Professional Documents
Culture Documents
تعديل نظام الطعن بالاستئن
تعديل نظام الطعن بالاستئن
القضاء عمل بشري جمبول على اخلطأ ابلفطرة ،وانزع إىل اجملاملة ابلتمدن واملؤانسة ،وموسوم ابالختالف
تبعا لقدرات الفهم واإلدراك والدفاع ،املتفاوتة بني الناس (.)2
()1من رسالة سيدان عمر بن اخلطاب إىل أيب موسي األشعري قاضي الكوفة ،انظر النص الكامل عند املاوردي يف األحكام السلطانية ص 17
وعند اجلاحظ يف البيان والتبني -اجلزء الثاين -ص ،34وشرحها ابن القيم يف أعالم املوقعني ،اجلزء األول ،ص ،89وابن فرحون يف تبصرة
احلكام ،ص .65
وانظر أيضا :أمحد سحنون :رسالة القضاء ألمري املؤمنني عمر يف اخلطاب .توثيق ،دراسة وحتقيق ،أطروحة دكتوراه الدولة ،دار احلديث احلسنية
الرابط .7891
() 2روى اإلمام البخاري يف صحيحه من كتاب األحكام عند ابب موعظة اإلمام للخصوم قال :حدثنا عبد هللا بن مسلمة عن مالك عن
هشام ،عن أبيه ،عن زينب ابنة أيب سلمة ،عن أم سلمة رضي هللا عنها ،أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال "إمنا أان بشر ،وانكم ختتصمون
إيل ،ولعل بعضكم أن يكون أحلن حبجته من بعض ،فأقضى على حنو ما أمسع ،فمن قضيت له حبق أخيه شيئا فال أيخذه ،فإمنا أقطع له قطعة
© 2016ﺩﺍﺭ ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ .ﺟﻤﻴﻊ ﺍﻟﺤﻘﻮﻕ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ.
ﻣﺘﺎﺣﺔ .ﺑﻨﺎﺀ ﻋﻠﻰ ﺍﻹﺗﻔﺎﻕ ﺍﻟﻤﻮﻗﻊ ﻣﻊ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ،ﻋﻠﻤﺎ ﺃﻥ ﺟﻤﻴﻊ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻣﺤﻔﻮﻇﺔ .ﻳﻤﻜﻨﻚ ﺗﺤﻤﻴﻞ ﺃﻭ ﻃﺒﺎﻋﺔ ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ ﻟﻼﺳﺘﺨﺪﺍﻡ من النار"
ﻫﺬﻩ ﺍﻟﻤﺎﺩﺓ
ﺍﻟﺸﺨﺼﻲ ﻓﻘﻂ ،ﻭﻳﻤﻨﻊ ﺍﻟﻨﺴﺦ ﺃﻭ ﺍﻟﺘﺤﻮﻳﻞ ﺃﻭ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﻋﺒﺮ ﺃﻱ ﻭﺳﻴﻠﺔ )ﻣﺜﻞ ﻣﻮﺍﻗﻊ ﺍﻻﻧﺘﺮﻧﺖ ﺃﻭ ﺍﻟﺒﺮﻳﺪ ﺍﻻﻟﻜﺘﺮﻭﻧﻲ( ﺩﻭﻥ ﺗﺼﺮﻳﺢ ﺧﻄﻲ ﻣﻦ ﺃﺻﺤﺎﺏ ﺣﻘﻮﻕ ﺍﻟﻨﺸﺮ ﺃﻭ ﺩﺍﺭ
ﺍﻟﻤﻨﻈﻮﻣﺔ.
تعديل نظام الطعن باالستئناف
()1من رسالة سيدان عمر بن اخلطاب إىل أيب موسي األشعري قاضي الكوفة ،انظر النص الكامل عند املاوردي يف األحكام السلطانية ص 17
وعند اجلاحظ يف البيان والتبني -اجلزء الثاين -ص ،34وشرحها ابن القيم يف أعالم املوقعني ،اجلزء األول ،ص ،89وابن فرحون يف تبصرة
احلكام ،ص .65
وانظر أيضا :أمحد سحنون :رسالة القضاء ألمري املؤمنني عمر يف اخلطاب .توثيق ،دراسة وحتقيق ،أطروحة دكتوراه الدولة ،دار احلديث احلسنية
الرابط .7891
() 2روى اإلمام البخاري يف صحيحه من كتاب األحكام عند ابب موعظة اإلمام للخصوم قال :حدثنا عبد هللا بن مسلمة عن مالك عن
هشام ،عن أبيه ،عن زينب ابنة أيب سلمة ،عن أم سلمة رضي هللا عنها ،أن رسول هللا صلى هللا عليه وسلم قال "إمنا أان بشر ،وانكم ختتصمون
إيل ،ولعل بعضكم أن يكون أحلن حبجته من بعض ،فأقضى على حنو ما أمسع ،فمن قضيت له حبق أخيه شيئا فال أيخذه ،فإمنا أقطع له قطعة
من النار".
جملة احلقوق املغربية :وجهة نظر 451
والزالت التشريعات الوضعية مؤمنة هبذه الغاية ساعية إليها ،ابحثة عن أفضل سبل حتقيقها ،رغم
الصعوابت اليت تعرتض طريقها ،والناجتة عن التطور الذي عرفته النظم القانونية ،واملفاهيم املستحدثة لدور
القضاء يف اجملتمع.
وقد كان القضاء قدميا بسيطا يف إجراءاته ال يتدخل إال بقرار حاسم ينهي النزاع ،وينفذ فورا وال يقبل
التظلم إال اندرا ،حتقيقا للعدالة السريعة ،فأصبحت كثرة اإلجراءات واألوامر القضائية ميزة القضاء احلديث،
وغدت املماطالت واحليل املسطرية للمتقاضني آفة اجتماعية حقيقية ،حتول معها حق الطعن يف أحكام
القضاء من طريق لتحقيق العدالة ( )3إىل وسيلة لعرقلتها ،فأصبح التنظيم واجبا.
ويف إطار هذا التنظيم ،عمدت التشريعات املسطرية إىل تنويع طرق الطعن ،مراعية تدرج مراتب
القضاة ،واختالف أنواع جتربتهم ،وتبيان أوضاع املتظلمني من أحكامهم ،كما تصورت لكل طعن غاية
حمددة ،ووضعت له شروطا وقواعد وإجراءات مبا خيدم غايته املفرتضة من جهة ،ويعاقب كل خرق أو
إخالل هبا من جانب املتقاضني ،حىت ولو أدى ذلك إىل املساس بفكرة العدالة يف صورهتا املثالية (.)4
وهكذا مت التمييز بني قضاء ابتدائي قابل للمراجعة وأخر هنائي يستبعدها ،وبني أخطاء الواقع ،وأخرى
من طبيعة قانونية صرفة ،فأصبح طمن االستئناف يقدم يف مواجهة القضاء املبتدأ ،أاي كان خطؤه ،وغدا
النقض وسيلة ملراقبة تطبيق أخطاء القانون املتصلة ابألحكام االنتهائية ،كما متت مراعاة األوضاع اخلاصة
لبعض املتظلمني ،فخص الغائبون حبق التعرض ،واعرتف للغري إبمكانية االعرتاض على احلكم ،إذا مل
يتدخلوا قبل صدوره ،بل وأجيز للنيابة العامة ممارسة النقض لفائدة القانون وحده ،إن مل يطعن املتقاضون
يف احلكم.
ورغم هذا التنويع التشريعي لطرق الطعن ،فإن بعضها يظل قليل املمارسة ،يف حني حيظى بعضها
اآلخر إبقبال كبري من قبل املتقاضني ،وليس من املبالغة القول أبن االستئناف أييت يف مقدمتها ،لدرجة
ميكن معها القول إنه الطعن "الشعيب" ابمتياز.
()3املقصود ابلعدالة هنا ،عدالة اإلنسان النسيبة ،ال عدالة اخلالق املطلقة.
()4كقواعد اآلجال اليت يؤدي انصرامها إىل سقوط حق الطعن ،وحجية األمر املقضي اليت متنع معاودة اللجوء إىل القضاء يف أمر سبق
الفصل فيه.
455 جملة احلقوق املغربية :وجهة نظر
وإمنا يكثر اإلقبال عليه ،ألنه جيسد فكرة التظلم من احلكم يف معناها الكامل ،من حيث إنه يطلب
اترة ألجل إلغاء احلكم االبتدائي ،ملخالفته للقانون الشكلي أو املوضوعي ،ويهدف اترة أخرى إىل جمرد
مراجعته وتعديله موضوعيا ،وقد تكون املراجعة املطلوبة كلية شاملة ،وقد تكون جزئية تقتصر على بعض
أجزاء احل كم فق ،،كما ميكن أن يقدم االستئناف لغرض املطالبة ابلفصل يف عناصر مل تفصل فيها احملكمة
االبتدائية .مث إنه تظلم ،ألن احملكوم عليه يقصد منه الرتيث يف تنفيذ احلكم االبتدائي ضده إىل حني احلسم
يف موضع استئنافه.
غري أن "شعبية" هذا الطعن ال تعين بساطة نظامه ووضوحه ،بل على العكس ،ميكن القول إنه من
أكثر طرق الطعن غموضا وتعقيدا ،ابلنظر إىل معانيه املتعددة وأهدافه املختلفة ،وتزايد التدخل التشريعي
بشأن قواعده التنظيمية ابلتعديل واملراجعة.
واذا كان نظام هذا الطعن قد ارتب ،تقليداي بقواعد تؤطره ،وتشكل بناءه النظري كقاعدة التقاضي
على درجتني ،وقاعدة ثبات النزاع ،وقاعدة سيادة اخلصوم على نزاعهم ،فإن تدخل التشريع لتعديل قواعد
االستئناف أثر على طبيعة هذه القواعد ومفاهيمها املعروفة ،وقبل بيان مظاهر هذا التعديل التشريعي،
نتعرف على مضامني القواعد السابقة.
أوال :القواعد العامة لالستئناف (:)5
حتكم نظام الطعن ابالستئناف ثالث قواعد أساسية ال يزال كثري من الفقه يرددها ،ويعتربها مرجعا
لكل قواعده الفرعية األخرى ،وكأن اخللود كتب هلا ،وهي قاعدة التقاضي على درجتني ،وقاعدة ثبات
النزاع ،وقاعدة سيادة اخلصوم على نزاعهم املدين.
-1قاعدة التقاضي على درجتني:
هي ركيزة االستئناف األساسية ،ومربره األكثر صالبة ورواجا واعتمادا االجتهاد القضائي والفقهي،
كما أهنا ال ختلو من سند تشريعي ،ويذكر مؤرخو القانون القضائي الفرنسي أن إقرارها تشريعيا ألول مرة يف
()5يعترب كثري من الفقه هذه القواعد كمبادئ اترة للقضاء املدين كله ،واترة لطعن االستئناف خاصة ،ونفصل احلديث عنها كقواعد فق.،
جملة احلقوق املغربية :وجهة نظر 451
فرنسا مت مبرسوم فاتح ماي ،7181وقد اعتربت القاعدة آنذاك مبدأ قضائيا ثوراي ،ألن نظام العهد السابق
على ثورة 7198كان يقوم على قاعدة تعدد درجات التقاضي (.)6
أما بلدان فقد عرفها مبناسبة "اإلصالحات القضائية" اليت جاء هبا نظام احلماية ابتداء من 7874
لتصبح أساس نظامنا القضائي يف املغرب املستقبل مبقتضى قانون التوحيد واملغربة ،واإلصالحات القضائية
لعام ،)7( 7813وقد ظلت حماكم االستئناف اليت جاءت هبا اإلصالح األخري ،حماكم درجة اثنية وحيدة
ابلنسبة للمحاكم االبتدائية إىل حدود ،7884لكن إصالحات العقد األخري من القرن العشرين خلقت
إىل جانبها حماكم استئناف جتارية بعد انفصال القضاء التجاري ( ،)8بل وجعلت من اجمللس األعلى يف
()9
األمر الذي يؤكد أن سابقة غري حممودة العواقب حمكمة استئناف إدارية ابلنسبة للمحاكم اإلدارية
قاعدة التقاضي على درجتني قاعدة أصيلة تشمل كل أنواع القضاء ،مبا فيها القضاء اجلنائي.
وتعين قاعدة التقاضي على درجتني يف معناها البسي ،كفالة نظر النزاع الواحد بكافة عناصره أمام
حمكمتني على التوايل ،حبيث تكون حمكمة االستئناف هي حمكمة الدرجة الثانية اليت تعيد البت من جديد
فيما سبق الفصل فيه ابتدائيا ،تبعا الستئناف احملكوم عليه ( .)10ويقتضي إعماهلا ،أن يكون حملكمة
االستئناف أاي كانت طبيعتها ،اختصاص قضائي شامل على حماكم الدرجة األوىل التابعة هلا ،وعلى مجيع
األحكام الصادرة عنها من جهة ،وأن تكون هلا نفس صالحيات حمكمة الدرجة األوىل فيما يتعلق بتحقيق
النزاع ،حبيث متلك نفس سلطات قضاة الدرجة األوىل إلعادة فحص النزاع يف جانبيه الواقعي والقانوين،
وهلا أن أتمر بسائر إجراءات التحقيق اليت تراها ضرورية .وأخريا ،تعترب قاعدة التقاضي على درجتني ،من
النظام العام ،من حيث أنه ال ميكن للمتقاضني عرض أي نزاع مبتدأ مباشرة على حمكمة االستئناف ،ولو
ابتفاقهم على ذلك.
-2قاعدة ثبات النزاع أمام حمكمة االستئناف:
ال تعترب قاعدة ثبات النزاع قاعدة خاصة ابخلصومة االستئنافية وحدها كقاعدة التقاضي على درجتني،
بل هي قاعدة حتكم اخلصومة املدنية أاي كانت درجتها ،ويقصد هبا أنه "مبجرد ميالد اخلصومة ،فإن إطارها
وكافة عناصرها ال ميكن أن يلحقها أي تغيري ،حبيث ال ميكن استبدال الغري أبطراف اخلصومة وال تغيري
صفتهم ،أو تعديل موضوع الطلب األصلي أو تقدمي طلبات جديدة (.)11
وجتد هذه القاعدة سندها التشريعي يف إلزام املشرع لكل متقاض يقيم دعوى بضرورة بيان موضوعها
ووقائعها ووسائلها ،وإرفاقها عند االقتضاء ابملستندات املثبتة ( ،)12حبيث يصبح أسريا لطلبه ،وجيب عليه
االحتفاظ بكافة عناصره حىت النهاية ( .)13لكن اعتبارات املصلحة القضائية جعلت املشرع يسمح للمدعي
بتقدمي مستنتجات ختامية ،وبطلب إدخال الغري يف الدعوى وإىل حني قفل ابب املرافعة ( .)14كما أجاز
للمدعى عليه تقدمي طلبات مقابلة ( ،)15وتكمن املصلحة القضائية هنا يف منع تكرار القضااي أمام احملكمة،
وجتميع خمتلف عناصر النزاع يف دعوى واحدة .ونفس هذه املقتضيات حتكم دعوى االستئناف ،حيث يلزم
املشرع املستأنف أن يبني يف مقال استئنافه موضوع الطلب والوقائع والوسائل املثارة ،واملستندات اليت يريد
الطالب استعماهلا (.)16
وتلعب قاعدة ثبات النزاع دورا أساسيا يف نطاق طعن االستئناف ابعتبارها مرجع ومربر منع تقدمي
الطلبات اجلديدة يف االستئناف ،ومعيار رفض واستبعاد ما قدم منها حملكمة الدرجة الثانية ،كما أهنا وثيقة
الصلة بقاعدة التقاضي على درجتني ،إن مل تكن تطبيقا من تطبيقاهتا ألن إعادة الفصل فيما قضي فيه
ابتدائيا يقتضي أن يطرح على قضاة االستئناف نفس النزاع السابق إاثرته ابتدائيا بدون أي تغيري.
-3قاعدة سيادة اخلصوم أمام حمكمة االستئناف:
ال تعترب هذه القاعدة بدورها وكسابقها خاصة خبصومة االستئناف ،بل هي قاعدة إجرائية مدنية
عامة ،جتد سندها التشريعي يف القواعد العامة اليت حتكم اخلصومة املدنية ،خاصة الفصل 4من قانون
املسطرة املدنية الذي يلزم القاضي ابلبت يف حدود طلبات األطراف ،وعدم تغيري موضوعها أو سببها ،واال
تعرض حكمه لإللغاء ( ،)17فهو قاضي حمايد ،ألن اخلصومة املدنية ملك ألطرافها ،فهم الذين ينشؤوهنا
بدعوى ،وهم الذين ميلكون حتديد نطاقها موضوعا وسببا وأشخاصا ،كما أهنم وحدهم الذين ميلكون وضع
حد هلا إبرادهتم ابلصلح أو التنازل ،وكل ما ميلكه القاضي إزاءها من تدخل إمنا يرتب ،بدوره يف حتقيقها ،أو
تصحيح مسطرهتا ،وحسب ما يسمح له به املشرع ويف احلدود اليت يرمسها لتدخله.
وتنطبق ذات القواعد على خصومة االستئناف ،سواء ابلنسبة ألطرافه أو حملكمته ،فاملستأنف هو
الذي ينشئ مبقاله االستئنايف هذه اخلصومة ،وهو الذي حيدد نطاق استئنافه مبقاله ،وميلك حق وضع هناية
هلا ابلتنازل عنه ،كما أن حمكمة االستئناف وابعتبارها حمكمة موضوع تلتزم بعدم إدخال أي تغيري أو
تعديل على موضوع االستئناف أو سببه ،والبت يف حدود ما طلب منها ،ومتلك فق ،حق حتقيق هذه
الطلبات ابعتماد وسائل وإجراءات اإلثبات القانونية.
لكن قاعدة سيادة اخلصوم هذه ،تظل مع ذلك خاضعة لرقابة "سيف" النظام العام الذي حيمله
القاضي يف يده دائما ،ال فرق بني قاضي ابتدائي ،أو استئنايف ،أو عايل ،فمن حقهم مجيعا التدخل يف أي
وقت "لزجر" كل تطاول عليه من األطراف ،إذ ال مفعول ألية سيادة خاصة أمام سيادة قواعد النظام
العام.
()17إما بواسطة طعن إعادة النظر طبقا ملقتضيات الفصل 314من قانون املسطرة ،أو حىت للنقض يف حالة حتريفه للطلبات.
451 جملة احلقوق املغربية :وجهة نظر
واذا كانت القواعد السابقة هي اإلطار التشريعي العام لنظام االستئناف ،وهي بناؤه النظري فهل
تستطيع لوحدها أن تربر كل املقتضيات التشريعية األخرى اليت حتكمه؟
اثنيا :مظاهر التدخل التشريعي وأثرها على قواعد االستئناف:
إمنا نقصد مبظاهر هذا التدخل ،جمموعة املقتضيات التشريعية اليت تنظم طمن االستئناف ،سواء كحق
يف الطعن ،أو كخصومة قضائية انتهائية.
فاحلق يف االستئناف ليس إال حقا نسبيا ال يشمل مجيع األحكام الصادرة عن حمكمة الدرجة األوىل،
ألن املشرع يستثين منها عددا مهما ،سواء ابملنع الصريح ( ،)18أو ابستعمال تقنية النصاب االنتهائي
للمحكمة االبتدائية إلقصاء بعض القضااي من االستئناف .كما أنه كحق ال يهم إال أشخاصا حمددين هم
أطراف احلكم االبتدائي ،وابملقابل يسمح املشرع حملكمة الدرجة الثانية ابلتصدي للفصل يف نزاع مل تبت
احملكمة االبتدائية يف جوهره ،بل ويقضي بعرض بعض القضااي مباشرة على حمكمة االستئناف مقصيا
الدرجة األوىل هنائيا.
وال شك أن هذه املقتضيات التشريعية تضرب قاعدة التقاضي على درجتني يف العمق ،ألهنا متس
األساس الذي بنيت عليه ،وهو ضمان نظر النزاع الواحد مرتني أمام حمكمتني إحدامها ابتدائية ،واألخرى
انتهائية.
وبشأن تنظيم خصومة االستئناف ،مسح املشرع لألطراف بتقدمي طلبات جديدة تعرض ألول مرة يف
هذه اخلصومة ،كما أجاز للغري التدخل أمام حمكمة الدرجة الثانية لتقدمي طلبات خاصة به يف مواجهة أحد
أو طريف الدعوى االبتدائية وهي مقتضيات تضع قاعدة ثبات النزاع موضوع مناقشة جدية.
كما منح املشرع حملكمة الدرجة الثانية سلطات كثرية؛ لعل أمهها حق التصدي للفصل يف جوهر
النزاع ،الذي مل حتسم فيه حمكمة الدرجة األوىل ،وحق مراقبة طلبات اخلصوم ،الستبعاد ما منع منها ،وكل
ذلك مينحها دورا كبريا يف توجيه اخلصومة االستئنافية وتدبريها ضدا لقاعدة حيادها وسيادة اخلصوم على
نزاعهم.
()18ويف ذلك ينص الفصل 743من قانون املسطرة املدنية على أن استعمال الطعن ابالستئناف حق مجيع األحوال عدا إذا قرر القانون
خالف ذلك.
جملة احلقوق املغربية :وجهة نظر 411
ومل يقف التطور التشريعي عند ما سبق ،بل جتاوزه إىل ابتداع أشكال خاصة من االستئناف،
كاالستئناف املثار ،والنات عن االستئناف األصـلي ،واستئناف مستأنف عليه على مستأنف عليه ،وابتكار
أفكار وتقنيات جديدة يف االستئناف ،أو إلدخال الغري ألول مرة يف خصومته ،بل وأصبح حق التصدي
ممكنا رغم حالة التحقيق الناقصة اليت مل تكن تسمح به مبدئيا .وال شك أن هذه املقتضيات التشريعية
اجلديدة تضع القواعد التقليدية املؤطرة لالستئناف أمام حمك حقيقي جيوز معها التساؤل عن مدى
استمراريتها يف أتطري طعن االستئناف (.)19
اثلثا :من أجل نظرية جديدة لنظام الطعن ابالستئناف
يتجاذب نظام الطعن ابالستئناف ،تياران قانونيان كبريان ،أحدمها يريد احملافظة له على طابعه األصيل
كوسيلة إصالح ومراجعة قضاء ابتدائي سيء ،وآخر ينتصر لتوجه جديد يدعو إىل جعله وسيلة إلهناء
النزاع يف جمموعه وبني مجيع أطرافه ،حيث يتمسك االجتاه األول بفهم صارم للقواعد األساسية املؤطرة هلذا
الطعن ،كقاعدة التقاضي على درجتني ،وقاعدة ثبات النزاع ،وقاعدة سيادة اخلصوم على نزاعهم املدين،
بينما يدعو االجتاه الثاين إىل مراجعة هذه القواعد ،بل واقرتاح أخرى تعوضها تكون خادمة للوظيفة اجلديدة
لالستئناف.
وحنن ندافع عن أمهية التوجه اجلديد ابعتدال ،وبدون تطرف ميكن أن يؤدي إىل إلغاء قاعدة التقاضي
على درجتني هنائيا ،لكننا ابملقابل نناصر كل األفكار اجلديدة اخلادمة للغاية املستحدثة لالستئناف ،ألن
من شأهنا أن تعطي للقاعدة السابقة مفعوهلا الكامل ،وتعيد هلا اعتبارها الذي كادت أن تفقده يف ظل
التصور القدمي.
فقد ظهر لنا أن هذا التصور األخري ،ال يعطي لقاعدة التقاضي على درجتني أية فعالية تذكر ،لدرجة
ملكن أن يصدق عليها ما قيل عنها سخرية وهتكما ،من أهنا أداة لنقل نزاع من قاض يعرفه معرفة جيدة إىل
قاض يعرفه معرفة سيئة.
()19جيد هنا التطور سنده التشريعي أساسا يف قانون املسطرة املدنية الفرنسي.
414 جملة احلقوق املغربية :وجهة نظر
ولذلك ،فإننا نؤيد كل الدعوات اهلادفة إىل إعادة فهم هذه القاعدة بشكل يؤهلها لتكون وسيلة
للوصول إىل حل أفضل وأحسن للنزاع ،أي إىل حل هنائي له ،ونؤكد التمسك الصارم مبقتضياهتا ،خاصة
فيما يتعلق بضرورة نقل نفس النزاع إىل قضاة االستئناف دون السماح إبحلاق أي تعديل عليه ال ميكن ابي
حال أن ميكن هؤالء القضاة من إعطاء حل أفضل للنزاع ،كما أنه موقف يعاكس ميعة األشياء نفسها،
ألنه إذا كان ابإلمكان منع املتقاضني من تغيري النزاع ،فإنه ال ميكن منع النزاع نفسه من التطور.
ولذلك أيضا فإننا نعتمد كل املواقف التشريعية والقضائية والفقهية اهلادفة إىل متكني قضاة االستئناف
من التعرف بشكل أفضل على النزاع املنقول إليهم ،ونطالب إبلغاء كثري من القيود الواردة على هذه
السلطة.
غري أننا ويف إطار التوس ،واالعتدال كذلك ال نساير بشكل مطلق املواقف الداعية إىل اعتبار
خصومة االستئاف خصومة جديدة ،ولذلك فإننا ندعو إىل تليني املواقف الفقهية املوسعة لسلطات اخلصوم
واحملكمة ،سواء تعلق األمر حبالة االرتباط.
لشرط االرتباط كأساس لقبول االدعاءات اجلديدة يف االستئناف أو بسبب اعتماد فكرة تطور النزاع
كأساس لتدخل وإدخال الغري فيه ،وذلك حىت ال تتحول خصومة الدرجة الثانية إىل خصومة مبتدأه.
وقد ،أتيحت لنا الفرصة مبناسبة حبث مقتضيات نظام استئناف األحكام املدنية يف التشريع املغريب
مالحظة الصعوابت اليت تواجهها حماكم االستئناف املغربية يف تبين التصور اجلديد لغاية االستئناف ،بسبب
القيود التشريعية املفروضة عليها ،وهي القيود اليت جاءت أصال يف إطار الوظيفة التقليدية هلذا الطعن
اهلادفة إىل جعله وسيلة إلصالح قضاء ابتدائي سيء ليس إال.
ورغم االجتهاد املتفتح لبعض هذه احملاكم ،فإن صرامة النصوص اترة ،وغموض بعضها اآلخر اترة
أخرى ،كثريا ما وقف حاجزا أمام تطوره ،عالوة على أنه كثريا ما وجد مقاومة صارمة من بعض قضاة
اجمللس األعلى املتمسكني حبرمة قاعدة التقاضي على درجتني.
كما أن حجم اإلشكاالت اليت يثريها تطبيق املقتضيات احلالية لطمن االستئناف يف التشريع املغريب
واضحة وه ي إشكاالت لن جتد حال إال مبراجعة قواعد هذا الطعن يف االجتاه الذي يؤهله ليكون وسيلة
إلهناء النزاع كذلك.
جملة احلقوق املغربية :وجهة نظر 411
خامتة:
ويف سبيل هذه املراجعة نقرتح ما يلي:
ففيما يتعلق مبمارسة حق االستئناف نرى ضرورة الرتكيز على مطلبني ومها:
-7توسيع نطاق حق االستئناف ،سواء من حيث األحكام اليت جيب أن يرد عليها ،أو من حيث
األشخاص الذين ميكنهم ممارسته بصوره وأشكاله املتعددة.
-4إقرار مبدأ مسؤولية املستأنف عن استئنافه ومسؤولية احملكوم له عن التنفيذ املبكر.
وفيما خيص خصومة االستئناف نذكر بدعواتنا اهلادفة إىل:
-7توسيع سلطات اخلصوم بشأن النزاع ،سواء ابلسماح هلم بتقدمي ادعاءات جديدة مرتبطة ابلطلب
األصلي ،أو بتمكينهم من حق اختصام الغري ألول مرة يف االستئناف.
-4توسيع سلطات حمكمة الدرجة الثانية يف حتقيق النزاع إلهنائه ،سواء ابستدعاء من ترى حضوره ضروراي
حلل النزاع ،أو ابللجوء إىل إجراءات التحقيق عند استعماهلا حلقها يف التصدي.
-4انفتاح خصومة االستئناف على الغري للتدخل فيهما كلما أدى تطور النزاع إىل ضرورة هذا التدخل.
وكما هو مالحظ فإن الفكرة العامة لإلصالح والتحديث الذي ندعو له ،هي توسيع نطاق خصومة
االستئناف موضوعا وأشخاصا ،لتكون الدرجة الثانية مناسبة الزدهار اخلصومة القضائية ،يستكمل فيها
النزاع كل سبل تطوره ،حىت يكون قرار حمكمة االستئناف بشأنه منهيا له ،فتتحقق الصفة االنتهائية لقرارها
فعال ،ال شكال ،ويكون احلل القضائي االستئنايف أفضل وأحسن من ذلك الذي كان حمال للمراجعة.