Professional Documents
Culture Documents
مـولد النبي (٣)
مـولد النبي (٣)
قال ابن هشام :فولد عبدالمطلب بن هاشم عشرة نفر وست نسوة :العباس ،وحمزة ،وعبدالله ،وأبا طالب -واسمه عبد مناف -
والزبير ،والحارث ،وحجال ،والمقوم ،وضرارا ،وأبا لهب -واسمه عبدالعزى -وصفية ،وأم حكيم البيضاء ،وعاتكة ،
وأميمة ،وأروى ،و برة .
فأم العباس وضرار :نتيلة بنت جناب بن كليب بن مالك بن عمرو بن عامر بن زيد مناة بن عامر -وهو الضحيان -بن سعد بن
الخزرج بن تيم الالت بن النمر بن قاسط بن هنب بن أفصى بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار .ويقال :أفصى بن دعمي بن
جديلة .
وأم حمزة والمقوم وحجل ،وكان يلقب بالغيداق لكثرة خيره ،وسعة ماله ،وصفية :هالة بنت وهيب بن عبد مناة بن زهرة بن كالب
بن مرة ابن كعب بن لؤي .
وأم عبدالله ،وأبي طالب ،والزبير ،وجميع النساء غير صفية :فاطمة بنت عمرو بن عائذ بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة
بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأمها :صخرة بنت عبد بن عمران بن مخزوم بن يقظة بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأم صخرة :تخمر بنت عبد بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأم الحارث بن عبدالمطلب :سمراء بنت جندب بن جحير بن رئاب بن حبيب بن سواءة بن عامر بن صعصعة بن معاوية بن بكر بن
هوازن بن منصور بن عكرمة .
وأم أبي لهب ُ :لبنى بنت هاجر بن عبد مناف بن ضاطر بن حبشية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي .
قال ابن هشام :فولد عبدالله بن عبدالمطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم سيد ولد آدم ،محمد بن عبدالله بن عبدالمطلب ،صلوات
الله وسالمة ورحمته وبركاته عليه وعلى آله .
وأمه :آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأمها :برة بنت عبدالعزى بن عثمان بن عبدالدار بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر
.
وأم برة :أم حبيب بنت أسد بن عبدالعزى بن قصي بن كالب بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
وأم أم حبيب :برة بنت عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر .
قال ابن هشام :فرسول الله صلى الله عليه وسلم أشرف ولد آدم حسبا ،وأفضلهم نسبا من قبل أبيه وأمه صلى الله عليه وسلم .
احتفار زمزم
محمد عبدالملك بن هشام قال :وكان من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما حدثنا به زياد بن عبدالله قال :حدثنا أبو
إسحاق المطلبي :بينما عبدالمطلب بن هاشم نائم في الحجر ،إذ أتي فأمر بحفر زمزم ،وهي دفن بين صنمي البكائي ،عن محمد بن
عند منحر قريش .وكانت جرهم دفنتها حين ظعنوا من مكة ،وهي بئر إسماعيل بن إبراهيم عليهما السالم ، قريش :إساف ونائلة ،
ظمىء وهو صغير ،فالتمست له أمه ماء فلم تجده ،فقامت إلى الصفا تدعو الله وتستغيثه إلسماعيل ،ثم أتت التي سقاه الله حين
المروة ففعلت مثل ذلك .
وبعث الله تعالى جبريل عليه السالم ،فهمز له بعقبه في األرض ،فظهر الماء ،وسمعت أمه أصوات السباع فخافتها عليه ،فجاءت
تشتد نحوه ،فوجدته يفحص بيده عن الماء من تحت خده ويشرب ،فجعلته ِح ْسيا .
أمر جرهم ودفن زمزم
قال ابن هشام :وكان من حديث جرهم ،ودفنها زمزم ،وخروجها من مكة ،ومن ولي أمر مكة بعدها إلى أن حفر عبدالمطلب زمزم
،ما حدثنا به زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن إسحاق المطلبي ،قال :
لما توفي إسماعيل بن إبراهيم ولي البيت بعده ابنه نابت بن إسماعيل ما شاء الله أن يليه ،ثم ولي البيت بعده ُم ضاض بن عمرو
الجرهمي .
قال ابن إسحاق :وبنو إسماعيل وبنو نابت مع جدهم مضاض بن عمرو وأخوالهم من جرهم .وجرهم وقطوراء يومئذ أهل مكة ،وهما
ابنا عم ،وكانا ظعنا من اليمن ،فأقبال سيارة ،وعلى جرهم مضاض بن عمرو ،وعلى قطوراء السميدع ،رجل منهم .وكانوا إذا
خرجوا من اليمن لم يخرجوا إال ولهم ملك يقيم أمرهم .
فلما نزال مكة رأيا بلدا ذا ماء وشجر ،فأعجبهما فنزال به .فنزل مضاض بن عمرو بمن معه من جرهم بأعلى مكة بقعيقعان فما حاز
.ونزل السميدع بقطوراء ،أسفل مكة بأجياد فما حاز .فكان مضاض يعشر من دخل مكة من أعالها ،وكان السميدع يعشر من دخل
مكة من أسفلها ،وكل في قومه ال يدخل واحد منهما على صاحبه .ثم إن جرهم وقطوراء ،بغى بعضهم على بعض ،وتنافسوا الملك
بها ،ومع مضاض يومئذ بنو إسماعيل وبنو نابت ،وإليه والية البيت دون السميدع ،فصار بعضهم إلى بعض ،فخرج مضاض بن
عمرو بن قعيقعان في كتيبته سائرا إلى السميدع ،ومع كتيبته عدتها من الرماح والدرق والسيوف والجعاب ُ ،يقعقع بذلك معه ،فيقال :
ما سمي ُقَع ْيقعان بقعيقعان إال لذلك .
وخرج السميدع من أجياد ومعه الخيل والرجال ،فيقال :ما سمي أجياد أجيادا إال لخروج الجياد من الخيل مع السميدع منه .فالتقوا
بفاضح ،واقتتلوا قتاال شديدا ،فُقتل السميدع ،وفضحت قطوراء .فيقال :ما سمي فاضح فاضحا إال لذلك .
ثم إن القوم تداعوا إلى الصلح ،فساورا حتى نزلوا المطابخ :شعبا بأعلى مكة ،واصطلحوا به ،وأسلموا األمر إلى مضاض .فلما
جمع إليه أمر مكة فصار ملكها له ،نحر للناس فأطعمهم ،فاَّطبخ الناس وأكلوا ،فيقال :ما سميت المطابخ المطابخ إال لذلك .
وبعض أهل العلم يزعم أنها إنما سميت المطابخ ،لما كان ُتَّبع نحر بها وأطعم ،وكان منزله .فكان الذي كان بين مضاض والسميدع
أول بغي كان بمكة فيما يزعمون .
ثم نشر الله ولد إسماعيل بمكة ،وأخوالهم من جرهم ،والة البيت والحكام بمكة ،ال ينازعهم ولد إسماعيل في ذلك لخئولتهم وقرابتهم ،
وإعظاما للحرمة أن يكون بها بغي أو قتال .فلما ضاقت مكة على ولد إسماعيل انتشروا في البالد ،فال يناوئون قوما إال أظهرهم الله
عليهم بدينهم فوطئوهم .
استيالء قوم كنانة و خزاعة على البيت و بغي جرهم ونفيهم عن مكة
ثم إن جرهما بغوا بمكة ،واستحلوا خالال من الحرمة ،فظلموا من دخلها من غير أهلها ،وأكلوا مال الكعبة الذي يهدى لها ،وفرق
أمرهم .فلما رأت بنو بكر بن عبد مناة بن كنانة ،وغبشان من خزاعة ذلك ،أجمعوا لحربهم وإخراجهم من مكة .فآذنوهم بالحرب
فاقتتلوا ،فغلبتهم بنو بكر وغبشان فنفوهم من مكة .
وكانت مكة في الجاهلية ال تقر فيها ظلما وال بغيا ،وال يبغي فيها أحد إال أخرجته ،فكانت تسمى الناَّسة ،وال يريدها ملك يستحل
حرمتها إال هلك مكانه ،فقال :إنها ما سميت ببكة إال أنها كانت تبّك أعناق الجبابرة إذا أحدثوا فيها شيئا .
قال ابن هشام :أخبرني أبو عبيدة :أن بكة اسم لبطن مكة ،ألنهم يتباكون فيها ،أي يزدحمون .وأنشدني :
أي فدعه حتى يبك إبله ،أي يخليها إلى الماء فتزدحم عليه .وهو موضع البيت والمسجد .وهذان البيتان لعامان بن كعب بن عمرو
بن سعد بن زيد مناة بن تميم .
قال ابن إسحاق :فخرج عمرو بن الحارث بن مضاض الجرهمي بغزالي الكعبة وبحجر الركن ،فدفنها في زمزم ،وانطلق هو ومن
معه من جرهم إلى اليمن ،فحزنوا على ما فارقوا من أمر مكة وملكها حزنا شديدا .فقال عمرو بن الحارث بن عمرو بن مضاض في
ذلك ،وليس بمضاض األكبر :
كأن لم يكن بين الحجون إلى الصفا * أنيس ولم يسمر بمكة سامر
وكنا والة البيت من بعد نابت * نطوف بذاك البيت والخير ظاهر
ونحن ولينا البيت من بعد نابت * بعز فما يحظى لدينا المكاثر
فإن تنثن الدنيا علينا بحالها * فإن لها حاال وفيها التشاجر
:ال يبعد سهيل وعامر أقول إذا نام الخلي ولم أنم * أذا العرش
فسحت دموع العين تبكي لبلدة * بها حرم أمن وفيها المشاعر
قال ابن هشام ( :فأبناؤه منا ) ،عن غير ابن إسحاق .
قال ابن إسحاق :وقال عمرو بن الحارث أيضا يذكر بكرا وغبشان ،وساكني مكة الذين خلفوا فيها بعدهم :
كنا أناسا كما كنتم فغيرنا * دهر فأنتم كما كنا تكونونا
قال ابن هشام :هذا ما يصح له منها .وحدثني بعض أهل العلم بالشعر :أن هذه األبيات أول شعر قيل في العرب ،وأنها وجدت
مكتوبة في حجر باليمن ،ولم يسم لي قائلها .
قال ابن إسحاق :ثم إن غبشان من خزاعة وليت البيت دون بنى بكر بن عبد مناة ،وكان الذي يليه منهم عمرو بن الحارث
الغبشاني ،وقريش إذ ذاك حلول وصرم ،وبيوتات متفرقون في قومهم من بني كنانة ،فوليت خزاعة البيت يتوارثون ذلك كابرا عن
كابر ،حتى كان آخرهم حليل بن َحَبِش ّية بن سلول بن كعب بن عمرو الخزاعي .
قال ابن إسحاق :ثم إن قصي بن كالب خطب إلى حليل بن حبشية ابنته حبى ،فرغب فيه ُح ليل فزوجه ،فولدت له عبدالدار ،وعبد
مناف ،وعبدالعزى ،وعبدا .فلما انتشر ولد قصي ،وكثر ماله ،وعظم شرفه ،هلك حليل .
فرأى قصي أنه أولى بالكعبة ،وبأمر مكة من خزاعة وبنى بكر ،وأن قريشا ُقرعة إسماعيل بن إبراهيم وصريح ولده ؛ فكلم رجاال من
قريش ،وبني كنانة ،ودعاهم إلى إخراج خزاعة وبني بكر من مكة ،فأجابوه .
وكان ربيعة بن حرام من عذرة بن سعد بن زيد قد قدم مكة بعدما هلك كالب ،فتزوج فاطمة بنت سعد بن سيل ،وزهرة يومئذ رجل
،وقصي فطيم ،فاحتملها إلى بالده ،فحملت قصيا معها ،وأقام زهرة ،فولدت لربيعة رزاحا .فلما بلغ قصي وصار رجال أتى مكة
،فأقام بها ،فلما أجابه قومه إلى ما دعاهم إليه ،كتب إلى أخيه من أمه ،رزاح بن ربيعة ،يدعوه إلى نصرته ،والقيام معه .
فخرج رزاح بن ربيعة ومعه إخوته :حن بن ربيعة ،ومحمود بن ربيعة ،وجلهمة بن ربيعة ،وهم لغير أمه فاطمة ،فيمن تبعهم من
قضاعة في حاج العرب ،وهم مجمعون لنصرة قصي .
وخزاعة تزعم أن حليل بن حبشية أوصى بذلك قصيا وأمره به حين انتشر له من ابنته من الولد ما انتشر .وقال :أنت أولى بالكعبة
،وبالقيام عليها ،وبأمر مكة من خزاعة ؛ فعند ذلك طلب قصي ما طلب .ولم نسمع ذلك من غيرهم ،فالله أعلم أي ذلك كان .
وكان الغوث بن مر بن أد بن طابخة بن إلياس بن مضر يلي اإلجازة للناس بالحج من عرفة ،وولده من بعده ؛ وكان يقال له ولولده
ُصوفة .
وإنما ولي ذلك الغوث بن مر ،ألن أمه كانت امرأة من جرهم ،وكانت ال تلد ،فنذرت لله إن هي ولدت رجال أن تصدق به على
الكعبة عبدا لها يخدمها ،ويقوم عليها .فولدت الغوث ،فكان يقوم على الكعبة في الدهر األول مع أخواله من جرهم ،فولي اإلجازة
بالناس من عرفة ،لمكانه الذي كان به من الكعبة ،وولده من بعده حتى انقرضوا .
قال ابن إسحاق :حدثني يحيى بن عباد بن عبدالله بن الزبير عن أبيه عباد قال :
كانت صوفة بالناس من عرفة ،وتجيز بهم إذا نفروا من منى ،فإذا كان يوم النفر أتوا لرمي الجمار ،ورجل من صوفة يرمي
للناس ،ال يرمون حتى يرمي .فكان ذوو الحاجات المتعجلون يأتونه ،فيقولون له :قم فارم حتى نرمي معك ؛ فيقول :ال والله ،
حتى تميل الشمس .فيظل ذوو الحاجات الذين يحبون التعجل يرمونه بالحجارة ،ويستعجلونه بذلك ،ويقولون له :ويلك ! قم فارم ؛
فيأبى عليهم .حتى إذا مالت الشمس قام فرمى ورمى الناس معه .
قال ابن إسحاق :فإذا فرغوا من رمي الجمار وأرادوا النفر من منى ،أخذت صوفة بجانبي العقبة ،فحبسوا الناس وقالوا :أجيزي
صوفة ،فلم يجز أحد من الناس حتى يمروا ،فإذا نفرت صوفة ومضت خلي سبيل الناس فانطلقوا بعدهم فكانوا كذلك حتى انقرضوا ،
فورثهم ذلك من بعدهم بالُقعدد بنو سعد بن زيد مناة بن تميم ،وكانت من بني سعد في آل صفوان بن الحارث بن شجنة .
نسب صفوان بن جناب
قال ابن هشام :صفوان بن جناب بن شجنة بن عطارد بن عوف بن كعب بن سعد بن زيد مناة بن تميم .
قال ابن إسحاق :وكان صفوان هو الذي يجيز للناس بالحج من عرفة ،ثم بنوه من بعده ،حتى كان آخرهم الذي قام عليه اإلسالم ،
كرب بن صفوان ،وقال أوس ابن تميم بن مغراء السعدي :
وأما قول ذي اإلصبع العدواني ،واسمه حرثان ( من عدوان ) ابن عمرو ؛ وإنما سمي ذا اإلصبع ألنه كان له إصبع فقطعها :
وهذه األبيات في قصيدة له -فألن اإلفاضة من المزدلفة كانت في عداون -فيما حدثني زياد بن عبدالله البكائي عن محمد بن -
إسحاق -يتوارثون ذلك كابرا عن كابر .حتى كان آخرهم الذي قام عليه اإلسالم أبو سيارة ،عميلة بن األعزل .
قال :وكان أبو سيارة يدفع بالناس على أتان له ،فلذلك يقول ( :سالما حماره ) .
قال ابن إسحاق :وقوله ( حكم يقضي ) يعني عامر بن ظرب بن عمرو بن عياذ بن يشكر بن عدوان العدواني .وكانت العرب ال
يكون بينها نائرة وال عضلة في قضاء إال أسندوا ذلك إليه ثم رضوا بما قضى فيه .
فاختصم إليه في بعض ما كانوا يختلفون فيه ،في رجل خنثى ،له ما للرجل وله ما للمرأة ،فقالوا :أتجعله رجال أو امرأة ؟ ولم
يأتوه بأمر كان أعضل منه .فقال :حتى أنظر في أمركم ،فوالله ما نزل بي مثل هذه منكم يا معشر العرب ! فاستأخروا عنه .
فبات ليلته ساهرا ،يقلب أمره ،وينظر في شأنه ،ال يتوجه له منه وجه .وكانت له جارية يقال لها سخيلة ترعى عليه غنمه ،وكان
يعاتبها إذا سرحت فيقول :صبحت والله يا سخيل ! وإذا أراحت عليه قال :مسيت والله يا سخيل ! وذلك أنها كانت تؤخر السرح
حتى يسبقها بعض الناس ،وتؤخر اإلراحة حتى يسبقها بعض الناس .
فلما رأت سهره وقلة قراره على فراشه قالت :ما لك ال أبا لك ! ما عراك في ليلتك هذه ؟ قال :ويلك ! دعيني ،أمر ليس من
شأنك ؛ ثم عادت له بمثل قولها .
فقال في نفسه :عسى أن تأتي مما أنا فيه بفرج ؛ فقال :ويحك ! اختصم إلي في ميراث خنثى ،أأجلعه رجال أو امرأة ؟ فوالله ما
أدرى ما أصنع ،وما يتوجه لي فيه وجه .قال :فقالت :سبحان الله ! ال أبا لك ! أتبع القضاء المبال ،أقعده ،فإن بال من
حيث يبول الرجل فهو رجل ،وإن بال من حيث تبول المرأة ،فهي امرأة .قال :مِّسي سخيل بعدها أو صِّبحي ،فرجتها والله .
ثم خرج على الناس حين أصبح ،فقضى بالذي أشارت عليه به .
غلب قصي بن كالب على أمر مكة وجمعه أمر قريش ومعونة قضاعة له
قال ابن إسحاق :فلما كان ذلك العام فعلت صوفة كما كانت تفعل ،وقد عرفت ذلك لها العرب ،وهو دين في أنفسهم في عهد جرهم
وخزاعة وواليتهم .فأتاهم قصي بن كالب بمن معه من قومه من قريش وكنانة وقضاعة عند العقبة ،فقال :لنحن أولى بهذا منكم ،
فقاتلوه ،فاقتتل الناس قتاال شديدا ،ثم انهزمت صوفة ،وغلبهم قصي على ما كان بأيديهم من ذلك .
وانحازت عند ذلك خزاعة وبنو بكر عن قصي ،وعرفوا أنه سيمنعهم كما منع صوفة ،وأنه سيحول بينهم وبين الكعبة وأمر مكة .فلما
انحازوا عنه باداهم وأجمع لحربهم ،و ثبت معه أخوه رزاح بن ربيعة بمن معه من قومه من قضاعة .
وخرجت له خزاعة وبنو بكر فالتقوا ،فاقتتلوا قتاال شديدا باألبطح ،حتى كثرت القتلى في الفريقين جميعا ،ثم إنهم تداعوا إلى الصلح
وإلى أن يحكموا بينهم رجال من العرب ،فحكموا يعمر بن عوف بن كعب بن عامر بن ليث بن بكر بن عبد مناة بن كنانة ؛ فقضى
بينهم بأن قصيا أولى بالكعبة وأمر مكة من خزاعة ،وأن كل دم أصابه قصي من خزاعة وبني بكر ،موضوع يشدخه تحت قدميه ،
وأن ما أصابت خزاعة وبنو بكر من قريش وكنانة وقضاعة ففيه الدية مؤداة ،وأن يخَّلى بين قصي وبين الكعبة ومكة .
فسمي يعمر بن عوف يومئذ :الشداخ ،لما شدخ من الدماء ووضع منها .قال ابن هشام :و يقال :الُّش داخ .
قال ابن إسحاق :فولى قصي البيت وأمر مكة ،وجمع قومه في منازلهم إلى مكة ،وتملك على قومه وأهل مكة فملكوه .إال أنه قد
أقر للعرب ما كانوا عليه ،وذلك أنه كان يراه دينا في نفسه ال ينبغي تغييره .
فأقر آل صفوان وعدوان والنسأة ومرة بن عوف على ما كانوا عليه ،حتى جاء اإلسالم فهدم الله به ذلك كله .فكان قصي أول بني
كعب بن لؤي أصاب ملكا أطاع له به قومه ،فكانت إليه الحجابة ،والسقاية ،والرفادة ،والندوة ،واللواء ،فحاز شرف مكة كله .
وقطع مكة رباعا بين قومه ،فأنزل كل قوم من قريش منازلهم من مكة التي أصبحوا عليها ،ويزعم الناس أن قريشا هابوا قطع شجر
الحرم في منازلهم فقطعها قصي بيده وأعوانه ،فسمته قريش مجمعا لما جمع من أمرها ،ة وتيمنت بأمره ،فما تنكح امرأة ،وال يتزوج
رجل من قريش ،وما يتشاورون في أمر نزل بهم ،وال يعقدون لواء لحرب قوم من غيرهم إال في داره ،يعقده لهم بعض ولده ،
وما تدرع جارية إذا بلغت أن تدرع من قريش إال في داره ،يشق عليها فيها درعها ثم تدرعه ،ثم ينطلق بها إلى أهلها .
فكان أمره في قومه من قريش في حياته ،ومن بعد موته ،كالدين المتبع ال يعمل بغيره .واتخذ لنفسه دار الندوة وجعل بابها إلى
مسجد الكعبة ،ففيها كانت قريش تقضي أمورها .
قال ابن إسحاق :حدثني عبدالملك بن راشد عن أبيه قال :سمعت السائب بن خَّباب صاحب المقصورة يحدث ،أنه سمع رجال يحدث
عمر بن الخطاب ،وهو خليفة ،حديث قصي بن كالب ،وما جمع من أمر قومه ،وإخراجه خزاعة وبني بكر من مكة ،وواليته
البيت وأمر مكة ،فلم يرد ذلك عليه ولم ينكره .
قال ابن إسحاق :فلما فرغ قصي من حربه ،انصرف أخوه رزاح بن ربيعة إلى بالده بمن معه من قومه ،وقال رزاح في إجابته
قصيا :
وقال ثعلبة بن عبدالله بن ذبيان بن الحارث بن سعد بن هذيم القضاعي في ذلك من أمر قصي حين دعاهم فأجابوه :
شعر قصي
ما كان بين رزاح و بين نهد و حوتكة ،وشعر قصي في ذلك
فلما استقر رزاح بن ربيعة في بالده ،نشره الله ونشر ُح َّنا ،فهما قبيال عذرة اليوم .وقد كان بين رزاح بن ربيعة ،حين قدم بالده
،وبين نهد ابن زيد وحوتكة بن أسلم ،وهما بطنان من قضاعة ،شيء ؛ فأخافهم حتى لحقوا باليمن وأجلوا من بالد قضاعة ،فهم
اليوم باليمن .
فقال قصي بن كالب ،وكان يحب قضاعة ونماءها واجتماعها ببالدها ،لما بينه وبين رزاح من الرحم ،ولبالئهم عنده إذال أجابوه إذ
دعاهم إلى نصرته ،وكره ما صنع بهم رزاح :
قال ابن هشام :وتروى هذه األبيات لزهير بن جناب الكلبي .
قال ابن إسحاق :فلما كبر قصي ورق عظمه ،وكان عبدالدار بكره ،وكان عبد مناف قد شرف في زمان أبيه وذهب كل مذهب ،
وعبدالعزى وعبد .
قال قصي لعبدالدار :أما والله يا بني ُأللْح قَّنك بالقوم ،وإن كانوا قد شرفوا عليك :ال يدخل رجل منهم الكعبة حتى تكون أنت تفتحها
له ،وال يعقد لقريش لواء لحربها إال أنت بيدك ،وال يشرب أحد بمكة إال من سقايتك ،وال يأكل أحد من أهل الموسم طعاما إال من
طعامك ،وال تقطع قريش أمرا من أمورها إال في دارك .فأعطاه داره دار الندوة ،التى ال تقضي قريش أمرا من أمورها إال فيها ،
وأعطاه الحجابة واللواء والسقاية والرفادة .
الرفادة
وكانت الرفادة خرجا تخرجه قريش في كل موسم من أموالها إلى قصي بن كالب ،فيصنع به طعاما للحاج ،فيأكله من لم يكن له سعة
وال زاد .وذلك أن قصيا فرضه على قريش ،فقال لهم حين أمرهم به ( :يا معشر قريش ،إنكم جيران الله وأهل بيته وأهل
الحرم ،وإن الحاج ضيف الله وزوار بيته ،وهم أحق الضيف بالكرامة ،فاجعلوا لهم طعاما وشرابا أيام الحج ،حتى يصدروا عنكم
ففعلوا .فكانوا يخرجون لذلك كل عام من أموالهم خرجا فيدفعونه إليه ،فيصنعه طعاما للناس أيام منى .فجرى ذلك من أمره في
الجاهلية على قومه حتى قام اإلسالم ،ثم جرى في اإلسالم إلى يومك هذا ،فهو الطعام الذي يصنعه السلطان كل عام بمنى للناس حتى
ينقضي الحج ) .
قال ابن إسحاق :حدثني بهذا من أمر قصي بن كالب ،وما قال لعبدالدار فيما دفع إليه مما كان بيده ،أبو إسحاق بن يسار ،عن
الحسن بن محمد بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم قال :سمعته يقول ذلك لرجل من بني عبدالدار ،يقال له :نبيه بن وهب
بن عمر بن عكرمة بن عامر بن هاشم بن عبد مناف بن عبدالدار بن قصي .
قال الحسن :فيجعل إليه قصي كل ما كان بيده من أمر قومه ،وكان قصي ال يخالف ،وال يرد عليه شيء صنعه .
ابو ايمن
٧٣٣٥٠٣٤٩٧
٧٣٥٤٤٨٣٩١