Professional Documents
Culture Documents
السعر العادل
السعر العادل
السعر العادل
مقدمة
المبحث األول :السعر العادل في الفكر االقتصادي
✓ المطلب االول :مفهوم السعر العادل
✓ المطلب الثاني :تطور السعر العادل
المبحث الثاني :السعر العادل في الفكر االقتصادي اإلسالمي
✓ المطلب االول :مفهوم السعر العادل في الفكر االقتصادي اإلسالمي
✓ المطلب الثاني :اهم خصائص السعر العادل في الفكر االقتصادي
اإلسالمي
المبحث الثالث :السعر العادل في الفكر االقتصادي الفكر الغربي في
العصور الوسطى
✓ المطلب االول :مفهوم السعر العادل في الفكر االقتصادي الفكر
الغربي في العصور الوسطى
✓ المطلب الثاني :خصائص السعر العادل في الفكر االقتصادي الغربي
في العصور الوسطى
المبحث الرابع :العالقة بين السعر العادل في الفكر االقتصادي اإلسالمي
والفكر الغربي في العصور الوسطى وكيفية تحديده
✓ المطلب األول :العالقة بين السعر العادل في الفكر االقتصادي
اإلسالمي والفكر الغربي في العصور الوسطى
✓ المطلب الثاني:كيفية تحديد السعر العادل في الفكر االقتصادي
اإلسالمي والفكر الغربي في العصور الوسطى
خاتمة
قائمة المصادر والمراجع
المقدمة:
في العصور الوسطى ،كان للسعر العادل دور بارز في النظريات االقتصادية سواء
في الفكر االقتصادي اإلسالمي أو الفكر الغربي .كال النهجين قدما تفسيرات
ومقاربات مختلفة لمفهوم السعر العادل وأثره على االقتصاد والمجتمع.
في الفكر االقتصادي اإلسالمي ،يعتبر السعر العادل جز ًءا من العدالة االقتصادية
واالجتماعية .وفقًا لألسس اإلسالمية ،يجب أن يكون السعر متوافقًا مع قيم العدالة
والمساواة بين األفراد ،حيث يتعين على البائع والمشتري أن يتفقا على سعر مقبول
ضا تقديم الرعاية للفقراءللسلعة أو الخدمة دون غش أو احتكار .يتطلب هذا النهج أي ً
والمحتاجين من خالل تحديد األسعار بما يضمن لهم الحصول على االحتياجات
األساسية بشكل معقول.
أما في الفكر الغربي ،فقد اتخذ مفهوم السعر العادل منحىًا مختلفًا ،حيث ارتبط
بمفهوم العرض والطلب والتنافس في السوق .وعلى الرغم من أن العدالة كانت
تعتبر أحد المبادئ األساسية في الفكر الغربي ،إال أنه كان يُفضل ترك األسعار
آلليات السوق لتحديدها بشكل طبيعي دون تدخل حكومي مباشر ،باعتبار أن هذا
النهج يعكس حرية االختيار ويشجع على االبتكار وتحسين الكفاءة االقتصادية.
بين الفكر االقتصادي اإلسالمي والفكر الغربي ،هناك تباين في النهج تجاه مفهوم
السعر العادل ،حيث يؤكد الفكر اإلسالمي على تحقيق العدالة االجتماعية
واالقتصادية من خالل تنظيم األسواق وضمان توزيع الثروة بشكل عادل ،في حين
يفضل الفكر الغربي االعتماد على آليات السوق لتحديد األسعار دون تدخل كبير من
الحكومة.
ومنه نطرح التساؤل التالي:ماهو السعر العادل؟وماهي تطوراته؟وكيف يتم تحديده
المبحث األول :السعر العادل في الفكر االقتصادي
1
المطلب االول :مفهوم السعر العادل:
يشير إلى السعر الذي يُعتبر متواز ًنا ومنصفًا لكل األطراف المعنية في عملية تبادل
معينة .يعتمد مفهوم السعر العادل على العدالة والمساواة في التعامل التجاري ،حيث
يحظى كل شخص بحقوقه ويتلقى قيمة عادلة مقابل ما يقدمه أو يشتريه.
يختلف تحديد السعر العادل باختالف السياق والمتغيرات المختلفة ،فقد يكون السعر
العادل في سوق معين مختلفًا عن ذلك في سوق آخر ،ويعتمد على عوامل مثل
عرض وطلب المنتج أو الخدمة ،وتكلفة اإلنتاج ،والقيمة المضافة ،وعوامل السوق
األخرى.
يسعى االقتصاديون وصانعو السياسات إلى تحقيق العدالة االقتصادية من خالل
ضمان أن األسواق تعمل بطريقة تضمن توزيع الثروة بشكل متسا ٍو وعادل ،وهو ما
يشمل تحقيق السعر العادل .ومع ذلك ،فإن تحقيق العدالة االقتصادية قد يكون تحديًا،
حيث يتأثر السعر بعوامل عديدة ،بما في ذلك القوى السوقية والتدخالت الحكومية،
وتفاوت الدخل والثروة بين األفراد والمجتمعات.
2
المطلب الثاني :تطور السعر العادل:
تطور السعر العادل يمكن أن يفهم من خالل مراحل تطور عملية تحديد األسعار في
االقتصاد ،وهذه المراحل قد تشمل:
المرحلة األولى :العرض والطلب األولي :في هذه المرحلة ،يتم تحديد السعر بنا ًء
على توازن بسيط بين عرض المنتجات أو الخدمات وطلبها .يكون السعر النهائي
متأثرا بمستوى المنافسة في السوق وعوامل العرض والطلب.
ً
المرحلة الثانية :التكاليف واإلنتاجية :يتم هنا مراعاة تكاليف اإلنتاج والتكلفة ال
marginوالتي تشمل تكاليف العمالة ،المواد الخام ،التكنولوجيا ،وغيرها من
التكاليف .يُعتبر السعر العادل هو تلك التي تسمح بتغطية هذه التكاليف وتحقيق
أرباح مقبولة.
1د .أحمد فريد مصطفى ود .سهير محمد السيد حسن ،تطور الفكر والوقائع االقتصادية ،مؤسسة شباب الجامعة ،اإلسكندرية،
2000م ،ص.31
2د .ناصر عبيد الناصر" ،قراءة في الفكر االقتصادي الذي ساد العصر الوسيط" ،مجلة المناضل ،دمشق ،العدد ،350مارس
2007م ،ص.17
المرحلة الثالثة :العدالة االجتماعية والسياسات الحكومية :قد تتدخل الحكومات
لتحديد السعر العادل من خالل تنظيم األسواق أو تطبيق سياسات اقتصادية
واجتماعية تهدف إلى تحقيق العدالة وتوزيع الثروة بشكل أكثر عدالة.
المرحلة الرابعة :التكنولوجيا واالبتكار :قد يتغير تحديد السعر العادل مع التطور
التكنولوجي واالبتكار في اإلنتاج وتسليم السلع والخدمات .يمكن أن يؤدي التقدم
التكنولوجي إلى تقليل التكاليف وزيادة الكفاءة ،مما يؤثر على تشكيل األسعار.
المرحلة الخامسة :التغيرات البيئية واالجتماعية :يمكن أن تؤثر التغيرات البيئية
واالجتماعية في تحديد السعر العادل ،مثل تأثيرات التغير المناخي أو المبادرات
االجتماعية مثل االستدامة والمسؤولية االجتماعية للشركات.
هذه المراحل تعكس كيف يمكن لعدة عوامل أن تتفاعل معًا لتحديد السعر العادل في
االقتصاد .يُالحظ أن هذه المراحل قد تختلف من اقتصاد إلى آخر وفقًا للظروف
الفردية والثقافية والسياسية.
المبحث الثاني :السعر العادل في الفكر االقتصادي اإلسالمي
المطلب االول :مفهوم السعر العادل في الفكر االقتصادي اإلسالمي
في الفكر االقتصادي اإلسالمي ،يعتبر مفهوم السعر العادل أحد المبادئ األساسية
التي يجب أن تحكم عالقات التبادل والتجارة بين األفراد والشركات .يُعتبر السعر
العادل هو الثمن الذي يتم تحديده بشكل معقول ومنصف ،دون احتكار أو استغالل
للزبائن.
وفي هذا السياق ،يجب على المسلمين أن يتجنبوا تحديد أسعار مبالغ فيها للسلع
والخدمات التي يروجون لها ،وأال يستغلوا حاجة اآلخرين لهذه السلع والخدمات من
أجل تحقيق ربح زائد .بل يجب على المسلمين أن يتعاملوا بصدق وأمانة في جميع
صفقاتهم التجارية ،وأال يخدعوا أو يضرروا زبائنهم.
إذا تم اتباع مفهوم السعر العادل في التجارة والتبادل ،فإن ذلك سيؤدي إلى تحقيق
عدالة اقتصادية بين جميع أطراف المجتمع ،وستزدهر المشاركة في التجارة بشكل
3
صحيح وإثراء لالقتصاد.
3د .خالف عبد الجابر خالف ،مدخل للدراسات االقتصادية اإلسالمية ،المعهد العالي للدراسات اإلسالمية ،القاهرة2006 ،م،
ص.139-138
المطلب الثاني :اهم خصائص السعر العادل في الفكر االقتصادي
4
اإلسالمي:
في الفكر االقتصادي اإلسالمي ،يتم التأكيد على عدة خصائص للسعر العادل تحت
تأثير القيم والمبادئ اإلسالمية .هذه الخصائص تتضمن:
العدالة والمساواة :يجب أن يتم تحديد السعر بطريقة تعكس العدالة والمساواة بين
األفراد ،دون تمييز أو احتكار .يجب أن يتم تحديد األسعار بنا ًء على القيمة الفعلية
للسلعة أو الخدمة دون تضخيمها أو تقليلها بشكل غير عادل.
الشفافية والشرعية :ينبغي أن تكون عمليات تحديد األسعار شفافة وواضحة وتتم
وفقًا للمبادئ والقوانين الشرعية اإلسالمية ،بما يضمن االمتثال ألحكام الشريعة
وتجنب المخالفات الشرعية مثل الربا والغش.
التضامن والمسؤولية االجتماعية :يجب أن يؤدي تحديد السعر إلى تعزيز التضامن
االجتماعي والمسؤولية االجتماعية ،من خالل توفير السلع والخدمات بأسعار معقولة
فقرا وضعفًا.
ومتاحة للجميع ،خاصة الفئات األكثر ً
منع االحتكار واالستغالل :يُحظر في الفكر االقتصادي اإلسالمي االحتكار
واالستغالل في تحديد األسعار ،ويجب أن يتم تحديدها بنا ًء على قواعد المنافسة
الشرعية وتوزيع الثروة بشكل عادل.
التوازن بين العرض والطلب :يجب أن يتم تحديد السعر بنا ًء على توازن بين
العرض والطلب ،مع األخذ في االعتبار مصالح األفراد والمجتمع في المجمل.
المبحث الثالث :السعر العادل في الفكر االقتصادي الفكر الغربي في
العصور الوسطى
المطلب االول :مفهوم السعر العادل في الفكر االقتصادي الغربي في
العصور الوسطى
في العصور الوسطى ،كان مفهوم السعر العادل يعتبر من أهم المبادئ في الفكر
االقتصادي الغربي .وكانت هذه المفهوم تشير إلى فكرة أن يجب أن يكون السعر
الذي يدفعه المشتري متناسبًا مع قيمة المنتج أو الخدمة التي يحصل عليها .وكان
4عبد هللا عبد العزيز عابد" ،السِّعر في االقتصاد اإلسالمي" ،مجلة الدراسات التجارية اإلسالمية الفصلية ،مركز صالح عبد هللا
كامل ،القاهرة ،السنة األولى ،العدد الثالث ،يوليو 1984م ،ص .75
يُعتقد أن هذا المبدأ يساهم في تحقيق التوازن بين عرض وطلب ،وضمان عدالة
التجارة.
وقد كانت هذه الفكرة تُظهر في عدة مظاهر ،منها:
.1تحديد سعر المنتجات بشكل عادل ومناسب لقيمتها ،دون احتكار أو استغالل.
.2حظر التالعب باألسعار والغش في التجارة.
.3تحديد أجور العمال بشكل عادل ومناسب للخدمات التي يقدمونها.
إلى جانب ذلك ،كان البد من ضبط سوق العمل وضمان حقوق الفالحين والحرفيين
5
لضمان حصولهم على أجور عادلة.
المطلب الثاني :خصائص السعر العادل في الفكر االقتصادي الغربي في
6
العصور الوسطى
في العصور الوسطى ،كانت الفلسفة االقتصادية في الغرب تتأثر بالفكر األرسطي
والفكر المسيحي .وعلى الرغم من أنه لم يكن هناك نهج موحدًا لتحديد السعر العادل
في الفكر االقتصادي الغربي خالل تلك الفترة ،إال أن هناك بعض الخصائص التي
يمكن تحديدها:
المبادئ األخالقية والدينية :كانت تشدد الفلسفة االقتصادية في العصور الوسطى
على القيم األخالقية والدينية في تحديد السعر العادل ،وكان يُعتبر أن التجارة
والتبادل التجاري يجب أن يتماشى مع القيم الدينية واألخالقية المسيحية.
المبادئ الطبيعية والعدالة الطبيعية :كان لفكر العدالة الطبيعية دور كبير في تحديد
السعر العادل .وفقًا لهذا الفكر ،كان يُعتبر أن هناك قوانين طبيعية تحكم العدالة في
العالم ،وكان ينظر إلى السعر العادل على أنه السعر الذي يتوافق مع هذه القوانين
الطبيعية.
التوازن بين العرض والطلب :كانت هناك محاوالت في العصور الوسطى لتحقيق
التوازن بين العرض والطلب في تحديد السعر العادل ،على الرغم من أن األسواق
كانت تعاني من الكثير من التدخالت والتشويشات.
مبادئ العدالة والمساواة االجتماعية :برزت بعض المفاهيم المتعلقة بالعدالة
والمساواة االجتماعية في الفكر االقتصادي الغربي في العصور الوسطى ،حيث
5جون كينيث جالبريت (ترجمة أحمد فؤاد بلبع) ،تاريخ الفكر االقتصادي ،سلسلة عالم المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون
واآلداب ،الكويت ،العدد رقم ،261جمادى اآلخرة 1421هـ /سبتمبر2000م ،ص.39
6المرجع السابق نفسه
كانت هناك بعض الجهود لتحقيق توزيع عادل للثروة وتحقيق المساواة بين الطبقات
المختلفة في المجتمع.
المبحث الرابع :العالقة بين السعر العادل في الفكر االقتصادي اإلسالمي
والفكر الغربي في العصور الوسطى وكيفية تحديده
المطلب األول :العالقة بين السعر العادل في الفكر االقتصادي اإلسالمي
7
والفكر الغربي في العصور الوسطى
العالقة بين السعر العادل في الفكر االقتصادي اإلسالمي والفكر الغربي في
العصور الوسطى تتجلى في عدة نقاط:
القيم األخالقية والدينية :كال الفكرين يشددان على أهمية القيم األخالقية والدينية في
تحديد السعر العادل .في الفكر اإلسالمي ،يتم تحديد السعر العادل وفقًا للمبادئ
اإلسالمية والشريعة اإلسالمية .بينما في الفكر الغربي في العصور الوسطى ،كانت
هناك محاوالت لتحديد السعر العادل وفقًا للقيم األخالقية والدينية المسيحية.
المبادئ الطبيعية والعدالة الطبيعية :في العصور الوسطى ،كان لفكر العدالة
الطبيعية دور كبير في تحديد السعر العادل في الفكر الغربي .وعلى الرغم من أن
هذا الفكر لم يكن موجودًا بشكل مماثل في الفكر االقتصادي اإلسالمي ،إال أنهما كانا
يتوافقان في مفهوم العدالة الطبيعية وأهميتها في تحديد السعر العادل.
التضامن والمسؤولية االجتماعية :كال الفكرين يشددان على أهمية التضامن
والمسؤولية االجتماعية في تحديد السعر العادل .في الفكر اإلسالمي ،يعتبر العدل
االجتماعي والتضامن بين األفراد واجبًا دينيًا واجتماعيًا .وفي الفكر الغربي في
العصور الوسطى ،كان هناك اهتمام بتحقيق التوازن بين الفرد والمجتمع وضمان
توزيع عادل للثروة.
منع االحتكار واالستغالل :كال الفكرين يُحظران االحتكار واالستغالل في تحديد
السعر العادل ،ويسعيان إلى تحقيق العدالة في العالقات التجارية واالقتصادية .على
الرغم من وجود تشابه في بعض القيم والمبادئ بين الفكر االقتصادي اإلسالمي
والفكر الغربي في العصور الوسطى ،إال أن هناك اختالفات في النهج والتفسيرات
الفقهية والفلسفية بين االثنين نتيجة لالختالفات الثقافية والدينية والتاريخية.
7عبد الحميد براهيمي ،العدالة االجتماعية والتنمية في االقتصاد اإلسالمي ،مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،1997 ،ص.47
المطلب الثاني:كيفية تحديد السعر العادل في الفكر االقتصادي اإلسالمي
والفكر الغربي في العصور الوسطى
8
أوال:في الفكر االقتصادي االسالمي
في الوقت الذي يدين فيه الفكر الغربي بالفضل للقديس توما األكويني ،لحديثه عن
الثَّمن العادل ،كان للفكر اإلسالمي السبق والريادة في تقرير الثَّمن العادل ،وبيان
كيفية تقديره .وقبل التعرض إلسهامات بعض المفكرين اإلسالميين في مسألة الثَّمن
العادل ،ينبغي في البداية اإلشارة إلى أن الفكر االقتصادي اإلسالمي تميز عن غيره
من المدارس الفكرية ،بالتمييز بين عدة مصطلحات تتشابه م ًعا وتختلط لدى البعض
السعر والثَّمن
حول األثمان؛ إذ فَ َّرق الفقهاء والمفكرون اإلسالميون تفرقة دقيقة بين ِّ
والقيمة.
السعر يستخدم في الدراسات اإلسالمية ،بنفس المعنى الذي يستخدم به في
فلفظ ِّ
الدراسات الوضعية ،والذي يمكن تلخيصه في أنه يعبر عن "نسبة التبادل بين السلعة
والنقود".
أما الثمن فهو ما يتراضى عليه العاقدان ،بخالف السعر الذي يتمثل فيما يطلبه
البائع؛ فالسعر هو الذي يقوم عليه الثَّمن ،أي هو األساس الذي يتم عليه احتساب
الثَّمن عند التبادل.
أما القيمة ،فتعبر عن الثَّمن الحقيقي للشيء؛ "فقيمة الشيء عبارة عن قدر ماليته
بالدراهم والدنانير ،وهي مساوية له ،بخالف الثَّمن الذي قد يكون زائدًا أو ناق ً
صا
السعر ما يطلبه البائع ثم ًنا لسلعته
السعر :أن ِّ
عن قيمة الشيء" والفرق بينها وبين ِّ
سواء كان مساويًا للثمن الحقيقي أو أزيد منه أو أقل.
السعر والثَّمن والقيمة ،تنتقل الدراسة
بعد هذا العرض الموجز لخالصة التفرقة بين ِّ
للتعرف على منظومة السعر العادل لدى بعض الفقهاء والمفكرين اإلسالميين،
بادئين بظهور فكرة السعر العادل التي أشار إليها اإلمام علي بن أبي طالب رضي
هللا عنه ،ثُم عوامل تحديده كما ذكرها أبو الفضل الدمشقيُ ،مت ِّبعين ذلك بدور ولي
األمر في تحديد السعر العادل لدى اإلمامين :ابن تيمية وابن قيم الجوزية ،وانتها ًء
بالحكمة من تحديد السعر العادل ،كما بي َّنها العالمة ابن خلدون؛ توطئة للتعرف على
أهم دعائم منظومة السعر العادل في اإلسالم.
8محمد عمارة ،قاموس المصطلحات االقتصادية في الحضارة اإلسالمية ،دار الشروق ،بيروت1993 ،م ،ص.136
9
ثانيا:في الفكر االقتصادي الغربي
ظهر مفهوم الثَّمن العادل ،Just Priceفي القرن الثالث عشر الميالدي ،على يد
القديس توما األكويني (St. Thomas Aquinas 1225-1274م) الذي يُعد
من أشهر فالسفة العصور الوسطى ،وينتمي األكويني إلى الفكر المدرسي ،وهو
الفكر الذي تأثر مؤسسوه بالفكر الديني الكنسي في تلك الفترة ،حيث حاولوا التوفيق
بين العلوم الدينية والدنيوية.
ويُالحظ أنه قبل ظهور الفكر المدرسي في القرون الوسطى ،لم تتأثر األسعار بقوى
السوق (العرض والطلب)؛ ألن الطوائف الحرفية هي التي كانت تحدد األسعار ،في
ضوء التكلفة مع إضافة هامش مقبول للربح ،وتتحدد تكلفة السلعة بكمية العمل التي
بذلت في سبيل إنتاجها.
ثُم جاء الفكر المدرسي ليتحدث عن الثَّمن العادل ألول مرة بدوافع دينية؛ إذ قال
معرض حديثه عن مشروعية األسعار" :-إجابتي عن القديس توما األكويني -في ِّ
ُمارس االحتيال ،من أجل بيع شيء بأكثر من ثمنه العادل... ذلك أنه َ ِّإل ْثم عظيم أن ي َ
فبيع شيء بثمن أعلى مما يستحق -أو شراؤه بثمن أرخص مما يستحق -يعد في حد
ذاته سلو ًكا غير عادل وغير قانوني".
ُفرض بوصفه التزا ًما دينيًا؛ ويتضح من مقولة األكويني أن تطبيق الثَّمن العادل ي َ
ضا لإلدانة فقط من جانب عر ًوبالتالي فإن ممارسة االحتيال ال تجعل الشخص ُم َّ
ضا لجزاء ديني سواء في الدنيا أو اآلخرة. الﻤﺠتمع ،وإنما يتعرض أي ً
و َيعتبر األكويني الثَّمن العادل هو ذلك الثَّمن الذي يُ َم ِّكن المن ِّتج من أن يعيش
بمستوى شريحته االجتماعية ،وفي الوقت نفسه يجب أن يكون ثمن السلعة في
متناول المستهلك ،مما يعني أن الثَّمن العادل هو" :ذلك الثَّمن الذي يغطي النفقة التي
طىتحملها البائع في سبيل إنتاج السلعة ،دون أن يحقق للبائع رب ًحا ،وإنما مكافأة تُع َ
له لقاء ما تَكبَّده من مشقة في صنع السلعة؛ بحيث تكفل له أن يعيش كغيره ممن لهم
ظروفه االجتماعية نفسها" ،وبعبارة أخرى فالثَّمن العادل -برأي األكويني -يجب
ضررا ال بالبائع وال بالمشتري. ً ُلحق
أن يكون مساويًا لنفقة اإلنتاج ،وأال ي ِّ
ويمكن القول إن فكرة األكويني عن الثَّمن العادل انبثقت من نظريته عن المساواة
الجبرية بين األفراد؛ فالثَّمن العادل يتحقق حينما يغطي التكاليف وجهد الصانع أو
9أمل خيري أمين ،نظام التجارة العادلة في االقتصادات المعاصرة دراسة مقارنة بالفكر اإلسالمي ،مركز صالح كامل لالقتصاد
اإلسالمي ،القاهرة.2013 ،
التاجر ،تب ًعا لمستوى المعيشة التقليدي لهما ،وكان لفكرة الثَّمن العادل قيمة نظرية؛
حيث ساعدت حينها على استقرار األسعار واألجور إلى ح ٍد كبير.
عرف السعر العادل على أنه السعر الذي ويُعد السعر العادل قوام هذه الحركة ،التي ت ُ ِّ
يتم تحديده من خالل الحوار والمشاركة بين المنتج والمشتري ،بحيث يقوم على
رضاء الطرفين ،ويشمل هذا السعر تكاليف اإلنتاج األساسية ،إضافة إلى فرق سعر
معقول لصالح المن ِّتج ،اللتزامه المعايير البيئية والصحية واالجتماعية ،وال تُميز
ارة ال َعا ِّدلَة بين ال ُم ْن ِّتجين حسب النوع؛ فيتساوى الرجال والنساء في كيفية تحديدالت َج َ
ِّ
ارة ال َعا ِّدلَة على حصول ال ُم ْن ِّتجين ،سواء الت َج َ
السعر لنفس السلعة ،وتعمل منظمات ِّ
كانوا حرفيين أو مزارعين ،على التدريب الكافي ،لزيادة قدرتهم التفاوضية،
وإمكانية تحديد السعر العادل المناسب بأنفسهم.
الخاتمة:
عا مه ًما في الفكر االقتصادي خالل
في الختام ،يظهر أن السعر العادل كان موضو ً
العصور الوسطى ،سواء في الفكر اإلسالمي أو الفكر الغربي .في الفكر اإلسالمي،
كان السعر العادل يعتبر جز ًءا من العدالة االقتصادية واالجتماعية ،حيث كان يسعى
إلى ضمان توزيع الثروة بشكل عادل وتحقيق المساواة بين األفراد في الوصول إلى
السلع والخدمات األساسية .أما في الفكر الغربي ،فقد كان السعر العادل يتعلق
بمفهوم العرض والطلب في السوق ،حيث يُفضل ترك تحديد األسعار للقوى السوقية
دون تدخل حكومي مباشر.
على الرغم من االختالف في التفسيرات والنهج ،إال أن كال النهجين يسعى إلى
تحقيق العدالة واالستقامة في النظام االقتصادي .يمكن القول إن الفكر اإلسالمي
يعزز دور الحكومة في تنظيم األسواق وضمان العدالة االقتصادية ،بينما يُفضل
الفكر الغربي االعتماد على آليات السوق لتحقيق التوازن وتحديد األسعار بشكل
طبيعي.
عا مه ًما في الفكر االقتصادي،
بالتالي ،يظهر أن السعر العادل كان وال يزال موضو ً
ورغم االختالفات في النهجين ،فإن كل منهما يسعى إلى تحقيق العدالة واالزدهار
االقتصادي في المجتمع.
قائمة المصادر والمراجع:
➢ أحمد فريد مصطفى ود .سهير محمد السيد حسن ،تطور الفكر والوقائع االقتصادية،
مؤسسة شباب الجامعة ،اإلسكندرية2000 ،م.
➢ ناصر عبيد الناصر" ،قراءة في الفكر االقتصادي الذي ساد العصر الوسيط" ،مجلة
المناضل ،دمشق ،العدد ،350مارس 2007م.
➢ خالف عبد الجابر خالف ،مدخل للدراسات االقتصادية اإلسالمية ،المعهد العالي
للدراسات اإلسالمية ،القاهرة2006 ،م.
"السعر في االقتصاد اإلسالمي" ،مجلة الدراسات التجارية عبد هللا عبد العزيز عابدِّ ، ➢
اإلسالمية الفصلية ،مركز صالح عبد هللا كامل ،القاهرة ،السنة األولى ،العدد الثالث،
يوليو 1984م.
جون كينيث جالبريت (ترجمة أحمد فؤاد بلبع) ،تاريخ الفكر االقتصادي ،سلسلة عالم ➢
المعرفة ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،العدد رقم ،261جمادى
اآلخرة 1421هـ /سبتمبر2000م.
عبد الحميد براهيمي ،العدالة االجتماعية والتنمية في االقتصاد اإلسالمي ،مركز ➢
دراسات الوحدة العربية ،بيروت.1997 ،
محمد عمارة ،قاموس المصطلحات االقتصادية في الحضارة اإلسالمية ،دار الشروق، ➢
بيروت1993 ،م.
أمل خيري أمين ،نظام التجارة العادلة في االقتصادات المعاصرة دراسة مقارنة بالفكر ➢
اإلسالمي ،مركز صالح كامل لالقتصاد اإلسالمي ،القاهرة.2013 ،