Professional Documents
Culture Documents
أفلاطون وآرائه في الشعر والخطابة
أفلاطون وآرائه في الشعر والخطابة
أفلاطون وآرائه في الشعر والخطابة
1
أفالطون ،وآراؤه يف اخلطابة والشعر
حول آراء أفالطون يف الخطابة والشعر يف محاوراته ،يف محاوة أيون ،ومحاورة جورجياس ومحاورة فايدروس ،وحول
محاورات أفالطون كأعمال بالغية وشعرية؛ نص رمتجم للـد .تشارلز ل .جريسوولد والمنشور عىل (موسوعة
ا ر ر
والت قد تختلف قليًل
ه للنسخة المؤرشفة يف الموسوعة عىل هذا الرابط ،ي ستانفورد للفلسفة) .ننوه بأن التجمة ي
األختة بعض التحديث أو التعديل من فينة ألخرى منذ تتمة
ر عن النسخة الدارجة للمقالة ،حيث أنه قد يطرأ عىل
نخص بالشكر محرري موسوعة ستانفورد ،وعىل رأسهم د .إدوارد زالتا ،عىل تعاونهم،ّ ً
وختاما، هذه رالتجمة.
واعتمادهم رللتجمة ر
والنش عىل مجلة حكمة.
1Griswold, Charles L., "Plato on Rhetoric and Poetry", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2016
>Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2016/entries/plato-rhetoric/
متيزت معاجلات أفالطون لفن اخلطابة والشعر ابالستفاضة وقوة التأثري .وكما هو األمر يف حاالت أخرى كثرية،
منوذجا للتاث الالحق .وابلتايل ،فإن فهم تعليقاته اخلاصة هبذين املوضوعني ينطوي على حتدايت
فقد وضع ً
فلسفية وأتويلية .وابإلضافة ل ى ذل ،،فإنه ال يتضح لنا من الوهلة األو ى سبب ربطه بني هذين املوضوعني
بقوة( ،لذ لنه يفتض أن الشعر نوع من اخلطابة) .من املؤكد اعتقاد أفالطون أبن األمور ذات األمية البالغة
"ث معركة قدةمة بني الفلسفة والشعر" (اجلمهورية 607b5-
تظل معلقة ،كما هو واضح يف عبارته الشهريةَ :
.)6بلغت تل ،املعركة بني الفلسفة واخلطابة يف حماوراته ،واملعارك املتعلقة هبا ،حد الصراع بني الرؤية الشاملة
للعامل واخلاصة ابلفلسفة من انحية ،وبني الرؤية الشعرية واخلطابية من انحية أخرى .ما الذي تدور حوله تل،
املعارك؟ ما الذي يعنيه أفالطون بقوله" :شعر" و"خطابة"؟ لن مقصد هذا املقال هو حتليل معاجلاته للخطابة
.1مقدمة
.2حماورة أيون
.4حماورة جورجياس
.5حماورة فايدروس
قائمة املراجع
األدوات األكادميية
ـــــــــــــــــــــــ
.1مقدمة
تعمل القصيدة اجليدة على تغيري شكل العامل ومغزاه ،وتساعد كل لنسان على توسيع
معرفته بنفسه وابلعامل ايحمي به.
[]1
ديالن توماس
حينما نفكر يف التحليل الفلسفي للشعر ،يرد على عقلنا ما يشبه األطروحة حول علم اجلمال .على األقل،
سنتوقع حبثًا دقيقا ملا يلي :اخلصائص املميزة للشعر ،االختالفات بني األشكال الشعرية املتنوعة (ملحمي،
مأساوي ،غنائي ،هزيل ،وما ل ى ذل ،)،واملعاين اليت يرتب هبا التمثيل ،والتقليد ،والتعبري( ،املعاين ايحمتملة
للكلمة اليواننية "ايحماكاة") ،أو ال يرتبطون فيها ،مع التخيل ]2[ .تل ،املفاهيم املعقدة نفسها ،يف حاجة ل ى
تعري دقيق .وكذل ،،فإن التعليقات املنهجية الدقيقة عن الفروق بني الشعر واألشكال الفنية األخرى ،مثل
املوسيقى والتصوير ،سيتم معاجلتها يف حينها ،كما سنقوم بتأمل العالقة بني الشعر املتواتر شفاهيا (لذا كنا
بصدد تضمني اآلدا ،،فإن الشعر يف الواقع يؤدى ،بطريقة أو أبخرى) والشعر املنقول عرب الكلمة املكتوبة .لن
كتاب فن الشعر ألرسطو ،يعد رايدة فلسفية مبكرة للشعر ،وتراثية اآلن ،حبسب هذه األفكار.
لن معاجلات أفالطون الشاملة للشعر حتب تل ،التوقعات .فهو مل يكتب حبثا عن املوضوع ـ احلقيقة أنه مل
يكتب أي حبث ،وحصر التعبري عن أفكاره يف قالب ايحماورات "الدرامية" ،اليت أُصيغت صياغة شعرية ،وما
يقدمه لنا من مالحظات فهي غري ممنهجة ،حىت داخل ايحماورة الواحدة ،ويتفرع ل ى ما يبدو أنه ابتعاد عن
يعرض الشعر مجهوره له .وفوق ذل ،،اعتقد املوضوع ،مثلما حدث يف املناقشة حول فساد النفس الذي ِّ
أفالطون أن شيئا ذو أمية فائقة يتعلق بتقديره للشعر ،شي ،يتجاوز جمرد الوصول ل ى تفاصيل املوضوع ،وهو
شي ،يرتكز بطريقة فلسفية معتربة .يقول أفالطون يف أحد أشهر األسطر ،يف مقطع من مقاطع الذروة ،يف
لحدى أشهر حماوراته" :ث معركة قدةمة بني الفلسفة والشعر" ( ،)Rep. 607b5–6دعما لذل ،،يقتبس
أفالطون مقاطع صغرية من نقاشات عديدة غامضة لكن حمتدة ،من ايحمتمل أهنا موجهة من الشعرا ،ضد
الفلسفة ـ كاالهتام الذي يوجهه الشاعر ل ى خصمه أبنه "كلب ينبح يف سيده" و"عظيم يف الفصاحة اجلوفا،
للحمقى" ]3[.يف الواقع ،فإن معظم أجزا ،الكتاب األخري من حماورة اجلمهورية هو هجوم على الشعر ،وليس
هناك ش ،يف أن املعركة بني الفلسفة والشعر موضوع متواصل يف ثنااي أعمال أفالطون.
يدل جمال الصراع أيضا ،خاصة يف اجلمهورية ،على أن ما يعتربه أفالطون على ايحم ،هو التصادم بني ما ةمكن
أن نسميه الرؤى الشاملة للعامل ،لذ يبدو أبن مسائل ذات أمية ابلغة يف األخالق ،والسياسة ،وامليتافيزيقا،
وعلم الالهوت ،واملعرفة ،توضع على ايحم .،وهو ةمهد للسطر الشهري عن تل ،املعركة ،بتعيني من يوجه لليهم
نقده أبهنم "الذين ةمجدون هومريوس ،الذي يقول لن هذا الشعر قد علم اليوانن ،وأنه ذو فائدة يف تنظيم
شئون الناس وتعليمهم ،ومن الواجب أن يرجعوا لليه لدراسته ،وتنظيم حياهتم وفقا له" ( .)606e1-5لن
املمجدين هلومريوس يتعاملون معه ابعتباره ينبوع احلكمة .يوافق أفالطون على أن هومريوس معلم اليوانن
ابلفعل ،ويضي بعد ذل ،مباشرة أن هومريوس هو "أول الشعرا ،التاجيديني وأعظمهم" .يضع أفالطون نفسه
ضد ما يعتربه النظرة الكلية يف اللغة املعاصرة ،وليس حسب لغة أفالطون "فلسفة احلياة" اليت يعتقد أن هومريوس
وأتباعه قد أشاعوها .وحيث أن صاغ هومريوس الثقافة الشعبية يف ذل ،العصر ،يضع أفالطون نفسه ضد
الثقافة الشعبية كما عرفها .ليس هذا فحسب :فاملعركة ليست بني الفلسفة وهومريوس فحسب ،ولمنا بني
أفالطون جتاه "الشعر" لمجاال يدعي أبن أتثريه قد فشا ،وأبنه غالبا ما يكون الفلسفة والشعر .كان موق
ضارا .وأن فرضياته املتعلقة ابلطبيعة واأللوهية غري صحيحة .هو ال يوجه نقده ل ى املعجبني هبومريوس فحسب،
بل ل ى كل املعجبني مبثل هذا الشي ،الذي يصنعه هومريوس ويبثه يف الناس .قُ ِّدم هذا النقد ابعتباره عابرا
للتاريخ .يبدو أن أفالطون كان أول من طرح هذا الصراع مفصال وبطريقة شاملة ]4[ .وجتدر اإلشارة ل ى أن ِّمن
بني َمن اهتموا سقراط ،يف حماورة الدفاع ( ،)23eشعرا ،،وهم الذين عرض ميليتوس دعواهم.
ليس من السهل حتديد ما يقصده أفالطون ابلشعر ،وملاذا هو خصم ،وما لذا كان مصدر خطورته راجع ل ى
شكله ،أم مضمونه ،أم كالما ،وما لذا كان هناك اهتمام متواصل ،أو ارتباط مستمر لصاحله؟ هل ينطبق نقده
مثال ،على تراجيدايت شكسبري؟ قصائد لدوارد لستلني كامينجز ،أو ت .س .لليوت؟ تل ،أسئلة صعبة ،لذا
أخذان حبقيقة أن أفالطون مل يكن ينظر ل ى الشعر كنص مكتوب يُقرأ يف صمت ،أو على األقل ليس يف املقام
األول ،لمنا كان ينظر لليه كإلقا ،أو أدا ،يتم تلقيه غالبا يف سياق مسرحي .لضافة ل ى ذل ،،فحينما أخذ
سقراط وأفالطون مالحظاهتما ،كان أتثري الشعر أكرب بكثري مما يسميه أفالطون "فلسفة" .ابلنظر ل ى النجاح
جدا أن نغفل عن أنه كان يدعو يف هذا الوقت
اهلائل الذي حققته دعوة أفالطون ل ى "الفلسفة" ،فمن السهل ً
ل ى مشروع جديد (اترخييا) يف سياق يعج ابخلالفات حول القيمة النسبية ملثل هذه املشروعات (وابلطبع حول
معىن "الفلسفة") .على النقيض من ذل ،،يبدو الشعر هامشيا ل ى حد ما يف اجملتمعات التجارية والليربالية
الكبرية اليوم ،رغم اجلهود النشطة من جانب شخصيات مثل الشاعر األمريكي املعاصر لورييت روبرت
بينسكي ،فيما تقوم وسائل اإلعالم ،اليت مل يعرف عنها أفالطون شيئا ـ مثل التليفزيون ،والفيديو ،والسينما،
واألشكال األدبية كالرواية ،ونظم املعلومات ،كالشبكة العنكبوتية ـ بتأثري هائل .يتمتع ممثلو السينما والتليفزيون
اسخا يف العامل القدمي.
بقدر من املكانة االجتماعية والثروة يف اجملتمع احلديث الذي يتجاوز أي شي ،كان ر ً
فهل مت هتميش نقد أفالطون كما هو األمر مع الشعر؟
رغم قسوة أفالطون ،ويف بعض األحيان فظاظته يف نقد الشعر ،فهو مل يضع يده على مسائل عميقة يتواصل
االهتمام هبا فحسب ،لكنه أيضا أثرى نقاشاته بعدد من أكثر األساليب املشوقة والبارعة وضوحا ،بكتابة
الفلسفة بطريقة ةمكن أن تكون شعرية بذاهتا ،بتحقيقها خلصائص معينة .،لقد اشتهرت "املعركة بني الفلسفة
والشعر" ابستحقاق ،ومت حبثها ابستفاضة :فما الذي تدور حوله؟
لذا انتقلنا ل ى املوضوع الثاين يف ترتيب موضوعاتنا ،أي :فن اخلطابة ،جند أنفسنا يف حرية أكرب .ما الذي ةمكن
أن يقوله الفالسفة عن فن اخلطابة؟ بصفة عامة ،سيقولون القليل جدا لكوهنم فالسفة .ومثل كل املفكرين ،ال
حيب الفالسفة اخلطابة ألهنا ممارسة عامة ،ويفجعهم احندار اخلطاب العام ل ى جمرد القدرة على اإلقناع
والغوغائية ،وبشكل عام ،يرون أهنم يتجنبون اخلطابة لصاحل تقدمي التحليل واحلجة الدقيقني .ةميل "فن اخلطابة"
ل ى أن يكون مفهوما سلبيا للغاية ،ويف الغالب يعين "جمرد خطابة" .يف جمال الدراسة األكادةمية ،يبدو من
األفضل ملوضوع اخلطابة أن يُتك ألساتذة اللغة اإلجنليزية ،املتخصصني يف التاريخ الطويل للنصوص اليت تدور
حول أساليب اإلقناع ،وما ل ى ذل .،ابلتايل ،فليس لدى الفالسفة ،لال القليل ليقولوه عن اخلطابة ،خاصة يف
الفلسفة احلديثة .على خالف ذل ،،فقد خصص أرسطو كتااب عن هذا املوضوع .وقد شق أفالطون طريقه
ابجتهاد مع فن اخلطابة ـ أو السفسطة كما يُدعى أحياان ،ولن كان ذل ،ال يعين تطابقهما .نذكر أن سقراط
قد حكم عليه ابملوت ،وجز ،من ذل ،قد كان بسبب الظن يف كونه سفسطائي ،خطيب ماهر ،يلوي الكلمات
وجيعل احلجة الضعيفة قوية ،ويعلم اآلخرين فعل ذل ]5[ .،كان طعن أفالطون يف السفسطائيني مقنعا حبيث
أننا أصبحنا نستخدم لفظة "سفسطائي" للداللة على معىن االزدرا ،،شي ،مثل "جمرد خطيب" ،وذل ،تزامنا
مع العدا ،الشعيب الراسخ واحلاصل جتاه السفسطائية (العدا ،الذي مل سقراط ،بنحو هزيل) ،وال ش ،أن
حماورات أفالطون تتضمن معركة متواصلة بني الفلسفة من انحية ،واخلطابة والسفسطائية من انحية أخرى،
وتل ،أيضا معركة شهرية ومت حبثها كثريا .فما الذي تدور حوله؟
مرة أخرى ،يواجهنا سؤال صعب للغاية .فليس من السهل فهم السبب ورا ،األمية الكربى للموضوع عند
أفالطون ،ما هي املسائل اجلوهرية يف املعركة ،وماذا لن كانت اخلطابة دوما أمرا سيئا .لننا نعرف أمثلة جديرة
ابلثنا ،للخطابة ـ لنقل :خطاب التأبني الذي ألقا ،ابركليس ،خطبة جيتيسربج اليت ألقاها لينكولن ،أو خطب
تشرشل احلماسية أثنا ،احلرب العاملية الثانية .مجيعها تنتمي ل ى فن اخلطابة ،لكن هل كانت جمرد كلمات
خطابية ،انهي ،عن السفسطائية؟ يبقى أيضا ،أن سقراط أفالطون ليس فوق الشبهات ،لذ يتهمه حماوروه
ابخلطابية ،يف بعض األحيان ،بل ابلسفسطة (مت التشكي ،بعض حججه ضد تراسيماخوسىفي الكتاب األول
من حماورة اجلمهورية ،يف أهنا تندرج حتت السفسطة ،وأحياان ما يذكر حماورو سقراط شعورهم أبنه ةمارس بعض
اخلدع اللفظية معهم) .ث أليست حماورات أفالطون نفسها خطابية ،ابملعىن املعترب للمصطلح؟
تثري هذه املالحظات سؤاال آخر .أاي كانت أمية موضوعي الشعر واخلطابة ،فحينما نقرأ أفالطون ،ملاذا
جنمعهما معا؟ قد يتصور القليل من الناس اليوم أنه ال توجد عالقة مثرية لالهتمام بني الشعر واخلطابة .لن
النظر ل ى الشعرا ،الكبار ابعتبارهم "خطبا ،"،يبدو أمرا غريبا ،كما ال يبدو أن معظم اخلطبا( ،املشهورين)
الشعر يف حماورة يعرفون شيئا عن الشعر .غري أن أفالطون يرب بني االثنني على حنو وثيق :فهو يص
جورجياس ( )502cأبنه نوع من اخلطابة .هكذا يزودان أفالطون ابملسوغ لبحث املوضوعني معا .من املؤكد
أن تل ،الرابطة بني الشعر واخلطابة مثرية للجدل ،وسيتم مناقشتها فيما يلي.
من الواضح أن موضوعاتنا ذات نطاق شديد االتساع ،وال ختلو واحدة من حماورات أفالطون من االتصال
بواحد أو أكثر منهما .ستقتصر مقالتنا هذه على أربع حماورات؛ أيون ،واجلمهورية ،وجورجياس ،وفايدروس.
وسوف أقوم ببحثهم بذل ،التتيب ،ويف القسم األخري من املقال ،سأحبث املسألة الشهرية اخلاصة ابلبعد
اخلطايب والشعري يف كتاابت أفالطون إبجياز.
سأقوم ابلبحث عن الرواب بني تل ،ايحماورات األربعة ،رغم اعتقادي أبن تل ،النصوص املختارة ال تقدم
صورة للشعر واخلطابة املتآزرين متاما (حقا ،ال ةمكن ادعا ،ذل ،حىت عن اجلمهورية لذا أُخذت منفردة) .سأحني
أفالطون للمحاورة ،مع االفتاضات حول "التطور" ايحمتمل لرؤية أفالطون ،من جانبا مسألة زمن أتلي
ايحماورات "املبكرة" ل ى ايحماورات "املتأخرة" .هذا مثال لفرضية أتويلية (أو كما تُسمى أحياان" :هرمنيوطيقية")،
كل قارئ ألفالطون قام ابفتاضات أتويلية ابلضرورة .والسجال متواصل حول أي من هذه االفتاضات هو
األفضل ،لكنه غري وثيق الصلة ابلنقاش املعاصر ]6[.يفي ابلغرض هنا أن نوضح االفتاضات ذات الصلة اليت
أنتجها هذا البحث.
لن هوية "سقراط" حمل خالف ،فليس لدينا كتاابت خاصة بشخصية سقراط التارخيية ،ولمنا جمرد أعمال كتبها
عدد من املؤلفني ،وهي مبعىن أو آبخر ـ واملعاين هائلة التباين ـ لما عنه ابلفعل ،أو أهنا اختذت امسه ومظهره
أساسا خياليا لقصتها .عند اإلشارة ل ى سقراط ،فإين أعين فق شخصيته كما قدمها أفالطون ،غري معين
حاليًا ابلدقة التارخيية للوص الذي يقدمه أفالطون .ابإلضافة ل ى ذل ،،فإن ما يضعه أفالطون من آرا ،على
لسان سقراط ،ال يعين أن أفالطون نفسه يتبىن هذه اآلرا ،،فقد تكون كذل ،،وقد ال تكون .ونظرا ألن
أفالطون مل يكتب أطروحة خاصة به ،نتعرف فيها على آرائه ،فمن املستحيل أن نعرف على وجه اليقني أي
تل ،اآلرا ،يتبناها أفالطون (على األقل ،استنادا ل ى األعمال اليت ألفها) .يف العديد من احلاالت ،اليت ستتم
دراسة لحداها يف القسم األخري هلذه املقالة ،فمن الواضح بشكل معقول أن أفالطون ما كان ليتبىن رأاي يؤيده
سقراط بال قيد أو شرط .مع أ خذ تل ،املبادئ يف االعتبار حبزم أبية حال ،سأحيل بني احلني واآلخر ل ى
كل عبارات ودراما ايحماورات، أفالطون حني أعرض ر ًأاي أو آخر (كما سبق أن فعلت) .وحيث أنه مؤل
فهو يقدم تل ،اآلرا ،املعنية ابلفعل ،وسيكون من املناسب يف بعض األحيان وأكثر بساطة ذكر لنه يتخذ هذا
املوق أو ذاك (على سبيل املثال :املوق القائل بوجود معركة قدةمة بني الفلسفة والشعر).
.2حماورة إيون
ليون ،راوي شعر حمتف ،حائز على جوائز ،ومتخصص يف رواية شعر هومريوس ]7[.وابلرغم من أنه ينشد
أبياته ابلصدق والعاطفة الضروراين ،فإنه ال "حياكي" موضوعاته ،مبعىن متثيل أدوارها (ابلطبع ،فهومريوس مل
يكتب أعماله للمسرح) .فهو راوي ،وليس ممثل (مسرحي) .يتم تصوير ليون كشخص رائع يف لتقان ملحميت
اإللياذة واألوديسة ،حبيث جيعلهما تنبضان ابحلياة ،بتوصيل ما حتواينه من دراما ولرارة وجدانية ل ى مجهوره.
ةمكننا القول أبنه "يقدم" أو "يعرب" عن شخصيات ،وأحداث ،وسرد قصائد هومريوس امللحمية ،وابلتايل فإن
كال منهما يندمج مع موضوعه ،وكذل ،يفعل مجهوره .وكما يقول يف ايحماورة اليت حتمل امسه :لذا أتقن عمله،
فسيبكي حني لنشاد األبيات احلزينة ،ويتوقع أن يرى مجهوره يبكي معه ( .)535b1-e6كلتا امللحمتني مت
نقلها بفضل الكفا،ة السردية الرائعة إليون ،يف املسرح احلقيقي (كما يقول سقراط ،فإن ليون "جبانب ذاته"
ويف حلظة اندماجه ،حيسب أنه حاضر يف املشهد الذي يرويه) (.)535b7-c3
لكن ليون يرى أنه قادر على حتقيق ما هو أكثر من ذل ،،لذ أنه يدعي أنه خبري يف تفسري ما حتمله أعمال
مفسر (انظر )531a7أو مؤول بال منازع ،وقد أرار هذا االدعا ،عجب سقراط. هومريوس من معاين .لنه ِّ
هو مل يسمح إليون ابستعراض مهاراته كراوي ،وبدال من ذل ،،أصر على أن يشاركه يف نقاش متبادل ،حول
القدرات اليت يدعي ليون امتالكها .هذا منوذج ملنهج سقراط يف احلوار؛ جيرب حماوره على أن يديل بتعهداته
وطريقته يف احلياة .كراوي ومفسر ،الراوي ليس له مقابل اليوم .وابلرغم من ذل ،،فإن مضامني حماورة ليون
عديدة ،ففي حني أن ليون ليس شاعرا ،فإنه يتص ببعض السمات املهمة اليت يتشارك فيها مع الشاعر.
كان سيل األسئلة اليت استهل هبا سقراط احلوار كاش ًفا .حياول سقراط لظهار تورط ليون يف عدة فرضيات غري
متابطة ببعضها البعض ،وعليه أن يقدم افتاضات ذات صلة ابملوضوع تنقذه يف هذا املوق .يدعي ليون أنه
شارح ،من الدرجة األو ى ،جلماليات هومريوس ،هومريوس فق ،أما ابلنسبة للشعرا ،اآلخرين (مثل هيزيود)
فإنه يفقد اهتمامه هبم ،وكذل ،يفقد كفا،ته يف شرحهم ،لذا ما جا ،ذكرهم ( 531a3-4, 432b8-c2,
،)533c4-8كما ادعى أن هومريوس يقدم موضوعاته بشكل أفضل كثريا من غريه من الشعرا531d4-( ،
.)11, 532a4-8قد يكون مربرا أن يُنظر ل ى ليون كأحد "املمجدين" هلومريوس ،مع الذين متت اإلشارة
لليهم يف الكتاب العاشر يحماورة اجلمهورية (انظر ما سبق ،وحماورة ليون .)542b4الحظ أن أول ما يقوم به
سقراط هو جعل ليون يقر أنه هو من قدم تل ،االدعا،ات ،وبينما يبدو ذل ،بوضوح ،لال أنه شرط أساسي
يف مباحثات سقراط ،ومسة مميزة ملا يفعله سقراط كفيلسوف.
لذا كان ليون مفسرا أو شارحا لقصائد هومريوس ،فيلزم أن يكون عارفا مبعاين القصائد ،ولال فإنه لن يستطيع
تفسري أفكار الشاعر .فهذا كما يبدو ،أمر بديهي أكده سقراط يف البداية ( ،)530c1-5وقبله ليون
بتحاب .مع ذل ،،لذا كان ليون يفهم ما يقول الشاعر حول املوضوع س ،وحكم إبجادة الشاعر يف تعبريه
عن س ،فالبد أن تكون لديه القدرة على تقييم ما يقوله الشعرا ،اآلخرون عن املوضوع نفسه .على سبيل
املثال ،كثريا ما تكلم هومريوس عن كيفية شن حرب ،فباعتباره خبريا يف هومريوس ،ويدعي أن هومريوس عرب
عن ذل ،املوضوع أبمجل ما يكون (مبعىن أنه صوره بشكل صحيح) ،يلزم أن يكون ليون يف موضع جيعله يبني
مثال ،من خالل عرض بسي لسلسلة من املقارانت بينهما
كي أجاد هومريوس ذل ،،وكي خفق هيزيود ً
( ،)531e10فإذا ما كنت قادرا مبعرفت ،على متييز املتحدث اجليد عن موضوع ما ،فبإمكان ،أيضا متييز
املتحدث السي ،عن املوضوع نفسه ،حيث أن الشروط الالزمة لعمل ذل ،،أن يكون لدي ،معرفة ابملوضوع
ذي الصلة .لكن يبدو أن ذل ،يتعارض مع أتكيد ليون بقدرته على تفسري هومريوس فق ،وليس بقية
الشعرا.،
حكيم ( .)532d6-e1لكن ادعا ،احلكمة ،عرضة الدعا ،مقابل (فالشعرا ،خيتلفون مع بعضهم البعض
كما أشار سقراط) ،ولكي حنكم بينهم ،ولندعم تقييمنا ملزاايهم النسبية ،جيب أن ننفتح على نقاش مستنري،
فنيا وفلسفيا .فين؛ ألنه يف موضوعات مثل شن احلروب ،يلزم أن نرجع ل ى اجلنرال الستشارته يف مدى دقة
وص هومريوس ،وفلسفي؛ ألن منهج تقييم الكل ("املنهج السقراطي") ،واالدعا،ات الكلية حول صدق ما
حتديدا ما يشغل أفالطون فلسفيا.
يقوم به املفسر والشاعر ،هي ً
كان على بعد جمرد خطوة واحدة من هناك ليصل ل ى رأي يفيد أبن ا
كال من ليون وهومريوس ال ةمكنه دعم
ادعا،اته ابملعرفة ،وابلتايل ال يستطيعان تعزيز ادعائهما أبن القصائد جيدة ومجيلة .مع توايل الفقرات ،يتكلم
هومريوس عن موضوعات تندرج حتت ختصصات معينة (فنون أو مهارات) ،أي :فرع معريف خاص .لكن ال
الراوي وال هومريوس ةملكان املعرفة جبميع (أو رمبا أبي من) تل ،الفروع املتخصصة (القيادة العسكرية ،وصنع
العرابت ،والطب ،واملالحة ،والعِّرافة ،والزراعة ،وصيد األمساك ،والفروسية ،ورعي البقر ،والعزف على القيثارة،
وغزل الصوف ،لخل) .حياول ليون االعتاض على ذل ،ابلقول أبنه بفضل دراسته هلومريوس ،فهو يعرف ما
الذي على القائد العسكري (على سبيل املثال) أن يقوله ( .)540d5وحيث أنه قد قبِّل أبن ذل ،يتضمن
امتالكه لفن القيادة العسكرية ( ،541e2الفن كمعرفة) فإنه ادعا ،يصعب الدفاع عنه ،ويتهمه سقراط ابلفشل
يف أتكيده أبنه "حاذق ابمتياز ...يف أعمال هومريوس" (.)542a1
لذن ،لن سلسلة من االحتماالت غري املستساغة تواجه ليون ،وابلتايل هومريوس:
أ .مبقدورما االستمرار يف الدفاع عن زعمهما أهنما ةملكان معرفة فعلية ابملوضوعات اليت يتحدران عنها ـ
مبعىن أهنما حيوزان الفن كمعرفة ،مبعىن :اإلملام التام ابملوضوع .غري أهنما لذا دافعا عن هذا االدعا،
سيكوانن عُرضة للمراجعة من جانب اخلربا ،املتخصصني.
ب .ةمكنهما االعتاف أبهنما ال يعرفان ما يتحدران عنه .وةمكن تفهم هذا اإلقرار بعدة وسائل:
(ب )1 .ةمكن للمر ،القول أبنه مع افتقارما ل ى املعرفة الفنية (اإلحاطة بتل ،احلرفة أو املهارة) ،فإهنما
ةملكان معرفة ابلشؤون اإلنسانية ،وهو ما يقارب املعرفة ابلطبيعة اإلنسانية ،ابلكيفية اليت متيل احلياة
اإلنسانية للتقدم هبا ،وابلعالقة (مثال) بني الفضيلة والسعادة ،وكذل ،بطبيعة كال من الفضيلة
والسعادة .وةمكن أن نضي ل ى ذل ،القول أبن الشعرا ،ومفسريهم يعرفون طبيعة الكون والعامل اإلهلي.
يف حماورة اجلمهورية ،يسمح هلم سقراط ابدعا،ات ابملعرفة يف هذا الصدد ،ومن ث يهاجم مجيع
(ب )2 .بدال من ذل ،،فبمقدورهم االعتاف أبهنم ال ةملكون معرفة فنية أو غري فنية ،عن أي من
املوضوعات اليت ينشدوهنا يف قصائدهم ،ولن ما ةملكونه هو مهارة (فن )techneيف خلق صور
مؤثرة ،ومقنعة ،ومجيلة ،للموضوعات املعنية .لذا ،فعندما قال ليون لن هومريوس يتحدث بقدر كبري
من اجلمال عن س ،فلم يكن يعين غري أن هومريوس يتحدث بنحو مجيل ابملعىن اخلطايب ،حىت ولن
مل يكن يعرف عما يتحدث هومريوس .وينشأ عن ذل ،،أن الشاعر (حبسب هذا التأويل) سيذكر
نفس االدعا ،عن نفسه .سيبدو هذا وكأنه خيتزهلما ل ى جمرد خطبا ،،وهو ما يذهب لليه سقراط يف
حماورة جورجياس ،مع حتفظ لضايف أبن اخلطابة كممارسة مجاهريية ال ترقى ل ى أن تكون حرفة فنية.
أمرا قوي التأثري ،سوا ،لتعليم أهل اليوانن ،أو ليصبح
لن الشعر ابعتباره خطابة ال ةمكن من اعتماده ً
مجهوره أفضل ،لن اخليار (ب )2 .ليس هو املوق الذي قد حيرص الشاعر ورواته على تبنيه.
(ب )3 .ةمكن إليون االعتاف أبنه ال يعرف شيئا عن املوضوعات اليت يعاجلها هومريوس ،وأن
يسحب ادعا،ه أبنه راوي صاحب معرفة ،ولكن يُبقي على أن هومريوس يعرف ما يتحدث عنه.
وسيكون ليون عرضة لسؤاله عن الكيفية اليت عرف هبا ذل ،كله ،وعلى أية حال ،فسيتحول هجوم
سقراط ل ى اهلدف احلقيقي :هومريوس.
(ب )4 .يطرح سقراط ما يبدو أنه بديل أكثر قبوال يف حماورة ليون ،وهو ما تردد صداه يف حماورة
فايدروس ( ،)245aلنه "االفتاض املتميز واملنقذ" الذي ذكرانه آنفا .ويتمثل يف أن ليون يروي
(وهومريوس يؤل ) ال عن معرفة ولمنا عن لهلام لهلي .ال يعرف أحدما ما يقول ،ولكنه رغم ذل ،قادر
حبذق ومجال ،وذل ،بفضل اإلهلام اإلهلي .لهنما مثل أتباع ابخوس ،فاقدين على الرواية أو التألي
لعقوهلم ( .)534b4-6ويتشاركون هذا اجلنون اإلبداعي كما ةمكن أن نسميه ،مع غريهم من الفنانني
أصحاب اإلهلام اإلهلي ،واألنبيا ،،واملستبصرين ( .)534b7-d1من املفتض أن يفسر هذا سبب
اقتصار ليون على رواية قصائد هومريوس حبذق ومجال ،فاإلهلام اإلهلي ال أيتيه لال خبصوص هومريوس
وحده ،وهذا ما يعنيه قوله لن هومريوس أفضل من منافسيه من الشعرا .،فليس لدى ليون حجة يدعم
هبا ما يبدو أنه تقييم مقارن ،بل جمرد تقرير مفاده أنه "ممسوس" بسحر هومريوس بفضل عمل اآلهلة.
فالشاعر ،ابإلضافة ل ى ذل ،،ليس عارفا بل هو انقل لومضة اإلهلام اإلهلي ،فهو أو هي "كائن لطي ،
جمنح ومقدس"( .)534b3-4تل ،الومضات تولد بواسطة قوى لهلية ،وهتب متناقلة عرب الشاعر
ل ى الراوي ،ومنه ل ى اجلمهور .ونرى يف تشبيه سقراط الذي ال يُنسى للعالقة بني اإلله والشاعر،
والراوي ،ث اجلمهور مثل حلقات ممغنطة ومتوالية ،تلتصق كل منها ابألخرى ،بفعل القوى املغناطيسية
اإلهلية يف البداية ( ،)535e7 – 536b4كأهنا متابطة يف سلسلة (كما قد نتصورها حنن).
يساعد هذا التشبيه التمثيلي يف اإلجابة على سؤال مهم :ملاذا جيب أن هنتم مبا لذا كان الشعرا ،يعرفون أو ال
يعرفون ما يتحدثون عنه ما دمنا نستمتع مبؤلفاهتم؟ جييب سقراط أنه ابعتباران احللقة األخرية يف سلسلة اإلهلام
تل ،،سنكون مؤهلني ألن نتأثر بدرجة كبرية ابلشعر .حنن "املشاهدون" يف عرض اإللقا ،الشعري ،نفقد عقولنا
ل ى درجة ما أيضا ،فننتحب أو نضح ،ابندماجنا يف املشهد ايحمكي ،انسني ذواتنا وحياتنا احلقيقية
( .)535b2-d9يف حماورة ليون ،ال يقدم لنا سقراط تفسريا لضافيا لكيفية حدوث هذا التأثري ـ لذل،،
سننتقل ل ى اجلمهورية ـ غري أن املسألة املهمة هي أن ذل ،التأثري حيدث .قد يبدو أن املشاهدين قد غريهتم
التجربة ،فأخذهتم بعيدا عن ذواهتم بطريقة ما .وقد ال تدعهم على احلال الذي كانوا عليه ،ألن فهمهم ملا أرار
حزهنم أو ضحكهم سيبدو كما لو أنه تشكل بفضل هذه التجربة املؤثرة ،التجربة اليت حيتمل تكرارها ملرات
عديدة ،خالل فتة الطفولة وما بعدها .رمبا يبدأون ،أيضا ،يف االعتقاد ـ مبثل ما فعل ليون والشاعر ـ أبهنم
شن احلروب ،ول ى أي مدى تظل مشتعلة ،وما معىن "يعرفون" شيئا بفضل اتصاهلم اإلهلي ،مثل كي تُ ُّ
اإلخالص يف احلب ،أو شخصيات اآلهلة .لن يكون ألي من هذه األمور أمية تُذ َكر لذا مل حيركنا الشعر الرائع،
أو تركنا كما كنا .يعتمد نقد أفالطون على افتاض أنه إبمكان الشعر تشكيل أرواحنا.
لن فرضية "اإلهلام اإلهلي" حتل بعض املشكالت ابلنسبة إليون (وضمنيا ابلنسبة هلومريوس) ،بينما تؤجل حلول
مشكالت أخرى .لحدى املشكالت اليت ذُكرت يف األسطر القليلة األخرية من ايحماورة ،حني يعرض سقراط
ألسئلة سقراط حول طبيعة على ليون االختيار :لما أن يكون لنساان ،ويتحمل مسؤولية جتنبه غري املنص
ِّحكمته (اإليونية) ،أو أن يقبل بوسم "لهلي" ،ويشارك يف فرضية اإلهلام اإلهلي .أيخذ ليون ابالختيار األخري
على أساس أنه "األروع" .لهنا ابلتأكيد دعوة ل ى االعتداد ابلنفس والطمأنينة .كم سيكون سهال اخلل بني
اإلهلي واجلنون اإلنساين (نستعري التمييز من حماورة فايدروس !)244a5-245c4وليس كل من تباروا من
أجل احلصول على اجلائزة اليت فاز هبا ليون على نفس درجة استحقاق حالة اإلهلام اإلهلي .على العكس من
نفسه يف حماورة الدفاع أبنه ال يظن أنه يعرف ما مل يكن يعرفه لبشريته ،بل بفضل ذل ،،فإن سقراط يص
"حكمة" لهلية ]8[ .أخريا ،حيث أن كال من الشعرا ،ورواهتم يقدمون نظرهتم حول ما عليه األشيا ،وما جيب
أن تكون عليه ،ويسعون ل ى حث مجهورهم على األمر نفسه ،فهم ال يستطيعون التملص من مسؤوليتهم عن
االدعا ،الضمين حبكمتهم وقوة أتثريهم .ابلنسبة ألفالطون ،فإن ذل ،يعين وجوب حماسبتهم .لهنا مهمة
الفيلسوف؛ أن جيربهم على تقدمي كش حساب عن أنفسهم ،وأن خيترب صحة ما قدموه .يعين ذل ،أنه يتعني
عليهم مشاركة الفلسفة يف مضمارها ،متاما كما فعل ليون على مضض .لن شرعية هذا املطلب ،هي يف ذاهتا
[]9
نقطة خالف ،فهي أحد مظاهر املعركة بني الفلسفة والشعر.
استجابة للتحدي الشهري الذي واجه سقراط من جانب جلوكون ولدةمانتوس ،كان من الضروري أن يتم تقدمي
تعري للعدالة .يقول سقراط لن املهمة ستكون أسهل لذا ما نُشدت العدالة يف دولة املدينة (أو املدينة
اليواننية) ،حيث تكون "الصورة أوضح" .وكانت استاتيجية مقبولة يلزم معها لنشا ،دولة املدينة لفظيا .انتهى
كم األوصيا ،الفالسفة الدولة املدينة ،وكان السؤال التايل متعلقا بتبية هؤال ،األوصيا.)376e2( ،
األمر أبن َح َ
ينشأ نقد الشعر يف حماورة اجلمهورية عن النظر يف التبية املناسبة لألوصيا ،الفالسفة (منذ طفولتهم) يف "املدينة
الفاضلة" .ابلتايل ،كان سياق النقد هو سياق املشروع ايحمدد يف حماورة اجلمهورية ،ويثري هذا تساؤال عما لذا
كان القصد من النقد هو رؤية ما لذا كانت "املدينة الفاضلة" ممكنة أو مرغوبة أم ال.
كانت عناية الكتاب الثاين من حماورة اجلمهورية مبوضوع التبية املناسبة للمواطنني كبرية ،متاشيًا مع مشروع
لنشا ،املدينة الفاضلة .لن "صانعي األساطري" ( 377b11ترمجها بلووم "مبتكرو احلكاايت") الذين يروون
القصص السائدة يف ذل ،الوقت ،هم مثل املصورين ( )377e2الذين يصنعون صورا لآلهلة واألبطال،
وابلطبع ،للعالقات بينهما .يتعامل سقراط ،منذ البداية ،مع القصائد (وخص ابلذكر قصائد هيزيود وهومريوس،
ولن مل يكن النقد حمصورا يف أعماهلما) ليس ألهنا تتضمن كذاب فحسب ،بل وألهنا تتضمن أكاذيب يتم
تصويرها على أهنا سلوكا جيدا .يتم اختاذ هذه القصائد كنصوص تربوية ،وبعد ذل ،،تنتشر كنصوص سياسية،
حتفيزا (انظر )378c7 :لفئة الشباب الذي يتعرض للخطر بشكل كبري من جرا ،ذل .،ال يستطيع الشاب
األمر صحيحا أم خاطئًا ،وحيث أن احلكم على األشيا ،يف الصغر يصعب
احلكم بشكل صحيح عما لذا كان ُ
حموه أو تغيريه ،فمن الضروري التأكد من أهنم ال يسمعون لال األساطري اليت حتث على الفضائل احلقيقية
( .)378d7-e3ةمتد الدافع التبوي املقصود ابلتأكيد ملا ورا" ،املدينة الفاضلة" اليت تُنشئها اجلمهورية.
وهكذا ،رغم أن نقد الشعر يف الكتاب الثاين وما بعده قد تشكل هبذا املعىن خالل موضوعات السياق ،لال
أن االنشغال به ال يقتصر على ذل.،
عالوة على ذل ،،يستهدف سقراط حمتوى العديد من القصائد ذات التأثري اخلاص ،وال تستند حججه ضد
هذا ايحمتوى يف حماورة اجلمهورية على مشروع لنشا" ،املدينة الفاضلة" .أحد أهدافه األو ى كان ما يسميه
"الالهوت" اخلاص هبم ( .)379a5-6سوا ،يف املالحم ،أو القصائد الغنائية ،أو التاجيدايت ،وسوا ،كان
اآلهلة بشكل صحيح ،مبعىن أنه ال موزوان أو غري موزون ( ،)379a8-9, 380c1-2لذ جيب وص
يعتيها التغيري ،وأهنا خرية وال يصدر عنها لال اخلري ،وغري قادرة على العن ،وأهنا "بسيطة متاما وصادقة يف
أفعاهلا وأقواهلا" ،ألن اإلله "ال يتغري ،وال خيدع اآلخرين ابألوهام ،وال ابألقوال ،وال إبشارات يرسلها ل ى الناس
يف يقظتهم أو منامهم" ( )382e8-11لذ "ليس عند اإلله جمال لشاعر كاذب" ( .)382d9ابختصار،
فإن اآلهلة اليت يتم تصورها بشكل صحيح ودقيق ،تشابه على حنو واضح ما سيطلق عليه سقراط الحقا:
"املثُل" يف الكتابني اخلامس والسابع يف حماورة اجلمهورية ،من الواضح متاما ،أنه جيب التخلي عن األساس
ُ
"الالهويت" املهيمن على النظرة للعامل ،واليت سادت يف يوانن القرنني الرابع واخلامس ـ وكذل ،أي نظرة الهوتية
ال تتفق مع ايحمددات اليت وضعها سقراط ـ ونبذ ذل ،كله .يتسع نطاق النقد هنا بشكل مذهل.
يثري سقراط مسألة أخرى غاية يف األمية يف هذا اجملال ،وهي أال يُسمح للشعرا ،بتديد أن من عوقبوا بسبب
ما ارتكبوا من آرام هم تعسا ،مظلومون ،بل جيب أن يقولوا أبنه جزا( ،عادل) يلقاه الرجال من اإلله ملصلحتهم
( .)80b2-6يبدأ سقراط مبواجهة الفرضية اليت تذهب ل ى أن التفوق والغلبة ستكون من نصيب األشرار،
أو أن األخيار ةمكن أن يتأذوا .لقد نشأ الكون على طريقة متكنه من دعم الفضيلة .حياول سقراط اإلنقاص
من قيمة ما ةمكن أن يُسمى نظرة "مأساوية" جتاه العامل (الحظ أنه يف الكتاب العاشر ،يص هومريوس أبنه
"زعيم" التاجيداي.)598d8 ،
يف الكتاب الثالث يتوسع سقراط يف حجته بشكل واضح .االهتمام اآلن مباشر ابلشعر الذي حيث على
الفضيلة يف نفوس الشباب .الشجاعة واالعتدال ما أول الفضائل اليت مت تدارسهما هنا ،وكذل ،التدقيق يف
التأثريات السيكولوجية واألخالقية للشعر .ينبغي التخلص من صورة هاديس ،ما دامت غري حقيقية وغري ذات
نفع للجمهور الذي جيب عليه أن يكون شجاعا يف مواجهة املوت .املوت ليس أسوأ شي ،موجود ،كما ينبغي
التخلص من تصوير الرجال املشهورين ،أو (املزعوم) أهنم أخيار ،وهم ينتحبون وينعون حظهم السي( ،أو أن
يقتصر ذل ،على األقل على النسا ،،واألشرار .)387e9- 388a3 ،ال ينبغي للشعرا ،أن حياكوا اآلهلة
(انظر 388c3خبصوص هذا املصطلح) أو الرجال يف حال معاانة تتطرف فيها مشاعرهم ،ومن ذل ،املبالغة
يف الضح ،واملرح ،ألن األرواح القوية ال تتغلب عليها املشاعر أاي كانت ،انهي ،عن الرغبات اجلسدية .كما
أهنم ال يعانون من الصراع الروحي ( .)391cأصبح رفض النظرة "التاجيدية" ل ى العامل واضحا :ال يُسمح
للشعرا ،وكتاب النثر بكتابة أشيا ،مثل " الكثري من الرجال السعدا ،أشرار ،والعديد من التعسا ،أخيار ،ولن
فعل الشر قد جير نفعا لذا ما متكن املر ،من مداراته ،أما العدالة فإمنا هي انفعة للغري ويغرم صاحبها" .وعلى
كل من يتلفظ أبي من هذه املوضوعات ـ يف نظم شعري أو غريه ـ أن يقول عكس ذل392a13-( ،
.)b6ابلتوسع يف جمال اخلطابة ،واملتصل ابملوضوع على حنو كبري ،يضع سقراط متطلبات اخلطاب املؤثر ـ أو
ما سيطلق عليه يف موضع آخر "فن اخلطابة" ـ ومن ث جيعل الشعر فرعا له.
بعدما انتهى سقراط من قضية ايحمتوى ،حتول ل ى قضية "األسلوب" (حماورة "لَي ِّزيس" ،)392c6 ،أو ،ما ةمكن
أن نسميه :قضية "الشكل" لدى َحكائي األساطري أو الشعرا( ،مرة أخرى ،جيمع سقراط بني هذين االثنني).
وهو يقوم بذل ،بطريقة حتدد اجتاها جديدا يف احلوار .لذ يتبني أن القضية ذات أمية أخالقية عميقة؛ ألهنا
تتعلق ابلطريقة اليت يؤثر هبا الشعر يف النفوس .كانت اآللية غامضة حىت تل ،اللحظة ،أما اآلن فقد أصبحت
أوضح قليال .ينقل رواة األساطري الشعرية أفكارهم بواسطة السرد ( diegesisاحلبكة) ،الذي قد يكون بسيطًا
( )haplosأو تقليدا (يتم خالل عمليات "حماكاة") .لن فكرة ايحماكاة اليت نفتقدها يف حماورة ليون ،حتتل
اآلن الصدارة .حينما يتحدث الشاعر بصوته اخلاص ،فإن "السرد" يكون "بسيطا" ،وحينما يتحدث خالل
شخصية أخرى ،كما لو كان يداري نفسه خل قناع من أحد شخصياته األدبية ،فإن السرد يكون نوعا من
التقليد ،أو من ايحماكاة .حينئذ ،فإن الشاعر يشبه نفسه بتل ،الشخصية ،حماوال لقناع اجلمهور أبن الشخصية
هي من تتحدث .بعض القصائد (اهلزلية والتاجيدية ورد ذكرها) تواصل استخدام ايحماكاة من بدايتها ل ى
هنايتها ،وبعضها اآلخر أييت كله يف أسلوب سرد بسي (ذُكرت أانشيد الديثرامب) ،فيما جتمع القصائد
امللحمية بني شكلي السرد.
ينتج عن هذا املخط التصنيفي نقاش حول ايحماكاة .كانت الفرضية األو ى تفيد أبن إبمكان كل شخص
القيام بعمل جيد خالل نشاط واحد فق .وابلتايل ،فال ةمكن ألحد أن يؤدي حماكاة جيدة لال لشي ،واحد
(على سبيل املثال :ال ةمكن للممثل أن يكون راواي ،والشاعر اهلزيل ليس مبقدوره أن يكون شاعرا تراجيداي ،لذا
ما قام أحدما بدوره بشكل حسن) .وايحماكاة نفسها هي شي ،يفعله املر ،،ولذا ال ةمكن له أن يقوم مبحاكاة
س (ولنقل :القيادة العسكرية) على حنو جيد ،وأن يقوم يف الوقت نفسه بفعل العمل س الذي حياكيه ( 394e
.)– 395bجيب القول أبن هذه األطروحة قامت على حجة واقعية ل ى حد ما .على أية حال ،فإن الروح
الفاضلة (األوصيا ،،يف هذه احلالة يف املدينة الفاضلة) جيب عليهم أال يقوموا مبحاكاة أي شي.،
ولذا حدث أن قاموا مبحاكاة أي شي ،،فعليهم مراعاة أن يكون ذل ،مما يرفع شأهنم ال أن حي من قدرهم.
ملاذا؟ ألن أفعال ايحماكاة "لذا ما داوم الشباب على ممارستها" فإهنا "ستسخ يف نفوسهم كعادة وطبيعة ،تؤثر
يف أجسادهم وكالمهم وعقوهلم" ( .)395d1-3على النقيض من السرد البسي ،فإن ايحماكاة تشكل خطرا
نفسيا ،لذ أن الراوي للسرد قد يتقمص مست وهيئة الشخصية األدبية اليت يتحدث عنها .فيبدو كما لو أن
احلدود متاهت بني الشخصية املتخيلة والشخصية احلقيقية ،حني يقوم املر ،بتمثيل املشهد فإنه يؤدي املشهد،
ومن ث يؤديه (يف "الواقع") مبثل ما كانت الشخصية الروائية تفعل .لن املر ،ال يتعمد أن يكون تل ،الشخصية
أو التفكري الذي يكون حني يقوم الشخص الروائية ،ولمنا هو "قالب" أو من االستجابة ،أو التعاط
"ابيحماكاة" ،فهو يتلبس ابلشخصية املتخيلة .ليس هناك حاجز حمكم بني للقا ،نفس ،يف دور معني (خاصة
بعفوية) ،جبسدك وروح ،،ويتم تشكيل ،حبسب هذا الدور ،بال حدود رابتة .هبذا املعىن ،فال حدود بني ما
حيدث على املسرح وخارجه .وعلى العكس ،يرى سقراط أن الرواية البسيطة حتافظ على املسافة بني الراوي
واملروي.
خيتتم سقراط هذا القسم من نقده للشعر مشتطا عدم السماح للشاعر الذي حياكي كل شي( ،احلسن والسي)،
ابإلقامة يف املدينة الفاضلة ]10[ ،وذل ،قبل االنتقال ل ى نقد املوسيقى واأللعاب الرايضية .على أية حال،
فالشاعر األكثر "التزاما" وراوي األساطري كالما مقبول وجودما ،ألنه يلزم نفسه ابالقتصار على حماكاة
الفضال ،من الناس (حينما يقوم ابيحماكاة ،وايحمتمل أن يكون ذل ،اندرا بقدر اإلمكان) ،ومن ث التحدث
بنفس هذا الشكل ،عن النغم واإليقاع ،وعمن يصور بدقة طبيعة اآلهلة ،واألبطال ،والفضائل ،واملسائل األخرى
[]11
اليت نوقشت يف الكتابني الثاين والثالث (.)398a1-b4
صدم هذا النقد املوجه ل ى شعر ايحماكاة القرا ،،كونه غريبا وعنيفا بعض الشي ،،بل لنه يقصي مسألة شرعية
الرقابة على الفنون .كما يبدو أنه ال ةميز بني الشاعر ،وراوي الشعر ،واجلمهور ،وال يسمح للجمهور مبسافة
املشاهدة ،ويسمح للمؤل مبسافة حمدودة بينه وبني الشخصيات اليت يقدمها .مجيعهم يصبحون رواة ومؤدين
للقصيدة حني قرا،هتم أو تفكريهم يف األبيات ،ويُزعم أن رواية القصيدة ،وتلقيها كما هي ،له أتثري حقيقي
على سلوكيات الفرد.
يبدأ الكتاب العاشر إبعادة التأكيد على القصور األساسي لدى الشعرا :،لن أعماهلم "تشوه تفكري من
يسمعوهنم" .وبواسطة املخط التايل ،الذي يرتب اآلن بتطور االدعا( ،الذي تكرر يف )602b6-8أبن
الشعرا ،ال يعرفون ما يتحدثون عنه .يفتض سقراط وجود ُمثُل (أو أفكار) لألسرة ،واملناضد ،صانعها هو
اإلله ،ومن ث هناك تقليد هلا ،أي األسرة واملناضد اليت صنعها احلرفيون (مثل النجارين) الذين عاينوا املثُل (كما
ُ
لو كانوا ينظرون ل ى خمططات أساسية) ،ورالثا ،أييت املقلدون ملا ينتجه احلرفيون ،وهم يصنعون ،مثل املصور،
نوعا من الصور هلذه املصنوعات يف عامل احلس .يضع هذا املخط الثالثي املؤلني أمام العديد من املشكالت.
[ ]13من املؤكد أن سقراط ال يعين حرفيا أبن الشعرا ،يرمسون صورا لفظية لألسرة واملناضد .ابلتايل ،فقد وضع
ليستبدل ابحلرفيني أولئ ،الذين ينتجون األفكار يف املدينة (املشرعون ،واملربون ،والقادة هذا املخط
العسكريون ،وآخرون) ،واملصورون ،مع "املعلم األول ومرشد كل هؤال ،الشعرا ،التاجيديني" (595b10-
)c2أي :هومريوس .ومن ث ،فإن الشعرا" ،ينتمون ل ى املرتبة الثالثة من الطبيعة" أو "املرتبة الثالثة بعد املل،
واحلقيقة" (.)597e3-4,6-7
لنتأمل اآلن أحد النتائج املتضمنة هلذا املخط ،واليت كان سقراط حمددا للغاية بصدده .ال يعرف الشعرا،
أصول (أي :حقيقة) املوضوعات اليت يتحدثون عنها ،لذ يبدون جهال ،بتل ،احلقيقة ،بل وأسوأ من ذل،،
مبثل ما ةمكن خلداع البصر يف لوحة أن خيدع املشاهد الساذج ،ابعتقاد أن الشي ،املقلد حقيقي ،كذل،،
[]14
يعتقد من يتقمصون الشعر أن ما يتلقوه حقيقي .تبدأ ايحماكاة من هذه النقطة يف اختاذ معىن "التزيي ".
فإن اجلمهور يؤمن أبن الشعرا ،يتحدثون على حنو مقنع عن "مجيع الفنون واألشيا ،اإلنسانية ،اليت تتسم
ابلفضيلة أو عكسها ،واألشيا ،اإلهلية أيضا " ( ،)598b-599aبال استعداد لوضع ادعا ،الشعرا ،ابملعرفة
التفحص ،النقطة اجلوهرية اليت غدت مألوفة لنا اآلن :أبنه أصبح الزما للشاعر لذا ما أراد صنع قصيدة
موضع ُّ
حسنة ...أن ةمل ،معرفة حقيقية ابألشيا ،اليت يذكرها يف قصيدته حني كتابتها ( .)598e3-5حىت لذا
غضضنا النظر عن كل ما يتعلق ابلفنون واحلرف من أمور (فنية ،مثل الطب) ،وانصب اهتمامنا على األشيا،
األعظم واألكثر أمية ـ قبل كل شي ،،مثل حكم اجملتمعات ،وتعليم البشر ـ فإن هومريوس ببساطة لن يثبت
أمام هذا االختبار ( ،)599c-600eكل أولئ" ،املهرة يف الصنع" ( ،)tous poietikousمع معلم
اليوانن ،ومرشد الشعرا ،التاجيديني ،قد مت رمسهم ابعتبارهم "مقلدون لصور الفضيلة وما سواها مما يصنعون"
(.)600e4-6
ث ما الذي حيكم منظورهم املتحيز للغاية لعامل احلس ،بغض النظر عن جهلهم ابحلقيقة؟ يلمح سقراط ل ى
كوهنم وسطا ،رذيلة جلمهورهم ،لعموم اجلماهري ( .)602b3-4ويرب ذل ،بينهم وبني اخلطبا ،،كما وصفهم
سقراط يف حماورة جورجياس .يف الوقت ذاته ،هم يستفيدون من هذا اجلانب الذي يؤثر فينا حنن اجلماهري،
وهنا حياول سقراط استخدام حبثه يف علم النفس ،الذي بدأ يف عرضه بداية من الكتاب الثالث .وتعد املناقشة
التالية الفتة للنظر بتميُّزها يف تل ،األطروحات.
املثال الذي يقدم املرحلة األخرية لنقد سقراط للشعر ،والسابقة لإلعالن الشهري عن "املعركة" ،هو تل ،املعاانة
اإلنسانية ،وبشكل خاص جتربة فقد األبوين لطفلهما ( .)603e3-5كي ستكون ردة فعل الشخص احلكيم
جتاه مثل هذه الكارثة؟ سيقاوم األمل ،وسيتحكم يف انفعاالته بقدر املستطاع ،وال يدع اآلخرين يرونه يف حال
أتمله ،وسيشعر ابخلزي لن بدا منه ذل ،لآلخرين ،وسيحرص على أن يبدو "هادائ بقدر استطاعته" وهو يعرف
أن ال شي ،من األمور البشرية "يستحق كبري اهتمام" .معاانة األمل تعوق حكم املنطق ،الذي ةملي علينا ،حني
يصيبنا مكروه ،أن نتحمل وال نُبدي أتثرا بقدر املستطاع ،لنحافظ على انسجامنا الروحي (.)603e-604e
يرسم سقراط شخصية اإلنسان احلكيم اهلادئ هكذا" :الشخص اهلادئ احلكيم ،متسق دوما مع نفسه ،ال
تسهل حماكاته ،ولذا حتدث ،فال يسهل فهمه ،خاصة ،من ذل ،التجمع االحتفايل الصاخب ،حيث جتتمع
كافة أنواع البشر يف املسرح .ألن ايحماكاة تكون لطبيعة غري مألوفة ابلنسبة هلم" ( .)604eرمبا يصور ذل،
[]15
سقراط نفسه ،الذي صنع أفالطون حماكاة له.
على العكس من ذل،؛ فإن املقلدين التاجيديني ابرعون يف تصوير الصراعات النفسية ألانس يعانون ،وأولئ،
الذين ال حياولون حىت االستجابة بنحو فلسفي .حيث أن مجهورهم يتأل من أانس ،تتص أنفسهم ابلطبيعة
ذاهتا أيضا ،فاملقلدون واجلمهور حمصورون يف نوع من الصورة متبادلة التأثري للحالة اإلنسانية .كالما مأسور
هبذا اجلانب من أنفسهم ،املستسلم لالنفعايل أو الالعقالين ،وكالما يشتد اهتمامه حبالة الصراع الداخلي.
يقوم الشاعر "إبيقاظ هذا اجلانب من النفس وتغذيته" ،مما يؤدي ل ى لنتاج نظام حكم ،أو دستور مضطرب
نفسيا (; ، politeia, 605b7–8قارن هذا التعبري مع ما جا ،يف فقرات خامتة الكتاب التاسع يحماورة
اجلمهورية) .ال يستطيع اجلانب "الطفويل" يف النفس ،والذي يستمتع بصور الشاعر ،أن ةميز بني احلقيقة
والواقع؛ وةمنح الشاعر ،السلطة أن يقوهلا كما هي دون متحيص .يصبح املشاهدون متأثرين عاطفيا بدراما
الشاعر.
يف مقطع الحق ،جا" :،أصغ ليل وتدبر .لذا استمع أفضلنا ل ى هومريوس ،أو غريه من الشعرا ،التاجيديني
وهو حياكي أحد األبطال ،ويصوره يف حال حزنه ،ويروي عن حنيبه وحزنه يف قصيدة طويلة ،أو يصوره وهو
ينشد انداب حظه ،ويضرب صدره بيده .تعلم أننا نستمتع بذل ،،ونستغرق يف متابعته ونتعاط
[‘ ،’sympaschontesكلمة مشتقة من كلمة يواننية أخرى هي ]’sympatheia‘ :مع هذا البطل
تعاطفا اتما ،ونثين على الشاعر لقدرته على لرارة هذه املشاعر يف نفوسنا" ( .)605c10-d5هبذا ،يكون
اخلطر الناتج عن الشعر عظيما ،حيث أنه يغوي حىت أفضلنا ،وأكثران حكمة ،بشي ،قد ينخدع به ،ويثري
حالة تشبه احللم ،يضع فيها التمحيص ،تغيب فيها أنفسنا يف تل ،املشاعر املثارة (يف املقام األول :مشاعر
األسى ،واحلزن ،والغضب ،واالستيا.)،
يقول أحد املعلقني" :من انحية ،جيلب الشعر صراعا نفسيا ،ومن انحية أخرى ،جيعلنا غري واعيني بذل،
الصراع ،حيث أن اجلانب االنفعايل يف نفوسنا ال يستمع لتصويبات العقل .هذا هو السبب يف أن الشعر
إبيقاعاته النابضة ،وقرعه يف الصدور ،يكون جذااب للحشود اليت ال توص يف املسرح ،حىت ألكثران حكمة.
لكن ،لذا كان الشعر يذهب مباشرة ل ى الشق األسفل يف النفس ،فالبد وأن هذا هو الشق الذي يصدر الشعر
عنه" ]16[.لضافة ل ى ذل ،،فإن صور اآلهلة ،اليت صورها شعرا ،اليوانن ،كانت لسقاطات من جانب الشق
األسفل ،املضطرب واملتصارع ،من النفس ،الذي يدعم ويغذي ،بدوره ،األجزا ،الشبيهة به يف النفس.
ما يثري القلق ،حينئذ ،أنه أثنا ،معايشتنا لتل ،املشاعر ابلنيابة ـ ابلتطابق مع الدراما ـ فإننا نطلق العنان لعواط
يكون من األفضل تنظيمها ابلعقل ،ونصبح ابلتايل أسرى هلا يف احلياة "الواقعية" .يف لطار علم النفس ،فإن
الدراما توفر ما نسميه اليوم "القدوات" .لن فكرة سقراط ليست أننا حنسب الدراما حقيقة يف نفسها ،كما لو
أننا ال نستطيع التمييز بني ما يدور على املسرح وخارجه ،ولكن فكرة سقراط هي "أن االستمتاع مبعاانة
اآلخرين يؤثر ابلضرورة يف املر ."،ملاذا؟ "ألن اجلز ،الرحيم [من النفس] والذي يتقوى بتل ،النماذج ،ال ةمكن
التحكم فيه لذا ما حلت املعاانة ابملر ،نفسه"( ]17[ .)606bوينطبق األمر نفسه على امللهاة ،لذ نعتاد على
مساع األشيا ،املخزية يف قالب حماكاة هزلية ،فنتوق ابلتايل عن اإلحساس ابخلجل منها ،ومن ث نستمتع هبا
( ]18[ .)606cينكر سقراط بوضوح لمكانية عزل "املتعة" اجلمالية ( )606b4عن التأثريات األخالقية
للشعر .لنصيغ الفكرة مبفارقة اترخيية (حيث مل يكن لدى أفالطون مفهوما يتوافق مع مفهوم "علم اجلمال
لدينا") ،فهو ال يعتقد بقابلية انفصال علم اجلمال عن األخالق .هو ال يفصل بني معرفة اجلمال ومعرفة اخلري.
يبدو األمر كما لو أن املتعة اليت حنظى هبا عند متثيل األسى على املسرح ،سوف تتحول ـ ألهنا استمتاع مبا
يقدمه التمثيل (وليس ألنه تصوير على املسرح أو يف قصيدة) ـ ل ى االستمتاع ابألسى يف احلياة .وهو ليس جمرد
أتثري أخالقي ،بل هو أتثري سي ،،ابلنسبة ألفالطون .تل ،هي مكوانت اعتاضاته على املوضوع مع أرسطو،
وكذل ،مع ما ال حيصى من املفكرين غريه ]19[ .لنه يؤكد ،ولن مل يقدم اآلليات النفسية اليت كنا أنملها ،أن
ايحماكاة تشكل تصوراتنا وخياالتنا ،وصوران ومشاعران الالواعية أو شبه الواعية ،منذ الطفولة فصاعدا ،وتشكل
ابلتايل شخصياتنا ،خاصة ذل ،اجلز ،من طبيعتنا ،والذي ةميل ل ى غري املنطقي أو الالعقالين.
يعمل الشعرا ،على استعباد حىت الفضال ،منا ،لذل ،اجلز ،األد ى من نفوسنا ،وطاملا أهنم يقومون هبذا الفعل،
جيب أن يتم لبعادهم عن أي جمتمع يرغب يف أن يكون حرا وأخالقيا .من الشائع عن أفالطون رفضه وضع
حد حاسم بني اخلاص والعام ،بني الفضيلة الفردية ،والقواعد املنظمة لآلخرين .ما جيري على املسرح ،ويف
[]20
بيت ،،ويف خميلت ،،كله يتاب .والشعر غري املنضب ابلفلسفة خطر على النفس واجملتمع.
يتعلق املخط الثالثي :الفكرة ،املنتَج ،ايحماكي ،ابلصنع مبثل ما يتعلق ابيحماكاة .الصنع هو سلسلة متواصلة
عرب املستوايت الثالثة للمخط .فيقال أبن األفكار أيضا مصنوعة ،رغم أهنا ال تتسق كليا مع املذهب الذي
يرى أن األفكار خالدة ،ومت عرضه من قبل يف حماورة اجلمهورية نفسها (ويف حماورات أفالطون األخرى مجيعها).
ةمكن القول أبن الشعرا ،صناع (انظر أيضا حيث يتم لخباران أبن الشعرا" ،ينتجون الظهور" ،كما قد نتمجه)،
صنع"
غرق ابلصنع .لن كلمة "شعر" يف النسخة اليواننية ألفالطون مشتقة من كلمة " ُ
لذ أهنم يتحركون يف عامل ُم َ
( )poieinوهي حقيقة يشري لليها سقراط يف حماورة املأدبة ]21[ .يتخذ الصنع موضعه ،ويساهم يف عامل
الصريورة .بينما ،على خالف ذل ،،يتم تصوير الفالسفة على اعتبار أهنم ملتزمون ابلوصول للحقيقة املوجودة
"هناك" ،مستقلة عن العقل ،وعن عامل الصريورة الواقعي .تتعلق جهودهم ابالكتشاف ال ابلصنع .ابلتايل ،فإن
االختالف واضح ،حيث أن الشعرا ،أيضا ،يعكسون ما يوجهون مجهورهم ل ى (أن يرغبوا يف الشعور أو
االعتقاد به) ـ لهنم "حياكون" ،مبعىن ةمثلون مثلما يعربون ـ ويُلقي الفالسفة اخلطب( ،وكما يقول سقراط) حياكون
هم أيضا ]22[ .وابلرغم من ذل ،،فإن هذا االختالف يقتح احتماال مثريا؛ أن املعركة بني الشعر والفلسفة من
وجهة نظر أفالطون تتعلق هنايةً ابألولوية النسبية للصنع و االكتشاف .يتوافق تباين صنع /اكتشاف مع عدد
من التباينات اليت سبق أن تطرقنا لليها :اخليال مقابل العقل ،العاطفة مقابل املبدأ ،الصريورة مقابل الوجود،
املصنوعات مقابل املثُل ،والصور مقابل األصول.
ُ
يف أي موضع من حماورة اجلمهورية ،مل يذكر سقراط ادعا ،الشاعر ابإلهلام .ابلفعل ،قد مت حذف هذا االدعا،
يف الفقرة اليت يتحدث فيها سقراط عن بداايت اإللياذة ( ،392e2 – 393a5انظر مالحظة Bloom
يف موضعها) .ينكر سقراط ،متاما ،صحة هذا االدعا ،هنا .ابفتاض أن مفهومه عن األلوهية كفكرة ،وهو
اد عا ،ال ةمكن أن يكون صحيحا ،ألن األفكار ال تتحدث ،فلتتحدث وحدها تل ،األشيا ،اليت يرويها
هومريوس ،وهيزيود ،وأتباعهما .النتيجة أن الشعرا ،ملفقون ،حىت لو بدوا عارفني مبا يتحدثون عنه ،وهذا ال
يتوافق مع توصي الشعر يف حماورة ليون على اعتباره من وحي اجلهل.
هل ةمتد نقد الشعر ،يف حماورة اجلمهورية ،ليتجاوز مشروع أتسيس املدينة الفاضلة؟ لقد اقتحت ،ابلفعل،
جوااب لجيابيا حني مناقشة الكتاب الثاين .لن املخاوف املتعلقة ابلشعر ،واليت مت التعبري عنها يف الكتابني الثالث
والعاشر ،قد تتجاوز أيضا ل ى املشروع احلايل للمحاورة ،لذا كانت ما تزال حتمل شيئًا يُذ َكر ،على أية حال،
فإن األهداف اليت عيـنَها أفالطون مأخوذة ،ابلتأكيد ،من أحوال عصره .لقد ُزعم أن سلطة قول احلقيقة ،اليت
[]23
وزعم كذل ،أن النقاش حول
ُ يدعيها الشعرا ،،قد شارك فيها الكثري من الشعرا ،املعتربين منذ ذاك احلني.
التأثريات على مجهور الشعر متواصل ،ابستثنا ،أن اليوم ال يوجد الكثري من الشعرا ،،لذا التزمنا الدقة ،لكن
صانعي األشكال األخرى من الصور يف "اإلعالم" ،هم اجلناة .لن اخلالفات حول أتثري الرسوم البيانية ملستوايت
مثال ،تردد خماوف أفالطون حول التأثريات األخالقية واالجتماعية للفن.
العن ،وتدهور وضع املرأة ،واجلنسً ،
[]24
على األقل ،يف أحوال مثل تل ،،فإننا حنافظ على ش ،أفالطون حول فكرة "املسافة اجلمالية".
.4حماورة جورجياس
لن حماورة جورجياس من أكثر حماورات أفالطون عنفا ،حيث يدور النقاش فيها وس جو من الغضب،
للخطَب .وهي هبذا املعىن تتجاوز حماورة واالختالف العنيد ،والكثري من حاالت سو ،الفهم ،واملقاطعة ُ
برواتجوراس اليت تصور املواجهة العدائية بني سقراط والسفسطائي الشهري ،الذي حتمل ايحماورة امسه ]25[ .تظهر
املعركة بني الفلسفة واخلطابة نفسها كصراع بشع يف حماورة جورجياس.
ما الذي تدور حوله املعركة؟ يطلب سقراط من جورجياس أن يقدم توضيحا ملا يقوم به ،أي :أن يقدم تعريفا
للخطابة .ويطلب منه أن يفعل ذل ،بطريقة تساعد على التمييز بني اخلطاب البياين واخلطاب الفلسفي :األول
ينتج خطااب ابملدح أو الذم ،والثاين جييب عن أسئلة عن خالل احلوار املتبادل ( dialegesthia,
يسعد الفيلسوف بدحض )448d10سعيا ل ى الوصول ل ى تعري موجز وشامل ،بقصد فهم املوضوعَ .
فكرته لذا أدى ذل ،ل ى مزيد الفهم واحلكمة ،وليس هدفه أن يكافح من أجل أن "يفوز" يف ايحماججة
(.)457e-458a
ينتقل جورجياس حتت أتثري التحدايت املتتالية من القول لن اخلطابة تُعىن ابلكلمات (األقوال) ل ى القول أبن
فعالية اخلطابة وأتثريها يقعان فق يف الكلمات وخالهلا (خبالف الفنون اليدوية) ،ث ل ى القول أبن موضوعه
هو أعظم متطلبات اإلنسان ،أي :احلرية .اخلطابة هي "مصدر احلرية للبشر ،ويف الوقت نفسه ،هي لكل فرد
مصدر قوته حلكم اآلخرين يف مدينته" ( .)452d6-8تل ،احلرية هي نوع من القوة ،اليت تنشأ عن القدرة
على لقناع اآلخرين أبفكاره" ،اخلطابة هي فعل اإلقناع .وهو كل ما ترومه وتبتغيه" ( .)452a2-3لكن،
لقناع مباذا حتديدا؟ وكانت لجابة جورجياس :لن موضوع اإلقناع هو العدل والظلم ( .)454b7غري أنه من
املؤكد أن هناك نوعني من اإلقناع ،أحدما يغرس االعتقادات فحسب ،وآخر ينتج املعرفة ،واألول هو النوع
الذي تُعىن به اخلطابة .لن قياس هذا اجلدل على نقد الشعر ابت واضحا ،ففي كلتا احلالتني ،يريد سقراط أن
يربهن على أن املتحدث ال يتكلم ابحلق ،وال ينقل معرفة ل ى مجهوره .وكما ذكرت آنفا ،يصن سقراط الشعر
(مت ذكر الشعر العاطفي والتاجيدي) كنوع من اخلطابة ،هدفه لرضا ،ولسعاد املشاهدين ،أو بعبارة أخرى ،هو
نوع من اإلطرا .،ولذا استبعدان اإليقاع والوزن منه ،سيكون لدينا نثر خالص موجه ل ى العامة .وهو نوع من
اخلطابة يف هناية األمر (.)502a6-c12
اخلطيب املفوه هو صانع املعتقدات يف نفوس مستمعيه ( .)455a3-4وبدون تل ،املهارة ال ةمكنهم أدا،
عملهم بكفا،ة ـ هنا يبدأ جورجياس يف اخلوض إبسهاب وبالغة ـ ( 456bوما يليها) .اخلطابة فن شامل.
لكن جورجياس يقدم شرطا حامسا ،أدى ل ى املسامة يف سقوطه :ال جيب استخدام اخلطابة ضد أي أو كل
شخص ،مثلما يكون األمر مع مهارة املالكمة .على الرغم من أن اخلطيب يُعلم اآلخرين استخدام تل ،املهارة
ابعتدال ،فقد حيدث أن يسي ،التالميذ استخدامها .أتبع ذل ،اعتاف مؤذ :لن اخلطيب يعرف ما هي العدالة
والظلم ،وغريما من الصفات األخالقية ،ويعلمها لِّ َمن جيهلها من التالميذ ( .)460aيتبع ذل ،،حبسب تعبري
سقراط ،أن اخلطيب احلق فيلسوف ،والواقع أن سقراط يتخذ هذه املكانة يف حماورة فايدروس .لكن جورجياس
ليس فيلسوفا ،واحلقيقة أنه ال يعرف ـ أو ال يستطيع تقدمي بيان عن الصفات األخالقية املقصودة .لذل ،،فإن
فنه كله ينحصر يف أن يُظهر أمام اجلهال ،أنه يعرف ما يعرضه من موضوعات ،ومن ث لقناعهم أبهنا مالئمة
(راجع .)459d-eلكن ذل ،أمر ال يرغب جورجياس يف االعتاف به ،فقد وافق على أنه مادام اخلطيب
يعرف ما هي العدالة يف ذاهتا ،فيلزم أن يكون رجال عادال ،وابلتايل أن يتصرف على حنو عادل (460b-
.)cلقد وقع يف تناقض ظاهر :فقد زعم أن إبمكان التلميذ الذي ُحيصل فن اخلطابة أن يسي ،استخدامه
ابإلقناع ابلظلم ،بينما يزعم اآلن أن ليس إبمكان اخلطيب اقتاف الظلم.
كان ذل ،شديد الوقع على بولوس ،تلميذ جورجياس ،والذي تشغل مقاطعته الغاضبة القسم الثاين ،واألكثر
عنفا يف ايحماورة ( .)461b3تربز فكرة جديدة متالئمة مع ادعا ،سقراط أبن اخلطبا ،ال يعرفون شيئا ،وال
ينقلون معرفة مبا يتحدثون عنه ،معىن ذل ،أن اخلطابة ليست فنا أو حرفة ( )techneبل جمرد موهبة (ممارسة
،أو خربة بال علم) .يضي سقراط أبن غاية هذه املوهبة أو املمارسة حتقيق حالة من الرضا .من أجل تطوير
هذه الفكرة ،يقدم سقراط خمططا مدهشا ،ةميز فيه بني العناية ابجلسد ،والعناية ابلنفس .لن الطب واأللعاب
الرايضية حتفظ اجلسد حقا ،أما فن الطهي ومستحضرات التجميل فتزعم القيام بذل ،،لكنها ال تفعل .السياسة
هي فن رعاية النفس ،العدالة وتشريع القوانني ما فرعاها ،أما حماكاهتما فهما خطابة وسفسطة .مثلما يكون
الطب ابلنسبة للطهي ،كذل ،العدالة ابلنسبة للخطابة ،مثل التمارين الرايضية ابلنسبة ملستحضرات التجميل،
وكذل ،التشريع للسفسطة .األشكال احلقيقية للعناية هي فنون ( )technaiهتدف ل ى حتقيق اخلري ،أما
املواهب الزائفة فتمي ل ى حتقيق املتعة ( .)464b-465dفنالحظ أن السفسطة واخلطابة متابطان بشكل
وثيق هنا ،ويذكر سقراط أهنما متمايزان ولكنهما متابطان بشدة ،مما يسبب اخلل بينهما لدى كثري من الناس
( .)465cأما ما ةميز بينهما بدقة فأمر غري واضح ،سوا ،يف مناقشات أفالطون للموضوع ،أو اترخييا .لن
زعم) أهنما مبثابة مواهب يف لقناع اجلاهل بواسطة
مناقشة سقراط هنا مصممة لتنطبق عليهما معا ،مثلما (يُ َ
اجلاهل ،من أجل حتقيق املتعة لدى املستمعني ،ومتعة اهليمنة لدى املتحدث .
حجة سقراط اليت قدمها بعد ذل ،،يف حواره مع بولوس ،معقدة وطويلة .لب املسألة هو العالقة بني السلطة
والعدالة .ابلنسبة لبولوس ،فإن الشخص احلائز للسلطة ويدبر األمور بنجاح حبسب هذه السلطة فهو سعيد.
خريا ،وأن الظامل والشرير
أما ابلنسبة لسقراط ،فإن اإلنسان يكون سعيدا فق لذا كان ،أو كانت (أخالقيا) ً
ابئسون ـ ابألحرى ،لذا ما مل تتم معاقبتهم على جرائمهم ابلطبع .يرى بولوس ذل ،أمرا "غريبا" (،)473a1
ويتحدى سقراط إبجرا ،اقتاع بني مجيع احلاضرين لتأكيد الفكرة .ابختصار :فإن اقتاح أفالطون هو أن اخلطابة
والسفسطة مرتبطان أبطروحات جوهرية حول عدم أمية احلقيقة األخالقية للحياة السعيدة ،حول منطية أو
نسبية األخالق ،وأسلوب التحقق من صحة األمر (خبالف األفكار أو نتائج االقتاعات) الذي يصر عليه
سقراط .جيادل سقراط عن بعض أطروحاته الشهرية ،خالل ايحماورة ،مثل حماججته عما ذهب لليه من أن
"الشخص الذي يفعل الشر هو دوما أكثر شقا ،ممن يكابد هذا الشر ،ومن ال يكفر عن أفعاله السيئة ،هو
أكثر بؤسا ممن كفر عنها" ( .)479e4-6ولذا أخذان بذل ،،فما الفائدة املرجوة من اخلطابة؟ ابلنسبة ل ى
شخص يتجنب لحلاق األذى بنفسه أو ابآلخرين ،خيلص سقراط ل ى أن اخلطابة عدةمة الفائدة .ومقيدا بتل،
احلبكات املنطقية ،يستسلم بولوس.
بدا ذل ،كثريا على حماور آخر شارك يف ايحماورة ،كاليكليس .وصلت اخلطابة يف حماورة جورجياس ل ى املرحلة
األكثر شدة .يظهر كاليكليس كمنافح عنيد ،وغري متحفظ ،ورائق الذهن عن السياسة الواقعية
،Realpolitikكما نسميها اآلن .يطرحها على حقيقتها ،وةميز حبجة شهرية بني الطبيعة والقانون ،ويقدم
أطروحة يعرفها قرا ،الكتابني األول والثاين يحماورة أفالطون" :أعتقد أن الطبيعة تظهر لنا عدالتها ،حيث أن
الشخص األفضل والشخص األكثر كفا،ة ،هلما مشاركة أكرب من الشخص السي ،واألقل كفا،ة .تُظهر لنا
الطبيعة ذل ،يف مواضع عدة ،يف عامل احليوان ،وعامل اإلنسان مبدنه وأجناسه ،وتبني أن هذا ما عليه العدالة:
أن يقوم األعلى ِّحبُكم األد ى ،وأن يكون له النصيب األكرب من السيادة" ( .)483c8-d6هذا هو "قانون
الطبيعة" ( ،483e3رمبا كان هذا أول ظهور هلذه العبارة الشهرية يف الفلسفة الغربية) .احلديث القانوين عن
العدالة واإلنصاف هي أال أتخذ أكثر من نصيب ،،أال تسعى ل ى حتقيق مصاحل ،الفردية ـ تل ،،هي ببساطة
أساليب يتبعها الضعفا ،إلذالل األقواي .،لن جوهر فن اخلطابة هو منح السلطة لألقواي ،ابلطبيعة ،ليسودوا
الضعفا ،ابلطبيعة.
تتضمن خطبة كاليكليس الالذعة اهتاما للفلسفة أبهنا عمل يناسب املر ،يف طفولته ،وقد تتعارض ،لذا ما مت
االنشغال هبا بعد مرحلة الشباب ،مع سعي الرجال ل ى املشاركة يف السلطة ،كما أهنا تعزز اجلهل املهني بكيفية
املشاركة يف لدارة عامل السياسة الواقعي ،وجتعل صاحبها ضعيفا غري قادر على الدفاع عن نفسه .ومثاله الذي
يقدمه هو سقراط نفسه ،فإن الفلسفة (يقول متنبئًا) سوف جتعل سقراط عاجزا لذا ما متت لدانته .والعجز يف
مواجهة جهل وغبا ،اجلماهري ،هو أمر مشني ومثري للشفقة ( .)486a-cيف املقابل ،ماذا يعين أن تكون
حائزا للسلطة؟ يفسر كاليكليس بوضوح :السلطة هي القدرة على لشباع كل أهوائنا ورغباتنا .وهي احلرية؛
واحلرية فجور ( .)492a-cالقدرة على أن يفعل املر ،ما يشا ،،مبعىن لشباع األهوا .،واخلطابة هي وسيلة ل ى
النهاية.
تتناول املعركة بني اخلطابة والفلسفة ،هبذا املعىن ،عددا من القضااي اجلوهرية .اعتربت "اخلطابة" هنا كتأسيس
لنظرة شاملة ل ى العامل .لن معركتها مع الفلسفة شاملة ،وتتعرض ملسألة طبيعة الطبيعة ،والوجود املوضوعي للقيم
األخالقية ،والعالقة (لن وجدت) بني السعادة والفضيلة ،وطبيعة وحدود العقل ،وقيمة العقل (كسعي منطقي
ل ى حتقيق الغاايت احلسية) يف احلياة اإلنسانية ،وطبيعة النفس أو الذات ،والسؤال حول ما لذا كان هناك
اختالف بني املتعة احلقيقية والزائفة ،أي :ما لذا كانت املتعة هي اخلري .الالفت للنظر أنه بينما يرغب سقراط
مباين للخطاب "البياين" من خالل هنجه يف احلوار الفلسفي ،فإن االختالف يتماهى من يف اختاذ موق
الوجهة العملية .يشرع سقراط بعد ذل ،يف التحدث إبسهاب ،فكان يبدو خطابيا يف أحيان ،ث يُنهي النقاش
بذكر أسطورة .ويتخذ كاليكليس موقفا رابتا (يقوم على صيغة من التمييز بني الطبيعة والقانون) ويدافع عنه.
تعد تل ،التجاوزات اخلاصة ابألساليب اخلطابية من وجهة نظر سقراط ،هي املسألة الفلسفية األهم ،واليت
تُعىن ابلكيفية اليت جيب أن يعيش هبا املر ،حياته ( .)500cهل تتفوق احلياة "السياسية" ابعتبارها سعيًا
لتحقيق السلطة واجملد ،على احلياة القائمة على أساس فلسفي؟
قد خيتل قرا ،ايحماورة حول ما لذا كانت احلجج املطروحة فيها حتسم املسألة أم ال .لن جوهر النقاش هو نفسه
اآلن ،يف كال من اجملالني األكادةمي وغري األكادةمي ،كما كان يف عصر أفالطون ]26[ .على الرغم من أن الشعر
هنا يُطرح كنوع من اخلطابة ،كان جيب القيام ابلكثري من اجلهد لبيان أن األطروحات اجلوهرية ،اليت نُ ِّسبت ل ى
الشعر حبسب ما جا ،يف حماورة اجلمهورية ،تنتمي ل ى اخلطابة وفقا ملا ورد يف حماورة جورجياس.
هل اخلطابة سيئة بنحو مطلق؟ هل جيب علينا جتنب اخلطابة كليًا؟ ـ فعليًا ،أةمكننا جتنبها؟ فحىت يف حماورة
جورجياس ،كما رأينا ،هناك متييز بني اخلطابة اليت تغرس االعتقادات ،وتل ،اليت تغرس املعرفة ،ويف موضع
الحق من ايحماورة ،يُذكر شكل نبيل من اخلطابة ،ولن مل يُذكر اسم ممارس واحد له ( .)503a-bتقدم لنا
حماورة فايدروس تفسريا أكثر تفصيال هلذا االختالف.
.5حماورة فايدروس
كثريا ما تعجب قرا ،حماورة فايدروس عن تضافر ايحماورتني معا .يدور "نص " ايحماورة األول حول احلب،
األول خطأ هذا التوصي ،ألن النص الثاين حول اخلطابة .وبقليل من التفحص نكتش ويدور النص
ايحماورة األول يتضمن تصوراتأيضا يُعىن ابخلطابة ،ولن كان ذل ،بطرق عدة وخمتلفة .بداية ،فإن نص
صرحية حول اخلطابة ،مثال ذل :،يرسم سقراط خطا فاصال بني ما ةمكن أن نسميه "أسلوب" و"مضمون"
اخلطاب ( .)235aوما هو أكثر من ذل ،،لهنا تتأل جزئيا من ثالث خطب ،أوهلا ("خطبة ليسياس") على
األقل ،هي قطعة خطابية .واألخراتن خطابيتان كذل ،،وتعرض يحماولة غواية غالم معشوق .عُرضت القطع
الثالثة إبنصاف ،كأعمال تتميز ابحلذق واملهارة ،بواسطة أفالطون ،ولن كان متيزها يرجع ألسباب خمتلفة.
األو ى حماكاة الذعة السخرية من أسلوب ليسياس (خطيب ،وكاتب خطب ذو شهرة واسعة) .اخلطبة الثانية
حتتفظ ،يف آن ،جبوانب من لطاره اخليايل (كانت األو ى تبدو كخطاب متناقض ،يوجهه "غري ايحمب" ل ى
"املعشوق") ،وت طور هذا اإلطار (غري ايحمب يتحول ل ى عاشق خفي) ،ويزداد عمق املوضوع ابستضا،ة فلسفية
مثرية لإلعجاب .وأما الثالثة (اليت يُشار لليها كـ"قصيدة استجاعية" أو خطبة استدراك) ،فتتضمن بعضا من
أمجل وأقوى الصور يف جممل األدب اليوانين .يف غالب األمر هي حكاية مت صياغتها يف شكل أسطورة ،وحتكي
قصة احلب احلقيقي ،ورحالت الروح يف الكونني اإلنساين واإلهلي .وهذا يعين أن اخلطابة متيزت يف حالة
االستدراك أبهنا "شعرية" .ومما هو جدير ابلذكر لألغراض املعاصرة ،حقيقة أن فكرة اإلهلام قد تكرر ذكرها يف
[]27
النص األول من ايحماورة ،حيث نوقش اإلهلام الشعري بوضوح.
لذن ،فقد تداخلت موضوعات الشعر واخلطابة معا يف حماورة فايدروس .يبدو منذ البداية كما لو أن كال من
اخلطابة والشعر قد حازا منزلة عالية ،على األقل ابلنسبة ملكانتهما يف حماورات ليون ،واجلمهورية ،وجورجياس.
وسوف أبدأ ابلتكيز على اخلطابة ،ث أنتقل ل ى قضية الشعر ،رغم ما بني االثنني من تراب قوي يف هذه
ايحماورة.
ال يناقش "النص " الثاين من ايحماورة طبيعة احلب كموضوع قائم بذاته ،لكنه يـُ َعرض ابلفعل لفكرة أن احلوار
الذي تثريه حمبة احلكمة ـ الفلسفة ـ هو بيان حقيقي فاضل .مع تطور احلوار بني أحد "عاشقي اخلطابة"
( )228c1-2وآخر ،متت مناقشة األحاديث اخلطابية الثالث يف القسم األول من احلوار ،وذل ،من منظور
عفويتها أو براعتها اخلطابية .ومرة أخرى ،يتموضع الشعر كنوع من أنواع الكالم ( )258b3ويؤكد سقراط
أبنه "ليس التحدث أو الكتابة هو األمر املعيب ،ولمنا أن نتحدث أو نكتب بطريقة مشينة أو رديئة"
( ]28[ .)258d4-5لن التكلم ليس يف ذاته معيبا ،فما الذي يشكل لذن اخلطاب اجلدير ابلتقدير؟
تشكل اإلجابة على هذا السؤال املهم أحد أهم املسامات يف هذا املوضوع .جوهراي ،يقول سقراط لن
الشخص الذي بصدد التحدث أبسلوب بليغ وكرمي ،عليه أن يكون عارفا حبقيقة املوضوع الذي سيتحدث
عنه .لن النظرية اليت طرحها بولوس وكاليكليس يف حماورة جورجياس زائفة (انظر حماورة فايدروس 259e4-
.)260a4ومن أجل لجناز هذا االدعا ،الشامل ،يقول سقراط أبن اخلطابة "فن" (صنعة ،)techneوليست
جمرد ممارسة عفوية (مقابل "خربة عن غري علم "empeiriaواليت ا ُهتمت هبا اخلطابة يف حماورة جورجياس).
فكي يظهرها على أهنا فن بعد ذل،؟ ذُكر عدد من أمساُ ،مدعي اخلطابة ،ونقدهم ،وسيجد القرا ،،أصحاب
االهتمام بتاريخ اخلطابة اليواننية ،هذا مقطعا نفيسا .يتم لخباران هنا أبن كتيبات اخلطابة الباقية تقدم لنا
"مقدمات متهيدية" لفن اخلطابة احلقيقي ،وليس عن الفن ذاته (.)269b7-8
ضلل كثري من اخلطبا ،مجهورهم ،حبنكة وبشكل مؤثر ،ويرى سقراط ـ رمبا على حنو غري مقنع ـ أبن من ي ِّ
ضل ُ
اآلخرين ال ةمكن أن يكون جاهال مبا يقول ]29[ .يُبدي احلديث املت َقن براعة يف بنائه الذي يتضمن احلقيقة ـ
ُ
فهو يعيد رسم ،أو عكس األجزا ،الطبيعية للموضوع ذاته ،على األقل يف أفضل احلاالت .لن يكون متماسكا
فحسب ،لكنه كذل ،ذو بنية تعكس الطريقة اليت انتظمت هبا عناصر املوضوع نفسه بشكل طبيعي .يرى
سقراط يف واحدة من أشهر الصور اليت قدمها ،أبن التكيب اجليد للحديث جيب أن يشابه الوحدة العضوية
للكائن احلي " ،فيكون له جسده ،وأال يفتقر ل ى الرأس أو األرجل ،وأن يكون له جذع وأطراف متناسقة،
ومالئمة للجسد" ( .)264c1-5لن يتحقق ذل ،لذا كان األمر يبدو على هذا الشكل أو ذاك ،بل جيب
أن يكون كذل ،،جيب على وحدة اخلطاب أن تعكس وحدة موضوعه.
قد نرغب يف هذه املرحلة أن نتسا،ل عن اجلمهور ،ففي هناية األمر حياول اخلطيب لقناع شخص ما بشي،
ما .أال ةمكن أن يكون املتحدث عارفا حبقيقة املوضوع ،ويعرف كي يعرضه برباعة يف حديثه ،لكنه خيفق يف
لقناع اآلخرين؟ أال يدل اإلخفاق يف اإلقناع على نقص ما يف فن اخلطابة لديه؟ يف الواقع ،يرد سقراط على
هذا التساؤل ابفتاض أن املتحدث البليغ جيب أيضا أن يكون عارفا بطبيعة النفس البشرية ،ولال فلن تزيد
مهارته عن كوهنا "خربة ال تقوم على علم ( "empeiriaذل ،املفهوم الذي سبق ذكره يف حماورة جورجياس
من قبل) ،وليست "فنا" ( .)270b6مثلما جيب على الطبيب اخلبري أن يكون عاملا بطبيعة اجلسم اإلنساين،
وكذل ،ابملعارف الطبية ،لذ ال خيتلفان يف ذل ،عن املتحدث اخلبري يف فهم النفس اإلنسانية وما هو معروف
عنها .سيتذكر القارئ على الفور أن اخلطاب الرائع (االستجاعي) يف النص األول من حماورة فايدروس كان
عن النفس يف سياقها الكوين ـ طبيعة النفس ،رحالهتا اإلهلية واإلنسانية ،ورغباهتا ،وموضوعات رغباهتا،
ولخفاقاهتا وعواقبها ،مجيع ذل ،كان جز،ا من القصة ذاهتا .لذل ،،مل يكن مفاجئا أن يفتض سقراط أبننا لن
نتمكن من "حتصيل فهم اتم لطبيعة النفس دون فهم طبيعة الكل" ( )270c1-2عند تعريفه لفن اخلطابة.
أصبحت حمصلة هذا البحث يف اخلطابة اآلن واضحة :حليازة هذا الفن ،على املر ،أن يكون فيلسوفا .اخلطابة
احلقيقية خطاب فلسفي.
لكن ماذا عن مسألة اجلمهور؟ ليست "النفس" مقصد احلديث اخلطايب .يرد سقراط أبنه جيب على اخلطيب
املاهر أن يكون عارفا ِّأبنو ِّاع النُّفوس ومن اخلطاب الذي "يؤثر" يف كل نوع أيضا ،وأن يكون قادرا على حتديد
أي نوع من النفوس هو املقصود ابخلطاب يف حاالت معينة .هذا املطلب األخري يتعلق ابخلربة ،والقدرة على
تقدير طبيعة الشخص املستهدف ابخلطاب بطريقة ما .لن متطلبات فن اخلطابة احلقيقي ،والذي يسميه سقراط
صا هلا يف .)277b5-c6
فعال( .جيد القارئ ُملخ ً
كذل" ،فن اجلدل" ( )276e5-6مهمة للغاية ً
اجلديل البارع احلقيقي خطابه لليه؟ مل يوجه
لذا كان اجلمهور ذا توجه فلسفي ،أو يضم فالسفة ،فكي سيوجه َ
هذا السؤال مباشرة يف حماورة فايدروس ،ولن قُ ِّدمت لنا العديد من اإلشارات الداللية اليت مت تقدةمها خالل
األسطورة ـ بواسطة نوع من "الشعر" ،لن أردت القول ،وهي تساعدان على فهم نوع اخلطاب الذي يرغب
الفيلسوف عموما يف جتنبه؛ أعين :اخلطاب املكتوب .حسب األفكار اليت مت تدشينها من خالل أسطورة ثيوس
وراموس ،فإن الكلمة املكتوبة ليس هي األداة األفضل لنقل احلقيقة ،ألهنا ال تستطيع اإلجابة على األسئلة
املطروحة ،لذ لهنا ببساطة تكرر نفسها عندما تواجهها االستفهامات ،وتستبدل البحث املنفتح للقارئ عن
احلقيقة بسلطة الكاتب ،كما أهنا تـَُروج يف كل مكان بشكل عفوي ،مما يوقعها يف يد من ال يستطيعون فهمها.
األمر فائق األمية؛ لهنا تتداخل مع "التذكر" ( ،)anamaesis , 249c2وهي العملية اليت مت وصفها
إبسهاب (يف معظمها) يف شكل شعري ،يف "القصيدة االستجاعية" يف ايحماورة ،وفيها أن املعرفة الكامنة يف
النفس تُستدعى بواسطة احلوار القائم على السؤال واجلواب ( .)274d-275bالكتابة وسي مرب ،،وابلتايل
فلن توائم الفاعلية املمكنة للنقاش الفلسفي؛ أو "احلوار السقراطي" الذي يُعد أفضل ما يقود العقل الفلسفي
ل ى احلقيقة .اخلطابة املرغوبة هي "حديث مكتوب مبعرفة ،وةمكنه الدفاع عن نفسه ،يف نفس املستمع ،ويعرف
من جيب أن يـُ َوجه لليهم ،ومن جيب أال يقصدهم" ( .)276a5-7ةمكن للخطاب اجلديل القائم على معرفة،
أن يدافع عن نفسه عند استجوابه ،كما أنه مثمر معرفيا يف نفوس مستمعيه ( .)276e4-277a4ابلطبع،
فإن ذل ،كله يثري املسألة اخلاصة بوضع حماورات أفالطون ،حيث أهنا أعمال مكتوبة ،وسوف نعود لذل،
إبجياز الحقا.
اخلطابة هي فن "قيادة النفس بواسطة األحاديث" ( .)261a8اخلطابة الشعبية ليست فنا ،بل موهبة يف
اإلقناع .اخلطابة البارعة تتطلب فلسفة ،لكن هل تتطلب الفلسفةُ اخلطابة؟ ملاذا جيب على اخلطاب الفلسفي
أن يكون ذا عالقة ما ابخلطابة؟ ـلنقل :كما مت التمثيل له يف "ايحماورة السقراطية" .تشري حماورة فايدروس ل ى
الفكرة املثرية لالهتمام والقائلة أبن كل أنواع األحاديث خطابية ،حىت حينما حياول املتحدث ببساطة نقل
احلقائق .فإن اخلطابة احلقيقية ابلفعل هي فن توصيل احلقيقة (الحظ النظرة الشاملة يف النقاش حول اخلطاب
يف .)277e5-278b4تتجلى اخلطابة حيثما وحينما يتحدث الناس ( 261d10-e4وجممل السياق).
حىت لذا مل يكن املر ،متأكدا من معرفته ابحلقيقة ،وحىت لذا كان يفكر يف شي ،ما بنفسه ـ وجيري حوارا داخليا،
لن جاز التعبري ـ فإن اخلطابة واإلقناع يظال موجودين ]30[ .سيطلب الفيلسوف ابلطبع أتكيدات أبنه أو أهنا
جيب أن تقتنع بـ س ،لكن هذا التساؤل كذل ،هو جز ،من عملية هتدف ل ى اإلقناع املربر ،كما ترى حماورة
فايدروس ،ويتضمن حتما خليطا من "القدرة على اإلقناع" لدى الفيلسوف ،من جانب ،وحقيقة (أو زي )
االدعا،ات ،من جانب آخر .خالصة القول :أبنه ال مفر من اإلقناع ،وكذل ،ال مهرب من اخلطابة ،متضمنا
ابلطبع مشكلة التمييز بني اإلقناع املربر وغري املربر .لن اخلداع الذايت لمكانية حاضرة دوما (كما يُلمح سقراط
هنا ،ويذكره يف حماورة كراتيلوس .)428dتل ،مشكلة تتعلق أبهم ما يشغل الفيلسوف .هي دائما مسألة
"قيادة النفس بواسطة احلديث" ،حىت لو كان األمر هو توجيه وقيادة النفس لذاهتا (أو ،لذا استخدمنا عبارة
[]31
وردت يف سابقا يف ايحماورة :حترك ذاهتا (.))245e
لن الفكرة الواردة يف حماورة جورجياس؛ والقائلة أبن املعركة بني اخلطابة (الشعبية) والفلسفة ـ أو ،كما ةمكننا
القول :بني اخلطابة غري الفلسفية واخلطابة الفلسفية ـ هي معركة بني وجهات نظر شاملة كما يتضح يف حماورة
فايدروس أيضا .تصور "اخلطبة األساسية" ،أو اخلطاب االستدراكي يف ايحماورة ،خصائص ونطاق وجهات
اجع واضح عن وجهة النظر
النظر اليت يقوم عليها مشروع اخلطاب الفلسفي (الفلسفة ابختصار) .اخلطبة تر ُ
اليت ال تتبىن تل ،اآلرا،؛ يتحرك فن اخلطابة االعتيادي يف عامل مغاير أخالقيا ،وميتافيزيقيا ،وسيكولوجيا،
ومعرفيا .احلقيقة املثرية للدهشة أن أفالطون يوظ عناصر معينة من الشعر (كاألسطورة ،واالستعارة ،والتشبيه،
والتمثيل) يف رسم التعارض بني تل ،األفكار.
يرد ذكر اإلهلام مرات عديدة يف حماورة فايدروس .وأييت مع األفكار املرتبطة به :العربدة الباخوسية ،واجلنون،
واهلوس ،بنحو متكرر ،تقريبا من بداية ايحماورة ( ،)228bمرتبطا بسرد فايدروس املثري واملزعوم لنص ليسياس
( )234d1-6ومثريا خلطبيت سقراط ) .)237a7-b1, 262d2-6, 263d1-3تل ،لحاالت تتشابه
يف هزليتها ،بل تصل أحياان ل ى حد املزاح .األكثر جدية هو التمييز بني اجلنون االعتيادي واجلنون اإلهلي،
والدفاع عن تفوق اجلنون اإلهلي ،والذي قامت خطبة سقراط الثانية للدفاع عنه .فإنه يريد خبطبته لظهار أن
جنون احلب ،أو العشق اجلسدي "ممنوح لنا من قِّبَل اآلهلة كنعمة غالية" ( )245b7-c1بنحو خاص .بدأت
القضية من خالل مالحظة أن األنواع الثالثة من اجلنون مجيعها مقبولة :اخلاص ابألنبيا ،،واخلاص بطقوس
التطهر والشفا ،الدينية ،والثالث الذي يهبه أرابب ،والذي يؤثر يف صاحبه لينتج شعرا (.)244b-245a
كما لوحظ ،يبدو أن نوعا معينا من الشعر (امل َلهم) قد بدأ النظر لليه على أنه املقصود.
ُ
مع ذل ،،فعندما يقوم سقراط بتتيب درجات النفوس بعد ذل ،بقليل ،جنده يضع الشعرا( ،مع من ينشغلون
أبمور ايحماكاة) يف الدرجة السادسة ،من بني تسع درجات ،بعد نفوس رجال األعمال ،واألطبا ،،واألنبيا،
( !)248e1-2أتيت منزلة الشاعر ،مباشرة ،قبل العامل ،والسفسطائي ،والطاغية .وأييت الفيلسوف يف املنزلة
األو ى ،حبسب معيار التصني ،الذي يقوم على أساس مستوى معرفة احلقيقة املتعلقة ابألفكار أو املثُل اليت
ُ
تستطيع النفوس املعنية لدراكها .يصعب القول أبن هذا التتيب للنفوس جيعل للشاعر أي اعتبار .وبذل ،فإن
حماورة فايدروس تعزز نقد الشعر ،وكذل( ،بنحو أقل) نقد اخلطابة.
لن نقد أفالطون للكتابة على اعتبار أهنا شكل فقري من أشكال اخلطابة جا ،نفسه مكتواب .ابلطبع ،مل يكن
سقراطه يعلم أبنه "يتحدث" يف سياق حماورة مكتوبة ،لكن القارئ يفطن ل ى األمر على الفور .هل ينطبق هذا
النقد ،للكتابة ،على ايحماورات ذاهتا؟ لذا كان ال ينطبق عليها ،فهل يعين ذل ،أن تفلت ايحماورات من النقد
متاما ،أم تواجهه يف أجزا( ،كوهنا يف مرتبة أد ى من احلوار "الواقعي" ،لكنها ال ختضع للقوة الكاملة لنقد
[]32
سقراط)؟ اختل الباحثون يف لجاابهتم هلذه املسألة الشهرية.
هناك اتفاق عام على أن أفالطون قد صاغ إبتقان اتم شكل جديد من اخلطاب ،بل ةمكن القول أبنه ابتكر
احدا .لن احلوار األفالطوين من مبتكر من اخلطابة ،ومن الصعب تصديق أنه ال يعكس استجابة أفالطون
و ً
لنقد الكتابة الذي وضعه على لسان سقراط ،سوا ،بنجاح أو غري ذل ،،فتل ،مسألة أخرى.
تنطوي خطابة أفالطون الفلسفية الرائعة على عناصر من الشعر .أوضحها ،أن حماوراته هي أعمال درامية حتمل
العديد من السمات الشكلية املشتكة مع األعمال الدرامية التاجيدية واهلزلية (على سبيل املثال :التورية
التهكمية ،وأمية احلبكة ،واخلصائص املكانية والزمانية ،دور الشخصية ،والتفاعل املتبادل بني الشخصيات).
مل حتمل أي شخصية يف ايحماورات اسم "أفالطون" ق .كما تروي أعماله عددا من األساطري ،وتتألق ابلصور
اجملازية ،والتشبيه ،واالستعارات ،وشي ،من العبارات املوزونة والقوايف .يف الواقع قام سقراط ،أثنا ،تعيينه
خلصائص املدينة الفاضلة ،يف حماورة اجلمهورية ،بتسمية نفسه :راوي أساطري (376d9-10, 501e4-
.)5ةمكن القول بطرق عديدة أبن ايحماورات أعمال روائية ،لذ ال حيدث أي منها يف املكان والزمان الذين
حتديدا ،وبعضها حيدث من غري تعيني ملكانه ،وتتضمن بعضها شخصيات غري حقيقية .لهنا
يذكرما أفالطون ً
حوارات متخيلة ،حماكاة ألمناط معينة من احلوارات الفلسفية .الش ،أن القارئ مدعو لرؤية نفسه ،أو نفسها،
منعكسا يف شخصيات عدة ،وأهنا تتطابق معه ل ى هذا احلد أو ذاك ،حىت أثنا ،تركيزه على احلجج ،واملناقشات،
واألحاديث .يشري قرا ،أفالطون عادة ل ى األبعاد "األدبية" لكتاابته ،أو ببساطة ،يشريون لليها كأنواع من
[]33
األدب الفلسفي .وهو ابلضب ما جعل من استخدامه لعناصر الشعر ،موضوعا لنقاش طويل وصراع.
مما يفي ابلغرض؛ القول أبن كلمة أفالطون األخرية خبصوص نقد الشعر وفن اخلطابة ،مل ترد يف حماوراته ،ولمنا
جتسدت يف شكل الكتابة احلواري ،الذي أجاده وأتقنه.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قائمة المراجع
Adams, J. C., 1996, “The Rhetorical Significance of the Conversion of the Lover's
Soul in Plato's Phaedrus,” Rhetoric Society Quarterly, 26: 7–16.
Annas, J., 1981, An Introduction to Plato's Republic, Oxford: Oxford University
Press.
Annas, J. and C. J. Rowe (eds.), 2002, New Perspectives on Plato, Modern and
Ancient, Cambridge: Harvard University Press.
Asmis, E., 1986, “Psychagogia in Plato's Phaedrus,” Illinois Classical Studies, 11:
153–72.
–––, 1992, “Plato on Poetic Creativity,” in The Cambridge Companion to Plato, R.
Kraut (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 338–64.
Auerbach, E., 1953, Mimesis: The Representation of Reality in Western Literature,
trans. W. R. Trask, Princeton: Princeton University Press.
Ausland, H. W., 1997, “On reading Plato Mimetically,” American Journal of
Philology, 118: 371–416.
Baracchi, C., 2001, “Beyond the Comedy and Tragedy of Authority: The Invisible
Father in Plato's Republic,” Philosophy and Rhetoric, 34: 151–76.
Becker, A. S., 1993, “A Short Essay on Deconstruction and Plato's Ion,” Electronic
Antiquity, 1 [available online].
Belfiore, E. S., 1983, “Plato's Greatest Accusation against Poetry,” Canadian Journal
of Philosophy(Supplementary Volume), 9: 39–62.
–––, 1984, “A Theory of Imitation in Plato's Republic,” Transactions of the American
Philological Association, 114: 121–46.
Benardete, S., 1991, The Rhetoric of Morality and Philosophy: Plato's Gorgias and
Phaedrus, Chicago: University of Chicago Press.
Benitez, E., 1992, “Argument, Rhetoric and Philosophic Method:
Plato's Protagoras,” Philosophy and Rhetoric, 25: 222–52.
Blondell, R., 2002, The Play of Character in Plato's Dialogues, Cambridge:
Cambridge University Press.
Bloom, A. (trans.), 1968, The Republic of Plato, translated with notes and an
interpretive essay, New York: Basic Books.
Booth, W., 1974, A Rhetoric of Irony, Chicago: University of Chicago Press.
Brogan, T. V. F., 1993, “Representation and Mimesis,” in The New Princeton
Encyclopedia of Poetry and Poetics, A. Preminger and T. V. F. Brogan (eds.),
Princeton: Princeton University Press, pp. 1307–44.
Elias, J. A., 1984, Plato's Defence of Poetry, Albany: State University of New York
Press.
Else, G. F., 1986, Plato and Aristotle on Poetry, Chapel Hill: University of North
Carolina Press.
Erickson, K. V. (ed.), 1979, Plato: True and Sophistic Rhetoric, Amsterdam: Rodopi.
Farness, J., 1991, Missing Socrates: Problems of Plato's Writing, University Park:
Pennsylvania State University Press.
Fendt, G. and D. Rozema, 1998, Platonic Errors: Plato, a Kind of Poet, Westport:
Greenwood Press.
Ferber, R., 1991, Die Unwissenheit des Philosophen oder Warum hat Plato die
‘ungeschriebene Lehre’ nicht geschrieben? Sankt Augustin: Academia.
–––, 2007, Warum hat Platon die ‘ungeschriebene Lehre’ nicht geschrieben?,
Munich: C. H. Beck Verlag.
Ferrari, G. R. F., 1989, “Plato and Poetry,” in The Cambridge History of Literary
Criticism (Volume I), G. A. Kennedy (ed.), Cambridge: Cambridge University Press,
pp. 92–148.
–––, 1990, Listening to the Cicadas: A Study of Plato's Phaedrus, Cambridge:
Cambridge University Press.
–––, 2008, “Socratic Irony as Pretence,” Oxford Studies in Ancient Philosophy, 34: 1–
33.
Freyberg, B., 1997, The Play of the Platonic Dialogues, New York: Peter Lang
Publishing.
Fritz, J. H., 2016, Plato and the Elements of Dialogue, Lanham, MD: Lexington
Books.
Fussi, A., 2000, “Why is the Gorgias so Bitter?” Philosophy and Rhetoric, 33: 39–58.
–––, 2001, “The Myth of the Last Judgment in the Gorgias,” Review of Metaphysics,
54: 529–52.
Gadamer, H.-G., 1980, “Plato and the Poets,” in Dialogue and Dialectic: Eight
Hermeneutical Studies on Plato, P. C. Smith (trans.), New Haven: Yale University
Press, pp. 39–72.
Gifford, M., 2001, “Dramatic Dialectic in Republic Book I,” Oxford Studies in
Ancient Philosophy, 20: 35–106.
Gill, C. and M. M. McCabe (eds.), 1996, Form and Argument in Late Plato, Oxford:
Clarendon Press.
Gordon, J., 1999, Turning Toward Philosophy: Literary Device and Dramatic
Structure in Plato's Dialogues, University Park: Pennsylvania State University Press.
Gottfried, B., 1993, “Pan, the Cicadas, and Plato's use of Myth in the Phaedrus,”
in Plato's Dialogues: New Studies and Interpretations, G. A. Press (ed.), Lanham:
Rowman and Littlefield, pp. 179–95.
Gould, T., 1990, The Ancient Quarrel between Poetry and Philosophy, Princeton:
Princeton University Press.
Greene, W. C., 1918, “Plato's view of Poetry,” Harvard Studies in Classical
Philology, 29: 1–75.
Griswold, C. L., 1981, “The Ideas and the Criticism of Poetry in Plato's Republic,
Book 10,” Journal of the History of Philosophy, 19: 135–50.
–––, 1996 [1986], Self-Knowledge in Plato's Phaedrus, second edition, University
Park: Pennsylvania State University Press; first edition, New Haven: Yale University
Press, 1986.
–––, 1999a, “Relying on Your Own Voice: An Unsettled Rivalry of Moral Ideals in
Plato's Protagoras,” Review of Metaphysics, 53: 283–307.
–––, 1999b, “E Pluribus Unum? On the Platonic ‘Corpus’,” Ancient Philosophy, 19:
361–97.
–––, 2002a, “Irony in the Platonic Dialogues,” Philosophy and Literature, 26: 84–
106.
–––, 2002b, “Plato's Metaphilosophy: Why Plato Wrote Dialogues,” in Griswold (ed.)
2002 [1988]: 143–67.
––– (ed.), 2002 [1988], Platonic Writings, Platonic Readings, second edition,
University Park: Pennsylvania State University Press; first edition, New York:
Routledge, 1988.
–––, 2008, “Reading and Writing Plato,” Philosophy and Literature, 32: 205–216.
Article review of: R. Blondell, The Play of Character in Plato's Dialogues,
Cambridge: Cambridge University Press, 2002; K. Corrigan and E. Glazov-
Corrigan, Plato's Dialectic at Play: Argument, Structure, and Myth in the Symposium,
University Park: Pennsylvania State University Press, 2004; D. Hyland, Questioning
Platonism: Continental Interpretations of Plato, Albany: State University of New
York Press, 2004; D. Nails, The People of Plato: a Prosopography of Plato and
Other Socratics, Indianapolis: Hackett, 2002.
Hackforth, R., 1972, Plato's Phaedrus, translation with introduction and commentary,
Cambridge: Cambridge University Press.
Halliwell, S., 2000a, “Plato and Painting,” in Word and Image in Ancient Greece, K.
Rutter and B. Sparkes (eds.), Edinburgh: Edinburgh University Press, pp. 99–116.
–––, 2000b, “The Subjection of Muthos to Logos: Plato's Citations of the
Poets,” Classical Quarterly, 50: 94–112.
–––, 2002, The Aesthetics of Mimesis: Ancient Texts and Modern Problems,
Princeton: Princeton University Press.
Havelock, E., 1982, Preface to Plato, Cambridge: Harvard University Press.
Howland, J. A., 1992, “Philosophy as Dialogue,” Reason Papers, 17: 113–34.
(Review article.)
Hyland, D., 1995, Finitude and Transcendence in the Platonic Dialogues, Albany,
N.Y.: State University of New York Press.
–––, 2004, Questioning Platonism: Continental Interpretations of Plato, Albany,
N.Y.: State University of New York Press.
–––, 2008, Plato and the Question of Beauty, Bloomington, Indiana: Indiana
University Press.
Hwang, P. H., 1981, “Poetry in Plato's Republic,” Apeiron, 15: 29–37.
Irwin, T. H., 1996, “Art and Philosophy in Plato's Dialogues,” Phronesis, 41: 335–50.
(Review article.)
Jannaway, C., 1995, Images of Excellence: Plato's Critique of the Arts, Oxford:
Clarendon Press.
Kahn, C. H., 1983, “Drama and Dialectic in Plato's Gorgias,” Oxford Studies in
Ancient Philosophy, 1: 75–121.
–––, 1996, Plato and the Socratic Dialogue: The Philosophical Use of a Literary
Form, Cambridge: Cambridge University Press.
Kastely, J. L., 1991, “In Defense of Plato's Gorgias,” PMLA, 106: 96–109.
–––, 1997, Rethinking the Rhetorical Tradition: from Plato to Postmodernism, New
Haven: Yale University Press.
–––, 2002, “Respecting the Rupture: Not Solving the Problem of Unity in
Plato's Phaedrus,”Philosophy and Rhetoric, 35: 138–52.
Kauffman, C., 1979, “Enactment as Argument in the Gorgias,” Philosophy and
Rhetoric, 12: 114–29.
–––, 1982, “The Axiological Foundations of Plato's Theory of
Rhetoric,” Communication Studies, 33: 353–66.
Kerferd, G. B., 1974, “Plato's Treatment of Callicles in the Gorgias,” Proceedings of
the Cambridge Philological Society, 20: 48–52.
Kerch, T., 2008, “Plato's Menexenus: a Paradigm of Rhetorical Flattery,” Polis, 25:
94–114.
Klagge, J. C., and N. D. Smith (eds.), 1992, Methods of Interpreting Plato and his
Dialogues, Oxford Studies in Ancient Philosophy, suppl. vol. Oxford: Oxford
University Press.
Klemm, D. E., 1989, “Gorgias, Law and Rhetoric,” Iowa Law Review, 74: 819–26.
Klosko, G., 1984, “The Refutation of Callicles in Plato's Gorgias,” Greece & Rome,
31: 126–39.
Kobusch, T. and B. Mojsisch (eds.), 1996, Platon: seine Dialoge in der Sicht neuer
Forschungen, Darmstadt: Wissenschaftliche Buchgesellschaft.
Koritansky, J. C., 1987, “Socratic Rhetoric and Socratic Wisdom in
Plato's Phaedrus,” Interpretation, 15: 29–53.
Kraut, R., 1992, “Introduction to the Study of Plato,” in The Cambridge Companion
to Plato, R. Kraut (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 1–50.
––– (ed.), 1997, Plato's Republic: Critical Essays, Lanham, MD: Rowman and
Littlefield.
Kuhn, H., 1941/1942, “The True Tragedy: On the Relationship between Greek
Tragedy and Plato,” Harvard Studies in Classical Philology, part 1, 52: 1–40 and part
2, 53: 37–88.
Lane, M., 2006, “The Evolution of eironeia in Classical Greek Texts: why
Socratic eironeia is not Socratic Irony,” Oxford Studies in Ancient Philosophy, 31:
49–83.
Lear, J., 1998, “Inside and Outside the Republic,” in Open Minded: Working out the
Logic of the Soul, Cambridge: Harvard University Press, pp. 219–46.
Lewis, T. J., 1986, “Refutative Rhetoric as True Rhetoric in
the Gorgias,” Interpretation, 14: 195–210.
Maranhao, T. (ed.), 1990, The Interpretation of Dialogue, Chicago: Chicago
University Press.
Marback, R., 1999, Plato's Dream of Sophistry, Columbia, SC: University of South
Carolina Press.
McComiskey, B., 1992, “Disassembling Plato's Critique of Rhetoric in
the Gorgias (447a-466a),” Rhetoric Review, 10: 205–16.
McCoy, M., 2008, Plato on the Rhetoric of Philosophers and Sophists, Cambridge:
Cambridge University Press.
Michelini, A. (ed.), 2003, Plato as Author: The Rhetoric of Philosophy, Leiden: Brill.
Miller, M. H., 1999, “Platonic Mimesis,” in Contextualizing Classics: Ideology,
Performance, Dialogue, T. M. Falkner, N. Felson, and D. Konstan (eds.), Lanham,
MD: Rowman and Littlefield, pp. 253–66.
Moravcsik, J. and P. Temko (eds.), 1982, Plato on Beauty, Wisdom, and the Arts,
Totowa, NJ: Rowman and Littlefield. [Note: this volume contains a number of essays
especially relevant to the theme of the present entry.]
Morgan, K., 2000, Myth and Philosophy from the Presocratics to Plato, Cambridge:
Cambridge University Press.
Morgan, M., 1990, “Plato and the Painters,” Apeiron, 23: 121–45.
Moss, J., 2007a, “The Doctor and the Pastry Chef: Pleasure and Persuasion in
Plato's Gorgias,” Ancient Philosophy, 27: 229–49.
–––, 2007b, “What is Imitative Poetry and Why is it Bad?” in The Cambridge
Companion to Plato's Republic, G. R. F. Ferrari (ed.), Cambridge: Cambridge
University Press, pp. 415–44.
Most, G. W., 1998, “Mimesis,” in the Routledge Encyclopedia of
Philosophy (Volume 6), E. Craig (ed.), London: Routledge, pp. 381–82.
Murray, J. S., 1988, “Disputation, Deception and Dialectic: Plato on the True
Rhetoric (Phaedrus, 261–266),” Philosophy and Rhetoric, 21: 279–89.
Murray, P. (ed.), 1996, Plato on Poetry, Cambridge: Cambridge University Press.
Nadaff, R. A., 2002, Exiling the Poets: the Production of Censorship in Plato's
Republic. Chicago: University of Chicago Press.
Nails, D., 2002, The People of Plato: a Prosopography of Plato and Other Socratics,
Indianapolis: Hackett Press.
Nails, D. and H. Tarrant (eds.), 2015, Second Sailing: Alternative Perspectives on
Plato, Commentationes Humanarum Litterarum 132, Helsinki: Societas Scientiarum
Fennica.
Nehamas, A., 1998, The Art of Living: Socratic Reflections from Plato to Foucault,
Berkeley: University of California Press.
–––, 1999, “Plato and the Mass Media,” in Virtues of Authenticity: Essays on Plato
and Socrates, Princeton: Princeton University Press, pp. 279–99.
Nehamas, A., and P. Woodruff (trans.), 1997a, Plato's Symposium, in Cooper and
Hutchinson (eds.) 1997: 457–505.
––– (trans.), 1997b, Plato's Phaedrus, in Cooper and Hutchinson (eds.) 1997: 506–
556.
Nightingale, A. W., 1995, Genres in Dialogue: Plato and the Construct of
Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
Nussbaum, M. C., 1986, The Fragility of Goodness: Luck and Ethics in Greek
Tragedy and Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
–––, 1990, Love's Knowledge: Essays on Philosophy and Literature, New York:
Oxford University Press.
Osborne, C., 1987, “The Repudiation of Representation in Plato's Republic and its
Repercussions,”Proceedings of the Cambridge Philological Society, 33: 53–73.
Partee, M. H., 1970, “Plato's Banishment of Poetry,” Journal of Aesthetics and Art
Criticism, 29(2): 209–22.
Petruzzi, A. P., 1996, “Rereading Plato's Rhetoric,” Rhetoric Review, 15: 5–25.
Planinc, Z., 2003, Plato through Homer: Poetry and Philosophy in the Cosmological
Dialogues, Columbia: University of Missouri Press.
Press, G. A. (ed.) 1993, Plato's Dialogues: New Studies and Interpretations, Lanham,
MD: Rowman and Littlefield.
Quimby, R. W., 1974, “The Growth of Plato's Perception of Rhetoric,” Philosophy
and Rhetoric, 7: 71–9.
Ramsey, R. E., 1999, “A Hybrid Techne of the Soul?: Thoughts on the Relation
between Philosophy and Rhetoric in Gorgias and Phaedrus,” Rhetoric Review, 17:
247–62.
Rendall, S., 1977, “Dialogue, Philosophy, and Rhetoric: The Example of
Plato's Gorgias,” Philosophy and Rhetoric, 10: 165–79.
Ricoeur, P., 1981, “Mimesis and Representation,” Annals of Scholarship, 2: 15–32.
Rocco, C., 1996, “Liberating Discourse: the Politics of Truth in
Plato's Gorgias,” Interpretation, 23: 361–85.
Roochnik, D., 1987, “The Erotics of Philosophical Discourse,” History of Philosophy
Quarterly, 4: 117–29.
–––, 1991a, “In Defense of Plato: A Short Polemic,” Philosophy and Rhetoric, 24:
153–58.
–––, 1991b, “Stanley Fish and the Old Quarrel between Rhetoric and
Philosophy,” Critical Review, 5: 225–46.
–––, 1995, “Socrates' Rhetorical Attack on Rhetoric,” in The Third Way: New
Directions in Platonic Studies, F. Gonzales (ed.), Lanham, MD: Rowman and
Littlefield, pp. 81–94.
–––, 1996, Of Art and Wisdom: Plato's Understanding of Techne, University Park:
Pennsylvania State University Press.
–––, 2003, Beautiful City: The Dialectical Character of Plato's Republic, Ithaca:
Cornell University Press.
Rosen, S., 1965, “The Role of Eros in Plato's Republic,” Review of Metaphysics, 18:
452–75.
–––, 1968, Plato's Symposium, New Haven: Yale University Press; reprinted, South
Bend, IN: St. Augustine's Press: 1999.
–––, 1987, Hermeneutics as Politics, New York: Oxford University Press; reprinted,
New Haven: Yale University Press, 2003.
–––, 1988, The Quarrel Between Philosophy and Poetry, New York: Routledge,
Chapman and Hall.
Rossetti, L. (ed.), 1992, Understanding the Phaedrus: Proceedings of the II
Symposium Platonicum, Sankt Augustin: Academia Verlag.
Rowe, C. J., 1986, Plato: Phaedrus, with translation and commentary, Warminster,
England: Aris and Phillips.
Rutherford, R. B., 1995, The Art of Plato: Ten Essays in Platonic Interpretation,
Cambridge: Harvard University Press.
Ryan, E. E., 1979, “Plato's Gorgias and Phaedrus and Aristotle's Theory of Rhetoric:
A Speculative Account,” Athenaeum, 57: 452–61.
Sallis, J., 1996, Being and Logos: Reading the Platonic Dialogues, 3rd edition,
Bloomington: Indiana University Press.
–––, 2004, Platonic Legacies, Albany, N.Y.: State University of New York Press.
Sayre, K., 1995,Plato's Literary Garden: How to Read a Platonic Dialogue, Notre
Dame: University of Notre Dame Press.
Schiappa, E., 1990, “Did Plato Coin Rhetorike?” American Journal of Philology, 111:
457–70.
Schultz, A.-M., 2013, Plato's Socrates as Narrator: A Philosophical Muse, Lanham,
MD: Lexington Books.
Scully, S., 2003, Plato's Phaedrus, translation with notes, glossary, appendices,
Interpretative Essay and Introduction, Newburyport, MA: Focus Publishing.
–––, 2009, “Measured Speech in Plato's Phaedrus,” in Antiphilesis: Studies in
Classical, Byzantine, and Modern Greek Literature and Culture (In Honour of John-
Theophanes A. Papademetriou), E. Karamalengou and E. Makrygianni (eds.),
Stuttgart: Steiner Verlag, pp. 286–92.
Spariosu, M., 1984, “Mimesis and Contemporary French Theory,” in Mimesis in
Contemporary Theory: An Interdisciplinary Approach, M. Spariosu (ed.),
Philadelphia: John Benjamins, pp. 65–108.
Stauffer, D., 2006, The Unity of Plato's Gorgias: Rhetoric, Justice, and the
Philosophic Life, Cambridge: Cambridge University Press.
Sullivan, D. L., 1992, “Kairos and the Rhetoric of Belief,” Quarterly Journal of
Speech, 78: 317–32.
Tate, J., 1928, “‘Imitation’ in Plato's Republic,” Classical Quarterly, 22: 16–23.
–––, 1932, “Plato and ‘Imitation’,” Classical Quarterly, 26: 161–69.
Thomas, Dylan, 1954, “On Poetry,” in his Quite Early One Morning, New York: New
Directions.
Urmson, J. O., 1997, “Plato and the Poets,” reprinted in Plato's Republic: Critical
Essays, R. Kraut (ed.), Lanham, MD: Rowman and Littlefield, pp. 223–34.
Versenyi, L., 1970–71, “The Quarrel Between Philosophy and Poetry,” Philosophical
Forum, 2: 200–12.
Vicenzo, J. P., 1992, “Socrates and Rhetoric: The Problem of Nietzsche's
Socrates,” Philosophy and Rhetoric, 25: 162–82.
Vlastos, G., 1991, Socrates: Ironist and Moral Philosopher, Ithaca: Cornell
University Press.
––– (ed.), 1971,The Philosophy of Socrates: A Collection of Critical Essays, Garden
City: Anchor Books/Doubleday.
Wardy, R., 1996, The Birth of Rhetoric: Gorgias, Plato and their Successors,
London: Routledge.
White, N. P. (trans.), 1997, Plato's Sophist, in Cooper and Hutchinson (eds.) 1997:
235–293.
White, D. A., 1993, Rhetoric and Reality in Plato's Phaedrus, Albany: State
University of New York Press.
Wolfsdorf, D., 2007, “The Irony of Socrates,” Journal of Aesthetics and Art
Criticism, 65: 175–87.
Woodruff, P., 1998, “Plato on Mimesis,” in Encyclopedia of Aesthetics (Volume 3),
M. Kelly (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 521–23.
––– (trans.), 1997, Plato's Ion, in Cooper and Hutchinson (eds.) 1997: 937–949.
Zeyl, D. (trans.), 1997, Plato's Gorgias, in Cooper and Hutchinson (eds.) 1997: 791–
869.
Zimbrich, U., 1984, Mimesis bei Platon, Frankfurt am Main: Peter Lang.
أدوات أكاديمية
Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers , with links to its database.
o Republic
o Gorgias
o Phaedrus
شكر وتقدير
I am grateful to Nicola Moore for her help with the Bibliography, and to Richard
Kraut, Marina McCoy, and Stephen Scully for their excellent comments on drafts of
the text. I would also like to thank David Roochnik for his help with various revisions
along the way.