100

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 48

1

‫ قصة قصيرة مختارة‬100 ‫او هنري‬

(The Gift of the Magi) ‫هدية المجوس‬ .1


(A Cosmopolite in a Café) ‫عالمي في مقهى‬ .2
(Between Rounds) ‫بين الجوالت‬ .3
(The Skylight Room) ‫غرفة السقف الزجاجي‬ .4
(A Service of Love) ‫خدمة الحب‬ .5
(The Coming-Out of Maggie) ‫ظهور ماجي‬ .6
(The Cop and the Anthem) ‫الشرطي والنشيد الوطني‬ .7
(Memoirs of a Yellow Dog) ‫ذكريات كلب أصفر‬ .8
(The Love-philtre of Ikey Shoenstein) ‫شراب الحب إليكي شونشتاين‬ .9
(The Furnished Room) ‫الغرفة المؤثثة‬ .10
(The Last Leaf) ‫الورقة األخيرة‬ .11
(The Poet and the Peasant) ‫الشاعر والفالح‬ .12
(A Ramble in Aphasia) ‫تجول في األفازيا‬ .13
(A Municipal Report) ‫تقرير البلديه‬ .14
(Proof of the Pudding)‫دليل البودينغ‬ .15

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪2‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫القصة االولى‬

‫هدية المجوس‬

‫دوالر وسبعة وثمانون سنتاً‪ .‬كان كل ما لديها‪ .‬وستين سنتا ً منها كانت قروش‪ .‬قروش تم حفظها واحدة تلو‬
‫احمرت وجنتها‬
‫َّ‬ ‫االخرى في كل مرة عندما كانت تفاصل بقسوة مع البقال وبائع الخضروات والجزار‪ ،‬حتى‬
‫من التعليقات بخصوص البخل الذي يعيشونه في مثل هذه المعاملة‪ .‬عدت ديال القروش ثالث مرات‪ .‬دوالر‬
‫وسبعة وثمانون سنتاً‪ .‬وغدًا سيكون عيد الميالد المجيد‪.‬‬

‫ال شك في أنه لم يتبق شيء سوى أن تترنح على األريكة الصغيرة وتبكي‪ .‬لذا فعلت ديال ذلك‪ .‬مما يحفز على‬
‫التفكير في أخالقيات المعاملة التي مرت بها ملؤها النحيب واالبتسامات المزيفة‪ ،‬مع الكثير من البكاء المبطن‪.‬‬

‫بينما تتجول سيدة المنزل تدريجيًا من مكان الى اخر‪ ،‬لتلقي نظرة على المنزل‪ .‬شقة مفروشة بتكلفة ‪ 8‬دوالرات‬
‫في األسبوع‪ .‬لم يكن يعكس تحديدًا قيمة الفقر‪ ،‬ولكن بالتأكيد كان يدل على مكان انتظار المتسولين‪.‬‬

‫في الرواق أدناه كان هناك صندوق بريد يستقبل فيه الرسائل‪ ،‬وزر كهربائي ال يمكن ألي إصبع أن يجبره‬
‫على الرنين‪ .‬وكانت هناك أيضًا بطاقة تحمل اسم "السيد جيمس ديلينغهام يانج‪".‬‬

‫دوالرا في األسبوع‪.‬‬
‫ً‬ ‫كان السيد "ديلينغهام" منعما جدا في فترة سابقة من االزدهار عندما كان يتقاضى ‪30‬‬
‫دوالرا‪ ،‬بدت حروف "ديلينغهام" غامضة‪ ،‬كما لو كان يفكر جديًا في أي‬
‫ً‬ ‫اآلن‪ ،‬عندما انخفض الدخل إلى ‪20‬‬
‫تعاقد متواضع وغير مجدي ‪ .‬ولكن في كل مرة يعود فيها السيد جيمس ديلينغهام يانج إلى المنزل ويصل إلى‬
‫شقته‪ ،‬كان ينادي "جيم" ويعانقه بشدة‪ ،‬الشخص الذي تم تقديمها لكم باسم ديال‪ .‬وهذا الوضع كله لالن على‬
‫ما يرام‪.‬‬

‫انتهت ديليا من بكائها واخذت باستخدام قطعة البودرة على خديها‪ .‬وقفت قرب النافذة ونظرت بتململ إلى‬
‫قطة رمادية تمشي على سياج رمادي في فناء خلفي رمادي ايضا‪( .‬تقول في نفسها) غدًا سيكون عيد الميالد‪،‬‬
‫ولدي فقط ‪ 1.87‬دوالر لشراء هدية لجيم‪ .‬لقد كانت توفر كل قرش يمكنها توفيره لشهور‪ ،‬وكانت هذه هي‬
‫دوالرا في األسبوع ال يكفي‪ .‬كانت النفقات أكبر مما ضنت‪ .‬دائ ًما ما تكون‪1.87 .‬‬
‫ً‬ ‫النتيجة فقط‪ .‬عشرون‬
‫دوالر فقط لشراء هدية لعزيزها جيم‪ .‬قد قضت ساعات سعيدة في التخطيط لشيء لطيف له‪ .‬شيء رائع ونادر‬
‫جديرا بأن يكون مل ًكا لجيم‪.‬‬
‫ً‬ ‫وثابت ‪ -‬شيء قريب قليالً من أن يكون‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪3‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫كان هناك مرآة طويلة ورفيعة بين النوافذ في الغرفة‪ .‬ربما رأيت مرآة طويلة ورفيعة في شقة تكلف ‪8‬‬
‫دوالرات‪ .‬يمكن ان يحدث هذا لشخص نحيف جدًا ورشيق جدًا‪ ،‬لمراقبة انعكاسه في تسلسل من االنعكاسات‬
‫الطولية (يقصد شروخ في المراه)‪ ،‬على تصور تقريبي لمظهره‪ .‬ديال‪ ،‬وهي نحيفة‪ ،‬كانت قد ابدعت هذا الفن‪.‬‬

‫فجأة‪ ،‬استديرت من النافذة ووقفت أمام المرآة‪ .‬كانت عينيها تتألأل بشكل براق‪ ،‬لكن وجهها فقد لونه في‬
‫غضون عشرين ثانية‪ .‬سحبت شعرها بسرعة وتركته يسقط على كامل طوله‪.‬‬

‫اآلن‪ ،‬هناك اثنتان من الممتلكات التي اعتبرها جيمس ديلينغهام يانج مصدر فخر كبير‪ .‬األولى كانت ساعة‬
‫جيم الذهبية التي كانت لوالده وجده‪ .‬واألخرى كانت شعر ديال‪ .‬إذا عاشت ملكة سبأ في الشقة المقابلة عبر‬
‫الممر الهوائي‪ ،‬لدعت ديال شعرها ليتدلى من النافذة يو ًما ما ليجف فقط للتقليل من قيمة مجوهراتها وهداياها‪.‬‬
‫ولو كان الملك سليمان‪ ،‬بكل كنوزه المكدسة في القبو‪ ،‬بواب المنزل‪ ،‬لكان جيم قد سحب ساعته في كل مرة‬
‫مر عليها‪ ،‬فقط ليرى كيف يقلب هو االخر لحيته من الغيرة‪.‬‬

‫اآلن‪ ،‬سقط شعر ديال الجميل حولها‪ ،‬يموج ويشع مثل شالل من مياه بنية‪ .‬وصل إلى أسفل ركبتها وجعل‬
‫نفسه تقريبًا ثوبًا لها‪ .‬ثم قامت بفعلها مرة أخرى بعصبية وبسرعة‪ .‬مرة واحدة تراجعت لدقيقة ووقفت وقد‬
‫تساقطت دمعتان أو ثالث على السجادة الحمراء المهترئة‪.‬‬

‫ارتدت جاكيتها البنية القديمة؛ وارتدت قبعتها البنية القديمة‪ .‬ودارت بتنورتها‪ ،‬ومع اللمعان البراق الذي ال‬
‫يزال في عينيها‪ ،‬خرجت من الباب ومن ثم الى أسفل الدرج إلى الشارع‪.‬‬

‫حيث أوقفتها الفتة مكتو ب عليها‪" :‬مدام صوفروني‪ .‬منتجات الشعر بجميع األنواع‪ ".‬ركضت ديال الدرج‬
‫وتمالكت نفسها‪ ،‬متنهدة‪ .‬سألت السيدة‪ ،‬وكانت السيدة كبيرة ومكتنزة وهادئة‪ ،‬بالكاد تشبه "صوفروني"‪.‬‬

‫"هل ستبتاعين شعري؟" سألت ديال‪.‬‬

‫"أنا أشتري الشعر"‪ ،‬قالت مدام‪" .‬خذي قبعتك ولنلقي نظرة على شكله"‪.‬‬

‫وحينها اندفع (الشعر) الشالل البني‪.‬‬

‫دوالرا"‪ ،‬قالت السيدة وهي ترفع ذلك الشالل بيدها المتمرسة‪.‬‬


‫ً‬ ‫"عشرون‬

‫"أعطه لي بسرعة‪ "،‬قالت ديال ‪ .‬ومضت قرابة الساعتين التان مضت بسرعة وهي تفتش في المتاجر عن‬
‫هدية لجيم‪.‬‬

‫أخيرا‪ .‬بالتأكيد كانت تلك الهدية مصممة لجيم وليس ألحد آخر‪ .‬لم يكن هناك شكل آخر مثلها في أي‬
‫ً‬ ‫وجدتها‬
‫سا على عقب‪ .‬كانت سلسلة بالتينيوم بسيطة وزاهية في التصميم‪ ،‬تعلن‬
‫من المتاجر‪ ،‬التي قلبتها جميعها رأ ً‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪4‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫قيمتها في جوهرها فقط وليس بالتزيين الزائف ‪ -‬كما يجب أن تفعل كل األشياء الجيدة‪ .‬كانت قيمتها توازي‬
‫قيمة الساعة‪ .‬بمجرد أن رأتها‪ ،‬عرفت أنه يجب أن تكون لجيم‪ .‬كانت تلك الهدية تشابهه بالهدوء والقيمة ‪-‬‬
‫الوصف الذي ينطبق على كل منهما‪ .‬أخذوا منها دوالراتها الواحد والعشرون‪ ،‬وعادت إلى المنزل بسرعة‬
‫مع ‪ 87‬سنتًا‪.‬‬

‫بهذه السلسلة الرائعة على ساعته‪ ،‬قد ال يكون جيم قلقًا تجاه النظر الى الوقت مع أي جماعة‪ .‬ورغم أن الساعة‬
‫كانت رائعة‪ ،‬إال أنه كان في تلك االحيان يلقي نظرة سرية عليها خجال بسبب الحزام الجلدي القديم الذي كان‬
‫يستخدمه بدالً من السلسلة‪.‬‬

‫عندما وصلت ديال إلى المنزل‪ ،‬تراجعت لهفتها قليالً لتتحول الى حذر وعقالنية‪ .‬أخرجت مكواة الشعر‬
‫الخاصة بها وأشعلت الغاز وبدأت في إصالح التلف الذي أحدثه كرمها الممزوج بالحب‪ .‬والذي دائ ًما ما تكون‬
‫التضحية مهمة صعبة‪ ،‬صدقوني أصدقائي االعزاء ‪ -‬مهمة صعبة‪.‬‬

‫في غضون أربعين دقيقة‪ ،‬كان رأسها مغطى بأمواج صغيرة ومتالصقة جعلتها تبدو بشكل رائع كصبي‬
‫مدرسي‪ .‬نظرت إلى شكلها في المرآة بعناية وبحرص‪.‬‬

‫تقول في نفسها " إذا لم يقتلني جيم قبل أن يلقي نظرة ثانية علي‪ ،‬سيقول إنني أبدو كفتاة جوقة في كوني آيالند‪.‬‬
‫ولكن ماذا يمكنني فعله – يا ويحي! ماذا يمكنني فعله بدوالر وثمانية وثمانين سنتًا؟"‬

‫في الساعة السابعة‪ ،‬كان القهوة قد تمت وكانت المقالة على ظهر الموقد‪ ،‬ساخنة وجاهزة لطهي الشرائح‪.‬‬

‫متأخرا‪ .‬خبأت ديال سلسلة الساعة في يدها وجلست على زاوية الطاولة بالقرب من الباب‬
‫ً‬ ‫جيم لم يكن أبدًا‬
‫الذي يدخله دائ ًما‪ .‬ثم سمعت خطواته على السلم بعيدًا في الطابق األول‪ ،‬وأصبحت قلقة للحظة فقط‪ .‬كانت‬
‫لديها عادة وهي ترتيل صلوات صغيرة صامتة حول أبسط األشياء اليومية‪ ،‬واآلن همست‪" :‬رجا ًء يا هللا‪،‬‬
‫اجعله يعتقد أنني الزلت جميلة"‪.‬‬

‫فتح الباب ودخل جيم وأغلقه‪ .‬بدا نحيفًا وجادًا جدًا‪ .‬هذا المسكين‪ ،‬الذي لم يتجاوز الثانية والعشرين – كان‬
‫معنيًا بأسرة! كان بدون قفازات وهو بأمس الحاجة إلى معطف جديد‪.‬‬

‫دخل جيم داخل الباب‪ ،‬مذهوال عديم الحراك ككلب الصيد الذي اشتم رائحة طائر السمان‪ .‬كانت عينيه مركزة‬
‫على ديال‪ ،‬وكانت فيهما تعبير لم تستطيع ديال قراءته‪ ،‬وكان هذا الشعور يرعبها‪ .‬لم يكن ذلك غضبًا‪ ،‬ولم‬
‫يكن مفاجأة‪ ،‬ولم يكن اعتراضًا‪ ،‬ولم يكن رعبًا‪ ،‬ولم يكن أي من المشاعر التي كانت مستعدة لها‪ .‬ببساطة‪،‬‬
‫كان فقط يحدق بها بذلك التعبير الغريب على وجهه‪ .‬نزلت ديال من على الطاولة وذهبت إليه ‪ .‬صاحت "جيم‪،‬‬
‫ي بهذه الطريقة‪ .‬قصرت شعري وبعته ألنني لم أكن ألعيش من دون أن أقدم لك هدية‬
‫عزيزي‪" "،‬ال تنظر إل ّ‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪5‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫في عيد الميالد‪ .‬سينمو مرة أخرى ‪ -‬صحيح ؟ اضطررت لفعل ذلك‪ .‬شعري ينمو بسرعة هائلة‪ .‬قل "عيد‬
‫ميالد سعيد!" جيم‪ ،‬ولنكن سعداء‪ .‬انت ال تعلم ما هي الهدية الجميلة التي احضرتها اليك"‪.‬‬

‫"لقد قصرتي شعرك؟" سأل جيم متلعثما‪ ،‬كما لو أنه لم يصل بعد إلى تلك الحقيقة بعد جهد عقلي جهيد‪.‬‬

‫"قصرته وبعته"‪ ،‬قالت ديال‪" .‬ألست تحبني أنا نفسي بدون شعري؟"‬

‫نظر جيم حول الغرفة بدهشة‪" .‬تقولين إن شعرك قد ذهب؟" قال بطريقة ساذجة ‪.‬‬

‫قالت ديال‪" ،‬ال تحتاج إلى البحث عنه"‪" ،‬لقد بيع‪ ،‬أقول لك ‪ -‬بيع وراح أيضًا‪ .‬إنها ليلة عيد الميالد‪ ،‬يا صبي‪.‬‬
‫كن لطيفًا معي‪ ،‬فقد ذهب من أجلك‪ .‬ربما يمكن لشعر رأسي ان يعود‪( "،‬تابعت كالمها المعسول)‪" ،‬ولكن ال‬
‫أحد يمكنه أبدًا أن يحصي حبي لك‪ .‬هل أضع الشواية‪ ،‬جيم؟"‬

‫ثوان دعونا ننظر بتحفظ إلى أحد األشياء الغير المهمة‬


‫ٍ‬ ‫خرج جيم من غيبوبته بسرعة‪ .‬أحاط بديال‪ .‬لمدة عشر‬
‫في الجانب آخر‪ .‬ثماني دوالرات في األسبوع أو مليون في السنة ‪ -‬ما الفارق؟ عالم الرياضيات سيقدم لك‬
‫اإلجابة الخاطئة‪ .‬قدم المجوس هدايا قيمة‪ ،‬ولكن هذه الهدية لم تكن من بينها‪.‬‬

‫أخذ جيم حزمة من جيب معطفه ورماها على الطاولة‪ " .‬ال ترتكبي أي خطأ فيما يتعلق بي‪ .‬ال أعتقد أن هناك‬
‫أي قصة شعر أو حالقة أو شامبو يمكن أن يجعلني أحب فتاتي أقل‪ .‬ولكن إذا فتحتي هذه الحزمة قد ترى‬
‫لماذا كنت مندهشا من البداية "‪.‬أصابت أصابعها البيضاء الحبل والورق‪ .‬ثم صرخة من الفرح‪ ،‬وبعد ذلك‪،‬‬
‫لألسف! تحولت حالتها بطبيعتها االنثوية بشكل سريع إلى دموع وصراخ‪ ،‬االمر الذي استدعى الى التهوين‬
‫عليها بسرعة من سيد الحب (جيم)‪.‬‬

‫هذه المفاجئة كانت مجموعة امشاط ‪ -‬طقم المشط‪ ،‬الجميل‪ ،‬الذي كانت ديال تعشق النظر إلية لفترة طويلة من‬
‫نافذة المتجر‪ .‬مشط جميل‪ ،‬علية صدف السلحفاة الطبيعية‪ ،‬بحواف مرصعة بالجواهر ‪ -‬بالضبط الوقت‬
‫المناسب الستعماله ال سيما بعد ان الشعر الجميل قد اختفى‪ .‬كان مش ً‬
‫طا باهظ الثمن‪ ،‬كما كانت تعلم‪ ،‬وكان‬
‫قلبها قد توقف عن اللهفة والحنين الي ذلك المشط بال أدنى أمل في الحصول عليها‪ .‬واآلن أصبح لها‪ ،‬ولكن‬
‫الشعر الذي كان ينبغي أن يزين هذه الزينات الرائعة قد ذهب‪.‬‬

‫ولكنها عانقت المشط إلى صدرها‪ ،‬وأطالت النظر لألعلى بعيون دامعة مصحوبة بابتسامة وقالت‪" :‬سوف‬
‫ينمو شعري بسرعة كبيرة‪ ،‬جيم"!‬

‫ثم قفزت ديال مثل قطة صغيرة محترقة وصاحت‪" :‬أوه‪ ،‬أوه"!‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪6‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫ير هديته الجميلة بعد‪ .‬لقد عرضتها عليه على راحتها المفتوحة‪ .‬بدا المعدن الثمين بإشعاعه يعكس‬
‫جيم لم َ‬
‫نبرة روحها الساطعة والمتحمسة‪.‬‬

‫"أليس رائ ًعا‪ ،‬جيم؟ بحثت في جميع أنحاء المدينة للعثور عليه‪ .‬ستحتاج إلى النظر إلى الوقت مئات المرات‬
‫في اليوم اآلن‪ .‬أعطني ساعتك‪ .‬أريد أن أرى كيف يظهر عليها"‪.‬‬

‫بدالً من االنصياع‪ ،‬اندفع جيم إلى األسفل على األريكة ووضع يديه تحت الجزء الخلفي من رأسه وابتسم‪.‬‬

‫"ديال"‪ ،‬قال‪" ،‬لنقم بوضع هدايانا لعيد الميالد جانبًا ولنحتفظ بهما لفترة‪ .‬إنهما جميالن جدا في الوقت الحالي‪.‬‬
‫قد بعت الساعة للحصول على المال لشراء مشطك‪ .‬واآلن لنعود الى الشواية التي كنتي تضعين من قبل"‪.‬‬

‫افراد المجوس‪ ،‬كما تعلمون‪ ،‬كانوا حكماء ‪ -‬حكماء بشكل رائع ‪ -‬جلبوا هدايا للطفل في المهد‪ .‬اخترعوا فن‬
‫إعطاء الهدايا في عيد الميالد‪ .‬كانت هداياهم‪ ،‬باعتبارهم حكماء‪ ،‬بال شك حكيمة‪ ،‬وربما تحمل امتياز التبديل‬
‫عند الحاجة‪ .‬في الختام‪ ،‬سردت لكم قصة عن شابين في شقة قررا بغباء تضحية أعظم كنوز منزلهما لبعضهما‬
‫البعض‪ .‬ولكن ككلمة أخيرة لهذين في هذه األيام‪ ،‬دعونا نقول إن من بين جميع الذين يقدمون الهدايا كان‬
‫هؤالء االثنان هما األكثر حكمة‪ .‬األكثر حكمة من بين كل من يقدم ويتلقى الهدايا‪ ،‬في اي مكان‪ .‬إنهم المجوس‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪7‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫القصة الثانية‬

‫مواطن عالمي في مقهى‬

‫في منتصف الليل‪ ،‬كان المقهى مكتظا‪ .‬بطريقة ما كانت المائدة التي أجلس عليها قد أفلتت من أعين الحاضرين‬
‫من الخارج‪ ،‬وكان عليها مقعدان خاليان‪ ،‬يمدان أذرعهما وكأنهما يرحبان بحفاوة بالقادمين‪ .‬وما هي إال لحظات‬
‫حتى جلس على أحدهما مواطن عالمي‪ ،‬وقد سعدت لذلك ألني اعتقدت أنه منذ آدم وحواء لم يعرف العالم‬
‫مواطن عالمي حقيقي‪.‬‬

‫إننا نسمع عنهم ونرى بطاقات أجنبية على الكثير من األمتعة‪ ،‬ولكننا نجد مسافرين وليس مواطنين عالميين‪،‬‬
‫ها أنا أصف لك المشهد‪ ،‬موائد ذات قمم رخامية‪ ،‬صفوف من المقاعد مغطاة بالجلد وملتصقة بالجدران‪،‬‬
‫الصحبة السعيدة‪ ،‬والسيدات في األزياء نصف المتألقة‪ ،‬يتحدثون بصوت ملحوظ في الذوق واالقتصاد‪ ،‬والثراء‪،‬‬
‫والفن‪ .‬النادل المحبوب‪ .‬والموسيقى التي تنشر السعادة بعدل بين الجميع‪ ،‬من سطواتها على المؤلفين‪ ،‬وهناك‬
‫هذا الخليط من األحاديث والضحكات‪ ،‬وأكثر من ذلك الجعة السمراء في الكؤوس المخروطية التي تميل على‬
‫الشفاه كحبات الكريز الناضجة المهتزة على األغصان أمام منقار طائر متلصص‪ .‬وقد قيل لي من أحد المثاليين‬
‫أن المنظر كله كان باريسيا حقيقية‪.‬‬
‫كان المواطن العالمي يسمى إي‪ .‬راشمور كوجالن‪ ،‬ومن المؤكد انه ذاهب الى كوني آيالند في الصيف القادم‪.‬‬
‫أينما ذهب ينشر شيئا من "الجاذبية" الجديدة‪ ،‬أخبرني هذا العالمي انه يقدم تسلية ملكية المستوى‪ .‬ثم بدا كأنما‬
‫طاف العالم من شرقه لغربه‪ .‬وكأنه أخذ العالم الكبير ودار به في يده‪ ،‬بطريقة جميلة ممزوجة بثقة وازدراء‪،‬‬
‫وكان يبدو في حديثة كبذرة كرز ال يزيد حجمها عن حبة ماراشينو من فاكهة العنب على طاولة المطعم‪.‬‬
‫تحدث بازدراء عن خط االستواء‪ ،‬وقفز من قارة إلى قارة‪ ،‬سخر من المناطق‪ ،‬وامتص البحار الكبيرة بمنديله‪.‬‬
‫كان يتحدث وهو يترنح بيده عن بازار ما في مكان اسمه حيدر أباد‪ ،‬ياااه! سيجعلك حينها تتزلج على الزالجات‬
‫في البالند‪ .‬ومن ثم! تمتطي األمواج مع شعب الكاناكاس في كيااليكاهيكي‪ .‬بريستو! صدقني سيجرك عبر‬
‫مستنقع بوستوك في أركنساس‪ ،‬ثم يتركك تجف لحظة على السهول المجاورة لمزرعته في أيداهو‪ ،‬ثم يدور‬
‫بك في مجتمع الدوقات في النمسا‪ .‬في حين أخر‪ ،‬يخبرك عن نزله البرد التي صابته من نسمة بحيرة شيكاغو‬
‫وكيف عالجه الطبيب العريق إسكاميال في بوينس آيرس بخلطة من عشبة التشوتشوال‪.‬‬

‫كل رسائلنا كانت ستوجه إلى "إي‪ .‬راشمور كوجالن‪ ،‬الذي يمثل األرض‪ ،‬النظام الشمسي‪ ،‬الكون"‪ ،‬لذا‬
‫أرسلها وكلك ثقة بأنها ستصل إليه‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪8‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫أخيرا الشخص الحقيقي الوحيد من نوعه منذ خلق آدم‪ ،‬وكنت أستمع إلى حديثه‬
‫ً‬ ‫كنت متأكدًا أنني وجدت‬
‫العالمي بتوتر خوفًا من أن أكتشف فيه لمحة محلية تقلل من شأنه عن كونة مستكشف الكرة األرضية‪ .‬ولكن‬
‫آراؤه لم تترنح أو تنكمش أبدًا تجاه المدن والبلدان والقارات؛ كان محايدًا كما تكون الرياح في سريانها أو‬
‫الجاذبية‪.‬‬

‫وبينما كان إي‪ .‬راشمور كوجالن يتحدث عن هذا الكوكب الصغير‪ ،‬فكرت بسرور في شخص تقريبًا عالمي‬
‫سا بين مدن األرض‪،‬‬
‫فخرا وتناف ً‬
‫حقيقي كتب للعالم أجمع وكرس نفسه لبومباي‪ .‬في إحدى قصائده قال إن هناك ً‬
‫وأن "الرجال الذين ينشئون منها‪ ،‬يتاجرون صعودًا وهبو ً‬
‫طا‪ ،‬لكنهم يتشبثون بحافة مدنهم كالطفل بطيّة ثوب‬
‫أمه‪ ".‬وكلما ساروا "بجوار شوارع مجهولة الضجيج"‪ ،‬يتذكرون مدينتهم األم "األكثر وفا ًء‪ ،‬سذاجة‪ ،‬حنان؛‬
‫جعلوا من اسمها المجرد جزءا منهم" وكان سروري مبررا ألنني قد أمسكت بالسيد كيبلنغ وهو نائم‪ .‬هنا‬
‫ً‬
‫رجال ليس مصنوعًا من الغبار؛ شخص ليس لديه مفاخر منوطة بجنسيته او بمكان الميالد‪ ،‬شخص‬ ‫وجدت‬
‫لو كان يتفاخر‪ ،‬فإنه سيتفاخر بكوكبه بأكمله ضد الكوكبين البعيدين وسكان القمر‪.‬‬

‫كانت تعبيرات إي‪ .‬راشمور كوجالن حول هذه القضايا تميل إلى الزاوية الثالثة بجانب طاولتنا‪ .‬وفي حين‬
‫كان كوجالن يصف لي شكل السهول على طول السكك الحديدية السيبيرية‪ ،‬انزلقت األوركسترا إلى معزوفة‬
‫ميدلي‪ .‬ومنها الى "ديكسي" اللحن الختامي‪ ،‬وعندما تندلع النغمات المحفّزة‪ ،‬كادت ت ْغطى تقريبًا بالتصفيق‬
‫الحاد من جميع الطاوالت‪.‬‬

‫يمكننا القول أن هذا المشهد الملحوظ متكرر كل مساء في العديد من المقاهي في مدينة نيويورك‪ .‬حيث يتم‬
‫استهالك أطنان من المشروبات الكحولية‪ .‬قد يفترض البعض بسرعة أن جميع الجنوبيين في المدينة يتجهون‬
‫إلى المقاهي عند غروب الشمس‪ .‬هذا الحضور وهذا التصفيق ألغنية الثوار في المدينة الشمالية قد يثير‬
‫تساؤال؛ ولكنه ليس تساؤال ال يمكن حله‪.‬‬

‫الحرب مع إسبانيا‪ ،‬ومواسم سخية للنعناع والبطيخ على مر السنين‪ ،‬وبضعة فائزين من مرأى بعيد في مضمار‬
‫السباق في نيو أورليانز‪ ،‬والعروض الرائعة التي قدمها مواطنو إنديانا وكانساس الذين يشكلون جمعية‬
‫مثيرا لالهتمام في مانهاتن‪ .‬بلطف ستهمس األظافر الجميلة ألي امرأة‬
‫أمرا ً‬
‫كاروالينا الشمالية‪ ،‬جعلت الجنوب ً‬
‫كثيرا بإصبع الرجل في ريتشموند‪ ،‬وذلك الن العديد من السيدات‬
‫ً‬ ‫هناك أن اإلصبع األوسط األيسر يذكرها‬
‫يتعين عليهن العمل ‪ -‬بسبب الحرب‪ ،‬كما تعلمون‪.‬‬

‫عندما كانت معزوفة "ديكسي" تعزف‪ ،‬قفز شاب ذو شعر داكن من مكان ما بصرخة معرفة باسم موزبي‬
‫الجويريلال وهو يرفع بشكل هستيري قبعته ذات الحافة الناعمة‪ .‬ثم تجول في الدخان‪ ،‬وانخرط على الكرسي‬
‫الفارغ في طاولتنا واستخرج السجائر‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪9‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫كان المساء يداعبه شيء من االسترخاء‪ .‬ذكر أحدنا ثالثة اشخاص من مدينة "فورتسبورغرز" االلمانية‬
‫للنادل؛ أقر الشاب ذو الشعر الداكن بمعرفته اياهم بابتسامة وإيماءة‪ .‬وبعدها أسرعت لطرح سؤال عليه رغبة‬
‫مني بتجربة نظرية فضولية كانت لدي‪.‬‬

‫سألته "هل تمانع في أن تخبرني‪ "،‬ثم بدأت "من أين أنت؟"‬

‫وبعدها ضرب إي راشمور كوجالن الطاولة بقبضته التي فجرت إيقاعًا أصمت الجميع‪.‬‬

‫عذرا"‪ ،‬قال لي‪ " ،‬هذا سؤال ال أحب أن أسمعه أبدًا‪ .‬ما الذي يهم من أين هذا الرجل؟ هل من العدل أن نحكم‬
‫" ً‬
‫على اإلنسان من عنوان صندوق البريد الخاص به؟ أليس من األفضل أن نرى الرجل كرجل دون أن نقيده‬
‫بمكان سكنه؟"‬

‫"بدت بعدها مالمح االعتذار علي"‪ ،‬ثم قلت‪" ،‬ولكن فضولي لم يكن من فراغ‪ .‬أنا أعرف سكان الجنوب بالذات‬
‫عندما تعزف الفرقة "ديكسي"‪ .‬اعتقد بأن الرجل الذي يصفق لهذه األغنية بهذا الشغف دائ ًما ما يكون من‬
‫مواليد احدى المناطق اما سيكوكوس او نيو جيرسي‪ ،‬لديه والء إقليمي واضح‪ ،‬أو الحي ما بين موراي هيل‬
‫ونهر هارلم في تلك المدينة‪ .‬يجب أن أعترف انني كنت على وشك أن أختبر رأيي بمعرفة مكان سكن هذا‬
‫السيد قبل ان يقاطعني بوجهه نظرة المقنعة والغير متحيزة لمكان دون آخر"‪.‬‬

‫وأخيرا تكلم هذا الشاب ذو الشعر الداكن وبدا من الواضح أن عقله كان يتحرك أيضًا على نحوه الخاص‪.‬‬

‫قال بسرية‪" ،‬أود أن أكون نبات في بيريوينكل"‪" ،‬في أعلى وادٍ‪ ،‬وأغني أيضًا أغنية تو‪-‬رالو‪-‬رالو"‪.‬‬

‫كان هذا واض ًحا جدًا للغاية‪ ،‬لذلك نظرت مرة أخرى إلى كوجالن‪.‬‬

‫ثم قال‪" ،‬لقد طفت العالم اثنا عشر مرةً"‪" ،‬أعرف أحد اإلسكيمو في أوبيرنافيك يرسل إلى سينسيناتي لشراء‬
‫ربطات عنقه‪ ،‬ورأيت راعي ماعز في أوروغواي فاز بجائزة في مسابقة لغز اإلفطار في باتل كريك‪ .‬أدفع‬
‫إيجارا الحدى ال غرف في القاهرة‪ ،‬مصر‪ ،‬وآخرى في يوكوهاما طوال العام‪ .‬لدي نعال في انتظاري في منزل‬
‫ً‬
‫شاي في شنغهاي‪ ،‬وال يجب علي أن أخبرهم كيف يطهون بيضي في ريو دي جانيرو أو سياتل‪ .‬إنه عالم‬
‫صغير للغاية‪ .‬ما فائدة التبجح بأنك من الشمال أو الجنوب أو الديار القديمة في الوادي‪ ،‬أو شارع يوكليد في‬
‫كليفالند‪ ،‬أو بيكس بيك فيرفاكس في والية فيرجينيا‪ ،‬أو "هوليجانز فالتس" أو أي مكان آخر؟ سيكون العالم‬
‫أفضل عندما نتوقف عن أن نكون أغبياء حول بلدة متهالكة أو عشرة فدان من األراضي العليلة فقط ألننا‬
‫وبالصدفة ولدنا هناك"‪.‬‬

‫قلت بإعجاب‪" :‬تبدو لي أنك عالمي حقيقي"‪" ،‬لكن يبدو أيضًا أنك ستستنكر الوطنية"‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪10‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫عندها قال كوجالن بحماس‪" :‬بقايا من عصر الحجر"‪" ،‬نحن جمي ًعا إخوة ‪ -‬صينيون‪ ،‬إنجليز‪ ،‬زولو‪،‬‬
‫باتاغونيون‪ ،‬وأهل منعطف نهر كاو‪ .‬تلك األفكار ستمسح في يوم من األيام وسيمسح معها هذا الفخر البسيط‬
‫بمدينتك أو واليتك أو منطقتك أو بلدك‪ ،‬وسنكون جمي ًعا مواطنين في هذا العالم كما يجب أن نكون"‪.‬‬

‫أصررت قائال‪" ،‬ولكن أثناء تجوالك في األراضي األجنبية"‪" ،‬هل ال تميل أفكارك أحيانًا إلى مكان ما ‪ -‬مكان‬
‫عزيز على قلبك"‪-‬‬

‫"ليس هناك مكان"‪ ،‬قاطعني إي‪ .‬ر‪ .‬كوجالن بسخرية‪" .‬الكتلة الكروية الكوكبية األرضية‪ ،‬المسطحة قليال‬
‫عند القطبين‪ ،‬والتي تعرف باسم األرض‪ ،‬هي منزلي‪ .‬لقد قابلت العديد من المواطنين الملتزمين بكائنات هذا‬
‫ً‬
‫رجاال من شيكاغو يجلسون في قارب صغير في البندقية في ليلة مضيئة بالقمر‬ ‫البلد في الخارج‪ .‬رأيت‬
‫صا من الجنوب عندما قدموه إلى ملك إنجلترا‪ ،‬يقول للملك‪،‬‬
‫ويفتخرون بقناة الصرف الخاصة بهم‪ .‬رأيت شخ ً‬
‫من دون أدنى تردد‪ ،‬ب أن جدة جدته من جهة والدته كانت متزوجة من عائلة بيركنز في تشارلستون‪ .‬كنت‬
‫اعلم أن أحدا من نيويورك تم اختطافه لفدية من قبل بلطجية أفغانستان‪ .‬أرسل أهله األموال وعاد إلى كابول‬
‫مع الوكيل‪.‬‬

‫"أفغانستان؟" قال له أحد الموجودين من خالل مترجم‪" .‬حسنًا‪ ،‬ليست مكانا بعيدا‪ ،‬أليس كذلك؟" يقول هو‬
‫وعلية مالمح االزدراء‪" ،‬أوه‪ ،‬ال أعرف"‪ ،‬ومن ثم يشرع في أن يخبرهم عن سائق تاكسي في بلدة الجادة‬
‫السادسة وبرودواي‪ .‬وأكد قائال "تلك األفكار ال تناسبني‪ .‬أنا ال أرتبط بشيء ال يتجاوز قطره ‪ 8000‬ميال‪.‬‬
‫فقط ضعني كإي‪ .‬راشمور كوجالن‪ ،‬مواطن للكرة األرضية‪ " .‬وبعدها ودّعني الرجل العالمي بحفاوة ورحل‪،‬‬
‫صا كان يعرفه في خضم الضجيج والدخان‪ .‬وبعد ذلك‪ ،‬تركت وحيدًا مع الشخص‬
‫ألنه اعتقد أنه رأى شخ ً‬
‫الذي يتظاهر بأنه نجم البحر‪ ،‬الذي تم تقليصه إلى وورتسبورجر بدون مقدرتي على التعبيرعن تطلعاته‬
‫للجلوس منغمسا باألفكار على قمة واد ‪.‬جلست أفكر في المواطن العالمي الواضح وكيف أفلت مني‪.‬‬

‫لكنهم فعال يتشبثون بحواف مدنهم كالطفل بثوب أمه "‪.‬لكن ليس هكذا كان الوضع بالنسبة إلي‪ .‬رشمور‬
‫كوجالن‪ .‬مع العالم كله أمامه ‪ -‬وفي لحظتها تم تشتيت تأمالتي بفوضى هائلة وصراع نشب في جزء آخر‬
‫من المقهى‪ .‬رأيت فوق رؤوس الزبائن الجالسين إي‪ .‬رشمور كوجالن وشخص آخر ال أعرفه يشاركان في‬
‫معركة هائلة‪ .‬قاتال بين الطاوالت كالجبابرة‪ ،‬وانكسرت األكواب‪ ،‬وأمسك الرجال بقبعاتهم وبعدها سقطوا‪ ،‬ثم‬
‫صاحت سيدة بشعر بني‪ ،‬وبدأت سيدة أخرى بالغناء‪ .‬أما مواطني العالمي الخاص بي كان يحافظ على فخر‬
‫األرض وسمعته‪ ،‬اقترب الجرسون منهما وأحاطوا بهما على شكل "المثلث الطائر" وأخذوهما إلى الخارج‬
‫وهما ال يزاالن يقاومان ‪.‬تحدثت مع شخص اسمه مكارثي‪ ،‬جرسون فرنسي‪ ،‬وسألته عن سبب الصراع‪ .‬قال‪،‬‬
‫"'غضبت لتلك األمور التي قيلت من قبل الرجل اآلخر حول األرصفة الرديئة وإمدادات المياه في المكان‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪11‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫الذي ولد به"‪ .‬قلت‪ "،‬لماذا؟" "هذا الرجل مواطن عالمي" استمر مكارثي قائال‪" ،‬ولم يكن سيتسامح مع أي‬
‫انتقاص من المكان""‪.‬هو من ماتاوامكيج‪ ،‬ماين‪ ،‬منذ البداية"‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪12‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫القصة الثالثة‬

‫بين الجوالت‬

‫كانت قمر شهر مايو يشرق بشكل مشرق على منزل اإليواء الخاص بالسيدة ميرفي‪ .‬بالرجوع إلى التقويم‪،‬‬
‫سيتم اكتشاف مساحة كبيرة من األراضي التي سقطت عليها أيضًا أشعة ذلك القمر‪ .‬كان الربيع في عهده‪،‬‬
‫ودفئ صيفها قد اقترب‪ .‬كانت الحدائق بأوراقها الجديدة خضراء وكان هناك باعة ومشترين للتجارة الغربية‬
‫والجنوبية‪ .‬كانت الزهور تفوح باكتظاظ وكالء المنتجعات الصيفية؛ الهواء على لوسون أصبح أكثر نعومة؛‬
‫موسيقى االورقان اليدوية مع اطاللة النوافير ولعبة البينوكل تلعب في كل مكان ‪.‬نوافذ بيت اإليواء الخاص‬
‫بالسيدة ميرفي كانت مفتوحة‪ .‬ومجموعة من المستأجرين جالسين على السطح العالي على مفارش دائرية‬
‫ومسطحة تشبه فطيرة البانكيك األلمانيه‪.‬‬

‫في إحدى النوافذ في الطابق الثاني‪ ،‬انتظرت السيدة ماكاسكي زوجها‪ .‬وكان العشاء يبرد على الطاولة‪ .‬حرارته‬
‫قد ذهبت إلى قلب السيدة ماكاسكي‪ .‬وفي تمام الساعة التاسعة‪ ،‬جاء السيد ماكاسكي‪ .‬حمل معطفه على ذراعه‬
‫والتبغ في أسنانه‪ ،‬واعتذر للمستأجرين الذين كانوا الدرج بينما اختار بينهم بعض األماكن على الحجر ليضع‬
‫قدميه‪.‬‬

‫عندما فتح باب غرفته‪ ،‬وبدالً من غطاء الطباخ المعتاد أو مطرقة البطاطا التي يجب تفاديها‪ ،‬تلقى مفاجأة‪.‬‬
‫جاءت الكلمات فقط‪ .‬قد اعتبر السيد ماكاسكي أن قمر مايو اللطيف قد لين صدر زوجته‪.‬‬

‫"سمعتك"‪ ،‬جاءت البدائل الشفهية ألدوات المطبخ‪" .‬يمكنك االعتذار لشوارع العامة عن وضع قدميك على‬
‫أذيال فساتينهم‪ ،‬هذا االنتظار يسري على عنق زوجتك الذي أصبح بطول حبل المالبس من دون حتى قبلة‬
‫اعتذار‪ ،‬من طول االنتظار عند النافذة من أجلك برد الطعام وانا التي اشتريت لك الشراب من نقودي التي‬
‫اجنيها في جاالغير في كل مساء من يوم السبت‪ ،‬وحتى ان رجل الغاز اتى هنا مرتين اليوم للقائك ولم يجدك"‪.‬‬

‫"ايتها االمرأة!" قال السيد ماكاسكي بغضب‪ ،‬ورمى معطفه وقبعته على الكرسي‪ ،‬وأكمل قائال "صوتك يشكل‬
‫إهانة لشهيتي‪ .‬عندما تنتقد اللباقة‪ ،‬فإنك تأخذي اللباقة بين لبنات المجتمع‪ .‬ليست أكثر من مضايقتي عندما‬
‫تطلبين مني اعتراض السيدات اللواتي يعيقن الطريق‪ .‬هل ستتوقفين عن اخراج وجه الخنزير من النافذة‬
‫لمراقبتي وتهتمين بالطعام؟"‬

‫وقفت السيدة ماكاسكي بثقل وذهبت إلى موقد الطعام‪ .‬كان هناك شيء في تصرفها أخاف السيد ماكاسكي‪.‬‬
‫بالذات عندما تنخفض زوايا فمها فجأة مثل جهاز الضغط الجوي‪ ،‬ذلك يعني عادة سقوط أواني المطبخ وأدوات‬
‫الطهي‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪13‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫قدرا كامالً من اللحم المقدد والتفت نحو زوجها‪.‬‬


‫"وجه الخنزير؟" قالت السيدة ماكاسكي‪ ،‬ورمت ً‬

‫لم يكن السيد ماكاسكي مبتدئًا في ردة الفعل‪ .‬كان يعرف ما يجب أن يفعله بعد رميها للطبق الرئيسي‪ .‬كان‬
‫لحم سيرلوين مشوي على الطاولة‪ ،‬مزين بأشكال نبات النفل‪ .‬رد السيد هجوم سيدته بواسطة الخبز الذي كان‬
‫في طبق فخاري‪ .‬واصطدمت قطعة من جبن سويسرية التي قد كانت قد رميت بدقة من قبل زوجته أسفل‬
‫احدى عينيه‪ .‬عندما ردت هي األخرى بقدر من القهوة الساخنة والسوداء والنصف عطرة‪ ،‬كان ينبغي‪ ،‬وفقًا‬
‫للمعتاد‪ ،‬أن ينتهي النزال‪ .‬لم يكن السيد ماكاسكي طاولة طعام بقيمة ‪ 50‬سنتًا حتى يرمى بالقهوة‪ .‬ومع ذلك‬
‫تعتبر القهوة اعالن نهاية النزال حسب معتقدات البوهيميين‪ .‬دعها ترتكب هذا الخطأ‪ .‬كان هو بالمقابل أكثر‬
‫ذكا ًء‪ .‬ولكن لم يكن استخدام وعاء األصابع خارج نطاق تجربته‪ .‬لم يجرب هذا النزال في قصر ميرفي‪ ،‬ولكن‬
‫المكافأة العادلة كانت في متناول يده‪ .‬بانتصار‪ ،‬أرسل وعاء الغسيل من الجرانيت على رأس خصمه (زوجته)‪.‬‬
‫السيدة ماكاسكي تجنبت وعاء الغسيل في الوقت المناسب‪ .‬وصلت إلى المكواة‪ ،‬على أمل أن تضع حدًا للمعركة‬
‫أشبه ما تمثل حسن التصرف عند وضع الطعام‪ .‬وفي خضم المعركة‪ ،‬اذ بصرخة عالية وصياح أسفل الدرج‬
‫جعلت كل منهما يتوقف والسيد ماكاسكي ممتنا لذلك الصراخ الذي أوقف النزال‪.‬‬

‫على الرصيف في زاوية المنزل كان الشرطي كليري موجها أذنه مستم ًعا إلى صوت اصطدام أدوات المنزل‪.‬‬

‫"السيد ماكاسكي وزوجته مرة أخرى"‪ ،‬فكر الشرطي‪" .‬أتساءل هل يجب أن أصعد وأوقف هذه الفوضى‪ .‬لن‬
‫أفعل‪ .‬هم اناس متزوجون؛ ربما لديهم قليل من المتعة في ذلك‪ .‬لن تستمر طويالً‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬سيضطرون إلى‬
‫اقتراض أكثر من أطباق للمحافظة على استمرارها‪".‬‬

‫وفي تلك اللحظة تأتي الصرخة العالية من الطابق السفلي‪ ،‬مشيرة إلى الخوف أو الضرورة الماسة‪" .‬ربما‬
‫يكون القط"‪ ،‬قال الشرطي كليري‪ ،‬وسار بسرعة في االتجاه اآلخر‪.‬‬

‫ارتعد الجالسون على الدرج من هول الصوت‪ .‬دخل السيد تومي‪ ،‬محامي تأمين بالفطرة ومحقق متمرس‪،‬‬
‫ليتفقد الصرخة‪ .‬عاد بالخبر بأن طفل السيدة ميرفي‪ ،‬مايك‪ ،‬قد ف ِقد‪ .‬ومن ثم تبعه الرسول الذي جاء بالخبر‪.‬‬
‫خرجت السيدة ميرفي – وهي تعول بمقدار مائتي جنيه من الدموع والهستيريا‪ ،‬تتشبث بالهواء وتصرخ في‬
‫السماء لفقدان ثالثين جني ًها من النمش والفوضى‪ .‬باثوس‪ ،‬حقًا‪ ،‬ولكن السيد تومي جلس بجوار اآلنسة بيردي‪،‬‬
‫الصانعة للقبعات‪ ،‬تشابكت أيديهم بعطف‪ .‬وكان من الحاضرين آنستين من الولش‪ ،‬الالتي كن يشتكين كل يوم‬
‫من الضوضاء في الرواق‪ ،‬سألتا على الفور إذا كان أحد قد نظر وراء الساعة‪.‬‬

‫وكان أيضا من الحاضرين الرائد جريج‪ ،‬الذي كان يجلس بجوار زوجته البدينة على أعلى السلم‪ ،‬قام وخلع‬
‫معطفه وعلقه‪ .‬ثم صاح‪" :‬تم فقد الصغير؟" "سأتجول في المدينة"‪ .‬ال تسمح له زوجته بالخروج عادتا بعد‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪14‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫الغروب‪ .‬ولكن اآلن قالت‪" :‬اذهب‪ ،‬لودوفيك!" وقالت بصوت جهوري عال‪" .‬من يمكنه أن ينظر إلى حزن‬
‫تلك األم دون أن يهرع لمساعدتها لديه قلب من حجر"‪ .‬قال الرائد‪" :‬أعطني حوالي ثالثين أو ستين سنتًا‪،‬‬
‫حبي"‪" ،‬قد يتجول األطفال المفقودون بعيدًا في بعض األحيان‪ .‬وقد أحتاج إلى تذاكر القطار‪".‬‬

‫ومن بينهم أيضا‪ ،‬الرجل العجوز ديني‪ ،‬في القاعة الكبيرة‪ ،‬الطابق الرابع الخلفي‪ ،‬الذي كان يجلس على السلم‬
‫األدنى‪ ،‬حاول قراءة جريدة بجوار مصباح الشارع‪ ،‬وقلب صفحة لمتابعة المقال حول إضراب النجارين‪.‬‬
‫وفي اثناء ذلك‪ ،‬صرخت السيدة ميرفي للقمر برجاء‪" :‬أيها‪ ،‬أر‪-‬ر‪-‬مايك‪ ،‬أين طفلي الصغير؟"‬

‫سألها العجوز ديني “متى رأيته آخر مرة؟” وعينه على تقرير رابطة مقاولي البناء‪.‬‬

‫"آه‪ "،‬صاحت السيدة ميرفي‪" ،‬كان البارحة‪ ،‬أو ربما قبل أربع ساعات! ال أعلم‪ .‬لكنه ضاع‪ ،‬صغيري مايك‪.‬‬
‫كان فقط يلعب على الرصيف صباح هذا اليوم ‪ -‬أم كان األربعاء؟ أنا مشغولة بالعمل وصعب متابعة التواريخ‪.‬‬
‫ولكن لقد تفحصت المنزل من األعلى إلى السرداب‪ ،‬فوجدته قد ضاع‪ .‬آه‪ ،‬من أجل هللا اوجدوه "‬

‫صامتة‪ ،‬قاسية‪ ،‬هائلة‪ ،‬ما كانت المدينة الكبيرة دائ ًما ضد معاديها‪ .‬يطلقون عليها قسوة مثل الحديد‪ ،‬يقولون‬
‫إن ال وجود للرحمة في صدرها‪ ،‬يقارنون شوارعها بالغابات الوحيدة وصحاري الحمم البركانية‪ .‬ولكن تحت‬
‫القشرة الصلبة للسلطعون يوجد طعام لذيذ ولذيذ‪ .‬ربما لو كان تشبيهي مختلف لكان أفضل‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال‬
‫ينبغي ألحد أن يأخذ اإلهانة‪ .‬لن نسمي أحدًا سلطعون بدون مخالب جيدة‪.‬‬

‫ال يوجد نكبة تالمس قلب اإلنسانية كضياع طفل صغير‪ .‬أقدامهم مترددة وضعيفة‪ .‬الطرق صعبة عليهم‬
‫وغريبة‪.‬‬

‫أسرع الرائد جريج إلى الزاوية الشارع إلى ان وصل الى جادة الطريق حيث مسكن بيلي‪ .‬وقال للخادم‬
‫"أعطني مشروب الجاودار"‪ ،‬وسأله "هل رأيت‪ ،‬طفل صغير قذر الوجه وذو ست سنوات مفقود في مكان ما‬
‫هنا؟"‬

‫امسك السيد تومي بيد اآلنسة بيردي على السلم‪ .‬قالت اآلنسة بيردي‪" ،‬فكر في هذا الطفل العزيز"‪" ،‬ضائع‬
‫من جوار والدته ‪ -‬ربما سقط تحت الحواف الحديدية للخيول وهي تركض ‪ -‬آه‪ ،‬أليس ذلك مري ًعا؟"‬

‫"أليس ذلك صحيح؟" اقر السيد تومي كالمها ضاغطا بلط على يدها‪ .‬قائال " سأبدأ وأساعد في البحث عنه"!‬

‫قالت اآلنسة بيردي‪ " ،‬ربما يجب عليك ذلك‪ .‬ولكن يا سيد تومي‪ ،‬أنت جريء جدًا ‪ -‬متهور ‪ -‬فكر في حماسك‬
‫ربما يحدث حادث ما‪ ،‬ثم ماذا؟"‪-‬‬

‫قرأ العجوز ديني عن اتفاق التحكيم‪ ،‬وإصبعه على كل سطر يقرأه‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪15‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫في الطابق الثاني من الناحية األمامية‪ ،‬خرج السيد والسيدة ماكاسكي إلى النافذة اللتقاط أنفاسهما‪ .‬كان السيد‬
‫ماكاسكي يخرج اللفت من جيبه بإصبعه الملتوي‪ ،‬وكانت السيدة تمسح عينيها وعلى يديها الكثير من الملح‬
‫المضاف على لحم الخنزير المشوي‪ .‬سمعوا صرخة أسفلهم وأخرجوا رؤوسهم من النافذة‪.‬‬

‫"مايك الصغير ضاع"‪ ،‬قالت السيدة ماكاسكي بصوت همس‪" ،‬المالك الجميل الصغير والمشاغب"!‬

‫" الصبي المسكين المفقود؟' قال السيد مكاسكي متكئا على النافذة‪' .‬لماذا‪ ،‬اآلن‪ ،‬هذا سيء بما فيه الكفاية‪.‬‬
‫األطفال‪ ،‬هم مختلفون‪ .‬لو كانت امرأة‪ ،‬لكنت مستعدًا‪ ،‬ألنهن يرحلن ويحل السالم خلف رحيلهن '‪ .‬متجاهلة‬
‫االنتقاد‪ ،‬قبضت السيدة مكاسكي على ذراع زوجها' ‪.‬جون'‪ ،‬قالت وهي متأثرة بمشاعر االمومة‪' ،‬صبي السيدة‬
‫مورفي ضائع ‪ .‬إنها مدينة كبيرة جدًا لضياع األوالد الصغار‪ .‬كان عمره ست سنوات‪ .‬جون‪ ،‬سيكون بنفس‬
‫عمر صبينا الصغير إذا كنا لدينا صبيا قبل ست سنوات' '‪.‬لم يكن لدينا صبيا أبدا'‪ ،‬قال السيد مكاسكي‪ ،‬مترددًا‬
‫مع الحقيقة ‪.‬قالت السيدة‪' :‬ولكن إذا كان لدينا طفال‪ ،‬يا جون‪ ،‬فكر في مدى حزن قلوبنا في ليلة ضياعه‪ ،‬ربما‬
‫ال يتسنى البننا الصغير اال الهرب والسرقة من المدينة في أي مكان' '‪.‬أنت تتحدثين بحماقة'‪ ،‬قال السيد‬
‫مكاسكي‪' .‬لربما سأطلق عليه اسم بات‪ ،‬على اسم والدي في كانتريم' '‪.‬أنت تكذب!' قالت السيدة مكاسكي‪،‬‬
‫بدون غضب‪' .‬اسم أخي يستحق ذلك عشرين مرة أكثر من عائلة مكاسكي الريفية‪ .‬وبعده سيكون اسم باي‬
‫األنسب للصبي‪ .‬وضعت السيدة مكاسكي ذراعها على حافة النافذة واخذت تنظر الى المارة ‪.‬‬

‫"كانت حلوى على عجالة " قال زوجها‪" ،‬واسرعي في تجهيز اللفت والقهوة‪ ،‬هذا ما يمكن تسميته غداء‬
‫سريع‪ ،‬صحيح‪ ،‬وال تكذبي "‪.‬طوقت السيدة مكاسكي ذراعها حول ذراع زوجها وأخذت يده الخشنة بين يديها‪.‬‬

‫وقالت 'استمع إلى صراخ السيدة مورفي المسكينة‪' ،‬إنه أمر فظيع لفتى صغير أن يضيع في هذه المدينة‬
‫الكبيرة‪ .‬إذا كان لدينا صغيرا لنا‪ ،‬جون‪ ،‬لكنت مكسورة القلب '‪.‬سحب السيد مكاسكي يده مستغربا كالمها‪.‬‬
‫ولكن سرعان ما ان وضع يده حول كتفي زوجته‪ .‬ثم قال' إنه سخف مني‪ ،‬بالطبع'‪' .‬لكنني سأكون منزع ًجا‬
‫إذا تم اختطاف صبينا الصغير ‪ -‬بات أو أيا يكن‪ .‬ولكن ال يوجد لدينا أطفال‪ .‬في بعض األحيان كنت قاسيا‬
‫معك‪ ،‬جودي‪ .‬انسي ذلك '‪ .‬نظرا معا من النافذة إلى الدراما التي تجري في األسفل ‪.‬جلسوا كذلك لفترة طويلة‪.‬‬
‫الناس اندفعوا الى الرصيف‪ ،‬يتزاحمون‪ ،‬يسألون‪ ،‬يملؤون االجواء بالشائعات والتخمينات غير المتسقة عن‬
‫مصير الصبي‪ .‬والسيدة مورفي تمشي ذهابًا وإيابًا في وسطهم‪ ،‬كجبل يهبط منه شالل من الدموع المسموعة‪.‬‬
‫أصوات عالية وصخب يأتي من امام المنزل‪ " .‬ما األمر اآلن‪ ،‬جودي؟" سأل السيد مكاسكي" ‪.‬صوت السيدة‬
‫مورفي‪ "،‬قالت السيدة مكاسكي‪ ،‬وهي ما زالت تنصت للصوت" ‪.‬تقول إنها وجدت الصغير مايك نائ ًما خلف‬
‫لفة اللينوليوم القديمة تحت السرير في غرفتها "‪.‬ضحك السيد مكاسكي بصوت عال" ‪.‬هذا صبيك"‪ ،‬صاح‬
‫بسخرية‪" ،‬ال يمكن لصبينا فعل تلك الحيلة إذا كان الصبي الذي لم يكن لدينا قد ضل وسرق‪ ،‬وانظر إليه‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪16‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫يختبئ تحت السرير مثل جرو رث"‪ .‬قامت السيدة مكاسكي بثقل‪ ،‬وذهبت نحو خزانة األطباق‪ ،‬مع زوايا‬
‫فمها مسحوبة ألسفل ‪ .‬عاد الشرطي كليري الى زاوية الطريق بينما تفرق الحشد‪ .‬وبشكل مفاجئ‪ ،‬استرق‬
‫السمع نحو شقة مكاسكي حيث بدت صدمة الحديد والفخار وصوت أدوات المطبخ الملقاة قويًا كما كان من‬
‫قبل‪ .‬أخرج الشرطي كليري ساعته' ‪.‬وصاح‪' .‬جون مكاسكي وزوجته كانوا يتقاتلون لمدة ساعة وربع‪ .‬يمكن‬
‫لهذه للسيدة أن تعطيه وزن أربعين باوند قوة لذراعه '‪.‬تجول الشرطي كليري حول زاوية الطريق مرة أخرى ‪.‬‬
‫طوى العجوز ديني صحيفته وهرع نحو الدرج ذاهبا بينما كانت السيدة مورفي على وشك إغالق الباب لليلة‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪17‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫القصة الرابعة‬

‫الغرفة السماوية‬

‫في البداية‪ ،‬ستريك السيدة باركر غرف الجلوس المزدوجة‪ .‬لن تتجرأ على أن تقاطعها وهي تصف مزايا تلك‬
‫الغرفة وأيضا فضائل السيد الذي تميز بها لثماني سنوات‪ .‬بعد ذلك‪ ،‬ستتمكن من أن تتلعثم اعترافا بأنك لست‬
‫طبيبًا أو طبيب أسنان‪ .‬كانت السيدة باركر تعاني عند تقبل هذا االعتراف وتصفه بطريقة تجعل منك شخصا‬
‫قادرا على إبداء نفس الشعور تجاه والديك‪ ،‬الذين قصروا في تدريبك في إحدى المهن الموجودة في‬
‫ً‬ ‫غير‬
‫غرف السيدة باركر‪.‬‬

‫ثم صعدت درجة واحدة ونظرت من الطابق الثاني إلى ‪ 8‬دوالرات‪ .‬مقتنعة بأسلوبها في الطابق الثاني بأنها‬
‫دوالرا الذي كان السيد توسنبري يدفعه دائ ًما عندما يغادر ليتولى مزرعة البرتقال التابعة ألخيه‬
‫ً‬ ‫تستحق الـ ‪12‬‬
‫في فلوريدا بالقرب من بالم بيتش‪ ،‬حيث كانت السيدة ماكنتاير تقضي دائ ًما فصول الشتاء في غرفتها األمامية‬
‫المزدوجة مع حمامها الخاص‪ ،‬يمكنك أن تتذمر بأنك ترغب في شيء أرخص بعد ان ترى ذلك‪.‬‬

‫إذا نجوت من ازدراء السيدة باركر‪ ،‬تم ذهبت لتشاهد غرفة االستراحة الكبيرة للسيد سكيدر في الطابق الثالث‪.‬‬
‫لم تكن غرفة السيد سكيدر شاغرة‪ .‬كتب فيها المسرحيات ودخن فيها السجائر طوال اليوم‪ .‬كل منتقي للغرف‬
‫كان ملز ًما بزيارة تلك الغرفة لإلعجاب بالمزهريات‪ .‬بعد كل زيارة‪ ،‬كان السيد سكيدر‪ ،‬من خوفه من احتماليه‬
‫طرده‪ ،‬يدفع شيئًا اضافيا على إيجاره‪.‬‬

‫ثم‪ ،‬بعد ذلك ‪ -‬إذا كنت ال تزال تقف على قدم واحدة ويدك الحارة تتشبث بالدوالرات الرطبة الثالث في جيبك‪،‬‬
‫وتعلن بصوت خشن فقرك البشع‪ ،‬لن تكون السيدة باركر مرشدة لك بعد اآلن‪ .‬ستهز بصوتها العالي كلمة‬
‫"كالرا"‪ ،‬ستدير ظهرها‪ ،‬وستنزل الدرج‪ .‬ثم ستقوم كالرا‪ ،‬الخادمة ذات اللباس الملون‪ ،‬بمرافقتك عبر السلم‬
‫المفروش الذي يوصلك للطابق الرابع‪ ،‬وبعدها سترى الغرفة السماوية‪ .‬كانت تحتل ‪ 7‬اقدام من أصل ‪ 8‬اقدام‬
‫من مساحة األرضية في منتصف القاعة‪ .‬على كل جانب منها كان هناك اما خزانة مظلمة أو غرفة تخزين‪.‬‬

‫كان فيها سرير حديدي‪ ،‬ومغسلة‪ ،‬وكرسي‪ .‬كانت الرف هو الخزانة‪ .‬ويبدو أن جدرانها األربعة الخالية بائسة‬
‫مثل جوانب العملة النقدية‪ .‬يدك تتسلل إلى حنجرتك‪ ،‬تتنهد‪ ،‬تنظر الى أعلى كأنك أسفل بئر‪ .‬فمن خالل زجاج‬
‫القبة السماوية الصغيرة سترى مربعًا من األزرق الالنهائي‪.‬‬

‫"دوالرين‪ ،‬يا سيدي"‪ ،‬ستقول كالرا بأسلوبها الساخر نصفه استهزائي ونصفه تعالي‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪18‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫في يوم ما‪ ،‬جاءت اآلنسة ليسون تبحث عن غرفة‪ .‬كانت تحمل آلة الكتابة ليتم اخذها من قبل امرأة أكبر منا‬
‫بكثير‪ .‬كانت اآلنسة ليسون فتاة صغيرة جداً‪ ،‬بعيون وشعر يستمران في النمو‪ ،‬وكانوا دائ ًما يبدون وكأنهم‬
‫يقولون‪" :‬يا هللا‪ .‬لماذا لم تبقَ معنا؟"‬

‫أرتها السيدة باركر الصالونين المزدوجين‪ .‬وقالت "في هذا الخزانة"‪" ،‬يمكن للشخص االحتفاظ بجلدة أو بخار‬
‫أو فحم"‬

‫"ولكنني لست طبيبة (طبيب عام) أو طبيبة أسنان"‪ ،‬قالت اآلنسة ليسون برجفة‪.‬‬

‫أعطتها السيدة باركر النظرة الش ّكاكة الممتلئة بالشفقة والسخرية الذي تمتاز به ألولئك الذين لم يستوفوا‬
‫الشروط كأطباء أو أطباء أسنان‪ ،‬وقادتها إلى الطابق الثاني الخلفي‪.‬‬

‫'"ثمانية دوالر؟' قالت اآلنسة ليسون‪' .‬يا اللهي كم انا مسكينة! إنني لست "هيتي" الغنية‪ .‬أنا فقط فتاة عاملة‬
‫فقيرة‪ .‬أرني شيئًا أدنى'‪.‬‬

‫قفز السيد سكيدر ورش األرض بمخلفات السجائر عندما طرقوا بابه‪.‬‬

‫عذرا‪،‬ما قاله السيد سكيدر‪ '،‬قالت السيدة باركر‪ ،‬بابتسامتها الشيطانية على مظهره الشاحب‪' .‬لم أكن أعلم أنك‬
‫' ً‬
‫هنا‪ .‬طلبت من السيدة أن تلقي نظرة على مزهرياتك'‪.‬‬

‫'إنها جميلة للغاية‪ '،‬قالت اآلنسة ليسون‪ ،‬وهي تبتسم بالطريقة نفسها التي يفعل فيها المالئكة‪.‬‬

‫ً‬
‫مشغوال جدًا في محو البطلة الطويلة الشعر األسود من مسرحيته األخيرة‬ ‫بعد أن رحلوا‪ ،‬أصبح السيد سكيدر‬
‫(التي لم يتم إنتاجها) وإدراج واحدة صغيرة مذنبة بشعر ثقيل ومالمح حيوية‪.‬‬

‫قال السيد سكيدر لنفسه‪' ،‬ستتسابق عليها " آنا هيلد "‪ ' ،‬ووضع قدميه محاذاة المزهريات واختفى في سحابة‬
‫من الدخان كما لو كان مخلوقًا هوائيًا‪.‬‬

‫في وقت الحق‪ ،‬دقت "كالرا!" الجرس متوجهة الى محفظة اآلنسة ليسون‪ .‬اقتحمتها كالغيالن السود‪ ،‬صعدت‬
‫بها إلى درج ستيغيا‪ ،‬ودفعتها في قبو ال يتسم اال بشعاع خفي من الضوء في قمته ومررت تلك الكلمات‬
‫التهديدية والنرجسية "دوالرين"! "سأأخذها!" أنهكت اآلنسة ليسون‪ ،‬مستلقية على السرير الحديدي المتأرجح‪.‬‬

‫كانت اآلنسة ليسون تذهب للعمل كل يوم‪ .‬وفي الليل‪ ،‬تحضر أوراقًا بها كتابة وتقوم بنسخها باستخدام آلتها‬
‫الكاتبة‪ .‬في بعض األحيان ال تقوم بذلك‪ ،‬وفي هذه الحالة كانت تمضي وقتها جالستا على درج الشرفة العالية‬
‫مع باقي المستأجرين‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪19‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫لم تكن اآلنسة ليسون مخلوقة للغرفة السماوية عندما تم رسم الخطط لبنائها‪ .‬كان قلبها مبته ًجا ومليئًا باألفكار‬
‫العابرة والعفوية‪ .‬في احدى المرات‪ ،‬وافقت للسيد سكيدر ان يقرأ لها ثالث فصول من مسرحياته الكوميدية‬
‫(غير المنشورة)‪ ،‬المسماة ب 'ليست لعبة صغيرة؛ أو وريثة المترو'‪.‬‬

‫كانت هناك فرحة بين السادة المستأجرين عندما تجلس لآلنسة ليسون على الدرج لمدة ساعة أو ساعتين‪.‬‬
‫ولكن اآلنسة لونغنيكر‪ ،‬الشقراء الطويلة التي تدرس في مدرسة عامة وتقول "حسنًا‪ ،‬حقًا!" لكل شيء يقال‪،‬‬
‫وهي تجلس على أعلى الدرج‪ .‬واآلنسة دورن‪ ،‬التي تعمل في متجر‪ ،‬كانت تطلق النار على البط كل يوم أحد‪،‬‬
‫جلست على الدرج السفلي‪ .‬وفي اللحظة التي تجلس اآلنسة ليسون على الدرج األوسط‪ ،‬سرعان ما يجتمع‬
‫الرجال حولها‪.‬‬

‫خاصة السيد سكيدر‪ ،‬الذي صورها في عقله لدور البطولة في دراما حقيقية ورومانسية (غير معلنة)‪.‬‬

‫وأيضا السيد هوفر‪ ،‬البالغ من العمر خمسة وأربعين عا ًما‪ ،‬السمين والمتورد الوجه‪ ،‬والغبي‪ .‬وال أنسى السيد‬
‫إيفانز الشاب‪ ،‬الذي ي صدر سعال مزيف إلقناعها بأن تطلب منه التوقف عن التدخين‪ .‬صوت الرجال عليها‬
‫كونها "األكثر فكاهة ومر ًحا على اإلطالق"‪ ،‬ولكن كان االستياء من االخريات على الدرج العلوي والدرج‬
‫السفلي ال يتسم بالصفح‪.‬‬

‫•••••‬

‫كانت الدراما ال تتوقف بينما يتقدم الممثل إلى حافة المسرح ويسقط دمعة جنائزية على سمنة السيد هوفر‪.‬‬
‫صبوا تركيزهم على الدهن المسبب لمأساة السمنة‪ ،‬نقمة السمين‪ ،‬كارثة السمنة‪ .‬لو تم اختباره‪ ،‬ربما كان السيد‬
‫فالستاف قد قدم المزيد من الرومانسية للرجل السمين مما قدمه روميو الهزيل الذي يزن أونصة‪ .‬يمكن للعاشق‬
‫أن يتنهد‪ ،‬ولكنه ال يجب أن يتأفف‪ .‬يتم إرجاع الرجال السمينين إلى قافلة "مومس"‪ .‬عبثًا ينبض القلب المخلص‬
‫فوق حزام بقياس ‪ 52‬بوصة‪ .‬ارحل‪ ،‬هوفر! هوفر‪ ،‬البالغ من العمر ‪ 45‬عا ًما‪ ،‬متورد الوجه‪ ،‬وغبي‪ ،‬قد‬
‫يستطيع أن يحمل هيلين بنفسها‪ .‬هوفر‪ ،‬البالغ من العمر ‪ 45‬عا ًما‪ ،‬متورد الوجه‪ ،‬غبي‪ ،‬وسمين‪ ،‬هو طعام‬
‫ألهل الجحيم‪ .‬لم يكن هناك فرصة أبدًا بالنسبة لك‪ ،‬هوفر‪.‬‬

‫وفيما كانت النساء المستأجرات في غرفة السيدة باركر جالسات هكذا في إحدى مساءات الصيف‪ ،‬رفعت‬
‫اآلنسة ليسون رأسها إلى السماء وصاحت بضحكتها الصغيرة والمرحة' ‪:‬لماذا‪ ،‬ها هو بيلي جاكسون! يمكنني‬
‫رؤيته من هنا أيضًا '‪.‬نظر الجميع ألعلى ‪ -‬بعضهم إلى نوافذ ناطحات السحاب‪ ،‬والبعض يتأمل في الهواء‬
‫بحثًا عن طائرة هوائية‪ ،‬موجهين بأفكارهم بواسطة جاكسون‪ .‬شرحت اآلنسة ليسون‪‘ ،‬هو تلك النجمة'‪ ،‬مشيرة‬
‫بإصبعها الصغير‪' .‬ليس النجم الكبير الالمع ‪ -‬بل النجم األزرق الثابت القريب منه‪ .‬يمكنني رؤيته كل ليلة من‬
‫خالل فتحة سقفي‪ .‬أطلقت عليه اسم بيلي جاكسون' '‪.‬حسنًا‪ ،‬حقًا!' قالت اآلنسة لونجنيكر‪' .‬لم أكن أعلم أنك‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪20‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫كبيرا من المعلومات‬
‫قدرا ً‬
‫عالمة فلك‪ ،‬اآلنسة ليسون' '‪.‬أوه‪ ،‬نعم'‪ ،‬قالت المراقبة الصغيرة للنجوم‪' ،‬أعرف مثلهم ً‬
‫حول نمط األكمام التي سيتم ارتداؤها الخريف المقبل في أذار' '‪.‬حسنًا‪ ،‬حقًا!' قال السيد إيفانز المفعم بالشباب‪.‬‬
‫سا بصوت عا ٍل‪ ،‬مداف ًعا‬
‫'أعتقد أن بيلي جاكسون هو اسم أفضل بكثير لها' '‪.‬نفس هنا'‪ ،‬قال السيد هوفر‪ ،‬متنف ً‬
‫عن نفسه ضد اآلنسة لونجنيكر‪' .‬أعتقد أن لآلنسة ليسون حقًا ال تقل عن أي من الفلكيين القدامى في تسمية‬
‫النجوم'‪.‬‬

‫'حسنًا‪ ،‬حقًا!' قالت اآلنسة لونجنيكر' ‪.‬أتساءل ما إذا كانت نيز ًكا‪ '،‬علقت اآلنسة دورن‪' .‬أنا ضربت تسعة من‬
‫البط وأرنبًا من أصل عشرة ارانب كانوا في المعرض في منطقة "كوني" يوم األحد'‪ .‬أضافة اآلنسة ليسون‬
‫‘ إنه ال يظهر بشكل جيد جدًا من هنا‪' .'،‬يجب أن تراه من غرفتي‪ .‬تعلمين أنه يمكنك رؤية النجوم حتى في‬
‫النهار من قاع البئر‪ .‬و في الليل‪ ،‬تكون غرفتي مثل مدخل منجم فحم‪ ،‬وتجعل بيلي جاكسون يبدو وكأنه الدبوس‬
‫الماسي الكبير الذي تستخدمه لتثبيت قميصها '‪ .‬وفي وقت الحق عندما احضرت اآلنسة ليسون أوراقًا هشة‬
‫لتستخدمها‪ .‬وعندما ذهبت في الصباح‪ ،‬بدالً من العمل‪ ،‬تنقلت اآلنسة ليسون من مكتب إلى مكتب وذبل قلبها‬
‫انصهارا بسبب الكم الهائل من الرفض البارد الذي يتم نقله من خالل الفتيان الوقحين‪ .‬استمر ذلك ‪.‬حدث‬
‫مساء عندما صعدت اآلنسة ليسون بتعب على سلم السيدة باركر في الساعة التي تعود فيها دائ ًما من عشاءها‬
‫في المطعم‪ .‬ولكنها لم تكن قد تناولت العشاء بعد‪ .‬وعندما دخلت القاعة‪ ،‬قابلها السيد هوفر واستغل فرصته‪.‬‬
‫فسألها أن تتزوجه‪ ،‬وسمنته تتدفق نحوها كاالنهيار الثلجي‪ .‬تجنبته هي بدورها‪ ،‬واستمسكت بالدرابزين‪ .‬حاول‬
‫الوصول الى يدها‪ ،‬حتى انها رفعتها وضربته بضعف على وجهه‪ .‬خطوة بخطوة صعدت‪ ،‬جرت نفسها‬
‫بواسطة الدرابزين ‪ .‬مرت بجوار باب السيد سكيدر حيث كان يقوم بتلوين المسرح بالحبر األحمر للبطلة‬
‫"ميرتل ديلورم" (شخصية اآلنسة ليسون) في كوميديته (الغير منشورة)‪ ،‬لـ 'تدور عبر المسرح من اليسار‬
‫أخيرا عبر السلم المفروش وفتحت باب الغرفة السماوية ‪.‬كانت ضعيفة للغاية‬
‫ً‬ ‫إلى جانب الكونت‪ '.‬صعدت‬
‫لتشغيل اللمبة أو لتبدل مالبسها‪ .‬سقطت على السرير الحديدي‪ ،‬جسمها الهزيل يكاد ان يكون قد حفر من‬
‫النوابض المتآكلة‪ .‬وفي تلك الظلمة في الغرفة‪ ،‬رفعت ببطء جفنيها الثقيلين‪ ،‬وابتسمت ‪.‬ألن بيلي جاكسون‬
‫كان يضيء عليها‪ ،‬هادئًا والمعًا ودائ ًما من خالل فتحة السقف‪ .‬ال يوجد حولها أي شيء من مالمح العالم‬
‫الفعلي ‪ .‬كانت غارقة في حفرة سوداء‪ ،‬لكن مع هذا المربع الصغير من الضوء الباهت يحيط بالنجم الذي‬
‫أطلقت عليه اس ًما غريبًا‪ ،‬ولكن بشكل مفاجئ للغاية‪ .‬قالت "يجب أن تكون اآلنسة لونجنيكر على حق؛ إنها‬
‫مثل أشعة غاما‪ ،‬في مجرة كاسيوبيا‪ ،‬وليس بيلي جاكسون"‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال يمكنها أن تتركها تكون مثل غاما ‪.‬‬
‫وبينما هي مستلقية على ظهرها‪ ،‬حاولت مرتين رفع ذراعها‪ .‬في المرة الثالثة‪ ،‬أوصلت إصبعين نحيفين إلى‬
‫شفتيها ونفخت قبلة من غرفتها التي تشبه الحفرة السوداء إلى بيلي جاكسون‪ .‬سقطت ذراعها بال حيوية ‪.‬‬
‫'وداعًا‪ ،‬بيلي'‪ ،‬وهمست بضعف‪' .‬أنت في ماليين األميال بعيدًا ولن تلمع حتى مرة واحدة‪ .‬ولكنك ظللت حيث‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪21‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫يمكنني رؤيتك معظم الوقت هناك عندما ال يوجد شيء آخر سوى الظالم للنظر إليه‪ ،‬أليس كذلك؟ ‪ ...‬ماليين‬
‫األميال‪ ...‬وداعًا‪ ،‬بيلي جاكسون'‪.‬‬

‫في اليوم التالي‪ ،‬وجدت كالرا‪ ،‬الخادمة ذات اللباس الملون‪ ،‬الباب مقفالً في الساعة العاشرة‪ ،‬حتى قاموا بفتحه‬
‫بالقوة‪ .‬باستخدام الخل والصفع المستمر وحتى الريش المحترق‪ ،‬لم تكن فعّالة‪ ،‬عندها ركض أحدهم ليتصل‬
‫بسيارة اإلسعاف‪.‬‬

‫في الوقت المناسب‪ ،‬عندما اقترب من الباب مع الكثير من صوت الجرس‪ ،‬ظهر الطبيب الشاب والكفء‪،‬‬
‫ً‬
‫جاهزا‪ ،‬بوجه الناعم الذي يظهر نصفه بمظهر السرور ونصفه اآلخر بمظهر جاد‪ ،‬رقص‬ ‫بقميصه األبيض‪،‬‬
‫على الساللم‪.‬‬

‫'عند استدعاء اإلسعاف إلى الغرفة ‪ '،49‬قال بإيجاز‪' .‬ما المشكلة؟' 'أوه نعم‪ ،‬دكتور‪ '،‬همست السيدة باركر‪،‬‬
‫كما لو كانت متضايقة من وجود مشكلة في المنزل‪' .‬ال أستطيع التفكير ما الذي قد يكون خاطئًا بها‪ .‬ال شيء‬
‫يمكننا فعله لجلبها للوعي‪ .‬إنها امرأة شابة‪ ،‬إلسي ‪ -‬نعم‪ ،‬إلسي ليسون‪ .‬وأضافت‪ ،‬لم يحدث ذلك من قبل في‬
‫بيتي' صاح الطبيب بصوت مرعب‪ -' '،‬أي غرفة؟ األمر الذي استدعى انزعاج السيدة باركر التي استغربت‬
‫تصرفه' ‪.‬غرفة السقف‪ .‬إنها '‪ -‬من الواضح أن طبيب اإلسعاف كان على دراية بموقع غرف السقف‪ .‬ارتفع‬
‫إلى األعلى عبر الدرج‪ ،‬أربع خطوات في كل مرة‪ .‬تبعته السيدة باركر ببطء‪ ،‬كما تستدعي كرامتها‪.‬‬

‫في حال وصولها‪ ،‬التقت به وهو يعود يحمل عالمة الفلك بين ذراعيه‪ .‬توقف وأطلق لسانه بحديث ملؤه‬
‫التمرس بخبرته‪ ،‬وبصوت هادئ‪ .‬سقطت السيدة باركر تدريجيا كقطعة قماش صلبة تنزل من مكانها‪ .‬ومن‬
‫ثم بقيت تجاعيد في ذهنها وجسدها‪ .‬وقد كان المستأجرون الفضوليون يسألونها عما قاله الطبيب لها' ‪.‬دعونا‬
‫نترك هذا‪ '،‬كانت تجيب‪' ،‬إذا استطعت الحصول على الغفران لسماعي ذلك‪ ،‬سأكون راضية '‪.‬سار الطبيب‬
‫الى سيارة اإلسعاف وهو يحمل عبئه يتبعه المستأجرين كالكالب التي تركض بفضولها نحوهم‪ ،‬وبعدها الى‬
‫مهجعهم يمشون عائدين عبر طول الرصيف خجلين‪ ،‬ألن وجه الطبيب كان وجه من يحمل الموت لنفسه‪.‬‬
‫الحظوا أنه بقي يحملها ولم يضعها على السرير المعد في سيارة اإلسعاف‪ ،‬وكل ما قاله للسائق كان‪' :‬قود‬
‫صغيرا‪ ،‬والجملة‬
‫ً‬ ‫خبرا‬
‫بسرعة جدا‪ ،‬ويلسون' ‪.‬هذا كل شيء‪ .‬هل هي قصة؟ في صحيفة الصباح التالي رأيت ً‬
‫األخيرة فيه قد تساعدك أخي القارئ (كما ساعدتني) في ربط األحداث معًا‪.‬‬

‫تناول النص حديث عن استقبال امرأة شابة في مستشفى "بلڤيو" بعد أخذها من العنوان رقم ‪ 49‬شرق ‪-‬‬
‫ستريت‪ ،‬حيث كانت تعاني من الضعف الناجم عن الجوع‪ .‬اختتم النص بالكلمات التالية‪" :‬الدكتور وليام‬
‫جاكسون‪ ،‬طبيب اإلسعاف الذي رعى الحالة‪ ،‬يقول إن المريضة ستتعافى‪".‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪22‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪23‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫القصة الخامسة‬

‫خدمة الحب‬

‫عندما يحب اإلنسان فنه‪ ،‬ال يبدو ما يقدمه خدمة صعبة جدًا‪.‬‬

‫هذه هي المقدمة‪ .‬هذه القصة تستنتج من مقدمتها‪ ،‬وتظهر في الوقت ذاته أن المقدمة غير صحيحة‪ .‬سيكون‬
‫وإنجازا في سرد القصص يعود إلى فترة أكبر قليالً من السور الصين العظيم‪.‬‬
‫ً‬ ‫ذلك شيئًا جديدًا في المنطق‪،‬‬

‫خرج "جو الرابي" من المروج البلوطية في وسط الغرب األوسط‪ ،‬وقد كان ينبض بعبقرية الفن التصويري‪.‬‬
‫في السنة السادسة من عمره‪ ،‬رسم صورة لمضخة الماء في البلدة ومواطنين يمرون منها بسرعة‪ .‬تم تأطير‬
‫هذا الجهد وتعليقه في نافذة صيدلية مقابل سنابل الذرة ذات العدد غير المتساوي من الصفوف‪ .‬في سن‬
‫العشرين‪ ،‬غادر إلى نيويورك متأنقا بربطة عنق فاخرة ورأسمال متواضع مرتبطا بوضعه المادي‪.‬‬

‫قدمت "ديليا كاروثرز" أدا ًء في ستة مقاطع موسيقية بشكل واعد في قرية تسمى ب شجر الصنوبر في‬
‫ً‬
‫"شماال" وتكمل تعليمها‪ .‬لم يستطيعوا رؤيتها‪،‬‬ ‫الجنوب‪ ،‬القرية التي قطع أقاربها ما يكفي من الصنوبر لتذهب‬
‫ولكن هذه هي قصتنا‪.‬‬

‫التقى جو وديليا في استوديو حيث اجتمع عدد من طالب الفن والموسيقى لمناقشة الكياروسكورو‪ ،‬واغنر‪،‬‬
‫والموسيقى‪ ،‬ولوحات ريمبراندت‪ ،‬واألعمال الفنية‪ ،‬وورق الجدران‪ ،‬وتشوبان‪ ،‬وأولونج‪.‬‬

‫أصبح جو وديليا واقعين في حب بعضهما البعض‪ ،‬وفي وقت قصير كانوا متزوجين ‪ -‬ألنه (انظر الى‬
‫المقدمة)‪ ،‬عندما يحب اإلنسان فنه‪ ،‬ال تبدو ما يقدمه خدمة صعبة‪ .‬بدأ السيد والسيدة الرابي حياتهم االسرية‬
‫في شقة‪ .‬كانت شقة وحيدة ‪ -‬شيء مثل الموسيقية الحادة في الطرف األيسر من لوحة المفاتيح في االلة‬
‫الموسيقية‪ .‬وكانوا سعداء‪ ،‬ألنهم يمتلكون فنهم وأيضا وكانوا لديهم بعضهم البعض‪ .‬ونصيحتي للشاب الغني‬
‫‪ -‬بيع كل ما تملك‪ ،‬وامنحه للفقراء – كان جو سعيدا كبواب شقة يعتلي على االخرين بنعمة الحصول على‬
‫فنه وزوجته ديليا‪.‬‬

‫سيقول سكان االغنياء أن شعارهم هو الذي يتناسب مع سعادتهم الحقيقية‪ .‬إذا كان المنزل سعيدًا‪ ،‬فإنه يكون‬
‫واسعا جدًا ‪ -‬دع الخزانة تنهار وتصبح طاولة بلياردو؛ دع الموقد يتحول إلى آلة تجديف‪ ،‬والمكتب إلى غرفة‬
‫نوم احتياطية‪ ،‬وحوض الغسيل إلى بيانو؛ دع الجدران األربع تقترب إذا شاءت‪ ،‬ما دام أنت وديليا داخلها‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪24‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫ولكن إذا كان المنزل من نوع آخر (فخم)‪ ،‬فليكن واس ًعا وطويالً ‪ -‬ادخل عبر البوابة الذهبية‪ ،‬واعلق قبعتك‬
‫على العالقة‪ ،‬ورداءك على رأس العالقة المصنوعة من السنديان‪ ،‬واخرج عبر البرادور‪.‬‬

‫كان جو يرسم في رعاية الماجيستير العظيم (أحد الرسامين العضماء) ‪ -‬تعرف سمعته‪ .‬رسومه باهظة الثمن‪،‬‬
‫ودروسه خفيفة ‪ -‬أضواؤه العالية جلبت له الشهرة‪ .‬كانت ديليا تدرس تحت إشراف روزنستوك ‪ -‬تعرف‬
‫سمعته كمبرمج لمفاتيح البيانو‪.‬‬

‫ساخرا‪ .‬كانت أهدافهم واضحة‬


‫ً‬ ‫كانوا سعداء للغاية طالما استمرت أموالهم‪ .‬هكذا هم الجميع ‪ -‬ولكنني لن أكون‬
‫قادرا قريبًا جدًا على إنتاج لوحات يستعرضها السادة العجائز ذوي‬
‫ومحددة جيدًا‪ .‬كانت مهمة جو أن يصبح ً‬
‫اللحى الرقيقة والمحافظ السميكة لفرصة شراء إحداها‪ .‬وكانت مهمة ديليا أن تصبح مألوفة ثم مستهلكة‬
‫بالموسيقى‪ ،‬حتى عندما ترى مقاعد األوركسترا والصناديق غير مباعة‪ ،‬تعاني من التهاب حنجرة ولذلك‬
‫تتناول وجبة السلطعون في غرفة تناول الطعام الخاصة وترفض الصعود على المسرح‪.‬‬

‫ولكن األفضل‪ ،‬في رأيي‪ ،‬كانت حياتهم المنزلية في الشقة الصغيرة ‪ -‬الدردشات المتحمسة والعفوية بعد يوم‬
‫من الدراسة؛ العشاء الدافئ والفطور الخفيف؛ تبادل الطموحات ‪ -‬طموحات متشابكة مع بعضها البعض أو‬
‫غير مهمة ‪ -‬المساعدة واإللهام المتبادل؛ و ‪ -‬تجاهلوا سذاجتي ‪ -‬الزيتون المحشوة وشطائر الجبن في الحادية‬
‫عشرة مسا ًء‪.‬‬

‫ولكن بعد فترة‪ ،‬ضعفت الفنون‪ .‬غالبًا ما يحدث ذلك‪ ،‬حتى لو لم يعلن عنه بعض الفنانين في مجالهم‪ .‬كل شيء‬
‫يستهلك وال شي ء يأتي‪ ،‬كما يقول العامة‪ .‬كان ينقص المال لدفع أسعار السيد الماجيستير والسيد روزنستوك‪.‬‬
‫سا في‬
‫عندما يحب اإلنسان فنه‪ ،‬ال يبدو ما يقدمة خدمة صعبة‪ .‬لذا‪ ،‬قالت ديليا إنها يجب أن تعطي درو ً‬
‫الموسيقى للحفاظ على القدر الذي يجلب فيه الطعام‪ .‬لمدة يومين أو ثالثة ذهبت للتجول لجذب طالب‪ .‬جاءت‬
‫إلى المنزل مبتهجة في تلك االمسية‪.‬‬

‫"جو‪ ،‬عزيزي"‪ ،‬قالت بفرح‪" ،‬لدي طالبة‪ .‬وأوه‪ ،‬أروع الناس! ابنة الجنرال ‪ -‬الجنرال إيه بي بينكني ‪ -‬في‬
‫الشارع الواحد والسبعين‪ .‬منزل رائع‪ ،‬جو ‪ -‬يجب أن ترى الباب األمامي! أعتقد أنك ستراه بيزنطيًا‪ .‬والداخل!‬
‫أوه‪ ،‬جو‪ ،‬لم أرى شيئًا مثله من قبل"‪.‬‬

‫كثيرا بالفعل‪ .‬إنها رقيقه ‪ -‬ترتدي دائ ًما اللون األبيض‪ ،‬وأسلوب أدب ال‬
‫ً‬ ‫"تلميذتي هي ابنة كليمنتينا‪ .‬أنا أحبها‬
‫أحلى وال أبسط! عمرها ثمانية عشر عا ًما فقط‪ .‬يتعين علي أن أقدم ثالث دروس في األسبوع؛ وتخيل‪ ،‬جو!‬
‫‪ 5‬دوالر لكل درس‪ .‬هذا العبء ال يزعجني على اإلطالق؛ ألنني عندما أحصل على طالبيين إضافيين أو‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪25‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫انس تلك التجاعيد بين حاجبيك‪ ،‬عزيزي‪ ،‬ولنتناول‬


‫ثالثة‪ ،‬يمكنني استئناف دروسي مع هير روزنستوك‪ .‬اآلن‪َ ،‬‬
‫ً‬
‫جميال"‪.‬‬ ‫عشا ًء‬

‫"هذا على ما يرام بالنسبة لك‪ ،‬ديلي"‪ ،‬قال جو‪ ،‬وهو يهاجم علبة من البازالء بسكين التقطيع وفأس‪" ،‬ولكن‬
‫ماذا عني؟ هل تعتقدين أنني سأتيح لكي التعب في البحث عن أجر في حين أنا أستمتع بالتجول في مناطق‬
‫الفن العالي؟ أعتقد يمكنني بيع الصحف أو وضع حصى الرصف‪ ،‬وجلب بضع دوالرات"‪.‬‬

‫حينها أتت ديليا وتعلقت حول عنقه‪.‬‬

‫"جو‪ ،‬عزيزي‪ ،‬ال تكن سخيفا‪ .‬يجب أن تستمر في دراستك‪ .‬ليس كما لو أنني تركت موسيقاي وذهبت للعمل‬
‫في شيء آخر‪ .‬أثناء تدريسي أتعلم‪ .‬أنا دائ ًما مع موسيقاي‪ .‬ويمكننا أن نعيش بسعادة كالمليونيرات بـ ‪15‬‬
‫دوالرا في األسبوع‪ .‬يجب أال تفكر في ترك السيد ماجيستير"‪.‬‬
‫ً‬

‫"حسنًا"‪ ،‬قال جو‪ ،‬وهو يمد يده نحو طبق الخضروات المقلية األزرق المزخرفة‪" .‬لكني أكره أن تقدمي‬
‫لكنك اقنعتني ببراعة وبطريقة جميلة"‪.‬‬
‫ِ‬ ‫سا‪ .‬ليست فنًا‪.‬‬
‫درو ً‬

‫"عندما يحب اإلنسان فنه‪ ،‬ال تبدو ما يقدمه خدمة صعبة"‪ ،‬قالت ديليا‪.‬‬

‫"اعجب الماجيستير بالسماء في تلك الرسمة التي رسمتها في الحديقة"‪ ،‬قال جو‪" .‬ومنحني "تينكل" إذنًا لعرض‬
‫اثنين منها في نافذته‪ .‬قد أبيع واحدة إذا وجد المغفل المناسب من أصحاب االموال"‪.‬‬

‫" أنا متأكدة أنك ستفعل ذلك"‪ ،‬قالت ديليا بلطف‪" .‬واآلن لنكن شاكرين للجنرال بينكني ولهذا اللحم المشوي"‪.‬‬

‫سا بشأن بعض الرسوم التي كان يقوم‬


‫باكرا‪ .‬كان جو متحم ً‬
‫إفطارا ً‬
‫ً‬ ‫طوال األسبوع التالي‪ ،‬كانت لدى الالرابي‬
‫بها في سنترال بارك في الصباح‪ ،‬وقد أرسلته ديليا إلى العمل بعد تناول اإلفطار‪ ،‬وأحاطت به بالمداعبة‬
‫واإلشادة والتقبيل في السابعة صبا ًحا‪ .‬الفن عبارة عن عشيقة جذابة‪ .‬يعود هو في معظم األحيان السابعة مسا ًء‪.‬‬

‫في نهاية األسبوع‪ ،‬رمت ديليا‪ ،‬بفخر ولكن بتعب قليل‪ ،‬ثالثة فواتير من خمس دوالرات على الطاولة الرئيسية‬
‫بمقاس ‪ 8‬في ‪ 10‬بوصات في صالون الشقة الذي يبلغ مقاسه ‪ 8‬في ‪ 10‬قد ًما‪.‬‬

‫قالت بتعب قليل‪" ،‬أحيانًا"‪" ،‬المتدربة تجعلني متعبة‪ .‬أخشى أنها ال تمارس بما فيه الكفاية‪ ،‬ويتعين علي أن‬
‫كثيرا‪ .‬وبعد ذلك ترتدي دائ ًما اللون األبيض تما ًما‪ ،‬وهذا يصبح ً‬
‫ممال‪ .‬ولكن الجنرال‬ ‫ً‬ ‫أخبرها باألشياء نفسها‬
‫بينكني رجل عجوز عظيم! كنت أتمنى أن تعرفه‪ ،‬جو"‪.‬‬

‫يدخل بعض األحيان عندما أكون مع ابنته كليمنتينا على البيانو ‪ -‬هو أرمل‪ ،‬تعلم ‪ -‬ويقف هناك يشد لحيته‬
‫البيضاء‪ .‬يسأل دائ ًما "وكيف يتقدم السيمي كوافر والديمي سيمي كوافر؟"‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪26‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫" أتمنى أن ترى القاعدة الخشبية في غرفة الرسم هذه‪ ،‬جو! وتلك الستائر الصوفية ذات الفرو األستراخان‬
‫(الحمل الصغير)‪ .‬وكليمنتينا لديها سعال غريب‪ .‬آمل أن تكون أقوى مما تبدو‪ .‬أوه‪ ،‬أنا حقًا أصبحت مرتبطة‬
‫وزيرا في بوليفيا"‪.‬‬
‫ً‬ ‫بها‪ ،‬إنها بهذه اللطافة واألصالة‪ .‬كان شقيق الجنرال بينكني في وقت ما‬

‫وبعد ذلك‪ ،‬سحب جو‪ ،‬بمظهر من مظاهر مونتي كريستو‪ ،‬عشرة دوالرات وخمسة دوالرات ودوالرين‬
‫ودوالر واحد ‪ -‬جميعها أوراق نقدية قانونية ‪ -‬ووضعها إلى جانب اتعاب ديليا‪.‬‬

‫"قد باعت تلك األلوان المائية لرجل من بيوريا"‪ ،‬أعلن ذلك مغمورا بالفخر‪.‬‬

‫"ال تمزح معي"‪ ،‬قالت ديليا ‪" -‬ليس من بيوريا"!‬

‫"طوال الطريق‪ .‬أتمنى أن تراه‪ ،‬ديل‪ .‬رجل سمين يرتدي كرافات صوفية ومسواك كريشة القلم‪ .‬رأى الرسم‬
‫في نافذة تينكل واعتقد أنه في البداية كان مطحنة هوائية‪ .‬لكنه كان شجاعًا‪ ،‬واشتراها على أي حال‪ .‬طلب‬
‫آخر ‪ -‬رسم زيتي لمحطة الكاوانا للبضائع ‪ -‬ليأخذه معه‪ .‬دروس الموسيقى! أوه‪ ،‬أعتقد أن الفن ال يزال قائ ًما‬
‫فيه"‪.‬‬

‫دوالرا! لم‬
‫ً‬ ‫"أنا سعيدة جدًا أنك استمريت"‪ ،‬قالت ديليا بحرارة‪" .‬أنت ملزم بالنتصار‪ ،‬عزيزي‪ .‬ثالثة وثالثون‬
‫نكن نملك مثل هذا لإلنفاق من قبل‪ .‬سنتناول المحار الليلة"‪.‬‬

‫"وفيليه مينيون مع الفطر"‪ ،‬قال جو‪" .‬أين شوكة الزيتون؟"‬

‫دوالرا على طاولة الصالون وغسل ما يبدو‬


‫ً‬ ‫في مساء السبت التالي‪ ،‬وصل جو إلى المنزل أوالً‪ .‬ونشر ‪18‬‬
‫أنه الكثير من الطالء الداكن من يديه‪.‬‬

‫وبعد نصف ساعة وصلت ديليا‪ ،‬وكانت يدها اليمنى مربوطة بحزمة غير منتظمة من األوشحة والتضميد‪.‬‬

‫"كيف هذا؟" سأل جو بعد التحيات المعتادة‪.‬‬

‫ضحكت ديليا‪ ،‬ولكن ليس بفرح كبير‪.‬‬

‫وأكملت قائله‪ " ،‬أصرت كليمنتينا"‪" ،‬على أن تأكل ويلز رابيت بعد درسها‪ .‬إنها فتاة غريبة‪ .‬ويلز رابيت في‬
‫الخامسة بعد الظهر‪ .‬كان الجنرال هناك‪ .‬يجب أن تراه يركض من أجل صحن الطهي‪ ،‬جو‪ ،‬كما لو لم يكن‬
‫هناك خادم في المنزل‪ .‬أعلم أن كل يمنتينا ليست في صحة جيدة‪ .‬إنها عصبية جدًا‪ .‬عند تقديم طبق األرانب‪،‬‬
‫أسكبت الكثير منه‪ ،‬مغليًا‪ ،‬على يدي ومعصمي‪ .‬كانت تؤلمني جدًا‪ ،‬جو‪ .‬والفتاة العزيزة كانت آسفة جدًا! ولكن‬
‫الجنرال بينكني! ‪ -‬جو‪ ،‬كادت تلك الشيخوخة ان تفقده عقله تقريبًا"‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪27‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫صا ‪ -‬قالوا إنه الفران أو شخص ما في الطابق السفلي ‪ -‬إلى صيدلية‬


‫أسرع إلى الطابق السفلي وأرسل شخ ً‬
‫كثيرا اآلن"‪.‬‬
‫ً‬ ‫للحصول على بعض الزيت وأشياء لربط اليد بها‪ .‬ال تؤلمني‬

‫"ما هذا؟" سأل جو‪ ،‬ممسكا بيدها برفق ومستعرضًا بعض األلياف البيضاء تحت الضمادات‪.‬‬

‫"إنها شيء ناعم"‪ ،‬قالت ديليا‪" ،‬كان عليه زيت‪ .‬أوه‪ ،‬جو‪ ،‬هل باعت لوحة أخرى؟" بعد ان رأت المال على‬
‫الطاولة‪.‬‬

‫"هل فعلت؟" قال جو‪" .‬فقط اسأل الرجل من بيوريا‪ .‬افتتح محطته اليوم‪ ،‬ولكنه غير متأكد ما إذا كان يريد‬
‫مناظر أخرى ورؤية على نهر هدسون‪ .‬في أي وقت بعد الظهر حرقت يدك‪ ،‬ديلي؟"‬

‫"الخامسة مسا ًء‪ ،‬أعتقد"‪ ،‬قالت ديليا بحزن‪" .‬الحديد ‪ -‬أعني األرنب ‪ -‬خرج من النار حوالي تلك الفترة‪ .‬يجب‬
‫أن ترى الجنرال بينكني‪ ،‬جو‪ ،‬عندما ‪-"...‬‬

‫ت‬
‫"اجلسي هنا لحظة‪ ،‬ديلي"‪ ،‬قال جو‪ .‬جذبها إلى الكنبة‪ ،‬جلس بجوارها ووضع ذراعه حول كتفيها‪" .‬ماذا كن ِ‬
‫تفعلين في األسابيع األخيرة‪ ،‬يا ديلي؟"‪.‬‬

‫استمرت لحظة أو اثنتين بعين مليئة بالحب والعناد‪ ،‬وتمتمت بعض العبارات بشكل غامض حول الجنرال‬
‫بينكني‪ .‬ولكن في النهاية‪ ،‬أسقطت رأسها وخرجت الحقيقة والدموع‪.‬‬

‫"لم أستطع الحصول على أي تالميذ"‪ ،‬اعترفت‪" .‬ولم أستطع تحمل فكرة تركك تتخلى عن دروسك‪ ،‬وحصلت‬
‫على وظيفة لكوي القمصان في المغسلة الكبيرة في شارع الرابع والعشرون‪ .‬وأعتقد أنني قمت بعمل جيد جدًا‬
‫في ابتكار الجنرال بينكني وكليمنتينا‪ ،‬أال تعتقد‪ ،‬جو؟ وعندما وضعت فتاة في المغسلة مكواة ساخنة على يدي‬
‫هذا اليوم‪ ،‬كنت في طريقي إلى المنزل أكمل قصتي حول األرنب الويلزي‪ .‬ألست غاضبًا‪ ،‬جو؟ وإذا لم أحصل‬
‫على هذا العمل‪ ،‬قد ال تكون قد باعت لوحاتك لذلك الرجل من بيوريا"‪.‬‬

‫"لم يكن من بيوريا"‪ ،‬قال جو ببطء‪.‬‬

‫"حسنًا‪ ،‬ال يهم من أين كان‪ .‬كم أنت ذكي‪ ،‬جو ‪ -‬و ‪ -‬قبلني‪ ،‬جو ‪ -‬وماذا جعلك تشك في أنني ال أقدم دروس‬
‫الموسيقى لكليمنتينا؟"‬

‫"لم أكن كذلك"‪ ،‬قال جو‪" ،‬حتى الليلة‪ .‬ولكنني لن أفعل ذلك‪ ،‬لوال أنني أرسلت هذا القطن والزيت من غرفة‬
‫المحرك اليوم لفتاة في الطابق العلوي كانت قد حرقت يدها بمكواة‪ .‬لقد كنت أقوم بتشغيل المحرك في غسيل‬
‫المالبس طوال األسبوعين الماضيين"‪.‬‬

‫"وبعد ذلك لم تقومي ب ‪- "...‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪28‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫قال جو‪" ،‬مشتري بيورا الخاص بي"‪" ،‬والجنرال بينكني هما إبداعان من نفس الفن ‪ -‬ولكنك لن تسميهما إما‬
‫رس ًما أو موسيقى ‪.‬ثم ضحكوا جميعًا‪ ،‬وبدأ جو قائال" ‪:‬عندما يحب اإلنسان فنه‪ ،‬ال يبدو أن ما يفعله خدمة ‪-‬‬
‫"لكن ديليا أوقفته بيدها على شفتيه‪" .‬ال"‪ ،‬قالت" ‪ -‬فقط "عندما يحب"‪".‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪29‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫القصة السادسة‬

‫ظهور ماجي‬

‫كل ليلة سبت‪ ،‬كان نادي الحياكة االجتماعي يقيم حفلة راقصة في قاعة جمعية األلعاب الرياضية المسمى ب‬
‫االخذ والعطاء (‪ )Give and Take‬على الجانب الشرقي‪ .‬ولحضور إحدى هذه الرقصات‪ ،‬يجب أن تكون‬
‫عضوا في الجمعية أو‪ ،‬إذا كنت تنتمي إلى القسم الذي يبدأ رقصته بالقدم اليمنى في رقصة الفالس‪ ،‬يجب أن‬
‫ً‬
‫تعمل في مصنع صناديق الورق التابع لشركة رينقولد (‪ .)Rhinegold‬ومع ذلك‪ ،‬كان بإمكان أي عضو في‬
‫كلوفر ليف (‪ )Leaf Clover‬أن يرافق أو يكون مرافقًا لشخص خارجي في رقصة واحدة‪ .‬ولكن في‬
‫الغالب‪ ،‬كان كل عضو في (‪ )Give and Take‬يحضر مع الفتاة التي يعجب بها من مصنع صناديق‬
‫الورق‪ ،‬وقليلون من الغرباء يمكنهم االعتزاز بأنهم رقصوا في الحفالت الرسمية‪.‬‬

‫ولكن ماجي تول‪ ،‬بسبب عينيها الناعستين‪ ،‬واسعة الفم‪ ،‬وأسلوبها الغريب في الرقص بنمط القدمين في‬
‫الخطوتين‪ ،‬كانت تذهب إلى الرقصات مع آنا مكارتي و"صديقها"‪ .‬كانت آنا وماجي تعمالن جنبًا إلى جنب‬
‫في المصنع وكانتا أعظم صديقات على اإلطالق‪ .‬لذلك‪ ،‬كانت آنا دائ ًما تجعل جيمي بيرنز يأخذها إلى منزل‬
‫ماجي كل ليلة سبت حتى تتمكن صديقتها من الذهاب إلى الرقص معهم‪.‬‬

‫جمعية األلعاب الرياضية ‪ Give and Take‬وثقت اسمها‪ .‬كانت قاعة الجمعية في شارع أورشارد مجهزة‬
‫بابتكارات تقوية العضالت‪ .‬باستخدام األلياف التي بنيت بها هذه األجهزة‪ ،‬كان األعضاء عادة يشاركون‬
‫الشرطة والمنظمات االجتما عية والرياضية الغير صديقة في مواجهات مليئة بالمرح‪ .‬وبين هذه األنشطة‬
‫األكثر جدية‪ ،‬كانت حفالت السبت ليالً مع فتيات مصنع صناديق الورق كتنقية ألرواحهم وكواجهة ف ّعاله‪.‬‬
‫فأحيانًا كانت هناك تلميحات‪ ،‬وإذا كنت من النخبة الذين مشو بخطى خفيفة الساللم الخلفية المظلمة‪ ،‬قد تشاهد‬
‫صخب بسيط ورضو ًخا مثيرا ومرضيا في داخل الحلبة‪.‬‬

‫في أيام السبت‪ ،‬كان مصنع صناديق الورق التابع لشركة ‪ Rhinegold‬يغلق في الساعة ‪ 3‬مسا ًء‪ .‬في إحدى‬
‫تلك الفترات ما بعد الظهيرة‪ ،‬سارت آنا وماجي معًا في اتجاه منزلهما‪ .‬عند باب ماجي‪ ،‬قالت آنا كالمعتاد‪:‬‬
‫"كوني جاهزة في السابعة‪ ،‬ماج؛ وسنمر أنا وجيمي لنأخذك‪".‬‬

‫ولكن ما هذا؟ بدالً من الشكر المتواضع والمليء باالمتنان من الشخص الذي حصل على فرصته وهو غير‬
‫مرافق‪ ،‬كان باديا عليها رفعه الرأس عاليًا‪ ،‬وفخر باديا من زوايا الفم الواسع‪ ،‬ووميض في عين بنية ناعسه‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪30‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫شكرا‪ ،‬آنا"‪ ،‬قالت ماجي‪" ،‬لكن ليس عليك وعلى جيمي أن تهتما بي الليلة‪ .‬لدي صديق سيأتي ليصحبني إلى‬
‫" ً‬
‫الحفلة"‪.‬‬

‫هاجمت آنا الجميلة صديقتها‪ ،‬هزتها‪ ،‬وعاتبتها وتوسلت لها‪ .‬ماجي تول تجذب الرجال! ماجي الواضحة‬
‫والعزيزة والوفية‪ ،‬ماجي الجذابة كرفيقة‪ ،‬والتي لم يتم البحث عنها أبدًا في الرقصة الثنائية أو على مقاعد‬
‫مضاءة بالقمر في الحديقة الصغيرة‪ .‬كيف حدث ذلك؟ متى حدث؟ من هو؟‬

‫"ستري الليلة"‪ ،‬قالت ماجي‪ ،‬وهي متألقة كنبيذ القطفة األولى من عنب كروم الحب‪" .‬إنه فخم بالتأكيد‪ .‬إنه‬
‫أطول باثنين من جيمي‪ ،‬ومهتم في الموضة‪ .‬سأقدمه لك‪ ،‬آنا‪ ،‬فور وصولنا إلى القاعة"‪.‬‬

‫كانت آنا وجيمي من بين أوائل أعضاء ‪ Clover Leaf‬الذين وصلوا ذلك المساء‪ .‬كانت عيون آنا متجهة‬
‫بإشراق نحو باب القاعة لتلتقط أول لمحة عن "صيد" صديقتها‪.‬‬

‫في الساعة ‪ ، 8:30‬دخلت السيدة تول إلى القاعة برفقة مرافقها‪ .‬بسرعة‪ ،‬اكتشفت عينها المظفرة صديقتها‬
‫تحت جناح جيمي الوفي‪.‬‬

‫"أوه‪ ،‬يا اللهي!" صاحت آنا‪" ،‬ماجي حصلت على مرادها ‪ -‬أوه‪ ،‬ال! رجل فاخر؟ حسنًا‪ ،‬أعتقد ذلك! االناقة؟‬
‫انظر إليه"‪.‬‬

‫"اذهب إلى أي مدى تشاء"‪ ،‬ق ال جيمي بصوت محطم‪" .‬استولي عليه إذا كنت تريدينه‪ .‬هؤالء األشخاص‬
‫الجدد دائ ًما ينجحون‪ .‬ال تهمني‪ .‬وال يزعجني ايضا‪ ،‬أعتقد‪ .‬ها"!‬

‫"أن تكون هادئًا‪ ،‬جيمي‪ .‬أنت تعرف ما أقصد‪ .‬أنا سعيدة من أجل ماج‪ .‬أول رجل لها‪ .‬أوه‪ ،‬ها هم يأتون"‪.‬‬

‫عبر األرض‪ ،‬انطلقت ماجي كسفينة مغرية ترافقها سفينة فخمة‪ .‬وبالفعل‪ ،‬مرافقها استحق إعجاب الصديقة‬
‫المخلصة‪ .‬كان يقف بشكل أطول من الرياضي العادي في ‪ ،Give and Take‬شعره الداكن ملفوفًا‪ ،‬وكانت‬
‫عيناه وأسنانه تتألقان في كل مرة يمنح فيها ابتساماته المتكررة‪ .‬لم يعتمد الشبان الشباب في نادي ‪Clover‬‬
‫‪Leaf‬إيمانهم على سحر الشخص قدر ما على بطوالته‪ ،‬وإنجازاته في الصراعات اليدوية‪ ،‬وحفاظه من‬
‫الضغوط القانونية التي كانت تهدده باستمرار‪ .‬العضو في الجمعية الذي يريد أن يرتبط بفتاة صندوق ورقي‬
‫بعربته الفاتحة يستهزئ ب بو بروميل‪ .‬لم تعتبر تلك النشوة طرقه مشرفة في الحروب‪.‬‬

‫المتورمة‪ ،‬السترة التي تشد عند أزرارها فوق الصدر‪ ،‬اإلحساس باإلقناع بتفوق الذكر في الكون‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫العضالت‬
‫حتى المظهر الهادئ للساقين المقوستين كالقمع مليئة بجاذبية وفتنة تتحدى كيوبيد (اله الحب عند االغريق) ‪-‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪31‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫كانت هذه هي األسلحة والذخائر المعتمدة لشجعان ‪ Clover Leaf.‬كانوا ينظرون إلى االنحناءات واللمسات‬
‫الساحرة لهذا الزائر بوجهة نظر جديدة‪.‬‬

‫" صديق لي‪ ،‬السيد تيري أوسوليفان"‪ ،‬هذه كانت صيغة ماجي للتعريف‪ .‬قادته حول الغرفة‪ ،‬قدمته لكل عضو‬
‫جديد يصل إلى ‪ Clover Leaf.‬كانت جميلة اآلن‪ ،‬بلمعان فريد في عينيها الذي يأتي للفتاة مع من يخطبها‬
‫ألول مرة وللقطة مع أول فأر لديها‪.‬‬

‫أخيرا"‪ ،‬كانت هذه الكلمة التي انتشرت بين فتيات صناديق الورق‪" .‬انظروا‬
‫ً‬ ‫"ماجي تول حصلت على رجل‬
‫إلى رجل ماج" ‪ -‬بهذا التعبير أعرب ‪ Give and Takes‬عن ازدرائهم الالمبالي‪.‬‬

‫عادةً ما كانت ماجي تحت فظ بمكان على الحائط خالل الرقصات األسبوعية‪ .‬شعرت وأظهرت الكثير من‬
‫االمتنان عندما دعاها شريك ليضحي بالرقص معها‪ ،‬حتى أن متعة االجواء تقل وتنقص‪ .‬حتى أصبحت معتادة‬
‫على مالحظة آنا لتحركات جيمي المتردد بإبهامها كإشارة له بدعوة صديقتها لتمرير قدميه عبر رقصة‬
‫الخطوتين ‪ .‬ولكن هذه الليلة‪ ،‬تحول اليقطينة إلى عربة وستة خيول‪ .‬كان تيري أوسوليفان األمير الساحر‬
‫الفائز‪ ،‬وماجي تول ألول رحلة كجناح فراشة‪ .‬ورغم أن تعابير عالم الخيال تتداخل مع تلك التي تتعلق بعلم‬
‫الحشرات‪ ،‬إال أنها لن تفقد قطرة واحدة من النكهة الساحرة لليلة ماجي المثالية‪.‬‬

‫في حين ان اقتحمت الفتيات يبحثن عن التعارف مع صديق االنسة تول‪ .‬كان شبان ‪ ،Clover Leaf‬بعد‬
‫عامين من العمى‪ ،‬أدركوا فجأة جمال اآلنسة تول‪ .‬وبعدها قاموا بتفريغ عضالتهم المقنعة أمامها طلبا منها‬
‫بالرقص معهم‪.‬‬

‫هكذا حققت مرادها؛ ولكن حصل تيري أوسوليفان على تكريمات الليلة بكثافه وبسرعة‪َّ .‬‬
‫هز كتفيه‪ ،‬ابتسم‬
‫واكمل رقصته بسالسة خالل الحركات السبع الكتساب الفخامة في غرفتك الخاصة أمام نافذة مفتوحة عشر‬
‫وجوا؛ كانت كلماته تأتي بسهولة‬
‫دقائق يوميًا‪ .‬رقص مثل الفاون (اله الحقول عند الرومان)‪ ،‬قدم أسلوبًا وأناقة ً‬
‫على لسانه‪ ،‬ورقص مرتين على التوالي مع فتاة صندوق الورق التي جلبها ديمبسي دونوفان‪.‬‬

‫ديمبسي كان زعيم الجمعية‪ .‬كان يرتدي ثوبًا رسميًا ويمكنه رفع االوزان مرتين بيد واحدة‪ .‬كان أحد نواب‬
‫'بيج مايك' أوسوليفان‪ ،‬ولم يكن يشغله أي مشكلة‪ .‬لم يجرؤ أي شرطي على اعتقاله كلما كسر رأس رجل‬
‫عربة الدفع أو أطلق النار (على عضو في جمعية هاينريك ب‪ .‬سويني للرحالت واألدب) في الركبة‪ ،‬كان‬
‫الضابط يمر ويقول" ‪:‬الكابتن يود أن يراك بضع دقائق في المكتب عندما تجد الوقت‪ ،‬ديمبسي‪ ،‬يا بني "‪.‬ولكن‬
‫سيكون هناك عدة رجال هناك بسالسل ذهبية كبيرة وسيجارا اسودا‪ .‬وسيخبر أحدهم قصة مضحكة‪ ،‬ثم يعود‬
‫ديمبسي ويتمرن نصف ساعة ب األثقال الصغيرة بوزن ستة باوند‪ .‬لذلك‪ ،‬كان أداء فني للرقص على حبل‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪32‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫مشدود عبر نياجارا هو أداء راقص آمن مقارنة بالرقص مرتين مع فتاة صندوق ديمبسي دونوفان‪ .‬في الساعة‬
‫العاشرة‪ ،‬ظهر الوجه المستدير اللطيف لـ 'بيج مايك' أو سوليفان عند الباب لمدة خمس دقائق‪ .‬كان يلقي نظرة‬
‫سريعة لمدة خمس دقائق‪ ،‬يبتسم للفتيات ويوزع سيجار لاير بيرفكتوس على الشبان المسرورون‪ .‬كان ديمبسي‬
‫دونوفان على فور إلى جانبه‪ ،‬يتحدث بسرعة‪' .‬بيج مايك' نظر بعناية إلى الراقصين‪ ،‬ابتسم‪ ،‬رفع رأسه ورحل‪.‬‬
‫توقفت الموسيقى‪ .‬انتشر الراقصون إلى الكراسي على طول الجدران‪ .‬ترك تيري أو سوليفان‪ ،‬بانحنائه‬
‫الساحر‪ ،‬فتاة جميلة بفستان أزرق لشريكها وبدأ في العودة للبحث عن ماجي‪ .‬اعترضه ديمبسي في منتصف‬
‫القاعة‪ .‬الفطرة الرائعة التي اورثته الروم لنا جعل تقريبًا الجميع يتحول وينظر إليهم ‪ -‬كان هناك شعور دقيق‬
‫بأن اثنين من المصارعين قد التقوا في الساحة‪ .‬اقترب اثنان أو ثالثة من ‪ Give and Takes‬بأكمام‬
‫معتدلة‪' .‬لحظة واحدة‪ ،‬السيد أو سوليفان‪ '،‬قال ديمبسي‪' .‬آمل أن تمتع نفسك‪ .‬أين قلت أنك ترعرعت؟' كان‬
‫المصارعان متساويان تقريبًا‪ .‬ربما كان لدى ديمبسي عشرة باوندات تقريبًا من الوزن ليمنحها‪ .‬كان لدى أو‬
‫سوليفان فصاحة مع القليل من سرعة‪ .‬كان لدى ديمبسي عينًا جليدية‪ ،‬وشقًا ظاهرا على الفم‪ ،‬وف ًكا ال يمكن‬
‫تدميره‪ ،‬وبشرة مثل بيل‪ ،‬وبرودة بطل‪ .‬أظهر الزائر المزيد من العداوة في ازدرائه وأقل سيطرة على سخريته‬
‫التي ظهرت بشكل واضح‪ .‬كانوا أعداء بحسب القانون المكتوب عندما كانت الصخور سائبة‪ .‬كانوا كل واحد‬
‫منهما رائعين جداً‪ ،‬أقوياء جداً‪ ،‬ال يمكن مقارنتهما لحسم التفوق‪ .‬يجب أن يبقى واحد فقط على قيد الحياة‪.‬‬
‫'أعيش في جراند‪ '،‬قال أو سوليفان بطريقة استفزازية‪' .‬وليس هناك مشكلة في العثور علي في المنزل‪ .‬أين‬
‫تعيش أنت؟' تجاهل ديمبسي السؤال‪' .‬قلت أن اسمك أو سوليفان‪ '،‬واصل‪' ،‬حسناً‪" ،‬بيج مايك" يقول أنه لم‬
‫يرك من قبل'‪.‬‬

‫قال الشخص المفضل‪" :‬الكثير من األشياء لم يرها بعد" ‪".‬كقاعدة عامة"‪ ،‬واصل ديمبسي بصوت مهموس‪،‬‬
‫"فإن أوسوليفان في هذا الحي يعرفون بعضهم البعض‪ .‬لقد قمت بمرافقة إحدى أعضاء السيدات لدينا هنا‪،‬‬
‫ونريد فرصة للتأكد‪ .‬إذا كان لديك شجرة عائلية‪ ،‬دعونا نرى بعض فروع أوسوليفان التاريخية تظهر عليها‪.‬‬
‫أو هل تريد منا استخراجها من جذورك؟" اقترح أوسوليفان بهدوء‪“ ،‬لنفترض أنك تهتم بأمورك " ‪.‬أشرقت‬
‫مستنيرا كما لو أن فكرة رائعة قد اتته" ‪.‬لقد فهمت اآلن"‪ ،‬قال بحرارة‪" .‬كان‬
‫ً‬ ‫عيون ديمبسي‪ .‬رفع إصبعًا‬
‫مجرد خطأ صغير‪ .‬أنت لست أوسوليفان‪ .‬أنت قرد بذيل ملتوي‪ .‬اعذرنا ألننا لم نتعرف عليك في البداية "‪.‬‬
‫ً‬
‫جاهزا وأمسك بذراعه ‪.‬أومأت‬ ‫ومرت عين أوسوليفان بالبرق‪ .‬قام بحركة سريعة‪ ،‬ولكن أندي جيوغان كان‬
‫ّ‬
‫ديمبسي إلى أندي وويليام مكماهان‪ ،‬أمين النادي‪ ،‬وتوجه بسرعة نحو باب في الجزء الخلفي من القاعة‪ .‬انضم‬
‫أعضاء آخرين من جمعية "األخذ والعطاء" بسرعة إلى الفريق الصغير‪ .‬وكان تيري أو سوليفان اآلن في‬
‫أيدي لجنة القوانين وحكام االجتماعات االجتماعية‪ .‬تحدثوا معه بإيجاز وبهدوء‪ ،‬وأخذوه خارجا من خالل‬
‫نفس الباب في الجزء الخلفي ‪.‬يتطلب هذا الحركة من أعضاء نادي "كلوفر ليف" كلمة توضيح‪ .‬خلف قاعة‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪33‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫سوى المشاكل الشخصية التي تنشأ على‬


‫الجمعية كان هناك غرفة أصغر يستأجرها النادي‪ .‬في هذه الغرفة‪ ،‬ت َّ‬
‫ً‬
‫رجال مع رجل‪ ،‬بأدوات الطبيعة‪ ،‬تحت إشراف اللجنة‪ .‬لذلك ال يمكن ألي سيدة أن تقول أنها‬ ‫أرض الرقص‪،‬‬
‫شهدت مشاجرة في هوب "كلوفر ليف" من عدة سنوات‪ .‬يضمن أعضاؤها السادة ذلك ‪.‬بسهولة وسالسة قد‬
‫قام ديمبسي واللجنة بعملهم االستعدادي حتى ال يالحظ الكثيرون من في القاعة توقف انتصار أو سوليفان‬
‫االجتماعي الجذاب‪ .‬كان من بين هؤالء ماجي‪ .‬نظرت حولها لرؤية مرافقها" ‪.‬قم بالتدخين!" قالت روز‬
‫كاسيدي‪" .‬أال تعلم؟ ديمبس دونوفان دخل في مشاجرة مع صبيك ليزي‪ ،‬وساروا لغرفة للذبح معا‪ .‬كيف تبدو‬
‫شعري بهذه الجاهزية‪ ،‬ماغ؟ "وضعت ماغي يدها على صدر بلوزة القماش الخاصة بها" ‪.‬ذهب للقتال مع‬
‫ديمبسي!" قالت بتنهد‪" .‬عليهم أن يوقفوهم‪ .‬ديمبسي دونوفان ال يمكن أن يقاتله‪ .‬لماذا‪ ،‬سيقتله" ‪!".‬أه‪ ،‬لماذا‬
‫تهتمين؟" قالت روزا‪" .‬أليسوا يتقاتلون في كل حلقة رقص؟"‬

‫ولكن وفي اثناء حديثها كانت ماغي قد غادرت‪ ،‬تندفع بطريقها المتعرجة خالل متاهة الراقصين‪ .‬اندفعت من‬
‫خالل البا ب الخلفي إلى القاعة المظلمة وثم ألقت كتفها الصلبة ضد باب غرفة القتال الفردية‪ .‬وفتح الباب‪،‬‬
‫وفي اللحظة التي دخلت فيها‪ ،‬اتت عينها على المشهد ‪ -‬اللجنة واقفة حولها بوقت مفتوح؛ ديمبسي دونوفان‬
‫في قميصه البسيط يرقص‪ ،‬خفيف القدم‪ ،‬بنعومة حذرة من مالكم االنيق‪ ،‬على مقربة من خصمه؛ تيري‬
‫أوسوليفان يقف بذراعه مطويًا ونظرة قاتلة في عينيه الداكنتين‪ .‬ودون إبطاء سرعة دخولها‪ ،‬قفزت إلى األمام‬
‫بصرخة ‪ -‬قفزت في الوقت المناسب اللتقاط والتعلق بذراع أوسوليفان التي ارتفعت فجأة‪ ،‬ولسحب منه الخنجر‬
‫الطويل والالمع الذي سحبه من صدره ‪.‬سقطت السكين وصدرت صوتا ً عاليا ً على األرض‪ .‬هذه االداة الصلبة‬
‫الباردة الملقاة في قاعة جمعية "األخذ والعطاء"! لم يحدث شيء كهذا من قبل‪ .‬وقف الجميع ثابتًا لدقيقة‪ .‬ركل‬
‫أندي جيوغان الخنجر بطرف حذائه وكله فضول‪ ،‬مثل عالم آثار اكتشف سال ًحا قدي ًما غير معروف اثناء‬
‫بحثه‪ .‬ثم همس أوسوليفان شيئًا غير مفهوم بين شفاهه‪ .‬تبادل ديمبسي واللجنة نظرات‪ .‬ثم نظر ديمبسي إلى‬
‫أوسوليفان بدون غضب كما ينظر إلى كلب ضال‪ ،‬وأومض رأسه في اتجاه الباب" ‪.‬السلم الخلفي‪ ،‬جيوسيبي"‪،‬‬
‫قال بإيجاز‪" .‬سيتم االستغناء عن قبعتك بعدك "‪.‬سارت ماغي نحو ديمبسي دونوفان‪ .‬كان هناك بقعة مشرقة‬
‫حمراء على خديها‪ ،‬حيث كانت تجري فيها الدموع ببطء‪ .‬ولكنها نظرت إليه بشجاعة في عينيه" ‪.‬كنت أعلم‬
‫ذلك‪ ،‬ديمبسي"‪ ،‬قالت وعيونها تتجمد حتى في دموعها‪" .‬كنت أعلم أنه رجل إيطاليًا‪ .‬واسمه توني سبينيلي‪.‬‬
‫تسرعت عندما قالوا لي إنك وهو كنتما تتشاجران‪ .‬هؤالء اإليطاليون يحملون دائ ًما سكاكين‪ .‬ولكنك ال تفهم‪،‬‬
‫ديمبسي‪ .‬لم يكن لي رفيق في حياتي‪ .‬تعبت من القدوم مع آنا وجيمي كل ليلة‪ ،‬لذا قررت معه أن يطلق على‬
‫نفسه اسم أوسوليفان وأحضرته معي‪ .‬كنت أعلم أنه لن يكون هناك شيء إذا جاء كإيطالي‪ .‬أعتقد أنني سأستقيل‬
‫من النادي اآلن "‪.‬‬

‫ألقى ديمبسي نظرة إلى أندي جيوغان‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪34‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫ق قاطع الجبنة هذا خارج النافذة"‪" ،‬وقل لهم في الداخل إن السيد أوسوليفان تلقى رسالة هاتفية‬
‫وقال‪ "،‬أل ِ‬
‫للذهاب إلى قاعة تاماني"‪ .‬ثم توجه مرة أخرى إلى ماغي‪.‬‬

‫" قال‪ ، :‬ماغ‪ ،‬سأرافقك إلى المنزل‪ .‬وماذا عن السبت القادم؟ هل ستأتي إلى الحفلة معي إذا جئت ألخذك؟'‬
‫كان من واضحا للعيان كيف يمكن لعيون ماغي أن تتغير بسرعة من العيون الناعسة إلى بنية المعة‪' .‬معك‪،‬‬
‫ديمبسي؟'‪ ،‬همست‪' .‬قل ‪ -‬هل يسبح البط؟"'‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪35‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫القصة السابعة‬

‫الشرطي والنشيد الوطني‬

‫على مقعده في مدريسون سكوير‪ ،‬تحرك سوبي بثقل‪ .‬عندما يعلو نداء اإلوز البري ليالً‪ ،‬وعندما تصبح النساء‬
‫اللواتي ال يملكن معاطف فَراء الدب القطبي لطيفات مع أزواجهن‪ ،‬وعندما يتحرك سوبي بثقل على مقعده في‬
‫الحديقة‪ ،‬يمكنك أن تعلم أن الشتاء قد اقترب ‪.‬سقطت ورقة يابسة في حضن سوبي‪ .‬كان هذا بطاقة جاك‬
‫تحذيرا ملفتا بزيارته السنوية‪ .‬عند‬
‫ً‬ ‫فروست‪ .‬جاك لطيف مع سكان مديسون سكوير العاميين اال انه يعطي‬
‫تقاطع الشوارع األربع‪ ،‬يسلم بطاقته الورقية إلى رياح الشمال‪ ،‬وخادم قصر األماكن الخارجية‪ ،‬حتى يتمكن‬
‫سكانها من التحضير للبرد القارس‪.‬‬

‫أصبح عقل سوبي واعيا بحقيقة أن الوقت قد حان لتحويل نفسه إلى بنفسه للجنة فردية للتصدي للبرد القادم‪.‬‬
‫ولذا حرك نفسه بثقل على مقعده ‪.‬طموحات سوبي (الهيبرناتورية) لم تكن من عالية‪ .‬اهتماماته ال تتضمن‬
‫رحالت البحر األبيض المتوسط‪ ،‬أو التزلج على جليد الجنوب المنعشة أو ركوب امواج الخليج المسمى ب‬
‫فيسوفيو‪ .‬كانت روحه تتوق إلى ثالثة أشهر فقط على الجزيرة‪ .‬ثالثة أشهر من إقامة وطعام وخدمه مالئمة‪،‬‬
‫بعيدة عن بورياس والشرطة‪ ،‬بدت لسوبي جوهر األشياء المرغوبة‪.‬‬

‫لسنوات طويلة‪ ،‬كانت الجزيرة في الشتاء هي مركز الضيافة لسوبي‪ .‬تما ًما كما اشتروا زمالؤه األكثر ح ً‬
‫ظا‬
‫(األثرياء) في نيويورك تذاكرهم إلى بالم بيتش وريفييرا كل شتاء‪ ،‬كذلك قام سوبي بترتيباته المتواضعة‬
‫لهجرته السنوية إلى الجزيرة‪ .‬واآلن حان الوقت لهذه الترتيبات‪ .‬ففي الليلة السابقة‪ ،‬فشلت ثالث صحف سبتية‪،‬‬
‫توزعت تحت معطفه‪ ،‬حول كاحليه وفوق حضنه‪ ،‬في صد البرد أثناء نومه على مقعده بالقرب من نافورة‬
‫الرش في الميدان القديم‪ .‬لذلك‪ ،‬ظهرت الجزيرة كبيرة وفي الوقت المناسب في عقل سوبي‪ .‬كان يحتقر التدابير‬
‫القائمة باسم اإلحسان تجاه المحتاجين في المدينة‪.‬‬

‫في رأي سوبي‪ ،‬كانت القانون أكثر رأفةً من اإلحسان‪ .‬كان هناك دورة ال نهائية من المؤسسات‪ ،‬بلدية‬
‫وإنسانية‪ ،‬يمكن أن يسجل فيها ويحصل على مأوى وطعام يتناسب مع حياته البسيطة‪ .‬ولكن بالنسبة لروح‬
‫سوبي الفخورة‪ ،‬كانت هدايا اإلحسان مكللة بالعبء‪ .‬إذا لم تكن نقودا‪ ،‬يجب أن تدفع بتواضع روحي مقابل‬
‫كل منفعة تتلقاها على يد محسن‪ .‬كما كان لسيزار بروتس‪ ،‬يجب أن يكون لكل قاطني الغرف تكلفة استحمام‪،‬‬
‫ويجب أن يكون لكل رغيف خبز تعويض من اصحاب الفضول الخاص والشخصي‪ .‬ولذلك فإنه من األفضل‬
‫أن تكون ضيفًا للقانون‪ ،‬الذي‪ ،‬على الرغم من أنه يدار بأنظمة صارمة‪ ،‬ولكن ال يتدخل بشكل مفرط في‬
‫الشؤون الخاصة للسيد سوبي‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪36‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫فورا في تحقيق رغبته و قرر سوبي الذهاب إلى الجزيرة‪ .‬كانت هناك طرق كثيرة وسهلة للقيام بذلك‪.‬‬
‫بدأ ً‬
‫أسهلها كان تناول العشاء بفخر في بعض المطاعم المكلفة؛ ثم‪ ،‬بعد ذلك عدم الدفع متظاهرا باإلفالس‪ ،‬ويتم‬
‫لطيف سيقوم ببقية العمل‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ساع‬
‫ٍ‬ ‫تسليمه بسهولة وبدون ضجة إلى شرطي‪ .‬قاض‬

‫غادر سوبي مقعده وتجول خارج الميدان وعبر األسفلت المستوي ك البحر‪ ،‬حيث تتدفق برودواي وفيفث‬
‫أفينيو معًا‪ .‬اتجه لألعلى في برودواي ‪ ،‬وتوقف في مقهى المع‪ ،‬حيث يتجمع كل ليلة أجود منتجات العنب‬
‫والدودة الحريرية والبروتوبالزما‪.‬‬

‫كان لدى سوبي ثقة في نفسه من الزر السفلي لقميصه إلى األعلى‪ .‬كان انيقا (حالق الشعر)‪ ،‬وكانت سترته‬
‫الئقة وكانت ربطة العنق السوداء االنيقة والتي قدمت له كهدية من قبل راهبة مبشرة في يوم عيد الشكر‪ .‬إذا‬
‫نجح في الوصول إلى طاولة في المطعم بدون اشتباه‪ ،‬سيظفر بالوجبة‪ .‬الجزء منه الذي سيظهر فوق الطاولة‬
‫لن يثير ش ًكا في ذهن القارسون‪ .‬بالنسبة لسوبي‪ ،‬الطائر المحمص بالفرن هو الشيء المناسب ‪ -‬مع زجاجة‬
‫من شابلي‪ ،‬ثم كاممبير‪ ،‬وكوب من القهوة الصغير‪ ،‬وسيجارة‪ .‬دوالر واحد للسيجارة كان كافياً‪ .‬لن يكون‬
‫المجموع عاليًا بما يكفي الستدعاء أي تجسيد عظيم من انتقام إدارة المقهى؛ ومع ذلك‪ ،‬ستتركه اللحمة شبعًا‬
‫وسعيدًا خال عودته إلى مأواه الشتوي‪.‬‬

‫ولكن حين دخل سوبي باب المطعم‪ ،‬وقعت عين القارسون على سرواله البالي وحذائه الرث‪ .‬تلك األيدي‬
‫القوية والجاهزة اخذت بصمت وبسرعة بنقله إلى الرصيف‪ ،‬وتالشت مخططاته بالدعوة الالئقة لتناول الطائر‬
‫البري الذي كان يتمناه‪.‬‬

‫استدار سوبي باتجاه برودواي‪ .‬يبدو أن طريقه إلى الجزيرة المرغوبة لن يكون طريقًا سهال‪ .‬يجب أن يفكر‬
‫في وسيلة أخرى لدخول الليمبو‪.‬‬

‫وعند مفترق الجادة السادسة‪ ،‬كانت أضواء الكهرباء تضيء البضائع المعروضة بشكل ماهر وراء الزجاج‬
‫المطلي االمر الذي جعل نافذة المحل ملفتة للنظر‪ .‬أخذ سوبي حصاة وقذفها عبر الزجاج‪ .‬جاء الناس يركضون‬
‫حول الزاوية‪ ،‬كان يرافقهم في المقدمة شرطي‪ .‬وقف سوبي‪ ،‬وكانت يديه في جيوبه‪ ،‬وابتسم عند رؤية‬
‫األزرار النحاسية في قميص الشرطي‪.‬‬

‫"أين الرجل الذي فعل ذلك؟" سأل الضابط بحماس‪.‬‬

‫"أليس من الممكن أن تتخيل أن لدي شيئًا للقيام به؟" قال سوبي‪ ،‬ليس بدون سخرية‪ ،‬ولكن بطريقة ودية‪ ،‬كما‬
‫هم األشخاص االثرياء الذين يقدرون المال‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪37‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫رفض عقل الشرطي أن يقبل سوبي كفاعل لهذا بدليل ان الرجال الذين يكسرون النوافذ ال يبقون ليتحاوروا‬
‫ً‬
‫رجال على نصف التقاطع يهرب ليلحق بحافلة‪ .‬بمساعدة‬ ‫مع منفذي القانون‪ .‬إنهم يهربون‪ .‬رأى الشرطي‬
‫الهراوة‪ ،‬انضم إلى مطاردته‪ .‬بينما يمأل قلب سوبي باالشمئزاز‪ ،‬يمضي متراخيًا بفشله المتكرر‪.‬‬

‫في الجهة المقابلة للشارع كان هناك مطعم متواضع ال يملك مظاهر الترف‪ .‬ولكن على االقل كان يخدم شهيته‬
‫الكبيرة ومحفظته المتواضعة‪ .‬كانت أوانيه بسيطة وأجواؤه كثيفة مزدحمة‪ ،‬وحساءه ومناشفه رقيقة‪ .‬دخل‬
‫سوبي هذا المكان بحذاءيه المتآكل وسرواله الرث دون مخاطر‪ .‬جلس عند الطاولة وتناول شريحة لحم‪،‬‬
‫وفطائر البانكيك‪ ،‬ودونات‪ ،‬وفطيرة‪ .‬ثم أخبر النادل الذي وقع ضحية خداع بأن سوبي وأصغر عملة نقدية‬
‫غرباء‪.‬‬

‫"اآلن‪ ،‬ال تضيع وقتك واتصل بشرطي"‪ ،‬قال سوبي للنادل "وال تجعل السيد (سوبي) ينتظر"‪.‬‬

‫"لن اجلب الشرطي لك "‪ ،‬قال النادل‪ ،‬بصوت يشبه كعكة الزبد وعين تشبه الكرز في كوكتيل مانهاتن‪ .‬ثم‬
‫نادى "مرحبًا‪ ،‬كون"!‬

‫ً‬
‫مفصال‪ ،‬كما‬ ‫ً‬
‫مفصال‬ ‫رمى نادلين سوبي بهدوء على أذنه اليسرى على الرصيف الخشن‪ .‬نهض جزءا جزءا و‬
‫تفتح مسطرة النجار‪ ،‬ثم نفض الغبار عن مالبسه‪ .‬بدا لسوبي االعتقال كحلم وردي‪ .‬بدت الجزيرة بعيدة جدًا‪.‬‬
‫ضحك الشرطي الذي وقف أمام صيدلية على بعد بابين عند رؤيته لسوبي وسار في اتجاه الشارع‪.‬‬

‫مشى سوبي خمس تقاطعات قبل أن تسمح له شجاعته بطلب االعتقال مرة أخرى‪ .‬في هذه المرة‪ ،‬أتت الفرصة‬
‫على طبق من فضة ل سوبي‪ .‬كانت تقف امرأة شابة ذات مظهر متواضع وجذاب أمام نافذة عرض تحدق‬
‫بفضول في معروضاتها من أقداح الحالقة وحامالت الحبر‪ ،‬وعلى بعد ياردتين من النافذة كان شرطي كبير‬
‫الحجم بمظهر الجاد يستند إلى صنبور المياه‪.‬‬

‫قرر سوبي عمل دور الشخص الدنيء الغير المرغوب فيه‪.‬‬

‫المظهر الرفيع واألنيق لضحيته ووجودها بالقرب من الشرطي الجاد شجعاه على االعتقاد أنه سيشعر قريبًا‬
‫بلمسة االعتقال اللطيفة على ذراعه‪ ،‬والتي ستضمن له مأوى الشتاء في الجزيرة الصغيرة‪ .‬قام سوبي بتعديل‬
‫استقامة ربطة العنق التي اهدته اياه السيدة التبشيرية‪ ،‬شد أساوره المتراجعة إلى االمام‪ ،‬ووضع قبعته بزاوية‬
‫تجعله يبدو شريرا وتوجه نحو الشابة‪ .‬أطلق عليها نظرات‪ ،‬أصيب فجأة ب سعال شديد وفجأة‪ ،‬ابتسم‪ ،‬عبس‪،‬‬
‫ومر بهدوء يتمتم (بالصلوات) بالدعاء المنفر واالزدراء لدور الشرير‪ .‬بطرف عينه‪ ،‬رأى سوبي أن الشرطي‬
‫كان يراقبه بانتباه‪ .‬ابتعدت الشابة بضع خطوات‪ ،‬ومرة أخرى ركزت انتباهها على أقداح الحالقة‪ .‬تبعها‬
‫سوبي‪ ،‬وتقدم بجرأة إلى جانبها‪ ،‬رفع قبعته وقال" ‪:‬أهالً هناك‪ ،‬بديليا! ألس ِ‬
‫ت ترغبين في القدوم واللعب في‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪38‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫فنائي؟ " كان الشرطي ال يزال يراقب‪ .‬كانت الفتاة الشابة ال تحتاج سوى إلى إيماءة بإصبع واحد‪ ،‬وسوف‬
‫يتصور أنه يمكنه أن يشعر بالدفء الدافئ‬
‫َّ‬ ‫يكون سوبي على وشك االنطالق إلى مالذه الجزيري‪ .‬بالفعل‪ ،‬كان‬
‫للمركز االمني‪ .‬استدارت الفتاة الشابة اليه‪ ،‬ممتدةً بيدها‪ ،‬أمسكت بأساور معطف سوبي" ‪.‬بالتأكيد‪ ،‬مايك"‪،‬‬
‫قالت بفرح‪" ،‬إذا كنت ستأخذني إلى دلو من الصابون"‪ .‬الشرطي كان يراقب‪ .‬مع الفتاة الشابة التي تلعب دور‬
‫البالبل المتشبثة بشجرة البلوط‪ ،‬سار سوبي بجوار الشرطي‪ ،‬مغمض العيون بالكآبة‪ .‬بدا وكأن حريته مقيدة‪.‬‬

‫في الزاوية التالية‪ ،‬تخلص أحد من رفيقته وركض‪ .‬توقف في المنطقة التي تعرف بالشوارع الخفيفة والقلوب‬
‫المرهفة والوعود ونصوص األوبرا ليالً‪ .‬نساء بفرو ورجال بمعاطف كبيرة يتحركون بسعادة في الهواء‬
‫عفى من االعتقال‪ .‬جلبت له هذه الفكرة قليالً من الهلع‪،‬‬ ‫الشتوي‪ .‬أدرك سوبي فجأة أن شيئا ف ً‬
‫ظا قد جعله م ً‬
‫فورا فكرة "السلوك الفوضوي ‪".‬‬
‫وعندما وجد نفسه أمام شرطي آخر يتنعم بفخامة أمام مسرح رائع‪ ،‬اللتزم ً‬
‫على الرصيف‪ ،‬بدأ سوبي في الصراخ بالهمس المخمور على قمة صوته الخشن‪ .‬رقص‪ ،‬صاح‪ ،‬هذى‪،‬‬
‫وأزعج الجميع‪ .‬حرك الشرطي عصاه‪ ،‬وتحول ظهره إلى سوبي‪ ،‬وقال لمواطن" ‪:‬إنه أحد أوالد ييل يحتفل‬
‫بالبيضة التي يعطونها لكلية هارتفورد‪ .‬صاخب‪ ،‬ولكن ال ضرر‪ .‬لدينا تعليمات بتركهم"‪.‬‬

‫حزينًا‪ ،‬توقف سوبي عن صخبه‪ .‬هل سيضع يوما ما أحد من الشرطة يديه عليه؟ في خياله‪ ،‬تبدو الجزيرة‬
‫مثاليه بشكل مزعج لسوبي‪ .‬وبعدها ربط معطفه الهش ضد الرياح الباردة‪.‬‬

‫رجال متجمالً يشعل سيجارة بضوء متهالك‪ .‬وقد وضع مظلته الحريرية بجوار الباب‬
‫ً‬ ‫رأى في محل السجائر‪،‬‬
‫عند الدخول‪ .‬دخل سوبي‪ ،‬واستولى على المظلة وتجول بها ببطء‪ .‬تبعه الرجل صاحب السيجارة بسرعة‪.‬‬

‫"مظلتي"‪ ،‬قال الرجل بجدية" ‪.‬أهو كذلك؟" سخر سوبي‪ ،‬مضيفًا بعض االهانة إلى السرقة البسيطه‪" .‬حسنًا‪،‬‬
‫لماذا ال تستدعي شرطيًا؟ أخذتها‪ .‬مظلتك! لماذا ال تستدعي شرطيًا؟ هناك واحد يقف عند الزاوية"‪.‬‬

‫تباطأت خطى صاحب المظلة‪ .‬وتباطأت خطى سوبي أيضا بفطنة أن الحظ سيعمل ضده مرة أخرى‪ .‬نظر‬
‫الشرطي إلى االثنين بفضول‪.‬‬

‫قال صاحب المظلة "بالطبع‪ " "،‬حسنًا‪ ،‬انت تعرف كيف تحدث مثل هذه األخطاء ‪ -‬إذا كانت مظلتك فأتمنى‬
‫أن تعذرني ‪ -‬إنني التقطتها كل الصباح في مطعم ‪ -‬إذا قمت كنت متأكد من انها لك ‪ -‬أتمنى أن تفهم"‪-‬‬

‫"بالطبع إنها لي"‪ ،‬قال سوبي بشراسة‪.‬‬

‫انسحب رجل المظلة السابق‪ .‬أسرع الشرطي لمساعدة امرأة شقراء طويلة في معطف أوبرا عبر الشارع أمام‬
‫عربة تتجه نحوهم من بعد تقاطعين‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪39‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫تجول سوبي شرقًا عبر شارع متآكل‪ .‬ألقى المظلة بغضب في حفرة‪ .‬كان يتذمر ضد رجال الشرطة الذين‬
‫يرتدون خوذات ويحملون عصيًا‪ .‬ألنه أراد أن يقع في أيديهم‪ ،‬يبدو أنهم يعتبرونه مل ًكا محصنا ال يرتكب‬
‫الخطأ‪.‬‬

‫أخيرا وصل سوبي إلى إحدى الشوارع الشرقية حيث كانت اللمعان واالكتظاظ ضعيفين‪ .‬وجه لوجهه نحو‬
‫ً‬
‫ماديسون سكوير (مالذه السابق)‪ ،‬ألن غريزة العودة تبقى حتى عندما يكون المنزل هو عبارة مقعد في‬
‫الحديقة‪.‬‬

‫ولكن في زاوية هادئة بشكل غير عادي‪ ،‬توقف سوبي‪ .‬كانت هناك كنيسة قديمة‪ ،‬غريبة ومتناثرة وذات‬
‫سقوف مثلثة‪ .‬من خالل إحدى النوافذ الملونة بالبنفسجية‪ ،‬كان يتوهج ضوء ناعم‪ ،‬حيث كان على األرجح‬
‫عازف األرجون يتخذ وقتًا للتأكد من إتقانه للترنيمة السبتية القادمة‪ .‬فتناثرت أنغام حلوة تطفو إلى آذان سوبي‪،‬‬
‫التي ألهمته وجعلته ينحني متكأ على سياج الحديد الملتوي‪ .‬القمر كان في األعلى‪ ،‬المعًا وهادئًا؛ كانت العربات‬
‫والمشاة قليلين؛ تغرد العصافير بحماس في المزاريب ‪ -‬لفترة وجيزة كان للمشهد أن يكون روحانيا كساحة‬
‫الكنيسة‪ .‬ذلك النشيد الذي عزفه عازف األرجن جمع بين سوبي وبين السياج الحديدي‪ ،‬ألنه كان يعرفه جيدًا‬
‫تلك األيام التي كانت حياته ملئ بتلك األمور الجميلة كاألمهات والورود والطموحات واألصدقاء واألفكار‬
‫النقية والطيور‪.‬‬

‫تحول فجائي ورائع في روحه حدث بفعل حيث تداخالت حالته النفسية المتسعة والتأثيرات حول الكنيسة‬
‫القديمة‪ .‬نظر برعب إلى هذا الهاوية التي انقاد لها‪ ،‬األيام المريرة‪ ،‬الرغبات الهالكة‪ ،‬اآلمال الميتة‪ ،‬القدرات‬
‫المتعثرة والدوافع االساسية التي شكلت وجوده‪.‬‬

‫وأيضًا في لحظة تفاعل معها قلبه بحماس إلى هذا الشعور الجديد‪ .‬حركة فورية وقوية دفعته للكفاح ضد‬
‫ً‬
‫رجال مرة أخرى‪ ،‬سيهزم الشر الذي‬ ‫مصيره المائل لليأس‪ .‬سيستخرج نفسه من الوحل‪ ،‬سيجعل من نفسه‬
‫كبيرا بالعمر بعد؛ سيعيد الروح لطموحاته الحماسية القديمة ويتبعها‬
‫ً‬ ‫استولى عليه‪ .‬كان هناك وقت؛ إنه ليس‬
‫بدون تردد‪ .‬كانت تلك النغمات الجادة واللطيفة قد عملت بداخلة ثورة‪ .‬غدًا سيذهب إلى منطقة وسط المدينة‬
‫الصاخبة ويبحث عن عمل‪ .‬كان تاجر الفراء قد عرض عليه مرة وظيفة كسائق‪ .‬سيجده غدًا ويطلب هذا‬
‫صا مه ًما في هذا العالم‪ .‬وسيكون وسيكون ‪...‬‬
‫المنصب‪ .‬سيكون شخ ً‬

‫شعر سوبي بيد تلقى على ذراعه‪ .‬نظر حوله بسرعة إلى وجه واسع لشرطي' ‪.‬ماذا تفعل هنا؟' سأل الضابط ‪.‬‬
‫قال سوبي' ال شيء‪. ''،‬إذا تعال معي‪ '،‬قال الشرطي‪ .‬قال القاضي في المحكمة 'تسجن ثالثة أشهر على‬
‫الجزيرة‪ '،‬محكمتك ستكون في الصباح التالي‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪40‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪41‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫القصة الثامنة‬

‫ذكريات كلب أصفر‬

‫ال أعتقد أنه سيفاجئ أيًا منكم قراءة سلوكيات ال حيوان‪ .‬قد أثبت السيد كيبلنغ والعديد من اآلخرين حقيقة أن‬
‫الحيوانات يمكنها التعبير عن أنفسها باإلنجليزية الصحيحة‪ ،‬وال تقوم أي مجلة بالطباعة في الوقت الحالي‬
‫صورا لبرايان وكارثة مون بيليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫دون وجود قصة حيوان فيها‪ ،‬باستثناء الدوريات القديمة التي ال تزال تنشر‬

‫ولكن ال داعي للبحث عن أدب عال في قصتي‪،‬‬

‫مثلما يتحدث الدب بيرو والثعبان سناكو والنمر تامانو في روايات الغابة‪ ،‬ال يمكن ان تتوقع من كلب أصفر‬
‫قضى معظم حياته في شقة رخيصة في نيويورك‪ ،‬نائ ًما في زاوية على قطعة قماش رثة (تلك التي انسكبت‬
‫عليها النبيذ البورتو في حفل عشاء نسوة العمال الطويالت) أن يؤدي أي حيل في فن الكالم‪.‬‬

‫ولدت كجرو أصفر‪ ،‬وتاريخ الوالدة والموقع واألصل والوزن مجهول‪ .‬أول شيء يمكنني تذكره هو أن امرأة‬
‫عجوز كانت تحملني في سلة عند تقاطع برودواي في الشارع الثالث والعشرون تحاول بيعي لسيدة سمينة‪.‬‬
‫تروج لي بجدية ككلب هامبلتونيان‪-‬أحمر‪-‬أيرلندي ‪-‬صيني‪-‬بوجي أصلي‪ .‬الحقت‬
‫كانت السيدة العجوزة هابارد ّ‬
‫السيدة السمينة خمسة دوالرات في حقيبتها بين عينات الفالنيل الثقيلة حتى حشرتها في زاوية الحقيبة‪ .‬منذ‬
‫تلك اللحظة كنت حيوان أليف ‪ -‬حيوان أليف أل ٍ ّم‪ .‬قل لي ايها قارئ اللطيف‪ ،‬هل حدث لك أن امتلكت امرأة‬
‫ً‬
‫رطال تتنفس رائحة جبن الكامامبير وعطر "بو دي اسبانيا"‪ ،‬وتحملك ثم تقوم بتلك الحركات بأنفها‬ ‫تزن مئتي‬
‫في جميع أنحاء وجهك‪ ،‬قائلة في كل األوقات بنبرة إيما إيمز‪" :‬أوه‪ ،‬هوس أوم أودلوم‪ ،‬دودلوم‪ ،‬وودلوم‪،‬‬
‫تودلوم‪ ،‬بيتسي ويتسي سكودلومز؟"‬

‫نشأت ككلب أصفر مجهول يشبه الكلب الهجين ما بين قطة أنغورا وصندوق من الليمون‪ .‬لكن سيدتي لم‬
‫تتردد في أخذي أبدًا‪ .‬كانت تعتقد أن الجروين البدائيين اللذين ادخلهما نوح إلى السفينة كانا فرعًا جانبيًا من‬
‫أسالفي‪ .‬احتجت الى رجلي شرطة لمنعها من إدخالي إلى حديقة ماديسون سكوير أمال بالفوز بجائزة كلب‬
‫الصيد السيبيري‪.‬‬

‫واالن سأخبركم عن تلك الشقة‪ .‬كان المنزل عاديًا في نيويورك‪ ،‬مفرو ً‬


‫شا بالرخام الباريسي في قاعة الدخول‬
‫وحجارة صغيرة فوق الطابق األول‪ .‬كانت شقتنا في الطابق الثالث ‪ -‬حسنًا‪ ،‬ليست عالية صعودا‪ .‬استأجرت‬
‫سيدتي الشقة بدون أثاث‪ ،‬ووضعت فيها األشياء العادية ‪ -‬عفش صالون بطراز ‪ ،1903‬لوح كرومو لفتيات‬
‫في مقهى هارلم‪ ،‬نبات المطاط وزوجها (الذي كان من ضمن األشياء العادية)‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪42‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫صغيرا ذا شعر رملي وشوارب تشبه إلى حد كبير‬


‫ً‬ ‫بالسيريوس! كان هناك إنسان أشفق عليه‪ .‬كان رجالً‬
‫شواربي‪ .‬ثابتا بال حراك؟ ‪ -‬حسنًا‪ ،‬الطيور ذوات المناقير الكبيرة والفالمنجو والبجع كانت جميعها تستهلك‬
‫من حسابه البنكي ‪ .‬كان يمسح األطباق ويستمع إلى سيدتي تحدث عن األشياء الرخيصة والمتهالكة التي‬
‫تعرضها السيدة ذات المعطف الفرو السكري على الطابق الثاني لتجفيفها على حبلها‪ .‬وكل مساء‪ ،‬أثناء إعدادها‬
‫للعشاء‪ ،‬كانت تجبره على اخراجي للتنزه‪.‬‬

‫إذا كان الرجال يعلمون كيف تقضي النساء وقتهن عندما ّ‬


‫يكن وحدهن‪ ،‬لما تزوجوا أبدًا‪ .‬لورا لين جيبي‪،‬‬
‫الكاكاو بنكهة الفول السوداني‪ ،‬قليل من كريم اللوز على عضالت الرقبة‪ ،‬األطباق غير مغسولة‪ ،‬نصف ساعة‬
‫حديث مع صاحب الثلج‪ ،‬قراءة حزمة من الرسائل القديمة‪ ،‬زوج من الخيار‪ ،‬وزجاجتين من مستخلص البيرة‬
‫‪ -‬هذا تقريبًا كل شيء‪ .‬عشرون دقيقة قبل أن يعود إليها من العمل‪ ،‬تقوم بترتيب المنزل‪ ،‬تصفف شعرها‬
‫بحيث ال يظهر‪ ،‬وتستعد للخياطة كمحاولة لالبتزاز لعشر دقائق‪.‬‬

‫عشت حياة كلب في تلك الشقة‪ .‬معظم اليوم أقضيه هناك في زاويتي أشاهد المرأة البدينة تضيع الوقت‪ .‬أحيانًا‬
‫أنام وأحلم بمالحقة القطط إلى القبو والنباح على السيدات الكبار اللواتي يرتدين القفازات السوداء‪ ،‬كما كان‬
‫ينبغي للكلب أن يفعل‪ .‬ثم تهاجمني بالكثير من تلك الثرثرة الكلبية وتقبلني على أنفي ‪ -‬لكن ما الذي يمكنني‬
‫فعله؟ ال يمكن للكلب مضغ القرنفل‪.‬‬

‫بدأت أشعر بالشفقة تجاه الزوج‪ ،‬اللعنة على قططي إذا لم أشفق‪ .‬كنا نبدو متشابهين لدرجة أن الناس الحظوا‬
‫ذلك عندما خرجنا؛ لذا قررنا تجنب الشوارع التي يسير فيها سائق سيارة مورغان‪ ،‬وبدأنا في تسلق كومة‬
‫الثلج من ديسمبر الماضي في الشوارع التي يعيش فيها الناس الفقيرة‪.‬‬

‫في إحدى المساءات‪ ،‬ونحن نتمشى بهذا الشكل‪ ،‬وأنا أحاول أن أبدو ككلب سان برنار‪ ،‬والرجل العجوز يحاول‬
‫أن يبدو وكأنه على األرجح لن يقتل أول عازف يعزف لحن الزفاف لميندلسون‪ ،‬نظرت إليه وقلت‪ ،‬بطريقتي ‪:‬‬
‫'لماذا تبدو بهذا الشقاء‪ ،‬يا سمكري البلوبري؟ هي ال تقبلك‪ .‬ليس عليك أن تجلس على ركبتها وتستمع إلى‬
‫شاكرا ألنك لست كلبًا‪ .‬انتعش‪،‬‬
‫ً‬ ‫حديث سيجعل المسرحية الموسيقية تبدو ككالم إبيكتيتوس‪ .‬يجب أن تكون‬
‫بينيديك‪ ،‬وقل وداعا ً للحزن'‪.‬‬

‫ي بتفكير تقريبًا كالكلب' ‪.‬لماذا‪ ،‬يا كلب‪ '،‬قال‪' ،‬كلب جيد‪ .‬أنت تبدو تقريبًا كما لو أنك‬
‫نظر الرجل المتزوج إل ّ‬
‫تريد أن تتحدث‪ .‬ماذا‪ ،‬يا كلب ‪ -‬هل هي القطط؟'‬

‫القطط! يمكن أن أتحدث !ولكن‪ ،‬بالطبع‪ ،‬ال يمكنه فهمي‪ .‬منع البشر من التحدث بلغة الحيوانات‪ .‬الطريق‬
‫المشتركة الوحيدة التي يمكن للكالب والبشر أن يتواصلوا من خاللها هي في الخيال‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪43‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫في الشقة عبر الردهة التي تبعد منا‪ ،‬عاشت سيدة مع كلب من نوع البالك أند تان‪ .‬كان زوجها يربطه بحبل‬
‫ويأخذه للنزهة كل مساء‪ ،‬ولكنه دائما يعود إلى المنزل ويصفر بروح مرحة‪ .‬في يوم ما‪ ،‬تالمست أنفي بأنف‬
‫الكلب من نوع البالك أند تان في الردهة‪ ،‬وطرحت عليه سؤال‪.‬‬

‫قلت له "انظر الي‪ ،‬ويغل‪-‬أند‪-‬سكيب"‪" ،‬أنت تعرف أنه ليس من طبيعة الرجل الحقيقي أن يلعب دور الممرض‬
‫أر أحدًا مربو ً‬
‫طا بكلب حتى اآلن ويبدو وكأنه يرغب في لكم كل رجل ينظر إليه‪ .‬لكن زوجك يعود‬ ‫لكلب‪ .‬لم َ‬
‫كل يوم مفعم بالحيوية والتفاؤل كما يفعل هواة الخدع السحرية الذين يقومون بحيلة البيض‪ .‬كيف يفعل ذلك؟‬
‫ال تخبرني أنه يحب ذلك"‪.‬‬

‫ً‬
‫خجوال‬ ‫قال الكلب من نوع البالك أند تان باستغراب "صاحبي؟"‪" .‬لماذا‪ ،‬إنه يستخدم الطبيعة كعالج‪ .‬يكون‬
‫في البداية عندما نخرج‪ ،‬تماما ً مثل الرجل على السفينة الذي يفضل أن يلعب الـ "بيدرو" عندما تكون هناك‬
‫جائزة كبرى‪ .‬بحلول الوقت الذي نكون قد زرنا ثماني محالت للكحول‪ ،‬عندها ال يهتم بما إذا كان الشيء‬
‫الذي يجذبه نهاية الحبل هو كلب أم سمكة قرش‪ .‬لقد فقدت مقدار بوصتين من ذيلي في محاولة تفادي تلك‬
‫األبواب الدوارة"‪.‬‬

‫النصيحة التي حصلت عليها من تلك الكلب ‪ -‬يرجى عرضها في مسارح الفودفيل ‪ -‬جعلتني أفكر‪.‬‬

‫في حوالي السادسة إحدى المساءات‪ ،‬أمرت سيدتي زوجها بان ينشغل بتقديم عرض األوزون لـ "لوفي"‪ .‬لقد‬
‫أخفيت ذلك حتى اآلن حتى احفظ كرامة صاحبي‪ ،‬ولكن هذا هو طبعي‪ .‬كان الكلب من نوع البالك أند تان‬
‫يدعى "تويتنس"‪ .‬أعتبر نفسي أفضل منه قدر استطاعة اإلنسان تعقب األرنب‪ .‬ومع ذلك‪" ،‬لوفي" شيء ذو‬
‫طابع يضر بكرامة اإلنسان‪.‬‬

‫في مكان هادئ على شارع آمن‪ ،‬شددت على حبل صاحبي أمام حانة جذابة وراقية‪ .‬قمت بنزهة متج ًها نحو‬
‫األبواب‪ ،‬وأنا أصدح بنباح كالكلب في المقابالت الصحفية الذي يخبر العائلة أن اليس الصغيرة ليست متعثرة‬
‫أثناء جمع السوسن من الجدول‪" .‬لماذا‪ ،‬ويمسح عينه"‪ ،‬قال الرجل العجوز بابتسامة؛ "عيني تؤلمني وكأن‬
‫ليمون سلتزر قد دخل فيها‪ .‬دعني أرى ‪ -‬كم مضى من الوقت منذ أن قمت بتلميع جلد الحذاء بوضع إحدى‬
‫قدمي عليه؟ أعتقد أنني سأفعل ذلك مرة اخرى" ‪...‬‬

‫كنت أعلم انه يريد متجر الكحول‪ .‬شرب الوسكي‪ ،‬وجلس عند الطاولة‪ .‬لمدة ساعة‪ ،‬يراقب دخول الناس‪.‬‬
‫جلست بجواره‪ ،‬الفت انتباه النادل باستمرار بذيلي‪ ،‬وآكل الغداء المجاني الذي ال يمكن لطعام أمي في الشقة‬
‫أن تضاهيه مع كل مشترياتها من متجر اللحوم الفاخر قبل ثماني دقائق من عودة أبي إلى المنزل‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪44‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫عندما استنفدت منتجات اسكتلندا كامله باستثناء الخبز الجاوي‪ ،‬قام الرجل العجوز بفك قيدي من قاعدة الطاولة‬
‫ولعب بي خار ًجا كما يلعب صياد السمك بسمكته‪ .‬في الخارج‪ ،‬أزال مني القيد ورماه في الشارع‪.‬‬

‫تقبلك تلك العجوز بعد اآلن ‪ ...‬اذهب‪ ،‬يا كلب‪ ،‬وانفرد وكن‬
‫ِ‬ ‫'قال الرجل‪" :‬يا له من الكلب مسكين" ‪ ' ،‬لن‬
‫سعيدا بأن تصدمك عربة الشارع'‪.‬‬

‫رفضت مغادرة المكان‪ .‬قفزت وتالعبت حول ساقي العجوز‪ ،‬سعيد ككلب صغير على سجادة‪.‬‬

‫قلت له 'أنت‪ ،‬يا صاحب الرأس المقمل‪ ،‬مطارد األرانب‪ ،‬وسارق البيض‪ ،‬هل ترى أنني ال أريد أن أتركك؟‬
‫هل ال تستطيع أن ترى أننا كلبان في الغابة وأن السيدة هي العم القاسي الذي يطاردنا بمنديل المطبخ وأنا‬
‫مدهون بزيت القمل وقوس وردي لربط ذيلي‪ .‬لماذا ال تترك كل هذا العناء ونكون أصدقاء إلى األبد؟'‬

‫ربما ستقولون أنه لم يفهم ‪ -‬ربما لم يفهم‪ .‬ولكنه نوعًا ما فهم فعليًا عندما أمسك بـ "هوت سكوتش" ووقف‬
‫لحظة يفكر‪.‬‬

‫أخيرا‪' ،‬نحن ال نعيش أكثر من اثني عشرة حياة على هذه األرض‪ ،‬وقليل جدًا منا يعيش ليكون‬
‫ً‬ ‫'يا كلب‪ '،‬قال‬
‫أكثر من ‪ 300‬عام‪ .‬إذا رأيت تلك الشقة مرة أخرى فأنا غبي‪ ،‬وإذا رأيته أنت فأنت أكثر غباء‪ .‬أنا اراهن من‬
‫‪ 60‬إلى ‪ 1‬أن الكلب "ويستوارد هو" سيفوز ببطولة "داشهند" للكالب'‪.‬‬

‫لم يكن هناك حبل‪ ،‬لكني انطلقت بفرح مع سيده إلى ميناء السفن في الشارع الثالث والعشرون‪ .‬حتى ان القطط‬
‫ارتعبت وارتأت القطط لشكر هللا بان لها مخالب تمكنها من التعلق بالسقف‪.‬‬

‫على الجانب االخر‪ ،‬قال سيدي لشخص غريب يقف يأكل "بان كرانت' ‪":‬أنا وكلبي في طريقنا إلى جبال‬
‫ي حتى نبحت‪ ،‬وقال' ‪:‬أنت ذو رأس القرد‪ ،‬وذو ذيل‬
‫جر سيدي بأذن ّ‬
‫الروكي '‪.‬ولكن ما أسعدني أكثر هو عندما ّ‬
‫الفأر‪ ،‬وذو اللون الكبريتي‪ ،‬هل تعلم ما سأسميك؟ 'فكرت انه سيسميني "لوفي"‪ ،‬وحنقت بحزن' ‪.‬سأسميك‬
‫"بيت"‪ '،‬يقول سيدي؛ ولو كان لدي خمسة أذيال اهزها له‪ ،‬لما كنت قادرا كفاية على التعبير عن فرحتي‪.‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪45‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫القصة التاسعة‬

‫شراب الحب أليكي شونستاين‬

‫متجر الدواء "ذا بلو اليت" يقع في وسط المدينة‪ ،‬بين وسط المدينة والطريق األول‪ ،‬حيث تكون المسافة بين‬
‫الشارعين هي األقصر‪" .‬ذا بلو اليت" ال يعتبر شيئًا من األشياء الزخرفية والعطور والمشروبات الغازية‪.‬‬
‫إذا سألته عن مسكن لأللم‪ ،‬فلن يقدم لك حلوى‪.‬‬

‫"ذا بلو اليت" يحتقر فنون الصيدلة الحديثة لتوفير العمل‪ .‬إنه يستخدم األفيون الخاص به ويصفي اللودانوم‬
‫والباريجوريك بنفسه‪ .‬حتى اليوم‪ ،‬يتم إعداد الحبوب خلف مكتب الوصفات الطويل ‪ -‬حيث يتم لف الحبوب‬
‫على لوح الحبوب الخاص به‪ ،‬وتقسيمها بواسطة مشرط‪ ،‬وتكوينها باألصبع واالبهام‪ ،‬ورشها بمغنسيا‬
‫مطحونة‪ ،‬وتسليمها في صناديق صغيرة مستديرة من الورق المقوى‪ .‬يقع المتجر في زاوية حيث يلعب‬
‫األطفال المبتهجون بأزياء متسخة حولها‪ ،‬يصبحون أكثر عرضة لتناول حبوب مهدئة التي تنتظرهم في‬
‫الداخل‪.‬‬

‫أيكي شونستاين كان كاتب الليل في "ذا بلو اليت" وصديق زبائنه‪ .‬هكذا هو الحال في الجهة الشرقية‪ ،‬حيث‬
‫مستشارا‪ ،‬وكاهنًا‪ ،‬وناصحا‪ ،‬ومستعدًا بان‬
‫ً‬ ‫ال يكون قلب الصيدلية مطليًا‪ .‬هناك‪ ،‬كما ينبغي‪ ،‬يكون الصيدلي‬
‫يحظى باالحترام لعلمه‪ ،‬وتحترم حكمته الخفيه‪ ،‬وتنتقل أدويته في كثير من األحيان‪ ،‬دون تجريبها‪ ،‬إلى‬
‫المرضى‪ .‬لذلك كانت أنف أيكي المدببة وشخصه المدجج بالمعرفة معروفين جيدًا في محيط "ذا بلو اليت"‪،‬‬
‫وكانت نصائحه وإشعاراته مرغوبة جدًا‪.‬‬

‫يقيم أيكي ويتناول اإلفطار في منزل السيدة ريدل‪ ،‬على بعد تقاطعين‪ .‬كانت للسيدة ريدل ابنة تدعى روزي‪.‬‬
‫ولماذا تلك التفاصيل ‪ -‬يجب أن تكون قد خمنت ان إيكي يعشق روزي‪ .‬كانت تحتل كل أفكاره؛ كانت الخالصة‬
‫المركبة لكل ما هو نقي كيميائيًا وطبيًا – فمستودعه الطبي ال يحتوي على شيء يضاهيها‪ .‬ولكن كان أيكي‬
‫ً‬
‫خجوال‪ ،‬وظلت آماله غير قابلة للذوبان في وسط خجله ومخاوفه‪ .‬خلف طاولته كان كائنًا فائق العلم‪ ،‬يدرك‬
‫بثقة خاصة علمه وقيمته؛ خارجها كان يمشي بركبة ضعيفة‪ ،‬متبلد الذهن‪ ،‬ملطخ بمواد كيميائية ورائحة من‬
‫عصارة الصبار وفاليريانات األمونيا‪.‬‬

‫الكره في ملعب أيكي اال ان وصل تشانك ماكغوان وقال "مرحبًا‪ ،‬ها قد اتيت!"‪.‬‬

‫السيد ماكغوان كان يسعى أيضًا للحصول على االبتسامات الزاهية التي تلقيها روزي‪ .‬ولكنه لم يكن مجرد‬
‫العب خارجي كما كان أيكي؛ بل كان يلتقط ضحكتها منها مباشرة‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬كان صديقًا أليكي وزبونًا‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪46‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫له‪ ،‬وكان في كثير من األحيان يتسلل إلى "ذا بلو اليت" ليدهن جر ًحا باليود أو يضمد جرحا بعد ليلة سعيدة‬
‫قضاها على طول طريق الباوري‪.‬‬

‫وفي أحد األيام‪ ،‬دخل ماكغوان بطريقته الهادئة والصامتة‪ ،‬وجلس على كرسي‪ ،‬وجهه ناعم وقوي وال يعرف‬
‫الهزيمة‪ ،‬ومحبوبًا‪ '،‬قال أيكي'‪ ،‬عندما جلب صديقه المدقق وجلس مقابلي‪ ،‬وانا اطحن الصمغ البنزوين إلى‬
‫مسحوق معين‪ ،‬قلت له "اشغل نفسك في شيء اخر‪ .‬إن هذا الدواء لي ابحث عن شيء تريد '‪.‬فحص أيكي‬
‫وجه السيد ماكغوان بحثًا عن عالمات الصدام المعتادة‪ ،‬ولكنه لم يجد أي منها' ‪.‬ال بل قال "خذ معطفك أيكي'‪.،‬‬
‫كثيرا إن تلك اإليطاليين سيقومون بضربك '‪.‬ابتسم‬
‫ً‬ ‫'أظن بالفعل أنك تعرضت لطعنة في صدرك‪ .‬لقد قلت لك‬
‫السيد ماكغوان‪' .‬ليسوا هم'‪ ،‬قال‪' .‬ال أحد منهم‪ .‬ولكنك قد حددت التشخيص بشكل صحيح بما فيه الكفاية ‪ -‬إنه‬
‫تحت معطفي‪ ،‬بالقرب من األضالع‪ .‬قاطعه قائال أيكي! ‪ -‬روزي وأنا سنهرب ونتزوج الليلة '‪.‬‬

‫كان إصبع أيكي األوسط على حافة المدقة‪ ،‬يثبتها بثبات‪ .‬وما ان سمع ذلك ضرب اصبعه ضربة عنيفة‬
‫بالمدقة‪ ،‬لكنه لم يشعر بها‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬تالشت ابتسامة السيد ماكغوان لتصبح نظرة من الحيرة المرتبكة ‪.‬‬
‫'ستتزوج اذا'‪' ، ،‬إذا استمرت الفكرة اال ان يحين الوقت‪ .‬لقد قمنا بتخطيط الهروب لمدة أسبوعين‪ .‬في يوم‬
‫ما‪ ،‬قالت إنها ستفعل ذلك؛ وفي نفس الليلة‪ ،‬قالت ال‪ .‬اتفقنا على هذه الليلة‪ ،‬واستمرت روزي مقتنعتا هذه المرة‬
‫لمدة يومين كاملين‪ .‬ولكن هناك خمس ساعات حتى يحين الوقت‪ ،‬وأخشى أن تغير رأيها عندما يحين الوقت '‪.‬‬
‫'قلت أنك تريد الدواء‪ ،‬كان السيد ماكغوان يبدو في حالة عدم راحة وضغط ‪ -‬حالة معاكسة لسلوكه المعتاد‪.‬‬
‫قام بتحويل براءة االختراع إلى لفافة وضعها حول إصبعه بعناية ولكن بدون فائدة‪.‬‬

‫' لن أسمح لهذا المعاق أن يعكر صفوي هذه الليلة مقابل مليون'‪ ،‬قال‪' .‬لدي شقة صغيرة في هارلم جاهزة‪،‬‬
‫ً‬
‫جاهزا ينتظرنا في منزله‬ ‫مع ورود الكريزانثموم على الطاولة وغالية جاهزة‪ .‬ولقد تعاقدت مع مأذون ليكون‬
‫الستقبالنا في الساعة ‪ .9:30‬يجب أن يحدث هذا‪ .‬وإذا لم تغير روزي رأيها مرة أخرى!' –‬

‫توقف السيد ماكغوان‪ ،‬فريسة لتخيالته' ‪.‬ال أرى حتى اآلن'‪ ،‬قال أيكي بإيجاز‪' ،‬ما الذي يجعلك تأتي الي بحثا‬
‫عن الدواء‪ ،‬أو ماذا يمكن أن أفعل لك'‪.‬‬

‫مصرا على ترتيب حججه‪" .‬لمدة أسبوع لم يسمح لروزي‬


‫ً‬ ‫"العجوز ريدل ال يحبني على اإلطالق‪ "،‬استمر بعصبية‪،‬‬
‫دوالرا‬
‫ً‬ ‫بالخروج معي من الباب‪ .‬لو لم يكن األمر عائدًا إلى فقدان الزبون‪ ،‬لطردتهم منذ فورا‪ .‬أنا أجني فقط ‪20‬‬
‫في األسبوع‪ ،‬هي لن تندم أبدًا على الهروب مع تشانك مكغوان"‪.‬‬

‫"اعذرني يا تشانك"‪ ،‬قال إيكي‪" .‬يجب أن أعد وصفة يجب استالمها قريبًا "‪ ،".‬قال ماكغوان‪ ،‬فجأة‪" ،‬قل‪،‬‬
‫إيكي‪ ،‬أليس هناك دواء من نوع ما ‪ -‬نوع من المساحيق التي ستجعل الفتاة تحبك أكثر إذا قدمتها لها؟"‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪47‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫تدلت شفة إيكي تحت أنفه بسخرية العالم العبقري؛ ولكن قبل أن يتمكن من الرد‪ ،‬واصل ماكغوان‪" :‬قال لي‬
‫تيم اليسي مرة واحدة أنه حصل على بعضها من طبيب في الجزء العلوي من المدينة وقدمها لفتاته في مياه‬
‫الصودا‪ .‬من الجرعة األولى كانت في قمه الحب وبدت جميع األشخاص اآلخرين وكأنهم ال شيء بالنسبة لها‪.‬‬
‫تزوجوا في أقل من أسبوعين "‪.‬كان تشانك ماكغوان قويًا وبسي ً‬
‫طا‪ .‬كان يمكن لقارئ أفضل من إيكي أن يرى‬
‫أن هيكله القوي مشدود بأسالك رفيعة‪ .‬مثل جنرال جيد كان على وشك غزو أراضي العدو يسعى إلى حماية‬
‫كل نقطة ضد الفشل المحتمل ‪.‬تابع تشانك متأمال "اعتقدت إن كان لدي واحدة من تلك المساحيق ألعطيها‬
‫لروزي عندما أراها في العشاء الليلة قد تجعلها تتحسن وتوافق على مقترح الهروب‪ .‬أعتقد أنها ال تحتاج إلى‬
‫مجموعة بغال لنقلها معي بعيدًا‪ ،‬النساء أفضل التحكم (يقصد التحكم في الغال) منهن في الجري‪ .‬إذا كان‬
‫الدواء سيعمل لمدة ساعتين فقط‪ ،‬ستكتمل المهمة"‪ .‬سأل إيكي “متى ستحدث هذه الحماقة بالهروب؟"" ‪.‬التاسعة‬
‫مسا ًء"‪ ،‬قال السيد ماكغوان‪" .‬العشاء السابعة‪ .‬الثامنة‪ ،‬تذهب روزي إلى الفراش بصداع‪ .‬في التاسعة‪ ،‬يسمح‬
‫لي السيد بارفينزانو بالعبور إلى فناء منزله‪ ،‬حيث يوجد لوح خارج سياج ريدل‪ ،‬بجوارنا‪ .‬سأذهب أسفل‬
‫باكرا من أجل المأذون‪ .‬إنها سهلة‬
‫ً‬ ‫نافذتها وأساعدها على الهروب عبر مخرج الحريق‪ .‬علينا أن نقوم بها‬
‫تما ًما إذا لم تعارض روزي‪ .‬هل يمكنك تحضير واحدة من تلك المساحيق‪ ،‬إيكي؟‬

‫"فرك إيكي شونستاين أنفه ببطء" ‪ .‬تشانك"‪ ،‬قال‪" ،‬من هذا النوع من األدوية يجب على الصيادلة أن يكونوا‬
‫حذرين جدًا‪ .‬انت وحدك من أصدقائي من سأثق به تحت مسؤولية تجربة هذه العينة‪ .‬ولكن من أجلك سأعدها‪،‬‬
‫وسترى كيف تجعل روزي تفكر فيك "‪.‬ذهب إيكي إلى خلف مكتب الوصفات‪ .‬هناك‪ ،‬سحق إلى مسحوق‬
‫قرصين قابلين للذوبان‪ ،‬كل منهما يحتوي على ربع حبة من المورفين‪ .‬أضاف إليهم قليالً من سكر الحليب‬
‫لزيادة الحجم‪ ،‬وطوى ال مزيج بأناقة في ورقة بيضاء‪ .‬إذا تم أخذ هذا المسحوق من قبل الشخص البالغ‪ ،‬فإنه‬
‫سيضمن ساعات عديدة من النوم الثقيل دون أدني خطر عليه‪.‬‬

‫سلمه إلى تشانك ماكجوان‪ ،‬قائالً له أن يذيبه في ال سائل‪ ،‬إن أمكن‪ ،‬وتلقى شكره الحار‪ .‬ظهر ذكاء إيكي في‬
‫ً‬
‫رسوال للسيد ريدل وكشف عن خطط ماكجوان للهروب مع روزي‪ .‬كان‬ ‫فعله عند سرد االمر التالي‪ .‬أرسل‬
‫السيد ريدل رجالً سمينًا‪ ،‬وجهه مغبر بلون الطوب‪ ،‬وردة فعلة سريعه‪.‬‬

‫"شكرا جزيالً"‪ ،‬قال بإيجاز إليكي‪ .‬وأكمل قائال "هذا الكسول األيرلندي الفاشل! غرفتي الخاصة مباشرة فوق‬
‫ً‬
‫غرفة روزي‪ ،‬سأذهب هناك بنفسي بعد العشاء وسأحمل بندقية الصيد وأنتظر‪ .‬إذا جاء في فنائي‪ ،‬سيذهب‬
‫بعيدًا في سيارة إسعاف بدالً من عربة عروس‪ ".‬بينما كانت روزي محتجزة رهينه النوم العميق لساعات‬
‫ومحذرا‪ ،‬شعر إيكي أن خصمه كان قريبًا بالفعل من الهزيمة‪.‬‬
‫ً‬ ‫عديدة‪ ،‬والوالد الدموي في انتظارهما‪ ،‬مسل ًحا‬
‫طوال الليل في متجر الضوء األزرق‪ ،‬انتظر في مكان عملة امال فرصة للحصول على أخبار عن المأساة‪،‬‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬


‫‪48‬‬
‫او هنري ‪ 100‬قصة قصيرة مختارة‬

‫ت أي أخبار‪ .‬في الساعة الثامنة صبا ًحا وصل زميلة في العمل وانطلق إيكي على عجل إلى منزل‬
‫ولكن لم تأ ِ‬
‫السيدة ريدل لمعرفة النتيجة‪ .‬وها هو! عندما خرج من المتجر‪ ،‬من هو إال تشانك ماكجوان الذي قفز من عربة‬
‫الشارع المارة وأمسك بيده ‪ -‬تشانك ماكجوان بابتسامة الفائز ووجهه متورم من الفرح‪" .‬نجحت"‪ ،‬قال تشانك‬
‫بنعيم في ابتسامته‪" .‬وصلت روزي إلى الهروب بالضبط في الوقت المناسب‪ ،‬وكنا تحت السياج في كنيسة‬
‫القس في الساعة ‪ 9:30‬وربع‪ .‬إنها في الشقة اآلن – قد طهيت لي البيض هذا الصباح برداء أزرق ‪ -‬هللا! كم‬
‫أنا محظوظ! يجب أن تأتي يو ًما ما‪ ،‬إيكي‪ ،‬وتتناول الطعام معنا‪ .‬لدي وظيفة بالقرب من الجسر‪ ،‬وهذا هو‬
‫المكان الذي أتوجه إليه اآلن"‪.‬‬

‫"المسحوق؟"‪ ،‬تلعثم إيكي‪" .‬أوه‪ ،‬هذا الشيء الذي أعطيتني إياه!"‪ ،‬قال تشانك وابتسم عريضًا‪" .‬حسنًا‪ ،‬كان‬
‫األمر هكذا‪ .‬جلست على طاولة العشاء الليلة الماضية في منزل ريدل‪ ،‬ونظرت إلى روزي‪ ،‬وقلت لنفسي‪،‬‬
‫'تشانك‪ ،‬إذا كنت ستحصل على الفتاة‪ ،‬فاحصل عليها بصدق ‪ -‬ال تحاول أي خدعة مع فتاة ذات سمعة طيبة‬
‫مثلها‪ '.‬وأبقيت الورقة التي أعطيتني إياها في جيبي‪ .‬وبعد ذلك تساقطت اطرافي على بعض‪ ،‬وقلت في نفسي‪،‬‬
‫ان السيد ريدل ال يظهر االهتمام الكافي تجاه خطيب ابنته القادم‪ ،‬لذا شاهدت فرصتي وقمت برش ذلك‬
‫المسحوق في قهوة السيد ريدل ‪ -‬كما ترى؟"‬

‫ترجمة الدكتور ليث السعودي‬

You might also like