
‫ّ‬ ‫يجوز أن يكون الفرد المعلول لتلك العلّة الخارجة هو المعلول األخير أو‬ ‫‪15‬‬

‫إ‪ :‬ببرهان‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫فيه إشارة إلى أ ّن هذا البرهان ال يجري في الحوادث المتعاقبة التي ال ّأول لها كبرهان التطبيق فال ينتقض بها‬ ‫‪2‬‬
‫كانتقاضه‪.‬‬
‫إ‪ :‬مع‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬يكون‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫بالذات أو بالواسطة‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫إ‪ :‬يكون‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪133‬‬

‫وإل يلزم توارد العلّتين المستقلّتين على معلول واحد على تقدير االستقالل والزيادةُ في‬
‫ّ‬

‫كل واحد من آحاد السلسلة‬


‫العلّة المستقلّة على تقدير عدم االستقالل؛ أل ّن المفروض أ ّن ّ‬
‫قطعا‪.‬‬
‫أخيرا من السلسلة فتنقطع به السلسلة ً‬
‫فردا ً‬
‫‪1‬‬
‫علّة مستقلّة آلخر‪ .‬فتعيّن أن يكون ً‬

‫لكل جزء من‬ ‫ِ‬


‫الكل موجد ّ‬
‫[‪ ]81‬قلنا‪ :‬نختار أ ّن ع ّلة السلسلة جزؤها‪ .‬قوله موجد ّ‬
‫لكل جزء من أجزائه’ فممنوع‪.‬‬ ‫الكل يجب أن ِ‬
‫يوجد بنفسه ّ‬ ‫ِ‬
‫‘موجد ّ‬ ‫أجزائه إن أراد أ ّن‬ ‫‪5‬‬

‫لكل جزء من أجزائه ّإما بنفسه أو‬ ‫الكل يجب أن يكون ِ‬


‫موج ًدا ّ‬ ‫ِ‬
‫‘موجد ّ‬ ‫وإن أراد أ ّن‬
‫‪2‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ أن يكون ما قبل المعلول‬ ‫بأجزائه’ فمس َّلم‪ .‬لكن ال محذور فيه؛ إذ يجوز‬

‫محتاجا إلى ع ّلة أخرى‬


‫ً‬ ‫األخير إلى غير النهاية ع ّل ًة للسلسلة‪ .‬وهو وإن كان إلمكانه‬

‫لكن تلك الع ّلة جزء منه‪ .‬وهو ما فوق المعلول‪ 3‬الثاني ال إلى نهاية‪ .‬وهلم جرا‪.‬‬
‫ّ‬
‫ّ ّ‬
‫المستقل‬
‫ّ‬
‫‪5‬‬
‫[‪ ]82‬وما يقال‪ 4‬من أ ّن المراد بالعلّة في تقرير الدليل هو الفاعل‬ ‫‪10‬‬

‫على معنى أنّه ال يستند شيء من أجزاء السلسلة ّإل إليه أو‪ 6‬إلى ما صدر عنه‪.‬‬

‫ًّ‬
‫مستقل بهذا المعنى وهو ظاهر‪ .‬فجوابه‬ ‫فاعل‬
‫وما قبل المعلول األخير ليس‪ً 7‬‬

‫مستقل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫بد له من فاعل‬
‫مركب من ممكنات ال ّ‬
‫ّ‬ ‫كل ممكن‬
‫أ ّن المعلوم لنا أ ّن ّ‬

‫من جانب المبدأ المقابل للمعلول األخير (إ – األخير)‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫معلول فقط‪.‬‬
‫ً‬ ‫أصل بل‬
‫الذي ال يكون ع ّلة لشيء ً‬ ‫‪2‬‬
‫الذي يليه المعلول األخير‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫عما ذكرنا من اإليراد‪.‬‬ ‫في الجواب ّ‬ ‫‪4‬‬
‫الكل بهذا المعنى‬ ‫المستقل بهذا المعنى ال يجوز أن يكون نفس السلسلة وهو ظاهر وال جزأها؛ أل ّن ِ‬
‫موجد ّ‬ ‫ّ‬ ‫والفاعل‬ ‫‪5‬‬
‫وإل يلزم أن ال‬
‫الكل بالذات أو بالواسطة) جزء من أجزائه ّ‬
‫ّ‬ ‫الكل بالذات أو بالواسطة (إ –‬
‫ّ‬ ‫بد أن يكون ِ‬
‫موجد‬ ‫ال ّ‬
‫يستند ّإل إليه أو إلى ما صدر عنه فيلزم أن يكون ذلك الجزء ع ّلة لنفسه وهو محال فتعين أن يكون خارجة إلى آخر‬
‫ّ‬
‫البرهان‪.‬‬
‫إ – لمنع الخلو‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫كل واحد من أجزائها ً‬‫إذ السلسلة لم تستند إليه أو إلى ما صدر عنه فقط بل استندت إلى ّ‬ ‫‪7‬‬
‫‪Tümeller‬‬ ‫‪135‬‬

‫المركب إال ويستند إليه أو إلى‬


‫ّ‬ ‫ّأما االستقالل بمعنى أن ال يكون جزء من أجزاء ذلك‬

‫وأما‬
‫مركب من آحاد متناهية يستند بعضها إلى بعض‪ّ .‬‬
‫ما صدر عنه فهو إنّما يجب في ّ‬

‫المركب من اآلحاد الغير المتناهية التي يستند بعضها إلى بعض على ما هو المفروض‬
‫ّ‬

‫المستقل له بذلك المعنى [‪12‬ب] ممنوع‪.‬‬


‫ّ‬ ‫في السلسلة التي كالمنا فيها‪ 1‬فلزوم الفاعل‬

‫المركب ال يحتاج إلى فاعل خارج عنه؟‬


‫ّ‬ ‫المستقل بمعنى أ ّن‬
‫ّ‬ ‫ولم ال يكفي له الفاعل‬ ‫‪5‬‬

‫وفيما ذكرنا استقالل بهذا المعنى‪.‬‬

‫أي جزء من أجزاء السلسلة ُتفرض ع ّل ًة‪ 3‬فع ّلته أولى منه بأن‬
‫[‪ ]83‬فإن قلت ‪ّ :‬‬
‫‪2‬‬

‫يكون ع ّلة لها؛ أل ّن تأثير ذلك الجزء في السلسلة بتحصيل ما تحته فقط‪ ،‬وتأثير ع ّلته‬

‫جزءا منها لزم ترجيح المرجوح‬


‫بتحصيله وتحصيل ما تحته‪ .‬فلو كان ع ّلة السلسلة ً‬
‫ِ‬
‫المحصل للسلسلة ّأو ًل وبالذات هو ما قبل المعلول األخير؛ إذ‬ ‫ِّ‬
‫مرجح‪ .‬قلنا‪:‬‬ ‫بال‬
‫‪5‬‬ ‫‪4‬‬
‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫محصل له ّأو ًل وبالذات‬ ‫وأما ع ّلته فهو‬
‫ّ‬ ‫ويتم السلسلة‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫به يحصل المعلول األخير‬

‫محصل للسلسلة‪ .‬فيكون‪ 6‬متعي ًنا لكونه ع ّلة للسلسلة من غير محذور‪.‬‬‫ِ‬ ‫وبواسطته‬
‫ّ‬ ‫ّ‬

‫إ‪ :‬فيه‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫عما أوردنا بقولنا قلنا نختار أ ّن ع ّلة السلسلة نفسها إلى آخر‪.‬‬
‫ّ‬ ‫جواب‬ ‫‪2‬‬
‫س‪ :‬للسلسلة؛ م‪ :‬أي سلسلة؛ إ – ع ّلة‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬من غير‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫اشتمال على ِعلل‬
‫ً‬ ‫أيضا‪ :‬إ ّن ع ّلة ما فوق المعلول األخير وإن كان أكثر تأثيرا منه لكنّه أكثر‬
‫ً‬ ‫ولك أن تقول في الجواب‬ ‫‪5‬‬
‫ً‬
‫راجحا بهذا االعتبار‪.‬‬
‫ً‬ ‫األجزاء فيكون‬
‫فالترجيح بكون تأثيره بالذات (إ – بالذات)‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫الفصل السابع‬

‫في تعجيزهم عن إقامة الدليل على وحدانية الواجب تعالى وانحصار وجوب‬

‫الوجود بالذات فيه تعالى‬

‫األول أنّهم قالوا‪ :‬ال يجوز أن يكون في‬


‫[‪ ]84‬ولهم فيها ثالثة مسالك‪ :‬المسلك ّ‬
‫الوجود موجودان كلٌّ منهما واجب الوجود لذاته‪ .‬وذلك أل ّن طبيعة واجب الوجود ّإما أن‬ ‫‪5‬‬

‫يقتضي لذاتها التعيّ َن أو ال يقتضي‪ .‬فإن اقتضت كانت منحصرًة في شخص؛ أل ّن الطبيعة‬
‫المقتضية للتش ّخص إن كان لها فرد فوق الواحد لزم تخلّف مقتضى‪ 1‬الذات عنها‪ ،‬وهو‬
‫محتاجا في تعيّنه إلى غيره فيكون‬
‫ً‬ ‫محال‪ .‬وإن لم يقتض لذاتها التعيّ َن يكون واجب الوجود‬
‫واجب الوجود واجبًا‪.‬‬
‫َ‬ ‫معلول للغير‪ .‬فال يكون ما فُرض‬
‫واجب الوجود المتعيّن ً‬
‫‪2‬‬
‫رد على هذا المسلك أنّه لم ال يجوز أن يكون حقيقتان مختلفتان‬
‫[‪ ]85‬ويُ ّ‬ ‫‪10‬‬

‫مقول عليهما على سبيل‬ ‫ً‬ ‫واجب الوجود‬


‫ُ‬ ‫كل منهما تعينه ويكون منهم‬
‫يقتضي‪ٌّ 3‬‬
‫ّ‬
‫كل منهما منحصرا في فرد من غير انحصار واجب‬ ‫قول الالزم الخارجي فيكون ٌّ‬
‫ً‬
‫الوجود في فرد‪ .‬فإن قلت‪ :‬حقيقة واجب الوجود ليست ّإل مجر َد الوجود وال‬
‫ّ‬
‫اختالف في مجرد الوجود‪ .‬نعم الوجود المضاف إلى الحقيقة المقارِ ُن لها يختلف‬
‫ّ‬
‫وأما محض الوجود فال اختالف فيه حقيقة‪ .‬قلنا‪ :‬إن أردت أ ّن‬‫بحسب اختالفها‪ّ .‬‬ ‫‪15‬‬

‫‘حقيقة واجب الوجود ليس ّإل المعنى الذي نفهمه من لفظ الوجود’ فممنوع‪.‬‬

‫أيضا؟‬‫غير معقولة للبشر وال ممكن ُة [‪ ] 13‬التع ّقل ً‬


‫أ‬
‫كيف وحقيقة الواجب عندهم‬
‫ُ‬
‫وإن أردت أ ّن ‘حقيقة الواجب يصدق عليه ما يُفهم من لفظ الوجود’ فمس َّلم‪.‬‬

‫والتشخص المستلزم للحقيقة‬


‫ّ‬ ‫والتشخص المستلزم النحصارالحقيقة المتعينة في فرد واحد‪ .‬إ‪ :‬وهو التعين‬
‫ّ‬ ‫وهو التعين‬ ‫‪1‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫النحصارة المتعينة فى فرد واحد‪.‬‬
‫ّ‬
‫إ‪ :‬مختلفان‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ – يقتضي‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪139‬‬

‫حقائق مخالفة يقتضي‬


‫َ‬ ‫مفهوم الوجود‬
‫ُ‬ ‫لكن لم ال يجوز أن يكون ما صدق عليه‬

‫الخاص الواجبي الذي هو عين حقيقة الواجب عندهم‬


‫ّ‬ ‫كل منها تعي َنه؟ فإ ّن الوجود‬
‫ٌّ‬
‫ّ‬
‫مخالف بالحقيقة لسائر الوجودات ال لمجرد التجرد واالنضياف إلى ماهية‪ .‬فلم ال‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل منها عن‬
‫متميزة ٌّ‬ ‫حقايق مختلفة‬
‫َ‬ ‫الوجود المجرد‬
‫ُ‬ ‫يجوز أن يكون ما صدق عليه‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫اآلخر بذاتها؟‬ ‫‪5‬‬

‫مشترًكا بين اثنين لكان بينهما تمايز‬


‫[‪ ]86‬المسلك الثاني لهم هو أنّه لو كان الوجوب َ‬
‫كل‬
‫غير ما به االشتراك ضرورة‪ .‬فيلزم ترّكب ٍّ‬
‫المتناع االثنينية بدون التمايز‪ .‬وما به التمايز ُ‬
‫نفس ماهية الواجب‪.‬‬
‫مما به االشتراك وما به االمتياز‪ .‬وذلك أل ّن الوجوب ُ‬
‫من الواجبين ّ‬
‫ضا لها لكان معل ًّل بها؛ إذ لو عُلّل بغيرها لم يكن ذاتيًا‪ 1،‬وإذا عُلّل بها يلزم‬
‫إذ لو كان عار ً‬
‫‪3‬‬
‫تق ّدمه على نفسه أل ّن [ذات‪ 2‬واجب] العلّة متق ّدمة على [وجوب] المعلول بالوجود‬ ‫‪10‬‬

‫‪4‬‬
‫مستلزما لالمتياز بالتعيّن‪.‬‬
‫ً‬ ‫والوجوب‪ .‬وإذا كان الوجوب نفس الماهية كان االشتراك فيه‬

‫كل منهما من الماهية والتعيّن‪ ،‬وهو محال؛ ألنّه يستلزم أن ال يكون‬


‫فيترّكب خصوصية ٍّ‬
‫الواجب واجبًا الحتياجه إلى أجزائه التي هي غيرها‪.‬‬

‫مستندا إلى ذات الواجب بل إلى الغير‪ ،‬فال يكون واجبا بالذات بل بالغير‪ ،‬هذا خلف‪.‬‬ ‫ً‬ ‫أي‬ ‫‪1‬‬
‫ً‬
‫إ – ذات‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ألن تأثير الع ّلة يتو ّقف على وجودها‪ .‬والوجود يتو ّقف على الوجوب؛ إذ الشيء مالم يجب لم يوجد سواء وجب‬ ‫‪3‬‬
‫مقد ًما على معلوله‪ ،‬فلو كان الوجوب‬ ‫لذاته (م؛ إ‪ :‬بذاته) أو لغيره (م؛ إ‪ :‬بغيره) والكالم ههنا في الواجب بالذات َّ‬
‫تقدمه على نفسه‪ ،‬وهو محال‪.‬‬ ‫معلول له يلزم ّ‬
‫ً‬
‫األول أ ّن التش ّخص والتعين زائد على ماهية الواجب يقتضيه ماهيته وهو خالف ما يُفهم‬ ‫فإن قلت‪ :‬يفهم من المسلك ّ‬ ‫‪4‬‬
‫ّ‬
‫يصح التمسك بأحدهما‪ .‬قلنا‪ :‬إ ّن التعين نفس ماهية‬ ‫ّ‬ ‫وأيا ما كان ال‬
‫تعينه على ماهيته‪ًّ .‬‬ ‫من هذا المسلك من أنّه ال يزيد‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مشتركا بين اثنين لم يكن تعين الواجب‬
‫ً‬ ‫مقدمة مطوية وهي أنّه لو كان الوجوب‬‫ّ‬ ‫األول‬ ‫الواجب عندهم‪ .‬وفي المسلك ّ‬
‫ّ‬
‫فإما أن يقتضي طبيعة الواجب تعينه أو ال يقتضي إلى آخر المسلك‬ ‫ّ‬ ‫زائدا عليها‬
‫ً‬ ‫نفس ماهيته وهو ظاهر‪ .‬وإذا كان‬
‫ّ‬
‫التعدد ظاهرا على تقدير كون التعين نفس الماهية لم يُتعرض له‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫ولما كان امتناع‬
‫األول‪ّ .‬‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ً‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪141‬‬

‫الوجود‬
‫َ‬ ‫اقتضاء الذات‬
‫ُ‬ ‫[‪ ]87‬والجواب عن هذا المسلك أنّه إن أريد بالوجوب‬

‫قطعا‪،‬‬
‫فال نس ّلم أنّه نفس حقيقة الواجب؛ بل هو أمر اعتباري ال وجود له في الخارج ً‬
‫المفهوم‬
‫ُ‬ ‫فكيف يكون نفس حقيقة الواجب؟ وإن أريد معنى آخر يعرِ ض له هذا‬

‫حقايق‬
‫َ‬ ‫المفهوم‬
‫ُ‬ ‫فمس َّلم‪ .‬لكنّه ال يفيد المطلوب لجواز أن يكون ما يعرِ ض له هذا‬

‫كل منها عن اآلخر بنفسه من غير لزوم تركيب‪.‬‬


‫متخالفة يمتاز ٌّ‬ ‫‪5‬‬

‫[‪ ]88‬فإن قلت‪ :‬الخصم قد أقام الدليل على كون الوجوب نفس الماهية الواجبية‪،‬‬

‫عدم كون الوجوب‬


‫خارجا عن قانون المناظرة‪ .‬قلنا‪ُ :‬‬
‫ً‬ ‫فمنعه بعد إقامة الدليل عليه يكون‬

‫قطعا‪ .‬والدليل القائم‬


‫اعتباريا ً‬
‫ً‬ ‫مفهوما‬
‫ً‬ ‫نفس الماهية ضروري لكونه‬
‫بالمعنى المذكور َ‬
‫‪1‬‬

‫على كونه نفس ماهية الواجب سفسطة مصادمة للضرورة فال يسمع‪ .‬ويمكن بيان‬

‫ضا لها لكان معل ًّل بها ممنوع؛ ألنّه‬


‫الغلط الواقع فيه بأن يقال‪ :‬إ ّن قوله لو كان عار ً‬ ‫‪10‬‬

‫مفهوم اعتباري [‪13‬ب] ال موجود خارجي فال يحتاج إلى ع ّلة‪.‬‬

‫[‪ ]89‬فإن قلت‪ :‬المفهومات االعتبارية وإن لم تحتج‪ 2‬إلى ع ّلة لثبوتها في أنفسها‬

‫خاص يقتضى‬
‫ّ‬ ‫لكنّها تحتاج إليها لثبوتها لمحالّها ويتم الكالم به‪ .‬قلنا‪ :‬ذاته وجوب‬
‫ّ‬
‫تقدم ذاته بالوجوب‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ ّ‬ ‫بنفسه اتّصا َفه بعارضه الذي هو الوجوب المطلق‪ ،‬فيلزم‬

‫تقدم الشيء على‬


‫الذي هو نفسه على اتّصافه بالوجوب الذي هو عارضه‪ ،‬فال يلزم ّ‬
‫‪3‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪4‬‬ ‫ٍ‬
‫مقتض للوجود المطلق الذي هو عارض عندهم‪.‬‬ ‫خاص‬ ‫نفسه كما أ ّن ذاته وجود‬
‫ّ‬

‫‪ 1‬م؛ إ – بالمعنى المذكور‪.‬‬


‫‪ 2‬إ‪ :‬يحتج‪.‬‬
‫‪ 3‬إ ‪ +‬نفسه على اتّصافه بالوجوب الذي‪.‬‬
‫والتشخص‬
‫ّ‬ ‫تركب من األجزاء العقلية‪ ،‬أل ّن الماهية‬
‫والتشخص ّ‬
‫ّ‬ ‫التركب من الماهية‬
‫ّ‬ ‫‪ 4‬وقد يجاب عن هذا المسلك بأ ّن‬
‫حق الواجب ممنوع‪.‬‬ ‫التركب في ّ‬
‫ّ‬ ‫من األجزاء العقلية للشخص‪ ،‬ال من األجزاء الخارجية‪ .‬وامتناع مثل هذا‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪143‬‬

‫لكل منهما تعيّ ٌن‬


‫[‪ ]90‬المسلك الثالث هو أنّه لو كان الواجب أكثر من واحد لكان ٍّ‬
‫ضها عن بعض ال يكون ّإل بتعيّن‬
‫زائد على ماهيته ضرورةَ أ ّن امتياز أفراد طبيعة واحدة بع ُ‬
‫زائد عليها‪ .‬فال يخلو ّإما أن يكون ]بين[ التعيّن والوجوب لزوم أو ال‪ .‬فإن كان الثاني وهو‬
‫كل منهما عن اآلخر‪ .‬فانضمام أحدهما إلى اآلخر‬
‫أن ال يكون بينهما لزوم جاز انفكاك ٍّ‬
‫وإل لكان‪ 2‬بينهما لزوم فيعود إلى الش ّق‬
‫يستدعي سببًا‪ ،‬وليس ذلك‪ 1‬السبب نفس الذات؛ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫محتاجا إلى الغير‪ .‬فال يكون‬


‫ً‬ ‫خارجا‪ .‬فيكون كلٌّ من الواجبين‬
‫أمرا ً‬
‫األول‪ ،‬فتعيّن أن يكون ً‬
‫ّ‬
‫شيء منهما واجبًا‪ ،‬هذا خلف‪.‬‬

‫األول فاللزوم بين الشيئين ّإما يكون أحدهما علّة لآلخر أو بكونهما‬
‫[‪ ]91‬وإن كان ّ‬
‫‪3‬‬
‫معلولَي علّة واحدة‪ .‬فإن كان بكون أحدهما علّة لآلخر فإن كان بكون الوجوب علّة‬
‫يوجد الواجب‬
‫للتعيّن لزم خالف الغرض؛ أل ّن التعيّن المعلول الزم غير متخلّف‪ ،‬فال َ‬
‫‪4‬‬ ‫‪10‬‬

‫بدونه‪ .‬وإن كان بكون التعيّن علّة للوجوب لزم كون الوجوب الذاتي بالغير‪ 5‬إن ُجعل التعيّن‬
‫وإل أي وإن لم يُجعل زائ ًدا عليها لزم خالف‪ 6‬الغرض‪ 7‬وتق ّدم‬
‫زائ ًدا على ماهية الواجب‪ّ ،‬‬
‫ِ‬
‫الوجوب على نفسه ضرورةَ تق ّدم العلّة‪ 8‬على المعلول بالوجود والوجوب‪.‬‬

‫[‪ ]92‬وإنكان اللزوم بينهما بكونهما معلولَي علّة ثالثة فإنكان تلك العلّة هي ذات الواجب‬
‫‪10‬‬
‫لزم خالف‪ 9‬الغرض؛ أل ّن الطبيعة [‪14‬أ] إذا اقتضت تعيـّنًا انحصر نوعها في شخصها لِما تق ّدم‪،‬‬ ‫‪15‬‬

‫‪ 1‬إ – ذلك‪.‬‬
‫‪ 2‬لكونهما معلو َلي ع ّلة واحدة‪.‬‬
‫‪ 3‬والع ّلة الزمة للمعلول فحينئذ لزم خالف إلى آخر‪.‬‬
‫‪ 4‬م؛ إ ‪ :‬مفروض؛ وهو كونه بكون الوجوب ع ّلة للتعين‪.‬‬
‫ّ‬
‫‪ 5‬وهو التعين‪.‬‬
‫ّ‬
‫زائدا على ماهيته‪.‬‬
‫تعي ًنا ً‬ ‫لكل منهما‬
‫‪ 6‬ألنّا فرضنا أ ّن ّ ٍ‬
‫ّ‬
‫‪ 7‬إ‪ :‬مفروض‪.‬‬
‫يوجد‪.‬‬
‫َ‬ ‫لم‬ ‫يجب‬ ‫لم‬ ‫وما‬ ‫د‪،‬‬ ‫يوج‬
‫َ‬ ‫مالم‬ ‫ر‬‫ّ‬ ‫ث‬ ‫يؤ‬ ‫ال‬ ‫الشيء‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫والوجوب‪،‬‬ ‫بالوجود‬ ‫الوجوب‬ ‫وهو‬ ‫المعلول‬ ‫على‬ ‫‪ 8‬وهي التعين‬
‫ّ‬
‫واحدا؛ أل ّن الطبيعة إذا اقتضت (س؛ م – إذا اقتضت) إلى آخره‪.‬‬
‫ً‬ ‫ٍ‬
‫وحينئذ يكون‬ ‫‪ 9‬ألنّا فرضنا كون الواجب أكثرمن واحد‬
‫‪ 10‬من أنّه لو لم يكن كذلك لزم تخ ّلف مقتضى الذات عنها‪.‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪145‬‬

‫منفصل عنه‪ 3‬لم يكن‬


‫ً‬ ‫أمرا‬
‫عرفت‪ .‬وإن كان ً‬
‫‪2‬‬
‫َ‬ ‫ضا لزم تق ّدم‪ 1‬الوجوب على نفسه لِما‬
‫وأي ً‬
‫الواجب بالذات واجبًا بالذات المتناع احتياج الواجب بالذات في الوجوب والتعيّن بل‬

‫في أحدهما إلى أمر منفصل عنه‪.‬‬

‫[‪ ]93‬والجواب عن هذا المسلك أنّا ال نس ّلم أنّه لو كان الواجب أكثر من واحد‬

‫لكل منهما تعيّن زائد على ماهيته‪ .‬وإنّما يلزم ذلك لو كان ما يقال له الواجب‬
‫لكان ٍّ‬ ‫‪5‬‬

‫أمورا مشتركة في الماهية النوعية‪ ،‬وهو ممنوع‪ .‬لم ال يجوز أن يكون ما صدق عليه‬
‫ً‬
‫كل منها عن اآلخر بذاته من غير احتياج‬
‫يتميز ٌّ‬ ‫أمورا متخالفة في الحقيقة‬
‫ً‬ ‫الواجب‬
‫ُ‬
‫ّ‬
‫خاصا‬
‫وجوبا ًّ‬
‫ً‬ ‫كل منها نفس ماهيته ويكون ماهية ّ ٍ‬
‫كل منها‬ ‫تعين ّ ٍ‬
‫ّ‬
‫إلى تعين زائد ويكون‬
‫ّ‬
‫تقدم الواجب على الوجوب المطلق بالوجوب‬
‫مقتضيا للوجوب المطلق ويكون ّ‬
‫ً‬
‫الخاص الذي هو نفس الذات كما سبق تحقيقه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪10‬‬

‫مقدم بالوجود والوجوب على المعلول الذي هو الوجوب والتعين‪.‬‬


‫أل ّن هذه الع ّلة الثالثة َّ‬ ‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫أي تلك الع ّلة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي عن ذات الواجب‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫الفصل الثامن‬

‫وقابل لشيء واحد‬


‫ً‬ ‫فاعل‬
‫في إبطال قولهم إ ّن الواحد الحقيقي ال يكون ً‬

‫أصل‪،‬‬
‫[‪ ]94‬ذهب الحكماء إلى أ ّن البسيط الحقيقي الذي ال تع ّدد فيه من جهة‪ً 1‬‬
‫امتناع اتّصاف‬
‫َ‬ ‫وفاعل‪ 2‬له‪ .‬وبنَوا على ذلك‬
‫ً‬ ‫قابل لشيء‬
‫كالواجب على رأيهم‪ ،‬ال يكون ً‬
‫عولوا عليه في ذلك هو أ ّن نسبة الفاعل إلى‬‫الواجب تعالى بصفات حقيقية‪ .‬والذي ّ‬ ‫‪5‬‬

‫المفعول بالوجوب‪ 3‬ونسبة القابل إلى المقبول باإلمكان‪ 4،‬والوجوب واإلمكان متنافيان ال‬
‫محل واحد‪ 5‬بالقياس إلى أمر واحد من جهة واحدة‪.‬‬
‫يجتمعان في ّ‬
‫ور ّد هذا االستدالل بأنّه إن اريد أ ّن الفاعل عند اجتماع شرائطه وارتفاع‬
‫[‪ُ ]95‬‬
‫وجود المفعول به فنقول‪ :‬القابل‬
‫ُ‬ ‫موانعه وصيرورته موصو ًفا بالفاعلية بالفعل وجب‬
‫قابل بالفعل وجب وجود المقبول فيه‪ ،‬فال‬
‫إذا اجتمع معه جميع ما يتو ّقف عليه كونُه ً‬ ‫‪10‬‬

‫عدمه’‬ ‫ٍ‬
‫فرق بينهما حينئذ‪ .‬وإن أريد أ ّن ‘القابل وحده ال يجب معه وجود المقبول وال ُ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫عدمه‪ ،‬فال فرق ً‬
‫فنقول‪ :‬الفاعل وحده ال يجب معه وجود المفعول وال ُ‬
‫مستقل ِ‬
‫موجبًا لمفعوله‬ ‫ًّ‬ ‫[‪ ]96‬وأجيب عنه بأ ّن الفاعل من حيث إنّه فاعل قد يكون‬
‫احتياج‬
‫ِ‬ ‫تصور استقاللُه وإيجابه من حيث إنّه قابل في شيء ضرورَة‬
‫دون القابل؛ إذ ال يُ ّ‬
‫والقبول ال ِ‬
‫يوجب‬ ‫ُ‬ ‫المقبول إلمكانه [‪14‬ب] إلى الفاعل‪ .‬فالفعل وحده ِ‬
‫موجب في الجملة‬ ‫‪15‬‬

‫أصل‪ .‬فلو اجتمعا في شيء واحد من جهة واحدة لزم إمكان‪ 6‬الوجوب وامتناعه من تلك‬
‫ً‬
‫الجهة [الواحدة]‪ 7‬وهو محال‪.‬‬
‫س‪ :‬من جهة فيه‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وقابل له خال ًفا لألشاعرة حيث ذهبوا إلى أ ّن هلل تعالى صفات حقيقية زائدة على ذاته وهي‬
‫ً‬ ‫أي ال يكون مصدر األثر‬ ‫‪2‬‬
‫صادرة عنه وقائمة به‪.‬‬
‫إذ بالفاعل يجب وجود المفعول‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إذ بالقابل يمكن وجود المقبول‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫إ – وهو الواحد الحقيقي‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫أصل‪.‬‬
‫موجبا في الجملة‪ .‬وقوله )وامتناعه( بالنظر إلى كون القبول غير موجب ً‬ ‫وذلك بالنظر إلى كون الفعل وحده‬ ‫‪6‬‬
‫ً‬
‫إ – الواحدة‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪149‬‬

‫ور ّد ذلك الجواب بأ ّن قيد الحيثية قد يراد به بيان اإلطالق كما في قولنا‬
‫[‪ُ ]97‬‬
‫’اإلنسان من حيث هو إنسان‘‪ ،‬و’الموجود من حيث هو موجود‘ أي نفس مفهوم‬
‫اإلنسان ونفس مفهوم الموجود من غير اعتبار أمر آخر معهما‪ .‬وقد يراد به التقييد‬
‫كما في قولنا ’التابع من حيث إنّه تابع ال يوجد بدون المتبوع‘ أي التابع مقي ًدا بصفة‬
‫َّ‬
‫التبعية ال يوجد بدون المتبوع‪ .‬وقد يراد به التعليل كما في قولنا ’النار من حيث إنّها‬ ‫‪5‬‬

‫تسخن الماء‘ أي حرارتها ع ّلة للتسخين‪.‬‬


‫ّ‬ ‫حارة‬
‫ّ‬
‫ًّ‬
‫مستقل موجبًا لمقبوله‬ ‫[‪ ]98‬فقولهم القابل من حيث هو قابل ال يمكن أن يكون‬
‫األول لعدم مناسبته للمقام؛ إذ ليس النزاع في أ ّن‬
‫ال شبهة في أنّه ال يراد به المعنى ّ‬
‫فأما أن يراد به المعنى‬ ‫نفس مفهوم القابل يمكن أن يكون ِ‬
‫موج ًبا لمقبوله أو ال يمكن‪ّ .‬‬
‫الثاني أوالثالث‪ ،‬فإن أريد الثاني أعني التقييد يكون معنى الكالم أ ّن ذات القابل مقي ًدا‬ ‫‪10‬‬
‫َّ‬
‫محل المنع؛ ّإل أن يضاف إليه‬ ‫ّ‬ ‫موجبا لمقبوله وهو في‬ ‫بصفة القابلية يمتنع أن يكون ِ‬
‫ً‬
‫التجرد عن الفاعلية ويقال ذات القابل مقي ًدا بصفة القابلية والتجرد عن الفاعلية ال‬
‫ّ‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫لكن الالزم‬ ‫ٍ‬ ‫يمكن أن يكون ِ‬
‫المقدمة المذكورة صحيحة‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫فحينئذ يكون‬ ‫موجبا لمقبوله‬
‫ً‬
‫منها منافاة التجرد عن الفاعلية للفاعلية وال نزاع فيه؛ وإنّما النزاع في المنافاة بين‬
‫ّ‬
‫اعتبر‪ 1‬التعليل ّأوال ثم السلب المستفاد‬‫القابلية والفاعلية‪ .‬وإن أريد المعنى الثالث فإن ُ‬ ‫‪15‬‬

‫من عدم اإلمكان على معنى أ ّن صفة القابلية ال تكون سببا إلمكان وجوب المقبول‬
‫ً‬
‫في القابل فمس َّلم‪ ،‬وال محذور فيه‪ .‬وإنّما يلزم المحذور لو كانت القابلية سببا لعدم‬
‫ً‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يلزم المنافاة بين الفاعلية والقابلية للمنافاة‬ ‫إمكان وجوب المقبول في القابل؛ إذ‬
‫محل واحد من جهة واحدة‪.‬‬
‫الزميهما‪ ،2‬فيلزم امتناع اجتماعهما في ّ‬
‫بين َ‬

‫راجعا إلى هذا التعليل‪.‬‬


‫ً‬ ‫تعليل لإليجاب ويكون السلب‬‫ً‬ ‫فيكون التعليل‬ ‫‪1‬‬
‫وهما عدم إمكان وجوب المقبول في القابل وهو الزم القابلية على تقدير كونها سببا له‪ .‬وإمكان وجوب المقبول في‬ ‫‪2‬‬
‫ً‬
‫القابل وهو الزم الفاعلية‪.‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪151‬‬

‫اعتبر السلب ّأوال ثم‪ 1‬التعليل على معنى أ ّن صفة القابلية سبب لعدم‬
‫[‪ ]99‬وإن ُ‬
‫إمكان وجوب المقبول في القابل فال نس ّلم ذلك‪ .‬غاية األمر أنّها ليست سببا إلمكان‬
‫ً‬
‫وجوب المقبول في القابل‪15[ .‬أ] وال يلزم من عدم سببيتها إلمكان وجوب المقبول‬
‫ّ‬
‫أن يكون‪ 2‬سببا لعدم إمكانه حتى يلزم المنافاة بين الالزمين فيمتنع اجتماعهما بسبب‬
‫ً‬
‫امتناع اجتماع الزميهما‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫أصل‬
‫والقبول وحده ليس بموجب ً‬
‫ُ‬ ‫[‪ ]100‬ثم قولهم الفعل وحده موجب في الجملة‬
‫إن أريد به كما هو الظاهر أ ّن ‘القبول ليس سببا للوجوب’ فال يلزم ثبوت امتناع‬
‫ً‬
‫ترتب قوله فلو اجتمعا في شيء واحد من جهة واحدة لزم إمكان‬
‫يصح ّ‬
‫ّ‬ ‫الوجوب‪ .‬فال‬
‫الوجوب وامتناعه من تلك الجهة‪ .‬وإن أريد به أ ّن ‘القبول سبب المتناع الوجوب’ فهو‬
‫ممنوع‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫هب أ ّن القبول ليس سببا المتناع الوجوب لكنّه إذا لم‬‫[‪ ]101‬فإن قلت‪ْ :‬‬
‫ً‬
‫والفعل سبب للوجوب‪ 3‬فلو اجتمعا في ذات واحدة من‬ ‫ُ‬ ‫يكن سببا للوجوب‬
‫ً‬
‫جهة واحدة لزم أن يكون الذات الواحدة من جهة واحدة سببا للوجوب وغير‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫شك في استحالته‪ .‬قلت‪ :‬الفعل والقبول إنّما يُحمالن على‬
‫سبب للوجوب وال ّ‬
‫تلك الذات باالشتقاق‪ 4‬ال بالمواطأة‪ .‬وال يلزم من كون المفهومين‪ 5‬المتناقضين‬ ‫‪15‬‬

‫محمولين عليهما مواطأ ًة‪ 6‬أن يُحمال على تلك الذات بالمواطأة حتى يلزم صدق‬
‫أصل‘ فيلزم التناقض‪.‬‬
‫ً‬ ‫قولنا ’الذات موجب في الجملة والذات ليس بموجب‬

‫تعليل للسلب‪.‬‬
‫ً‬ ‫حتى يكون‬ ‫‪1‬‬
‫إذ كثير من األشياء يكون سببا لوجود شيء وال لعدمه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ً‬
‫م‪ :‬للوجود‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫بأن يقال إنّها فاعلة وقابلة ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫وهما الموجب وغير الموجب محمولين عليهما أي على الفعل والقبول في قولنا ‘الفعل موجب والقبول غير موجب‬ ‫‪5‬‬
‫إن يحمال على تلك الذات بالمواطأة’‪ .‬نعم لو كان الفعل والقبول محمولين على تلك الذات بالمواطأة للزم أن يكون‬
‫أيضا كذلك ‪.‬‬
‫المفهومان المتناقضان المحموالن عليهما بالمواطأة إن يحمال على تلك الذات ً‬
‫أي باعتبار نفس الفعل والقبول ال غير‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪153‬‬

‫وقولنا‪‘ 1‬الذات باعتبار قابليته غير موجب’ مجرد عبارة‪ ،‬وليس القصد ّإل أ ّن القبول‬
‫ّ‬
‫غير موجب كما أ ّن المقصود بقولنا ‘الذات باعتبار فاعليته موجب’ ليس ّإل أ ّن‬

‫الفعل موجب‪ .‬فالموصوف بغير الموجب في الحقيقة هو القبول وبالموجب كذلك‬

‫يوصف الذات بهما وال استحالة في اجتماع الوصفين بهذا‬


‫هو الفعل‪ .‬وباعتبارهما َ‬
‫االعتبار في ذات واحدة؛ وإنّما االستحالة في اجتماعهما فيها على وجه يكونان وص ًفا‬ ‫‪5‬‬

‫حقيقيا لها‪.‬‬
‫ً‬
‫فاعل‬
‫تنزلنا عن هذا المقام نقول لهم‪ :‬إن أريد أ ّن القابل ال يكون ً‬
‫[‪ ]102‬ثم إن ّ‬

‫أصل‪ 2‬فالدليل على تقدير تمامه ال يساعده‪ .‬وإن أريد أ ّن الشيء الواحد ال يكون ً‬
‫قابل‬ ‫ً‬

‫وفاعل له من جهة واحدة فعلى تقدير تسليمه ال ينفعكم وال يضرنا؛ أل ّن المبدأ‬
‫ً‬ ‫لشيء‬
‫ّ‬
‫قابل لصفاته باعتبار ذاته‬
‫مر تحقيقه‪ .‬فيجوز أن يكون ً‬ ‫األول فيه جهات واعتبارات كما‬
‫ّ‬ ‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫وفاعل لها باعتبار جهات اعتبارية‪ .‬فال يثبت نفي الصفات الحقيقية عنه تعالى [‪15‬ب]‬
‫ً‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫تمسك لهذا الدعوى بوجه آخر وهو أ ّن القبول‬
‫وهو المقصود من هذه المسألة‪ .‬وقد يُ ّ‬
‫والفعل أثران فال يصدران عن مؤثّر واحد من جهة واحدة‪ .‬ويجاب بأنّا ال نس ّلم أ ّن‬

‫تمسكوا به‬
‫القبول أثر‪ .‬ولو س ّلم فال نس ّلم أ ّن الواحد ال يصدر عنه ّإل الواحد‪ .‬وما ّ‬
‫عرفت حاله‪.‬‬
‫َ‬ ‫عليه فقد‬ ‫‪15‬‬

‫مقدر تقريره (إ‪ :‬تقرير) ظاهر‪.‬‬


‫جواب سؤآل ّ‬ ‫‪1‬‬
‫متعددة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫سواء كان من جهة واحدة أو من جهات‬ ‫‪2‬‬
‫الفصل التاسع‬

‫في إبطال مذهبهم في نفي الصفات‬

‫األول ليس له صفات زائدة على ذاته؛ بل‬


‫[‪ ]103‬ذهبت الفالسفة إلى أ ّن المبدأ ّ‬
‫متحدان حقيقة كما يُتخيل‬
‫ذاتا وله صفة وهما ّ‬
‫عين ذاته ال على معنى أ ّن هناك ً‬
‫هي ُ‬
‫ّ‬
‫كل واحد‬
‫في بادى الرأي من ظاهر الكالم‪ .‬فإنّه ظاهر البطالن ال يذهب إليه عاقل؛ إذ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫قائما بنفسه‬
‫من الصفة والموصوف مغاير لآلخر بداه ًة الستحالة كون الشيء الواحد ً‬
‫يترتب على‬
‫يترتب عليه ما ّ‬ ‫وقائما بغيره بداهة؛ بل على معنى أ ّن ذاته تعالى‬
‫ً‬ ‫وذاته‬
‫ّ‬
‫مثل ذاتك غير كافية في انكشاف األشياء لك؛ بل يُحتاج فيه‬
‫معا‪ً .‬‬
‫الذات والصفات ً‬
‫إلى صفة العلم الذي تقوم بك بخالف ذاته تعالى؛ فإنّه ال يحتاج في انكشاف األشياء‬

‫وظهورها عليه إلى صفة تقوم به؛ بل المفهومات منكشفة له تعالى ألجل ذاته‪ .‬فذاته‬ ‫‪10‬‬

‫ومرجعه إذا ُح ّقق إلى نفي‬


‫ُ‬ ‫بهذا االعتبار حقيقة العلم‪ .‬وكذا الحال في سائر صفاته‪،‬‬

‫الصفات مع حصول نتايجها وثـمراتها‪.‬‬

‫األول تعالى لو كان له صفة زائدة على ذاته‬


‫[‪ ]104‬استدلّوا على مذهبهم هذا بأ ّن ّ‬
‫قائمة به لكانت تلك الصفة ممكنة الحتياجها إلى موصوفها ومحتاجة إلى علّة إلمكانها‪.‬‬

‫األو َل لزم كون‬


‫األول [أو غيره]‪ .‬فإن كان ّ‬
‫ذات المبدأ ّ‬
‫فتلك العلّة ال تخلو من أن تكون َ‬ ‫‪15‬‬

‫غيره لزم‬
‫وفاعل لها‪ ،‬وإنّه محال‪ .‬وإن كان َ‬
‫ً‬ ‫قابل لصفة‬
‫الشيء الواحد من جميع الوجوه ً‬
‫ضا محال‪.‬‬
‫احتياج الواجب في صفته إلى غيره‪ ،‬وهو أي ً‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪157‬‬

‫األول ع ّلة لها؛ ولكن ال نس ّلم لزوم‬


‫[‪ ]105‬والجواب أنّا نختار أ ّن ذات المبدأ ّ‬
‫وفاعل لها؛ وإنّما يلزم ذلك لو كان‬
‫ً‬ ‫قابل لصفة‬
‫كون الشيء الواحد من جميع الوجوه ً‬

‫واحدا من جميع الوجوه‪ ،‬وهو ممنوع‪ .‬فإنّك قد عرفت ساب ًقا أ ّن فيه كثر ًة‬
‫ً‬ ‫األول‬
‫المبدأ ّ‬
‫بحسب حيثيات اعتبارية‪ .‬ولو ُس ّلم فال نس ّلم استحالة كون الشيء الواحد من جميع‬

‫عرفت ضعفه‪.‬‬
‫َ‬ ‫وقابل لها‪ .‬وما استدلّوا [به] عليه فقد‬
‫ً‬ ‫فاعل لصفة‬
‫الوجوه ً‬ ‫‪5‬‬

‫ستدل على مذهبهم المذكور بأنّه لو كان [‪16‬أ] صفاته زائدة على‬
‫[‪ ]106‬وقد يُ ّ‬

‫غنيا مطل ًقا؛ إذ الغني المطلق هو ما ال‬


‫ذاته يكون محتاجة إلى تلك الصفات فال يكون ًّ‬
‫‘االحتياج‬
‫ُ‬ ‫يحتاج إلى غير ذاته‪ .‬وجوابه أن يقال إن أريد باالحتياج إلى تلك الصفات‬

‫في وجوده إليها’ فلزومه ممنوع‪ .‬وإن أريد ‘في انكشاف األشياء وأمثاله’ فاللزوم‬

‫دل ّإل على وجود موجود يكون‬


‫مس ّلم‪ .‬لكن ال نس ّلم استحالة الالزم؛ فإ ّن الدليل ما ّ‬ ‫‪10‬‬

‫مما ال‬
‫وأما احتياجه في انكشاف األشياء وغيرِ ه ّ‬
‫‪1‬‬
‫مستغنيا عن جميع ما سواه‪ّ .‬‬ ‫وجوده‬
‫ً‬
‫حجة على امتناعه‪.‬‬
‫يتو ّقف وجوده عليه إلى صفة قديمة قائمة به فلم يقم ّ‬

‫كالخلق واإليجاد (م؛ إ – كالخلق واإليجاد)‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الفصل العاشر‬

‫األول ال ينقسم بالجنس والفصل‬


‫في تعجيزهم عن إثبات قولهم إ ّن ذات ّ‬
‫يتركب بحسب العقل من جنس و‪1‬فصل‪.‬‬
‫األول ال يجوز أن ّ‬
‫[‪ ]107‬قالوا المبدأ ّ‬
‫يتركب من الجنس‬
‫ّ‬ ‫الحد ما‬
‫ّ‬ ‫حد؛ إذ‬
‫وإذا لم يكن له جنس وال فصل لم يكن له ّ‬
‫موجودا وللعقول في‬
‫ً‬ ‫والفصل الذاتيين‪ .‬وما يقال من أنّه مشارك للممكنات في كونه‬ ‫‪5‬‬

‫مشاركة في الجنس بل في الخارج الالزم؛ فإ ّن مشاركته للممكنات‬


‫َ‬ ‫المبدئية فهو ليس‬
‫الزم له‪ .‬والمبدئية الزمة له‬
‫إنّما هي في الوجود المطلق‪ ،‬وهو خارج عن ماهيته تعالى ٌ‬
‫الخاص الواجبي فهو عين ماهية‬
‫ّ‬ ‫وأما الوجود‬
‫بالقياس إلى معلوالته خارج ٌة عن ذاته‪ّ .‬‬
‫ومخالف لوجودات الممكنات بالحقيقة ال اشتراك بينهما ّإل في الوجود‬
‫ٌ‬ ‫الواجب‬
‫وأيضا ليس بمشارك للممكنات في الجوهرية؛ إذ‬
‫ً‬ ‫المطلق الذي هو خارج الزم لها‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫المح ّققون من الحكماء على أنّه تعالى ليس بجوهر؛ إذ الجوهر ماهية إذا ُوجدت‬
‫في األعيان كانت ال في موضوع‪ .‬وهذا المعنى غير صادق على الواجب؛ إذ ليس له‬
‫الخاص الواجبي فال يكون‬
‫ّ‬ ‫الوجود؛ وإنّما حقيقته عين الوجود‬
‫ُ‬ ‫عندهم ماهية يعرِ ضها‬
‫معنى الجوهر مشتر ًكا بينه وبين غير‪ .‬والمشهور منهم في بيان هذه الدعوى مسلكان‪:‬‬
‫َ‬
‫يدل على نفي الترّكب عنه مطل ًقا سواء كان من‬
‫العام الذي ّ‬
‫األول هو المسلك ّ‬‫[‪ّ ]108‬‬ ‫‪15‬‬

‫أجزاء متمايزة في الخارج أو من أجزاء متمايزة في الذهن‪ .‬وهو أنّه لو ترّكب الواجب‪ 2‬من‬
‫أجزاء متمايزة في الذهن أو في الخارج الحتاج الواجب لذاته‪ 3‬ووجوده إلى جزئه بحسب‬
‫كل واحد‬
‫نفس األمر‪ .‬وجميع أجزاء الشيء وإن كان نفس ذلك الشيء [‪ ] 16‬لكن ّ‬
‫ب‬

‫كل واحد من أجزائه‬


‫من أجزائه غيره‪ .‬فال يكون ذاته مع قطع النظر عن الغير الذي هو ّ‬
‫محتاجا إلى غيره‪ .‬والمحتاج إلى الغير‬
‫ً‬ ‫كافيًا في وجوده؛ بل يكون ذاته في نفسه ووجوده‬ ‫‪20‬‬

‫بحسب نفس األمر ممكن فيلزم كون الواجب ممكنًا‪.‬‬

‫إ‪ :‬أو‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫م؛ إ – الواجب‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ ‪ +‬فذاته‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪161‬‬

‫[‪ ]109‬وجوابه أن يقال‪ :‬ليس معنى كون األجزاء العقلية أجزاء للماهية ّإل أ ّن‬

‫ينزع من نفس الذات البسيط مع قطع النظر عن عوارضها بحسب االستعدادات‬


‫العقل َ‬
‫وأخصها‬ ‫جنسا‬ ‫ٍ‬
‫ُّ‬ ‫أعمها ً‬
‫يسمى ّ‬
‫متعدد ًة يتع ّقلها بها ّ‬
‫ّ‬ ‫مفهومات‬ ‫والشروط المقتضية لها‬

‫فصل‪ .‬وهذه المفهومات وإن كانت متغايرة في الذهن بحسب أنفسها ووجوداتها‬
‫ً‬
‫تعدد فيه‪ .‬غايته أ ّن ذلك األمر‬
‫حد ذاته بسيط ال ّ‬
‫أيضا ّإل أنّها صور لشيء واحد في ّ‬
‫ً‬ ‫‪5‬‬

‫متعددةٌ محموالت‬
‫ّ‬ ‫مفهومات‬
‫ٌ‬ ‫البسيط بحيث يجوز أن يؤخذ من ذاته بدون عوارضه‬

‫عليه‪ 1.‬فإن أريد باحتياجه إلى الغير في ذاته ووجوده هذا القدر فال نس ّلم استحالته‬

‫بد من بيانه حتى نتك ّلم عليه‪.‬‬


‫واستلزامه اإلمكان‪ .‬وإن أريد معنى آخر فال ّ‬

‫[‪ ]110‬فإن قلت‪ :‬األدلّة الدالّة على الوجود الذهني دلّت على أ ّن الموجود في‬

‫تركبها في‬ ‫ٍ‬


‫فحينئذ يكون الماهية الواجبية على تقدير ّ‬ ‫الذهن عين الماهية الخارجية‬ ‫‪10‬‬

‫كل واحد‬
‫حد نفسها من أمرين محتاجة إلى ّ‬
‫مركبة في ّ‬
‫العقل من الجنس والفصل ّ‬
‫متحدة غير متمايزة بحسب الخارج‬
‫قلت‪ :‬األجزاء العقلية ّ‬
‫منهما‪ ،‬فيعود المحذور‪ُ .‬‬
‫وجودا أو تختلف في الماهية‬
‫ً‬
‫‪2‬‬
‫وتتحد‬
‫فإما أن تختلف ماهي ًة ّ‬
‫وإل ّ‬
‫ووجودا‪ّ .‬‬
‫ً‬ ‫ماهية‬

‫معا‪.‬‬
‫والوجود ً‬
‫‪3‬‬
‫بكل واحد من تلك األجزاء لزم‬
‫األول إن قام ذلك الوجود الواحد ّ‬
‫[‪ ]111‬وعلى ّ‬ ‫‪15‬‬

‫متعددة‪ ،‬وهو محال‪ .‬وإن قام بمجموعها من حيث هو‬


‫ّ‬ ‫محال‬
‫ّ‬ ‫حلول شيء‪ 4‬واحد في‬

‫أيضا‪.‬‬
‫الكل بدون أجزائه‪ ،‬وهو محال ً‬
‫‪5‬‬
‫مجموع لزم وجود ّ‬

‫م؛ إ‪ :‬عليها‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫س‪ّ :‬يتحد‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬لزوم‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫أي الوجود‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ساريا في األجزاء؛ ألنّا نقول‬
‫ً‬ ‫الكل بدون الجزء‪ .‬وإنّما يلزم لو لم يكن‬
‫ال يقال ال نسلم أنّه إن قام بالمجموع لزم وجود ّ‬ ‫‪5‬‬
‫فيتعدد الوجود فيرجع إلى القسم الثاني‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الوجود الحاصل في أحد الجزئين غير الوجود الحاصل في اآلخر‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪163‬‬

‫[‪ ]112‬وعلى الثاني يلزم أن يمتنع حمل أحدها على اآلخر بهو هو؛ أل ّن األمور‬
‫المتمايزة بحسب الخارج في الماهية والوجود يمتنع حمل بعضها على بعض‬
‫بالتركب‬
‫ّ‬ ‫أي ارتباط أمكن‪ .‬فالماهية الواحدة تكون مختلفة‬
‫بالمواطأة وإن ُفرض بينها ُّ‬
‫‪1‬‬

‫أصل؛ فذاته‬
‫تركب فيها ً‬
‫والبساطة بحسب الوجودين‪ .‬فباعتبار الوجود الخارجي ال ّ‬
‫البسيطة كافية في [‪17‬أ] وجودها الخارجي من غير اعتبار أمر آخر معها‪ .‬وباعتبار‬ ‫‪5‬‬

‫مركبة‪ ،‬وذاته بحسب هذا الوجود محتاجة إلى غيرها الذي هو‬
‫الوجود الذهني يكون ّ‬
‫المحل‪ .‬وال نس ّلم‬
‫ّ‬ ‫المفيض لوجودها في ذلك‬
‫المحل والفاعل ُ‬
‫ّ‬ ‫جزؤها كما يحتاج إلى‬
‫ومنافاته للوجوب الذاتي‪ .‬وبالجملة ال تكون الماهية مطل ًقا وال‬
‫َ‬ ‫استلزامه لإلمكان‬
‫بحسب الخارج محتاجة إلى غيرها في ذاتها ووجودها الخارجي؛ بل عند حصولها‬
‫في الذهن‪ ،‬وال نس ّلم استحالته واستلزامه لإلمكان‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫[‪ ]113‬المسلك الثاني أ ّن واجب الوجود ال يشارك شيئًا من األشياء في ماهيته؛ أل ّن‬
‫غيره في ماهية‬
‫الواجب َ‬
‫ُ‬ ‫كل ماهية لما سوى الواجب مقتضية إلمكان الوجود‪ 2.‬فلو شارك‬
‫ّ‬
‫كبيرا‪ .‬وإذا لم يكن مشارًكا لغيره في ذاته لم‬
‫علوا ً‬
‫ذلك الغير يلزم إمكانه تعالى عن ذلك ًّ‬
‫يحتج في العقل إلى فصل يتميّز به عن غيره‪ ،‬فال يكون مرّكبًا في العقل‪.‬‬
‫وإل‬
‫[‪ ]114‬وجوابه أ ّن ما ُذكر مبني على أن ال يكون في الوجود واجبان؛ ّ‬ ‫‪15‬‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫فيجوز أن يكون بينهما جنس مشترك غير مقتض إلمكان الوجود بل لوجوبه‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫كل منهما عن اآلخر بفصل ذاتي فال يلزم إمكان الواجب‪ .‬وقد بينّا أ ّن ما‬
‫ويتميز ٌّ‬
‫ّ‬
‫أيضا‪ .‬والتوحيد وإن‬‫يتم ما يبتني عليه ً‬ ‫تام‪ ،‬فال‬
‫ذكروه من األدلّة على الوحدانية غير ّ‬
‫ّ‬
‫إلزامهم بأ ّن مطلوبهم ال يتم على ما ذكروا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قطعا ّإل أ ّن المقصود‬
‫ثابتا عندنا ً‬
‫كان ً‬
‫ّ‬
‫يدل على أنّه ال جنس له‪.‬‬
‫ثم ال نس ّلم أ ّن عدم مشاركته لشيء من األشياء في ماهيته ّ‬ ‫‪20‬‬

‫لم ال يجوز أن يكون له جنس منحصر في نوعه بحسب الخارج؟‬

‫إ‪ :‬بالمواطات‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ‪ :‬الوجوب‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي بل مقتض لوجوبه (إ – لوجوبه)‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪165‬‬

‫[‪ ]115‬وإن كان له أنواع كثيرة في العقل ويكون له فصل يتميز به عن سائر‬
‫ّ‬
‫األنواع التي في العقل من غير لزوم ما ُذكر من إمكان الواجب‪ .‬وذلك ال ينافي برهان‬
‫التوحيد‪ .‬وفيه نظر؛ ألنّه إذا كانت ماهيته الجنسية مقتضية لوجوب الوجود في الخارج‬
‫بعض أنواعه‬
‫يوجد ُ‬
‫منحصرا في نوعه بحسب الخارج بأن ال َ‬ ‫فكيف يجوز أن يكون‬
‫ً‬
‫أيضا‬
‫في الخارج؛ أل ّن مقتضى الماهية ال يتخ ّلف عنها‪ .‬وأجيب عن الدليل المذكور ً‬ ‫‪5‬‬

‫يدل على عدم جواز‬ ‫مركبا من الجنس والفصل‪ .‬وال ّ‬


‫لدل على أنّه ال يكون ّ‬
‫تم ّ‬ ‫بأنّه لو‬
‫ّ‬
‫تركب الماهية مطل ًقا‬
‫تركبه من أمرين متساويين‪ .‬والدليل المذكور على امتناع [‪17‬ب] ّ‬
‫ّ‬
‫تام ِلما تقرر في مح ّله‪.‬‬
‫من أمرين متساويين غير ّ‬
‫ّ‬
‫كل ماهية لما سوى الواجب مقتضية إلمكان‬
‫أيضا بأ ّن قولك ّ‬
‫[‪ ]116‬وأجيب عنه ً‬

‫الوجود‪ 1،‬إن أريد به ّ‬


‫‘كل ماهية نوعية بسيطة لما سواه‪ ’.‬فمس ّلم أنّه يقتضي إمكان‬ ‫‪10‬‬

‫شيئا في تلك الماهية ولكنّه ال يفيد‪ 2‬المطلوب‪ .‬وإن‬


‫الوجود‪ ،‬وإ ّن الواجب ال يشارك ً‬
‫كان المراد ‘الماهية أعم من أن تكون نوعية أو جنسية‪ ’.‬فال نس ّلم ذلك‪ .‬لم ال يجوز‬
‫ّ‬
‫أن يكون للواجب جنس يندرج تحته نوعان‪ ،‬الواجب وممكن آخر وماهية ذلك‬
‫الجنس من حيث هي ال يقتضي‪ 3‬إمكان الوجود وال وجوبه؛ بل إن انضم إليها فصل‬
‫ّ‬
‫ممكنا؟ وفيه نظر يُعرف‬
‫‪4‬‬
‫ً‬ ‫الواجب صار واجبا‪ ،‬وإن انضم إليها فصل الممكن صار‬ ‫‪15‬‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫بالتأمل‪.‬‬
‫ّ‬

‫إ‪ :‬الوجوب‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مشاركا‬
‫ً‬ ‫لجواز أن تكون الماهية الجنسية لما سوى الواجب غير مقتضية إلمكان الوجود وال الوجوب و يكون الواجب‬ ‫‪2‬‬
‫التركب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫للممكن في تلك الماهية ويمتاز عنه بالفصل‪ ،‬فال يلزم عدم‬
‫تركب الواجب من جنس ممكن وفصل واجب وهو محال‪ .‬ولو اقتضى الوجوب‬ ‫ألنّه لو اقتضى إمكان الوجود لزم ّ‬ ‫‪3‬‬
‫أيضا محال ‪.‬‬
‫تركب الممكن اآلخر من جنس واجب وفصل ممكن وهو ً‬ ‫لزم ّ‬
‫تاما وهو‬
‫اقتضاء ًّ‬
‫ً‬ ‫فإما أن يقتضي الوجود‬
‫كل ماهية جنسية أو نوعية إذا نُظر إليها من حيث هي هي ّ‬ ‫وجه النظر أ ّن ّ‬ ‫‪4‬‬
‫شيئا منهما وهو الممكن‪ .‬وهذه القسمة عقلية ضرورية‪.‬‬‫الواجب أو يقتضي العدم كذلك وهو الممتنع أو ال يقتضي ً‬
‫مركبا من جنس‬
‫ًّ‬ ‫فهذه الماهية التي ال تقتضي إمكان الوجود وال الوجوب تكون ممتنعة فيلزم أن يكون الواجب تعالى‬
‫تركبه من جنس ممكن وفصل واجب وهو‬ ‫ممتنع وفصل واجب‪ ،‬وهو محال كما أنّه على تقدير كونها ممكنة يلزم ّ‬
‫أيضا‪.‬‬
‫محال ً‬
‫الفصل الحادي عشر‬

‫األول تعالى عين ماهيته‬


‫في تعجيزهم عن إثبات قولهم إ ّن وجود ّ‬
‫أيضا ال تخالف أصول اإلسالم‪ .‬ولهذا مال إليه بعض‬
‫[‪ ]117‬وهذه الدعوى ً‬
‫الشيخ في كتبه هو أ ّن‬
‫ُ‬ ‫عول عليه‬
‫متأخري المتك ّلمين‪ .‬والدليل الذي ّ‬
‫ّ‬ ‫المح ّققين من‬

‫أصل‪ .‬ولو‬
‫وإل لم تكن موجودة ً‬
‫قائما بها‪ّ ،‬‬
‫وجود الواجب لو كان زائ ًدا على ماهيته لكان ً‬ ‫‪5‬‬

‫مفتقرا إلى الغير‪ .‬والمفتقر إلى الغير ممكن‪.‬‬


‫مفتقرا إليها وهي غيره فيكون ً‬
‫قام بها لكان ً‬
‫غيرها‪ .‬ال جائز أن‬
‫محتاج إلى مؤثّر‪ .‬والمؤثّر فيه ّإما نفس تلك الماهية أو ُ‬
‫ٌ‬ ‫كل ممكن‬
‫و ّ‬
‫وإل لزم افتقار الواجب في وجوده إلى غيره‪ 1‬فال يكون الواجب واجبًا‪ ،‬وال‬
‫غيرها؛ ّ‬
‫يكون َ‬
‫نفسها؛ فإ ّن الماهية وإن جاز أن تكون علّة لبعض صفاتها لكن ال يجوز أن‬
‫جائز أن يكون َ‬
‫تكون علّة لوجود نفسها؛ إذ المؤثّر في الوجود ال ب ّد أن يتق ّدم عليه بالوجود‪ .‬فلو كانت‬ ‫‪10‬‬

‫الماهية الواجبة‪ 2‬علّة لوجودها لتق ّدم على وجودها بالوجود‪ .‬فالوجود المتق ّدم ّإما نفس‬
‫نفسه لزم تق ّدم الشيء على نفسه‪ ،‬وهو محال‪ .‬وإن‬
‫غيره‪ .‬فإن كان َ‬
‫الوجود المفروض أو ُ‬
‫ضا محال‪ .‬ويلزم‬
‫غيره عاد الكالم إليه‪ ،‬فكان للشيء وجودات ال نهاية لها‪ ،‬وهو أي ً‬
‫كان َ‬
‫ضا ثبوت المطلوب‪ 3‬على تقدير عدمه؛ أل ّن الماهية المقتضية لجميع‪ 4‬تلك الوجودات‬
‫أي ً‬
‫‪5‬‬
‫وإل لم يكن‬
‫الزائدة المتسلسلة ال ب ّد أن تتق ّدمها بوجود ال يكون زائ ًدا عليها بل عينها؛ ّ‬ ‫‪15‬‬

‫جميعا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪6‬‬
‫[‪18‬أ] الجميع‬

‫إ‪ :‬الغير‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – الواجبة‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫عين ماهيته‪.‬‬
‫إ‪ :‬المط؛ وهو كون وجوده تعالى َ‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬بجميع‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫والتالي باطل ألنّه خالف المفروض‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫متقدم على تلك الوجودات الزائدة عليها‬
‫ّ‬ ‫أي جميع الوجودات الزائدة عليها (م – عليها) لبقاء وجود زائد عليها‬ ‫‪6‬‬
‫(م – ّ‬
‫متقدم على تلك الوجودات الزائدة عليها) على هذا التقدير‪.‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪169‬‬

‫األول ما ذكره صاحب حكمة اإلشراق وهو أ ّن‬


‫[‪ ]118‬وأجيب عنه بوجوه ثالثة‪ّ :‬‬
‫الوجود ال يزيد في الخارج على الماهية الموجودة؛ بل زيادته عليها في األذهان فقط‪.‬‬

‫فهو اعتباري عقلي ال هوية خارجية‪ ،‬فال ع ّلة له في الخارج ال الماهي ُة وال غيرها حتى‬
‫ُ‬
‫يلزم ما ُذكر من المحذور‪.‬‬

‫ور ّد هذا الجواب بأ ّن الوجود وإن لم يكن له هوية خارجية لكن للماهية‬
‫[‪ُ ]119‬‬ ‫‪5‬‬

‫اتّصاف به بحسب نفس األمر‪ .‬فهو وإن لم يحتج إلى علّة ِ‬


‫موجدة له لكونه من االعتبارات‬

‫العقلية التي ال وجود لها في الخارج لكن له احتياج إلى العلّة باعتبار اتّصاف الماهية به‪.‬‬

‫غيرها فيلزم افتقار الماهية الواجبة في اتّصافها بالوجود إلى أمر خارج عن‬
‫فتلك العلّة ّإما ُ‬
‫لما وجب‬
‫ذاته أو عينُها فيلزم تق ّدمها على وجودها بالوجود‪.‬ال يقال ذات الواجب تعالى ّ‬
‫اتّصافه بالوجود ولم يجز أن ال يتّصف به لم يكن هناك احتياج إلى علّة؛ إذ المح ِوج إلى‬ ‫‪10‬‬

‫ترجح أح َد الطرفين المتساويين على اآلخر‪ .‬فإذا لم‬


‫العلّة هو اإلمكان‪ .‬فإ ّن شأن العلّة‪ 1‬أن ِّ‬
‫فأي حاجة إلى العلّة‪ .‬وما يقال إن الواجب هو الذي يقتضي‬
‫يكن هناك طرفان متساويان ّ‬
‫اقتضاء‬
‫ً‬ ‫وجوده فمعناه أ ّن ذاته بحيث ال يجوز أن ال يتّصف بالوجود‪ ،‬ال أ ّن هناك‬
‫ذاتُه َ‬
‫تصور أن‬
‫عما عداه بالكلّية حتى يُ ّ‬
‫تصور أن يستغني ّ‬
‫مما يُ ّ‬
‫وتأثيرا‪ .‬ألنّا نقول االتّصاف ليس ّ‬
‫ً‬
‫نظرا إلى نفسه ضرورةَ احتياجه إلى موصوف وصفة‪ .‬فهو من حيث هو هو ال‬
‫يكون واجبًا ً‬ ‫‪15‬‬

‫جائزا حصولُه وال حصولُه‪ .‬فال ب ّد في‪ 2‬ترجيح أحد جانبَي حصولِه وال حصوله‬
‫يكون ّإل ً‬

‫مرجح ّإما بالذات أو غي ِرها فيلزم أحد المحذورين ً‬


‫قطعا‪.‬‬ ‫من ِّ‬
‫‪3‬‬

‫إ – هو اإلمكان‪ .‬فإ ّن شأن الع ّلة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ‪ :‬من‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫س‪ :‬الذات‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪171‬‬

‫[‪ ]120‬الوجه الثاني ما ذكره اإلمام الرازي [رحمه اهلل] وهو أنّا ال نس ّلم أ ّن ع ّلة‬

‫تقدمها‬
‫شك في ّ‬
‫متقدمة على معلولها بالوجود؛ فإ ّن الع ّلة ال ّ‬
‫الوجود تجب أن تكون ّ‬
‫التقدم بالوجود فممنوع‪ .‬لم ال يجوز أن تكون الماهية من‬
‫وأما أ ّن هذا ّ‬
‫على المعلول‪ّ .‬‬
‫وجودا؟ أال يُرى أ ّن ماهيات الممكنات‬
‫ً‬ ‫ذاتا ال‬
‫فتتقدم عليه ً‬
‫ّ‬ ‫حيث هي ع ّلة لوجودها‬

‫وإل لزم وجود الشيء‬


‫تقدمها عليها بالوجود؟ ّ‬ ‫ِع ٌ‬
‫لل قابلي ٌة لوجوداتها مع أنّها ال يجب ّ‬ ‫‪5‬‬

‫تقدم الع ّلة القابلية ال بالوجود [ ‪18‬ب] فلم ال يجوز أن يكون‬


‫قبل وجوده‪ .‬وإذا كان ّ‬
‫أيضا كذلك؟‬
‫الحال في الع ّلة الفاعلية ً‬

‫ماهيته‪ 1‬قبل الوجود في وجود نفسها‬


‫ُ‬ ‫جوزتم أن يؤثّر‬
‫[‪ ]121‬فإن قلت‪ :‬إذا ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال يمكن‬ ‫فلم ال يجوز أن يؤثّر تلك الماهية قبل الوجود في وجود العالم؟‬

‫االستدالل بوجود اآلثار على وجود‪ 2‬المؤثّر‪ .‬قلت‪ :‬ضرورة العقل فارقة بينهما‪ .‬فإنّا‬ ‫‪10‬‬

‫يوجد ال يكون سببا لوجود غيره‪ ،‬بخالف ما إذا كان‬ ‫نعلم بالضرورة أ ّن الشيء ما لم َ‬
‫ً‬
‫العقل له‬
‫أيضا بأ ّن الفاعل للوجود ال ب ّد أن يالحظ ُ‬
‫ور ّد هذا الجواب ً‬
‫سببا لوجود نفسه‪ُ .‬‬
‫ً‬
‫وجودا ّأوال حتى يمكنه أن يالحظ له إفادة الوجود؛ أل ّن مرتبة اإليجاد متأ ّخرة عن مرتبة‬
‫ً‬
‫إيجاد‬
‫قطعا‪ ،‬سواء كان َ‬
‫تصور منه إيجا ٌد ً‬
‫يوجد في نفسه ال يُ ّ‬
‫الوجود بالضرورة‪ .‬فإ ّن ما ال َ‬
‫‪3‬‬

‫غيره أو إيجاد نفسه‪ .‬فال يجوز أن يكون ماهية الواجب من حيث هي مقتضية‪ 4‬لوجودها‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫وأما العلّة القابلية فهي‪ 5‬مستفيدة للوجود‪ .‬والمستفيد للوجود ال ب ّد وأن يالحظ العقل له‬
‫ّ‬
‫الخلو عن الوجود حتى يمكنه أن يالحظ له استفادة الوجود‪ .‬وذلك أل ّن استفادة الحاصل‬
‫ّ‬
‫محال كتحصيله‪ .‬فال يجوز أن يتق ّدم قابل الوجود ومستفيده عليه بالوجود ضرورة‪.‬‬

‫أي ماهية (س – ماهية) الواجب تعالى‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – وجود‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ – ال‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫زائدا على ماهيته‪.‬‬
‫جوزه من جعل وجوده ً‬ ‫كما ّ‬ ‫‪4‬‬
‫إ‪ :‬فهما‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪173‬‬

‫منع كون‬
‫ومحصله ُ‬
‫َّ‬
‫‪1‬‬
‫[‪ ]122‬الوجه الثالث ما ذكره اإلمام الغزالي (رحمه اهلل)‬

‫بناء على‬
‫محتاجا إلى فاعل مؤثّر ً‬
‫ً‬ ‫وجود الواجب على تقدير زيادته وقيامه بالماهية‬

‫عنوا بالممكن والمعلول أ ّن له‬


‫أنّه أزلي‪ ،‬واألزلي ال يحتاج إلى فاعل مؤثّر‪ .‬فإن َ‬

‫عنوا غيره فهو مس ّلم‪ ،‬وال استحالة فيه؛ إذ الدليل‬


‫ع ّل ًة فاعلي ًة فال نس ّلم ذلك‪ .‬وإن َ‬

‫وقطعه يحصل بحقيقة موجودة يكون وجودها‬ ‫يدل ّإل على قطع تسلسل ِ‬
‫العلل‪.‬‬ ‫لم ّ‬ ‫‪5‬‬
‫ُ‬
‫كل‬
‫قدمناه في المباحث السابقة أ ّن ّ‬
‫مما ّ‬
‫زائدا على ذاته‪ .‬وأورد عليه أنّه قد عرفت ّ‬
‫ً‬

‫وكل ما كان كذلك‬


‫وصف فهو في نفسه مع قطع النظر عن غيره ال استقالل له‪ّ ،‬‬

‫يحصله‬ ‫ِ‬
‫حصوله بالنظر إليه على السواء‪ .‬فيحتاج إلى فاعل‬ ‫ِ‬
‫حصوله وال‬ ‫كان طرفا‬
‫ّ‬
‫قديما أو حاد ًثا‪ .‬فإن قلت‪ :‬الوجود أمر اعتباري ال تح ّقق له في‬
‫ً‬ ‫ضرورة سواء كان‬

‫الخارج حتى يكون طرفا حصوله وال حصوله متساويين نظرا إلى ذاته فيحتاج إلى‬ ‫‪10‬‬
‫ً‬
‫لكن حصوله‬
‫فاعل‪ ] 19[ .‬قلنا‪ :‬هو وإن لم يحتج في وجوده إلى فاعل لعدميته ّ‬
‫أ‬

‫عما يحصله ال على معنى أن يُجعل‬


‫واتصاف الماهية به ليس بحيث يُستغنى ّ‬
‫للماهية ّ‬

‫متصفة بالوجود‪ .‬فإن قلت‪:‬‬


‫موجودا‪ ،‬بل على معنى أن يُجعل الماهية ّ‬
‫ً‬ ‫االتصاف‬
‫ّ‬

‫االتصاف‬
‫وأما ّ‬
‫ّاتصاف الماهية بالوجود ّاتصا ًفا حاد ًثا يقتضي االحتياج إلى الفاعل‪ّ .‬‬
‫األزلي فال نس ّلم أنّه يقتضي االحتياج إليه‪ .‬قلنا‪ :‬نحن نعلم بالضرورة أ ّن ّاتصاف‬ ‫‪15‬‬

‫متصفة بالصفة‬
‫بد فيه من أمر يجعل الذات ّ‬
‫أزليا أو حاد ًثا ال ّ‬ ‫الشيء بالشيء سواء كان‬
‫ً‬
‫عد مكابرة‪.‬‬
‫هو ّإما الذات أو غيره‪ .‬ومنعه يُ ّ‬

‫س؛ م‪ :‬رحم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪175‬‬

‫يدل ّإل على قطع تسلسل ِ‬


‫العلل‪ ،‬وقطعه يحصل‬ ‫[‪ ]123‬وقوله ‘الدليل لم ّ‬

‫يدعون أ ّن برهان قطع‬


‫زائدا عليها’‪ .‬قلنا‪ :‬هم ال ّ‬
‫بحقيقة موجودة يكون وجوده ً‬
‫يدل على عدم زيادة الوجود؛ بل يثبتونه بنظر ٍ‬
‫ثان بعد إثبات مقطّع‬ ‫التسلسل ّ‬
‫ُ‬
‫وإل الحتاج‬
‫بد أن يكون وجود ذلك المق ّطع‪ 1‬عين ماهيته؛ ّ‬
‫للسلسلة بأن يقال ال ّ‬

‫فيتقدم‪ 2‬على وجودها بالوجود‪ ،‬أو غيرها‬


‫ّ‬ ‫لالتصاف هي ّإما الذات‬
‫إلى ع ّلة موجبة ّ‬ ‫‪5‬‬

‫فال يكون مق ّط ًعا للسلسلة‪.‬‬

‫إ‪ :‬القطع‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫فتقدم‪.‬‬
‫إ‪ّ :‬‬ ‫‪2‬‬
‫الفصل الثاني عشر‬

‫األول تعالى ليس بجسم‬


‫في تعجيزهم عن بيان أ ّن ّ‬
‫كل جسم‬ ‫عول عليه الحكماء في نفي الجسمية وجهان‪ّ :‬‬
‫األول أ ّن ّ‬ ‫[‪ ]124‬والذي ّ‬
‫‪1‬‬
‫متكثـٌّر بالقسمة الكمية إلى أجزاء متشابهة وبالقسمة المعنوية إلى هيولى وصورة‪ .‬وواجب الوجود‬
‫مما‬
‫ال ينقسم بالمعنى وال بالكم‪ .‬فال شيء من الجسم بواجب‪ .‬وينعكس إلى قولنا ال شيء ّ‬ ‫‪5‬‬

‫كل جسم متكثّر بالقسمة الكمية إلى أجزاء‬


‫هو واجب الوجود بجسم‪ ،‬وهو المطلوب‪ّ .‬أما أ ّن ّ‬
‫تقرر عندهم وبيِّن في‬
‫وأما أنّه متكثّرة بالقسمة المعنوية إلى هيولى وصورة فلما ّ‬
‫متشابهة فظاهر‪ّ .‬‬
‫وأما أ ّن واجب الوجود ال ينقسم بالمعنى وال بالكم؛ فأل ّن الشيء المنقسم بالمعنى أو‬
‫محلّه‪ّ .‬‬
‫الكل‪ .‬فالشيء المنقسم إنّما يكون [واجبًا]‬
‫بالكم إنّما يكون واجبًا بما هو جزء له‪ .‬والجزء غير ّ‬
‫بما هو غيره‪ .‬فال يكون [واجبًا] لذاته بل ممكنًا لكون وجوبه بالغير‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫[‪ ]125‬وجوابه أنّا ال نس ّلم أنّه منقسم بالقسمة المعنوية إلى هيولى وصورة‪ .‬وما‬
‫مقدماته كما بيِن‬
‫بتام [‪ ] 19‬لورود المنع على بعض ّ‬
‫ب‬
‫ُذكر من الدليل عليه ليس ّ‬
‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫مركب ال‬
‫غير ّ‬ ‫الحس‬
‫ّ‬ ‫المفصالت؛ بل هو أمر بسيط في نفس األمر كما هو عند‬
‫ّ‬ ‫في‬
‫ُ‬
‫تتجزى‪ 4‬كما قال به عظيمهم‬
‫ّ‬ ‫من الهيولى وال من‪ 3‬الصورة وال من األجزاء التي ال‬
‫انقساما بالفعل بل بالقوة فقط؛‬
‫ً‬ ‫أفالطون‪ .‬واالنقسام بالكم إلى أجزاء مقدارية ليس‬ ‫‪15‬‬

‫متصل واحد عندهم ال انقسام فيه بالفعل إلى أجزاء مقدارية بل‬
‫أل ّن الجسم البسيط ّ‬
‫بالقوة‪ 5‬فقط‪ .‬فال يكون الجسم البسيط بحسب هذا‪ 6‬االنقسام واجبا بالجزء؛ أل ّن‬
‫ً‬
‫الجزء ليس بموجود معه‪.‬‬

‫إ – كبرى‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إ – عليه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫س؛ م – ال من‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫س؛ م‪ :‬يتجزى‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫واحدا ال انقسام‬
‫ً‬ ‫صل‬
‫مت ً‬
‫جسما بسي ًطا ّ‬
‫ً‬ ‫منهما‬ ‫كل‬
‫ٌّ‬ ‫يكون‬ ‫مثل‬
‫ً‬ ‫ين‬ ‫ق‬
‫ّ‬ ‫ش‬ ‫إلى‬ ‫بالفعل‬ ‫انقسم‬ ‫فإذا‬ ‫بالفعل‪.‬‬ ‫ينقسم‬ ‫أي من شأنه أن‬ ‫‪5‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫فيه بالفعل ً‬
‫إ‪ :‬هذه‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪179‬‬

‫يوجد جسم آخر من نوعه باعتبار‬


‫كل جسم وإن لم يلزم أن َ‬
‫[‪ ]126‬الوجه الثاني أ ّن ّ‬
‫ماهيته ‪ -‬إذ من األجسام ما ليس له نوع متع ّدد األشخاص كأجرام األفالك‪ ،‬فإ ّن حقيقة‬
‫لكن االمتدادات‪ 1‬الجسمانية التي هي أجزاء األجسام‬ ‫ِ‬
‫كل منها مخالفة لحقيقة اآلخر‪ّ -‬‬
‫ٍّ‬
‫كل امتداد‬
‫محصلة‪ .‬و ّ‬
‫متشاركة في الطبيعة النوعية؛ أل ّن االمتداد الجسماني طبيعة نوعية َّ‬
‫يوجد شيء آخر من نوعه فهو معلول؛ أل ّن‬
‫كل ما َ‬
‫يوجد شيء آخر من نوعه‪ .‬و ّ‬
‫جسماني َ‬ ‫‪5‬‬

‫الطبيعة المتع ّددة في الخارج تكون معلولة؛ أل ّن تع ّددها في الخارج ال يكون لذاتها بل‬
‫معلول‪ .‬وال شيء‬
‫‪2‬‬
‫الكل ً‬
‫معلول يستلزم كون ّ‬ ‫ٌ‬
‫معلول؛ أل ّن كون الجزء ً‬ ‫فكل جسم‬
‫لغيرها‪ّ .‬‬
‫من المعلول بواجب الوجود‪ .‬فال شيء من الجسم بواجب الوجود‪ .‬وينعكس إلى قولنا ‘ال‬
‫شيء من واجب الوجود بجسم’ وهوالمطلوب‪.‬‬

‫[‪ ]127‬وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن االمتداد الجسماني طبيعة نوعية‪ .‬ولم ال يجوز‬ ‫‪10‬‬

‫أن يكون االمتداد الجسماني في بعض األجسام مخال ًفا بالحقيقة لسائر االمتدادات‬

‫عاما بالقياس إليها‬


‫عرضا ًّ‬
‫ً‬ ‫جنسا أو‬
‫ً‬ ‫الجسمانية ومطلق االمتداد الجسماني يكون‬

‫عتد به‪ .‬وما ذكره الشيخ‬


‫شيئا يُ ّ‬
‫نوعا؟ فإنّهم لم يذكروا لبيان كونه طبيعة نوعية ً‬
‫ال ً‬
‫من أ ّن طبيعة االمتداد الجسماني لجميع األجسام طبيعة نوعية؛ أل ّن الجسمية إذا‬
‫حارة وتلك باردة أو هذه لها طبيعة‬
‫خالفت جسمية أخرى كان ذلك ألجل أ ّن هذه ّ‬ ‫‪15‬‬

‫عنصرية وتلك لها طبيعة فلكية‪ .‬وهي أمور تلحق الجسمية من خارج‪ .‬فإ ّن الجسمية‬
‫أمر موجود في الخارج والطبيعة الفلكية موجود آخر قد انضاف [‪20‬أ] هذه‬
‫الطبيعة في الخارج إلى الطبيعة الجسمية الممتازة عنها في الوجود بخالف المقدار‬

‫ممتد في الجهات الثالث‪.‬‬


‫ّ‬ ‫أي الصور (إ‪ :‬صورة) الجسمية التي هي جوهر‬ ‫‪1‬‬
‫إ – كبرى‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪181‬‬

‫يتنوع بأن يكون خطًّا أو ً‬


‫سطحا‪ ،‬إذ ليس‬ ‫محصال ما لم ّ‬
‫َّ‬ ‫الذي‪ 1‬هو في نفسه ليس شيئًا‬
‫نفسها هي المقدارية محمولةً‪ 2‬عليها‪.‬‬
‫موجودا آخر؛ بل الخطية ُ‬
‫ً‬ ‫موجودا والخطية‬
‫ً‬ ‫المقدارية‬
‫وأما المقدار‬
‫متقرر هو جسمية فقط من غير زيادة‪ّ .‬‬
‫كل شيء يُفرض‪ ،‬شيء ّ‬
‫فالجسمية‪ ،‬مع ّ‬
‫جسما‬ ‫متقررة ّإما خطًّا أو ً‬
‫سطحا أو ً‬ ‫يوجد ذاتًا ّ‬
‫مقدارا فقط بل ال ب ّد من فصول حتى َ‬
‫فليس ً‬
‫كل‪ 3‬ما كان اختالفه بالخارجيات دون الفصول كان طبيعة نوعية فغير تام‪.‬‬
‫تعليميًا‪ .‬و ّ‬ ‫‪5‬‬

‫شيء متقرر هو جسمية‬‫ٌ‬ ‫كل شيء يُفرض‬ ‫[‪ ]128‬ألنّا ال نس ّلم أ ّن الجسمية مع ّ‬
‫ّ‬
‫تصور وجودها‬
‫مبهما كالمقدار ال يُ ّ‬
‫ً‬ ‫فقط‪ .‬لم ال يجوز أن يكون الطبيعة الجسمية أمرا‬
‫ً‬
‫تنوعها بها ينضم إليها أمور خارجة عنها‪.‬‬ ‫ينضم إليها فصول ِّ‬
‫مقدمة لها وبعد ّ‬ ‫ّإل بأن‬
‫‪4‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ولكن انحصار اختالفها فيه ممنوع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وما ذكره من االختالف باألمور الخارجية مس ّلم‪،‬‬

‫وأيضا لم ال يجوز أن يكون طبايع متخالفة غير متشاركة في ذاتي ويكون امتياز‬
‫ً‬ ‫‪10‬‬

‫تابعا‬
‫بعضها عن بعض آخر بذواتها ال بالفصول واالختالف بالخارجيات يكون ً‬
‫الختالف حقايقها‪.‬‬

‫هب أ ّن ما ُذكر من الدليلين على انتفاء الجسمية عنه‬


‫[‪ ]129‬فإن قلت‪ْ :‬‬
‫دل على كون الواجب مق ِطّ ًعا لسلسلة الممكنات‬
‫لكن البرهان قد ّ‬
‫تام‪ّ ،‬‬
‫غير ّ‬ ‫تعالى‬
‫ُ‬
‫يحل‬
‫ّ‬ ‫فاعل لها؛ أل ّن الجسم وما‬
‫ً‬ ‫وع ّلة فاعلية لها‪ .‬والجسم ال يجوز أن يكون‬ ‫‪15‬‬

‫وضع مخصوص بالنسبة إليه‪ .‬فإ ّن النار‬


‫فيه من األعراض إنّما يؤثّر في قابل له ْ‬
‫خاص‬
‫ّ‬ ‫وضع‬
‫مالقيا لجرمها ]أو كان له ْ‬
‫ً‬
‫أي شيء اتّفق؛ بل ما كان‬ ‫ِّ‬
‫تسخن ّ‬ ‫ال‬

‫مقابل لجرمها[‪.‬‬
‫ً‬ ‫كل شيء؛ بل ما كان‬
‫بالنسبة إليها‪ .‬وكذلك الشمس ال ُتضيء ّ‬

‫الخط والسطح والجسم التعليمي‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الذي هو جنس تحته ثالثة أنواع‪:‬‬ ‫‪1‬‬
‫إ‪ :‬محمولية‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫مرتبط بقوله وهي أمور تلحق الجسمية من خارج‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ – عنها‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪183‬‬

‫خاص‬
‫ّ‬ ‫وضع‬
‫يحل فيه ّإل في قابل له ْ‬
‫المقدمة ‪-‬أعني عدم تأثير الجسم وما ّ‬
‫ّ‬ ‫وهذه‬

‫بالنسبة إليه‪ -‬ضرورية‪ .‬وما ُذكر من األمثلة الجزئية إنّما هو التنبيه عليها باستقراء‬

‫وضع لها بالنسبة إلى‬


‫األجسام وأحوالها في تأثيراتها‪ .‬والمعلوالت قبل وجودها ال ْ‬

‫وضع له ضرورة‪ .‬فال يكون الواجب‬


‫فاعل فيها؛ إذ ما ال وجود له ال ْ‬
‫جسم يُفرض ً‬

‫األول من سلسلة الممكنات‬


‫بد وأن يكون ع ّلة مستق ّلة لمعلول ّ‬
‫جسما؛ أل ّن الواجب ال ّ‬
‫ً‬ ‫‪5‬‬

‫حتى ينقطع التسلسل به لما مر من البرهان‪.‬‬


‫ّ‬
‫يحل فيه من [‪20‬ب] األعراض ال يؤثّر ّإل‬
‫[‪ ]130‬قلنا‪ :‬ال نس ّلم أ ّن الجسم وما ّ‬

‫وضع مخصوص بالنسبة إليه‪ .‬ودعوى الضرورة غير مسموعة‪ .‬وما ُذكر‬
‫في قابل له ْ‬

‫حجة‬
‫من استقراء أحوال األجسام في تأثيراتها تجرب ٌة ناقصة غير شاملة‪ ،‬فال تكون ّ‬
‫على قاعدة ك ّلية‪.‬‬ ‫‪10‬‬
‫الفصل الثالث عشر‬

‫في تعجيزهم عن القول بأ ّن األّ ّول تعالى يعلم غيره بنوع ك ّلي‬

‫مجرد عن الما ّدة‪ 1‬ولواحقها‪ 2‬قائم بنفسه‪.‬‬


‫األول أنّه تعالى ّ‬
‫[‪ ]131‬ولهم فيه مسالك‪ّ :‬‬
‫يصح أن يكون‬
‫‪3‬‬
‫معقول ّ‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫كل ما ّ‬
‫معقول‪ .‬و ّ‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫مجرد كذلك ّ‬
‫كل ّ‬‫و ّ‬
‫مجرد عن الما ّدة ولواحقها فلِما ثبت من‬
‫قائما بنفسه‪ّ .‬أما أنّه تعالى ّ‬
‫مجر ًدا ً‬
‫عاقل إذا كان ّ‬
‫ً‬ ‫‪5‬‬

‫معقول فأل ّن‬


‫يصح أن يكون ً‬
‫مجرد كذلك ّ‬
‫كل ّ‬‫وأما أ ّن ّ‬
‫أنّه تعالى ليس بجسم وال جسماني‪ّ .‬‬
‫منزهة‪ 4‬عن العوارض الجزئية الالحقة للشيء بسبب الما ّدة في الوجود الخارجي‬
‫‪5‬‬
‫ذاته ّ‬
‫المقتضية لالنقسام إلى األجزاء المتباينة في الوضع‪ .‬وهي المانعة من التع ّقل‪ .‬فإذا كان‬
‫صالحا ألن يُعقل من‬
‫ً‬ ‫معقول؛ بل يكون في نفسه‬
‫مجر ًدا عنها لم يكن فيه مانع من كونه ً‬
‫ّ‬
‫معقول‪ .‬فإن لم يُعقل كان ذلك من جهة العاقل‪.‬‬
‫غير احتياج إلى عمل يُعمل به حتى يصير ً‬ ‫‪10‬‬

‫مجردا‬
‫عاقل إذا كان ّ‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫معقول ّ‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫كل ما ّ‬
‫وأما أ ّن ّ‬
‫[‪ّ ]132‬‬
‫كل‪ 7‬ما‬
‫معقول مع غيره‪ .‬و ّ‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫معقول ّ‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫كل ما ّ‬
‫‪6‬‬
‫قائما بنفسه فأل ّن ّ‬
‫ً‬
‫قائما بنفسه‪.‬‬
‫مجر ًدا ً‬
‫عاقل إذا كان ّ‬ ‫معقول مع غيره ّ‬
‫يصح أن يكون ً‬ ‫يصح أن يكون ً‬
‫ّ‬
‫صحة الحكم‬
‫ينفك عن ّ‬
‫يصح أن يُعقل فتع ّقله يمتنع أن ّ‬
‫كل ما ّ‬
‫[‪ّ ]133‬أما الصغرى فأل ّن ّ‬
‫العامة‪ .‬والحكم على شيء بشيء‬
‫عليه بالوجود والوحدة وما يجري مجراها من األمور ّ‬ ‫‪15‬‬

‫يصح أن يُعقل مع غيره في الجملة‪.‬‬


‫يصح أن يُعقل ّ‬
‫كل ما ّ‬
‫معا‪ .‬فإذن ّ‬
‫تصوَرهما ً‬
‫يقتضي ّ‬
‫م؛ س ‪ +‬أي الهيولى‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫المادة الهيولى ومن اللواحق الصورة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫م؛ س ‪ +‬أي الصورة؛ إ ‪ +‬المراد من‬ ‫‪2‬‬
‫يصح أن يكون‪.‬‬
‫ّ‬ ‫معقول‬
‫ً‬ ‫يصح أن يكون‬
‫ّ‬ ‫وكل ما‬
‫معقول ّ‬
‫ً‬ ‫إ–‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬مجرد‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ّ‬
‫إ‪ :‬الخارج‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫صغرى‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫كبرى‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪187‬‬

‫يصح أن يكون مقارنًا لمعقول‬


‫معقول مع غيره ّ‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫كل ما ّ‬
‫وأما الكبرى فأل ّن ّ‬
‫ّ‬
‫معا حالّين في القوة العاقلة فيكون مقارنًا‬
‫معقول مع غيره كانا ً‬
‫آخر؛‪ 1‬أل ّن الشيء إذا كان ً‬
‫يصح‬
‫يصح أن يكون مقارنًا لغيره من المعقوالت ّ‬
‫كل ما ّ‬
‫له مقارنةَ أحد الحالّين لآلخر‪ .‬و ّ‬
‫يصح أن يكون مقارنًا‪ 2‬لغيره من‬
‫كل ما ّ‬
‫قائما بنفسه؛ أل ّن ّ‬
‫مجر ًدا ً‬
‫عاقل إذا كان ّ‬
‫أن يكون ً‬
‫صحة‬
‫يصح مقارنته لذلك الغير؛ أل ّن ّ‬
‫‪3‬‬
‫المعقوالت فإنّه إذا ُوجد في الخارج وهو قائم بذاته ّ‬ ‫‪5‬‬

‫المقارنة المطلقة ال تتوقّف على المقارنة في العقل؛ إذ هي استعداد [‪21‬أ] المقارنة‬


‫المطلقة‪ .‬واستعداد المقارنة المطلقة متق ّدم على المقارنة المطلقة‪ ،‬وهي متق ّدمة على‬
‫األخص والمتق ّدم على المتق ّدم على الشيء‬
‫ّ‬ ‫األعم متق ّدم على‬
‫ّ‬ ‫المقارنة في العقل؛ أل ّن‬
‫فصحة المقارنة المطلقة متق ّدمة على المقارنة في العقل‪ .‬فلو‬
‫متق ّدم على ذلك الشيء‪ّ .‬‬
‫توقّفت هي عليها يلزم الدور‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫‪4‬‬
‫صحة المقارنة المطلقة غير متوقّفة على المقارنة في العقل‪ .‬فإذا ُوجد‬
‫[‪ ]134‬فإذن ّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ ال يمكن‬ ‫صحة المقارنة المطلقة‪ 5‬ثابتة له‪ .‬وهي‬
‫في الخارج وهو قائم بذاته يكون ّ‬
‫قائم الذات‬
‫المحل‪ .‬وذلك ألنّه إذا كان َ‬
‫ّ‬ ‫الحال في‬
‫ّ‬ ‫حصول‬
‫َ‬ ‫ّإل بأن يحصل فيه‪ 6‬المعقول‬
‫امتنع أن يكون مقارنته للغير لحلوله فيه وحلولهما في ثالث‪ .‬والمقارنة منحصرة في هذه‬
‫صحة‬
‫الصحة بالنسبة إلى الثالثة‪ .‬وهي ّ‬
‫‪7‬‬
‫ّ‬ ‫الثالثة‪ .‬فإذا امتنع اثنتان منهما تعيّن أن تكون‬ ‫‪15‬‬

‫للحال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪8‬‬
‫المحل‬
‫ّ‬ ‫مقارنته للمعقول اآلخر مقارنةَ‬

‫وهو ذلك الغير‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫أي في العقل‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫صحة المقارنة المطلقة على المقارنة في‬
‫ّ‬ ‫ف‬‫ق‬‫ّ‬ ‫تو‬ ‫عدم‬ ‫دعوى‬ ‫مة‬ ‫المقد‬
‫ّ‬ ‫هذه‬ ‫ففي‬ ‫كذلك‪،‬‬ ‫هي‬ ‫حيث‬ ‫من‬ ‫مقارنة مطلقة‬ ‫‪3‬‬
‫صحة المقارنة إلى آخره ‪.‬‬
‫العقل‪ ،‬فلهذا ع ّللها بقوله‪ :‬أل ّن ّ‬
‫يصح أن يكون مقار ًنا لغيره مقارنة مطلقة ‪.‬‬‫ّ‬ ‫أي ما‬ ‫‪4‬‬
‫من غير تو ّقف على مقارنتهما في العقل‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫أي في المقارن لغيره مقارن ًة مطلق ًة‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫صحة المقارنة المطلقة‪.‬‬ ‫أي ّ‬ ‫‪7‬‬
‫قائم بذاته‪.‬‬ ‫‪8‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪189‬‬

‫قائما بنفسه‬
‫مجر ًدا ً‬
‫يصح أن يُعقل فإذا ُوجد في الخارج وكان ّ‬
‫كل ما ّ‬
‫[‪ ]135‬فثبت أ ّن ّ‬
‫عاقل‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫كل ما كان كذلك ّ‬
‫الحال لمحلّه‪ .‬و ّ‬
‫يصح أن يقارنه معقول آخر مقارنةَ ّ‬
‫ّ‬
‫المجرد القائم‬
‫ّ‬ ‫لذلك الغير؛ إذ ال معنى لتع ّقل ذلك الغير ّإل مقارنةَ ذلك الغير للموجود‬

‫صح أن يكون‬
‫عاقل لغيره‪ .‬وإذا ّ‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫مجرد ّ‬
‫فكل ّ‬
‫للمحل‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫الحال‬
‫بالذات مقارنة ّ‬

‫عرفت‪.‬‬
‫َ‬ ‫حاصل بالفعل؛ أل ّن التغيّر‪ 1‬والحدوث من توابع الما ّدة كما‬
‫ً‬ ‫عاقل له كان عقله له‬
‫ً‬ ‫‪5‬‬

‫معقول‪ .‬وما ُذكر لبيانه من‬


‫ً‬ ‫يصح أن يكون‬
‫ّ‬ ‫كل مجرد‬
‫[‪ ]136‬وجوابه أنّا ال نس ّلم ّ‬
‫ّ‬
‫محل المنع‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المادة ولواحقها وهي منتفية عن المجرد ففي‬
‫ّ‬ ‫أنّه ال مانع من التع ّقل ّإل‬
‫ّ‬
‫ولم ال يجوز أن يكون للتع ّقل مانع آخر سوى العوارض الجزئية الالحقة بسبب‬

‫كل‬
‫المادة؟‪ 2‬وما الدليل على انحصار المانع فيها؟ ولئن س ّلمنا ذلك لكن ال نس ّلم أ ّن ّ‬
‫ّ‬
‫قائما بنفسه‪.‬‬
‫[مجردا] ً‬ ‫عاقل إذا كان‬
‫يصح أن يكون ً‬
‫ّ‬ ‫معقول مع غيره‬
‫ً‬ ‫يصح أن يكون‬
‫ّ‬ ‫ما‬ ‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫صحة المقارنة المطلقة على المقارنة في‬
‫تام؛ أل ّن انتفاء تو ّقف ّ‬
‫وما ُذكر في بيانه فغير ّ‬
‫قائما بذاته لجواز أن‬
‫صحة كونه مقار ًنا لغيره إذا ُوجد في الخارج ً‬
‫العقل ال يستلزم ّ‬
‫متحدة‬
‫المجرد وإن كانت ّ‬
‫‪3‬‬
‫لصحة المقارنة‪ .‬فإ ّن ماهية‬
‫ّ‬ ‫طا‬
‫يكون وجوده العقلي شر ً‬
‫ّ‬
‫في الذهن [‪21‬ب] والخارج ّإل أ ّن الوجود الذهني والخارجي متخالفان‪ .‬فيجوز أن‬

‫يصح المقارنة بينهما إذا كان المجرد‬


‫ّ‬ ‫لصحة المقارنة‪ .‬فال‬
‫ّ‬ ‫طا‬
‫يكون الوجود الذهني شر ً‬ ‫‪15‬‬
‫ّ‬
‫قائما بذاته النتفاء شرطها‪.‬‬
‫ً‬
‫‪4‬‬
‫موجودا في الخارج‬
‫ً‬

‫من األمور المانعة من التع ّقل‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫أي الهيولي‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫حال كونها في الذهن ّإل أ ّن لها عوارض ذهنية من جملتها كونها ملحوقة للوجود الذهني‬
‫فليس لها ماهية أخرى َ‬ ‫‪3‬‬
‫فيجوز أن يكون الوجود الذهني إلخ‪.‬‬
‫م؛ إ – في الخارج‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪191‬‬

‫لصحة المقارنة المطلقة لزم الدور‬


‫ّ‬ ‫طا‬
‫[‪ ]137‬فإن قلت‪ :‬لو كان الوجود العقلي شر ً‬

‫لصحة المقارنة فهو شرط لوجودها‪ .‬فلو كان الوجود‬


‫ّ‬ ‫كل ما هو شرط‬
‫أيضا؛‪ 1‬أل ّن ّ‬
‫ً‬

‫أيضا‪ .‬والوجود العقلي‬


‫طا لوجودها ً‬
‫لصحة المقارنة المطلقة كان شر ً‬
‫ّ‬ ‫طا‬
‫العقلي شر ً‬
‫‪2‬‬
‫أخص من مطلق المقارنة؛ إذ هو مقارنة المعقول للعاقل‪ .‬واشتراط األعم بالشيء‬
‫ّ‬
‫ّ‬
‫األخص‪ 4‬به‪ .‬فيكون الوجود العقلي وهو المقارنة المخصوصة‬
‫ّ‬ ‫يستلزم‪ 3‬اشتراط‬ ‫‪5‬‬

‫لصحة المقارنة‬
‫ّ‬ ‫طا‬
‫المجرد في العقل شر ً‬ ‫طا بنفسه‪ .‬وإذا لم يجز كون وجود‬
‫مشرو ً‬
‫ّ‬
‫موجودا في الخارج‪.‬‬
‫ً‬ ‫المطلقة بينه وبين الغير جازت المقارنة إذا كان المجرد‬
‫ّ‬
‫لصحة المقارنة المطلقة‬
‫ّ‬ ‫طا‬
‫[‪ ]138‬قلنا‪ :‬ليس المراد بكون‪ 5‬الوجود العقلي شر ً‬

‫لكل ما يُطلق عليه المقارنة بالنسبة إلى المجرد سواء‬


‫طا ّ‬‫أن يكون الوجود العقلي شر ً‬
‫ّ‬
‫كانت تلك المقارنة مع العاقل أوالمعقول حتى يرِ د ما ُذكر؛ بل المراد أ ّن المقارنة‬ ‫‪10‬‬

‫المطلقة بين المجرد والمعقول اآلخر الذي اجتمع معه في العقل مشروطة بوجود‬
‫ّ‬
‫المجرد في العقل‪ .‬وال يلزم‪ 6‬من اشتراط المقارنة المطلقة بين المجرد والمعقول‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المذكور بوجود المجرد في العقل اشتراط المقارنة بين المجرد والعاقل في العقل‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫بذلك‪ 7‬حتى يلزم اشتراط الشيء بنفسه‪.‬‬

‫أيضا‪.‬‬‫إ– ً‬ ‫‪1‬‬
‫وجود عقلي‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫األخص‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أل ّن األعم متح ّقق في ضمن‬ ‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫وجود عقلي‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫إ‪ :‬يكون‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫مثل لعدم تح ّققه ّإل في ضمنه‪ .‬وال‬‫ونظيره أ ّن وجود الحيوان في الخارج مشروط بوجود نوع من أنواعه كاإلنسان ً‬ ‫‪6‬‬
‫طا بنفسه؛ أل ّن المراد أ ّن وجود الحيوان‬
‫يلزم من ذلك أن يكون وجود اإلنسان الذي يصدق عليه الحيوان مشرو ً‬
‫كل ما يطلق عليه الحيوان من اإلنسان وغيره من األنواع مشروط به حتى يلزم ذلك ‪.‬‬ ‫مشروط به ال أ ّن ّ‬
‫أي بوجود المجرد في العقل‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ّ‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪193‬‬

‫عرضا لقيام ما ُذكر‬


‫ً‬ ‫صح‪ 1‬ما ُذكر ألمكن صيرورة الجوهر‬
‫ّ‬ ‫وأيضا لو‬
‫ً‬ ‫[‪]139‬‬

‫شك في حصول ماهيته في‬


‫من الدليل فيها بأن يقال إذا تع ّقلنا ماهية الجوهر فال ّ‬
‫العقل‪ .‬فتكون ماهيته الموجودة بالوجود العقلي قائمة بالموضوع‪ 2‬ال جائز أن يكون‬

‫نفس‪ 5‬وجوده في‬


‫طا لوجوده في الموضوع؛ أل ّن وجوده العقلي ُ‬
‫‪4‬‬ ‫‪3‬‬
‫وجوده العقلي شر ً‬

‫فصح على الذات الخارجية‬


‫ّ‬ ‫فصح الحصول في الموضوع للماهية مطل ًقا‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الموضوع‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫فيصح انقالبها من‬


‫ّ‬ ‫محل هو الذهن‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الجوهرية أن ينطبع بعد كونها قائمة بنفسها في‬

‫الجوهرية إلى العرضية‪22[ .‬أ]‬

‫لصحة المقارنة‬
‫ّ‬ ‫طا‬
‫[‪ ]140‬ولو س ّلم أنّه ال يجوز أن يكون وجوده العقلي شر ً‬

‫صحة المقارنة المطلقة على الوجود الذهني‬


‫ّ‬ ‫المطلقة لكن ال يلزم من عدم تو ّقف‬

‫التامة غير مشروطة‬


‫ينفك عنه‪ .‬فإ ّن الع ّلة ّ‬
‫صح ُتها بدونه لجواز أن ال يتو ّقف عليه وال ّ‬
‫ّ‬ ‫‪10‬‬

‫أصل‪.‬‬
‫تنفك عنه ً‬
‫بالمعلول وال يتو ّقف عليه مع أنّها ال ّ‬

‫األول على تقدير تمامه يُ ِنتج أ ّن الواجب لذاته‬


‫[‪ ]141‬ثم اعلم أ ّن هذا المسلك ّ‬
‫ِ‬
‫يعقل األشياء لحصول صورها فيه‪ .‬وهذه نتيجة باطلة عند جمهور الفالسفة القائلين‬

‫يدل‬
‫بأ ّن علمه تعالى مطل ًقا حضوري ال حصولي؛ ّإل أ ّن كالم الشيخ في اإلشارات ّ‬

‫على أ ّن علمه تعالى باألشياء بحصول صورها‪ .‬فهذا الدليل ال يص ُلح ّإل له‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫من الدليل على أصل الدعوى )إ ‪ +‬يصح(‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫وهو العقل‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫طا لك ّلما يطلق عليه وجود الجوهر في الموضوع‬
‫مرادا وهو كون وجوده العقلي شر ً‬
‫المستدل كو َنه ً‬
‫ّ‬ ‫ظن‬
‫بالمعنى الذي ّ‬ ‫‪3‬‬
‫طا لنفسه وقد عرفت أنّه ليس بمراد ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ يلزم كون الشيء شر ً‬ ‫إذ‬
‫للعام‬
‫ّ‬ ‫الخاص‬
‫ّ‬ ‫استلزام‬ ‫الموضوع‬ ‫في‬ ‫وجوده‬ ‫يستلزم‬ ‫العقلي‬ ‫وجوده‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫النقض؛‬ ‫ه‬ ‫توج‬
‫َّ‬ ‫بسببه‬ ‫الذي‬ ‫الغلط‬ ‫موضع‬ ‫هذا‬ ‫‪4‬‬
‫لكل ما يصدق عليه الوجود في الموضوع‪ ،‬وليس‬‫ال أنّه عينه‪ ،‬وإنّما يلزم العينية لو كان المراد أ ّن الوجود العقلي شرط ّ‬
‫كذلك كما عرفت‪.‬‬
‫فيلزم اشتراط الشيء بنفسه‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪195‬‬

‫مجرد قائم بذاته‬ ‫ِ‬


‫كل ّ‬‫مجرد قائم بذاته لما سبق‪ .‬و ّ‬
‫[‪ ]142‬المسلك الثاني أنّه تعالى ّ‬
‫‪1‬‬

‫المجردة القائمة‬
‫ّ‬ ‫كل ما كان ذاتُه‬
‫غير غائبة عنه‪ .‬و ّ‬
‫المجردة القائمة بذاته حاضرة له ُ‬
‫ّ‬ ‫فإ ّن ذاته‬

‫المجردة لألمر‬ ‫بذاته حاضرًة له ال ب ّد أن ِ‬


‫يعقل ذاتَه؛ أل ّن التع ّقل ليس ّإل حضور الماهية‬
‫ّ‬
‫يعقل ذاتَه‪ .‬وذاته علّة لِما عداه‪ .‬والعلم‬
‫المجرد القائم بذاته‪ .‬فثبت أنّه تعالى ال ب ّد أن ِ‬
‫ّ‬
‫عالما بغيره من المعلوالت‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالعلّة يوجب العلم بالمعلول‪ .‬فيكون ً‬ ‫‪5‬‬

‫يقرر بوجه آخر وهو أنّه إذا علِم ذاتَه وذاتُه مبدأ لغيره فال ب ّد وأن يعلم‬
‫[‪ ]143‬وقد َّ‬

‫غيره؛ أل ّن العلم بإضافة‬ ‫ِ‬


‫أ ّن ذاته مبدأ لغيره‪ .‬ومتى علم أ ّن ذاته مبدأ لغيره فال ب ّد وأن يعلم َ‬
‫الغير ال ب ّد وأن‬
‫بكل واحد من المضافين‪ .‬ثم إذا علم ذلك َ‬
‫أمر إلى آخر يستلزم العلم ّ‬
‫‪2‬‬

‫ِ‬
‫واجب الوجود مستند إليه وينتهي سلسلة‬ ‫يعلم معلول ذلك‪ 3‬الغير‪ 4.‬وقد ثبت أ ّن ما عدا‬

‫بكل ما عداه‪.‬‬ ‫ِ‬


‫علمه ّ‬
‫علله باآلخرة إليه‪ .‬فإذن يلزم من علمه تعالى بذاته ُ‬ ‫‪10‬‬

‫كل مجرد قائم بذاته‬


‫األول‪ :‬إنّا ال نس ّلم أ ّن ّ‬
‫[‪ ]144‬وأجيب عنه بوجوه‪[ :‬الوجه] ّ‬
‫ّ‬
‫فإ ّن ذاته المجردة القائمة بذاته حاضرة له‪ .‬فإ ّن الحضور نسب ٌة ال يتح ّقق ّإل بين‬
‫ّ‬
‫ور ّد ذلك بأ ّن المراد بالحضور‬
‫المتغايرين‪ .‬وإذ ال تغاير بين الشيء ونفسه فال إضاف َة‪ُ .‬‬
‫َ‬
‫عدم الغيبة‪ .‬وعدم الغيبة نفي للنسبة‪ .‬ونفي النسبة قد يكون للوحدة‪ .‬وانتفاء االثنتينية فال‬
‫ُ‬
‫يستدعي المغايرة‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫من أنّه ليس بجسم وال جسماني‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫مقدم على العلم باإلضافة فال يكون ِ‬
‫موجبا بل مستلزِ ًما‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫بكل واحد منهما‬
‫ّ‬ ‫لم يقل يوجب (إ‪ :‬موجب) أل ّن العلم‬ ‫‪2‬‬
‫ً‬
‫األول‪.‬‬
‫وهو المعلول ّ‬ ‫‪3‬‬
‫إ – ال ّ‬
‫بد وأن يعلم معلول ذلك الغير‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪197‬‬

‫ذاته المجردة القائمة بذاته حاضر ًة‬


‫كل ما كان ُ‬
‫[‪ ]145‬الوجه الثاني‪ :‬إنّا ال نس ّلم أ ّن ّ‬
‫ّ‬
‫المجردة لألمر‬ ‫بد أن ِ‬
‫يعقل ذاته‪ .‬قولهم أل ّن التع ّقل ليس ّإل حضور الماهية‬ ‫[‪ ] 22‬له ال ّ‬
‫ب‬
‫ّ‬
‫المجرد القائم بنفسه ممنوع‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون التع ّقل عبارة عن حالة نسبية‬
‫ّ‬
‫يحصل في ح ّقنا دون بعض المجردات؟‬
‫ّ‬
‫[‪ ]146‬الوجه الثالث‪ :‬إنّا ال نس ّلم أ ّن العلم بالع ّلة ِ‬
‫يوجب العلم بالمعلول إن أريد‬ ‫‪5‬‬
‫َ‬
‫ذاتها المخصوصة ِ‬
‫يوجب العلم بالمعلول كما هوالظاهر من‬ ‫أ ّن العلم بالع ّلة من حيث ُ‬
‫عتد به‪ .‬وإن أريد ‘أ ّن العلم بالع ّلة من حيث إنّه مبدأ‬
‫األول؛ إذ ال دليل عليه يُ ّ‬
‫التقرير ّ‬
‫شك في بطالنه؛ أل ّن العلم‪ 1‬بكونه‬ ‫وع ّلة للمعلول ِ‬
‫يوجب العلم بالمعلول’ فذلك ال ّ‬
‫مبدأ للمعلول موقوف على العلم بالمعلول ضرور َة تو ّق ِف معرفة اإلضافة على معرفة‬
‫المضافين‪ .‬فامتنع أن يكون ِ‬
‫موجبا له‪ .‬وإن أريد ‘أ ّن العلم بالع ّلة من حيث إنّه ع ّلة‬ ‫‪10‬‬
‫ً‬
‫موجبا له كما هو الظاهر من التقرير‬ ‫للمعلول مستلزم للعلم بالمعلول وإن لم يكن ِ‬
‫ً‬
‫عالما بذاته من حيث إنّه ع ّلة للمعلول‪ .‬فإ ّن‬‫ً‬ ‫الثاني’‪ 2‬فللخصم أن يمنع كون المبدأ‬

‫شك أنّه مغاير لنفس ذاته المخصوصة‪ .‬فلم قلتم إنّه‬


‫المبدئية والع ّلية أمر إضافي‪ .‬وال ّ‬
‫عاقل لغيره من المعلوالت؟‬
‫بد من تع ّقله لذلك األمر اإلضافي حتى يلزم أن يكون ً‬
‫ال ّ‬
‫بد لهم من دليل على ذلك‪.‬‬
‫فال ّ‬ ‫‪15‬‬

‫المتأخرين وهو أ ّن العلم‪ 3‬كمال‬


‫ّ‬ ‫لخصه بعض‬
‫[‪ ]147‬المسلك الثالث ما ّ‬
‫ٍ‬
‫مطلق للموجود من‬ ‫ٍ‬
‫كمال‬ ‫‪4‬‬
‫وكل‬
‫ّ‬ ‫مطلق للموجود من حيث هو موجود‪.‬‬

‫حيث هو موجود فهو ال يمتنع على واجب الوجود فيجب له‪ّ .‬أما الصغرى‬

‫الشق الثالث‪.‬‬
‫حيز المنع فلهذا منعه في ّ‬ ‫عالما بذاته من حيث إنّه ع ّلة للمعلول ألنّه في‬
‫أي س ّلمنا كون المبدأ ً‬ ‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫للمسلك الثاني حيث قال‪ :‬يستلزم ‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫صغرى‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫كبرى‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪199‬‬

‫كمال من وجه ونقصانًا من وجه كما إذا أوجب تكثـًّرا‬


‫فأل ّن معنى الكمال المطلق أن ال يكون ً‬
‫كمال ال يجب من حيث هو علم أن يكون بصورة‪ 1‬وأثر‪.‬‬
‫وترّكبًا وجسمية ونحوها‪ .‬والعلم مع كونه ً‬
‫وأما الكبرى فأل ّن‬
‫وعدم غيبته عنها‪ّ .‬‬
‫مجر ُد حضور المعلوم ُ‬
‫علوما حضورية يكفي فيها ّ‬
‫فإ ّن للنفس ً‬
‫الكمال المطلق للموجود من حيث هو موجود كمال للموجود من حيث هو من غير أن يكون‬
‫‪2‬‬
‫وأما أ ّن‬
‫كل ما كان كذلك فهو ال يمتنع على واجب الوجود‪ ،‬وهذا ضروري‪ّ .‬‬
‫موجبًا للنقص‪ .‬و ّ‬ ‫‪5‬‬

‫كل [‪23‬أ] ما ال يمتنع على واجب الوجود‬


‫كل ما ال يمتنع على واجب الوجود يجب له فأل ّن ّ‬
‫ّ‬
‫الخاص‪ .‬ال سبيل إلى الثاني؛ إذ لو أمكن عليه شيء باإلمكان‬
‫ّ‬ ‫فهو ّإما واجب أو ممكن باإلمكان‬

‫الخاص لكان فيه جهة إمكانية فيلزم التكثّر‪ ،‬وهو محال في ح ّقه تعالى‪.‬‬
‫ّ‬

‫[‪ ]148‬وجوابه أنّا ال نس ّلم ‘العلم كمال مطلق للموجود’ فإ ّن معنى الكمال‬
‫ُ‬
‫كمال على اإلطالق‬
‫ً‬ ‫كمال من وجه ونقصا ًنا من وجه؛ بل يكون‬
‫ً‬ ‫المطلق أن ال يكون‬ ‫‪10‬‬

‫يدل على‬
‫يدل عليه‪ ،‬فإنّه إنّما ّ‬
‫من غير تقييد بجهة من الجهات‪ .‬وما ذكره من الدليل ال ّ‬

‫عدم إيجاب‬
‫أنّه ال يوجب التكثّر وهو نقص مخصوص‪ .‬وعدم إيجابه له ال يستلزم َ‬
‫يدل‬
‫غيره من النقايص لجواز أن يكون فيه نقص من جهة أخرى‪ .‬وعدم االطّالع ال ّ‬

‫وأيضا قوله ‘لكان فيه جهة إمكانية’ إن أريد به ‘لكان إمكانية‬


‫ً‬ ‫على عدم الوجود‪.‬‬

‫بالنظر إلى وجوده في نفسه’ فممنوع‪ .‬وإن أريد ‘بالنظر إلى بعض عوارضه’ فمس ّلم‪،‬‬ ‫‪15‬‬

‫واستحالته ممنوع‪ .‬قوله ‘فيلزم التكثّر’ ممنوع إن أريد باعتبار ذاته‪ ،‬ومس ّلم ولكنّه غير‬

‫مستحيل إن أريد ‘باعتباراته وجهاته’‪.‬‬

‫وهي (إ‪ :‬مع) ما يوجب التكثّر‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – أ ّن‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫الفصل الرابع عشر‬

‫األول تعالى يعلم ذاته‬


‫في تعجيزهم عن القول بأ ّن ّ‬

‫األول‪ :‬أنّهم يثبتون أنّه تعالى يعلم غيره بما ذكرنا من‬
‫[‪ ]149‬ولهم فيه طريقان؛ ّ‬
‫غيره أمكنه باإلمكان‬
‫كل َمن عقل َ‬
‫المتقدمة‪ .‬ثم يقولون‪ّ :‬‬
‫ّ‬ ‫األول في المسألة‬
‫المسلك ّ‬
‫عالما بالمجسطي‬ ‫العام أن ِ‬
‫وإل جاز أن يكون أحدنا ً‬
‫عاقل لذلك الغير‪ّ ،‬‬
‫يعقل كونَه ً‬ ‫ّ‬ ‫‪5‬‬

‫والمخروطات وسائر العلوم الدقيقة الكثيرة المباحث المثبَتة بالدالئل القطعية وال يمكنه‬

‫أن يعلم أنّه عالم به‪ ،‬وإن التفت إليه وبالغ في االجتهاد‪ .‬وذلك سفسطة ظاهرة‪ .‬فواجب‬

‫العام لواجب الوجود يجب‬ ‫الوجود أمكنه أن ِ‬


‫كل ما كان باإلمكان ّ‬
‫عاقل لغيره‪ .‬و ّ‬
‫يعقل كونه ً‬

‫علمه‬ ‫عرفت‪ 1.‬فواجب الوجود يجب أن ِ‬


‫يتضمن َ‬
‫عاقل لغيره‪ .‬وذلك ّ‬
‫يعقل كونه ً‬ ‫له لما‬
‫‪2‬‬
‫َ‬
‫عاقل لذاته‪ ،‬وهو المطلوب‪.‬‬
‫بذاته فثبت كونه ً‬ ‫‪10‬‬

‫عالما‬
‫ً‬ ‫[‪ ]150‬الطريق الثاني‪ 3‬هو ما ُذكر في المسلك الثاني إلثبات كونه تعالى‬

‫المجردة حاضرة لذاته‬


‫ّ‬ ‫مجرد كذلك فإ ّن ذاته‬
‫كل ّ‬‫مجرد قائم بذاته‪ ،‬و ّ‬
‫بغيره من أ ّن ذاته ّ‬
‫المجردة القائمة بذاته‪ 4‬غير غائبة عنه‪ .‬وكل ما كان كذلك ال ب ّد أن ِ‬
‫يعقل ذاته؛ أل ّن التع ّقل‬ ‫ّ‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬
‫ليس [‪23‬ب] ّإل حضور الماهية المجردة للمجرد القائم بذاته‪ ،‬فثبت أنّه تعالى ِ‬
‫يعقل ذاته‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫وهو المطلوب‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫من أنّه لو لم يكن كذلك لزم اإلمكانية المستلزمة للتكثّر‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫يتضمن العلم بالمضافين‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫أل ّن العلم باإلضافة‬ ‫‪2‬‬
‫عالما بذاته‪ .‬وفي الطريق الثاني يعكسون‬
‫ً‬ ‫كونه‬ ‫يثبتون‬ ‫ثم‬ ‫ال‬ ‫أو‬
‫ّ‬ ‫بغيره‬ ‫ا‬‫عالم‬
‫ً‬ ‫كونه‬ ‫ثبتون‬‫ُ‬ ‫ي‬ ‫فيه‬ ‫إذ‬ ‫ل؛‬ ‫األو‬
‫وهو عكس الطريق ّ‬ ‫‪3‬‬
‫عالما بغيره‪.‬‬
‫ً‬ ‫كونه‬ ‫ذلك‬ ‫من‬ ‫يلزم‬ ‫ه‬ ‫ّ‬ ‫ن‬ ‫أ‬ ‫يثبتون‬ ‫ثم‬ ‫بذاته‬ ‫ا‬‫عالم‬
‫ً‬ ‫يكون‬ ‫أن‬ ‫يجب‬ ‫األمر فيثبتون ّأوال أنّه‬
‫إ – بذاته‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪203‬‬

‫فتذكر‪.‬‬ ‫المتقدمة‪،‬‬ ‫قدمناه في المسألة‬


‫عرفت الجواب عن الطريقين بما ّ‬ ‫[‪ ]151‬وقد‬
‫ّْ‬ ‫ّ‬ ‫َ‬
‫كل من عقل غيره أمكنه أن يعقل‬
‫األول هنا أن يقال ال نس ّلم أن ّ‬
‫يخص الطريق ّ‬
‫ّ‬ ‫والذي‬
‫عاقل لذلك الغير‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون من خاصية بعض المجردات أن ِ‬
‫يعقل‬ ‫كونه ً‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫المعقوالت ويمتنع عليه تع ّق ُل أنّه ِ‬
‫تعقلها؟ والقياس على ما يجده اإلنسان من نفسه‬ ‫ِ‬

‫حكما ك ّليا يقينيا‪.‬‬


‫ً‬ ‫ال يفيد‬ ‫‪5‬‬
‫ً‬
‫الفصل الخامس عشر‬

‫األول تعالى ال يعلم الجزئيات على وجه كونها جزئيا‬


‫في إبطال قولهم إ ّن ّ‬
‫ً‬

‫[‪ ]152‬قالوا‪ :‬الجزئيات‪ 1‬المتش ّكلة سواء كانت دائمةً‪ 2‬كأجرام األفالك الثابتة على‬
‫األول ال من حيث هي‬
‫أشكالها أو متغيّرة كالمرّكبات العنصرية التي تكون وتفسد يعلمها ّ‬
‫‪3‬‬

‫جزئيات متش ّكلة‪ ،‬بل يعلمها على وجه كلّي ال على معنى أنّه يعلم ماهيتها الكلّية فقط؛‬ ‫‪5‬‬

‫ضا ال تجتمع في الخارج‬


‫بل على معنى أنّه يعلم الماهية الكلّية موصوفة بصفات كلّية أي ً‬
‫ّإل في شخص واحد فيحصل علم‪ 4‬كلّي مطابق لشخص جزئي بحسب الخارج‪ .‬وإن لم‬
‫يمتنع فُرض صدقُه على كثيرين‪.‬‬

‫[‪ ]153‬وكذا ال يعلم الجزئيات الزمانية‪ 5‬سواءكانت متش ّكلة [كاألجسام] أو الكالنفوس‬
‫خلوه عن إدراك ما هو الواقع؛ أل ّن الزمان‬
‫[البشرية] على وجه كونها جزئيات‪ .‬وال يلزم منه ّ‬
‫‪6‬‬ ‫‪10‬‬

‫حال وبعضها‬
‫األوصاف الثالثةَ‪ .‬وليس بعض األزمنة بالنسبة إلى علمه تعالى ً‬
‫َ‬ ‫ليس له بالنسبة إليه‬
‫مثل‬
‫خلوه عن إدراك ما هو الواقع‪ً ،‬‬
‫مستقبل حتى يلزم من عدم علمه بهذا الوجه ّ‬
‫ً‬ ‫ماضيًا وبعضها‬
‫تقاطعا‬
‫كل يوم كذا درجة‪ ،‬والشمس كذا درجة‪ ،‬وبين منطقتَي فلكهما ً‬
‫يتحرك ّ‬
‫يعلم أ ّن القمر ّ‬
‫يوم كذا بأن يكون الشمس في إحدى‪ 7‬نقطتي‬
‫على التناصف فيحصل لهما بحركتهما مقابلةٌ َ‬
‫مثل‪ .‬وهذا‬
‫القمر في عقدة الرأس ً‬
‫األرض بينهما فينخسف ُ‬
‫ُ‬ ‫فيتوسط‬
‫القمر في األخرى ّ‬
‫التقاطع و ُ‬ ‫‪15‬‬

‫حال المقابلة وقبلها وبعدها‪ .‬ليس في علمه كان وكائن ويكون‪.‬‬


‫العلم ثابت له َ‬

‫والمركبات العنصورية بقرينة مقابلتها للجزئيات الزمانية‪.‬‬


‫ّ‬ ‫الغير الزمانية المسبوقة بالعدم كاألفالك‬ ‫‪1‬‬
‫أصل‪.‬‬
‫متغيرة ً‬ ‫أي غير‬ ‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫بموادها وصورها الجنسية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫المركبات قديمة‬
‫ّ‬ ‫أي بحدوث صورة نوعية وتفسد بزوال األخرى مع كون تلك‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬على‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫أي الحادثة في زمان‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫م؛ إ – البشرية‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫إ‪ :‬احد‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪207‬‬

‫األول‪ 1‬بأ ّن إدراك الجزئيات المتش ّكلة سواء كانت دائمة أو‬
‫واحتجوا على ّ‬
‫ّ‬ ‫[‪]154‬‬

‫والمجرد‬
‫ّ‬ ‫مجرد بالكلّية‪،‬‬
‫واألول تعالى ّ‬ ‫متغيّرة إنّما تكون بآالت [‪ ] 24‬جسمانية ّ‬
‫متجزئة‪ّ .‬‬
‫أ‬ ‫‪2‬‬

‫ِ‬
‫مستكم ًل بالما ّدة كالنفس [اإلنسانية‬ ‫بالكلّية ال يد ِرك بآالت جسمانية‪ّ ،‬‬
‫وإل لكان‬
‫تاما‪ ،‬وهذا محال‪.‬‬
‫تجر ًدا ًّ‬
‫مجر ًدا عنها ّ‬
‫المستكملة بالبدن] فال يكون ّ‬
‫المتشكلة ال يكون ّإل بآالت‬
‫ّ‬ ‫[‪ ]155‬وأجيب بأنّا ال نس ّلم أ ّن إدراك الجزئيات‬ ‫‪5‬‬

‫إدراكها بحصول صورها عند المدرِ ك‪ ،‬وهو ممنوع‪.‬‬


‫ُ‬ ‫جسمانية‪ .‬وإنّما يلزم أن‪ 3‬لو كان‬

‫ولم ال يجوز أن يكون العلم إضافة محضة أو صفة حقيقية ذات إضافة بدون الصورة‬

‫فال يحتاج إلى آلة جسمانية‪.‬‬

‫واحتجوا على الثاني‪ 4‬بأ ّن العلم باألشياء الزمانية من حيث كونُها زمانيةً يوجب‬
‫ّ‬ ‫[‪]156‬‬

‫التغيّر في علمه وهو على اهلل تعالى محال؛ أل ّن من يعتقد في الشيء المعيّن قبل حدوثه‬ ‫‪10‬‬

‫جهل‪ .‬وإنّما العلم هو أن‬


‫حدث ولم يحدث بعد فإ ّن اعتقاده ذلك يكون ال محالة ً‬
‫َ‬ ‫أنّه‬
‫ٍ‬
‫حينئذ معدوم ال موجود‪ .‬ثم إذا ُوجد فال‬ ‫وجوده؛ إذ هو‬
‫عدمه ال ُ‬
‫يُعتقد في ذلك الحال ُ‬
‫علمه الزماني بعدمه بأن يُعتقد أنّه معدوم في زمان هو موجود فيه؛ إذ لو‬
‫يجوز أن يبقى ُ‬
‫وحدث علم آخر وهو‬
‫َ‬ ‫ضا‪ .‬وإذا لم يبق ذلك العلم‬
‫جهل أي ً‬
‫بقي ذلك العلم بعدمه لكان ً‬
‫العلم بوجوده اآلن كان ذلك تغيـًُرا في علمه‪ .‬والعلم بهذه الزمانيات ليس من اإلضافات‬ ‫‪15‬‬

‫وشمال حتى يجوز‬


‫ً‬ ‫المجردة التي ال يرجع إلى هيئة وصفة في الذات مثل كونك يمينًا‬
‫ّ‬
‫التغيّر فيه في ح ّقه تعالى؛ بل هي هيئة وصفة لها إضافة إلى أمر خارج وهو المعلوم‪.‬‬
‫فإذا تغيّر المعلوم لم يكف في ذلك تغيّر اإلضافة فقط بل يتغيّر صفة الذات العالمة‪.‬‬

‫المتشكلة سواء كانت دائمة أو متغيرة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫األول ال يعلم الجزئيات‬
‫وهو أ ّن ّ‬ ‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫كالحواس الظاهرة أو الباطنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪2‬‬
‫م – أن‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫األول تعالى ال يعلم الجزئيات الزمانية‪.‬‬
‫وهو أ ّن ّ‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪209‬‬

‫وذلك أل ّن العلم يستلزم اإلضافة إلى معلومه المعيّن وال يتعلّق بغير ذلك المعلوم؛ بل العلم‬

‫المتعلِّق بمعلوم آخر علم مستأنَف له إضافة مستأنَفة بخالف القدرة‪ ،‬فيكون التغيّر فيه‬

‫تغيـًّرا في صفة حقيقية في ذاته تعالى‪ ،‬وذلك مستحيل في ح ّقه تعالى‪.‬‬

‫[‪ ]157‬وأجيب عنه بأ ّن العلم ّإما إضافة محضة‪ ،‬وتغير اإلضافات في ح ّقه تعالى‬
‫ّ‬
‫غير مستحيل عندهم‪ ،‬أو صفة حقيقية ذات إضافة‪ .‬وال نس ّلم أنّه يلزم من تغير إضافته‬ ‫‪5‬‬
‫ّ‬
‫بتغير المعلوم تغير تلك الصفة‪ .‬وإنّما يلزم ذلك لو كان العلم صورة مساوية للمعلوم؛‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫كل صورة فإنّما‬
‫علما به؛ بل ّ‬ ‫ٍ‬
‫تصور أن يتع ّلق بمعلوم آخر وأن يكون ً‬‫فإنّه حينئذ ال يُ ّ‬
‫علما بما هي صورة له فقط دون ما عداه‪ .‬وذلك أي كون العلم صورة‬
‫يكون [‪ً ] 24‬‬
‫ب‬

‫مساوية للمعلوم ممنوع‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون صفة واحدة لها إضافات وتع ّلقات‬

‫تعدد المعلوم وال يلزم من تغير المعلوم ّإل تغير تلك اإلضافات دون‬
‫متعددة بحسب ّ‬
‫ّ‬ ‫‪10‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصفة كما في القدرة‪.‬‬
‫الفصل السادس عشر‬

‫في إبطال قولهم إ ّن السماء متحرك باإلرادة‬


‫ّ‬

‫نسبتها‬
‫ُ‬ ‫[‪ ]158‬قالوا إ ّن األجرام الفلكية حيوانات لها نفوس متع ّلقة بأجرامها‪،‬‬
‫إليها كنسبة نفوسنا إلى أبداننا‪ .‬فكما أ ّن أبداننا متحرك باإلرادة لغرض من األغراض‬
‫ّ‬
‫الجزئية فكذا األفالك‪ .‬وهذه الدعوى وإن كانت من األمور الممكنة فإ ّن اهلل تعالى‬ ‫‪5‬‬

‫عنصريا‪ ،‬صغيرا كان أو كبيرا‪،‬‬


‫ً‬ ‫كل جسم فلكيا كان أو‬
‫قادر على أن يخلق الحياة في ّ‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫لكن الشأن في إثبات [وقوع] ذلك بطريق القياس العقلي‪.‬‬
‫مستديرا أو مض َّل ًعا‪ّ ،‬‬
‫ً‬
‫كل‬
‫متحرك بالذات‪ ،‬و ّ‬
‫تمسكوا بها هي أن قالوا‪ :‬الفلك جسم ّ‬
‫[‪ ]159‬وحجتهم التي ّ‬
‫متحرك بالذات فحركته ّإما طبيعية أو إرادية أو قسرية؛ أل ّن مبدأ الحركة ّإما خارج‬
‫جسم ّ‬
‫المتحرك ممتا ٌز عنه في الوضع واإلشارة أو ال‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عن‬ ‫‪10‬‬

‫واألول الحركة القسرية‪ .‬والثاني ال يخلو من أن يكون له شعور بما يصدر‬


‫[‪ّ ]160‬‬
‫واألول الحركة اإلرادية والثاني الطبيعية‪ ،‬ال جائز أن تكون حركات‬
‫عنه من الحركة أو ال‪ّ .‬‬
‫المتحر ُك باالستدارة يكون ترك ذلك الوضع‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫يتوجه إليه‬
‫كل وضع ّ‬
‫األفالك طبيعية؛ أل ّن ّ‬
‫التوجه إليه‪ .‬فيكون المهروب عنه بالطبع بعينه مطلوبًا بالطبع في حالة واحدة؛‬
‫عين ّ‬ ‫هو َ‬
‫عين طلبه‪ ،‬وإنّه محال بداهةً‪ ،‬وال جائز أن تكون قسرية؛ أل ّن‬
‫بل يكون الهرب عن الشيء َ‬ ‫‪15‬‬

‫ضا لو كانت حركاتها‬


‫القسر إنما يكون على خالف الطبع فحيث ال طبع فال قسر‪ .‬وأي ً‬
‫قسرية لكانت على موافقة القاسر‪ .‬فوجب تشابهُ حركاتها في الجهة والسرعة والبطء‬
‫لكن‬
‫قسر هناك ّإل من بعضها لبعض‪ّ ،‬‬
‫تصور ٌ‬
‫وتواف ُقها في المناطق واألقطاب؛ إذ ال يُ ّ‬
‫األرصاد ليست متشابهة وال متوافقة فتعيّن أن تكون إرادية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫شهدت به‬
‫ْ‬ ‫حركاتها كما‬

‫إ‪ :‬إلى‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪213‬‬

‫عول عليه الرياضيون‬


‫متحركة‪ .‬والذي ّ‬ ‫[‪ ]161‬وجوابه أنّا [‪25‬أ] ال نس ّلم أ ّن األفالك‬
‫ّ‬
‫تدل على حركات الكواكب‪ 1‬دون‬
‫متحركة هي المشاهدة‪ ،‬وهي إنّما ّ‬ ‫في أ ّن األفالك‬
‫ّ‬
‫الخرق عليها‪ ،‬وهو ممنوع‪ .‬وما ذكروا من الدليل‬
‫ُ‬ ‫حركاتها لو امتنع‬
‫ُ‬ ‫األفالك‪ .‬وإنّما يثبت‬

‫على امتناع الخرق عليها من أنّها لو كانت قابلة للخرق لكانت أجزاؤها قابلة للتفرق‪.‬‬

‫التفرق ال يكون ّإل بالحركة‪ 2‬المستقيمة‪ .‬فعلى‬


‫فيلزم أن تكون الجهات متح ّددة قبلها؛ إذ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫ِّ‬
‫المحدد [وهو فلك األفالك] دون ما عداه‪ .‬وكذا ما ذكره‬ ‫تقدير تسليمه إنّما يتم في‬
‫ّ‬
‫بعض‬
‫فصله ُ‬
‫تام على ما ّ‬
‫غير ّ‬ ‫الطبيعيون في إثبات كون األفالك متحركة باالستدارة‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫مفص ًل‪.‬‬
‫ألوردت ذلك ّ‬
‫ُ‬ ‫الفضالء‪ .‬ولوال خشية اإلطناب‬

‫فيجوز حركتها بدون حركة األفالك بناء على جواز الخرق عليها‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وهي ال تكون ّإل بجهة من الجهات‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫الفصل السابع عشر‬
‫في إبطال ما ذكروه من الغرض المحرك للسماء‬
‫ّ‬
‫المحرك للسماء هو التشبّه بالعقول المفارقة [عن األبدان]؛‪ 1‬أل ّن‬
‫ّ‬ ‫[‪ ]162‬قالوا‪ :‬الغرض‬
‫كل حركة إرادية فهي لغرض‪ 2.‬فإ ّن البداهة تشهد بأ ّن الحالة‬ ‫ِ‬
‫مر‪ .‬و ّ‬
‫حركة الفلك إرادية لما ّ‬
‫وجوده أولى‬
‫المتحر ُك باإلرادة َ‬
‫ّ‬ ‫المسماة باإلرادة ال تتعلّق ّإل بشيء مشعور به يرى‬
‫ّ‬ ‫الميالنية‬ ‫‪5‬‬

‫المسمى بالغرض‪ .‬فال ب ّد للحركة اإلرادية من غرض‪.‬‬


‫ّ‬ ‫من عدمه‪ .‬وذلك الشيء هو‬

‫[‪ ]163‬فالغرض ال يخلو من أن يكون حسيًا أو عقليًا‪ .‬ال جائز أن يكون الغرض‬
‫كل غرض حسي فالداعي إليه ّإما جذب الماليم أو دفع‬
‫المحرك للفلك حسيًا؛ أل ّن ّ‬
‫ّ‬
‫متصور حسي ال يكون فيه جذب ماليم وال دفع‬
‫كل َّ‬‫المنافر‪ .‬وال َمخرج عن هذين؛ أل ّن ّ‬
‫ضا له باعثًا على الفعل بالضرورة‪ .‬فجذب الماليم‬ ‫منافر عند المد ِرك لم ّ‬
‫يصح أن يكون غر ً‬ ‫‪10‬‬

‫يختصان بالجسم‬
‫ّ‬ ‫هو الشهوة ودفع المنافر هو الغضب‪ .‬وهما محاالن على الفلك ألنّهما‬
‫الذي ينفعل ويتغيّر من حال ماليمة إلى حال غير ماليمة وبالعكس‪.‬‬

‫تتخرق وال تلتئم لتزول صورتُها الجسمية إلى صورة أخرى‬


‫[‪ ]164‬واألفالك ال ّ‬
‫ضها ببعض وال تنمو وال تذبل وال‬
‫صورها النوعية بع ُ‬
‫ُ‬
‫‪3‬‬
‫وال تكون وال تفسد ليتب ّدل‬
‫يتخلخل وال يتكاثف لتغيّر مقاديرها زياد ًة ونقصانًا‪ ،‬وال تستحيل في كيفياتها من‬ ‫‪15‬‬

‫تصور كون بعضها‬


‫أشكالها واستدارتها؛ بل ال تغيّر فيها ّإل في أوضاعها التي ال يُ ّ‬
‫طبيعيًا [‪25‬ب] وأولى؟؛ ألنّها لبساطتها يكون نسبتها إلى جميع األوضاع على السواء‪.‬‬

‫إ – عن األبدان‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫وأما حركة العابث باللحية والنائم والساهي وغيرها من الحركات باإلرادة من غير أن يكون هناك غرض فجوابه أ ّن في‬ ‫ّ‬ ‫‪2‬‬
‫ضربا خفيا من اللذة‪ .‬وإ ّن النائم والساهي إنّما يفعالن بتخيل اللذة أو إزالة حالة مورِ ثة لأللم‪ ،‬وإن لم يشعر‬
‫ً‬ ‫العبث‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫العابث والنائم والساهي بذلك‪.‬‬
‫أي حتى تغير‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪217‬‬

‫فظهر أ ّن األجرام السماوية ال تتغيّر من حال ماليمة إلى حال غير ماليمة وبالعكس‪ ،‬فال‬
‫يكون لها شهوة وال غضب فال يكون حركاتها ألغراض حسية‪.‬‬

‫أمرا عقليًا‪ .‬وذلك األمر العقلي ّإما أن يمكن حصوله‬


‫[‪ ]165‬فتعيّن أن يكون الغرض ً‬
‫مجردة‬
‫تصور عقلي لذات عاقلة ّ‬
‫بالحركة أو يمتنع‪ .‬والثاني باطل؛ أل ّن اإلرادة المنبعثة عن ّ‬
‫بحسب ذاتها عن العوارض الما ّدية تستحيل أن تكون نحو شيء محال‪ ،‬وأل ّن طلب‬ ‫‪5‬‬

‫المحال ال يدوم أب َد الدهور؛ إذ ال ب ّد من اليأس عن حصول ما هذا شأنُه فتقف الحركة‬


‫تستمر‪ ،‬وهو محال؛ أل ّن الحركات الفلكية واجبة الدوام ألنّها حافظة للزمان الذي‬
‫ّ‬ ‫وال‬
‫يمتنع عليه العدم ساب ًقا والح ًقا‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ّإما أن يكون‪ 1‬عائ ًدا إلى العالم العنصري‬ ‫[‪ ]166‬فتعيّن أن يمكن حصوله بالحركة‪.‬‬
‫وإل يلزم استكمال‬
‫األول والثالث؛ ّ‬
‫أو إلى نفسها أو إلى [أمر] أعلى منها‪ .‬ال سبيل إلى ّ‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬ ‫‪10‬‬

‫الكامل بالناقص‪ّ .‬أما على الثالث وهو أن يكون الغرض عائ ًدا إلى العالي فظاهر أل ّن العالي‬
‫األول وهو أن يعود الغرض‬
‫وأما على ّ‬
‫كمال من السافل الذي هو ناقص‪ّ .‬‬
‫‪4‬‬
‫كامل‪ .‬وقد استفاد ً‬
‫إلى السافل‪ 5‬فأل ّن إيصال ذلك الغرض إلى السافل يجب أن يكون أولى بالقياس إلى الفلك‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ يستفيد الفلك‪ 6‬تلك األولوية من السافل بإيصال كمال‬ ‫ضا له‪.‬‬
‫يصح غر ً‬
‫وإل لم ّ‬
‫ّ‬
‫يتحرك ألجله‪.‬‬
‫أحقر بالنسبة إلى أجرامها الشريفة من أن ّ‬
‫‪8‬‬ ‫‪7‬‬
‫إليه على أ ّن العالم العنصري ُ‬ ‫‪15‬‬

‫أي غرضه من الحركة اإلرادية‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫أي نفس األفالك‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي األفالك‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫أي األفالك‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫وهو العالم العنصري‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫فيلزم استكمال الكامل وهو الفلك على هذا التقدير بالناقص‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫أي األفالك‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫بعيدا من أن يتحرك الفلك (م – الفلك) ألجل العالم العنصري ليس متع ّل ًقا بأحقر كما ال يخفى‪.‬‬
‫أي ً‬ ‫‪8‬‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪219‬‬

‫فإنّها آمنة من الفساد بخالف العالم العنصري‪ .‬وليس لمجموعه بالنسبة إلى األجرام‬

‫فضل عن مجموعها‪.‬‬
‫الفلكية قدر يُعت ّد به‪ ،‬بل إلى واحد من األفالك ً‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ ال يخلو من أن يكون ذلك‬ ‫[‪ ]167‬فتعيّن أن يكون الغرض عائ ًدا إلى نفسها‪.‬‬

‫األول؛‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬


‫نيل ذات أو نيل صفة لذات أو نيل ش ْبه ذات أو صفة لذاته‪ .‬ال سبيل إلى ّ‬
‫الغرض َ‬
‫أل ّن نيل الذات ال يكون ّإل دفعة‪ .‬فكان إذا نيلت وقفت الحركةُ وهو محال الستلزامه‬ ‫‪5‬‬

‫تصور ّإل إذا انتقلت من محلّها لطالبها‬


‫انقطاع الزمان‪ ،‬وال إلى الثاني؛ أل ّن نيل الصفة ال يُ ّ‬
‫تقرر من أ ّن األعراض [‪26‬أ] يمتنع عليها االنتقال‪ .‬فيكون الغرض‬ ‫ِ‬
‫بالحركة وهو محال لما ّ‬
‫ممتنع الحصول بالحركة‪ .‬وقد عرفت استحالة كون الغرض كذلك وإن لم تنتقل هي بعينها‬

‫حصل ما يماثلها فما نيلت هي بل شبِهها هو الذي نيل‪.‬‬


‫َ‬ ‫بل‬

‫نيل ِشبه ذات أو صفة فيكون‪ 1‬للفلك‬


‫[‪ ]168‬فتعيّن الثالث وهو أن يكون الغرض َ‬ ‫‪10‬‬

‫شبها‬
‫المستقر أي ً‬
‫ّ‬ ‫نيل الشبَه‬ ‫معشوق موجود وهو يطلب َّ‬
‫الشبَه به‪ .‬فالمطلوب ّإما أن يكون َ‬
‫دائما فيلزم أحد األمرين‪ّ :‬إما انقطاع‪ 2‬الحركة أو طلب المحال‪ ،‬أو يكون نيل‬
‫واح ًدا باقيًا ً‬
‫شبها بعد شبَه بحيث ينقضي شبًه ويحصل شبَه آخر‪ .‬وال يخلو‬
‫الشبَه الغير المستقر أي ً‬
‫وإل لزم وقوف الفلك‬
‫ّإما أن ينحفظ نوعُه بتعاقب األفراد أو ال ينحفظ‪ .‬والثاني باطل ّ‬

‫وانقطاع حركته‪ .‬فإذن المطلوب شبَه محفوظ النوع بتعاقب أفراد غير متناهية‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫إ‪ :‬فتكون‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫دائما أو طلب المحال على تقدير امتناع حصوله‪.‬‬
‫الشبه الواحد الباقي ً‬ ‫على تقدير حصول المطلوب بالفعل وهو‬ ‫‪2‬‬
‫َ‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪221‬‬

‫[‪ ]169‬فهذه المشابهات الغير المتناهية مع المعشوق ّإما من حيث براءتها‪ 1‬من‬

‫بالقوة نقصان فال يكون مطلوبًا‪،‬‬


‫بالقوة‪ .‬والثاني محال أل ّن كونها ّ‬
‫القوة أو من حيث إنها ّ‬
‫ّ‬
‫حصول‪ 2‬المشابهات الغير المتناهية مع المعشوق في صفات كمال غير‬
‫َ‬ ‫فيكون المطلوب‬

‫متناهية‪ .‬فيكون للفلك معشوق موصوف بصفات كمال غير متناهية‪ .‬وال يجوز أن يكون‬

‫وإل لكان الشبّه به في جميع السماويات واح ًدا؛‬


‫ذلك المعشوق المتشبَّه به واجبًا‪ 3‬لذاته ّ‬ ‫‪5‬‬

‫أل ّن المطلب متى كان واح ًدا كان الطلب ال محالة واح ًدا وليس كذلك؛ أل ّن حركات‬

‫األفالك متخالفة في الجهة والسرعة والبطء‪.‬‬

‫وإل لكانت حركة المتشبِّه والمتشبَّه‬


‫نفسا فلكية‪ّ ،‬‬
‫جرما فلكيًا أو ً‬
‫[‪ ]170‬وال أن يكون ً‬
‫مر‪ .‬فتعيّن أن يكون‬
‫عقل واح ًدا لما ّ‬
‫به متّفقة في الجهة والسرعة والبطء وليس كذلك‪ ،‬وال ً‬
‫عقول متكثّرة هي بالفعل‪ 4‬من جميع الوجوه‪ .‬فيتشبَّه بها النفوس الفلكية حتى‬
‫المتشبَّه به ً‬ ‫‪10‬‬

‫القوة‬
‫بالقوة ال على معنى أ ّن كماالت تلك النفوس الفلكية تخرج من ّ‬
‫‪5‬‬
‫ال يبقى فيها شيء ّ‬
‫بالقوة في‬
‫إلى الفعل في وقت ما بحيث ال يبقى فيها كمال من الكماالت الممكنة لها ّ‬
‫محركة للفلك‬
‫مجر ًدا بالكلّية ولم تبق ِّ‬ ‫ذلك الوقت‪ .‬فإنّها لو كانت كذلك لصارت ً‬
‫عقل ّ‬
‫عرفت‪.‬‬
‫َ‬ ‫فتنقطع حركته وهو محال كما‬

‫اج كماالتها كلّها من القوة إلى‬ ‫ِ‬


‫[‪ ]171‬بل على معنى أنّها تقصد بالتشبّه [‪ ] 26‬إخر َ‬
‫ب‬ ‫‪15‬‬

‫الفعل لكن ال تخرِجكلّها إلى الفعل َدفعةً؛ بل على سبيل التدريج شيئًا بعد شيء ال إلى نهاية‪.‬‬

‫القوة إلى الفعل‪.‬‬


‫أي خروجها من ّ‬ ‫‪1‬‬
‫بالفعل‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫جل شانه كما سبق‪.‬‬ ‫األول الواحد ّ‬‫وهو ّ‬ ‫‪3‬‬
‫مطلوبا كما عرفت‪.‬‬
‫ً‬ ‫القوة نقصان فال يكون‬
‫ّ‬ ‫ن‬
‫ّ‬ ‫أل‬ ‫بالفعل‬ ‫موجودة‬ ‫أي‬ ‫‪4‬‬
‫م؛ إ – تلك‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪223‬‬

‫بالقوة إلى‬
‫والكماالت الاليقة به منها ما هو بحسب جسمه وهو إخراج األوضاع التي فيه ّ‬
‫‪1‬‬

‫غيرها‪ .‬ومنها ما هو‪ 2‬بحسب نفسه‪ .‬وليس ذلك هو األوضاع بل‬


‫الفعل إذ ليس بالقوة فيه ُ‬
‫القوة إلى‬
‫األوضاع الممكنة التي ألجرامها من ّ‬
‫َ‬ ‫أجل وأعلى‪ .‬فاألفالك بإخراجها‬
‫أمر آخر ّ‬
‫الفعل يحصل لها التشبّه في كونها بالفعل إلى المبادي‪ 3‬العالية‪ .‬فتقتبس بتشبّهها المذكور‬

‫فكل نفس من هذه النفوس ينبعث عنها بما ينال من مبدئها القدسي‬
‫كماالت متوالية‪ّ .‬‬ ‫‪5‬‬

‫كل إشراق يوجب شوقًا وحركة‬ ‫ِ‬


‫حركةٌ‪ .‬وتلك الحركة تُع ّد لتحصيل كمال يشرق عليها‪ .‬و ّ‬
‫‪4‬‬

‫المع ّدة لتحصيل‬


‫مستدعية إلشراق آخر‪ .‬وهكذا من غير انقطاع وال وقوف في حركاتها ُ‬
‫كماالتها على التوالي‪.‬‬

‫ظن جماعة من أكابر الفضالء أّ ّن الحكماء ذهبوا إلى أ ّن‬


‫[‪ ]172‬وبهذا ظهر أ ّن ما ّ‬
‫لئل يبقى في الفلك‬
‫القوة إلى الفعل ّ‬
‫بمجرد إخراج األوضاع من ّ‬ ‫‘حركات األفالك‬ ‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫قائل إ ّن‬
‫بالقوة’ وشنّعوا عليهم بأ ّن الواحد منّا لو أخذ ينتقل في زوايا الدار ً‬
‫ّ‬ ‫شيء‬
‫‪5‬‬‫قبيل ِ‬
‫بعض‬ ‫جاهل مجنو ًنا من ِ‬
‫ً‬ ‫عد‬
‫أوضاعه التي بالقوة إلى الفعل يُ ّ‬ ‫مقصوده أن يُخرِ ج‬
‫َ‬
‫الظن؛ إذ الحكماء لم يذهبوا إلى أ ّن حركاتها بمجرد ذلك‪ ،‬بل طلبا للكماالت الاليقة‬
‫ّ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫أجل‬
‫بها‪ ،‬منها ما هو بحسب جسمه وهو األوضاع‪ ،‬ومنها ما هو بحسب نفسه وهو ّ‬

‫وأعلى منها‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫أي بالفلك‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫وهو إدراكات‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي العقول‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫صفة كمال‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫الظن إثم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أي ؛ س؛ م‪ :‬إن بعض‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪225‬‬

‫األوضاع الممكنة‬
‫َ‬ ‫متحرك ويستخرج بواسطة تلك الحركة‬
‫[‪ ]173‬وتحقيقيه أ ّن الفلك ّ‬
‫كل وضع شبَه إلى العقول التي هي بالفعل من‬
‫القوة إلى الفعل‪ .‬ويحصل له بواسطة ّ‬
‫من ّ‬
‫ضع زال ذلك الشبّه الذي كان بواسطة ذلك الو ْ‬
‫ضع‪ .‬وإذا‬ ‫جميع الوجوه‪ .‬ثم إذا زال و ْ‬
‫‪1‬‬
‫ضع آخر حصل شبَه آخر‪ .‬فكما أ ّن نوع الوضع ينحفظ بتعاقب األوضاع ينحفظ‬
‫حصل و ْ‬
‫الفيض من مبدئه‪.‬‬
‫َ‬ ‫وتقبل بواسطة تلك المشابهات‬
‫ُ‬ ‫نوعُ الشبه بحسب تعاقب المشابهات‬ ‫‪5‬‬

‫فهناك أربع سالسل‪ :‬سلسلة الحركات ثم سلسلة [‪27‬أ] األوضاع ثم سلسلة التشبّهات‬

‫ثم سلسلة اإلدراكات والكماالت‪.‬‬

‫وأما التشبّهات وما يترتّب عليها من‬


‫[‪ ]174‬والحركات واألوضاع كماالت للجسم‪ّ .‬‬
‫اإلدراكات فهي كماالت للنفس‪ .‬هذا على أ ّن تعاقب هذه األوضاع يستلزم ر ْشح الخير‬

‫آثارها في األجرام‬
‫أوضاع األجرام النيّرة يختلف ُ‬
‫ِ‬ ‫على العالم السفلي‪ ،‬إذ بحسب اختالف‬ ‫‪10‬‬

‫خبير بجملته وإن لم يكن لنا سبيل إلى‬


‫اآلثار من الخيّرات ما أنت ٌ‬
‫السفلية‪ .‬ويتبع تلك َ‬
‫اإلحاطة بتفاصيله‪ .‬فاألفالك يتشبّه بالمبادي [أي العقول] بإخراج األوضاع الممكنة من‬

‫ونفع السافل وإن لم يكن‬


‫الخير على السافالت‪ُ .‬‬
‫اشحا عنه ُ‬
‫القوة إلى الفعل في كونها ر ً‬
‫ّ‬

‫عرفت لكنّه مقصود ً‬


‫تبعا من حيث إنّه تشبّهٌ‬ ‫مقصودا من حركات األفالك قص ًدا كما‬
‫‪2‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫بالعقول وليس حال اإلنسان المنتقل في زوايا الدار كذلك‪ ،‬فال ورود لما ذكروا من‬ ‫‪15‬‬

‫التشنيع‪.‬‬

‫إ‪ :‬تنحفظ‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫غرضا لحركاتها لزم استكمال الكامل من الناقص؛ أل ّن‬
‫قصدا بأن يكون ً‬
‫ً‬ ‫مقصودا من حركاتها‬
‫ً‬ ‫ذلك‬ ‫كان‬ ‫من أنّه لو‬ ‫‪2‬‬
‫غرضا له فحينئذ يستفيد الفلك‬
‫يصح ً‬
‫ّ‬ ‫وإل لم‬
‫إيصال ذلك الغرض إلى السافل يجب أن يكون أولى بالقياس إلى الفلك ّ‬
‫تلك األولوية من السافل بإيصال كمال إليه‪.‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪227‬‬

‫األوضاع‬
‫َ‬ ‫[‪ ]175‬ثم إنّه ال استبعاد في أن يحصل للنفوس الفلكية بسبب إخراجها‬

‫استعدادات يترتّب عليها فيضا ُن الكماالت دون‬


‫ٌ‬ ‫القوة إلى الفعل‬
‫الممكنة ألجرامها من ّ‬
‫النفوس اإلنسانية؛ إذ هما مختلفان بالحقيقة‪ .‬فيجوز أن يكون استعدادها لحصول‬

‫استعدادها لحصول الكماالت بإخراج‬


‫ُ‬ ‫فيتم‬
‫الكماالت أقوى من استعداد النفوس البشرية ّ‬
‫فتفيض تلك الكماالت عليها من مبدئها‬
‫ُ‬ ‫القوة إلى الفعل‬
‫األوضاع الممكنة ألجرامها من ّ‬ ‫‪5‬‬

‫بخالف النفوس اإلنسانية‪ .‬هذا غاية تقرير ما ذكروه في هذه المسألة‪.‬‬

‫[‪ ]176‬وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن الحركة الفلكية إرادية‪ .‬وما ذكروا لبيانه من الدليل‬

‫لزوم غرض مغاير للحركة‪ .‬ولم ال‬


‫َ‬ ‫فقد عرفت ضعفه‪ .‬ولو س ّلم ذلك فال نس ّلم‬

‫نفس الحركة؟ وما يقال من أ ّن حقيقتها التأ ّدي إلى الغير‬


‫الغرض َ‬
‫ُ‬ ‫يجوز أن يكون‬

‫فال تكون مطلوبة لذاتها ففيه ما فيه‪ 1 .‬ولو س ّلم ذلك فال نس ّلم أ ّن الغرض ال يكون‬ ‫‪10‬‬

‫حسيا‪ .‬قوله أل ّن الداعي إليه ّإما الشهوة أو الغضب وهما محاالن على الفلك‪ .‬قلنا‪:‬‬
‫ّ‬
‫ال نس ّلم استحالتهما على الفلك‪ ،‬فإ ّن الالزم في البسيط هو تشابه أجزائه المفروضة‬

‫وأما تشابه أحواله فغير الزم‪ .‬ومن الجائز أن يكون للفلك شهوات‬
‫في الحقيقة‪ّ .‬‬
‫لذات غير‬
‫غير متناهية [‪27‬ب] بحسب محسوسات غير متناهية كما جاز أن يكون له ّ‬
‫ُ‬
‫متناهية من معقوالت غيرِ متناهية‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫التأدي إلى الغير؛ فإ ّن هذا من مصطلحات الفالسفة‪ .‬وما الدليل على ذلك وال يلزم من‬
‫ألنّا ال نس ّلم أ ّن حقيقتها ّ‬ ‫‪1‬‬
‫دائما كون حقيقتها ذلك؟‬
‫وجودها مع التأدي ً‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪229‬‬

‫يتخرق وال يلتئم وال يكون وال يفسد‬


‫[‪ ]177‬على أ ّن ما ذكروه من أ ّن الفلك ال ّ‬
‫المحدد الذي هو الفلك‬
‫ّ‬ ‫وال يتغيّر من حال‪ 1‬ماليمة إلى خالفها إن تم فإنّما يتم في‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مدعاهم‪ .‬ثم ال نس ّلم امتناع طلب المحال‪.‬‬
‫األطلس دون ما سواه فيقصر دليلهم عن ّ‬
‫مجردة بحسب ذاتها عن‬
‫تصور عقلي لذات ّ‬
‫وما ذكروا من ]أ ّن[ اإلرادة المنبعثة عن ّ‬

‫العوارض الما ّدية يستحيل أن يكون نحو شيء محال فكالم إقناعي ال ّ‬
‫يعول عليه في‬ ‫‪5‬‬

‫المطالب البرهانية‪ .‬وكذا ما ُذكر من أ ّن طلب المحال ال يدوم أبد الدهور بل ال ب ّد من‬

‫اليأس عن حصول ما هذا شأنه فإنّه ليس بيقيني‪.‬‬

‫امتناع استكمال العالي بالسافل‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون‬


‫َ‬ ‫أيضا‬
‫[‪ ]178‬وال نس ّلم ً‬
‫للسافل كمال ليس للعالي فيستفيد منه وإن كان كمال العالي أكثر؟ وما ذكروا من أ ّن‬

‫يتحرك ألجلها فكالم خطابي‪.‬‬


‫العالم العنصري أحقر بالنسبة إلى أجرامها الشريفة من أن ّ‬ ‫‪10‬‬

‫أيضا أنّه ال يكون الغرض نيل ذات‪ .‬قولهم نيل الذات ال يكون إال دفعة‬
‫وال نس ّلم ً‬

‫فوقفت الحركة فينقطع الزمان وهو محال‪ .‬قلنا‪ :‬ال نم امتناع انقطاع الزمان وقد ّ‬
‫تقدم‬

‫في مسألة قدم العالم‪ .‬ولو س ِّلم فإنّما يفيد في الفلك األعظم؛ أل ّن الحركة الحافظة‬

‫للزمان إنّما هي حركته فقط‪.‬‬

‫وإل لكان‬
‫واجبا‪ .‬قولهم ّ‬
‫ً‬
‫أيضا أن المتشبه به ال يجوز أن يكون‬
‫َّ‬ ‫[‪ ]179‬وال نس ّلم ً‬ ‫‪15‬‬

‫المتشبَّه به في جميع السماويات واح ًدا قلنا ممنوع‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون التخالف‬

‫الختالف القوابل في النوع أو الختالف الكمال المتشبه به في الواجب بحسب‬


‫ّ‬
‫نفسا فلكية‪.‬‬
‫فلكيا أو ً‬ ‫جرما‬
‫المتشبه به ً‬ ‫أيضا أنّه ال يجوز أن يكون‬
‫االعتبار؟ وال نس ّلم ً‬
‫ً‬ ‫ّ‬

‫إ‪ :‬كمال‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪231‬‬

‫وإل لكانت حركة المتشبّه به والمتشبِّه واح ًدا في السرعة والبطء والنهج قلنا‬
‫قولهم ّ‬

‫وأما إذا كان الشبه في كمال‬


‫الشبه في الحركة‪ّ .‬‬ ‫ممنوع‪ .‬وإنّما يلزم ذلك إن لو كان‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أيضا أنّه ال يجوز أن يكون عقال واحدا‪.‬‬
‫آخر لجرم الفلك أو لنفسه فال‪ .‬وال نس ّلم ً‬
‫قولهم إذ يلزم ٍ‬
‫حينئذ تشابه األفالك في مناهج الحركة وسرعتها وبطئها‪ ،‬ممنوع؛ إذ يجوز‬

‫كل فلك به في واحد من كماالته‪ .‬فال‬


‫فيتشبه ّ‬ ‫متعددة‬
‫ّ‬ ‫أن يكون لعقل واحد كماالت‬ ‫‪5‬‬
‫ّ‬
‫تعدد العقول كما زعموا‪.‬‬
‫التشبه فيما ُذكر فال يثبت [‪ّ ] 28‬‬
‫أ‬
‫يجب‬
‫ّ‬
‫الفصل الثامن عشر‬

‫مما‬
‫في إبطال قولهم إ ّن نفوس السماوات مطّلعة على جميع الجزئيات الحادثات ّ‬
‫كان وما سيكون وما هو كائن في الحال‬

‫مما تح ّقق أو سيتح ّقق أو هو متح ّقق في الحال‬


‫[‪ ]180‬قالوا‪ :‬جميع األمور الكائنة ّ‬
‫المجردة والنفوس الفلكية‪ّ .‬أما ارتسامها في العقول‬
‫ّ‬ ‫مرتسمة في المبادي العالية من العقول‬ ‫‪5‬‬

‫وأما في النفوس الفلكية فعلى الوجه الجزئي على‬


‫فعلى الوجه الكلّي وقد سبق الكالم فيه‪ّ .‬‬
‫جميعا على رأي‬
‫مجردة عندهم‪ .‬وعلى الوجهين ً‬
‫رأي المشائيين إذ ليس لألفالك نفوس ّ‬
‫‪1‬‬

‫مجردة متعلّقة بأجرامها كتعلّق نفوسنا بأبداننا‬


‫نفوسا ّ‬
‫الشيخ أبي علي؛ ألنّه أثبت لألفالك ً‬
‫ونفوسا‪ 2‬منطبعة في أجرامها كقوانا الباطنة التي ترتسم صور الجزئيات فيها‪.‬‬
‫ً‬
‫جميع‬
‫تعم َ‬‫القوة بجزء معيّن منها بل ّ‬
‫‪3‬‬
‫يختص تلك ّ‬
‫ّ‬ ‫[‪ّ ]181‬إل أ ّن األفالك لبساطتها ال‬ ‫‪10‬‬

‫مما‬
‫القوة فينافي الدماغ‪ .‬وزعموا أ ّن هذا هو المراد ّ‬
‫أجزائها بخالف اإلنسان‪ .‬فإ ّن تلك ّ‬
‫‪4‬‬
‫ورد في الشرع الشريف من كون جميع الحوادث مكتوبة في اللوح المحفوظ‪ .‬فإ ّن اللوح‬
‫عبارة عن النفوس الفلكية‪ .‬وانتقاشها بصور الجزئيات هو المراد من كونها مكتوبة في‬
‫اللوح؛ أل ّن اللوح جسم مسطَّح من ُد ّرة بيضاء ُكتب عليها ما كان وما سيكون وما هو‬
‫كل‬
‫غير متناهية و ّ‬
‫كائن في الحال كما يُكتب للصبيان على األلواح؛ أل ّن الحوادث الجزئية ُ‬ ‫‪15‬‬

‫جسم فهو متناهي المقدار‪ .‬وال يمكن أن يُكتب على سبيل التفصيل أمور غير متناهية‬
‫على جسم متناهي المقدار‪ .‬وهذا بناءً على ما زعموا من قدم العالم‪.‬‬

‫المشائيون طائفة من تالمذة أرسطو كانوا يأخذون العلم منه ماشين لعدم فرصتهم عند الجلوس الزدحام األكابر‬ ‫‪1‬‬
‫وقتئذ‪ .‬كذا في بحث قدم الزمان من شرح الصحايف للعالمة عضد الملة والدين‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫ونفوسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫إ–‬ ‫‪2‬‬
‫ونفوسا‪.‬‬
‫ً‬ ‫إ–‬ ‫‪3‬‬
‫وأما عند المشائيين المقتصرين على إثبات النفس‬
‫ّ‬ ‫الفالسفة‪.‬‬ ‫متأخري‬ ‫مذهب‬ ‫وهو‬ ‫له‪.‬‬ ‫دة‬ ‫المجر‬ ‫النفس‬ ‫أثبت‬ ‫من‬ ‫عند‬ ‫‪4‬‬
‫ّ‬
‫األول كما صرح به في شرح المقاصد‪ ،‬إذ الكليات ال ترتسم في النفس‬ ‫ّ‬ ‫العقل‬ ‫هو‬ ‫المحفوظ‬ ‫فاللوح‬ ‫لها‬ ‫المنطبعة‬
‫ّ‬
‫األول فصور الكليات وصور الجزئيات‬
‫وأما في العقل ّ‬
‫بد أن يرتسم فيه صور الجميع‪ّ .‬‬
‫المنطبعة‪ .‬واللوح المحفوظ ال ّ‬
‫تأمل‪.‬‬
‫على وجه كلي‪ .‬وهذا القدر كاف‪ّ .‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪235‬‬

‫[‪ ]182‬وعندنا العالم حادث بجميع ما فيه‪ .‬فال يكون جزئياته غير متناهية‪ .‬فال استحالة‬

‫جميع ما كان وما سيكون إلى يوم القيامة‪ .‬نعم‪ ،‬لو قيل‬
‫ُ‬ ‫في أن يُكتب على لوح متناهي المقدار‬

‫تصور‬
‫يكون الحوادث بأجمعها حتى الحوادث في دار اآلخرة ال إلى نهاية مكتوبة في اللوح لم يُ ّ‬
‫اللهم ّإل على‬
‫اتساعُ الجسم المتناهي المقدار على النقوش الدالّة عليها على سبيل التفصيل‪ّ .‬‬
‫ضرب آخر ال ِ‬
‫يقدر على اكتناهه القوى البشرية‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫حجة اإلثبات‪.‬‬
‫حجة اإلسالم الغزالي [رحمه اهلل] نقل عنهم ّ‬
‫‪1‬‬
‫[‪ ]183‬ثم إ ّن اإلمام ّ‬
‫محصلها هو أ ّن حركة األفالك إرادية [‪28‬ب] لما تق ّدم‪ .‬والحركة اإلرادية‬
‫َّ‬ ‫هذا المطلوب‬

‫ال تكفي في وقوعها اإلرادة الكلّية؛ أل ّن الداخل في الوجود جزئي معيّن من جزئياتها‪.‬‬
‫ونسبة اإلرادة الكلّية إلى جميع الجزئيات واحدة‪ .‬فوقوع هذا المعيّن بها دون آخر ترجيح‬
‫مرجح‪ .‬فإذن ال ب ّد فيها من إرادة جزئية متعلّقة بخصوص الحركة الواقعة‪ .‬فللفلك‬
‫بال ِّ‬ ‫‪10‬‬

‫بكل حركة جزئية معيّنة من نقطة معيّنة إلى نقطة معيّنة أخرى‪ .‬فله ال‬
‫إرادات جزئية متعلّقة ّ‬
‫بالقوة الجسمانية ضرورةَ أ ّن إراداتها موقوفة‬
‫تصورات جزئية لتلك الحركات المعيّنة ّ‬
‫محالة ّ‬
‫تدرك إال بآالت‪ 2‬جسمانية‪ .‬فإ ّن المسافة‬
‫تصورها‪ .‬وإ ّن الجزئيات الجسمانية ال َ‬
‫على ّ‬
‫يتجزى المسافة بها إلى‬
‫تشتمل ال محالة على امتداد يمكن أن يُفرض فيه حدود جزئية ّ‬
‫الحدود‬
‫َ‬ ‫الوصول إلى آخرها ّأوال ثم يتخيّل تلك‬
‫َ‬ ‫أجزائها‪ .‬فقاطع تلك المسافة يَتخيّل‬ ‫‪15‬‬

‫كل تخيّل إرادةٌ جزئية لقصد ذلك الح ّد‪ .‬ومع وصوله إليه‬
‫واح ًدا بعد واحد وينبعث عن ّ‬
‫كل حركة‬
‫ووجود ّ‬
‫ُ‬ ‫كل حركة‪،‬‬
‫كل إرادة سببًا لوجود ّ‬
‫غيره فيصير ّ‬
‫يفنى تلك اإلرادة ويتج ّدد ُ‬
‫كل وصول إلى ح ّد سببًا لوجود إرادة يتج ّدد معه‪.‬‬
‫سببًا للوصول إلى ح ّد‪ ،‬و ّ‬

‫س؛ م‪ :‬رحم؛ إ – رحمه اهلل‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الحواس الظاهرة والباطنة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كالقوى المدركة فينا من‬ ‫‪2‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪237‬‬

‫تصور لجزئيات الحركة وإحاطة بها أحاط ال محالة‬


‫[‪ ]184‬وهكذا فإذا كان للفلك ّ‬
‫ِّسب مع األرض من كون بعض أجزائه طالعة وبعضها غاربة‬
‫بما يلزم منها من اختالف الن َ‬
‫ومن كون بعضها في‪ 1‬وسط سماء قوم وتحت قدم قوم‪ .‬وكذا يعلم بما يلزم من اختالف‬
‫تتجرد بالحركة من التثليث والتسديس والمقابلة والمقارنة إلى غير ذلك من‬
‫النسب التي ّ‬
‫الحوادث السماوية والحوادث األرضية تستند إلى الحوادث السماوية‪ّ 2‬إما بغير واسطة‬ ‫‪5‬‬

‫أو بواسطة واحدة أو أكثر‪.‬‬

‫فكل حادث أرضي فله سبب حادث إلى أن ينقطع التسلسل باالرتقاء‬
‫[‪ ]185‬وبالجملة ّ‬
‫إلى الحركة السماوية التي بعضها سبب لبعض‪ .‬فإذا انتهى أسباب الحوادث الجزئية إلى‬
‫تصور‬
‫تصور الملزوم يستلزم ّ‬
‫متصور لها؛ أل ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫فالمتصور‪ 3‬للحركات‬
‫ِّ‬ ‫الحركات السماوية‬
‫وعدم علمنا بما يحدث في المستقبل لعدم العلم‬
‫الزمه ولوازم لوازمه إلى آخر السلسلة‪ُ .‬‬ ‫‪10‬‬

‫بجميع أسبابه؛ أل ّن السماويات [‪29‬أ] كثيرة ولها‪ 4‬اختالط بالحوادث األرضية‪ .‬وليس‬
‫القوة البشرية االطّالع عليها‪ .‬ونفوس السماوات مطّلعة عليها الطّالعها على السبب‬
‫في ّ‬
‫األول ولوازمها ولوازم لوازمها إلى آخر السلسلة‪.‬‬
‫ّ‬
‫[‪ ]186‬قال‪ 5:‬وهلذا زعموا أ ّن النائم يرى يف نومه ما يكون يف املستقبل‪ .‬فإ ّن النفس‬

‫صال بتلك املبادي ّإل ّأنا مشغولة بالتف ّكر فيما يوِرده احلو ُّ‬
‫اس عليها‪.‬‬ ‫اإلنسانية من شأهنا االتّ ُ‬ ‫‪15‬‬

‫إ – في‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إ – والحوادث األرضية تستند إلى الحوادث السماوية‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫تامة للحوادث وال ِعلال فاعلية لها عندهم؛ بل هي‬ ‫ِ‬
‫فيه أ ّن الحركات الفلكية وما يستند إليها من األوضاع ليست علال ّ‬ ‫‪3‬‬
‫عدات األشياء‬ ‫للمواد لحصول الحوادث فيها‪ .‬وإنّما مبدأ وجودها هي (م – هي) المبادى المفارقة‪ .‬والعلم ُ‬
‫بم ّ‬ ‫ّ‬ ‫عدات‬ ‫ُم ّ‬
‫التامة يستلزم العلم بالمعلول‪ .‬فكون هذا االستدالل‬
‫يدعون أ ّن العلم بالع ّلة ّ‬
‫أصل؛ بل إنّما ّ‬
‫ال يستلزم العلم بها عندهم ً‬
‫دليل‬
‫منسوبا إليهم ال يناسب مذهبهم‪ .‬ومن هذا ظهر وجه ما قال بعض الفضالء "لم نجد فيما وصل إلينا من كتبهم ً‬ ‫ً‬
‫ملخصا" كما سيأتي‪.‬‬
‫َّ‬
‫إ‪ :‬له‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫حجة اإلسالم الغزالي (م – الغزالي)‪.‬‬‫أي اإلمام ّ‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪239‬‬

‫فإذا وجدت فرصة الفراغ من ذلك اتّصلت بطباعها‪ 1‬هبا‪ .‬فينطبع فيها من الصور احلاصلة هناك‬

‫القوة‬ ‫ِ‬
‫أليق بتلك النفس من أحواهلا وأحوال ما يقرب منها من األهل والولد والبلد‪ .‬مث إ ّن ّ‬
‫ما هو ُ‬
‫‪2‬‬

‫املدرك‬
‫احملاكمات حتاكي تلك األمور بأمثلة تناسبها يف اجلملة فينمحي َ‬
‫ُ‬ ‫املتخيِّلة اليت من طباعها‬

‫احلقيقي من احلفظ‪ .‬فيحتاج إىل التعبري‪ .‬وهو أن يرجع من الصورة اليت يف اخليال إىل املعىن الذي‬

‫صورته املتخيّلة بتلك الصورة‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪5‬‬

‫ضا يطّلع على الغيب بهذا الطريق ّإل أ ّن‬


‫النبي [عليه السالم] أي ً‬
‫[‪ ]187‬وزعموا أ ّن ّ‬
‫الحواس‬
‫ّ‬ ‫لقوتها ووفائها بالجوانب المتقابلة ال تستغرقها‬
‫نفوس األنبياء [عليهم السالم] ّ‬
‫مانعا من اتّصالها بتلك المبادي‪ .‬فال جرم يرى‬
‫الظاهرة‪ ،‬وال يكون اشتغالها بتدبير البدن ً‬
‫ضا ما رآه‪ .‬وربّما يبقى‬
‫هو في اليقظة ما يراه غيره في المنام‪ .‬ثم ال ّقوة المتخيِّلة تمثِّل له أي ً‬
‫مثل هذا الوحي إلى التعبير‪ .‬ولو ال أ ّن‬
‫الشيء بعينه في ذكره وربّما يبقى مثاله فيفتقر ُ‬ ‫‪10‬‬

‫جميع الكائنات ثابتة في اللوح المحفوظ لما عرف األبنياء [عليهم السالم] الغيب في‬

‫يقظة وال منام‪.‬‬

‫عما نقله بما حاصله أنّه لم ال يجوز أن يكون اطّالع النبي [عليه‬
‫[‪ ]188‬ثم أجاب ّ‬
‫‪3‬‬
‫ّ‬
‫السالم] على الغيب و اطّالع النائم في نومه بما يكون في المستقبل بتعريف اهلل تعالى‬

‫وأما ما ذكروا ّأوال‬


‫ابتداء أو بواسطة ملك من المالئكة من غير احتياج إلى ما ذكروا؟ ّ‬
‫ً‬ ‫‪15‬‬

‫نطول الكالم بإبطالها لكنّا ننازع في [مقدمات] ثالث منها‪.‬‬ ‫فمبني على ِّ‬
‫مقدمات لسنا ّ‬ ‫ّ‬

‫إ‪ :‬بطليعها‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – من أحوالها‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫حجة اإلسالم‪.‬‬
‫أي اإلمام ّ‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪241‬‬

‫[‪ ]189‬األولى قولكم إ ّن حركات األفالك إرادية وقد فرغنا من إبطالها فيما سبق‪.‬‬

‫وتصورات [‪29‬ب] جزئية‬


‫ّ‬ ‫الثانية قولكم ال ب ّد في‪ 1‬الحركة اإلرادية من إرادات جزئية‬

‫للحركة الجزئية فإنّها غير مس َّلمة؛ إذ ليس للفلك جزء عندكم؛ بل هو ّ‬


‫متصل في نفسه‪.‬‬

‫باالتصال فيكفي شوقها‬


‫ّ‬ ‫وانقسامه ليس ّإل بحسب الوهم‪ ،‬وال للحركة؛ فإنّها واحدة‬

‫المقدمة الثالثة‬
‫ّ‬ ‫التصور الك ّلي واإلرادة الك ّلية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫إلى استيفاء األيون الممكنة لها ويكفيها‬ ‫‪5‬‬

‫أيضا غير مس َّلم‪ .‬وليس‬


‫صور توابعُها ولوازمها‪ .‬وهذا ً‬ ‫قولكم إنّه إذا تُ ّ‬
‫صور احلركات اجلزئية تُ ّ‬
‫هذا ّإل كقول القائل إ ّن اإلنسان إذا تحرك وعرف حركته ينبغي أن يعرف ما يلزم من‬
‫ّ‬
‫حركته من ِن َسبه إلى األجسام التي فوقه وتحته وحوا َليه‪ .‬وبطالنه ال يخفى على أحد‪.‬‬
‫ْ‬
‫هذا ما ذكره‪ .‬قال‪ 2‬بعض الفضالء‪ :‬ونحن نقول لم نجد فيما وصل إلينا من كتبهم‬

‫ملخ ًصا على هذا المطلوب‪ .‬والذي يمكن لهم أن يقال‪ :‬إ ّن النفوس الفلكية‬
‫دليل َّ‬
‫ً‬ ‫‪10‬‬

‫عظمته‪ .‬والعلم بالمبدأ يستلزم العلم بما له المبدأ‪ ،‬فيكون‬


‫ُ‬ ‫األول ج ّلت‬
‫عالمة بالمبدأ ّ‬
‫عالمة بجميع الحوادث ألنّها ترتقي إليه تعالى في سلسلة الع ّلية‪.‬‬

‫قول اإلمام الغزالي في أثناء كالمه‬


‫[‪ ]190‬ويُحتمل أن يُحمل على هذا الوجه ُ‬

‫حيث قال‪‘ :‬ونفوس السماوات مطلعة عليها الطالعها على السبب األول [إلى‬

‫األول بحقيقته؛ فإ ّن النفس‬ ‫ِ‬


‫آخره]’ وجوابه‪ُ :‬منع أ ّن النفوس الفلكية عالمة بالمبدأ ّ‬ ‫‪15‬‬

‫أيضا كذلك؟‬
‫اإلنسانية ال يعلمه بحقيقته‪ .‬فلم ال يجوز أن تكون النفوس الفلكية ً‬

‫وم ِنع أ ّن العلم بالمبدأ يستلزم العلم بما له المبدأ‪ .‬وقد سبق‪ 3‬تحقيق القول فيه‪.‬‬
‫ُ‬

‫إ‪ :‬من‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫س؛ م ‪ +‬خواجه زاده (رحم)؛ إ ‪ +‬أي مألّفنا خواجه زاده (رحمه اهلل)‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫في جواب المسلك الثاني من مسالك الفصل الثالث عشر‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪243‬‬

‫ال يقال عدم إدراك النفس اإلنسانية له تعالى بحقيقته إنّما هو الشتغالها بما يمنع‬

‫االتصال بالمبادي العالية واالنتقاش بما فيها من الصور المعقولة وال مانع في‬
‫عن ّ‬
‫النفوس الفلكية من ذلك‪.‬‬

‫[‪ ]191‬ألنّا نقول ال نس ّلم أنّه ال مانع في النفوس الفلكية من ذلك‪ .‬وعدم اشتغالها‬

‫المزاج من الشهوة والغضب والحرص والحقد والحسد والجوع واأللم‬


‫َ‬ ‫بما يتبع‬ ‫‪5‬‬

‫وغير ذلك على تقدير تسليمه ال يوجب عدم المانع ّإل إذا ثبت انحصار المانع‬

‫وأما على رأي‬


‫مجردة‪ّ .‬‬ ‫في ذلك‪ ،‬وأنّى لهم ذلك‪ .‬هذا إذا قيل إ ّن لألفالك نفوسا‬
‫ّ‬
‫المشائيين فاألمر ظاهر؛ فإ ّن األفالك ليس لها نفوس مجردة عندهم‪ .‬والنفس المنطبعة‬
‫ّ‬
‫إدراكها له تعالى؛ أل ّن الجسماني ال يدرِ ك المجر َد‪.‬‬
‫ُ‬ ‫تصور‬
‫المادة ال يُ ّ‬
‫ّ‬ ‫في‬
‫ّ‬
‫الفصل التاسع عشر‬

‫في إبطال قولهم بوجوب [‪03‬أ] االقتران وامتناع االنفكاك بين األسباب العادية‬

‫والمسببات‬
‫َّ‬
‫وأفعال في موا ّدها كالحرارة‬
‫ً‬ ‫آثارا‬
‫[‪ ]192‬ذهب الفالسفة إلى أ ّن لطبايع األجسام ً‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬

‫ضا كاالحتراق الحاصل‬


‫الحاصلة في ما ّدة النار بسبب صورتها النوعية‪ ،‬وفي موا ّد غيرها أي ً‬ ‫‪5‬‬

‫في القطن من النار؛ وإعداداً لموا ّد غيرها بواسطة الكيفيات الحاصلة منها في موا ّدها‬
‫كإعداد صورة النار لما ّدة الماء بواسطة كيفية الحرارة لقبول الصورة الهوائية‪ .‬وتلك‬
‫اآلثار في‬
‫تامة بانفرادها آلثارها‪ ،‬وقد تكون علّة ناقصة تحتاج تلك ُ‬
‫الطبايع قد تكون علّة ّ‬
‫ينضم إليها من الشرائط وارتفاع الموانع‪ .‬فإذا‬
‫حصولها عن تلك الطبايع إلى أمور آخر ّ‬
‫يتم العلّة ويحصل األثر من غير تخلّف‪.‬‬
‫حصلت ّ‬
‫ْ‬ ‫‪10‬‬

‫الم ِع ّدة‬
‫تم استعداد الما ّدة لقبول صورة أو عرض بواسطة األمور ُ‬
‫‪3‬‬
‫[‪ ]193‬وإذا ّ‬
‫تام في فاعليته‪ ،‬ال ب ْخ َل‬
‫حصل فيها ما استع ّدت هي له من صورة أو عرض؛ إذ المبدأ ّ‬
‫تصور التخلّف‬ ‫هناك وال قصور في فيضه وال تفاوت فيها ّإل من جهة القابل‪ .‬فال يُ ّ‬
‫‪4‬‬

‫ٍ‬
‫حينئذ لتمام القابل والفاعل‪ .‬وإذا لم يحصل استعداد الما ّدة يمتنع حصول الفيض‬
‫التامة‪ .‬ال كما ظُ ّن من أنّهم أنكروا إمكان‬
‫المتناع حصول المعلول بدون العلّة ّ‬ ‫‪15‬‬

‫الر ّي عند الشرب وعدم حصول‬ ‫عدم حصول الشبع عند األكل وعدم حصول ِ‬
‫ّ‬ ‫َ‬
‫اإلسهال عند تناول الدواء المسهل‪ .‬كيف وما ُذكر من األكل والشرب وتناول‬

‫والري واإلسهال‪.‬‬ ‫يترتب عليها من الشبع‬


‫تامة لما ّ‬ ‫ِ‬
‫ّ‬ ‫الدواء المسهل ليست علال ّ‬

‫س؛ م‪ :‬ذهبت‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – إلى‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي الهيولي‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫س؛ م – فيها‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪247‬‬

‫الم ِعدة‬ ‫فإنّه يجوز أن ينزلق المأكول من ِ‬


‫المعدة إلى األمعاء من غير انهضام في َ‬
‫‪1‬‬
‫َ‬
‫سد ويمنع نفو َذ الماء إلى الكبد فال‬
‫فال يحصل الشبع‪ ،‬وأن يحصل في الماساريقا‪ٌّ 2‬‬

‫قوة قاهرة لقوى األدوية المسهلة فال يحصل‬


‫الري‪ ،‬وأن يحصل في البدن ّ‬
‫ّ‬ ‫يحصل‬

‫التامة‪ .‬فإن ّاتفق وجود سائر أجزاء‬


‫اإلسهال‪ ،‬إلى غير ذلك؛ بل هي أجزاء من الع ّلة ّ‬
‫يترتب وجودها على ما‬
‫التامة مع ما ُذكر من الشرب واألكل وتناول المسهل ّ‬ ‫ِ‬
‫عللها ّ‬
‫‪3‬‬
‫‪5‬‬

‫وإل فال‪.‬‬
‫التامة ّ‬
‫ُذكر المتناع التخ ّلف عن الع ّلة ّ‬

‫[‪ ]194‬قال اإلمام الغزالي [رحمه اهلل]‪ :‬وعلى هذا األصل‪َ 4‬بنوا إنكار بعض‬

‫المعجزات المنقولة عن األنبياء [عليهم السالم] كالوقوع في النار‪ 5‬من غير احتراق‬

‫مع بقاء النار على طبيعتها وبقاء البدن على حقيقته‪ ،‬وقلب العصا ثعبا ًنا وإحياء‬

‫وأولوا ما وقع في القرآن المجيد من أمثال ذلك كتأويلهم إحياء‬


‫الموتى‪ّ ] 30[ .‬‬
‫ب‬
‫‪10‬‬

‫الحجة اإللهية‬
‫ّ‬ ‫الموتى بإزالة موت‪ 6‬الجهل وتل ّقف‪ 7‬العصا سحر السحرة بإبطال‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫شبهات المنكرين إلى غير ذلك‪.‬‬ ‫الظاهرة على يد موسى [عليه السالم]‬

‫[‪ ]195‬وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن الطبايع ِعلل تامة ّإما بانفرادها أو مع أمور‬

‫ينضم إليها من وجود الشرائط وارتفاع الموانع لما يترتّب عليها من اآلثار‪.‬‬
‫ّ‬

‫بأن يُجعل الغداء كيلوسا وهو جوهر كماء الكشك الثخين في بياضه وقوامه‪ .‬كذا في المواقف‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫الم ِعدة وجميع األمعاء‪ .‬ينجذب لطيف الكيلوس‬
‫ضيقة تجاويفها‪ .‬وأصلها بين الكبد وآخر َ‬ ‫وهي عروق دقاق صلبة‬ ‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫الم ِعدة إلى األمعاء ومن األمعاء إلى الكبد بطريق ماساريقا‪ .‬كذا في شرح المواقف‪.‬‬
‫من َ‬
‫إ‪ :‬من األكل والشرب‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫وهو وجوب امتناع االنفكاك بين األسباب العادية والمسببات ‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫َّ‬
‫إ‪ :‬كوقوع النار‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫إ – موت‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫يقال تل ّقفت الشيء أي تناولته بسرعة‪ .‬كذا في الصحاح‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪249‬‬

‫أكثريا بين ما زعموه ِعلال‬


‫ً‬ ‫دائما أو‬
‫الترتب ً‬
‫وليس لهم دليل على ما ذكروه ّإل مشاهدة ّ‬

‫أكثريا‬
‫ً‬ ‫دائما أو‬
‫البيِن أن ترتّب الشيء على الشيء ً‬ ‫وبين ما زعموه معلوالت‪ .‬ومن‬
‫ّ‬
‫يدل على الع ّلية‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون المبدأ أجرى‬
‫المسمى بالدور‪ -‬أن ال ّ‬
‫ّ‬ ‫‪-‬وهو‬

‫ماسة النار مدخل في‬


‫لم ّ‬‫ماسة النار من غير أن يكون ُ‬
‫عقيب ُم ّ‬
‫َ‬ ‫عادته بخلق اإلحراق‬

‫المترتبات‪.‬‬
‫ّ‬ ‫اإلحراق؟ وكذا في جميع‬ ‫‪5‬‬

‫بناء على أنّه موجب‬


‫تصور فيه إجراء العادة ً‬
‫وأما القول بأ ّن المبدأ ال يُ ّ‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫[‪ّ ]196‬‬
‫عرفت‬
‫َ‬ ‫تصور فيما هو فاعل باالختيار‪ ،‬فقد‬
‫بالذات ال فاعل باالختيار‪ .‬وإجراء العادة إنّما يُ ّ‬
‫فساد مبناه في صدر الكتاب‪ .‬ثم نقول لهم‪ :‬ما ذكرتم من االستعداد ووجوب الفيض‬

‫عند تمامه وامتناعه بدونه مبني على كون المبدأ موجبا بالذات‪ .‬وقد فرغنا عن إبطال‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫دليلكم عليه فيما سبق‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫إ‪ :‬ان‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – بأ ّن‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫الفصل العشرون‬

‫ذاتا‬
‫المادة ً‬
‫ّ‬ ‫في تعجيزهم عن إثبات أ ّن النفوس البشرية مجردة‪ 1‬عن‬
‫ّ‬

‫شيئا من أصول اإلسالم بل‬


‫مجردة وإن لم يخالف ً‬ ‫[‪ ]197‬وهذا أي كون النفس‬
‫ّ‬
‫بعض المح ّققين من علماء اإلسالم كاالمام الغزالي [رحمه اهلل] وأبي القاسم الراغب‬

‫المتصوفة ذهبوا إليه ّإل أ ّن المقصود‬


‫ّ‬ ‫والحسين الحليمي وأكثر أرباب المكاشفة من‬ ‫‪5‬‬

‫ورد دعواهم معرفة ذلك بمجرد داللة العقل من غير استعانة‬


‫بيان ضعف أدلتهم ّ‬
‫ّ‬
‫واحتجوا عليه بوجوه‪:‬‬
‫ّ‬ ‫بالشرع القويم‪.‬‬

‫األول‪ :‬إ ّن بعض المعقوالت ليس بمنقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع‬
‫[‪ ]198‬الوجه ّ‬
‫ٍ‬
‫فحينئذ ّإما أن يكون‬ ‫منقسما إلى أجزاء متباينة في الوضع]‬ ‫كل معقول‬
‫[وإل لكان ّ‬
‫ّ‬
‫‪2‬‬
‫ً‬
‫منقسما بالفعل كانت تلك األجزاء [‪31‬أ] المتباينة‬
‫ً‬ ‫بالقوة‪ .‬فإن كان‬
‫منقسما بالفعل أو ّ‬
‫ً‬ ‫‪10‬‬

‫كل حاصل في العقل معقول‪ .‬والمفروض أ ّن‬


‫في الوضع حاصلة في العقل بالضرورة‪ .‬و ّ‬
‫ضا من أجزاء‬
‫كل معقول مرّكب من أجزاء متباينة في الوضع فيكون تلك األجزاء مركبة أي ً‬
‫ّ‬
‫متباينة في الوضع‪ .‬وهكذا فيلزم أن يكون الصورة العقلية مشتملة على أجزاء غير متناهية‬

‫بالفعل‪ .‬فيلزم‪ 3‬أن يكون الذهن محيطًا بما ال يتناهى َدفْعة‪ ،‬وإنّه محال‪ .‬وعلى تقدير جوازه‬

‫فالمطلوب حاصل‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫أي ليس بجسم وال جسماني‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫منقسما إلى أجزاء متباينة في الوضع‪.‬‬
‫ً‬ ‫كل معقول‬ ‫س– ّ‬
‫وإل لكان ّ‬ ‫‪2‬‬
‫وأما إذا كانت معقولة بالوجه فالالزم أحد األمرين‪ّ :‬إما التسلسل في المعقوالت‬ ‫هذا إذا كانت الصورة معقولة بالكنه‪ّ .‬‬ ‫‪3‬‬
‫أو إحاطة الذهن بما ال يتناهى دفعة‪ .‬وذلك أل ّن تع ّقل الشيء بالوجه مسبوق بتع ّقل الوجه‪ .‬وتع ّقل الوجه مسبوق بتع ّقل‬
‫تصورات الوجوه فيلزم امتناع التع ّقل وهو باطل وإن كان‬
‫معقول بالوجه‪ .‬وهكذا فيلزم التسلسل في ّ‬ ‫ً‬ ‫وجه آخر إن كان‬
‫مركب من أجزاء غير متناهية فيلزم إحاطة الذهن بما ال يتناهى دفعة وهو‬ ‫كل معقول ّ‬ ‫معقول بالكنه والمفروض أ ّن ّ‬
‫ً‬
‫محال‪.‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪253‬‬

‫كل كثرة بالفعل سواء كانت متناهية أو غير متناهية فالواحد بالفعل موجود‬
‫[‪ ]199‬أل ّن ّ‬
‫ِ‬
‫الكثرة إنّما هو باآلحاد‪ .‬والواحد من حيث هو واحد غير منقسم إلى أجزاء‬ ‫تقوم‬
‫فيها؛ أل ّن ُّ‬
‫‪1‬‬
‫منقسما بالقوة ال بالفعل‬
‫ً‬ ‫فضل عن انقسامه إلى أجزاء متباينة في الوضع‪ .‬وإن كان‬
‫أصل‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫وإل‬
‫األول ّ‬
‫فإما إلى أجزاء متخالفة في الماهية أو إلى أجزاء متشابهة فيها‪ .‬ال سبيل إلى ّ‬
‫ّ‬
‫ٍ‬
‫حينئذ تكون‬ ‫لكانت األجزاء حاصلة بالفعل وهو خالف المفروض‪ .‬وال إلى الثاني ألنّه‬ ‫‪5‬‬

‫كل واحد من تلك األجزاء‬


‫شك أ ّن ّ‬
‫الصورة العقلية متشابهة ألجزائها في تمام الماهية‪ .‬وال ّ‬
‫‪2‬‬
‫الكل‪ .‬وإن حصول الماهية يتح ّقق بحصول واحد منها‪ .‬وال‬
‫حاصل في العقل كحصول ّ‬
‫معنى لتع ّقل الشيء ّإل حصول ماهيته في العقل‪ .‬ففي الجزء الواحد كفاية عن األجزاء‬
‫مجردة‬
‫األخر في المعقولية‪ .‬فتكون الصورة العقلية معروضة للزيادة والنقصان فال تكون ّ‬
‫بالقوة واحد بالفعل‬
‫عن العوارض الما ّدية‪ .‬ومع ذلك فالمطلوب حاصل أل ّن المنقسم ّ‬ ‫‪10‬‬

‫غير منقسم‪.‬‬
‫فيكون حيث إنّه واحد َ‬
‫[‪ ]200‬ففي المعقوالت ما هو غير منقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع‪ .‬فيكون‬
‫وإل‬
‫غير منقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع‪ّ 3‬‬
‫محل تلك الصورة العقلية وهو النفس َ‬
‫ّ‬
‫المحل إلى أجزاء متباينة في الوضع يوجب انقسام‬
‫ّ‬ ‫لزم انقسام تلك الصورة؛ أل ّن انقسام‬
‫قوة جسمانية ينقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع‪ .‬فالنفس‬
‫كل جسم أو ّ‬
‫‪4‬‬
‫الحال كذلك‪ .‬و ّ‬
‫ّ‬ ‫‪15‬‬

‫مجردة وهو المطلوب‪ .‬هذا غاية ما ُذكر في‬


‫قوة جسمانية‪ .‬فتكون ّ‬
‫ليست بجسم وال ّ‬
‫تقرير هذا الدليل‪.‬‬

‫إ‪ :‬بالفعل ال بالقوة‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – وال‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ – فيكون ّ‬
‫محل تلك الصورة العقلية وهو النفس غير منقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫مقدمة كبرى‪ .‬والصغرى هي أ ّن النفس غير منقسم أي ليست بمنقسمة إلى أجزاء متباينة في الوضع ينتج من‬ ‫هذه ّ‬ ‫‪4‬‬
‫قوة جسمانية‪.‬‬
‫الشكل الثاني النفس ليست بجسم وال ّ‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪255‬‬

‫[‪ ]201‬وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن بعض المعقوالت غير منقسم‪ .‬ولم ال يجوز أن‬

‫بالقوة إلى أجزاء متشابهة؟ قولهم فتكون الصورة العقلية معروضة للزيادة‬
‫ّ‬ ‫منقسما‬
‫ً‬ ‫يكون‬

‫والنقصان قلنا‪ :‬إن أريد أنّه ‘يلزم [‪31‬ب] أن تكون الصورة العقلية معروضة لهما‬

‫بالذات’ فال نس ّلم ذلك‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون عروضهما لها بواسطة حلولها في‬

‫النفس التي هي جسم معروض لهما حقيقة؟ وإن أريد أنّه ‘يلزم أن تكون معروضة‬ ‫‪5‬‬

‫لهما بواسطة عروضهما لمح ّلها أعني النفس’ فمس ّلم‪ .‬ولكن ال نس ّلم أ ّن الصورة‬

‫المعقولة يجب أن تكون مجردة عن مثل هذه العوارض؛ بل الواجب تجر ُدها عن‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫مواد جزئياتهما المحسوسة وعن عوارضها‪.‬‬
‫ّ‬
‫بالقوة واحد بالفعل‬
‫وأما قولهم ومع ذلك فالمطلوب حاصل؛ أل ّن المنقسم ّ‬
‫[‪ّ ]202‬‬
‫[إلى آخره] فليس بشيء؛ إذ ال يلزم من عدم انقسام تلك الصورة العقلية من حيث‬ ‫‪10‬‬

‫ذاتها إلى تلك‬‫عدم انقسامها من حيث ُ‬ ‫ُ‬ ‫إنّها واحدة إلى أجزاء متباينة في الوضع‬

‫منقسما في ذاته إلى أجزاء متباينة الوضع‪ .‬ولو س ِّلم‬


‫ً‬ ‫األجزاء‪ .‬فجاز أن يكون مح ّلها‬

‫أ ّن بعض المعقوالت غير منقسم فال نس ّلم أنّه يلزم أن يكون مح ّلها غير منقسم‪.‬‬

‫الحال كذلك ممنوع‪.‬‬


‫المحل إلى أجزاء متباينة الوضع يوجب انقسام ّ‬
‫ّ‬ ‫قولهم أل ّن انقسام‬
‫الخط منقسم إلى أجزاء متباينة الوضع في الطول والنقطة الحالّة فيه غير منقسمة‬
‫ّ‬ ‫فإ ّن‬ ‫‪15‬‬

‫لحوق‬
‫ُ‬ ‫ذاته بل من حيث‬
‫الخط ليس من حيث ُ‬
‫ّ‬ ‫أصل‪ .‬ال يقال حلول النقطة في‬
‫ً‬
‫طبيعة أخرى بها‪ ،‬أعني االنتهاء واالنقطاع‪ .‬والحلول في المنقسم ال من حيث ذاتُه‬

‫ذاته المنقسمة‪،‬‬
‫المنقسمة ال يوجب االنقسام بخالف ما إذا كان الحلول فيه من حيث ُ‬
‫ذاتها المنقسمة ال‬
‫فإنّه يوجب االنقسام‪ .‬وحلول الصورة العقلية في النفس من حيث ُ‬
‫انقسام الصورة العقلية‪.‬‬
‫ُ‬ ‫باعتبار لحوق طبيعة أخرى بها فيلزم من انقسامها‬ ‫‪20‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪257‬‬

‫نفعا ّإل إذا ثبت مساواته‬


‫[‪ ]203‬ألنّا نقول‪ :‬ما ُذكر كالم على السند فال يُجدي ً‬
‫كون الصورة العقلية حالّة في النفس من حيث‬
‫َ‬ ‫للمنع‪ 1،‬وأنّى ذلك‪ ،‬على أنّا نمنع‬

‫ذاتها‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون حلولها فيها باعتبار طبيعة أخرى؟ بل نقول ما ذكروا‬
‫ُ‬
‫من أ ّن حلول الشيء في األمر المنقسم إلى أجزاء متباينة في الوضع يوجب انقسام‬

‫الحال كذلك إنّما يتم إذا كان حلول الصورة العقلية في العاقلة من قبيل حلول‬
‫ّ‬ ‫[‪32‬أ]‬ ‫‪5‬‬
‫ّ‬
‫األعيان الخارجية في مح ّلها‪ ،‬وهو ممنوع‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون على وجه آخر ال‬

‫الحال؟‬
‫ّ‬ ‫المحل انقسام‬
‫ّ‬ ‫يلزم فيه من انقسام‬

‫المحل إلى أجزاء متباينة في الوضع يوجب انقسام‬


‫ّ‬ ‫[‪ ]204‬ثم لو س ِّلم أ ّن انقسام‬

‫محل لتلك الصور المعقولة حتى يلزم من كون‬


‫الحال كذلك لكن ال نس ّلم أ ّن النفس ّ‬
‫ّ‬

‫انقسام تلك الصور‪ .‬وإنّما يلزم ذلك إن لو كان العلم بارتسام‬


‫َ‬ ‫منقسما‬
‫ً‬ ‫جسما‬
‫ً‬ ‫النفس‬ ‫‪10‬‬

‫صورة المعلوم في العالم‪ ،‬وهو ممنوع لجواز أن يكون العلم بانكشاف األشياء على‬

‫النفس بدون ارتسام صورة فيها؛ بل في مجرد آخر فتالحظها النفس من هناك كما‬
‫ّ‬
‫تدرِ ك ما انتقش من الجزئيات في آالتها‪.‬‬

‫شك أ ّن العلم بما عدا ِ‬


‫ذاتنا وصفاتنا حصولي ال حضوري‪.‬‬ ‫قلت‪ :‬ال ّ‬
‫[‪ ]205‬فإن َ‬
‫المدرك في‬
‫َ‬ ‫وجود صورة‬
‫ُ‬ ‫دل على أ ّن اإلدراك الغير الحضوري يُعتبر فيه‬
‫است ّ‬
‫وقد ُ‬ ‫‪15‬‬

‫المدرِ ك بأنّا ندرِ ك أشياء ال وجود لها في الخارج منها ما هي ممكنة الوجود ومنها ما‬

‫هي ممتنعة الوجود‪ ،‬ونميز بينها وبين غيرها ونحكم عليها باألحكام الثبوتية الصادقة‪.‬‬
‫ّ‬
‫بد لها من وجود‪،‬‬ ‫والمعدوم ِ‬
‫الص ْرف ال امتياز فيه وال ّاتصاف له بأوصاف ثبوتية‪ ،‬فال ّ‬
‫وإذ ليس في الخارج فهو في الذهن‪.‬‬

‫لجواز أن يكون لهذا المنع سند آخر‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪259‬‬

‫ثبوت‬ ‫ٍ‬
‫وجود لتلك األشياء في الجملة ال‬ ‫مما ُذكر ثبوت‬
‫ُ‬ ‫[‪ ]206‬قلنا‪ :‬إ ّن الالزم ّ‬
‫وجودها في أذهاننا لجواز أن تكون وجوداتها في بعض األمور الغائبة عنّا كالعقل‬

‫مثل‪ .‬ويكون التفات مداركنا إلى الموجود فيه كافيا في إدراكها وتميزها‬
‫الفعال ً‬
‫ّ‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫والحكم عليها باألوصاف الثبوتية‪ .‬فإن قلت‪ :‬لو لم يكن لألشياء وجود في نفوسنا‬

‫أصل؛ إذ لو أدركنا‬
‫مدركة لنا ً‬
‫غير َ‬ ‫دائما أو‬
‫مدركة لنا ً‬
‫بل في األمور الغائبة عنّا لكانت َ‬ ‫‪5‬‬
‫َ‬

‫في وقت دون وقت لزم الرجحان بال ِ ّ‬


‫مرجح‪ .‬قلنا‪ :‬ال نس ّلم ذلك‪ .‬ولم ال يجوز أن‬

‫توجه النفس‬
‫يكون إدراكنا لتلك األشياء المنطبعة في األمور الغائبة عنّا متو ّق ًفا على ّ‬
‫وزوال المانع وحصول استعدادها بمالحظتها من هناك؟ فال يدوم إدراكنا لعدم دوام‬

‫شرطه‪ ،‬ال لعدم [‪32‬ب] االرتسام فيها‪ .‬ثم نقول لم ال يجوز أن يكون النفس هذا‬

‫قوة من قواها كما أ ّن انطباع‬


‫المحسوس ويكون انطباع الصور المعقولة في ّ‬
‫َ‬ ‫الهيكل‬
‫َ‬ ‫‪10‬‬

‫كل قوة جسمانية فهي منقسمة حتى يلزم‬


‫صور المحسوسات في قواها؟ وال نس ّلم أ ّن ّ‬

‫انقسام تلك الصور‪.‬‬

‫[‪ ]207‬الوجه الثاني‪ :‬أنّا نعقل المفهوم الكلّي وذلك ظاهر ال ُسترة به‪ .‬وال ب ّد أن يكون‬

‫مجر ًدا عن جميع اللواحق الما ّدية من وضع معيّن وشكل معيّن ومقدار معيّن‬
‫ذلك الكلّي ّ‬
‫الشتراكه بين األشخاص ذوات المقادير واألوضاع واألشكال المختلفة وامتناع أن يكون‬ ‫‪15‬‬

‫الموصوف بمقدار معيّن وشكل معيّن ووضع معيّن مشترًكا فيما بين األشخاص ذوات المقادير‬

‫واألشكال واألوضاع المختلفة‪ .‬وليس التع ّقل ّإل بحصول صورة المعقول في العاقل‪ .‬فلو‬

‫جسما أو جسمانية لكان لها مقدار معيّن وشكل معيّن ووضع معيّن؛‬
‫كانت النفس اإلنسانية ً‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪261‬‬

‫كل جسم أو جسماني كذلك‪ .‬فيكون الصورة العقلية الحالّة فيها موصوفة بذلك‬
‫أل ّن ّ‬
‫مجر ًدا عن جميع‬
‫الشكل والوضع والمقدار بسبب حلولها فيها فال يكون المفهوم الكلّي ّ‬
‫العوارض الما ّدية‪ ،‬وقد ثبت أنّه كذلك‪ .‬فتعيّن أنّها ليست بجسم وال جسمانية‪.‬‬

‫بد أن يكون المفهوم الك ّلي مجر ًدا عن‬


‫[‪ ]208‬وجوابه أنّه إن أريد بقوله ال ّ‬
‫‪1‬‬
‫ّ‬
‫المادية أنّه ‘يجب أن يكون كذلك بحسب نفسه’ فمس ّلم‪ .‬لكن ال‬
‫ّ‬ ‫جميع اللواحق‬ ‫‪5‬‬

‫يلزم منه امتناع حلوله في جسم أو جسماني؛ أل ّن الالزم منه ّاتصافه بتلك العوارض‬

‫من قبل مح ّله وهو ال ينافي تجرده عنها بحسب ذاته‪ .‬وإن أريد أنّه ‘يجب أن يكون‬
‫ّ‬
‫كذلك مطل ًقا’ فممنوع‪ .‬وما ُذكر في بيانه ال يفيد ذلك؛ أل ّن التجرد عن هذه العوارض‬
‫ّ‬
‫كاف في مطابقته لألشخاص ذوات المقادير واألوضاع واألشكال‬ ‫بحسب الذات ٍ‬

‫المختلفة؛ أل ّن مطابقته لتلك األشخاص بحسب ذاته ال باعتبار حلوله في مح ّله‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫المحل ال ينافي مطابقته بحسب الذات لتلك الكثرة‬


‫ّ‬ ‫واقترانه لها بحسب‪ 2‬الحلول في‬

‫المختلفة األشكال واألوضاع والمقادير‪.‬‬

‫[‪ ]209‬ولئن س ّلمنا ذلك لكن ال نس ّلم أ ّن التع ّقل ال يكون ّإل بحصول‬

‫صورة المعقول في العاقل‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون بانكشاف األشياء للنفس من‬

‫دون ارتسام صورة المعقول فيها بل في مجرد آخر فيلحظها [‪33‬أ] النفس من‬ ‫‪15‬‬
‫ّ‬
‫هناك؟ ولو س ِّلم أ ّن التع ّقل إنّما‪ 3‬يكون بحصول صورة المعقول في العاقل لكن‬

‫ال نس ّلم أنّه يلزم منه أن ال يكون المفهوم الك ّلي مجر ًدا عن جميع العوارض‪.‬‬
‫ّ‬

‫إ – إن‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫س‪ :‬بسبب‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬ال‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪263‬‬

‫وإنّما يلزم ذلك أن لو كان حلوله فيها كحلول السواد في الجسم‪ ،‬وهو ممنوع لجواز أن‬

‫المحل من الوضع‬
‫ّ‬ ‫الحال بما ّاتصف به‬
‫ّ‬ ‫نوعا آخر من الحلول ال يلزم فيه ّاتصاف‬
‫يكون ً‬
‫والمقدار والشكل‪ .‬ويكون حلول الصورة العقلية في النفس من هذا القبيل‪ .‬ولو س ِّلم‬

‫ذلك فإنّما يلزم ما ُذكر لو كانت الصورة العقلية ك ّلية‪ ،‬وهو ممنوع؛ بل الك ّلي هو الماهية‬

‫المعلومة بها‪ .‬وتسمية الصورة العقلية ك ّلية‪ 1‬مجاز باعتبار أ ّن المفهوم المعلوم بها ك ّلي‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫ونسبة الصورة العقلية إليها كنسبة صورة الفرس المنقوشة على الجدار إلى ذات الفرس‪.‬‬

‫فكما أ ّن الصورة المنقوشة على الجدار مثال وشبح للفرس الموجود في الخارج ال أنّها‬
‫َ‬
‫عين حقيقتها كذلك الصورة العقلية بالنسبة إلى ما له تلك الصورة‪.‬‬

‫[‪ ]210‬الوجه الثالث‪ :‬إ ّن النفس‪ 2‬الناطقة تقوى على إدراك ذاتها وإدراك إدراكاتها‪.‬‬

‫وال شيء من القوى الجسمانية تد ِرك ذاتها وإدراكاتها‪ .‬فال شيء من النفس ّ‬
‫بقوة جسمانية‬ ‫‪10‬‬

‫مجردة‪ ،‬وهو المطلوب‪.‬‬


‫فهي ّ‬
‫[‪ ]211‬وجوابه أنّا ال نس ّلم أنّه ال شيء من القوى الجسمانية تدرِ ك ذاتها‬

‫الحواس الخمس الباطنة ال‬


‫ّ‬ ‫الحواس الخمس الظاهرة وكذا‬
‫ّ‬ ‫وإدراكاتها‪ .‬غايته أ ّن‬

‫تدرِ ك ذاتها وال إدراكاتها‪ .‬ولكن ال يلزم منه الحكم الك ّلي‪ .‬لم ال يجوز أن تكون ّ‬
‫قوة‬

‫أخرى جسمية تفارقها في أنّها تدرِ ك ذاتها وإدراكاتها؟ فإ ّن القوى الجسمانية متخالفة‬ ‫‪15‬‬

‫قوة البصر ال‬


‫بالحقيقة‪ ،‬فيجوز أن يثبت ألحدها حكم ال يثبت للباقي أوال يُرى أ ّن ّ‬
‫الحواس الظاهرة‪ .‬فإنّها‬
‫ّ‬ ‫صل بالعين بخالف سائر‬
‫مت ً‬
‫بصر ّ‬
‫الم َ‬
‫تفيد اإلحساس إذا كان ُ‬
‫الحواس‪ .‬ودعوى أ ّن ‘كون المدرِ ك‬
‫ّ‬ ‫لمحال‬
‫ّ‬ ‫إنّما تدرك محسوساتها عند مالقاتها‬

‫مدرِ ًكا لذاته وإدراكه مشروط بتجرد المدرِ ك’ ممنوعة إلى أن يقوم عليها البرهان‪.‬‬
‫ّ‬

‫إ – ك ّلية‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إ‪ :‬النفوس‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫الفصل الحادي والعشرون‬

‫في إبطال قولهم النفوس اإلنسانية يستحيل [‪33‬ب] عليها العدم بعد وجودها‬

‫كل‬
‫[‪ ]212‬قالوا‪ :‬الجوهر المدرك من اإلنسان وهو النفس الناطقة التي يشير إليه ّ‬
‫أحد بقوله‪« 1‬أنا» يجب‪ 2‬أن ال يعدم ألبتة بعد تركه التصرف في البدن لبطالن مزاجه‬
‫ّ‬
‫واحتجوا عليه بوجهين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫صالحا لتصرفاتها فيه‪.‬‬
‫ً‬ ‫الذي كان به‬ ‫‪5‬‬
‫ّ‬
‫مجردة ال‬
‫[‪ ]213‬أحدهما أ ّن النفس الناطقة غير منطبعة في الجسم لما ثبت من أنّها ّ‬
‫تعلّق لها في ذاتها وجوهرها بالبدن؛ بل هي متعلّقة به ليكون آلة لها في اكتساب كماالتها‪.‬‬
‫فإذا خرج الجسم بالموت عن صالحية كونه آلة لها فقد فسد ما ال حاجة للنفس إليه في‬
‫بقائها مع كون العلّة المؤثّرة في وجودها من الجواهر العقلية باقيةً‪ .‬فوجب بقاؤها بتلك‬
‫العلّة بعد فساد البدن‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫[‪ ]214‬وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن النفس الناطقة غير منطبعة في الجسم‪ .‬وما ذكروا‬
‫من األدلّة عليه فقد عرفت ضعفها وعدم تماميتها‪ .‬ولو س ِّلم أنّها غير منطبعة فيه لكن‬
‫ُ‬
‫ال نس ّلم أنّه إذا خرج الجسم بالموت عن صالحية كونه آلة لها فقد فسد ما ال حاجة‬
‫لما كان له مدخل في حدوث النفس ‪-‬ولذلك لم يوجد قبل‬
‫]إلى آخره[؛ فإ ّن البدن ّ‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ يلزم من‪ 3‬انتفائه انتفاء النفس‬ ‫أيضا‪.‬‬
‫البدن‪ -‬جاز أن يكون له مدخل في بقائها ً‬ ‫‪15‬‬

‫قطعا‪.‬‬
‫ً‬
‫[‪ ]215‬وثانيهما أنّها لو كانت قابلة للفناء كانت قبل الفناء باقيةً بالفعل وفاسدةً‬
‫يفسد كان بالضرورة قبل فساده باقيًا‬
‫كل موجود يبقى زمانًا ويكون من شأنه أن ُ‬
‫بالقوة؛ أل ّن ّ‬
‫ّ‬
‫محل يقوم به‪.‬‬
‫بالقوة‪ ،‬أي له استعداد الفساد‪ .‬فال ب ّد لذلك االستعداد من ّ‬
‫بالفعل وفاس ًدا ّ‬

‫إ – بقوله‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫أي يستحيل الفناء عليه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ – من‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪267‬‬

‫محل‬
‫المحل هوالنفس؛ ألنّها ال تبقى عند الفساد‪ .‬وما هو ّ‬
‫ّ‬ ‫وال يجوز أن يكون ذلك‬

‫الستعداد الفساد وهو قابل للفساد‪ .‬والقابل يجب وجوده عند حصول المقبول‪ 1‬ليكون‬

‫محل‬ ‫وإل لم يكن ً‬


‫قابل له‪ ،‬فيلزم أن يكون للنفس أمر مغاير لها يكون ّ‬ ‫متّص ًفا به‪ّ ،‬‬
‫محل للجزء‬
‫ضا كالما ّدة للصورة أو جزء منها ّ‬ ‫الستعداد فسادها‪ .‬هو ّإما ّ‬
‫محل لها أي ً‬
‫اآلخر كالما ّدة‪ 2‬للجسم‪ .‬وعلى التقديرين يلزم كونها مادية ّإما مركبة من الما ّدة والصورة‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫قلت‪ :‬النفس حادثة‪،‬‬


‫مجردة‪ ،‬هذا خلف‪ .‬فإن َ‬
‫وإما حالّة في الما ّدة فال تكون النفس ّ‬
‫ّ‬
‫محل يقوم به ذلك االستعداد‪ .‬ولم ال‬
‫وال ب ّد من استعداد وجودها قبل حدوثها ومن ّ‬
‫محل‪ 5‬الستعداد عدمها؟‪ .‬قلنا‪ :‬كون‬
‫محل الستعداد وجودها‪ّ 4‬‬
‫يجوز أن يكون ما هو ّ‬
‫‪3‬‬

‫محل الستعداد [‪34‬أ] وجود ما هو مباين القوام له أو الستعداد عدمه غير‬


‫الشيء‪ّ 6‬‬
‫معقول؛ بل الشيء إنّما يكون ًّ‬
‫محل الستعداد ما هو متعلّق القوام به أي مستعدًّا لوجوده‬ ‫‪10‬‬

‫محل الستعداد وجود‬ ‫له ًّ‬


‫ومحل الستعداد فساده أي مستعدًّا لعدمه عنه كالجسم؛ فإنّه ّ‬
‫محل‬
‫حال وجوده فيه‪ .‬وكذا ّ‬
‫السواد‪ .‬وهو تهيّؤه لوجوده‪ 7‬فيه بحيث يكون متّص ًفا به َ‬
‫الستعداد عدمه وهو تهيّؤه لعدمه عنه بحيث يكون متّص ًفا‪ 8‬بعدمه عنه إذا فسد باقيًا بعينه‪.‬‬

‫والتصرف‬
‫ّ‬ ‫مجردة في ذاتها لكنّها متعلقة بالبدن تعلّق التدبير‬
‫فالنفس الناطقة وإن كانت ّ‬
‫وتصرفها فيه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫محل الستعداد تعلّقها به‬
‫الستحصال كماالتها بواسطته‪ .‬فيكون البدن ّ‬ ‫‪15‬‬

‫وهو الفساد‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫محل للجزء اآلخر وهو الصورة‪.‬‬
‫التي هي ّ‬ ‫‪2‬‬
‫وهو البدن عندهم‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫محل الستعداد وجودها‪.‬‬‫ّ‬ ‫إ–‬ ‫‪4‬‬
‫محل‪.‬‬
‫إ‪ّ :‬‬ ‫‪5‬‬
‫حد ذاته مباين‬
‫مثل وقوله وجود ما هو مباين القوام له كجسم آخر بالنسبة إليه فإنّه في ّ‬
‫قوله كون الشيء كالجسم ً‬ ‫‪6‬‬
‫القوام له بخالف السواد القائم به‪ .‬وكذا الكالم في استعداد عدمه‪.‬‬
‫إ – لوجوده‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫متص ًفا‪.‬‬
‫تهيؤه لعدمه عنه بحيث يكون ّ‬
‫ّ‬ ‫م؛ إ – به حال وجوده فيه وكذا ّ‬
‫محل الستعداد عدمه وهو‬ ‫‪8‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪269‬‬

‫ولما توقّف تعلّقها به على وجودها في نفسها كان‪ 1‬هذا االستعداد منسوبًا ّأوال وبالذات‬
‫ّ‬
‫إلى تعلّقها أعني وجودها من حيث إنها متعلّقة به‪ ،‬وثانيًا وبالعرض إلى وجودها في نفسها‪.‬‬
‫فهذا االستعداد كاف لفيضان الوجود عليها متعلّقة به‪ .‬وال حاجة في ذلك إلى استعداد‬
‫منسوب ّأوال وبالذات إلى وجودها في نفسها حتى يمتنع قيامه بالبدن؛ ألنّها من حيث‬
‫محل الستعداد ما هو مباين له‪ .‬وكما جاز‬
‫وجودها في نفسها مباينة له‪ .‬والشيء ال يكون ّ‬ ‫‪5‬‬

‫محل الستعداد انقطاع‬


‫محل الستعداد تعلّقها به كذلك يجوز أن يكون ّ‬
‫أن يكون البدن ّ‬
‫‪2‬‬
‫لما لم‬
‫وتصرفها‪ .‬لكن ّ‬ ‫تعلّقها به إذا خرج عن المزاج الصالح ألن يكون ًّ‬
‫محل لتدبيرها ّ‬
‫يتوقّف‪ 3‬انقطاع تدبيرها على عدمها في نفسها لم يكن هذا االستعداد منسوبًا إلى عدمها‬
‫في نفسها ال بالذات وال بالعرض‪ .‬فلم يكن البدن ًّ‬
‫محل الستعداد عدمها‪ .‬فظهر الفرق‬
‫األول يجوز قيامه بالبدن دون الثاني‪.‬‬
‫بين استعداد حدوثها واستعداد عدمها‪ ،‬وإ ّن ّ‬ ‫‪10‬‬

‫[‪ ]216‬وجوابه أنّا ال نس ّلم أ ّن القابل للفساد يجب وجوده عند حصول المقبول‬
‫أعني الفساد‪ .‬فإنّه ليس معنى قبول الشيء للعدم والفساد أ ّن ذلك الشيء يبقى متح ّق ًقا‬
‫ويحل فيه الفساد على قياس قبول الجسم لألعراض الحالّة فيه؛ بل معناه أ ّن ذلك‬
‫ّ‬
‫وتصور‬
‫ّ‬ ‫الشيء ينعدم في الخارج بطريان الفساد‪ .‬وإذا حصل ذلك الشيء في العقل‬
‫قائما به في العقل‪ ،‬على معنى أنّه‬
‫العدم الخارجي كان العدم الخارجي ً‬
‫َ‬ ‫العقل معه‬
‫ُ‬ ‫‪15‬‬

‫وقبول‬
‫ُ‬ ‫حد نفسه في العقل ال في الخارج؛ إذ ليس في الخارج شيء‬
‫ّيتصف به في ّ‬
‫قائما بها‪ 4،‬فال يلزم‬ ‫ٍ‬
‫عدم قائم بذلك [‪ ] 34‬الشيء فيجوز أن يكون استعداد فسادها ً‬
‫ب‬

‫كونها مادية‪.‬‬

‫لعدم الواسطة بين هذا االستعداد وبين التع ّلق بخالف وجودها في نفسها‪ .‬فإ ّن التع ّلق حينئذ يكون واسطة بينهما‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫محل لتدبيرها‬
‫بمجرد خروج البدن عن المزاج الصالح ألن يكون ّ‬ ‫حال وجودها في نفسها‬ ‫إذ يمكن انقطاع تدبيرها َ‬ ‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫وتصرفها‪.‬‬
‫ّ‬
‫كما تو ّقف تع ّلقها به على وجودها في نفسها ‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫أي بالنفس الناطقة‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪271‬‬

‫[‪ ]217‬ولو س ّلم أ ّن القابل للفساد يجب وجوده عند حصول الفساد لكن ال نس ّلم‬

‫جسما‬
‫ً‬ ‫محل استعداد فسادها‬
‫ّ‬ ‫أنّه يلزم منه كون النفس مادية‪ .‬وإنّما يلزم ذلك لو كان‬

‫محل‬
‫ًّ‬ ‫قائما بنفسه ّإما‬
‫مجر ًدا ً‬ ‫مادة جسمية‪ ،‬وهو ممنوع‪ .‬لم ال يجوز أن يكون‬
‫أو ّ‬
‫ّ‬
‫محل لجزئها اآلخر؟ ال يقال‪ :‬إذا كان ذلك المحل الباقي‪ 1‬مجر ًدا‬‫جزءا منها ًّ‬
‫للنفس أو ً‬
‫ّ‬
‫كل مجرد قائم بنفسه عاقل‪ .‬وكانت هي‪ 2‬النفس‬
‫ّ‬ ‫قائما بنفسه كانت عاقلة ِلما ثبت أ ّن ّ‬
‫ً‬ ‫‪5‬‬

‫محل لجزئها اآلخر؛ إذ ال معنى للنفس ّإل الجوهر‬


‫ًّ‬ ‫جزءا منها‬
‫محل للنفس وال ً‬
‫ًّ‬ ‫ال‬

‫العاقل المتع ّلق بالبدن‪ .‬وهذا خالف المفروض‪ .‬ومع ذلك فالمطلوب حاصل وهو‬

‫بقاء‪ 3‬جوهر مجرد عاقل بعد فناء البدن‪.‬‬


‫ّ‬
‫كل جوهر مجرد قائم بنفسه عاقل‪ .‬ولو س ِّلم فال‬
‫[‪ ]218‬ألنّا نقول ال نس ّلم أ ّن ّ‬
‫ّ‬
‫مدبرة‬
‫نس ّلم لزوم كونها هي النفس؛ فإ ّن النفس هي التي تشار إليها بـ«أنا» ويكون ّ‬ ‫‪10‬‬

‫أي تع ّلق كان‪ .‬ويجوز أن يكون المشار‬


‫مجرد الجوهر العاقل المتع ّلق بالبدن َّ‬ ‫فيه‪ ،‬ال‬
‫ّ‬
‫كل‬
‫حال في اآلخر‪ ،‬ويكون ٌّ‬
‫أحدهما ّ‬
‫مرك ًبا من جوهرين ُ‬
‫والمدبر في البدن ّ‬
‫ّ‬ ‫إليه بـ«أنا»‬

‫مدبر فيه‪ .‬فال‬


‫عاقل مع أنّه ال يكون شيء منهما النفس‪ ،‬بل المجموع الذي هو ّ‬
‫منهما ً‬

‫بقاء جوهرٍ مجرد عاقل بعد‬


‫يلزم مطلوبهم؛ أل ّن مطلوبهم بقاء النفس بعد البدن ال ُ‬
‫ّ‬
‫البدن مطل ًقا‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫أي بعد فساد النفس‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ‪ :‬معنى‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫وعدم فساده‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫الفصل الثاني والعشرون‬

‫في إبطال قولهم بنفي البعث وحشر األجساد‬

‫المعاد ال تزيد على خمسة‪ .‬وقد ذهب‬


‫[‪ ]219‬اعلم أ ّن األقوال الممكنة في أمر َ‬
‫كل واحد منها جماعة‪:‬‬
‫إلى ّ‬

‫المعاد ليس ّإل هذا البد ُن‪ .‬وهو‬


‫[‪ ]220‬أحدها‪ :‬ثبوت المعاد الجسماني فقط وأ ّن ُ‬ ‫‪5‬‬

‫قول نفاة‪ 1‬النفس الناطقة المجردة‪ ،‬وهم أكثر أهل اإلسالم‪.‬‬


‫ّ‬
‫[‪ ]221‬وثانيها‪ :‬ثبوت المعاد‪ 2‬الروحاني فقط‪ .‬وهو قول الفالسفة اإللهيين‪ 3‬الذين‬
‫المادة‪ .‬وإنّما البدن آلة‬
‫ّ‬ ‫ذهبوا إلى أ ّن اإلنسان بالحقيقة هو النفس الناطقة المجردة عن‬
‫ّ‬
‫لها تستعمله وتتصرف فيه الستكمال‪ 4‬جوهرها‪.‬‬
‫ّ‬
‫جميعا وهو قول من أثبت‬
‫ً‬ ‫[‪ ]222‬وثـالثها‪ :‬ثبوت المعاد الروحاني والجسماني‬ ‫‪10‬‬

‫النفس الناطقة المجردة من اإلسالميين كاإلمام الغزالي [‪35‬أ] ]رحمه اهلل[ والحليمي‬
‫ّ‬
‫والراغب وأبي زيد الدبوسي وكثير من المتصوفة‪.‬‬

‫عتد‬
‫[‪ ]223‬ورابعها‪ :‬عدم ثبوت شيء منهما‪ .‬وهو قول قدماء الطبيعيين الذين ال يُ ّ‬
‫بهم وال بمذهبهم ال في الم ّلة وال في الفلسفة‪.‬‬

‫[‪ ]224‬وخامسها‪ :‬التو ّقف وهو المنقول عن جالينوس؛ فإنّه نُقل عنه أنّه قال‬ ‫‪15‬‬

‫في مرضه الذي تُو ّفي فيه «إنّي ما علمت أ ّن النفس هي المزاج فينعدم عند الموت‬
‫ٍ‬
‫حينئذ”‪.5‬‬ ‫فيستحيل إعادتها أو هي جوهر ٍ‬
‫باق بعد فساد البدن فيمكن المعاد‬

‫سريان النار في الفحم والماء في الورد‪.‬‬


‫َ‬ ‫أل ّن الروح عندهم جسم سارٍ فى البدن‬ ‫‪1‬‬
‫واتصالها بالعالم العقلي الذي‬
‫ّ‬ ‫االآلت‬ ‫واستعمال‬ ‫البدن‬ ‫عالقة‬ ‫عن‬ ‫د‬ ‫التجر‬ ‫من‬ ‫عليه‬ ‫ومعناه رجوع األرواح إلى ما كانت‬ ‫‪2‬‬
‫ّ‬
‫هو عالم المجردات‪.‬‬
‫ّ‬
‫احتراز عن الطبيعيين وسيأتي مذهبهم‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫وبعد استكمالها في هذه النشأة لم يبق حاجة إلى البدن وال استكمال ّإل فيها‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ٍ‬
‫حينئذ‪.‬‬ ‫س؛ م‪ :‬ح؛ إ –‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪275‬‬

‫المطهرة‬
‫ّ‬ ‫إبطال ما ذكره الحكماء فيما خالفوا فيه الشريعة‬
‫َ‬ ‫ولما كان الغرض‬
‫[‪ّ ]225‬‬
‫فلنقدم تقرير مذهبهم وما اعتمدوا عليه من شبههم التي َبنوا عليها مذهبهم فنقول‪:‬‬
‫ّ‬
‫لهم في أمر المعاد مقامان‪:‬‬

‫األول‪ :‬إثبات المعاد الروحاني‪.‬‬


‫ّ‬
‫الثاني‪ :‬نفي المعاد الجسماني‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫األول فتقرير كالمهم فيه أنّهم قالوا‪ :‬إ ّن للنفوس اإلنسانية ل ّذة‬
‫[‪ّ ]226‬أما المقام ّ‬
‫ونيل لوصول ما هو كمال وخـير عند المد ِرك من‬
‫اك ٌ‬ ‫وألما روحانيين؛ أل ّن الل ّذة هي إدر ٌ‬
‫ً‬
‫وشر عند المدرك من حيث‬ ‫حيث هو ٌ‬
‫كمال وخـير‪ .‬واأللم إدراك ونيل لوصول ما هو آفة ّ‬
‫يخصان بها ‪-‬فإ ّن للذائقة‬
‫كمال وآفة ّ‬
‫قوة من القوى البدنية ً‬
‫لكل ّ‬
‫وشر‪ .‬وكما أ ّن ّ‬
‫هو آفة ّ‬
‫مثل سواء كانت مأخوذة من ما ّدة خارجية هي شيء‬
‫كمال هو تكيّفها بكيفية الحالوة ً‬
‫ً‬ ‫‪10‬‬

‫ُحلْو أو كانت حادثة في العضو ال عن سبب خارج؛ فإ ّن كليهما في إفادة الل ّذة متساويان‪،‬‬
‫وللباصرة كمال وهو مشاهدتها لأللوان الحسنة واألشكال الجميلة‪ ،‬وللسامعة كمال هو‬
‫استماعها لألصوات الرخيمة والنغَمات المتناسبة‪ ،‬ولالمسة كمال هو إدراكها للكيفيات‬
‫وللشامة كمال هو إدراكها للروايح الطيبة‪-‬‬
‫ّ‬ ‫المناسبة ولمسها للسطوح الليّنة الناعمة‪،‬‬
‫يخصانها‪.‬‬
‫فكذلك للنفس الناطقة التي هي جوهر عاقل كمال وآفة ّ‬ ‫‪15‬‬

‫جل ذكره‬
‫األول ّ‬
‫[‪ ]227‬وكمالها أن يتمثّل فيها صورالموجود كلّه مبتديًا من المبدأ ّ‬
‫وسال ًكا إلى العقول ثم النفوس السماوية ثم األجرام العلوية بهيئاتها وقواها ثم ما دون ذلك‬
‫إلى أن يتمثّل فيها صور جميع معلوالته المترتّبة تمثًّل يقينيًّا خاليًا عن‪ 1‬شوائب الظنون‬
‫واألوهام‪35[ .‬ب] وآفتها هي أن تكون منتقشة بض ّد ما هو الواقع‪.‬‬

‫إ‪ :‬من‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪277‬‬

‫كمال للنفس‪ 1‬اإلنسانية‬


‫ً‬ ‫[‪ ]228‬وأورِ د عليهم أ ّن تمثّل المعقوالت لو كان‬

‫والتذت به عند وجدانه وتألّمت بحصول الجهل‬


‫ّ‬ ‫الشتاقت‪ 2‬إلى حصوله عند فقده‬

‫كل قوة تلت ّذ بكماالتها وتشتاق إلى حصولها وتتألّم بحصول أضدادها‬
‫ضاد له؛ فإ ّن ّ‬
‫الم ّ‬
‫ُ‬
‫القوة الباصرة إلى النور وتألّمها بالظلمة‪.‬‬
‫كاشتياق ّ‬

‫[‪ ]229‬وأجابوا بأ ّن اشتغال النفس بالمحسوسات يمنعها عن االلتفات إلى المعقوالت‪.‬‬ ‫‪5‬‬

‫وبعدم االلتفات ال يحصل الشوق إليها عند فقدها وااللتذاذُ بها عند وجودها‪ .‬وأضداد‬

‫مستمرة الوجود وكانت النفس مشتغلة بغيرها من المحسوسات لم تكن‬


‫ّ‬ ‫لما كانت‬
‫الكمال ّ‬
‫مد ِركة لها‪ .‬ووصول المنافر‪ 3‬مع عدم إدراكه ال يوجب التألّم به كال َخ ِدر إذا عُرض على‬

‫ط عنها شغلُه تشعر بالبالء العظيم‬


‫حس باأللم‪ ،‬فإذا فارقت النفس البدن وانح ّ‬
‫النار ال يُ ّ‬
‫دفعة كال َخ ِدر المعروض على النار إذا زال خ َد ُره بعينه‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫[‪ ]230‬ثم إ ّن النفس إذا حصلت ما هو كمال لها في حياتها الدنيا بواسطة اآلالت‬

‫البدنية فإذا فارقت عن البدن عند خرابه وخـروجه عن صالحية تدبير النفس وكونه آلة‬

‫المكتسب فيها؛ أل ّن جوهر النفس الذي هو العلّة القابلة‬


‫َ‬ ‫لها ببطالن مزاجه يبقى كمالُها‬

‫لذلك الكمال موجود بعد المفارقة لِما عرفت فيما سبق من أ ّن النفس باقية بعد خراب‬

‫ضا‪ .‬ومتى كانت العلّة‬ ‫والعقول الفعالة له [التي] هي ِ‬


‫العلل الفاعلة له باقية [له] أي ً‬ ‫البدن‪،‬‬
‫ُ ّ‬ ‫‪15‬‬

‫وإل لزم تخلّف المعلول‬


‫القابلة والفاعلة للشيء موجودتين وجب حصول ذلك الشيء‪ّ ،‬‬

‫التامة وهو ظاهر االستحالة‪.‬‬


‫عن العلّة ّ‬
‫إ‪ :‬للنفوس‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫والمقدم مثله‪.‬‬
‫ّ‬ ‫والتالي باطل‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬المنافرة‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪279‬‬

‫حال‬
‫حصلته َ‬
‫[‪ ]231‬فثبت أ ّن ما هو كمال للنفس حاصل لها بعد مفارقة البدن إذا ّ‬
‫شك في أ ّن هذا الكمال خير بالقياس إليها وأنّها مد ِركة بحصول هذا‬
‫تعلّقها به‪ .‬وال ّ‬
‫الكمال لها من حيث هو كمال وخـير‪ .‬فإذن هي ملت ّذة بذلك بعد المفارقة‪ .‬وكذلك‬
‫كمال ولم‬
‫عرفت في حياتها الدنيا باالكتساب النظري أ ّن لها ً‬
‫ْ‬ ‫حال األلم؛ فإن النفس إذا‬
‫ُ‬
‫تكتسبه بل اكتسبت ما يضا ّده وهو الجهل المرّكب أو لم تكتسب شيئًا منهما بل اشتغلت‬ ‫‪5‬‬

‫صرفَها عن الكمال من األمور الدنيوية الدنيّة واللذات الحسية الخسيسة‪ ،‬فإذا‬


‫بما [‪َ ] 36‬‬
‫أ‬

‫وعدم االشتياق في حياتها‬


‫ّمت بنقصانها الشتياقها إلى الكمال الفائت عنها‪ُ .‬‬
‫فارقت تأل ْ‬
‫ْ‬
‫عرفت‪.‬‬
‫َ‬ ‫الدنيا إلى كمالها الفائت وعدم التأمل بفواته الشتغالها عنه بالمحسوسات كما‬

‫[‪ ]232‬ثم إ ّن اللذة الروحانية الحاصلة للنفس أقوى من الل ّذة الجسمانية لوجوه‪:‬‬

‫بالقوة الجسمانية‬ ‫بالقوة العقلية َّ‬


‫أشد من إدراكه ّ‬ ‫األول أنّهكلّماكان إدراك الماليم ّ‬
‫[‪ّ ]233‬‬ ‫‪10‬‬

‫أتم من‬
‫المدرك بال ّقوة الجسمانيةكانت الل ّذة العقلية أقوى و ّ‬
‫أشرف من َ‬
‫بالقوة العقلية َ‬
‫المدرك ّ‬
‫و َ‬
‫لكن المق ّدم ح ّق والتالي مثله‪ّ .‬أما الشرطية فأل ّن اللذة هي إدراك الماليم‪.‬‬
‫اللذة الجسمانية‪ّ .‬‬
‫القوة الجسمية ال تد ِرك ّإل السطوح‪ 1‬والظواهر‬
‫األول منه فأل ّن ّ‬
‫و ّأما أ ّن المق ّدم ح ّق‪ّ :‬أما الجزء ّ‬
‫القوة العقلية ال تقتصر على ذلك؛ بل تد ِرك ظاهر الشيء وباطنه‪ ،‬فتميِّز‬
‫مقتصرًة عليها‪ .‬و ّ‬
‫بين الماهية وأجزائها وعوارضها وتفصل بين الجزء الجنسي والجزء الفصلي‪ .‬والباطن عندها‬ ‫‪15‬‬

‫شك أ ّن اإلدراك الذي ال يقتصر على شيء أقوى من المقتصر‬


‫كالظاهر في اإلدراك‪ .‬وال ّ‬
‫ذات الح ّق تبارك وتعالى وما يليه من‬
‫القوة العقلية ُ‬ ‫ِ‬
‫مدركات ّ‬
‫عليه‪ .‬و ّأما الجزء الثاني منه فأل ّن َ‬
‫مدركاته األجسام‬ ‫ِ‬
‫الحس ال يدرك شيئًا من ذلك؛ بل َ‬
‫الجواهر العقلية والنفوس السماوية‪ .‬و ّ‬
‫‪2‬‬
‫المدركين في الشرف بـَْون بعيد جدًّا‪.‬‬
‫واألعراض الخسيسة المتغيّرة‪ ،‬فبين َ‬
‫إ‪ :‬بالسطوح‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إ – ًّ‬
‫جدا‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪281‬‬

‫[‪ ]234‬الثاني من تلك الوجوه أنّه لو لم يكن الل ّذة العقلية أقوى من الل ّذة الحسية‬
‫لكان حال البهايم من الحمير وغيره ّإما مساويًا لحال المالئكة أو أطيب‪ .‬والتالي ظاهر‬
‫الفساد فالمق ّدم مثله‪.‬‬
‫[‪ ]235‬الثالث منها أ ّن الل ّذة العقلية ولو في أمر خسيس كالشطرنج والنـَّْرد وما يجري‬
‫ظن أنّها أقوى اللذات الحسية‪ .‬فإ ّن‬
‫مجراهما من اللعب مؤثّرة عند اإلنسان على لذات يُ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫استظهارا في شيء من ذلك يوجب له أن يكون غالبًا إذا عُرض له مطعوم أو‬
‫ً‬ ‫الذي يجد‬
‫ضا عليها‪ .‬فإ ّن كثير‬ ‫منكوح ربّما رفضهما‪ .‬وإ ّن ل ّذة نيل الح ْشمة كالجاه وغيره مؤثَرة أي ً‬
‫الهمة يختار ترك كثير من الل ّذات الحسية على ترك ذلك‪ .‬وإ ّن ل ّذة إيثار الغير‬ ‫عالي ّ‬
‫النفس َ‬
‫كل ما‬
‫على نفسه فيما يحتاج إليه ضرورة [‪ ] 36‬موثَرة عند الكريم على ل ّذة التمتّع به‪ .‬و ّ‬
‫ب‬

‫آثر عند الشخص فهو أل ّذ بالقياس إليه‪ .‬فهذه الل ّذات الباطنة مستعلية على الحسية‬
‫هو ُ‬ ‫‪10‬‬

‫الظاهرة‪ .‬وإذا كانت الل ّذات الباطنة وإن لم تكن عقلية‪ 1‬مستعلية على الل ّذات الحسية‬
‫‪3‬‬
‫فالعقلية في استعالئها عليها أولى‪ .‬وقس على ذلك حال‪ 2‬األلمين‪.‬‬
‫[‪ ]236‬وتفصيل كالمهم في أحوال النفوس بحسب السعادة والشقاوة بعد‬
‫مفارقتها عن البدن‪ :‬هو أ ّن النفس إن اكتسبت االعتقادات الح ّقة‪ ،‬فإن لم تكتسب‬
‫الميل إلى الشهوات البدنية والل ّذات‬
‫َ‬ ‫بمقارنة البدن هيئات ردية وأخالقًا ذميمة يوجب‬ ‫‪15‬‬

‫ابتهاجا‬
‫ً‬ ‫ت بوجدان ذاتها كذلك التذا ًذا باقيًا وابتهجت بإدراك كماالتها‬
‫الحسية‪ ،‬الت ّذ ْ‬
‫سرم ًدا كالمؤمن المتّقي على رأينا‪ .‬وإن اكتسب هيئات ردية بمالبستها للبدن ومباشرتها‬
‫عظيما واشتاقت‬
‫للرذائل المقتضاة للطبيعة وميلها إلى المشتهيات الفانية تألّمت تأل ًّما ً‬
‫فت بها وقد ِحيل بالموت‪ 4‬بينها وبين ما تشتهي فتكون كالعاشق‬ ‫مشتهياتها التي ألِ ْ‬
‫إلى َ‬
‫المهجور الذي لم يبق له رجاء الوصول‪ .‬ولكن هذا التألّم ال يدوم بل يزول ِ‬
‫آخر األمر؛‬ ‫‪20‬‬
‫ّ‬ ‫ُ‬

‫بل وهمية‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – الظاهرة وإذا كانت الل ّذات الباطنة وإن لم تكن عقلية مستعلية على ّ‬
‫اللذات الحسية فالعقلية في استعالئها عليها‬ ‫‪2‬‬
‫أولى‪ .‬وقس على ذلك حال‪.‬‬
‫أي األلم العقلي واأللم الحسي‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫أي وقد (م – وقد) وقع الحيلولة‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪283‬‬

‫حصلت لها بمالبسة األمور البدنية وهي تزول بزوال ما استُفيدت‬


‫ْ‬ ‫الهيئات التي‬
‫ُ‬ ‫أل ّن سببه‬

‫منه من األمزجة واألفعال‪ .‬وهذه الهيئات مختلفة في ش ّدة الرداءة وضعفها وسرعة الزوال‬

‫وبطئه‪ .‬ويختلف التع ّذب بها بعد الموت في الكم والكيف وهذا كالمؤمن الفاسق على‬

‫رأينا‪.‬‬

‫عرفت باالكتساب النظري أ ّن لها‬


‫ْ‬ ‫[‪ ]237‬وإن لم تكتسب االعتقادات الح ّقة فإن‬ ‫‪5‬‬

‫ّمت بعد المفارقة الشتياقها إلى الكمال الفائت عنها سواء اكتسبت ما يُضا ّد‬
‫كمال تأل ْ‬
‫ً‬

‫الكمال فصارت جاحدة‪ 1‬له من حيث الماهية‪ 2‬وإن كانت معترفة به من حيث اإلنّية‪ 3‬أو‬

‫بمضا ّد له فصارت ُمع ِرضة عنه أو لم‬ ‫صرفَها عن اكتساب الكمال ّ‬


‫مما ليس ُ‬ ‫اشتغلت بما َ‬
‫ْ‬
‫حال هم‬ ‫تكاسلت في اقتناء الكمال فصارت ِ‬
‫مهملة إيّاه‪ .‬وأسوؤهم ً‬ ‫ْ‬ ‫تشتغل بشيء لكنّها‬

‫دائما بخالف الباقين‪.‬‬


‫الذين اكتسبوا ما يُضا ّد الكمال؛ ألنّهم يتع ّذبون ً‬ ‫‪10‬‬

‫ضا على حسب‬


‫[‪ ]238‬ثم إ ّن هؤالء الثالثة إن تلطّخت بهيئات بدنية ردية تأل ّْمت بها أي ً‬
‫‪4‬‬

‫لكن التألّم الذي‬


‫رداءة تلك [‪ ] 37‬الهيئات‪ .‬وإن لم يتلطّخ ال يكون لهم تألّم بهذا الوجه‪ّ .‬‬
‫أ‬

‫بسبب تلك الهيئات ال يدوم لزوال تلك الهيئات الموجبة له‪ .‬وإن لم تع ِرف باالكتساب النظري‬

‫ّمت م ّدةَ بقاء تلك الهيئة على‬


‫كمال فإن تلطّخت بهيئات ردية اكتسبها بمالبسة البدن تأل ْ‬
‫أ ّن لها ً‬

‫حسب رسوخها فيها‪ .‬ثم يزول التألّم بزوال تلك الهيئة‪ .‬وإن لم يتلطّخ فهي من أهل السالمة‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫أي منكرة (إ – منكرة) على معنى أنّها جاحدة لثبوت حقيقة الكمال وماهيته في نفس األمر ويجعله من قبيل األوهام‬ ‫‪1‬‬
‫والخياالت‪.‬‬
‫أي ماهية الكمال‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي التح ّقق‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫فتلوث‪.‬‬
‫لوثه ّ‬
‫لطخا فتلطّخ به أي ّ‬
‫يقال لطخه بكذا ً‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪285‬‬

‫‪2‬‬
‫لخلوها عن أسباب الل ّذة واأللم والخالص‪ 1‬فوق الشفاء‬
‫وإن لم تكن من أهل السعادة ّ‬
‫وهي في َسعة رحمة اهلل تعالى‪ .‬والنفوس التي بهذه الصفة هي نفوس البـُلْه‪ .‬وهم الذين‬
‫‪4‬‬
‫يغلِب عليهم سالمةُ الصدر والسذاجة‪ 3‬كاألطفال ومن يجري مجراهم‪ .‬وكذلك نفوس‬
‫والزهاد‪.‬‬
‫الصلحاء ّ‬
‫[‪ ]239‬وبعضهم‪ 5‬ذهبوا إلى أ ّن أمثال هذه النفوس تتعلّق بأجسام أخر‪ ،‬ألنّها ال‬ ‫‪5‬‬

‫َّ‬ ‫َّ‬
‫يجوز أن تكون معطلة عن اإلدراك إذ ال معطل في الوجود‪ ،‬وال تد ِرك َ‬
‫غير الجسمانيات‬
‫موضوعا لتخيّالتها‪ .‬وال فعل لها غير اإلدراك‪.‬‬
‫ً‬ ‫حتى تستغني في إدراكها عن جسم يكون‬
‫نفسا لجرم‬
‫فال ب ّد أن يتعلّق بأجسام أخر ال على أ ّن النفس بعد المفارقة عن البدن تصير ً‬
‫آخر مدبّرة له‪ .‬فإ ّن ذلك عين مذهب التناسخ وهم‪ 6‬ال يقولون به؛ بل على أ ّن ذلك‬

‫موضوعا لتخيالتها‪ .‬فإ ّن التخيل ال يمكن ّإل بآلة جسمانية‪ .‬ثم يتخيل‬
‫ً‬ ‫الجرم يكون‬ ‫‪10‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫الصور التي كانت معت َقدة عندها‪ .‬فإن كان اعتقادها في نفسها وأفعالها الخير شاهدت‬
‫َ‬
‫العقاب‬ ‫وإل فشاهدت‬‫اعتقدتها في حياتها الدنيا‪ّ ،‬‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫الخيرات األخروية على حسب ما‬
‫َ‬
‫كذلك‪ .‬والجسم الذي تتعلق به هذه النفوس ّإما أجرام سماوية أو أجرام متولّدة عن‬

‫روحا‪.‬‬
‫المسمى ً‬
‫ّ‬ ‫الهواء واألدخنة‪ .‬وال تكون مقار ًنا لمزاج الجوهر‬

‫[‪ ]240‬ثم إنّه اضطرب قول الشيخ أبي علي في قدر العلم الذي يحصل به‬ ‫‪15‬‬

‫السعادة األخروية‪ .‬ففي بعض كتبه اكتفى بالتفطّن للمفارقات‪ 7،‬وفي بعضها قال‪:‬‬

‫أي عن األلم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫ألنّه إنّما يكون بعد تح ّقق األلم‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫والغش‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الغل‬
‫أي كونه سا َذ ًجا عن ّ‬ ‫‪3‬‬
‫ممن لم يكتسب االعتقدات الح ّقة قلنا‪ :‬ألنّهم مق ّلدون في جميع ما اعتقدوا فال‬
‫فإن قيل (م‪ ،‬إ‪ :‬قلت) كيف جعلهم ّ‬ ‫‪4‬‬
‫اعتداد بذلك ‪.‬‬
‫أي الحكماء‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫أي الحكماء‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫المادة‪.‬‬
‫ّ‬ ‫عن‬ ‫‪7‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪287‬‬

‫نصا ّإل‬
‫أنص عليه ًّ‬
‫«وأما قدر العلم الذي يحصل به هذه السعادة فليس يمكنني أن ّ‬
‫ّ‬
‫تصوًرا حقيقيًا ويص ّدق‬
‫يتصور اإلنسا ُن المبادي المفارقةَ ّ‬
‫وأظن أ ّن ذلك‪ :‬أن ّ‬ ‫بالتقريب‪ّ .‬‬
‫[‪37‬ب] بها تصدي ًقا يقينيا برهانيا‪ ،‬ويع ِرف ِ‬
‫العلل الغائية للحركة الكلّية دون الجزئية التي‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫والنظام اآلخذ من‬
‫ُ‬ ‫الكل ونِسب أجزاء بعضها إلى بعض‬ ‫ويتقرر عنده هيئةُ ّ‬ ‫ال تتناهى‪ّ ،‬‬
‫ويتصور العناية وكيفيتها ويتح ّقق‬
‫ّ‬ ‫األول إلى أقصى الموجودات الواقعة في ترتيبه‪،‬‬
‫المبدأ ّ‬ ‫‪5‬‬

‫يخصها وأنّها كيف يُعرف‬


‫يخصها وأيّة وحدة ّ‬
‫أي وجود ّ‬
‫‪1‬‬
‫الكل ُّ‬
‫أ ّن للذات المتق ّدمة على ّ‬
‫حتى ال يلحقها تكثّر وتغيّر بوجه من الوجوه وكيف نسبة ترتيب الموجودات إليها‪ .‬ثم كلّما‬
‫استعدادا‪ ».‬هذا‪ 2‬جملة ما يقولون في أمر المعاد‬
‫ً‬ ‫استبصارا زاد للسعادة‬
‫ً‬ ‫ازداد الناظر‬
‫الروحاني‪.‬‬

‫واعترض عليهم بأنّا ال نس ّلم أ ّن اللذة إدرا ُك ما هو كمال وخـير عند‬


‫ُ‬ ‫[‪]241‬‬ ‫‪10‬‬

‫اللذة ما ُذكر‪ .‬وإنّما يلزم‬ ‫المدرِ ك من حيث هو كذلك‪ ،‬وتحديدها به ال ّ‬


‫يدل على أ ّن ّ‬

‫حدا لها بحسب نفس األمر‪ ،‬وهو ممنوع‪ .‬وعدم انفكاك أحدهما‪ 3‬عن اآلخر‬
‫لو كان ًّ‬
‫أيضا ممنوع‪ .‬واالعتماد على التجارب‬
‫االتحاد على أ ّن عدم االنفكاك ً‬
‫يدل على ّ‬
‫ال ّ‬

‫الظنية غير مفيد أل ّن االستقراء وإن كان ألكثر الجزئيات ال يفيد العلم لجواز وجود‬

‫جزئي حالُه بخالف ما ُوجد باالستقراء‪ .‬ال يقال عدم االنفكاك ضروري حاصل‬ ‫‪15‬‬

‫وأي‬
‫ليتوجه عليه ما ُذكر ألنّا نمنع الضرورة َّ‬
‫ّ‬ ‫ستدل عليه باالستقراء‬
‫بالتجربة ال نظري يُ ّ‬

‫يدل عليها‪.‬‬
‫دليل ّ‬

‫إ – ُّ‬
‫أي‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إ‪ :‬هذه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي الل ّذة واإلدراك‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪289‬‬

‫كل‬
‫لذ ٌة في الجملة ولكن ال نس ّلم أ ّن ّ‬
‫كمال ّ‬
‫ٌ‬ ‫[‪ ]242‬ثم إن س ّلمنا أ ّن إدراك ما هو‬
‫اللذة إنّما هو إدراك الكمال الجسماني‪ .‬فإ ّن إدراك‬
‫لكل ما هو كمال لذ ٌة؛ بل ّ‬
‫إدراك ّ‬
‫الكمال الجسماني‪ 1‬يجوز أن يكون مخال ًفا بالحقيقة إلدراك الكمال الغير الجسماني‪،‬‬
‫لذ ًة كو ُن اآلخر كذلك‪ .‬ولو س ِّلم أ ّن إدراك الكمال مطل ًقا‬
‫فال يلزم من كون أحدهما ّ‬
‫جسمانيا‪ 2‬كان أو غيره لذ ٌة ولكن ال نس ّلم أ ّن النفس باقية بعد خراب البدن‪ .‬وما‬ ‫‪5‬‬
‫َ‬ ‫ً‬
‫لكن كونها قابل ًة‬ ‫ِ‬
‫عرفت ضعفه‪ .‬ولو س ّلم بقاؤها بعد خراب البدن ّ‬
‫َ‬ ‫استدلّوا به عليه فقد‬
‫طا بتع ّلقها بالبدن‪ .‬ولو س ِّلم‬
‫للصور العقلية ممنوع لجواز أن يكون قبولها لها مشرو ً‬
‫ٍ‬
‫حينئذ للصور العقلية لكن ال يلزم حصول الصورة العقلية فيها‪ .‬وإنّما يلزم‬ ‫كونُها قابل ًة‬
‫مختارا‪ ،‬وهو ممنوع‪ .‬ثم إ ّن ما ذكروه معارض بأ ّن النفس‬
‫ً‬ ‫لو كان الفاعل موجبا ال‬
‫ً‬
‫نفس الل ّذات لكانت متل ّذذة‬
‫قبل الموت عالمة بهذه المعلومات‪ ،‬فلو كانت إدراكاتها َ‬ ‫‪10‬‬

‫[والتالي باطل]‪38[ 3‬أ] كما كانت عالمة‪.‬‬

‫[‪ ]243‬والقبول بأ ّن االشتغال بتدبير البدن واستغراقها في الل ّذات الجسمانية مانع‬
‫مانعا عن حصول شيء عند حصوله‪.‬‬ ‫قول بكون الشيء ً‬
‫‪4‬‬
‫اللذة العقلية ٌ‬
‫عن حصول ّ‬
‫للذات‬
‫اللذات الجسمانية أضعف من الل ّذات العقلية عندهم؛ بل ال نسبة ّ‬
‫وأيضا ّ‬
‫ً‬
‫اللذات العقلية عندهم‪ .‬فكيف يمكن جعل العوارض البدنية على ضعفها‬
‫الحسية إلى ّ‬ ‫‪15‬‬

‫اللذات العظيمة النفسانية؟‬


‫مانع ًة من تلك ّ‬

‫اللذة إدراك‪ 5‬فقط؛ بل قالوا إنّها‬


‫[‪ ]244‬وقد يجاب عنه بأنّهم لم يقولوا إ ّن ّ‬
‫مستجمعا‬
‫ً‬ ‫العادم الل ّذة ال يكون‬
‫َ‬ ‫ولعل العالم بالمعلومات‬
‫ّ‬ ‫إدراك مشروط بشرائط‪.‬‬
‫لتلك الشرائط‪ .‬ثم إنّه إن استجمع الشرائط فال نس ّلم أنّه يكون عادم الل ّذة‪.‬‬
‫إ – فإ ّن إدراك الكمال الجسماني‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إ‪ :‬مطل ًقا سواء كان جسمانيا‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ً‬
‫إ‪ :‬لكن التالي باطل‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬يكون‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫إ‪ :‬اإلدراك‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪291‬‬

‫أشد‬
‫كثيرا من المتع ّلمين الذين لم يتع ّلموا ّإل مسائل معدودة يبتهجون بها ّ‬ ‫فإنّا نرى‬
‫ً‬
‫فضل عن لذة مطعوم‬
‫ً‬ ‫ابتهاج ويوثرون االشتغال بمذاكرتها على ملك الدنيا وما فيها‬

‫أو منكوح‪ .‬هذا ثم قولهم ‘إ ّن األلم الذي يحصل للنفس بعد المفارقة بواسطة الهيئات‬
‫الردية التي اكتسبها بمالبسة البدن يزول عاقبةَ األمر بزوال تلك الهيئات’ ال يستقيم على‬

‫النفس والفاعل لها هو المبادي المفارقة‪ .‬وعندهم‬


‫ُ‬ ‫أصولهم‪ .‬فإ ّن القابل لتلك الهيئات‬ ‫‪5‬‬

‫وجود ذلك الشيء كما‬


‫ُ‬ ‫أ ّن الع ّلة القابلة والفاعلة للشيء إذا كانتا موجودتين وجب‬

‫ذكروه في بقاء الكماالت العلمية‪ .‬فكيف يجوز زوال تلك الهيئات حتى يزول بزوالها‬

‫التألّم الحاصل بسببها؟ وكونها حاصلة بمالبسة األمور البدنية من األفعال واألمزجة‬

‫ال يوجب زوالها؛ أل ّن‪ 1‬ما ُذكر من مالبسة األمور البدنية ُم ِع ّدة لحصول تلك الهيئات‪،‬‬

‫وطول العهد به ال يوجب انعدامها‪.‬‬


‫ُ‬ ‫الم ِع ّد‬
‫وانعدام ُ‬ ‫‪10‬‬

‫[‪ ]245‬وقد يجاب عنه بأ ّن النفس بمفارقة البدن لم يخرج عن‪ 2‬أن تكون منفعلة‬
‫عن الحركات السماوية‪ .‬فإ ّن في عالم النفوس تج ّددات مستندة إلى الحركات الفلكية‪.‬‬
‫وأقلّها ما يعلمه من تالحق النفوس المفارقة لألبدان قرنًا بعد قرن على الدوام واالستمرار‪.‬‬
‫لكل نفس من النفوس [‪38‬ب]‬
‫وال يبعُد أن يكون التالحق المذكور موجبًا ألحوال يتج ّدد ّ‬
‫استعدادا لزوال تلك الهيئات عنها‪ .‬فيزول عند‬
‫ً‬ ‫المفارقة أو لبعضها يوجب تلك األحوال‬ ‫‪15‬‬

‫واجب الدوام واالستمرار‬


‫َ‬ ‫كل ما يحدث عن علّة في قابل‬
‫تمام استعدادها لزوالها‪ .‬وليس ّ‬
‫بدوام الفاعل وذات القابل؛ بل قد يزول عن القابل استعداد وجوده ويحصل له استعداد‬
‫لعدمه بواسطة الحركات السماوية والتغيّرات الفلكية فينعدم عن القابل وإن كانت ذات‬
‫القابل باقيًا كما في الكون والفساد‪.‬‬

‫أل ّن‪.‬‬ ‫إ–‬ ‫‪1‬‬


‫عن‪.‬‬ ‫إ–‬ ‫‪2‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪293‬‬

‫لما جاز زوال الهيئات النفسانية في الجملة بزوال‬


‫ورد هذا الجواب بأنّه ّ‬
‫[‪ّ ]246‬‬
‫أبدا في‬
‫أيضا‪ .‬فال يحصل الجزم باستمرار اللذة ً‬
‫استعداد النفس جاز أن يزول إدراكاتها ً‬

‫الجزم باستمرار األلم في النفوس التي‬


‫ُ‬ ‫النفوس التي حصلت االعتقادات المطابقة‪ ،‬وال‬

‫حصلت االعتقادات الغير المطابقة‪ .‬ثم فر ُقهم بين الجاحدين والمهملين والمعرضين‬

‫مؤبد دونهما غير صحيح؛ أل ّن سبب األلم في األقسام الثالثة هو‬


‫بأ ّن ألم الجاحدين َّ‬ ‫‪5‬‬

‫الشوق إلى الكمال الفائت‪ .‬وال فرق بين ثالثة في هذا السبب‪ .‬فما الذي‪ 1‬أوجب‬

‫انقطاع عذاب البعض دون البعض؟ والحكم بانقطاع شوق المهملين والمعرضين‬

‫تحكم باطل‪ .‬فإن قلت‪ :‬الفرق بيِن؛ فإن الجاحدين فيهم اعتقادات‬
‫ّ‬ ‫دون الجاحدين‬
‫ّ‬
‫المضادة للكمال ليست بمستندة إلى‬
‫ّ‬ ‫باطلة مضادة لكمالهم دونهما‪ ،‬قلنا‪ :‬االعتقادات‬

‫البراهين‪ .‬فلم ال يجوز زوالها وعدم بقائها حتى يدوم التع ّذب بسببها؟‬ ‫‪10‬‬

‫معذ ًبا إذ كان‬


‫وأيضا المشتاق إلى الشيء الغير الواصل إليه إنّما يكون َّ‬
‫ً‬ ‫[‪]247‬‬

‫جازما بكونه غير واصل إليه‪ 2.‬والنفوس ذوات العقائد الباطلة قبل المفارقة تعتقد‬
‫ً‬
‫َ‬
‫علوما‪ .‬فإن بقي هذا االعتقاد بعد المفارقة لم يتألّم بفقدان‬
‫ً‬ ‫كون تلك االعتقادات‬

‫الكمال‪ ،‬إذ ال شعور لها بفقده؛ أل ّن المفروض أنّه بقي اعتقاد كون اعتقاداتها الباطلة‬

‫وإل‬
‫أيضا‪ّ .‬‬
‫علوما‪ .‬وإن لم يبق بل زال هذا االعتقاد فليزل تلك االعتقادات الباطلة ً‬
‫‪3‬‬
‫ً‬ ‫‪15‬‬

‫فما الفرق؟ فال يحصل لها األلم السرمدي‪.‬‬

‫إ‪ :‬فالذي‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫س – إليه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬فيزل‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪295‬‬

‫علوما وال يلزم منه‬


‫ً‬ ‫[‪ ]248‬وقد يقال‪ 1‬ال يزول االعتقاد بكون‪ 2‬تلك االعتقادات‬

‫نفي التألّم؛ أل ّن تألّمها ليس لالشتياق إلى اإلدراك بل ألنّها لما اعتقدت أ ّن ما أدركته‬

‫ورجت الوصول إلى‬


‫ْ‬ ‫من األمور الغير المطابقة [‪39‬أ] للواقع كمال ومطابق للواقع‬

‫معذبة بفقدان ما‬


‫ما أدركته فإنّه ال محالة يفقد‪ 3‬بعد الموت ما رجته فتخيب فتصير َّ‬

‫رجت الوصول إليه‪ .‬قيل وفيه نظر؛ أل ّن الل ّذة عندهم كما مر إدراك ونيل لوصول ما‬ ‫‪5‬‬
‫ّ‬
‫هو كمال وخير عند المدرِ ك من حيث هو كمال وخـير‪.‬‬

‫[‪ ]249‬وفائدة قولهم‪‘ 4‬عند المدرك’ على ما صرحوا به هو إيذا ٌن أ ّن المعتبر في‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫كماليته وخـيريته في اعتقاد المدرِ ك ال في نفس األمر‪ ،‬حتى لو لم يكن الشيء‬
‫ُ‬ ‫الل ّذة‬

‫كمال وخـيرا في نفس األمر لذلك المدرِ ك وهو يعتقد كماليته وخـيريته يتل ّذذ به‪ .‬فلو‬
‫ً‬
‫ً‬
‫حق مطابق للواقع لزم أن يتل ّذذ‬
‫اعتقاد أ ّن ما أدركه ّ‬
‫ٌ‬ ‫المركب‬
‫ّ‬ ‫لم يزل لصاحب الجهل‬ ‫‪10‬‬

‫لذة مخلوطة بألم فقدان‬


‫أقل من أن يكون له ّ‬
‫بما أدركه‪ .‬فيكون من أهل السعادة‪ .‬فال ّ‬

‫ما رجت الوصول إليه‪ .‬وال يقولون به؛ بل يزعمون أ ّن ألمه هو األلم الشديد الذي ال‬

‫ألم فوقه‪ .‬ثم إ ّن نفوس الب ْله والصلحاء قد اعتقدت في حياتهم الدنيا اعتقادات غير‬
‫‪5‬‬
‫ُ‬
‫مطابقة للواقع بزعمهم‪ 6.‬فكيف يكونون من أهل السالمة؟‬

‫‘وأيضا’ ‪.‬‬
‫ً‬ ‫عما أورده بقوله‬
‫في الجواب ّ‬ ‫‪1‬‬
‫إ‪ :‬يكون‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬يفقد؛ لظهور عدم مطابقته للواقع بعده‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬لهم‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫لعدم كمال عقولهم فيتبعون الوهم في كثير من األحكام‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫أي زعم الحكماء‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪297‬‬

‫كمال فال يكون لهم شوق إلى‬


‫[‪ ]250‬فيمكن أن يقال‪ :‬هم ال يعتقدون أ ّن للنفس ً‬

‫الكمال الفائت فيكونون من أهل السالمة بل من أهل السعادة على ما يليق بحالهم‬

‫كما يراه بعضهم‪.‬‬

‫[‪ ]251‬ثم استداللهم على تع ّلق أمثال‪ 1‬تلك النفوس بأجسام أخر بأنّها إن‪ 2‬لم‬
‫طل في الوجود‪ ،‬ممنوع بمقدمتيه‪ .‬فإنّها تشعر بذواتها‬
‫تتع ّلق تكون مع َّطلة‪ ،‬وال مع َّ‬ ‫‪5‬‬

‫مشهورا فيما‬
‫ً‬ ‫ووجودها‪ .‬فال تكون مع َّطلة عن اإلدراك‪ .‬وس ْلب‪ 3‬التعطّل وإن كان‬

‫جعل جرم‬
‫وأيضا ْ‬
‫أيضا‪ً .‬‬
‫حيِز المنع ً‬
‫‪5‬‬
‫مبرهنا‪ 4‬عليه فهو في‬
‫َ‬ ‫ضروريا وال‬
‫ً‬ ‫بينهم لكنّه ليس‬
‫ّ‬
‫الفلك آلة‪ 6‬لتخيالت نفوس الب ْله والصلحاء غير مستقيم؛ أل ّن أجزاء الفلك متشابهة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ّ‬
‫فإما‬
‫فليس بعض تلك األجزاء بأن يكون آلة لبعض تلك النفوس أولى من البعض‪ّ .‬‬
‫‪7‬‬

‫لكل واحدة من النفوس أو ال يكون شيء منها آلة لشيء‬


‫كل جزء منها آلة ّ‬
‫أن يكون ّ‬ ‫‪10‬‬

‫جعل جرم الفلك‬


‫فتعين الثاني فب ُطل ْ‬ ‫األول ظاهر االستحالة‬
‫من تلك النفوس‪ .‬والقسم ّ‬
‫ّ‬
‫آلة موضوعة لتخيالتها‪39[ .‬ب]‬
‫ّ‬
‫[‪ ]252‬وبالجملة فأكثر ما ذكروا في هذه المسألة ظنون وتخمينات ال يليق‬

‫المعاد‬
‫بالمواضع العلمية‪ .‬ثم إنّا لسنا نُنكر على الحكماء من جهة أنّهم أثبتوا َ‬
‫واللذات واآلالم العقليين وكو َنهما أعظم من الحسيين؛ فإ ّن المهرة المتقنين‬
‫ّ‬ ‫الروحاني‬ ‫‪15‬‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬
‫من علماء اإلسالم ذهبوا إلى ذلك‪.‬‬

‫إ – أمثال‪.‬‬ ‫‪1‬‬
‫إ – إن‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫للمقدمة الثانية‪.‬‬
‫ّ‬ ‫منع‬ ‫‪3‬‬
‫مبرهنا‪.‬‬
‫َ‬ ‫وال‬ ‫–‬ ‫إ‬ ‫‪4‬‬
‫إ‪ :‬خير‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫الواحد‪.‬‬ ‫‪6‬‬
‫إ – آلة‪.‬‬ ‫‪7‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪299‬‬

‫يوجد في كالم اهلل تعالى وكالم رسوله ]عليه السالم[ ما يشير إلى ذلك‪.‬‬
‫بل يمكن أن َ‬
‫المعاد الجسماني والل ّذات واآلالم الجسمانية‬
‫وإنّما نُنكر عليهم من جهة أنّهم أنكروا َ‬
‫دل عليه كتاب اهلل وكالم رسوله ]عليه الصلوة السالم[ في‬
‫في الدار اآلخرة على ما ّ‬

‫مواضع غير معدودة بحيث ال مجال‪ 1‬الرتكاب تأويلهما وصرفهما عن ظاهرهما‪.‬‬

‫[‪ ]253‬قال اإلمام الرازي ]عليه الرحمة‪« :[2‬إنّا ال نُنكر الل ّذة العقلية وال أنّها‬ ‫‪5‬‬

‫كل ما ال‬
‫مما ال يمكن إثباته‪ 3‬باألدلّة العقلية‪ .‬وليس ّ‬
‫أقوى من غيرها؛ ولكن ذلك ّ‬
‫أحدا لو حاول الداللة على طعوم األشياء‬
‫يمكن إثباته بهذا الطريق وجب إنكاره؛ فإ ّن ً‬
‫اللذات العقلية من هذا‬
‫الحس يشهد بثبوتها‪ .‬وهذه ّ‬
‫ّ‬ ‫لتعذر عليه ذلك مع أ ّن‬
‫وروايحها ّ‬

‫وكل من كان انقطاعه‬


‫القبيل‪ .‬وال سبيل إلى التصديق الجازم بها ّإل بالوصول إليها‪ّ .‬‬

‫وانجذابه إلى المعارف اإللهية أتم كان حظُّه منها أوفى‪ .‬ولقد‬
‫ُ‬ ‫عن العاليق الجسدانية‬ ‫‪10‬‬
‫ّ‬
‫رزقنا اهلل تعالى منها في المنام واليقظة مرة بعد أخرى ما قوِ ي إيماننا بها وسكن‬
‫ّ‬
‫نفسنا‪ 4‬إليها‪ .‬والظاهر من الحكماء أنّهم ما ذكروا من الوجوه التي حكينا عنهم ّإل‬

‫والمشوقات‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫ليكون جارية مجرى المنبِهات‬
‫ّ‬
‫كل ِحرفة‬
‫[‪ ]254‬وأنا أزيد عليها فأقول‪ :‬الكمال لذاته محبوب باالستقراء‪ .‬فإ ّن ّ‬

‫الحب على الناقص‪ .‬وكما أ ّن مراتب‬


‫ّ‬ ‫خسيسة أو نفيسة فإ ّن الكامل فيها راجح في‬ ‫‪15‬‬

‫ولما كان الكمال األقصى [ليس إال] هلل‬


‫الحب كثيرة‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫الكمال كثيرة فكذا مراتب‬

‫مرتبتين‪:‬‬
‫الحب ُتفيد حالتين ّ‬
‫ّ‬ ‫شدة‬
‫فالحب الشديد ليس ّإل هلل تعالى‪ .‬ثم إ ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫تعالى‬

‫إ‪ :‬محال‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫س؛ م‪ :‬رحم‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫إ‪ :‬إثباتها‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫إ‪ :‬نفوسنا‪.‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪301‬‬

‫فشدة‬
‫ويدل عليه االستقراء‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫الغفلة عن غير المحبوب وااللتذاذ بإدراك المحبوب‪.‬‬

‫يسمون الغفلة‬
‫بد وأن يورث هاتين الحالتين‪ .‬وأصحاب الذوق ّ‬
‫حب اهلل تعالى ال ّ‬
‫ّ‬
‫كامل‬
‫ً‬ ‫عد‬
‫عما سوى اهلل تعالى فناء‪ .‬وكما [‪ ] 40‬أ ّن الكامل بالنسبة إلى األكمل ال يُ ّ‬
‫أ‬
‫ّ‬
‫الحب‬
‫ّ‬ ‫حبا‪ .‬ولذلك ال يبقى‬
‫يسمى ًّ‬
‫حب األكمل ال ّ‬
‫حب الكامل بالنسبة إلى ّ‬
‫كذلك ّ‬
‫قائل ﴿أال بذكر‬
‫عز من ٍ‬
‫يطمئن القلوب ّإل بذكره كما قال ّ‬
‫ّ‬ ‫الشديد ّإل هلل تعالى‪ 1.‬فال‬ ‫‪5‬‬

‫‪2‬‬
‫تطمئن القلوب﴾‬
‫ّ‬ ‫اهلل‬

‫اللذة‬
‫[‪ ]255‬والذي يظنّه الحكماء من أ ّن العلم باألمور العقلية ك ّلها أسباب ّ‬
‫اللذة ال تحصل ّإل من العلم باهلل تعالى واالستغراق في محبته‪.‬‬
‫العقلية فهو خطأ؛ بل ّ‬
‫ّ‬
‫لما لم يحصل للعقول البشرية ّإل بواسطة العلم بأفعاله فك ّلما كان‬
‫ثم إ ّن العلم باهلل ّ‬
‫العلم بها أكثر واالطّالع على حكمته أتم كان حبه وااللتذاذ بحبه أتم‪ .‬فهذا ما عندي‬ ‫‪10‬‬
‫ّ ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫‪3‬‬
‫في هذا الباب‪ .‬واهلل أعلم بالصواب‪ .‬هذا لفظ اإلمام [رحمه اهلل تعالى]‪.‬‬

‫وأما المقام الثاني فتقريره هو أنّهم قالوا‪ :‬األبدان‪ 4‬البشرية ينعدم بصورها‬
‫[‪ّ ]256‬‬
‫المتفرقة المختلطة بأجزاء‬
‫ّ‬ ‫وأعراضها بالموت وزوال الحياة وال يبقى ّإل الموا ّد العنصرية‬
‫أصل‪ .‬وما ورد به الشرايع من إثبات المعاد الجسماني والل ّذات‬
‫العناصر‪ .‬ثم إنّها ال تعاد ً‬
‫ضربت على ح ّد أفهام الخلق لبيان المعاد‬
‫واآلالم الجسمانية في الدار اآلخرة أمثال ُ‬ ‫‪15‬‬

‫الروحاني وأحوال سعادة النفوس وشقاوتها بعد مفارقة األبدان؛ أل ّن األنبياء [عليهم‬
‫السالم] مبعوثون إلىكافّة الخالئق‪ ،‬وأكثرهم قاصرون عن فهم المعاد الروحاني والكماالت‬
‫الحقيقية والل ّذات العقلية‪ .‬وذلك كاآليات الم ِ‬
‫شعرة بالجهة‪ 5‬والجسمية‪.‬‬ ‫ُ‬

‫س؛ م – تعالى‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫الرعد‪.13/28 :‬‬ ‫‪2‬‬
‫س‪ :‬رحمه‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫بد أن‪.‬‬
‫إ‪ :‬ال ّ‬ ‫‪4‬‬
‫اهلل تعالى‪.‬‬ ‫‪5‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪303‬‬

‫يصح التأويل والصرف عن الظاهر إذا امتنع الحمل على الظاهر‬


‫ّ‬ ‫[‪ ]257‬قلنا‪ :‬إنّما‬
‫كما في اآليات الم ِ‬
‫شعرة بالجهة والجسمية؛ فإ ّن األدلّة العقلية والبراهين القطعية دلّت‬ ‫ُ‬
‫وأما فيما نحن فيه فال قرينة‬
‫على امتناع الجسمية والجهة فوجب صرفها عن الظاهر‪ّ .‬‬
‫فضل عن الدليل القاطع؛ بل أكثر اآليات واألحاديث الواردة‬
‫ً‬ ‫للصرف عن الظاهر‬

‫في ذلك يمتنع حملها على التشبيه والتمثيل‪ .‬يشهد بذلك تتبع كتاب اهلل تعالى وسنّة‬ ‫‪5‬‬
‫ّ‬
‫‪1‬‬
‫رسول اهلل ]صلى اهلل تعالى عليه وسلم[‪.‬‬

‫[‪ ]258‬وشبههم في امتناع المعاد الجسماني كثيرة‪ :‬منها أ ّن المعاد الجسماني ّإما‬
‫يفرق [‪40‬ب] أجزاءها‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بأن يُعدم اهلل تعالى األبدان وأجزاءها بالكلّية ثم يوجدها بعينها أو ّ‬
‫‪2‬‬

‫األول فظاهر‪.‬‬
‫يتضمن إعادة المعدوم بعينه‪ّ .‬أما ّ‬
‫ثم يجمعها ويعيد إليها الحياة‪ .‬وكالهما ّ‬
‫وأما الثاني فأل ّن اإلنسان المعيّن مشارك لسائر الناس في اإلنسانية وممتاز عنهم في تعيّنه‬
‫ّ‬ ‫‪10‬‬

‫كل واحد من األشخاص يجب‬


‫وتش ّخصه‪ .‬وما به االشتراك غير ما به االمتياز‪ .‬فتش ّخص ِّ‬
‫أن يكون زائ ًدا على ما له من اإلنسانية‪ 3.‬وذلك الزائد ال ب ّد أن يكون صفة قائمة به‪ .‬فعند‬
‫تفرق األجزاء ال ب ّد‪ 4‬أن ينعدم تلك الصفة‪ .‬فلو أعاد اهلل تعالى ذلك البدن المش ّخص‬
‫ّ‬
‫وإل لم يكن معي ًدا لذلك الشخص‪ .‬وهو خالف‬
‫فال ب ّد وأن يعيد تش ّخصه الذي انعدم‪ّ ،‬‬
‫المفروض فيلزم إعادة المعدوم بعينه وهي مستحيلة‪.‬‬ ‫‪15‬‬

‫إ‪ :‬عليه السالم‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫س‪ :‬يوجد‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫وهي ما به االشتراك‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫تشخصات‬
‫ّ‬ ‫تشخص زيد عبارة عن‬‫ّ‬ ‫يتضمن إعادة المعدوم بعينه‪ .‬ولم ال يجوز أن يكون‬
‫ّ‬ ‫فإن قيل ال نس ّلم أ ّن الثاني‬ ‫‪4‬‬
‫أجزائه األصلية الباقية من ّأول العمر إلى آخره ويكون تعينات تلك األجزاء باقية بعد التفرق وزوال الحياة والخلقة‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫زيدا من غير أن يكون هناك‬
‫حية فقد أعاد ً‬ ‫والشكل العارضة للمجموع‪ .‬فإذا جمع اهلل تعالى تلك األجزاء وجعلها‬
‫ّ‬
‫إعادة المعدوم بعينه قلنا‪ :‬لو كان األمر على ما ُذكر لكان من الواجب أن يقال (م‪ :‬ال يوجد) عند موت شخص وتفرق‬
‫ّ‬
‫أجزائه النارية والهوائية والمائية واألرضية ‘إنّها عين ذلك الشخص’‪ ،‬إذ لم يُعتبر في شخصيته ّإل تلك األجزاء‬
‫وتشخصاتها التي لم ينعدم شيء منها وأنّه أي هذا المعقول (م‪ :‬ال يوجد) معلوم الفساد بالضرورة‪.‬‬ ‫ّ‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪305‬‬

‫بصحة العود إذ ال ب ّد في الحكم‬


‫يصح الحكم عليه ّ‬
‫[‪ ]259‬أما ّأوًل فأل ّن المعدوم ال ّ‬
‫وإل لكان‬
‫يصح عوده ّ‬
‫بصحة العود من اإلشارة إليه وهي ممتنعة النتفاء الهوية فال ّ‬
‫‪2‬‬ ‫‪1‬‬
‫عليه ّ‬
‫صحيحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بصحة عوده‬
‫الحكم ّ‬

‫وأما ثانيًا فألنّه يستلزم تخلّل العدم بين الشيء ونفسه وهو ضروري االستحالة‪.‬‬
‫[‪ّ ]260‬‬

‫وأما ثالثًا فألنّه لو جاز إعادة المعدوم بعينه أي بجميع مش ّخصاته لجاز إعادة‬
‫[‪ّ ]261‬‬ ‫‪5‬‬

‫غير الموجود‬
‫األول؛ ألنّه من جملتها ضرورة أ ّن الموجود بقيد كونه في هذا الوقت ُ‬
‫وقته ّ‬
‫بقيد كونه في وقت آخر‪ .‬والالزم باطل إلفضائه إلى كون الشيء مبتدأً من حيث إنّه ُمعاد؛‬

‫األول فكذا الملزوم‪.‬‬


‫إذ ال معنى للمبتدأ ّإل الموجود في وقته ّ‬
‫بدل عنه ما‬
‫ابتداء ً‬
‫ً‬ ‫يوجد‬
‫ابعا فألنّه لو جاز إعادة المعدوم بعينه لجاز أن َ‬
‫وأما ر ً‬
‫[‪ّ ]262‬‬
‫يماثله في الماهية وجميع العوارض المش ّخصة؛ أل ّن حكم األمثال واحد‪ .‬والالزم باطل‬ ‫‪10‬‬

‫الستلزامه عدم التميّز بين المبتدأ والمعاد؛ أل ّن المفروض اشترا ُكهما في الماهية وجميع‬

‫العوارض‪.‬‬

‫[‪ ]263‬والجواب أنّا ال نس ّلم امتناع إعادة المعدوم بعينه‪ .‬وما ُذكر من الوجوه‬

‫على بطالنه فمدفوع‪.‬‬

‫بصحة‬
‫ّ‬ ‫يصح الحكم عليه‬
‫ّ‬ ‫[‪ّ ]264‬أما األول فألنّا ال نس ّلم أ ّن المعدوم ال‬ ‫‪15‬‬

‫بد من الحكم عليه من اإلشارة إليه وهي ممتنعة النتفاء‬


‫العود‪ .‬قوله ‘إذ ال ّ‬

‫الهوية’ قلنا‪ :‬إن أريد انتفاء الهوية مطل ًقا في الخارج وفي الذهن فممنوع‪.‬‬

‫أي العقلية‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – إليه‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪307‬‬

‫وإن أريد في الخارج [‪41‬أ] فمس َّلم لكن ال يلزم من انتفاء الهوية في الخارج امتناع‬
‫اإلشارة إليه‪ .‬فإ ّن التميز والثبوت عند العقل ٍ‬
‫كاف في اإلشارة العقلية وهي كافية في‬
‫ّ‬
‫صحة الحكم‪ .‬واالحتياج إلى الثبوت العيني إنّما هو عند ثبوت الصفة في الخارج‪.‬‬
‫ّ‬
‫بصحة العود النتفاء اإلشارة إليه النتفاء هويته ال يستلزم‬
‫ّ‬ ‫ولو س ّلم فامتناع الحكم عليه‬

‫حكم عليه‬
‫متصور أويُ َ‬
‫يتصوره ّ‬
‫ّ‬ ‫امتناع العود لجواز وقوعه بتأثير الفاعل من غير أن‬ ‫‪5‬‬

‫بشيء من األحكام‪.‬‬

‫[‪ ]265‬و ّأما الثاني فألنّا ال نس ّلم لزوم تخ ّلل العدم بين الشيء و نفسه بحسب‬

‫موجودا في زمان ثم زال عنه‬


‫ً‬ ‫الوقتين‪ .‬فإنّه ال معنى لتخ ّلل العدم ههنا سوى أنّه كان‬

‫ذلك الوجود في زمان آخر ثم اتّصف به في زمان ثالث‪ .‬ومآله راجع إلى تخ ّلل العدم‬

‫اعتبار التغاير‬
‫ُ‬ ‫مجازا كفاه‬
‫ً‬ ‫اعتبر نسبة هذا التخ ّلل إلى العدم‬
‫بين زماني وجوده‪ .‬وإذا ُ‬ ‫‪10‬‬

‫في الوجود بحسب زمانيه‪.‬‬

‫كل أحد‬
‫المشخصات‪ .‬فإ ّن ّ‬
‫ّ‬ ‫وأما الثالث فألنّا ال نس ّلم كون الوقت من‬
‫[‪ّ ]266‬‬
‫يقطع بأ ّن ثيابه وكتبه اليوم هي‪ 1‬بعينها التي كانت باألمس‪ 2‬حتى إ ّن من زعم خالف‬

‫ذلك نُسب إلى السفسطة‪.‬‬

‫وأما الرابع فألنّا ال نس ّلم الشرطية؛‪ 3‬بل وجود المثل بالمعنى المذكور محال؛‬
‫[‪ّ ]267‬‬ ‫‪15‬‬

‫التشخص الواحد مشتر ًكا‬


‫ّ‬ ‫بتشخص واحد فيكون‬
‫ّ‬ ‫يتشخص شخصان‬
‫ّ‬ ‫إذ يلزم منه أن‬
‫َ‬
‫التوحد المانع من الشركة مطل ًقا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫التشخص‬
‫ّ‬ ‫تشخصان؛‪ 4‬أل ّن معنى‬
‫بينهما فال يكون ّ‬

‫إ‪ :‬معي‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ‪ :‬باالسيس‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي مالزمتها‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫تشخ ًصا‪.‬‬
‫ّ‬ ‫س‪:‬‬ ‫‪4‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪309‬‬

‫[‪ ]268‬فإن قلت‪ :‬الحكم بامتناع إعادة المعدوم ضروري‪ .‬وما ُذكر من الوجوه في‬

‫جم غفير من‬


‫منعها‪ ،‬قلنا‪ :‬ممنوع‪ .‬كيف وقد قال بجوازه ٌّ‬
‫يضر ُ‬ ‫صورة األدلّة تنبيهات ال‬
‫ّ‬
‫العقالء؟ ودعوى الضرورة فيما خالف فيه الجم الغفير من العقالء غير مسموعة‪ .‬ثم‬
‫َّ‬
‫إن س ّلمنا امتناع إعادة المعدوم بعينه ولكن من المحتمل أن يقال اإلنسان هو األجزاء‬

‫المسماة‬
‫ّ‬ ‫جدا‪ ،‬وهي‬
‫األصلية الباقية من ّأول الحياة إلى الممات‪ .‬وتلك األجزاء قليلة ًّ‬ ‫‪5‬‬

‫بالروح‪ .‬فعند حضور الموت بأمر اهلل تعالى المالئكة تقبِض تلك األجزاء التي هي‬

‫وتبدل وتغير في صفاتها‪ .‬فال يلزم إعادة‬


‫تفرق ّ‬ ‫اإلنسان بالحقيقة من غير أن يقع فيها‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أصل‪.‬‬
‫المعدوم [‪41‬ب] ً‬

‫وجزءا من بدنه كما يقع في أيّام‬


‫ً‬ ‫[‪ ]269‬ومنها أنّه لو أكل إنسان إنسا ًنا وصار غذاء‬

‫تأملت ظاهر التربة المعمورة‬


‫القحط بل نقول ال حاجة فيه إلى هذا الفرض؛ فإ َنك إذا ّ‬
‫ْ‬ ‫‪10‬‬

‫وأيضا‬
‫ً‬ ‫الدواب وأكلناها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫علمت أ ّن ترابها جثث الموتى قد ُجعل منها النبات وأكله‬

‫قد ُزرع فيها و ُغرس ثم حصلت منها الفواكه والحبوب فأكلناها‪ .‬فاألجزاء المأكولة‬

‫وأيا ما كان ال يكون أحدهما بعينه‬


‫ّإما أن تعاد في بدن اآلكل أو في بدن المأكول‪ًّ .‬‬
‫كل منهما‪ ،‬والعلم به ضروري‪ .‬وال‬
‫جزءا من ّ ٍ‬
‫وأيضا ال سبيل إلى جعلها ً‬
‫معادا بتمامه‪ً .‬‬
‫ً‬
‫جزءا من بدن أحدهما دون اآلخر‪ .‬بقي أن ال يجعل جزء الشيء من‬
‫أولوية بجعلها ً‬ ‫‪15‬‬

‫ذينك البدنين‪ .‬وذلك يُبطل اإلعادة بمعنى جمع األجزاء‪.‬‬


‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪311‬‬

‫المعاد هو األجزاء األصلية الباقية من ّأول العمر إلى آخره‪.‬‬


‫[‪ ]270‬والجواب أ ّن ُ‬
‫جزءا من المأكول من غير لزوم فساد‪.‬‬
‫واألجزاء المأكولة فضلة في اآلكل ُفتجعل ً‬
‫‪1‬‬

‫منيا في اآلكل‬
‫دما ثم ًّ‬
‫فإن قيل يجوز أن تكون األجزاء األصلية من المأكول استحال ً‬
‫‪3‬‬ ‫‪2‬‬

‫ويحصل منه مولود فتكون األجزاء األصلية من المأكول أجزاء أصلية لذلك المولود‬

‫فلعل اهلل يحفظ األجزاء‬


‫ّ‬ ‫فيعود المحذور‪ ،‬قلنا‪ :‬ال فساد في األجزاء بل في الوقوع‪،‬‬ ‫‪5‬‬

‫األصلية لشخص من أن يصير أجزاء أصلية لشخص آخر‪.‬‬

‫لصح أن يكون اإلنسان من‬


‫ّ‬ ‫صحت اإلعادة بالتفسير المذكور‬
‫[‪ ]271‬ومنها أنّه لو ّ‬

‫وأما بطالن التالي فألنّه‬


‫فالمقدم مثله‪ّ .‬أما الشرطية فظاهرة‪ّ .‬‬
‫ّ‬ ‫وأم‪ .‬والتالي باطل‬
‫غير أب ّ‬

‫واألم‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تكونه ال من األب‬
‫كل إنسان تراه أن يكون ّ‬
‫لو جاز ذلك في الجملة لجاز في ّ‬

‫وذلك سفسطة ظاهرة‪.‬‬ ‫‪10‬‬

‫وأيضا نحن نعلم بالضرورة أ ّن العناصر ما لم تستحل في األطوار بأن‬


‫ً‬ ‫[‪]272‬‬

‫صالحا ألن يكون غذاء لإلنسان‬


‫ً‬ ‫نباتا‬
‫نباتا ثم يأكله الحيوان ثم يأكله اإلنسان أو ً‬
‫تصير ً‬

‫منيا ثم يقع في رحم آدمية ثم يصير فيها مضغة ثم‬


‫دما ثم ًّ‬
‫ثم يأكله ويستمرئه فيصير ً‬

‫علقة ال يصير إنسان‪.‬‬

‫س‪ :‬فضل‪.‬‬ ‫‪1‬‬


‫إ – من‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫أي انقلب‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪313‬‬

‫[‪ ]273‬والجواب عنه أنّا ال نس ّلم بطالن التالي‪ .‬قوله ّأوال لو جاز ذلك في الجملة‬

‫كل إنسان [‪42‬أ] تراه‬


‫كل إنسان تراه قلنا‪ :‬إن أريد بالجواز في قوله لجاز في ّ‬
‫لجاز في ّ‬

‫تردد الذهن فممنوع‪ .‬فإ ّن النفس‬


‫اإلمكان الذاتي فمس ّلم وال سفسطة فيه‪ .‬وإن أريد ّ‬
‫‪1‬‬
‫َ‬

‫واألم‪ .‬فإذا خرق‬


‫ّ‬ ‫تكونت من األب‬
‫قد علمت بالعادة أ ّن األناسي الموجودة اآلن إنّما ّ‬
‫وأم سلب‪ 2‬هذا العلم عن العقل وال يخلقه‪.‬‬
‫اهلل تعالى العادة بإيجاده من غير أب ّ‬ ‫‪5‬‬

‫[‪ ]274‬وقوله ثانيا نحن نعلم بالضرورة أن العناصر ما لم تستحل في األطوار بأن‬
‫ً‬
‫تصير نباتا إلى آخره‪ ،‬ممنوع‪ .‬بل المعلوم لنا هو أ ّن العناصر إذا استحالت في األطوار‬

‫فلعل هناك‬
‫ّ‬ ‫وأما أنّه ال يكون ّإل بهذا الطريق فال علم لنا به‪.‬‬
‫المذكورة تصير إنسا ًنا‪ّ .‬‬
‫متعددة ال نعلمها لعدم مشاهدتنا إياها‪ .‬وقد ورد في بعض األخبار‬
‫طري ًقا آخر أو طر ًقا ّ‬

‫الن ّطف ويختلط بالتراب‪ .‬فال يبعد‬ ‫ٍ‬


‫قطرات تشبه ُّ‬ ‫األرض مطر في وقت البعث‬
‫َ‬ ‫أنّه يعم‬ ‫‪10‬‬
‫ٌ‬ ‫ّ‬
‫أن يكون في األسباب اإللهية أمور جارية مجرى ما ُذكر؛ فإ ّن في خزانة المقدورات‬

‫غرائب وعجايب ال يعلمها ّإل اهلل سبحانه وتعالى‪ .‬وليس إنكاره إال كإنكار سائر‬

‫األمور الثابتة الوجود الخفية األسباب كالسحر والنيرنجات‪ 3‬والطلسمات‪ .‬وليكن‬


‫ّ‬
‫هذا آخر الرسالة‪42[ .‬ب]‬

‫كل إنسان إلى آخره‪.‬‬


‫لتردد في ّ‬
‫فالمعنى لو جاز ذلك في الجملة ّ‬ ‫‪1‬‬
‫س؛ م‪ :‬ا سلب‪.‬‬ ‫‪2‬‬
‫المسماة بالوفق‪.‬‬ ‫‪3‬‬
‫‪315‬‬ ‫‪YİRMİ İKİNCİ FASIL - Tehâfüt Özeti‬‬ ‫ءامكحلا تفاهت صيخلت‬ ‫‪315‬‬

‫شوال من سنة ثمان وثـالثين ومائة وألف‪،‬‬


‫شرعت في جمعه وترتيبه في شهر ّ‬
‫ُ‬ ‫قد‬
‫‪1‬‬
‫الحجة الشريفة من تلك السنة بعون اهلل تعالى وتوفيقه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫وخـتمته في ُغرة ذي‬
‫ّ‬
‫صحتها في سنة‬
‫ّ‬ ‫المعتمد على‬
‫َ‬ ‫استنسخت هذه النسخة من نسخة المؤلّف‬
‫ُ‬ ‫وقد‬

‫الحجة الشريفة‪ ،‬تم‪.‬‬


‫ّ‬ ‫‪ 1139‬وشهر ذي‬
‫ّ‬

‫وتوفيقه‪.‬‬ ‫إ–‬ ‫‪1‬‬

You might also like