Professional Documents
Culture Documents
011 Chapter - 11
011 Chapter - 11
011 Chapter - 11
اإلرادة واليوغا
أوال :اإلرادة
يبدو تعريف اإلرادة يسير للوهلة األولى .فإذا كنت مدعوا إلى احدى السهرات ,طرحت على نفسي السؤال التالي :هل
أذهب أم ال أذهب .ثم أوازن بين الحسنات والسيئات ,فأقرر " اإليجاب " أو " السلب " .هذا القرار يكون الفعل اإلرادي
.
ثمة عامالن أديا إلى القرار اإلرادي :
أ – الظروف الخارجية التي هي الدعوة هنا .
ب – الظروف الداخلية ,كالمزاج وحالة التعب والحالة النفسية وأسلوب النظر إلى األمور والحاجة إلى التسلية والخوف
من الناس ,الخ .هاكم مثاال آخر :إذا كان علي أن أذهب إلى طبيب األسنان ,فإن طريقتي في الفعل اإلرادي تختلف
بحسب ما إذا كنت متألما أم ال ,ما إذا كنت خائفا أم غير خائف ,ما إذا كنت عصبيا أم غير عصبي ,الخ .
يتبين لنا اآلن أن الفعل اإلرادي منوط بميولنا ونزعاتنا وأمزجتنا وأهوائنا الخ .انه ألمر مفهوم أننا " نريد " .ولكن
ثمة ,على الدوام ,شيء فينا يؤثر على قرارنا ...دون أن يسألنا رأينا ,األمر الذي يرجع ضروب الغرور اإلنساني
بدرجة محسوسة إلى أكثر الحدود اعتداال .
يضاف إلى هذا أن ثمة كثيرا من األسباب في العدد الكبير من األفعال اإلرادية النجرؤ على االعتراف بها ,وكثيرا من
روح المنافسة والرغبة في تجاوز اآلخرين أو التسلط عليهم ,وكثيرا من الحاجات إلى االنتصار وإلى أن يقدم اإلنسان
الدليل لنفسه انه " قوي " وأن يبرهن أنه قادر على القمع وأنه يتصف بالطبع القوي .
فهل هناك إرادات حقيقية وإ رادات زائفة ؟ وهل هناك نسخة أصلية وصور كاريكاتورية لها ؟ نعم .وهذا إنما هو
ماسأتناوله بالبحث .
1
يبدو طبيعيا ,إذا قلت " أريد " ,أن أعلم األسباب على األقل ,أن أعلم بحد أقصى من الوعي لماذا اختار أو اقرر هذا
األمر أو ذاك .فالمفروض كحد أدنى أن يستطيع اإلنسان وعندما يقول " أريد " ,ان يحصي األسباب التي من أجلها يريد
إحصاء واعيا .ولكننا يمكن أن نشهد في سبع حاالت من عشر الحوار التالي :
-انني أريد هذا األمر .
-لماذا ؟
-لأنني أريده وكفى .
يزعم هؤالء األشخاص أنهم يتصرفون تصرفا إرادياً ,في حين أن الفعل اإلرادي يقتضي أن يستطيع اإلنسان بيان
األسباب الشعورية .فنحن إذن ,هنا ,أمام آلية ال شعورية ال أمام إرادة .
ولنضرب مثاالً على إنسان تدفعه الغريزة إلى اتخاذ قرار ,أو تدفعه الحاجة إلى أن يبدو على حق أو إلى السيطرة ,
إراديا على الرغم من أن مظهره يدل على ذلك ,كال ,البتة .انه يتصرف تصرفا ال ً الخ .فهل يتصرف تصرفا
شعوريا .يضاف إلى هذا أنه ال يخطر في بال أحد أن الغضب إرادي أو أن االنفعالي أراد لنفسه الوجل ....
– 2التصرف الالإرادي إنما هو التصرف الذي تدفع إليه أشياء مخيفة ال شعورية :
وعلى هذا النحو إنما يقول الماليين من األشخاص " أريد " ...في حين أن عملهم يبقى ال إراديا حتى ولو اعتقدوا
العكس .فما السبب في ذلك ؟السبب هو أن ال شعورهم ( في الدوافع والعقد ,على سبيل المثال ) أقوى من شعورهم .
هؤالء األشخاص ال يريدون شيئا .إن
لاشعورهم هو الذي يدفعهم إلى أن يريدوا .
إليكم مثاال على ذلك :هاكم إنسانا اتخذ قرارا خطيرا منذ بضع سن ين .لقد أقسم أنه " يريد أن يصبح محاميا شهيرا " .
فشرع يدرس كثيرا ,ويبذل جهودا جبارة ,ويعمل إلى درجة اإلنهاك ,ويتغلب على هذا اإلنهاك .لقد انشد نحو الهدف
دون أن يهتم بأي شيء آخر مهما كان .
ولنفرض اآلن بأن هذا الرجل مصاب بشعور قوي بالدونية .وبما أنه يشعر بالدونية ,فإنه يعاني بصورة ال شعورية من
الحاجة إلى يصبح متفوقا .فهل قام وهو في هذه الحالة بأفعال إرادية ,أقصد هل قام بأفعال أرادها بصورة شعورية ؟
قلما فعل هذا ,انه ليس هو الذي قرر أن يصبح محاميا شهيرا ,وإنما شعوره بالدونية هو الذي وجهه إلى البحث عن
التفوق .ولكنه من المرجح أن يجهل ذلك ...فهو مقتنع بأنه قام بماليين األعمال اإلرادية .والحقيقة أنه اذغن إلى ضغوط
داخلية .
قد تكون عاقبة هذه اإلرادة الزائفة رائعة جدا من الناحية الفردية أو االجتماعية .وهي ليست ,على أي األحوال ,نتاج
إرادة حقيقية .
ففي كل فعل إرادي ,ثمة إذن مزيج من الشعور والال شعور دائما .
ويترتب على ذلك :
– 1تتعاظم اإلرادة بتعاظم األسباب الشعورية .وعندئذ يعرف الشخص ماذا يريد ولماذا .إذن ,فالمعرفة العميقة بالذات
أمر ال غنى عنه .
– 2تتضاءل اإلرادة عندما تزداد الدوافع الالشعورية .ولنشر أيضا إلى أن باستطاعة كثير من األشخاص أن
يقدموا ,على هذا النحو ,األدلة الخارجية على إرادة قوية ...في حين أنه ال وجود لشيء منها .
اإلرادة التي تطابق العقل – تقوم أحدى صفات الموجود اإلنساني على التنبؤ بنتائج بعض األفعال .انه يعلم ,على سبيل
المثال ,أن تعاطي الكحول تعاطياً ال يتصف باالعتدال سيسبب له األلم عاجال أو آجال .
فمن الممكن بالنسبة إليه ,وهو عالم بذلك ,أن يوازن بين صحته الحالية وبين المرض المقبل .وخالصة القول ,أن
اإلنسان الجدير بهذا االسم قادر على أن يوضح نتيجة أفعاله وأن يعقلها وبحللها .
إ نني أكرر بأن أسبابنا الشعورية تمتزج بقوى داخلية غامضة ,كغرائزنا ودوافعنا وانفعاليتنا ومزاجنا وحاجاتنا ,الخ .
فإذا كانت اإلرادة منوطة بأسباب شعورية ,فإنها تكون خاضعة إلى معرفتنا بذواتنا وباألشياء الخارجية .
ولـنأخذ حالة التدخين ولنطرح على بعض األشخاص سؤاال ال يمكن أن يكون ثمة سؤال أكثر ابتذاال منه .لماذا قررت
أال تدخن إطالقا ؟
وستكون اإلجابات التالية التي نحصل عليها سطحية كل السطحية ,وال تكشف عن إرادة حقيقية على اإلطالق .
-ألن ذلك مضر بالصحة .ويرجع في الحقيقة أنه ال يعرف شيئا .فهو يردد ما قيل له .
-ألن ذلك يكلف كثيرا من المال .
2
-ألن التدخين عادة حمقاء إلى حد بعيد في الحقيقية .فإذا سئل لماذا .فإنه سيكون ,دون شك ,عاجزا عن الذهاب بعيدا
في التحليل .
-ألنني أريد أن امتحن إرادتي .فهو ,إذن ,غير واثق من أن لديه إرادة .
-إذا قلت ال ,فذلك أمر انتهى .فنحن ,إذن ,بصدد عناد ال بصدد إرادة ...حتى ولو كانت نتيجة قراره هامة .
-ألن زوجتي ال تريد أن أدخن مطلقا .وربما كانت هي اإلجابة األوضح ...
لنفرض اآلن أن طبيباً قد قرر أال يدخن قطعا .لماذا ؟ ألنه مطلع إطالعا جيدا ويستطيع أن يحلل مفعول التبغ تحليال
عميقا .انه يوازن بين صحته الحالية وبين أخطار المرض .فلدى هذا الطبيب إذن من األسباب الشعورية أكثر مما لدى
اآلخرين .ويمكن القول أن له إرادة أكثر مما لآلخرين .
نفسيا هو الذي يتخذ القرار .يعرف هذا المحلل النفسي نفسه إلى حد بعيد .لقد نجح في تحليل ً ولنفرض كذلك أن محلالً
ال شعوره تحليالً دقيقاً .أنه إذن قادر على أن يكشف عن أسباب إرادته .أن لديه كثرة غير محدودة من العناصر التي
تتيح له أن يقرر بوضوح وعن خبرة .فإرادته ستكون ,بالطبع ,أكثر سعة ووضوحا ...
اإلرادة األخالقية – إنها اإلرادة التي توجهنا نحو الخير .ان كل إنسان لديه انطباع بأن من األفضل له أن يتبع عقله من
أن يستسلم إلى نزعاته الغريزية ,فاإلنسان األكثر وعياً بين الناس يحتفظ بنزعات وغرائز ,الخ .
فلكي يكون اإلنسان ذا إرادة كاملة ,عليه أن يكون فكرا محضاً .
ثمة اتجاه في علم النفس الحديث إلى أال تعد أصيلة من اإلرادات إال تلك التي تبحث عن الخير واألفضل .فليس في بحث
اإلنسان عن لذته ومتعته ورفاهيته أي إشراك لإلرادة .
إرادة القوة – هذه الصورة من اإلرادة تدفع اإلنسان إلى السيطرة على الناس اآلخرين ,على وجه العموم .إنها ميل إلى
أن يصبح اإلنسان أكثر قوة دون أن يبالي بالوسائل التي يستخدمها .فهذه اإلرادة ,إرادة القوة ,ضارة إذن .إنها غير
سوية ,دعامتها الشعور بالدونية والعجز ,دعامتها حاجة اإلنسان إلى أن يفعل أفضل مما يفعله اآلخرون وإلى أن يكون
أكثر شهرة وقوة ,الخ .
المربون العصابيون الذين يسيطرون بسلطوية هم على هذه الحال .إنهم يفرضون " إرادتهم " ...وهم مقتنعون بأنهم
يتصرفون " لخير " الطفل .وقد كانت ألمانيا الهتلرية ,من الناحية االجتماعية مثال على هذه اإلرادة ,إرادة القوة .
ثمة صورة أخرى ,ولكنها صورة أسمى منزلة عندما يريد الفرد أن يزداد قدره أكثر فأكثر وأن يحصل على السيادة على
ذاته وأن يحقق أعماال رائعة ,الخ .فهل هذه اإلرادة كاملة ,كال ,بالتأكيد .إن األنانية دعامتها .فاإلنسان يبحث عن
خيره ,ويحقق عمله ,ويتجه نحو قيمته هو .
مثال ذلك :يفرغ فنان جهده في عمله .انه ينجزه بإرادة " عاتية " .فهل هي اإلرادة الواقعية ؟كال .ان هذا الرجل
يحاول أن يحقق ذاته ويبحث عن قوة تخصه ,الخ .
وستكون هذه اإلرادة في منزلة أسمى إذا قّد ر أن له رسالة عليه أن ينقلها إلى اآلخرين .وعندئذ ,فهو يتجه نحو خير
اآلخرين إلى حد ما .
إرادة القوة ,اإلرادة الخسيسة ,كبيرة االنتشار .فالسواد األعظم من الناس ملك يمينها ,وبصورة خاصة في طراز
مجتمعاتنا التي تسودها الرغبة في التنافس والحاجة إلى تجاوز اآلخرين والسيطرة ,الخ .اننا نكون أمام عصاب
وضعف أو عجز على الغالب ,بدال من اإلرادة .
التصور الكالسيكي في اإلرادة – ينقسم الفعل اإلرادي ,من الناحية الكالسيكية ,إلى أربع مراحل :
– 1التصور :يخطر الفعل الذي يقصد تنفيذه إلى الذهن .مثال ذلك أنني أتصور أنني مدعو إلى حفلة رقص .
– 2المناقشة :يفحص اإلنسان في أثناء المناقشة األسباب اإليجابية والسلبية :هل أذهب إلى الحفل الراقص لهذا السبب
؟ أم هل امتنع عن الذهاب لذلك السبب اآلخر ؟
– 3القرار :انه الحكم الذي ينهي المناقشة ,فيقبل اإلنسان أو يرفض .
– 4التنفيذ :انه يعقب القرار بسرعة على وجه التقريب .
ان مرحلة القرار ,من بين هذه المراحل األربع ,هي التي يمكن أن تكون الفعل اإلرادي .
ا نه ألمر رائع من الناحية النظرية ...ولكن ماذا يحدث في الحياة العادية ؟ لقد كتب شارل بلوندل بهذا الشأن :
" انه يشتهي حقا أن يضع إعالنا في الصحف يدعو فيه أولئك الذين اختاروا مهنتهم أو قرروا سفر بهذا الشكل ,أن
يتفضلوا بالتعريف عن أنفسهم " .
3
والواقع أن كثيرا من المناقشات قد تتم عبر ركام داخلي ,عبر مجموعة عجيبة من الدوافع الالشعورية ,عبر الغرائز
واألمزجة والمخاوف وضروب الحصر والعقد والعصبية ,الخ ...فالقرار النهائي منوط قبل كل شيء بالحالة التي
نستقبل بها الفكرة استقباال داخليا .فإذا تلقى أحد الخجولين الكبار دعوة ,كانت استجابته األولى صدمة انفعالية ,فكيف
يمكن أن يقرر " بصورة إرادية " ؟ إن حالة الخجل السائدة لديه لهي التي تدفعه ,على حد كبير ,على اتخاذ
قراره ,سواء قال نعم أم ال .إذن ,فهل يقرر بصورة إرادية ؟
يضاف إلى هذا أن العمل اإلرادي ال ينتهي إ ال في المرحلة الرابعة ,مرحلة التنفيذ .فتقرير أمر من األمور ال يعني
تنفيذه .ويتدخل بين القرار والتنفيذ ,على الغالب ,ضروب من التردد والشك واالجترار ...
تثير مناقشات جديدة وقرارات جديدة .وقد يحدث في أغلب األحيان أن يتخذ الشخص قرارا ,ولكنه ال ينتقل إلى التنفيذ
أبدا .وتلك إنما هي الحالة العادية ,حالة المدخنين الذي ن " يقررون " تغيير سلوكهم وحالة المدمنين على الكحول .وذلك
أيضا إنما هو واقع كثير من المرضى النفسيين ,كالمصابين بالوهن النفسي على سبيل المثال .انهم " يريدون " أن
يفعلوا كثيرا من األمور ويقررون أنهم سينجز ون " غدا " هذا األمر أو ذاك ومع ذلك ,فإنهم ال ينتقلون إلى التنفيذ .لقد
توقف العمل اإلرادي أثناء الطريق .وهذا يعني أنه لم يحدث .
وأخيرا ,هل ثمة وجود لإلرادة ؟ -لنفرض أننا في الشارع وأننا نلتقي بعجوز يجر عربة ثقيلة الحمل .ولن يبقى أي مار
سوي ال مباليا عندما يراه .فذلك أمر ممتنع .ويتجلى لدى رؤية هذا العجوز البائس عدد كبير من العواطف .ولنفرض
أنها تخطر على الشكل التالي علما بأن الواقع أكثر تعقيدا إلى حد كبير .
-العاطفة األولى :الشفقة .فالمشاهد يستجيب قائال " :يا له من بائس ! في سنه يحدث له هذا ! حتى وال حيوان
يساعده ! الخ . " ...
-العاطفة الثانية " :أريد أن أساعده .لماذا ؟ ألن هذا إنما هو واجبي ,لأن هذا إنما هو أمر طبيعي ,ألنني ال أحتمل هذا
المشهد ,لأنني أضع نفسي مكانه ,الخ , ...الخ . "..
-العاطفة الثالثة :الخجل ,الخوف من رأي اآلخرين في ذلك ,الخشية من أن يبدو اإلنسان مضحكا ,الخ ...
وأخيرا ,أما أن :
– 1يُكره المشاهد نفسه ,ويعبر الشارع ,ويساعد العجوز .فيسر من ذلك أو يفخر به .لقد أنجز عمال صالحا وسجل
نصرا على نفسه " .
وإما أن :
– 2يبدل المشاهد اتجاهه ويهرب أخالقيا .انه ال يتحرك .فيشعر بأنه مستاء ,خجل من نفسه ومن " جبنه " ,جبن
منشأه الخوف أو الخجل أو الغباء ,على الغالب .
ونستخلص إذن أن الشخص األول كان إراديا والثاني " جبانا " .فهل هذا صحيح ؟ من الواضح أن ضروب التردد
والقرارات قد أثيرت بفعل الحاالت الداخلية ,كالشعور بالدونية والخجل ووجهة النظر في األمور والحس األخالقي
والشفقة والتضامن ,الخ ..
والحقيقة أن بإ مكان المرء أن يزعم أن اإلرادة ليست ذات صلة بكل ذلك .ولكن األمر ال يتعدى أن يكون مجموعة من
المنعكسات المعقدة يتراكب بعضها فوق البعض اآلخر .وتنطلق هذه المنعكسات على الرغم منا وتتحرك فينا دون أن
يكون لنا يد فيها .,فأي منعكس هو المنتصر ؟ انه المنعكس األقوى بكل بساطة .وسيكون هذا ,بالتالي ,هو النفي
المطلق لإلرادة كما يفهمها الناس عادة .
هاهو اآلن مشاهد آخر يالحظ العجوز .انه يعبر الشارع ويدفع العربة دون أن يعاني صراعا داخليا أو يتردد ,ودون
دافع انفعالي أو خجل أو تباه .انه لم يبذل أي جهد في تقرير عمله .لقد تقرر العمل في نفسه بصورة تلقائية ,وقام به
ببساطة وطبيعية كاملتين .
ومن المؤكد أن هذا الرجل يتصف بيسر نفسي أكثر مما يتصف به اآلخرون .فهل كان من الواجب عليه أن يحرك
إرادته ؟ كال ,لأ نه لم يلجأ إلى المحاكمة قبل كل شيء .عندئذ ...هل استسلم ,هو أيضا ,إلى منعكسات أكثر كماالً من
منعكسات اآلخرين ؟
إذن ,ما هي اإلرادة التي أكب عليها الفالسفة وعلماء النفس طوال قرون دون أن يصلوا إلى تعريفها أبدا ؟هل هي
موجودة أم أن الناس يحسبون الوهم واقعا؟ من المؤكد أن اإلنسان يقول " :أريد " .ولكن أال يقول ذلك بغية التعبير عن
منعكسات أصبحت شعورية ,وما هو دورنا في هذه الحالة ؟ إن دورنا ينحصر في رؤية منعكساتنا بوضوح وفي القدرة
4
على القول " :لقد أردت وقررت هذا " .ما هي المنعكسات التي دفعتني إلى ذلك ؟ ما هو منشأها ولماذا ؟ ما هي
الحركة الداخلية الالإرادية التي ولدت عمال أعتقد أنه إرادي ؟ " .
ونقع من جديد ,مرة أخرى كذلك ,على المعرفة التي يجب أن نمتلكها عن أنفسنا ...
5
وإرادته تسلك الدرب نفسه .انه يتشنج ويركب رأسه ,ويمضي نحو هدفه وقد تالشت أناه بفعل التعب .انه عندئذ إنما
يكون مضطرا إلى أن يستنجد بـ " كل إرادته " ..األمر الذي يبرهن على أنها تعوزه فيسقط في صورة دنيا من صور
اإلرادة .
يسود االعتقاد إذن ,في االستعمال الشائع ,أن اإلرادة تعني الجهد ,وأنها ال تتدخل إال عند وجوب االنتصار والغلبة
وا لسيطرة والفوز بالسلطة على اآلخر ,الخ .واالعتقاد السائد هو أن اإلرادة ليست مخصصة إال للتغلب على الصعوبات
.
ترتكز هذه اآلراء على مالحظات جزئية أو مشوهة .فإذا كان عليك أن تبذل جهدا ,فذلك إنما هو دليل على وجود نقص
فيك .وإذا كان عليك أن تبذل جهدا جبارا لترفع خمسين كيلو غراما ,فهذا إنما يعني أنك لم تبلغ درجة الكمال في هذا
المجال .أما إذا كنت ,على العكس ,ترفع هذا الثقل بيسر ,فهذا إنما يعني أنك تتمتع بقوة تتالءم مع عملك .
ومن البدهي أن يكون الجهد عنوان اإلرادة .ولكن المقصود ,وأكرر قول ذلك مرة أخرى ,صورة قاصرة من صور
اإلرادة .فاإلرادة ذات المنزلة الرفيعة ترتكز على التوازن والقدرة :وهذا إنما هو السبب الذي من أجله ال تستلزم جهدا .
إنما ينبغي على المرء أن يبذل " جهودا إرادية " عندما تصبح اإلرادة ناقصة .ومن المؤكد أن ذلك قد يبّدل من التقاليد
الشائعة حول الموضوع بعض التبديل ,ولكنني عاجز عن أفعل شيئا بهذا الصدد .فذلك هو القانون البيولوجي ...
والمنطقي بكل بساطة ,ال سيما وأن الواقع أجمل من الوهم إلى حد بعيد .أليس اإلنسان الواضح ,الواعي ,أكثر تحققا
من اإلنسان الذي يخضع إلى إنهاكه أو ال شعوره كليا على وجه التقريب ,حتى ولو بذل جهودا تبدو أنها إرادية ؟
ما هي الشروط اإلرادة الكاملة ؟ يدل بذل الجهد اإلرادي على ضعف في اإلرادة .إن اإلرادة الكاملة تتطلب أن يمضي
اإلنسان بكليته نحو هدفه ,بح سه السوي وعقله وذكائه .فإذا وجدت ميول متناقضة لدينا ,فإننا لن نمضي نحو الهدف إال
بجزء من أنفسنا .. .وسنبتعد عنه .إن الميول المتناقضة تفصل وحدة شخصيتنا وتجزئ إرادتنا .وعندئذ تكون لنا
إ رادات جزئية ,متشنجة ,تعارض الواحدة منها األخرى ...نتيجة نحو دريئات ال نراها أال بصورة جزئية ...
تلك أم ,على سبيل المثال ,تتفانى في سبيل أطفالها وتنهك نفسها في العمل .انها تبذل جهودا مضنية حتى تفرغ من
عملها .فهل تتمتع باإلرادة الحقيقية ؟كال .تلك هي ارادات مجزأة ,متشنجة ,منشأها اإلنهاك .ومهما كانت روعة
العمل األخالقي لهذه األم ,فإن قوام إرادتها الحقيقي ة هو أن تجدد ما يكفي من قواها حتى ال يكون عليها أن تبذل جهدا ...
ينبغي أن تكون اإلرادة كاألناقة :ال مرئية .
بأي شيء يذكرك مفهوم " اإلرادة " ؟
يخطر بالبال :
– 1التشبث :يصمم اإلنسان على النجاح ويستخدم بعض الوسائل .ولكن ,ثمة خلط وعلى الغالب ,بين التشبث الذي
هو قدرة متوازنة وبن العناد الذي هو عجز وضعف .
– 2السيادة على الذات :ا نها استعداد اإلنسان للسيطرة على عواطفه وغرائزه ,الخ .ومن الواجب أن نعرف كذلك
فيما إذا كان األمر أمر سيادة حقيقية أو كاذبة .
– 3روح التصميم :ينبغي أن تتصف هذه الروح بالسرعة من غير مغاالة في التردد وال اجترارات ذهنية .وال بد
كذلك من أن تكون روح التصميم أصيلة ,ويظهر االندفاعي ,على سبيل المثال ,انه يكشف عن قرارات فائقة السرعة .
ومع ذلك ,فهو غير ذي إرادة .
– 4روح المبادءة :وذلك هو االستعداد للشروع في عمل جديد .
تتطلب جميع هذه الصفات إذن بعض الشروط .فما هي الشروط ؟ ولكي يفهم ذلك فهما أفضل و اقترح أن نرى الحركة
المعاكسة وأن نفحص معوقات اإلرادة .
تقريبا .ويرجع
ً المثل السائر " من يريد ,يقدر " معروف إذن .والسواد األعظم من الناس مقتنعون بحقيقة هذا التأكيد
السبب في ذلك إلى أنه لم يسبق لهم أن كان في متناولهم تأكيد آخر .فهم قلما تحققوا من صحته إال عبر تجارب سطحية
مبهمة جدا .
وقد يحدث ,مع ذلك ,أن يقع هؤالء األشخاص مرضى على نحو ما .وثمة صعوبات عددية تتجلى ,وفي األمراض
النفسانية على و جه الخصوص .فتبدأ الظروف العادية جدا تتطلب جهودا بطولية .وتلك إذن إنما هي اللحظة التي يستنجد
فيها المرء بالمثل السائر " من يريد ,يقدر " وضعه موضع التطبيق .
ولنتأمل هنا شخص أصيب بالوهن العصبي فجأة .فمرضه يلزمه بأن يشك ,ويجتر ذهنيا ,ويتردد ترددا يرافقه
الحصر ,ويمتنع عن الإقدام والتصرف .ا نه يفكر عندئذ " :لو أردت لقدرت " .وذلك إنما هو ,على األقل " ,ما قيل
6
لي دائما " .وما كان أصدقاؤه ,من جهة أخرى ,يمتنعون عن أن يرددوا ذلك على مسامعه .وها هو ذا ,بالتالي ,
ينطلق والمثل مستقر في رأسه .فيردده لنفسه طوال نهاره .ماذا يحدث ,ال يستجيب الشعار قطعا ...
وعبثا يقول الشخص لنفسه مخلصا " :أريد ,إذن أقدر " .فاألمور تسوء .انه يكّدس الجهود ,ويتشنج ,ويبحث يائسا
عن أن " يتغلب " على نفسه مستخدما " إرادته " .كل ذلك ال يعطي أي نتيجة ايجابية ,اللهم إال إنهاكا يتفاقم بالتدرج .
وعندئذ يتساءل المريض ,وقد أصابه القلق ,فيما إذا لم يكن المثل السائر دعابة لطيفة من اختراع أناس ينعمون بالصحة .
وهو بهذا إنما يمس الحقيقية بأصعبه .
يالحظ المريض أمرا مفاده أنه كان قادرا على الفعل اإلرادي كأي إنسانا آخر عندما كان متمتعاً بالصحة .وها هو اآلن قد
أصبح عاجزا عن الفعل اإلرادي .أليست هذه اإلرادة إذن مجرد معلول ,وأنها تتطلب شروطا دقيقة لكي تظهر ؟
الحيوية ,الطاقة الحقيقية .التوازن والسيادة على نقص الطاقة والطاقات الكاذبة كالتعب ,والهياج ,
الذات والعصبية ,واالنفعالية ,الخ .
االهتمام الوجداني . الالمباالة المرضية .
7
إرادة تنتقل إلى العمل .ولكن ال وجود لشيء من هذا ...ومن اليسير على المرء ألن يالحظه بسهولة :فهو
يضطرب ,ويصبح عصبيا ,مشوشا ,ذا صوت متقطع .انه ليس سيد نفسه ,وال حركاته ,وال كلماته .
فليس ثمة أي إرادة لدى االندفاعيين إذن ,وإنما إذعان مطلق لقواهم الغريزية والالشعورية .فما قولك بالنسبة لالندفاعيين
المصابين بالشعور بالدونية الذي يفرز لديهم " إرادة " السيطرة والقوة ! ...
– 2اإلفراط في الكف .
قوام الكف كبح حركة أو فكرة .فهو يتيح للمرء أن يتمهل في القيام بالعمل الذي عزم على تنفيذه من أجل أن يعقله
ويسوغه .إ ن الشخص السوي يبقى " على أهبة االستعداد " قبل أن ينتقل إلى العمل اإلرادي .ولكن هذا التردد ينبغي أن
يكون قصيرا .
ال شيء من ذلك في اإلفراط في الكف .فالتوقف يمتد زمنا طويال .ويتردد الشخص فترة طويلة ,ويجتر ,ويشك ,
ويرجع عن قراراته باستمرار .بل وقد يؤدي الكف على إيقاف العمل المنوي تنفيذه إيقافا كليا .
يتهرب المكفوف أمام العمل ألنه عاجز عن أن يتغلب على تخوفه .فليست اإلرادة معدومة ,ولكنها سجينة .و " يرغب
" احد الخجولين ,على سبيل المثال .أن يدلل على العزم ,ولكنه ال " يستطيع " ألن كوابحه الداخلية أقوى من رغبته
في الفعل اإلرادي .إ نه شبيه بسيارة تحاول أن تنطلق في حين أن كوابحها مشدودة .
ينتظر المكفوف أن تقرر األحداث له أو أن تفك كوابحه شخصية قوية جدا .ويتجلى هذا العيب ,غالب األحيان ,في
الخجل واالكتئاب والشعور بالدونية والضعف النفسي والعصاب والعقدة النفسية ,الخ .
وعلى العكس ,فإن اإلرادة هي ملكة التصرف تصرفا واعيا .ومن البدهي أن يتطلب التصرف شيئا من االندفاع .ولكننا
رأينا من برهة قصيرة أن االندفاعي " الصرف " شبيه بدوارة هواء في مهب الريح حتى ولو كان يبدو أنه يتصرف
بطاقة إرادية .إذن ,فأي عمل يتطلب كذلك كبحاً لهذه االندفاعات ( كف ) .إن أي عمل سوي يقتضي توازنا بين
االندفاع والكف .فإذا ا نفقد هذا التوازن لسبب من األسباب ,وقع المرء في اإلفراط في الكف أو في االندفاع ,وآل األمر
به آليا إلى نقص في اإلرادة .
– 3نقص الطاقة .
يتبين المرء بوضوح كبير أن أي إنهاك يسبب نقصا في اإلرادة .فال يمكن للشخصية الواهنة أن تظهر إال بإرادة
ضعيفة .
أعماال عديدة دون أن يتوقف ,
ً وما هو الوضع في الهياج ؟ يمكن أن نوازن الهياج باإلفراط في االندفاعية .فالهائج يحقق
بل ودون أن يستشعر إنهاكه .إ نه يشعرك بأنه يملك كثيرا من الطاقة ...في حين أنه ال يملك شيئا منها على وجه
التقريب .وبما أن الهائج خاضع إلى جملة عصبية مشوشة ,فإنه يصرف نشاطا كبيرا ,إنه يكشف إذن عن طاقة كاذبة
تتجلى في إرادة كاذبة .يمكن أن تبدو أفعال الهائج ,كما هو األمر لدى االندفاعي ,إرادية إلى حد األقصى إذا نظر إليها
نظرة سطحية .
االنفعالية والعصبية ,الخ ,نتيجة من نتائج نقص الطاقة أيضا .
ويفقد العصبيون واالنفعاليون وضوحهم بصورة آلية ...وبالتالي وسائلهم .فهم خاضعون إلى اضطرابات عصبية عديدة
.وتعمل قشرتهم الدماغية عمال وظائفيا سيئا .إنهم معرضون إلى عواصف داخلية حقيقية تتحمل وجدانيتهم تكاليفها .
فإذا اتخذوا قرارا ,فهل يكون قرارا متخذا " بصورة إرادية " ؟ كال .إنها قرارات تسوق إليها االندفاعات الناشئة من
االنفعالية ...
وكذلك يثير اإلنهاك أحيانا معجزات كاذبة من اإلرادة .وأمر هؤالء األشخاص المنهكين الذين يستمرون في بذل الجهد
على الرغم من كل شيء ,تدفعهم بقوة دوافع داخلية ,معروف .فهم يتجاوزون تعبهم باستمرار ,ويؤجلون راحتهم إلى
وقت آخر .فإذا ما الحظهم المرء ,أعتقد أنه أمام " انتصار اإلرادة " وخيل إليه أن لديهم طاقة .إرادة تستحقان اإلعجاب
.إ ن األدب والسينما والحياة اليومية تعج بأمثلة من هذا النوع .لقد ذكرت حالة أم منهكة تضني نفسها بالعمل ,وأشرت
إلى نتائج رائعة من الناحية األخالقية في بعض األحيان .ولكن ذلك ال يغير شيئا من السؤال التالي :هل ثمة إرادة
واقعية عندما تتغلب على إنهاكها باستمرار ؟ والجواب :كال .فال وجود للإرادة ,بل هناك تشنج على عمل معين انطالقا
من فكرة قد تصل إلى حد الوسواس ,وسواس الواجب واإلخالص والعمل وربح المال والنجاح في عمل من اإلعمال
والخوف من االحتقار ,الخ .
وعلى العكس ,فإن قيمة اإلنسان تكمن في حياته وتوازنه قبل كل شيء .إنها تكمن في سيادته على ذاته .فال يتصور
إنسان إرادي دون أن يكون لديه سيادة تتيح له أن يتفحص المشكالت التي تعرض له تفحصا هادئا واضحا .
8
– 4نقص االهتمام .
يتطلب كل قرار إنساني قدرا من االهتمام .فالتصميم على عمل يقتضي أن نهتم به على نحو ما .ولكن كثيرا من
األشخاص ال يبلغون مستوى الشعور باالهتمام بأي شيء مهما كان على الرغم من رغبتهم كلها .ينبغي أن نبحث عن
أسباب ذلك بعناية .ذلك أن هذا النقص في االهتمام يسبب التراخي والكسل والبطء وعدم إنجاز األفعال ,الخ .واألسباب
الغالبة له هي :التكوين والوراثة والسير الوظائفي السيء للغدد الصم والوهن الدماغي والعصاب ,الخ .
وعلى العكس من ذلك ,فإن االهتمام العميق يخلق الفعل اإلرادي آليا إذا ما أضيف إليه التوازن .فـ " نقص االهتمام "
هو إذن " مرض إرادي " حقيقي ينبغي أن ينظر إليه وأن يعالج بوصفه كذلك .
ما يفسح المجال لإلرادة ما يعيق اإلرادة
مرونة الفكر واتساعه ,رحابة التصلب الذهن .
الرؤية ,االسترخاء الذهني . المكابرة .
االنسجام بين الشعور واالشعور . العناد .
كل ما يوحد الشخصية ويجعلها اآلراء الراسخة .
متوازنة . التشنج والعدوانية .
كل ما يجعل التأليف الذهني ممكنا . الغباء .
عندما يعمل الال شعورية على أذية الشعور .
كل ما يجزئ الشخصية أو يمزقها .
كل ما يعيق التأليف الذهني .
– 5التصلب الذهني .
هذه الفئة تضم األشخاص المتجمدين الراسخين رسوخ الصخر .وليس من النادر أن يوجد التصلب الذهني لدى
األشخاص المكفوفين .
تلك إذن ,في غالب األحيان ,إنما هي حالة األفراد الخجولين أو الذين أصابهم الشعور بالدونية .فهم يترددون طويال
قبل أن ينتقلوا إلى العمل .ولكن ما ان يقرروا العمل حتى يثبتوا عليه ويتشبثوا به بقوة شرسة .ويقال بأنهم يتعلقون
بكال ب األمن .فثمة في قراراتهم إذن حزم يشبه النشاط الذهني .والواقع أن األمر هو أمر ضعف كبير ...فالضعيف لم ّ
يتحرر من نفسه على اإلطالق .أنه حبيس قرار يتمسك به ,ألن هذا القرار كلفه الكثير من الطاقة .وهو عاجز عن
الرجوع عن تصميمه لكي يتوصل إلى تصميم آخر ...األمر الذي يجعله يغوص من جديد في ضروب التردد ذاتها .
فيتمسك إذن بصورة نهائية بما حدده .يضاف إلى هذا أن الضعيف يحتاج إلى قراره الذي ال يتزعزع .فهذا القرار
يمنحه األمن ما دام يستبعد الشكوك المضنية .وعلى هذا النحو إنما يتمجد في موقف صلب ...ويفخر به على الغالب
ويصرخ قائال " :أنا ال أرجع عن قراري أبدا أيا كانت األسباب التي يقابلوني بها . " ...فهو يصبح عاجزا عن أن
يخفف من تصلبه ,ويعد ذلك من اإلرادة .انه يرتكز عندئذ على " مبادئ " كيما يبرر طبعه الصارم تبريرا أفضل .
وتلك حال كثير من السلطويين .فهم يسببون كثيرا من اإلضرار التربوية عندما يحطمون إرادة طفلهم .
– 6العناد ,التشنج ,المكابرة ,اآلراء الراسخة .
إ نها عرات شر من التصلب أيضا .فالشخص المتصلب يمكنه أن يفكر ,أن يشرح سوكه حتى بمبادئ باطلة ( ولكنها
تبدو له منطقية ) .
أما لدى المكابر والعنيد ومن يتشنج على بعض اآلراء ,فال وجود لشيء من هذا ...إنهم ال يفكرون بشيء على اإلطالق
.وعلى الرغم من أنهم يتمسكون بوجهات نظرهم " عبر كل العقبات " ,فليس األمر أمر إرادة قطعيا .انهم ال يعقلون
سلوكهم أبدا :فهم عاجزون عن ذلك .ا نهم ,مصابون بالكزاز العقلي .فليست المسألة مسألة تبرير قرار بالنسبة إلى فرد
من هذا النوع .ا نه يصرح ... " :أريد ألنني أريد ,وأقرر ألنني أقرر .وال جدوى من المناقشة " .
وقد يسأله الذين يعاشرونه في بعض األحيان ... " :ولكن لماذا أنت مكابر إلى هذه الدرجة ؟ " فال يجيب بشيء ألنه
يتعذر عليه أن يتجمد أكثر ويتشنج على مواقفه ويأوي إلى وضع في منتهى السيطرة محاوال أن يسود " بإرادته " كل
أولئك الذين يشعر بأنهم متفوقون عليه .أما بالنسبة لآلخرين ,فماذا يستطيعون أن يفعلوا إزاء هذا الحائط من االسمنت
المسلح ,اللهم إال محاولة تجنبه أو التمرد عليه أو الخضوع له بكل ما يفترضه هذا الخضوع من عواقب .
– 7مرونة الفكر .
9
يتبين بصورة مباشرة أن مرونة الفكر تتعارض مع كل صور التصلب الذهني ,وأن اتساع الفكر يمنع ظهور جميع هذه
السلوكات المتجمدة .فمن الضروري ,بالتالي ,أن نبحث عن أسباب التصلب والعناد ,الخ .وتشنأ هذه العيوب أحيانا
من الغباء ...ولكنها تنشأ في أغلب األحيان من الشعور بالعجز والدونية واإلحباط .وقد يكون فيها شيء من الجهل :
فمن المنطق إلى حد أن يتصلب شخص على بعض االحساسات التي يحسب أنها هي الحقيقية .ورحابة الرؤية ال غنى
عنها إلرادة سوية ألنها ,بادئ ذي بدء ,تفسح المجال للمحاكمة الواعية إلى الحد األقصى ,ثم ألنها تجعل اإلنسان يفهم
بأن هدف جميع الحقائق الجزئية هو إيجاد كل منا أن بإ مكانه أن يكون على صواب ...دون أن يكون اآلخر على خطأ .
– 8عندما يعمل الال شعور على أذية الشعور .
ليس الشخص الذي يتصرف بحسب ال شعوره على سبيل الحصر موجودا إنسانيا ,بل هو آلة .فاإلرادة ملكة عالية .
وينبغي إذن أن تكون قاعدتها شخصية سامية تطهرت من الشوائب .ويتبين أن اإلرادة الواقعية نادرة جدا خالل نهار ...
أو حتى خالل وجود .فثمة كثير من الناس الذين يقضون حياتهم بكاملها دون أن يكونوا قد أنجزوا فعالً إراديا حقيقياً
واحدا ,على الرغم من أنهم رددوا قولهم " أريد " حتى أرهقوا السامعين .وال بد من أن نفكر هنا من جديد بضروب ً
العصاب والعقد والمخاوف والحصر والتعويض .فهذه األمراض تجعل الفرد يتصرف من خالل وجدانية مزيفة كل
التزييف .وال يمضي اإلنسان نحو هدفه إال بجزء صغير من ذاته .وهذا الجزء الذي يقول " أريد " هو الجزء المريض
على الغالب .
لنتأمل أحد السلطويين .انه يقول " أريد " من أجل أن يكون له السيادة على اآلخرين .فلماذا ؟ هل من أجل لذة
السيطرة ؟ ما كان من اجل هذا على اإلطالق ,وإنما حتى يكلِب على وهم القدرة والقوة .أنه إذاً إنما هو الجزء المريض
منه ,إنما هو ضعفه الذي يجبره على اإلرادة .ويتم ذلك بصورة عنيفة في بعض األحيان لقاء بؤس اآلخرين .فهو
ممزق في جميع االتجاهات ومتوتر أبدا .انه يش عر بأن أقل تراخ في إرادته التي هي تشنج سيكون ,بالنسبة إليه ,وقوعا
في ضعفه األساسي .
يضاف إلى هذا أن الصراعات الداخلية تعيق التأليف الذهني الذي هو " الهضم الذهني " لجميع أحداث الحياة .
إن الدماغ " يهضم " بعض الظروف هضما سيئاً ,شأنها في ذلك شأن وجبة " ال تستطيع المعدة هضمها " فتحدث
الوعكة والتخمة .فما هي إذن هذه الوجبات الذهنية التي تهضم هضما سيئا إنها كل ما من محتويات الال شعور يمزق
الفرد :
إذن ,كل االنحرافات النفسانية وجميع الوجدانيات المزيفة .
فبلوغ هذه المكلة العالية يتطلب إذن تقويم هذه الوجدانيات المزيفة .
وتلك إنما هي مهمة علم النفس .
ونتوصل من ذلك إلى ما يلي :
ما هو خاطئ :من يريد ,يقدر .
ما هو حقيقي :من يقدر ,يريد .
ما معنى هذا ؟
10
اإلنسان الذي يتصرف هو اإلنسان الذي يملك القوة الهائلة .فهو يتصرف آليا ألن العمل هو خاصة اإلنسان .فإذا كان ,
ومتحررا من تمزقاته الداخلية ,فإنه يملك اإلرادة .
ً باإلضافة إلى ذلك ,واضحاً
فما عليه قطعا أن يبحث عنها وهو يجمع كل قواه .إن اإلرادة تستجيب إلى ندائه مباشرة ودون صعوبة .والسبب أن
يتفحص عمال حتى يكون لديه إ مكان إنجازه دون جهد .ولئن كانت القاطرة ذات الحالة الجيدة تولد القدرة ,فإن اإلنسان
ذا السير الوظائفي الممتاز ينتج اإلرادة .إ ن تربية اإلرادة تعني بلوغ القوة والتوازن والوضوح .فليست المسألة إذن
مسألة " إرادة " كما تفهم بصورة عامة ,وإنما مسألة قوة معنوية مطلقة ترتكز على عنصر ذهني هادئ وسام .
اإلرادة الزائفة شبيهة بشجرة ضامرة تتجعد جميع جذورها .أما اإلرادة الحقيقية ,فإنها تشبه سندياية فتية ,قوية ,مرنة .
فما ع لينا إذن أن نقول " :أن المسألة إنما هي مسألة إرادة " ,بل " أن المسألة إنما هي مسألة قوة ورجابة فكر . " ....
– 1اإلرادة تربى ,وتربى من جديد وتقوى .
تفترض اإلرادة ,كما يقول بودوان " , Boudoinحزمة متراصة من الميول القوية " .انها تتطلب أن تتجه معا قوانا
المنطلقة في اتجاه واحد .فاإلرادة فاعلية هادئة ,ناجمة عن تحرر اإلنسان من ذاته على وجه الخصوص .انها سيادة
على الذات وهيمنة على العالم الخارجي .فالمسألة إذن هي استبعاد كل ما يعرض " األنا " إلى التوزع .
– 2استبعاد كل يعكر الحيوية .
الحيوية السوية هي شرط اإلرادة الحقيقية األول .فال إمكان لعزف سوناتة لموزارت من غير بيانو أحسنت دوزنته ,وال
إمكان لإلرادة السامية من غير جسم متناغم .إن أطروحة د .جيلبر روبان G Robinذائعة الصيت " :ال وجود
للكسالى ,وال يوجد سوى المرضى .وليس من كسول غير اآلباء والمربين واألطباء الذين ال يبحثون عن أسباب صور
النقص التي يعبرون عن أنفسهم على وجودها " .ذلك أمر مفهوم ...فالبحث ينصب على إصالح عيوب اإلرادة ( الكسل
والبطء والتردد واالندفاع ,الخ ) حتى قبل الكشف عن السبب العميق لهذه العيوب .
– 3استبعاد كل ما يعكر الحياة النفسية .
المسألة هي أكثر اتساعا كذلك ,فالمقصود هو ,كما قلت ,أن ينمي اإلنسان طاقته الذهنية إلى أقصى حد وأن يجمعها .
وعندئذ تتجلى إرادة عظيمة ,عقلية وهادئة .أن يجد المرء طاقته المتوازنة يعني أن يتحرر من الكوابح الالشعورية التي
تجزئ شخصيته ,وأن يتخلص من الحم م الداخلية التي تحنق وضوحه ومن الطبيعي أن يكون ذلك شديد الصعوبة ,
ي تعذر عليه عمليا أن يحققه لوحده .وال بد ,من الناحية العملية ,أن يستنجد بالعلوم النفسية الخاصة باألعماق .
مثال ذلك :كبت أو عقدة يعيقان عمل اإلرادة الواقعية .فأغلب القرارات تتخذ بسبب هذه التبلرات الالشعورية التي يجهل
الفرد وجودها .فكل ما يالحظه إنما هو أنه ال ينجز سوى أعمال فاشلة تتفجر بين يديه ,ويقضي حياته برمتها وهو يمر
بجانب الباب المفتوح حتى يصطدم بحائطه الخاص ...وإذا حاول الفرد أن يرى ,هو ذاته ,انحرافاته النفسية ,فإنه ال
يقدر على ذلك اال عبر هذه االنحرافات ذاتها .وتلك لبديهية .ويصح المثال على الجزء األكبر من العاهات النفسية التي
تمزق شخصيتنا وتزيفها .
وإلى جانب العون القوي الذي يقدمه علم نفس األعماق ,ما هي الوسائل التي تتصف بأنها مباشرة جدا ؟ يمكن أن نشاطر
ماسون أورسيل Missin – ourselاالعتقاد بأن " اإلنسان ال يولد إراديا ,بل يصير إراديا بالممارسة " .ونتوصل
إلى ضرب من المفارقة :لكي نبلغ اإلرادة الواقعية ,ال بد من أن نقوم بجهود متتالية موجهة توجيها جيدا .
وليست هذه الجهود هي اإلرادة ,وإ نما تتيح أن نبلغها بالتدريب وذلك شبيه براقص يتوصل إلى اليسر التام والسعادة
بفضل سلسلة من الجهود نحو هدف .وهذه الجهود ليست هي الرقص ,ولكنها تؤدي إليه في نهاية المطاف .
والمقصود إذن أن نواجه درجات .وال بد لإلنسان من أن :
– 1يعرف حالته الجسمية والنفسية .
– 2يحسب حسابها باستمرار .
– 3يتمرن انطالقا من هذا ,على أفعال تدريب بحسب امكاناته ,يكررها ما أمكن له ذلك .
ويمكن أن يساعد اإليحاء الذاتي المحكم الصنع إلى حد كبير .انني اذكر بأن قوام اإليحاء إيداع فكرة في ذهننا .وتدفع
هذه الفكرة ,وقد أصبحت ال شعورية ,من أودعت في ذهنه إلى أن يحقق بعض األعمال بصورة آلية .
وتودع التربية فينا أفكارا .وتصبح هذه األفكار ال شعورية على الغالب ,وتجبرنا على التصرف .فالمقصود إذن ـ ،أن
ن كشف عن هذه األفكار الالشعورية بهدف فحصها .هل هي أفكار جيدة أم سئية ؟ يضاف إلى هذا أن ممارسة اإليحاء
11
الذاتي تتيح أن نضع في أنفسنا أفكارا أخرى ,نحن منشأها ,أفكار تولد أعماال أكثر اتساعا بالصفة الشخصية والصفة
الشعورية .
أن يتعلم المرء كيف ينتبه أمر هام .فبدال من أن يشتت ذهنه ,عليه أن يتعلم " أن يثبت ذهنه " على عمل من األعمال .
إ ن التوزع الذهني هذا نصيب كثير من الناس .فعلى الدماغ أن يكون بمقدوره الثبات على األمر الذي يراد تحقيقه دون
أن يستسلم إلى الشرود .والمقصود إذن تركيز واع .ولكن حذار .
ومن المؤكد أن تمارين التركيز ال ينبغي إطالقا أن تصل إلى حد اإلنهاك أو الفكر الثابتة ,وال ينبغي أن تصل إلى حد
المبالغة وال أن تكون طويلة األمد .و ال بد من أن تفصل بين هذه التدريبات فترات من الراحة هي " عطلة الذهن " .
ثمة كثير من تمارين التركيز التي ال يمكن أن يقوم بها المرء لوحده .
أن يكون المرء واعيا بذاته .ذلك ما ينبغي أن يكون نتيجة تحليل نفساني في األعماق يجعل األحداث الراكدة في
الالشعور ترجع إلى الشعور .وعلى هذا النحو يكشف علم النفس عن االنحرافات الداخلية التي تحبس الشخصية وتعيق
اإلرادة .
ولكن ثمة كثيرا من األمور األخرى التي تعكر الشعور بالذات .
ولننظر حولنا ...ما أكثر ما يوجد من العرات ! عرات لغوية وعرات حركية وعرات إيمائية ! قد تكون التمارين ,في
هذا المجال أيضا ,مفيدة بصورة مدهشة .فكل هذه العرات ال شعورية على الغالب .وتفلح التمارين في استبعادها عن
طريق جعلها شعورية .
أن يتدرب اإلنسان على أن يشعر بأنه هو ذاته في جميع تعبيرات جسمه أمر ذو أهمية رئيسية .فمن المفيد أن يشرع
باإلحساس بحركاته .
وليس المقصود أن يسيطر عليها وإنما يكون واعيا بها .فكم حركة آلية نقوم بها خالل نهار ؟ اننا نقوم بمئات الحركات
أو باآلالف :فتح باب ,تزرير سترة ,إشعال لفافة من التبغ ,هز الرأس بالموافقة أو الرفض ,تناول قلم ,نفض رماد
لفافة من التبغ ,فتح نافذة ,الخ .الخ .
قوام التمرين الرائع أن يدرك اإلنسان هذه المئات من اآلليات إدراكا تاما .إن عليه أن يتدرب على أن يحس أنه يفعل هذا
بابا بكل ذراعه ويده ,أن يحس إلى الحد األقصى بأنه يتناول شيئا ,أن يحس إحساسا واعيا أو ذاك ,أن يحس بأنه يفتح ً
بأنه ينفض رماد لفافة التبغ ,أن يحس بأنه يؤدي هذه الحركة أو تلك في المكان ,الخ .
وليس في مقدوري أن أقدم غير خطوط عامة .فالتدريب الذي يمضي بعيدا يتطلب اتجاها .ولكن أي نتيجة لذلك ,
لنحاول على أي حال .فإذا تكلمت مع شخص ,ليكن إدراكك عميقا بأنك تهز رأسك ,ولتحس بايماءات وجهك وبتقطيب
ح اجبيك ,وبعرات فمك ,وبهزات كتفيك .وأشعر بأنك تكز على فكيك ,وأدرك أنك تحرك ذراعك هذه الحركة أو تلك ,
وأنك تشبك ساقيك ,الخ .حاول أن تحس بكل هذا احساسا تاما ...
هل المقصود أن يسيطر اإلنسان " إراديا " على حركاته وعراته وعاداته المستهجنة ؟ كال ,البتة .بل المقصود أن يشعر
بها أحسن ما يمكن .فإذا تم ذلك كله على خير وجه الحظنا ما يلي :تبدأ سيادة الذات في أن تحل بصورة آلية .وتفيد
بعض صور الضعف ,.كالخجل على سبيل المثال ,في احتياز الشعور بالحسم فائدة كبيرة .فليس الجسم هو الذي يوجه
الشخص ,وإنما هو الشخص الذي يأمر الجسم .
وتنجم السيادة على االندفاعات بصورة سريعة على بعض التمرينات .نحن نعلم بأن االندفاعي ليس إراديا على
اإلطالق ,مع أنه يكشف عن مظهر خارجي بأنه خارجي ذو إرادة .انه يتصرف تصرف اإلنسان اآللي ,ويصرف
طاقته هدرا .فاحتيازه الشعور بذاته مفيد بالنسبة إليه .ان عليه أن يتعلم اإلحساس بحركاته :العرات " التي يؤديها
بذراعه ورأسه وجسمه .انه إن شعر بما يصيبه من " الحدة " أثناء المناقشات ,أدرك أن المسألة هي ,على
الغالب ,مسألة رغبة في أن يكون على وصواب وأن يسيطر على الخصم ,وأدرك إذن أن هذا السلوك نتاج الشعور
بالدونية ,الخ .
السيادة على األوضاع .يمتد " الشعور بالحركات " إلى أي وضع آخر .ويفلح الفرد في أن يسلك سلوكا
متوازنا ,هادئا ,مرنا .وتجدر اإلشارة إلى أن الشخص ال يقهر نفسه بهذا التدريب .وأن عليه أن يكز على أسنانه حتى "
يبدو " هادئا ,بل ,على العكس ,يصبح الهدوء بالنسبة ا ليه آلية يسر .ويدفعه تدريبه ,إذا واجه عداوة ,إلى أن يستجيب
12
استجابة ناجمة عن تأمل ,دون نقمة ال طائل تحتها ودون غضب ,انه يؤول إلى بلغمي حقيقي ,ال إلى بلغمي متشنج .
ويصبح الموقف يسيرا والكالم حصيفا واضحا ...
وليس ذلك سوى نظرة عامة .وثمة تقنيات أخرى ,مثل اليوغا .ويكشف كل فرد حالة خاصة .وإذا رغب أحد الناس
في اكتساب اإلرادة الحقيقية دون أن تكون لديه الدعامة الجسمية والنفسية ,فإن المسألة هي ,قبل كل شيء ,إيجاد هذه
الدعامة .وذلك أمر بديهي .ومضمون هذا القول أن على العصابي أن يتخلص أوال من عصابه .لن يستطيع أن يفعل
ذلك لوحده ,وسيرى نفسه ملزما بطلب العون من العلوم النفسية المتخصصة .
13
– 3الوضعات الجسمية ( أزاناس ) :تلك هي أوضاع الجسم الخاصة .انها تستخدم أساسا للتأمل كذلك .
– 4التنفس ( براناياما ) :انه أحد أهم دروس اليوغا الذي أخذ الغرب يدرسه دراسة علمية .
– 5االعتكاف ( برايتيا هارا ) :ينبغي أال تصدر الحواس باالضطراب .فاإلنسان يبتعد عن االحساسات الخارجية
الوهمية .
– 6التركيز ( داهارانا ) :يتوصل الفكر إلى أن يركز على أمر دون أدنى جهد .وقد يكون هدف التركيز شيئا من
األشياء أو جزءا من أجزاء الجسم أو المطلق .
– 7التأمل ( ديانا ) :التأمل يعقب التركيز .فيتمثل الشيء الذي يركز عليه اإلنسان ,إذ ينفذ على هذا النحو إلى ما هيته
العميقة .
– 8االتحاد ( سامادهي ) :انه االندماج الكلي في الشيء الذي يتأمله اإلنسان .انه اتحاد النفس الفردية بالمطلق .
ب – االسترخاء .
أن يستطيع اإلنسان في الحياة العادية أن يشعر باالرتياح عندما يريد أمر هام وممتع .وال غنى عن االرتياح في اليوغا .
فنمط الحياة الراهنة تجعل اإلنسان عرضة لتوتر دائم في عضالته .ويحتفظ كثير من األشخاص ,حتى أثناء
النوم ,بنصف التوتر العضلي مستهلكين على هذا النحو كمية كبيرة من طاقتهم . ..فهم ينامون ,ولكنهم ال يرتاحون بما
فيه الكفاية .وحسب المرء أن يالحظ غالبية الناس في الحياة الجارية .ا نهم في حالة من التوتر والدفاع دائما ,ويلبثون "
في حال من التهيؤ " ضد الهجمات المتخيلة ,ضد اإلخفاقات الممكنة ,ضد اآلخرين ,الخ .ومن البدهي أن يكون هذا
التوتر الدائم عالمة ضعف وخوف .
ا ن الهدف من تعلم االسترخاء هو إعطاء العضالت توترا سويا يتناسب مع العمل الذي ينبغي على اإلنسان أن يقوم به ,
هو إتاحة ارتياح تام أثناء النوم يفسح المجال لراحة كاملة تجدد القوى .ويهدئ تعلم االرتياح جملة اإلنسان العصبية
14
ويؤدي إلى السيادة على الذات ووعيها .ويبدد االسترخاء ما ينجم عن العمل من التعب ,وتطول مدته أو تقصر بحسب
النتيجة المنشودة .
ويتتح كذلك ممارسة االسترخاء ممارسة جيدة انخفاض حساسية األلم ,وانتظام التنفس ,وتباطؤ نبضات القلب ,وتوقف
حركات العضالت اإلرادية ,وضعف المنعكس الرضفي أو زواله .ويختفي كذلك جزء كبير من الفاعلية النفسية .يضاف
إلى هذا أن االسترخاء الوقائي مفيد على الغالب .وعلى هذا النحو ,يمكن لإلنسان أن يقف موقف الالمباالة إزاء
االنفعاالت ا لتي قد تطرأ إزاء األشخاص الذين يضمرون له العداوة ,الخ .
ثمة عدد معين من تقنيات االسترخاء .وتتم ممارسة اليوغا :
-فرش سجادة على األرض ,أو غطاء ,أو فراش قاس .
-االستلقاء على الظهر وترك الرأس ملقى على قفاه .
-استرخاء العضالت تدريجيا إلى الحد األقصى .والمقصود أن "يترك اإلنسان نفسه على عفويتها " .وذلك هو األمر
األصعب الذي يتطلب وجود معلم .فالطريقة شبيهة بعض الشيء باإليحاء الذاتي ,مع احتياز الشعور بالجسم احتيازا
يتعاظم تدريجيا .وال بد لإلنسان ,وهو يركز تفكيره على جسمه ,من أن يحقق استرخاء جلدة رأسه وجبهته وجفنيه
ومنخريه وفكيه وأصابعه وذراعيه وساقية ,الخ .
تعلم االسترخاء سهل أو عسير تبعا للفروق بين األشخاص .فالطفل ,على وجه العموم ,يسترخي سريعا وبطريقة
تامة .أما في الحاالت األخرى ,فإن المعلم يلفت االنتباه إلى حالة التوتر العضلي إلى أن يشعر بأنه شبيه بـ " كتلة "
تميل إلى أن تغوص في األرض ,ذهنه معلق ,وتفكيره ال يرتبط بشيء على اإلطالق ,ودماغه ال تخطر فيه أية صورة
...والراحة تامة .فال يشعر الفرد المسترخي انه هو ذاته .
أنه في حالة من الراحة المطلقة تعّو ض فيها احتياطات الطاقة ما فقدته بفعل العضوية .
إ ن االسترخاء ,بصورة عامة ,يبدأ بسلسلة الوضعات الجسمية وينتهي بها .
15
اجلس وكن هادئا .تنفس تنفسا بطيئا وعميقا .وال بد للحركة من أن تتم بانسجام ودون أي استعجال مهما كان ضعيفا .
احبس أنفاسك مدة ثانيتين أو ثالث .ثم ازفر عن طريق األنف كليا زفيرا بطيئا ,على وجه اإلطالق .
كرر هذه العملية عدة مرات متتالية مركزا فكرك على المسار الذي يمر فيه الهواء في أثناء الشهيق :المنخرين و مؤخر
األنف ,الحلقوم ,الرغام وانخفاض الحجاب الحاجز ,تمدد القفص الصدري ,ثم على المسار العكسي الذي ينجزه الهواء
في الزفير .
والمقصود هنا شعور أولي بالنفس يعطي ,مع ذلك ,مظهرا من مظاهر أهميته .
أوال :
أجلس براحة ,ويفضل أن تكون على األرض .وليكن عمودك الفقري ونقرتك في امتداد واحد .ركز انتباهك على
عملية التنفس التي تقوم بها واطرد من ذهنك أي فكرة أخرى .
ليكن شهيقك بطيئا ,عميقا ,وأنت تعد الثواني ذهنيا .ابدأ بأن يكون الشهيق لمدة ثانيتين ,واحبس أنفاسك خالل أربعة
أضعاف هذه المدة ,أي 8ثوان .ليكن زفيرك عميقا ,دون تقطع ,ولمدة تعادل ضعفي مدة الشهيق ,أي 4ثوان .
حدد مدة هذا التمرين وأنت تكرره مرتين أو ثالثا .يرتكز اإليقاع األكثر شيوعا على مدة الشهيق .وأحبس أنفاسك مدة
تعادل أربعة أضعاف هذه المدة .وليدم الزفير ضعفي مدة الشهيق .
زفير انحباس النفس شهيق
4ثوان 8ثوان ثانيتان
6ثوان 12ثانية 3ثوان
8ثوان 16ثانية 4ثوان
وال بد لك دائما من أن تبلغ :
أ – الحد األقصى من البطء .
ب – الحد األقصى من التركيز .
ثانيا :
يتم الشهيق والزفير بـ منخر واحد .اجلس وضع إصبعيك ,الوسطى والسبابة ,بين حاجبيك ,واستخدم األبهم والبنصر
لسد النمخر اآلخر .ثم ركز انتباهك .وعلى العموم ,يطلب المعلم أن تكون العينان مغلقتين .
اعتمد إيقاعا تنفسيا ,وليكن على سبيل المثال :
3ثوان من الشهيق .
12ثانية من انحباس النفس .
6ثوان من الزفير .
سد المنخر األيمن باإلبهام ( انني أفترض أن الوسطى والسبابة من اليد اليمنى هما الموضوعتان بين الحاجبين ) استنشق
على مهل مدة ثالث ثوان ( بالمنخر األيسر طبعا ) مركزا انتباهك على مسار الهواء .سد المنخر األيسر بالبنصر بعد أن
يتم الشهيق ,احتجز الهواء مدة اثنتي عشرة ثانية .ثم حرر المنخر األيمن .
ثم قم بالزفير عن طريق المنخر األيمن مدة ست ثوان .ر
استأنف اللعبة على أن تبدأ بالمنخر األيمن ,ويكون زفيرك بالمنخر األيسر .
تعّو د هذه الممارسات األساسية على عملية تنفس بطيء وتعّز ز تخلص الحويصالت الرئوية من ثنياتها تدريجيا .
أكثر اإليقاعات التنفسية شيوعا وضعفا هو . 3-12-6ان ثالث ثوان هي ,من جهة أخرى ,ضرورية ليتم استنشاق
الهواء بعمق .وليس في انحباس النفس اثنتي عشرة ثانية أي شيء من المبالغة .
ثم تزداد مدة التمرينات التنفسية .وإليكم ,فيما يلي ,عملية التنفس المسماة بـ " الوسطى " ,على أّال يمارسها اإلنسان دون
تدريب :
شهيق 16 " :ثانية
احتجاز الهواء 64 :ثانية
زفير 32 :ثانية
للتمرينات التنفسية مفعول مقو عجيب على العضوية ,تحدث تغييرات كبيرة على وجه السرعة ,وتعزز الفاعلية الفكرية
بصورة تكاد ال تصدق .ولكنها ينبغي أن تخضع إلى رأي طبي .
16
ثمة ممارسات كثيرة أخرى من عملية التنفس لها أهداف خاصة جسمية أو نفسية .وهي مرتبطة بوصفات جسمية خاصة
دائما .
إ ن تنفسنا مرتبط إذن بالغالبية العظمى من وظائفنا الجسمية ارتباطا تختلف شدته .وهو يقدم إلى عضويتنا األوكسجين
والطاقة اللذين يحتاج إليهما ,وينظم توازننا المزاجي ,ويكافح االضطرابات العصبية واالنفعالية والوظيفية ...
والعضوية .ويؤثر التنفس المراق ب على الحياة النفسية ,ويمنح القوة والتوازن السرور .انه ذو تأثير على دوران الدم ,
وإيقاع القلب ,والهضم ,والكليتين ,واالستقالب .
ويستبعد التشنجات العضلية والقلق واالكتئاب وسرعة الهيجان .وال بد بالطبع من تدريب طويل إلى حد كبير تحت
ا شراف ذي كفاية .ويمكننا القول إن الشرقيين كانوا على صواب عندما عزوا إلى التنفس صفات " عجيبة " .
والخالصة ...تربي اليوغا على الفهم العالي وتساعد في الحياة اليومية مساعدة قوية .إن بإمكانها أن تحسن ,من الناحية
الجسمية ,شخصا في عدة شهور .ولنعلم ,مرة أخرى كذلك ,أن جميع التمرينات ,أيا كانت ,ينبغي أن يمارسها اإلنسان
وهو في أقصى حدود التركيز إلى إنجاز شعوري ,إلى التخلص من آلياتهم ومن أغاللهم وانفعاالتهم الضارة .ان اليوغا
تساعد عل معرفة الذات وعلى اكتشاف كل ما يوجد خارج أنا اإلنسان الصغيرة ...
17