أفلاطون وآرائه في الشعر والخطابة

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 44

‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪1‬‬
‫أفالطون‪ ،‬وآراؤه يف اخلطابة والشعر‬

‫‪ ‬موسوعة ستانفورد للفلسفة‬


‫ترجمة‪ :‬نارص الحلوان‬

‫حول آراء أفالطون يف الخطابة والشعر يف محاوراته‪ ،‬يف محاوة أيون‪ ،‬ومحاورة جورجياس ومحاورة فايدروس‪ ،‬وحول‬
‫محاورات أفالطون كأعمال بالغية وشعرية؛ نص رمتجم للـد‪ .‬تشارلز ل‪ .‬جريسوولد والمنشور عىل (موسوعة‬
‫ا‬ ‫ر‬ ‫ر‬
‫والت قد تختلف قليًل‬
‫ه للنسخة المؤرشفة يف الموسوعة عىل هذا الرابط‪ ،‬ي‬ ‫ستانفورد للفلسفة)‪ .‬ننوه بأن التجمة ي‬
‫األختة بعض التحديث أو التعديل من فينة ألخرى منذ تتمة‬
‫ر‬ ‫عن النسخة الدارجة للمقالة‪ ،‬حيث أنه قد يطرأ عىل‬
‫نخص بالشكر محرري موسوعة ستانفورد‪ ،‬وعىل رأسهم د‪ .‬إدوارد زالتا‪ ،‬عىل تعاونهم‪،‬‬‫ّ‬ ‫ً‬
‫وختاما‪،‬‬ ‫هذه رالتجمة‪.‬‬
‫واعتمادهم رللتجمة ر‬
‫والنش عىل مجلة حكمة‪.‬‬

‫‪1‬‬‫‪Griswold, Charles L., "Plato on Rhetoric and Poetry", The Stanford Encyclopedia of Philosophy (Fall 2016‬‬
‫>‪Edition), Edward N. Zalta (ed.), URL = <https://plato.stanford.edu/archives/fall2016/entries/plato-rhetoric/‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪1‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫متيزت معاجلات أفالطون لفن اخلطابة والشعر ابالستفاضة وقوة التأثري‪ .‬وكما هو األمر يف حاالت أخرى كثرية‪،‬‬
‫منوذجا للتاث الالحق‪ .‬وابلتايل‪ ،‬فإن فهم تعليقاته اخلاصة هبذين املوضوعني ينطوي على حتدايت‬
‫فقد وضع ً‬
‫فلسفية وأتويلية‪ .‬وابإلضافة ل ى ذل‪ ،،‬فإنه ال يتضح لنا من الوهلة األو ى سبب ربطه بني هذين املوضوعني‬
‫بقوة‪( ،‬لذ لنه يفتض أن الشعر نوع من اخلطابة)‪ .‬من املؤكد اعتقاد أفالطون أبن األمور ذات األمية البالغة‬
‫"ث معركة قدةمة بني الفلسفة والشعر" (اجلمهورية ‪607b5-‬‬
‫تظل معلقة‪ ،‬كما هو واضح يف عبارته الشهرية‪َ :‬‬
‫‪ .)6‬بلغت تل‪ ،‬املعركة بني الفلسفة واخلطابة يف حماوراته‪ ،‬واملعارك املتعلقة هبا‪ ،‬حد الصراع بني الرؤية الشاملة‬
‫للعامل واخلاصة ابلفلسفة من انحية‪ ،‬وبني الرؤية الشعرية واخلطابية من انحية أخرى‪ .‬ما الذي تدور حوله تل‪،‬‬
‫املعارك؟ ما الذي يعنيه أفالطون بقوله‪" :‬شعر" و"خطابة"؟ لن مقصد هذا املقال هو حتليل معاجلاته للخطابة‬

‫والشعر‪ ،‬كما مت تقدةمهما يف حماورات‪ :‬أيون‪ ،‬واجلمهورية‪ ،‬وجورجياس‪ ،‬وفايدروس‪ .‬يُ َ‬


‫عرف أفالطون (رمبا بنحو‬
‫متناقض) مبا تتص به أعماله من الشعرية واخلطابية‪ ،‬وهي احلقيقة اليت سنناقشها أيضا فيما يلي‪.‬‬

‫‪ .1‬مقدمة‬

‫‪ .2‬حماورة أيون‬

‫‪ .3‬حماورة اجلمهورية ‪ ،‬الكتاب الثاين ‪ ،‬والثالث ‪ ،‬والعاشر‬

‫‪ 3.1‬حماورة اجلمهورية‪ :‬الكتاب الثاين‬

‫‪ 3.2‬حماورة اجلمهورية‪ :‬الكتاب الثالث‬

‫‪ 3.3‬حماورة اجلمهورية‪ :‬الكتاب العاشر‬

‫‪ 3.4‬مالحظات ختامية حول "معركة" اجلمهورية‬

‫‪ .4‬حماورة جورجياس‬

‫‪.5‬حماورة فايدروس‬

‫‪ 1.5‬اخلطابة يف حماورة فايدروس‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪2‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ 2.5‬منشدو املالحم واإلهلام والشعر يف حماورة فايدروس‬

‫‪ .6‬حماورات أفالطون كأعمال بالغية وشعرية‪.‬‬

‫قائمة املراجع‬

‫األدوات األكادميية‬

‫موارد اإلنرتنت األخرى‬

‫مدخاالت ذات الصلة‬

‫ـــــــــــــــــــــــ‬

‫‪ .1‬مقدمة‬
‫تعمل القصيدة اجليدة على تغيري شكل العامل ومغزاه‪ ،‬وتساعد كل لنسان على توسيع‬
‫معرفته بنفسه وابلعامل ايحمي به‪.‬‬
‫[‪]1‬‬
‫ديالن توماس‬

‫حينما نفكر يف التحليل الفلسفي للشعر‪ ،‬يرد على عقلنا ما يشبه األطروحة حول علم اجلمال‪ .‬على األقل‪،‬‬
‫سنتوقع حبثًا دقيقا ملا يلي‪ :‬اخلصائص املميزة للشعر‪ ،‬االختالفات بني األشكال الشعرية املتنوعة (ملحمي‪،‬‬
‫مأساوي‪ ،‬غنائي‪ ،‬هزيل‪ ،‬وما ل ى ذل‪ ،)،‬واملعاين اليت يرتب هبا التمثيل‪ ،‬والتقليد‪ ،‬والتعبري‪( ،‬املعاين ايحمتملة‬
‫للكلمة اليواننية "ايحماكاة")‪ ،‬أو ال يرتبطون فيها‪ ،‬مع التخيل‪ ]2[ .‬تل‪ ،‬املفاهيم املعقدة نفسها‪ ،‬يف حاجة ل ى‬
‫تعري دقيق‪ .‬وكذل‪ ،،‬فإن التعليقات املنهجية الدقيقة عن الفروق بني الشعر واألشكال الفنية األخرى‪ ،‬مثل‬
‫املوسيقى والتصوير‪ ،‬سيتم معاجلتها يف حينها‪ ،‬كما سنقوم بتأمل العالقة بني الشعر املتواتر شفاهيا (لذا كنا‬
‫بصدد تضمني اآلدا‪ ،،‬فإن الشعر يف الواقع يؤدى‪ ،‬بطريقة أو أبخرى) والشعر املنقول عرب الكلمة املكتوبة‪ .‬لن‬
‫كتاب فن الشعر ألرسطو‪ ،‬يعد رايدة فلسفية مبكرة للشعر‪ ،‬وتراثية اآلن‪ ،‬حبسب هذه األفكار‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪3‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫لن معاجلات أفالطون الشاملة للشعر حتب تل‪ ،‬التوقعات‪ .‬فهو مل يكتب حبثا عن املوضوع ـ احلقيقة أنه مل‬
‫يكتب أي حبث‪ ،‬وحصر التعبري عن أفكاره يف قالب ايحماورات "الدرامية"‪ ،‬اليت أُصيغت صياغة شعرية‪ ،‬وما‬
‫يقدمه لنا من مالحظات فهي غري ممنهجة‪ ،‬حىت داخل ايحماورة الواحدة‪ ،‬ويتفرع ل ى ما يبدو أنه ابتعاد عن‬
‫يعرض الشعر مجهوره له‪ .‬وفوق ذل‪ ،،‬اعتقد‬ ‫املوضوع‪ ،‬مثلما حدث يف املناقشة حول فساد النفس الذي ِّ‬
‫أفالطون أن شيئا ذو أمية فائقة يتعلق بتقديره للشعر‪ ،‬شي‪ ،‬يتجاوز جمرد الوصول ل ى تفاصيل املوضوع‪ ،‬وهو‬
‫شي‪ ،‬يرتكز بطريقة فلسفية معتربة‪ .‬يقول أفالطون يف أحد أشهر األسطر‪ ،‬يف مقطع من مقاطع الذروة‪ ،‬يف‬
‫لحدى أشهر حماوراته‪" :‬ث معركة قدةمة بني الفلسفة والشعر" (‪ ،)Rep. 607b5–6‬دعما لذل‪ ،،‬يقتبس‬
‫أفالطون مقاطع صغرية من نقاشات عديدة غامضة لكن حمتدة‪ ،‬من ايحمتمل أهنا موجهة من الشعرا‪ ،‬ضد‬
‫الفلسفة ـ كاالهتام الذي يوجهه الشاعر ل ى خصمه أبنه "كلب ينبح يف سيده" و"عظيم يف الفصاحة اجلوفا‪،‬‬
‫للحمقى"‪ ]3[.‬يف الواقع‪ ،‬فإن معظم أجزا‪ ،‬الكتاب األخري من حماورة اجلمهورية هو هجوم على الشعر‪ ،‬وليس‬
‫هناك ش‪ ،‬يف أن املعركة بني الفلسفة والشعر موضوع متواصل يف ثنااي أعمال أفالطون‪.‬‬

‫يدل جمال الصراع أيضا‪ ،‬خاصة يف اجلمهورية‪ ،‬على أن ما يعتربه أفالطون على ايحم‪ ،‬هو التصادم بني ما ةمكن‬
‫أن نسميه الرؤى الشاملة للعامل‪ ،‬لذ يبدو أبن مسائل ذات أمية ابلغة يف األخالق‪ ،‬والسياسة‪ ،‬وامليتافيزيقا‪،‬‬
‫وعلم الالهوت‪ ،‬واملعرفة‪ ،‬توضع على ايحم‪ .،‬وهو ةمهد للسطر الشهري عن تل‪ ،‬املعركة‪ ،‬بتعيني من يوجه لليهم‬
‫نقده أبهنم "الذين ةمجدون هومريوس‪ ،‬الذي يقول لن هذا الشعر قد علم اليوانن‪ ،‬وأنه ذو فائدة يف تنظيم‬
‫شئون الناس وتعليمهم‪ ،‬ومن الواجب أن يرجعوا لليه لدراسته‪ ،‬وتنظيم حياهتم وفقا له" (‪ .)606e1-5‬لن‬
‫املمجدين هلومريوس يتعاملون معه ابعتباره ينبوع احلكمة‪ .‬يوافق أفالطون على أن هومريوس معلم اليوانن‬
‫ابلفعل‪ ،‬ويضي بعد ذل‪ ،‬مباشرة أن هومريوس هو "أول الشعرا‪ ،‬التاجيديني وأعظمهم"‪ .‬يضع أفالطون نفسه‬
‫ضد ما يعتربه النظرة الكلية يف اللغة املعاصرة‪ ،‬وليس حسب لغة أفالطون "فلسفة احلياة" اليت يعتقد أن هومريوس‬
‫وأتباعه قد أشاعوها‪ .‬وحيث أن صاغ هومريوس الثقافة الشعبية يف ذل‪ ،‬العصر‪ ،‬يضع أفالطون نفسه ضد‬
‫الثقافة الشعبية كما عرفها‪ .‬ليس هذا فحسب‪ :‬فاملعركة ليست بني الفلسفة وهومريوس فحسب‪ ،‬ولمنا بني‬
‫أفالطون جتاه "الشعر" لمجاال يدعي أبن أتثريه قد فشا‪ ،‬وأبنه غالبا ما يكون‬ ‫الفلسفة والشعر‪ .‬كان موق‬
‫ضارا‪ .‬وأن فرضياته املتعلقة ابلطبيعة واأللوهية غري صحيحة‪ .‬هو ال يوجه نقده ل ى املعجبني هبومريوس فحسب‪،‬‬
‫بل ل ى كل املعجبني مبثل هذا الشي‪ ،‬الذي يصنعه هومريوس ويبثه يف الناس‪ .‬قُ ِّدم هذا النقد ابعتباره عابرا‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪4‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫للتاريخ‪ .‬يبدو أن أفالطون كان أول من طرح هذا الصراع مفصال وبطريقة شاملة‪ ]4[ .‬وجتدر اإلشارة ل ى أن ِّمن‬
‫بني َمن اهتموا سقراط‪ ،‬يف حماورة الدفاع (‪ ،)23e‬شعرا‪ ،،‬وهم الذين عرض ميليتوس دعواهم‪.‬‬

‫ليس من السهل حتديد ما يقصده أفالطون ابلشعر‪ ،‬وملاذا هو خصم‪ ،‬وما لذا كان مصدر خطورته راجع ل ى‬
‫شكله‪ ،‬أم مضمونه‪ ،‬أم كالما‪ ،‬وما لذا كان هناك اهتمام متواصل‪ ،‬أو ارتباط مستمر لصاحله؟ هل ينطبق نقده‬
‫مثال‪ ،‬على تراجيدايت شكسبري؟ قصائد لدوارد لستلني كامينجز‪ ،‬أو ت‪ .‬س‪ .‬لليوت؟ تل‪ ،‬أسئلة صعبة‪ ،‬لذا‬
‫أخذان حبقيقة أن أفالطون مل يكن ينظر ل ى الشعر كنص مكتوب يُقرأ يف صمت‪ ،‬أو على األقل ليس يف املقام‬
‫األول‪ ،‬لمنا كان ينظر لليه كإلقا‪ ،‬أو أدا‪ ،‬يتم تلقيه غالبا يف سياق مسرحي‪ .‬لضافة ل ى ذل‪ ،،‬فحينما أخذ‬
‫سقراط وأفالطون مالحظاهتما‪ ،‬كان أتثري الشعر أكرب بكثري مما يسميه أفالطون "فلسفة"‪ .‬ابلنظر ل ى النجاح‬
‫جدا أن نغفل عن أنه كان يدعو يف هذا الوقت‬
‫اهلائل الذي حققته دعوة أفالطون ل ى "الفلسفة"‪ ،‬فمن السهل ً‬
‫ل ى مشروع جديد (اترخييا) يف سياق يعج ابخلالفات حول القيمة النسبية ملثل هذه املشروعات (وابلطبع حول‬
‫معىن "الفلسفة")‪ .‬على النقيض من ذل‪ ،،‬يبدو الشعر هامشيا ل ى حد ما يف اجملتمعات التجارية والليربالية‬
‫الكبرية اليوم‪ ،‬رغم اجلهود النشطة من جانب شخصيات مثل الشاعر األمريكي املعاصر لورييت روبرت‬
‫بينسكي‪ ،‬فيما تقوم وسائل اإلعالم‪ ،‬اليت مل يعرف عنها أفالطون شيئا ـ مثل التليفزيون‪ ،‬والفيديو‪ ،‬والسينما‪،‬‬
‫واألشكال األدبية كالرواية‪ ،‬ونظم املعلومات‪ ،‬كالشبكة العنكبوتية ـ بتأثري هائل‪ .‬يتمتع ممثلو السينما والتليفزيون‬
‫اسخا يف العامل القدمي‪.‬‬
‫بقدر من املكانة االجتماعية والثروة يف اجملتمع احلديث الذي يتجاوز أي شي‪ ،‬كان ر ً‬
‫فهل مت هتميش نقد أفالطون كما هو األمر مع الشعر؟‬

‫رغم قسوة أفالطون‪ ،‬ويف بعض األحيان فظاظته يف نقد الشعر‪ ،‬فهو مل يضع يده على مسائل عميقة يتواصل‬
‫االهتمام هبا فحسب‪ ،‬لكنه أيضا أثرى نقاشاته بعدد من أكثر األساليب املشوقة والبارعة وضوحا‪ ،‬بكتابة‬
‫الفلسفة بطريقة ةمكن أن تكون شعرية بذاهتا‪ ،‬بتحقيقها خلصائص معينة‪ .،‬لقد اشتهرت "املعركة بني الفلسفة‬
‫والشعر" ابستحقاق‪ ،‬ومت حبثها ابستفاضة‪ :‬فما الذي تدور حوله؟‬

‫لذا انتقلنا ل ى املوضوع الثاين يف ترتيب موضوعاتنا‪ ،‬أي‪ :‬فن اخلطابة‪ ،‬جند أنفسنا يف حرية أكرب‪ .‬ما الذي ةمكن‬
‫أن يقوله الفالسفة عن فن اخلطابة؟ بصفة عامة‪ ،‬سيقولون القليل جدا لكوهنم فالسفة‪ .‬ومثل كل املفكرين‪ ،‬ال‬
‫حيب الفالسفة اخلطابة ألهنا ممارسة عامة‪ ،‬ويفجعهم احندار اخلطاب العام ل ى جمرد القدرة على اإلقناع‬
‫والغوغائية‪ ،‬وبشكل عام‪ ،‬يرون أهنم يتجنبون اخلطابة لصاحل تقدمي التحليل واحلجة الدقيقني‪ .‬ةميل "فن اخلطابة"‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪5‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ل ى أن يكون مفهوما سلبيا للغاية‪ ،‬ويف الغالب يعين "جمرد خطابة"‪ .‬يف جمال الدراسة األكادةمية‪ ،‬يبدو من‬
‫األفضل ملوضوع اخلطابة أن يُتك ألساتذة اللغة اإلجنليزية‪ ،‬املتخصصني يف التاريخ الطويل للنصوص اليت تدور‬
‫حول أساليب اإلقناع‪ ،‬وما ل ى ذل‪ .،‬ابلتايل‪ ،‬فليس لدى الفالسفة‪ ،‬لال القليل ليقولوه عن اخلطابة‪ ،‬خاصة يف‬
‫الفلسفة احلديثة‪ .‬على خالف ذل‪ ،،‬فقد خصص أرسطو كتااب عن هذا املوضوع‪ .‬وقد شق أفالطون طريقه‬
‫ابجتهاد مع فن اخلطابة ـ أو السفسطة كما يُدعى أحياان‪ ،‬ولن كان ذل‪ ،‬ال يعين تطابقهما‪ .‬نذكر أن سقراط‬
‫قد حكم عليه ابملوت‪ ،‬وجز‪ ،‬من ذل‪ ،‬قد كان بسبب الظن يف كونه سفسطائي‪ ،‬خطيب ماهر‪ ،‬يلوي الكلمات‬
‫وجيعل احلجة الضعيفة قوية‪ ،‬ويعلم اآلخرين فعل ذل‪ ]5[ .،‬كان طعن أفالطون يف السفسطائيني مقنعا حبيث‬
‫أننا أصبحنا نستخدم لفظة "سفسطائي" للداللة على معىن االزدرا‪ ،،‬شي‪ ،‬مثل "جمرد خطيب"‪ ،‬وذل‪ ،‬تزامنا‬
‫مع العدا‪ ،‬الشعيب الراسخ واحلاصل جتاه السفسطائية (العدا‪ ،‬الذي مل سقراط‪ ،‬بنحو هزيل)‪ ،‬وال ش‪ ،‬أن‬
‫حماورات أفالطون تتضمن معركة متواصلة بني الفلسفة من انحية‪ ،‬واخلطابة والسفسطائية من انحية أخرى‪،‬‬
‫وتل‪ ،‬أيضا معركة شهرية ومت حبثها كثريا‪ .‬فما الذي تدور حوله؟‬

‫مرة أخرى‪ ،‬يواجهنا سؤال صعب للغاية‪ .‬فليس من السهل فهم السبب ورا‪ ،‬األمية الكربى للموضوع عند‬
‫أفالطون‪ ،‬ما هي املسائل اجلوهرية يف املعركة‪ ،‬وماذا لن كانت اخلطابة دوما أمرا سيئا‪ .‬لننا نعرف أمثلة جديرة‬
‫ابلثنا‪ ،‬للخطابة ـ لنقل‪ :‬خطاب التأبني الذي ألقا‪ ،‬ابركليس‪ ،‬خطبة جيتيسربج اليت ألقاها لينكولن‪ ،‬أو خطب‬
‫تشرشل احلماسية أثنا‪ ،‬احلرب العاملية الثانية‪ .‬مجيعها تنتمي ل ى فن اخلطابة‪ ،‬لكن هل كانت جمرد كلمات‬
‫خطابية‪ ،‬انهي‪ ،‬عن السفسطائية؟ يبقى أيضا‪ ،‬أن سقراط أفالطون ليس فوق الشبهات‪ ،‬لذ يتهمه حماوروه‬
‫ابخلطابية‪ ،‬يف بعض األحيان‪ ،‬بل ابلسفسطة (مت التشكي‪ ،‬بعض حججه ضد تراسيماخوسىفي الكتاب األول‬
‫من حماورة اجلمهورية‪ ،‬يف أهنا تندرج حتت السفسطة‪ ،‬وأحياان ما يذكر حماورو سقراط شعورهم أبنه ةمارس بعض‬
‫اخلدع اللفظية معهم)‪ .‬ث أليست حماورات أفالطون نفسها خطابية‪ ،‬ابملعىن املعترب للمصطلح؟‬

‫تثري هذه املالحظات سؤاال آخر‪ .‬أاي كانت أمية موضوعي الشعر واخلطابة‪ ،‬فحينما نقرأ أفالطون‪ ،‬ملاذا‬
‫جنمعهما معا؟ قد يتصور القليل من الناس اليوم أنه ال توجد عالقة مثرية لالهتمام بني الشعر واخلطابة‪ .‬لن‬
‫النظر ل ى الشعرا‪ ،‬الكبار ابعتبارهم "خطبا‪ ،"،‬يبدو أمرا غريبا‪ ،‬كما ال يبدو أن معظم اخلطبا‪( ،‬املشهورين)‬
‫الشعر يف حماورة‬ ‫يعرفون شيئا عن الشعر‪ .‬غري أن أفالطون يرب بني االثنني على حنو وثيق‪ :‬فهو يص‬
‫جورجياس (‪ )502c‬أبنه نوع من اخلطابة‪ .‬هكذا يزودان أفالطون ابملسوغ لبحث املوضوعني معا‪ .‬من املؤكد‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪6‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫أن تل‪ ،‬الرابطة بني الشعر واخلطابة مثرية للجدل‪ ،‬وسيتم مناقشتها فيما يلي‪.‬‬

‫من الواضح أن موضوعاتنا ذات نطاق شديد االتساع‪ ،‬وال ختلو واحدة من حماورات أفالطون من االتصال‬
‫بواحد أو أكثر منهما‪ .‬ستقتصر مقالتنا هذه على أربع حماورات؛ أيون‪ ،‬واجلمهورية‪ ،‬وجورجياس‪ ،‬وفايدروس‪.‬‬
‫وسوف أقوم ببحثهم بذل‪ ،‬التتيب‪ ،‬ويف القسم األخري من املقال‪ ،‬سأحبث املسألة الشهرية اخلاصة ابلبعد‬
‫اخلطايب والشعري يف كتاابت أفالطون إبجياز‪.‬‬

‫سأقوم ابلبحث عن الرواب بني تل‪ ،‬ايحماورات األربعة‪ ،‬رغم اعتقادي أبن تل‪ ،‬النصوص املختارة ال تقدم‬
‫صورة للشعر واخلطابة املتآزرين متاما (حقا‪ ،‬ال ةمكن ادعا‪ ،‬ذل‪ ،‬حىت عن اجلمهورية لذا أُخذت منفردة)‪ .‬سأحني‬
‫أفالطون للمحاورة‪ ،‬مع االفتاضات حول "التطور" ايحمتمل لرؤية أفالطون‪ ،‬من‬ ‫جانبا مسألة زمن أتلي‬
‫ايحماورات "املبكرة" ل ى ايحماورات "املتأخرة"‪ .‬هذا مثال لفرضية أتويلية (أو كما تُسمى أحياان‪" :‬هرمنيوطيقية")‪،‬‬
‫كل قارئ ألفالطون قام ابفتاضات أتويلية ابلضرورة‪ .‬والسجال متواصل حول أي من هذه االفتاضات هو‬
‫األفضل‪ ،‬لكنه غري وثيق الصلة ابلنقاش املعاصر‪ ]6[.‬يفي ابلغرض هنا أن نوضح االفتاضات ذات الصلة اليت‬
‫أنتجها هذا البحث‪.‬‬

‫لن هوية "سقراط" حمل خالف‪ ،‬فليس لدينا كتاابت خاصة بشخصية سقراط التارخيية‪ ،‬ولمنا جمرد أعمال كتبها‬
‫عدد من املؤلفني‪ ،‬وهي مبعىن أو آبخر ـ واملعاين هائلة التباين ـ لما عنه ابلفعل‪ ،‬أو أهنا اختذت امسه ومظهره‬
‫أساسا خياليا لقصتها‪ .‬عند اإلشارة ل ى سقراط‪ ،‬فإين أعين فق شخصيته كما قدمها أفالطون‪ ،‬غري معين‬
‫حاليًا ابلدقة التارخيية للوص الذي يقدمه أفالطون‪ .‬ابإلضافة ل ى ذل‪ ،،‬فإن ما يضعه أفالطون من آرا‪ ،‬على‬
‫لسان سقراط‪ ،‬ال يعين أن أفالطون نفسه يتبىن هذه اآلرا‪ ،،‬فقد تكون كذل‪ ،،‬وقد ال تكون‪ .‬ونظرا ألن‬
‫أفالطون مل يكتب أطروحة خاصة به‪ ،‬نتعرف فيها على آرائه‪ ،‬فمن املستحيل أن نعرف على وجه اليقني أي‬
‫تل‪ ،‬اآلرا‪ ،‬يتبناها أفالطون (على األقل‪ ،‬استنادا ل ى األعمال اليت ألفها)‪ .‬يف العديد من احلاالت‪ ،‬اليت ستتم‬
‫دراسة لحداها يف القسم األخري هلذه املقالة‪ ،‬فمن الواضح بشكل معقول أن أفالطون ما كان ليتبىن رأاي يؤيده‬
‫سقراط بال قيد أو شرط‪ .‬مع أ خذ تل‪ ،‬املبادئ يف االعتبار حبزم أبية حال‪ ،‬سأحيل بني احلني واآلخر ل ى‬
‫كل عبارات ودراما ايحماورات‪،‬‬ ‫أفالطون حني أعرض ر ًأاي أو آخر (كما سبق أن فعلت)‪ .‬وحيث أنه مؤل‬
‫فهو يقدم تل‪ ،‬اآلرا‪ ،‬املعنية ابلفعل‪ ،‬وسيكون من املناسب يف بعض األحيان وأكثر بساطة ذكر لنه يتخذ هذا‬
‫املوق أو ذاك (على سبيل املثال‪ :‬املوق القائل بوجود معركة قدةمة بني الفلسفة والشعر)‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪7‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .2‬حماورة إيون‬
‫ليون‪ ،‬راوي شعر حمتف‪ ،‬حائز على جوائز‪ ،‬ومتخصص يف رواية شعر هومريوس‪ ]7[.‬وابلرغم من أنه ينشد‬
‫أبياته ابلصدق والعاطفة الضروراين‪ ،‬فإنه ال "حياكي" موضوعاته‪ ،‬مبعىن متثيل أدوارها (ابلطبع‪ ،‬فهومريوس مل‬
‫يكتب أعماله للمسرح)‪ .‬فهو راوي‪ ،‬وليس ممثل (مسرحي)‪ .‬يتم تصوير ليون كشخص رائع يف لتقان ملحميت‬
‫اإللياذة واألوديسة‪ ،‬حبيث جيعلهما تنبضان ابحلياة‪ ،‬بتوصيل ما حتواينه من دراما ولرارة وجدانية ل ى مجهوره‪.‬‬
‫ةمكننا القول أبنه "يقدم" أو "يعرب" عن شخصيات‪ ،‬وأحداث‪ ،‬وسرد قصائد هومريوس امللحمية‪ ،‬وابلتايل فإن‬
‫كال منهما يندمج مع موضوعه‪ ،‬وكذل‪ ،‬يفعل مجهوره‪ .‬وكما يقول يف ايحماورة اليت حتمل امسه‪ :‬لذا أتقن عمله‪،‬‬
‫فسيبكي حني لنشاد األبيات احلزينة‪ ،‬ويتوقع أن يرى مجهوره يبكي معه (‪ .)535b1-e6‬كلتا امللحمتني مت‬
‫نقلها بفضل الكفا‪،‬ة السردية الرائعة إليون‪ ،‬يف املسرح احلقيقي (كما يقول سقراط‪ ،‬فإن ليون "جبانب ذاته"‬
‫ويف حلظة اندماجه‪ ،‬حيسب أنه حاضر يف املشهد الذي يرويه) (‪.)535b7-c3‬‬

‫لكن ليون يرى أنه قادر على حتقيق ما هو أكثر من ذل‪ ،،‬لذ أنه يدعي أنه خبري يف تفسري ما حتمله أعمال‬
‫مفسر (انظر ‪ )531a7‬أو مؤول بال منازع‪ ،‬وقد أرار هذا االدعا‪ ،‬عجب سقراط‪.‬‬ ‫هومريوس من معاين‪ .‬لنه ِّ‬
‫هو مل يسمح إليون ابستعراض مهاراته كراوي‪ ،‬وبدال من ذل‪ ،،‬أصر على أن يشاركه يف نقاش متبادل‪ ،‬حول‬
‫القدرات اليت يدعي ليون امتالكها‪ .‬هذا منوذج ملنهج سقراط يف احلوار؛ جيرب حماوره على أن يديل بتعهداته‬
‫وطريقته يف احلياة‪ .‬كراوي ومفسر‪ ،‬الراوي ليس له مقابل اليوم‪ .‬وابلرغم من ذل‪ ،،‬فإن مضامني حماورة ليون‬
‫عديدة‪ ،‬ففي حني أن ليون ليس شاعرا‪ ،‬فإنه يتص ببعض السمات املهمة اليت يتشارك فيها مع الشاعر‪.‬‬

‫كان سيل األسئلة اليت استهل هبا سقراط احلوار كاش ًفا‪ .‬حياول سقراط لظهار تورط ليون يف عدة فرضيات غري‬
‫متابطة ببعضها البعض‪ ،‬وعليه أن يقدم افتاضات ذات صلة ابملوضوع تنقذه يف هذا املوق ‪ .‬يدعي ليون أنه‬
‫شارح‪ ،‬من الدرجة األو ى‪ ،‬جلماليات هومريوس‪ ،‬هومريوس فق ‪ ،‬أما ابلنسبة للشعرا‪ ،‬اآلخرين (مثل هيزيود)‬
‫فإنه يفقد اهتمامه هبم‪ ،‬وكذل‪ ،‬يفقد كفا‪،‬ته يف شرحهم‪ ،‬لذا ما جا‪ ،‬ذكرهم ( ‪531a3-4, 432b8-c2,‬‬
‫‪ ،)533c4-8‬كما ادعى أن هومريوس يقدم موضوعاته بشكل أفضل كثريا من غريه من الشعرا‪531d4-( ،‬‬
‫‪ .)11, 532a4-8‬قد يكون مربرا أن يُنظر ل ى ليون كأحد "املمجدين" هلومريوس‪ ،‬مع الذين متت اإلشارة‬
‫لليهم يف الكتاب العاشر يحماورة اجلمهورية (انظر ما سبق‪ ،‬وحماورة ليون ‪ .)542b4‬الحظ أن أول ما يقوم به‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪8‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫سقراط هو جعل ليون يقر أنه هو من قدم تل‪ ،‬االدعا‪،‬ات‪ ،‬وبينما يبدو ذل‪ ،‬بوضوح‪ ،‬لال أنه شرط أساسي‬
‫يف مباحثات سقراط‪ ،‬ومسة مميزة ملا يفعله سقراط كفيلسوف‪.‬‬

‫لذا كان ليون مفسرا أو شارحا لقصائد هومريوس‪ ،‬فيلزم أن يكون عارفا مبعاين القصائد‪ ،‬ولال فإنه لن يستطيع‬
‫تفسري أفكار الشاعر‪ .‬فهذا كما يبدو‪ ،‬أمر بديهي أكده سقراط يف البداية (‪ ،)530c1-5‬وقبله ليون‬
‫بتحاب‪ .‬مع ذل‪ ،،‬لذا كان ليون يفهم ما يقول الشاعر حول املوضوع س‪ ،‬وحكم إبجادة الشاعر يف تعبريه‬
‫عن س‪ ،‬فالبد أن تكون لديه القدرة على تقييم ما يقوله الشعرا‪ ،‬اآلخرون عن املوضوع نفسه‪ .‬على سبيل‬
‫املثال‪ ،‬كثريا ما تكلم هومريوس عن كيفية شن حرب‪ ،‬فباعتباره خبريا يف هومريوس‪ ،‬ويدعي أن هومريوس عرب‬
‫عن ذل‪ ،‬املوضوع أبمجل ما يكون (مبعىن أنه صوره بشكل صحيح)‪ ،‬يلزم أن يكون ليون يف موضع جيعله يبني‬
‫مثال‪ ،‬من خالل عرض بسي لسلسلة من املقارانت بينهما‬
‫كي أجاد هومريوس ذل‪ ،،‬وكي خفق هيزيود ً‬
‫(‪ ،)531e10‬فإذا ما كنت قادرا مبعرفت‪ ،‬على متييز املتحدث اجليد عن موضوع ما‪ ،‬فبإمكان‪ ،‬أيضا متييز‬
‫املتحدث السي‪ ،‬عن املوضوع نفسه‪ ،‬حيث أن الشروط الالزمة لعمل ذل‪ ،،‬أن يكون لدي‪ ،‬معرفة ابملوضوع‬
‫ذي الصلة‪ .‬لكن يبدو أن ذل‪ ،‬يتعارض مع أتكيد ليون بقدرته على تفسري هومريوس فق ‪ ،‬وليس بقية‬
‫الشعرا‪.،‬‬

‫مهما يف نقده للشعر (اجلدير ابلذكر أن‬


‫دعوان نلخص األمر‪ ،‬حيث أن ما يتخذه سقراط من خطوات يعد ً‬
‫سقراط يعمم يف مواضع عدة أحكامه اخلاصة ابلشعر امللحمي‪ ،‬على الشعر العاطفي‪ ،‬وشعر املديح‪ ،‬وذي‬
‫اإليقاع العمبقي‪ ،‬والشعر الغنائي) (‪ .)533e5-534a7, 534b7-c7‬ومن أجل أتويل جيد هلومريوس‪،‬‬
‫جيب أن يكون لدينا فهم ملا يقول هومريوس‪ ،‬لفعل ذل‪ ،،‬ولدعم ُحكمنا بتفوقه اإلبداعي فيما قال‪ ،‬جيب‬
‫علينا فهم املوضوع الذي يتحدث عنه هومريوس (مثلما قد نفعل حني تقييمنا مثال لكالم شخص عن الصحة)‪.‬‬
‫لضافة ل ى ذل‪ ،،‬البد وأن يكون هومريوس نفسه على دراية مبا يتحدث عنه‪ .‬حنن نزعم كمفسرين أو قائمني‬
‫ابلتقييم أننا خربا‪ ،‬حنكم بنا‪ ،‬على ادعا‪ ،‬ما (هو يف هذه احلالة أعمال هومريوس) ابلتجربة‪ ،‬كأننا أعضا‪ ،‬يف‬
‫جلنة طبية‪ ،‬نعرض أمر ما على ختصصنا الطيب‪ .‬لذل‪ ،،‬فإننا كمفسرين نقدم ادعا‪،‬ات حول صحة أفكار‬
‫هومريوس اخلاصة ابملوضوعات س‪ ،‬ص‪ ،‬ي‪ ،‬ومن ث نفتض أبن هومريوس سعى ل ى تقدمي موضوعاته س‪،‬‬
‫ص‪ ،‬ي‪ ،‬بنحو صحيح‪ .‬وحيث أنه يناقش املوضوعات اجلوهرية للحياة اإلنسانية واإلهلية (‪،)531c1-d2‬‬
‫أيضا القول أبن‪،‬‬
‫فسيبدو أن هومريوس يدعي احلكمة‪ ،‬وابعتبار أن‪ ،‬من معجبيه املخلصني‪ ،‬جيب علينا حنن ً‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪9‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫حكيم (‪ .)532d6-e1‬لكن ادعا‪ ،‬احلكمة‪ ،‬عرضة الدعا‪ ،‬مقابل (فالشعرا‪ ،‬خيتلفون مع بعضهم البعض‬
‫كما أشار سقراط)‪ ،‬ولكي حنكم بينهم‪ ،‬ولندعم تقييمنا ملزاايهم النسبية‪ ،‬جيب أن ننفتح على نقاش مستنري‪،‬‬
‫فنيا وفلسفيا‪ .‬فين؛ ألنه يف موضوعات مثل شن احلروب‪ ،‬يلزم أن نرجع ل ى اجلنرال الستشارته يف مدى دقة‬
‫وص هومريوس‪ ،‬وفلسفي؛ ألن منهج تقييم الكل ("املنهج السقراطي")‪ ،‬واالدعا‪،‬ات الكلية حول صدق ما‬
‫حتديدا ما يشغل أفالطون فلسفيا‪.‬‬
‫يقوم به املفسر والشاعر‪ ،‬هي ً‬
‫كان على بعد جمرد خطوة واحدة من هناك ليصل ل ى رأي يفيد أبن ا‬
‫كال من ليون وهومريوس ال ةمكنه دعم‬
‫ادعا‪،‬اته ابملعرفة‪ ،‬وابلتايل ال يستطيعان تعزيز ادعائهما أبن القصائد جيدة ومجيلة‪ .‬مع توايل الفقرات‪ ،‬يتكلم‬
‫هومريوس عن موضوعات تندرج حتت ختصصات معينة (فنون أو مهارات)‪ ،‬أي‪ :‬فرع معريف خاص‪ .‬لكن ال‬
‫الراوي وال هومريوس ةملكان املعرفة جبميع (أو رمبا أبي من) تل‪ ،‬الفروع املتخصصة (القيادة العسكرية‪ ،‬وصنع‬
‫العرابت‪ ،‬والطب‪ ،‬واملالحة‪ ،‬والعِّرافة‪ ،‬والزراعة‪ ،‬وصيد األمساك‪ ،‬والفروسية‪ ،‬ورعي البقر‪ ،‬والعزف على القيثارة‪،‬‬
‫وغزل الصوف‪ ،‬لخل)‪ .‬حياول ليون االعتاض على ذل‪ ،‬ابلقول أبنه بفضل دراسته هلومريوس‪ ،‬فهو يعرف ما‬
‫الذي على القائد العسكري (على سبيل املثال) أن يقوله (‪ .)540d5‬وحيث أنه قد قبِّل أبن ذل‪ ،‬يتضمن‬
‫امتالكه لفن القيادة العسكرية (‪ ،541e2‬الفن كمعرفة) فإنه ادعا‪ ،‬يصعب الدفاع عنه‪ ،‬ويتهمه سقراط ابلفشل‬
‫يف أتكيده أبنه "حاذق ابمتياز ‪ ...‬يف أعمال هومريوس" (‪.)542a1‬‬

‫لذن‪ ،‬لن سلسلة من االحتماالت غري املستساغة تواجه ليون‪ ،‬وابلتايل هومريوس‪:‬‬

‫أ‪ .‬مبقدورما االستمرار يف الدفاع عن زعمهما أهنما ةملكان معرفة فعلية ابملوضوعات اليت يتحدران عنها ـ‬
‫مبعىن أهنما حيوزان الفن كمعرفة‪ ،‬مبعىن ‪ :‬اإلملام التام ابملوضوع‪ .‬غري أهنما لذا دافعا عن هذا االدعا‪،‬‬
‫سيكوانن عُرضة للمراجعة من جانب اخلربا‪ ،‬املتخصصني‪.‬‬
‫ب‪ .‬ةمكنهما االعتاف أبهنما ال يعرفان ما يتحدران عنه‪ .‬وةمكن تفهم هذا اإلقرار بعدة وسائل‪:‬‬
‫(ب‪ )1 .‬ةمكن للمر‪ ،‬القول أبنه مع افتقارما ل ى املعرفة الفنية (اإلحاطة بتل‪ ،‬احلرفة أو املهارة)‪ ،‬فإهنما‬
‫ةملكان معرفة ابلشؤون اإلنسانية‪ ،‬وهو ما يقارب املعرفة ابلطبيعة اإلنسانية‪ ،‬ابلكيفية اليت متيل احلياة‬
‫اإلنسانية للتقدم هبا‪ ،‬وابلعالقة (مثال) بني الفضيلة والسعادة‪ ،‬وكذل‪ ،‬بطبيعة كال من الفضيلة‬
‫والسعادة‪ .‬وةمكن أن نضي ل ى ذل‪ ،‬القول أبن الشعرا‪ ،‬ومفسريهم يعرفون طبيعة الكون والعامل اإلهلي‪.‬‬
‫يف حماورة اجلمهورية‪ ،‬يسمح هلم سقراط ابدعا‪،‬ات ابملعرفة يف هذا الصدد‪ ،‬ومن ث يهاجم مجيع‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪10‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫االدعا‪،‬ات‪ ،‬ساعيا ل ى لظهار أن الشعرا‪ ،‬قد أخطأوا يف كافة املسائل املهمة‪.‬‬

‫(ب‪ )2 .‬بدال من ذل‪ ،،‬فبمقدورهم االعتاف أبهنم ال ةملكون معرفة فنية أو غري فنية‪ ،‬عن أي من‬
‫املوضوعات اليت ينشدوهنا يف قصائدهم‪ ،‬ولن ما ةملكونه هو مهارة (فن ‪ )techne‬يف خلق صور‬
‫مؤثرة‪ ،‬ومقنعة‪ ،‬ومجيلة‪ ،‬للموضوعات املعنية‪ .‬لذا‪ ،‬فعندما قال ليون لن هومريوس يتحدث بقدر كبري‬
‫من اجلمال عن س ‪ ،‬فلم يكن يعين غري أن هومريوس يتحدث بنحو مجيل ابملعىن اخلطايب‪ ،‬حىت ولن‬
‫مل يكن يعرف عما يتحدث هومريوس‪ .‬وينشأ عن ذل‪ ،،‬أن الشاعر (حبسب هذا التأويل) سيذكر‬
‫نفس االدعا‪ ،‬عن نفسه‪ .‬سيبدو هذا وكأنه خيتزهلما ل ى جمرد خطبا‪ ،،‬وهو ما يذهب لليه سقراط يف‬
‫حماورة جورجياس‪ ،‬مع حتفظ لضايف أبن اخلطابة كممارسة مجاهريية ال ترقى ل ى أن تكون حرفة فنية‪.‬‬
‫أمرا قوي التأثري‪ ،‬سوا‪ ،‬لتعليم أهل اليوانن‪ ،‬أو ليصبح‬
‫لن الشعر ابعتباره خطابة ال ةمكن من اعتماده ً‬
‫مجهوره أفضل‪ ،‬لن اخليار (ب‪ )2 .‬ليس هو املوق الذي قد حيرص الشاعر ورواته على تبنيه‪.‬‬

‫(ب‪ )3 .‬ةمكن إليون االعتاف أبنه ال يعرف شيئا عن املوضوعات اليت يعاجلها هومريوس‪ ،‬وأن‬
‫يسحب ادعا‪،‬ه أبنه راوي صاحب معرفة‪ ،‬ولكن يُبقي على أن هومريوس يعرف ما يتحدث عنه‪.‬‬
‫وسيكون ليون عرضة لسؤاله عن الكيفية اليت عرف هبا ذل‪ ،‬كله‪ ،‬وعلى أية حال‪ ،‬فسيتحول هجوم‬
‫سقراط ل ى اهلدف احلقيقي‪ :‬هومريوس‪.‬‬

‫(ب‪ )4 .‬يطرح سقراط ما يبدو أنه بديل أكثر قبوال يف حماورة ليون‪ ،‬وهو ما تردد صداه يف حماورة‬
‫فايدروس (‪ ،)245a‬لنه "االفتاض املتميز واملنقذ" الذي ذكرانه آنفا‪ .‬ويتمثل يف أن ليون يروي‬
‫(وهومريوس يؤل ) ال عن معرفة ولمنا عن لهلام لهلي‪ .‬ال يعرف أحدما ما يقول‪ ،‬ولكنه رغم ذل‪ ،‬قادر‬
‫حبذق ومجال‪ ،‬وذل‪ ،‬بفضل اإلهلام اإلهلي‪ .‬لهنما مثل أتباع ابخوس‪ ،‬فاقدين‬ ‫على الرواية أو التألي‬
‫لعقوهلم (‪ .)534b4-6‬ويتشاركون هذا اجلنون اإلبداعي كما ةمكن أن نسميه‪ ،‬مع غريهم من الفنانني‬
‫أصحاب اإلهلام اإلهلي‪ ،‬واألنبيا‪ ،،‬واملستبصرين (‪ .)534b7-d1‬من املفتض أن يفسر هذا سبب‬
‫اقتصار ليون على رواية قصائد هومريوس حبذق ومجال‪ ،‬فاإلهلام اإلهلي ال أيتيه لال خبصوص هومريوس‬
‫وحده‪ ،‬وهذا ما يعنيه قوله لن هومريوس أفضل من منافسيه من الشعرا‪ .،‬فليس لدى ليون حجة يدعم‬
‫هبا ما يبدو أنه تقييم مقارن‪ ،‬بل جمرد تقرير مفاده أنه "ممسوس" بسحر هومريوس بفضل عمل اآلهلة‪.‬‬
‫فالشاعر‪ ،‬ابإلضافة ل ى ذل‪ ،،‬ليس عارفا بل هو انقل لومضة اإلهلام اإلهلي‪ ،‬فهو أو هي "كائن لطي ‪،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪11‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫جمنح ومقدس"(‪ .)534b3-4‬تل‪ ،‬الومضات تولد بواسطة قوى لهلية‪ ،‬وهتب متناقلة عرب الشاعر‬
‫ل ى الراوي‪ ،‬ومنه ل ى اجلمهور‪ .‬ونرى يف تشبيه سقراط الذي ال يُنسى للعالقة بني اإلله والشاعر‪،‬‬
‫والراوي‪ ،‬ث اجلمهور مثل حلقات ممغنطة ومتوالية‪ ،‬تلتصق كل منها ابألخرى‪ ،‬بفعل القوى املغناطيسية‬
‫اإلهلية يف البداية (‪ ،)535e7 – 536b4‬كأهنا متابطة يف سلسلة (كما قد نتصورها حنن)‪.‬‬

‫يساعد هذا التشبيه التمثيلي يف اإلجابة على سؤال مهم‪ :‬ملاذا جيب أن هنتم مبا لذا كان الشعرا‪ ،‬يعرفون أو ال‬
‫يعرفون ما يتحدثون عنه ما دمنا نستمتع مبؤلفاهتم؟ جييب سقراط أنه ابعتباران احللقة األخرية يف سلسلة اإلهلام‬
‫تل‪ ،،‬سنكون مؤهلني ألن نتأثر بدرجة كبرية ابلشعر‪ .‬حنن "املشاهدون" يف عرض اإللقا‪ ،‬الشعري‪ ،‬نفقد عقولنا‬
‫ل ى درجة ما أيضا‪ ،‬فننتحب أو نضح‪ ،‬ابندماجنا يف املشهد ايحمكي‪ ،‬انسني ذواتنا وحياتنا احلقيقية‬
‫(‪ .)535b2-d9‬يف حماورة ليون‪ ،‬ال يقدم لنا سقراط تفسريا لضافيا لكيفية حدوث هذا التأثري ـ لذل‪،،‬‬
‫سننتقل ل ى اجلمهورية ـ غري أن املسألة املهمة هي أن ذل‪ ،‬التأثري حيدث‪ .‬قد يبدو أن املشاهدين قد غريهتم‬
‫التجربة‪ ،‬فأخذهتم بعيدا عن ذواهتم بطريقة ما‪ .‬وقد ال تدعهم على احلال الذي كانوا عليه‪ ،‬ألن فهمهم ملا أرار‬
‫حزهنم أو ضحكهم سيبدو كما لو أنه تشكل بفضل هذه التجربة املؤثرة‪ ،‬التجربة اليت حيتمل تكرارها ملرات‬
‫عديدة‪ ،‬خالل فتة الطفولة وما بعدها‪ .‬رمبا يبدأون‪ ،‬أيضا‪ ،‬يف االعتقاد ـ مبثل ما فعل ليون والشاعر ـ أبهنم‬
‫شن احلروب‪ ،‬ول ى أي مدى تظل مشتعلة‪ ،‬وما معىن‬ ‫"يعرفون" شيئا بفضل اتصاهلم اإلهلي‪ ،‬مثل كي تُ ُّ‬
‫اإلخالص يف احلب‪ ،‬أو شخصيات اآلهلة‪ .‬لن يكون ألي من هذه األمور أمية تُذ َكر لذا مل حيركنا الشعر الرائع‪،‬‬
‫أو تركنا كما كنا‪ .‬يعتمد نقد أفالطون على افتاض أنه إبمكان الشعر تشكيل أرواحنا‪.‬‬

‫لن فرضية "اإلهلام اإلهلي" حتل بعض املشكالت ابلنسبة إليون (وضمنيا ابلنسبة هلومريوس)‪ ،‬بينما تؤجل حلول‬
‫مشكالت أخرى‪ .‬لحدى املشكالت اليت ذُكرت يف األسطر القليلة األخرية من ايحماورة‪ ،‬حني يعرض سقراط‬
‫ألسئلة سقراط حول طبيعة‬ ‫على ليون االختيار‪ :‬لما أن يكون لنساان‪ ،‬ويتحمل مسؤولية جتنبه غري املنص‬
‫ِّحكمته (اإليونية)‪ ،‬أو أن يقبل بوسم "لهلي"‪ ،‬ويشارك يف فرضية اإلهلام اإلهلي‪ .‬أيخذ ليون ابالختيار األخري‬
‫على أساس أنه "األروع"‪ .‬لهنا ابلتأكيد دعوة ل ى االعتداد ابلنفس والطمأنينة‪ .‬كم سيكون سهال اخلل بني‬
‫اإلهلي واجلنون اإلنساين (نستعري التمييز من حماورة فايدروس ‪ !)244a5-245c4‬وليس كل من تباروا من‬
‫أجل احلصول على اجلائزة اليت فاز هبا ليون على نفس درجة استحقاق حالة اإلهلام اإلهلي‪ .‬على العكس من‬
‫نفسه يف حماورة الدفاع أبنه ال يظن أنه يعرف ما مل يكن يعرفه لبشريته‪ ،‬بل بفضل‬ ‫ذل‪ ،،‬فإن سقراط يص‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪12‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫"حكمة" لهلية‪ ]8[ .‬أخريا‪ ،‬حيث أن كال من الشعرا‪ ،‬ورواهتم يقدمون نظرهتم حول ما عليه األشيا‪ ،‬وما جيب‬
‫أن تكون عليه‪ ،‬ويسعون ل ى حث مجهورهم على األمر نفسه‪ ،‬فهم ال يستطيعون التملص من مسؤوليتهم عن‬
‫االدعا‪ ،‬الضمين حبكمتهم وقوة أتثريهم‪ .‬ابلنسبة ألفالطون‪ ،‬فإن ذل‪ ،‬يعين وجوب حماسبتهم‪ .‬لهنا مهمة‬
‫الفيلسوف؛ أن جيربهم على تقدمي كش حساب عن أنفسهم‪ ،‬وأن خيترب صحة ما قدموه‪ .‬يعين ذل‪ ،‬أنه يتعني‬
‫عليهم مشاركة الفلسفة يف مضمارها‪ ،‬متاما كما فعل ليون على مضض‪ .‬لن شرعية هذا املطلب‪ ،‬هي يف ذاهتا‬
‫[‪]9‬‬
‫نقطة خالف‪ ،‬فهي أحد مظاهر املعركة بني الفلسفة والشعر‪.‬‬

‫‪ .3‬حماورة اجلمهورية‪ ،‬الكتاب الثاين‪ ،‬والثالث‪ ،‬والعاشر‬


‫‪ 1.3‬حماورة اجلمهورية‪ ،‬الكتاب الثاين‬

‫استجابة للتحدي الشهري الذي واجه سقراط من جانب جلوكون ولدةمانتوس‪ ،‬كان من الضروري أن يتم تقدمي‬
‫تعري للعدالة‪ .‬يقول سقراط لن املهمة ستكون أسهل لذا ما نُشدت العدالة يف دولة املدينة (أو املدينة‬
‫اليواننية)‪ ،‬حيث تكون "الصورة أوضح"‪ .‬وكانت استاتيجية مقبولة يلزم معها لنشا‪ ،‬دولة املدينة لفظيا‪ .‬انتهى‬
‫كم األوصيا‪ ،‬الفالسفة الدولة املدينة‪ ،‬وكان السؤال التايل متعلقا بتبية هؤال‪ ،‬األوصيا‪.)376e2( ،‬‬
‫األمر أبن َح َ‬
‫ينشأ نقد الشعر يف حماورة اجلمهورية عن النظر يف التبية املناسبة لألوصيا‪ ،‬الفالسفة (منذ طفولتهم) يف "املدينة‬
‫الفاضلة"‪ .‬ابلتايل‪ ،‬كان سياق النقد هو سياق املشروع ايحمدد يف حماورة اجلمهورية‪ ،‬ويثري هذا تساؤال عما لذا‬
‫كان القصد من النقد هو رؤية ما لذا كانت "املدينة الفاضلة" ممكنة أو مرغوبة أم ال‪.‬‬

‫كانت عناية الكتاب الثاين من حماورة اجلمهورية مبوضوع التبية املناسبة للمواطنني كبرية‪ ،‬متاشيًا مع مشروع‬
‫لنشا‪ ،‬املدينة الفاضلة‪ .‬لن "صانعي األساطري" (‪ 377b11‬ترمجها بلووم "مبتكرو احلكاايت") الذين يروون‬
‫القصص السائدة يف ذل‪ ،‬الوقت‪ ،‬هم مثل املصورين (‪ )377e2‬الذين يصنعون صورا لآلهلة واألبطال‪،‬‬
‫وابلطبع‪ ،‬للعالقات بينهما‪ .‬يتعامل سقراط‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬مع القصائد (وخص ابلذكر قصائد هيزيود وهومريوس‪،‬‬
‫ولن مل يكن النقد حمصورا يف أعماهلما) ليس ألهنا تتضمن كذاب فحسب‪ ،‬بل وألهنا تتضمن أكاذيب يتم‬
‫تصويرها على أهنا سلوكا جيدا‪ .‬يتم اختاذ هذه القصائد كنصوص تربوية‪ ،‬وبعد ذل‪ ،،‬تنتشر كنصوص سياسية‪،‬‬
‫حتفيزا (انظر‪ )378c7 :‬لفئة الشباب الذي يتعرض للخطر بشكل كبري من جرا‪ ،‬ذل‪ .،‬ال يستطيع الشاب‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪13‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫األمر صحيحا أم خاطئًا‪ ،‬وحيث أن احلكم على األشيا‪ ،‬يف الصغر يصعب‬
‫احلكم بشكل صحيح عما لذا كان ُ‬
‫حموه أو تغيريه‪ ،‬فمن الضروري التأكد من أهنم ال يسمعون لال األساطري اليت حتث على الفضائل احلقيقية‬
‫(‪ .)378d7-e3‬ةمتد الدافع التبوي املقصود ابلتأكيد ملا ورا‪" ،‬املدينة الفاضلة" اليت تُنشئها اجلمهورية‪.‬‬
‫وهكذا‪ ،‬رغم أن نقد الشعر يف الكتاب الثاين وما بعده قد تشكل هبذا املعىن خالل موضوعات السياق‪ ،‬لال‬
‫أن االنشغال به ال يقتصر على ذل‪.،‬‬

‫عالوة على ذل‪ ،،‬يستهدف سقراط حمتوى العديد من القصائد ذات التأثري اخلاص‪ ،‬وال تستند حججه ضد‬
‫هذا ايحمتوى يف حماورة اجلمهورية على مشروع لنشا‪" ،‬املدينة الفاضلة"‪ .‬أحد أهدافه األو ى كان ما يسميه‬
‫"الالهوت" اخلاص هبم (‪ .)379a5-6‬سوا‪ ،‬يف املالحم‪ ،‬أو القصائد الغنائية‪ ،‬أو التاجيدايت‪ ،‬وسوا‪ ،‬كان‬
‫اآلهلة بشكل صحيح‪ ،‬مبعىن أنه ال‬ ‫موزوان أو غري موزون (‪ ،)379a8-9, 380c1-2‬لذ جيب وص‬
‫يعتيها التغيري‪ ،‬وأهنا خرية وال يصدر عنها لال اخلري‪ ،‬وغري قادرة على العن ‪ ،‬وأهنا "بسيطة متاما وصادقة يف‬
‫أفعاهلا وأقواهلا"‪ ،‬ألن اإلله "ال يتغري‪ ،‬وال خيدع اآلخرين ابألوهام‪ ،‬وال ابألقوال‪ ،‬وال إبشارات يرسلها ل ى الناس‬
‫يف يقظتهم أو منامهم" (‪ )382e8-11‬لذ "ليس عند اإلله جمال لشاعر كاذب" (‪ .)382d9‬ابختصار‪،‬‬
‫فإن اآلهلة اليت يتم تصورها بشكل صحيح ودقيق‪ ،‬تشابه على حنو واضح ما سيطلق عليه سقراط الحقا‪:‬‬
‫"املثُل" يف الكتابني اخلامس والسابع يف حماورة اجلمهورية‪ ،‬من الواضح متاما‪ ،‬أنه جيب التخلي عن األساس‬
‫ُ‬
‫"الالهويت" املهيمن على النظرة للعامل‪ ،‬واليت سادت يف يوانن القرنني الرابع واخلامس ـ وكذل‪ ،‬أي نظرة الهوتية‬
‫ال تتفق مع ايحمددات اليت وضعها سقراط ـ ونبذ ذل‪ ،‬كله‪ .‬يتسع نطاق النقد هنا بشكل مذهل‪.‬‬

‫يثري سقراط مسألة أخرى غاية يف األمية يف هذا اجملال‪ ،‬وهي أال يُسمح للشعرا‪ ،‬بتديد أن من عوقبوا بسبب‬
‫ما ارتكبوا من آرام هم تعسا‪ ،‬مظلومون‪ ،‬بل جيب أن يقولوا أبنه جزا‪( ،‬عادل) يلقاه الرجال من اإلله ملصلحتهم‬
‫(‪ .)80b2-6‬يبدأ سقراط مبواجهة الفرضية اليت تذهب ل ى أن التفوق والغلبة ستكون من نصيب األشرار‪،‬‬
‫أو أن األخيار ةمكن أن يتأذوا‪ .‬لقد نشأ الكون على طريقة متكنه من دعم الفضيلة‪ .‬حياول سقراط اإلنقاص‬
‫من قيمة ما ةمكن أن يُسمى نظرة "مأساوية" جتاه العامل (الحظ أنه يف الكتاب العاشر‪ ،‬يص هومريوس أبنه‬
‫"زعيم" التاجيداي‪.)598d8 ،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪14‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ 2.3‬حماورة اجلمهورية‪ ،‬الكتاب الثالث‬

‫يف الكتاب الثالث يتوسع سقراط يف حجته بشكل واضح‪ .‬االهتمام اآلن مباشر ابلشعر الذي حيث على‬
‫الفضيلة يف نفوس الشباب‪ .‬الشجاعة واالعتدال ما أول الفضائل اليت مت تدارسهما هنا‪ ،‬وكذل‪ ،‬التدقيق يف‬
‫التأثريات السيكولوجية واألخالقية للشعر‪ .‬ينبغي التخلص من صورة هاديس‪ ،‬ما دامت غري حقيقية وغري ذات‬
‫نفع للجمهور الذي جيب عليه أن يكون شجاعا يف مواجهة املوت‪ .‬املوت ليس أسوأ شي‪ ،‬موجود‪ ،‬كما ينبغي‬
‫التخلص من تصوير الرجال املشهورين‪ ،‬أو (املزعوم) أهنم أخيار‪ ،‬وهم ينتحبون وينعون حظهم السي‪( ،‬أو أن‬
‫يقتصر ذل‪ ،‬على األقل على النسا‪ ،،‬واألشرار‪ .)387e9- 388a3 ،‬ال ينبغي للشعرا‪ ،‬أن حياكوا اآلهلة‬
‫(انظر ‪ 388c3‬خبصوص هذا املصطلح) أو الرجال يف حال معاانة تتطرف فيها مشاعرهم‪ ،‬ومن ذل‪ ،‬املبالغة‬
‫يف الضح‪ ،‬واملرح‪ ،‬ألن األرواح القوية ال تتغلب عليها املشاعر أاي كانت‪ ،‬انهي‪ ،‬عن الرغبات اجلسدية‪ .‬كما‬
‫أهنم ال يعانون من الصراع الروحي (‪ .)391c‬أصبح رفض النظرة "التاجيدية" ل ى العامل واضحا‪ :‬ال يُسمح‬
‫للشعرا‪ ،‬وكتاب النثر بكتابة أشيا‪ ،‬مثل " الكثري من الرجال السعدا‪ ،‬أشرار‪ ،‬والعديد من التعسا‪ ،‬أخيار‪ ،‬ولن‬
‫فعل الشر قد جير نفعا لذا ما متكن املر‪ ،‬من مداراته‪ ،‬أما العدالة فإمنا هي انفعة للغري ويغرم صاحبها"‪ .‬وعلى‬
‫كل من يتلفظ أبي من هذه املوضوعات ـ يف نظم شعري أو غريه ـ أن يقول عكس ذل‪392a13-( ،‬‬
‫‪ .)b6‬ابلتوسع يف جمال اخلطابة‪ ،‬واملتصل ابملوضوع على حنو كبري‪ ،‬يضع سقراط متطلبات اخلطاب املؤثر ـ أو‬
‫ما سيطلق عليه يف موضع آخر "فن اخلطابة" ـ ومن ث جيعل الشعر فرعا له‪.‬‬

‫بعدما انتهى سقراط من قضية ايحمتوى‪ ،‬حتول ل ى قضية "األسلوب" (حماورة "لَي ِّزيس"‪ ،)392c6 ،‬أو‪ ،‬ما ةمكن‬
‫أن نسميه‪ :‬قضية "الشكل" لدى َحكائي األساطري أو الشعرا‪( ،‬مرة أخرى‪ ،‬جيمع سقراط بني هذين االثنني)‪.‬‬
‫وهو يقوم بذل‪ ،‬بطريقة حتدد اجتاها جديدا يف احلوار‪ .‬لذ يتبني أن القضية ذات أمية أخالقية عميقة؛ ألهنا‬
‫تتعلق ابلطريقة اليت يؤثر هبا الشعر يف النفوس‪ .‬كانت اآللية غامضة حىت تل‪ ،‬اللحظة‪ ،‬أما اآلن فقد أصبحت‬
‫أوضح قليال‪ .‬ينقل رواة األساطري الشعرية أفكارهم بواسطة السرد ‪( diegesis‬احلبكة)‪ ،‬الذي قد يكون بسيطًا‬
‫(‪ )haplos‬أو تقليدا (يتم خالل عمليات "حماكاة")‪ .‬لن فكرة ايحماكاة اليت نفتقدها يف حماورة ليون‪ ،‬حتتل‬
‫اآلن الصدارة‪ .‬حينما يتحدث الشاعر بصوته اخلاص‪ ،‬فإن "السرد" يكون "بسيطا"‪ ،‬وحينما يتحدث خالل‬
‫شخصية أخرى‪ ،‬كما لو كان يداري نفسه خل قناع من أحد شخصياته األدبية‪ ،‬فإن السرد يكون نوعا من‬
‫التقليد‪ ،‬أو من ايحماكاة‪ .‬حينئذ‪ ،‬فإن الشاعر يشبه نفسه بتل‪ ،‬الشخصية‪ ،‬حماوال لقناع اجلمهور أبن الشخصية‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪15‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫هي من تتحدث‪ .‬بعض القصائد (اهلزلية والتاجيدية ورد ذكرها) تواصل استخدام ايحماكاة من بدايتها ل ى‬
‫هنايتها‪ ،‬وبعضها اآلخر أييت كله يف أسلوب سرد بسي (ذُكرت أانشيد الديثرامب)‪ ،‬فيما جتمع القصائد‬
‫امللحمية بني شكلي السرد‪.‬‬

‫ينتج عن هذا املخط التصنيفي نقاش حول ايحماكاة‪ .‬كانت الفرضية األو ى تفيد أبن إبمكان كل شخص‬
‫القيام بعمل جيد خالل نشاط واحد فق ‪ .‬وابلتايل‪ ،‬فال ةمكن ألحد أن يؤدي حماكاة جيدة لال لشي‪ ،‬واحد‬
‫(على سبيل املثال‪ :‬ال ةمكن للممثل أن يكون راواي‪ ،‬والشاعر اهلزيل ليس مبقدوره أن يكون شاعرا تراجيداي‪ ،‬لذا‬
‫ما قام أحدما بدوره بشكل حسن)‪ .‬وايحماكاة نفسها هي شي‪ ،‬يفعله املر‪ ،،‬ولذا ال ةمكن له أن يقوم مبحاكاة‬
‫س (ولنقل‪ :‬القيادة العسكرية) على حنو جيد‪ ،‬وأن يقوم يف الوقت نفسه بفعل العمل س الذي حياكيه ( ‪394e‬‬
‫‪ .)– 395b‬جيب القول أبن هذه األطروحة قامت على حجة واقعية ل ى حد ما‪ .‬على أية حال‪ ،‬فإن الروح‬
‫الفاضلة (األوصيا‪ ،،‬يف هذه احلالة يف املدينة الفاضلة) جيب عليهم أال يقوموا مبحاكاة أي شي‪.،‬‬

‫ولذا حدث أن قاموا مبحاكاة أي شي‪ ،،‬فعليهم مراعاة أن يكون ذل‪ ،‬مما يرفع شأهنم ال أن حي من قدرهم‪.‬‬
‫ملاذا؟ ألن أفعال ايحماكاة "لذا ما داوم الشباب على ممارستها" فإهنا "ستسخ يف نفوسهم كعادة وطبيعة‪ ،‬تؤثر‬
‫يف أجسادهم وكالمهم وعقوهلم" (‪ .)395d1-3‬على النقيض من السرد البسي ‪ ،‬فإن ايحماكاة تشكل خطرا‬
‫نفسيا‪ ،‬لذ أن الراوي للسرد قد يتقمص مست وهيئة الشخصية األدبية اليت يتحدث عنها‪ .‬فيبدو كما لو أن‬
‫احلدود متاهت بني الشخصية املتخيلة والشخصية احلقيقية‪ ،‬حني يقوم املر‪ ،‬بتمثيل املشهد فإنه يؤدي املشهد‪،‬‬
‫ومن ث يؤديه (يف "الواقع") مبثل ما كانت الشخصية الروائية تفعل‪ .‬لن املر‪ ،‬ال يتعمد أن يكون تل‪ ،‬الشخصية‬
‫أو التفكري الذي يكون حني يقوم الشخص‬ ‫الروائية‪ ،‬ولمنا هو "قالب" أو من االستجابة‪ ،‬أو التعاط‬
‫"ابيحماكاة"‪ ،‬فهو يتلبس ابلشخصية املتخيلة‪ .‬ليس هناك حاجز حمكم بني للقا‪ ،‬نفس‪ ،‬يف دور معني (خاصة‬
‫بعفوية)‪ ،‬جبسدك وروح‪ ،،‬ويتم تشكيل‪ ،‬حبسب هذا الدور‪ ،‬بال حدود رابتة‪ .‬هبذا املعىن‪ ،‬فال حدود بني ما‬
‫حيدث على املسرح وخارجه‪ .‬وعلى العكس‪ ،‬يرى سقراط أن الرواية البسيطة حتافظ على املسافة بني الراوي‬
‫واملروي‪.‬‬

‫خيتتم سقراط هذا القسم من نقده للشعر مشتطا عدم السماح للشاعر الذي حياكي كل شي‪( ،‬احلسن والسي‪)،‬‬
‫ابإلقامة يف املدينة الفاضلة ‪ ]10[ ،‬وذل‪ ،‬قبل االنتقال ل ى نقد املوسيقى واأللعاب الرايضية‪ .‬على أية حال‪،‬‬
‫فالشاعر األكثر "التزاما" وراوي األساطري كالما مقبول وجودما‪ ،‬ألنه يلزم نفسه ابالقتصار على حماكاة‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪16‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫الفضال‪ ،‬من الناس (حينما يقوم ابيحماكاة‪ ،‬وايحمتمل أن يكون ذل‪ ،‬اندرا بقدر اإلمكان)‪ ،‬ومن ث التحدث‬
‫بنفس هذا الشكل‪ ،‬عن النغم واإليقاع‪ ،‬وعمن يصور بدقة طبيعة اآلهلة‪ ،‬واألبطال‪ ،‬والفضائل‪ ،‬واملسائل األخرى‬
‫[‪]11‬‬
‫اليت نوقشت يف الكتابني الثاين والثالث (‪.)398a1-b4‬‬

‫صدم هذا النقد املوجه ل ى شعر ايحماكاة القرا‪ ،،‬كونه غريبا وعنيفا بعض الشي‪ ،،‬بل لنه يقصي مسألة شرعية‬
‫الرقابة على الفنون‪ .‬كما يبدو أنه ال ةميز بني الشاعر‪ ،‬وراوي الشعر‪ ،‬واجلمهور‪ ،‬وال يسمح للجمهور مبسافة‬
‫املشاهدة‪ ،‬ويسمح للمؤل مبسافة حمدودة بينه وبني الشخصيات اليت يقدمها‪ .‬مجيعهم يصبحون رواة ومؤدين‬
‫للقصيدة حني قرا‪،‬هتم أو تفكريهم يف األبيات‪ ،‬ويُزعم أن رواية القصيدة‪ ،‬وتلقيها كما هي‪ ،‬له أتثري حقيقي‬
‫على سلوكيات الفرد‪.‬‬

‫‪ 3.3‬حماورة اجلمهورية‪ ،‬الكتاب العاشر‬

‫تصويرا‪ ،‬وكانت الفكرة األساسية أن الشعرا‪ ،‬يسيؤون‬


‫ً‬ ‫يركز نقد الشعر يف الكتاب الثاين على ايحماكاة ابعتبارها‬
‫تصوير طبيعة املوضوعات اليت يكتبون عنها (مثل‪ :‬اآلهلة)‪ .‬فإهنم ال يقدمون ما يطابق حقيقية املوضوعات‪ .‬يف‬
‫صا"‪ ،‬أي املشاركة يف‬
‫الكتاب الثالث‪ ،‬ينتقل توجيه النقد ل ى ايحماكاة‪ ،‬العتبارها حبسب أحد املعلقني‪" :‬تشخي ً‬
‫عملية "التقليد" بتقمص الشخصيات اليت متت حماكاهتا‪ .‬واعتربت شخصيات سيئة لمجاال‪ ،‬عدا يف بعض‬
‫حاالت ايحماكاة الشعرية القليلة‪ ]12[ .‬مما يثري الدهشة أن سقراط يعود يف الكتاب العاشر ل ى نقد الشعر‪،‬‬
‫نتائج النقاش السابق فحسب (يف فقرة‪ 595a5‬يزعم حترمي جممل شعر‬ ‫واألغرب كونه ال خيطئ يف توصي‬
‫ايحماكاة‪ ،‬لكن ما مت حترةمه هو بعضه فق ‪ ،)398a1-b4 :‬بل يعيد صياغة النقد بعبارات خمتلفة متاما‪ .‬ويرجع‬
‫ذل‪ ،‬ل ى حد ما ل ى حقيقة أن املناقشات املتداخلة شهدت جتليات "نظرية املثُل"‪ ،‬وحتليال أكثر تفصيال لطبيعة‬
‫ُ‬
‫النفس‪ ،‬ووص دقيق لطبيعة الفلسفة‪ .‬وقد نتج عن هذا النقد املتجدد العبارة الشهرية عن وجود معركة قدةمة‬
‫بني الشعر والفلسفة‪.‬‬

‫يبدأ الكتاب العاشر إبعادة التأكيد على القصور األساسي لدى الشعرا‪ :،‬لن أعماهلم "تشوه تفكري من‬
‫يسمعوهنم"‪ .‬وبواسطة املخط التايل‪ ،‬الذي يرتب اآلن بتطور االدعا‪( ،‬الذي تكرر يف ‪ )602b6-8‬أبن‬
‫الشعرا‪ ،‬ال يعرفون ما يتحدثون عنه‪ .‬يفتض سقراط وجود ُمثُل (أو أفكار) لألسرة‪ ،‬واملناضد‪ ،‬صانعها هو‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪17‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫اإلله‪ ،‬ومن ث هناك تقليد هلا‪ ،‬أي األسرة واملناضد اليت صنعها احلرفيون (مثل النجارين) الذين عاينوا املثُل (كما‬
‫ُ‬
‫لو كانوا ينظرون ل ى خمططات أساسية)‪ ،‬ورالثا‪ ،‬أييت املقلدون ملا ينتجه احلرفيون‪ ،‬وهم يصنعون‪ ،‬مثل املصور‪،‬‬
‫نوعا من الصور هلذه املصنوعات يف عامل احلس‪ .‬يضع هذا املخط الثالثي املؤلني أمام العديد من املشكالت‪.‬‬
‫[‪ ]13‬من املؤكد أن سقراط ال يعين حرفيا أبن الشعرا‪ ،‬يرمسون صورا لفظية لألسرة واملناضد‪ .‬ابلتايل‪ ،‬فقد وضع‬
‫ليستبدل ابحلرفيني أولئ‪ ،‬الذين ينتجون األفكار يف املدينة (املشرعون‪ ،‬واملربون‪ ،‬والقادة‬ ‫هذا املخط‬
‫العسكريون‪ ،‬وآخرون)‪ ،‬واملصورون‪ ،‬مع "املعلم األول ومرشد كل هؤال‪ ،‬الشعرا‪ ،‬التاجيديني" (‪595b10-‬‬
‫‪ )c2‬أي‪ :‬هومريوس‪ .‬ومن ث‪ ،‬فإن الشعرا‪" ،‬ينتمون ل ى املرتبة الثالثة من الطبيعة" أو "املرتبة الثالثة بعد املل‪،‬‬
‫واحلقيقة" (‪.)597e3-4,6-7‬‬

‫لنتأمل اآلن أحد النتائج املتضمنة هلذا املخط ‪ ،‬واليت كان سقراط حمددا للغاية بصدده‪ .‬ال يعرف الشعرا‪،‬‬
‫أصول (أي‪ :‬حقيقة) املوضوعات اليت يتحدثون عنها‪ ،‬لذ يبدون جهال‪ ،‬بتل‪ ،‬احلقيقة‪ ،‬بل وأسوأ من ذل‪،،‬‬
‫مبثل ما ةمكن خلداع البصر يف لوحة أن خيدع املشاهد الساذج‪ ،‬ابعتقاد أن الشي‪ ،‬املقلد حقيقي‪ ،‬كذل‪،،‬‬
‫[‪]14‬‬
‫يعتقد من يتقمصون الشعر أن ما يتلقوه حقيقي‪ .‬تبدأ ايحماكاة من هذه النقطة يف اختاذ معىن "التزيي "‪.‬‬
‫فإن اجلمهور يؤمن أبن الشعرا‪ ،‬يتحدثون على حنو مقنع عن "مجيع الفنون واألشيا‪ ،‬اإلنسانية‪ ،‬اليت تتسم‬
‫ابلفضيلة أو عكسها‪ ،‬واألشيا‪ ،‬اإلهلية أيضا " (‪ ،)598b-599a‬بال استعداد لوضع ادعا‪ ،‬الشعرا‪ ،‬ابملعرفة‬
‫التفحص‪ ،‬النقطة اجلوهرية اليت غدت مألوفة لنا اآلن‪ :‬أبنه أصبح الزما للشاعر لذا ما أراد صنع قصيدة‬
‫موضع ُّ‬
‫حسنة‪ ...‬أن ةمل‪ ،‬معرفة حقيقية ابألشيا‪ ،‬اليت يذكرها يف قصيدته حني كتابتها (‪ .)598e3-5‬حىت لذا‬
‫غضضنا النظر عن كل ما يتعلق ابلفنون واحلرف من أمور (فنية‪ ،‬مثل الطب)‪ ،‬وانصب اهتمامنا على األشيا‪،‬‬
‫األعظم واألكثر أمية ـ قبل كل شي‪ ،،‬مثل حكم اجملتمعات‪ ،‬وتعليم البشر ـ فإن هومريوس ببساطة لن يثبت‬
‫أمام هذا االختبار (‪ ،)599c-600e‬كل أولئ‪" ،‬املهرة يف الصنع" (‪ ،)tous poietikous‬مع معلم‬
‫اليوانن‪ ،‬ومرشد الشعرا‪ ،‬التاجيديني‪ ،‬قد مت رمسهم ابعتبارهم "مقلدون لصور الفضيلة وما سواها مما يصنعون"‬
‫(‪.)600e4-6‬‬

‫ث ما الذي حيكم منظورهم املتحيز للغاية لعامل احلس‪ ،‬بغض النظر عن جهلهم ابحلقيقة؟ يلمح سقراط ل ى‬
‫كوهنم وسطا‪ ،‬رذيلة جلمهورهم‪ ،‬لعموم اجلماهري (‪ .)602b3-4‬ويرب ذل‪ ،‬بينهم وبني اخلطبا‪ ،،‬كما وصفهم‬
‫سقراط يف حماورة جورجياس‪ .‬يف الوقت ذاته‪ ،‬هم يستفيدون من هذا اجلانب الذي يؤثر فينا حنن اجلماهري‪،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪18‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وهنا حياول سقراط استخدام حبثه يف علم النفس‪ ،‬الذي بدأ يف عرضه بداية من الكتاب الثالث‪ .‬وتعد املناقشة‬
‫التالية الفتة للنظر بتميُّزها يف تل‪ ،‬األطروحات‪.‬‬

‫املثال الذي يقدم املرحلة األخرية لنقد سقراط للشعر‪ ،‬والسابقة لإلعالن الشهري عن "املعركة"‪ ،‬هو تل‪ ،‬املعاانة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬وبشكل خاص جتربة فقد األبوين لطفلهما (‪ .)603e3-5‬كي ستكون ردة فعل الشخص احلكيم‬
‫جتاه مثل هذه الكارثة؟ سيقاوم األمل‪ ،‬وسيتحكم يف انفعاالته بقدر املستطاع‪ ،‬وال يدع اآلخرين يرونه يف حال‬
‫أتمله‪ ،‬وسيشعر ابخلزي لن بدا منه ذل‪ ،‬لآلخرين‪ ،‬وسيحرص على أن يبدو "هادائ بقدر استطاعته" وهو يعرف‬
‫أن ال شي‪ ،‬من األمور البشرية "يستحق كبري اهتمام"‪ .‬معاانة األمل تعوق حكم املنطق‪ ،‬الذي ةملي علينا‪ ،‬حني‬
‫يصيبنا مكروه‪ ،‬أن نتحمل وال نُبدي أتثرا بقدر املستطاع‪ ،‬لنحافظ على انسجامنا الروحي (‪.)603e-604e‬‬
‫يرسم سقراط شخصية اإلنسان احلكيم اهلادئ هكذا‪" :‬الشخص اهلادئ احلكيم‪ ،‬متسق دوما مع نفسه‪ ،‬ال‬
‫تسهل حماكاته‪ ،‬ولذا حتدث‪ ،‬فال يسهل فهمه‪ ،‬خاصة‪ ،‬من ذل‪ ،‬التجمع االحتفايل الصاخب‪ ،‬حيث جتتمع‬
‫كافة أنواع البشر يف املسرح‪ .‬ألن ايحماكاة تكون لطبيعة غري مألوفة ابلنسبة هلم" (‪ .)604e‬رمبا يصور ذل‪،‬‬
‫[‪]15‬‬
‫سقراط نفسه‪ ،‬الذي صنع أفالطون حماكاة له‪.‬‬

‫على العكس من ذل‪،‬؛ فإن املقلدين التاجيديني ابرعون يف تصوير الصراعات النفسية ألانس يعانون‪ ،‬وأولئ‪،‬‬
‫الذين ال حياولون حىت االستجابة بنحو فلسفي‪ .‬حيث أن مجهورهم يتأل من أانس‪ ،‬تتص أنفسهم ابلطبيعة‬
‫ذاهتا أيضا‪ ،‬فاملقلدون واجلمهور حمصورون يف نوع من الصورة متبادلة التأثري للحالة اإلنسانية‪ .‬كالما مأسور‬
‫هبذا اجلانب من أنفسهم‪ ،‬املستسلم لالنفعايل أو الالعقالين‪ ،‬وكالما يشتد اهتمامه حبالة الصراع الداخلي‪.‬‬
‫يقوم الشاعر "إبيقاظ هذا اجلانب من النفس وتغذيته"‪ ،‬مما يؤدي ل ى لنتاج نظام حكم‪ ،‬أو دستور مضطرب‬
‫نفسيا (;‪ ، politeia, 605b7–8‬قارن هذا التعبري مع ما جا‪ ،‬يف فقرات خامتة الكتاب التاسع يحماورة‬
‫اجلمهورية)‪ .‬ال يستطيع اجلانب "الطفويل" يف النفس‪ ،‬والذي يستمتع بصور الشاعر‪ ،‬أن ةميز بني احلقيقة‬
‫والواقع؛ وةمنح الشاعر‪ ،‬السلطة أن يقوهلا كما هي دون متحيص‪ .‬يصبح املشاهدون متأثرين عاطفيا بدراما‬
‫الشاعر‪.‬‬

‫يف مقطع الحق‪ ،‬جا‪" :،‬أصغ ليل وتدبر‪ .‬لذا استمع أفضلنا ل ى هومريوس‪ ،‬أو غريه من الشعرا‪ ،‬التاجيديني‬
‫وهو حياكي أحد األبطال‪ ،‬ويصوره يف حال حزنه‪ ،‬ويروي عن حنيبه وحزنه يف قصيدة طويلة‪ ،‬أو يصوره وهو‬
‫ينشد انداب حظه‪ ،‬ويضرب صدره بيده‪ .‬تعلم أننا نستمتع بذل‪ ،،‬ونستغرق يف متابعته ونتعاط‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪19‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫[‘‪ ،’sympaschontes‬كلمة مشتقة من كلمة يواننية أخرى هي‪ ]’sympatheia‘ :‬مع هذا البطل‬
‫تعاطفا اتما‪ ،‬ونثين على الشاعر لقدرته على لرارة هذه املشاعر يف نفوسنا" (‪ .)605c10-d5‬هبذا‪ ،‬يكون‬
‫اخلطر الناتج عن الشعر عظيما‪ ،‬حيث أنه يغوي حىت أفضلنا‪ ،‬وأكثران حكمة‪ ،‬بشي‪ ،‬قد ينخدع به‪ ،‬ويثري‬
‫حالة تشبه احللم‪ ،‬يضع فيها التمحيص‪ ،‬تغيب فيها أنفسنا يف تل‪ ،‬املشاعر املثارة (يف املقام األول‪ :‬مشاعر‬
‫األسى‪ ،‬واحلزن‪ ،‬والغضب‪ ،‬واالستيا‪.)،‬‬

‫يقول أحد املعلقني‪" :‬من انحية‪ ،‬جيلب الشعر صراعا نفسيا‪ ،‬ومن انحية أخرى‪ ،‬جيعلنا غري واعيني بذل‪،‬‬
‫الصراع‪ ،‬حيث أن اجلانب االنفعايل يف نفوسنا ال يستمع لتصويبات العقل‪ .‬هذا هو السبب يف أن الشعر‬
‫إبيقاعاته النابضة‪ ،‬وقرعه يف الصدور‪ ،‬يكون جذااب للحشود اليت ال توص يف املسرح‪ ،‬حىت ألكثران حكمة‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬لذا كان الشعر يذهب مباشرة ل ى الشق األسفل يف النفس‪ ،‬فالبد وأن هذا هو الشق الذي يصدر الشعر‬
‫عنه"‪ ]16[.‬لضافة ل ى ذل‪ ،،‬فإن صور اآلهلة‪ ،‬اليت صورها شعرا‪ ،‬اليوانن‪ ،‬كانت لسقاطات من جانب الشق‬
‫األسفل‪ ،‬املضطرب واملتصارع‪ ،‬من النفس‪ ،‬الذي يدعم ويغذي‪ ،‬بدوره‪ ،‬األجزا‪ ،‬الشبيهة به يف النفس‪.‬‬

‫ما يثري القلق‪ ،‬حينئذ‪ ،‬أنه أثنا‪ ،‬معايشتنا لتل‪ ،‬املشاعر ابلنيابة ـ ابلتطابق مع الدراما ـ فإننا نطلق العنان لعواط‬
‫يكون من األفضل تنظيمها ابلعقل‪ ،‬ونصبح ابلتايل أسرى هلا يف احلياة "الواقعية"‪ .‬يف لطار علم النفس‪ ،‬فإن‬
‫الدراما توفر ما نسميه اليوم "القدوات"‪ .‬لن فكرة سقراط ليست أننا حنسب الدراما حقيقة يف نفسها‪ ،‬كما لو‬
‫أننا ال نستطيع التمييز بني ما يدور على املسرح وخارجه‪ ،‬ولكن فكرة سقراط هي "أن االستمتاع مبعاانة‬
‫اآلخرين يؤثر ابلضرورة يف املر‪ ."،‬ملاذا؟ "ألن اجلز‪ ،‬الرحيم [من النفس] والذي يتقوى بتل‪ ،‬النماذج‪ ،‬ال ةمكن‬
‫التحكم فيه لذا ما حلت املعاانة ابملر‪ ،‬نفسه"(‪ ]17[ .)606b‬وينطبق األمر نفسه على امللهاة‪ ،‬لذ نعتاد على‬
‫مساع األشيا‪ ،‬املخزية يف قالب حماكاة هزلية‪ ،‬فنتوق ابلتايل عن اإلحساس ابخلجل منها‪ ،‬ومن ث نستمتع هبا‬
‫(‪ ]18[ .)606c‬ينكر سقراط بوضوح لمكانية عزل "املتعة" اجلمالية (‪ )606b4‬عن التأثريات األخالقية‬
‫للشعر‪ .‬لنصيغ الفكرة مبفارقة اترخيية (حيث مل يكن لدى أفالطون مفهوما يتوافق مع مفهوم "علم اجلمال‬
‫لدينا")‪ ،‬فهو ال يعتقد بقابلية انفصال علم اجلمال عن األخالق‪ .‬هو ال يفصل بني معرفة اجلمال ومعرفة اخلري‪.‬‬
‫يبدو األمر كما لو أن املتعة اليت حنظى هبا عند متثيل األسى على املسرح‪ ،‬سوف تتحول ـ ألهنا استمتاع مبا‬
‫يقدمه التمثيل (وليس ألنه تصوير على املسرح أو يف قصيدة) ـ ل ى االستمتاع ابألسى يف احلياة‪ .‬وهو ليس جمرد‬
‫أتثري أخالقي‪ ،‬بل هو أتثري سي‪ ،،‬ابلنسبة ألفالطون‪ .‬تل‪ ،‬هي مكوانت اعتاضاته على املوضوع مع أرسطو‪،‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪20‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وكذل‪ ،‬مع ما ال حيصى من املفكرين غريه‪ ]19[ .‬لنه يؤكد‪ ،‬ولن مل يقدم اآلليات النفسية اليت كنا أنملها‪ ،‬أن‬
‫ايحماكاة تشكل تصوراتنا وخياالتنا‪ ،‬وصوران ومشاعران الالواعية أو شبه الواعية‪ ،‬منذ الطفولة فصاعدا‪ ،‬وتشكل‬
‫ابلتايل شخصياتنا‪ ،‬خاصة ذل‪ ،‬اجلز‪ ،‬من طبيعتنا‪ ،‬والذي ةميل ل ى غري املنطقي أو الالعقالين‪.‬‬

‫يعمل الشعرا‪ ،‬على استعباد حىت الفضال‪ ،‬منا‪ ،‬لذل‪ ،‬اجلز‪ ،‬األد ى من نفوسنا‪ ،‬وطاملا أهنم يقومون هبذا الفعل‪،‬‬
‫جيب أن يتم لبعادهم عن أي جمتمع يرغب يف أن يكون حرا وأخالقيا‪ .‬من الشائع عن أفالطون رفضه وضع‬
‫حد حاسم بني اخلاص والعام‪ ،‬بني الفضيلة الفردية‪ ،‬والقواعد املنظمة لآلخرين‪ .‬ما جيري على املسرح‪ ،‬ويف‬
‫[‪]20‬‬
‫بيت‪ ،،‬ويف خميلت‪ ،،‬كله يتاب ‪ .‬والشعر غري املنضب ابلفلسفة خطر على النفس واجملتمع‪.‬‬

‫‪ 4.3‬مالحظة ختامية حول "معركة" اجلمهورية‬


‫تناول النقاش يف الكتاب العاشر كافة أشكال "الشعر"‪ ،‬سوا‪ ،‬التاجيدي‪ ،‬أو اهلزيل‪ ،‬أو الغنائي‪ ،‬موزوان كان‬
‫أم غري موزون‪ ،‬والواقع أن التمييز السابق بني الشعر السردي وشعر ايحماكاة يبدو غري ذي صلة ابملوضوع هنا‪.‬‬
‫النتيجة ذاهتا‪" :‬حنن ندرك يف مجيع األحوال‪ ،‬أن مثل هذا الشعر ال ينبغي له أن يؤخذ على حممل اجلد كشي‪،‬‬
‫جاد يزعم امتالك احلقيقة‪ ،‬ولمنا على كل من يسمعه أن يكون حريصا‪ ،‬وأن خيشى على النظام املستقر يف‬
‫نفسه‪ ،‬وأن يؤمن مبا سبق وذكرانه عن الشعر" (‪ .)608a6-b2‬مثل هذا االستنتاج الشامل يضعنا أمام عدة‬
‫افتاضات‪ ،‬لحداها ابلطبع أن هناك شي‪ ،‬من قبيل "احلقيقة" يف الواقع‪ ،‬وأن نظرية املثُل أو األفكار جز‪ ،‬من‬
‫ُ‬
‫يوص الشعرا‪ ،‬أبهنم يدعون تقدمي احلقيقة‪ ،‬وأهنم خيربون هبا كما هي‪ ،‬وهذا‬
‫األساس امليتافيزيقي لتل‪ ،‬الرؤية‪َ .‬‬
‫كله يف احلقيقة ـ خبالف الظاهرـ أكثر من اإلسقاطات اخليالية غري املربهنة للشعرا‪ ،،‬الذين يعتمد قبوهلم‬
‫وتصديقهم على قدرهتم على لرارة استحسان اجلمهور‪ .‬أي أن الشعرا‪ ،‬هم خطبا‪ ،‬يبيعون منتجاهتم‪ ،‬لذا صح‬
‫التعبري‪ ،‬ل ى أكرب األسواق املمكنة‪ ،‬على أمل الفوز ابلشهرة والتأثري‪.‬‬

‫يتعلق املخط الثالثي‪ :‬الفكرة‪ ،‬املنتَج‪ ،‬ايحماكي‪ ،‬ابلصنع مبثل ما يتعلق ابيحماكاة‪ .‬الصنع هو سلسلة متواصلة‬
‫عرب املستوايت الثالثة للمخط ‪ .‬فيقال أبن األفكار أيضا مصنوعة‪ ،‬رغم أهنا ال تتسق كليا مع املذهب الذي‬
‫يرى أن األفكار خالدة‪ ،‬ومت عرضه من قبل يف حماورة اجلمهورية نفسها (ويف حماورات أفالطون األخرى مجيعها)‪.‬‬
‫ةمكن القول أبن الشعرا‪ ،‬صناع (انظر أيضا حيث يتم لخباران أبن الشعرا‪" ،‬ينتجون الظهور"‪ ،‬كما قد نتمجه)‪،‬‬
‫صنع"‬
‫غرق ابلصنع‪ .‬لن كلمة "شعر" يف النسخة اليواننية ألفالطون مشتقة من كلمة " ُ‬
‫لذ أهنم يتحركون يف عامل ُم َ‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪21‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫(‪ )poiein‬وهي حقيقة يشري لليها سقراط يف حماورة املأدبة‪ ]21[ .‬يتخذ الصنع موضعه‪ ،‬ويساهم يف عامل‬
‫الصريورة‪ .‬بينما‪ ،‬على خالف ذل‪ ،،‬يتم تصوير الفالسفة على اعتبار أهنم ملتزمون ابلوصول للحقيقة املوجودة‬
‫"هناك"‪ ،‬مستقلة عن العقل‪ ،‬وعن عامل الصريورة الواقعي‪ .‬تتعلق جهودهم ابالكتشاف ال ابلصنع‪ .‬ابلتايل‪ ،‬فإن‬
‫االختالف واضح‪ ،‬حيث أن الشعرا‪ ،‬أيضا‪ ،‬يعكسون ما يوجهون مجهورهم ل ى (أن يرغبوا يف الشعور أو‬
‫االعتقاد به) ـ لهنم "حياكون"‪ ،‬مبعىن ةمثلون مثلما يعربون ـ ويُلقي الفالسفة اخلطب‪( ،‬وكما يقول سقراط) حياكون‬
‫هم أيضا‪ ]22[ .‬وابلرغم من ذل‪ ،،‬فإن هذا االختالف يقتح احتماال مثريا؛ أن املعركة بني الشعر والفلسفة من‬
‫وجهة نظر أفالطون تتعلق هنايةً ابألولوية النسبية للصنع و االكتشاف‪ .‬يتوافق تباين صنع‪ /‬اكتشاف مع عدد‬
‫من التباينات اليت سبق أن تطرقنا لليها‪ :‬اخليال مقابل العقل‪ ،‬العاطفة مقابل املبدأ‪ ،‬الصريورة مقابل الوجود‪،‬‬
‫املصنوعات مقابل املثُل‪ ،‬والصور مقابل األصول‪.‬‬
‫ُ‬
‫يف أي موضع من حماورة اجلمهورية‪ ،‬مل يذكر سقراط ادعا‪ ،‬الشاعر ابإلهلام‪ .‬ابلفعل‪ ،‬قد مت حذف هذا االدعا‪،‬‬
‫يف الفقرة اليت يتحدث فيها سقراط عن بداايت اإللياذة (‪ ،392e2 – 393a5‬انظر مالحظة ‪Bloom‬‬
‫يف موضعها)‪ .‬ينكر سقراط‪ ،‬متاما‪ ،‬صحة هذا االدعا‪ ،‬هنا‪ .‬ابفتاض أن مفهومه عن األلوهية كفكرة‪ ،‬وهو‬
‫اد عا‪ ،‬ال ةمكن أن يكون صحيحا‪ ،‬ألن األفكار ال تتحدث‪ ،‬فلتتحدث وحدها تل‪ ،‬األشيا‪ ،‬اليت يرويها‬
‫هومريوس‪ ،‬وهيزيود‪ ،‬وأتباعهما‪ .‬النتيجة أن الشعرا‪ ،‬ملفقون‪ ،‬حىت لو بدوا عارفني مبا يتحدثون عنه‪ ،‬وهذا ال‬
‫يتوافق مع توصي الشعر يف حماورة ليون على اعتباره من وحي اجلهل‪.‬‬

‫هل ةمتد نقد الشعر‪ ،‬يف حماورة اجلمهورية ‪ ،‬ليتجاوز مشروع أتسيس املدينة الفاضلة؟ لقد اقتحت‪ ،‬ابلفعل‪،‬‬
‫جوااب لجيابيا حني مناقشة الكتاب الثاين‪ .‬لن املخاوف املتعلقة ابلشعر‪ ،‬واليت مت التعبري عنها يف الكتابني الثالث‬
‫والعاشر‪ ،‬قد تتجاوز أيضا ل ى املشروع احلايل للمحاورة‪ ،‬لذا كانت ما تزال حتمل شيئًا يُذ َكر‪ ،‬على أية حال‪،‬‬
‫فإن األهداف اليت عيـنَها أفالطون مأخوذة‪ ،‬ابلتأكيد‪ ،‬من أحوال عصره‪ .‬لقد ُزعم أن سلطة قول احلقيقة‪ ،‬اليت‬
‫[‪]23‬‬
‫وزعم كذل‪ ،‬أن النقاش حول‬
‫ُ‬ ‫يدعيها الشعرا‪ ،،‬قد شارك فيها الكثري من الشعرا‪ ،‬املعتربين منذ ذاك احلني‪.‬‬
‫التأثريات على مجهور الشعر متواصل‪ ،‬ابستثنا‪ ،‬أن اليوم ال يوجد الكثري من الشعرا‪ ،،‬لذا التزمنا الدقة‪ ،‬لكن‬
‫صانعي األشكال األخرى من الصور يف "اإلعالم"‪ ،‬هم اجلناة‪ .‬لن اخلالفات حول أتثري الرسوم البيانية ملستوايت‬
‫مثال‪ ،‬تردد خماوف أفالطون حول التأثريات األخالقية واالجتماعية للفن‪.‬‬
‫العن ‪ ،‬وتدهور وضع املرأة‪ ،‬واجلنس‪ً ،‬‬
‫[‪]24‬‬
‫على األقل‪ ،‬يف أحوال مثل تل‪ ،،‬فإننا حنافظ على ش‪ ،‬أفالطون حول فكرة "املسافة اجلمالية"‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪22‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫‪ .4‬حماورة جورجياس‬
‫لن حماورة جورجياس من أكثر حماورات أفالطون عنفا‪ ،‬حيث يدور النقاش فيها وس جو من الغضب‪،‬‬
‫للخطَب‪ .‬وهي هبذا املعىن تتجاوز حماورة‬ ‫واالختالف العنيد‪ ،‬والكثري من حاالت سو‪ ،‬الفهم‪ ،‬واملقاطعة ُ‬
‫برواتجوراس اليت تصور املواجهة العدائية بني سقراط والسفسطائي الشهري‪ ،‬الذي حتمل ايحماورة امسه‪ ]25[ .‬تظهر‬
‫املعركة بني الفلسفة واخلطابة نفسها كصراع بشع يف حماورة جورجياس‪.‬‬

‫ما الذي تدور حوله املعركة؟ يطلب سقراط من جورجياس أن يقدم توضيحا ملا يقوم به‪ ،‬أي‪ :‬أن يقدم تعريفا‬
‫للخطابة‪ .‬ويطلب منه أن يفعل ذل‪ ،‬بطريقة تساعد على التمييز بني اخلطاب البياين واخلطاب الفلسفي‪ :‬األول‬
‫ينتج خطااب ابملدح أو الذم‪ ،‬والثاين جييب عن أسئلة عن خالل احلوار املتبادل ( ‪dialegesthia,‬‬
‫يسعد الفيلسوف بدحض‬ ‫‪ )448d10‬سعيا ل ى الوصول ل ى تعري موجز وشامل‪ ،‬بقصد فهم املوضوع‪َ .‬‬
‫فكرته لذا أدى ذل‪ ،‬ل ى مزيد الفهم واحلكمة‪ ،‬وليس هدفه أن يكافح من أجل أن "يفوز" يف ايحماججة‬
‫(‪.)457e-458a‬‬

‫ينتقل جورجياس حتت أتثري التحدايت املتتالية من القول لن اخلطابة تُعىن ابلكلمات (األقوال) ل ى القول أبن‬
‫فعالية اخلطابة وأتثريها يقعان فق يف الكلمات وخالهلا (خبالف الفنون اليدوية)‪ ،‬ث ل ى القول أبن موضوعه‬
‫هو أعظم متطلبات اإلنسان‪ ،‬أي‪ :‬احلرية‪ .‬اخلطابة هي "مصدر احلرية للبشر‪ ،‬ويف الوقت نفسه‪ ،‬هي لكل فرد‬
‫مصدر قوته حلكم اآلخرين يف مدينته" (‪ .)452d6-8‬تل‪ ،‬احلرية هي نوع من القوة‪ ،‬اليت تنشأ عن القدرة‬
‫على لقناع اآلخرين أبفكاره‪" ،‬اخلطابة هي فعل اإلقناع‪ .‬وهو كل ما ترومه وتبتغيه" (‪ .)452a2-3‬لكن‪،‬‬
‫لقناع مباذا حتديدا؟ وكانت لجابة جورجياس‪ :‬لن موضوع اإلقناع هو العدل والظلم (‪ .)454b7‬غري أنه من‬
‫املؤكد أن هناك نوعني من اإلقناع‪ ،‬أحدما يغرس االعتقادات فحسب‪ ،‬وآخر ينتج املعرفة‪ ،‬واألول هو النوع‬
‫الذي تُعىن به اخلطابة‪ .‬لن قياس هذا اجلدل على نقد الشعر ابت واضحا‪ ،‬ففي كلتا احلالتني‪ ،‬يريد سقراط أن‬
‫يربهن على أن املتحدث ال يتكلم ابحلق‪ ،‬وال ينقل معرفة ل ى مجهوره‪ .‬وكما ذكرت آنفا‪ ،‬يصن سقراط الشعر‬
‫(مت ذكر الشعر العاطفي والتاجيدي) كنوع من اخلطابة‪ ،‬هدفه لرضا‪ ،‬ولسعاد املشاهدين‪ ،‬أو بعبارة أخرى‪ ،‬هو‬
‫نوع من اإلطرا‪ .،‬ولذا استبعدان اإليقاع والوزن منه‪ ،‬سيكون لدينا نثر خالص موجه ل ى العامة‪ .‬وهو نوع من‬
‫اخلطابة يف هناية األمر (‪.)502a6-c12‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪23‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫اخلطيب املفوه هو صانع املعتقدات يف نفوس مستمعيه (‪ .)455a3-4‬وبدون تل‪ ،‬املهارة ال ةمكنهم أدا‪،‬‬
‫عملهم بكفا‪،‬ة ـ هنا يبدأ جورجياس يف اخلوض إبسهاب وبالغة ـ ( ‪ 456b‬وما يليها)‪ .‬اخلطابة فن شامل‪.‬‬
‫لكن جورجياس يقدم شرطا حامسا‪ ،‬أدى ل ى املسامة يف سقوطه‪ :‬ال جيب استخدام اخلطابة ضد أي أو كل‬
‫شخص‪ ،‬مثلما يكون األمر مع مهارة املالكمة‪ .‬على الرغم من أن اخلطيب يُعلم اآلخرين استخدام تل‪ ،‬املهارة‬
‫ابعتدال‪ ،‬فقد حيدث أن يسي‪ ،‬التالميذ استخدامها‪ .‬أتبع ذل‪ ،‬اعتاف مؤذ‪ :‬لن اخلطيب يعرف ما هي العدالة‬
‫والظلم‪ ،‬وغريما من الصفات األخالقية‪ ،‬ويعلمها لِّ َمن جيهلها من التالميذ (‪ .)460a‬يتبع ذل‪ ،،‬حبسب تعبري‬
‫سقراط‪ ،‬أن اخلطيب احلق فيلسوف‪ ،‬والواقع أن سقراط يتخذ هذه املكانة يف حماورة فايدروس‪ .‬لكن جورجياس‬
‫ليس فيلسوفا‪ ،‬واحلقيقة أنه ال يعرف ـ أو ال يستطيع تقدمي بيان عن الصفات األخالقية املقصودة‪ .‬لذل‪ ،،‬فإن‬
‫فنه كله ينحصر يف أن يُظهر أمام اجلهال‪ ،‬أنه يعرف ما يعرضه من موضوعات‪ ،‬ومن ث لقناعهم أبهنا مالئمة‬
‫(راجع ‪ .)459d-e‬لكن ذل‪ ،‬أمر ال يرغب جورجياس يف االعتاف به‪ ،‬فقد وافق على أنه مادام اخلطيب‬
‫يعرف ما هي العدالة يف ذاهتا‪ ،‬فيلزم أن يكون رجال عادال‪ ،‬وابلتايل أن يتصرف على حنو عادل (‪460b-‬‬
‫‪ .)c‬لقد وقع يف تناقض ظاهر‪ :‬فقد زعم أن إبمكان التلميذ الذي ُحيصل فن اخلطابة أن يسي‪ ،‬استخدامه‬
‫ابإلقناع ابلظلم‪ ،‬بينما يزعم اآلن أن ليس إبمكان اخلطيب اقتاف الظلم‪.‬‬

‫كان ذل‪ ،‬شديد الوقع على بولوس‪ ،‬تلميذ جورجياس‪ ،‬والذي تشغل مقاطعته الغاضبة القسم الثاين‪ ،‬واألكثر‬
‫عنفا يف ايحماورة (‪ .)461b3‬تربز فكرة جديدة متالئمة مع ادعا‪ ،‬سقراط أبن اخلطبا‪ ،‬ال يعرفون شيئا‪ ،‬وال‬
‫ينقلون معرفة مبا يتحدثون عنه‪ ،‬معىن ذل‪ ،‬أن اخلطابة ليست فنا أو حرفة (‪ )techne‬بل جمرد موهبة (ممارسة‬
‫‪ ،‬أو خربة بال علم)‪ .‬يضي سقراط أبن غاية هذه املوهبة أو املمارسة حتقيق حالة من الرضا‪ .‬من أجل تطوير‬
‫هذه الفكرة‪ ،‬يقدم سقراط خمططا مدهشا‪ ،‬ةميز فيه بني العناية ابجلسد‪ ،‬والعناية ابلنفس‪ .‬لن الطب واأللعاب‬
‫الرايضية حتفظ اجلسد حقا‪ ،‬أما فن الطهي ومستحضرات التجميل فتزعم القيام بذل‪ ،،‬لكنها ال تفعل‪ .‬السياسة‬
‫هي فن رعاية النفس‪ ،‬العدالة وتشريع القوانني ما فرعاها‪ ،‬أما حماكاهتما فهما خطابة وسفسطة‪ .‬مثلما يكون‬
‫الطب ابلنسبة للطهي‪ ،‬كذل‪ ،‬العدالة ابلنسبة للخطابة‪ ،‬مثل التمارين الرايضية ابلنسبة ملستحضرات التجميل‪،‬‬
‫وكذل‪ ،‬التشريع للسفسطة‪ .‬األشكال احلقيقية للعناية هي فنون (‪ )technai‬هتدف ل ى حتقيق اخلري‪ ،‬أما‬
‫املواهب الزائفة فتمي ل ى حتقيق املتعة (‪ .)464b-465d‬فنالحظ أن السفسطة واخلطابة متابطان بشكل‬
‫وثيق هنا‪ ،‬ويذكر سقراط أهنما متمايزان ولكنهما متابطان بشدة‪ ،‬مما يسبب اخلل بينهما لدى كثري من الناس‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪24‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫(‪ .)465c‬أما ما ةميز بينهما بدقة فأمر غري واضح‪ ،‬سوا‪ ،‬يف مناقشات أفالطون للموضوع‪ ،‬أو اترخييا‪ .‬لن‬
‫زعم) أهنما مبثابة مواهب يف لقناع اجلاهل بواسطة‬
‫مناقشة سقراط هنا مصممة لتنطبق عليهما معا‪ ،‬مثلما (يُ َ‬
‫اجلاهل‪ ،‬من أجل حتقيق املتعة لدى املستمعني‪ ،‬ومتعة اهليمنة لدى املتحدث ‪.‬‬

‫حجة سقراط اليت قدمها بعد ذل‪ ،،‬يف حواره مع بولوس‪ ،‬معقدة وطويلة‪ .‬لب املسألة هو العالقة بني السلطة‬
‫والعدالة‪ .‬ابلنسبة لبولوس‪ ،‬فإن الشخص احلائز للسلطة ويدبر األمور بنجاح حبسب هذه السلطة فهو سعيد‪.‬‬
‫خريا‪ ،‬وأن الظامل والشرير‬
‫أما ابلنسبة لسقراط‪ ،‬فإن اإلنسان يكون سعيدا فق لذا كان‪ ،‬أو كانت (أخالقيا) ً‬
‫ابئسون ـ ابألحرى‪ ،‬لذا ما مل تتم معاقبتهم على جرائمهم ابلطبع‪ .‬يرى بولوس ذل‪ ،‬أمرا "غريبا" (‪،)473a1‬‬
‫ويتحدى سقراط إبجرا‪ ،‬اقتاع بني مجيع احلاضرين لتأكيد الفكرة‪ .‬ابختصار‪ :‬فإن اقتاح أفالطون هو أن اخلطابة‬
‫والسفسطة مرتبطان أبطروحات جوهرية حول عدم أمية احلقيقة األخالقية للحياة السعيدة‪ ،‬حول منطية أو‬
‫نسبية األخالق‪ ،‬وأسلوب التحقق من صحة األمر (خبالف األفكار أو نتائج االقتاعات) الذي يصر عليه‬
‫سقراط‪ .‬جيادل سقراط عن بعض أطروحاته الشهرية‪ ،‬خالل ايحماورة‪ ،‬مثل حماججته عما ذهب لليه من أن‬
‫"الشخص الذي يفعل الشر هو دوما أكثر شقا‪ ،‬ممن يكابد هذا الشر‪ ،‬ومن ال يكفر عن أفعاله السيئة‪ ،‬هو‬
‫أكثر بؤسا ممن كفر عنها" (‪ .)479e4-6‬ولذا أخذان بذل‪ ،،‬فما الفائدة املرجوة من اخلطابة؟ ابلنسبة ل ى‬
‫شخص يتجنب لحلاق األذى بنفسه أو ابآلخرين‪ ،‬خيلص سقراط ل ى أن اخلطابة عدةمة الفائدة‪ .‬ومقيدا بتل‪،‬‬
‫احلبكات املنطقية‪ ،‬يستسلم بولوس‪.‬‬

‫بدا ذل‪ ،‬كثريا على حماور آخر شارك يف ايحماورة‪ ،‬كاليكليس‪ .‬وصلت اخلطابة يف حماورة جورجياس ل ى املرحلة‬
‫األكثر شدة‪ .‬يظهر كاليكليس كمنافح عنيد‪ ،‬وغري متحفظ‪ ،‬ورائق الذهن عن السياسة الواقعية‬
‫‪ ،Realpolitik‬كما نسميها اآلن‪ .‬يطرحها على حقيقتها‪ ،‬وةميز حبجة شهرية بني الطبيعة والقانون‪ ،‬ويقدم‬
‫أطروحة يعرفها قرا‪ ،‬الكتابني األول والثاين يحماورة أفالطون‪" :‬أعتقد أن الطبيعة تظهر لنا عدالتها‪ ،‬حيث أن‬
‫الشخص األفضل والشخص األكثر كفا‪،‬ة‪ ،‬هلما مشاركة أكرب من الشخص السي‪ ،‬واألقل كفا‪،‬ة‪ .‬تُظهر لنا‬
‫الطبيعة ذل‪ ،‬يف مواضع عدة‪ ،‬يف عامل احليوان‪ ،‬وعامل اإلنسان مبدنه وأجناسه‪ ،‬وتبني أن هذا ما عليه العدالة‪:‬‬
‫أن يقوم األعلى ِّحبُكم األد ى‪ ،‬وأن يكون له النصيب األكرب من السيادة" (‪ .)483c8-d6‬هذا هو "قانون‬
‫الطبيعة" (‪ ،483e3‬رمبا كان هذا أول ظهور هلذه العبارة الشهرية يف الفلسفة الغربية)‪ .‬احلديث القانوين عن‬
‫العدالة واإلنصاف هي أال أتخذ أكثر من نصيب‪ ،،‬أال تسعى ل ى حتقيق مصاحل‪ ،‬الفردية ـ تل‪ ،،‬هي ببساطة‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪25‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫أساليب يتبعها الضعفا‪ ،‬إلذالل األقواي‪ .،‬لن جوهر فن اخلطابة هو منح السلطة لألقواي‪ ،‬ابلطبيعة‪ ،‬ليسودوا‬
‫الضعفا‪ ،‬ابلطبيعة‪.‬‬

‫تتضمن خطبة كاليكليس الالذعة اهتاما للفلسفة أبهنا عمل يناسب املر‪ ،‬يف طفولته‪ ،‬وقد تتعارض‪ ،‬لذا ما مت‬
‫االنشغال هبا بعد مرحلة الشباب‪ ،‬مع سعي الرجال ل ى املشاركة يف السلطة‪ ،‬كما أهنا تعزز اجلهل املهني بكيفية‬
‫املشاركة يف لدارة عامل السياسة الواقعي‪ ،‬وجتعل صاحبها ضعيفا غري قادر على الدفاع عن نفسه‪ .‬ومثاله الذي‬
‫يقدمه هو سقراط نفسه‪ ،‬فإن الفلسفة (يقول متنبئًا) سوف جتعل سقراط عاجزا لذا ما متت لدانته‪ .‬والعجز يف‬
‫مواجهة جهل وغبا‪ ،‬اجلماهري‪ ،‬هو أمر مشني ومثري للشفقة (‪ .)486a-c‬يف املقابل‪ ،‬ماذا يعين أن تكون‬
‫حائزا للسلطة؟ يفسر كاليكليس بوضوح‪ :‬السلطة هي القدرة على لشباع كل أهوائنا ورغباتنا‪ .‬وهي احلرية؛‬
‫واحلرية فجور (‪ .)492a-c‬القدرة على أن يفعل املر‪ ،‬ما يشا‪ ،،‬مبعىن لشباع األهوا‪ .،‬واخلطابة هي وسيلة ل ى‬
‫النهاية‪.‬‬

‫تتناول املعركة بني اخلطابة والفلسفة‪ ،‬هبذا املعىن‪ ،‬عددا من القضااي اجلوهرية‪ .‬اعتربت "اخلطابة" هنا كتأسيس‬
‫لنظرة شاملة ل ى العامل‪ .‬لن معركتها مع الفلسفة شاملة‪ ،‬وتتعرض ملسألة طبيعة الطبيعة‪ ،‬والوجود املوضوعي للقيم‬
‫األخالقية‪ ،‬والعالقة (لن وجدت) بني السعادة والفضيلة‪ ،‬وطبيعة وحدود العقل‪ ،‬وقيمة العقل (كسعي منطقي‬
‫ل ى حتقيق الغاايت احلسية) يف احلياة اإلنسانية‪ ،‬وطبيعة النفس أو الذات‪ ،‬والسؤال حول ما لذا كان هناك‬
‫اختالف بني املتعة احلقيقية والزائفة‪ ،‬أي‪ :‬ما لذا كانت املتعة هي اخلري‪ .‬الالفت للنظر أنه بينما يرغب سقراط‬
‫مباين للخطاب "البياين" من خالل هنجه يف احلوار الفلسفي‪ ،‬فإن االختالف يتماهى من‬ ‫يف اختاذ موق‬
‫الوجهة العملية‪ .‬يشرع سقراط بعد ذل‪ ،‬يف التحدث إبسهاب‪ ،‬فكان يبدو خطابيا يف أحيان‪ ،‬ث يُنهي النقاش‬
‫بذكر أسطورة‪ .‬ويتخذ كاليكليس موقفا رابتا (يقوم على صيغة من التمييز بني الطبيعة والقانون) ويدافع عنه‪.‬‬
‫تعد تل‪ ،‬التجاوزات اخلاصة ابألساليب اخلطابية من وجهة نظر سقراط‪ ،‬هي املسألة الفلسفية األهم‪ ،‬واليت‬
‫تُعىن ابلكيفية اليت جيب أن يعيش هبا املر‪ ،‬حياته (‪ .)500c‬هل تتفوق احلياة "السياسية" ابعتبارها سعيًا‬
‫لتحقيق السلطة واجملد‪ ،‬على احلياة القائمة على أساس فلسفي؟‬

‫قد خيتل قرا‪ ،‬ايحماورة حول ما لذا كانت احلجج املطروحة فيها حتسم املسألة أم ال‪ .‬لن جوهر النقاش هو نفسه‬
‫اآلن‪ ،‬يف كال من اجملالني األكادةمي وغري األكادةمي‪ ،‬كما كان يف عصر أفالطون‪ ]26[ .‬على الرغم من أن الشعر‬
‫هنا يُطرح كنوع من اخلطابة‪ ،‬كان جيب القيام ابلكثري من اجلهد لبيان أن األطروحات اجلوهرية‪ ،‬اليت نُ ِّسبت ل ى‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪26‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫الشعر حبسب ما جا‪ ،‬يف حماورة اجلمهورية‪ ،‬تنتمي ل ى اخلطابة وفقا ملا ورد يف حماورة جورجياس‪.‬‬

‫هل اخلطابة سيئة بنحو مطلق؟ هل جيب علينا جتنب اخلطابة كليًا؟ ـ فعليًا‪ ،‬أةمكننا جتنبها؟ فحىت يف حماورة‬
‫جورجياس‪ ،‬كما رأينا‪ ،‬هناك متييز بني اخلطابة اليت تغرس االعتقادات‪ ،‬وتل‪ ،‬اليت تغرس املعرفة‪ ،‬ويف موضع‬
‫الحق من ايحماورة‪ ،‬يُذكر شكل نبيل من اخلطابة‪ ،‬ولن مل يُذكر اسم ممارس واحد له (‪ .)503a-b‬تقدم لنا‬
‫حماورة فايدروس تفسريا أكثر تفصيال هلذا االختالف‪.‬‬

‫‪ .5‬حماورة فايدروس‬
‫كثريا ما تعجب قرا‪ ،‬حماورة فايدروس عن تضافر ايحماورتني معا‪ .‬يدور "نص " ايحماورة األول حول احلب‪،‬‬
‫األول‬ ‫خطأ هذا التوصي ‪ ،‬ألن النص‬ ‫الثاين حول اخلطابة‪ .‬وبقليل من التفحص نكتش‬ ‫ويدور النص‬
‫ايحماورة األول يتضمن تصورات‬‫أيضا يُعىن ابخلطابة‪ ،‬ولن كان ذل‪ ،‬بطرق عدة وخمتلفة‪ .‬بداية‪ ،‬فإن نص‬
‫صرحية حول اخلطابة‪ ،‬مثال ذل‪ :،‬يرسم سقراط خطا فاصال بني ما ةمكن أن نسميه "أسلوب" و"مضمون"‬
‫اخلطاب (‪ .)235a‬وما هو أكثر من ذل‪ ،،‬لهنا تتأل جزئيا من ثالث خطب‪ ،‬أوهلا ("خطبة ليسياس") على‬
‫األقل‪ ،‬هي قطعة خطابية‪ .‬واألخراتن خطابيتان كذل‪ ،،‬وتعرض يحماولة غواية غالم معشوق‪ .‬عُرضت القطع‬
‫الثالثة إبنصاف‪ ،‬كأعمال تتميز ابحلذق واملهارة‪ ،‬بواسطة أفالطون‪ ،‬ولن كان متيزها يرجع ألسباب خمتلفة‪.‬‬
‫األو ى حماكاة الذعة السخرية من أسلوب ليسياس (خطيب‪ ،‬وكاتب خطب ذو شهرة واسعة)‪ .‬اخلطبة الثانية‬
‫حتتفظ‪ ،‬يف آن‪ ،‬جبوانب من لطاره اخليايل (كانت األو ى تبدو كخطاب متناقض‪ ،‬يوجهه "غري ايحمب" ل ى‬
‫"املعشوق")‪ ،‬وت طور هذا اإلطار (غري ايحمب يتحول ل ى عاشق خفي)‪ ،‬ويزداد عمق املوضوع ابستضا‪،‬ة فلسفية‬
‫مثرية لإلعجاب‪ .‬وأما الثالثة (اليت يُشار لليها كـ"قصيدة استجاعية" أو خطبة استدراك)‪ ،‬فتتضمن بعضا من‬
‫أمجل وأقوى الصور يف جممل األدب اليوانين‪ .‬يف غالب األمر هي حكاية مت صياغتها يف شكل أسطورة‪ ،‬وحتكي‬
‫قصة احلب احلقيقي‪ ،‬ورحالت الروح يف الكونني اإلنساين واإلهلي‪ .‬وهذا يعين أن اخلطابة متيزت يف حالة‬
‫االستدراك أبهنا "شعرية"‪ .‬ومما هو جدير ابلذكر لألغراض املعاصرة‪ ،‬حقيقة أن فكرة اإلهلام قد تكرر ذكرها يف‬
‫[‪]27‬‬
‫النص األول من ايحماورة‪ ،‬حيث نوقش اإلهلام الشعري بوضوح‪.‬‬

‫لذن‪ ،‬فقد تداخلت موضوعات الشعر واخلطابة معا يف حماورة فايدروس‪ .‬يبدو منذ البداية كما لو أن كال من‬
‫اخلطابة والشعر قد حازا منزلة عالية‪ ،‬على األقل ابلنسبة ملكانتهما يف حماورات ليون‪ ،‬واجلمهورية‪ ،‬وجورجياس‪.‬‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪27‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫وسوف أبدأ ابلتكيز على اخلطابة‪ ،‬ث أنتقل ل ى قضية الشعر‪ ،‬رغم ما بني االثنني من تراب قوي يف هذه‬
‫ايحماورة‪.‬‬

‫‪ 1.5‬اخلطابة يف حماورة فايدروس‬

‫ال يناقش "النص " الثاين من ايحماورة طبيعة احلب كموضوع قائم بذاته‪ ،‬لكنه يـُ َعرض ابلفعل لفكرة أن احلوار‬
‫الذي تثريه حمبة احلكمة ـ الفلسفة ـ هو بيان حقيقي فاضل‪ .‬مع تطور احلوار بني أحد "عاشقي اخلطابة"‬
‫(‪ )228c1-2‬وآخر‪ ،‬متت مناقشة األحاديث اخلطابية الثالث يف القسم األول من احلوار‪ ،‬وذل‪ ،‬من منظور‬
‫عفويتها أو براعتها اخلطابية‪ .‬ومرة أخرى‪ ،‬يتموضع الشعر كنوع من أنواع الكالم (‪ )258b3‬ويؤكد سقراط‬
‫أبنه "ليس التحدث أو الكتابة هو األمر املعيب ‪ ،‬ولمنا أن نتحدث أو نكتب بطريقة مشينة أو رديئة"‬
‫(‪ ]28[ .)258d4-5‬لن التكلم ليس يف ذاته معيبا‪ ،‬فما الذي يشكل لذن اخلطاب اجلدير ابلتقدير؟‬

‫تشكل اإلجابة على هذا السؤال املهم أحد أهم املسامات يف هذا املوضوع‪ .‬جوهراي‪ ،‬يقول سقراط لن‬
‫الشخص الذي بصدد التحدث أبسلوب بليغ وكرمي‪ ،‬عليه أن يكون عارفا حبقيقة املوضوع الذي سيتحدث‬
‫عنه‪ .‬لن النظرية اليت طرحها بولوس وكاليكليس يف حماورة جورجياس زائفة (انظر حماورة فايدروس ‪259e4-‬‬
‫‪ .)260a4‬ومن أجل لجناز هذا االدعا‪ ،‬الشامل‪ ،‬يقول سقراط أبن اخلطابة "فن" (صنعة ‪ ،)techne‬وليست‬
‫جمرد ممارسة عفوية (مقابل "خربة عن غري علم ‪ "empeiria‬واليت ا ُهتمت هبا اخلطابة يف حماورة جورجياس)‪.‬‬
‫فكي يظهرها على أهنا فن بعد ذل‪،‬؟ ذُكر عدد من أمسا‪ُ ،‬مدعي اخلطابة‪ ،‬ونقدهم‪ ،‬وسيجد القرا‪ ،،‬أصحاب‬
‫االهتمام بتاريخ اخلطابة اليواننية‪ ،‬هذا مقطعا نفيسا‪ .‬يتم لخباران هنا أبن كتيبات اخلطابة الباقية تقدم لنا‬
‫"مقدمات متهيدية" لفن اخلطابة احلقيقي‪ ،‬وليس عن الفن ذاته (‪.)269b7-8‬‬
‫ضلل كثري من اخلطبا‪ ،‬مجهورهم‪ ،‬حبنكة وبشكل مؤثر‪ ،‬ويرى سقراط ـ رمبا على حنو غري مقنع ـ أبن من ي ِّ‬
‫ضل‬ ‫ُ‬
‫اآلخرين ال ةمكن أن يكون جاهال مبا يقول‪ ]29[ .‬يُبدي احلديث املت َقن براعة يف بنائه الذي يتضمن احلقيقة ـ‬
‫ُ‬
‫فهو يعيد رسم‪ ،‬أو عكس األجزا‪ ،‬الطبيعية للموضوع ذاته‪ ،‬على األقل يف أفضل احلاالت‪ .‬لن يكون متماسكا‬
‫فحسب‪ ،‬لكنه كذل‪ ،‬ذو بنية تعكس الطريقة اليت انتظمت هبا عناصر املوضوع نفسه بشكل طبيعي‪ .‬يرى‬
‫سقراط يف واحدة من أشهر الصور اليت قدمها‪ ،‬أبن التكيب اجليد للحديث جيب أن يشابه الوحدة العضوية‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪28‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫للكائن احلي‪ " ،‬فيكون له جسده‪ ،‬وأال يفتقر ل ى الرأس أو األرجل‪ ،‬وأن يكون له جذع وأطراف متناسقة‪،‬‬
‫ومالئمة للجسد" (‪ .)264c1-5‬لن يتحقق ذل‪ ،‬لذا كان األمر يبدو على هذا الشكل أو ذاك‪ ،‬بل جيب‬
‫أن يكون كذل‪ ،،‬جيب على وحدة اخلطاب أن تعكس وحدة موضوعه‪.‬‬

‫قد نرغب يف هذه املرحلة أن نتسا‪،‬ل عن اجلمهور‪ ،‬ففي هناية األمر حياول اخلطيب لقناع شخص ما بشي‪،‬‬
‫ما‪ .‬أال ةمكن أن يكون املتحدث عارفا حبقيقة املوضوع‪ ،‬ويعرف كي يعرضه برباعة يف حديثه‪ ،‬لكنه خيفق يف‬
‫لقناع اآلخرين؟ أال يدل اإلخفاق يف اإلقناع على نقص ما يف فن اخلطابة لديه؟ يف الواقع‪ ،‬يرد سقراط على‬
‫هذا التساؤل ابفتاض أن املتحدث البليغ جيب أيضا أن يكون عارفا بطبيعة النفس البشرية‪ ،‬ولال فلن تزيد‬
‫مهارته عن كوهنا "خربة ال تقوم على علم ‪( "empeiria‬ذل‪ ،‬املفهوم الذي سبق ذكره يف حماورة جورجياس‬
‫من قبل)‪ ،‬وليست "فنا" (‪ .)270b6‬مثلما جيب على الطبيب اخلبري أن يكون عاملا بطبيعة اجلسم اإلنساين‪،‬‬
‫وكذل‪ ،‬ابملعارف الطبية‪ ،‬لذ ال خيتلفان يف ذل‪ ،‬عن املتحدث اخلبري يف فهم النفس اإلنسانية وما هو معروف‬
‫عنها‪ .‬سيتذكر القارئ على الفور أن اخلطاب الرائع (االستجاعي) يف النص األول من حماورة فايدروس كان‬
‫عن النفس يف سياقها الكوين ـ طبيعة النفس‪ ،‬رحالهتا اإلهلية واإلنسانية‪ ،‬ورغباهتا‪ ،‬وموضوعات رغباهتا‪،‬‬
‫ولخفاقاهتا وعواقبها‪ ،‬مجيع ذل‪ ،‬كان جز‪،‬ا من القصة ذاهتا‪ .‬لذل‪ ،،‬مل يكن مفاجئا أن يفتض سقراط أبننا لن‬
‫نتمكن من "حتصيل فهم اتم لطبيعة النفس دون فهم طبيعة الكل" (‪ )270c1-2‬عند تعريفه لفن اخلطابة‪.‬‬
‫أصبحت حمصلة هذا البحث يف اخلطابة اآلن واضحة‪ :‬حليازة هذا الفن‪ ،‬على املر‪ ،‬أن يكون فيلسوفا‪ .‬اخلطابة‬
‫احلقيقية خطاب فلسفي‪.‬‬

‫لكن ماذا عن مسألة اجلمهور؟ ليست "النفس" مقصد احلديث اخلطايب‪ .‬يرد سقراط أبنه جيب على اخلطيب‬
‫املاهر أن يكون عارفا ِّأبنو ِّاع النُّفوس ومن اخلطاب الذي "يؤثر" يف كل نوع أيضا‪ ،‬وأن يكون قادرا على حتديد‬
‫أي نوع من النفوس هو املقصود ابخلطاب يف حاالت معينة‪ .‬هذا املطلب األخري يتعلق ابخلربة‪ ،‬والقدرة على‬
‫تقدير طبيعة الشخص املستهدف ابخلطاب بطريقة ما‪ .‬لن متطلبات فن اخلطابة احلقيقي‪ ،‬والذي يسميه سقراط‬
‫صا هلا يف ‪.)277b5-c6‬‬
‫فعال‪( .‬جيد القارئ ُملخ ً‬
‫كذل‪" ،‬فن اجلدل" (‪ )276e5-6‬مهمة للغاية ً‬
‫اجلديل البارع احلقيقي خطابه لليه؟ مل يوجه‬
‫لذا كان اجلمهور ذا توجه فلسفي‪ ،‬أو يضم فالسفة‪ ،‬فكي سيوجه َ‬
‫هذا السؤال مباشرة يف حماورة فايدروس‪ ،‬ولن قُ ِّدمت لنا العديد من اإلشارات الداللية اليت مت تقدةمها خالل‬
‫األسطورة ـ بواسطة نوع من "الشعر"‪ ،‬لن أردت القول‪ ،‬وهي تساعدان على فهم نوع اخلطاب الذي يرغب‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪29‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫الفيلسوف عموما يف جتنبه؛ أعين‪ :‬اخلطاب املكتوب‪ .‬حسب األفكار اليت مت تدشينها من خالل أسطورة ثيوس‬
‫وراموس‪ ،‬فإن الكلمة املكتوبة ليس هي األداة األفضل لنقل احلقيقة‪ ،‬ألهنا ال تستطيع اإلجابة على األسئلة‬
‫املطروحة‪ ،‬لذ لهنا ببساطة تكرر نفسها عندما تواجهها االستفهامات‪ ،‬وتستبدل البحث املنفتح للقارئ عن‬
‫احلقيقة بسلطة الكاتب‪ ،‬كما أهنا تـَُروج يف كل مكان بشكل عفوي‪ ،‬مما يوقعها يف يد من ال يستطيعون فهمها‪.‬‬
‫األمر فائق األمية؛ لهنا تتداخل مع "التذكر" (‪ ،)anamaesis , 249c2‬وهي العملية اليت مت وصفها‬
‫إبسهاب (يف معظمها) يف شكل شعري‪ ،‬يف "القصيدة االستجاعية" يف ايحماورة‪ ،‬وفيها أن املعرفة الكامنة يف‬
‫النفس تُستدعى بواسطة احلوار القائم على السؤال واجلواب (‪ .)274d-275b‬الكتابة وسي مرب‪ ،،‬وابلتايل‬
‫فلن توائم الفاعلية املمكنة للنقاش الفلسفي؛ أو "احلوار السقراطي" الذي يُعد أفضل ما يقود العقل الفلسفي‬
‫ل ى احلقيقة‪ .‬اخلطابة املرغوبة هي "حديث مكتوب مبعرفة‪ ،‬وةمكنه الدفاع عن نفسه‪ ،‬يف نفس املستمع‪ ،‬ويعرف‬
‫من جيب أن يـُ َوجه لليهم‪ ،‬ومن جيب أال يقصدهم" (‪ .)276a5-7‬ةمكن للخطاب اجلديل القائم على معرفة‪،‬‬
‫أن يدافع عن نفسه عند استجوابه‪ ،‬كما أنه مثمر معرفيا يف نفوس مستمعيه (‪ .)276e4-277a4‬ابلطبع‪،‬‬
‫فإن ذل‪ ،‬كله يثري املسألة اخلاصة بوضع حماورات أفالطون‪ ،‬حيث أهنا أعمال مكتوبة‪ ،‬وسوف نعود لذل‪،‬‬
‫إبجياز الحقا‪.‬‬

‫اخلطابة هي فن "قيادة النفس بواسطة األحاديث" (‪ .)261a8‬اخلطابة الشعبية ليست فنا‪ ،‬بل موهبة يف‬
‫اإلقناع‪ .‬اخلطابة البارعة تتطلب فلسفة‪ ،‬لكن هل تتطلب الفلسفةُ اخلطابة؟ ملاذا جيب على اخلطاب الفلسفي‬
‫أن يكون ذا عالقة ما ابخلطابة؟ ـلنقل‪ :‬كما مت التمثيل له يف "ايحماورة السقراطية"‪ .‬تشري حماورة فايدروس ل ى‬
‫الفكرة املثرية لالهتمام والقائلة أبن كل أنواع األحاديث خطابية‪ ،‬حىت حينما حياول املتحدث ببساطة نقل‬
‫احلقائق‪ .‬فإن اخلطابة احلقيقية ابلفعل هي فن توصيل احلقيقة (الحظ النظرة الشاملة يف النقاش حول اخلطاب‬
‫يف ‪ .)277e5-278b4‬تتجلى اخلطابة حيثما وحينما يتحدث الناس (‪ 261d10-e4‬وجممل السياق)‪.‬‬
‫حىت لذا مل يكن املر‪ ،‬متأكدا من معرفته ابحلقيقة‪ ،‬وحىت لذا كان يفكر يف شي‪ ،‬ما بنفسه ـ وجيري حوارا داخليا‪،‬‬
‫لن جاز التعبري ـ فإن اخلطابة واإلقناع يظال موجودين‪ ]30[ .‬سيطلب الفيلسوف ابلطبع أتكيدات أبنه أو أهنا‬
‫جيب أن تقتنع بـ س‪ ،‬لكن هذا التساؤل كذل‪ ،‬هو جز‪ ،‬من عملية هتدف ل ى اإلقناع املربر‪ ،‬كما ترى حماورة‬
‫فايدروس‪ ،‬ويتضمن حتما خليطا من "القدرة على اإلقناع" لدى الفيلسوف‪ ،‬من جانب‪ ،‬وحقيقة (أو زي )‬
‫االدعا‪،‬ات‪ ،‬من جانب آخر‪ .‬خالصة القول‪ :‬أبنه ال مفر من اإلقناع‪ ،‬وكذل‪ ،‬ال مهرب من اخلطابة‪ ،‬متضمنا‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪30‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫ابلطبع مشكلة التمييز بني اإلقناع املربر وغري املربر‪ .‬لن اخلداع الذايت لمكانية حاضرة دوما (كما يُلمح سقراط‬
‫هنا‪ ،‬ويذكره يف حماورة كراتيلوس ‪ .)428d‬تل‪ ،‬مشكلة تتعلق أبهم ما يشغل الفيلسوف‪ .‬هي دائما مسألة‬
‫"قيادة النفس بواسطة احلديث"‪ ،‬حىت لو كان األمر هو توجيه وقيادة النفس لذاهتا (أو‪ ،‬لذا استخدمنا عبارة‬
‫[‪]31‬‬
‫وردت يف سابقا يف ايحماورة‪ :‬حترك ذاهتا (‪.))245e‬‬

‫لن الفكرة الواردة يف حماورة جورجياس؛ والقائلة أبن املعركة بني اخلطابة (الشعبية) والفلسفة ـ أو‪ ،‬كما ةمكننا‬
‫القول‪ :‬بني اخلطابة غري الفلسفية واخلطابة الفلسفية ـ هي معركة بني وجهات نظر شاملة كما يتضح يف حماورة‬
‫فايدروس أيضا‪ .‬تصور "اخلطبة األساسية"‪ ،‬أو اخلطاب االستدراكي يف ايحماورة‪ ،‬خصائص ونطاق وجهات‬
‫اجع واضح عن وجهة النظر‬
‫النظر اليت يقوم عليها مشروع اخلطاب الفلسفي (الفلسفة ابختصار)‪ .‬اخلطبة تر ُ‬
‫اليت ال تتبىن تل‪ ،‬اآلرا‪،‬؛ يتحرك فن اخلطابة االعتيادي يف عامل مغاير أخالقيا‪ ،‬وميتافيزيقيا‪ ،‬وسيكولوجيا‪،‬‬
‫ومعرفيا‪ .‬احلقيقة املثرية للدهشة أن أفالطون يوظ عناصر معينة من الشعر (كاألسطورة‪ ،‬واالستعارة‪ ،‬والتشبيه‪،‬‬
‫والتمثيل) يف رسم التعارض بني تل‪ ،‬األفكار‪.‬‬

‫‪ 2.5‬رواة املالحم‪ ،‬واإلهلام‪ ،‬والشعر يف حماورة فايدروس‬


‫الشعر يف ذاته نوع من أنواع خطاابت اإلقناع أو اخلطابة اليت سبق ذكرها‪ .‬ال تفاجئنا قرا‪،‬ة اهتام سقراط لرواة‬
‫املالحم أبن خطبهم تتواصل "دون تقصي أو تفسري"‪ ،‬كما أهنا "تُعرض فق من أجل اإلقناع" (‪277e8-‬‬
‫‪ .)9‬يتدد هنا صدى االهتام الذي ورد يف حماورة ليون أبن الرواة ال يعرفون ما يتحدثون عنه‪ .‬لكن ماذا عن‬
‫التعليل العقلي الذي استلهمه الشعرا‪ ،‬والرواة؟‬

‫يرد ذكر اإلهلام مرات عديدة يف حماورة فايدروس‪ .‬وأييت مع األفكار املرتبطة به‪ :‬العربدة الباخوسية‪ ،‬واجلنون‪،‬‬
‫واهلوس‪ ،‬بنحو متكرر‪ ،‬تقريبا من بداية ايحماورة (‪ ،)228b‬مرتبطا بسرد فايدروس املثري واملزعوم لنص ليسياس‬
‫(‪ )234d1-6‬ومثريا خلطبيت سقراط )‪ .)237a7-b1, 262d2-6, 263d1-3‬تل‪ ،‬لحاالت تتشابه‬
‫يف هزليتها‪ ،‬بل تصل أحياان ل ى حد املزاح‪ .‬األكثر جدية هو التمييز بني اجلنون االعتيادي واجلنون اإلهلي‪،‬‬
‫والدفاع عن تفوق اجلنون اإلهلي‪ ،‬والذي قامت خطبة سقراط الثانية للدفاع عنه‪ .‬فإنه يريد خبطبته لظهار أن‬
‫جنون احلب‪ ،‬أو العشق اجلسدي "ممنوح لنا من قِّبَل اآلهلة كنعمة غالية" (‪ )245b7-c1‬بنحو خاص‪ .‬بدأت‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪31‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫القضية من خالل مالحظة أن األنواع الثالثة من اجلنون مجيعها مقبولة‪ :‬اخلاص ابألنبيا‪ ،،‬واخلاص بطقوس‬
‫التطهر والشفا‪ ،‬الدينية‪ ،‬والثالث الذي يهبه أرابب‪ ،‬والذي يؤثر يف صاحبه لينتج شعرا (‪.)244b-245a‬‬
‫كما لوحظ‪ ،‬يبدو أن نوعا معينا من الشعر (امل َلهم) قد بدأ النظر لليه على أنه املقصود‪.‬‬
‫ُ‬
‫مع ذل‪ ،،‬فعندما يقوم سقراط بتتيب درجات النفوس بعد ذل‪ ،‬بقليل‪ ،‬جنده يضع الشعرا‪( ،‬مع من ينشغلون‬
‫أبمور ايحماكاة) يف الدرجة السادسة‪ ،‬من بني تسع درجات‪ ،‬بعد نفوس رجال األعمال‪ ،‬واألطبا‪ ،،‬واألنبيا‪،‬‬
‫(‪ !)248e1-2‬أتيت منزلة الشاعر‪ ،‬مباشرة‪ ،‬قبل العامل‪ ،‬والسفسطائي‪ ،‬والطاغية‪ .‬وأييت الفيلسوف يف املنزلة‬
‫األو ى‪ ،‬حبسب معيار التصني ‪ ،‬الذي يقوم على أساس مستوى معرفة احلقيقة املتعلقة ابألفكار أو املثُل اليت‬
‫ُ‬
‫تستطيع النفوس املعنية لدراكها‪ .‬يصعب القول أبن هذا التتيب للنفوس جيعل للشاعر أي اعتبار‪ .‬وبذل‪ ،‬فإن‬
‫حماورة فايدروس تعزز نقد الشعر‪ ،‬وكذل‪( ،‬بنحو أقل) نقد اخلطابة‪.‬‬

‫‪ .6‬حماورات أفالطون كأعمال خطابية وشعرية‬

‫لن نقد أفالطون للكتابة على اعتبار أهنا شكل فقري من أشكال اخلطابة جا‪ ،‬نفسه مكتواب‪ .‬ابلطبع‪ ،‬مل يكن‬
‫سقراطه يعلم أبنه "يتحدث" يف سياق حماورة مكتوبة‪ ،‬لكن القارئ يفطن ل ى األمر على الفور‪ .‬هل ينطبق هذا‬
‫النقد‪ ،‬للكتابة‪ ،‬على ايحماورات ذاهتا؟ لذا كان ال ينطبق عليها‪ ،‬فهل يعين ذل‪ ،‬أن تفلت ايحماورات من النقد‬
‫متاما‪ ،‬أم تواجهه يف أجزا‪( ،‬كوهنا يف مرتبة أد ى من احلوار "الواقعي"‪ ،‬لكنها ال ختضع للقوة الكاملة لنقد‬
‫[‪]32‬‬
‫سقراط)؟ اختل الباحثون يف لجاابهتم هلذه املسألة الشهرية‪.‬‬

‫هناك اتفاق عام على أن أفالطون قد صاغ إبتقان اتم شكل جديد من اخلطاب‪ ،‬بل ةمكن القول أبنه ابتكر‬
‫احدا‪ .‬لن احلوار األفالطوين من مبتكر من اخلطابة‪ ،‬ومن الصعب تصديق أنه ال يعكس استجابة أفالطون‬
‫و ً‬
‫لنقد الكتابة الذي وضعه على لسان سقراط‪ ،‬سوا‪ ،‬بنجاح أو غري ذل‪ ،،‬فتل‪ ،‬مسألة أخرى‪.‬‬

‫تنطوي خطابة أفالطون الفلسفية الرائعة على عناصر من الشعر‪ .‬أوضحها‪ ،‬أن حماوراته هي أعمال درامية حتمل‬
‫العديد من السمات الشكلية املشتكة مع األعمال الدرامية التاجيدية واهلزلية (على سبيل املثال‪ :‬التورية‬
‫التهكمية‪ ،‬وأمية احلبكة‪ ،‬واخلصائص املكانية والزمانية‪ ،‬دور الشخصية‪ ،‬والتفاعل املتبادل بني الشخصيات)‪.‬‬
‫مل حتمل أي شخصية يف ايحماورات اسم "أفالطون" ق ‪ .‬كما تروي أعماله عددا من األساطري‪ ،‬وتتألق ابلصور‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪32‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫اجملازية‪ ،‬والتشبيه‪ ،‬واالستعارات‪ ،‬وشي‪ ،‬من العبارات املوزونة والقوايف‪ .‬يف الواقع قام سقراط‪ ،‬أثنا‪ ،‬تعيينه‬
‫خلصائص املدينة الفاضلة‪ ،‬يف حماورة اجلمهورية‪ ،‬بتسمية نفسه‪ :‬راوي أساطري (‪376d9-10, 501e4-‬‬
‫‪ .)5‬ةمكن القول بطرق عديدة أبن ايحماورات أعمال روائية‪ ،‬لذ ال حيدث أي منها يف املكان والزمان الذين‬
‫حتديدا‪ ،‬وبعضها حيدث من غري تعيني ملكانه‪ ،‬وتتضمن بعضها شخصيات غري حقيقية‪ .‬لهنا‬
‫يذكرما أفالطون ً‬
‫حوارات متخيلة‪ ،‬حماكاة ألمناط معينة من احلوارات الفلسفية‪ .‬الش‪ ،‬أن القارئ مدعو لرؤية نفسه‪ ،‬أو نفسها‪،‬‬
‫منعكسا يف شخصيات عدة‪ ،‬وأهنا تتطابق معه ل ى هذا احلد أو ذاك‪ ،‬حىت أثنا‪ ،‬تركيزه على احلجج‪ ،‬واملناقشات‪،‬‬
‫واألحاديث‪ .‬يشري قرا‪ ،‬أفالطون عادة ل ى األبعاد "األدبية" لكتاابته‪ ،‬أو ببساطة‪ ،‬يشريون لليها كأنواع من‬
‫[‪]33‬‬
‫األدب الفلسفي‪ .‬وهو ابلضب ما جعل من استخدامه لعناصر الشعر‪ ،‬موضوعا لنقاش طويل وصراع‪.‬‬

‫مما يفي ابلغرض؛ القول أبن كلمة أفالطون األخرية خبصوص نقد الشعر وفن اخلطابة‪ ،‬مل ترد يف حماوراته‪ ،‬ولمنا‬
‫جتسدت يف شكل الكتابة احلواري‪ ،‬الذي أجاده وأتقنه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ‬

‫حكمة © ‪Copyright 2019‬‬ ‫‪33‬‬


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

‫قائمة المراجع‬

 Adams, J. C., 1996, “The Rhetorical Significance of the Conversion of the Lover's
Soul in Plato's Phaedrus,” Rhetoric Society Quarterly, 26: 7–16.
 Annas, J., 1981, An Introduction to Plato's Republic, Oxford: Oxford University
Press.
 Annas, J. and C. J. Rowe (eds.), 2002, New Perspectives on Plato, Modern and
Ancient, Cambridge: Harvard University Press.
 Asmis, E., 1986, “Psychagogia in Plato's Phaedrus,” Illinois Classical Studies, 11:
153–72.
 –––, 1992, “Plato on Poetic Creativity,” in The Cambridge Companion to Plato, R.
Kraut (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 338–64.
 Auerbach, E., 1953, Mimesis: The Representation of Reality in Western Literature,
trans. W. R. Trask, Princeton: Princeton University Press.
 Ausland, H. W., 1997, “On reading Plato Mimetically,” American Journal of
Philology, 118: 371–416.
 Baracchi, C., 2001, “Beyond the Comedy and Tragedy of Authority: The Invisible
Father in Plato's Republic,” Philosophy and Rhetoric, 34: 151–76.
 Becker, A. S., 1993, “A Short Essay on Deconstruction and Plato's Ion,” Electronic
Antiquity, 1 [available online].
 Belfiore, E. S., 1983, “Plato's Greatest Accusation against Poetry,” Canadian Journal
of Philosophy(Supplementary Volume), 9: 39–62.
 –––, 1984, “A Theory of Imitation in Plato's Republic,” Transactions of the American
Philological Association, 114: 121–46.
 Benardete, S., 1991, The Rhetoric of Morality and Philosophy: Plato's Gorgias and
Phaedrus, Chicago: University of Chicago Press.
 Benitez, E., 1992, “Argument, Rhetoric and Philosophic Method:
Plato's Protagoras,” Philosophy and Rhetoric, 25: 222–52.
 Blondell, R., 2002, The Play of Character in Plato's Dialogues, Cambridge:
Cambridge University Press.
 Bloom, A. (trans.), 1968, The Republic of Plato, translated with notes and an
interpretive essay, New York: Basic Books.
 Booth, W., 1974, A Rhetoric of Irony, Chicago: University of Chicago Press.
 Brogan, T. V. F., 1993, “Representation and Mimesis,” in The New Princeton
Encyclopedia of Poetry and Poetics, A. Preminger and T. V. F. Brogan (eds.),
Princeton: Princeton University Press, pp. 1307–44.

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 34


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

 Brownstein, O. L., 1965, “Plato's Phaedrus: Dialectic as the Genuine Art of


Speaking,” Quarterly Journal of Speech, 51: 392–98.
 Burger, R., 1980, Plato's Phaedrus: A Defense of a Philosophic Art of Writing,
University: University of Alabama Press.
 Burnet, J. (ed.), 1968, Respublica, in Platonis Opera, volume IV, Oxford: Clarendon.
 Burnyeat, M., 1999, “Culture and Society in Plato's Republic,” Tanner Lectures on
Human Values, 20: 217–324.
 Calvert, B., 1984, “The Politicians of Athens in the Gorgias and Meno,” History of
Political Thought, 5: 1–15.
 Calvo, T., 1992, “Socrates' First Speech in the Phaedrus and Plato's Criticism of
Rhetoric,” inUnderstanding the Phaedrus, L. Rossetti (ed.), Sankt Augustin:
Academia Verlag, pp. 47–60.
 Capra, A., 2015, Plato's Four Muses: the Phaedrus and the Poetics of
Philosophy (Hellenic Studies Series 67), Washington, DC, and Cambridge, MA:
Harvard University Press.
 Clay, D., 2000, Platonic Questions: Dialogues with the Silent Philosopher, University
Park: Pennsylvania State University Press.
 Cole, T., 1991, The Origins of Rhetoric in Ancient Greece, Baltimore and London:
John Hopkins University Press.
 Cooper, J. M., 1985, “Plato, Isocrates and Cicero on the Independence of Oratory
from Philosophy,” in Proceedings of the Boston Area Colloquium in Ancient
Philosophy (Volume 1), J. Cleary (ed.), Lanham, MD: University Press of America,
pp. 77–96.
 Cooper, J. M. and D. S. Hutchinson (eds.), 1997, Plato: Complete Works,
Indianapolis: Hackett.
 Corbett, E. P. J., 1990, Classical Rhetoric for the Modern Student, 3rd edition, New
York: Oxford University Press.
 Corrigan, K. and E. Glazov-Corrigan, 2004, Plato's Dialectic at Play: Argument,
Structure, and Myth in the Symposium, University Park: Pennsylvania State
University Press.
 Curran, J. V., 1986, “The Rhetorical Technique of Plato's Phaedrus,” Philosophy and
Rhetoric, 19: 66–72.
 Duffy, B. K., 1983, “The Platonic Functions of Epideictic Rhetoric,” Philosophy and
Rhetoric, 16: 79–93.
 Dyson, M., 1988, “Poetic Imitation in Plato's Republic 3,” Antichthon, 22: 42–53.
 Eades, T., 1996, “Plato, Rhetoric, and Silence,” Philosophy and Rhetoric, 29: 244–58.

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 35


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

 Elias, J. A., 1984, Plato's Defence of Poetry, Albany: State University of New York
Press.
 Else, G. F., 1986, Plato and Aristotle on Poetry, Chapel Hill: University of North
Carolina Press.
 Erickson, K. V. (ed.), 1979, Plato: True and Sophistic Rhetoric, Amsterdam: Rodopi.
 Farness, J., 1991, Missing Socrates: Problems of Plato's Writing, University Park:
Pennsylvania State University Press.
 Fendt, G. and D. Rozema, 1998, Platonic Errors: Plato, a Kind of Poet, Westport:
Greenwood Press.
 Ferber, R., 1991, Die Unwissenheit des Philosophen oder Warum hat Plato die
‘ungeschriebene Lehre’ nicht geschrieben? Sankt Augustin: Academia.
 –––, 2007, Warum hat Platon die ‘ungeschriebene Lehre’ nicht geschrieben?,
Munich: C. H. Beck Verlag.
 Ferrari, G. R. F., 1989, “Plato and Poetry,” in The Cambridge History of Literary
Criticism (Volume I), G. A. Kennedy (ed.), Cambridge: Cambridge University Press,
pp. 92–148.
 –––, 1990, Listening to the Cicadas: A Study of Plato's Phaedrus, Cambridge:
Cambridge University Press.
 –––, 2008, “Socratic Irony as Pretence,” Oxford Studies in Ancient Philosophy, 34: 1–
33.
 Freyberg, B., 1997, The Play of the Platonic Dialogues, New York: Peter Lang
Publishing.
 Fritz, J. H., 2016, Plato and the Elements of Dialogue, Lanham, MD: Lexington
Books.
 Fussi, A., 2000, “Why is the Gorgias so Bitter?” Philosophy and Rhetoric, 33: 39–58.
 –––, 2001, “The Myth of the Last Judgment in the Gorgias,” Review of Metaphysics,
54: 529–52.
 Gadamer, H.-G., 1980, “Plato and the Poets,” in Dialogue and Dialectic: Eight
Hermeneutical Studies on Plato, P. C. Smith (trans.), New Haven: Yale University
Press, pp. 39–72.
 Gifford, M., 2001, “Dramatic Dialectic in Republic Book I,” Oxford Studies in
Ancient Philosophy, 20: 35–106.
 Gill, C. and M. M. McCabe (eds.), 1996, Form and Argument in Late Plato, Oxford:
Clarendon Press.
 Gordon, J., 1999, Turning Toward Philosophy: Literary Device and Dramatic
Structure in Plato's Dialogues, University Park: Pennsylvania State University Press.

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 36


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

 Gottfried, B., 1993, “Pan, the Cicadas, and Plato's use of Myth in the Phaedrus,”
in Plato's Dialogues: New Studies and Interpretations, G. A. Press (ed.), Lanham:
Rowman and Littlefield, pp. 179–95.
 Gould, T., 1990, The Ancient Quarrel between Poetry and Philosophy, Princeton:
Princeton University Press.
 Greene, W. C., 1918, “Plato's view of Poetry,” Harvard Studies in Classical
Philology, 29: 1–75.
 Griswold, C. L., 1981, “The Ideas and the Criticism of Poetry in Plato's Republic,
Book 10,” Journal of the History of Philosophy, 19: 135–50.
 –––, 1996 [1986], Self-Knowledge in Plato's Phaedrus, second edition, University
Park: Pennsylvania State University Press; first edition, New Haven: Yale University
Press, 1986.
 –––, 1999a, “Relying on Your Own Voice: An Unsettled Rivalry of Moral Ideals in
Plato's Protagoras,” Review of Metaphysics, 53: 283–307.
 –––, 1999b, “E Pluribus Unum? On the Platonic ‘Corpus’,” Ancient Philosophy, 19:
361–97.
 –––, 2002a, “Irony in the Platonic Dialogues,” Philosophy and Literature, 26: 84–
106.
 –––, 2002b, “Plato's Metaphilosophy: Why Plato Wrote Dialogues,” in Griswold (ed.)
2002 [1988]: 143–67.
 ––– (ed.), 2002 [1988], Platonic Writings, Platonic Readings, second edition,
University Park: Pennsylvania State University Press; first edition, New York:
Routledge, 1988.
 –––, 2008, “Reading and Writing Plato,” Philosophy and Literature, 32: 205–216.
Article review of: R. Blondell, The Play of Character in Plato's Dialogues,
Cambridge: Cambridge University Press, 2002; K. Corrigan and E. Glazov-
Corrigan, Plato's Dialectic at Play: Argument, Structure, and Myth in the Symposium,
University Park: Pennsylvania State University Press, 2004; D. Hyland, Questioning
Platonism: Continental Interpretations of Plato, Albany: State University of New
York Press, 2004; D. Nails, The People of Plato: a Prosopography of Plato and
Other Socratics, Indianapolis: Hackett, 2002.
 Hackforth, R., 1972, Plato's Phaedrus, translation with introduction and commentary,
Cambridge: Cambridge University Press.
 Halliwell, S., 2000a, “Plato and Painting,” in Word and Image in Ancient Greece, K.
Rutter and B. Sparkes (eds.), Edinburgh: Edinburgh University Press, pp. 99–116.
 –––, 2000b, “The Subjection of Muthos to Logos: Plato's Citations of the
Poets,” Classical Quarterly, 50: 94–112.

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 37


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

 –––, 2002, The Aesthetics of Mimesis: Ancient Texts and Modern Problems,
Princeton: Princeton University Press.
 Havelock, E., 1982, Preface to Plato, Cambridge: Harvard University Press.
 Howland, J. A., 1992, “Philosophy as Dialogue,” Reason Papers, 17: 113–34.
(Review article.)
 Hyland, D., 1995, Finitude and Transcendence in the Platonic Dialogues, Albany,
N.Y.: State University of New York Press.
 –––, 2004, Questioning Platonism: Continental Interpretations of Plato, Albany,
N.Y.: State University of New York Press.
 –––, 2008, Plato and the Question of Beauty, Bloomington, Indiana: Indiana
University Press.
 Hwang, P. H., 1981, “Poetry in Plato's Republic,” Apeiron, 15: 29–37.
 Irwin, T. H., 1996, “Art and Philosophy in Plato's Dialogues,” Phronesis, 41: 335–50.
(Review article.)
 Jannaway, C., 1995, Images of Excellence: Plato's Critique of the Arts, Oxford:
Clarendon Press.
 Kahn, C. H., 1983, “Drama and Dialectic in Plato's Gorgias,” Oxford Studies in
Ancient Philosophy, 1: 75–121.
 –––, 1996, Plato and the Socratic Dialogue: The Philosophical Use of a Literary
Form, Cambridge: Cambridge University Press.
 Kastely, J. L., 1991, “In Defense of Plato's Gorgias,” PMLA, 106: 96–109.
 –––, 1997, Rethinking the Rhetorical Tradition: from Plato to Postmodernism, New
Haven: Yale University Press.
 –––, 2002, “Respecting the Rupture: Not Solving the Problem of Unity in
Plato's Phaedrus,”Philosophy and Rhetoric, 35: 138–52.
 Kauffman, C., 1979, “Enactment as Argument in the Gorgias,” Philosophy and
Rhetoric, 12: 114–29.
 –––, 1982, “The Axiological Foundations of Plato's Theory of
Rhetoric,” Communication Studies, 33: 353–66.
 Kerferd, G. B., 1974, “Plato's Treatment of Callicles in the Gorgias,” Proceedings of
the Cambridge Philological Society, 20: 48–52.
 Kerch, T., 2008, “Plato's Menexenus: a Paradigm of Rhetorical Flattery,” Polis, 25:
94–114.
 Klagge, J. C., and N. D. Smith (eds.), 1992, Methods of Interpreting Plato and his
Dialogues, Oxford Studies in Ancient Philosophy, suppl. vol. Oxford: Oxford
University Press.

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 38


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

 Klemm, D. E., 1989, “Gorgias, Law and Rhetoric,” Iowa Law Review, 74: 819–26.
 Klosko, G., 1984, “The Refutation of Callicles in Plato's Gorgias,” Greece & Rome,
31: 126–39.
 Kobusch, T. and B. Mojsisch (eds.), 1996, Platon: seine Dialoge in der Sicht neuer
Forschungen, Darmstadt: Wissenschaftliche Buchgesellschaft.
 Koritansky, J. C., 1987, “Socratic Rhetoric and Socratic Wisdom in
Plato's Phaedrus,” Interpretation, 15: 29–53.
 Kraut, R., 1992, “Introduction to the Study of Plato,” in The Cambridge Companion
to Plato, R. Kraut (ed.), Cambridge: Cambridge University Press, pp. 1–50.
 ––– (ed.), 1997, Plato's Republic: Critical Essays, Lanham, MD: Rowman and
Littlefield.
 Kuhn, H., 1941/1942, “The True Tragedy: On the Relationship between Greek
Tragedy and Plato,” Harvard Studies in Classical Philology, part 1, 52: 1–40 and part
2, 53: 37–88.
 Lane, M., 2006, “The Evolution of eironeia in Classical Greek Texts: why
Socratic eironeia is not Socratic Irony,” Oxford Studies in Ancient Philosophy, 31:
49–83.
 Lear, J., 1998, “Inside and Outside the Republic,” in Open Minded: Working out the
Logic of the Soul, Cambridge: Harvard University Press, pp. 219–46.
 Lewis, T. J., 1986, “Refutative Rhetoric as True Rhetoric in
the Gorgias,” Interpretation, 14: 195–210.
 Maranhao, T. (ed.), 1990, The Interpretation of Dialogue, Chicago: Chicago
University Press.
 Marback, R., 1999, Plato's Dream of Sophistry, Columbia, SC: University of South
Carolina Press.
 McComiskey, B., 1992, “Disassembling Plato's Critique of Rhetoric in
the Gorgias (447a-466a),” Rhetoric Review, 10: 205–16.
 McCoy, M., 2008, Plato on the Rhetoric of Philosophers and Sophists, Cambridge:
Cambridge University Press.
 Michelini, A. (ed.), 2003, Plato as Author: The Rhetoric of Philosophy, Leiden: Brill.
 Miller, M. H., 1999, “Platonic Mimesis,” in Contextualizing Classics: Ideology,
Performance, Dialogue, T. M. Falkner, N. Felson, and D. Konstan (eds.), Lanham,
MD: Rowman and Littlefield, pp. 253–66.
 Moravcsik, J. and P. Temko (eds.), 1982, Plato on Beauty, Wisdom, and the Arts,
Totowa, NJ: Rowman and Littlefield. [Note: this volume contains a number of essays
especially relevant to the theme of the present entry.]

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 39


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

 Morgan, K., 2000, Myth and Philosophy from the Presocratics to Plato, Cambridge:
Cambridge University Press.
 Morgan, M., 1990, “Plato and the Painters,” Apeiron, 23: 121–45.
 Moss, J., 2007a, “The Doctor and the Pastry Chef: Pleasure and Persuasion in
Plato's Gorgias,” Ancient Philosophy, 27: 229–49.
 –––, 2007b, “What is Imitative Poetry and Why is it Bad?” in The Cambridge
Companion to Plato's Republic, G. R. F. Ferrari (ed.), Cambridge: Cambridge
University Press, pp. 415–44.
 Most, G. W., 1998, “Mimesis,” in the Routledge Encyclopedia of
Philosophy (Volume 6), E. Craig (ed.), London: Routledge, pp. 381–82.
 Murray, J. S., 1988, “Disputation, Deception and Dialectic: Plato on the True
Rhetoric (Phaedrus, 261–266),” Philosophy and Rhetoric, 21: 279–89.
 Murray, P. (ed.), 1996, Plato on Poetry, Cambridge: Cambridge University Press.
 Nadaff, R. A., 2002, Exiling the Poets: the Production of Censorship in Plato's
Republic. Chicago: University of Chicago Press.
 Nails, D., 2002, The People of Plato: a Prosopography of Plato and Other Socratics,
Indianapolis: Hackett Press.
 Nails, D. and H. Tarrant (eds.), 2015, Second Sailing: Alternative Perspectives on
Plato, Commentationes Humanarum Litterarum 132, Helsinki: Societas Scientiarum
Fennica.
 Nehamas, A., 1998, The Art of Living: Socratic Reflections from Plato to Foucault,
Berkeley: University of California Press.
 –––, 1999, “Plato and the Mass Media,” in Virtues of Authenticity: Essays on Plato
and Socrates, Princeton: Princeton University Press, pp. 279–99.
 Nehamas, A., and P. Woodruff (trans.), 1997a, Plato's Symposium, in Cooper and
Hutchinson (eds.) 1997: 457–505.
 ––– (trans.), 1997b, Plato's Phaedrus, in Cooper and Hutchinson (eds.) 1997: 506–
556.
 Nightingale, A. W., 1995, Genres in Dialogue: Plato and the Construct of
Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
 Nussbaum, M. C., 1986, The Fragility of Goodness: Luck and Ethics in Greek
Tragedy and Philosophy, Cambridge: Cambridge University Press.
 –––, 1990, Love's Knowledge: Essays on Philosophy and Literature, New York:
Oxford University Press.
 Osborne, C., 1987, “The Repudiation of Representation in Plato's Republic and its
Repercussions,”Proceedings of the Cambridge Philological Society, 33: 53–73.

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 40


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

 Partee, M. H., 1970, “Plato's Banishment of Poetry,” Journal of Aesthetics and Art
Criticism, 29(2): 209–22.
 Petruzzi, A. P., 1996, “Rereading Plato's Rhetoric,” Rhetoric Review, 15: 5–25.
 Planinc, Z., 2003, Plato through Homer: Poetry and Philosophy in the Cosmological
Dialogues, Columbia: University of Missouri Press.
 Press, G. A. (ed.) 1993, Plato's Dialogues: New Studies and Interpretations, Lanham,
MD: Rowman and Littlefield.
 Quimby, R. W., 1974, “The Growth of Plato's Perception of Rhetoric,” Philosophy
and Rhetoric, 7: 71–9.
 Ramsey, R. E., 1999, “A Hybrid Techne of the Soul?: Thoughts on the Relation
between Philosophy and Rhetoric in Gorgias and Phaedrus,” Rhetoric Review, 17:
247–62.
 Rendall, S., 1977, “Dialogue, Philosophy, and Rhetoric: The Example of
Plato's Gorgias,” Philosophy and Rhetoric, 10: 165–79.
 Ricoeur, P., 1981, “Mimesis and Representation,” Annals of Scholarship, 2: 15–32.
 Rocco, C., 1996, “Liberating Discourse: the Politics of Truth in
Plato's Gorgias,” Interpretation, 23: 361–85.
 Roochnik, D., 1987, “The Erotics of Philosophical Discourse,” History of Philosophy
Quarterly, 4: 117–29.
 –––, 1991a, “In Defense of Plato: A Short Polemic,” Philosophy and Rhetoric, 24:
153–58.
 –––, 1991b, “Stanley Fish and the Old Quarrel between Rhetoric and
Philosophy,” Critical Review, 5: 225–46.
 –––, 1995, “Socrates' Rhetorical Attack on Rhetoric,” in The Third Way: New
Directions in Platonic Studies, F. Gonzales (ed.), Lanham, MD: Rowman and
Littlefield, pp. 81–94.
 –––, 1996, Of Art and Wisdom: Plato's Understanding of Techne, University Park:
Pennsylvania State University Press.
 –––, 2003, Beautiful City: The Dialectical Character of Plato's Republic, Ithaca:
Cornell University Press.
 Rosen, S., 1965, “The Role of Eros in Plato's Republic,” Review of Metaphysics, 18:
452–75.
 –––, 1968, Plato's Symposium, New Haven: Yale University Press; reprinted, South
Bend, IN: St. Augustine's Press: 1999.
 –––, 1987, Hermeneutics as Politics, New York: Oxford University Press; reprinted,
New Haven: Yale University Press, 2003.

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 41


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

 –––, 1988, The Quarrel Between Philosophy and Poetry, New York: Routledge,
Chapman and Hall.
 Rossetti, L. (ed.), 1992, Understanding the Phaedrus: Proceedings of the II
Symposium Platonicum, Sankt Augustin: Academia Verlag.
 Rowe, C. J., 1986, Plato: Phaedrus, with translation and commentary, Warminster,
England: Aris and Phillips.
 Rutherford, R. B., 1995, The Art of Plato: Ten Essays in Platonic Interpretation,
Cambridge: Harvard University Press.
 Ryan, E. E., 1979, “Plato's Gorgias and Phaedrus and Aristotle's Theory of Rhetoric:
A Speculative Account,” Athenaeum, 57: 452–61.
 Sallis, J., 1996, Being and Logos: Reading the Platonic Dialogues, 3rd edition,
Bloomington: Indiana University Press.
 –––, 2004, Platonic Legacies, Albany, N.Y.: State University of New York Press.
 Sayre, K., 1995,Plato's Literary Garden: How to Read a Platonic Dialogue, Notre
Dame: University of Notre Dame Press.
 Schiappa, E., 1990, “Did Plato Coin Rhetorike?” American Journal of Philology, 111:
457–70.
 Schultz, A.-M., 2013, Plato's Socrates as Narrator: A Philosophical Muse, Lanham,
MD: Lexington Books.
 Scully, S., 2003, Plato's Phaedrus, translation with notes, glossary, appendices,
Interpretative Essay and Introduction, Newburyport, MA: Focus Publishing.
 –––, 2009, “Measured Speech in Plato's Phaedrus,” in Antiphilesis: Studies in
Classical, Byzantine, and Modern Greek Literature and Culture (In Honour of John-
Theophanes A. Papademetriou), E. Karamalengou and E. Makrygianni (eds.),
Stuttgart: Steiner Verlag, pp. 286–92.
 Spariosu, M., 1984, “Mimesis and Contemporary French Theory,” in Mimesis in
Contemporary Theory: An Interdisciplinary Approach, M. Spariosu (ed.),
Philadelphia: John Benjamins, pp. 65–108.
 Stauffer, D., 2006, The Unity of Plato's Gorgias: Rhetoric, Justice, and the
Philosophic Life, Cambridge: Cambridge University Press.
 Sullivan, D. L., 1992, “Kairos and the Rhetoric of Belief,” Quarterly Journal of
Speech, 78: 317–32.
 Tate, J., 1928, “‘Imitation’ in Plato's Republic,” Classical Quarterly, 22: 16–23.
 –––, 1932, “Plato and ‘Imitation’,” Classical Quarterly, 26: 161–69.
 Thomas, Dylan, 1954, “On Poetry,” in his Quite Early One Morning, New York: New
Directions.

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 42


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

 Urmson, J. O., 1997, “Plato and the Poets,” reprinted in Plato's Republic: Critical
Essays, R. Kraut (ed.), Lanham, MD: Rowman and Littlefield, pp. 223–34.
 Versenyi, L., 1970–71, “The Quarrel Between Philosophy and Poetry,” Philosophical
Forum, 2: 200–12.
 Vicenzo, J. P., 1992, “Socrates and Rhetoric: The Problem of Nietzsche's
Socrates,” Philosophy and Rhetoric, 25: 162–82.
 Vlastos, G., 1991, Socrates: Ironist and Moral Philosopher, Ithaca: Cornell
University Press.
 ––– (ed.), 1971,The Philosophy of Socrates: A Collection of Critical Essays, Garden
City: Anchor Books/Doubleday.
 Wardy, R., 1996, The Birth of Rhetoric: Gorgias, Plato and their Successors,
London: Routledge.
 White, N. P. (trans.), 1997, Plato's Sophist, in Cooper and Hutchinson (eds.) 1997:
235–293.
 White, D. A., 1993, Rhetoric and Reality in Plato's Phaedrus, Albany: State
University of New York Press.
 Wolfsdorf, D., 2007, “The Irony of Socrates,” Journal of Aesthetics and Art
Criticism, 65: 175–87.
 Woodruff, P., 1998, “Plato on Mimesis,” in Encyclopedia of Aesthetics (Volume 3),
M. Kelly (ed.), New York: Oxford University Press, pp. 521–23.
 ––– (trans.), 1997, Plato's Ion, in Cooper and Hutchinson (eds.) 1997: 937–949.
 Zeyl, D. (trans.), 1997, Plato's Gorgias, in Cooper and Hutchinson (eds.) 1997: 791–
869.
 Zimbrich, U., 1984, Mimesis bei Platon, Frankfurt am Main: Peter Lang.

‫أدوات أكاديمية‬

How to cite this entry.


Preview the PDF version of this entry at the Friends of the SEP Society .
Look up this entry topic at the Indiana Philosophy Ontology Project (InPhO).

Enhanced bibliography for this entry at PhilPapers , with links to its database.

‫مصادر أخرى على اإلنترنت‬

 Original texts of Plato's Dialogues (Perseus Digital Library, Tufts University)


o Ion

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 43


‫ــــــــــــــــــــ ــــــــــــــــــــــــــ ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ــــــــــ‬

o Republic
o Gorgias
o Phaedrus

‫مدخالت ذات صلة‬

Plato: aesthetics | Plato: ethics

‫شكر وتقدير‬

I am grateful to Nicola Moore for her help with the Bibliography, and to Richard
Kraut, Marina McCoy, and Stephen Scully for their excellent comments on drafts of
the text. I would also like to thank David Roochnik for his help with various revisions
along the way.

Copyright 2019 © ‫حكمة‬ 44

You might also like