Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫تعديل نظام الطعن باالستئناف‬

‫‪ -‬مدخل أساسي إلصالح قانون املسطرة املدنية املغربي‪-‬‬


‫ﺗﻌﺪﻳﻞ ﻧﻈﺎﻡ ﺍﻟﻄﻌﻦ ﺑﺎﻻﺳﺘﺌﻨﺎﻑ ‪ :‬ﻣﺪﺧﻞ ﺍﺳﺎﺳﻲ ﻻﺻﻼﺡ ﻗﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺴﻄﺮﺓ ﺍﻟﻤﺪﻧﻴﺔ‬ ‫ﺍﻟﻌﻨﻮﺍﻥ‪:‬‬
‫الدكتور عبد العزيز حضري‬ ‫ﺍﻟﻤﻐﺮﺑﻲ‬
‫ﻣﺠﻠﺔ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ‪ -‬ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ‬ ‫ﺍﻟﻤﺼﺪﺭ‪:‬‬
‫أستاذ التعليم العايل‬ ‫ﺣﻀﺮﻱ‪ ،‬ﻋﺒﺪﺍﻟﻌﺰﻳﺰ‬ ‫ﺍﻟﻤؤﻟﻒ ﺍﻟﺮﺋﻴﺴﻲ‪:‬‬

‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬ ‫ﻉ‪9,10‬‬ ‫ﺍﻟﻤﺠﻠﺪ‪/‬ﺍﻟﻌﺪﺩ‪:‬‬


‫ﻧﻌﻢ‬ ‫ﻣﺤﻜﻤﺔ‪:‬‬
‫واالجتماعية بوجدة‬
‫‪2010‬‬ ‫ﺍﻟﺘﺎﺭﻳﺦ ﺍﻟﻤﻴﻼﺩﻱ‪:‬‬
‫ﻣﺎﻳﻮ‬ ‫ﺍﻟﺸﻬﺮ‪ :‬مقدمة‪:‬‬
‫‪153 - 162‬‬ ‫ﺍﻟﺼﻔﺤﺎﺕ‪:‬‬
‫خاطب اخلليفة عمر بن اخلطاب أحد قضاته مبناسبة توليته القضاء بقوله "وال مينعك قضاء قضيته‬
‫‪592625‬‬ ‫ﺭﻗﻢ ‪:MD‬‬
‫ﻭﻣﻘﺎﻻﺕ فيه لرشدك أن تراجع احلق‪ ،‬فاحلق قدمي ال يبطله شيء‪ ،‬ومراجعة‬
‫ﺑﺤﻮﺙ‪ ،‬فهديت‬
‫ابألمس فراجعت فيه نفسك‬
‫ﻧﻮﻉ ﺍﻟﻤﺤﺘﻮﻯ‪:‬‬
‫‪ACI, IslamicInfo‬‬
‫ﺍﻟﻤﻌﻠﻮﻣﺎﺕ‪:‬من التمادي يف الباطل" ‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ﻗﻮﺍﻋﺪ احلق خري‬
‫ﺍﻟﻤﻐﺮﺏ‪ ،‬ﺍﻟﻄﻌﻦ ﻋﻠﻰ ﺍﻻﺣﻜﺎﻡ‪ ،‬ﻗﻀﺎﺀ ﺍﻻﺳﺘﺌﻨﺎﻑ‪ ،‬ﺍﻟﻘﺎﻧﻮﻥ ﺍﻟﻤﺪﻧﻲ‪ ،‬ﺍﻻﺻﻼﺡ ﺍﻟﻘﻀﺎﺋﻲ‬ ‫ﻣﻮﺍﺿﻴﻊ‪:‬‬
‫‪ http://search.mandumah.com/Record/592625‬إحقاق احلق والعدالة‪ ،‬ألن‬
‫جتسد هذه العبارة على قدمها غاية مراجعة األحكام القضائية‪ ،‬أال وهي‬ ‫ﺭﺍﺑﻂ‪:‬‬

‫القضاء عمل بشري جمبول على اخلطأ ابلفطرة‪ ،‬وانزع إىل اجملاملة ابلتمدن واملؤانسة‪ ،‬وموسوم ابالختالف‬
‫تبعا لقدرات الفهم واإلدراك والدفاع‪ ،‬املتفاوتة بني الناس (‪.)2‬‬

‫(‪)1‬من رسالة سيدان عمر بن اخلطاب إىل أيب موسي األشعري قاضي الكوفة‪ ،‬انظر النص الكامل عند املاوردي يف األحكام السلطانية ص ‪17‬‬
‫وعند اجلاحظ يف البيان والتبني ‪ -‬اجلزء الثاين ‪ -‬ص ‪ ،34‬وشرحها ابن القيم يف أعالم املوقعني‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ص ‪ ،89‬وابن فرحون يف تبصرة‬
‫احلكام‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫وانظر أيضا‪ :‬أمحد سحنون‪ :‬رسالة القضاء ألمري املؤمنني عمر يف اخلطاب‪ .‬توثيق‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ ،‬أطروحة دكتوراه الدولة‪ ،‬دار احلديث احلسنية‬
‫الرابط ‪.7891‬‬
‫(‪) 2‬روى اإلمام البخاري يف صحيحه من كتاب األحكام عند ابب موعظة اإلمام للخصوم قال‪ :‬حدثنا عبد هللا بن مسلمة عن مالك عن‬
‫هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن زينب ابنة أيب سلمة‪ ،‬عن أم سلمة رضي هللا عنها‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال "إمنا أان بشر‪ ،‬وانكم ختتصمون‬
‫إيل‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون أحلن حبجته من بعض‪ ،‬فأقضى على حنو ما أمسع‪ ،‬فمن قضيت له حبق أخيه شيئا فال أيخذه‪ ،‬فإمنا أقطع له قطعة‬
‫© ‪ 2016‬ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪ .‬ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪.‬‬
‫ﻣﺘﺎﺣﺔ‪ .‬ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ‪ ،‬ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ‪ .‬ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ‬ ‫من النار"‬
‫ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ‬
‫ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ‪ ،‬ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ‬
‫ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ‪.‬‬
‫تعديل نظام الطعن باالستئناف‬

‫‪ -‬مدخل أساسي إلصالح قانون املسطرة املدنية املغربي‪-‬‬


‫الدكتور عبد العزيز حضري‬
‫أستاذ التعليم العايل‬
‫كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية بوجدة‬
‫مقدمة‪:‬‬
‫خاطب اخلليفة عمر بن اخلطاب أحد قضاته مبناسبة توليته القضاء بقوله "وال مينعك قضاء قضيته‬
‫ابألمس فراجعت فيه نفسك‪ ،‬فهديت فيه لرشدك أن تراجع احلق‪ ،‬فاحلق قدمي ال يبطله شيء‪ ،‬ومراجعة‬
‫احلق خري من التمادي يف الباطل"(‪.)1‬‬
‫جتسد هذه العبارة على قدمها غاية مراجعة األحكام القضائية‪ ،‬أال وهي إحقاق احلق والعدالة‪ ،‬ألن‬
‫القضاء عمل بشري جمبول على اخلطأ ابلفطرة‪ ،‬وانزع إىل اجملاملة ابلتمدن واملؤانسة‪ ،‬وموسوم ابالختالف‬
‫تبعا لقدرات الفهم واإلدراك والدفاع‪ ،‬املتفاوتة بني الناس (‪.)2‬‬

‫(‪)1‬من رسالة سيدان عمر بن اخلطاب إىل أيب موسي األشعري قاضي الكوفة‪ ،‬انظر النص الكامل عند املاوردي يف األحكام السلطانية ص ‪17‬‬
‫وعند اجلاحظ يف البيان والتبني ‪ -‬اجلزء الثاين ‪ -‬ص ‪ ،34‬وشرحها ابن القيم يف أعالم املوقعني‪ ،‬اجلزء األول‪ ،‬ص ‪ ،89‬وابن فرحون يف تبصرة‬
‫احلكام‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫وانظر أيضا‪ :‬أمحد سحنون‪ :‬رسالة القضاء ألمري املؤمنني عمر يف اخلطاب‪ .‬توثيق‪ ،‬دراسة وحتقيق‪ ،‬أطروحة دكتوراه الدولة‪ ،‬دار احلديث احلسنية‬
‫الرابط ‪.7891‬‬
‫(‪) 2‬روى اإلمام البخاري يف صحيحه من كتاب األحكام عند ابب موعظة اإلمام للخصوم قال‪ :‬حدثنا عبد هللا بن مسلمة عن مالك عن‬
‫هشام‪ ،‬عن أبيه‪ ،‬عن زينب ابنة أيب سلمة‪ ،‬عن أم سلمة رضي هللا عنها‪ ،‬أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال "إمنا أان بشر‪ ،‬وانكم ختتصمون‬
‫إيل‪ ،‬ولعل بعضكم أن يكون أحلن حبجته من بعض‪ ،‬فأقضى على حنو ما أمسع‪ ،‬فمن قضيت له حبق أخيه شيئا فال أيخذه‪ ،‬فإمنا أقطع له قطعة‬
‫من النار"‪.‬‬
‫جملة احلقوق املغربية‪ :‬وجهة نظر‬ ‫‪451‬‬

‫والزالت التشريعات الوضعية مؤمنة هبذه الغاية ساعية إليها‪ ،‬ابحثة عن أفضل سبل حتقيقها‪ ،‬رغم‬
‫الصعوابت اليت تعرتض طريقها‪ ،‬والناجتة عن التطور الذي عرفته النظم القانونية‪ ،‬واملفاهيم املستحدثة لدور‬
‫القضاء يف اجملتمع‪.‬‬
‫وقد كان القضاء قدميا بسيطا يف إجراءاته ال يتدخل إال بقرار حاسم ينهي النزاع‪ ،‬وينفذ فورا وال يقبل‬
‫التظلم إال اندرا‪ ،‬حتقيقا للعدالة السريعة‪ ،‬فأصبحت كثرة اإلجراءات واألوامر القضائية ميزة القضاء احلديث‪،‬‬
‫وغدت املماطالت واحليل املسطرية للمتقاضني آفة اجتماعية حقيقية‪ ،‬حتول معها حق الطعن يف أحكام‬
‫القضاء من طريق لتحقيق العدالة (‪ )3‬إىل وسيلة لعرقلتها‪ ،‬فأصبح التنظيم واجبا‪.‬‬
‫ويف إطار هذا التنظيم‪ ،‬عمدت التشريعات املسطرية إىل تنويع طرق الطعن‪ ،‬مراعية تدرج مراتب‬
‫القضاة‪ ،‬واختالف أنواع جتربتهم‪ ،‬وتبيان أوضاع املتظلمني من أحكامهم‪ ،‬كما تصورت لكل طعن غاية‬
‫حمددة‪ ،‬ووضعت له شروطا وقواعد وإجراءات مبا خيدم غايته املفرتضة من جهة‪ ،‬ويعاقب كل خرق أو‬
‫إخالل هبا من جانب املتقاضني‪ ،‬حىت ولو أدى ذلك إىل املساس بفكرة العدالة يف صورهتا املثالية (‪.)4‬‬
‫وهكذا مت التمييز بني قضاء ابتدائي قابل للمراجعة وأخر هنائي يستبعدها‪ ،‬وبني أخطاء الواقع‪ ،‬وأخرى‬
‫من طبيعة قانونية صرفة‪ ،‬فأصبح طمن االستئناف يقدم يف مواجهة القضاء املبتدأ‪ ،‬أاي كان خطؤه‪ ،‬وغدا‬
‫النقض وسيلة ملراقبة تطبيق أخطاء القانون املتصلة ابألحكام االنتهائية‪ ،‬كما متت مراعاة األوضاع اخلاصة‬
‫لبعض املتظلمني‪ ،‬فخص الغائبون حبق التعرض‪ ،‬واعرتف للغري إبمكانية االعرتاض على احلكم‪ ،‬إذا مل‬
‫يتدخلوا قبل صدوره‪ ،‬بل وأجيز للنيابة العامة ممارسة النقض لفائدة القانون وحده‪ ،‬إن مل يطعن املتقاضون‬
‫يف احلكم‪.‬‬
‫ورغم هذا التنويع التشريعي لطرق الطعن‪ ،‬فإن بعضها يظل قليل املمارسة‪ ،‬يف حني حيظى بعضها‬
‫اآلخر إبقبال كبري من قبل املتقاضني‪ ،‬وليس من املبالغة القول أبن االستئناف أييت يف مقدمتها‪ ،‬لدرجة‬
‫ميكن معها القول إنه الطعن "الشعيب" ابمتياز‪.‬‬

‫(‪)3‬املقصود ابلعدالة هنا‪ ،‬عدالة اإلنسان النسيبة‪ ،‬ال عدالة اخلالق املطلقة‪.‬‬
‫(‪)4‬كقواعد اآلجال اليت يؤدي انصرامها إىل سقوط حق الطعن‪ ،‬وحجية األمر املقضي اليت متنع معاودة اللجوء إىل القضاء يف أمر سبق‬
‫الفصل فيه‪.‬‬
‫‪455‬‬ ‫جملة احلقوق املغربية‪ :‬وجهة نظر‬

‫وإمنا يكثر اإلقبال عليه‪ ،‬ألنه جيسد فكرة التظلم من احلكم يف معناها الكامل‪ ،‬من حيث إنه يطلب‬
‫اترة ألجل إلغاء احلكم االبتدائي‪ ،‬ملخالفته للقانون الشكلي أو املوضوعي‪ ،‬ويهدف اترة أخرى إىل جمرد‬
‫مراجعته وتعديله موضوعيا‪ ،‬وقد تكون املراجعة املطلوبة كلية شاملة‪ ،‬وقد تكون جزئية تقتصر على بعض‬
‫أجزاء احل كم فق‪ ،،‬كما ميكن أن يقدم االستئناف لغرض املطالبة ابلفصل يف عناصر مل تفصل فيها احملكمة‬
‫االبتدائية‪ .‬مث إنه تظلم‪ ،‬ألن احملكوم عليه يقصد منه الرتيث يف تنفيذ احلكم االبتدائي ضده إىل حني احلسم‬
‫يف موضع استئنافه‪.‬‬
‫غري أن "شعبية" هذا الطعن ال تعين بساطة نظامه ووضوحه‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬ميكن القول إنه من‬
‫أكثر طرق الطعن غموضا وتعقيدا‪ ،‬ابلنظر إىل معانيه املتعددة وأهدافه املختلفة‪ ،‬وتزايد التدخل التشريعي‬
‫بشأن قواعده التنظيمية ابلتعديل واملراجعة‪.‬‬
‫واذا كان نظام هذا الطعن قد ارتب‪ ،‬تقليداي بقواعد تؤطره‪ ،‬وتشكل بناءه النظري كقاعدة التقاضي‬
‫على درجتني‪ ،‬وقاعدة ثبات النزاع‪ ،‬وقاعدة سيادة اخلصوم على نزاعهم‪ ،‬فإن تدخل التشريع لتعديل قواعد‬
‫االستئناف أثر على طبيعة هذه القواعد ومفاهيمها املعروفة‪ ،‬وقبل بيان مظاهر هذا التعديل التشريعي‪،‬‬
‫نتعرف على مضامني القواعد السابقة‪.‬‬
‫أوال‪ :‬القواعد العامة لالستئناف (‪:)5‬‬
‫حتكم نظام الطعن ابالستئناف ثالث قواعد أساسية ال يزال كثري من الفقه يرددها‪ ،‬ويعتربها مرجعا‬
‫لكل قواعده الفرعية األخرى‪ ،‬وكأن اخللود كتب هلا‪ ،‬وهي قاعدة التقاضي على درجتني‪ ،‬وقاعدة ثبات‬
‫النزاع‪ ،‬وقاعدة سيادة اخلصوم على نزاعهم املدين‪.‬‬
‫‪ -1‬قاعدة التقاضي على درجتني‪:‬‬
‫هي ركيزة االستئناف األساسية‪ ،‬ومربره األكثر صالبة ورواجا واعتمادا االجتهاد القضائي والفقهي‪،‬‬
‫كما أهنا ال ختلو من سند تشريعي‪ ،‬ويذكر مؤرخو القانون القضائي الفرنسي أن إقرارها تشريعيا ألول مرة يف‬

‫(‪)5‬يعترب كثري من الفقه هذه القواعد كمبادئ اترة للقضاء املدين كله‪ ،‬واترة لطعن االستئناف خاصة‪ ،‬ونفصل احلديث عنها كقواعد فق‪.،‬‬
‫جملة احلقوق املغربية‪ :‬وجهة نظر‬ ‫‪451‬‬

‫فرنسا مت مبرسوم فاتح ماي ‪ ،7181‬وقد اعتربت القاعدة آنذاك مبدأ قضائيا ثوراي‪ ،‬ألن نظام العهد السابق‬
‫على ثورة ‪ 7198‬كان يقوم على قاعدة تعدد درجات التقاضي (‪.)6‬‬
‫أما بلدان فقد عرفها مبناسبة "اإلصالحات القضائية" اليت جاء هبا نظام احلماية ابتداء من ‪7874‬‬
‫لتصبح أساس نظامنا القضائي يف املغرب املستقبل مبقتضى قانون التوحيد واملغربة‪ ،‬واإلصالحات القضائية‬
‫لعام ‪ ،)7( 7813‬وقد ظلت حماكم االستئناف اليت جاءت هبا اإلصالح األخري‪ ،‬حماكم درجة اثنية وحيدة‬
‫ابلنسبة للمحاكم االبتدائية إىل حدود ‪ ،7884‬لكن إصالحات العقد األخري من القرن العشرين خلقت‬
‫إىل جانبها حماكم استئناف جتارية بعد انفصال القضاء التجاري (‪ ،)8‬بل وجعلت من اجمللس األعلى يف‬
‫(‪)9‬‬
‫األمر الذي يؤكد أن‬ ‫سابقة غري حممودة العواقب حمكمة استئناف إدارية ابلنسبة للمحاكم اإلدارية‬
‫قاعدة التقاضي على درجتني قاعدة أصيلة تشمل كل أنواع القضاء‪ ،‬مبا فيها القضاء اجلنائي‪.‬‬
‫وتعين قاعدة التقاضي على درجتني يف معناها البسي‪ ،‬كفالة نظر النزاع الواحد بكافة عناصره أمام‬
‫حمكمتني على التوايل‪ ،‬حبيث تكون حمكمة االستئناف هي حمكمة الدرجة الثانية اليت تعيد البت من جديد‬
‫فيما سبق الفصل فيه ابتدائيا‪ ،‬تبعا الستئناف احملكوم عليه (‪ .)10‬ويقتضي إعماهلا‪ ،‬أن يكون حملكمة‬
‫االستئناف أاي كانت طبيعتها‪ ،‬اختصاص قضائي شامل على حماكم الدرجة األوىل التابعة هلا‪ ،‬وعلى مجيع‬
‫األحكام الصادرة عنها من جهة‪ ،‬وأن تكون هلا نفس صالحيات حمكمة الدرجة األوىل فيما يتعلق بتحقيق‬

‫‪)6(Louis Asselin : Le doublr degré de juridiction. Thèse Poitier 1934.‬‬


‫(‪)7‬وقد جعل الفصل ‪ 8‬من قانون التنظيم القضائي‪ ،‬ظهري ‪ 76‬يوليوز ‪ ،7813‬والفصل ‪ 79‬و ‪ 43 ،78‬من قانون املسطرة املدنية‪ ،‬من‬
‫حمكمة االستئناف حمكمة درجة اثنية ابلنسبة للمحكمة االبتدائية‪.‬‬
‫(‪)8‬املادة ‪ 79‬من قانون احملاكم التجارية‪ ،‬القانون رقم ‪ 64-86‬الصادر بطهري ‪ 74‬فرباير ‪ 7881‬اجلريدة الرمسية عدد ‪ 3394‬بتاريخ ‪76‬‬
‫ماي ‪ 7881‬ص ‪.7737‬‬
‫(‪)9‬طبقا ملقتضيات املادة ‪ 36‬من قانون احملاكم اإلدارية‪ ،‬القانون رقم ‪ 37-81‬الصادر بظهري ‪ 71‬شتنرب ‪ ،7884‬اجلريدة الرمسية عدد‬
‫‪ 3441‬بتاريخ ‪ 4‬نونرب ‪ ،7884‬ص ‪.4759‬‬
‫وقد نسخت هذه املادة مبقتضى القانون رقم ‪ 91-14‬احملدثة مبوجبه حماكم استئناف إدارية والصادر ابلظهري الشريف رقم ‪ 7-15-11‬املؤرخ‬
‫يف ‪ 3‬فرباير ‪ ،4115‬اجلريدة الرمسية عدد ‪ 6489‬بتاريخ ‪ 44‬فرباير ‪ ،4115‬ص ‪.381‬‬
‫(‪)10‬ويعترب كثري من فقهاء املسطرة هذه القاعدة مبثابة مبدأ عام للتقاضي ولذلك يتم حبثها يف ابب املبادئ العامة للقضاء‪.‬‬
‫‪451‬‬ ‫جملة احلقوق املغربية‪ :‬وجهة نظر‬

‫النزاع‪ ،‬حبيث متلك نفس سلطات قضاة الدرجة األوىل إلعادة فحص النزاع يف جانبيه الواقعي والقانوين‪،‬‬
‫وهلا أن أتمر بسائر إجراءات التحقيق اليت تراها ضرورية‪ .‬وأخريا‪ ،‬تعترب قاعدة التقاضي على درجتني‪ ،‬من‬
‫النظام العام‪ ،‬من حيث أنه ال ميكن للمتقاضني عرض أي نزاع مبتدأ مباشرة على حمكمة االستئناف‪ ،‬ولو‬
‫ابتفاقهم على ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬قاعدة ثبات النزاع أمام حمكمة االستئناف‪:‬‬
‫ال تعترب قاعدة ثبات النزاع قاعدة خاصة ابخلصومة االستئنافية وحدها كقاعدة التقاضي على درجتني‪،‬‬
‫بل هي قاعدة حتكم اخلصومة املدنية أاي كانت درجتها‪ ،‬ويقصد هبا أنه "مبجرد ميالد اخلصومة‪ ،‬فإن إطارها‬
‫وكافة عناصرها ال ميكن أن يلحقها أي تغيري‪ ،‬حبيث ال ميكن استبدال الغري أبطراف اخلصومة وال تغيري‬
‫صفتهم‪ ،‬أو تعديل موضوع الطلب األصلي أو تقدمي طلبات جديدة (‪.)11‬‬
‫وجتد هذه القاعدة سندها التشريعي يف إلزام املشرع لكل متقاض يقيم دعوى بضرورة بيان موضوعها‬
‫ووقائعها ووسائلها‪ ،‬وإرفاقها عند االقتضاء ابملستندات املثبتة (‪ ،)12‬حبيث يصبح أسريا لطلبه‪ ،‬وجيب عليه‬
‫االحتفاظ بكافة عناصره حىت النهاية (‪ .)13‬لكن اعتبارات املصلحة القضائية جعلت املشرع يسمح للمدعي‬
‫بتقدمي مستنتجات ختامية‪ ،‬وبطلب إدخال الغري يف الدعوى وإىل حني قفل ابب املرافعة (‪ .)14‬كما أجاز‬
‫للمدعى عليه تقدمي طلبات مقابلة (‪ ،)15‬وتكمن املصلحة القضائية هنا يف منع تكرار القضااي أمام احملكمة‪،‬‬
‫وجتميع خمتلف عناصر النزاع يف دعوى واحدة‪ .‬ونفس هذه املقتضيات حتكم دعوى االستئناف‪ ،‬حيث يلزم‬
‫املشرع املستأنف أن يبني يف مقال استئنافه موضوع الطلب والوقائع والوسائل املثارة‪ ،‬واملستندات اليت يريد‬
‫الطالب استعماهلا (‪.)16‬‬

‫‪)11(Jaqaues Miguet : Immutabilité et évolution du litige. Thèse Toulouse 1977 p 13.‬‬


‫(‪)12‬الفصل ‪ 44‬من قانون املسطرة املغريب‪.‬‬
‫‪)13(AZARD : L’immutabilité de la demande en droit judiciaire français. Thèse. Paris‬‬
‫‪1936. p 15.‬‬
‫(‪)14‬الفصل ‪ 714‬من قانون املسطرة املغريب‪.‬‬
‫(‪)15‬الفصل ‪ 76‬من قانون املسطرة املغريب‪.‬‬
‫(‪)16‬الفصل ‪ 734‬من قانون املسطرة املغريب‪.‬‬
‫جملة احلقوق املغربية‪ :‬وجهة نظر‬ ‫‪451‬‬

‫وتلعب قاعدة ثبات النزاع دورا أساسيا يف نطاق طعن االستئناف ابعتبارها مرجع ومربر منع تقدمي‬
‫الطلبات اجلديدة يف االستئناف‪ ،‬ومعيار رفض واستبعاد ما قدم منها حملكمة الدرجة الثانية‪ ،‬كما أهنا وثيقة‬
‫الصلة بقاعدة التقاضي على درجتني‪ ،‬إن مل تكن تطبيقا من تطبيقاهتا ألن إعادة الفصل فيما قضي فيه‬
‫ابتدائيا يقتضي أن يطرح على قضاة االستئناف نفس النزاع السابق إاثرته ابتدائيا بدون أي تغيري‪.‬‬
‫‪ -3‬قاعدة سيادة اخلصوم أمام حمكمة االستئناف‪:‬‬
‫ال تعترب هذه القاعدة بدورها وكسابقها خاصة خبصومة االستئناف‪ ،‬بل هي قاعدة إجرائية مدنية‬
‫عامة‪ ،‬جتد سندها التشريعي يف القواعد العامة اليت حتكم اخلصومة املدنية‪ ،‬خاصة الفصل ‪ 4‬من قانون‬
‫املسطرة املدنية الذي يلزم القاضي ابلبت يف حدود طلبات األطراف‪ ،‬وعدم تغيري موضوعها أو سببها‪ ،‬واال‬
‫تعرض حكمه لإللغاء (‪ ،)17‬فهو قاضي حمايد‪ ،‬ألن اخلصومة املدنية ملك ألطرافها‪ ،‬فهم الذين ينشؤوهنا‬
‫بدعوى‪ ،‬وهم الذين ميلكون حتديد نطاقها موضوعا وسببا وأشخاصا‪ ،‬كما أهنم وحدهم الذين ميلكون وضع‬
‫حد هلا إبرادهتم ابلصلح أو التنازل‪ ،‬وكل ما ميلكه القاضي إزاءها من تدخل إمنا يرتب‪ ،‬بدوره يف حتقيقها‪ ،‬أو‬
‫تصحيح مسطرهتا‪ ،‬وحسب ما يسمح له به املشرع ويف احلدود اليت يرمسها لتدخله‪.‬‬
‫وتنطبق ذات القواعد على خصومة االستئناف‪ ،‬سواء ابلنسبة ألطرافه أو حملكمته‪ ،‬فاملستأنف هو‬
‫الذي ينشئ مبقاله االستئنايف هذه اخلصومة‪ ،‬وهو الذي حيدد نطاق استئنافه مبقاله‪ ،‬وميلك حق وضع هناية‬
‫هلا ابلتنازل عنه‪ ،‬كما أن حمكمة االستئناف وابعتبارها حمكمة موضوع تلتزم بعدم إدخال أي تغيري أو‬
‫تعديل على موضوع االستئناف أو سببه‪ ،‬والبت يف حدود ما طلب منها‪ ،‬ومتلك فق‪ ،‬حق حتقيق هذه‬
‫الطلبات ابعتماد وسائل وإجراءات اإلثبات القانونية‪.‬‬
‫لكن قاعدة سيادة اخلصوم هذه‪ ،‬تظل مع ذلك خاضعة لرقابة "سيف" النظام العام الذي حيمله‬
‫القاضي يف يده دائما‪ ،‬ال فرق بني قاضي ابتدائي‪ ،‬أو استئنايف‪ ،‬أو عايل‪ ،‬فمن حقهم مجيعا التدخل يف أي‬
‫وقت "لزجر" كل تطاول عليه من األطراف‪ ،‬إذ ال مفعول ألية سيادة خاصة أمام سيادة قواعد النظام‬
‫العام‪.‬‬

‫(‪)17‬إما بواسطة طعن إعادة النظر طبقا ملقتضيات الفصل ‪ 314‬من قانون املسطرة‪ ،‬أو حىت للنقض يف حالة حتريفه للطلبات‪.‬‬
‫‪451‬‬ ‫جملة احلقوق املغربية‪ :‬وجهة نظر‬

‫واذا كانت القواعد السابقة هي اإلطار التشريعي العام لنظام االستئناف‪ ،‬وهي بناؤه النظري فهل‬
‫تستطيع لوحدها أن تربر كل املقتضيات التشريعية األخرى اليت حتكمه؟‬
‫اثنيا‪ :‬مظاهر التدخل التشريعي وأثرها على قواعد االستئناف‪:‬‬
‫إمنا نقصد مبظاهر هذا التدخل‪ ،‬جمموعة املقتضيات التشريعية اليت تنظم طمن االستئناف‪ ،‬سواء كحق‬
‫يف الطعن‪ ،‬أو كخصومة قضائية انتهائية‪.‬‬
‫فاحلق يف االستئناف ليس إال حقا نسبيا ال يشمل مجيع األحكام الصادرة عن حمكمة الدرجة األوىل‪،‬‬
‫ألن املشرع يستثين منها عددا مهما‪ ،‬سواء ابملنع الصريح (‪ ،)18‬أو ابستعمال تقنية النصاب االنتهائي‬
‫للمحكمة االبتدائية إلقصاء بعض القضااي من االستئناف‪ .‬كما أنه كحق ال يهم إال أشخاصا حمددين هم‬
‫أطراف احلكم االبتدائي‪ ،‬وابملقابل يسمح املشرع حملكمة الدرجة الثانية ابلتصدي للفصل يف نزاع مل تبت‬
‫احملكمة االبتدائية يف جوهره‪ ،‬بل ويقضي بعرض بعض القضااي مباشرة على حمكمة االستئناف مقصيا‬
‫الدرجة األوىل هنائيا‪.‬‬
‫وال شك أن هذه املقتضيات التشريعية تضرب قاعدة التقاضي على درجتني يف العمق‪ ،‬ألهنا متس‬
‫األساس الذي بنيت عليه‪ ،‬وهو ضمان نظر النزاع الواحد مرتني أمام حمكمتني إحدامها ابتدائية‪ ،‬واألخرى‬
‫انتهائية‪.‬‬
‫وبشأن تنظيم خصومة االستئناف‪ ،‬مسح املشرع لألطراف بتقدمي طلبات جديدة تعرض ألول مرة يف‬
‫هذه اخلصومة‪ ،‬كما أجاز للغري التدخل أمام حمكمة الدرجة الثانية لتقدمي طلبات خاصة به يف مواجهة أحد‬
‫أو طريف الدعوى االبتدائية وهي مقتضيات تضع قاعدة ثبات النزاع موضوع مناقشة جدية‪.‬‬
‫كما منح املشرع حملكمة الدرجة الثانية سلطات كثرية؛ لعل أمهها حق التصدي للفصل يف جوهر‬
‫النزاع‪ ،‬الذي مل حتسم فيه حمكمة الدرجة األوىل‪ ،‬وحق مراقبة طلبات اخلصوم‪ ،‬الستبعاد ما منع منها‪ ،‬وكل‬
‫ذلك مينحها دورا كبريا يف توجيه اخلصومة االستئنافية وتدبريها ضدا لقاعدة حيادها وسيادة اخلصوم على‬
‫نزاعهم‪.‬‬

‫(‪)18‬ويف ذلك ينص الفصل ‪ 743‬من قانون املسطرة املدنية على أن استعمال الطعن ابالستئناف حق مجيع األحوال عدا إذا قرر القانون‬
‫خالف ذلك‪.‬‬
‫جملة احلقوق املغربية‪ :‬وجهة نظر‬ ‫‪411‬‬

‫ومل يقف التطور التشريعي عند ما سبق‪ ،‬بل جتاوزه إىل ابتداع أشكال خاصة من االستئناف‪،‬‬
‫كاالستئناف املثار‪ ،‬والنات عن االستئناف األصـلي‪ ،‬واستئناف مستأنف عليه على مستأنف عليه‪ ،‬وابتكار‬
‫أفكار وتقنيات جديدة يف االستئناف‪ ،‬أو إلدخال الغري ألول مرة يف خصومته‪ ،‬بل وأصبح حق التصدي‬
‫ممكنا رغم حالة التحقيق الناقصة اليت مل تكن تسمح به مبدئيا‪ .‬وال شك أن هذه املقتضيات التشريعية‬
‫اجلديدة تضع القواعد التقليدية املؤطرة لالستئناف أمام حمك حقيقي جيوز معها التساؤل عن مدى‬
‫استمراريتها يف أتطري طعن االستئناف (‪.)19‬‬
‫اثلثا‪ :‬من أجل نظرية جديدة لنظام الطعن ابالستئناف‬
‫يتجاذب نظام الطعن ابالستئناف‪ ،‬تياران قانونيان كبريان‪ ،‬أحدمها يريد احملافظة له على طابعه األصيل‬
‫كوسيلة إصالح ومراجعة قضاء ابتدائي سيء‪ ،‬وآخر ينتصر لتوجه جديد يدعو إىل جعله وسيلة إلهناء‬
‫النزاع يف جمموعه وبني مجيع أطرافه‪ ،‬حيث يتمسك االجتاه األول بفهم صارم للقواعد األساسية املؤطرة هلذا‬
‫الطعن‪ ،‬كقاعدة التقاضي على درجتني‪ ،‬وقاعدة ثبات النزاع‪ ،‬وقاعدة سيادة اخلصوم على نزاعهم املدين‪،‬‬
‫بينما يدعو االجتاه الثاين إىل مراجعة هذه القواعد‪ ،‬بل واقرتاح أخرى تعوضها تكون خادمة للوظيفة اجلديدة‬
‫لالستئناف‪.‬‬
‫وحنن ندافع عن أمهية التوجه اجلديد ابعتدال‪ ،‬وبدون تطرف ميكن أن يؤدي إىل إلغاء قاعدة التقاضي‬
‫على درجتني هنائيا‪ ،‬لكننا ابملقابل نناصر كل األفكار اجلديدة اخلادمة للغاية املستحدثة لالستئناف‪ ،‬ألن‬
‫من شأهنا أن تعطي للقاعدة السابقة مفعوهلا الكامل‪ ،‬وتعيد هلا اعتبارها الذي كادت أن تفقده يف ظل‬
‫التصور القدمي‪.‬‬
‫فقد ظهر لنا أن هذا التصور األخري‪ ،‬ال يعطي لقاعدة التقاضي على درجتني أية فعالية تذكر‪ ،‬لدرجة‬
‫ملكن أن يصدق عليها ما قيل عنها سخرية وهتكما‪ ،‬من أهنا أداة لنقل نزاع من قاض يعرفه معرفة جيدة إىل‬
‫قاض يعرفه معرفة سيئة‪.‬‬

‫(‪)19‬جيد هنا التطور سنده التشريعي أساسا يف قانون املسطرة املدنية الفرنسي‪.‬‬
‫‪414‬‬ ‫جملة احلقوق املغربية‪ :‬وجهة نظر‬

‫ولذلك‪ ،‬فإننا نؤيد كل الدعوات اهلادفة إىل إعادة فهم هذه القاعدة بشكل يؤهلها لتكون وسيلة‬
‫للوصول إىل حل أفضل وأحسن للنزاع‪ ،‬أي إىل حل هنائي له‪ ،‬ونؤكد التمسك الصارم مبقتضياهتا‪ ،‬خاصة‬
‫فيما يتعلق بضرورة نقل نفس النزاع إىل قضاة االستئناف دون السماح إبحلاق أي تعديل عليه ال ميكن ابي‬
‫حال أن ميكن هؤالء القضاة من إعطاء حل أفضل للنزاع‪ ،‬كما أنه موقف يعاكس ميعة األشياء نفسها‪،‬‬
‫ألنه إذا كان ابإلمكان منع املتقاضني من تغيري النزاع‪ ،‬فإنه ال ميكن منع النزاع نفسه من التطور‪.‬‬
‫ولذلك أيضا فإننا نعتمد كل املواقف التشريعية والقضائية والفقهية اهلادفة إىل متكني قضاة االستئناف‬
‫من التعرف بشكل أفضل على النزاع املنقول إليهم‪ ،‬ونطالب إبلغاء كثري من القيود الواردة على هذه‬
‫السلطة‪.‬‬
‫غري أننا ويف إطار التوس‪ ،‬واالعتدال كذلك ال نساير بشكل مطلق املواقف الداعية إىل اعتبار‬
‫خصومة االستئاف خصومة جديدة‪ ،‬ولذلك فإننا ندعو إىل تليني املواقف الفقهية املوسعة لسلطات اخلصوم‬
‫واحملكمة‪ ،‬سواء تعلق األمر حبالة االرتباط‪.‬‬
‫لشرط االرتباط كأساس لقبول االدعاءات اجلديدة يف االستئناف أو بسبب اعتماد فكرة تطور النزاع‬
‫كأساس لتدخل وإدخال الغري فيه‪ ،‬وذلك حىت ال تتحول خصومة الدرجة الثانية إىل خصومة مبتدأه‪.‬‬
‫وقد‪ ،‬أتيحت لنا الفرصة مبناسبة حبث مقتضيات نظام استئناف األحكام املدنية يف التشريع املغريب‬
‫مالحظة الصعوابت اليت تواجهها حماكم االستئناف املغربية يف تبين التصور اجلديد لغاية االستئناف‪ ،‬بسبب‬
‫القيود التشريعية املفروضة عليها‪ ،‬وهي القيود اليت جاءت أصال يف إطار الوظيفة التقليدية هلذا الطعن‬
‫اهلادفة إىل جعله وسيلة إلصالح قضاء ابتدائي سيء ليس إال‪.‬‬
‫ورغم االجتهاد املتفتح لبعض هذه احملاكم‪ ،‬فإن صرامة النصوص اترة‪ ،‬وغموض بعضها اآلخر اترة‬
‫أخرى‪ ،‬كثريا ما وقف حاجزا أمام تطوره‪ ،‬عالوة على أنه كثريا ما وجد مقاومة صارمة من بعض قضاة‬
‫اجمللس األعلى املتمسكني حبرمة قاعدة التقاضي على درجتني‪.‬‬
‫كما أن حجم اإلشكاالت اليت يثريها تطبيق املقتضيات احلالية لطمن االستئناف يف التشريع املغريب‬
‫واضحة وه ي إشكاالت لن جتد حال إال مبراجعة قواعد هذا الطعن يف االجتاه الذي يؤهله ليكون وسيلة‬
‫إلهناء النزاع كذلك‪.‬‬
‫جملة احلقوق املغربية‪ :‬وجهة نظر‬ ‫‪411‬‬

‫خامتة‪:‬‬
‫ويف سبيل هذه املراجعة نقرتح ما يلي‪:‬‬
‫ففيما يتعلق مبمارسة حق االستئناف نرى ضرورة الرتكيز على مطلبني ومها‪:‬‬
‫‪ -7‬توسيع نطاق حق االستئناف‪ ،‬سواء من حيث األحكام اليت جيب أن يرد عليها‪ ،‬أو من حيث‬
‫األشخاص الذين ميكنهم ممارسته بصوره وأشكاله املتعددة‪.‬‬
‫‪ -4‬إقرار مبدأ مسؤولية املستأنف عن استئنافه ومسؤولية احملكوم له عن التنفيذ املبكر‪.‬‬
‫وفيما خيص خصومة االستئناف نذكر بدعواتنا اهلادفة إىل‪:‬‬
‫‪ -7‬توسيع سلطات اخلصوم بشأن النزاع‪ ،‬سواء ابلسماح هلم بتقدمي ادعاءات جديدة مرتبطة ابلطلب‬
‫األصلي‪ ،‬أو بتمكينهم من حق اختصام الغري ألول مرة يف االستئناف‪.‬‬
‫‪ -4‬توسيع سلطات حمكمة الدرجة الثانية يف حتقيق النزاع إلهنائه‪ ،‬سواء ابستدعاء من ترى حضوره ضروراي‬
‫حلل النزاع‪ ،‬أو ابللجوء إىل إجراءات التحقيق عند استعماهلا حلقها يف التصدي‪.‬‬
‫‪ -4‬انفتاح خصومة االستئناف على الغري للتدخل فيهما كلما أدى تطور النزاع إىل ضرورة هذا التدخل‪.‬‬
‫وكما هو مالحظ فإن الفكرة العامة لإلصالح والتحديث الذي ندعو له‪ ،‬هي توسيع نطاق خصومة‬
‫االستئناف موضوعا وأشخاصا‪ ،‬لتكون الدرجة الثانية مناسبة الزدهار اخلصومة القضائية‪ ،‬يستكمل فيها‬
‫النزاع كل سبل تطوره‪ ،‬حىت يكون قرار حمكمة االستئناف بشأنه منهيا له‪ ،‬فتتحقق الصفة االنتهائية لقرارها‬
‫فعال‪ ،‬ال شكال‪ ،‬ويكون احلل القضائي االستئنايف أفضل وأحسن من ذلك الذي كان حمال للمراجعة‪.‬‬

‫)‪Powered by TCPDF (www.tcpdf.org‬‬

You might also like