Professional Documents
Culture Documents
Null
Null
االعتراف:
-محمود درويش
كباقي أعضاء مدرسة فرانكفورت ،حاول أكس3ل ه33ونيث مقارب33ة مختل33ف القض33ايا والمش3اكل
االجتماعية والسياسية واألخالقية التي يع3اني منه3ا المجتم3ع المعاص3ر ،الش3يء ال3ذي ح3ذا ب3ه
إلى تأس 33يس نظري 33ة جدي 33دة [ وإ ن ك 33انت ليس 33ت جدي 33دة ك 33ل الج 33دة كم 33ا رأين 33ا]؛ إنه 33ا نظري 33ة
فق33د اكتس33ت ه33ذه النظري33ة أهمي33ة كب33يرة ج33دا في الس33نوات األخ33يرة -ولعله33ا النظري33ة األك33ثر
طلبا في المجتمعات العربية الي33وم -في مج33االت الفك33ر السياس33ي ،واالجتم33اعي ،واألخالقي،
الغ33 3ربي؛ إذ إن33 3ه ال يمكن تحقي33 3ق االس33 3تقرار ،وض33 3مان قيم التس33 3امح -في نظ33 3ر ه33 3ونيث،-
والحف 33اظ على حق 33وق االنس 33ان المش 33روعة أخالقي 33ا ،وقانوني 33ا إال بواس 33طة مب 33دأ االع 33تراف.
ولعل ذلك هو ما يجعل هذه النظرية تحظى بأهمية كبرى في فكر هونيث؛ حيث إن الرج33ل
يح33اول من خالله33ا إع33ادة بن33اء ش33بكة العالق33ات االجتماعي33ة ،واإلنس33انية ،بغ33رض إلغ33اء -أو
التقلي33 3ل في أفض33 3ل األح 33وال -من المعان33 3اة ،والظلم االجتم33 3اعي ،والسياس 33ي ،والالمس 33اواة،
المجتمعات المعاصرة بغرض فهم التجارب األخالقية؛ وذلك في أفق تجاوزها -في ظل ما
وتق33دم نظري33ة االع33تراف بوص33فها حال لمش33كلة الص33راع؛ إذ يمث33ل غياب33ه(=االع33تراف) أح33د
األمراض التي تفت3ك بالمجتمع3ات المعاص3رة ،ذل3ك أن الص3راع ه3و س3ؤال ق3ديم-جدي3د؛ فه3و
الزال يطرح نفسه بقوة؛ ولعل هذا هو ما حذا بهونيث إلى طرح هذه النظرية كحل له33ا؛ إذ
إن تحقيق الذات -الذي يعتبر مطلبا ال مج3ال إلغفال33ه الي33وم -في نظ33ره أم33ر مره33ون بإقام33ة
أو تأس33يس االع33تراف المتب33ادل بين الن33اس ،وذل33ك ض33من ثالث33ة أش33كال أساس33ية؛ هي الحب (
يتح33دث " أكس33ل ه33ونيث" عن الش33كل األول؛ أي الحب ليس بحص33ره في المع33نى الرومانس33ي
للعالق33ة الجنس33ية الحميمي33ة ،ب33ل ينبغي اس33تخدامه -يق33ول -بطريق33ة حيادي33ة :1فعالق33ات الحب
هنا تنطوي على كل العالقات األولي3ة؛ حيث اف3تراض وج3ود رواب3ط عاطفي3ة قوي3ة بين ع3دد
مح33 3 3دود من األش33 3 3خاص .والح33 3 3ال أن تجرب33 3 3ة الحب المتب33 3 3ادل تش33 3 3كل الدرج33 3 3ة األولى من
االع33 3 3تراف بين ال33 3 3ذاتين المتح33 3 3ابتين(=األم وطفله33 3 3ا مثال)؛ حيث تقوم33 3 3ان بتأكي33 3 3د نفس33 3 3يهما
بوص33فهما كائن33ات عيني33ة لهم33ا حاج33ات هي األخ33رى عيني33ة؛ فتجرب33ة االهتم33ام المتب33ادل ت33تيح
للذاتين معا االتحاد؛ حيث تتبع كل من الذاتين الطرف اآلخر إلشباع ما هي بحاجة إليه.
: 1أكسل هونيث ،الصراع من أجل االعتراف ،ترجمة جورج كنورة ،المكتبة الشرقية .بيروت .2015 .ص175 :
إن الح 33ديث هن 33ا إنم 33ا ي 33دور ح 33ول اعتب 33ار ال 33ذات '' نفس 33ها في غ 33ريب''؛ فالعالق 33ات العاطفي 33ة
األولي33ة تف33ترض توازن33ا مؤقت33ا بين االس33تقالل ال33ذاتي والتبعي33ة؛ س3يما وأن عالق33ات االع33تراف
تفترض أوال الوج3ود الجس3دي الفيزي33ائي لكائن33ات عيني33ة؛ كائن33ات تكّن لبعض33ها االح3ترام .إن
الحب ه33و الص33ورة األولي33ة لالع33تراف؛ إذ إن33ه يرب33ط الف33رد بالجماع33ة ،وبش33كل أك33بر وأق33وى
باألسرة التي تمثل المحيط الذي ينفتح عليه الطفل في أول األمر.
ومن ج 33انب التحلي 33ل النفس 33ي -إن ج 33ازت لن 33ا ه 33ذه اإلش 33ارة -ف 33إن ''جس 33يكا بني 33امين'' ق 33امت
بمحاول33ة هام33ة وأولى لتفس33ير عالق33ة الحب بوص33فها س33يرورة اع33تراف متب33ادل؛ ف33الحب ه33و
ش33 3كل خ33 3اص من االع33 3تراف؛ إذ إن نج33 3اح العالق33 3ات العاطفي33 3ة -من وجه33 3ة نظ33 3ر التحلي33 3ل
النفس33ي -ال يمكن أن يتحق33ق إال من خالل الق33درة المكتس33بة في الطفول33ة المبك33رة حيث جع33ل
الطف33ل يرب33ط بين التكاف33ل المعيش33ي وتق33دير ال33ذات .يق33ول ه33ونيث (( :يمكنن33ا حينه33ا االعتق33اد
بأن عالقة الحب قد تميزت فقط بحالة من االعتراف تتسم بسمة القب3ول المع3رفي باس3تقاللية
اآلخ33ر 2)).ف33إذا ك33ان االع33تراف عنص33را مكون33ا للحب ف33ذلك ليس معن33اه وج33وب أخ33ذ اآلخ33ر
باالعتبار على المستوى المعرفي؛ بل بالمعنى الذي يوصل إلى القبول باالستقاللية الذاتية.
إن للطف33ل عالق33ة أولي33ة م33ع أم33ه وهي عالق33ة قائم33ة على الحب؛ حيث ي33تيح ل33ه ذل33ك التع33رف
على ذاته وكذا على ذات أخرى؛ أي ذات أمه أول األمر .ذل33ك على ال33رغم من أن عالق33ات
وغيرها..
أم 33ا الش 33كل الث 33اني من ه 33ذا االع 33تراف فه 33و الح 33ق ،ال 33ذي ي 33راد ب 33ه االع 33تراف االجتم 33اعي،
والحق33 3وقي ،والق33 3انوني بالش33 3خص ،وبحقوق33 3ه ال33 3تي يتمت33 3ع به33 3ا بالض33 3رورة؛ فممارس33 3ة ه33 3ذا
الش33خص لحقوق33ه يجلب ل33ه اع33تراف اآلخ33رين؛ وفي ال33وقت نفس33ه يع33ترف بهم من خالل م33ا
لهم من حق 33وق يمارس 33ونها؛ فمن خالل م 33ا للش 33خص من حق 33وق يمي 33ل إلى االع 33تراف ب 33ذات
إن س33لب ح33ق اآلخ33رين معن33اه ع33دم االع33تراف بهم -م33ا أك33ثر ذل33ك في المجتمع33ات العربي33ة-
ذل33ك أن ع33دم تم33تيع الش3عوب بحقوقه33ا يحم33ل مع33نى واح3دا -من منظ33ور ه33ونيث -وه33و ع33دم
وفيما يرتبط بالشكل الثالث من هذا االعتراف -أي التضامن -؛ فإن هونيث يربطه بمس33ألة
التقدير االجتماعي؛ حيث إن األمر يرتبط بما يقدمه هذا الش33خص في س33بيل الجماع33ة ،وه33ذا
الذي يقدمه يؤدي إلى إغداقه بنوع من التقدير ،واالع33تراف االجتم33اعيين؛ والح33ال أن األم33ر
هن33ا مج33اوز لمس33ألة الح33ق؛ إذ ق33د تحص33ل على اع33تراف ال يرتب33ط بم33ا ه33و ق33انوني-حق33وقي،
أي الحب -يضمن له الثقة بالذات التي توفرها األسرة بشكل كبير ،وهو ما يمكن أن نطلق
عليه ''التذاوت الذاتي'' .أما الشكل الثاني وه3و الح3ق؛ فإن3ه يحق3ق نوع3ا من االح3ترام لل3ذات.
في حين يقدم الشكل الثالث إمكانية إكساب الذات قيمة اجتماعية.
وفي مقابل كل ذلك نجد هناك عدة أش3كال مناهض3ة أو مض3ادة لالع3تراف؛ وهي أش3كال من
وه 33 3و ن 33 3وع من االحتق 33 3ار ،واالزدراء على المس 33 3توى الجس 33 3دي؛ وذل 33 3ك ع 33 3بر التع 33 3ذيب أو
االغتصاب ..الشيء الذ يشعر الضحية بالخنوع إلرادة الغير وتبعيته له ،وهذه التجربة إنما
تقود إلى فقدان الثقة بالنفس -التي تمثل أساس االعتراف ،-كما في اآلخرين .
يمثل الحق أحد أشكال االعتراف؛ وس3لب ول3و ج3زء من ه3ذا الح3ق المش3روع للش3خص ،ه3و
س3لب لالع3تراف ب33ه :فش3خص س3لبت حقوق3ه معن33اه أن33ه لن يعام33ل بالطريق33ة ال33تي يعام33ل به33ا
ن33 3وع من الحكم على القيم33 3ة االجتماعي33 3ة لبعض األف33 3راد ،بص33 3ورة س33 3لبية ال تلي33 3ق بمق33 3امهم
االجتم 33اعي واألخالقي؛ فه 33ذا الش 33كل يتم على المس 33توى التق 33ييمي والمعي 33اري ،حيث تربط 33ه
إن أشكال االحتقار كما تحدث عنها أكسل هونيث تقلل من االعتراف وتعمل كمضادات له؛
حيث يص33بح ل33دينا مجتم33ع يس33ود في33ه االحتق33ار واالزدراء االجتم33اعيين ،وه33و م33ا يعي33ق أي33ة
إمكاني33ة لبل33وغ حال33ة االس33تقرار ال33تي يتوخاه33ا ''ه33ونيث'' ،على الص33عيد السياس33ي ،والنفس33ي،
واالجتماعي ..هكذا ،فقد حاول العم3ل على إظه3ار الكيفي3ة ال3تي به3ا ي3تيح االع3تراف إمكاني3ة
بل33 3 3وغ االس33 3 3تقرار السياس33 3 3ي ،وإ يص33 3 3ال المجتم33 3 3ع إلى حال33 3 3ة من الطمأنين33 3 3ة ،واالع33 3 3تراف،
والتذاوت.
فاالعتراف في تقدير ''هونيث'' يشكل قوة أخالقية ت3تيح إمكاني3ة تط3ور وتق3دم المجتم3ع ،على
اعتبار أن تجربة اإلذالل تمثل في نظره منبعا للوعي ،ومصدرا لمختل33ف حرك33ات المقاوم33ة