افلا يعقلون

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 72

‫ّ‬

‫اﻟﺸﻚ إﱃ اﻟﻴﻘﻦﻴ وﻣﻦ اﻹﻟﺤﺎد إﱃ اﻹﻤﻳﺎن‬ ‫رِﺣﻠ ٌ‬


‫ﺔ ﻣﻦ‬

‫)ﻣﻨﺎﻗﺸﺔ ﺣﻮارﻳّﺔ ﺑﻦﻴ ﻃﺎﻟﺒﻦﻴ ﺟﺎﻣﻌﻴّﻦﻴ(‬

‫‪2023‬م – ‪1444‬هـ‬
‫حقوق الطبع والنرش‬
‫مسموحة‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫رابط قناة "أفال يعقلون"‪:‬‬


‫(‪) https://www.youtube.com/channel/UCHr364dpbAHnjRuXhjJN-lw‬‬
‫"هذا الرابط ملشاهدة حلقات ّ‬
‫مصورة ملسلسل "أفال يعقلون"‬
‫والتي ّ‬
‫تجسد مضمون وفكرة هذا الكتاب "‬

‫ّ‬
‫اإللكتروني‪:‬‬ ‫البريد‬
‫(‪)ya3qeloon@gmail.com‬‬

‫‪2‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫فهرس‬

‫ت؟ إِىل أَيْنَ ْالَص ُ‬


‫ري)‪6 .................‬‬ ‫األس ِئ َل ُة ْالخال َِد ُة (مِ نْ أَيْنَ ِج ْئ ُ‬
‫ت؟ ِلاذا ِج ْئ ُ‬ ‫ْ‬ ‫ ‬
‫َّل‪:‬‬ ‫للقاءُ َ‬
‫األو ُ‬ ‫اَ ِّ‬

‫مَ نْ أَوْجَ َدين؟‪10 ...............................................................................‬‬ ‫ِّ‬


‫اللقاءُ ّ‬
‫الثاين‪:‬‬
‫ ‬

‫ِك خال ٌِق حَ ًّقا؟‪14 ..................................................................‬‬


‫هَ ْل هُ نال َ‬ ‫ِث‪:‬‬
‫ ‬ ‫ِّ‬
‫اللقاءُ ّ‬
‫الثال ُ‬

‫ص ْد َف ًة؟‪18 .................................................................‬‬
‫هَ ِل ْال َكوْنُ َظ َه َر ُ‬ ‫ِّ‬
‫اللقاءُ ال ّرابِعُ ‪:‬‬
‫ ‬

‫مَ نْ َخ َل َق ْالخال َِق؟ (أ)‪22 ....................................................................‬‬ ‫اللقاءُ ْالخامِ ُ‬


‫س‪:‬‬
‫ ‬ ‫ِّ‬

‫مَ نْ َخ َل َق ْالخال َِق؟ (ب)‪26 ..................................................................‬‬ ‫ِس‪:‬‬


‫الساد ُ‬
‫ ‬ ‫ِّ‬
‫اللقاءُ ّ‬

‫ِلاذا َخ َل َقنا ّ‬
‫الل ُه َتعاىل؟‪30 ..................................................................‬‬ ‫السابِعُ ‪:‬‬
‫ ‬ ‫ِّ‬
‫اللقاءُ ّ‬

‫هَ ْل هُ نال َ‬
‫ِك َيوْمٌ آخِ ٌر؟‪36 ....................................................................‬‬ ‫الثامِ نُ ‪:‬‬
‫ ‬ ‫ِّ‬
‫اللقاءُ ّ‬

‫ار أَ ْو ل ِْلجَ َّنةِ؟‪41 .............................................................‬‬


‫ِلاذا ُخل ِْقنا لِل ّن ِ‬ ‫ِّ‬
‫اللقاءُ ال ّت ِ‬
‫اسعُ ‪:‬‬
‫ ‬

‫دين أَ َّت ِبعُ ؟ (أ)‪50 ..........................................................................‬‬


‫ٍ‬ ‫أَيّ‬ ‫اللقاءُ ْال ِ‬
‫عاش ُر‪:‬‬
‫ ‬ ‫ِّ‬

‫دين أَ َّت ِبعُ ؟ (ب)‪56 ........................................................................‬‬


‫ٍ‬ ‫أَيُّ‬ ‫اللقاءُ ْالحادي َعشر‪:‬‬
‫ِّ‬

‫ليل َعىل أَنَّ ْال ُق ْرآنَ مِ نْ ِع ْندِ ّ‬


‫الل ِه؟ (أ)‪62 .......................................‬‬ ‫الد ُ‬
‫ما َّ‬ ‫ِّ‬
‫اللقاءُ ّ‬
‫الثاين َعشر‪:‬‬

‫ليل َعىل أَنَّ ْال ُق ْرآنَ مِ نْ ِع ْندِ ّ‬


‫اللهِ؟ (ب)‪68 .....................................‬‬ ‫الد ُ‬
‫ما َّ‬ ‫ِّ‬
‫اللقاءُ ّ‬
‫الثالِث َعشر‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫بداية الطريق‬

‫أحمد وكريم طالبان يدرسان معا يف املرحلة الجامع ّية‪ ،‬وقد تكوّنت بينهما صداقة يف الدراسة‬
‫نفسهِ ‪ .‬كان "كريم" غري مُ قتنع بأيّ دين‪ ،‬ولم يكن مُ ه َتمًّ ا بذلك‪،‬‬
‫كونهما يتعلمان يف التخصص ِ‬
‫أمّ ا أحمد‪ ،‬فقد كان دائم التفكري بشأن صديقه "كريم"‪ ،‬كيف يفتح معه موضوع الدين واإليمان‬
‫ب القلب مُ َّت ِق َد الفكر؟!‬ ‫ّ‬
‫خاصة أن "كريما" كان ط ّي َ‬ ‫لينقذه مِ مّ ا هو فيه من ضالل‪،‬‬
‫يف يوم من األيام ق َّر َر أحمد أن يزور صديقه كريما يف منزله‪ ،‬ومن هنا بدأت بداية الطريق‪...‬‬

‫‪4‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ا َللِّقا ُء األَ َّ‬


‫و ُل‬

‫ة الْخالِ َد ُ‬
‫ة‬ ‫األس ِئلَ ُ‬
‫ْ‬

‫ت؟‬ ‫‪ِ -‬منْ أَيْنَ ِج ْئ ُ‬


‫‪ِ -‬ل ـمـاذا ِجـ ـ ـ ـ ْئـ ـ ـ ُ‬
‫ـت؟‬
‫‪ -‬إِىل أَيْنَ ْالَص ُ‬
‫ري؟‬

‫‪5‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ا َللِّقا ُء األَ َّ‬


‫و ُل‬
‫ة الْخالِ َد ُ‬
‫ة‬ ‫األس ِئلَ ُ‬
‫ْ‬

‫دخل أحمد يوما عىل صديقه كريم فوجده عىل حالة غري مسبوقة‪ ،‬مُ شوّش الفكر حائر العقل‪،‬‬
‫فسأله‪:‬‬
‫مايل أراك ‪-‬يا صديقي‪ -‬مشغول الفكر؟ مهموم الحال؟‬
‫ٌ‬
‫كثرية لم أجد أجوبة لها‪ ،‬وعقيل حائر مشغول بها منذ‬ ‫ٌ‬
‫أسئلة‬ ‫‪ -‬دعني وشأين يا رجل‪ ،‬ففي ذهني‬
‫زمن‪.‬‬
‫فلعل أن أساعدك‪.‬‬‫ّ‬ ‫‪ -‬هل لك ‪-‬يا صديقي‪ -‬أن َت ْسأَ ْلنيها‪،‬‬
‫ل ْسئلة صعبة! وال أرى أنه بإمكانك اإلجابة عنها‪.‬‬ ‫‪ -‬إنها َ َ‬

‫اإلجابة عنها فأكونُ قد أرح ُتك‪َ ،‬ف ِبها َو ِنعْ مَ ْ‬


‫ت‪ ،‬وإن‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬أَ ْخ ِ ْ‬
‫بين عنها يا صديقي وال ترت َّدد‪ ،‬فإن ع َر ُ‬
‫فت‬
‫لم أعرف‪ ،‬فلن يض ّرك ذلك يف يشء‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا يا صديقي‪ ،‬كما تريد‪.‬‬
‫هات ما عندك‪.‬‬
‫‪ِ -‬‬
‫‪ -‬هل هنالك حقا‪ ،‬خالق لهذا الكون؟ وإن كان هنالك خالق حقا‪ ،‬فمن َخ َل َق ُه وأوجده؟! وملاذا َخ َل َقنا‬
‫أصال؟ وما ْالحِ ْكمَ ُة من وجودنا؟ فأنا يا صديقي ال أستطيع أن أفهم أو أستوعب هذا األمر‪ ،‬إنَّ‬
‫عقيل يكاد أن يتفجّ ر‪ ،‬فهل لك أن تنقذين‪ ،‬وتريح يل عقيل وقلبي‪.‬‬
‫‪ -‬أسئلتك جميلة يا صديقي‪ ،‬وحُ َّق لك أن ُت ّ‬
‫فكر‪ ،‬بل هي بداية الطريق‪...‬‬
‫‪ -‬أتقصد أنّ لهذه األسئلةِ من أجوبة؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬وواضحة‪.‬‬
‫‪ -‬ماذا تقول؟ وواضحة أيضا!! إذن‪َ ،‬فأَ ْخ ِبين حاال يا رجل َفعالمَ االنتظار؟!‬
‫‪ -‬إذن اسمعني يا صديقي جيدا‪ ،‬وأجبني عن أسئلتي‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬تفضل يا صديقي!‬
‫ٌ‬
‫عقل؟‬ ‫‪ -‬هل لديك‬
‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫وت ّ‬
‫فكر بعقلك؟‬ ‫‪ُ -‬‬

‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫‪ -‬ما الفرق بينك وبني الحمار؟‬
‫َ‬
‫عقل له!‬ ‫‪ -‬أنا يل عقل أفكر به أما الحمار فال‬
‫‪ -‬إذن‪ ،‬هل ن ّتفق عىل أن تجيبني بأجوبة منطق ّية وبمُ نتهى العقالن ّية؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬فما املانع من ذلك‪ ،‬فهذا ما نتم ّيز به عن باقي املخلوقات أَنَّ لنا عقال ّ‬
‫نفكر به‪.‬‬
‫‪ -‬رائع جدا يا صديقي! واآلن أجبني عن سؤايل هذا بمنتهى العقالن ّية‪ :‬لنفرض أنك ِن َ‬
‫مت الليلة يف‬
‫َ‬
‫فوجدت نفسك يف غابة‪ .‬فأي األسئلة التي‬ ‫غرفتك الدافئة وعىل سريرك الناعم‪ ،‬وفجأة استيقظت‬
‫يجب عليك أن تسألها لنفسك لحْ َظ َة فتح عينيك ورؤية وجودك يف الغابة؟‬
‫‪ -‬من املنطق أن أسأل‪ :‬من أوجدين هنا؟ وملاذا أنا هنا؟ وإىل أين أنا ذاهب؟‬
‫‪ -‬أحسنت اإلجابة يا صديقي‪ ،‬ها أنت قد سألتها بنفسك بصورة بديهية ومنطق ّية‪ ،‬ألن هذا الذي‬
‫يجب أن يُسأل ًّ‬
‫حقا وال غري ذلك‪.‬‬
‫ّ‬
‫نتحدث عنه؟‬ ‫‪ -‬وما عالقة ذلك بما‬
‫ّ‬
‫سأوضح لك‪ ،‬ولكن اسمعني جيدا بعقلك‪ ،‬أنت قبل مئة عام لم تكن موجودا‪ .‬صحيح؟‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬نعم صحيح‪.‬‬
‫َ‬
‫ووجدت نفسك عىل هذه األرض‪ .‬صحيح؟‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫َ‬
‫وصرت موجودا‪ :‬من أوجدك هنا؟‬ ‫‪ -‬إذن عليك يا صديقي أن تسأل نفسك بما أنك لم تكن موجودا‬
‫وملاذا أنت هنا؟ وإىل أين أنت ذاهب بعد املوت؟ صحيح؟‬

‫‪7‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫فتحت يل ِف ً‬
‫عل نافذة للتفكري‪ ،‬فكالمك بمنتهى العقالنية‪،‬‬ ‫َ‬ ‫منطقي‪ ،‬وها قد‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬صحيح‪ ،‬وهذا‬
‫ّ‬
‫فأنا لم أكن موجودا عىل هذه األرض‪ ،‬ولم يكن أحد يعرفني ويذكرين ويناديني بِاسمي‪ ،‬وها أنا‬
‫فعيل أن أسأل‪ :‬من أوجدين هنا؟ وملاذا‬
‫ّ‬ ‫اليوم موجود‪ ،‬بجسدي وروحي وعقيل وسمعي وبصري‪،‬‬
‫ُ‬
‫وجدت نفيس فيها فجأة‪.‬‬ ‫أوجدين؟ وإىل أين أنا ذاهب؟ تماما كما يف مثالك عن الغابة لو أنني‬
‫أحسنت يا صديقي‪ ،‬ها َق ْد بدأت ِّ‬
‫تفك ُر بِ ِف ْك ٍر صائب‪.‬‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬واآلن َفه َّل أخربتني يا صديقي إذن َعمَّ نْ أوجدين؟‬
‫‪ -‬نعم سأخربك بذلك يف لقاء آخر إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ا َللِّقا ُء الثّاين‬

‫ج َدين؟‬ ‫ن أَ ْ‬
‫و َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬

‫‪9‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫اللِّقا ُء الثّاين‬
‫ج َدين؟‬ ‫ن أَ ْ‬
‫و َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬

‫أحمد‪ :‬السالم عليكم!‬


‫كريم‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬أهال وسهال بك‪ ،‬فأنا ال زلت بانتظارك منذ البارحة ‪-‬يا صديقي‪ -‬لتجيبني عن‬
‫سؤايل‪ :‬مَ نْ أوجدين؟‬
‫أحمد‪ :‬حسنا لنكمل كالمنا بالعقل واملنطق‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل‪ّ ،‬‬
‫وكل آذان مُ صغية‪.‬‬
‫َ‬
‫كنت موجودا قبل مئة عام؟‬ ‫‪ -‬أجبني عن سؤايل هذا لو سمحت‪ :‬هل َ‬
‫أنت‬
‫‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعرتف بذلك؟‬
‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫‪ -‬وهل َ‬
‫أنت متأكد من ذلك؟‬
‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسمح يل أن ْأت ُل َو عليك آية من القرآن الكريم حتى تربط األمور بعقلك؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬تفضل!‬
‫َّ َ َ ْ‬ ‫ٌ ّ َ َّ ْ َ ْ َ ُ‬
‫كن َشيْ ًئا َّم ْذ ُك ً‬ ‫ع ْ َ‬ ‫َ ْ ََ ََ‬
‫ورا ‪ 1‬إِنا خلق َنا‬ ‫ان حِني مِن ادله ِر لم ي‬ ‫النس ِ‬
‫ِ‬ ‫الله يف كتابه العزيز‪﴿ :‬هل أت‬ ‫‪ -‬يقول ّ‬
‫ج َعلْ َناهُ َسم ً‬
‫يعا بَ ِص ً‬ ‫َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ان مِن ُّن ْط َفة أ ْم َشاج نَّبْ َتل ِيهِ فَ َ‬
‫ريا ‪[ ﴾2‬سورة اإلنسان]‪ .‬إذن لم يكن أحد‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫النس‬
‫ِ‬
‫يذكرك قبل مئة عام‪ ،‬ولم تكن معروفا أبدا بني الناس‪ ،‬ولم يكن لك أيُّ ِذ ْك ٍر‪ ،‬بل َ‬
‫كنت غائبا‪ ،‬ال‬
‫ت موجو ًدا‪ .‬فهل أنت أَوْجَ ْد َ‬
‫ت نفسك؟‬ ‫جسدا وال روحا وال َسمعا وال بصرا‪ .‬واآلن أنت ِص ْر َ‬
‫‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬هل أنت من َق َّر َر َش ْك َلك؟‬

‫‪10‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬إذن ملاذا ال َت َتع ّرف عىل من أَوْجَ َدك؟‬
‫‪ -‬ولكنّ أمي وأبي هما من أوجداين!‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬ومن أوجد أمك وأباك؟‬
‫‪ -‬آه‪ ،‬جدي وجديت!‬
‫‪ -‬ومن أوجد جدك وجدتك؟‬
‫‪ -‬امممممم‪...‬‬
‫‪ -‬إذن ستصل يف نهاية املطاف إىل اإلنسان األوّل؟ فمن هو يا صديقي هذا اإلنسان األول؟‬
‫‪ -‬إنه آدم وزوجُ ُه حوّاء‪.‬‬
‫ُلدت‪ ،‬وهذا ما عليك أن تستشعره دون‬ ‫‪ -‬رائع يا صديقي‪ ،‬إذن عليك أن تشعر ّ‬
‫بأنك مخلوق عندما و َ‬
‫ك شكلك‪ ،‬وحجمك‬ ‫سبب وجودك‪ ،‬فهل َق َّر َر أبوك وأمُّ َ‬‫ُ‬ ‫ربط نفسك بأمك وأبيك‪ ،‬فهما فقط‬
‫ولون عينيك؟ طولك ولون شعرك؟ هل هما من قاما ببنائك؟ فلو شاءَ الخالق ما أوجدك‪.‬‬
‫‪ -‬كيف ذلك؟‬
‫‪ -‬هل من املمكن أن يتزوّج رجل بامرأة وال ينجبان أوالدا أبدا؟‬
‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫‪ -‬إذن‪ ،‬هنا لم يَشأ الخالق أوالدا منهما‪ ،‬فلو شاءَ ذلك ألنجبا‪.‬‬
‫‪ -‬إذن أنا هنا عىل األرض بإرادة الخالق؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬فهو من أوجدك وأراد لك ذلك‪.‬‬
‫وخ َلق هذا الكون؟‬
‫‪ -‬إذن‪ ،‬أهناك خالق َخ َل َقنا َ‬
‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫‪ -‬وكيف لك أن ُتثبت يل ذلك؟‬
‫الله َسأُ ّ‬
‫حدثِك عن الخالق‪.‬‬ ‫‪ -‬يف لقاء آخر إن شاء ّ‬

‫‪11‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪12‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ا َللِّقا ُء الثّالِثُ‬

‫ك خالِ ٌ‬
‫ق‬ ‫هنالِ َ‬‫ه ْل ُ‬
‫َ‬
‫حقًّا؟‬‫َ‬

‫‪13‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫اللِّقا ُء الثّالِثُ‬
‫حقًّا؟‬ ‫ك خالِ ٌ‬
‫ق َ‬ ‫هنالِ َ‬
‫ه ْل ُ‬
‫َ‬

‫أحمد‪ :‬السالم عليكم!‬


‫كريم‪ :‬وعليكم السالم‪ .‬أنا ال ُ‬
‫زلت يف انتظارك بشوق ‪-‬يا صديقي‪ -‬لتجيبني عن باقي أسئلتي‪ ،‬فهل‬
‫لك أن تحدثني عن هذا الخالق‪ ،‬وتثبت يل وجو َد ُه؟‬
‫ت موجودا‪ ،‬وأن‬‫وص ْر َ‬
‫‪ -‬نعم بالرحب والسعة‪ ،‬لقد تحدثنا يف لقائنا السابق‪ ،‬أنك لم تكن موجودا‪ِ ،‬‬
‫صيل وأصلك هو آدم‪ ،‬وهو اإلنسان األول الذي خلقه الخالق‬‫سبب وجودك‪ ،‬وأنَّ أَ ْ‬
‫ُ‬ ‫أمك وأباك هما‬
‫ونحن ساللة منه‪ .‬صحيح يا صديقي؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬صحيح‪.‬‬
‫‪ -‬هل تعرتف بهذه الحقيقة؟‬
‫‪ -‬نعم أعرتف‪ ،‬فهذه حقيقة ال َلبس فيها‪.‬‬
‫‪ -‬إذن‪ ،‬هل تسمح يل هنا أن أَ ْت ُل َو عليك آيات من القرآن الكريم‪ّ ،‬‬
‫تبي هذه الحقيقة‪ ،‬لرتبط مضمونها‬
‫بالعقل واملنطق؟‬
‫‪ -‬نعم يا صديقي‪ ،‬تفضل‪.‬‬
‫َّ‬ ‫َ َ ْ‬ ‫َّ ْ‬ ‫َ ََ ُ‬ ‫ُ َّ‬ ‫َ َ ُّ َ َّ ُ َّ ُ ْ‬
‫اس اتقوا َر َّبك ُم الِي خلقكم ّمِن نف ٍس َواح َِد ٍة َوخل َق مِن َها َز ْو َج َها َو َبث‬ ‫‪ -‬يقول ّ‬
‫الله تعاىل‪﴿ :‬يا أيها انل‬
‫ك ْم َرق ً‬ ‫َ ْ َ َ َّ ّ َ َ َ َ ْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ‬ ‫ْ ُ َ َ ً َ ً َ َ ً َّ ُ ْ ّ َّ‬
‫ِيبا ‪.﴾1‬‬ ‫اء َواتقوا الل الِي ت َساءلون بِهِ واألرحام إِن الل كن علي‬ ‫مِنهما رِجال كثِريا ون ِس‬
‫[سورة النساء]‪.‬‬
‫ُ َّ َ َ ُ َ َ ٌ َ َ ُ َ‬
‫ون ‪َ 20‬وم ِْن آيَاتِهِ أَ ْن َخلَقَ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َ ْ َ ََ ُ ّ ُ‬ ‫وقال ً‬
‫اب ثم إِذا أنتم بش تنت ِش‬ ‫ا‪﴿ :‬ومِن آيا َتِهِ أن خلقكم مِن تر ٍ‬
‫َ‬
‫أيض‬
‫َّ‬ ‫َ‬
‫َ َ َ‬ ‫ُ ْ ْ َ ً ّ َ ْ ُ ُ َ َ َ َ َ َ َ ْ َ ُ َّ َّ ً َ َ ْ َ ً َّ‬ ‫َ ُ ّ ْ ُ‬
‫ات ل ِق ْو ٍم‬
‫لكم مِن أنفسِكم أزواجا ل ِتسكنوا إِلْها وجعل بينكم م َودة ورحة إِن ِف ذل ِك لي ٍ‬
‫َ َ َّ َ‬
‫َيتفك ُرون ‪[ ﴾21‬سورة الروم]‪.‬‬
‫جدا‪ ،‬تجد أننا ُخل ِْقنا من نفس واحدة وهي‬
‫واملفصلة ًّ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬
‫املوضحة‬ ‫َ‬
‫نظرت يا صديقي إىل هذه اآليات‬ ‫إذا‬

‫‪14‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫َخل َِق ْ‬
‫ت من هذه النفس زوجها‪ ،‬وهي أمّ نا حوّاء‪ ،‬وبعد نزولهما إىل األرض ب َّ‬
‫ُث منهما‬ ‫أبونا آدم‪ ،‬و ُ‬
‫الرجال والنساء وأنت من هؤالء‪ .‬إذن عليك أن ُت ِق َّر وتعرتف أنك مخلوق ألنك لم تكن موجودا‪،‬‬
‫أوجدك‪ ،‬وقد سألتني حينها‪ :‬كيف لك أن ُتثبت يل وجو َد هذا الخالق؟ صحيح؟‬
‫َ‬ ‫وأن هناك خالق قد‬
‫كريم‪ :‬نعم‪ ،‬صحيح‪.‬‬
‫إيل واستمع جي ًِّدا‪ ،‬وحَ ِّكمْ عقلك ال هَ واك!‬ ‫َ‬
‫أحمد‪ :‬حسنا‪ ،‬إذن أصغ ّ‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي‪َ ،‬و ُك ّل آذان مُ صغية!‬
‫بنفسهِ؟‬
‫ِ‬ ‫كل ما تراه أمامك اآلن يف الغرفة أَوْجَ َد َن ْف َس ُه‬
‫‪ -‬هل ّ‬

‫فاعل َفعَ َله‪ ،‬أحض َر ُه ووضعَ ه‪.‬‬


‫ٍ‬ ‫‪ -‬طبعا ال‪ ،‬وهذا من املستحيل‪ .‬بل ال ب َُّد من‬
‫ت يف غرفة مغلقة ال شبابيك فيها ومُ ٌ‬
‫غلق‬ ‫‪ -‬واآلن أجبني عن سؤايل هذا‪ :‬لنفرض جَ َد ًل‪ ،‬أنك ُول ِْد َ‬
‫َ‬
‫وخرجت‪،‬‬ ‫الباب‬
‫ُ‬ ‫بابها‪ ،‬ولم تخرج منها أبدا مدة أربعني سنة منذ والدتك‪ ،‬وبعد األربعني ُفتِحَ‬
‫َ‬
‫فرأيت أمامك أشجارا وجباال وسماء وطيورا ألوّل مرة يف حياتك‪ ،‬فما السؤال املنطقي الذي‬
‫ستسأله دون ت َر ُّد ٍد عند رؤيتك لهذه املشاهد ألوّل مرة؟‬
‫سأتلفت يَمْ َن ًة َوي َْس َر ًة مُ حَ ِّد ًقا النظ َر مُ ْن َب ِه ًرا سائ ًِل‪ِ :‬لَنْ هذه؟ ومن َفعَ َلها؟ ومَ نْ يملكها؟‬
‫ّ‬ ‫‪-‬‬
‫‪ -‬وملاذا ستسأل نفسك هذه األسئلة؟‬
‫‪ -‬ألنه من املستحيل أن تظهر وحدها هكذا‪ ،‬بل ال بد من وجو ِد أحدٍ يملكها‪ ،‬وقد َ‬
‫صنعها‪ ،‬وأنها‬
‫مِ ْل ُكهُ‪.‬‬
‫‪ -‬وماذا َ‬
‫كنت ستفعل وقتها؟‬
‫‪ -‬سأبحث عن هذا املالك‪ ،‬ألتع ّرف عليه‪.‬‬
‫َ‬
‫ورأيت‬ ‫َ‬
‫وفتحت عينيك‬ ‫َ‬
‫وجئت إىل هذه الدنيا‪،‬‬ ‫‪ -‬رائع صديقي‪ ،‬وهكذا َ‬
‫أنت! فإنك لم تكن موجودا‪،‬‬
‫َ‬
‫رأيت من سماء وشمس وقمر وبحار وكائنات‪ ،‬فهل من املعقول أنّ هذه ال يملكها أحد؟ ولم‬ ‫ما‬
‫يوج ْدها أحد؟‬
‫ِ‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬ليس ذلك من املعقول‪.‬‬
‫‪ -‬أحسنت يا صديقي‪ ،‬واآلن‪ ،‬هل تعرتف أن َّ‬
‫كل يشء يف حياتك موجو ٌد بِ ِفعْ ِل ِ‬
‫فاع ٍل؟‬

‫‪15‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬نعم‪ ،‬فهذه حقيقة دامغة ال يعارضنا فيها عاقل‪.‬‬


‫نفسها بنفسها‪ ،‬أم أن‬
‫ت َ‬ ‫قة عىل شجرة بحبل‪ ،‬فهل من املعقول أنها َع َّل َق ْ‬ ‫طاولة مُ ّ‬
‫عل ً‬ ‫ً‬ ‫‪ -‬إذا رأيت‬
‫ً‬
‫فاعل قام بربطها؟‬ ‫هناك‬
‫ً‬
‫فاعل قام بهذا العمل‪.‬‬ ‫‪ -‬من املؤكد أن هناك‬
‫‪ -‬إذا رأيت حقال مزروعا‪ ،‬فهل يمكن منطق ًّيا أن يزرع الحقل نفسه بنفسه؟ أم أن هناك فاعال قام‬
‫بزراعته؟‬
‫‪ -‬ال ب َُّد من ِ‬
‫فاع ٍل قام بزراعة الحقل‪.‬‬
‫بنفسه؟ فهل هذا من املمكن حصوله؟‬
‫ِ‬ ‫نفسه‬
‫‪ -‬إذا رأيت بيتا‪ ،‬هل تقول إنه قد بَنى َ‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬بل هذا جنون‪.‬‬
‫ضرها‪،‬‬‫وضعها أو أَحْ َ‬
‫صنعها أو َ‬
‫كل ما هو أمامك من أشياء ال بد أن يكون لها من فاعل قد َ‬‫‪ -‬إذا كان ّ‬
‫ّ‬
‫متعلقة باإلنسان‪ ،‬فمال بالك بهذا الكون العظيم من سماءٍ‬ ‫وهي أشياء حيات ّية بسيطة عاديّة‬
‫وبحار‪ ...‬أال يوجد لها من فاعل قد أوجدها؟؟!!!‬
‫ٍ‬ ‫وأشجار‬
‫ٍ‬ ‫وقمر‬
‫ٍ‬ ‫وشمس‬
‫ٍ‬ ‫وأرض‬
‫ٍ‬
‫‪ -‬اممممم‪ ،‬يف الحقيقة بىل‪ ،‬ألن قانون الفاعل ّية قانون مُ ثبت ومُ شاهَ ٌد يف واقع حياتنا ُك ِّل ِه‪.‬‬
‫فاع ًل‪ ،‬ومَ نْ قال غري ذلك‬
‫‪ -‬رائع أنت يا صديقي‪ ،‬إذن‪ ،‬هذه قاعدة ثابتة ال جدال فيها أنّ ل ُِك ِّل ِفعْ ٍل ِ‬
‫فهو مجنون‪.‬‬
‫كريم‪ :‬إنه فعال لشرح مُ قنع‪ ،‬يستحيل أن يكون هناك يشءٌ موجو ٌد أمامنا ليس له مِ ن فاعل‪ّ ،‬‬
‫فكل‬
‫نفسها‪ ،‬والحائط لم ي َْدهَ ن َ‬
‫نفسه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ص َنعْ‬‫ما نراه يف واقع حياتنا نحن مَ نْ فعلناه‪ ،‬فالطائرة لم َت ْ‬
‫نفسها‪ ،‬وما ْأل َب ُس ُه أنا لم ي ُْل َبس وَحْ َد ُه‪ ،‬وهذا مع كل ما‬ ‫والكتاب لم ِّ‬
‫يؤلف نفسه‪ ،‬واملالبس لم ُتخِ ْط َ‬
‫نفسها‪،‬‬ ‫ُ‬
‫القاعدة ُ‬ ‫نراه أمامنا‪ .‬وكذلك األمر بالنسبة للشمس والقمر والنبات والحيوان تنطبق عليها‬
‫أنه ال بد لها من فاعل أوجدها‪ ،‬وهذا أمر منطقي وعقالين‪ ،‬فقانون الفاعلية كما ينطبق عىل ما نراه‬
‫منطقي وجميل‪ .‬ولكن‪...‬‬
‫ّ‬ ‫يف واقع حياتنا فهو ينطبق عىل ما يف الكون أيضا‪ِ ،‬فعْ ًل يا صديقي ّإنه َلكالمٌ‬
‫‪ -‬ولكن ماذا؟‬
‫دفة‪ ،‬هكذا‪َ .‬فمِ نَ املمكن أن يكون كذلك!!‬
‫ص ً‬ ‫سمعت أَنَّ الكونَ قد َظ َه َر ُ‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد‬
‫أحمد‪ :‬حسنا يا صديقي! لقد أطلنا الحديث كثريا اليوم‪ ،‬وسأجيبك عن استفسارك هذا يف اللقاء‬
‫القادم إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ا َللِّقا ُء ال ّرا ِب ُ‬
‫ع‬

‫ن ظَ َ‬
‫ه َر‬ ‫هلِ الْ َك ْ‬
‫و ُ‬ ‫َ‬
‫ص ْدفَ ً‬
‫ة؟‬ ‫ُ‬

‫‪17‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫اللِّقا ُء ال ّرا ِب ُ‬
‫ع‬
‫ص ْدفَ ً‬
‫ة؟‬ ‫ن ظَ َ‬
‫ه َر ُ‬ ‫هلِ الْ َك ْ‬
‫و ُ‬ ‫َ‬

‫أحمد‪ :‬السالم عليكم!‬


‫جئت وأنا يف انتظارك بشوق منذ ساعة ألتزوّد‬ ‫َ‬ ‫كريم‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬أهال بك يا صديقي! وأخريا‬
‫ك يف لقائنا السابق سؤاال لم ُت ِج ْبني عنه‪ ،‬لطول حديثنا وقتها‬
‫الغزير النافع‪ ،‬لقد سأل ُت َ‬
‫ِ‬ ‫من ِع ْلمِ َ‬
‫ك‬
‫عن قانون الفاعل ّية‪.‬‬
‫‪ -‬نعم يا صديقي‪ ،‬هذا صحيح‪ ،‬فهل تعيد يل سؤالك مرة أخرى لو سمحت؟‬
‫ُ‬
‫سمعت أنّ الكون ظهر صدفة‪ ،‬هكذا‪ .‬فهل من املمكن أن يكون‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬نعم‪ ،‬يا صديقي! لقد‬
‫كذلك!؟‬
‫ّ‬
‫يصدقها‬ ‫‪ -‬هذه يا صديقي فلسفة عقيمة وباطلة‪ ،‬وغري مثبتة أصال‪ ،‬وال دليل عىل ذلك‪ ،‬والعقل ال‬
‫وصيف وشتاءٍ ‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫ونهار‪،‬‬
‫ٍ‬ ‫تصد ُق أنّ هذا الكون بنظامه الدقيق وقوانينه املحكمة‪ ،‬من ٍ‬
‫ليل‬ ‫ِّ‬ ‫أبدا‪ .‬فهل‬
‫ودوران للشمس والقمر‪ ،‬وما يف جسمك من خاليا بمنتهى الدقة يف بنائها‪ ،‬وغريها الكثري جاءَ‬
‫ٍ‬
‫صدفة!!!! كيف أن يكون كذلك؟! هذا جنون ما بعده من جنون! ودعني أن أقول لك هنا وبمنتهى‬
‫َ‬
‫وأردت‬ ‫وضعت يف جيبك ‪ 100‬رقم‪ّ ،‬‬
‫كل رقم منفصل عن اآلخر من الواحد إىل املئة‪،‬‬ ‫َ‬ ‫العقالن ّية‪ :‬إذا‬
‫ً‬
‫صدفة من الواحد إىل‬ ‫ب األرقام من جيبك رقمً ا رقمً ا‪ ،‬فهل من املمكن أن تخرجَ األرقامُ مُ َر َّت َب ًة‬
‫َسحْ َ‬
‫املئة من امل ّرة األوىل؟‬
‫‪ -‬طبعا ال‪.‬‬
‫‪ -‬هل هنالك احتمال لذلك؟‬
‫‪ -‬أكيد ال‪.‬‬
‫‪ -‬فإذا كان هذا من ‪ 100‬رقم فقط‪ ،‬فما بالك بماليني الخاليا يف جسمك تعمل بنظام دقيق‪ ،‬وكذلك‬
‫ما يدور يف الكون من ماليني الكواكب والنجوم ال تصطدم بعضها ببعض‪ ،‬وتسري وفق نظام‬
‫حدد ودقيق‪ ،‬هل يُعْ َق ُل أن يكون ذلك من َق ِ‬
‫بيل الصدفة؟ ما هذا الهراء؟!!!‬ ‫مُ ّ‬

‫‪18‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬لقد صدقت بقولك يا صديقي‪.‬‬


‫‪ -‬وإليك مثاال آخر يؤ ّكد لك أنّ الكون لم يظهر صدفة‪ ،‬وهذا املثال يمكنك معاينته يوم ًّيا‪ ،‬وهي أنّ‬
‫الشمس يف كل يوم تشرق وتغيب يف وقت مُ حَ َّددٍ‪ ،‬فلنفرض أن الشمس اليوم تغيب الساعة‬
‫الخامسة والـ ‪ 13‬دقيقة من هذه السنة‪ ،‬ففي السنة القادمة والتي بعدها والتي بعدها وبنفس‬
‫اليوم ستغيب الشمس يف نفس التوقيت تماما‪ ،‬وهذا من أوّل يوم َخ َل َق الله فيه األرض والشمس‬
‫والقمر‪ ،‬فكيف أنّ الشمس لم تخرج عن مسارها منذ ذلك الوقت؟ فأيّ نظام هذا؟ هل تقول‬
‫يل صدفة؟؟!!! ليل ونهار‪ ،‬شمس وقمر ودوران‪ ،‬صيف وشتاء وأمطار‪ ،‬فكيف يكون هذا الفعل‬
‫البديع مع نظامه الدقيق أن يكون صدفة‪ ،‬بل هذا من ورائه خالق عظيم مُ َد ِّب ٌر وحكيم‪.‬‬
‫‪ -‬فعال‪ ،‬لقد أقنعتني يا صديقي‪ .‬يف الحقيقة كالمك عني العقل واملنطق‪ ،‬فمن املستحيل أن‬
‫يحدث يشء بال فاعل‪ ،‬ومن املستحيل وجود نظام دقيق بمنتهى الدقة أن يكون هكذا صدفة من‬
‫دون مُ بدِ ع!‬
‫جدا ِج ًّدا ال ُتحىص‪،‬‬
‫‪ -‬نعم نعم يا صديقي‪ ،‬وأنا هنا ضربت لك مثاال أو مثالني فقط‪ ،‬واألمثلة كثرية ًّ‬
‫الف َلك واألحياء والفيزياء‬
‫يمكنك االطالع عىل هذا النظام الدقيق والبديع عند دراستك لعلم َ‬
‫والكيمياء وعلوم األرض والبحار‪ ،‬واسمح يل هنا أن أقرأ عليك بعض اآليات من القرآن الكريم‬
‫ِل ُتحَ ِّكمَ بها عقلك‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي‪ ،‬فلنستمع‪.‬‬
‫ُ َ‬ ‫َ َ ُ‬
‫َ‬
‫نظرت يوما إىل‬ ‫ِك ْم أفَ َل ُتبْ ِ ُ‬
‫صون﴾ [سورة الذاريات]‪ ،‬فهل‬ ‫﴿و ِف أنفس‬ ‫أحمد‪ :‬يقول ّ‬
‫الله تعاىل‪:‬‬
‫ك‪،‬‬ ‫نفسك‪ ،‬ففكرت مثال بخصائص ماء عينيك‪ ،‬أو رموشك وشعرك‪ ،‬أو ط ّيات َ‬
‫أذن ْيك وحاج َب ْي َ‬
‫ريا عليمً ا‬ ‫ّ‬
‫فلكل واحدة من تلك سرتى العجب العُ جاب‪ ،‬وأنّ صانعً ا خب ً‬ ‫أو أظفارك ومفاصلك‪...‬‬
‫حكيمً ا من ورائها‪.‬‬
‫َ َْْ َ َ ََ ًَْ ََََْ ُ‬
‫اهماَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َّ‬
‫ات والرض كنتا رتقا ففتقن‬ ‫واستمع إىل هذه اآلية أيضا‪﴿ :‬أولم ير الِين كفروا أن السماو ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫اس أن ت ِميد به ْم َوجعلنا ف َ‬ ‫ون ‪َ 30‬و َج َعلْ َنا ف ْالَ ْر ِض َر َ‬
‫َ َ َ ْ َ َ ْ َ ُ َّ َ ْ َ ّ َ َ َ ُ ْ ُ َ‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫ِيها‬ ‫ِِ‬ ‫و‬ ‫ِ‬ ‫ح أفل يؤمِن‬ ‫وجعلنا مِن الماء ك ش ٍء ٍ‬
‫َ ُ َ َّ‬ ‫ُ َ‬ ‫ًْ ُْ ً ُ َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫َ ً ُ ُ ً َ َ َّ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫الس َماء َسقفا مفوظا َوه ْم ع ْن آيَات َِها ُم ْع ِرضون ‪ 32‬وهو الِي‬ ‫ون ‪َ 31‬و َج َعل َنا َّ‬ ‫ف ِجاجا سبل لعلهم يهتد‬
‫ََ َْ َ ُ َ‬ ‫َ َ َ َّ ْ َ َ َّ َ َ َ َّ ْ َ َ ْ َ َ َ ُ ٌّ‬
‫خلق الليل وانلهار والشمس والقمر ك ِف فل ٍك يسبحون ‪[ ﴾33‬سورة األنبياء]‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫َّ ْ َ َّ َ َ ْ ُ ْ َّ َ ْ‬ ‫ْ َ‬ ‫َْ‬ ‫وإليك آية أخرى‪﴿ :‬إ َّن ف َخلْق َّ‬


‫ك ال ِت ت ِري ِف‬ ‫ات َوال ْر ِض َواختِل ِف اللي ِل وانلهارِ والفل ِ‬ ‫او ِ‬‫الس َم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫ِيها مِنْ‬
‫ثف َ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫ْ َ ْ َ َ ْ َ ُ َّ َ َ َ َ ْ َ َ‬
‫الح ِر بِما ينفع انلاس وما أنزل الل مِن السماءِ مِن ما ٍء فأحيا بِهِ الرض بعد موت ِها وب‬
‫َ َ ْ ُ َ‬
‫ات ل ِق ْو ٍم يعقِلون ‪[ ﴾164‬سورة‬
‫الس َما ِء َو ْالَ ْر ِض َليَ‬
‫ي َّ‬‫حاب ال ْ ُم َس َّخر َب ْ َ‬ ‫الر َي ِ َ َّ َ‬‫ص ِ ّ‬ ‫ُ ّ َ َّ َ َ ْ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫اح والس ِ‬ ‫يف ِ‬ ‫ك داب ٍة وت ِ‬ ‫ِ‬
‫البقرة]‪.‬‬
‫َ‬ ‫اوات ط َِباقًا ‪َ 15‬و َج َع َل الْ َق َم َر فِيه َّن نُ ً‬ ‫َ‬
‫﴿أل َ ْم تَ َر ْوا َكيْ َف َخلَ َق َّ ُ‬
‫الل َسبْ َع َس َم َ‬
‫ورا َو َج َعل‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫و ََت َف َّكر يف هذه اآلية‪:‬‬
‫س ً‬ ‫َّ‬
‫الش ْم َس ِ َ‬
‫اجا ‪[ ﴾16‬سورة نوح]‪.‬‬
‫َ َ ً ُ َّ ُ َ ّ ُ َ ْ َ ُ ُ َّ َ ْ َ ُ ُ ُ َ ً َ َ َ ْ ْ َ َ ْ‬
‫تى ٱل َودق ي ُر ُج م ِْن‬ ‫ٱلل يُ ْز ِج سحابا ثم يؤل ِف بينه ثم يعله ركما ف‬ ‫﴿أل َ ْم تَ َر أَ َّن َّ َ‬
‫َ‬
‫وهذه اآلية‪:‬‬
‫َ َ َ ُ َ َ ْ ُ ُ َ َّ َ َ ُ َ ُ‬
‫اء يَكاد‬ ‫صفه عن من يش‬ ‫ي‬‫و‬ ‫اء‬ ‫ش‬ ‫ي‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫ِ‬ ‫ه‬ ‫ب‬ ‫ِيها مِن بَ َر ٍد َف ُي ِص ُ‬
‫يب‬ ‫ٱلس َما ِء مِن ج َبال ف َ‬‫ن ُل م َِن َّ‬ ‫خ َِلٰلِهِ َو ُي َ ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ َ َْ َْ َ ُ َْ َ‬
‫ب بِٱلبْص ٰ ِر ‪[ ﴾43‬سورة النور]‪.‬‬ ‫سنا برقِهِ يذه‬
‫َ‬
‫العقل والفك َر‪.‬‬ ‫ب‬
‫يخاط ُ‬
‫ِ‬ ‫كريم‪ :‬إنه لكالم عظيم‪ ...‬إنه حَ ًّقا‬
‫ّ‬
‫فلكل واحدة لها‬ ‫أحمد‪ :‬نعم‪ ،‬ولألسف ‪-‬يا صديقي‪ -‬ال يسعني هنا أن أشرح لك هذه اآليات‪،‬‬
‫لتجد أنّ املاء لم يظهر صدفة وإنما من‬ ‫َ‬ ‫ك من ذلك أن تقرأ عن خصائص املاء‬ ‫مجلدات‪ ،‬وحَ ْس ُب َ‬
‫ّ‬
‫األدلة التي تثبت أنَّ هذا الكونَ له خالق مُ د ّب ٌر حكيم‬ ‫ورائه خالق عظيم‪ ،‬وهناك الكثري الكثري من‬
‫عليم‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬لقد فهمت جيدا اآلن‪ ،‬ولكن ‪-‬يا صديقي‪ -‬لدي سؤال ال يمكنك اإلجابة عنه أبدا‪ ،‬وال تملك‬
‫له جوابا‪.‬‬
‫تتحي!‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬تفضل يا صديقي تفضل‪ ،‬اسأل وال‬
‫نت جيدا و ََتأَ َّك َد يل بأنّ لهذا الكون خالقا‪ ،‬إذن‪ ،‬فمن َخ َل َق هذا الخالق؟‬
‫‪ -‬بعد أن َت َي َّق ُ‬
‫‪ -‬هذا سؤال غري مُ و ََّف ٍق‪ ،‬فسؤالك هذا فيه َخ َل ٌل وغري صحيح ً‬
‫أبدا‪ ،‬وهو سؤال مغلوط‪ ،‬ومع هذا‬
‫سأجيبك عن هذا السؤال بوضوح يف لقاء آخر إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬
‫‪ -‬أفهم من كالمك أن لهذا السؤال جوابا؟!‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬نعم‪ ،‬سأجيبك عنه يف لقائنا القادم إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫س‬ ‫ا َللِّقا ُء الْخا ِ‬


‫م ُ‬

‫ق الْخالِ َ‬
‫ق؟‬ ‫خلَ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫(أ)‬

‫‪21‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫س‬‫م ُ‬ ‫اللِّقا ُء الْخا ِ‬


‫ق؟ (أ)‬‫َق الْخالِ َ‬‫خل َ‬
‫ن َ‬ ‫م ْ‬
‫َ‬

‫أحمد‪ :‬السالم عليكم!‬


‫كنت بانتظاره‬ ‫كريم‪ :‬وعليكم السالم صديقي‪ .‬وأخريا جاء اليوم الذي ستجيبني فيه عن سؤايل‪ ،‬وقد ُ‬
‫ت فعال بوجود هذا الخالق‪ ،‬فسؤايل اآلن هو‪ :‬مَ نْ َخ َل َق‬ ‫عىل أَحَ َّر من الجمر‪ ،‬فبعد أن َتأَ َّك ْد ُ‬
‫ت و ََت َي َّق ْن ُ‬
‫رت حينها فيما ُق ْل َت ُه يل بقولك‪ ،‬أنه سؤال مغلوط غري صحيح‪ ،‬وأنه سؤال‬ ‫هذا الخالق؟ لقد َف ّك ُ‬
‫فيه َخ َلل‪ .‬فكيف ذلك يا صديقي؟ لم أعرف أين الخطأ يف سؤايل‪ :‬مَ نْ َخ َلق الخالق؟!‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬سأسألك اآلن سؤاال يوازي سؤالك هذا‪ ،‬وأنا سأنتظر منك جوابا عنه‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل‪َ ،‬ف ْل َتسأل!‬
‫بقلم َ‬
‫أزرق فهل س ُي ْنجبان ذكرا أم أنثى؟‬ ‫ٍ‬ ‫‪ -‬إذا تزوَّجَ َقلمٌ أحم ُر‬
‫جواب عن هذا‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ما هذا السؤال يا صديقي؟ هذا جنون! هذا سؤال غري صحيح وال منطقي‪ .‬ال‬
‫ُ‬
‫صفات اإلنجاب لإلنسان وليست للجماد‪ .‬ماذا دهاك يا‬ ‫السؤال‪ .‬فكيف لجما ٍد أن ُي ْن َ‬
‫جب ولدا؟!؟!‬
‫صديقي؟ ماذا حدث لعقلك؟!‬
‫أجبت عن السؤال بنفسك عىل مَ نْ َخ َل َق الخالق‪ ،‬أنه سؤال غري‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ههههه‪ .‬رائع يا صديقي‪ ،‬ها قد‬
‫صحيح وغري منطقي‪ ،‬وفيه جنون‪.‬‬
‫‪ -‬كيف ذلك؟ هل لك أن تو ّ‬
‫َضح يل أكرث!‬
‫‪ -‬طبعا‪ ،‬قل يل‪ :‬هل صفات الجماد مثل صفات اإلنسان؟‬
‫‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬هل هناك وجه مقارنة بينهما؟‬
‫‪ -‬طبعا ال‪.‬‬
‫ُنجب أوالدا فهل لِزاما وَحَ ْتمً ا للجما ِد عليه أن ُي ْن ِجب؟‬
‫‪ -‬إذا كان اإلنسان من صفاتِهِ أنه ي ُ‬

‫‪22‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬من املؤكد ال‪ ،‬ألن صفات الجماد مختلفة تماما عن صفات اإلنسان‪.‬‬
‫‪ -‬هل يمكننا املقارنة بتشابه صفات َ‬
‫ِك مع صفات الطاولة؟!‬
‫‪ -‬من املؤ َّكد ال‪ ،‬فاإلنسان كائن مختلف تماما عن الطاولة‪ ،‬وال تشا ُب َه يف صفاتهما‪.‬‬
‫صفات اإلنسان املخلوق؟‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫صفات الخالق مثل‬ ‫‪ -‬حسنا واآلن‪ ،‬هل من املنطق والعقالن ّية أن تكون‬
‫‪ -‬طبعا ال‪ ،‬وَش ّتانَ ما بني صفات الخالق وصفات املخلوق!‬
‫ً‬
‫مخلوقا فهل‬ ‫صفات الخالق عىل صفات املخلوق؟ بمعنى إذا كان اإلنسانُ‬
‫ِ‬ ‫‪ -‬إذن‪ ،‬كيف تقيس‬
‫بالضرورة أن يكون الخالق مخلوقا؟!‬
‫‪ -‬امممممم‪ .‬طبعا ال‪.‬‬
‫أنت مِ نْ صفاتك أنك مخلوق‬ ‫‪ -‬أحسنت‪ ،‬فصفات الخالق مختلفة تماما عن صفات املخلوق‪ ،‬فإذا َ‬
‫ك مُ ْخ َتل ٌ‬
‫ِف تماما عن‬ ‫فليس معنى هذا أن ّ‬
‫الله مخلوق! فالخالق مُ ْخ َتل ٌ‬
‫ِف تماما عن املخلوق‪ ،‬كما َّأن َ‬
‫تريد أن ُت ْن ِز َل صفاتك اإلنسانية عىل صفات الخالق‪ .‬فإذا كان اإلنسان مخلوقا‬
‫الطاولة‪ ،‬إذن‪ ،‬ملاذا ُ‬
‫ص ًل ال يمكن التفكري بذلك أبدا‪ ،‬فهو تفكري غري سليم وغري‬‫مخلوق‪ .‬أَ ْ‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫الخالق‬ ‫ال يعني هذا أنّ‬
‫أنت أن تكون َلوْحً ا ً‬
‫مثل؟!‬ ‫صحيح‪ ،‬فهل َت ْق َب ُل َ‬
‫وأفكر‪ ،‬أمّ ا اللوح فهو يشء مختلف تماما عني فهو ال ي ّ‬
‫ُفكر وال يشعر‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬ال‪ ،‬فأنا كائن أشعر‬
‫أحسنت‪ ،‬إذن عليك أن تدرك وأن تعرف أن صفاتك اإلنسانية مختلفة تماما عن صفات الخالق‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫َ‬
‫وش ّتان ما بينهما‪ ،‬فأنت مخلوق وهو خالق وال مقارنة بينهما‪ .‬كما أنت واللوح‪ .‬فأنت يشء واللوح‬
‫يشء آخر مختلف عنك تماما‪ .‬إذن ال يمكن لك أن تقيس صفاتك عىل صفات الخالق فأنت مخلوق‬
‫وهو خالق‪.‬‬
‫فهمت اآلن يا صديقي! إنه ليشء مذهل ومقنع‪ ،‬لقد أذهلتني ًّ‬
‫حقا بجوابك‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬أَهَ ه‪ ..‬نعم نعم‪ ،‬لقد‬
‫‪ -‬إذن من صفات اإلنسان أنه مخلوق ومن صفات الخالق أنه خالق‪ ،‬ال مخلوق‪ ،‬فكلمة السر‬
‫ْل له وال ُقوّة‪ ،‬فهو يعيش يف عالم‬ ‫ٌ‬
‫ضعيف ومحدود ال حَ و َ‬ ‫هنا تكمن يف كلمة مخلوق‪ ،‬فاملخلوق‬
‫محدود ّي ِتهِ‪ ،‬وهناك من هو أقوى منه أوجده وهو مختلف تماما عنه‪ ،‬فالخالق لم ي َْخل ِْق ُه ٌ‬
‫أحد‬
‫يوج ْد ُه أحد ألنه هو الخالق‪ ،‬فأنت مخلوق وهو خالق وال مقارنة بني الخالق واملخلوق‪.‬‬
‫ولم ِ‬

‫‪23‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫عرفت جيدا وبقناعة تامّ ة اآلن بأنّ هذا الخالق ِف ً‬


‫عل لم يخلقه‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬فعال‪ ،‬إنه لشرح مقنع وممتع‪ ،‬لقد‬
‫أحد‪ .‬ولكن‪...‬‬
‫‪ -‬ولكن ماذا يا صديقي؟!‬
‫يستوعب ويتحمّ ل هذه الفكرة! إنّ عقيل يكاد أن يتفجّ ر‪ ،‬فهل‬
‫َ‬ ‫‪ -‬ولكن اعذرين! فعقيل ال يستطيع أن‬
‫ف عن عقيل هذه الفكرة!‬ ‫لك ‪-‬يا صديقي‪ -‬أن ُت َب ِّس َط ُ‬
‫وت َخ ِّف َ‬
‫‪ -‬إن شاء ّ‬
‫الله يف لقائنا القادم سأبسط لك الفكرة بأبسط ما يكون‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫السا ِد ُ‬
‫س‬ ‫ّ‬ ‫ا َللِّقا ُء‬

‫ق الْخالِ َ‬
‫ق؟‬ ‫خلَ َ‬
‫ن َ‬
‫م ْ‬
‫َ‬
‫(ب)‬

‫‪25‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫س‬‫السا ِد ُ‬
‫ّ‬ ‫اللِّقا ُء‬
‫َق الْخالِ َ‬
‫ق؟ (ب)‬ ‫خل َ‬‫ن َ‬‫م ْ‬
‫َ‬

‫أحمد‪ :‬السالم عليكم!‬


‫فكرة أنّ الخالق لم ي َْخ ُل ْق ُه‬
‫َ‬ ‫كريم‪ :‬وعليكم السالم صديقي‪ .‬ها قد جاء اللقاء أخريا ِل ُت َخ ِّف َ‬
‫ف عن عقيل‬
‫فهمت جيدا وبقناعة تامة بأن هذا الخالق لم يخلقه أحد‪ ،‬ولكنّ عقيل‬ ‫ُ‬ ‫أحد‪ ،‬ففي لقائنا السابق‬
‫لم يستوعب ويتحمّ ل هذه الفكرة‪ ،‬أو ِل َن ُق ْل هذه ْالعَ ظمَ ة! إنّ عقيل يكاد أن يتفجر‪ ،‬فهل لك ‪-‬يا‬
‫وتخفف عن عقيل هذه الفكرة!‬ ‫ِّ‬ ‫صديقي‪ -‬أن ُت َب ِّس َط‬
‫نتحد ُ‬
‫ث عنه‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ّ‬
‫تتجل فيما‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬ها أنت قلتها بنفسك‪ :‬هذه ْالعَ َظمَ ة‪ّ ،‬‬
‫فالله هو العظيم‪ ،‬و ََع َظمَ ُت ُه‬
‫وهذا جانب من جوانب َع َظمَ ِتهِ‪ ،‬وبسبب َع َظمَ ِت ِه هذه فإنّ عقلك لم يتحمل هذه ْالعَ َظمة‪ .‬ودعني‬
‫فارغ صغري أن يستوعب‬
‫ٍ‬ ‫لكأس‬
‫ٍ‬ ‫هنا أن أب َِّس َط لك األمر جيدا‪ ،‬وأجبني عن سؤايل هذا‪ :‬هل يمكن‬
‫جميع مياه البحر؟‬
‫‪ -‬ما هذا الجنون؟؟ ال يمكن ذلك أبدا‪ .‬فهو ِفعْ ٌل من املستحيل حدوثه‪.‬‬
‫ِك الصغري املخلوق املحدود ِع ْلمُ هُ‪ ،‬أن ي ََسعَ وأن يحيط بهذا الخالق‬
‫‪ -‬إذن يا صديقي كيف لِعَ ْقل َ‬
‫كل يشء؟! فمن‬‫أنت بجانب هذا الخالق العظيم الذي خلق ّ‬ ‫العظيم‪ .‬هل يُعقل هذا؟؟ فمن َ‬
‫الطبيعي أن عقلك لن يستطيع أن يستوعب فكرة أن الخالق لم يخلقه أحد ألن عقلك محدود‪،‬‬
‫الت‬ ‫أنت أصال ال تعرف َع َد َد ْ‬
‫خص ِ‬ ‫فلن يستطيع عقلك املحدود أبدا أن ي َِص َل إىل ُك ْن ِه ّ‬
‫الله وذاتِهِ ‪ ،‬فإذا َ‬
‫شعر رأسك‪ ،‬والتي هي جزء منك‪ ،‬وهي معك أينما تذهب‪ ،‬وأينما َتحِ ّل‪ ،‬فكيف تريد من عقلك‬
‫الصغري أن يحيط بهذا الخالق العظيم!!! وأن تعرف عن ذاته كيف أنه لم يخلقه أحد؟!!! إنك لن‬
‫تصل إليه بعقلك الصغري املخلوق املحدود لتعرف كيف َّأن ُه هو األوَّل‪ ،‬وأنه لم يلد ولم يولد وأنه‬
‫لم يوجده أحد‪ .‬واسمح يل هنا يا صديقي بأن أَ ْت ُل َو عليك بعض آيات من القرآن الكريم‪ ،‬يخربنا‬
‫ّ‬
‫الله فيها عن ِع ْلمِ نا املحدود‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل! وأسمعنا!‬

‫‪26‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ٌ َ َ‬ ‫ّ َ َ َ َّ ُ َ ْ َ ُّ ْ َ ُّ ُ َ َ ْ ُ ُ‬
‫وم ال تأخذهُ س َِنة َوال ن ْو ٌم‬ ‫الله تعاىل يف جُ زءٍ من هذه اآلية‪﴿ :‬الل ال إِلـه إِل هو الح القي‬ ‫أحمد‪ :‬يقول ّ‬
‫َ َْ‬ ‫َ ْ َ َ َّ َ ْ َ ُ ْ َ ُ َّ ْ َ ْ َ َ َ ْ َ َ‬ ‫َّ ُل َما ف َّ‬
‫ي أيْدِي ِه ْم َو َما خلف ُه ْم‬ ‫ات َو َما ِف األر ِض من ذا الِي يشفع عِنده إِل بِإِذنِهِ يعل ُم ما ب‬ ‫او ِ‬‫الس َم َ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬
‫شء ّم ِْن عِلمهِ إل ب َما شاء َوس َِع ك ْرس ُِّي ُه َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ال ُي ُ‬ ‫َ َ‬
‫ات َواأل ْرض َوال يَؤودهُ حِفظ ُه َما َوه َو‬ ‫او ِ‬ ‫الس َم َ‬
‫ِ ِ ِ‬ ‫ِيطون ب ِ ْ ٍ‬ ‫و‬
‫ْ‬
‫ل ال َع ِظ ُ‬ ‫ْ‬
‫يم‪[ ﴾255‬سورة البقرة]‪.‬‬ ‫ال َع ِ ُّ‬
‫بأننا ال يمكننا أن نحيط بيشء من علمه إال ما َع َّلمنا‬ ‫كريم‪ :‬ما فهمته من هذه اآلية أنّ ّ‬
‫الله يخربنا هنا ّ‬
‫إياه‪.‬‬
‫َ َ ُ ُ ّ ْ ْ َّ َ ً‬
‫أحمد‪ :‬نعم صحيح‪ .‬ويف آية أخرى يقول‪﴿ :‬وما أوت ِيتم مِن العِل ِم إِال قل ِيل﴾‪ .‬إذن كيف لعلمك‬
‫املحدود القليل أن يحيط بعلم ّ‬
‫الله وذاته؟! وألريحك أكرث‪ ،‬وألق ّرب لك الصورة أفضل‪ ،‬أجبني‬
‫عن أسئلتي هذه‪.‬‬
‫كريم‪ :‬تفضل يا صديقي‪ّ ،‬‬
‫تفضل‪.‬‬
‫أحمد‪ :‬من َخ َل َق الطاولة؟‬
‫‪ -‬النجار‪.‬‬
‫‪ -‬إذن الطاولة مخلوقة من ِق َب ِل اإلنسان وهو النجار‪ ،‬فهل يمكن لهذه الطاولة أن َت ِص َل إىل عالم‬
‫النجار لتعرف عنه‪ :‬كيف يميش وكيف ينام؟‬
‫‪ -‬طبعا ال‪.‬‬
‫‪ -‬هل ستصل الطاولة بصفاتها يوما ما إىل َ‬
‫عال ِم هذا النجار لتعرف عنه كيف يميش ويتح ّرك؟‬
‫‪ -‬من املؤكد ال‪.‬‬
‫‪ -‬هل يمكن لها أن تصل إىل حقيقة النجار و َك ْي َ‬
‫نون ِته؟‬
‫‪ -‬ال‪.‬‬
‫‪ -‬ملاذا؟‬
‫‪ -‬ألن صفاتها محدودة‪ ،‬وهي مختلفة يف صفاتها عن صفات النجار‪ ،‬فهي ال تملك عقال ّ‬
‫تفكر به‪،‬‬
‫وعىل هذا فإنها لن َت ِص َل أبدا إىل َ‬
‫عال ِم وحياة النجار‪ ،‬فالطاولة ليست كالنجار فهي جماد والنجار‬
‫إنسان‪ ،‬وش ّتانَ ما بينهما‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ت بنفسك! الطاولة ليست كالنجار فهي جماد والنجار إنسان‪،‬‬ ‫‪ -‬أحسنت يا صديقي‪ ،‬ها قد أَجَ ْب َ‬
‫وكذلك نحن‪ ،‬فأنت مخلوق ّ‬
‫والله هو الخالق‪ ،‬واملخلوق ليس كالخالق‪ ،‬فالجماد ال يستطيع أن‬
‫ي َِص َل أبدا إىل عالم اإلنسان ألن صفاته تختلف عن صفاتنا‪ ،‬فالجماد ليس له عقل يفكر به ليصل‬
‫إىل عاملنا كيف نتحرك وكيف نعيش‪ ،‬ونحن كذلك أبدا ال يمكننا أن نصل بعلمنا املحدود إىل ُك ْنهِ‬
‫والله هو الخالق‪ ،‬وصفاتنا ليست كصفات‬ ‫الله وذاته وكيف أنه لم يخلقه أحد‪ .‬فأنت إنسان ّ‬
‫ّ‬
‫الخالق‪.‬‬
‫َ‬
‫الحقيقة‪ .‬إذن عقلنا‬ ‫‪ -‬ما هذا يا صديقي؟ لقد أَرَحْ َ‬
‫ت عقيل وأقنعتني بما تقول‪ ،‬فكالمك يصيب َك ِب َد‬
‫ال يستوعب هذا الخالق العظيم ألن علمنا محدود‪ ،‬كما أن الطاولة ال تستطيع أن تصل إىل عاملنا‬
‫أبدا‪ ،‬وكذلك نحن‪ ،‬فإننا لن نصل بِ ِع ْلمِ نا املحدود إىل ُك ْنهِ ّ‬
‫الله وذاته‪ ،‬وكيف َّأنه لم يخلقه أحد‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬الفكرة واضحة‪ ،‬والجواب بسيط وبمنتهى العقالنية‪.‬‬
‫ً‬
‫خالقا‪ ،‬وأن هذا الخالق لم يوجده‬ ‫ت و ََتأَ َّك َد يل بأنّ لهذا الكون‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬واآلن سؤايل بعد أن َت َي َّق ْن ُ‬
‫أحد‪ ،‬فلماذا َخ َل َقنا إذن؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬سؤالك جميل وعظيم‪ ،‬وسأخربك عن ذلك يف لقاء آخر إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬
‫كريم‪ :‬هل تسمح يل هذه املرة أن آيت أنا لزيارتك يف بيتك؟‬
‫أحمد‪ :‬نعم‪ ،‬بالرحب والسعة‪ ،‬أهال وسهال بك يف كل وقت وحني‪ ،‬وسأكون يف انتظارك‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫السا ِب ُ‬
‫ع‬ ‫ّ‬ ‫ا َللِّقا ُء‬

‫لِامذا َ‬
‫خلَقَنا اللّ ُ‬
‫ه‬
‫تَعاىل؟‬

‫‪29‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫السا ِب ُ‬
‫ع‬ ‫ّ‬ ‫اللِّقا ُء‬
‫لِامذا َ‬
‫خلَقَنا اللّ ُ‬
‫ه تَعاىل؟‬

‫كريم‪ :‬السالم عليكم!‬


‫أحمد‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬أهال ومرحبا بك يف بيتنا! تفضل! ماذا تريد أن تسأل اليوم؟‬
‫كريم‪ :‬هل لك يا صديقي أن تجيبني عن سؤايل‪ :‬ملاذا َخ َلقنا ّ‬
‫الله؟‬
‫﴿و َما َخلَ ْق ُ‬
‫ت‬ ‫أحمد‪ :‬نعم وبكل سرور‪ .‬سأجيبك بكالم الخالق‪ ،‬فهو من أخربنا بذلك‪ ،‬حيث قال‪َ :‬‬
‫ال َّن َو ْ َ َّ ْ ُ ُ‬‫ْ‬
‫النس إِل ِلَعبد ِ‬
‫ون﴾‪ .‬إذن َخ َلقنا سبحانه وتعاىل لعبادته‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬حسنا صديقي‪ ،‬أنت تقول بأنه َخ َل َقنا لعبادته‪ .‬فلماذا َخ َلقنا لعبادته؟ ما الحكمة من ذلك؟ هل‬
‫هو بحاجة إلينا ولعبادتنا؟‬
‫حله‪ .‬ما الحكمة من ذلك؟ إذن ال بد من غاية وهدف وحكمة‬ ‫‪ -‬أحسنت يا صديقي! فتساؤلك يف مَ ّ‬
‫من َخ ْل ِقنا‪َ ،‬فمِ نَ املستحيل أنّ هذا الخالق العظيم الحكيم َخ َل َقنا هكذا َع َب ًثا لنلعب ونلهو‪ ،‬أو‬
‫نشرب ونأكل كالبهائم والحيوانات‪ ،‬فال ب َُّد من غاية وحكمة وهدف‪ .‬واسمح يل هنا أن أقرأ عليك‬
‫الرب تبارك وتعاىل يف هذا الشأن ِل َتعْ ِق َل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫ما يقوله‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي!‬
‫َََ َ‬
‫ال َّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ َّ َ َ ْ ُ َ ً َ َّ ُ َ َ ُ‬ ‫وجل‪﴿ :‬أَفَ َ‬
‫الل‬ ‫حسِبْ ُت ْم أن َما خلق َناك ْم ع َبثا َوأنك ْم إِلْ َنا ل ت ْر َج ُعون ‪ 115‬فتع‬ ‫ّ‬ ‫أحمد‪ :‬يقول ّ‬
‫الله ع ّز‬
‫كري ِم ‪[ ﴾116‬سورة املؤمنون]‪ .‬فتعاىل ّ‬ ‫ْ َ ُ ْ َ ُّ َ َ ٰ َ َّ ُ َ َ ُّ ْ َ ْ ْ َ‬
‫الله عن هذا العبث فهو‬ ‫المل ِك الق ل إِله إِل هو رب العر ِش ال‬
‫ال يليق به سبحانه‪.‬‬
‫كريم‪ :‬نعم كالمك صحيح وعقالين‪ ،‬فحقيقة ال يليق بهذا الخالق أن يخلقنا هكذا نلعب ونأكل‬
‫ونشرب بدون هدف‪ ،‬فإذا كان هذا هو الهدف فهو ليس بإلٰه‪ ،‬وال ب َُّد من غاية وهدف وحكمة مِ نْ‬
‫َخ ْل ِقنا وعبادته‪ .‬إذن سؤايل هو اآلن‪ :‬ما الحكمة من َخ ْل ِقنا لعبادته؟‬
‫‪ -‬إذن تريد هنا أن تعرف الحكمة من وراء عبادتنا له سبحانه؟‬

‫‪30‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ك بما َتحَ َّد ْثنا عنه سابقا‪ ،‬بأنّ صفاتك ليست كصفات‬
‫‪ -‬قبل أن أجيبك ‪-‬يا صديقي‪ -‬فال بد أن أذ ّك َر َ‬
‫الله‪ ،‬فحكمة الخالق ال يمكنك أن تصل إليها بعقلك ً‬
‫أبدا‪ .‬فهل الحكمة التي عندك هي كحكمة‬ ‫ّ‬
‫الخالق؟‬
‫‪ -‬طبعا ال‪.‬‬
‫‪ -‬يمكنك أن تصل بعقلك إىل الحكمة من وراء عبادتنا لهذا الخالق‪ ،‬ولكن ليس بالضرورة أن تكون‬
‫هذه هي الحكمة التي أرادها ّ‬
‫الله‪ ،‬فالحكمة لن تدركها بعقلك املحدود يف عاملك املحدود هذا‪.‬‬
‫‪ -‬لم أفهم ماذا تقصد بكالمك هذا! فهل لك أن توضح يل كالمك أكرث يا صديقي؟‬
‫َ‬
‫يل سمعك وعقلك جيدا‪.‬‬‫‪ -‬نعم‪ .‬أ ِص ْغ إِ َّ‬
‫املنطقي الذي ستسأله وأنت‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬لو ُق ِّد َر لك وأنت يف بطن أمك يف عالم الرحم أن َت َت َك ّلم‪ ،‬فما السؤال‬
‫يف بطن أمك؟‬
‫‪ -‬ما هذا السؤال يا صديقي؟ فحقيقة أنا ال أعرف‪.‬‬
‫‪ -‬ال بأس! سأساعدك يف ذلك‪ .‬وأنت يف بطن أمك هل ستعرف الحكمة من وُجو ِد ِرجْ َل ْي َ‬
‫ك؟ ويديك؟‬
‫وعينيك؟‬
‫‪ -‬طبعا ال‪.‬‬

‫‪ -‬إذن لو ُق ِّد َر لك أن َت َت َك َّلمَ وأنت يف بطن أمك فستسأل‪ :‬ما الحكمة من وجود ِرجْ َ ّ‬
‫ل؟ ما الحكمة من‬
‫وجود ي ََديّ ؟ ما الحكمة من وجود َع ْي َن ّي؟ صحيح؟‬
‫ً‬
‫فعل‪.‬‬ ‫‪ -‬نعم صحيحٌ‬
‫‪ -‬وهل ستعرف اإلجابة عنها وأنت يف بطن أمك يف عالم الرحم؟‬
‫‪ -‬طبعا ال‪.‬‬
‫‪ -‬متى ستعرف الحكمة من وجود رجليك ويديك وعينيك؟‬
‫‪ -‬عندما أخرج من عالم الرحم إىل عالم الدنيا‪.‬‬
‫أنت يف عالم الدنيا لن تعرف الحكمة من عبادتك ّ‬
‫لله‪،‬‬ ‫‪ -‬رائع يا صديقي! أحسنت اإلجابة‪ .‬وهكذا َ‬

‫‪31‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫حكمة وجودك ُك ِّل َ‬


‫ك عندما‬ ‫َ‬ ‫وستعرفها عندما تنتقل من هذا العالم إىل عالم اآلخرة‪ ،‬إذن ستعرف‬
‫ك عندما كنت يف بطن‬ ‫بعض َ‬
‫تنتقل من عالم الدنيا إىل عالم اآلخرة‪ ،‬تماما كما عرفت حكمة وجود ِ‬
‫ت إىل أجزاء السيارة مثل‬‫ب لك الصورة أكرث‪ ،‬لو َن َظ ْر َ‬ ‫أمك وانتقلت إىل هذا العالم الدنيوي‪ .‬و ِ ُ‬
‫َل َق ِّر َ‬
‫بابها ومح ّركها وَمِ ْق َودِها‪ ،‬فهل ُ‬
‫صنعت هي عبثا‪ ،‬أم لها حكمة من صنعها؟‬
‫‪ -‬طبعا لها حكمة من صنعها‪.‬‬
‫‪ -‬هل السيارة مجتمعة بأكملها لها حكمة من صنعها؟ أم أنها ُ‬
‫صنعت عبثا؟‬
‫‪ -‬من املؤكد أن لها حكمة من صنعها‪ ،‬وملاذا ُ‬
‫ص ِنعَ ت أصال؟!‬
‫وأذ ٍن وأمعاء له حكمة‪ ،‬فإذا كانت ٍّ‬
‫لكل مِ ن أعضاء‬ ‫قلب ورئة ُ‬ ‫‪ -‬وكذلك اإلنسان‪ّ ،‬‬
‫كل عضو فيه من ٍ‬
‫جسم اإلنسان حكمة من وجودها‪ ،‬أفال يكون لكامل اإلنسان حكمة من وجوده‪ ،‬وهو جزء من‬
‫هذا الكون الهائل؟‬
‫‪ -‬كالمك مذهل يا صديقي! إنه كالم منطقي وعقالين‪ .‬فكما أنّ من وراء وجود كل عضو يف جسمنا‬
‫والبديهي أن يكون لكامل اإلنسان حكمة تماما مثل السيارة وأجزائها‪ .‬إذن‬
‫ّ‬ ‫حكمة فمن الطبيعي‬
‫ما أفهمه منك يا صديقي أن ّ‬
‫الله خلقنا لعبادته‪ ،‬والحكمة من ذلك ال يمكننا أن نعرفها يف عالم‬
‫الدنيا وإنما يف عالم اآلخرة‪ ،‬فكما أن ّ‬
‫ّلكل عضو م ّنا له حكمة فال شك أن اإلنسان بأجمعه قد ُخل َِق‬
‫لحكمة ولم ي ُْخ َل ْق عبثا‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح تماما يا صديقي! فأنت تالحظ أن كل يشء يف هذا الكون مهما كان شأنه ومهما كان‬
‫حجمه له حكمة وغاية وهدف‪ ،‬فال يوجد يف الكون أي مخلوق من دون حكمة وهدف‪ .‬فإذا َ‬
‫كنت‬
‫ب ََط ًل ‪-‬يا صديقي‪ -‬فأتني بيشء خلقه ّ‬
‫الله تعاىل ليس له حكمة وغاية! فلن تجد أبدا‪ .‬فإذا كان األمر‬
‫كذلك‪ ،‬فهل اإلنسان املخلوق يف هذا الكون والذي هو جزء منه ليس له حكمة وغاية؟!!! وإنما‬
‫هكذا موجود بدون هدف؟!! إنه ليشء ُعجاب!!!‬
‫‪ -‬مممممم‪ .‬صدقت يا صديقي صدقت‪ ،‬فعال لقد أَ ْفحَ مْ َتني وَأَ ْلجَ مْ َتني! ما ذكرته فهو عني العقل‪،‬‬
‫فال يمكن لهذا اإلنسان أن يكون موجودا من دون حكمة وغاية‪ ،‬فإذا كانت كل ذرة تراب من وراء‬
‫وجودها غاية وهدف‪ ،‬فكيف يمكن أن يكون وجود هذا اإلنسان يف هذا الكون بال غاية وهدف؟!‬
‫‪ -‬أحسنت ً‬
‫قول وتفكريا يا صديقي‪ ،‬نعم‪ ،‬فما علينا يف عالم الدنيا الذي نعيش فيه أن نعبد خالقنا‬

‫‪32‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫كما أَمَ َرنا‪ ،‬لحكمة أرادها ّ‬


‫الله ال نستطيع إدراكها بعقولنا املحدودة‪ ،‬فعلينا أن ُن ْن ِق َذ أنفسنا قبل‬
‫فوات األوان‪ ،‬وقبل انتقالنا من هذا العالم إىل ذلك العالم األخرويّ ‪.‬‬
‫ل اآلن وجود اآلخرة ليطمنئّ قلبي؟ فهل فعال‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬حسنا‪ ،‬ولكن يا صديقي هل لك أن تثبت ِ َ‬
‫تراب‪ ،‬وتنتهي بهذا قصة‬
‫ٍ‬ ‫س ُنبعث من قبورنا ونحيا م ّرة أخرى كما يقولون؟ أم سنصري ترابا يف‬
‫حياتنا؟‬
‫‪ -‬لك ذلك يا صديقي‪ ،‬وسأجيب عن تساؤالتك هذه يف لقائنا القادم إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫‪33‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪34‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ن‬ ‫ا َللِّقا ُء الثّا ِ‬


‫م ُ‬

‫هنالِ َ‬
‫ك‬ ‫ه ْل ُ‬
‫َ‬
‫م ِ‬
‫آخ ٌر؟‬ ‫و ٌ‬
‫يَ ْ‬

‫‪35‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ن‬ ‫اللِّقا ُء الثّا ِ‬


‫م ُ‬
‫م ِ‬
‫آخ ٌر؟‬ ‫و ٌ‬ ‫هنالِ َ‬
‫ك يَ ْ‬ ‫ه ْل ُ‬
‫َ‬

‫كريم‪ :‬السالم عليكم!‬


‫أحمد‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬وأهال وسهال بك مرة أخرى يف بيتنا‪.‬‬
‫كريم‪ :‬هل لك يا صديقي أن تكمل حديثك وأن تحدثني عن اليوم اآلخر وما بعد املوت؟ فقد ِج ْئ ُ‬
‫ت‬
‫ً‬
‫شتاقا لسماع ذلك!‬ ‫مُ‬
‫أحمد‪ :‬نعم‪ ،‬ولكن هل لك يا صديقي أن ُتحَ ِّد َد أسئلتك ألجيب عنها؟ فعن ماذا أُحَ ّدثك؟‬
‫َ‬
‫العالم؟ هل فعال سنقوم من‬ ‫‪ -‬حسنا‪ ،‬هل يف الحقيقة هناك َ‬
‫عالم آخر؟ كيف تثبت يل وجود هذا‬
‫قبورنا م ّرة أخرى؟‬
‫ت‬‫‪ -‬حسنا يا صديقي فاملوضوع بسيط جدا‪ .‬أوال بخصوص أن الكون له نهاية وسينتهي فهذا مث َب ٌ‬
‫ّ‬
‫فلكل بداية نهاية‪ ،‬ولن أخوض معك يف تفاصيلها‬ ‫علم ّيا ّ‬
‫بأدلة علم ّية دامغة دون شك يف ذلك‪،‬‬
‫ّ‬
‫واالطالع عليها‪ ،‬ولكن أريد منك اآلن أن تستمع و َُتحَ ِّكمَ‬ ‫هنا‪ ،‬فيمكنك الرجوع إىل املصادر العلم ّية‬
‫عقلك جيدا فيما سأقوله لك‪.‬‬
‫هات ما عندك!‬
‫‪ِ -‬‬
‫‪ -‬هل تحب العدل؟‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬طبعا‪ ،‬ومن ال يحب ذلك؟‬
‫‪ -‬مَ نْ َع ْد ُل ُه أكمل اإلنسان أم الخالق؟‬
‫‪ -‬طبعا َع ْد ُل الخالق أكمل من عدل اإلنسان‪ ،‬وشتان ما بينهما‪.‬‬
‫‪ -‬هل من العدل أن نساوي يف حياتنا هذه بني الظالم واملظلوم؟ بني القاتل واملقتول؟‬
‫‪ -‬هذا ليس من العدل يف يشء‪.‬‬

‫‪36‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬إذن هل من العدل واملنطق والعقل أن يموت الظالم واملظلوم والقاتل واملقتول هكذا دون جزاء‬
‫وعدل من الخالق؟‬
‫‪ -‬يف الحقيقة ال‪ ،‬وهذا أمر غري منطقي‪ ،‬وفيه ُظ ْلمٌ كبري‪.‬‬
‫أنت قلتها‪ ،‬فيه ظلم كبري‪ ،‬فعدل ّ‬
‫الله أكمل من عدل اإلنسان‪ ،‬وَمِ نْ‬ ‫‪ -‬أحسنت يا صديقي‪ ،‬ها َ‬
‫مُ قتىض العدل‪ :‬عدم التسوية بني امليسء واملحسن‪ ،‬فال يُعقل بتاتا أن يموت املحسن وامليسء‬
‫هكذا عبثا دون جزاء‪ ،‬فأيّ معنى وحكمة لهذا؟؟! فهذا ال يقبله العدل اإلنساين‪ ،‬فما بالك‬
‫َ‬
‫التسوية بني ُك ّل ذلك‪ ،‬فال بد من ذلك اليوم الذي فيه‬ ‫بالعدل اإللهي‪ ،‬فمن باب أوىل ّأنه يَأْبى‬
‫يُكافأ املحسن ويُعاقب امليسء‪.‬‬
‫‪ -‬رائع يا صديقي‪ ،‬إنه كالم عقالين ومنطقي ال يقبله إال عاقل‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسمح يل يا صديقي هنا بأن أَ ْت ُل َو عليك شيئا من القرآن فيما يقوله َر ُّ‬
‫ب العزة عن ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي!‬
‫َ ٌ‬ ‫َ َ َ َ ْ َ َّ َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُ َ َ ً َ ٰ َ َ ُّ َّ َ َ َ‬
‫ِين كف ُروا ف َويْل‬ ‫الله تعاىل‪﴿ :‬وما خلقنا السماء والرض وما بينهما باطِل ذل ِك ظن ال‬ ‫أحمد‪ :‬يقول ّ‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ْ َْ ُ‬
‫ِين ِف ال ْر ِض أم ن َعل‬ ‫سد َ‬ ‫َ ْ ْ‬
‫ات كل ُمف ِ‬‫ال ِ‬ ‫الص ِ َ‬‫آم ُنوا َو َعملُوا َّ‬
‫ِ‬ ‫ك َف ُروا م َِن انلَّار ‪ 27‬أ ْم َنْ َع ُل َّال َ‬
‫ِين َ‬ ‫َّ َ َ‬
‫ل ِلِين‬
‫ِ‬
‫ْ ُ َّ َ َ ُ‬
‫ْ‬
‫ني كلف َّجارِ ‪[ ﴾28‬سورة ص]‪.‬‬ ‫المتقِ‬
‫َ َ ُ ْ ََْ َْ ُ ُ َ‬ ‫جرم َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫ني كل ُم ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬
‫ج َعل ال ُم ْسلِم َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ويقول أيضا‪﴿ :‬أف َن ْ‬
‫ِني ‪ 35‬ما لكم كيف تكمون ‪[ ﴾36‬سورة القلم]‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َس َو ً‬
‫اء‬ ‫ال ِ‬
‫آم ُنوا َو َعملُوا َّ‬
‫الص ِ َ‬ ‫ِ‬
‫ِين َ‬‫ات أَن َّنْ َعلَ ُه ْم َك َّل َ‬ ‫ت ُحوا َّ ّ َ‬
‫السيِئ ِ‬ ‫اج َ َ‬
‫ِين ْ‬ ‫ِب َّال َ‬‫ويقول أيضا‪﴿ :‬أً ْم َحس َ‬
‫َْ ُ َ‬ ‫ُ‬ ‫َّ ْ ُ‬
‫م َياهم َو َم َمات ُه ْم َساء َما يك ُمون ‪[ ﴾21‬سورة الجاثية]‪.‬‬
‫وعقالين و ِّ‬
‫َمُؤث ٌر يف النفس‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫كريم‪ :‬إنه كالم يف غاية الروعة ويف الصميم‪ ،‬وكالم منطقي‬
‫‪ -‬وعندي أمر آخر مهم أو ّد قوله لك‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل!‬
‫َّ‬
‫يتحق ُق معناه كامال يف الحياة الدنيا؟‬ ‫‪ -‬هل الوجود اإلنساين‬
‫‪ -‬لم أفهم قصدك يا صديقي‪ ،‬هل لك أن توضح؟‬
‫‪ -‬هل عندما يموت اإلنسان يكون قد حَ َّق َق معنى وجوده كامال يف الحياة الدنيا من غاي ٍة وهدف؟‬

‫‪37‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬اممممم‪ ...‬يف الحقيقة ال‪ ،‬بل هنالك حلقة فارغة يجب أن تكتمل‪ ،‬وهناك يشء ناقص‪.‬‬
‫أنت ُق ْل َتها‪ ،‬هناك حلقة فارغة يجب أن تكتمل‪ ،‬فال معنى للوجود‬ ‫‪ -‬أحسنت اإلجابة يا صديقي‪ ،‬ها َ‬
‫اإلنساين بدون البعث‪ ،‬فال بد من حياة أخرى ُت ِتمُّ بها الحياة األوىل وتعطي للوجود اإلنسان قيم َت ُه‬
‫ومعناه‪.‬‬
‫‪ -‬هل لك أن توضح يل أكرث هذه املسألة؟‬
‫َ‬
‫نصف س ّيارة أو نصف طائرة‪ ،‬أو نصف آلة‪ ،‬وحاولت أن تعرف الحكمة‬ ‫‪ -‬نعم وبكل سرور‪ .‬إذا َرأَي َ‬
‫ْت‬
‫من ذلك النصف من اآللة فهل تعرف الحكمة منها؟‬
‫‪ -‬طبعا ال‪ ،‬ال يمكنني معرفة الحكمة من نصف آلة فقط‪ ،‬فلن يظهر لها معنى كامال بهذا النصف‪.‬‬
‫ً‬
‫نصفا آخر ُي َتمِّ مُ ُه ويكمله ويعطيه املعنى الذي‬ ‫‪ -‬أحسنت اإلجابة! عندها ستجزم بأن لهذا النصف‬
‫صنعَ من أجله‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -‬نعم صحيح!‬
‫‪ -‬وكذلك أمر الحياة األوىل والحياة األخرى‪ ،‬ال يظهر مَ عْ ًنى للوجود اإلنساين إال باإليمان بهما معا‪،‬‬
‫فاآلخرة مُ َكمِّ َل ٌة لألوىل‪.‬‬
‫‪ -‬رائع يا صديقي! كالمك مذهل‪ .‬أكمل‪ ..‬أكمل‪...‬‬
‫فإننا لن نجد مَ عْ ًنى ً‬
‫أبدا لحياة اإلنسان ووجوده‪.‬‬ ‫‪ -‬إذا َق َ‬
‫ص ْرنا أنظارنا فقط عىل الحياة الدنيا لإلنسان َّ‬
‫ألننا سنجد أنّ املوت يقيض عىل ّ‬
‫كل حكمة َن َت َوهَّ مُ ها لتفسري وجود اإلنسان عىل األرض‪ ،‬فسيقول‬
‫واهم‪ :‬لقد ُخل َِق اإلنسان للصراع من أجل الحياة فنقول له‪ :‬فلماذا يموت وهو ال يزال يصارع؟ أو‬
‫يقول‪ :‬لقد ُخل َِق اإلنسان ليتم ّتع باللذات ولتحقيق الحياة السعيدة‪ ،‬فنقول له‪ :‬وملاذا يموت ولم‬
‫يصل إىل السعادة األبديّة؟‬
‫‪ -‬كالمك صحيح‪ ،‬فاملوت يقيض عىل كل حكمة نتوقعها من هذا النصف من الحياة‪ .‬أكمل‪ ..‬أكمل‪...‬‬
‫لو سمحت‪.‬‬
‫‪ -‬نعم يا صديقي‪ ،‬فكلما توهَّ مَ اإلنسان حكمة لحياته سيجد أن املوت يقيض عىل كل ما َت َوهَّ مَ ؛‬
‫ليصل إىل أن الحياة التي يعيشها هي نصف‪ ،‬والنصف اآلخر يكملها بعد املوت ليتحقق املعنى من‬

‫‪38‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫الوجود اإلنساين من خالل خلوده يف ذلك العالم‪ ،‬وهو العالم األخروي‪.‬‬


‫‪ -‬كالمك مذهل حقا صديقي‪ ،‬هل عندك من كالم آخر تزوّدين به‪ ،‬فأنا مشتاق للمزيد‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬إذا كانت الوالدة هي الطريق إىل الدنيا‪ ،‬فقد جعل ّ‬
‫الله املوت هو الطريق إىل الدار اآلخرة‪.‬‬
‫كل نفس بما كسبت‪ ،‬ما لها وما عليها‪ ،‬وذلك حسب فوزها أو‬ ‫وتو َّفى ّ‬
‫وهناك يتم الجزاء‪ُ ،‬‬
‫خسرانها‪ .‬وهنا هل تسمح يل يا صديقي أن أتل َو عليك شيئا من القرآن الكريم؟‬
‫‪ -‬تفضل‪ ...‬تفضل‪...‬‬
‫َ‬ ‫امة َف َم ْن ُز ْ‬ ‫ْ‬ ‫َّ َ ُ َ َّ ْ َ ُ ُ َ ُ‬ ‫َ َُ ْ‬ ‫ُ ُّ َ ْ‬
‫ح ِز َح ع ْن‬ ‫ورك ْم يَ ْو َم القِ َي َ ِ‬ ‫ت ِإَونما توفون أج‬ ‫الله تعاىل‪﴿ :‬ك نف ٍس ذائِقة ال َم ْو ِ‬ ‫أحمد‪ :‬يقول ّ‬
‫ُ‬ ‫َّ َ ُ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ُ ُّ ْ َ َّ َ َ ُ ْ ُ‬
‫انلارِ وأدخِل النة فقد فاز وما الياة ادلنيا إِل متاع الغرورِ ‪[ ﴾ 185‬آل عمران]‪.‬‬
‫كريم‪ :‬يا صديقي لقد دخل كالمك صميم قلبي‪َ ،‬وهَ َّدأَ من روعي واضطرابي‪ .‬ولكن بقيت عندي‬
‫بِ ْ‬
‫ضعُ أسئلة عالقة يف ذهني!‬
‫‪ -‬ما هي يا صديقي؟ سل ما بَدا لك!‬
‫مكتوبة عنده قبل َخ ْل ِقنا‪ ،‬وهذا يعني ‪-‬كما أَ ْفهَمُ ‪ -‬أنّ‬‫ٌ‬ ‫الله قد َك َت َ‬
‫ب لنا أفعالنا‪ ،‬فهي‬ ‫سمعت أن ّ‬ ‫ُ‬ ‫‪-‬‬
‫الله يعلم‬ ‫الله عىل أفعالنا التي قد كتبها علينا؟ وإذا كان ّ‬ ‫ي‪ ،‬فلماذا يحاسبنا ّ‬ ‫ي ال مُ َخ َّ ٌ‬‫اإلنسان مُ َس َّ ٌ‬
‫قبل َخ ْل ِقنا من سيكون يف الجنة ومن سيكون يف النار‪ ،‬فلماذا َخ َل َقنا؟ كما وأنّ بِ ِع ْلمِ ِه هذا‪ ،‬ملاذا‬
‫لم يُدخل من يف النار إىل النار ومن يف الجنة إىل الجنة دون أن َن ْن ِز َل إىل الدنيا ونتعب ونشقى؟‬
‫جدا يا صديقي‪ ،‬وسأجيب عنها يف لقائنا القادم إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬ ‫‪ -‬أسئلتك جميلة ّ‬

‫‪39‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪40‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ع‬ ‫ا َللِّقا ُء التّ ِ‬


‫اس ُ‬

‫خلِقْنا لِل ّنا ِر‬


‫لِامذا ُ‬
‫ج َّن ِ‬
‫ة؟‬ ‫أَ ْ‬
‫و لِلْ َ‬

‫ي؟‬‫ي أم مُ َخ َّ ٌ‬
‫‪ -‬هل اإلنسان مُ َس َّ ٌ‬
‫الله عىل أفعالنا وقد َك َت َبها علينا؟‬ ‫‪ -‬ملاذا يحاسبنا ّ‬
‫الله مع أنه يَعْ َلمُ مَ نْ سيكون يف النار ومن سيكون يف الجنة َق ْب َل َخ ْلقنا؟‬ ‫‪ -‬ملاذا َخ َل َقنا ّ‬
‫الله مَ نْ يف النار إىل النار وَمَ نْ يف الجنة إىل الجنة دون أن ُي ْن ِز َلنا إىل األرض‬ ‫‪ -‬ملاذا لم يُدخل ّ‬
‫فنتعب ونشقى‪ ،‬ما دام أنه يعلم ذلك قبل َخ ْل ِقنا؟‬

‫‪41‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ع‬‫اس ُ‬‫اللِّقا ُء التّ ِ‬


‫و لِلْ َ‬
‫ج َّن ِ‬
‫ة؟‬ ‫خلِقْنا لِل ّنا ِر أَ ْ‬
‫لِامذا ُ‬

‫كريم‪ :‬السالم عليكم‬


‫أحمد‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬تفضل! أهال وسهال بك!‬
‫كريم‪ :‬هل لك ‪-‬يا صديقي‪ -‬أن تجيبني عن أسئلتي التي سألتها لك يف نهاية لقائنا السابق؟ فأنا‬
‫متشوّق ِج ًّدا ألعرف منك اإلجابة‪.‬‬
‫أحمد‪ :‬وهل لك أن تذ ِّك َرين بها لو سمحت؟‬
‫ب لنا أفعالنا قبل خلقنا‪ ،‬وهذا يعني ‪-‬كما أَ ْفهَمُ ‪ -‬أن اإلنسان‬ ‫سألت‪ :‬أن ّ‬
‫الله قد َك َت َ‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬كنت قد‬
‫الله علينا؟ وملاذا َخ َل َقنا ّ‬
‫الله مع أنه‬ ‫ي‪ ،‬فلماذا إذن يحاسبنا عىل أفعالنا التي قد كتبها ّ‬ ‫ي ال مُ َخ َّ ٌ‬
‫مُ َس َّ ٌ‬
‫يَعْ َلمُ مَ نْ سيكون يف النار ومن سيكون يف الجنة َق ْب َل َخ ْلقنا؟ وبما أنه يَعْ َلمُ من سيكون يف النار‬
‫ومن سيكون يف الجنة فلماذا لم يُدخل مَ نْ يف النار إىل النار ومن يف الجنة إىل الجنة دون أن ُي ْن ِز َلنا‬
‫إىل األرض فنتعب ونشقى؟‬
‫الله عىل أفعالنا التي قد كتبها علينا قبل‬ ‫‪ -‬حسنا‪ ،‬حسنا‪ ،‬فلنبدأ بسؤالك األول وهو‪ :‬ملاذا يحاسبنا ّ‬
‫ي يف يوم مولده‬ ‫سي ومُ َخ َّ ٌ‬
‫ي‪ ،‬فهو مُ َس َّ ٌ‬ ‫أن ُن ْخ َلق؟ أوال ‪-‬يا صديقي‪ -‬عليك أن َت َ‬
‫عرف أنَّ اإلنسان مُ َّ ٌ‬
‫ي‬
‫وطوله ولونه وشكله‪ ،‬فأنت لم تخرت يوم مولدك وال شكلك أو لونك‪ ،‬فهذه األمور أنت مُ َس َّ ٌ‬
‫فت فيه من َتص ّرفات‬ ‫يا فيما ُك ّل َ‬ ‫بها قد َف َرضها ّ‬
‫الله عليك‪ ،‬ولم ُت َق ِّر ْرها أنت‪ ،‬ولكنك ُخل ِْق َ‬
‫ت مُ َخ َّ ً‬
‫فأنت من َق َّر َر أن يسرق‪ ،‬ولم يجربك ّ‬
‫الله عىل السرقة‪ ،‬وعندما تقوم‬ ‫َ‬ ‫وأفعال‪ ،‬فعندما تسرق‪،‬‬
‫الله عىل الصالة‪ّ ،‬‬
‫فالله لم يفرض علينا أفعالنا‪ ،‬ولكنه‬ ‫يصل ولم يجربك ّ‬ ‫ِتصل‪ ،‬فأنت من َق َّر َر أن ّ‬
‫ل َّ‬
‫َعلِمَ ها بِ ِع ْلمِ ه املُطلق املُسبق قبل أن تقع ثم كتبها ألنه َعلِمها‪.‬‬
‫‪ -‬هل لك أن توضح يل أكرث لو سمحت آخر ما قلته؟‬
‫طالب مجتهدٍ‬
‫ٍ‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬لنأخذ مثاال عىل ذلك‪ .‬فاملُد ّرس يف املدرسة مثال‪ ،‬يكتب عنده يف ورقة عن‬
‫طالب آخر َبليدٍ أنه سريسب يف االمتحان‪ ،‬فريسب‬
‫ٍ‬ ‫أنه سينجح يف امتحان آخر العام‪ ،‬ثم يكتب عن‬

‫‪42‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫الرسوب عىل البليد‬


‫َ‬ ‫الطالب البليد‪ ،‬وينجح الطالب املجتهد‪ ،‬فهل املدرس هنا هو الذي َف َر َ‬
‫ض‬
‫وفرض النجاح عىل املجتهد‪ ،‬أم أنه َعلِمَ بعلمه املسبق عنهما من سينجح ومن سريسب؟‬
‫‪ -‬طبعا َعلِمَ بعلمه املسبق عنهما من سينجح ومن سريسب‪.‬‬
‫َ‬
‫كتبت عني سأرسب‪.‬‬ ‫‪ -‬هل من املنطق أن يأيت البليد إىل املعلم ويقول له‪ :‬أنا َر َس ْب ُ‬
‫ت ألنك‬
‫‪ -‬طبعا ال‪ ،‬فهذا أمر غري معقول‪ ،‬وهذا أمر فيه جنون‪.‬‬
‫‪ -‬أحسنت اإلجابة يا صديقي‪ ،‬فهذا الطالب البليد ِفعْ ُل ُه هو الذي أ ّدى به أن يرسب وليست كتابة‬
‫َ‬
‫أفعالنا قبل حدوثها فكتبها‬ ‫بع ْلمه املطلق واملسبق‬ ‫ولله املثل األعىل‪ّ ،‬‬
‫فالله تعاىل َعلِمَ ِ‬ ‫املعلم عنه‪ّ ،‬‬
‫قبل أن تحدث‪ ،‬فنحن َعمِ ْلنا بما َعلِمَ ُه ّ‬
‫الله ع ّنا مُ ً‬
‫سبقا‪ ،‬وليست كتاب ُت ُه هي التي فرضت علينا أن‬
‫نفعل كذا وكذا‪.‬‬
‫َص َلت الفكرة جيدا يا صديقي‪ ،‬ولكن هذا يوصلنا إىل سؤايل الثاين‪ :‬بما أن ّ‬
‫الله يعلم‬ ‫‪ -‬أَهَ ه‪ ،‬لقد و َ‬
‫ماذا سنفعل‪ ،‬ومَ نْ سيكون يف النار ومن سيكون يف الجنة بِ ِع ْلمِ ِه قبل َخ ْل ِقنا‪ ،‬فلماذا َخ َل َقنا إذن؟‬
‫ت بنا م ّرة أخرى إىل الحكمة مِ نْ وراء َخ ْل ِقنا‪ ،‬وقد أجبنا‬
‫‪ -‬بخصوص سؤالك هذا‪ ،‬فأنت هنا قد ُع ْد َ‬
‫عن هذا سابقا‪ ،‬وقلنا بأنه ال يمكن بعقلك املحدود أن َت ِص َل إىل الحكمة اإلله ّية التي أرادها ّ‬
‫الله‪،‬‬
‫الله مُ طلقة‪ ،‬فهل مَ َث ًل سمعك مثل سمع ّ‬
‫الله؟!‬ ‫فحكمتنا محدودة وحكمة ّ‬
‫‪ -‬طبعا ال‪.‬‬
‫ّ‬
‫فالله ي َْسمَ عُ ما ُتوَسوس به ّ‬
‫كل نفس يف الوقت نفسه‪،‬‬ ‫‪ -‬فسمعك محدود وسمع ّ‬
‫الله مطلق!‬
‫كما ويسمع دبيب النملة السوداء عىل الصخرة الصمّاء يف الليلة الظلماء‪ .‬فشتان بني سمعك‬
‫وسمع ّ‬
‫الله تعاىل‪ .‬وكذلك األمر مع الحكمة‪ ،‬فعقلك املحدود ال يمكن له أن يصل إىل الحكمة‬
‫ل‪ .‬فسمعه ليس كسمعك‪ ،‬وعلمه ليس كعلمك‪ ،‬وحكمته ليست‬ ‫اإللهية املطلقة‪ .‬وهذا واضح جَ ِ ّ‬
‫ُ‬
‫وفعل ُه هذا لحكمةٍ‬ ‫ك أنك يف الجنة أم يف النار‪،‬‬ ‫الله وهو يعلم قبل أن ي َْخ ُل َق َ‬‫ك ّ‬
‫كحكمتك‪ .‬إذن َخ َل َق َ‬
‫عقلنا محدود‪ .‬و َدعني هنا أسألك‬ ‫َ‬ ‫الحكمة ال نعلمُ ها نحن وال ندر ُكها؛ ألنَّ‬ ‫ُ‬ ‫الله‪ ،‬وهذه‬ ‫أرادها ّ‬
‫سؤاال!‬
‫‪ -‬تفضل!‬
‫ص ّ‬
‫الله عليك شيئا؟‬ ‫‪ -‬هل وأنت اآلن يف هذه الحياة التي تتنفس فيها قد أَ ْن َق َ‬

‫‪43‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬لم أفهم! ماذا تقصد؟‬


‫وموج ُدك‪ ،‬قد و ََّف َر لك كل يشء لتصل إليه وتؤمن به‪ ،‬فقد أعطاك‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫خالقك‬ ‫‪ -‬أقصد أن ّ‬
‫الله تعاىل‬
‫السمع والبصر والعقل واملنهج (واملنهج هو الدستور الذي ستسري عليه أال وهو القرآن الكريم)‪،‬‬
‫فالله تعاىل قد أعطاك كل ذلك‪ ،‬كما وقد و َّفر لك املأكل واملشرب وامللبس‪ ،‬وأعطاك فرتة زمنية‬
‫ّ‬
‫حدد مصريك‪ .‬فهل ينقصك يشء من كل ذلك؟‬ ‫مقدرة ومناسبة لك لتؤمن به‪ ،‬وفيها ُت ّ‬
‫ّ‬
‫‪ -‬يف الحقيقة ال‪ .‬فأنا أسمع وأبصر وأعقل‪ ،‬وبني أَظه ُِرنا القرآن وهو الدستور كما تقول‪ ،‬وال‬
‫ينقصني كذلك ال مأكل وال مشرب وال ملبس‪ ،‬كما وأنني اآلن ال أزال أعيش يف الوقت املحدد يل‬
‫وأتنفس‪.‬‬
‫‪ -‬أحسنت يا صديقي ّ‬
‫فالله خالقنا قد وفر لنا كل يشء‪ ،‬ولم يُنقص علينا شيئا‪ ،‬وبهذا لم يبق علينا‬
‫َ‬
‫حجة لنا عليه‪ ،‬فما املانع الذي يمنعنا من اإليمان به؟!‬ ‫ُ‬
‫الحجة علينا‪ ،‬وال‬ ‫إال أن نؤمن به‪ ،‬فله‬
‫ّ‬
‫فالله أقام علينا الحجة وال عذر لنا‪ .‬واالن َدعني هنا يا صديقي أسألك سؤاال آخر مُ ِهمّ ا ِج ًّدا!‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي! تفضل!‬
‫‪ -‬هل هذا الخالق الذي خلقنا هو خالق ظالم؟‬
‫‪ -‬طبعا ال فهو خالق عظيم حكيم عادل‪.‬‬
‫‪ -‬إذن هذه نقطة جوهريّة‪ ،‬وعليك أن تطمنئ ج ّيدا‪ ،‬بأن هذا الخالق لن يظلمك أبدا‪ ،‬وأنه أوجدك‬
‫دخلت النار َف ِبعَ ْدلِهِ ‪ ،‬واسمح‬
‫َ‬ ‫دخلت الجنة َف ِبَحْ مَ ِت ِه‪ ،‬وإذا‬
‫َ‬ ‫بعلمه وحكمته وعدله ورحمته‪ ،‬فإذا‬
‫يل هنا أن أتلو عليك شيئا من كالمه بما يخربنا به عن نفسه‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل‪ ،‬أَ ْسمِ عْ نا‪َ ،‬ف َكمْ أنا متشوّق لسماع هذا الكالم‪.‬‬
‫َْ َ َ‬ ‫َّ َّ َ َ ْ‬
‫الل ل َيظل ُِم مِثقال ذ َّر ٍة‪[ ﴾40 ...‬سورة النساء]‪.‬‬ ‫الله عز وجل يف كتابه الكريم‪﴿ :‬إِن‬ ‫أحمد‪ :‬يقول ّ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫َ‬ ‫﴿ما ُي َب َّد ُل الْ َق ْو ُل َ َل َّ‬
‫ي َو َما أنا بِظل ٍم ل ِل َعبِي ِد ‪[ ﴾29‬سورة ق]‪.‬‬ ‫ويقول‪َ :‬‬
‫َ‬ ‫َ َ ُ‬ ‫َ َ ً‬ ‫َّ َّ َ‬
‫ك َّن انلّاس أنف َس ُهم يَظل ِمون ‪[ ﴾44‬سورة يونس]‪.‬‬ ‫ويقول أيضا‪﴿ :‬إِن اللـه ال يَظل ُِم انلّاس شيئا َولـ ِ‬
‫ْ‬ ‫َ َ َّ‬ ‫ََ ْ ََ َ َ َ‬ ‫َ ْ َ َ َ ً َ َْ‬
‫اء ف َعليْ َها َو َما َر ُّبك بِظل ٍم ل ِل َعبِي ِد ‪﴾46‬‬ ‫سهِ ومن أس‬‫الا فل ِنف ِ‬‫ويقول عز من قائل‪﴿ :‬من ع ِمل ص ِ‬
‫[سورة ُف ّصلت]‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫َ َ‬ ‫ََ َ ُ َ َ ُ َ ً َ ْ‬
‫اضا َول َيظل ُِم َر ُّبك أ َح ًدا ‪[ ﴾49‬سورة الكهف]‪.‬‬
‫ويقول‪﴿ :‬ووجدوا ما ع ِملوا ح ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ُ َُْ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َّ‬
‫﴿و َما كن ُ‬‫َ َ‬
‫ك ْن كنوا أنف َس ُه ْم َيظل ُِمون ‪[ ﴾40‬سورة العنكبوت]‪.‬‬ ‫الل ِلَظل َِم ُه ْم َول ٰ ِ‬ ‫ويقول أيضا‪َ :‬‬
‫الله لنا فيها أنه عادل ال يظلم عباده ل ُي َطمْ ِئ َننا‪ ،‬ومن‬
‫يؤك ُد ّ‬
‫وهناك الكثري الكثري من اآليات التي ِّ‬
‫وصل به املطاف إىل النار فهذا بعمل اإلنسان وما جَ َن ْت ُه يداه‪.‬‬
‫كريم‪ :‬نعم‪ ،‬يف الحقيقة إنه كالم جميل ورائع يستق ُّر يف القلب‪ ،‬فهذا الخالق من املفروض أن يكون‬
‫الظ ْل ِم ويستحيل عليه ذلك‪ .‬ولكن اسمح يل أن أَ ْخرُجَ قليال عن املوضوع وأسألك‪ :‬كيف‬
‫مُ َن َّزهً ا عن ُّ‬
‫تثبت يل أن هذا الكالم هو كالم رب العاملني فعال؟‬
‫‪ -‬سؤالك رائع‪ ،‬وسأجيبك عن ذلك يف لقاء خاص بصورة مختصرة وواضحة‪ ،‬فال مجال للخوض يف‬
‫هذا اآلن حتى ال َتتشابك األفكار َ‬
‫وت َت َش ّتت األذهان‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬فأنا أوافقك الرأي‪ ،‬ولك ذلك‪.‬‬
‫نتحدث عنه‪ ،‬وهو أن هناك املئات من اآليات يخربنا بها سبحانه َوي َُؤ ِّك ُد أنه‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬إذن‪ ،‬لرنجع عما كنا‬
‫الله تعاىل َلمْ و ََلنْ‬ ‫ك بأن ّ‬ ‫ليس بِ َظ ّل ٍم للعبيد وال يظلم أحدا‪ ،‬إذن ما عليك إال أن َتعْ مَ َل مَ عَ ِع ْلمِ َ‬
‫أوصلت نفسك إىل‬ ‫َ‬ ‫دخلت النار َف ِبعَ ْد ِل ِه؛ ألنك أنت من‬
‫َ‬ ‫يظلمك‪ ،‬فإن دخلت الجنة َف ِبَحْ مَ تِهِ وإن‬
‫الله وهو يعلم‬ ‫ِك‪ .‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة ثانية بخصوص سؤالك َن ْف ِسهِ ملاذا خلقنا ّ‬ ‫النار بِعَ مَ ل َ‬
‫من سيدخل النار ومن سيدخل الجنة‪ ،‬فهو سؤال ال داعي للتفكري به؛ ألنه ال ّ‬
‫يقدم وال يؤخر‬
‫يف يشء‪َ ،‬فمِ ْثل هذه األسئلة ملاذا‪ ،‬وملاذا‪ ...‬ال تفيدك بيشء وال تنقذك‪ .‬ودعني هنا أن أق ّرب لك‬
‫ت هذه‬‫اشتعلت فيه وبدأَ ْ‬
‫ْ‬ ‫الصورة أوضح لتفهم املقصود‪َ :‬ت َخ َّي ْل أنك يف بيت ورأي َ‬
‫ْت النريان قدِ‬
‫النريان تحيط بك من كل جانب‪ ،‬فهل ستبقى واقفا وتسأل‪ :‬من أشعلها؟ ملاذا أشعلها؟ ما الهدف‬
‫من إشعالها؟ كيف أشعلها؟ بماذا أشعلها؟ أم أنك ستف ّر منها مسرعا لتنقذ نفسك؟‬
‫‪ -‬طبعا سأَ ِف ُّر منها مسرعا ألنقذ نفيس‪ ،‬فال مجال لألسئلة مثل هذه هنا‪.‬‬
‫‪ -‬تماما‪ ،‬فأنت يف هذه الدنيا مخلوق‪ ،‬وقريبا ستنتقل من عالم الدنيا إىل عالم اآلخرة بأيّة لحظة‪،‬‬
‫وقد ُخل ِْق َ‬
‫ت يف الدنيا ِلَهَمَّ ةٍ ووظيفة عليك تنفيذها قبل فوات األوان‪ .‬فال داعي ملثل هذه األسئلة‬
‫التي ال ُتسمن وال تغني من جوع؛ ألن األمر ِج ّد خطري‪ ،‬واملسألة إما جنة يف نعيم مُ قيم‪ ،‬وإما‬
‫نار يف سعري وجحيم‪ ،‬فال ُتشغل نفسك بمثل هذه األسئلة التي ال تنفعك‪ ،‬فأنت الذي س ُتسأل‬

‫‪45‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫َ‬
‫ْ ُ ُ ُْ ُ َ‬ ‫ُْ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫الله تعاىل‪﴿ :‬ل يسأل ع َّما َيف َعل َوه ْم يسألون﴾؛ ألنه هو الذي أوجدك‬
‫وليس خالقك‪ .‬فلهذا يقول ّ‬
‫حكم عقلك وتت َي ّقظ قبل فوات األوان‪.‬‬ ‫فهو الذي سيسألك ولست أنت‪ .‬إذن عليك أن ُت ّ‬
‫ُ‬
‫َدخل العقل ويستق ّر يف القلب‪ .‬ولكن‬ ‫َ‬
‫صدقت يا صديقي بقولك‪ ،‬فكالمك منطقي وجميل‪ ،‬ي‬ ‫‪ -‬نعم‪،‬‬
‫ؤال الثاين‪،‬‬
‫سؤال الثالث‪ ،‬مع أنني قد عرفت اإلجابة عنه اآلن من خالل إجابتك عن ُس ِ َ‬‫َِ‬ ‫ماذا عن‬
‫َ‬
‫قيمة لها‪.‬‬ ‫َ‬
‫فائدة منها وال‬ ‫بِ َّأن ُه ال داعي لطرح أسئل ٍة ال‬
‫بدأت تفهم وتدرك بعقلك‪ ،‬ومع هذا سأجيب عن سؤالك وهو‪ :‬بما‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬رائع أنت يا صديقي‪ ،‬ها أنت‬
‫أن ّ‬
‫الله تعاىل يعلم من هو صائر إىل النار ومن هو صائر إىل الجنة‪ ،‬فلماذا لم يُدخل مَ نْ يف النار‬
‫حال دون أن ننزل إىل الدنيا فنتعب ونشقى؟ اإلجابة عن سؤالك‬ ‫إىل النار ومَ نْ يف الجنة إىل الجنة ً‬
‫الله تعاىل أراد بذلك أن يُقيمَ علينا ْالحُ جَّ َة‪ .‬حتى ال نقف يوم القيامة‬
‫هذا واضحة وبسيطة‪ ،‬إن ّ‬
‫أمامه ونحتجّ عىل ذلك‪.‬‬
‫‪ -‬هل لك أن توضح يل يا صديقي قولك هذا؟!‬
‫‪ -‬نعم وبكل سرور‪ ،‬لنفرض أن ّ‬
‫الله تعاىل أراد أن يُدخل رجال إىل النار مباشرة دون أن يعمل هذا‬
‫الله له‪ :‬أنت يا عبدي ادخل النار؛ ألنني أعلم أنك ستعمل بعمل أهل‬ ‫الرجل شيئا‪ ،‬بأن يقول ّ‬
‫النار‪ .‬فماذا سيقول هذا الرجل؟‬
‫‪ -‬سيحتج ويعرتض ولن يقبل بذلك‪ ،‬وهذا هو املنطق‪.‬‬
‫‪ -‬صحيح‪ ،‬سيحتج ويعرتض ولن يرىض بذلك وسيقول‪ :‬يا رب كيف ذلك ولم َت ْخ َت ِ ْ‬
‫بين؟ ولهذا أنزلنا‬
‫الله تعاىل من عقل وإرادة‪ ،‬حتى يأيت يوم القيامة‬ ‫الله عىل األرض ليعمل كل واحد منا بما أعطاه ّ‬
‫ّ‬
‫وقد أقيمت عليه الحجة فلن يستطيع أن يتكلم وقتها ألنه َعلِمَ بما َعمِ ل‪.‬‬
‫ُ‬
‫وصلت إىل حقيقة مفادها أنه ال‬ ‫‪ -‬يف الحقيقة إنّ كالمك منطقي وعقالين‪ ،‬نعم يا صديقي! لقد‬
‫فائدة من االنشغال بهذه األسئلة ألنها ال تفيد أبدا‪ ،‬وال تنقذنا ِفعْ ًل‪ ،‬بل علينا االهتمام بما هو‬
‫مر قبل فوات األوان‪.‬‬ ‫بقي من ُع ٍ‬
‫مطلوب منا فيما َ‬
‫ت آفاقك َت َّت ِسع‪ ،‬وطريقك َت َّت ِضح‪ .‬واسمع مني هذه اآلية التي‬ ‫‪ -‬عجيب أنت يا صديقي‪ ،‬ها قد ب ََدأَ ْ‬
‫ّ َ َ َ ُ ْ َ َ ُ ُ ُ َ ْ ُ ْ ُ َ َ َ ُ َ ُّ َ‬ ‫اع َملُوا ْ فَ َس َ َ‬
‫َُ ْ‬
‫تدون‬ ‫يى الل عملكم ورسول والمؤمِنون وس‬ ‫ِ‬ ‫ُت َب ِّ ُ‬
‫ي لنا عملنا يف الحياة الدنيا‪﴿ :‬وقل‬
‫َ َ ْ َ ْ َ َّ َ َ َ ُ َ ّ ُ ُ َ ُ ُ ْ َ ْ َ ُ َ‬
‫ب والشهادة ِ فينبِئكم بِما كنتم تعملون ‪[ ﴾105‬التوبة]‪.‬‬ ‫إِل عل ِ ِم الغي ِ‬

‫‪46‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫والله! لقد أضأت يل طريقي كثريا‪ ،‬وأَ َز ْل َ‬


‫ت العرثات من أمامي‪ ،‬ولكن هل من سؤال آخر؟‬ ‫‪ -‬صدقت ّ‬

‫‪ -‬تفضل يا صديقي َس ْل وال َت ْخجَ ل‪.‬‬


‫عرفت أننا ُخلقنا عىل هذه األرض لوظيفة أرادها ّ‬
‫الله لنا‪ ،‬وأننا سنحاسب عىل أعمالنا عندما‬ ‫ُ‬ ‫‪ -‬لقد‬
‫ل أن أفعل؟ ما املطلوب مني تجاه خالقي؟ وما أقصده هنا يا‬ ‫نرجع إليه يوم القيامة‪ ،‬فماذا َع َ َّ‬
‫يل أن ّأتبعها؟ فكما تعلم فإن الشرائع كثرية‪ :‬اإلسالمية‪ ،‬النصرانية‬‫صديقي هو‪ :‬أي شريعة َع ّ‬
‫ل أن أتبعه حتى ألقى ّ‬
‫الله عىل الطريق التي أرادها‬ ‫واليهودية وغريها‪ .‬فما الدين الصحيح الذي َع َ َّ‬
‫هو؟‬
‫الله يف لقائنا‬ ‫ّ‬
‫الدقة واألهمّ ّية‪ ،‬وسأجيب عن تساؤلك هذا إن شاء ّ‬ ‫‪ -‬سؤالك ‪-‬يا صديقي‪ -‬يف منتهى‬
‫القادم‪.‬‬

‫‪47‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪48‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ُِ‬
‫عاش‬‫ا َللِّقا ُء الْ‬

‫دين أَت َّ ِب ُ‬
‫ع؟‬ ‫ٍ‬ ‫أَ ّ‬
‫ي‬
‫(أ)‬

‫‪49‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ُِ‬
‫ْعاش‬ ‫اللِّقا ُء ال‬
‫ي دينٍ أَتَّ ِب ُ‬
‫ع؟ (أ)‬ ‫أَ ّ‬

‫كريم‪ :‬السالم عليكم!‬


‫أحمد‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬أهال وسهال ومرحبا بك‪.‬‬
‫ل أن ّأتبع؟ ومن‬ ‫لتوضح يل أيّ دين َع َ َّ‬
‫ّ‬ ‫جئت اليوم إليك ‪-‬يا صديقي‪ -‬مسرعا و ُك ّل لهفة وشوق‬ ‫ُ‬ ‫كريم‪:‬‬
‫ل‬‫الحق؟ فهذا الجانب مُ شوّش َلديّ حتى اآلن‪ .‬فهل يمكنك أن توضح ِ َ‬ ‫ّ‬ ‫طريق‬
‫ِ‬ ‫هم الذين ِفعْ ًل عىل‬
‫األمر بالعقل واملنطق؟!‬
‫ل‪ ،‬والحق فيه واضح أَب َْلج‪ ،‬ال يُنكره إال مُ ّتبعٌ‬ ‫أحمد‪ :‬حسنا يا صديقي‪ ،‬فاملوضوع بسيط جدا وَجَ ِ ّ‬
‫ي العقل‬ ‫فكل ما أريده منك ‪-‬يا صديقي‪ -‬أن تجيبني عن أسئلتي بِعَ ْ ِ‬ ‫ّ‬ ‫متكب‪،‬‬
‫ّ‬ ‫ستعل‬
‫ٍ‬ ‫ِلهَوا ُه أو مُ‬
‫َ‬
‫طلبت‪.‬‬ ‫واملنطق كما‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي َف ّ‬
‫كل آذان مُ صغية‪.‬‬
‫‪ -‬من هو خالق هذا الكون كله؟‬
‫‪ّ -‬‬
‫الله‪.‬‬
‫ليبي لهم كيف يعبدونه؟‬ ‫‪ -‬كيف أوصل ّ‬
‫الله دينه للناس ّ‬
‫‪ -‬من خالل ُرسلِهِ وكتبه‪.‬‬
‫‪ -‬رائع أنت يا صديقي‪ ،‬إذن هناك رسل‪ ،‬وهناك كتب‪ ،‬هل جميع الكتب والرسل من عند ّ‬
‫الله؟‬
‫‪ -‬نعم‪.‬‬
‫ب هَ واي بني رسول ورسول؟‬
‫‪ -‬هل من املنطق أن أف ّرق حَ ْس َ‬
‫‪ -‬طبعا ال‪ ،‬فكلهم من عند ّ‬
‫الله‪.‬‬
‫‪ -‬هل تسمح يل هنا أن أتلو عليك آية بخصوص هذا الشأن؟‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي!‬

‫‪50‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫ً ُ َّ‬ ‫ْ َ َ َ ْ َ‬ ‫ََ َ َ َْ َ َ‬


‫سائِيل َوأ ْر َسل َنا إِلْ ِه ْم ُر ُسل ك َما َجاءه ْم َر ُسول‬‫الله يف كتابه العزيز‪﴿ :‬لق ْد أخذنا مِيثاق بَ ِن ِإ‬‫‪ -‬يقول ّ‬
‫َ َ َ ْ َ َ ْ ُ ُ ُ ْ َ ً َ َّ ُ ْ َ َ ً َ ْ ُ ُ َ‬
‫ل أن أؤمن بجميع‬ ‫بِما ال تهوى أنفسهم ف ِريقا كذبوا وف ِريقا يقتلون ‪[ ﴾70‬سورة املائدة]‪ .‬إذن‪ ،‬هل َع َ َّ‬
‫ُ‬
‫أقبل ما أريد وأرفض ما أريد؟‬ ‫الرسل والكتب التي من عند الخالق؟ أم اختار عىل مزاجي‪،‬‬
‫الله‪ ،‬وهذا هو املنطق‪ .‬فليس من العقل يف يشء أن أرفض أيّ‬‫‪ -‬من الواضح أن أؤمن بجميع رسل ّ‬
‫الله إلينا؛ ألنه سيؤ ّدي هذا إىل عقوبة شديدة من ّ‬
‫الله‪ ،‬وهو عني الجنون‪ ،‬فبما أن‬ ‫نبي أرسله ّ‬
‫عيل أن أؤمن بهم جميعا‪ ،‬وال شك يف ذلك‪.‬‬ ‫جميع الرسل من عند ّ‬
‫الله فواجب ّ‬
‫‪ -‬أحسنت َفهْمً ا‪ ،‬واآلن‪ ،‬ما رسالة جميع رسل ّ‬
‫الله للناس؟‬
‫‪ -‬هل لك أن تخربين أنت يا صديقي؟‬
‫وحده هو الخالق وعلينا أن نوحّ ده ونعبده وحده‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬إن جميع الرسل جاءوا ليخربونا بأن ّ‬
‫الله‬
‫يخ ُل ْقنا ِل َنعْ ُب َد غريه‪ ،‬وال‬
‫وهذا هو املنطق أيضا‪ ،‬فهو خلقنا لنعبده ونطيعه بما يأمرنا به‪ ،‬فهو لم ْ‬
‫لنعبده كيفما نشاء!!‬
‫‪ -‬هل جاء يف القرآن ما ّ‬
‫يدل عىل ذلك؟‬
‫َ‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬إليك هذه اآلية التي تك ّررت عىل جميع ألسنة األنبياء والرسل ألقوامهم وهي‪﴿ :‬يَا ق ْو ِم‬
‫ْ ُ ُ ْ َّ َ َ َ ُ‬
‫كم ّم ِْن إلَـه َغ ْ ُ‬
‫يهُ‪ ،﴾...‬والعبادة هنا هي السمع والطاعة واالنقياد له‪.‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫اعبدوا الل ما ل‬
‫‪ -‬وكيف يكون ذلك؟‬
‫جدا أن تكون عبادة ّ‬
‫الله كما أوصلها إلينا أنبياؤه‪ ،‬وليس كما نريد نحن أن نعبده‪ ،‬وقد‬ ‫‪ -‬من املنطق ّ‬
‫َ َ َّ َ َ َ ِ ُ ْ َ ً َ َّ ُ ُ َ َ َ َّ ُ ْ ُّ ُ َ‬
‫صاط مستقِيما فاتبِعوه وال تتبِعوا السبل‬ ‫جاء ذلك يف القرآن الكريم بقوله تعاىل‪﴿ :‬وأن هـذا ِ‬
‫َ َ َّ ُ ْ َ َّ ُ َ‬ ‫َّ ُ‬ ‫َ ُ‬ ‫ُ َ‬ ‫َََ َ‬
‫فتف َّرق بِك ْم عن َسبِيلِهِ ذل ِك ْم َوصاكم بِهِ لعلكم تتقون ‪[ ﴾153‬سورة األنعام]‪.‬‬
‫‪ -‬أَهَ ه‪ ،‬إذن الصراط واحد والطريق واحدة لعبادة ّ‬
‫الله‪ ،‬ال أن َنعْ ُب َد ُه كيفما نشاء نحن‪.‬‬
‫‪ -‬أحسنت يا صديقي‪ ،‬كم أنت رائع يف فهمك واستخدام عقلك‪ .‬واآلن سؤايل لك إذن‪ :‬هل الدين‬
‫عند ّ‬
‫الله واحد أم أكرث من دين؟‬
‫‪ -‬املنطق يقول‪ :‬أنه دين واحد‪ ،‬ألنه خالق واحد‪.‬‬
‫جدا‪ ،‬أن الدين عند ّ‬
‫الله هو دين‬ ‫‪ -‬رائع أنت يا صديقي‪ ،‬إذن علينا أن نقف عىل هذه النقطة املهمّ ة ّ‬

‫‪51‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫واحد‪ ،‬فال توجد أديان منوّعة‪ ،‬فالدين بأن َتدين لخالقك باالعتقاد الجازم بوجوده ووحدان ّيته‬
‫وأن َتدين له بالعبودية املطلقة يف كل شؤونك وأطوار حياتك‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا‪ ،‬وماذا نقول إذن عن اليهوديّة والنصران ّية وغريها؟‬
‫‪ -‬هذه ‪-‬يا صديقي‪ -‬شرائع وليست أديان‪.‬‬
‫‪ -‬هل لك أن ّ‬
‫توضح يل أكرث يا صديقي؟‬
‫لله تعاىل‪ ،‬والشريعة هي الطريقة التي نعبد ّ‬
‫الله فيها بما أراده‬ ‫‪ -‬الدين هو االستسالم والخضوع ّ‬
‫وزمان الشريعة التي نزلت فيهما‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ظرف‬
‫ِ‬ ‫حسب‬ ‫ّ‬
‫الله ْ‬
‫‪ -‬هل من توضيح أكرث لو سمحت؟‬
‫الله اإلسالم‪ ،‬منذ عهد آدم حتى خاتم األنبياء محمد ‪ ،‬فجميع األنبياء أُ ْرسلوا‬
‫‪ -‬إن الدين عند ّ‬
‫لله عز وجل وطاعته بكل ما يأمر به‪ .‬فاليهودية هي شريعة‬‫بدين اإلسالم‪ ،‬فاإلسالم هو االستسالم ّ‬
‫نزلت عىل نبينا موىس عليه السالم لعبادة ّ‬
‫الله بالصورة التي جاءت يف التوراة من أحكام وغريها‬
‫َ‬
‫بعض ما يف التوراة وهي الشريعة التي‬ ‫والتي تالئم زمانهم‪ ،‬وبعدها جاءت النصرانية التي َنسخت‬
‫نزلت عىل نبينا عيىس عليه السالم لعبادة ّ‬
‫الله بالصورة التي جاءت يف اإلنجيل واملالئمة لزمانهم‪،‬‬
‫يتغي يف هذه الشرائع‬
‫ّ‬ ‫الله وذلك حسب الظرف والزمان‪ ،‬والذي‬ ‫فقد طرأ تغيري عىل األحكام من ّ‬
‫هو األحكام وليس الدين‪ ،‬فالدين هو عبادة ّ‬
‫الله تعاىل وحده من دون شريك‪ ،‬أما الشريعة فهي‬
‫أحكام وأوامر وتكاليف علينا اتباعها‪ .‬وهل تسمح يل ‪-‬يا صديقي‪ -‬هنا أن أتلو عليك آيات ب ّينات‬
‫توضح لك هذا املعنى أنّ الدين واحد وهو اإلسالم؟‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي!‬
‫َّ َ َ َّ‬ ‫َ ْ ْ َ ْ‬ ‫َْ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ ْ َ َّ‬
‫أحمد‪ :‬يقول تعاىل عن نوح عليه السالم‪﴿ :‬فإِن ت َولْ ُت ْم ف َما َسألُك ْم م ِْن أج ٍر إِن أج ِر َي إِل ع اللِ‬
‫َُ ْ ُ َ ْ َ ُ َ‬
‫ون م َِن ال ْ ُم ْسلِم َ‬
‫ني ‪[ ﴾72‬سورة يونس]‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وأمِرت أن أك‬
‫ْ‬ ‫ْ‬
‫وعن إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب عليهم السالم‪ِ﴿ :‬إَوذْ يَ ْر َف ُع إب ْ َراه ُ َ َ‬
‫ت‬‫ِيم الق َواعِد م َِن الَيْ ِ‬ ‫ِ‬
‫ُ ّ َّ َ ُ َّ ً‬
‫ي لك َومِن ذرِيتِنا أمة‬
‫َ َّ َ َ ْ َ ْ َ ُ ْ َ ْ َ‬
‫َ‬
‫ِم‬ ‫ل‬ ‫س‬ ‫م‬ ‫ا‬ ‫ن‬ ‫ل‬ ‫ع‬ ‫اج‬ ‫و‬ ‫ا‬ ‫ن‬‫ب‬ ‫ر‬ ‫‪127‬‬ ‫يع الْ َعل ُ‬
‫ِيم‬ ‫الس ِم ُ‬ ‫نت َّ‬‫ك أَ َ‬ ‫ْ َ ُ َ َّ َ َ َ َّ ْ َّ َّ َ‬
‫ِإَوسماعِيل ربنا تقبل مِنا إِن‬
‫ِ‬
‫اتل َّو ُ‬
‫نت َّ‬ ‫َ‬
‫كأ َ‬ ‫ُّ ْ َ ً َّ َ َ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َ ْ َ َّ َ‬
‫ِيم ‪[ ﴾128‬سورة البقرة]‪.‬‬ ‫الرح ُ‬‫اب َّ‬ ‫مسل ِمة لك وأرِنا مناسِكنا وتب علينا إِن‬
‫ْ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫اص َط َفيْ َناهُ ف ُّ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬
‫ِيم إل َمن َسف َه َنف َس ُه َول َقد ْ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ ّ َّ ْ‬
‫ادلن َيا ِإَون ُه ِف الخ َِرة ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫ويقول‪﴿ :‬ومن يرغب عن مِلةِ إِب َراه ِ‬

‫‪52‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫وب‬‫ِيم بَنِيهِ َو َي ْع ُق ُ‬
‫ص ب َها إب ْ َراه ُ‬ ‫ٰ‬ ‫َ َ َّ‬
‫و‬ ‫و‬ ‫‪131‬‬ ‫ت ل َِر ّب الْ َعالَم َ‬
‫ني‬ ‫ُ‬ ‫ِني ‪ 130‬إذْ قَ َال َ ُل َر ُّب ُه أَ ْسل ِْم قَ َال أَ ْسلَ ْ‬
‫م‬ ‫ال َ‬ ‫لَم َن َّ‬
‫الص ِ‬
‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َي ْع ُقوبَ‬ ‫اء إذْ َح َ َ‬ ‫نت ْم ُش َه َد َ‬ ‫ون ‪ 132‬أَ ْم ُك ُ‬ ‫َ َ َّ َّ َّ َ ْ َ َ ٰ َ ُ ُ ّ َ َ َ َ ُ ُ َّ َّ َ َ ُ ُّ ْ ُ َ‬
‫يا ب ِن إِن الل اصطف لكم ادلِين فل تموتن إِل وأنتم مسل ِم‬
‫ِ‬
‫َ ُ َ ْ ُ ُ َٰ َ َ َٰ َ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ ْ ُ ْ َ َ‬
‫ت إِذ قال لِ َنِيهِ َما ت ْع ُب ُدون مِن َب ْعدِي قالوا نعبد إِلهك ِإَوله آبائِك إِبراهِيم ِإَوسماعِيل ِإَوسحاق‬ ‫المو‬
‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫إ َل ٰ ًها َواح ًِدا َونْ ُن ُ ْ‬
‫ل ُمسل ُِمون ‪[ ﴾133‬سورة البقرة]‪.‬‬ ‫ِ‬
‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫﴿‪...‬وأ ْسل ْم ُ‬
‫ت َم َع ُسليْ َمان ِلِ‬ ‫َ‬ ‫النبي سليمان عليه السالم قالت‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫وعندما أرادت امللكة بلقيس اتباع‬
‫ني ‪[ ﴾44‬سورة النمل]‪.‬‬ ‫َر ّب الْ َعالَم َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫ْ ُ ْ َ ْ ُ ْ َّ َ ْ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ٰ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫وعن موىس عليه السالم‪﴿ :‬وقال موس يا قو ِم إِن كنتم آمنتم بِاللِ فعليهِ توكوا إِن كنتم مسل ِ ِمني‪﴾84‬‬
‫[سورة يونس]‪.‬‬
‫َ‬ ‫اللِ قَ َال ْ َ‬
‫ال َوارِ ُّيون‬
‫َ ّ‬
‫نصارِي إِل‬ ‫ك ْف َر قَ َال َم ْن أَ َ‬
‫ُْ ُ ْ ُ‬
‫ِيس مِنهم ال‬ ‫وعن عيىس عليه السالم‪﴿ :‬فَلَ َّما أَ َح َّس ع َ‬
‫َ‬ ‫ْ ْ َ َّ ْ‬
‫آمنا بِاللِ َواش َهد بِأنا ُمسل ُِمون ‪[ ﴾52‬سورة آل عمران]‪.‬‬
‫َ ْ ُ َ َ ُ ّ َ َّ ّ‬
‫نن أنصار اللِ‬
‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ‬ ‫َّ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ ً‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِني‬‫ِيم َحن ِيفا َو َما كن م َِن ال ُمشك َ‬ ‫ارى ت ْه َت ُدوا قل بَل مِلة إب ْ َراه َ‬ ‫ودا أ ْو ن َص َ‬ ‫﴿وقالوا كونوا ه‬ ‫وقال أيضا‪َ :‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وب َو ْ‬ ‫اق َو َي ْع ُق َ‬‫ُ ُ ْ َ َّ ّ َ َ ُ َ َ ْ َ َ َ ُ َ َ ْ َ َ ْ َ َ ْ َ َ‬
‫اط َو َما‬‫األس َب ِ‬ ‫نزل إِل إِبراهِيم ِإَوسماعِيل ِإَوسح‬ ‫نزل إِلنا وما أ ِ‬ ‫‪ 135‬قولوا آمنا بِاللِ وما أ ِ‬
‫َّ ّ ْ َ ُ َ ّ ُ َ ْ َ َ َ ّ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ َ ُ ُ ْ ُ َ‬ ‫ُ َ ُ َ َ َ َ َ ُ َ َّ ُّ َ‬
‫وت انلبِيون مِن رب ِ ِهم ال نف ِرق بي أح ٍد مِنهم ونن ل مسل ِمون ‪[ ﴾136‬سورة‬ ‫وت موس وعِيس وما أ ِ‬ ‫أ ِ‬
‫البقرة] وهناك الكثري الكثري من هذه اآليات‪.‬‬
‫كريم‪ :‬ما هذا يا صديقي؟! إن ُه َل َكالمٌ واضح جدا‪ .‬فقد َّات َ‬
‫ضحت الصورة يل واكتملت‪ .‬فأنا أرى أن‬
‫جميع األنبياء كانوا مسلمني‪.‬‬
‫لله بالتوحيد واالنقياد له بالطاعة والرباءة من الشرك وأَهْ ِل ِه‪ .‬وهو‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬فاإلسالم هو االستسالم ّ‬
‫اللِ ْ ُ‬ ‫َّ ّ َ ْ َ َّ‬ ‫الله لعباده حيث قال ّ‬
‫الدين الذي ارتضاه ّ‬
‫اإلسالم﴾‪ ،‬واسمع قوله تعاىل‬ ‫ِ‬ ‫الله‪﴿ :‬إِن ادلِين عِند‬
‫َ َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ َ َ ْ َ ُ َ ُ ًّ َ َ‬
‫ال نَ ْ َ‬
‫كن كن َحن ِيفا ُّم ْسل ًِما َو َما كن م َِن‬
‫صان ًِّيا َول ِ‬ ‫عن سيدنا إبراهيم‪﴿ :‬ما كن إِبراهِيم يهودِيا و‬
‫ال ْ ُم ْشك َ‬
‫ِني ‪[ ﴾67‬سورة آل عمران]‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يل أن أتبع الدين الذي أراده ّ‬
‫الله لنا ال ما نختاره نحن‪.‬‬ ‫‪ -‬إنه كالم جميل ومنطقي يا صديقي‪ ،‬إذن َع ّ‬
‫ً ََ‬ ‫َ َ ْ ََْ َ َْ‬
‫ِينا فل ْن‬ ‫اإل ْس ِ‬
‫الم د‬ ‫الله تعاىل‪﴿ :‬ومن يبتغِ غي ِ‬ ‫‪ -‬نعم يا صديقي‪ ،‬لقد صدقت يف كالمك‪ ،‬فإذا قال ّ‬
‫َْ‬ ‫ْ‬ ‫ْ َ ُْ ُ‬
‫عليك أن ال تبتغي غري اإلسالم‬‫َ‬ ‫ُيق َبل مِنه َوه َو ِف الخ َِرة ِ م َِن ال ِِ‬
‫اسين ‪[ ﴾85‬سورة آل عمران]‪ ،‬إذن‬

‫‪53‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫دينا حتى ال تخسر آخرتك‪ .‬فهذا كالم رب العاملني وعليك أن تطيعه وتدين به‪ ،‬ال أن تختار وفق‬
‫هواك النبي الذي تريد والكتاب الذي تريد‪.‬‬
‫‪ -‬إجابتك شافية ووافية يا صديقي‪ ،‬وقد اكتملت الصورة بالكامل‪ ،‬ولكن ملاذا هذا التغيري وهذا‬
‫ّ‬
‫التنقل من شريعة إىل أخرى؟ ملاذا لم تكن شريعة واحدة منذ البداية؟‬
‫‪ -‬اإلجابة بسيطة جدا جدا يا صديقي‪ ،‬ولكن ما رأيك أن نكمل موضوعنا هذا وأجيبك عن هذا‬
‫السؤال يف لقاء آخر؟ أرى أننا أطلنا الحديث هذه املرة‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا كيفما تريد يا صديقي‪ ،‬مع أن كالمك ممتع ورائع ال يُمَ ّل‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا اتفقنا‪ ،‬إذن سنكمل وسأجيب عن سؤالك هذا يف اللقاء القادم إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫‪54‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ا َللِّقا ُء‬
‫الْحادي َ‬
‫عرش‬

‫دين أَت َّ ِب ُ‬
‫ع؟‬ ‫ٍ‬ ‫أَ ّ‬
‫ي‬
‫(ب)‬

‫‪55‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫عرش‬
‫اللِّقا ُء الْحادي َ‬
‫ي دينٍ أَتَّ ِب ُ‬
‫ع؟ (ب)‬ ‫أَ ُّ‬

‫كريم‪ :‬السالم عليكم!‬


‫أحمد‪ :‬وعليكم السالم‪ ،‬أهال وسهال بك مرة أخرى!‬
‫كريم‪ :‬جئت إليك ‪-‬يا صديقي‪ -‬لنكمل حديثنا السابق وتجيبني عن سؤايل‪.‬‬
‫أحمد‪ :‬نعم‪ ،‬تفضل‪ ،‬ما كان سؤالك؟‬
‫‪ -‬سؤايل‪ :‬ملاذا هذا التغيري والتنقل من شريعة إىل أخرى عىل م ّر األزمان‪ ،‬ولم تكن شريعة واحدة قد‬
‫أُنزلت إىل البشرية منذ البداية؟‬
‫‪ -‬اإلجابة بسيطة جدا يا صديقي‪ ،‬فكما تعلم‪ ،‬أن البشرية مَ ّرت بمراحل تطوّر مختلفة‪ ،‬فمثال هل‬
‫زماننا مثل زمان موىس عليه السالم؟!‬
‫‪ -‬طبعا ال‪.‬‬
‫‪ -‬هل العقل البشري يف زماننا مثل العقل البشري يف زمن آدم عليه السالم؟‬
‫‪ -‬طبعا ال‪ ،‬فهو عاش يف العصر الحجري‪ ،‬ونحن نعيش يف العصر التكنولوجي‪َ ،‬ف َش ّتانَ بني هذا‬
‫وذاك‪ .‬ولكن ‪-‬يا صديقي‪ -‬لم أفهم‪ ،‬ماذا تقصد من كالمك هذا؟‬
‫تناسب أقوامَ زمن آدم وال‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬أقصد من كالمي هذا أن الرسالة التي نزلت عىل النبي محمد ‪ ‬ال‬
‫موىس وال عيىس وال غريهم‪ ،‬ألنهم ال يستطيعون حَ مْ َلها كما هي عليها اآلن‪ ،‬ألن عقولهم وقتها‬
‫تؤمن باملحسوس ولم تنضج بعد‪ ،‬فلهذا كانت جميع معجزات األنبياء السابقني محسوسة‬
‫كذلك‪ ،‬وعندما وصل اإلنسان اىل مرحلة النضوج العقيل‪ ،‬آنَ له أن يحمل الرسالة األخرية التي‬
‫جاء بها آخر األنبياء وهي رسالة اإلسالم الشاملة‪ ،‬فلهذا أنت ترى يا صديقي أن اإلسالم مناسب‬
‫لكل زمان ومكان من بعد أن َخ َتمَ ّ‬
‫الله بها رساالته‪ ،‬فمنذ ‪ 1400‬سنة حتى اليوم فدين اإلسالم‬
‫َ‬
‫الله تعاىل يف كتابه الكريم‪﴿ :‬ما ف َّر ْط َنا‬
‫مناسب لحياتنا وسيبقى مناسبا إىل يوم الدين‪ ،‬فلهذا قال ّ‬

‫‪56‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ك ْم َو َأتْ َم ْم ُ‬
‫ت‬
‫َْ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ‬
‫ش ٍء ‪[ ﴾38‬سورة األنعام]‪ ،‬وقال تعاىل‪﴿ :‬الوم أكملت لكم دِين‬ ‫ِف الك َِتاب مِن َ ْ‬
‫ِ‬
‫ً‬ ‫َ‬ ‫ُ َ ُ ُ ْ ْ َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫كْ‬‫َ َْ ُ‬
‫السلم دِينا ‪[ ﴾3‬سورة املائدة]‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫م‬ ‫ك‬ ‫ل‬ ‫يت‬ ‫ض‬
‫ِ‬ ‫ر‬ ‫و‬ ‫ت‬‫ِ‬ ‫م‬ ‫ِع‬ ‫ن‬ ‫م‬ ‫علي‬
‫‪ّ -‬إنه كالم جميل‪ ،‬هل من استزادة يا صديقي؟ ه ّيا ِز ْدين!‬
‫‪ -‬إنّ ّ‬
‫الله تعاىل بعلمه وحكمته يعلم أن اإلنسان أوّل حياته هي حياة بدائ ّية‪ ،‬وعقله ال يمكن له أن‬
‫الله تعاىل أن يرسل بني الحني واآلخر نبيا مع شريعة ليسري‬‫يستوعب ّإل ما هو محسوس‪ ،‬فأراد ّ‬
‫أقوامهم حسبها‪ ،‬ففي بداية حياة البشر كان تركيز األنبياء عىل توحيد ّ‬
‫الله وعبادته دون تفاصيل‬
‫تقدم الزمن وتطوّر اإلنسان وصل األمر إىل أن يرسل ّ‬
‫الله موىس عليه السالم‬ ‫أخرى كثرية‪ .‬وبعد ّ‬
‫لبني إسرائيل ومعه التوراة ليعملوا بما جاء فيها من تكاليف‪ ،‬وبعد ‪ 1700‬سنة تقريبا أرسل ّ‬
‫الله‬
‫عيىس نبيا لبني إسرائيل أنفسهم ومعه اإلنجيل وهي مكمِّ لة لرسالة موىس عليه السالم‪ ،‬ومُ َتمِّ مَ ة‬
‫ملا جاء يف التوراة من تعاليم وناسخة لبعض ما فيها ليعملوا بها‪.‬‬
‫‪ -‬ما أفهمه منك يا صديقي‪ّ ،‬أنه مَ نْ كانَ مِ نْ بني إسرائيل مُ َّت ِبعً ا للتوراة‪ ،‬عليه أن َي َّت ِبعَ بعدها‬
‫اإلنجيل ويرتك التوراة؟‬
‫الله منهم‪ ،‬فمنهم من أطاع واتبع عيىس عليه السالم َف ُسمّوا بالنصارى‪ ،‬وهم‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬هكذا طلب ّ‬
‫الذين ناصروا عيىس عليه السالم‪ ،‬ومنهم من رفض وبقوا عىل التوراة وهم اليهود‪ ،‬فالنصراين هو‬
‫الذي ترك التوراة واتبع عيىس عليه السالم واليهودي هو الذي بقي عىل التوراة ولم يتبع عيىس‬
‫عليه السالم‪.‬‬
‫‪ -‬ما هذا الكالم يا صديقي؟ لقد فتحت يل أبوابا كثرية‪ ،‬وآفاقا بعيدة‪ .‬أكمل‪ ...‬أكمل‪...‬‬
‫‪ -‬فاإلنجيل جاء مُ كمّ ال للتوراة وناسخا لبعض ما جاء فيها‪ ،‬فبنو إسرائيل بعد أن كانوا مُ ّتبعني‬
‫للتوراة التي هي من عند الله‪ ،‬أنزل ّ‬
‫الله إليهم اإلنجيل ليتبعوه‪ ،‬ويرتكوا التوراة‪ ،‬وهذا ما أراده‬
‫الله‪ .‬فكأنّ ّ‬
‫الله يقول لهم‪ :‬يا عبادي اتركوا التوراة واتبعوا اإلنجيل فقد انتهى عهد التوراة‪.‬‬ ‫ّ‬

‫نبي‪ ،‬فنحن نطيعه بما‬


‫كتاب أو ٍّ‬
‫ٍ‬ ‫اتباع‬ ‫‪ -‬كالم سليم‪ ،‬إذن من املنطق أن أسري وفق ما يريده ّ‬
‫الله من‬
‫ِ‬
‫الله‪ ،‬وهذا هو فعال اإلسالم‪ ،‬وهو االستسالم ّ‬
‫لله بكل ما يريد‪.‬‬ ‫يريد ّ‬
‫جدا يا صديقي‪ ،‬وهكذا رسالة اإلسالم األخرية التي جاء بها النبي محمد ‪ ‬من عند ّ‬
‫الله‬ ‫‪ -‬تماما ًّ‬
‫ومعه القرآن‪ ،‬فالقرآن مُ َكمِّ ٌل للتوراة واإلنجيل بل هو جامع لكل ما نزل من شرائع‪ ،‬فالقرآن هو‬

‫‪57‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫الكتاب السماوي األخري ورسالة النبي محمد ‪ ‬هي الرسالة األخرية‪ ،‬وقد ّ‬
‫خصها الله هذه املرة‬
‫بأن تكون لجميع البشر وليست لقوم من األقوام‪ ،‬وعىل البشر جميعهم أن يتبعوا رسالة اإلسالم‬
‫األخرية هذه‪ ،‬فالعقل واملنطق يقوالن‪ :‬كيف يحتاج الناس إىل دين غري اإلسالم بعد تمامه؟ وكيف‬
‫يرجون الهدى يف سواه وال دين بعده؟!‬
‫‪ -‬واللهِ إنه َلعَ ْ ُ‬
‫ي العقل واملنطق يا صديقي‪.‬‬
‫كمْ‬ ‫َْ ْ َ َ ْ َ ْ ُ َ ُ ْ َ ُ‬ ‫‪ -‬واسمع مني هنا قول ّ‬
‫الله تعاىل يف كتابه عن تمام دينه وكماله‪﴿ :‬الوم أكملت لكم دِين‬
‫ِينا ‪[ ﴾3‬سورة املائدة]‪ .‬واستمع إىل قول ّ‬
‫ْ‬
‫ك ُم ال ْس َل َم د ً‬
‫ُ َ ُ‬ ‫ك ْم ن ِْع َمت َو َ‬ ‫ََْ َ ْ ُ َ َْ ُ‬
‫الله‬ ‫ِ‬ ‫ل‬ ‫يت‬ ‫ض‬‫ِ‬ ‫ر‬ ‫ِ‬ ‫وأتممت علي‬
‫﴿و َما‬ ‫تعاىل بحق نبيه محمد ‪ ‬بأنه خاتم األنبياء واملرسلني‪ ،‬وأنه أُرسل إىل جميع الناس ّ‬
‫كافة‪َ :‬‬
‫َ َْ َ‬ ‫َ ً َ َ ً َ َ َّ َ ْ‬
‫كََ‬ ‫أَ ْر َسلْ َن َ‬
‫اك إ َّل َك َّف ًة ّل َّ‬
‫اس ل َيعل ُمون ‪[ ﴾28‬سورة سبأ]‪ .‬وقوله‬ ‫ث انلَّ ِ‬ ‫كن أ‬ ‫اس بشِ ريا ونذِيرا ول ِ‬ ‫ِلن ِ‬ ‫ِ‬
‫ْ‬ ‫َّ ُ َ َّ َ َ َ َ َّ ّ َ َ َ َ َّ ُ ُ ّ َ‬ ‫َّ َ َ ُ َ َّ ٌ َ َ َ َ ّ ّ َ ُ ْ َ َ‬
‫كن رسول اللِ وخاتم انلبِيِني وكن الل بِك ِل ش ٍء‬ ‫تعاىل‪﴿ :‬ما كن ممد أبا أح ٍد مِن رِجال ِكم ول ِ‬
‫ِيما ‪[ ﴾40‬سورة األحزاب]‪.‬‬ ‫َعل ً‬
‫‪ -‬يف الحقيقة ‪-‬يا صديقي‪ -‬أريد أن أصدقك القول‪ :‬عندما أستمع إىل ما تقرأ من آيات‪ ،‬أدرك أنه كالم‬
‫ك؟‬ ‫رب العاملني ل ِِع َظمِ هِ وجماله ود ِّقة أسلوبه‪ .‬فهل من استزادة يا صديقي من ِع ْلمِ َ‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬اسمح يل أخريا أن أذكر لك هنا مثاال يدعمه العقل واملنطق فيما َتحَ َّد ْثنا عنه بخصوص‬
‫الشرائع والكتب السماوية‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي أَ ْتحِ ْفني بما لديك!‬
‫‪ -‬لنفرض أنّ طالبا يتعلم يف الصف السادس من املرحلة االبتدائية‪ ،‬وانتهت السنة الدراسية وعليه‬
‫ّ‬
‫الصف‬ ‫يرتفع إىل الصف السابع للمرحلة التي بعدها‪ ،‬هل من املنطق أن يقول‪ :‬أنا سأبقى يف‬ ‫أن ّ‬
‫ّ‬
‫الصف السابع؟‬ ‫السادس وال أريد أن أَ َت َر َّفعَ إىل‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬هذا غري معقول! بل عليه أن يلحق بالصف السابع!‬
‫‪ -‬هل من املنطق أن يبقى يف الصف السادس وزميله اآلن قد تخ ّرج من الجامعة وهو ال يزال يف‬
‫الصف السادس؟‬
‫‪ -‬هذا جنون وغباء!‬

‫‪58‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ب تطور اإلنسان ونضوجه‪ ،‬فأنزل الزبور‬ ‫الله عىل فرتات حَ ْس َ‬ ‫‪ -‬وكذلك هذه الشرائع فقد أرسلها ّ‬
‫والتوراة واإلنجيل وأخريا القرآن‪ ،‬فمن املنطق أن أَ َّت ِبعَ آخر نبي أُرسل‪ ،‬وآخر كتاب أُنزل‪ ،‬فالقرآن‬
‫الله للبشر جميعا‪ .‬فهل من املنطق أن أبقى عىل التوراة أو اإلنجيل‪ّ ،‬‬
‫والله يأمرنا‬ ‫هو آخر كتاب أَ ْن َز َل ُه ّ‬
‫برتكهما النتهاء عهدهما واتباع آخر ما أنزله وهو القرآن الكريم؟!‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬ليس هذا من املنطق يف يشء‪.‬‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬فمن الغباء والجنون أن تبقى مُ ّتبعا لكتاب قديم قد انتهى عهده وأمرنا ّ‬
‫الله برتكه واتباع‬
‫آخر كتاب له‪.‬‬
‫ي أنه ال داعي لكل مثل هذا الكالم أصال‪ ،‬فبما أن الكتب‬ ‫‪ -‬صدقت ّ‬
‫والله يا صديقي‪ ،‬يف الحقيقة َت َب َّ َ‬
‫ب ظروف اإلنسان‬ ‫الله‪ ،‬وقد أنزلها عىل فرتات من األزمنة لن ّتبعها حَ ْس َ‬ ‫السماوية جميعها من عند ّ‬
‫فيها‪َ ،‬فمِ نَ العقل واملنطق أن نتبع آخر كتاب أُنزل‪ ،‬وال نتبع كتابا قد انتهى عهده! وليس من‬
‫املنطق والعقل أيضا أنّ كل طائفة تعبد ّ‬
‫الله بطريقة مختلفة ووفق كتاب مختلف!!!! فكيف يكون‬
‫ذلك ّ‬
‫والله واحد والدين واحد؟!!!!‬
‫أصبت الهدف‪ ،‬ودعني هنا أيضا أن أضرب لك مثاال آخر من‬‫َ‬ ‫‪ -‬أصبح تفكريك رائعا يا صديقي‪ ،‬لقد‬
‫ّل من نوعه‪ ،‬وبعد سنني عدة ظهرت إصدارات‬ ‫اشرتيت هاتفا نقاال األو َ‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫والتفكر‪ ،‬لو‬ ‫ّ‬
‫التعقل‬ ‫باب‬
‫جديدة من نوع هاتفك‪ ،‬وهاتفك لم يعد يصلح للعمل بسبب التطورات والتحديثات‪ ،‬بل صار‬
‫َّ‬
‫تظل عىل اإلصدار األول وال تلحق باإلصدارات الجديدة؟!‬ ‫يُعيق العمل‪ ،‬فهل من املنطق أن‬
‫‪ -‬ال‪ ،‬هذا جهل وغباء‪ ،‬ألنه من الطبيعي والعقل واملنطق أن أستخدم آخر إصدار‪.‬‬
‫الله عىل األقوام السابقة حسب زمانهم وبيئتهم وظروفهم‪،‬‬ ‫‪ -‬وهكذا الكتب السماوية فقد أنزلها ّ‬
‫أخري لجميع الناس كافة‪ ،‬ألنه ال حاجة‬
‫ٍ‬ ‫وبكتاب‬
‫ٍ‬ ‫أخري‬
‫ٍ‬ ‫حتى وصل األمر إىل أن يُنهي ّ‬
‫الله تعاىل بِ َن ِب ٍّي‬
‫بعدها بكتاب آخر بعد أن وصل اإلنسان إىل النضوج العقيل لتنتهي قصة إرسال األنبياء وإنزال‬
‫كفل ّ‬
‫الله بحفظ القرآن الكريم من التغيري والتحريف والتزوير؛ ألنه آخر كتاب‬ ‫الكتب‪ ،‬ولهذا فقد َت ّ‬
‫الله‪ ،‬فال بد من حفظه ليسري الناس حسب منهاجه كما أراد ّ‬
‫الله‪.‬‬ ‫من عند ّ‬

‫متكرب يسري ِو ْف َق هواه‪ ،‬وإن ما ذكرته يا صديقي‬


‫ٍ‬ ‫متعال‬
‫ٍ‬ ‫‪ّ -‬‬
‫والله يا صديقي إن ما قلته ال يقبله إال‬
‫ش فيه‪ ،‬فبما أن األنبياء جميعهم من عند ّ‬
‫الله‬ ‫ليشء مذهل‪ ،‬فالحق فعال واضح ال لبس وال َغ َب َ‬

‫‪59‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫الله‪ ،‬وليس نحن‪.‬‬ ‫وكذلك كتبه‪ ،‬فمن املنطق والعقل أن أتبع آخر نبي وآخر كتاب‪ .‬وهذا ما أراده ّ‬

‫‪ -‬أحسنت َفهْمً ا يا صديقي! وأخريا‪ ،‬اسمح يل هنا أن أَ ْت ُل َو عليك آيات قرآنية مُؤ ِّكدة ملا تحدثنا عنه‪،‬‬
‫وهي آيات واضحة ال تحتاج إىل تفسري أو بيان‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي‪ ،‬تفضل‪...‬‬
‫ً ََ ْ َ‬
‫ي اإلسالم دِينا فل ْن ُيق َبل‬ ‫اللِ ْال ْس َل ُم﴾‪ .‬وقال‪َ :‬‬
‫﴿و َم ْن يَبْ َتغِ َغ ْ َ‬ ‫ين عِنْ َد َّ‬ ‫َّ‬
‫الله تعاىل‪﴿ :‬إِن ا ّ ِ‬
‫دل َ‬ ‫أحمد‪ :‬يقول ّ‬
‫ِ‬
‫ين﴾‪.‬‬‫اس َ‬ ‫ْ َ َ َْ‬ ‫ُْ ََُ‬
‫مِنه وهو ِف الخِرة ِ مِن ال ِ ِ‬
‫كريم‪ :‬أشكرك يا صديقي جزيل الشكر من صميم قلبي عىل ما ّ‬
‫قدمته يل من بيان وتوضيح‪ ،‬ولكن‬
‫َ‬
‫وقلت يل أنك ستتحدث عنه يف‬ ‫كلها‪ ،‬وقد ذكرته لك سابقا‪،‬‬ ‫بقي يل موضوع أخري يُنهي القض ّية ّ‬
‫لقاء وحده‪ ،‬مع أَنني اآلن مقتنع به ًّ‬
‫جدا وال داعي للكالم عنه‪ ،‬ولكن أريد أن يكون جوابك هذه‬
‫املرة للقارئني‪ :‬وهو أن تثبت للجميع أن القرآن الكريم هو من عند ّ‬
‫الله وليس من عند محمد‪.‬‬
‫أحمد‪ :‬حسنا يا صديقي! لك ذلك‪ ،‬وسنتحدث عن هذا املوضوع يف لقائنا القادم إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫‪60‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ا َللِّقا ُء‬
‫عرش‬ ‫الثّاين َ‬

‫عىل‬
‫ليل َ‬
‫ما ال َّد ُ‬
‫ن ِع ْن ِد‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫أَ َّ‬
‫ن الْ ُ‬
‫ق ْرآ َ‬
‫اللّ ِ‬
‫ه؟‬
‫(أ)‬

‫‪61‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫عرش‬
‫اللِّقا ُء الثّاين َ‬
‫ن ِع ْن ِد اللّ ِ‬
‫ه؟ (أ)‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ق ْرآ َ‬ ‫عىل أَ َّ‬
‫ن الْ ُ‬ ‫ليل َ‬
‫ما ال َّد ُ‬

‫كريم‪ :‬السالم عليكم!‬


‫أحمد‪ :‬وعليكم السالم ورحمة ّ‬
‫الله وبركاته!‬
‫كريم‪ :‬ها قد وصلنا أخريا إىل آخر ما سنتحدث عنه‪ ،‬وهو أن ُت َ‬
‫ثبت للجميع أن القرآن الكريم هو‬
‫النبي محمد ‪ ‬كتبه بنفسه أو بمساعدة غريه‪.‬‬
‫ّ‬ ‫كتاب من عند ّ‬
‫الله وليس من عند‬ ‫ٌ‬
‫أحمد‪ :‬حسنا يا صديقي! إليك األدلة الواضحة التي ال يراها إال من هو أعمى البصرية!‬
‫كريم‪ :‬تفضل ولنستمع!‬
‫ّ‬
‫بالتحدي سالم عن‬ ‫أحمد‪ :‬أوال القرآن الكريم هو معجزة‪ ،‬واملعجزة هي أم ٌر خارق للعادة مقرون‬
‫املعارضة‪ ،‬يُظهره ّ‬
‫الله عىل يد رسله‪ .‬فاملعجزة ال تخضع لألسباب واملس ّببات‪ ،‬وال يمكن ألحد أن‬
‫يصل إليها عن طريق الجهد الشخيص والكسب الذايت‪ ،‬وإنما هو هبة من ّ‬
‫الله سبحانه وتعاىل‬
‫يختار نوعها وزمانها ليربهن بها عىل صدق الرسول الذي أكرمه بالرسالة‪ .‬من هذا التعريف ‪-‬يا‬
‫صديقي‪ -‬تجد أن النبي محمد ‪ ‬قد ّ‬
‫تحدى البشر والجن معا بأن يأتوا بمثل هذا القرآن‪ ،‬وليس‬
‫ّ‬
‫يخص البشر؛ ألنه حتما سيأتون بأحسن منه أو بمثله عىل‬ ‫ّ‬
‫يتحدى البشر بيشء‬ ‫هنالك من عاقل‬
‫ّ‬
‫تحدى العالم أجمع بيشء ما‪ ،‬ألنه ال يمكن إلنسان‬ ‫األقل‪ ،‬لذلك لم نجد أحدا من الناس قد‬
‫الناس بش ٌر مثله ويستطيعون أن يأتوا بما ّ‬
‫تحداهم‪ ،‬ولكن عندما يكون‬ ‫َ‬ ‫أن يغامر بالتحدي؛ ألن‬
‫ّ‬
‫تحداهم النبي محمد ‪ ‬بأن يأتوا بمثل‬ ‫التحدي من ّ‬
‫الله فلن يستطيعوا أن يأتوا بِمِ ْثلِهِ‪ .‬فلذلك‬ ‫ّ‬
‫القرآن بل بعشر سور من مِ ْثلِهِ بل بسورة من مِ ْثلِهِ‪ ،‬فلم يستطيعوا‪ ،‬فلو كان القرآن من عند‬
‫النبي محمد ‪ ‬ملا غامر و ََتحَ ّداهم‪.‬‬
‫ُ َ ْ ُّ َ َ َ َ ْ ُ ْ ْ َ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫ُ َّ‬
‫الن ع أن يأتوا ب ِ ِمث ِل هـذا‬
‫اإلنس و ِ‬ ‫ت ِ‬‫الله تعاىل بهذا الشأن‪﴿ :‬قل لئ ِ ِن اجت َمع ِ‬ ‫ولنستمع إىل كالم ّ‬
‫َ َُْ َ‬
‫ون ب ِمثْلِهِ َول َ ْو َك َن َب ْع ُض ُه ْم لِ َ ْعض َظه ً‬ ‫ُْ‬
‫ريا ‪[ ﴾88‬سورة اإلسراء]‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫آن ال يأت‬
‫ِ‬ ‫الق ْر‬
‫ّ‬ ‫َ ْ ُ ْ َ ََْ ُْ ّ ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َُ ُ َ ََْ ُ ُْ َُْ ْ َ ْ ُ َ ّ ْ ُ َْ‬
‫ون اللِ إِن‬
‫ات وادعوا م ِن استطعتم مِن د ِ‬ ‫ش سو ٍر مِثلِهِ مفتي ٍ‬ ‫وقال‪﴿ :‬أم يقولون افتاه قل فأتوا بِع ِ‬

‫‪62‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫كنت ْم َصادِق َ‬
‫ِني ‪[ ﴾13‬سورة هود]‪.‬‬
‫ُ ُ‬

‫ون‬
‫ُ ّ ُ‬ ‫نت ْم ف َريْ ّ َّ َ َّ ْ َ َ َ َ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ َ ّ ّ ْ َ ْ ُ ْ ُ َ َ‬ ‫وقال‪ِ﴿ :‬إَون ُك ُ‬
‫ب مِما نزلا ع عبدِنا فأتوا بِسور ٍة مِن مِثلِهِ وادعوا شهداءكم مِن د ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ َّ ْ َ ْ َ ُ ْ َ َ َ ْ َ ُ ْ َ َّ ُ ْ َّ َ َّ َ ُ ُ َ َّ ُ َ ْ َ َ ُ ُ َّ ْ‬ ‫اللِ إ ْن ُكنْ ُت ْم َصادِق َ‬
‫ّ‬
‫ِني ‪ 23‬فإِن لم تفعلوا ولن تفعلوا فاتقوا انلار ال ِت وقودها انلاس وال ِجارة أعِدت‬ ‫ِ‬
‫ين ‪[ ﴾24‬سورة البقرة]‪.‬‬ ‫ل ِلْ َكف ِر َ‬
‫ِ‬
‫فماذا تقول بعد هذا الكالم؟؟!!‬
‫والله ال أقول شيئا‪ ،‬بل هنا ُتخرس َ‬
‫األ ْل ُسن وال يشءَ يُقال‪.‬‬ ‫كريم‪ّ :‬‬

‫يخص العلوم‪ ،‬ففي القرآن الكريم ُذ ِك َر ْ‬


‫ت ُعلومٌ لم تكن مدركة للبشر يف‬ ‫ّ‬ ‫‪ -‬وإليك الدليل الثاين بما‬
‫زمن نزول القرآن‪ ،‬ثم أثبتها العلم الحقا‪ ،‬وتم اكتشافها يف العصور الحديثة‪ ،‬فكيف للنبي محمد‬
‫‪ ‬قبل ‪ 1444‬سنة أن يعرفها‪ ،‬وهو أُمِّ ٌّي ال يقرأ وال يكتب‪ ،‬وقد عاش يف صحراء ال حواسيب أو‬
‫أجهزة وال كهرباء؟‬
‫‪ -‬هل لك أن تذكر لنا بعضا من هذه العلوم؟‬
‫ّ‬
‫كأدلة‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬فهناك الكثري الكثري‪ ،‬ولكن سأضرب هنا ثالثة أمثلة فقط لضيق اللقاء‪ ،‬وهي تكفي‬
‫الله وليس من عند بشر‪ .‬من هذه الحقائق العلم ّية اكتشاف‬ ‫قطع ّية عىل أنّ القرآن من عند ّ‬
‫بداية الكون‪َ ،‬فمِ نْ أَهَ مِّ اكتشافات القرن العشرين‪ ،‬أنّ العلماء أثبتوا بالربهان القاطع‪ ،‬أنّ للكون‬
‫بداية عىل شكل انفجار هائل ُسمّ ي باالنفجار العظيم‪ ،‬وقد بدأ العلماء يكتشفون تفاصيل هذا‬
‫ت)‬‫االنفجار‪ ،‬وقالوا بأنّ الكون كله كان كتلة واحدة ( َر ْت ًقا) فانفجرت ثم تباعدت أجزاؤها (اِ ْن َف َت َق ْ‬
‫َش َّك َلت النجوم واملجرات واألرض‪ ،‬والقرآن سبق علماء الغرب بأربعة عشر ً‬
‫قرنا إىل النتيجة ذاتها‬ ‫و َ‬
‫َْْ َ َ ََ ًْ ََََْ ُ‬ ‫َّ‬ ‫َ َ َ ْ َ َ َّ َ َ َ ُ َ َّ‬
‫ات َوالرض كنتا َرتقا ففتقناه َما ‪[ ﴾30‬سورة‬
‫ِ‬ ‫َ‬
‫او‬ ‫َ‬
‫م‬ ‫الس‬ ‫ن‬ ‫يف قوله تعاىل‪﴿ :‬أولم ير الِين كفروا أ‬
‫األنبياء]‪ .‬فمن كان يعلم زمن نزول القرآن بأنّ الكون كان كتلة واحدة ( َر ْت ًقا) ثم ْان َف َت َق ْ‬
‫ت و ََت َش َّك َل‬
‫الكون الذي نراه؟ أليس هو ّ‬
‫الله جَ َّل وعال؟!‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬نعم‪ ،‬إنه ألمر جيل وواضح‪ ،‬ال ينكره إال من هو أعمى البصرية أو متكرب أو حاقد‪.‬‬
‫‪ -‬وإليك حقيقة أخرى‪ ،‬لقد تحدث القرآن الكريم قبل أربعة عشر ً‬
‫قرنا عن ظاهرة فيزيائية عجيبة‪،‬‬
‫ال يمكن للبشر مشاهدتها بأمّ أعينهم‪ ،‬بل إن اكتشافها من ِق َب ِل العلماء يف نهاية القرن التاسع‬
‫عشر كان أقرب ما يكون للمعجزة؛ لكونها تحدث داخل البحار‪ ،‬وكذلك فإنه ال يمكن رؤيتها حتى‬

‫‪63‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ولو تم الوصول ملكان حدوثها‪ ،‬وهذه الظاهرة هي وجود حاجز أو فاصل بني املياه املالحة واملياه‬
‫العذبة عند التقائهما يف مكان ما‪ ،‬هذا الحاجز ي ُ‬
‫َحول دون حركة كل من املاءَ ي ِْن باتجاه بعضهما‬
‫البعض‪ ،‬فال يمتزجان‪ ،‬وقد َتحَ َّد َ‬
‫ث القرآن الكريم عن وجود هذه الظاهرة العجيبة يف ثالث آيات‬
‫اج َو َج َع َل بَيْ َن ُهماَ‬‫ات َو َه َذا مِلْ ٌح أُ َج ٌ‬‫ح َريْن َه َذا َع ْذ ٌب فُ َر ٌ‬ ‫﴿و ُه َو َّالِي َم َر َج ْالَ ْ‬‫قرآنية‪ :‬يف قوله تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫ورا ‪[ ﴾53‬سورة الفرقان]‪.‬‬ ‫ج ً‬ ‫ِج ًرا َمْ ُ‬
‫بَ ْر َز ًخا َوح ْ‬
‫اس َو َج َع َل َب ْيَ‬ ‫األر َض قَ َر ًارا َو َج َع َل خِالل َ َها َأنْ َه ً‬
‫ارا َو َج َع َل ل َ َها َر َو ِ َ‬ ‫وقوله عز وجل‪﴿ :‬أَ َّم ْن َج َع َل ْ‬
‫َْ َ‬ ‫ْ َ ْ َ ْ َ ً َ َ ٌ َ َ َّ َ ْ َ ْ َ ُ ُ‬
‫ثه ْم ال َيعل ُمون ‪[ ﴾61‬سورة النمل]‪.‬‬ ‫جزا أإِل مع اللِ بل أك‬ ‫الحري ِن حا ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ََُْ َ َْ َ‬ ‫ْ‬
‫َْْ َ َ َ‬ ‫ْ‬ ‫ََ َ‬
‫ان ‪ 20‬فبِأ ِّي آلءِ َر ّبِك َما‬ ‫ان ‪ 19‬بينهما برزخ ل يبغِي ِ‬ ‫وقوله سبحانه‪﴿ :‬مرج الَحري ِن يلتقِي ِ‬
‫ان‪[ ﴾21‬سورة الرحمن]‪.‬‬ ‫ُ َ َّ‬
‫تكذِب ِ‬
‫كريم‪ :‬إنه يا صديقي لكالم ينطق بالحق‪َ ،‬فأَ ّن ملحمد أن يعرف بهذا الحاجز وهو يف صحراء لم يركب‬
‫البحر مرة ولم يدخله؟ فهذا دليل قطعي بأن الكالم ليس من كالمه وإنما هو من عند ّ‬
‫الله تعاىل‪.‬‬
‫ون ْنهي بها‪ ،‬وقد َثبتت‬
‫أحمد‪ :‬نعم يا صديقي‪ ،‬فاألمر واضح ال لبس فيه‪ .‬وإليك حقيقة أخرى ُ‬
‫صح ُتها بشكل مُ ْبهر ومُ عْ جز عىل ضوء العلوم الحديثة‪ ،‬وهي ما ورد يف مُ حْ َكم التنزيل عن الجنني‬
‫ْ ُ ًَ‬ ‫ُ‬
‫ِني ‪ 12‬ث َّم َج َعل َناهُ ن ْطفة‬ ‫﴿ولَ َق ْد َخلَ ْق َنا ْ ْ َ َ ْ ُ َ َ ْ‬‫وتطوّره يف بطن أمّ ه‪ .‬يقول تعاىل‪َ :‬‬
‫النسان مِن سلل ٍة مِن ط ٍ‬‫ِ‬
‫ُ َّ َ َ ْ َ ُّ ْ َ َ َ َ َ ً َ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ُ ْ َ ً َ َ َ ْ َ ْ ُ ْ َ َ َ ً َ َ َ‬ ‫َ‬
‫اما فك َس ْونا‬ ‫ِني ‪ 13‬ثم خلقنا انلطفة علقة فخلقنا العلقة مضغة فخلقنا المضغة عِظ‬ ‫ٍ‬ ‫ار َمك‬ ‫ٍ‬ ‫ِف ق َر‬
‫ْ‬
‫الالِقِنيَ ‪[ ﴾14‬سورة املؤمنون]‪ .‬لقد وصف ّ‬
‫الله‬
‫الل أَ ْ‬
‫ح َس ُن ْ َ‬ ‫لْ ًما ُث َّم َأن ْ َشأنَاهُ َخلْ ًقا آ َ َخ َر َف َت َب َ‬
‫ار َك َّ‬ ‫ْ َ َ َ‬
‫العِظام‬
‫سبحانه وتعاىل يف هذه اآليات تطوّر الجنني من نطفة إىل علقة فمضغة‪ّ ،‬‬
‫بدقة شديدة وبصورة‬
‫معجزة موجزة‪ ،‬وذلك قبل الوصول إىل حقائق علم الحديث لألج ّنة بمئات السنني عىل أرض‬
‫تقدم وال تكنولوجيا‪َ ،‬فأَ ّن ملحمد أن يعرف هذه األطوار‬ ‫قاحلة ماحلة‪ ،‬ال علم فيها وال ّ‬
‫معلم‪ ،‬وال ّ‬
‫بهذه الصورة وأنّ العظام ُتبنى أوّال ومن َثمَّ ُتكىس لحما؟!‬
‫‪ -‬إنه فعال يا صديقي كالم رب العاملني‪ ،‬ومَ نْ أَ ْ‬
‫ص َدق كالما من ّ‬
‫الله؟!‬
‫‪ -‬نعم‪ ،‬نعم يا صديقي! إنه كالم مُ عْ ِجز وهذا دليل عىل أن القرآن من عند ّ‬
‫الله وليس من عند‬
‫محمد‪.‬‬
‫‪ -‬هل هناك حقائق علمية أخرى؟‬

‫‪64‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪ -‬نعم هناك الكثري الكثري‪ ،‬منها‪ :‬كروية األرض‪ ،‬مصدر الحديد‪ ،‬الجبال الركام ّية‪ ،‬األمواج الداخل ّية‪،‬‬
‫الثقوب السوداء‪ ،‬توسع الكون‪ ،‬وغريها الكثري‪ ....‬وال داعي للخوض فيها هنا فال مجال لذلك‪ .‬كما‬
‫وأرى ‪-‬يا صديقي‪ -‬أننا قد أطلنا الحديث عن العلوم هنا‪ ،‬وال يزال هناك الكثري من الدالئل غريها‬
‫عىل أن القرآن من عند ّ‬
‫الله‪ ،‬فما رأيك أن نكمل يف لقاء آخر‪.‬‬
‫‪ -‬حسنا يا صديقي! إنه من األفضل أن يكون كذلك‪ ،‬حتى يبقى الرتكيز حاضرا‪ ،‬وال َت َت َش َّتت األذهانُ‬
‫كثريا‪.‬‬
‫‪ -‬إذن نكمل حديثنا يف لقاء آخر إن شاء ّ‬
‫الله‪.‬‬

‫‪65‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫‪66‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫ا َللِّقا ُء‬
‫عرش‬ ‫الثّالِث َ‬

‫عىل‬
‫ليل َ‬
‫ما ال َّد ُ‬
‫ن ِع ْن ِد‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫أَ َّ‬
‫ن الْ ُ‬
‫ق ْرآ َ‬
‫اللّ ِ‬
‫ه؟‬
‫(ب)‬

‫‪67‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫اللِّقا ُء الثّالِث َ‬
‫عرش‬
‫ن ِع ْن ِد اللّ ِ‬
‫ه؟ (ب)‬ ‫ن ِ‬
‫م ْ‬ ‫ق ْرآ َ‬ ‫عىل أَ َّ‬
‫ن الْ ُ‬ ‫ليل َ‬
‫ما ال َّد ُ‬

‫كريم‪ :‬السالم عليكم!‬


‫أحمد‪ :‬وعليكم السالم ورحمة الله وبركاته‪ ،‬وأهال وسهال بك!‬
‫ُ‬
‫جئت إليك اليوم بإيمان عميق؛ لنكمل حديثنا عن الدالئل التي تدل عىل أن القرآن من عند‬ ‫كريم‪:‬‬
‫الله وليس من عند محمد ‪.‬‬ ‫ّ‬

‫أحمد‪ :‬حسنا‪ ،‬ه ّيا لنكمل حديثنا! لقد تحدثنا يف لقائنا السابق عن الدليل األول وهو تحدي البشر‬
‫والجن باإلتيان بمثل هذا القرآن‪ ،‬وعن الدليل الثاين وهو العلوم املذكورة يف القرآن التي لم ّ‬
‫يطلع‬
‫عليها النبي محمد ‪ ‬ولم يكن يعرفها‪ .‬واآلن إليك أدلة أخرى عقل ّية وواضحة‪.‬‬
‫‪ -‬تفضل يا صديقي! أكمل لو سمحت! فكيل آذان مُ صغية‪.‬‬
‫بالغي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬مما ال شك فيه أن القرآن كتاب عظيم ليس كأيّ كتاب عىل وجه األرض‪ِ ،‬لا فيه من إعجاز‬
‫ب‬ ‫وتاريخي وغري ذلك الكثري‪ ،‬وعىل هذا‪ ،‬أَ َل ْي َ‬
‫س من باب الشهرة واملفاخرة واملباهاة أن َي ْن ِس َ‬ ‫ّ‬ ‫علمي‬
‫ّ‬
‫النبي محمد ‪ ‬القرآن لنفسه إذا كان بالفعل هو من قام بكتابته أو استعان بغريه عىل كتابته؟‬
‫‪ -‬طبعا من املؤكد ذلك‪ ،‬فأيّ مجنون هذا ال َي ْن ِس ُ‬
‫ب مثل هذا الكتاب لنفسه إذا فعال هو من قام‬
‫بتأليفه؟‬
‫ب الكتاب له‪ ،‬وقد جاء يف القرآن قول ّ‬
‫الله تعاىل عىل لسان‬ ‫‪ -‬نعم‪ ،‬ولكن النبي محمد ‪ ‬لم َي ْن ِس ِ‬
‫ـذا أَوْ‬
‫َ ْ َ َ‬ ‫َ َ َّ َ َ َ ْ ُ َ‬
‫ون ل َِقاءنَا ائ ْ ِ ُ ْ‬ ‫َ َُْ َ َْ ْ َ َُ ََّ‬
‫يه‬
‫آن غ ِ‬
‫ت بِقر ٍ‬ ‫نبيه إذ يقول‪ِ﴿ :‬إَوذا تتل علي ِهم آياتنا بيِن ٍ‬
‫ات قال الِين ال يرج‬
‫ْ َ َّ ُ َّ َ ُ َ َ َّ ّ َ َ ُ ْ َ َ ْ ُ ّ‬ ‫َْ َْ‬ ‫ون ل أَ ْن ُأبَ ّد َ ُ‬
‫َ ّ ُْ ُ ْ َ َ ُ ُ‬
‫ت َر ِب‬ ‫ِل مِن ت ِلقاء نف ِس إِن أتبِع إِال ما يوح إِل إ ِ ِن أخاف إِن عصي‬ ‫بدِل قل ما يك ِ‬
‫َ َ َ َْ َ‬
‫يم ‪[ ﴾15‬يونس]‪.‬‬ ‫عذاب يو ٍم ع ِظ ٍ‬
‫النبي‬
‫َّ‬ ‫توضح أنّ القرآن الكريم ليس من عند محمد‪ ،‬فكما ُذ ِك َر يف اآلية أن‬ ‫كريم‪ :‬إذن‪ ،‬هذه اآلية ّ‬
‫الله وليس من‬‫الله؛ فهو من عند ّ‬ ‫محمدا ‪ ‬ال يستطيع تغيريه أو تبديله كما طلبوا منه خوفا من ّ‬
‫ً‬

‫‪68‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫عنده ليقوم بتغيريه‪.‬‬


‫نفسه وي َُس ِّط ُر ُه يف كتاب؟‬
‫ِب اإلنسانُ َ‬
‫أحمد‪ :‬نعم يا صديقي‪ ،‬وإليك دليل آخر‪ :‬هل من املمكن أن يعات َ‬
‫‪ -‬طبعا ال‪.‬‬
‫‪ -‬لقد جاء يف القرآن الكريم آيات فيها معاتبة للرسول ألحداث حَ َد َث ْ‬
‫ت معه‪ ،‬وفيها نوع من اإلحراج‪،‬‬
‫َّ‬ ‫ْ َ َ َّ‬ ‫َ َ َ َْْ‬ ‫َ َّ‬ ‫َ‬
‫اءهُ الع َم ‪َ 2‬و َما يُدرِيك ل َعل ُه يَ َّزك ‪[ ﴾3‬سورة عبس]‪.‬‬ ‫مثل‪ :‬قوله تعاىل‪﴿ :‬عبَ َس َوت َول ‪ 1‬أن ج‬
‫ك َّال َ َ َ ُ َ ْ َ ْ َ َ‬ ‫َ َ ّ َ َ َ َ َ َ َ ُ ْ َ َّ َ َ َ َّ َ َ َ‬
‫ِين صدقوا َوتعل َم الكذِبِني ‪[ ﴾43‬سورة‬ ‫وقوله‪﴿ :‬عفا الل عنك ل ِم أذِنت لهم حت يتبي ل‬
‫التوبة]‪.‬‬
‫َّ َ َ َّ ُ َ َ ُّ َ ْ َ ْ َ‬ ‫َْ َ‬ ‫َْ َ‬
‫ِك َما َّ ُ‬ ‫َ ُْ‬
‫حق أن تشاهُ ‪[ ﴾37‬سورة األحزاب]‪.‬‬ ‫الل ُمبْدِيهِ َوتش انلاس والل أ‬ ‫﴿وت ِف ِف نفس‬ ‫وقوله‪:‬‬
‫وغريها الكثري‪...‬‬
‫‪ -‬نعم يا صديقي‪ ،‬لقد صدقت يف كالمك‪.‬‬
‫‪ -‬وإليك دليل آخر‪ :‬لقد كان النبي محمد ‪ ‬يحب زوجته خديجة كثريا‪ ،‬وكانت أحب نسائه إليه‪،‬‬
‫فكان من باب أوىل أن يجعل لها سورة يف القرآن باسمها وليس باسم مريم عليها السالم مثال‪.‬‬
‫وجيل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫‪ -‬رائع‪ ...‬رائع يا صديقي‪ ،‬نعم إن األمر واضح‬
‫‪ -‬وإليك دليل آخر‪ :‬النبي محمد ‪ ‬كان أمّ ًّيا ال يقرأ وال يكتب‪ ،‬ولم يكن يعرف لفظ الحروف َو َر ْسمَ ها‪،‬‬
‫والسو َِر التي تبدأ باالستفهام (أَ َلمْ ) كما يف‬ ‫ُّ‬ ‫فكيف مَ َّي َز إذن يف ُّ‬
‫السو َِر التي تبدأ بحروف الهجاء (الم)‬
‫سورت الفيل والشرح؟ فكيف مَ َّيز بني قراءة (الف ال ميم) وقراءة كلمة (أَ َلمْ )؟ أال يكون هذا َت َل ِّق ًيا‬ ‫َ‬
‫بالسماع فقط؟‬
‫من الوحي ّ‬
‫‪ -‬نعم! نعم! هذا صحيح‪ ،‬أكمل‪ ..‬أكمل‪..‬‬
‫تبي أن القرآن من عند ّ‬
‫الله وليس من عند أيّ أحد من البشر!‬ ‫‪ -‬وإليك هذه الدالئل عىل ُعجالة ّ‬
‫‪ -‬هات ما عندك!‬
‫ضا واحدا مع كرب حجمه‪ ،‬والبشر من‬ ‫أحد من البشر يف القرآن الكريم خطأ أو تعا ُر ً‬
‫أحمد‪ :‬لم يجد ٌ‬
‫ََ‬ ‫َ‬
‫الله تعاىل عن كتابه القرآن الكريم‪﴿ :‬أفل‬‫طبيعتهم أَنْ يقع منهم الخطأ والسهو والنقصان‪ ،‬قال ّ‬
‫ًَ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ‬ ‫ّ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َ َ َ‬ ‫َ‬ ‫َ ُْ‬ ‫َ‬
‫َيت َدبَّ ُرون ٱلق ْر َءان ۚ َول ْو كن م ِْن عِن ِد غي اللِ ل َو َج ُدوا فِيهِ اختِالفا كث ِ ً‬
‫ريا ‪[ ﴾82‬سورة النساء]‪.‬‬ ‫ِ‬

‫‪69‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫وَمَ نْ حَ ِف َظ القرآن الكريم من التحريف والتزوير؟ فقد مَ َّر عىل نزول القرآن ‪ 1444‬سنة حتى يومنا‬
‫هذا‪ ،‬والقرآن هُ َو هُ وَ‪ ،‬بنفس كلماته وحركاته‪ .‬فكل حرف منه ينقله اآلالف عن اآلالف عىل مدار‬
‫َّ َ ْ‬
‫الله تعاىل‪﴿ :‬إِنا ن ُن‬
‫الله من َت َك َّف َل بحفظه؟ قال ّ‬
‫التاريخ لم يختلفوا يف حرف واحد منه‪ .‬أليس ّ‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬ ‫َّ َ‬ ‫ّ ْ‬
‫ن َّزلَا اذلِك َر ِإَونا ُل َ‬ ‫َ ْ‬
‫لاف ِظون ‪[ ﴾9‬سورة الحجر]‪.‬‬
‫ت يَ َدا أَب ل َ َهب َوتَ َّ‬
‫ب‬
‫َ‬
‫﴿ت َّب ْ‬ ‫ِّ‬
‫بحق أبي لهب عم الرسول‪ ،‬أنه من أهل النار‪ ،‬وفيها‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫سورة‬ ‫وقد نزلت‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫َ‬ ‫ً‬ ‫َ َ َ‬
‫َ َ‬ ‫ْ َ َ‬
‫ُ َ ُ ََ َ َ‬ ‫َ‬‫َ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َْ‬ ‫َ ْ‬
‫ب ‪[ ﴾3‬سورة املسد]‪ .‬وقد مات أبو لهب‬ ‫‪ 1‬ما أغن عنه مال وما كسب ‪ 2‬سيصل نارا ذات له ٍ‬
‫بعد نزول هذه اآليات بـ ‪ 10‬سنوات‪ ،‬فلو كان القرآن من عند محمد‪ ،‬فكيف يغامر بأن َيحْ ُكمَ عىل‬
‫عمه أبي لهب أنه يف نار جهنم؟ كان من املمكن أن ي ُْسلِمَ َعمُّ ه خالل هذه السنوات‪ ،‬بل كانت‬
‫لديه الفرصة أن يهدم االسالم بدقيقة واحدة بأن يتظاهر بأنه مسلم‪ ،‬ولكنه لم يفعل‪ِ .‬ل َيت َب َّي لنا‬
‫الله تعاىل الذي يعلم الغيب‪ ،‬بأن‬ ‫جميعا أن هذا الكالمَ ليس كالمَ محمدٍ ‪ ،‬وإنما هو وحي من ّ‬
‫عمه لن يسلم‪ ،‬فنزلت السورة بحقه أنه من أهل النار‪.‬‬
‫وعندما يتم تأليف كتاب أو مقال أو قصة يقوم املؤلف بالتعديل والتحسني حتى يصل إىل الصيغة‬
‫التي يقبلها‪ ،‬وهذه هي طبيعة البشر‪ ،‬ولكن القرآن الكريم لم يكن كذلك‪ ،‬بل كانت اآلية تنزل‬
‫مباشرة فيسمعها النبي محمد ‪ ‬من امل َلك جربيل‪ ،‬ثم يتلوها أمام الصحابة ملرة واحدة وانتهى‬
‫األمر‪ ،‬فلم يكن يأيت إليهم بعد يوم أو يومني ليطلب منهم أن ُيحَ ِّسنوا هذه اآلية بصيغة أخرى‬
‫أفضل وأجمل؟!!! فلو كان األمر كذلك‪ ،‬لوجدنا نسخا كثرية من القرآن الكريم مختلفة عن‬
‫بعضها البعض‪ ،‬ولكنك تجد أن القرآن نسخة واحدة فقط يف جميع أنحاء العالم بنفس التشكيل‬
‫والحروف والكلمات‪.‬‬
‫وهناك ‪-‬يا صديقي‪ -‬الكثري الكثري من األدلة العقلية واملنطقية التي لم أذكرها هنا حتى ال ُنطيل‬
‫اللقاءَ ‪.‬‬
‫ب‬ ‫ّ‬
‫وكل من استمع إىل هذا الكالم فال مَ ْه َر َ‬ ‫عيل الحجة‪،‬‬
‫أقمت ّ‬‫َ‬ ‫كريم‪ :‬يف الحقيقة يا صديقي لقد‬
‫له بعد ذلك؛ ألن الحجة قد أقيمت عليه‪ ،‬فهنا إما أن َي َّت ِبعَ الحق والهدى فيفوز بالجنة‪ ،‬وإما‬
‫الله‪.‬‬‫الله وأشهد أنَّ محمَّ ًدا رسول ّ‬
‫أشهد أن ال إله إال ّ‬
‫ُ‬ ‫أن يُعْ ِر َ‬
‫ض ويتبع هواه فيدخل بذلك النار‪،‬‬
‫لله! وهنيئا لك يا صديقي! فقد أضاء ّ‬
‫الله طريقك‪ ،‬وأخرجك مما كنت‬ ‫لله‪ ،‬الحمد ّ‬
‫أحمد‪ :‬الحمد ّ‬

‫‪70‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫َي كوضوح الشمس‪َ ،‬و َك َف َل ِق الصبح‪.‬‬


‫فيه من ظالم‪ ،‬فالحق ظاهر ب ِّ ٌ‬
‫والغريب ِفعْ ًل‪ ،‬ما املانع لهؤالء أن يؤمنوا بعد سماعهم‬
‫ُ‬ ‫أشكرك يا صديقي من صميم قلبي‪،‬‬ ‫َ‬ ‫‪-‬‬
‫للحق مع ِع ْلمِ ِهمْ يقينا وبني َط ّيات نفوسهم أنه الحق؟‬
‫‪ -‬إنه ْالك ْ ُ‬
‫ِب يا صديقي‪ ،‬أو اتباع الهوى والشهوات والرغبة يف التحرر‪ ،‬وال االنقياد والعبودية ّ‬
‫لله الذي‬
‫خلقهم‪.‬‬
‫عجيب أمرهم! كيف يغامرون بأنفسهم يف حياتهم القصرية من أجل شهوات وملذات قصري ٍة‬ ‫ٌ‬ ‫‪-‬‬
‫ُ‬
‫السعادة فيها‬ ‫أنفسهم يف اآلخر ِة مقابل حياة أبديّة سرمديّة ال تنتهي‬
‫َ‬ ‫فا ِنيةٍ‪ ،‬فيخسرون بذلك‬
‫أبدا؟!‬
‫‪ -‬نعم إنه ليشء محزن جدا‪ ،‬ومرعب ومخيف أيضا‪َ ،‬فأَيّ خسارة هذه؟! ودعني هنا يا صديقي أن‬
‫ين َّال َ‬ ‫ُ ْ َّ ْ َ‬ ‫َ ْ ُ َ ُْ ّ ُ‬
‫ِين‬ ‫الله تعاىل‪﴿ :‬فاع ُبدوا ما شِئتم مِن دونِهِ قل إِن ال ِِ‬
‫اس َ‬ ‫ت به‪ :‬يقول ّ‬
‫فض ْل َ‬ ‫أذك َر ً‬
‫آية عىل ما َت َّ‬
‫سان ال ُمب ُ‬‫ُ ْ‬ ‫ُْ ْ‬ ‫ََ َ َ ُ‬
‫امةِ أل ذل ِك ه َو ال َ‬ ‫َ ْ‬ ‫َْ‬ ‫َ ُ‬
‫سوا أنف َس ُه ْم َوأهل ِيه ْم يَ ْوم الق َي َ‬ ‫َ‬
‫خ ِ ُ‬
‫ني ‪[ ﴾15‬سورة الزمر]‪.‬‬‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫خسارة أكرب وأعظم من هذه الخسارة يف أن يخسر اإلنسانُ َ‬
‫نفسه‬ ‫ٌ‬ ‫‪ -‬فعال إنه خسران مبني! فال توجد‬
‫وأهله‪.‬‬
‫نفسه قبل حلول األجل‪ ،‬وفوات األوان‪.‬‬‫‪ -‬نعم‪ ،‬فلهذا عىل كل واحد م ّنا أن ينقذ َ‬
‫ت يل طريقي‪ ،‬وأخرجتني من ظلمات ما بَعْ َدها ظلمات‪َ ،‬ويْكأين‬ ‫‪ -‬شكرا لك يا صديقي عىل أنك أَ َن ْر َ‬
‫اآلن أرى نورا عىل نور‪ ،‬ينري دربي ألفوز بالجنة إن شاء ّ‬
‫الله‪( .‬هنا يتعانقان)‬
‫أحمد‪ :‬يف أمان ّ‬
‫الله‪ ،‬وجعلني وإياك يف الجنة معا‪.‬‬
‫كريم‪ّ :‬‬
‫اللهم آمني‪.‬‬
‫خارجٌ من بيت أحمد) ال تخجل يا صديقي أن تزورين بعد هذا متى‬
‫أحمد‪( :‬وهو ينظر إىل صديقه وهو ِ‬
‫تريد‪ ،‬فبيتي مفتوح لك دائما‪.‬‬
‫والله َل ِنعْ مَ الصديق‪.‬‬
‫كريم‪ :‬حس ًنا حس ًنا سأفعل‪ ،‬فإِ ّنك ّ‬

‫‪-‬انتهى‪-‬‬

‫‪71‬‬
‫أَفَال يَ ْ‬
‫ع ِ‬
‫قلون؟!‬

‫َوات األَوانِ !‬
‫ظ قَ ْب َل ف ِ‬ ‫اِ ْ‬
‫ستَ ْي ِ‬
‫ق ْ‬

‫‪72‬‬

You might also like