‫‪ ‬سوسيولوجية المؤسسة عند بيير بورديو‪:‬‬

‫فحس اللعب ه و التحكم العملي في العالق ات بين فع ل اللعب االس تراتيجي والتوزيعي ة‬
‫األولى لورق اللعب من أجل انطالق رأسمال‪ ،‬إنه يورط اإلدراك بواسطة الهابيتوس حتى‬
‫يميزه ا عن المالمح الناطق ة لوض عية اللعب (مؤش رات الرأس مال ال ذي يح وزه الالعب ون‬
‫اآلخ رون)‪ ،‬فهي حساس ية للعام ل االس تراتيجي من منظ ور ال ذات الفردي ة كم ا لمؤسس ة‬
‫العائل ة (ذات جماعي ة)‪ ،‬ف اغرا ق ات اللعب هي نفس ها تابع ة لموقع ه‪ ،‬إذ ال تختل ف‬
‫إستراتيجيات الهابيتوس ليس فقط عن تلك المتعلقة بنموذج العامل العقالني ألنها ال تورط‬
‫التق دير ال واعي‪ ،‬إنه ا ب ذلك تتم يز بالق در ذات ه‪ ،‬ألنه ا تخ ون راب ط ه ذه المواق ف ال تي تم‬
‫اتخاذها مع المواقف المشغولة حقليا‪.1‬‬

‫يتج ه بيير بورديو في كتاب ه العنف الرمزي ‪ :‬أما الفكرة التي تقول بوجود نشاط تربوي‬
‫يم ارس دون س لطة تربوي ة‪ ،‬فتبقى بم ا هي مناقض ة من الوجه ة المنطقي ة‪ ،‬غ ير ممكن ة في‬
‫رح اب علم االجتم اع‪ ،‬ذل ك أن أي نش اط ترب وي يه ذف إلى الكش ف من خالل ممارس ته‬
‫نفسها عن الحقيقة الموضوعية كنشاط عنفي‪ ،‬مدمرا بذلك أساس سلطة الفاعل التربوية‪ ،‬إذ‬
‫ال يخل وا أن يك ون نوع ا من الت دمير ال ذاتي وهك ذا نج د أنفس نا هن ا أم ام مفارق ة أبيميني د‬
‫‪ Epiménide‬الكذاب وان بصيغة جديدة‪«:‬إما إنك تعتقد أني ال أكذب عندما أقول لك أن‬
‫التربية عنف وأن تعاليمي غير شرعية وعنذئذ ال يمكنك أن تصدقني وإ ما أنك تعتقد أني‬
‫أك ذب وتع اليمي ش رعية‪ ،‬وال يمكن ك أيض ا والح ال ه ذه أن تص دقني حين أق ول أن التربي ة‬
‫عنف‪.2‬‬

‫فبم وجب ه ذا اله ابيتوس الن اتج عن تفاع ل ال ذات والموض وع (الف رد والبن اء) ف إن الن اس‬
‫ينخرط ون في سلس لة من خط ط االس تدماج ال تي من خالله ا ي دركون ويفهم ون ويقيم ون‬
‫ع المهم االجتم اعي‪ ،‬إذ يعمل ون في آن واح د على إنت اج ممارس اتهم وي دركونها ويق درونها‬

‫‪ - 1‬ستيفان شوفالييه‪ .‬كريستيان شوفيري‪ .‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪31‬‬

‫‪ - 2‬بيير بورديو‪ .‬العنف الرمزي‪ -‬بحث في أصول علم االجتماع التربوي‪ ،‬ترجمة‪:‬نظير جاهل‪ ،‬المركز‬
‫الثقافي العربي‪،‬ط‪ ،1‬بيروت‪ ،‬لبنان‪ ،1994 :‬ص ‪18‬‬
‫وكم ا يوض ح ج ورج ري تزر‪ Ritzer‬بعب ارة أخ رى‪ ،‬اله ابيتوس ه و إنت اج عملي ة اس تبطان‬
‫بناءات العالم االجتماعي دياليكتيكيا‪.3‬‬

‫يقول بورديو‪ :‬لقد طورت مفهوم الهابيتوس للدمج بين البنى الموضوعية للمجتم ع واألدوار‬
‫الذاتية لألفراد الذين يعيشون فيه‪ ،‬إن الهابيتوس هو مجموعة من اإلستعدادات وصور من‬
‫الس لوك يكتس بها األف راد من خالل التفاع ل في المجتم ع‪ ،‬إذ يعكس ه ذا المفه وم مختل ف‬
‫األوضاع التي يشغلها الناس حقليا‪.4‬‬

‫من هنا يالحظ آالن تورينـ في كتابه‪« :‬نقد الحداثة» أن عمل بورديو له الفضل في الكشف‬
‫عن آليات القمع في مناطق تبتعد عن السلطة بمعناها التقليدي حيث هذا العمل يكتسب سمة‬
‫نقدي ة ال تعرف التواطؤ مع أوهام المجتمع الح ديث ولكنها تبقى مشكلة أنها تس ُّد الطريق‬
‫أمام إمكانيات التغيير‪.5‬‬

‫إّن المفه وم المتع دد ألش كال الرأس مال المؤس س من ل دن بي ير بوردي و يس مح ببن اء نم ط‬
‫تصور يكشف البنية مباشرة ونسق العالقة‪ ،‬ثم التبعية تصور يكشف البنية مباشرة ونسق‬
‫العالقة‪ ،‬ثم تبعية الكل كونه اجتماعي‪ ،‬وهكذا ففي مكان الصورة الهرمية المقترحة عموما‪،‬‬
‫ينبغي أن يكون المجتمع مدركا كفضاء متعدد األبعاد فضاء االختالفات بين الشكل والحجم‬
‫العام للرأسمال الّل ذين يجددان مراكز يشغلها هذا الفاعل أو ذاك‪ ،‬إن فهم منطق التأثيرات‬
‫الرمزي ة للمواق ع والم وارد يتم الحص ول علي ه ع بر اللج وء إلى «اقتص اد ال ثروات‬
‫الرمزية»‪.6‬‬

‫إن الس ؤال الموه وم عن ده ش به للس ؤال ال ذي يفتح الج دل ح ول أص ل العق د االجتم اعي أو‬
‫الوض عية م ا قب ل – اللغ ة كم ا ت بين لن ا من خالل مفارق ة ‪ Euthydéme‬ال تي تس تند إلى‬

‫‪ - 3‬محمد عبد الكريم الحوراني‪ .‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪80‬‬

‫‪ - 4‬حسني إبراهيم عبد العظيم‪ .‬الجسد والطبقة ورأس المال الثقافي‪ ،‬قراءة في سوسيولوجيا بيير بورديو‪،‬‬
‫إضافات المجلة العربية لعلم االجتماع‪ ،‬العدد الخامس عشر‪ ،‬صيف ‪ ،2011‬بيروت‪ ،‬لبنان ‪ ،‬ص‪61‬‬

‫‪ - 5‬محمد عبد الكريم الحوراني‪ .‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪82‬‬

‫‪ - 6‬ستيفان شوفالييه‪ .‬كريستيان شوفيري‪ .‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪165‬‬

‫مسلمة خفية تقول بوجود نشاط تربوي دون سلطة تربوية‪ ،‬ما تعرفه لست بحاجة لتعلمه‬
‫وما ال تعرفه لن تستطيع أن تتعلمه‪ ،‬ألنك ال تعرف ماذا عليك أن تتعلم‪.7‬‬

‫ل ذلك ف إن مص طلح الهابيتوسـ يس تخدم في الدالل ة على مجم وع االس تعدادات الجس دية‬
‫والذهني ة الدائم ة ال تي ت ترتب على عملي ة التنش ئة االجتماعي ة للف رد ال تي تعم ل باعتباره ا‬
‫نظام ا للخط ط المول دة ‪ Génératives‬فهي مول دة الس تراتيجيات تك ون مطابق ة لمص الح‬
‫واضعيها‪.8‬‬

‫كما يقدم بيير بورديو في كتابه التمييز ‪ Distinction‬كمفهوم يعبر عن خاصية عالئقية ال‬
‫توج د إال في الص لة م ع خص ائص أخ رى‪ ،‬فالف ارق هن ا يش كل مفه وم المك ان بال ذات (أو‬
‫الحقل) أي جملة أوضاع متميزة يواكب ويحدد بعضها بعضا‪ ،‬متن حيث سمتها الخارجية‬
‫المتبادلة وبعالقات القرب والجوار أو البعد وكذلك بعالقات ترتيب مثل فوق‪ /‬تحت‪ /‬بين‪.9‬‬

‫ففي نظر بيير بورديو مفهوم الرأسمال الرمزي يرتكز على الذيوع واالنتشار ‪publicité‬‬
‫واالستحس ان ‪appréciation‬إن ه يرتب ط بالهيب ة والس معة والش رف ال تي تالقي تق ديرا من‬
‫اآلخ رين ويمكن اعتب ار رأس مال الرم زي من الش رف والهيب ة‪ ،‬إذ يتطلب تراكم ه جه دا‬
‫متواصال من أجل الحفاظ على العالقات التي تؤدي إلى اإلستتمار المادي والرمزي له‪.10‬‬

‫م اركس‪ /‬أنجل ز‪ :‬يتض ح أن اإلط ار الع ام للنظري ة الماركس ية ح ول المجتم ع الطبقي‬

‫والص راع الطبقي‪ ،‬يتض من آراء م اركس للبيروقراطي ة إذ رب ط بينه ا وبين المجتم ع من‬
‫حيث الظه ور واالختف اء وأن ه باختف اء المجتم ع الطبقي كم ا زعم م اركس‪ ،‬ستص بح‬
‫البيروقراطية مفهوما غير ذي معنى‪ ،‬ورغم أن ماركس لم يقدم نظرية لدراسة التنظيم‪ ،‬إال‬
‫أنه أشار إلى ظاهرة هامة جدا ترتبط باألفراد كأعضاء داخل التنظيم وخاصة العمال وذلك‬
‫عن دما أش ار إلى العالق ة بين التنظيم واالغ تراب وأن ظ روف العم ل داخ ل المجتم ع‬

‫‪ - 7‬بيير بورديو‪ .‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪32‬‬

‫‪ - 8‬حسني ابراهيم عبد العظيم‪ .‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪.61‬‬

‫‪ - 9‬محمد عبد الكريم الحوراني‪ .‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪79‬‬

‫‪ - 10‬حسني ابراهيم عبد العظيم‪ .‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪66‬‬

‫الرأس مالي‪ ،‬ت ؤدي إلى ش عور العم ال ب االغتراب نتيج ة عملي ة تقس يم العم ل وس يطرة‬
‫الرأسمالية على وسائل اإلنتاج‪.11‬‬

‫لكننا لو اس تطلعنا التاريخ االقتص ادي لوج دنا أن استعمالـ الرأس مالية في المعنى العريض‬
‫للكلم ة لم يكن إلى في بداي ة الق رن العش رين‪ ،‬حيث يمكن الع ودة في ه ذا المض مار إلى‬
‫مؤل ف ش هير ظه ر س نة ‪ 1902‬وارنر س ومبارت ‪ Warnner Sombart‬بعن وان‪Der :‬‬
‫‪ modern Kapitalisme‬إّن ه ذه المف ردة الرأس مالية ال تي تجاهله ا عملي ا كارلـ م اركس‪،‬‬
‫نعود ونرتكب أسوء الخطايا باللجوء إليها اليوم بدل إعادتها إلى سياقها التاريخي الطبيعي‪،‬‬
‫لقد دل بعض المؤرخين على أنه ال وجود للرأسمالية قبل الثورة الصناعية‪ ،‬لقد كان هناك‬
‫رأس مال وليس رأسمالية‪.12‬‬

‫‪ -‬لقد أظهر ماركس وأنجلز إطارا آخر تضمن االعتقاد بأن المجتمعات األولى كانت شيوعية‬

‫يتقاس مون أعض اءها الم وارد فيم ا بينهم دون وج ود أي تفك ير في الملكي ة الفردي ة‪ ،‬إال أّن‬
‫التط ور التقني س مح بإنت اج فوائ د من البض ائع ال تي ك ان يمكن مص ادرتها واس تخدامها من‬
‫قبل بعض األفراد لتعزيز سيطرتهم ونفوذهم في المجتمع مما ولد طبقة مميزة من النخبة‬
‫عملت فيما بعد على تشكيل بنية من القوة ألجل المحافظة على سلطتها وثروتها‪.13‬‬
‫‪ -‬تع د الملكي ة الخاص ة لعناص ر اإلنت اج وم ا يتفرع عنه ا من حقوق كح ق ال بيع واالنتف اع وحق‬
‫اإلرث وحرية التصرف بها من أهم سمات النظام الرأسمالي فلألفراد والشركات الخاصة‬
‫بأنواعه ا المتع ددة وال تي تمتل ك األراض ي والم زارع والمب اني والمص انع ووس ائل النق ل‬
‫المختلف ة‪ ،‬تحت حماي ة ق انون الملكي ة الخ اص‪ ،‬كم ا أن حري ة التص رف ب األمالك محمي ة‬
‫أيضا بالقوانين والتشريعات المختلفة‪ ،‬سواء كانت مملوكة من قبل أصحابها أو مؤجرة أو‬
‫تم التنازل عنها من فرد أو مؤسسة لآلخرين‪.14‬‬

‫‪ - 11‬اعتماد محمدعالم‪ .‬نفس المرجع السابق‪194 ،‬‬

‫‪ - 12‬فرناند برودل ‪ .‬ديناميكية الرأسالية‪ ،‬دار الكتاب الجديدة المتحدة‪ ،‬ط‪ ،1‬ترجمة شفيق محسن‪ ،‬المملكة‬
‫المتحدة‪ ،2010 ،‬ص ‪43‬‬

‫‪ - 13‬ريتشارد آتش‪ .‬نفس المرجع السابق‪ ،‬ص ‪198‬‬

‫‪ - 14‬رضا صاحب أبو حمد‪ .‬الخطوط الكبرى في االقتصاد الوضعي‪ ،‬دار مجدالوي للنشر والتوزيع‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫عمان‪ ،‬األردن‪ ،2006 :‬ص ‪38‬‬