Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 5

‫الفصل الثاني‬

‫نحو إصالح قانون العقود‬


‫لم تكن فكرة إص الح ق انون االلتزام ات والعق ود مح ل اختي ار‪ ،‬ب ل هي ض رورة فرض تها‬
‫مختل ف التح والت االقتص ادية واالجتماعي ة ب اقتران م ع حتمي ة تحقي ق الت وازن بين واق ع‬
‫االنسان والقانون‪ ،‬وتحقيق ه ذه الغاي ة يتطلب جع ل ق انون االلتزام ات ش به موح د ليص بح‬
‫قانونا عالميا ذو قواعد وتوجهات عابرة للحدود ال تختلف من دولة ألخرى‪.‬‬
‫إن عولمة االقتصاد أدت إلى ضرورة عولمة القاعدة القانونية‪ ،‬وهو األمر الذي دف ع العدي د‬
‫من الدول األوروبية والصين إلى إصالح قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬ومن شأن ه ذا الوض ع‬
‫أن يقلل من التنافسية بين مختلف األنظمة القانونية وم ا ي ترتب عليه ا من آث ار س لبية على‬
‫الحياة االقتصادية‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن هذه الفكرة وإن كانت س تحقق نت ائج محم ودة في مواكب ة الق انون الم دني‬
‫للتحوالت االقتصادية‪ ،‬وبالتالي يصبح الحديث عن قانون التزامات وعقود عالمي ب الموازاة‬
‫مع عالمية المعامالت االقتصادية وتحورها‪ ،‬إال أن تطبيقه ا وتنزيله ا على أرض الواق ع ق د‬
‫تواجه ه العدي د من العراقي ل؛ أهمه ا مب دأ النظ ام الع ام ال ذي يختل ف من دول ة ألخ رى‬
‫والمعروف بسمو قواعده‪ ،‬وبالتالي يصعب الحديث عن قانون التزامات موحد بين عدة دول‪.‬‬
‫وفي نفس السياق يبدو أن االصالح الفرنسي لسنة ‪ 2016‬م ا ه و إال س عي إلى محاول ة‬
‫مالئم ة ه ذا الق انون بمس تجدات الق انون االس تهالكي‪ ،‬إض افة إلى اعتم اده على المف اهيم‬
‫والحلول ال واردة في ق انون العق ود األوروبي‪ .‬والغاي ة من ه ذا االص الح تنقس م الى ش قين‬
‫األولى تحقيق األمن القانوني‪ ،‬والثانية تسعى نحو تقوية جاذبية القانون‪.‬‬
‫غالبا ما يالم االتحاد األوروبي بس ب نقص الوح دة السياس ية والقانوني ة‪ ،‬وبالت الي فخل ق‬
‫قانون مدني أوروبي موحد من ش أنه أن يض ع ح د لك ل االنتق ادات الموجه ة لالتح اد به ذا‬
‫الخصوص‪ ،‬مما يساهم في بناء أوروبا متحدة ومتماسكة على جميع المستويات‪.‬‬

‫المبحث األول‪ :‬االقتصاد قبل كل شيء‬


‫إن إصالح قانون العقود الفرنسي‪ ،‬يقف على اعتبار أساسي مرتبط باالقتصاد كقيمة أولية‪،‬‬
‫أي أن الفعالية االقتصادية والتنافسية هي مصدر إله ام التش ريعات المتعلق ة بق انون العق ود‪،‬‬
‫واألكثر من ذلك فالوقوف على االعتب ارات االقتص ادية ليس ح ديث ال بروز ب ل اهتمت ب ه‬
‫مختلف التشريعات منذ القدم‪ ،‬كل ما في األمر فقط هو تزايد االهتمام بها نتيجة تظافر العديد‬
‫من العوامل‪.‬‬
‫ففي بداية القرن العشرين عملت عدة تشريعات على إعادة النظر في قوانينه ا المدني ة بفع ل‬
‫التحوالت االقتص ادية‪ ،‬على س بيل المث العقود اإلذع ان؛حيث مختل ف ه ذه التش ريعات على‬
‫تحقي ق الت وازن العق دي وبالت الي تقوي ة رض ا الط رف الض عيف عن طري ق النظ ام الع ام‬
‫الحمائي‪ .‬هذا إضافة إلى مبدأ حسن النية والتعسف في استعمال الح ق‪ ،‬باعتبارهم ا وس يلتان‬
‫من القانون الم دني تعمالن على تخفي ف ره ان القاع دة القانوني ة دون أدنى ش ك في وج ود‬
‫القوة االقتصادية‪.‬‬
‫ومن أهم العوامل ال تي عجلت بإص الح مدون ة ن ابليون هي اله اجس االقتص ادي‪ ،‬وبالت الي‬
‫تقوية األمن القانوني وتقليل نس بة الت دخل القض ائي عن طري ق االجته اد‪ ،‬وه و مظه ر من‬
‫مظاهر استجابة المشرع الفرنسي لمتطلبات األوساط االقتص ادية‪ .‬ب ل إن التش ريع الفرنس ي‬
‫ك ان مت أخرا في االص الح مقارن ة م ع أغلب دول االتح اد األوروبي ال تي عجلت بتغي ير‬
‫قانونها من أجل خلق مناخ قانوني مالئملألنشطة االقتصادية‪.‬‬
‫أصبحت القواعد العامة في تنافس مع قانون االستهالك وقانون التج ارة وق انون المنافس ة‪،‬‬
‫ويرج ع الس بب في ذل ك إلى ك ون القواع د العام ة لم تع د تس تجيب للمتطلب ات االقتص ادية‬
‫الحالية ولم تعرف تعديالت مهمة مما سيجعلها مستقبال مج رد ق انون احتي اطي‪ ،‬ل ذلك يجب‬
‫أن يشمل االصالح إدراج مقتضيات توسع من دائرة تطبيق هذا القانون‪ ،‬عبر اعتم اد أحك ام‬
‫النظام العام وكذلك التوسع في مبدأ حسن النية في جميع مراحل العقد‪.‬‬
‫يجب أن تكون أحك ام ومقتض يات الش ريعة العام ة حديث ة وجذاب ة ومق روءة بش كل واض ح‬
‫ومتوقع‪ ،‬ومنه وضع تنظيم شامل يستبعد مع ه التض ارب على مس توى العم ل القض ائي في‬
‫التطبيق وصعوباته‪ ،‬كما هو الشأن بالنسبة لمرحلة ما قبل التعاقد "قانون ما قبل العقد"‪.‬‬
‫كم ا يمكن الح ديث عن إلغ اء ركن الس بب كأح د األرك ان ال تي يتوق ف عليه ا قي ام العق د‪،‬‬
‫واعتبار العقد باطال متى كان السبب مخالفا للنظام العام‪.‬‬
‫يعتبر تحقيق األمن القانوني أحد أهم مرتكزات إص الح النظري ة العام ة‪ ،‬والفك رة العام ة‬
‫لإلصالح تكمن في إع ادة الت وازن للعالق ات التعاقدي ة إض افة إلى إع ادة النظ ر في قواع د‬
‫المسؤولية المدنية‪ ،‬لحماية ضحايا األضرار الناتجة عن االنحرافات االقتصادية المضرة‪.‬‬
‫لذلك عملت مختلف التشريعات المقارن ة على توس يع مج ال حس ن الني ة في جمي ع مراح ل‬
‫العقد‪ ،‬على غرار المشرع الفرنس ي س نة ‪ .2016‬أم ا الكتم ان التدليس ي فق د اعت بر بمثاب ة‬
‫إخالل بقاعدة الواجب العام لإلعالم‪.‬‬
‫وال ينبغي أن يتعارض االستقرار القانوني مع حفظ التوازن االقتصادي للعقد‪ ،‬وهو األمر‬
‫الذي جعل المشرع الفرنسي يتبنى نظرية الظروف الطارئة ليمنح للقاضي مكنة إنقاذ العقد‪.‬‬
‫ومن أهم االنتقادات الموجهة لمدونة ن ابليون ه و ق دمها؛ حيث اس تغرت ح والي ق رنين من‬
‫الزمن دون أي تعديل مهم‪ ،‬باس تثناء بعض المحط ات القليل ة مث ل الش رط الج زائي وأيض ا‬
‫العقود المبرمة بطريقة الكترونية‪ ،‬وهي تعديالت وصفت بالمحتشمة ولم تستجب للرهانات‪.‬‬
‫وب الرغم من أهمي ة االص الح إن لم نق ل ض رورته‪ ،‬فالعدي د من الفقه اء الفرنس يين ك انوا‬
‫مترددين في ذلك معتبرين بأن مدونة نابليون إرثا لألمة الفرنسية يجب المحافظة علي ه‪ ،‬لكن‬
‫غالبية الفقه اتجه نحو االصالح وذلك من اجل استعادة ق انون االلتزام ات والعق ود لجاذبيت ه‬
‫باعتباره القلب النابض لباقي القوانين األخرى‪.‬‬
‫ويمكن القول بأن النقاش الذي ثار في فرنس ا بخص وص إص الح مدون ة ن ابليون ه و نفس ه‬
‫الذي بدأ يثار بالمغرب من طرف الباحثين والخبراء‪ ،‬ل ذلك يجب ع دم إض اعة نفس ال وقت‬
‫ال ذي اس تغرقته التجرب ة الفرنس ية‪ ،‬ويتعين على الجه ات الوص ية التح رك نح و بل ورة‬
‫التصورات الكبرى في أفق إصالح ظهير االلتزامات والعقود المغربي‪.‬‬
‫ونافلة القول بأن الحديث عن ضرورة إصالح ق انون العق ود المغ ربي أم ر واجب‪ ،‬وذل ك‬
‫نظ را لع دة اعتب ارات من بينه ا المحافظ ة على مكان ة ه ذا الق انون بين الق وانين األخ رى‬
‫باعتباره شريعة عام ة‪ ،‬وك ذلك في محاول ة لتجمي ع قواع ده في مدون ة واح دة ووض ع ح د‬
‫للتخصص التشريعي الذي صار يتكاثر‪ ،‬مما يجعل القاضي أحيانا يغفل وجود تط بيق قاع دة‬
‫قانونية في قانون من القوانين الخاصة نظرا للتشتت التشريعي بهذا الخصوص‪ ،‬ه ذا إض افة‬
‫إلى ك ون المغ رب لم يع رف أي ق انون م دني إال في ظ ل مرحل ة الحماي ة م ع الفرنس يين‪،‬‬
‫وبالرغم من الحصول على االستقالل ظل العمل بنفس القانون الذي كان فع اال خالل الق رن‬
‫الماضي‪ ،‬ومنه فإن إصالح المشرع الفرنسي لمدونة نابليون يؤك د ض رورة ت دخل المش رع‬
‫المغربي بإصالح شامل يواكب من خالله التحوالت االقتصادية‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬أسباب ضرورة مالئمة نظرية العقد مع التحوالت االقتصادية ‪.‬‬
‫كما هو معل وم أن الق انون يك ون دائم ا مت أخر عن التق دم ال ذي تش هده الحي اة االقتص ادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬إذ أن التحوالت االقتصادية واالجتماعية هي في الغالب تش كل نقط ة انتق اد‬
‫القانوني وتشريع المغربي كنظيره الفرنسي قام بإجراء مجموعة من التعديالت على ظهير‬
‫االلتزام ات والعق ود من قبي ل تل ك المتعلق ة بق انون ‪ 53.05‬المتعل ق بالتب ادل اإللك تروني‬
‫للمعطيات القانونية ‪ ،‬وقانون ‪ 21.18‬المتعلق بضمانات المنقولة‪ ،‬وق انون ‪ 44.00‬المتعل ق‬
‫ب بيع العق ار في ط ور اإلنج از المع دل والمتمم بق انون ‪ . 107.13‬إال أن ه ذه التع ديالت‬
‫الطفيفة تم تكن كافية لجعل ظهير اإللتزمات والعقود أكثر جاذبية ومالئمة مع التح والت‬
‫اإلقتصادية واإلجتماعية التي عرفها عالم ‪ ،‬ذلك إن األسباب الهاجسية التي تدفع العديد من‬
‫ال دول إلى تحين وإص الح الق وانين الداخلي ة الخاص ة به ا ه و جعله ا تتماش ى م ع فك ر‬
‫المؤسسات اإلقتصادية العالمية كالبنك الدولي‪ .‬وإذ كانت ه ده األلي ة أي إص الح الق وانين‬
‫الداخلية لمالئمة الفكر اإلقتصادي للمؤسسات العالمية اإلقتصادية أدت إلى السلبيات كثيرة‬
‫ذلك راجع إلى التوظيف البشع لهده األلية تم إخال مجموعة من التعديالت القانونية ال تي ال‬
‫تتالءم ومحي ط الخ اص بك ل دول ة‪ .‬خاص ة من ناحي ة العقدي ة المتعلق ة بال دين في ال دول‬
‫اإلسالمية ‪.‬‬

‫البحث الثالث‪:‬إصالح قانون العقود‪.‬‬


‫في ظل ما يعرف ه الع الم من تط ورات اقتص ادية واجتماعي ة وتكنولوجي ا في مج ال التعاق د‬
‫تجعل من الحديث عن دور كل من اإلدارة والمشرع والقاضي في العقود أهمي ة بالغ ة ‪،‬وإن‬
‫ك ان ت دخل اإلرادة والمش رع في العق ود من المس ائل المتف ق عليه ا ‪ ،‬إال أن مس ألة ت دخل‬
‫القاضي في العقد كان محل نقاش كبير ‪.‬‬
‫وفي إص الح الق انون الم دني الفرنس ي س نة ‪ 2016‬م ا يالح ظ على أهم مالمح ه ذا‬
‫اإلص الح ه و التوس يع من س لطة القاض ي إزاء العق د ‪ ،‬ليس في مرحل ة إبرام ه وإنم ا في‬
‫مرحلة ما قبل إبرامه إذ أصبح القاضي يتحقق من مدى توافر حسن ني ة أط راف العق د قب ل‬
‫إبرامه وفي وقت إبرامه أيضا يتأكد من تنفي ذ اإلل تزام ب اإلعالم وي راقب م ا إذا ك ان هن اك‬
‫غلط في القانون أو إساءة في استعمال التبعية باإلضافة إلى سلط‬
‫المطلب األول ‪ :‬إصالح النظرية العامة‬
‫بعد إصالح النظرية العامة العقد ه و نقط ة مح ل إجم اع الق انونين واالقتص اديين م ع‬
‫وجود اختالف بينهما من حيث المنطلقات والمقترحات ‪ .‬ومن أجل تن اول اإلص الح برؤي ة‬
‫شمولية وعامة سيتم تناول هذا المطلب من خالل نقط تين أساس يتين ‪ :‬األولى س يتم التط رق‬
‫فيها لرؤية جديدة لمجموعة من المفاهيم ومبادئ نظري ة العق د ‪ ،‬ثم تش خيص النقط ة الثاني ة‬
‫إلى المبادئ لمواجهة نظرية العقد ‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬المفهوم الجديد للحرية التعاقدية ‪.‬‬
‫تعد اإلرادة من المبادئ األساسية التي تقوم عليها نظري ة العق د وهي تش كل أس اس العق د‬
‫وما يترتب عنها من مبادئ أساسية أخرى من قبيل القوة الملزم ة للعق د ونس بية أث ار العق د‬
‫إال أن أمام ما يعرفه مجال التعاقد من تطورات ينتج عنه تطبيق من حري ة التعاق د ‪ ،‬س واء‬
‫تعلق األمر بألية النظام العام والتي تهدف أحيانا إلى‪ .‬حماية المصالح للمجتمع بص فة عام ة‬
‫أو لفئة معينة نظرا لضعف مركزها التعاقدي ‪.‬‬
‫ومند بداية القران ‪ 19‬عرف مبدأ حرية التعاقد تلطيفات عديدة بسبب متطلبات النظام الع ام‬
‫واألخالق الحميدة ‪ ،‬ومفهوم الحرية التعاقدية يتماشى مع مفه وم الل برالي "دع ه يعم ل دع ه‬
‫يمر" إن هذا األخير يشجع على ترك الحري ة لألط راف أج ل تحدي د ش روط وبن ود العق د‬
‫يتوافق مع إحتياجاتهم‪ .‬ويعتبر الس وق ه و المل ك وعلى الدول ة‪ .‬ع دم الت دخل لزعزعت ه أو‬
‫إضطرابه ‪ ،‬ويبقى التساول‪ .‬يطرح هل الزال‪ .‬السوق ملكا ؟ وهل الزال هوا المحدد الفعلي‬
‫لإلحتياجات المتبادلة لألطراف وفق منطق العرض والطلب ؟‬
‫و بعدا الثورة الصناعية وصعود الرأسمالية وبفضل إكتساب الف اعلين االقتص اديين س لطة‬
‫والقوة أصبح العمال تحت رقابة المشغلين أخضعو للعديد من اإلكراهات‪ ،‬كم ا س اهمت‬
‫النتائج المأساوية المترتبة على األزمة العالمية لسنة ‪ 1929‬وعن الدمار الكبير ال ذي خلفت ه‬
‫الح ربين الع الميتين‪ ،‬أع اد التأك د على ال دور المح وري لدول ة في الحي اة اإلقتص ادية‪،‬‬
‫والمتمثل في تحقيق التوازن العقدي وذلك من خالل سن قوانين تسعي لتنظيم السوق‪.‬‬

You might also like