011 Chapter - 11

You might also like

Download as doc, pdf, or txt
Download as doc, pdf, or txt
You are on page 1of 17

‫الفصل الحادي عشر‬

‫اإلرادة واليوغا‬

‫أوال ‪ :‬اإلرادة‬
‫يبدو تعريف اإلرادة يسير للوهلة األولى ‪ .‬فإذا كنت مدعوا إلى احدى السهرات ‪ ,‬طرحت على نفسي السؤال التالي ‪ :‬هل‬
‫أذهب أم ال أذهب ‪ .‬ثم أوازن بين الحسنات والسيئات ‪,‬فأقرر " اإليجاب " أو " السلب " ‪ .‬هذا القرار يكون الفعل اإلرادي‬
‫‪.‬‬
‫ثمة عامالن أديا إلى القرار اإلرادي ‪:‬‬
‫أ – الظروف الخارجية التي هي الدعوة هنا ‪.‬‬
‫ب – الظروف الداخلية ‪,‬كالمزاج وحالة التعب والحالة النفسية وأسلوب النظر إلى األمور والحاجة إلى التسلية والخوف‬
‫من الناس ‪ ,‬الخ ‪ .‬هاكم مثاال آخر ‪ :‬إذا كان علي أن أذهب إلى طبيب األسنان ‪ ,‬فإن طريقتي في الفعل اإلرادي تختلف‬
‫بحسب ما إذا كنت متألما أم ال ‪ ,‬ما إذا كنت خائفا أم غير خائف ‪ ,‬ما إذا كنت عصبيا أم غير عصبي ‪,‬الخ ‪.‬‬
‫يتبين لنا اآلن أن الفعل اإلرادي منوط بميولنا ونزعاتنا وأمزجتنا وأهوائنا الخ ‪ .‬انه ألمر مفهوم أننا " نريد " ‪ .‬ولكن‬
‫ثمة ‪,‬على الدوام ‪ ,‬شيء فينا يؤثر على قرارنا ‪ ...‬دون أن يسألنا رأينا ‪ ,‬األمر الذي يرجع ضروب الغرور اإلنساني‬
‫بدرجة محسوسة إلى أكثر الحدود اعتداال ‪.‬‬
‫يضاف إلى هذا أن ثمة كثيرا من األسباب في العدد الكبير من األفعال اإلرادية النجرؤ على االعتراف بها ‪,‬وكثيرا من‬
‫روح المنافسة والرغبة في تجاوز اآلخرين أو التسلط عليهم ‪ ,‬وكثيرا من الحاجات إلى االنتصار وإلى أن يقدم اإلنسان‬
‫الدليل لنفسه انه " قوي " وأن يبرهن أنه قادر على القمع وأنه يتصف بالطبع القوي ‪.‬‬
‫فهل هناك إرادات حقيقية وإ رادات زائفة ؟ وهل هناك نسخة أصلية وصور كاريكاتورية لها ؟ نعم ‪ .‬وهذا إنما هو‬
‫ماسأتناوله بالبحث ‪.‬‬

‫أ – كيف يتصور الناس اإلرادة ؟‬


‫أن يكون المرء إرادياً ‪ ,‬في رأي الكثيرين ‪ ,‬يعني أن يجمع قواه ‪ ,‬ويكز على فكيه ‪ ,‬ويقطب حاجبيه ‪,‬ويندفع في العوائق ‪.‬‬
‫ولكن ‪ ,‬ال شيء أكثر خطأ من هذا التصور ‪.‬‬
‫أو أنهم ينظرون إلى اإلرادة عبر سلسلة من الشعارات التي يحسبونها صحيحة بصورة نهائية ‪ .‬فما هي هذه الشعارات ؟‬
‫‪ -‬اإلرادة ؟ انها القدرة عل القول عل الرغم من جميع العوائق ‪.‬‬
‫‪ -‬عندما أريد ‪ .‬فال شيء يقف في سبيلي ‪.‬‬
‫‪ -‬من يريد يقدر ‪.‬وذلك إنما هو الشعار الرئيسي الذي يوج هه البعض إلى المرضى النفسيين دون أن يعلموا ماذا يقولون ‪.‬‬
‫ولقد كانت عاقبة هذا الشعار كثيرا من الضرر ‪.‬‬
‫‪ -‬عندما أقرر ‪ ,‬فقراري نهائي الرجعة فيه ‪ .‬إن أفضل األسباب ال تجعلني أغير رأيي ‪.‬‬
‫‪ -‬اإلرادة ؟ انها التغلب على العوائق ‪.‬‬
‫‪ -‬اإلرادة ؟ انها التمسك باألفكار بحزم ال يتزعزع ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا قلت ال ‪ ,‬فال ‪.‬‬
‫‪ -‬ال بد لإلنسان من أن يريد بصورة عنيفة ‪...‬‬
‫الخ ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫ولكن هذه السلوكات كلها هي تجليات دنيا لإلرادة ‪ .‬ا ن الشبه بينها وبين اإلرادة الحقيقية بعيد بقدر الشبه بين رصيعة من‬
‫التوتياء وسبيكة من الذهب ‪.‬‬

‫ب – متى يتصرف اإلنسان تصرفا إراديا أو ال إرادي ؟‬


‫‪ – 1‬التصرف اإلرادي إنما هو التصرف ألسباب يعيها اإلنسان ‪:‬‬

‫‪1‬‬
‫يبدو طبيعيا ‪ ,‬إذا قلت " أريد " ‪ ,‬أن أعلم األسباب على األقل ‪,‬أن أعلم بحد أقصى من الوعي لماذا اختار أو اقرر هذا‬
‫األمر أو ذاك ‪ .‬فالمفروض كحد أدنى أن يستطيع اإلنسان وعندما يقول " أريد " ‪,‬ان يحصي األسباب التي من أجلها يريد‬
‫إحصاء واعيا ‪ .‬ولكننا يمكن أن نشهد في سبع حاالت من عشر الحوار التالي ‪:‬‬
‫‪ -‬انني أريد هذا األمر ‪.‬‬
‫‪ -‬لماذا ؟‬
‫‪ -‬لأنني أريده وكفى ‪.‬‬
‫يزعم هؤالء األشخاص أنهم يتصرفون تصرفا إرادياً ‪,‬في حين أن الفعل اإلرادي يقتضي أن يستطيع اإلنسان بيان‬
‫األسباب الشعورية ‪ .‬فنحن إذن ‪ ,‬هنا ‪,‬أمام آلية ال شعورية ال أمام إرادة ‪.‬‬
‫ولنضرب مثاالً على إنسان تدفعه الغريزة إلى اتخاذ قرار ‪ ,‬أو تدفعه الحاجة إلى أن يبدو على حق أو إلى السيطرة ‪,‬‬
‫إراديا على الرغم من أن مظهره يدل على ذلك ‪ ,‬كال ‪ ,‬البتة ‪ .‬انه يتصرف تصرفا ال‬ ‫ً‬ ‫الخ ‪ .‬فهل يتصرف تصرفا‬
‫شعوريا ‪ .‬يضاف إلى هذا أنه ال يخطر في بال أحد أن الغضب إرادي أو أن االنفعالي أراد لنفسه الوجل ‪....‬‬
‫‪ – 2‬التصرف الالإرادي إنما هو التصرف الذي تدفع إليه أشياء مخيفة ال شعورية ‪:‬‬
‫وعلى هذا النحو إنما يقول الماليين من األشخاص " أريد " ‪ ...‬في حين أن عملهم يبقى ال إراديا حتى ولو اعتقدوا‬
‫العكس ‪ .‬فما السبب في ذلك ؟السبب هو أن ال شعورهم ( في الدوافع والعقد ‪,‬على سبيل المثال ) أقوى من شعورهم ‪.‬‬
‫هؤالء األشخاص ال يريدون شيئا ‪ .‬إن‬
‫لاشعورهم هو الذي يدفعهم إلى أن يريدوا ‪.‬‬
‫إليكم مثاال على ذلك ‪ :‬هاكم إنسانا اتخذ قرارا خطيرا منذ بضع سن ين ‪ .‬لقد أقسم أنه " يريد أن يصبح محاميا شهيرا " ‪.‬‬
‫فشرع يدرس كثيرا ‪ ,‬ويبذل جهودا جبارة ‪ ,‬ويعمل إلى درجة اإلنهاك ‪ ,‬ويتغلب على هذا اإلنهاك ‪ .‬لقد انشد نحو الهدف‬
‫دون أن يهتم بأي شيء آخر مهما كان ‪.‬‬
‫ولنفرض اآلن بأن هذا الرجل مصاب بشعور قوي بالدونية ‪ .‬وبما أنه يشعر بالدونية ‪,‬فإنه يعاني بصورة ال شعورية من‬
‫الحاجة إلى يصبح متفوقا ‪ .‬فهل قام وهو في هذه الحالة بأفعال إرادية ‪ ,‬أقصد هل قام بأفعال أرادها بصورة شعورية ؟‬
‫قلما فعل هذا ‪ ,‬انه ليس هو الذي قرر أن يصبح محاميا شهيرا ‪ ,‬وإنما شعوره بالدونية هو الذي وجهه إلى البحث عن‬
‫التفوق ‪.‬ولكنه من المرجح أن يجهل ذلك ‪ ...‬فهو مقتنع بأنه قام بماليين األعمال اإلرادية ‪ .‬والحقيقة أنه اذغن إلى ضغوط‬
‫داخلية ‪.‬‬
‫قد تكون عاقبة هذه اإلرادة الزائفة رائعة جدا من الناحية الفردية أو االجتماعية ‪ .‬وهي ليست ‪ ,‬على أي األحوال ‪,‬نتاج‬
‫إرادة حقيقية ‪.‬‬
‫ففي كل فعل إرادي ‪ ,‬ثمة إذن مزيج من الشعور والال شعور دائما ‪.‬‬
‫ويترتب على ذلك ‪:‬‬
‫‪ – 1‬تتعاظم اإلرادة بتعاظم األسباب الشعورية ‪ .‬وعندئذ يعرف الشخص ماذا يريد ولماذا ‪ .‬إذن ‪,‬فالمعرفة العميقة بالذات‬
‫أمر ال غنى عنه ‪.‬‬
‫‪ – 2‬تتضاءل اإلرادة عندما تزداد الدوافع الالشعورية ‪ .‬ولنشر أيضا إلى أن باستطاعة كثير من األشخاص أن‬
‫يقدموا ‪,‬على هذا النحو ‪ ,‬األدلة الخارجية على إرادة قوية ‪ ...‬في حين أنه ال وجود لشيء منها ‪.‬‬
‫اإلرادة التي تطابق العقل – تقوم أحدى صفات الموجود اإلنساني على التنبؤ بنتائج بعض األفعال ‪ .‬انه يعلم ‪ ,‬على سبيل‬
‫المثال ‪,‬أن تعاطي الكحول تعاطياً ال يتصف باالعتدال سيسبب له األلم عاجال أو آجال ‪.‬‬
‫فمن الممكن بالنسبة إليه ‪ ,‬وهو عالم بذلك ‪ ,‬أن يوازن بين صحته الحالية وبين المرض المقبل ‪.‬وخالصة القول ‪ ,‬أن‬
‫اإلنسان الجدير بهذا االسم قادر على أن يوضح نتيجة أفعاله وأن يعقلها وبحللها ‪.‬‬
‫إ نني أكرر بأن أسبابنا الشعورية تمتزج بقوى داخلية غامضة ‪ ,‬كغرائزنا ودوافعنا وانفعاليتنا ومزاجنا وحاجاتنا ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫فإذا كانت اإلرادة منوطة بأسباب شعورية ‪ ,‬فإنها تكون خاضعة إلى معرفتنا بذواتنا وباألشياء الخارجية ‪.‬‬
‫ولـنأخذ حالة التدخين ولنطرح على بعض األشخاص سؤاال ال يمكن أن يكون ثمة سؤال أكثر ابتذاال منه ‪ .‬لماذا قررت‬
‫أال تدخن إطالقا ؟‬
‫وستكون اإلجابات التالية التي نحصل عليها سطحية كل السطحية ‪ ,‬وال تكشف عن إرادة حقيقية على اإلطالق ‪.‬‬
‫‪ -‬ألن ذلك مضر بالصحة ‪.‬ويرجع في الحقيقة أنه ال يعرف شيئا ‪ .‬فهو يردد ما قيل له ‪.‬‬
‫‪ -‬ألن ذلك يكلف كثيرا من المال ‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -‬ألن التدخين عادة حمقاء إلى حد بعيد في الحقيقية ‪ .‬فإذا سئل لماذا ‪ .‬فإنه سيكون ‪,‬دون شك ‪,‬عاجزا عن الذهاب بعيدا‬
‫في التحليل ‪.‬‬
‫‪ -‬ألنني أريد أن امتحن إرادتي ‪ .‬فهو ‪ ,‬إذن ‪,‬غير واثق من أن لديه إرادة ‪.‬‬
‫‪ -‬إذا قلت ال ‪ ,‬فذلك أمر انتهى ‪.‬فنحن ‪ ,‬إذن ‪ ,‬بصدد عناد ال بصدد إرادة ‪ ...‬حتى ولو كانت نتيجة قراره هامة ‪.‬‬
‫‪ -‬ألن زوجتي ال تريد أن أدخن مطلقا ‪ .‬وربما كانت هي اإلجابة األوضح ‪...‬‬
‫لنفرض اآلن أن طبيباً قد قرر أال يدخن قطعا ‪ .‬لماذا ؟ ألنه مطلع إطالعا جيدا ويستطيع أن يحلل مفعول التبغ تحليال‬
‫عميقا ‪ .‬انه يوازن بين صحته الحالية وبين أخطار المرض ‪ .‬فلدى هذا الطبيب إذن من األسباب الشعورية أكثر مما لدى‬
‫اآلخرين ‪ .‬ويمكن القول أن له إرادة أكثر مما لآلخرين ‪.‬‬
‫نفسيا هو الذي يتخذ القرار ‪ .‬يعرف هذا المحلل النفسي نفسه إلى حد بعيد ‪ .‬لقد نجح في تحليل‬ ‫ً‬ ‫ولنفرض كذلك أن محلالً‬
‫ال شعوره تحليالً دقيقاً ‪ .‬أنه إذن قادر على أن يكشف عن أسباب إرادته ‪ .‬أن لديه كثرة غير محدودة من العناصر التي‬
‫تتيح له أن يقرر بوضوح وعن خبرة ‪ .‬فإرادته ستكون ‪ ,‬بالطبع ‪ ,‬أكثر سعة ووضوحا ‪...‬‬
‫اإلرادة األخالقية – إنها اإلرادة التي توجهنا نحو الخير ‪ .‬ان كل إنسان لديه انطباع بأن من األفضل له أن يتبع عقله من‬
‫أن يستسلم إلى نزعاته الغريزية ‪ ,‬فاإلنسان األكثر وعياً بين الناس يحتفظ بنزعات وغرائز ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫فلكي يكون اإلنسان ذا إرادة كاملة ‪,‬عليه أن يكون فكرا محضاً ‪.‬‬
‫ثمة اتجاه في علم النفس الحديث إلى أال تعد أصيلة من اإلرادات إال تلك التي تبحث عن الخير واألفضل ‪ .‬فليس في بحث‬
‫اإلنسان عن لذته ومتعته ورفاهيته أي إشراك لإلرادة ‪.‬‬
‫إرادة القوة – هذه الصورة من اإلرادة تدفع اإلنسان إلى السيطرة على الناس اآلخرين ‪,‬على وجه العموم ‪.‬إنها ميل إلى‬
‫أن يصبح اإلنسان أكثر قوة دون أن يبالي بالوسائل التي يستخدمها ‪ .‬فهذه اإلرادة ‪ ,‬إرادة القوة ‪ ,‬ضارة إذن ‪ .‬إنها غير‬
‫سوية ‪ ,‬دعامتها الشعور بالدونية والعجز ‪ ,‬دعامتها حاجة اإلنسان إلى أن يفعل أفضل مما يفعله اآلخرون وإلى أن يكون‬
‫أكثر شهرة وقوة ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫المربون العصابيون الذين يسيطرون بسلطوية هم على هذه الحال ‪ .‬إنهم يفرضون " إرادتهم " ‪ ...‬وهم مقتنعون بأنهم‬
‫يتصرفون " لخير " الطفل ‪ .‬وقد كانت ألمانيا الهتلرية ‪,‬من الناحية االجتماعية مثال على هذه اإلرادة ‪,‬إرادة القوة ‪.‬‬
‫ثمة صورة أخرى ‪ ,‬ولكنها صورة أسمى منزلة عندما يريد الفرد أن يزداد قدره أكثر فأكثر وأن يحصل على السيادة على‬
‫ذاته وأن يحقق أعماال رائعة ‪ ,‬الخ ‪ .‬فهل هذه اإلرادة كاملة ‪ ,‬كال ‪ ,‬بالتأكيد ‪ .‬إن األنانية دعامتها ‪ .‬فاإلنسان يبحث عن‬
‫خيره ‪,‬ويحقق عمله ‪,‬ويتجه نحو قيمته هو ‪.‬‬
‫مثال ذلك ‪ :‬يفرغ فنان جهده في عمله ‪ .‬انه ينجزه بإرادة " عاتية " ‪ .‬فهل هي اإلرادة الواقعية ؟كال ‪ .‬ان هذا الرجل‬
‫يحاول أن يحقق ذاته ويبحث عن قوة تخصه ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫وستكون هذه اإلرادة في منزلة أسمى إذا قّد ر أن له رسالة عليه أن ينقلها إلى اآلخرين ‪ .‬وعندئذ ‪,‬فهو يتجه نحو خير‬
‫اآلخرين إلى حد ما ‪.‬‬
‫إرادة القوة ‪ ,‬اإلرادة الخسيسة ‪ ,‬كبيرة االنتشار ‪ .‬فالسواد األعظم من الناس ملك يمينها ‪,‬وبصورة خاصة في طراز‬
‫مجتمعاتنا التي تسودها الرغبة في التنافس والحاجة إلى تجاوز اآلخرين والسيطرة ‪ ,‬الخ ‪ .‬اننا نكون أمام عصاب‬
‫وضعف أو عجز على الغالب ‪ ,‬بدال من اإلرادة ‪.‬‬
‫التصور الكالسيكي في اإلرادة – ينقسم الفعل اإلرادي ‪,‬من الناحية الكالسيكية ‪,‬إلى أربع مراحل ‪:‬‬
‫‪ – 1‬التصور ‪ :‬يخطر الفعل الذي يقصد تنفيذه إلى الذهن ‪ .‬مثال ذلك أنني أتصور أنني مدعو إلى حفلة رقص ‪.‬‬
‫‪ – 2‬المناقشة ‪ :‬يفحص اإلنسان في أثناء المناقشة األسباب اإليجابية والسلبية ‪ :‬هل أذهب إلى الحفل الراقص لهذا السبب‬
‫؟ أم هل امتنع عن الذهاب لذلك السبب اآلخر ؟‬
‫‪ – 3‬القرار ‪ :‬انه الحكم الذي ينهي المناقشة ‪ ,‬فيقبل اإلنسان أو يرفض ‪.‬‬
‫‪ – 4‬التنفيذ ‪ :‬انه يعقب القرار بسرعة على وجه التقريب ‪.‬‬
‫ان مرحلة القرار ‪ ,‬من بين هذه المراحل األربع ‪,‬هي التي يمكن أن تكون الفعل اإلرادي ‪.‬‬
‫ا نه ألمر رائع من الناحية النظرية ‪ ...‬ولكن ماذا يحدث في الحياة العادية ؟ لقد كتب شارل بلوندل بهذا الشأن ‪:‬‬
‫" انه يشتهي حقا أن يضع إعالنا في الصحف يدعو فيه أولئك الذين اختاروا مهنتهم أو قرروا سفر بهذا الشكل ‪ ,‬أن‬
‫يتفضلوا بالتعريف عن أنفسهم " ‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫والواقع أن كثيرا من المناقشات قد تتم عبر ركام داخلي ‪,‬عبر مجموعة عجيبة من الدوافع الالشعورية ‪,‬عبر الغرائز‬
‫واألمزجة والمخاوف وضروب الحصر والعقد والعصبية ‪ ,‬الخ ‪ ...‬فالقرار النهائي منوط قبل كل شيء بالحالة التي‬
‫نستقبل بها الفكرة استقباال داخليا ‪ .‬فإذا تلقى أحد الخجولين الكبار دعوة ‪,‬كانت استجابته األولى صدمة انفعالية ‪ ,‬فكيف‬
‫يمكن أن يقرر " بصورة إرادية " ؟ إن حالة الخجل السائدة لديه لهي التي تدفعه ‪ ,‬على حد كبير ‪ ,‬على اتخاذ‬
‫قراره ‪,‬سواء قال نعم أم ال ‪ .‬إذن ‪,‬فهل يقرر بصورة إرادية ؟‬
‫يضاف إلى هذا أن العمل اإلرادي ال ينتهي إ ال في المرحلة الرابعة ‪ ,‬مرحلة التنفيذ ‪ .‬فتقرير أمر من األمور ال يعني‬
‫تنفيذه ‪.‬ويتدخل بين القرار والتنفيذ ‪ ,‬على الغالب ‪,‬ضروب من التردد والشك واالجترار ‪...‬‬
‫تثير مناقشات جديدة وقرارات جديدة ‪ .‬وقد يحدث في أغلب األحيان أن يتخذ الشخص قرارا ‪ ,‬ولكنه ال ينتقل إلى التنفيذ‬
‫أبدا ‪ .‬وتلك إنما هي الحالة العادية ‪ ,‬حالة المدخنين الذي ن " يقررون " تغيير سلوكهم وحالة المدمنين على الكحول ‪ .‬وذلك‬
‫أيضا إنما هو واقع كثير من المرضى النفسيين ‪ ,‬كالمصابين بالوهن النفسي على سبيل المثال ‪ .‬انهم " يريدون " أن‬
‫يفعلوا كثيرا من األمور ويقررون أنهم سينجز ون " غدا " هذا األمر أو ذاك ومع ذلك ‪ ,‬فإنهم ال ينتقلون إلى التنفيذ ‪ .‬لقد‬
‫توقف العمل اإلرادي أثناء الطريق ‪ .‬وهذا يعني أنه لم يحدث ‪.‬‬
‫وأخيرا ‪ ,‬هل ثمة وجود لإلرادة ؟ ‪ -‬لنفرض أننا في الشارع وأننا نلتقي بعجوز يجر عربة ثقيلة الحمل ‪ .‬ولن يبقى أي مار‬
‫سوي ال مباليا عندما يراه ‪ .‬فذلك أمر ممتنع ‪ .‬ويتجلى لدى رؤية هذا العجوز البائس عدد كبير من العواطف ‪ .‬ولنفرض‬
‫أنها تخطر على الشكل التالي علما بأن الواقع أكثر تعقيدا إلى حد كبير ‪.‬‬
‫‪ -‬العاطفة األولى ‪ :‬الشفقة ‪ .‬فالمشاهد يستجيب قائال ‪ " :‬يا له من بائس ! في سنه يحدث له هذا ! حتى وال حيوان‬
‫يساعده ! الخ ‪. " ...‬‬
‫‪ -‬العاطفة الثانية ‪ " :‬أريد أن أساعده ‪ .‬لماذا ؟ ألن هذا إنما هو واجبي ‪,‬لأن هذا إنما هو أمر طبيعي ‪ ,‬ألنني ال أحتمل هذا‬
‫المشهد ‪ ,‬لأنني أضع نفسي مكانه ‪,‬الخ ‪, ...‬الخ ‪. "..‬‬
‫‪ -‬العاطفة الثالثة ‪ :‬الخجل ‪ ,‬الخوف من رأي اآلخرين في ذلك ‪ ,‬الخشية من أن يبدو اإلنسان مضحكا ‪ ,‬الخ ‪...‬‬
‫وأخيرا ‪ ,‬أما أن ‪:‬‬
‫‪ – 1‬يُكره المشاهد نفسه ‪ ,‬ويعبر الشارع ‪ ,‬ويساعد العجوز ‪ .‬فيسر من ذلك أو يفخر به ‪ .‬لقد أنجز عمال صالحا وسجل‬
‫نصرا على نفسه " ‪.‬‬
‫وإما أن ‪:‬‬
‫‪ – 2‬يبدل المشاهد اتجاهه ويهرب أخالقيا ‪ .‬انه ال يتحرك ‪ .‬فيشعر بأنه مستاء ‪,‬خجل من نفسه ومن " جبنه " ‪ ,‬جبن‬
‫منشأه الخوف أو الخجل أو الغباء ‪ ,‬على الغالب ‪.‬‬
‫ونستخلص إذن أن الشخص األول كان إراديا والثاني " جبانا " ‪ .‬فهل هذا صحيح ؟ من الواضح أن ضروب التردد‬
‫والقرارات قد أثيرت بفعل الحاالت الداخلية ‪,‬كالشعور بالدونية والخجل ووجهة النظر في األمور والحس األخالقي‬
‫والشفقة والتضامن ‪ ,‬الخ ‪..‬‬
‫والحقيقة أن بإ مكان المرء أن يزعم أن اإلرادة ليست ذات صلة بكل ذلك ‪.‬ولكن األمر ال يتعدى أن يكون مجموعة من‬
‫المنعكسات المعقدة يتراكب بعضها فوق البعض اآلخر ‪ .‬وتنطلق هذه المنعكسات على الرغم منا وتتحرك فينا دون أن‬
‫يكون لنا يد فيها ‪ .,‬فأي منعكس هو المنتصر ؟ انه المنعكس األقوى بكل بساطة ‪ .‬وسيكون هذا ‪ ,‬بالتالي ‪ ,‬هو النفي‬
‫المطلق لإلرادة كما يفهمها الناس عادة ‪.‬‬
‫هاهو اآلن مشاهد آخر يالحظ العجوز ‪ .‬انه يعبر الشارع ويدفع العربة دون أن يعاني صراعا داخليا أو يتردد ‪ ,‬ودون‬
‫دافع انفعالي أو خجل أو تباه ‪ .‬انه لم يبذل أي جهد في تقرير عمله ‪ .‬لقد تقرر العمل في نفسه بصورة تلقائية ‪ ,‬وقام به‬
‫ببساطة وطبيعية كاملتين ‪.‬‬
‫ومن المؤكد أن هذا الرجل يتصف بيسر نفسي أكثر مما يتصف به اآلخرون ‪ .‬فهل كان من الواجب عليه أن يحرك‬
‫إرادته ؟ كال ‪,‬لأ نه لم يلجأ إلى المحاكمة قبل كل شيء ‪ .‬عندئذ ‪ ...‬هل استسلم ‪,‬هو أيضا ‪ ,‬إلى منعكسات أكثر كماالً من‬
‫منعكسات اآلخرين ؟‬
‫إذن ‪ ,‬ما هي اإلرادة التي أكب عليها الفالسفة وعلماء النفس طوال قرون دون أن يصلوا إلى تعريفها أبدا ؟هل هي‬
‫موجودة أم أن الناس يحسبون الوهم واقعا؟ من المؤكد أن اإلنسان يقول ‪ " :‬أريد " ‪ .‬ولكن أال يقول ذلك بغية التعبير عن‬
‫منعكسات أصبحت شعورية ‪,‬وما هو دورنا في هذه الحالة ؟ إن دورنا ينحصر في رؤية منعكساتنا بوضوح وفي القدرة‬

‫‪4‬‬
‫على القول ‪ " :‬لقد أردت وقررت هذا " ‪ .‬ما هي المنعكسات التي دفعتني إلى ذلك ؟ ما هو منشأها ولماذا ؟ ما هي‬
‫الحركة الداخلية الالإرادية التي ولدت عمال أعتقد أنه إرادي ؟ " ‪.‬‬
‫ونقع من جديد ‪ ,‬مرة أخرى كذلك ‪ ,‬على المعرفة التي يجب أن نمتلكها عن أنفسنا ‪...‬‬

‫ح – هل تفترض اإلرادة جهدا أو تشنجا أو توترا ؟‬


‫تفترض اإلرادة جهدا وتوترا وتشنجاً بالنسبة إلى الحس المشترك ويعتقد الناس بصورة عامة أن اإلرادة ينبغي أن تتوتر‬
‫بفعل جهد ‪ .‬ويعتقدون بأن اإلرادة دون جهد ال وجود لها ‪ .‬ولكننا سنرى أن اإلرادة التي تتطلب جهدا ليست إرادة رفيعة‬
‫المنزلة ‪.‬‬
‫إليكم مثال طالبين ‪:‬‬
‫األول ‪ :‬موهوب جدا وقوي من الناحية الذهنية ‪ .‬يتمتع بحيوية جيدة وليس ملزما بأن يقوم بجهد ‪ .‬يتغلب على المشكالت‬
‫ويركز ذهنه بسهولة ‪ .‬يفهم مباشرة دون أدنى جهد ويفرغ من دراسته بيسر ودون تعب مفرط ‪.‬‬
‫الثاني ‪ :‬قليل الذكاء وضعيف من الناحية الذهنية ‪ .‬يتصف بحيوية ضعيفة ويتقدم بصعوبة ‪ .‬إن عليه أن يبذل جهودا‬
‫كبيرة ‪ ,‬وال يفلح في تركيز ذهنه ‪ .‬ا نه يستمر على الرغم من كل شيء وهو يتشنج ‪ ,‬و " يجهد إرادته كلها " ‪ ,‬ويصل‬
‫تدريجياً إلى نهاية المسألة وينجح ‪.‬‬
‫فمن من الطالبين يتمتع باإلرادة الواقعية ؟ هل هو الطالب األول أم الثاني ؟‬
‫إ نه الطالب الثاني من وجهة نظر الحس المشترك ‪ .‬والسبب في ذلك هو أنه يبذل جهودا ويستمر رغم كل شيء ‪ .‬ولماذا‬
‫يستمر ؟ هذا هو ما ينبغي معرفته بالدرجة األولى ‪ .‬ربما كان سبب استمراره الرغبة في التنافس ‪ ,‬أو الخوف من أن‬
‫يكون أدنى من اآلخرين ‪ ,‬أو الخشية من احتقار اآلخرين ‪ ,‬أو الرغبة في أن ينهي دراساته بصورة مشرفة كيما ال تكون‬
‫تضحيات األبوين عديمة الجدوى ‪ ,‬أو الخوف من األبوين ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫وبما أنه يبذل جهودا جبارة للتغلب على الصعوبات ‪ ,‬فإن الناس يعجبون به ‪ ,‬األمر الذي يعد طبيعيا إذا كانت بواعثه‬
‫نبيلة وحسه األخالقي رفيع المستوى ‪ .‬ولكن ذلك ال يبرهن إطالقا أننا بصدد إرادة واقعية ‪ .‬وحتى ولو كان الحس‬
‫األخالقي رفيع المستوى إلى درجة كبيرة ‪ ,‬فإننا إزاء إرادة دنيا تدين بوجودها إلى نقص في القدرة وإلى التشنج ‪.‬‬
‫وماذا عن الطالب األول ؟ إ نه يبلغ هدفه دون جهد وينعم بقدرة تمنحه اليسر الطبيعي ‪ .‬انه يحتفظ بطاقته سليمة كما يحتفظ‬
‫بانسجام أ ناه ‪ .‬فاإلرادة هي فعل مطابق للعقل الواعي ولالنسجام ‪ .‬فكونه ليس عليه أن يبذل جهدا ‪ ,‬أمر يبرهن على كمال‬
‫عمله ‪ .‬انه لهو الذي ينعم باإلرادة الواقعية ألن اإلرادة كمال وقدرة ‪ .‬أنها تتطلب إذن شروطا كاملة لكي تتجلى ‪.‬‬

‫هاكم مثال آخر ‪ :‬أحد الكتاب ‪.‬‬


‫أوال ‪:‬‬
‫انه يكتب دون جهد ‪ ,‬بقوة ‪ ,‬باسما ‪ ,‬دون أي تشنج ‪ .‬انه يعمل بسرعة وانتظام ‪ ,‬دون تردد وال تعب ‪ ,‬و يعرف هدفه‬
‫معرفة واضحة ‪ ,‬ويمضي نحوه بكل ذكائه وبكل حيويته ‪.‬‬

‫وبعد انقضاء بعض الوقت ‪:‬‬


‫ثانيا ‪:‬‬
‫يصبح تعبا بالتدريج ‪ .‬ويستمر في الكتابة ‪ ,‬ويمضي نحو إنهاك يزداد شيئا فشيئا ‪ .‬فيبدأ يتشنج و " يضيع خيط أفكاره " ‪.‬‬
‫انه يتوتر ويستمر كذلك مسيطرة على تعبه ‪ " ,‬قاهرا " جسده ‪ .‬ويفكر مليا ويركب رأسه ‪.‬ويصارع صراعا شاقا لكي‬
‫يبلغ نهاية عمله ( لسبب من األسباب ) ‪.‬‬
‫متى يتمتع هذا الكاتب باإلرادة الواقعية ؟ ا نه يتمتع باإلرادة الواقعية في المرحلة األولى ‪ .‬فكون اإلرادة ذات المرتبة‬
‫الرفيعة فعال واعيا يطابق العقل ‪ ,‬فهي إنما تكون عندئذ طافحة بالحيوية واليسر والوضوح ‪.‬ان الكاتب يتصرف تصرفا‬
‫إراديا بسجيته ‪.‬‬
‫متى يفقد إرادته الواقعية ؟ ومتى تصبح هذه اإلرادة إرادة دنيا ؟ انه في المرحلة الثانية إنما يستنجد باإلرادة الدنيا ‪.‬‬
‫فطاقته تتناقص ‪...‬‬

‫‪5‬‬
‫وإرادته تسلك الدرب نفسه ‪ .‬انه يتشنج ويركب رأسه ‪,‬ويمضي نحو هدفه وقد تالشت أناه بفعل التعب ‪ .‬انه عندئذ إنما‬
‫يكون مضطرا إلى أن يستنجد بـ " كل إرادته " ‪ ..‬األمر الذي يبرهن على أنها تعوزه فيسقط في صورة دنيا من صور‬
‫اإلرادة ‪.‬‬
‫يسود االعتقاد إذن ‪ ,‬في االستعمال الشائع ‪ ,‬أن اإلرادة تعني الجهد ‪,‬وأنها ال تتدخل إال عند وجوب االنتصار والغلبة‬
‫وا لسيطرة والفوز بالسلطة على اآلخر ‪ ,‬الخ ‪ .‬واالعتقاد السائد هو أن اإلرادة ليست مخصصة إال للتغلب على الصعوبات‬
‫‪.‬‬
‫ترتكز هذه اآلراء على مالحظات جزئية أو مشوهة ‪ .‬فإذا كان عليك أن تبذل جهدا ‪,‬فذلك إنما هو دليل على وجود نقص‬
‫فيك ‪ .‬وإذا كان عليك أن تبذل جهدا جبارا لترفع خمسين كيلو غراما ‪ ,‬فهذا إنما يعني أنك لم تبلغ درجة الكمال في هذا‬
‫المجال ‪ .‬أما إذا كنت ‪ ,‬على العكس ‪ ,‬ترفع هذا الثقل بيسر ‪,‬فهذا إنما يعني أنك تتمتع بقوة تتالءم مع عملك ‪.‬‬
‫ومن البدهي أن يكون الجهد عنوان اإلرادة ‪ .‬ولكن المقصود ‪ ,‬وأكرر قول ذلك مرة أخرى ‪,‬صورة قاصرة من صور‬
‫اإلرادة ‪ .‬فاإلرادة ذات المنزلة الرفيعة ترتكز على التوازن والقدرة ‪ :‬وهذا إنما هو السبب الذي من أجله ال تستلزم جهدا ‪.‬‬
‫إنما ينبغي على المرء أن يبذل " جهودا إرادية " عندما تصبح اإلرادة ناقصة ‪.‬ومن المؤكد أن ذلك قد يبّدل من التقاليد‬
‫الشائعة حول الموضوع بعض التبديل ‪ ,‬ولكنني عاجز عن أفعل شيئا بهذا الصدد ‪ .‬فذلك هو القانون البيولوجي ‪...‬‬
‫والمنطقي بكل بساطة ‪,‬ال سيما وأن الواقع أجمل من الوهم إلى حد بعيد ‪ .‬أليس اإلنسان الواضح ‪ ,‬الواعي ‪ ,‬أكثر تحققا‬
‫من اإلنسان الذي يخضع إلى إنهاكه أو ال شعوره كليا على وجه التقريب ‪ ,‬حتى ولو بذل جهودا تبدو أنها إرادية ؟‬
‫ما هي الشروط اإلرادة الكاملة ؟ يدل بذل الجهد اإلرادي على ضعف في اإلرادة ‪ .‬إن اإلرادة الكاملة تتطلب أن يمضي‬
‫اإلنسان بكليته نحو هدفه ‪ ,‬بح سه السوي وعقله وذكائه ‪ .‬فإذا وجدت ميول متناقضة لدينا ‪ ,‬فإننا لن نمضي نحو الهدف إال‬
‫بجزء من أنفسنا ‪ .. .‬وسنبتعد عنه ‪ .‬إن الميول المتناقضة تفصل وحدة شخصيتنا وتجزئ إرادتنا ‪ .‬وعندئذ تكون لنا‬
‫إ رادات جزئية ‪,‬متشنجة ‪,‬تعارض الواحدة منها األخرى ‪ ...‬نتيجة نحو دريئات ال نراها أال بصورة جزئية ‪...‬‬
‫تلك أم ‪ ,‬على سبيل المثال ‪ ,‬تتفانى في سبيل أطفالها وتنهك نفسها في العمل ‪ .‬انها تبذل جهودا مضنية حتى تفرغ من‬
‫عملها ‪ .‬فهل تتمتع باإلرادة الحقيقية ؟كال ‪ .‬تلك هي ارادات مجزأة ‪ ,‬متشنجة ‪ ,‬منشأها اإلنهاك ‪ .‬ومهما كانت روعة‬
‫العمل األخالقي لهذه األم ‪ ,‬فإن قوام إرادتها الحقيقي ة هو أن تجدد ما يكفي من قواها حتى ال يكون عليها أن تبذل جهدا ‪...‬‬
‫ينبغي أن تكون اإلرادة كاألناقة ‪ :‬ال مرئية ‪.‬‬
‫بأي شيء يذكرك مفهوم " اإلرادة " ؟‬
‫يخطر بالبال ‪:‬‬
‫‪ – 1‬التشبث ‪ :‬يصمم اإلنسان على النجاح ويستخدم بعض الوسائل ‪.‬ولكن ‪ ,‬ثمة خلط وعلى الغالب ‪ ,‬بين التشبث الذي‬
‫هو قدرة متوازنة وبن العناد الذي هو عجز وضعف ‪.‬‬
‫‪ – 2‬السيادة على الذات ‪ :‬ا نها استعداد اإلنسان للسيطرة على عواطفه وغرائزه ‪ ,‬الخ ‪ .‬ومن الواجب أن نعرف كذلك‬
‫فيما إذا كان األمر أمر سيادة حقيقية أو كاذبة ‪.‬‬
‫‪ – 3‬روح التصميم ‪ :‬ينبغي أن تتصف هذه الروح بالسرعة من غير مغاالة في التردد وال اجترارات ذهنية ‪ .‬وال بد‬
‫كذلك من أن تكون روح التصميم أصيلة ‪ ,‬ويظهر االندفاعي ‪ ,‬على سبيل المثال ‪,‬انه يكشف عن قرارات فائقة السرعة ‪.‬‬
‫ومع ذلك ‪ ,‬فهو غير ذي إرادة ‪.‬‬
‫‪ – 4‬روح المبادءة ‪ :‬وذلك هو االستعداد للشروع في عمل جديد ‪.‬‬
‫تتطلب جميع هذه الصفات إذن بعض الشروط ‪.‬فما هي الشروط ؟ ولكي يفهم ذلك فهما أفضل و اقترح أن نرى الحركة‬
‫المعاكسة وأن نفحص معوقات اإلرادة ‪.‬‬
‫تقريبا ‪ .‬ويرجع‬
‫ً‬ ‫المثل السائر " من يريد ‪ ,‬يقدر " معروف إذن ‪ .‬والسواد األعظم من الناس مقتنعون بحقيقة هذا التأكيد‬
‫السبب في ذلك إلى أنه لم يسبق لهم أن كان في متناولهم تأكيد آخر ‪ .‬فهم قلما تحققوا من صحته إال عبر تجارب سطحية‬
‫مبهمة جدا ‪.‬‬
‫وقد يحدث ‪,‬مع ذلك ‪ ,‬أن يقع هؤالء األشخاص مرضى على نحو ما ‪ .‬وثمة صعوبات عددية تتجلى ‪ ,‬وفي األمراض‬
‫النفسانية على و جه الخصوص ‪ .‬فتبدأ الظروف العادية جدا تتطلب جهودا بطولية ‪.‬وتلك إذن إنما هي اللحظة التي يستنجد‬
‫فيها المرء بالمثل السائر " من يريد ‪ ,‬يقدر " وضعه موضع التطبيق ‪.‬‬
‫ولنتأمل هنا شخص أصيب بالوهن العصبي فجأة ‪ .‬فمرضه يلزمه بأن يشك ‪ ,‬ويجتر ذهنيا ‪ ,‬ويتردد ترددا يرافقه‬
‫الحصر ‪ ,‬ويمتنع عن الإقدام والتصرف ‪ .‬ا نه يفكر عندئذ ‪ " :‬لو أردت لقدرت " ‪ .‬وذلك إنما هو ‪ ,‬على األقل ‪ " ,‬ما قيل‬

‫‪6‬‬
‫لي دائما " ‪ .‬وما كان أصدقاؤه ‪,‬من جهة أخرى ‪ ,‬يمتنعون عن أن يرددوا ذلك على مسامعه ‪ .‬وها هو ذا ‪ ,‬بالتالي ‪,‬‬
‫ينطلق والمثل مستقر في رأسه ‪ .‬فيردده لنفسه طوال نهاره ‪.‬ماذا يحدث ‪ ,‬ال يستجيب الشعار قطعا ‪...‬‬
‫وعبثا يقول الشخص لنفسه مخلصا ‪ " :‬أريد ‪ ,‬إذن أقدر " ‪ .‬فاألمور تسوء ‪ .‬انه يكّدس الجهود ‪ ,‬ويتشنج ‪,‬ويبحث يائسا‬
‫عن أن " يتغلب " على نفسه مستخدما " إرادته " ‪ .‬كل ذلك ال يعطي أي نتيجة ايجابية ‪ ,‬اللهم إال إنهاكا يتفاقم بالتدرج ‪.‬‬
‫وعندئذ يتساءل المريض ‪,‬وقد أصابه القلق ‪,‬فيما إذا لم يكن المثل السائر دعابة لطيفة من اختراع أناس ينعمون بالصحة ‪.‬‬
‫وهو بهذا إنما يمس الحقيقية بأصعبه ‪.‬‬
‫يالحظ المريض أمرا مفاده أنه كان قادرا على الفعل اإلرادي كأي إنسانا آخر عندما كان متمتعاً بالصحة ‪.‬وها هو اآلن قد‬
‫أصبح عاجزا عن الفعل اإلرادي ‪ .‬أليست هذه اإلرادة إذن مجرد معلول ‪,‬وأنها تتطلب شروطا دقيقة لكي تظهر ؟‬

‫د – شروط اإلرادة ‪.‬‬


‫اإلرادة خاضعة إلى قوانين شأنها في ذلك شان كل تجل إنساني ‪.‬‬
‫انني سأتناول بالبحث إذن ما يعيق تجلي اإلرادة أو يلغيها ‪.‬‬
‫وسنرى على هذا النحو أن ثمة عددا كبيرا من اإلرادات الكاذبة التي لها جميع مظاهر اإلرادة الحقيقية ‪ .‬أال يظهر البغل‬
‫الذي تسمرت قوائمه بمظهر صاحب إرادة ألنه يقول " ال " بعناد ال يتزعزع ؟ أال يتصرف كثير من الناس تصرفا‬
‫مماثال على الرغم من أنهم يعتقدون مخلصين أنهم " اراديون جدا " ؟‪.‬‬
‫ولنرى ذلك بصورة جدولين تعقبهما شروح ‪.‬‬

‫ما يفسح المجال لإلرادة ‪.‬‬ ‫ما يعيق اإلرادة‬


‫التوازن بين االندفاعية والكف ‪.‬‬ ‫اإلفراط في االندفاعية واإلفراط في الكف ‪.‬‬

‫الحيوية ‪ ,‬الطاقة الحقيقية ‪.‬التوازن والسيادة على‬ ‫نقص الطاقة والطاقات الكاذبة كالتعب ‪,‬والهياج ‪,‬‬
‫الذات‬ ‫والعصبية ‪,‬واالنفعالية ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫االهتمام الوجداني ‪.‬‬ ‫الالمباالة المرضية ‪.‬‬

‫‪ – 1‬اإلفراط في االندفاعية ‪.‬‬


‫ما هو االندفاع ؟ انه قوة ال ت قاوم تدفع الشخص إلى القيام بفعل دون أن يعقله ‪ .‬فاالندفاعي انفجاري على الغالب ‪ .‬انه‬
‫يهاجم ويعجز عن كبح جماحه وتوجيه حياته على نحو متوازن ‪ .‬فرغباته األولية ‪ ,‬وآلياته الالشعورية ‪ ,‬ووجدانيته التي‬
‫اختل انتظامها ‪ ,‬هي التي تقوده ‪.‬وهو يتصرف على الغالب ‪ ,‬بطريقة " تتسم باالحتداد " ‪ .‬فإذا كان رئيسا ‪,‬كانت أوامره‬
‫كثيرة تتصف بالخشونة وتمتزج باالحتقار ‪.‬ويعد نفسه ‪ ,‬طبعا ‪,‬بمثابة رئيس " قائد الناس " و " إرادي " ‪ .‬انه ال يتردد‬
‫أبدا ‪ ,‬يمضي قادما باستمرار وال يسلم بأن ثمة امكانا ألن يخدع إال في الحاالت التي يرغب فيها أن يظهر بمظهر‬
‫الكمال ‪ .‬فاإلرادي يبدو إذن على أنه " يريد " ‪ .‬والواقع انه عاجز عن السيطرة على أعماله ‪ ,‬وحظه من اإلرادة أقل من‬
‫حظ الضعيف ‪ .‬انه شبيه بالهائج الذي يظهر بمظهر الحيوي دون أن يكون كذلك على اإلطالق ‪...‬‬
‫ينطلق االندفاعي إذن في عمل يتصف بالمبالغة فهو ال ينفك يجري ‪ .‬ويظهر على انه متخم باإلرادة والقدرة الذهنية ‪.‬‬
‫ولكنه يعلم جيدا في قرارة نفسه ‪,‬هذا إذا كان يجرؤ على الغوص فيها ‪ ,‬أنه عاجز عن اإلرادة الحقيقية ‪ .‬وهو يخفي عجزه‬
‫وقلقه وانفعاليته تحت روح التصميم الكاذبة لديه ‪.‬‬
‫االندفاعي مدمن عمل ‪ .‬فهو يندفع بخط مستقيم كليا ‪ ,‬فظاً على الغالب ‪,‬عاجزا عن أن يرجع ادراجه لكي يغير طريقه عند‬
‫االقتضاء ‪ ...‬إنه ليس شخصا إراديا ‪ :‬إنه آللة ‪.‬‬
‫ثمة نوع آخر من االندفاعي الزمني ‪ .‬فرد فعله الخارجي غير مباشر ‪ .‬انه يجتر ‪ .‬وتتكدس الحوادث في نفسه كالذخيرة‬
‫الخطرة ‪.‬‬
‫وأخيرا ‪ ,‬تتضخم هذه الظروف تضخما ال حدود له ‪ ,‬وتأسر انتباهه ‪.‬‬
‫ويرتفع ضغطه الداخلي إلى حده األقصى ‪ .‬فيمأل الغيظ نفسه ‪ ,‬ويتحمس ‪ ...‬وينفجر ‪ .‬زد على ذلك أنه يبحث ‪ ,‬هو ذاته ‪,‬‬
‫عن االنفجار في غالب األحيان من أجل أن يخفض انضغاطه النفسي ‪ ,‬فهو يستطيع إذن ‪ ,‬هو أيضا ‪ ,‬أن يعطي انطباع‬

‫‪7‬‬
‫إرادة تنتقل إلى العمل ‪ .‬ولكن ال وجود لشيء من هذا ‪ ...‬ومن اليسير على المرء ألن يالحظه بسهولة ‪ :‬فهو‬
‫يضطرب ‪,‬ويصبح عصبيا ‪,‬مشوشا ‪ ,‬ذا صوت متقطع ‪ .‬انه ليس سيد نفسه ‪ ,‬وال حركاته ‪ ,‬وال كلماته ‪.‬‬
‫فليس ثمة أي إرادة لدى االندفاعيين إذن ‪,‬وإنما إذعان مطلق لقواهم الغريزية والالشعورية ‪ .‬فما قولك بالنسبة لالندفاعيين‬
‫المصابين بالشعور بالدونية الذي يفرز لديهم " إرادة " السيطرة والقوة ! ‪...‬‬
‫‪ – 2‬اإلفراط في الكف ‪.‬‬
‫قوام الكف كبح حركة أو فكرة ‪ .‬فهو يتيح للمرء أن يتمهل في القيام بالعمل الذي عزم على تنفيذه من أجل أن يعقله‬
‫ويسوغه ‪ .‬إ ن الشخص السوي يبقى " على أهبة االستعداد " قبل أن ينتقل إلى العمل اإلرادي ‪.‬ولكن هذا التردد ينبغي أن‬
‫يكون قصيرا ‪.‬‬
‫ال شيء من ذلك في اإلفراط في الكف ‪ .‬فالتوقف يمتد زمنا طويال ‪ .‬ويتردد الشخص فترة طويلة ‪ ,‬ويجتر ‪,‬ويشك ‪,‬‬
‫ويرجع عن قراراته باستمرار ‪ .‬بل وقد يؤدي الكف على إيقاف العمل المنوي تنفيذه إيقافا كليا ‪.‬‬
‫يتهرب المكفوف أمام العمل ألنه عاجز عن أن يتغلب على تخوفه ‪ .‬فليست اإلرادة معدومة ‪ ,‬ولكنها سجينة ‪ .‬و " يرغب‬
‫" احد الخجولين ‪ ,‬على سبيل المثال ‪ .‬أن يدلل على العزم ‪ ,‬ولكنه ال " يستطيع " ألن كوابحه الداخلية أقوى من رغبته‬
‫في الفعل اإلرادي ‪ .‬إ نه شبيه بسيارة تحاول أن تنطلق في حين أن كوابحها مشدودة ‪.‬‬
‫ينتظر المكفوف أن تقرر األحداث له أو أن تفك كوابحه شخصية قوية جدا ‪ .‬ويتجلى هذا العيب ‪ ,‬غالب األحيان ‪ ,‬في‬
‫الخجل واالكتئاب والشعور بالدونية والضعف النفسي والعصاب والعقدة النفسية ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫وعلى العكس ‪ ,‬فإن اإلرادة هي ملكة التصرف تصرفا واعيا ‪ .‬ومن البدهي أن يتطلب التصرف شيئا من االندفاع ‪ .‬ولكننا‬
‫رأينا من برهة قصيرة أن االندفاعي " الصرف " شبيه بدوارة هواء في مهب الريح حتى ولو كان يبدو أنه يتصرف‬
‫بطاقة إرادية ‪ .‬إذن ‪ ,‬فأي عمل يتطلب كذلك كبحاً لهذه االندفاعات ( كف ) ‪ .‬إن أي عمل سوي يقتضي توازنا بين‬
‫االندفاع والكف ‪ .‬فإذا ا نفقد هذا التوازن لسبب من األسباب ‪ ,‬وقع المرء في اإلفراط في الكف أو في االندفاع ‪ ,‬وآل األمر‬
‫به آليا إلى نقص في اإلرادة ‪.‬‬
‫‪ – 3‬نقص الطاقة ‪.‬‬
‫يتبين المرء بوضوح كبير أن أي إنهاك يسبب نقصا في اإلرادة ‪ .‬فال يمكن للشخصية الواهنة أن تظهر إال بإرادة‬
‫ضعيفة ‪.‬‬
‫أعماال عديدة دون أن يتوقف ‪,‬‬
‫ً‬ ‫وما هو الوضع في الهياج ؟ يمكن أن نوازن الهياج باإلفراط في االندفاعية ‪ .‬فالهائج يحقق‬
‫بل ودون أن يستشعر إنهاكه ‪ .‬إ نه يشعرك بأنه يملك كثيرا من الطاقة ‪ ...‬في حين أنه ال يملك شيئا منها على وجه‬
‫التقريب ‪ .‬وبما أن الهائج خاضع إلى جملة عصبية مشوشة ‪ ,‬فإنه يصرف نشاطا كبيرا ‪ ,‬إنه يكشف إذن عن طاقة كاذبة‬
‫تتجلى في إرادة كاذبة ‪ .‬يمكن أن تبدو أفعال الهائج ‪ ,‬كما هو األمر لدى االندفاعي ‪ ,‬إرادية إلى حد األقصى إذا نظر إليها‬
‫نظرة سطحية ‪.‬‬
‫االنفعالية والعصبية ‪ ,‬الخ ‪ ,‬نتيجة من نتائج نقص الطاقة أيضا ‪.‬‬
‫ويفقد العصبيون واالنفعاليون وضوحهم بصورة آلية ‪ ...‬وبالتالي وسائلهم ‪ .‬فهم خاضعون إلى اضطرابات عصبية عديدة‬
‫‪ .‬وتعمل قشرتهم الدماغية عمال وظائفيا سيئا ‪ .‬إنهم معرضون إلى عواصف داخلية حقيقية تتحمل وجدانيتهم تكاليفها ‪.‬‬
‫فإذا اتخذوا قرارا ‪ ,‬فهل يكون قرارا متخذا " بصورة إرادية " ؟ كال ‪ .‬إنها قرارات تسوق إليها االندفاعات الناشئة من‬
‫االنفعالية ‪...‬‬
‫وكذلك يثير اإلنهاك أحيانا معجزات كاذبة من اإلرادة ‪ .‬وأمر هؤالء األشخاص المنهكين الذين يستمرون في بذل الجهد‬
‫على الرغم من كل شيء ‪ ,‬تدفعهم بقوة دوافع داخلية ‪ ,‬معروف ‪ .‬فهم يتجاوزون تعبهم باستمرار‪ ,‬ويؤجلون راحتهم إلى‬
‫وقت آخر ‪ .‬فإذا ما الحظهم المرء ‪ ,‬أعتقد أنه أمام " انتصار اإلرادة " وخيل إليه أن لديهم طاقة ‪.‬إرادة تستحقان اإلعجاب‬
‫‪ .‬إ ن األدب والسينما والحياة اليومية تعج بأمثلة من هذا النوع ‪ .‬لقد ذكرت حالة أم منهكة تضني نفسها بالعمل ‪ ,‬وأشرت‬
‫إلى نتائج رائعة من الناحية األخالقية في بعض األحيان ‪ .‬ولكن ذلك ال يغير شيئا من السؤال التالي ‪ :‬هل ثمة إرادة‬
‫واقعية عندما تتغلب على إنهاكها باستمرار ؟ والجواب ‪ :‬كال ‪ .‬فال وجود للإرادة ‪ ,‬بل هناك تشنج على عمل معين انطالقا‬
‫من فكرة قد تصل إلى حد الوسواس ‪ ,‬وسواس الواجب واإلخالص والعمل وربح المال والنجاح في عمل من اإلعمال‬
‫والخوف من االحتقار ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫وعلى العكس ‪ ,‬فإن قيمة اإلنسان تكمن في حياته وتوازنه قبل كل شيء ‪ .‬إنها تكمن في سيادته على ذاته ‪ .‬فال يتصور‬
‫إنسان إرادي دون أن يكون لديه سيادة تتيح له أن يتفحص المشكالت التي تعرض له تفحصا هادئا واضحا ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ – 4‬نقص االهتمام ‪.‬‬
‫يتطلب كل قرار إنساني قدرا من االهتمام ‪ .‬فالتصميم على عمل يقتضي أن نهتم به على نحو ما ‪ .‬ولكن كثيرا من‬
‫األشخاص ال يبلغون مستوى الشعور باالهتمام بأي شيء مهما كان على الرغم من رغبتهم كلها ‪ .‬ينبغي أن نبحث عن‬
‫أسباب ذلك بعناية ‪ .‬ذلك أن هذا النقص في االهتمام يسبب التراخي والكسل والبطء وعدم إنجاز األفعال ‪ ,‬الخ ‪ .‬واألسباب‬
‫الغالبة له هي ‪ :‬التكوين والوراثة والسير الوظائفي السيء للغدد الصم والوهن الدماغي والعصاب ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫وعلى العكس من ذلك ‪ ,‬فإن االهتمام العميق يخلق الفعل اإلرادي آليا إذا ما أضيف إليه التوازن ‪ .‬فـ " نقص االهتمام "‬
‫هو إذن " مرض إرادي " حقيقي ينبغي أن ينظر إليه وأن يعالج بوصفه كذلك ‪.‬‬
‫ما يفسح المجال لإلرادة‬ ‫ما يعيق اإلرادة‬
‫مرونة الفكر واتساعه ‪ ,‬رحابة‬ ‫التصلب الذهن ‪.‬‬
‫الرؤية ‪ ,‬االسترخاء الذهني ‪.‬‬ ‫المكابرة ‪.‬‬
‫االنسجام بين الشعور واالشعور ‪.‬‬ ‫العناد ‪.‬‬
‫كل ما يوحد الشخصية ويجعلها‬ ‫اآلراء الراسخة ‪.‬‬
‫متوازنة ‪.‬‬ ‫التشنج والعدوانية ‪.‬‬
‫كل ما يجعل التأليف الذهني ممكنا ‪.‬‬ ‫الغباء ‪.‬‬
‫عندما يعمل الال شعورية على أذية الشعور ‪.‬‬
‫كل ما يجزئ الشخصية أو يمزقها ‪.‬‬
‫كل ما يعيق التأليف الذهني ‪.‬‬
‫‪ – 5‬التصلب الذهني ‪.‬‬
‫هذه الفئة تضم األشخاص المتجمدين الراسخين رسوخ الصخر ‪ .‬وليس من النادر أن يوجد التصلب الذهني لدى‬
‫األشخاص المكفوفين ‪.‬‬
‫تلك إذن ‪ ,‬في غالب األحيان ‪ ,‬إنما هي حالة األفراد الخجولين أو الذين أصابهم الشعور بالدونية ‪ .‬فهم يترددون طويال‬
‫قبل أن ينتقلوا إلى العمل ‪ .‬ولكن ما ان يقرروا العمل حتى يثبتوا عليه ويتشبثوا به بقوة شرسة ‪ .‬ويقال بأنهم يتعلقون‬
‫بكال ب األمن ‪ .‬فثمة في قراراتهم إذن حزم يشبه النشاط الذهني ‪ .‬والواقع أن األمر هو أمر ضعف كبير ‪ ...‬فالضعيف لم‬ ‫ّ‬
‫يتحرر من نفسه على اإلطالق ‪ .‬أنه حبيس قرار يتمسك به ‪,‬ألن هذا القرار كلفه الكثير من الطاقة ‪ .‬وهو عاجز عن‬
‫الرجوع عن تصميمه لكي يتوصل إلى تصميم آخر ‪ ...‬األمر الذي يجعله يغوص من جديد في ضروب التردد ذاتها ‪.‬‬
‫فيتمسك إذن بصورة نهائية بما حدده ‪ .‬يضاف إلى هذا أن الضعيف يحتاج إلى قراره الذي ال يتزعزع ‪ .‬فهذا القرار‬
‫يمنحه األمن ما دام يستبعد الشكوك المضنية ‪ .‬وعلى هذا النحو إنما يتمجد في موقف صلب ‪ ...‬ويفخر به على الغالب‬
‫ويصرخ قائال ‪ " :‬أنا ال أرجع عن قراري أبدا أيا كانت األسباب التي يقابلوني بها ‪ . " ...‬فهو يصبح عاجزا عن أن‬
‫يخفف من تصلبه ‪ ,‬ويعد ذلك من اإلرادة ‪ .‬انه يرتكز عندئذ على " مبادئ " كيما يبرر طبعه الصارم تبريرا أفضل ‪.‬‬
‫وتلك حال كثير من السلطويين ‪ .‬فهم يسببون كثيرا من اإلضرار التربوية عندما يحطمون إرادة طفلهم ‪.‬‬
‫‪ – 6‬العناد ‪ ,‬التشنج ‪ ,‬المكابرة ‪ ,‬اآلراء الراسخة ‪.‬‬
‫إ نها عرات شر من التصلب أيضا ‪ .‬فالشخص المتصلب يمكنه أن يفكر ‪ ,‬أن يشرح سوكه حتى بمبادئ باطلة ( ولكنها‬
‫تبدو له منطقية ) ‪.‬‬
‫أما لدى المكابر والعنيد ومن يتشنج على بعض اآلراء ‪ ,‬فال وجود لشيء من هذا ‪ ...‬إنهم ال يفكرون بشيء على اإلطالق‬
‫‪ .‬وعلى الرغم من أنهم يتمسكون بوجهات نظرهم " عبر كل العقبات " ‪ ,‬فليس األمر أمر إرادة قطعيا ‪ .‬انهم ال يعقلون‬
‫سلوكهم أبدا ‪ :‬فهم عاجزون عن ذلك ‪ .‬ا نهم ‪ ,‬مصابون بالكزاز العقلي ‪ .‬فليست المسألة مسألة تبرير قرار بالنسبة إلى فرد‬
‫من هذا النوع ‪ .‬ا نه يصرح ‪ ... " :‬أريد ألنني أريد ‪ ,‬وأقرر ألنني أقرر ‪ .‬وال جدوى من المناقشة " ‪.‬‬
‫وقد يسأله الذين يعاشرونه في بعض األحيان ‪ ... " :‬ولكن لماذا أنت مكابر إلى هذه الدرجة ؟ " فال يجيب بشيء ألنه‬
‫يتعذر عليه أن يتجمد أكثر ويتشنج على مواقفه ويأوي إلى وضع في منتهى السيطرة محاوال أن يسود " بإرادته " كل‬
‫أولئك الذين يشعر بأنهم متفوقون عليه ‪ .‬أما بالنسبة لآلخرين ‪ ,‬فماذا يستطيعون أن يفعلوا إزاء هذا الحائط من االسمنت‬
‫المسلح ‪ ,‬اللهم إال محاولة تجنبه أو التمرد عليه أو الخضوع له بكل ما يفترضه هذا الخضوع من عواقب ‪.‬‬
‫‪ – 7‬مرونة الفكر ‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫يتبين بصورة مباشرة أن مرونة الفكر تتعارض مع كل صور التصلب الذهني ‪,‬وأن اتساع الفكر يمنع ظهور جميع هذه‬
‫السلوكات المتجمدة ‪ .‬فمن الضروري ‪ ,‬بالتالي ‪ ,‬أن نبحث عن أسباب التصلب والعناد ‪ ,‬الخ ‪ .‬وتشنأ هذه العيوب أحيانا‬
‫من الغباء ‪ ...‬ولكنها تنشأ في أغلب األحيان من الشعور بالعجز والدونية واإلحباط ‪ .‬وقد يكون فيها شيء من الجهل ‪:‬‬
‫فمن المنطق إلى حد أن يتصلب شخص على بعض االحساسات التي يحسب أنها هي الحقيقية ‪ .‬ورحابة الرؤية ال غنى‬
‫عنها إلرادة سوية ألنها ‪ ,‬بادئ ذي بدء ‪ ,‬تفسح المجال للمحاكمة الواعية إلى الحد األقصى ‪ ,‬ثم ألنها تجعل اإلنسان يفهم‬
‫بأن هدف جميع الحقائق الجزئية هو إيجاد كل منا أن بإ مكانه أن يكون على صواب ‪ ...‬دون أن يكون اآلخر على خطأ ‪.‬‬
‫‪ – 8‬عندما يعمل الال شعور على أذية الشعور ‪.‬‬
‫ليس الشخص الذي يتصرف بحسب ال شعوره على سبيل الحصر موجودا إنسانيا ‪ ,‬بل هو آلة ‪ .‬فاإلرادة ملكة عالية ‪.‬‬
‫وينبغي إذن أن تكون قاعدتها شخصية سامية تطهرت من الشوائب ‪ .‬ويتبين أن اإلرادة الواقعية نادرة جدا خالل نهار ‪...‬‬
‫أو حتى خالل وجود ‪ .‬فثمة كثير من الناس الذين يقضون حياتهم بكاملها دون أن يكونوا قد أنجزوا فعالً إراديا حقيقياً‬
‫واحدا ‪ ,‬على الرغم من أنهم رددوا قولهم " أريد " حتى أرهقوا السامعين ‪.‬وال بد من أن نفكر هنا من جديد بضروب‬ ‫ً‬
‫العصاب والعقد والمخاوف والحصر والتعويض ‪ .‬فهذه األمراض تجعل الفرد يتصرف من خالل وجدانية مزيفة كل‬
‫التزييف ‪ .‬وال يمضي اإلنسان نحو هدفه إال بجزء صغير من ذاته ‪ .‬وهذا الجزء الذي يقول " أريد " هو الجزء المريض‬
‫على الغالب ‪.‬‬
‫لنتأمل أحد السلطويين ‪ .‬انه يقول " أريد " من أجل أن يكون له السيادة على اآلخرين ‪.‬فلماذا ؟ هل من أجل لذة‬
‫السيطرة ؟ ما كان من اجل هذا على اإلطالق ‪ ,‬وإنما حتى يكلِب على وهم القدرة والقوة ‪ .‬أنه إذاً إنما هو الجزء المريض‬
‫منه ‪ ,‬إنما هو ضعفه الذي يجبره على اإلرادة ‪.‬ويتم ذلك بصورة عنيفة في بعض األحيان لقاء بؤس اآلخرين ‪ .‬فهو‬
‫ممزق في جميع االتجاهات ومتوتر أبدا ‪ .‬انه يش عر بأن أقل تراخ في إرادته التي هي تشنج سيكون ‪ ,‬بالنسبة إليه ‪ ,‬وقوعا‬
‫في ضعفه األساسي ‪.‬‬
‫يضاف إلى هذا أن الصراعات الداخلية تعيق التأليف الذهني الذي هو " الهضم الذهني " لجميع أحداث الحياة ‪.‬‬
‫إن الدماغ " يهضم " بعض الظروف هضما سيئاً ‪ ,‬شأنها في ذلك شأن وجبة " ال تستطيع المعدة هضمها " فتحدث‬
‫الوعكة والتخمة ‪.‬فما هي إذن هذه الوجبات الذهنية التي تهضم هضما سيئا إنها كل ما من محتويات الال شعور يمزق‬
‫الفرد ‪:‬‬
‫إذن ‪,‬كل االنحرافات النفسانية وجميع الوجدانيات المزيفة ‪.‬‬
‫فبلوغ هذه المكلة العالية يتطلب إذن تقويم هذه الوجدانيات المزيفة ‪.‬‬
‫وتلك إنما هي مهمة علم النفس ‪.‬‬
‫ونتوصل من ذلك إلى ما يلي ‪:‬‬
‫ما هو خاطئ ‪ :‬من يريد ‪ ,‬يقدر ‪.‬‬
‫ما هو حقيقي ‪ :‬من يقدر ‪ ,‬يريد ‪.‬‬
‫ما معنى هذا ؟‬

‫هـ – اإلرادة هذه األناقة ‪.‬‬


‫ليست اإلرادة ملكة خاصة ‪ ,‬بل هي ذات عالقة بالعديد من العوامل الجسمية والنفسية ‪ .‬انها تنشأ من مجموعة كبيرة من‬
‫المراكز الدماغية ‪.‬‬
‫وهي تظهر وتختفي وتتبدل بحسب تقلبات شخصيتنا ‪.‬‬
‫نحن نعلم أن ‪:‬‬
‫الطاقة الحقيقية ‪,‬المتوازنة ‪ ,‬الواضحة ‪,‬المتناغمة ‪ ,‬تصنع اإلرادة الحقيقية ‪ ,‬الهادئة ‪ ,‬الالمرئية ‪ ,‬القوية ‪,‬الدائمة ‪ .‬أما‬
‫الطاقة الزائفة ‪ ,‬واندفاع ‪ ,‬االنحرافات النفسية ‪ ,‬فتخلق اإلرادة الزائفة أو نقص اإلرادة ‪.‬‬
‫فهل اإلرادة إذن مسألة صحة ؟ نعم ا نها مسألة صحة قبل كل شيء ‪ .‬ولكن كلمة " صحة " ينبغي أن تؤخذ بمعناها‬
‫األعم ‪ .‬ا نني أكرر بأن اإلرادة تتطلب أن يتجه الحد األقصى من وجودنا نحو الهدف ‪ ,‬وأن يتم ذلك بالحد األدنى من‬
‫جهودا إرادية " من أجل أن نحطم عادات‬ ‫ً‬ ‫الجهد ‪ ,‬وبالتالي ‪ ,‬دون قسر وال تمزق داخلي ‪ .‬فإذا كان علينا أن نبذل "‬
‫قديمة ‪ ,‬فإننا لن نواجه العمل إال بجزء من ذواتنا ‪ .‬وتلك إذن ليست إرادة حقيقية ‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫اإلنسان الذي يتصرف هو اإلنسان الذي يملك القوة الهائلة ‪ .‬فهو يتصرف آليا ألن العمل هو خاصة اإلنسان ‪ .‬فإذا كان ‪,‬‬
‫ومتحررا من تمزقاته الداخلية ‪ ,‬فإنه يملك اإلرادة ‪.‬‬
‫ً‬ ‫باإلضافة إلى ذلك ‪ ,‬واضحاً‬
‫فما عليه قطعا أن يبحث عنها وهو يجمع كل قواه ‪ .‬إن اإلرادة تستجيب إلى ندائه مباشرة ودون صعوبة ‪.‬والسبب أن‬
‫يتفحص عمال حتى يكون لديه إ مكان إنجازه دون جهد ‪ .‬ولئن كانت القاطرة ذات الحالة الجيدة تولد القدرة ‪ ,‬فإن اإلنسان‬
‫ذا السير الوظائفي الممتاز ينتج اإلرادة ‪ .‬إ ن تربية اإلرادة تعني بلوغ القوة والتوازن والوضوح ‪ .‬فليست المسألة إذن‬
‫مسألة " إرادة " كما تفهم بصورة عامة ‪,‬وإنما مسألة قوة معنوية مطلقة ترتكز على عنصر ذهني هادئ وسام ‪.‬‬
‫اإلرادة الزائفة شبيهة بشجرة ضامرة تتجعد جميع جذورها ‪ .‬أما اإلرادة الحقيقية ‪ ,‬فإنها تشبه سندياية فتية ‪,‬قوية ‪,‬مرنة ‪.‬‬
‫فما ع لينا إذن أن نقول ‪ " :‬أن المسألة إنما هي مسألة إرادة " ‪ ,‬بل " أن المسألة إنما هي مسألة قوة ورجابة فكر ‪. " ....‬‬
‫‪ – 1‬اإلرادة تربى ‪ ,‬وتربى من جديد وتقوى ‪.‬‬
‫تفترض اإلرادة ‪,‬كما يقول بودوان ‪ " , Boudoin‬حزمة متراصة من الميول القوية " ‪ .‬انها تتطلب أن تتجه معا قوانا‬
‫المنطلقة في اتجاه واحد ‪ .‬فاإلرادة فاعلية هادئة ‪ ,‬ناجمة عن تحرر اإلنسان من ذاته على وجه الخصوص ‪ .‬انها سيادة‬
‫على الذات وهيمنة على العالم الخارجي ‪ .‬فالمسألة إذن هي استبعاد كل ما يعرض " األنا " إلى التوزع ‪.‬‬
‫‪ – 2‬استبعاد كل يعكر الحيوية ‪.‬‬
‫الحيوية السوية هي شرط اإلرادة الحقيقية األول ‪ .‬فال إمكان لعزف سوناتة لموزارت من غير بيانو أحسنت دوزنته ‪ ,‬وال‬
‫إمكان لإلرادة السامية من غير جسم متناغم ‪ .‬إن أطروحة د ‪ .‬جيلبر روبان ‪ G Robin‬ذائعة الصيت ‪ " :‬ال وجود‬
‫للكسالى ‪ ,‬وال يوجد سوى المرضى ‪.‬وليس من كسول غير اآلباء والمربين واألطباء الذين ال يبحثون عن أسباب صور‬
‫النقص التي يعبرون عن أنفسهم على وجودها " ‪ .‬ذلك أمر مفهوم ‪ ...‬فالبحث ينصب على إصالح عيوب اإلرادة ( الكسل‬
‫والبطء والتردد واالندفاع ‪,‬الخ ) حتى قبل الكشف عن السبب العميق لهذه العيوب ‪.‬‬
‫‪ – 3‬استبعاد كل ما يعكر الحياة النفسية ‪.‬‬
‫المسألة هي أكثر اتساعا كذلك ‪ ,‬فالمقصود هو ‪,‬كما قلت ‪ ,‬أن ينمي اإلنسان طاقته الذهنية إلى أقصى حد وأن يجمعها ‪.‬‬
‫وعندئذ تتجلى إرادة عظيمة ‪,‬عقلية وهادئة ‪ .‬أن يجد المرء طاقته المتوازنة يعني أن يتحرر من الكوابح الالشعورية التي‬
‫تجزئ شخصيته ‪ ,‬وأن يتخلص من الحم م الداخلية التي تحنق وضوحه ومن الطبيعي أن يكون ذلك شديد الصعوبة ‪,‬‬
‫ي تعذر عليه عمليا أن يحققه لوحده ‪.‬وال بد ‪,‬من الناحية العملية ‪ ,‬أن يستنجد بالعلوم النفسية الخاصة باألعماق ‪.‬‬

‫مثال ذلك ‪ :‬كبت أو عقدة يعيقان عمل اإلرادة الواقعية ‪ .‬فأغلب القرارات تتخذ بسبب هذه التبلرات الالشعورية التي يجهل‬
‫الفرد وجودها ‪ .‬فكل ما يالحظه إنما هو أنه ال ينجز سوى أعمال فاشلة تتفجر بين يديه ‪ ,‬ويقضي حياته برمتها وهو يمر‬
‫بجانب الباب المفتوح حتى يصطدم بحائطه الخاص ‪ ...‬وإذا حاول الفرد أن يرى ‪,‬هو ذاته ‪ ,‬انحرافاته النفسية ‪,‬فإنه ال‬
‫يقدر على ذلك اال عبر هذه االنحرافات ذاتها ‪ .‬وتلك لبديهية ‪ .‬ويصح المثال على الجزء األكبر من العاهات النفسية التي‬
‫تمزق شخصيتنا وتزيفها ‪.‬‬
‫وإلى جانب العون القوي الذي يقدمه علم نفس األعماق ‪,‬ما هي الوسائل التي تتصف بأنها مباشرة جدا ؟ يمكن أن نشاطر‬
‫ماسون أورسيل ‪ Missin – oursel‬االعتقاد بأن " اإلنسان ال يولد إراديا ‪ ,‬بل يصير إراديا بالممارسة " ‪ .‬ونتوصل‬
‫إلى ضرب من المفارقة ‪ :‬لكي نبلغ اإلرادة الواقعية ‪,‬ال بد من أن نقوم بجهود متتالية موجهة توجيها جيدا ‪.‬‬
‫وليست هذه الجهود هي اإلرادة ‪,‬وإ نما تتيح أن نبلغها بالتدريب وذلك شبيه براقص يتوصل إلى اليسر التام والسعادة‬
‫بفضل سلسلة من الجهود نحو هدف ‪ .‬وهذه الجهود ليست هي الرقص ‪ ,‬ولكنها تؤدي إليه في نهاية المطاف ‪.‬‬
‫والمقصود إذن أن نواجه درجات ‪ .‬وال بد لإلنسان من أن ‪:‬‬
‫‪ – 1‬يعرف حالته الجسمية والنفسية ‪.‬‬
‫‪ – 2‬يحسب حسابها باستمرار ‪.‬‬
‫‪ – 3‬يتمرن انطالقا من هذا ‪ ,‬على أفعال تدريب بحسب امكاناته ‪ ,‬يكررها ما أمكن له ذلك ‪.‬‬
‫ويمكن أن يساعد اإليحاء الذاتي المحكم الصنع إلى حد كبير ‪ .‬انني اذكر بأن قوام اإليحاء إيداع فكرة في ذهننا ‪ .‬وتدفع‬
‫هذه الفكرة ‪ ,‬وقد أصبحت ال شعورية ‪ ,‬من أودعت في ذهنه إلى أن يحقق بعض األعمال بصورة آلية ‪.‬‬
‫وتودع التربية فينا أفكارا ‪ .‬وتصبح هذه األفكار ال شعورية على الغالب ‪ ,‬وتجبرنا على التصرف ‪ .‬فالمقصود إذن ـ‪ ،‬أن‬
‫ن كشف عن هذه األفكار الالشعورية بهدف فحصها ‪ .‬هل هي أفكار جيدة أم سئية ؟ يضاف إلى هذا أن ممارسة اإليحاء‬

‫‪11‬‬
‫الذاتي تتيح أن نضع في أنفسنا أفكارا أخرى ‪ ,‬نحن منشأها ‪,‬أفكار تولد أعماال أكثر اتساعا بالصفة الشخصية والصفة‬
‫الشعورية ‪.‬‬
‫أن يتعلم المرء كيف ينتبه أمر هام ‪ .‬فبدال من أن يشتت ذهنه ‪ ,‬عليه أن يتعلم " أن يثبت ذهنه " على عمل من األعمال ‪.‬‬
‫إ ن التوزع الذهني هذا نصيب كثير من الناس ‪ .‬فعلى الدماغ أن يكون بمقدوره الثبات على األمر الذي يراد تحقيقه دون‬
‫أن يستسلم إلى الشرود ‪ .‬والمقصود إذن تركيز واع ‪ .‬ولكن حذار ‪.‬‬
‫ومن المؤكد أن تمارين التركيز ال ينبغي إطالقا أن تصل إلى حد اإلنهاك أو الفكر الثابتة ‪ ,‬وال ينبغي أن تصل إلى حد‬
‫المبالغة وال أن تكون طويلة األمد ‪ .‬و ال بد من أن تفصل بين هذه التدريبات فترات من الراحة هي " عطلة الذهن " ‪.‬‬
‫ثمة كثير من تمارين التركيز التي ال يمكن أن يقوم بها المرء لوحده ‪.‬‬
‫أن يكون المرء واعيا بذاته ‪ .‬ذلك ما ينبغي أن يكون نتيجة تحليل نفساني في األعماق يجعل األحداث الراكدة في‬
‫الالشعور ترجع إلى الشعور ‪ .‬وعلى هذا النحو يكشف علم النفس عن االنحرافات الداخلية التي تحبس الشخصية وتعيق‬
‫اإلرادة ‪.‬‬
‫ولكن ثمة كثيرا من األمور األخرى التي تعكر الشعور بالذات ‪.‬‬
‫ولننظر حولنا ‪ ...‬ما أكثر ما يوجد من العرات ! عرات لغوية وعرات حركية وعرات إيمائية ! قد تكون التمارين ‪ ,‬في‬
‫هذا المجال أيضا ‪ ,‬مفيدة بصورة مدهشة ‪ .‬فكل هذه العرات ال شعورية على الغالب ‪ .‬وتفلح التمارين في استبعادها عن‬
‫طريق جعلها شعورية ‪.‬‬
‫أن يتدرب اإلنسان على أن يشعر بأنه هو ذاته في جميع تعبيرات جسمه أمر ذو أهمية رئيسية ‪ .‬فمن المفيد أن يشرع‬
‫باإلحساس بحركاته ‪.‬‬
‫وليس المقصود أن يسيطر عليها وإنما يكون واعيا بها ‪ .‬فكم حركة آلية نقوم بها خالل نهار ؟ اننا نقوم بمئات الحركات‬
‫أو باآلالف ‪ :‬فتح باب ‪ ,‬تزرير سترة ‪ ,‬إشعال لفافة من التبغ ‪ ,‬هز الرأس بالموافقة أو الرفض ‪ ,‬تناول قلم ‪ ,‬نفض رماد‬
‫لفافة من التبغ ‪ ,‬فتح نافذة ‪ ,‬الخ ‪ .‬الخ ‪.‬‬
‫قوام التمرين الرائع أن يدرك اإلنسان هذه المئات من اآلليات إدراكا تاما ‪ .‬إن عليه أن يتدرب على أن يحس أنه يفعل هذا‬
‫بابا بكل ذراعه ويده ‪ ,‬أن يحس إلى الحد األقصى بأنه يتناول شيئا ‪ ,‬أن يحس إحساسا واعيا‬ ‫أو ذاك ‪ ,‬أن يحس بأنه يفتح ً‬
‫بأنه ينفض رماد لفافة التبغ ‪ ,‬أن يحس بأنه يؤدي هذه الحركة أو تلك في المكان ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫وليس في مقدوري أن أقدم غير خطوط عامة ‪ .‬فالتدريب الذي يمضي بعيدا يتطلب اتجاها ‪ .‬ولكن أي نتيجة لذلك ‪,‬‬
‫لنحاول على أي حال ‪ .‬فإذا تكلمت مع شخص ‪ ,‬ليكن إدراكك عميقا بأنك تهز رأسك ‪ ,‬ولتحس بايماءات وجهك وبتقطيب‬
‫ح اجبيك ‪ ,‬وبعرات فمك ‪ ,‬وبهزات كتفيك ‪ .‬وأشعر بأنك تكز على فكيك ‪ ,‬وأدرك أنك تحرك ذراعك هذه الحركة أو تلك ‪,‬‬
‫وأنك تشبك ساقيك ‪,‬الخ ‪ .‬حاول أن تحس بكل هذا احساسا تاما ‪...‬‬

‫هل المقصود أن يسيطر اإلنسان " إراديا " على حركاته وعراته وعاداته المستهجنة ؟ كال ‪ ,‬البتة ‪ .‬بل المقصود أن يشعر‬
‫بها أحسن ما يمكن ‪ .‬فإذا تم ذلك كله على خير وجه الحظنا ما يلي ‪ :‬تبدأ سيادة الذات في أن تحل بصورة آلية ‪ .‬وتفيد‬
‫بعض صور الضعف ‪,.‬كالخجل على سبيل المثال ‪ ,‬في احتياز الشعور بالحسم فائدة كبيرة ‪ .‬فليس الجسم هو الذي يوجه‬
‫الشخص ‪ ,‬وإنما هو الشخص الذي يأمر الجسم ‪.‬‬
‫وتنجم السيادة على االندفاعات بصورة سريعة على بعض التمرينات ‪ .‬نحن نعلم بأن االندفاعي ليس إراديا على‬
‫اإلطالق ‪ ,‬مع أنه يكشف عن مظهر خارجي بأنه خارجي ذو إرادة ‪.‬انه يتصرف تصرف اإلنسان اآللي ‪ ,‬ويصرف‬
‫طاقته هدرا ‪ .‬فاحتيازه الشعور بذاته مفيد بالنسبة إليه ‪ .‬ان عليه أن يتعلم اإلحساس بحركاته ‪ :‬العرات " التي يؤديها‬
‫بذراعه ورأسه وجسمه ‪ .‬انه إن شعر بما يصيبه من " الحدة " أثناء المناقشات ‪ ,‬أدرك أن المسألة هي ‪ ,‬على‬
‫الغالب ‪,‬مسألة رغبة في أن يكون على وصواب وأن يسيطر على الخصم ‪ ,‬وأدرك إذن أن هذا السلوك نتاج الشعور‬
‫بالدونية ‪ ,‬الخ ‪.‬‬

‫السيادة على األوضاع ‪ .‬يمتد " الشعور بالحركات " إلى أي وضع آخر ‪.‬ويفلح الفرد في أن يسلك سلوكا‬
‫متوازنا ‪,‬هادئا ‪,‬مرنا ‪ .‬وتجدر اإلشارة إلى أن الشخص ال يقهر نفسه بهذا التدريب ‪ .‬وأن عليه أن يكز على أسنانه حتى "‬
‫يبدو " هادئا ‪ ,‬بل ‪ ,‬على العكس ‪ ,‬يصبح الهدوء بالنسبة ا ليه آلية يسر ‪.‬ويدفعه تدريبه ‪ ,‬إذا واجه عداوة ‪ ,‬إلى أن يستجيب‬

‫‪12‬‬
‫استجابة ناجمة عن تأمل ‪ ,‬دون نقمة ال طائل تحتها ودون غضب ‪ ,‬انه يؤول إلى بلغمي حقيقي ‪ ,‬ال إلى بلغمي متشنج ‪.‬‬
‫ويصبح الموقف يسيرا والكالم حصيفا واضحا ‪...‬‬
‫وليس ذلك سوى نظرة عامة ‪ .‬وثمة تقنيات أخرى ‪ ,‬مثل اليوغا ‪ .‬ويكشف كل فرد حالة خاصة ‪ .‬وإذا رغب أحد الناس‬
‫في اكتساب اإلرادة الحقيقية دون أن تكون لديه الدعامة الجسمية والنفسية ‪ ,‬فإن المسألة هي ‪ ,‬قبل كل شيء ‪ ,‬إيجاد هذه‬
‫الدعامة ‪ .‬وذلك أمر بديهي ‪ .‬ومضمون هذا القول أن على العصابي أن يتخلص أوال من عصابه ‪ .‬لن يستطيع أن يفعل‬
‫ذلك لوحده ‪ ,‬وسيرى نفسه ملزما بطلب العون من العلوم النفسية المتخصصة ‪.‬‬

‫و – اإلرادة الحقيقية ‪.‬‬


‫اإلرادة استعداد عال يجعل منه البعض كاريكاتورا في أغلب األحيان ‪ .‬فكل شيء ينبغي أن يستخدم لتنمية هذا العلو ‪.‬‬
‫وليس علينا أن نعتقد أن اإلرادة وقف على " صفوة عقلية " ‪ ,‬فهي ممكنة لجميع أولئك الذين يقومون ‪ ,‬وهم يفهمون اآللية‬
‫‪ ,‬بعملية " تنظيف داخلي " ألنفسهم ويتعلمون كيف يوحدونها ‪.‬‬
‫ولن يبلغ اإلنسان اإلرادة الحقيقية إ ال بعد أن يستبعد كل ما يصنع اإلرادات الزائفة ‪ .‬فالتوحيد النفسي وتجميع التقسيمات‬
‫الداخلية أمر ال غنى عنه إذن ‪ .‬وعلى هذا النحو تصبح اإلرادة الواقعية فعال طبيعيا ‪ ,‬فنريد بالقدر من السهولة التي‬
‫نشرب بها كأسا من الماء ‪ ,‬وتزداد قدرتنا إزاء العالم الخارجي وملكاتنا النفسية على السواء ‪.‬‬
‫وهكذا ‪ ,‬فإننا نريد ونحقق ما نريد بالسهولة التي يقطع بها شجرة في غابة حطاب ذو عضالت مفتولة وفأس حادة ‪.‬‬

‫ثانيا ‪ :‬تقنية إنسانية عظمية ‪:‬‬


‫اليوغا‬
‫اليوغا وسيلة رائعة من وسائل الثقافة اإلنسانية الكلية ‪ .‬وعلى الرغم من أن الهند قد مارستها منذ قرون ‪ ,‬فإنها كانت‬
‫تشتمل على درو س جسمية ونفسانية ‪ .‬ثم انقسمت مع مرور الزمن إلى عدد كبير من اإلبدال توافق كل واحدة منها‬
‫مظهرا خاصا من مظاهر الطبيعة اإلنسانية ‪.‬ولن أهتم في هذا المجال سوى باليوغا من حيث كونها اسلوبا في النمو‬
‫الجسمي والنفسي ‪ .‬أنها ألداة مفيدة إلى حد مدهش ‪ ,‬ويمكن للغربيين أن يمارسوها ممارسة كاملة ‪ .‬ونتائجها على الصحة‬
‫والتوازن والوضوح تفوق ‪ ,‬بصراحة ‪ ,‬ضروب التربية البدنية األوروبية ‪ .‬وتعطي بعض اليوغا نتائج نفسية رائعة ‪.‬‬
‫وتفلح في ا يقاظ قدراتنا الكامنة وغير المستعملة ‪ .‬فاليوغا تدرب الجسم ‪ :‬ذلك أن صفاء الذهن متعذر بغير االنسجام‬
‫الجمسي ‪ .‬وتبلغ تمارين اليوغا مركز مختلف األعضاء بفعل تقلص العضالت والمفاصل وليها ‪ ,‬وتؤثر تأثيرا كبيرا جدًا‬
‫على وجودة السير الوظائفي للغدد الصم وعلى دوران الدم والشكل الجيد للعمود الفقري ‪.‬‬
‫ما هو مبدأ اليوغا الرئيس ؟ ثمة تضامن تام بين أجزاء الجسم كافة ووحدة مطلقة بين الجسمي والنفسي ‪ .‬فإذا اختل‬
‫توازن جزء واحد من أجزاء الجسم ‪ ,‬اهتز المجموع كله ‪ .‬ولكن العضوية تعرف الصحة بمعناها األوسع إذا تحقق توازن‬
‫المجموع ‪ .‬ويتجلى االنسجام والهدوء واليسر واإلرادة ‪.‬‬
‫إ ن بعض األمراض تعبير عن اضطراب نفسي ينتقل إلى األعضاء بوساطة الجملة العصبونية االعاشية ‪ .‬أضف إلى ذلك‬
‫أن عالقاتنا الوجدانية تنقلها إلى أبنائنا وإلى المجتمع ‪ .‬وعلى هذا النحو ‪,‬يصبح المجتمع انعكاسا هائال للحاالت الفردية ‪.‬‬
‫فإذا كانت ضروب الفوضى تحطم صحة الناس بصورة مستم رة ولم يجدوا دواء في عالج عضوي ‪ ,‬فالمقصود أن يجدوا‬
‫شيئا آخر ‪ .‬وتلك هي قاعدة الطب النفسي واليوغا على السواء ‪.‬إنهما يتيحان المجال لتقويم سلوك نفسي مشوب بالعيب ‪.‬‬
‫وليست األمراض الخطيرة وحدها الموجودة ‪ .‬ثمة كذلك جميع هذه العاهات الجسمية والنفسية التي توهن قدرة الفرد‬
‫السوية ‪.‬‬
‫وحسب المرء أن يفكر بالعصبيين واالنفعاليين ‪,‬الخ ‪ .‬فتمارين اليوغا تزيل هذه العاهات الجزئية على الغالب دون أن‬
‫يتطلب ذلك جهودا كبيرة ‪ .‬ا نها تجلب إلى الكثيرين أمال أخيرا حقيقيا بالنجاة وتكفي بعض التمارين وتمنح سيادة‬
‫الشخصية ‪.‬وال مندوحة من أن يكون اإلنسان قد مارس اليوغا ليدرك التغيرات التي يمكن أن تحدثها ‪.‬‬
‫ترتكز اليوغا التي أريد أن أتحدث عنها على عاملين ‪ :‬وضعيات الجسم والتنفس ‪ .‬ولكنني قبل أن أعرض هذه الصورة‬
‫من اليوغا ( هاتا يوغا أي يوغا الطاقة الجسمية ) ‪,‬‬
‫تتضمن دروس اليوغا الملكية ثماني نقاط رئيسة متعارف عليها ‪:‬‬
‫‪ – 1‬التعفف ( يا ما ) ‪ :‬انه كبح الرغبات ومراقبتها ‪.‬‬
‫‪ – 2‬النظام ( نياما ) ‪ :‬إن النظام يوجه النفسي نحو وحدة األشياء جميعها ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫‪ – 3‬الوضعات الجسمية ( أزاناس ) ‪ :‬تلك هي أوضاع الجسم الخاصة ‪ .‬انها تستخدم أساسا للتأمل كذلك ‪.‬‬
‫‪ – 4‬التنفس ( براناياما ) ‪ :‬انه أحد أهم دروس اليوغا الذي أخذ الغرب يدرسه دراسة علمية ‪.‬‬
‫‪ – 5‬االعتكاف ( برايتيا هارا ) ‪ :‬ينبغي أال تصدر الحواس باالضطراب ‪ .‬فاإلنسان يبتعد عن االحساسات الخارجية‬
‫الوهمية ‪.‬‬
‫‪ – 6‬التركيز ( داهارانا ) ‪ :‬يتوصل الفكر إلى أن يركز على أمر دون أدنى جهد ‪.‬وقد يكون هدف التركيز شيئا من‬
‫األشياء أو جزءا من أجزاء الجسم أو المطلق ‪.‬‬
‫‪ – 7‬التأمل ( ديانا ) ‪ :‬التأمل يعقب التركيز ‪ .‬فيتمثل الشيء الذي يركز عليه اإلنسان ‪,‬إذ ينفذ على هذا النحو إلى ما هيته‬
‫العميقة ‪.‬‬
‫‪ – 8‬االتحاد ( سامادهي ) ‪ :‬انه االندماج الكلي في الشيء الذي يتأمله اإلنسان ‪ .‬انه اتحاد النفس الفردية بالمطلق ‪.‬‬

‫أ – الوضعات الجسمية ‪.‬‬


‫يوجه هذا النوع من اليوغا مبدأ عظيم هو البطء واالنسجام ‪.‬‬
‫فليست أي حركة من حركات اليوغا متقطعة وال سريعة على اإلطالق ‪ .‬ثمة مبدأ عظيم آخر ‪ :‬ينبغي أن تنعدم روح‬
‫المنافسة انعداما مطلقا ‪.‬‬
‫ينبغي أن ينشغل من يمارس اليوغا بما يفعل على سبيل الحصر ‪.‬‬
‫عليه أن يج تاز الشعور بعمله ‪ ,‬وال شيء غير ذلك ‪ .‬ثمة إذن فارق كبير بين التربية البدنية في الغرب واليوغا ‪ .‬فما‬
‫يشغل البال في بالدنا على األغلب هو أن ينجح المرء في تمرين معين أكثر من اآلخرين ‪ ,‬أن يكون األول بين المتسابقين‬
‫‪ ,‬أن يكون األقوى ‪ ,‬الخ ‪ .‬وال نتخيل لعبة من لعب التنس الغربي ال يوجد فيها رابح وال خاسر ‪ ,‬وإنما حب حركة الجسم‬
‫الرائعة على سبيل الحصر ولعبة ممتازة ‪.‬‬
‫يتبين لنا إذن منذ اآلن أن اليوغا هي ‪ ,‬في ذاتها ‪ ,‬نتيجة ‪ .‬فالتخلص من روح المنافسة نتيجة التحرر من الذات ‪...‬‬
‫وبالتالي فإن على الفكر أن يتحرر من كل إحساس بالصراع منذ أن يشرع بأي شيء من اليوغا ‪ ,‬أن يتحرر من كل‬
‫شعور بنجاح يثير اإلعجاب أو إخفاق يستحق اللوم ومن كل شعور بالدونية والنجاح بأي ثمن من المحاولة األولى ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫فالنجاح في وضعة جسمية أو الفشل فيها غير ذي أهمية ‪ .‬وليس على الفرد أن يكون أبدا في تنافس مع ذاته ‪ ,‬وال بد أن‬
‫يبدي غيظا أو عصبية إذا ما أخفق في تمرين من التمرينات ‪.‬‬
‫جو اليوغا جو هدوء وسالم ‪ .‬يقتصر مربي الرياضة في الغرب على أوضاع عسكرية في أغلب األحيان ‪ .‬فالمسألة‬
‫عندئذ هي مسألة " ترويض " ‪ . ..‬مسألة تنازل التالميذ عن شخصيتهم ‪.‬وعلى العكس من ذلك ‪,‬فإن الشخصية تلبث ‪ ,‬في‬
‫اليوغا ‪ ,‬في أوجها ‪ ,‬كاملة ‪,‬وهي تتفتح تدريجيا ‪ .‬ذلك أن المسألة بالنسبة إلى مربي اليوغا ليست مسألة إعجاب أو لوم‬
‫أبدا ‪ .‬وإنما مالحظة فيما إذا كان التمرين قد القى النجاح أم ال ‪ ,‬وال شيء غير ذلك ‪ .‬وليس المقصود أبدا في ممارسة‬
‫الوضعات الجسمية أن يتنافس المرء مع " خصم " وكما قلت ‪ ,‬وإنما ينبغي إقصاء أعدائه الداخليين ‪.‬إن هدف اليوغا هو‬
‫السيادة على الذات ‪ ,‬ال السيطرة على العالم الخارجي ‪.‬‬
‫تعطى جميع الدروس في جو من االرتياح ‪ .‬وال بد للتلميذ من أن ينتبه إلى ما يفعل ‪,‬ال أن يتساءل قلقا " عما يخطر في‬
‫بال المعلم عنه " ‪ .‬فالمعلم يعطي توجيهات دقيقة وال يعطي أوامر أبدا ‪ .‬وال يشعر التلميذ بهذه الطريقة أنه " على خطأ "‬
‫وال ينهي أي درس من الدروس وهو يشعر بخيبة أمل ‪.‬‬

‫ب – االسترخاء ‪.‬‬
‫أن يستطيع اإلنسان في الحياة العادية أن يشعر باالرتياح عندما يريد أمر هام وممتع ‪ .‬وال غنى عن االرتياح في اليوغا ‪.‬‬
‫فنمط الحياة الراهنة تجعل اإلنسان عرضة لتوتر دائم في عضالته ‪ .‬ويحتفظ كثير من األشخاص ‪,‬حتى أثناء‬
‫النوم ‪,‬بنصف التوتر العضلي مستهلكين على هذا النحو كمية كبيرة من طاقتهم ‪ . ..‬فهم ينامون ‪,‬ولكنهم ال يرتاحون بما‬
‫فيه الكفاية ‪ .‬وحسب المرء أن يالحظ غالبية الناس في الحياة الجارية ‪.‬ا نهم في حالة من التوتر والدفاع دائما ‪ ,‬ويلبثون "‬
‫في حال من التهيؤ " ضد الهجمات المتخيلة ‪,‬ضد اإلخفاقات الممكنة ‪ ,‬ضد اآلخرين ‪,‬الخ ‪ .‬ومن البدهي أن يكون هذا‬
‫التوتر الدائم عالمة ضعف وخوف ‪.‬‬
‫ا ن الهدف من تعلم االسترخاء هو إعطاء العضالت توترا سويا يتناسب مع العمل الذي ينبغي على اإلنسان أن يقوم به ‪,‬‬
‫هو إتاحة ارتياح تام أثناء النوم يفسح المجال لراحة كاملة تجدد القوى ‪ .‬ويهدئ تعلم االرتياح جملة اإلنسان العصبية‬

‫‪14‬‬
‫ويؤدي إلى السيادة على الذات ووعيها ‪ .‬ويبدد االسترخاء ما ينجم عن العمل من التعب ‪ ,‬وتطول مدته أو تقصر بحسب‬
‫النتيجة المنشودة ‪.‬‬
‫ويتتح كذلك ممارسة االسترخاء ممارسة جيدة انخفاض حساسية األلم ‪,‬وانتظام التنفس ‪ ,‬وتباطؤ نبضات القلب ‪ ,‬وتوقف‬
‫حركات العضالت اإلرادية ‪,‬وضعف المنعكس الرضفي أو زواله ‪ .‬ويختفي كذلك جزء كبير من الفاعلية النفسية ‪.‬يضاف‬
‫إلى هذا أن االسترخاء الوقائي مفيد على الغالب ‪ .‬وعلى هذا النحو ‪,‬يمكن لإلنسان أن يقف موقف الالمباالة إزاء‬
‫االنفعاالت ا لتي قد تطرأ إزاء األشخاص الذين يضمرون له العداوة ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫ثمة عدد معين من تقنيات االسترخاء ‪.‬وتتم ممارسة اليوغا ‪:‬‬
‫‪ -‬فرش سجادة على األرض ‪,‬أو غطاء ‪ ,‬أو فراش قاس ‪.‬‬
‫‪ -‬االستلقاء على الظهر وترك الرأس ملقى على قفاه ‪.‬‬
‫‪ -‬استرخاء العضالت تدريجيا إلى الحد األقصى ‪.‬والمقصود أن "يترك اإلنسان نفسه على عفويتها " ‪ .‬وذلك هو األمر‬
‫األصعب الذي يتطلب وجود معلم ‪ .‬فالطريقة شبيهة بعض الشيء باإليحاء الذاتي ‪ ,‬مع احتياز الشعور بالجسم احتيازا‬
‫يتعاظم تدريجيا ‪ .‬وال بد لإلنسان ‪,‬وهو يركز تفكيره على جسمه ‪,‬من أن يحقق استرخاء جلدة رأسه وجبهته وجفنيه‬
‫ومنخريه وفكيه وأصابعه وذراعيه وساقية ‪ ,‬الخ ‪.‬‬
‫تعلم االسترخاء سهل أو عسير تبعا للفروق بين األشخاص ‪ .‬فالطفل ‪ ,‬على وجه العموم ‪ ,‬يسترخي سريعا وبطريقة‬
‫تامة ‪ .‬أما في الحاالت األخرى ‪ ,‬فإن المعلم يلفت االنتباه إلى حالة التوتر العضلي إلى أن يشعر بأنه شبيه بـ " كتلة "‬
‫تميل إلى أن تغوص في األرض ‪ ,‬ذهنه معلق ‪ ,‬وتفكيره ال يرتبط بشيء على اإلطالق ‪ ,‬ودماغه ال تخطر فيه أية صورة‬
‫‪ ...‬والراحة تامة ‪.‬فال يشعر الفرد المسترخي انه هو ذاته ‪.‬‬
‫أنه في حالة من الراحة المطلقة تعّو ض فيها احتياطات الطاقة ما فقدته بفعل العضوية ‪.‬‬
‫إ ن االسترخاء ‪,‬بصورة عامة ‪ ,‬يبدأ بسلسلة الوضعات الجسمية وينتهي بها ‪.‬‬

‫حـ – رقابة التنفس ( برائيياناما ) ‪.‬‬


‫إ ن رقابة التنفس درس من أهم دروس اليوغا ‪ .‬والمقصود " تقنية التنفس " ذات الشهرة الواسعة ‪ .‬لقد اعترفت الهند منذ‬
‫زمن موغل في القدم أن ثمة عالقة بين التنفس والحاالت الذهنية واالنفعالية ‪ .‬ويتأثر التنفس تأثرا مستمرا بالحالة‬
‫العصبية ‪,‬ويتحمل عاقبة االنفعالية مهما كانت ضعيفة ‪ .‬وهذا ما تكشف عنه الحياة الجارية لما فيه الكفاية ‪.‬‬
‫أضف إلى ذلك أن باستطاعتنا أن نقّد ر أن األطفال ال يحصى عددهم عادات تنفسية يشوبها العيب ‪ .‬فرئتاهم سيئة التهوية‬
‫جدا ‪ ,‬وفيهما يستقر مستودع من الهواء الفاسد ‪.‬‬
‫إ ن االيقاعات التنفسية هي ‪ ,‬بصورة ‪,‬شديدة البطء ‪ ,‬شديدة السرعة أو غير تامة ‪ .‬وعلينا أال ننسى بأن الكثير من‬
‫عضالتنا تقوم بعملها الوظيفي بصورة ال إرادية عندما نتنفس ‪,‬وبأننا نصبح قادرين من الناحية النظرية على مراقبة‬
‫السير الوظائفي لهذه العضالت اذا انصب انتباهنا على تنفسنا ‪ .‬ومن البدهي أن تتم هذه الرقابة في نطاق تدريب يمضي‬
‫إلى حد كبير أو صغير ‪.‬‬
‫وتفسح المجال ممارسة تنفسية مدربة إلى حاالت شعورية يجهلها السواد الأعظم من الناس جهال مطلقا ‪,‬وهي أي‬
‫الممارسة ‪,‬مرحلة تامة نحو توحيد الفرد ‪.‬‬
‫نحن ندرك أن الطب الغربي والحكمة الشرقية السامية يلتقيات بدروب مختلفة ‪ .‬إن دراسة الطب في بالدنا لمفعول تنفس‬
‫خاص لم تبدأ إال منذ بضع سنين ‪,‬الأ مر الذي يسر جميع أولئك الذين يرغبون في اإلفادة من سيادة على الذات ال يشوبها‬
‫العيب سرورا عظيما ‪.‬‬
‫يتنفس كل فرد تنفسا سيئا ‪ ...‬وبسبب ذلك أن الناس يتنفسون ال شعوريا ‪ ...‬ويعتقد كل منا أنه يعرف أن يتنفس ‪ ,‬ولكن‬
‫السواد األعظم منا يعيش على تنفس آلي ‪ ...‬فالتنفس علم ربما كان أحد علوم الحياة ‪.‬‬
‫اإليقاع التنفسي أكثر أهمية كلما كان مرتبطا بالحالة االنفعالية ‪ .‬ومن المرجح أن تكون مراقبة التنفس إذن ‪ ,‬بعد تدريب‬
‫متواصل ومرن ‪ ,‬أحد أفضل الوسائل في السيطرة على وجدانيتنا ‪ .‬وتتم ممارسة التقنيات التنفسية ‪,‬على العموم ‪ ,‬في‬
‫الوقت الذي يتم فيه اتخاذ بعض الوضعات الجسمية ‪ .‬إن كمية الهواء التي يستنشقها اإلنسان ‪,‬إذا ما أضيفت إلى إيقاعات‬
‫تنفسية خاصة ‪ ,‬تبدل من كيفية الحياة ومدتها ‪ .‬فالطاقة التي نجمعها بالمنخرين يمكن أن نجعلها بقدر وأن نراقبها أو‬
‫نوفقها بحسب إرادتنا ‪ .‬والمقصود قبل كل شيء أن نشعر بتنفسنا ‪...‬‬

‫‪15‬‬
‫اجلس وكن هادئا ‪ .‬تنفس تنفسا بطيئا وعميقا ‪.‬وال بد للحركة من أن تتم بانسجام ودون أي استعجال مهما كان ضعيفا ‪.‬‬
‫احبس أنفاسك مدة ثانيتين أو ثالث ‪ .‬ثم ازفر عن طريق األنف كليا زفيرا بطيئا ‪ ,‬على وجه اإلطالق ‪.‬‬
‫كرر هذه العملية عدة مرات متتالية مركزا فكرك على المسار الذي يمر فيه الهواء في أثناء الشهيق ‪ :‬المنخرين و مؤخر‬
‫األنف ‪ ,‬الحلقوم ‪ ,‬الرغام وانخفاض الحجاب الحاجز ‪ ,‬تمدد القفص الصدري ‪ ,‬ثم على المسار العكسي الذي ينجزه الهواء‬
‫في الزفير ‪.‬‬
‫والمقصود هنا شعور أولي بالنفس يعطي ‪ ,‬مع ذلك ‪,‬مظهرا من مظاهر أهميته ‪.‬‬
‫أوال ‪:‬‬
‫أجلس براحة ‪ ,‬ويفضل أن تكون على األرض ‪ .‬وليكن عمودك الفقري ونقرتك في امتداد واحد ‪ .‬ركز انتباهك على‬
‫عملية التنفس التي تقوم بها واطرد من ذهنك أي فكرة أخرى ‪.‬‬
‫ليكن شهيقك بطيئا ‪ ,‬عميقا ‪ ,‬وأنت تعد الثواني ذهنيا ‪ .‬ابدأ بأن يكون الشهيق لمدة ثانيتين ‪ ,‬واحبس أنفاسك خالل أربعة‬
‫أضعاف هذه المدة ‪ ,‬أي ‪ 8‬ثوان ‪ .‬ليكن زفيرك عميقا ‪ ,‬دون تقطع ‪ ,‬ولمدة تعادل ضعفي مدة الشهيق ‪,‬أي ‪ 4‬ثوان ‪.‬‬
‫حدد مدة هذا التمرين وأنت تكرره مرتين أو ثالثا ‪ .‬يرتكز اإليقاع األكثر شيوعا على مدة الشهيق ‪ .‬وأحبس أنفاسك مدة‬
‫تعادل أربعة أضعاف هذه المدة ‪ .‬وليدم الزفير ضعفي مدة الشهيق ‪.‬‬
‫زفير‬ ‫انحباس النفس‬ ‫شهيق‬
‫‪ 4‬ثوان‬ ‫‪ 8‬ثوان‬ ‫ثانيتان‬
‫‪ 6‬ثوان‬ ‫‪ 12‬ثانية‬ ‫‪ 3‬ثوان‬
‫‪ 8‬ثوان‬ ‫‪ 16‬ثانية‬ ‫‪ 4‬ثوان‬
‫وال بد لك دائما من أن تبلغ ‪:‬‬
‫أ – الحد األقصى من البطء ‪.‬‬
‫ب – الحد األقصى من التركيز ‪.‬‬

‫ثانيا ‪:‬‬
‫يتم الشهيق والزفير بـ منخر واحد ‪ .‬اجلس وضع إصبعيك ‪ ,‬الوسطى والسبابة ‪ ,‬بين حاجبيك ‪ ,‬واستخدم األبهم والبنصر‬
‫لسد النمخر اآلخر ‪ .‬ثم ركز انتباهك ‪ .‬وعلى العموم ‪ ,‬يطلب المعلم أن تكون العينان مغلقتين ‪.‬‬
‫اعتمد إيقاعا تنفسيا ‪ ,‬وليكن على سبيل المثال ‪:‬‬
‫‪ 3‬ثوان من الشهيق ‪.‬‬
‫‪ 12‬ثانية من انحباس النفس ‪.‬‬
‫‪ 6‬ثوان من الزفير ‪.‬‬
‫سد المنخر األيمن باإلبهام ( انني أفترض أن الوسطى والسبابة من اليد اليمنى هما الموضوعتان بين الحاجبين ) استنشق‬
‫على مهل مدة ثالث ثوان ( بالمنخر األيسر طبعا ) مركزا انتباهك على مسار الهواء ‪.‬سد المنخر األيسر بالبنصر بعد أن‬
‫يتم الشهيق ‪ ,‬احتجز الهواء مدة اثنتي عشرة ثانية ‪ .‬ثم حرر المنخر األيمن ‪.‬‬
‫ثم قم بالزفير عن طريق المنخر األيمن مدة ست ثوان ‪.‬ر‬
‫استأنف اللعبة على أن تبدأ بالمنخر األيمن ‪,‬ويكون زفيرك بالمنخر األيسر ‪.‬‬
‫تعّو د هذه الممارسات األساسية على عملية تنفس بطيء وتعّز ز تخلص الحويصالت الرئوية من ثنياتها تدريجيا ‪.‬‬
‫أكثر اإليقاعات التنفسية شيوعا وضعفا هو ‪ . 3-12-6‬ان ثالث ثوان هي ‪,‬من جهة أخرى ‪ ,‬ضرورية ليتم استنشاق‬
‫الهواء بعمق ‪ .‬وليس في انحباس النفس اثنتي عشرة ثانية أي شيء من المبالغة ‪.‬‬
‫ثم تزداد مدة التمرينات التنفسية ‪.‬وإليكم ‪ ,‬فيما يلي ‪,‬عملية التنفس المسماة بـ " الوسطى " ‪ ,‬على أّال يمارسها اإلنسان دون‬
‫تدريب ‪:‬‬
‫شهيق ‪ 16 " :‬ثانية‬
‫احتجاز الهواء ‪ 64 :‬ثانية‬
‫زفير ‪ 32 :‬ثانية‬
‫للتمرينات التنفسية مفعول مقو عجيب على العضوية ‪ ,‬تحدث تغييرات كبيرة على وجه السرعة ‪ ,‬وتعزز الفاعلية الفكرية‬
‫بصورة تكاد ال تصدق ‪ .‬ولكنها ينبغي أن تخضع إلى رأي طبي ‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫ثمة ممارسات كثيرة أخرى من عملية التنفس لها أهداف خاصة جسمية أو نفسية ‪.‬وهي مرتبطة بوصفات جسمية خاصة‬
‫دائما ‪.‬‬
‫إ ن تنفسنا مرتبط إذن بالغالبية العظمى من وظائفنا الجسمية ارتباطا تختلف شدته ‪ .‬وهو يقدم إلى عضويتنا األوكسجين‬
‫والطاقة اللذين يحتاج إليهما ‪,‬وينظم توازننا المزاجي ‪,‬ويكافح االضطرابات العصبية واالنفعالية والوظيفية ‪...‬‬
‫والعضوية ‪ .‬ويؤثر التنفس المراق ب على الحياة النفسية ‪ ,‬ويمنح القوة والتوازن السرور ‪ .‬انه ذو تأثير على دوران الدم ‪,‬‬
‫وإيقاع القلب ‪ ,‬والهضم ‪ ,‬والكليتين ‪ ,‬واالستقالب ‪.‬‬
‫ويستبعد التشنجات العضلية والقلق واالكتئاب وسرعة الهيجان ‪.‬وال بد بالطبع من تدريب طويل إلى حد كبير تحت‬
‫ا شراف ذي كفاية ‪ .‬ويمكننا القول إن الشرقيين كانوا على صواب عندما عزوا إلى التنفس صفات " عجيبة " ‪.‬‬

‫والخالصة ‪ ...‬تربي اليوغا على الفهم العالي وتساعد في الحياة اليومية مساعدة قوية ‪ .‬إن بإمكانها أن تحسن ‪,‬من الناحية‬
‫الجسمية ‪,‬شخصا في عدة شهور ‪ .‬ولنعلم ‪,‬مرة أخرى كذلك ‪,‬أن جميع التمرينات ‪ ,‬أيا كانت ‪ ,‬ينبغي أن يمارسها اإلنسان‬
‫وهو في أقصى حدود التركيز إلى إنجاز شعوري ‪,‬إلى التخلص من آلياتهم ومن أغاللهم وانفعاالتهم الضارة ‪ .‬ان اليوغا‬
‫تساعد عل معرفة الذات وعلى اكتشاف كل ما يوجد خارج أنا اإلنسان الصغيرة ‪...‬‬

‫‪17‬‬

You might also like