Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 108

RUKUN NEGARA

Bahawasanya Negara Kita Malaysia


mendukung cita-cita hendak;

Mencapai perpaduan yang lebih erat dalam kalangan


seluruh masyarakatnya;

Memelihara satu cara hidup demokrasi;

Mencipta satu masyarakat yang adil di mana kemakmuran negara


akan dapat dinikmati bersama secara adil dan saksama;

Menjamin satu cara yang liberal terhadap


tradisi-tradisi kebudayaannya yang kaya dan pelbagai corak;

Membina satu masyarakat progresif yang akan menggunakan


sains dan teknologi moden;

MAKA KAMI, rakyat Malaysia,


berikrar akan menumpukan
seluruh tenaga dan usaha kami untuk mencapai cita-cita tersebut
berdasarkan prinsip-prinsip yang berikut:

KEPERCAYAAN KEPADA TUHAN


KESETIAAN KEPADA RAJA DAN NEGARA
KELUHURAN PERLEMBAGAAN
KEDAULATAN UNDANG-UNDANG
KESOPANAN DAN KESUSILAAN
(Sumber: Jabatan Penerangan, Kementerian Komunikasi dan Multimedia Malaysia)
‫جلنة إعداد وتطوير املناهج باألزهار الرشيف‬

‫‪٢٠١٩‬‬

‫‪2019‬‬
‫ڤڠهرڬاءن‬
‫‪No. Siri Buku: 0204‬‬

‫‪KPM2019 ISBN 978-967-2212-39-3‬‬


‫ڤنربيتن بوكو تيک س اين مليبتكن كرجاسام‬ ‫بوكو اين تيسيرشرح جوهرة التوحيد للشيخ �إبراهيم البيجوري اياله‬
‫تربيتن سمولا يڠ صح درڤد تيسيرشرح جوهرة التوحيد للشيخ‬
‫باپق ڤيهق‪ .‬سكالوڠ ڤڠهرڬاءن دان تريام كاسيه‬
‫�إبراهيم البيجوري اوليه لجنة �إعداد وتطوير المناهج بال�أزهر الشريف يڠ‬
‫دتوجوكن كڤد سموا ڤيهق يڠ ترليبت‪:‬‬ ‫دتربيتكن اوليه ال�أزهر الشريف قطاع المعاهد ال�أزهرية دان ڤيهق ال�أزهر‬
‫• جاوتنكواس ڤنمبهباءيقن ڤروف موک سورت‪،‬‬ ‫الشريف يڠ ممبنركن‪ ،‬سچارا وقف اونتوق توجوان ڤنديديقن دمليسيا‪.‬‬
‫هباڬني سومرب دان تيكنولوڬي ڤنديديقن‪،‬‬ ‫© ‪2017-2016‬م اوليه ال�أزهر الشريف‬
‫كمنرتين ڤنديديقن مليسيا‪.‬‬ ‫چيتقن ڤرتام ‪2019‬‬
‫© كمنترين ڤنديديقن مليسيا‬
‫• جاوتنكواس ڤپـيمقن نسخه سديا كامريا‪ ،‬‬
‫حق چيڤتا ترڤليهارا‪ .‬مان‪ 2‬باهن دالم بوكو اين تيدق دبنركن دتربيتكن‬
‫هباڬني سومرب دان تيكنولوڬي ڤنديديقن‪ ،‬‬ ‫سمولا‪ ،‬دسيمڤن دالم چارا يڠ بوليه دڤرڬوناكن لاڬي‪ ،‬اتاوڤون‬
‫كمنرتين ڤنديديقن مليسيا‪.‬‬ ‫دڤيندهكن دالم سبارڠ بنتوق اتاو چارا‪ ،‬باءيق دڠن ايليكترونيک‪،‬‬
‫ميكانيک‪ ،‬ڤڠڬمبرن سمولا ماهوڤون دڠن چارا ڤراقمن تنڤا كبنرن‬
‫ترلبيه دهولو درڤد كتوا ڤڠاره ڤلاجرن مليسيا‪ ،‬كمنترين ڤنديديقن • ڤڬاواي‪ ٢‬هباڬني سومرب دان تيكنولوڬي ‬
‫ڤنديديقن دان ملباڬ ڤڤريقساءن مليسيا‪،‬‬ ‫مليسيا‪ .‬ڤرونديڠن ترتعلوق كڤد ڤركيراءن رويلتي اتاو هونوراريوم‪.‬‬
‫كمنرتين ڤنديديقن مليسيا‪.‬‬ ‫دتربيتكن اونتوق كمنترين ڤنديديقن مليسيا اوليه‪:‬‬
‫• ڤانل‪ 2‬كاولن موتو داملن ارس ميڬ‪.‬‬ ‫ارس ميݢ (م) سنديرين برحد (‪)W-164242‬‬
‫‪ ،20 & ١٨‬جالن داماي ‪،2‬‬
‫تامن ديسا داماي‪ ،‬سوڠاي مراب‪،‬‬
‫‪ ٤٣٠٠٠‬كاجڠ‪ ،‬سلاڠور دار ال�إ حسان‪.‬‬
‫تيليفون‪٠٣-٨٩٢٥ ٨٩٧٥ :‬‬
‫فک س‪٠٣-٨٩٢٥ ٨٩٨٥ :‬‬
‫اي‪-‬ميل‪amsb@arasmega.com :‬‬
‫لامن ويب‪www.arasmega.com:‬‬
‫موک تاءيڤ تيکس‪ :‬لوتوس لينوتيف‬
‫ساءيز موک تاءيڤ‪ 16/20 :‬ڤوءين‬
‫ڤنچيتق‪:‬‬
‫اتتين ڤريسس سندرين برحد‪،‬‬
‫‪ ،8‬جالن ڤرايندوسترين ‪،4PP‬‬
‫تامن ڤرايندوسترين ڤوترا ڤرماي‪ ،‬بندر ڤوترا ڤرماي‪،‬‬
‫‪ 43300‬سري كمبڠن‪ ،‬سلاڠور‪.‬‬
‫فهرس املوضوعات‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬
‫‪i‬‬ ‫السمعيات‬
‫‪1‬‬ ‫املالئكة‬ ‫‪1‬‬

‫‪9‬‬ ‫‪ 2‬اجلن والشياطني‬


‫ ‬

‫‪13‬‬ ‫‪ 3‬املوت‬
‫ ‬

‫‪16‬‬ ‫‪ 4‬أجل املقتول‬


‫ ‬

‫‪19‬‬ ‫النفخ يف الصور وما اختلف يف فنائه‬ ‫‪5‬‬

‫‪22‬‬ ‫‪ 6‬الروح‬
‫ ‬

‫‪26‬‬ ‫سؤال القرب وعذابه ونعيمه‬ ‫‪7‬‬

‫‪33‬‬ ‫‪ 8‬البعث واحلساب‬


‫ ‬

‫‪41‬‬ ‫ ‬
‫‪ 9‬اليوم اآلخر‬

‫‪45‬‬ ‫ ‬
‫‪ 10‬الشفاعة‬

‫‪51‬‬ ‫‪ 11‬احلسنات والسيئلت‬


‫ ‬

‫‪53‬‬ ‫‪ 12‬التوبة‬
‫ ‬

‫‪58‬‬ ‫‪ 13‬الذنوب كبائر وصغائر‬

‫ج‬
‫الصفحة‬ ‫املوضوع‬

‫‪61‬‬ ‫‪ 14‬حكم مرتكب الكبرية‬

‫‪64‬‬ ‫‪ 15‬صحائف األعامل‬


‫ ‬

‫‪67‬‬ ‫‪ 16‬الوزن وامليزان‬


‫ ‬

‫‪70‬‬ ‫‪ 17‬الرصاط‬
‫ ‬

‫‪73‬‬ ‫‪ 18‬احلوض‬
‫ ‬

‫‪75‬‬ ‫والكريس القلم واللوح املحفوظ‬


‫ّ‬ ‫‪ 19‬اإليامن بالعرش‬

‫‪77‬‬ ‫ ‬
‫‪ 20‬اجلنة والنار‬

‫‪82‬‬ ‫اآلثار املرتتبة عىل اإليامن بالسمعيات‬ ‫‪21‬‬


‫‪84‬‬ ‫الكليات اخلمس التي أوجب الرشع حفظها‬ ‫‪22‬‬
‫‪85‬‬ ‫املعلوم من الدين بالرضورة‬ ‫‪23‬‬
‫‪86‬‬ ‫‪ 24‬اإلمامة‬
‫ ‬

‫‪88‬‬ ‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬ ‫‪25‬‬


‫‪92‬‬ ‫‪ 26‬خامتة املنظومة‬
‫ ‬

‫د‬
‫مقدمة‬

‫احلمد هلل رب العاملني‪ ،‬والصالة والسالم عىل رسول رب العاملني‪ ،‬حممد وعىل آله وصحبه‬
‫والتابعني أمجعني‪ ،‬وبعد‪:‬‬
‫ ‬
‫فهذا هو اجلزء الثالث من كتاب (تيسري رشح جوهرة التوحيد) للشيخ إبراهيم‬
‫البيجوري املقرر عىل طالب الصف الثالث الثانوي‪ ،‬وهو امتداد للجزء الثاين الذي‬
‫تناول موضوعات تتعلق بأفعال العباد‪ ،‬والتوفيق واخلذالن‪ ،‬والوعد والوعيد‪ ،‬والصالح‬
‫واألصلح‪ ،‬والقضاء والقدر‪ ،‬ورؤية اهلل تعاىل‪ ،‬وحاجة البرش إىل الرسالة‪ ،‬والوحي‬
‫وأنواعه‪ ،‬والرسل‪ ،‬والواجب يف حقهم واملستحيل واجلائز‪ ،‬واملعجزة‪ ،‬ومعجزات نبينا ‪،‬‬
‫وكرامات األولياء‪ ،‬واعتقادنا يف الصحابة ‪.‬‬
‫ ‬
‫ويأيت هذا اجلزء‪ ،‬ليمكن الطالب من دراسة موضوعات تتعلق بالسمعيات كاملالئكة‪،‬‬
‫واجلن والشياطني‪ ،‬واملوت‪ ،‬وأجل املقتول‪ ،‬والروح‪ ،‬وسؤال القرب وعذابه ونعيمه‪،‬‬
‫والبعث‪ ،‬واحلساب‪ ،‬واليوم اآلخر وما يتعلق به من شفاعة‪ ،‬وحسنات وسيئات‪ ،‬وتوبة‪،‬‬
‫ووزن وميزان‪ ،‬ورصاط‪ ،‬وحوض‪ ،‬وجنة ونار ‪ ..‬والكليات اخلمس‪ ،‬واإلمامة‪ ،‬واألمر‬
‫باملعروف والنهي عن املنكر ‪.‬‬
‫ ‬
‫وقد استهدف الكتاب تقريب وتيسري هذه املوضوعات إىل أذهان الطالب بأسلوب‬
‫مبسط‪ ،‬يتواءم مع الواقع ا ُملعاش‪ ،‬رغبة يف إعداد جيل قادر عىل التفكري واالبتكار والنقد‪،‬‬
‫ومواجهة حتديات الواقع احلارض بحلول مناسبة‪.‬‬

‫وقد صيغت موضوعاته بطريقة تتيح للطالب أن يكون ف َّع ًال داخل الصف‪ ،‬مشاركًا‬
‫يف نشاطات الدرس وتدريباته املتنوعة ‪ -‬بني مقالية وموضوعية ‪ -‬من أجل تنمية مهارات‬
‫التفكري العليا‪ ،‬مثل القدرة عىل االستنتاج والتلخيص واملقارنة واملوازنة ‪ ...‬وغريها‪.‬‬

‫ه‬
‫وقد اهتمت اللجنة التي قامت عىل إخراج هذا الكتاب بعدة منطلقات أساسية يف‬
‫إعداده نجملها فيام ييل‪:‬‬

‫‪ 1 .1‬حتديد أهداف عامة للكتاب تسهم يف توضيح الرؤية فيام يتعلق بنوعية املحتوى الذي‬
‫حيتاجه الطالب‪ ،‬واختيار خرباته التعليمية من معارف ومهارات وطرق تفكري‪...‬‬
‫‪2 .2‬االهتامم باملرحلة العمرية التي يمر هبا الطالب‪ ،‬وهي مرحلة تتطلب فهم املجردات‬
‫بأسلوب مبسط‪.‬‬
‫‪3 .3‬االهتامم باللغة املستخدمة يف الكتاب‪ ،‬حيث روعي يف الصياغة تيسري ما غمض من‬
‫عبارات الكتاب‪ ،‬من خالل اختيار مجل بسيطة ومفردات تقع يف متناول الطالب‪.‬‬
‫‪4 .4‬استبعاد ما ال صلة له بعلم التوحيد من تفريعات هي أقرب ما تكون إىل علوم أخرى‬
‫كالفقه وعلوم اللغة وغريها‪.‬‬
‫‪5 .5‬استبعاد أبيات املنظومة التي ال تناسب الطالب الذين أعدت هلم هذه الطبعة‪.‬‬
‫‪6 .6‬إضافة عنوان لكل مبحث وعناوين أخرى فرعية تعني عىل فهم املادة العلمية‪ ،‬وتسهم يف‬
‫إثراء خربات الطالب‪ ،‬وزيادة رغبتهم يف التعلم‪.‬‬
‫‪7 .7‬االهتامم بالتقويم بمعنى إتْباع كل درس بعدة اختبارات متنوعة مقالية وموضوعية‬
‫حصله الطالب من معارف ومعلومات وتعمل عىل زيادة فاعلية‬ ‫من شأهنا قياس ما َّ‬
‫حتصيل املعلومات لدهيم‪ ،‬عىل اعتبار أن التقويم له دور مهم يف ذلك‪.‬‬
‫‪8 .8‬استبعاد اهلوامش والرشوحات املضمنة هبا‪.‬‬
‫خالصا لوجهه الكريم‪ ،‬وأن يفيد‬
‫ً‬ ‫ويف النهاية نسأل اهلل العيل القدير أن جيعل عملنا‬
‫منه طالب العلم‪ .‬إنه نعم املجيب‪.‬‬

‫لجنة إعداد وتطوير املناهج باألزهر الرشيف‬

‫و‬
‫أهداف ُم َق ّرر الصف الثالث الثانوي‬
‫يتوقع بعد دراسة هذا املقرر حتقيق ما ييل‪:‬‬

‫‪1 .1‬يوضح املقصود بالسمعيات وطرق إثباهتا‪1212 ،‬يتعرف عىل املقصود بالشفاعة‪ ،‬معدِّ ًدا‬
‫أنواعها‪ ،‬مفندً ا الشبهات املثارة حوهلا‪.‬‬ ‫معدِّ ًدا قضاياها‪.‬‬
‫‪ 1313‬حيدد املقصود باحلسنات والسيئات‪،‬‬ ‫‪2 .2‬يتعرف طبيعة املالئكة‪ ،‬وأصنافهم‪،‬‬
‫ذاكرا مراتب تضعيف احلسنات‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مستدل‬ ‫وصفاهتم‪ ،‬وحكم اإليامن هبم‪،‬‬
‫‪1414‬يوضح املقصود بالتوبة ورشوطها‬ ‫بالنقل والعقل عىل ذلك‪.‬‬
‫موضحا مواطن صحة التوبة‬ ‫ً‬ ‫وحكمها‪،‬‬ ‫موضحا آراء‬ ‫ً‬ ‫‪3 .3‬يفرق بني اجلن والشياطني‪،‬‬
‫بالنسبة للكافر‪ ،‬وحكم من عاد إىل الذنب‬ ‫مستدل عىل ما يذكر‪.‬‬ ‫ً‬ ‫العلامء يف حقيقتهام‪،‬‬
‫بعد التوبة‪.‬‬ ‫موض ًحا حكم اإليامن به‪.‬‬ ‫‪ 4 .4‬يذكر حقيقة املوت‪ِّ ،‬‬
‫موضحا مكفراهتا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫‪5 .5‬يوضح آراء أهل السنة واملعتزلة يف أجل ‪ 1515‬يصنف أنواع الذنوب‪،‬‬
‫موضحا‬
‫ً‬ ‫‪ 1616‬يتعرف عىل املقصود بالكبائر‪،‬‬ ‫مستدل عىل ما يذكر‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫املقتول‪،‬‬
‫أقوال العلامء يف مرتكبها‪ ،‬ودليل كل رأي‪.‬‬ ‫يبي مذاهب العلامء يف الروح‪ ،‬و َع ْجب‬ ‫‪ِّ 6 .6‬‬
‫‪1717‬يذكر املقصود بصحائف األعامل‪،‬‬ ‫مستدل عىل ما يذكر‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫الذنب‬
‫موضحا طريقة أخذ هذه الصحائف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫‪7 .7‬يوضح حقيقة الروح وآراء العلامء يف‬
‫وحكم اإليامن بثبوهتا‪.‬‬ ‫مستدل عىل ما يذكر من آراء ‪.‬‬ ‫ًّ‬ ‫حدوثها‪،‬‬
‫‪ 1818‬حيدد معنى الوزن وامليزان‪ ،‬والرصاط‪،‬‬ ‫‪8 .8‬يتعرف عىل املقصود باحلياة الربزخية‬
‫واحلوض‪ ،‬والعرش‪ ،‬والكريس‪ ،‬والقلم‪،‬‬ ‫وحقيقة عذاب القرب ونعيمه‪ ،‬مفندً ا‬
‫والكاتبني‪ ،‬واللوح املحفوظ ‪ ،‬واجلنة والنار‪ ،‬وما‬ ‫ًّ‬
‫مستدل‬ ‫الشبهات املثارة حول عذاب القرب‪،‬‬
‫يرتبط هبا من أحكام‪ ،‬مد ِّل ًل عىل ما يذكر‪.‬‬ ‫عىل ما يذكر‪.‬‬
‫‪ 1919‬يتعرف عىل املقصود باملحافظة عىل الكليات‬ ‫‪ 9 .9‬يتعرف عىل حقيقة البعث واحلساب واحلرش‪،‬‬
‫اخلمس‪ ،‬راغ ًبا يف املحا فظة عليها ‪.‬‬ ‫موض ًحا أنواع احلرش‪ ،‬وما يرتبط هبا من أحكام‪.‬‬ ‫ِّ‬
‫‪2020‬يوضح املقصود باإلمامة‪ ،‬حمدِّ ًدا رشوط‬ ‫‪1010‬حيدِّ د املقصود باليوم اآلخر‪ ،‬معدِّ ًدا‬
‫موضحا األحكام املتعلقة هبا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫اإلمام‪،‬‬ ‫ذاكرا املراد هبول املوقف‪ ،‬معدِّ ًدا‬ ‫أسامءه‪ً ،‬‬
‫‪2121‬يتعرف عىل املقصود باألمر باملعروف‬ ‫أهوال يوم القيامة‪.‬‬
‫والنهي عن املنكر‪ ،‬ودليل وجوهبام‪،‬‬ ‫‪ 1111‬يذكر حكم اإليامن باليوم اآلخر‪ ،‬وحكم‬
‫موضحا كيفية التحيل‬ ‫ً‬ ‫ورشوطهام‪،‬‬ ‫موضحا عالماته الصغرى والكربى‪.‬‬ ‫ً‬ ‫منكره‪،‬‬
‫بالفضائل والتخيل عن الرذائل‪.‬‬
‫ز‬
‫السمعيات‬
‫هذا هو القسم الثالث من أقسام علم التوحيد الثالثة‪( :‬اإلهليات النبوات ‪ -‬السمعيات)‬
‫وس ِّميت بالسمعيات؛ ألنه ال طريق ملعرفتها إال الكتاب والسنة‬
‫أيضا‪ُ ،‬‬‫وقد تسمى الغيبيات ً‬
‫دخل للعقل يف الوصول إىل ما يذكر يف هذا‬ ‫واألصل يف وصوهلا إلينا السامع فقط‪ ،‬فال َ‬
‫القسم‪ ،‬وجيب اإليامن به كاملالئكة واجلن واألرواح واليوم اآلخر واجلنة والنار‪ ،‬أما تسميتها‬
‫بالغيبيات فألهنا أمور غائبة عنّا‪ ،‬وال نستطيع أن نصل للعلم هبا عن طريق علومنا املكتسبة‪.‬‬

‫احلس‪ ،‬وعىل ذلك يدخل فيه اإليامن بوجود‬


‫ّ‬ ‫ وقد يقصد بالغيب كل ما كان غائ ًبا عن‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬واإليامن باملالئكة‪ ،‬واجلن‪ ،‬وقد استعمل القرآن لفظ الغيب يف هذا املعنى‪.‬‬

‫أعم من السمعيات‪ ،‬ألن من الغيب ما ييل‪:‬‬ ‫وعليه َّ‬


‫فإن الغيب ُّ‬

‫دل عليه السمع‪ ،‬وهو ما يسمى بالسمعيات‪.‬‬ ‫‪1 .1‬ما َّ‬


‫غيب أشار إليه السمع‪ ،‬ويطالب اإلنسان باستخدام العقل للنظر فيه‪ ،‬حتى يتعرف‬ ‫‪ٌ 2 .2‬‬
‫عليه كإثبات ذات اهلل تعاىل‪.‬‬
‫غيب وضع اهلل عز وجل أسبابه يف األرض‪ ،‬وطالب العقالء أن يبحثوا عنها‪،‬‬ ‫‪ٌ 3 .3‬‬
‫كاالكتشافات العلمية‪.‬‬
‫غيب زماين من أخبار األمم السابقة فعل ما كان يف املايض البعيد أو املستقبل الذي مل يصل‬
‫‪ٌ 4 .4‬‬
‫إليه اإلنسان بعد‪.‬‬
‫‪5 .5‬غيب مكاين فعل ما أخرب اهلل عن وقوعه يف األرض أو السامء مما مل يصل إليه اإلنسان‪.‬‬
‫ورس من أرساره ال يعلمه أحدٌ إال هو‪ ،‬وهو املشار إليه يف‬ ‫‪6 .6‬غيب بقي يف علم اهلل ٌّ‬
‫قوله تعاىل‪:‬‬

‫ح‬
‫(‪)1‬‬

‫غيب‪ ،‬وليس‬
‫ٌ‬ ‫كل ٍ‬
‫أمر سمعي‬ ‫ويصح القول إن َّ‬
‫ُّ‬ ‫أخص من الغيبيات‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫إ ًذا فالسمعيات‬
‫أمرا سمع ًّيا‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫غيب ً‬ ‫ُّ‬
‫كل‬

‫والسمعيات ال سبيل إىل العلم هبا إال النص الصحيح قرآنًا كان أو سنة‪ ،‬وال جمال‬
‫لالجتهاد فيها إال يف دائرة حتقيق النص وفهمه الفهم السوي يف إطار ضوابط الفكر‬
‫واالستدالل‪.‬‬

‫قضايا السمعيات‪:‬‬

‫ُ‬
‫وسؤال منكر ونكري‪،‬‬ ‫والنرش‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫احلرش‪،‬‬ ‫إثبات‬
‫ُ‬ ‫جعلها اإلمام الغزا ُّيل عرشة أمور هي‪:‬‬
‫اإلمامة‪ ،‬و َأ َّن أفضل‬ ‫ِ‬
‫والنار‪ ،‬وأحكا ُم‬ ‫ِ‬
‫وخلق اجلنة‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫والرصاط‪،‬‬ ‫ُ‬
‫وامليزان‬ ‫وعذاب القرب‪،‬‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫ورشوط اإلمامة‪.‬‬ ‫الصحابة عىل حسب ترتيبهم يف اخلالفة‪،‬‬

‫۞۞۞‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة األنعام‪59 :‬‬

‫ط‬
‫املناقشة‬
‫‪1 .1‬عرف السمعيات‪ ،‬وما حكم اإليامن هبا؟‬
‫‪2 .2‬الغيب أعم من السمعيات‪ .‬وضح ذلك‪.‬‬
‫‪3 .3‬أكمل‪:‬‬

‫سميت السمعيات بذلك؟ ألهنا ‪.....................‬‬


‫سميت الغيبيات بذلك؟ ألهنا ‪.....................‬‬
‫القضايا السمعية عرشة‪ ،‬هي‪، ................. ، ................ ، ............ :‬‬
‫‪.............. ، ................. ، ............ ، ............. ،........... ، ..............‬‬
‫‪................ ،‬‬

‫ي‬
‫‪1‬‬

‫املالئكة‬
‫قال النَاظِ ُم ‪: ‬‬

‫ـن ُ ْي ِم ُلــوا‬
‫ـري ًة َل ْ‬
‫وكَـاتِب َ ِ‬
‫ون خ َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ا‪ - ٦‬بِك ُِّل َع ْب ٍد َحافِـ ُظ َ‬
‫ـون ُو ِّك ُلـوا‬

‫ني ِف ا َمل َر ْض ك ََم ن ُِقل‬‫ِ‬


‫َحتَّى األن َ‬ ‫‪ِ - 62‬م ْن َأ ْم ِر ِه َش ْيئًا َف َع ْل َو َل ْو َذ ِهل‬

‫ألم ٍ‬ ‫‪َ - 63‬فح ِ‬


‫اس ِ‬
‫ـر َو َصال‬ ‫َف ُـر َّب َم ْ‬
‫ـن َجـدَّ ْ‬ ‫ب النَّ ْف َس و َقلل َ‬
‫األمال‬ ‫َ‬

‫اإليامن باملالئكة أحد أركان اإليامن‪:‬‬

‫جيب عىل كل مك َّلف رش ًعا اإليامن باملالئكة‪ ،‬وذلك بأن يعتقد اعتقا ًدا جاز ًما بأهنم‬
‫موجودون‪ ،‬وبأهنم مكرمون ال يعصون اهلل ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون‪.‬‬

‫الدليل عىل وجودهم ووجوب اإليامن هبم‪:‬‬

‫قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.285 :‬‬
‫‪1‬‬
‫وقال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ وجيب اإليامن باملالئكة الذين وردت أسامؤهم‪ ،‬أو أوصافهم‪ ،‬أو أصنافهم عىل‬
‫ً‬
‫إمجال‪.‬‬ ‫ً‬
‫إمجال فيكون اإليامن هبم‬ ‫ً‬
‫تفصيل‪ ،‬وأ َّما ما ورد ذكرهم‬ ‫التفصيل‬
‫تعريف املالئكة‪:‬‬
‫واملالئكة يف اللغة‪ :‬مجع َم َلك‪ ،‬وأصله مألك من األلوك ثم ترصفوا يف لفظه فقالوا‪ :‬مألك‪ ،‬ثم‬
‫نقلوا حركة اهلمزة إىل الالم وحذفوا اهلمزة‪ ،‬فقالوا‪َ :‬م َلك محعه‪ :‬‏مالئك ومالئكة‪ ،‬واألَ ُلوكة‬
‫بمعنى الرسالة فكأن للملك رسالة حيملها هلذا سمي‏هبذا االسم‪.‬‬

‫واصطالحا‪ :‬هم أجسام لطيفة نورانية قادرة عىل التشكل بأشكال خمتلفة يف أشكال‬‫ً‬ ‫‏ ‬
‫حسنة‪ ،‬شأهنا الطاعة ومسكنها الساموات غال ًبا‪ ،‬ومنهم من يسكن األرض‪ ،‬وكان الرسل ‪-‬‬
‫عليهم السالم ‪ -‬يروهنم تار ًة عىل صورهتم احلقيقية‪ ،‬وتار ًة بأشكال أخرى‪.‬‬

‫عصمتهم‪ ،‬والدليل عليها‪:‬‬


‫‏املالئكة معصومون حمفوظون من الذنب‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫قال تعاىل‪:‬‬
‫(‪)3‬‬
‫قال تعاىل‪:‬‬

‫قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)4‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة األنبياء‪ .‬اآلية ‪.20 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪136. :‬‬
‫(‪ )4‬النحل‪ .‬اآلية‪.50-49 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة التحريم‪ .‬اآلية ‪.6 :‬‬

‫‪2‬‬
‫الفرق بني عصمة املالئكة وعصمة األنبياء‪:‬‬
‫نزوع إىل املعصية‪ ،‬لعدم‬
‫ٌ‬ ‫‏الفرق بني عصمة املالئكة وعصمة األنبياء ّ‬
‫أن املالئكة ليس عندهم‬
‫وجود الشهوة يف تركيبهم‪ ،‬أما األنبياء فعندهم القابلية للمعصية بفطرهتم‪ ،‬ولكن اهلل حيفظهم‬
‫وحيول بينهم وبني املعصية؛ فالعصمة واجبة لألنبياء وللمالئكة كام يقول صاحب اجلوهرة‪:‬‬
‫لكل َحتِـ َّم*‬ ‫ِ‬
‫وع ْص َم ُة الباري ٍ‬

‫خلق املالئكة‪:‬‬
‫«خ ِل َق ْت املالئكة من‬
‫املالئكة من خملوقات اهلل تعاىل‪ ،‬خلقها من نور‪ ،‬كام قال رسول اهلل ‪ُ :‬‬
‫(‪)1‬‬
‫نور‪ ،‬وخلق اجلان من مارج من نار‪ ،‬وخلق آدم مما وصف لكم»‬

‫أصناف املالئكة‪:‬‬
‫أصناف خمتلفة‪-‬حسب‪-‬ما يوكل إليهم من أعامل‪ ،‬ومما أثبتته النصوص من‬
‫ٌ‬ ‫‏ورد أن املالئكة‬
‫أصناف املالئكة ما ييل‪:‬‬
‫احلافظون والكاتبون‪:‬‬
‫‪1.1‬احلفظة‪ :‬عهد اهلل إىل فريق من مالئكته أن يكونوا حفظة خللقه حيفظوهنم من املضار‪ ،‬وهؤالء‬
‫احلفظة ألفراد اإلنس خاصة‪ ،‬وقيل‪ :‬إن للجن حفظ ًة كذلك‪،‬‬
‫‏يقول‪-‬سبحانه‪:-‬‬
‫(‪)2‬‬
‫أي بأمر اهلل‪.‬‬

‫‪2.2‬ويقول رسول اهلل ‪« :‬يتعاقبون فيكم مالئكة بالليل ومالئكة بالنهار»‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬اخرجه مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة الرعد‪ .‬اآلية‪.11 :‬‬

‫‪3‬‬
‫حل ّف َ‬
‫اظ هم ال ُكتَّاب مستدلني بقوله سبحانه‪:‬‬ ‫ ويری بعض العلامء َّ‬
‫أن ا ُ‬

‫(‪)1‬‬

‫آخر‪ .‬موصوف بالعلم ومعطوف بغري حرف عىل‬ ‫صنف ُ‬‫ٌ‬ ‫ويرى البعض‪ :‬أن (الكاتبني)‬
‫الصنف األول وهم احلفظة‪ .‬ويؤيد هذا الرأي القائل إن احلفظة غري الكتبة اآلية األوىل التي بينت‬
‫مهمة احلافظني‪.‬‬

‫كام يؤيده ما ورد من ّ‬


‫أن احلفظة ال يفارقون العبد أبدً ا‪ ،‬أما الكتبة فإهنم يفارقونه عند ثالث‬
‫حاالت‪ :‬عند قضاء احلاجة‪ ،‬وعند اجلامع‪ ،‬وعند الغسل‪ ،‬كام جاء ذلك يف حديث النبي  ‪« :‬إياكم‬
‫والتعري فإن معكم من ال يفارتكم إال عند الغائط‪ ،‬وحني يفيض الرجل إىل أهله‪ ،‬فاستحيوا منهم‬
‫(‪)2‬‬
‫وأكرموهم» وال يمنع ذلك من الكتابة فقد جيعل اهلل هلم عالمة عىل ما يصدر من العبد يف هذه‬
‫احلاالت فيكتبونه‪ ،‬وال يفارقونه يف غري هذه احلاالت الثالث حتى ولو كان يف بيته جرس‪ ،‬أو‬
‫كلب‪ ،‬أو صورة‪ ،‬أما ما ورد يف احلديث أن املالئكة ال تدخل بيتًا فيه جرس‪ ،‬أو كلب‪ ،‬أو طورة‪،‬‬
‫فاملقصود مالئكة الرمحة‪.‬‬

‫أن لكل فرد عرش ًة بالليل ومث َلهم باهنار‪ ،‬وقيل‪ :‬عرشون‪ ،‬وقيل غري‬‫أما عدد احلفظة‪ :‬فقد ورد ّ‬
‫وح ْفظ اهلل للعبد إنام هو من القضاء‪ ،‬املع ّلق أما القضاء املربم‪ ،‬فال بد من إنفاذه‪ ،‬فيتنحون‬‫ذلك‪ِ ،‬‬
‫عنه حتى َينْفذ‪.‬‬

‫‪ 3.3‬الكتبة‪ :‬هنا فريق آخر من املالئكة وكَّلم اهلل تعاىل بكتابة كل ما يصدر عن العبد‪ ،‬والكتبة‬
‫ملكان‪ ،‬كل منهام رقيب أي حافظ‪ ،‬وعتيد أي‪ :‬حارض‪ ،‬فليس اسم أحدمها رقيبا واآلخر‬
‫عتيدا كام يتوهم‪ ،‬يقول ‪ -‬سبحانه ‪:-‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة االنفطا‪ .‬اآلية‪.12-10 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة ق‪ .‬اآلية‪.18 :‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫ويكتبان كل يشء حتى األنني الصادر منه يف املرض‪ ،‬ومها ال يتغريان ما دام ح ًّيا‪ ،‬فإذا مات‬
‫يقومان عىل قربه يسبحان ويكتبان ثوابه إىل يوم القيامة إن كان مؤمنًا‪ ،‬ويلعنانه إىل يوم القيامة ْ‬
‫إن‬
‫كافرا‪.‬‬
‫كان ً‬
‫احلكمة من الكتابة‪:‬‬
‫ليست الكتاب ُة حلاجة دعت إليها‪ ،‬فإنه ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يعلم خائنة األعني وما ختفي الصدور‪ ،‬وإنام‬
‫ليقيم احلجة عىل العبيد يوم يعطى كل منهم كتابه فيقول‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫فلعلهم يستحيون من املعصية إذا علموا أهنا ستكتب‪.‬‬

‫وقد ورد أن أحد امللكني عن يمني العبد‪ ،‬وهو خمتص بكتابة احلسنات‪ ،‬واآلخر عن يساره‪،‬‬
‫وهو خمتص بالسيئات‪ ،‬كام ورد أن األول أمري عىل الثاين‪ ،‬فإذا فعل العبد حسنة بادر م َلك اليمني‬
‫لكتابتها‪ ،‬إذا فعل سيئة قال ملك اليسار‪ :‬أأكتب؟ فيقول ملك اليمني‪ :‬ال لعله يستغفر‪ ،‬أو يتوب‪،‬‬
‫فإذا مضت فرتة ومل يتب قال ‪ :‬اكتب أراحنا اهلل منه‪ ،‬أما املباحات فقيل‪ :‬تكتب وقيل‪ :‬ال‪ ،‬واألصح‬
‫األول‪ ،‬لعموم قوله تعاىل‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ومها يالزمان الشخص منذ كونه نطفة إىل أن يموت‪ ،‬وقيل‪ :‬يتوارد عليه أربع ٌة‪ ،‬اثنان ً‬
‫هنارا‬
‫واثنان ليالً‪ ،‬يتعاقبون عند صالة العرص وعند صالة الصبح‪.‬‬

‫وهل الكتابة حقيقية؟‪ ،‬وهل هي عىل قرطاس؟‪ ،‬وما آلتها؟ وما مدادها؟ وما لغتها؟‪ ،‬كل‬
‫هذه أمور غيبية مل خيبزنا الرسول بتفاصيلها فنرتك علمها اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الكهف‪ .‬اآلية‪.49 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة ق‪ .‬اآلية‪.18 :‬‬

‫‪5‬‬
‫ومن أصنافهم‪:‬‬
‫محلة العرش‪ :‬قال تعاىل‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وخزنة اجلنة‪ :‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫وخزنة جهنم‪ :‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ومالئكة املوت‪ :‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)4‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة املدثر‪ .‬اآلية‪.30-26 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة احلاقة‪ .‬اآلية‪.17 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة األنفال‪ .‬اآلية‪.50 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة الزمر‪ .‬اآلية‪.73 :‬‬

‫‪66‬‬
‫صفاهتم‪:‬‬

‫للمالئكة صفات كثرية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫العبودية هلل – تعاىل‪ ، -‬قال سبحانه‪:‬‬ ‫‪1.1‬‬

‫(‪)1‬‬

‫االلتزام بأوامر اهلل تعاىل‪:‬‬ ‫‪2.2‬‬


‫(‪)2‬‬

‫ِ‬
‫شديد‬ ‫النبي يف صورة رجل‬ ‫ٍ‬
‫حسنة‪ ،‬فقد ورد َّ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫أن جربيل أتى َّ‬ ‫بأشكال‬ ‫التشكل‬ ‫‪ 3.3‬القدرة عىل‬
‫ِ‬
‫بياض الثياب‪ ،‬شديد سواد الشعر‪.‬‬

‫ال يأكلون وال يرشبون؛ وإنام خلقوا للعبادة يف الدنيا واآلخرة‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬ ‫‪4.4‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة الذاريات‪ .‬اآلية‪.27-26 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة األنبياء‪ .‬اآلية‪.28-26 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة التحريم‪ .‬اآلية‪.6 :‬‬

‫‪77‬‬
‫ذكورا وال إنا ًثا‪ ،‬ومن وصفهم بالذكورة فهو فاسق‪ ،‬ومن وصفهم باألنوثة فهو كافر؛‬
‫‪ 5.5‬ليسوا ً‬
‫لتكذيبه قول اهلل تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫وقوله تعاىل‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫مل ت َُركَّب فيهم الشهوة‪ ،‬فال تقع منهم معصية‪.‬‬ ‫‪6.6‬‬


‫هم جند اهلل‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬ ‫‪7.7‬‬

‫(‪)3‬‬

‫حكم إنكار املالئكة‪:‬‬


‫دل عىل وجود املالئكة الكتاب والسنة واإلمجاع فمنكر وجودهم كافر‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة املدثر اآلية‪31 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النجم اآلية‪27 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة الزخرف اآلية‪19 :‬‬

‫‪8‬‬
‫‪2‬‬

‫اجلن والشياطني‬
‫عال من العوامل الغيبية ال يعلم حقيقتهم إال اهلل تعاىل ّ‬
‫دل عىل ثبوهتم الكتاب‬ ‫اجلن والشياطني‪َ :‬‬
‫والسنة وإمجاع العلامء‪.‬‬

‫واجل ُّن والشياطني ُأ ّم ٌة عاقل ٌة مم ِّيز ٌة أرسل إليهم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فهم مأمورون باإليامن‬
‫باهلل ‪-‬سبحانه‪ -‬وتعاىل وتوحيده‪ ،‬واإلقرار بالعبودية له‪.‬‬
‫آراء العلامء يف خلق اجلن‪:‬‬
‫واجلن من خملوقات اهلل تناسلوا من إبليس‪ ،‬كام تناسل اإلنس من آدم‪ ،‬ومن هؤالء وهؤالء املؤمن‬
‫والكافر‪ ،‬وهذا رأي احلسن البرصي ‪ ،‬وقد ُر ِو َي عن ابن عباس ّ‬
‫أن ن َْسل إبليس هم الشياطني‪،‬‬
‫أما اجلن َفهم جنس آخر َف ُهم ولدُ اجلان‪ ،‬وهم كاإلنس منهم املؤمن ومنهم الكافر‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫والرأي األول أقرب إىل الصواب‪ ،‬فقد ذكر اهلل سبحانه أنه خلق اجلان من مارج من نار‪.‬‬
‫وقال يف حق إبليس إنه‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وقال عىل لسانه‪:‬‬


‫(‪)3‬‬

‫فاجلن إذن خملوقون من النار‪ ،‬وقد حتولوا إىل أجسام شفافة تستطيع التشكل بام تريد‪ ،‬وفيهم‬
‫القدرة عىل رؤيتنا وليس فينا القدرة عىل رؤيتهم‪ ،‬بقوله سبحانه‪:‬‬

‫(‪)4‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة األعراف‪ .‬اآلية‪.12 :‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه الطربي يف تفسريه بسند ضعيف‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة األعراف‪ .‬اآلية‪.27 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة الكهف‪ .‬اآلية‪.50:‬‬
‫‪9‬‬
‫دليل ثبوت اجلن‪:‬‬
‫وقد ثبت وجود اجلن بالقرآن والسنة‪ ،‬وسميت سورة كاملة باسمهم‪ ،‬ذكر فيها سبحانه استامع‬
‫اجلن إىل دعوة اإلسالم‪ ،‬واهتداء فريق منهم بذلك النور‪ :‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫وكان اجلن يستمعون إىل القرآن كام يقول سبحانه‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫وقد خاطبهم اهلل مع اإلنس حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة الرمحن‪ .‬اآلية‪.34-33 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة اجلن‪ .‬اآلية‪.15-14 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة األحقاف‪ .‬اآلية‪.29 :‬‬

‫‪10‬‬
‫مقيم عليهم العجة‪:‬‬
‫كام يقول – سبحانه – لكافرهيم يوم القيامة ً‬

‫(‪)1‬‬

‫وقد أنكر وجو َد اجل ِّن مجاع ٌة من املتكلمني؛ ورصفوا اآليات عن ظاهرها‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن‬
‫املقصود باجلن والشياطني أولئك الكفرة من اإلنس‪ ،‬وهذا قول َبعيدٌ عن احلق فالقرآن رصيح‬
‫يف وجود هذا العامل ‪ -‬اجلن ‪ -‬وتكليفه كاإلنس‪.‬‬

‫والسنة كذلك مليئة هبذا املعنى‪ :‬وقد قابلهم‪‬وب َّلغهم الدعوة‪ ،‬واستمعوا إىل القرآن‬
‫وآمنوا به‪ .‬وقد أثنى عليهم ﷺ ملا قرأ سورة «الرمحن» عىل الناس وسكتوا فقال‪« :‬إن اجلن كانوا‬
‫أحسن منكم‪ ،‬ما قرأت عليهم‪( :‬فبأي آالء ربكام تكذبان) إال قالوا‪ :‬وال بيشء من آالء ربنا‬
‫نكذب فلك احلمد»‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫الشياطني‪:‬‬
‫أما الشياطني فهم عصاة اجلن وجنود إبليس‪ ،‬مهمتهم تزيني الرش لإلنس واجلن‪ ،‬وإبعا ُدهم‬
‫(‪)3‬‬
‫جلا َّدة‪ ،‬وفيهم يقول ‪« :‬إن الشيطان جيري من ابن آدم جمرى الدم»‪ ،‬ويدل عىل تكليفهم‬
‫عن ا َ‬
‫قوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)4‬‬

‫وقوله‪:‬‬

‫(‪)5‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )4‬سورة الذاريات‪ .‬اآلية‪.56 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة األنعام‪ .‬اآلية‪.130 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنعام‪ .‬اآلية‪.130 :‬‬ ‫(‪ )2‬أخرجه الرتمذي‪.‬‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫وقد افرتق العلامء يف حقيقة اجلن والشياطني إىل قولني‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن اجلن والشياطني حقيقتهام متغايرة‪ ،‬فاجلن أجسام هوائية لطيفة تتشكل‬
‫بأشكال خمتلغة وتظهر منها أفعال عجيبة منهم املؤمن املطيع ومنهم الكافر العايص‪،‬‬ ‫ ‬
‫أما الشياطني فهي أجسام نارية‪ ،‬مهمتها إلقاء النفس يف الغواية والضالل‪.‬‬ ‫ ‬

‫الثاين‪ :‬أن اجلن والشياطني حقيقتهام واحدة وهي أجسام نارية عاقلة قابلة للتشكل بأشكال‬
‫حسنة أو قبيحة‪ ،‬غري أن اجل َّن يشمل املطيع والعايص‪ ،‬أما الشيطان‪ ،‬فهو اسم‬ ‫ ‬
‫العايص املتمرد‪.‬‬ ‫ ‬

‫ثابت بالقرآن والسنة‪ ،‬وأهنم ُخ ِلقوا من نار‪ ،‬وأن‬


‫أمر ٌ‬‫أن وجو َد اجلن والشياطني ٌ‬ ‫واحلاصل‪َّ :‬‬
‫لكل إنسان قرين ًا من املالئكة‪ ،‬وقرينًا من الشياطني‪ ،‬وقرينه‬‫حقيقت َُه َم واحدةٌ‪ ،‬وأن َّ‬ ‫ ‬
‫من املالئكة يأمره باخلري وحيثه عليه‪ ،‬وقرينه من اجلن يأمره بالرش وحيثه عليه‪ .‬واهلل أعلم‪.‬‬ ‫ ‬

‫املناقشة‬
‫‪1.1‬عرف املالئكة لغة واصطالحا‪.‬‬
‫‪2.2‬ما حكم اإليامن باملالئكة‪ ،‬وما حكم منكر وجودهم؟ دلل عىل ما تذكر‪.‬‬
‫‪3.3‬كيف تفرق بني عصمة املالئكة وعصمة األنبياء‪.‬‬
‫واصطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪4.4‬عرف اجلن لغة‬
‫‪5.5‬قارن بني املالئكة واجلن‪.‬‬
‫‪6.6‬أثبتت النصوص القرآنية والنبوية أصناف ًا للمالئكة‪ ،‬اذكرها‪.‬‬
‫‪7.7‬كيف تدلل عىل أن بعض اجلن مسلمون؟‬
‫‪8.8‬هل هناك فرق بني اجلن والشياطني؟ وضح ذلك‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫‪3‬‬

‫املوت‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫اجب إِيم ُننَا بِا ْلـمو ِ‬


‫ِ‬
‫وح َر ُس ُ‬
‫ول ا ْل َ‬
‫ـم ْوت‬ ‫َو َي ْقبِ ُض ُّ‬
‫الر َ‬ ‫ت‬ ‫َْ‬ ‫‪َ - 64‬و َو ٌ َ‬

‫اإليامن باملوت‪:‬‬
‫وقوع املوت حقيقة مشاهدة ملموسة وليس من الغيبيات يف يشء‪.‬‬

‫فكيف جيب اإليامن باملوت؟ اإليامن باملوت الذي ُك ّل ِفنا به رش ًعا عىل وجهني‪:‬‬

‫األول‪ :‬أن نؤمن َأ َّن كل اخللق إىل فناء‪ ،‬وال يبقى إال اهلل‪-‬تعاىل‪-،‬‬

‫كام قال‪ -‬سبحانه‪:-‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ واملخالفون يف هذا هم الدهرية الذين ال يؤمنون باهلل واليوم اآلخر‪ ،‬ويقولون‪« :‬إن هي إال‬
‫أرحام تدفع‪ ،‬وأرض تبلع»‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الرمحن‪.‬اآلية‪.27-26 :‬‬

‫‪13‬‬
‫املوت هو انتها ُء آجالِنَا التي قدَّ رها اهلل تعاىل لنا‪.‬‬
‫ِ‬
‫الثاين‪َ :‬أ َّن َ‬
‫سبب‬
‫واملخالفون يف ذلك هم الطبيعيون الذين ينسبون األشياء للطبيعة‪ ،‬فيفرسون املوت عىل أنه‬
‫بسبب اختالل نظام الطبيعة‪.‬‬

‫واهلل‪-‬تعاىل‪-‬أخربنا َأ َّن املوت يأيت إذا انتهى األجل املكتوب يف علم اهلل السابق‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫و َأ َّن املوت يكون عن طريق املالئكة التي تتوىل إخراج الروح من اجلسد‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫وقال تعاىل‪:‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وأن املوت ُسنَّ ُة اهلل يف خلقه ال تتخلف عن أحد‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬


‫ّ‬
‫(‪)4‬‬

‫وقال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)5‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )4‬سورة الزمر‪.‬ماآلية‪.30 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النحل‪ .‬اآلية‪.61 :‬‬
‫(‪ )5‬سورة األنبياء‪ .‬اآلية‪.35-34 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة السجدة‪ .‬اآلية‪.11 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة األنعا‪ .‬ماآلية‪.61 :‬‬

‫‪14‬‬
‫واملوت هبذا حقيقة مشاهدة حمسوسة واقعة ىف حياة الناس‪.‬‬

‫حكم منكر املوث‪:‬‬


‫كافر؛ ألنه ينكر ما هو مقطوع بثبوته يف القرآن والسنة‪.‬‬
‫ومنكر املوت هبذه الصورة الرشعية املذكورة ٌ‬
‫تكوين اإلنسان‪:‬‬
‫مكو ٌن من ٍ‬
‫روح وجسد‪ ،‬واجلسد من عامل الشهادة‪ ،‬خيضح للمعرفة االنسا نية يف إدراكه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫اإلنسان َّ‬
‫تعرض ملرض‪.‬‬ ‫ويف احلفاظ عليه ووقايته من األمراض‪ ،‬وعالجه إذا ّ‬

‫‪15‬‬
‫‪4‬‬

‫أجل املقتول‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫َغ ْ ُي َه َذا َباطِ ٌل َل ُي ْق َبل‬ ‫ت بِ ُع ْم ِر ِه َم ْن ُي ْقت َُل‬


‫‪َ - 65‬و َم ِّي ٌ‬

‫متهيد‬
‫جيب اإليامن بأن اإلنسان وسائر احليوانات واجلن واملالئكة ال يموت أحد منهم حتى يتم أجله الذي‬
‫ً‬
‫مقتول بأي سبب من أسباب القتل كمن يقتله غريه‪.‬‬ ‫قدَّ ره اهلل له سواء مات حتف أنفه أم مات‬

‫املقتول وبيان اخلالف يف أجله‪:‬‬

‫أن لإلنسان ً‬
‫أجل واحدً ا‪ ،‬ال يتأخر عنه وال يتقدم‪ ،‬فاملقتول مات بأجله‬ ‫َّأو ًل‪ :‬مذهب أهل السنة ّ‬
‫الذي حدده اهلل له‪ ،‬كام قال اهلل تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫واآلية تشمل األمة اإلنسانية وغريها‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة يونس‪ .‬اآلية‪.49 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنعام‪ .‬اآلية‪.38 :‬‬
‫‪16‬‬
‫وت‬ ‫سول اهلل ﷺ قال‪« :‬إِ َّن ُروح ال ُق ِ‬
‫دس َن َف َث يف ُروعى أنه لن َت ُ َ‬ ‫وعن أنس بن مالك ‪َ ‬أ َّن َر َ‬
‫نفس حتَّى تستكمل ِر ْزقها َ‬
‫(‪)1‬‬
‫لها»‪.‬‬
‫وأج َ‬
‫فمن مل يمت بسبب القتل فإنه سيموت يف األجل الذي حدده اهلل له‪ .‬فموته بالقتل معناه َّ‬
‫أن ُع ْم َر ُه‬
‫املحدد له قد انتهى‪.‬‬

‫وعقوبة القاتل عىل فعله وكسبه‪ ،‬وخمالفته ألمر اهلل‪-‬تعاىل‪-‬يف صيانة النفس‪ ،‬وعدم التعدي‬
‫رسه أن يع ِّظم اهللُ رزقه‪ ،‬وأن يمدَّ يف َأجله‬
‫عليها‪ .‬وال يعارض هذا قول رسول اهلل ﷺ‪« :‬من َّ‬
‫يصل َر ِ َ‬
‫َف ْل ْ‬
‫(‪)2‬‬
‫حه‪.».‬‬
‫فهذا حممول عىل واحد من أمرين‪:‬‬
‫‪1.1‬أن يكون املرا ُد باملدِّ يف العمر‪ :‬الربكة فيه؛ حيث يعمل فيه من األعامل الصاحلة الكبرية العظيمة‬
‫التي ال يستطيع غريه أن يعملها يف أوقات طويلة‪.‬‬
‫أن الزيادة الواردة يف احلديث بالنسبة ملا جاء يف صحف املالئكة‪ ،‬وقد يعلق اهلل‪-‬تعاىل‪-‬‬ ‫‪َّ 2.2‬‬
‫إظهارا لشأهنا‪ ،‬وهو‪-‬سبحانه‪ -‬يعلم َأ َّن العبد سيصل رمحه‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫الزيادة يف العمر عىل الطاعة‬
‫ال يصلها‪ ،‬وال بد لعلمه‪-‬تعاىل‪-‬أن يتحقق‪ ،‬قال اهلل تعاىل‪:‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة الرعد‪ .‬اآلية‪.39 :‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه البزار يف مسنده وصححه ابن حبان واحلاكم‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪17‬‬
‫ثانيا‪ :‬مذهب املعتزلة‪:‬‬

‫للمعتزلة يف أجل املقتول ثالثة أقوال‪:‬‬

‫القول األول للكعبي من املعتزلة‪ :‬وهو أن القتل فعل العبد القاتل‪ ،‬واملوت فعل اهلل‪ ،‬فاملقتول ليس‬
‫ميتا واستدل عىل رأيه بقول اهلل‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ووجه االستدالل عنده عطف القتل عىل املوت‪ ،‬والعطف يقتيض املغايرة‪ ،‬مما يدل عىل‬
‫َأ َّن املقتول مل يمت‪ ،‬وأن هناك أجلني‪ :‬أجل القتل وأجل املوت‪ ،‬فلو مل يقتل املقتول لعاش إىل‬
‫أجل موته‪.‬‬
‫(و َل ِئن ُّمت ُّْم) من غري سبب‪َ ( ،‬أ ْو ُقتِ ْلت ُْم)‬
‫‏وجياب عىل هذا بأن معنى اآلية‪َ :‬‬
‫‏بأن متم بسبب‪.‬‬

‫أن للمقتول ً‬
‫أجل واحدً ا‪ ،‬وهو أجل املوت‪ ،‬والقاتل‬ ‫القول الثاين‪ :‬جلمهور املعتزلة‪ :‬وهو َّ‬
‫قطع عىل املقتول أجله‪ ،‬فلو مل يقتله لعاش إىل أجله الذي حدده اهلل له‪.‬‬

‫‏القول الثالث‪ :‬أليب اهلذيل العالف‪ .‬أحد أئمتهم ‪ -‬وهو َأ َّن املقتول له ٌ‬
‫أجل واحدٌ وهو الوقت‬
‫ِ‬
‫السنة‪.‬‬ ‫الذي قتل فيه‪ ،‬فلو مل يقتل ملات يف الوقت الذي قتل فيه‪ ،‬وهو يف هذا يوافق َ‬
‫أهل‬

‫املناقشة‬
‫‪1.1‬ما معنى اإليامن باملوت؟‪ ،‬وما حكم اإليامن به؟‪.‬‬
‫‪2.2‬ما حكم منكر املوت؟ وما الدليل عىل فناء اخللق وبقا‪ ،‬اخلالق؟‬
‫‪3.3‬لإلنسان أجل واحد عند أهل السنة‪ ،‬فام رأي املعتزلة يف ذلك؟‪.‬‬
‫‪4.4‬كيف تفرس طول العمر يف قول النبي  يف احلديث ((من رسه أن يعظم اهلل رزقه وأن‬
‫يمدَّ يف أجله فليصل رمحه)) ؟‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة آل عمران‪ .‬اآلية‪.158 :‬‬

‫‪18‬‬
‫‪5‬‬
‫النفخ يف الصور وما اختلف يف فنائه‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫السبكي بقاها اللذ ُع ِر ْ‬


‫ف‬ ‫واستظهر ُّ‬
‫َ‬ ‫َّفس لـدى ال َّن ْفخِ اختُلِ ْ‬
‫ف‬ ‫‪٦٦‬‏‪ -‬ويف فنـا الن ِ‬

‫ُ‬
‫احلــــز ُّْن لـــلبــىل َّ‬
‫ووضــحـــا‬ ‫الذن ِ‬
‫َب كالروحِ لكن َص َّح َحا‬ ‫‪67‬‏‪ -‬عجب َّ‬

‫عـمومه فــاطــلب َل ِا قد َلـ ُّصوا‬ ‫خــص ُصوا‬


‫َّ‬ ‫ٌ‬
‫هـالك قد‬ ‫ُّ‬
‫وكــل يشء‬ ‫‪68‬‏‪-‬‬

‫اختلف العلامء يف فناء النفس أي الروح عند نفخ (إرسافيل) يف الصور النفخة أوىل‪:‬‬

‫‪1.1‬فذهبت طائفة إىل احلكم بفنائها عند ذلك لظاهر قوله تعاىل‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪2.2‬وذهبت طائفة أخرى إىل احلكم بعدم فنائها عند ذلك‪.‬‬


‫ ‏وأما قبل نفخ إرسافيل يف الصور النفخة األوىل‪ ،‬فال خالف بني املسلمني يف بقائها‪ .‬وتسمى‬
‫النفخة األوىل‪ :‬نفخة الفناء‪ .‬وال يبقى عندها َح ٌّي إال مات‪ ،‬إن مل يكن مات قبل ذلك‪،‬‬
‫ش عليه إن كان مات قبل ذلك‪ ،‬كاألنبياء عليهم الصالة والسالم‪ ،‬إال َمن شاء اهلل‬ ‫وإال ُغ ِ‬
‫َ‬
‫من‪ :‬املالئكة األربعة الرؤساء‪ ،‬واحلور‏العني‪ ،‬وموسى عليه الصالة والسالم‪ ،‬ألنه ُص ِع َق‬
‫(‪)2‬‬

‫وزي هبا‪ .‬فجميع األنبياء بعد املوت تعود إليهم أرواحهم‪ ،‬ثم ُيغشى عليهم‬ ‫فج ِ‬
‫يف الدنيا مرة‪ُ ،‬‬
‫عند النفخة األوىل إال موسى ملا حصل له يف الدنيا‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الرمحن‪ .‬اآلية‪.26 :‬‬
‫(‪ )2‬هم جربيل وميكا ئيل وإرسافيل وملك املوت‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫ُ‬
‫إرسافيل يف الصور النفخة الثانية‪ ،‬وتسمى‪ :‬نفخة البعث‪ .‬فيجمع اهلل األروح‬ ‫ثم َينفخ‬
‫إىل أجسادها‪.‬‬
‫وبني النفختني اربعون عا ًما على ما يف الصحيحني‬

‫الس ْبكي‪-‬وهو القول املختار ‪ -‬بقاء الروح‪ ،‬ألن العلامء اتفقوا عىل بقائها‬
‫واختار اإلمام تقي الدين ُّ‬
‫ٍ‬
‫بعد املوت لسؤاهلا يف القرب‪ ،‬وتنعيمها‪ ،‬أو تعذيبها فيه‪ .‬واألصل يف كل باق استمراره‪ ،‬حتى يظهر‬
‫ما يرصف عنه‪.‬‬
‫فالدليل عىل بقائها‪ :‬االستصحاب‪ ،‬فتكون من املستثنى بقوله‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪)1‬‬

‫عجب الذنب‪:‬‬
‫هو عظم صغري يف آخر سلسلة ظهر اإلنسان‪.‬‬

‫وقد اختُلف يف فنائه كالروح‪:‬‬

‫‪1.1‬فذهب اإلمام إسامعيل بن حييى ا ُمل َـز ِن إىل أنه يبىل ويفنى متسكًا بظاهر قوله تعاىل‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وفناء الكل يستلزم فناء اجلزء‪.‬‬

‫‪2.2‬وذهب مجهور العلامء إىل أنه ال َي ْبىل لألحاديث الصحيحة‪ .‬ومنها قوله ﷺ‪« :‬كل ابن آدم يأكله‬
‫الرتاب إال عجب الذنب‪ ،‬منه ُخ ِلق‪ ،‬ومنه ُي َركَّب»‪.‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬أخرجه البخاري ومسلم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النمل‪ .‬اآلية‪.78 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة الرمحن‪ .‬اآلية‪.26 :‬‬
‫‪20‬‬
‫‪3.3‬وأما قوله تعاىل‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فقد ذكر العلام‪ ،‬فيه أمرين‪:‬‬


‫‪1.1‬أن العموم يف اآلية عىل غري األمور التي وردت األحاديث باستثنائها‪ ،‬كالروح‪ ،‬وعجب‬
‫الذنب‪ ،‬وأجساد األنبياء‪ ،‬والشهداء‪ ،‬والعرش‪ ،‬والكريس‪ ،‬واجلنة والنار‪ ،‬واحلور العني‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فاآلية من العام املخصوص‪.‬‬
‫‪2.2‬وقال حمققو املتأخرين‪ :‬ليس يف اآلية استثناء وال ختصيص‪ .‬فمعنى (هالك)‪ :‬قابل للهالك‪ ،‬كام‬
‫أيضا‪.‬‬ ‫هو معنى‪ٍ :‬‬
‫(فان) ً‬

‫املناقشة‬
‫‪1.1‬ما اسم امللك الذي ينفخ يف(الصور)؟‪ ،‬وكم عدد النفخات؟ وما الدليل من القرآن الكريم؟‬
‫‪2.2‬اختلف يف فناء (الروح) اذكر املذاهب بأدلتها مع الرتجيح‪.‬‬
‫‪3.3‬ما املقصود بعجب الذنب؟ وما املذاهب يف بقائه أو فنائه؟ وأهيا ختتار؟‬
‫‪4.4‬كيف فهم العلامء قوله تعاىل‪:‬‬

‫وقوله تعاىل‪:‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الرمحن‪ .‬اآلية‪.26 :‬‬

‫‪21‬‬
‫‪6‬‬
‫الروح‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ار ِع لكِ ْن ُو ِجدَ ا‬


‫الش ِ‬‫ن ٌَّص ِم َن َّ‬ ‫ول َ ُت ْض ِف ُّ‬
‫الروحِ إِ ْذ َما َو َردا‬ ‫‪َ - 69‬‬
‫السن َِد‬
‫ك الن َُّّص ِ َب َذا َّ‬ ‫َف َح ْ‬
‫ـس ُب َ‬ ‫َــاجلس ِ‬
‫ـد‬ ‫ـور ٌة ك َ َ‬
‫ِ ِ ٍ ِ‬
‫‪َ - 70‬لالك ه ْي ُص َ‬

‫الروح من أمر اهلل‪-‬تعاىل‪-‬ال يعلمها إال خالقها‪ ،‬وقال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫وقد فهم بعض العلامء النهي عن البحث يف الروح‪ ،‬وأهنا من الغيب الذي استأثر اهلل بعلمه‪،‬‬
‫فقال بعضهم‪ :‬البحث فيها مكروه‪ ،‬ومنهم من قال بتحريمه‪ ،‬وهو اإلمام اجلنيد‪.‬‬

‫لكن الكثري من العلامء مل يمنع من البحث فيها‪ ،‬وقالوا‪ :‬ليس يف اآلية ما يدل عىل املنع من‬
‫البحث فيها‪ ،‬بل عىل العكس‪ ،‬فإن فيها ما يشري إىل االستفادة من البحث فيها‪ ،‬وهو ما يشري إليه‬
‫قوله‪-‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة اإلرساء‪ .‬اآلية‪.85 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة اإلرساء‪ .‬اآلية‪.85 :‬‬

‫‪22‬‬
‫واختلف العلامء املجيزون للبحث يف الروح‪:‬‬
‫فمنهم من قال‪ :‬إهنا جسم له صورة وأعضاء‪ ،‬كالبدن‪ ،‬وهذا الرأي لبعض املالكية‪.‬‬

‫ويرى إمام احلرمني َّ‬


‫أن الروح جسم لطيف شفاف مشتبك باجلسم كاشتباك املاء بالعود‬
‫األخرض‪ ،‬فهي سارية يف مجيع البدن‪.‬‬

‫وذهب مجاعة من الصوفية واملعتزلة إىل أهنا ليست بجسم وال َع َرض‪ ،‬بل هي جوهر جمرد‬
‫يتعلق بالبدن تعلق تدبري‪.‬‬

‫وذهب ِ‬
‫«الع ُّز ب ُن عبد السالم» إىل أن لكل فرد روحني‪ :‬روح اليقظة‪ ،‬وروح احلياة‪ ،‬فإذا‬
‫مقرمها إال اهلل تعاىل‬
‫خرجت روح اليقظة نام اإلنسان‪ ،‬واذا خرجت روح احلياة مات‪ ،‬وال يعرف ّ‬
‫وقد فهم هذا من قوله تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫وليس يف اآلية ما ينص عىل وجود روحني لكل إنسان‪ ،‬وإنام هي روح واحدة‪ُ ،‬‬
‫وش ِّبه النوم‬
‫باملوت لعدم التمييز‪.‬‬
‫نص رشعي حيدّ د شكل الروح وحقيقتها؛ وال يتوقف عىل العلم بحقيقتها ايامن‬ ‫ومل يرد ٌ‬
‫أو عبادة‪ ،‬بل تركت معرفتها والبحث فيها لإلنسان؛ ليستفيد من البحث فيها يف شئون حياته‪،‬‬
‫ولتكون آي ًة عىل اإليامن باهلل‪-‬تعاىل‪ ،-‬كام هو الشأن يف البحث يف املخلوقات‪ ،‬وقد قال سبحانه‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الزمر‪ .‬اآلية‪.42 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة الذاريات‪ .‬اآلية‪.21-20 :‬‬
‫‪23‬‬
‫حدوث الروح‪:‬‬
‫أمجع العلامء عىل حدوث الروح؛ ألهنا من العامل‪ ،‬وهو حادث‪.‬‬
‫لكنهم اختلفوا فيام إذا كانت الروح خملوقة قبل البدن أم البدن خملوق قبلها‪ .‬فمنهم من ذهب إىل‬
‫أن الروح خملوقة قبل البدن‪.‬‬
‫واستدلوا بقوله ‪ -‬تعال‪:-‬‬

‫(‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫وقول رسول اهلل ‪« :‬األرواح جنو ٌد جمندة فام تعارف منها ائتلف وما تنافر منها اختلف»‬

‫فاألرواح يوم أخذت من الظهور كان بعضها يتدابر‪ ،‬وبعضها يتقابل‪ ،‬فام تدابر منها تنافر‬ ‫‏ ‬
‫واختلف‪ ،‬وما تقابل تعارف وائتلف‪ ،‬وذهب بعضهم ‪ -‬ومنهم اإلمام أبو حامد الغزايل‪ -‬إىل أن‬
‫البدن خلق قبل الروح‪.‬‬
‫واستدلوا بقوله ‪:‬‬
‫ُون َع َل َق ًة ِم ْث ُل َذلِ َك‪ُ ،‬ث َّم َيك ُ‬
‫ُون ُم ْض َغ ًة‬ ‫ي َم ُع َخ ْل ُق ُه ِف َب ْط ِن ُأ َّم ِه َأ ْر َب ِع َ‬
‫ني َي ْو ًما ُن ْط َف ًة‪ُ ،‬ث َّم َيك ُ‬ ‫«إِ َّن َأ َحدَ ك ُْم ُ ْ‬
‫(‪)3‬‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِم ْث ُل َذ َ‬
‫وح‪»...‬‬ ‫الر َ‬‫لك‪ُ ،‬ث َّم ُي ْرس ُل ا َمل َل ُك َف َينْ ُف ُخ فيه ُّ‬
‫ففي قوله‪« :‬فينفخ فيه الروح» دليل عىل َّ‬
‫أن الروح نفخت بعد تكوين اجلسد‪ .‬والرأي األول أرجح‪.‬‬

‫وأما استدالل الفريق الثاين بحديث نفخ الروح فمردود عليه بأن النفخ ال يفيد اخللق يف‬ ‫‏ ‬
‫وقت النفخ‪ ،‬ولكن قد ينفخ ما هو خملوق من قبل‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬اكديت (أخرخه البخاري)‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة األعراف‪ .‬اآلية‪.172 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عايه‪.‬‬

‫‪24‬‬
‫ ‏وذهب أكثر أهل السنة إىل أن األسلم عدم البحث يف الروح؛ حتى ال َّ‬
‫تزل العقول‪ ،‬فتثبت‬
‫أمورا ثابتة‪.‬‬
‫أمورا منتفية‪ ،‬أو تنفي ً‬
‫ً‬

‫‏وهذا ما رجحه صاحب اجلوهرة حيث قال‪:‬‬


‫الشار ِع ِ‬
‫لك ْن ُو ِجدَ ا‬ ‫َص ِم َن َّ‬
‫ن ٌّ‬ ‫وح إِ ْذ َما َو َر َدا‬ ‫ول َت ُْض ِف ُّ‬
‫الر ِ‬ ‫َ‬

‫املناقشة‬
‫‪1.1‬ارشح مبينًا مذاهب العلامء يف جواز البحث يف الروح‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪7‬‬

‫سؤال القرب وعذابه ونعيمه‬


‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫اجب َكبع ِ‬ ‫ِ‬


‫احل ْ ِ‬
‫ش‬ ‫ث َ‬ ‫يم ُه َو ِ ْ َ ْ‬
‫نَع ُ‬ ‫اب ال َق ْ ِب‬
‫‪ُ - 71‬ش َؤا ُلنَا ُث َّم َع َذ ُ‬

‫معنى القرب‪:‬‬
‫ِ‬
‫جوف األسامك‪،‬‬ ‫بقعة من األرض‪ ،‬أم يف‬ ‫ ‏القرب هو كل مكان يضم جسد امليت؛ سواء أكان يف ٍ‬
‫أم يف قاع البحر‪ ،‬أم َذ ْري اجلسد يف اهلواء‪ ،‬فاجلو الذي تناثر فيه اجلسدُ يعدُّ ق ً‬
‫ربا له‪.‬‬

‫ ‏وإطالق القرب عىل املكان من األرض املعروف من قبيل الغالب‪.‬‬


‫احلياة الربزخية‪:‬‬
‫يمر بمرحلة فاصلة بني احلياة الدنيا التي يفارقها واحلياة اآلخرة التي ينتظرها‪ ،‬وهذه‬ ‫‏واإلنسان ُّ‬
‫ِ‬
‫املرحل ُة الفاصل ُة هي الربزخ‪ ،‬واحلياة فيها ت َُس َّمى باحلياة الربزخية‪،‬‏قال ‪ -‬تعاىل‪:-‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ً‬
‫اتصال يتناسب مع احلياة الدنيوية التي‬ ‫روح اإلنسان متصل ًة بجسده يف الدنيا‬
‫ ‏وإذا كانت ُ‬
‫ً‬
‫اتصال يتناسب مع ما يلقاه‬ ‫الروح تعود بعد موت اإلنسان ومفارقته للدنيا؛ لتتصل‬
‫َ‬ ‫يعيشها‪َّ ،‬‬
‫فإن‬
‫يف هذه احلياة الربزخية‪ ،‬مما أخرب به الوحي‪ :‬من سؤال‪ ،‬أو نعيم‪ ،‬أو عذاب‪.‬‬

‫ واذا كنا يف الدنيا نشعر بآثار اتصال الروح باجلسد من غري َأ ْن نرى ذلك االتصال‪ ،‬أو نشعر‬
‫مبارشا فإن اتصال الروح باجلسد بعد املوت ال سبيل لنا إىل إدراكه؛ فقد دخل‬
‫ً‬ ‫شعورا حس ًّيا‬
‫ً‬ ‫به‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫مراحل اجلزاء التي ال يعرف أحد شي ًئا عنها إال صاحبها‪.‬‬ ‫اإلنسان ‪ -‬بدخوله قربه ‪ -‬بداية‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة املؤمنون‪ .‬اآلية‪.100:‬‬
‫‪26‬‬
‫سؤال القرب‪:‬‬

‫إذا فارق اإلنسان الدنيا ودخل القرب أتاه ملكان‪ :‬أحدمها منكر‪ ،‬واآلخر نكري‪ ،‬فيعيدان روحه إىل‬
‫جسده؛ لتعود له احلياة بالقدر الذي يفهم السؤال‪ ،‬وجييب عنه‪ ،‬وبقدر ما يشعر بام يالقيه يف هذه‬
‫املرحلة الربزخية مما ورد يف الرشع ‪.‬‬

‫األدلة عىل سؤال القرب‪:‬‬


‫رس ُو َل اهلل ﷺ‪َ ،‬ق َال‪« :‬إِ َّن ا ْل َع ْبدَ إِ َذا ُو ِض َع ِف َق ْ ِب ِه‪َ ،‬وت ََو َّل َعنْ ُه‬ ‫حديث أنس بن مالك ‪َ ،‬أ َّن َ‬
‫الر ُجل‬ ‫هذا َّ‬ ‫ول يف َ‬ ‫ولن‪َ :‬ما ُكن َْت َت ُق ُ‬ ‫َان‪َ ،‬ف ُي ْق ِعدَ انِ ِه َفي ُق َ‬
‫الم‪َ ،‬أتَاه م َلك ِ‬
‫ُ َ‬
‫َأصحابه‪ ،‬وإ َّنه َليسمع َقرع نِع َ ِ‬
‫ْ َ ُُ َ ُ َْ َ ُ ْ َ َ‬
‫ول‪َ :‬أ ْش َهدُ َأ َّن ُه َع ْبدُ اهلل َو َر ُسو ُل ُه َف ُي ًق ُال َل ُه‪ :‬ا ْن ُظ ْر إِ َل َم ْق َع ِد َك ِم َن الن َِّار‪،‬‬ ‫(لِ َح َّمد ﷺ ) َف َّأ َما ْ‬
‫املؤ ِم ُن َف َي ُق ُ‬ ‫ُ‬
‫اهاِ َجِي ًعا‪.‬‬ ‫َقدّ َأبدَ َل َك اهلل بِ ِه م ْقعدً ا ِمن ا ِ‬
‫(‪)1‬‬
‫جلنَّة َف َ َي ُ َ‬‫َ َ‬ ‫َ َ‬ ‫ْ‬
‫ت‪ُ ،‬ث َّم َشهدَ َأ ْن َل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ازب‪َ ،‬ع ِن النَّبِ ِّي ﷺ‪َ ،‬ق َال‪ :‬إِ َذا ُأ ْقعدَ ا ُمل ْؤم ُن ِف َق ْ ِبه ُأ ِ َ‬ ‫ب ِاء ْبن َع ِ‬ ‫حديث ا ْل َ َ‬
‫ِ (‪)2‬‬
‫ول اهلل‪َ ،‬فذلِ َك َقو ُل ُه ( ُي َث ِّب ُت اهللُ ا َّل ِ‬
‫ذي َن َءا َمنُوا بِا ْل َق ْو ِل ال َّثابِت)‪.‬‬ ‫إِله إِ َّل اهلل‪َ ،‬و َأ َّن ُم َ َّمدً ا َر ُس ُ‬

‫عموم سؤال القرب مجيع املكلفني‪:‬‬


‫مؤمنهم وكافِرهم‪ ،‬الطائعني والعصاة؛ ألنه ليس هناك ٌ‬
‫دليل‬ ‫وسؤال القرب عام جلميع املكلفني ِ‬
‫بتخصيصه بفريق دون آخر‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه البخاري‪.‬‬

‫‪27‬‬
‫كيفية السؤال‪:‬‬
‫سؤال امللكني عن األمور العامة‪ ،‬كام جاء يف األحاديث‪َ ،‬ف ُي َ‬
‫سأ ُل امليت عن ر ِّبه‪ ،‬ودينه‪ ،‬والنبي‬
‫الذي أرسل إليه‪.‬‬

‫الدليل عىل كيفية السؤال‪:‬‬


‫ار وفيه‪:‬‬ ‫ول اهلل ﷺ ِف ِجن ََاز ِة َر ُج ٍل ِم َن األَن َْص ِ‬ ‫ب ‪َ ‬ق َال‪َ :‬خر ْجنَا م َع رس ِ‬
‫َ َ ُ‬ ‫َ‬ ‫از ٍ‬ ‫بن َع ِ‬‫الب ِاء ِ‬ ‫َع ِن َ َ‬
‫ول ِف‬ ‫ولن‪َ :‬ما َت ُق ُ‬ ‫ول‪َ :‬ر ِب اهلل َو ِدينِي ِال ْس َل ُم َف َي ُق َ‬
‫ول ِن‪َ :‬م ْن َر َّب َك؟ َو َما ِدين َُك؟ َف َي ُق ُ‬ ‫ي ِل َسانِ َه َف َي ُق َ‬
‫«و ُ ْ‬
‫َ‬
‫ول‪َ :‬جا َءنَا‬ ‫يك؟ َف َي ُق ُ‬‫ول ِن‪َ :‬و َما ُيدْ ِر َ‬ ‫ول اهلل ﷺ َف َي ُق َ‬ ‫ول‪ُ :‬ه َو َر ُس ُ‬ ‫الر ُج ِل ا ِّل ِذي ُب ِع َث فِيك ُْم؟ َف َي ُق ُ‬ ‫َه َذا َّ‬
‫(‪)2()1‬‬
‫نت بِ ِه َو َصدَّ ْق ُت ُه َو َذلِ َك َق ْو ُل ُه ‪:‬‬ ‫بِا ْلب ِين ِ‬
‫َات من ربنا َفـآ َم ُ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫السؤال ف ُي ْس َأ ُل عنها املكلف يو َم القيامة‪.‬‬ ‫تفاص ُيل‬
‫وأ َّما َ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة إبراهيم‪ .‬اآلية‪.27 :‬‬
‫(‪ )2‬رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه‪.‬‬

‫‪28‬‬
‫عذاب القرب ونعيمه‪:‬‬
‫إذا فرغ امللكان من سؤال امليت بدأت نتائج إجايته عن سؤاهلام ‪ ،‬يالقيها يف حياته الربزخية‪ ،‬فمن‬
‫َث َّبتـَه اهلل‪-‬تعاىل‪-‬يف السؤال كان يف نعيم القرب‪ ،‬ومن مل ُي َث َّبت يف السؤال كان يف عذاب القرب إىل أن‬
‫يلقى جزاءه يوم القيامة‪.‬‬

‫األدلة عىل عذاب القرب ونعيمه‪:‬‬


‫جاءت النصوص الكثرية دال ًة عىل عذاب القرب ونعيمه من القرآن الكريم‪ ،‬والسنة النبوية‪.‬‬
‫من القرآن الكريم‪:‬‬
‫قوله‪-‬تعاىل‪-‬عن قوم نوح ‪: ‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ووجه داللة اآلية أهنا عطفت إدخاهلم النار عىل إغراقهم بالفاء‪ ،‬والعطف بالفاء يفيد الرتتيب‬
‫نارا بعد إغراقهم‪.‬‬
‫والتعقيب‪ ،‬بمعنى أهنم أدخلوا ً‬
‫وقوله تعاىل عن آل فرعون‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ووجه الداللة من اآلية أهنا حتدَّ ثت عن عرضهم عىل النار ُغ َّ‬


‫دوا وعش ًّيا قبل يوم القيامة‪ ،‬ثم عطفت‬
‫دخوهلم أشدَّ العذاب يوم القيامة‪ ،‬والعطف يقتيض املغايرة‪ ،‬كام أن يوم القيامة ال غدوة فيه وال عيش‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة نوح‪ .‬اآلية‪.25 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة غافر‪ .‬اآلية‪.46 :‬‬

‫‪29‬‬
‫بمجرد إدباره عن‬
‫َّ‬ ‫وهناك أدل ٌة أخرى من القرآن الكريم تفيد َّ‬
‫أن املكلف يبدأ يتلقى بعض جزائه‬
‫الدنيا‪ ،‬بخروج روحه‪ ،‬كقوله‪-‬تعاىل‪:-‬‬

‫(‪)1‬‬

‫وقوله‪-‬تعاىل‪:-‬‬

‫(‪)2‬‬

‫قوله‪-‬تعاىل‪:-‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة حممد اآلية‪.27 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة األنعام‪ .‬اآلية‪.93 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنفال‪ .‬اآلية‪.51-50 :‬‬

‫‪30‬‬
‫من السنة النبوية املطهرة‪:‬‬
‫كثرت األحاديث الدالة عىل ثبوت نعيم القرب وعذابه حتَّى بلغت يف جمموعها مبلغ التواتر‬
‫«يتعوذ من عذاب القرب»‬ ‫َّ‬ ‫فكثريا ما كان النبي ‪‬‬ ‫ً‬ ‫املعنوي‪.‬‬
‫ان ِم ْن‬
‫بان وما يع َّذب ِ‬ ‫ِ‬
‫ب ْي ِن َف َق َال ‪« :‬إِ َّنُ َام َل ُي َع َّذ َ َ ُ َ َ‬
‫وىف الصحيحني َع ْن ابن َع َّباس‪َ ‬م َّر النَّبِ ُّي  َع َل َق ْ َ‬
‫ِ ِ (‪)1‬‬
‫َان َل َي ْست َِت ِم ْن َب ْوله»‪.‬‬
‫يم ِة‪َ ،‬و َأ َّما اآلخر َفك َ‬ ‫ِ‬
‫َان َي ْس َعى بِالنَّم َ‬
‫ها َفك َ‬‫كَبِ ٍري ُث َّم َق َال َب َل َأ َّما َأ َحدُ ُ َ‬

‫اض اجلَن َِّة َأ ْو ُح ْف َر ُة ِم ْن ُح َف ِر الن َِّار»‪.‬‬


‫(‪)2‬‬ ‫ب َر ْو َض ٌة ِم ْن ِر َي ِ‬
‫وقال رسول اهلل ‪« :‬إِن ََّم ا ْل َق ْ ُ‬

‫خمالف يف ذلك‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وقد أمجع السلف قبل ظهور املخالف عىل إثبات عذاب القرب‪ ،‬ومل يعرف عنهم‬

‫املنكرون لنعيم القرب وعذابه‪:‬‬


‫بدأ يظهر املنكرون لعذاب القرب ونعيمه بظهور البدع وأهل األهواء قديام وحديثا‪.‬‬
‫شبهات املنكرين‪:‬‬
‫ال يستند املنكرون لعذاب القرب ونعيمه إىل أدلة بل إىل شبهات تدفع بأدنى نظر‪ ،‬والسبب يف‬
‫إنكارهم أن عقوهلم مل تتسع ملا أثبته اهلل ورسوله؛ لذلك تشاهبت شبهاهتم يف القديم واحلديث‪.‬‬

‫فهم يقولون ‪ :‬إننا نرى امليت جثة هامدة‪ ،‬وال نرى عليه آثار نعيم أو عذاب‪ ،‬ونرى املقتول‬
‫عذب؟!‪،‬‬ ‫مصلو ًبا وال أثر للعذاب والنعيم عليه‪ ،‬وكيف جيمع من ُذ ِّري جسده يف اهلواء ل ُين َّعم أو ُي َّ‬
‫إىل غري ذلك من االستبعادات‪ ،‬التي هي من جنس استبعادات منكري البعث حيث قالوا‪:‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة ق‪ .‬اآلية‪.3 :‬‬ ‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه الرتمذي وقال هذا حديث غريب‪.‬‬

‫‪31‬‬
‫اجلواب عن شبهات املنكرين‪:‬‬
‫ال وليست بمستحيلة‬ ‫ويكفي أن يعلم املنكرون أن عذاب القرب ونعيمه من األمور املمكنة عق ً‬
‫عقالً‪ ،‬وقد أخرب هبا القرآن والسنة‪ ،‬وأمجع عليها سلف األمة قبل ظهور املخالف‪.‬‬
‫أمورا كثرية يف حياتنا‪ ،‬وكم من أشياء‬ ‫ِ‬
‫ولو كان جمر ُد استبعاد اليشء سب ًبا يف إنكاره؛ ألنكرنا ً‬
‫كانت لغرابتها أشبه باملستحيل‪ ،‬كوسائل االتصال والنقل احلديثة فقد أصبحت من املألوفات‪.‬‬

‫ويف حياتنا ما ُي َق ِّرب لنا إمكانية عذاب القرب ونعيمه؛ فإن النائم بجوارنا قد ّ‬
‫يتأل أو‬
‫يتلذذ ومن بجواره ال يشعر به‪ ،‬وقد كان النبي ﷺ يرى امل َلك وحياوره وال حيس به من‬ ‫ّ‬
‫جيالسه من أصحابه‪.‬‬

‫واألمر داخل يف حيز املمكنات وليس من قبيل املستحيالت غاية األمر أن من املمكنات‬
‫أمورا مل نشاهدها ومل نتعود عىل تصورها وهضم كيفيتها فيتخيل اإلنسان ألول وهلة أن األمر‬ ‫ً‬
‫عسريا عىل اهلل جل وعال أن يعكس احلياة مرة أخرى عىل ذرات اجلسم سواء‬ ‫ً‬ ‫مستحيل‪ ،‬فليس‬
‫كانت جمتمعة يف قرب‪ ،‬أو موزعة يف فالة‪ ،‬أو متفرقة يف بطن سبع فيعي بذلك السؤال واجلواب‬
‫ويرى امللك ويكلمه والكيفية ال نعملها فحقائق ما بعد املوت متعلقة بنظام خمتلف كل االختالف‬
‫عن نظام هذا العامل املرئي لنا‪.‬‬

‫املناقشة‬
‫‪1.1‬ما املقصود بالقرب؟ وما املراد باحلياة الربزخية؟‬
‫‪2.2‬ما الدليل عىل سؤال القرب؟ وعن أي يشء يسأل اإلنسان يف قربه؟‬
‫‪3.3‬ما أدلة نعيم القرب وعذابه من القرآن الكريم‪ ،‬ومن السنة املطهرة؟‬

‫‪32‬‬
‫‪8‬‬

‫البعث واحلساب‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫يل َع ْن َت ْف ِريق‬ ‫عن عدَ ِم ِ‬


‫وق َ‬ ‫يق‬ ‫‪ - 72‬و ُق ْل يعـاد اجلـِسم بالتَّح ِ‬
‫ـق ِ‬
‫َ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫ْ ُ‬ ‫َ ُ ُ‬
‫بِاألَ ْنبِي ِ‬
‫اء َو َم ْن َع َل ْي ِهم ن ََّصا‬ ‫كن َذا‬
‫َ‬ ‫اخلالف ُخ َّصا‬
‫ُ‬ ‫م َضني َل ْ‬
‫‪ْ َ - 73‬‬
‫ت إِ َعـا َد ُة األ ْع َي ِ‬ ‫ــو ِ‬ ‫ِ‬
‫ان‬ ‫َو ُر ِّج َح ْ‬ ‫الن‬ ‫‪َ - 74‬و ِف إِ َعـا َدة ال َع َـر ْض َق ْ‬
‫الن و ِْ‬
‫ارتياب‬
‫ُ‬ ‫حق ومـا يف حـ ِّقه‬
‫ٌّ‬ ‫ـاب‬
‫ال َس ُ‬ ‫َّمـن َق ْو ِ َ‬
‫‪َ - 75‬و ِف الز ِ‬

‫البعث عبارة عن‪ :‬إحياء اهلل املوتى وإخراجهم من قبورهم‪ ،‬إما بعد مجع أجزائهم‪ ،‬وإما عن عدم‬
‫حمض أي‪ :‬فناء حمض‪ ،‬وذلك استعدا ًدا للحرش واحلساب واجلزاء وإما إىل جنة وإما إىل نار‪.‬‬
‫إمكانية البعث‪:‬‬
‫ولكن‪ :‬هل البعث عىل هذا احلال أمر ممكن؟ نعم؛ ألن البعث ال يلزم من فرض وقوعه حمال فهو‬
‫وأيضا؛ ألن القادر عىل البدء قادر‬
‫أمر ممكن‪ ،‬وكل ممكن جائز الوقوع؛ إذن البعث جائز الوقوع‪ً ،‬‬
‫عىل اإلعادة‪ ،‬بل إن اإلعادة أهون ىف نظر العقالء‪.‬‬

‫األدلة عىل البعث‪ :‬لقد ثبت البعث بالكتاب والسنة وإمجاع األمة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سور املؤمنون‪ .‬قاآلية‪.115 :‬‬

‫‪33‬‬
‫أيضا‪:‬‬
‫وقال ً‬

‫(‪)1‬‬

‫وقال‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وبناء عىل ما سبق فإن البعث سيقع فعالً‪ :‬قال تعاىل‪:‬‬


‫(‪)3‬‬

‫أيضا‪:‬‬
‫وقال ً‬

‫(‪)4‬‬

‫ويأيت هنا سؤال آخر‪ :‬هل اإلعادة عن عدم حمض‪ ،‬أو اإلعادة عبارة عن مجع األجزاء‬
‫املفرقة؟ اختلف املتكلمون يف هذه املسألة عىل رأيني‪:‬‬

‫أما الرأي األول فريى‪ :‬أن الناس عندما يموتون تعدم أجسامهم وتفنى‪ ،‬بحيث ال يكون‬
‫ثمة يشء وال يكون هناك أي أثر للجسم‪ ،‬وهذا هو العدم املحض‪.‬‬
‫َّ‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة يونس‪ .‬اآلية‪.53 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة يس‪ .‬اآليتان‪.79-78 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة التغابن‪ .‬اآلية‪.7 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة األنبياء‪.‬اآلية‪.103 :‬‬

‫‪34‬‬
‫ويستدل أصحاب هذا الرأي ببعض اآليات القرآنية منها قوله ‪ -‬تعاىل‪:-‬‬
‫(‪)1‬‬

‫أيضا‪:‬‬
‫ومنها ً‬
‫(‪)2‬‬

‫والفناء ىف اآلية األوىل واهلالك ىف اآلية الثانية بمعنى العدم‪.‬‬

‫أما الرأي الثاين فريى‪َ :‬أ َّن الناس عندما يموتون تتفرق أجسامهم وتتحول هذه األجسام إىل‬
‫أجزاء مفرقة‪ ،‬وخترج هذه األجزاء وتتحول من مادة إىل مادة أخرى‪ ،‬وذلك مع االحتفاظ بأساس‬
‫املادة األصلية التي يتكون منها اجلسم‪.‬‬

‫ويستدل أصحاب هذا الرأي ببعض اآليات القرآنية منها قوله تعاىل لسيدنا إبراهيم عندما‬
‫سأله عن كيفية إحياء املوتى‪:‬‬

‫(‪)3‬‬

‫أيضا‪:‬‬
‫ومنها ً‬

‫(‪)4‬‬

‫وعىل كال الرأيني البد للمكلف أن يعتقد باملعاد‪ ،‬وال يلزم أن يعتقد بأحد الرأيني‪ ،‬وأن يعتقد‬
‫ال له‪ ،‬وإال لزم أن اجلسم ا ُملثاب أو املعذب ليس هو‬ ‫أن ا ُمل َعاد هو اجلسم األول بعينه وليس مثي ً‬
‫اجلسم الذي أطاع وعىص‪.‬‬
‫واإلعادة تشمل األجسام أي األجزاء األصلية من اجلسم كاليد والقدم‪ ،‬أما األجزاء التي‬
‫تزول مثل الشعر واألظافر فإهنا ال تعود‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة القيامة‪ .‬اآلية‪.26 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة الرمحن‪ .‬اآلية‪.26 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة القيامة‪ .‬اآلية‪.4-3 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة القصص‪ .‬اآلية‪.88 :‬‬
‫‪35‬‬
‫حكم إعادة األعراض‪:‬‬

‫أما األعراض فقد اخت ُِلف فيها‪ :‬فقيل‪ :‬تعود‪ ،‬وعىل هذا فهي تشمل األعراض الالزمة فقط‪ ،‬مثل‪:‬‬
‫الطول والعرض واللون‪ ،‬بخالف األعراض غري الالزمة مثل‪ :‬األصوات‪.‬‬

‫وقيل اإلعادة ال تشمل األعراض؛ ألنه يلزم عليها اجتامع املتنافيات كالطول والقرص‪،‬‬
‫ورد عليهم‪ :‬بأن إعادة العرض ليست دفعة واحدة بل عىل التدريج كام كانت يف‬
‫والكرب والصغر‪ُ ،‬‬
‫الدنيا‪ ،‬لكن يمر عليه مجيع األعراض كلمح البرص‪ ،‬والتفويض يف مثل هذه األمور أفضل‪ ،‬وكذا‬
‫األمر يف إعادة الزمان‪.‬‬

‫وقد ورد أن األرض ال تأكل أجسام األنبياء وال تبيل أبداهنم‪ ،‬وكذلك بعض الصاحلني‬
‫والشهداء والعلامء‪ ،‬ال تبىل أبداهنم‪ ،‬فإعادهتم ال تكون عن تفريق أو عدم‪.‬‬

‫احلرش‪:‬‬

‫هو َس ْوق الناس مجيع ًا إىل املوقف الذي حياسبون فيه بعد بعثهم من قبورهم‪ ،‬ومكان املوقف‬
‫هو ا ألرض املبدلة كام يقول سبحانه‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة إبراهيم‪ .‬اآلية‪.38 :‬‬

‫‪36‬‬
‫أنواع احلرش أربعة‪ :‬اثنان يف الدنيا‪ ،‬واثنان يف اآلخرة‪.‬‬
‫احلرش األول يف الدنيا وهو‪ :‬إخراج اليهود من جزيرة العرب‪ ،‬وهو الوارد يف قوله تعاىل‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫احلرش الثاين يف الدنيا وهو‪ :‬النار التي خترج من عدن باليمن قرب قيام الساعة فتسوق الكفار إىل‬
‫(‪)2‬‬
‫املحرش‪ ،‬فتكون معهم عىل مجيع أحواهلم فتبيت معهم حيث باتوا‪ ،‬وتقيل معهم حيث قالوا‪.‬‬

‫احلرش الثالث يف اآلخرة وهو‪ :‬حرش الناس إىل املوقف‪.‬‬


‫احلرش الرابع يف االخرة وهو‪ :‬رصف الناس من املوقف إىل اجلنة أوالنار‪.‬‬

‫هل احلرش جلميع املخلوقات أو لبعضهم؟‬


‫يرش‪ ،‬وال خيتص األمر بمن حيتاج إىل اجلزاء‪،‬‬
‫ذهب املحققون إىل أن كل من حيتاج إىل الفصل ُ ْ‬
‫ٍ‬
‫ووحوش‪.‬‬ ‫وعىل ذلك حيرش اإلنس واجلن واملالئكة واحليوانات من هبائم‬
‫(‪)3‬‬
‫ويؤيد هذا الرأي قوله قوله‪« : ‬حتى يقيض للشاة اجلامء من الشاة القرناء» ‪ ،‬واحلكمة من‬
‫حرش البهائم إظهار كامل عدل اهلل تعاىل‪.‬‬

‫مقصورا عىل الثقلني‪ :‬اإلنس واجلن‪.‬‬


‫ً‬ ‫وذهب البعض إىل أنه ال حيرش إال من ُيازى فيكون احلرش‬
‫مراتب الناس يف احلرش‪:‬‬
‫ومراتب الناس يف احلرش متفاوت ٌة‪ ،‬فمنهم الراكب ومنهم الزاحف عىل رجليه ومنهم املايش عىل‬
‫وكل عىل حسب عمله‪.‬‬ ‫بطنه‪ٌّ ،‬‬

‫وأول من تنشق األرض عنه نبينا حممد ﷺ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة احلرش‪ .‬اآلية‪.2 :‬‬
‫(‪ )2‬تقيل وقالوا‪ :‬من القيلولة وهو الراحة وقت الظهر‪.‬‬

‫‪37‬‬
‫معنى احلساب‪:‬‬
‫كانت‪،‬‬
‫قول ْ‬‫رشا‪ً ،‬‬
‫خريا كانت‪ ،‬أو ً‬
‫واصطالحا‪ :‬توقيف اهلل الناس عىل أعامهلم ً‬
‫ً‬ ‫احلساب لغة‪ :‬العدد‪،‬‬
‫أو فعالً‪ ،‬بعد أخذ كتبهم‪.‬‬

‫كانت‪ ،‬أو ً‬
‫فعل‪،‬‬ ‫قول ْ‬‫رشا‪ً ،‬‬
‫خريا كانت‪ ،‬أو ً‬
‫ويمكن أن يقال‪ :‬هو اطالع اهلل العباد عىل أعامهلم ً‬
‫أو اعتقا ًدا‪.‬‬
‫عموم احلساب ‪:‬‬
‫ويكون احلساب جلميع املكلفني من إنس وجان مؤمنني وكافرين‪َّ ،‬إل َم ْن وردت السنة بدخوهلم‬
‫تكريم هلم‪ ،‬ففي احلديث «يدخل اجلنة من َأمتي سبعون ألفا ليس عليهم‬
‫ً‬ ‫اجلنة من غري حساب؛‬
‫حساب‪ ،‬فقيل له هال استزدت ربك‪ ،‬فقال‪ :‬استزدته فزادين مع كل واحد من السبعني أل ًفا سبعني‬
‫أل ًفا‪ ،‬فقيل هال استزدت ربك؟ فقال‪ :‬استزدته فزادين ثالث حثيات بيده الكريمة»‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫أحوال الناس يف احلساب‪:‬‬


‫وإذا كان من املؤمنني من يدخل اجلنة بغري حساب‪ ،‬فهناك من الكافرين من يدخل النار بغري‬
‫حساب؛ لشدة الغضب عليهم ولعظم جرمهم‪.‬‬
‫فالناس جتاه احلساب ثالثة أقسام‪ :‬طائفة تدخل اجلنة بغري حساب‪ ،‬وطائفة تدخل النار بغري‬
‫حساب‪ ،‬وطائفة توقف للحساب‪ ،‬وهبذا جيمع بني النصوص الواردة يف هذا الشأن‪.‬‬

‫وهنا مسألة خالفية‪ :‬وهي كيف ُيوقف اهللُ الناس عىل أعامهلم‪ ،‬أو كيف حياسبهم؟‬
‫قيل يكلمهم اهلل ‪ -‬سبحانه ‪ -‬يف شأن أعامهلم‪ ،‬وما هلم من ثواب‪ ،‬وما عليهم من عقاب وهذا ما‬
‫تشهد له األحاديث الصحيحة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه الرتمذي وقال هذا حديث حسن غريب‪.‬‬

‫‪38‬‬
‫والكافر ينكر كفره‪ ،‬فيأمر اهلل جوارحه أن تشهد‬

‫(‪)1‬‬

‫أيضا سمعهم وأبصارهم وجلودهم‪.‬‬


‫بل ويشهد ً‬

‫وال يشغله سبحانه حماسبة أحد بل حياسب اجلميع م ًعا‪ ،‬حتى يظن كل فرد أنه‬
‫املحاسب وحده‪.‬‬

‫كيفية احلساب‪ :‬من احلساب اليسري والعسري‪ ،‬ومنه الرس واجلهر‪ ،‬وقد يكون بالعدل‪ ،‬أو‬
‫بالفضل‪ ،‬وذلك عىل حسب األعامل‪.‬‬

‫حكمة احلساب‪ :‬إظهار تفاوت املراتب يف الكامل‪ ،‬وفضائح أهل النقص‪ ،‬ويف ذلك ترغيب‬
‫للناس يف احلسنات‪ ،‬وزجر عن السيئات‪.‬‬

‫واحلساب ثابت بالكتاب والسنة واإلمجاع‪ ،‬فمنكره كافر‪.‬‬


‫واألدلة عليه كثرية‪ :‬فمن القرآن يقول‪ :‬سبحانه وتعاىل‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة النور‪ .‬اآلية‪.24 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة االنشقاق‪ .‬اآلية‪.12-7 :‬‬

‫‪39‬‬
‫أيضا‪:‬‬
‫ويقول ً‬

‫(‪)1‬‬

‫(‪)2‬‬
‫ال ْل َحاء‬
‫ُؤدن احلقوق إىل أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة َ‬
‫ومن السنة يقول ﷺ‪« :‬لت َّ‬
‫(‪)3‬‬
‫أيضا‪« :‬ال تزول قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن عمره فيم أفناه‪،‬‬ ‫من الشاة ال َق ْرن َاء» ويقول ً‬
‫(‪)4‬‬
‫فيم عمل‪ ،‬وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه‪ ،‬وعن جسمه فيم أباله»‪ ،‬والنصوص‬ ‫وعن علمه َ‬
‫ىف هذا الباب كثرية جدًّ ا‪.‬‬

‫املناقشة‬
‫‪ 1.1‬ما معنى البعث‪ ،‬وما الدليل عليه؟‬
‫‪2.2‬هل يبعث من مات يف البحار غرق ًا‪ ،‬أو يف النار حرق ًا؟ وما دلليلك؟‬
‫‪ 3.3‬للحرش أنواع أربعة‪ ،‬اذكرها‪ .‬وهل هو جلميع املخلوقات؟ وضح ذلك‪.‬‬
‫‪4.4‬ما املقصود باحلساب رشع ًا؟ وملن يكون؟ وما أنواع اخللق بالنسبة له؟‬
‫‪5.5‬اذكر األدلة عىل احلساب من الكتاب والسنة مع بيان احلكمة منه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬أخرجه املسلم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة البفرة‪ .‬اآلية‪.284 :‬‬
‫(‪ )4‬أخرجه الرتمذي وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫(‪ )2‬اجللحاء‪ :‬التي ال قرن هلا‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫‪9‬‬
‫اليوم اآلخر‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ف يا ر ِحيم واس ِع ِ‬ ‫‪ - 76‬وا ْليوم ْال ِخر ُثم هو ُل ا َملو ِق ِ‬


‫ف‬ ‫َح ٌّق َفخَ ِّف ْ َ َ ُ ْ‬ ‫ف‬ ‫ْ‬ ‫ْ َّ َ ْ‬ ‫َ َْ ُ‬

‫اليوم اآلخر هو يوم القيامة‪ ،‬وأوله من وقت احلرش إىل ما ال يتناهى عىل الصحيح‪ ،‬وقيل إىل‬
‫أن يدخل أهل اجلنة اجلنة وأهل النار النار‪.‬‬

‫متصل بآخر أيام الدنيا‪ ،‬وإن كان ليس منها‪ ،‬و ُي َّ‬
‫سمى هذا اليوم‬ ‫ٌ‬ ‫وسمي باليوم اآلخر؛ ألنه‬
‫أيضا وذلك لقيام الناس فيه من قبورهم وقيام حجتهم عليهم‪.‬‬ ‫بالقيامة ً‬

‫وقد تعددت أسامء هذا اليوم؛ لكثرة ما فيه من أحداث‪ ،‬وأشهر هذه األسامء‪ :‬اليوم اآلخر‬
‫والقيامة والقارعة واحلاقة‪.‬‬

‫املراد هبول املوقف‪ :‬ما ينال الناس فيه من الشدائد لطول الوقوف‪ ،‬قيل‪ :‬إنَّه كألف سنة مما‬
‫تعدون قال‪-‬تعاىل‪:-‬‬

‫(‪)1‬‬

‫أيضا إنه‪:‬‬
‫وقيل ً‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة السجدة‪ .‬اآلية‪.5 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة املعارج‪ .‬اآلية‪.4 :‬‬
‫‪41‬‬
‫وال تنايف بني اخلربين؛ ألن املقصود طول املدة‪ ،‬والعدد ال مفهوم له‪ ،‬أو أن اليوم خيتلف باختالف‬
‫أحوال الناس‪ ،‬فريى الكفار أنه كخمسني ألف‪ ،‬ويرى الفساق أنه كألف سنة‪ ،‬ويرى غريهم أنه‬
‫فرتة يسرية‪ ،‬حتى لريى املؤمن أنه أخف من صالة مكتوبة كام جاء يف بعض األخبار‪.‬‬

‫هول املوقف‪:‬‬
‫وىف هذا اليوم يشتد اهلول عىل الناس‪ ،‬وتقرتب الشمس من الرؤوس ويغرق العصاة والكفار يف‬
‫(‪)1‬‬
‫رق إىل كعبيه أو إىل ركبتيه أو إىل حقويه‪ ،‬ومنهم من يلجمه‬ ‫عرقهم املنتن‪ ،‬فمنهم من يكون ال َع ُ‬
‫(‪)2‬‬
‫العرق إجلا ًما‪ ،‬وقد أخربنا ﷺ «أن الناس حيرشون يف ذات اليوم حفا ًة عرا ًة ُغ ْرالً »‪ ،‬فعجبت‬
‫عاثشة وسألت‪ :‬أينظر بعضهم إىل عورة بعض؟ فأجاهبا عليه السالم بقوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)4( )3‬‬

‫أيضا سؤال املالئكة عن التفريط يف األعامل‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬


‫ومن األهوال ً‬
‫(‪)5‬‬

‫شئ مما ُذ ِكر األنبيا َء والصاحلني؛ قال تعاىل‪:‬‬


‫وكشهادة األلسنة واألرجل وغريها‪ ،‬ولكن ال ينال ٌ‬
‫(‪)6‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬إىل وسط جسده أي خرصه‪.‬‬
‫(‪ )5‬سورة الصافات‪ .‬اآلية‪.24 :‬‬ ‫(‪ )2‬غرال أي خللقتهم وهم صغار قبل اخلتان‪.‬‬
‫(‪ )6‬سورة األنبياء‪ .‬اآلية‪.103 :‬‬ ‫(‪ )3‬سورة عبس‪ .‬اآلية‪.37 :‬‬

‫‪42‬‬
‫ واليوم اآلخر حق ال مرا َء فيه‪ ،‬كام أقر بثبوته مجيع األديان‪.‬‬

‫األدلة عىل اليوم اآلخر‪ :‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫أيضا‪:‬‬
‫ومن هذه األدلة ً‬
‫(‪)2‬‬

‫ومنها‪:‬‬
‫(‪)3‬‬

‫ُ‬
‫اإليامن بدونه‪،‬‬ ‫اإليامن باليوم اآلخر رك ٌن من اإليامن‪ ،‬فال ُي ْق َب ُل‬
‫ُ‬ ‫حكم اإليامن باليوم اآلخر‪:‬‬
‫وعىل ذلك فمنكره كافر‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة هود‪ .‬اآلية‪.105 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة لقامن‪ .‬اآلية‪.33 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة آل عمران‪ .‬اآلية‪.106 :‬‬

‫‪43‬‬
‫عالمات يوم القيامة ‪:‬‬
‫عالمات اليوم اآلخر‪ :‬عالمات ُص ْغرى‪ ،‬و ُأ ْخرى كربى‪.‬‬

‫أوال ‪ :‬الصغرى‬
‫أوهلا مبعث خاتم املرسلني‪‬؛ حيث يقول‪«:‬بعثت أنا والساعة كهاتني‪ ،‬وضم بني السبابة‬
‫والوسطى»‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ومنها ظهور املعايص وانتشارها‪ ،‬وتطاول احلفاة العراة يف البنيان كام جاء يف حديث‬
‫جربيل حينام سأل عن الساعة‪ .‬فقال ﷺ ‪«:‬ما املسئول عنها بأعلم من السائل ولكني أخربك‬
‫(‪)2‬‬
‫عن أرشاطها ‪ ...‬إلخ»‪.‬‬
‫ثانيا ‪ :‬الكربى‬
‫وهناك عالمات كربى قريبة ‪ :‬منها ما أخرجه مسلم عن حذيفة قال‪«:‬اطلع النبي ﷺ علينا‬
‫ونحن نتذاكر فقال‪ :‬ما تذاكرون؟ قالوا‪ :‬نذكر الساعة‪ .‬قال‪ :‬إهنا لن تقوم حتى تروا قبلها عرش آيات‪،‬‬
‫فذكر الدخان‪ ،‬والدجال‪ ،‬والدابة‪ ،‬وطلوع الشمس من مغرهبا‪ ،‬ونزول عيسى بن مريم ﷺ‪ ،‬ويأجوج‬
‫ومأجوج‪ ،‬وثالثة خسوف‪ ،‬خسف باملرشق وخسف باملغرب وخسف بجزيرة العرب‪ ،‬وآخر ذلك‬
‫(‪)3‬‬
‫نار خترج من اليمن تطرد الناس إىل حمرشهم»‪.‬‬

‫املناقشة‬
‫‪ 1.1‬ما اليوم اآلخر‪ ،‬وما أشهر أسامئه؟‬
‫‪ 2.2‬اذكر بعض أهوال القيامة‪.‬‬
‫‪ 3.3‬ماحكماإليامنباليوماآلخر؟وماحكممنكره؟معذكرالدليل‪.‬‬
‫‪4.4‬لليوم اآلخر عالمات صغرى وعالمات كربى‪ .‬وضح ذلك‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪44‬‬
‫‪10‬‬

‫الشفاعة‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫َُ ٍ‬ ‫ـب َش َفـا َع ُة ا ُمل َشـ َّف ِع‬ ‫‪َ - ٧٧‬و َو ِ‬


‫م َّمــد ُمـ َقـدَّ ًمــا َل ت ْ‬
‫َـمنَـ ِع‬ ‫اج ُ‬
‫اء ِف األَ ْخ َب ِ‬
‫ار‬ ‫َي ْش َف ْع ك ََم َقدْ َج َ‬ ‫‪َ - 78‬و َغ ْي ُه ِم ْن ُم ْرت ََض األَ ْخ َي ِ‬
‫ار‬ ‫ُ‬
‫ـؤ ِمــنَـا بِـا ْل ِ‬
‫ـوز ِْر‬ ‫َفال ُت َك ِّف ْر ُم ْ‬ ‫‪ - 79‬إِ ْذ َجائِ ٌز ُغ ْف َر ُ‬
‫ان َغ ْ ِي ا ْل ُك ْف ِ‬
‫ـر‬

‫تعريف الشفاعة‪:‬‬
‫واصطالحا‪ :‬هي سؤال اخلري من الغري‪ ،‬وقد تنسب‬
‫ً‬ ‫الشفاعة لغ ًة‪ :‬الوسيلة والطلب‪،‬‬
‫الشفاعة إىل اهلل سبحانه‪ ،‬كام يف قوله‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فيكون معناه قبول الشفاعة أو العفو‪ ،‬وله سبحانه أن يعفو عمن اعرتف له بالوحدانية وملحمد‪-‬‬
‫خريا قط‪ ،‬كام قال سبحانه‪:‬‬
‫عليه السالم‪-‬بالرسالة‪ ،‬ومل يعمل ً‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الزمر‪ .‬اآلية‪.44 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.48 :‬‬

‫‪45‬‬
‫أدلتها‪:‬‬
‫ٍ‬
‫خمتلفة‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬ ‫مواضع‬ ‫وقد ورد ذكر الشفاعة يف القرآن الكريم يف‬
‫َ‬
‫(‪)1‬‬

‫ويقول‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ويقول عىل لسان الكفار‪:‬‬


‫(‪)3‬‬

‫شفاعة النبي ﷺ‬
‫َص به وهي الشفاعة العظمى‪.‬‬ ‫وهناك شفاعة‪ :‬قد تنسب إىل نبينا ﷺ َ ْ‬
‫وتت ُّ‬

‫وقد تكون الشفاعة له ولغريه من األنبياء والصاحلني‪ ،‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬لكل ّ‬
‫نبي دعوة‬
‫قد دعاها ألمته وإين اختبأت دعويت شفاع ًة ألمتي»‪ .‬أخرجه الشيخان عن أنس ‪ ،‬وذكر ﷺ‬
‫ِ‬
‫«أنه ُأ ْعطي ً‬
‫(‪)4‬‬
‫مخسا مل يعطهن أحدٌ قبله‪ ،‬ومنها الشفاعة»‪.‬‬

‫والشافع‪ :‬هو طالب اخلري من الغري للغري‪ ،‬وا ُمل َش َّفع‪ :‬مقبول الشفاعة‪ ،‬وأول من يشفع يوم القيامة‬
‫(‪)5‬‬
‫نبينا ﷺ‪ ،‬فقد روى الشيخان أنه أول شافع ومشفع‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )4‬متفق عليه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة طه‪ .‬اآلية‪.109 :‬‬
‫(‪ )5‬أخرجه الرتمذي وقال هذا حديث غريب‪.‬‬ ‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.255 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة األعراف‪ .‬اآلية‪.53 :‬‬

‫‪46‬‬
‫ٍ‬
‫شفاعة مقبولة‪،‬‬ ‫فقد اختص ﷺ بأمور ثالثة‪ :‬فهو أول شافع‪ ،‬وهو أول ُم َش َّفعِ‪ ،‬وشفاعت ُه ُ‬
‫أول‬
‫ِ‬
‫الشفاعة لغريه من األنبياء والصاحلني‪ ،‬ولعل هذا هو املقام املحمود‪ ،‬الذي‬ ‫وبذلك َي ْفت َُح َ‬
‫باب‬
‫وعد‪-‬سبحانه‪-‬به نبيه يف قوله‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وأهل ِ‬
‫النار يف النار‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫استقرار ِ‬
‫أهل اجلنَّة يف اجلنة‬ ‫ُ‬ ‫وآخر ُه‬
‫ُ‬ ‫أو هو ُ‬
‫أول املقا ِم املحمود‪،‬‬

‫والشفاعة أنواع‪:‬‬
‫الشفاعة العظمى‪ ،‬مل ينكرها أحد من املسلمني‪.‬‬ ‫‪1.1‬‬
‫شفاعته عليه السالم يف إدخال فريق اجلنة بغري حساب‪.‬‬ ‫‪2.2‬‬
‫‪ 3.3‬شفاعته يف رفع درجات بعض املؤمنني‪ ،‬وقد يشفع لغريه ‪ ‬يف رفع الدرجات كذلك‪ .‬وهذه‬
‫الشفاعات موضع اتفاق بني علامء الكالم‪.‬‬
‫‪ 4.4‬الشفاعة ملرتكب الكبرية‪ ،‬الذي مات دون توبة بأن ال يدخل النار أصالً‪ ،‬أو أن خيرج من النار‬
‫بعد أن ُأ ْد ِخ َله َا‪.‬‬

‫وقد أثبت هذا النوع من الشفاعة ُ‬


‫أهل السنة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة اإلرساء‪ .‬اآلية‪.79 :‬‬

‫‪47‬‬
‫أما املعتزلة فقد أنكروه حيث يرون وجوب تعذيب أهل الكبائر‪ ،‬كام أنكره اخلوارج‬
‫الذين حيكمون بالكفر عىل مرتكب الكبرية ويوجبون ختليده يف النار‪ ،‬واحلق مع ُ‬
‫أهل السنة‪،‬‬
‫ُ‬
‫فقول اهلل سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫رصيح يف إثبات هذا الرأي‪ ،‬فلم ُي َع ّلق سبحانه املغفرة عىل توبة‪ ،‬وإنام علقها عىل املشيئة‪ ،‬أما إذا‬
‫تاب‪ ،‬فهناك وعد آخر بقبول التوبة‪ ،‬ووعد الكريم ال يتخلف‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫شبهة وردها‪:‬‬
‫قيل‪ :‬إن قوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)3‬‬

‫يدل عىل عدم وجود شفاعة يوم القيامة‪.‬‬

‫ور َّد هذا الكالم بأن املقصود هبم الكفار‪ ،‬الذين اعرتفوا بقوله‬
‫ُ‬
‫(‪)4‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة املدثر‪ .‬اآلية‪.48 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.48 :‬‬
‫(‪ )4‬سورة املدثر‪ .‬اآلية‪.46 :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة الشورى‪ .‬اآلية‪.25 :‬‬

‫‪48‬‬
‫وكذلك قوله سبحانه عىل لسان الكفار يوم القيامة‬

‫(‪)1‬‬

‫أما قوله سبحانه‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ِ‬
‫الشفاعة‪ ،‬فإذنه سبحانه يف قوله‪:‬‬ ‫فقد استثنى من ذلك عموم‬

‫(‪)3‬‬

‫وقد أمر اهلل رسوله بأن يستغفر للمؤمنني‬


‫(‪)4‬‬

‫(‪)5‬‬
‫واالستغفار شفاعة‪ ،‬وقد روي أنه عليه السالم قال‪«:‬شفاعتي ألهل الكبائر من أمتي»‪.‬‬

‫شفاعة غري األنبياء‪:‬‬


‫وليست الشفاعة قارصة عىل األنبياء‪ ،‬بل قد يشفع األولياء‪ ،‬والصاحلون‪ ،‬والعلامء‬
‫كل عىل قدر درجته ومنزلته عند اهلل‪-‬سبحانه‪-‬؛ ويتفضل‬ ‫العاملون‪ ،‬والشهداء‪ ،‬واملالئكة‪ّ ،‬‬
‫سبحانه باإلذن بالشفاعة ملن َشاء ويقبل شفاعتهم‪ ،‬وشفاعة املالئكة عىل الرتتيب‪ ،‬فأوهلم جربيل‪،‬‬
‫وآخرهم التسعة عرش ملكًا التي عىل النار‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )4‬سورة حممد اآلية‪.19 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة الشعراء‪ .‬اآلية‪.101-99 :‬‬
‫(‪ )5‬أخربه الرتمذي‪ ،‬وقال هذا حديث حسن صحيح‪.‬‬ ‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.48 :‬‬
‫(‪ )3‬سورة طه‪ .‬اآلية‪.109 :‬‬
‫‪49‬‬
‫املناقشة‬
‫واصطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ 1.1‬عرف الشفاعة لغة‬
‫‪ 2.2‬للنبي ﷺ عدة شفاعات اذكرها‪.‬‬
‫؟‬ ‫ً‬
‫مستدل بقوله‪ -‬تعاىل‪:-‬‬ ‫‪ 3.3‬كيف ترد عىل من أنكر الشفاعة‬
‫‪4.4‬هل يشفع الصاحلون والعلامء لغريهم؟ وضح هذا املوضوع‪.‬‬

‫‪50‬‬
‫‪11‬‬
‫احلسنات والسيئات‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ت بِا ْل ِف ْع ِل‬ ‫َات ُض ِ‬


‫وع َف ْ‬ ‫َو َ‬
‫احل َسن ُ‬ ‫َات ِعنْدَ ُه بِا ْل ِ ْثل‬
‫السيِئ ُ‬
‫‪َ -80‬ف َّ‬

‫تعريف احلسنات‬
‫مجع حسنة‪ ،‬وهي ما يمدح فاعلها رش ًعا‪ ،‬وسميت حسنة؛ حلسن وجه فاعلها‪.‬‬
‫واملراد باحلسنة‪:‬‬
‫املقبولة األصلية التي عملها العبد‪ ،‬أو ما يف حكمها‪ ،‬كام إذا تصدّ ق شخص عن شخص آخر‬
‫بصدقة‪ ،‬ووهب له ثواب هذه الصدقة‪.‬‬

‫فخرج «باملقبولة» املردودة‪ ،‬بنحو رياء فال ثواب فيها ً‬


‫أصل‪ ،‬وخرج «باألصلية» احلاصلة‬
‫هم‬
‫بالتضعيف‪ ،‬فال تضاعف ثانية‪ ،‬وخرج «بالتي عملها العبد‪ ،‬أو ما يف حكمها» احلسنة التي َّ‬
‫هبا‪ ،‬ومل يعملها‪ ،‬فتكتب واحدة من غري تضعيف‪.‬‬

‫مضاعفة احلسنات من خصائص هذه األمة‪:‬‬


‫وأقل مراتب التضعيف عرش‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة األنعام‪ .‬اآلية‪.160 :‬‬

‫‪51‬‬
‫وقد ت َُضاعف إىل «سبعني‪ ،‬أو سبعامئة ضعف‪ ،‬أو إىل أضعاف كثرية»‪ ،‬ال يعلمها إال اهلل سبحانه‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫هم بحسنة‬
‫وتتفاوت مراتب التضعيف تب ًعا للتفاوت‪ ،‬واإلخالص‪ ،‬وحسن النية‪ ،‬أما إذا ّ‬
‫فلم يعم ْلها‪ ،‬فإهنا تكتب حسنة واحدة من غري مضاعفة‪ ،‬وكذلك إذا عزم عىل معصية ثم تركها‬
‫تكتب له حسنة‪.‬‬
‫تعريف السيئات‪:‬‬
‫مجع سيئة‪ ،‬وهي‪ :‬ما يذم فاعلها رش ًعا‪ ،‬وهي‪ :‬ما يذم فاعلها رشعا‪ ،‬صغرية كانت‪ ،‬أو كبرية‪،‬‬
‫وسميت سيئة؛ ألن فاعلها ُي َساء عند املقابلة عليها يوم القيامة‪.‬‬

‫واملراد بالسيئة‪:‬‬
‫مثل‪ ،‬أو ما يف حكمها‪ ،‬كأن‬ ‫ب شخص ًا‪ ،‬أو َع َّق والديه ً‬ ‫التي عملها العبد حقيقة‪ ،‬كأن يكون َس َّ‬
‫يكون ظلم أحدً ا يف دنياه فيؤخذ من سيئات املظلوم و ُت ْط َرح عىل الظامل‪ .‬أما من فعل سيئة‪ ،‬فإهنا ال‬
‫تضاعف‪ ،‬بل حتسب عليه سيئة واحدة قال‪-‬تعاىل‪-‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.261 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة اآلنعام‪ .‬اآلية‪.160 :‬‬

‫‪52‬‬
‫‪12‬‬
‫التوبة‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ْري ُة كَــبِ َري ٌة َفـالــ َّث ِ ِ‬


‫ــان‬ ‫َصـغ َ‬ ‫ُوب ِعنْدَ نَا ِق ْس َ ِمن‬ ‫‪ُ - 81‬ث َّم ُّ‬
‫الذن ُ‬

‫لح ِ‬ ‫ِ‬ ‫َو َل انْتِ َف َ‬ ‫احل ِ‬


‫ب ِف َ‬ ‫َاب َو ِ‬ ‫ِ‬
‫ـال‬ ‫اض إِ ْن َي ُعدْ ل َ‬ ‫ال‬ ‫اج ٌ‬ ‫‪ -82‬منْه ا َملت ُ‬

‫اخ َت َل ِ ْ‬
‫ف‬ ‫َو ِف ا ْل َق ُب ِ‬
‫ول َر ْأ ُ ُيم َقدْ ْ‬ ‫ِ‬
‫يدِّ ُد ت َْو َب ًة َلا ا ْق َ َ‬
‫ت ْ‬
‫ف‬ ‫ِ‬
‫‪َ - 83‬لك ْن ُ َ‬

‫التوبة‪:‬‬
‫واصطالحا‪ :‬هي ما استجمع ثالثة أركان‪ :‬اإلقالع‬
‫ً‬ ‫لغة‪ :‬مطلق الرجوع‪ ،‬وكذلك املتاب بمعنى التوبة‪،‬‬
‫فلو مل ْ يقلع‪ ،‬أو مل يندم‪ ،‬أو عزم عىل العود فليس‬
‫عن الذنب‪ ،‬والندم عىل فعله‪ ،‬والعزم عىل أال يعود‪ْ ،‬‬
‫بتائب‪ .‬هذا إن مل تتعلق املعصية باآلدمي‪ ،‬فإن تعلقت به فلها ركن رابع وهو رد املظلمة إىل ذلك اآلدمي‪،‬‬
‫أيضا صدورها قبل الغرغرة قبيل املوت يقول سبحانه‪:‬‬ ‫أو حتصيل الرباءة منه‪ ،‬ومن رشوطها ً‬

‫(‪)1‬‬

‫أيضا أن تكون قبل طلوع الشمس من مغرهبا‪.‬‬


‫ومن رشوطها ً‬
‫وعدم صحة التوبة عند الغرغرة بالنسبة للكافر والعايص هو رأي األشاعرة‪ ،‬وقد نسب إىل‬
‫املاتريدية أن توبة العايص عند الغرغرة مقبولة‪ ،‬وتوبة الكافر غري مقبولة‪ ،‬وروي العكس‪ .‬واحلق‬
‫رأي األشاعرة‪ ،‬فاآلية رصحية‪ ،‬ومل تفرق بني الكافر والعايص يف عدم قبول التوبة عند الغرغرة‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.18 :‬‬
‫‪53‬‬
‫رشوط التوبة‪:‬‬
‫وبناء عىل هذا‪ ،‬فإن رشوط التوبة مخسة بالنسبة حلقوق اهلل‪ ،‬وستة بالنسبة حلقوق اآلدميني‪:‬‬
‫‪ 1 .1‬اإلقالع عن الذنب‪.‬‬
‫‪2 .2‬الندم عىل فعله‪.‬‬
‫‪3 .3‬العزم عىل عدم العودة إليه‪.‬‬
‫‪4 .4‬رد املظامل إىل أهلها ء وهو خاص باحلق اآلدمي‪.‬‬
‫‪5 .5‬أن تكون التوبة قبل الغرغرة‪.‬‬
‫‪ 6 .6‬أن تكون التوبة قبل طلوع الشمس من مغرهبا‪.‬‬

‫وجوب التوبة‪:‬‬
‫كبريا‪ ،‬فتأخري التوبة ذنب‬
‫صغريا أم ً‬
‫ً‬ ‫فورا عىل من ارتكب ذن ًبا‪ ،‬سواء كان‬‫والتوبة واجبة ً‬
‫آخر‪ ،‬ويتفاوت هذا الذنب باعتبار التأخري‪.‬‬

‫وعند املعتزلة يتعدد الذنب بالرتاخي‪ ،‬فترتاكم الذنوب‪ ،‬وتزيد كلام تأخر يف التوبة‪.‬‬

‫أما دليل وجوب التوبة‪ :‬فرشعي عند األشاعرة‪ ،‬وهو قوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وعند املعتزلة يثبت الوجوب بالعقل؛ ألن العقل يدرك حسنها فيوجبها‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة النور‪ .‬اآلية‪.31 :‬‬

‫‪54‬‬
‫حكم من عاد إىل الذنب بعد التوبة‪:‬‬

‫يرى املعتزلة‪ :‬أن فعل الذنب بعد التوبة منه ينقض التوبة‪ ،‬فيعود ذنبه الذي تاب منه بعوده إليه‪،‬‬
‫فرشط صحة التوبة عندهم ّأل يعاود الذنب بعد التوبة‪.‬‬

‫وعند الصوفية‪ :‬معاودة الذنب بعد التوبة أقبح من «سبعني» ذن ًبا بال توبة‪ ،‬ومها رأيان ضعيفان‪.‬‬

‫أما اهل السنة‪ :‬فريون أن العود إىل الذنب ال ينقض التوبة‪ ،‬ما دام عاز ًما عند التوبة عىل عدم‬
‫العود‪ ،‬وعليه إن وقع يف الذنب مرة أخرى أن جيدّ د توبة أخرى وهكذا‪ ،‬فال يرض إال اإلرصار‬
‫عىل املعايص‪.‬‬

‫واستدل أهل السنة عىل ما ذهبوا إليه ببعض األدلة منها قوله تعاىل‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وهم الذين يتوبون كلام أذنبوا‪ ،‬ويقول يف وصف املؤمنني‬

‫(‪)2‬‬

‫أيضا قوله ﷺ‪«:‬والذي نفيس بيده لو مل تذنبوا‪ ،‬لذهب اهلل بكم وجلاء بقوم‬ ‫ومن هذه األدلة ً‬
‫(‪)3‬‬
‫يذنبون‪ ،‬فيستغفرون اهلل‪ ،‬فيغفر هلم»‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬أخرجه مسلم‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.222 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة آل عمران‪ .‬اآلية‪.135 :‬‬

‫‪55‬‬
‫آراء العلامء يف قبول التوبة‪:‬‬
‫هل جيب عىل اهلل تعاىل أن يقبل توبة التائب‪ :‬ذهب أهل السنة إىل أن اهلل يتفضل بقبول‬
‫التوبة إذا استجمعت رشائطها؛ حيث يقول‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ويقول سبحانه‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫فهذا وعد كريم‪ ،‬ووعد الكريم ال يتخلف‪ ،‬وإنام ندعو بقبوهلا خوفا من أن تكون رشوطها غري‬
‫متحققة من اإلخالص‪ ،‬وحسن النية‪.‬‬

‫وتوقف إمام احلرمني والقايض أبو بكو الباقالين من أهل السنة‪ ،‬فلم يقطعا بالقبول‪ ،‬بل هي‬
‫معلقة باملشيئة‪ ،‬وقالوا‪ :‬إن قوله تعاىل‪:‬‬

‫(‪)3‬‬

‫دليل حمتمل بمعنى أنه يقبلها إن شاء وإال َفال‪.‬‬

‫وذهبت املعتزلة إىل أن اهلل تعاىل جيب عليه أن يقبل توبة عباده إن تابوا‪ ،‬وكانت توبتهم‬
‫مستجمعة للرشوط‪ ،‬وهذا كالم فيه تطاول عىل اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورةالشوري‪ .‬اآلية‪.25 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.17 :‬‬
‫(‪ )2‬سورةالشوري‪ .‬اآلية‪.25 :‬‬

‫‪56‬‬
‫وقد أمجعوا عىل أن توبة الكافر مقبولة بمشيئته؛ بدليل قوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وهذا يؤيد رأي األشعري؛ إذ ال فرق بني الكافر وبني املؤمن العايص يف قبول التوبة‪ ،‬بل العايص‬
‫أوىل بالقبول إذا حتققت رشوطها‪.‬‬

‫وال خيفى أن توبة الكافر برتكه الكفر وبإيامنه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة األنفال‪ .‬اآلية‪.38 :‬‬

‫‪57‬‬
‫‪13‬‬
‫الذنوب كبائر وصغائر‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫صغائر وجا الوضوء يك ِّف ُر‬


‫ٌ‬ ‫ُغفر‬ ‫ٍ‬
‫وباجتناب للكبائر ت ُ‬ ‫‪- 84‬‬

‫تعريف الكبائر والكبرية‪:‬‬


‫هي الذنوب العظيمة التي وضع هلا الشارع حدًّ ا يف الدنيا‪ ،‬أو تو ّعد صاحبها بالعذاب‬
‫ف بالفسق‪ ،‬أو بلعنة اهلل ورسوله‪ ،‬وأعظمها الرشك‪ ،‬وقد بني‪ ‬بعض الكبائر‪،‬‬ ‫األليم‪ ،‬أو ُو ِص َ‬
‫حيث يقول‪«:‬اجتنبوا السبع املوبقات أي‪ :‬املهلكات قيل‪ :‬يا رسول اهلل وما هن؟ قال الرشك باهلل‪،‬‬
‫حرم اهلل إال باحلق‪ ،‬وأكل الربا وأكل مال اليتيم‪ ،‬والتويل يوم الزحف‪،‬‬
‫والسحر‪ ،‬وقتل النفس التي ّ‬
‫(‪)1‬‬
‫وقذف املحصنات الغافالت»‪ ،‬وهناك من الكبائر غري هذه السبع كثري (مع تفاوت مراتبها)‪،‬‬
‫كالكذب‪ ،‬والغيبة‪ ،‬وشهادة الزور‪ ،‬وعقوق الوالدين‪.‬‬
‫تعريف الصغائر‪:‬‬

‫أما الصغائر فهي‪ :‬ما ليس فيه حد فيها الدنيا‪ ،‬وال توعد بعذاب يف اآلخرة‪.‬‬

‫وتُعطى الصغائر حكم الكبائر باإلرصار عليها والتفاخر هبا‪ ،‬أما إن فعلها من غري نية العود فهي صغائر‪.‬‬
‫وبعد أن علمنا أن الذنوب «صغائر‪ ،‬وكبائر» وهو الرأي الصحيح‪ ،‬نجد أن هناك من خالف‬
‫يف هذه املسألة‪:‬‬
‫‪ 1.1‬فخالف املرجئة؛ حيث ذهبوا إىل أن الذنوب كلها صغائر ال ترض مرتكبها ما دام عىل اإلسالم‪.‬‬
‫‪2.2‬وخالف أيضا اخلوارج؛ حيث ذهبوا إىل أن الذنوب كلها كبائر‪ ،‬وأن كل كبرية كفر‪.‬‬
‫ص هبا َأي‪ :‬اهلل ‪ ،‬ولكن ال‬ ‫ِ‬
‫نظرا لعظمة َم ْن ُع َ‬
‫‪ 3.3‬وثالث ذهب إىل أن الذنوب كلها كبائر‪ً ،‬‬
‫َي ْك ُفر مرتكبها‪ ،‬كام قالت اخلوارج‪ ،‬إال بام هو ك ُف ٌر كسجود لصنم‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬متفق عليه‪.‬‬
‫‪58‬‬
‫مك َفرات الذنوب‪:‬‬
‫يك ّفر اهلل الذنب بفعل بعض الصاحلات‪ ،‬كالوضوء‪ ،‬والعمرة‪ ،‬وصلة الرحم‪َّ ،‬‬
‫والصدَ قة‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فالسيئات كاألمراض‪ ،‬واحلسنات دواء هلا‪ ،‬وتغفر الذنوب باجتناب الكبائر‪ ،‬كام يقول سبحانه‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫وقد اتفق املسلمون عىل أن التكفري يرتتب عىل االجتناب‪ ،‬فقد َوعَدَ سبحانه بذلك‪ ،‬ووعده‬
‫ال يتخلف‪.‬‬
‫ثم اختلفوا هل هذا الرتتيب قطعي أم ظني؟ فذهب مجاعة من الفقهاء واملحدثني واملعتزلة‪:‬‬
‫إىل أنه قطعي؛ ألنه ثبت بدليل قطعي‪ ،‬وهو قوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)3‬‬

‫وذهب أئمة الكالم إىل أنه ظني؛ الحتامل تعلقه عىل املشيئة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.31 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة هود‪ .‬اآلية‪.114 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪.31 :‬‬
‫‪59‬‬
‫أما الكبائر‪:‬‬

‫فمنها ما يتعلق باهلل وحده‪ ،‬وهو ُي ْغ َف َر بالتوبة‪ ،‬وأشد الذنوب املتعلقة به سبحانه الكفر‪ُ ،‬ي ْغ َف ُر‬
‫بالتوبة‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فغريه أوىل باملغفرة فض ً‬


‫ال منه سبحانه‪.‬‬
‫هذا كله يف الذنوب املتعلقة بحقوق اهلل تعاىل‪ ،‬أما الذنوب املتعلقة بالناس‪ ،‬فال بد من ر ّد‬
‫املظامل إىل أهلها‪ ،‬فمن تاب وعزم عىل ر ّد املظامل‪ ،‬ومل يستطع‪ ،‬ثم مات‪ ،‬وهو صادق النية‪ ،‬أرىض‬
‫اهلل عنه أصحاب هذه املظامل‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورةاألنفال‪ .‬اآلية‪.38 :‬‬

‫‪60‬‬
‫‪14‬‬

‫حكم مرتكب الكبرية‬


‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ــو ٌض لِ َر ِّب ِه‬ ‫َ‬


‫فـأ ْم ُـر ُه ُم َف َّ‬ ‫ب مــن ذنبِ ِه‬ ‫ِ‬
‫ـت ومل ُيت ْ‬‫ـن َي ُم ْ‬
‫وم ْ‬
‫‪َ - 85‬‬
‫َب‬ ‫َكبِ َري ًة ُث َّم ُ‬
‫اخل ُلو ُد ُ ّ‬ ‫يب َب ْع ٍ‬ ‫ِ‬ ‫‪َ - 86‬و َو ِ‬
‫م َتن ْ‬ ‫َب‬‫ض َارتك ْ‬ ‫ب َت ْعذ ُ‬‫اج ٌ‬

‫مذهب أهل السنة‪:‬‬


‫أوالً‪َ :‬م ْن مات قبل أن يتوب من الصغائر‪ ،‬فاألمر فيها موكول إىل اهلل‪-‬سبحانه‪-‬إن شاء‬
‫غفر‪ ،‬وإن شاء َّ‬
‫عذب‪.‬‬

‫السنَّة‪َّ :‬‬
‫أن َم ْن مات قبل أن يتوب من الكبائر‪ ،‬فأمره مفوض إىل اهلل‪ ،‬إن شاء‬ ‫ثان ًيا‪ :‬يرى أهل ُّ‬
‫غفر له‪ ،‬وإن شاء أدخله النار دون خلود فيها‪ ،‬وهذا مفهوم من عموم قوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورةالنساء‪ .‬اآلية‪.116 :‬‬

‫‪61‬‬
‫أما املعتزلة‪:‬‬
‫فريون أن مرتكب الكبرية‪ ،‬الذي مات دون أن يتوب منها‪ ،‬ال بد من خلوده يف النار؛ وهذا رأي‬
‫خيالف رصيح القرآن والسنة‪ ،‬فقوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫رصيح يف جواز املغفرة بدون توبة‪ ،‬ويقول ‪« :‬من قال ال إله إال اهلل دخل اجلنة»‪« ،‬فقال أبو ذر‪:‬‬
‫وإن زنى‪ ،‬وإن رسق؟ قال»‪« :‬وإن زنى‪ ،‬وإن رسق»‪« ،‬فأعاد أبو ذر سؤاله ثالثا‪ ،‬والرسول يرد‬
‫بنفس الرد‪ ،‬ثم قال يف الثالثة‪« »:‬وإن زنى وإن رسق رغم أنف أيب ذر»‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ويف ختليد مرتكب الكبرية يف النار‪ ،‬تسوية بينه وبني الكفار‪ ،‬مع أن اهلل خاطب العصاة بوصف‬
‫اإليامن كام يف قوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)3‬‬

‫هل جيب حتقق الوعيد؟‬


‫بمعنى آخر‪ ،‬هل جيب أن يعذب اهلل بعض العصاة ليتحقق وعيده فيمن تو ّعد؟ يعني يعذب بعض‬
‫القتلة‪ ،‬وبعض الزناة‪ ،‬وبعض شاريب اخلمر؟‬

‫يقول املاتريدية‪ :‬نعم‪ ،‬إنه جيب تعذيب بعض العصاة؟ ليتحقق الوعيد‪.‬‬

‫ويقول األشاعرة‪ :‬إنه ال جيب تعذيب أحد‪ ،‬بل جتوز املغفرة جلميع املؤمنني‪ ،‬وهذا بنا ٌء عىل‬
‫املذهب من أنه جيوز ختلف الوعيد‪ ،‬وإن كان ال جيوز ختلف الوعد‪.‬‬

‫وقد رأى الشيخ «عبد السالم بن إبراهيم اللقاين» أن املقصود باألمة أمة الدعوة‪ ،‬فتشمل‬
‫الكفار‪ ،‬والذين مل يستجيبوا‪ ،‬فيجوز أن يكون البعض املعذب عىل بعض الكبائر من الكفار‪.‬‬

‫أما بالنسبة خللود العصاة يف النار‪ ،‬فال يقول به أهل السنة‪.‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورةاحلجرات‪ .‬اآلية‪.9 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورةالنساء‪ .‬اآلية‪.116 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪62‬‬
‫واحلاصل أن الناس عىل قسمني‪ :‬مؤمن وكافر‪ ،‬فالكافر خم ّلد يف النار إمجا ًعا‪ ،‬واملؤمن عىل‬
‫قسمني‪ :‬طائع وعاص‪ ،‬فالطائع يف اجلنة إمجا ًعا‪ ،‬والعايص عىل قسمني‪ :‬تائب وغري تائب‪ ،‬فالتائب‬
‫يف اجلنة إمجا ًعا‪ ،‬وغري التائب يف املشيئة‪ ،‬وعىل تقدير عذابه فإنه ال خي ّلد يف النار‪.‬‬

‫املناقشة‬

‫‪ 1.1‬اختص اهلل أمة حممد  بمضاعفة احلسنات فام مراتب التضعيف‪ ،‬مع ذكر الدليل‪.‬‬
‫‪ 2.2‬تتنوع الذنوب إىل صغائر وكبائر‪ ،‬فام مفهوم كل واحد منهام‪ .‬وما دليل انقسامها؟ وما‬
‫املقصود بالكبائر؟ وما أمثلتها؟‬
‫‪ 3.3‬للتوبة النصوح أركان‪ ،‬فام هي؟‬
‫‪ 4.4‬اختلف العلامء فيمن عاد إىل الذنب بعد التوبة منه‪ .‬وضح اخلالف بالتفصيل‪.‬‬
‫‪ 5.5‬قال صاحب اجلوهرة‪.‬‬
‫فأمره مفوض لربه‬ ‫ومن يمت ومل يتب من ذنبه‬
‫ما املقصود بالقول السابق‪ ،‬وهل هناك خالف يف هذا‪ .‬وما حكم مرتكب الكبرية عند‬
‫أهل السنة؟ وما أدلتهم؟ ومن املخالف هلم؟وما رأهيم؟‬
‫ّبي املذاهب يف حتقق وعد اهلل‪ ،‬ووعيده‪ .‬مع حتديد املذهب الصحيح‪.‬‬ ‫‪6.6‬‬

‫‪63‬‬
‫‪15‬‬
‫صحائف األعامل‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫كَم ِم َن ال ُق ْر ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫‪َ - 78‬و َو ِ‬


‫آن ن ََّصا ُع ِر َفا‬ ‫َ‬ ‫ب َأ ْخ ُذ الع َباد ُّ‬
‫الص ُح َفا‬ ‫اج ُ‬

‫املراد بصحف األعامل‪:‬‬


‫صحف األعامل‪ :‬هي التي س ّط َر ْت فيها املالئك ُة َّ‬
‫كل ما يفعله املرء يف الدنيا‪.‬‬

‫مومن إال وله كل يوم صحيفة‪ ،‬فإذا طويت‬‫وقيل‪ :‬إن لكل يوم صحيفة‪ ،‬كام َو َر َد‪« :‬ما من ُ‬
‫وليس فيها استغفار طويت‪ ،‬وهي سوداء مظلمة‪ ،‬واذا طويت‪ ،‬وفيها استغفار طويت‪ ،‬وهلا نور‬
‫(‪)1‬‬
‫يتألأل‪ ،‬فإذا كان يوم احلساب‪ُ ،‬وصلت هذه الصحف بعضها ببعض حتى تكون صحيفة واحدة»‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬إن هناك من ينسخ هذه الصحف املتعددة يف صحيفة واحدة؛ فالكتاب الذي يعطى‬
‫لصاحبه كتاب واحد فيه كل صغرية وكبرية‪ ،‬كام يقول اهلل ‪ ‬سبحانه وتعاىل‪ ،‬عىل لسان املجرمني‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬ذكره النسفي‪ ،‬مل يرو هذا احلديث يف يشء من كتب السنة‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورةالكهف‪ .‬اآلية‪.49:‬‬

‫‪64‬‬
‫أما بالنسبة لطريقة أخذ الكتاب‪ :‬فإن املؤمن يأخذ كتابه بيمينه إكرا ًما له‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫أما الكافر‪ ،‬فإنه يأخذه بشامله من وراء ظهره‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬


‫(‪)2‬‬

‫خاصا باألمة اإلسالمية‪ ،‬بل هو عام ىف مجيع األمم‪ ،‬لكل من وجب عليه‬ ‫وإعطاء الكتب ليس ًّ‬
‫احلساب‪ ،‬أما من عافاه اهلل من احلساب‪ ،‬كاألنبياء‪ ،‬ومن أكرمهم اهلل بإدخاهلم اجلنة بغري حساب‪،‬‬
‫فليس هناك حاجه إلعطائهم كتبهم‪ ،‬وسيكون عىل رأس من يدخلون اجلنة بغري حساب من غري‬
‫األنبياء أبو بكر ‪ ‬كام ورد‪.‬‬
‫ ‬
‫ولكن َم ْن يدفع الصحف للعباد‪ :‬ورد أن ِر ً‬
‫حيا ُت َط ِّ ُي الكتب من خزانة حتت العرش‪ ،‬فال ختطئ‬
‫صحيفة عنق صاحبها‪ ،‬كام ورد أن كل شخص يدعى فيعطى كتابه‪ ،‬فالريح ُت َط ّيها‪ ،‬واملالئكة‬
‫يسلموهنا ألصحاهبا بأيامهنم إن كانوا مؤمنني‪ ،‬وبشامئلهم ومن وراء ظهورهم إن كانوا كافرين‪.‬‬

‫‏ أما املؤمن العايص‪ ،‬فقد اختلفت األقوال ىف شأنه‪ ،‬ومل يقل أحد بأخذه بشامله‪ ،‬وتو ّقف‬
‫البعض عن احلكم‪ ،‬والصحيح أنه يأخذ ُه بيمينه‪ ،‬ألنه مؤمن‪ ،‬كام جزم بذلك اإلمام املاوردي‪،‬‬
‫وهو املشهور‪.‬‬
‫‏ ‬

‫(‪)3‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة االنشقاق‪ .‬اآليات‪.12-7 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة احلاقة‪ .‬اآلية‪.19 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة احلاقة‪ .‬اآلية‪.25 :‬‬

‫‪65‬‬
‫الدليل عىل هذه املسأله‪ :‬قد ثبت أخذ صحائف األعامل بالكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلمجاع‪،‬‬
‫يقول سبحانه‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫وقال‪:‬‏ ‬
‫حكم اإليامن بثبوت صحائف األعامل‪ :‬واجب‪ ،‬ومنكره كافر‪ ،‬ملا سبق من األدلة‪.‬‬
‫وكيف يقرأ كتابه وقد يكون أم ًّيا؟ وما هي اللغة التي تكتب هبا ‏الصحف‪ ،‬وللناس لغات‬
‫شتى‪ ،‬وهلجات خمتلفة؟‬

‫قيل إن القراءة ليست مقصودة بحقيقتها‪ ،‬بل ذلك جماز عن العلم ‪ ،‬فتعرض عليه أعامله‬

‫(‪)2‬‬

‫بصورة رسيعة يدرك فيها كل يشء ‪ ،‬فيقول‪:‬‬


‫والراجح أن اهلل سبحانه وتعاىل قادر عىل أن خيلق فيه القدرة عىل القراءة‪ ،‬والفهم؛ ليقيم عليه‬
‫ً‬
‫ذهول ودهشة من القبائح التي فيه‪ ،‬و ُن َف ِّو ُض علم هذه األمور‬ ‫احلجة‪ ،‬وقيل إن هناك من مل يقرأ‬
‫إليه سبحانه وتعاىل‪ ،‬فهو أعلم‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة اإلرساء‪ .‬اآليتان‪.14-13 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة الكهف‪ .‬اآلية‪.49 :‬‬

‫‪66‬‬
‫‪16‬‬
‫الوزن وامليزان‬
‫قال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ان‬ ‫َفتُوز َُن ال ُكت ُ‬


‫ُب‪ْ ،‬أو األ ْع َي ُ‬ ‫الوز ُْن َواملِيز ُ‬
‫َان‬ ‫ِ‬
‫‪َ - 88‬وم ْث ُل َه َذا َ‬

‫يكون الوزن ملن ُيعطى الكتاب استعدا ًدا للحساب‪ ،‬وأما من ُأعفوا من احلساب‪ ،‬فال‬
‫يعطون صح ًفا‪ ،‬وال تُوزن هلم ٌ‬
‫أعامل‪.‬‬

‫ وعملية الوزن والتقدير حتتاج إىل آلة يكون هبا الوزن‪ ،‬وهي امليزان‪.‬‬

‫صفة امليزان‪:‬‬
‫ وقيل‪ :‬يف وصف امليزان‪َّ ،‬‬
‫إن له قصبة وكفتني ولسانًا‪ ،‬كهيئة موازين الدنيا‪.‬‬
‫‏ويكون ثِ َق ُل امليزان وخفته عىل هيئته يف الدنيا‪ ،‬وقيل عكس ذلك‪ ،‬فيصعد الثقيل إىل أعىل‪ ،‬وهيبط‬
‫اخلفيف إىل أسفل‪ً ،‬‬
‫أخذا من قوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫واألوىل التفويض يف هذه التفاصيل‪ ،‬وهل هو ميزان واحد‪ ،‬أو موازين متعددة لكل شخص‬
‫ميزان‪ ،‬أو لكل عمل ميزان؟ أقوال خمتلفة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة فاطر‪ .‬اآلية‪.10 :‬‬

‫‪67‬‬
‫ وهل توزن أعامل الكفار‪ ،‬أو يكفي الكفر ليدخلهم النار؟ وقد ّيكون للكافر حسنات‬
‫وسيئات غري الكفر‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫فال بد من وزن حسناهتم وسيئاهتم فريجح الكفر ويلقى يف النار‪ ،‬أما قوله سبحانه‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫أي ناف ًعا يعود عليهم بنعيم‪ ،‬أو ختفيف العذاب‪.‬‬

‫آراء العلامء يف امليزان‪:‬‬


‫رمزا هلا‪ ،‬وليس هناك ‪ -‬يف‬
‫فسوا‪ :‬امليزان بالعدالة املطلقة‪ ،‬وجعلوا امليزان ً‬
‫‏ أما املعتزلة فقد ّ‬
‫رأهيم ‪ -‬ميزان حقيقي‪ ،‬وشبهتهم يف ذلك أن األعامل مما ليس له ثقل حتى توزن‪.‬‬

‫ أما أهل السنة‪ :‬فريون أن محل هذه النصوص عىل ظاهرها وحقيقتها‪ ،‬أوىل من تأويلها‬
‫صورا حسية هلا وزن‪ ،‬أو أن توزن نفس الصحف‪،‬‬ ‫ً‬ ‫ورصفها ‪ ،‬فاحلقيقة ممكنة‪ ،‬بأن تصوراملعاين‬
‫ويشهد لذلك حديث البطاقة‪ ،‬الذي رواه الرتمذي والذي ُذكر فيه‪ ،‬أنه ُيؤتَى بشخص ُينرش عليه‬
‫سجل‪ ،‬يعرتف بكل ما فيها من سيئات‪ ،‬ثم توضع يف كفة حسناته بطاقة‪ ،‬فيها‬ ‫ً‬ ‫تسعة وتسعون‬
‫األشخاص أنفسهم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫كلمة التوحيد فتطيش السجالت‪ ،‬وهذا لرجل أراد اهلل له اخلري‪ ،‬أو تُوزن‬
‫وقد وردت آثار تشهد لكل رأي من هذه اآلراء‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة فصلت‪ .‬اآلية‪.46 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة الكهف‪ .‬اآلية‪.105 :‬‬

‫‪68‬‬
‫‏دليل الوزن وامليزاث‪:‬‬

‫ ورد إثبات الوزن والميزان في الكتاب والسنة‪ ،‬وأجمعت عليهما األمة‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ويقول سبحانه‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ويقول‪:‬‏ ‬

‫(‪)3‬‬

‫مر من أدلة‪.‬‬
‫حكم اإليامن بالوزن وامليزان‪ :‬واجب‪ ،‬ومنكره كافر‪ ،‬ملا ّ‬

‫ احلكمة من الوزن‪ :‬إظهار العدالة اإلهلية املطلقة‪ ،‬وطمأنة املؤمنني‪ ،‬وانذار املجرمني ‪،‬‬
‫وإقامة احلُ ّجة عىل املخالفني‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة القارعة‪ .‬اآليات‪.11-6 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة األعراف‪ .‬اآليتان‪.9-8 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة األنبياء‪ .‬اآلية‪.47 :‬‬

‫‪69‬‬
‫‪17‬‬
‫الرصاط‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ور ُهم َف َس ِال ٌ ُو ُمنْتَلِ ْ‬


‫ف‬ ‫ُم ُر ُ‬ ‫متَلِ ْ‬
‫ف‬ ‫اط َفا ْل ِع َبا ُد ُ ْ‬
‫الص ُ‬
‫‪ - 89‬ك ََذا ِّ َ‬

‫والرصاط لغة‪ :‬الطريق الواضح الصحيح‪ ،‬ويف االصطالح‪ :‬جرس ممدود عىل متن جهنم ترده‬
‫مجيع اخلالئق‪ ،‬ما عدا طائفة من الكفار‪ُ ،‬ي َع َّجل بإلقائهم يف جهنم من املوقف مبارشة‪.‬‬

‫‏ ويسري عىل الرصاط من يدخل اجلنة بغري حساب‪ ،‬والكل صامت ال يتكلم إال األنبياء‬
‫يقولون‪ :‬اللهم س ّلم س ّلم‪.‬‬

‫تعارضا يف األوصاف‪ ،‬ولذلك مل يعرتفوا‬‫ً‬ ‫‏ وقد اشتبه األمر عىل املعتزلة‪ ،‬فظنوا أن هناك‬
‫بالرصاط عىل حقيقته املشهورة‪ ،‬بل رصفوه عن ظاهره وقالوا‪ :‬املراد به األدلة الواضحة‪ ،‬فليس‬
‫يمر عليه الناس‪.‬‬
‫هناك رصاط حقيقي ممدود عىل متن جهنّم ّ‬

‫‏ أما أهل السنة فريون أنّه ليس هناك ما يدعو إىل هذا التأويل‪ ،‬ورصف النصوص عن ظاهرها‪،‬‬
‫ألن احلقيقة ممكنة‪ ،‬واختالف األوصاف يف الضيق والسعة يمكن فهمه باعتباراملارين عليه حسب‬
‫يشق عليهم املرور حتى يبدو أمامهم الطريق ض ِّي ًقا حا ًّدا‪،‬‬
‫أعامهلم التي تنري هلم‏الطريق‪ ،‬فالعصاة ّ‬
‫سهل‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بفضل من اهلل‪ ،‬فريون الطريق أمامهم واس ًعا ً‬ ‫يعبون‬
‫والصاحلون ُ‬

‫أيضا أن الناس خيتلفون يف املرور عىل الرصاط‪ ،‬فمنهم من جيتازه َك َطر ِ‬


‫ف العني‪،‬‬ ‫‏ وهذا ما ورد ً‬
‫ْ‬
‫يمر كالربق اخلاطف‪ ،‬أو كالريح العاصف‪ ،‬أو كالطري‪،‬أو كاجلواد السابق‪ ،‬ومنهم من‬ ‫ومنهم من ّ‬
‫جيتازه سع ًيا أو مش ًيا‪ ،‬ومنهم من حيبو حبوا‪ ،‬وإنام كان ذلك التفاوت حسب التفاوت يف األعامل‬
‫الصاحلة والسيئة‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫دليل ثبوت الرصاط‪ :‬أنه قد ورد ذكره يف القرآن الكريم‪ ،‬حيث يقول سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫ض ُب اجلرس عىل جهنم‪،‬‬ ‫كام ورد يف السنة الصحيحة ذكر الرصاط وأوصافه‪ ،‬يقول ‪« :‬ثم ُي ْ َ‬
‫وحتل الشفاعة‪ ،‬ويقولون اللهم سلم سلم‪ ،‬قيل يا رسول اهلل‪ ،‬وما اجلرس؟ قال َد ْح ٌض مزلة فيه‬
‫(‪)2‬‬
‫خطاطيف»‪.‬‬

‫أيضا أن املالئكة تقوم عىل جانبيه‪ ،‬وكذلك الكالليب التي تأخذ العصاة‪ ،‬فتلقي‬
‫‏ وورد ً‬
‫هبم يف النار‪ ،‬وأن فيه طريقني‪ ،‬فأهل السعادة يسلكون طريق اليمني‪ ،‬وأهل الشقاء يسلكون‬
‫طريق ِّ‬
‫الشامل‪.‬‬

‫(‪)3‬‬

‫ ‏اختلف املفرسون يف قوله تعاىل‪:‬‬


‫واألظهر أنه الرصاط‪ ،‬فجميع اخلالئق ت َِر ُد جهنم بمرورهم فوق الرصاط حتى األنبياء‪ ،‬والشهداء‬
‫والصاحلون‪ ،‬فينجوا هؤالء‪ ،‬وتأخذ الكالليب العصاة فتلقيهم يف النار‪.‬‬

‫نفوض علمه إىل اهلل ‪-‬تعاىل‪. -‬‬


‫وما ورد يف تفاصيله‪ّ ،‬‬ ‫‏ ‬

‫ ‏اخلالصة‪ :‬أن مجيع املؤمنني يعرتفون بالرصاط يف اجلملة‪ ،‬واملعتزلة منهم يرصفون النصوص‬
‫عن ظاهرها‪ ،‬ويرون أن املقصود الطريق‪ ،‬أو األدلة الواضحة‪.‬‬
‫حكم اإليامن بالرصاط‪ :‬واجب‪ ،‬ومنكره كافرملا سبق من األدلة‪ ،‬أما منكر هذا التفصيل‬
‫فليس بكافر‪ ،‬وال فاسق‪.‬‬

‫احلكمة من الرصاط‪ :‬إظهار فرح املؤمنني‪ ،‬وحرسة الكافرين‪.‬‬ ‫‏ ‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة مريم‪ .‬اآليتان‪.72-71 :‬‬ ‫(‪ )1‬سورة الفاحتة‪ .‬اآلية‪.6 :‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪.‬‬

‫‪71‬‬
‫املناقشة‬
‫‪1.1‬ما املقصود بصحائف األعامل؟ وكيف يأخذها العباد؟ وما دليل ذلك؟ وما حكم اإليامن‬
‫هبا؟ وما حكم منكرها؟‬
‫‪2.2‬ما حكم اإليامن بالوزن وامليزان يوم القيامة؟ وكيف نفهم قوله تعاىل ‪:‬‬

‫؟‬
‫‪3.3‬ما املقصود بالرصاط يوم القيامة؟ وما دليله؟ وكيف نفهم التفاصيل الواردة فيه؟ وكيف‬
‫خيتلف العباد يف املرور عليه؟ وما حكم اإليامن به؟ وما حكم منكر ذلك؟‬

‫‪72‬‬
‫‪18‬‬
‫احلوض‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫اءنَا ِف النَّ ْق ِ‬
‫ـل‬ ‫َحت ٌْم ك ََم َقدْ َج َ‬ ‫ض َخ ْ ِي ُّ‬
‫الر ْس ِل‬ ‫‪ - 90‬إِ َيم ُننَا بِ َح ْو ِ‬

‫بِ َع ْه ِد ِه ْم َو ُق ْل ُي َذا ُد َم ْن َطغ َْوا‬ ‫ـوا ٌم َوفـوا‬ ‫‪ - 91‬ين َُال ُ ِ‬


‫ش ًبا منْ ُه َأ ْق َ‬
‫ْ‬ ‫َ‬

‫تعريفه‪:‬‬
‫قيل يف تعريفه‪ :‬هو جسم خمصوص كبري متسع اجلوانب يكون عىل األرض املبدلة قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫عند ما يشتد املوقف بالناس‪ ،‬يظهر اهلل ‪ -‬سبحانه‪ -‬كرامة هذه األمة‪ ،‬وخصائصها‪ ،‬فتكون لرسوهلا‬
‫الشفاعة العظمى ىف إهناء املوقف‪ ،‬ثم يكون أتباعه ّأول َم ْن يمرون عىل الرصاط‪ ،‬ثم خيصهم اهلل‬
‫سبحانه بخاصة أخرى يرشبون منه‪ ،‬فال يظمأون أبدً ا‪.‬‬

‫‏ وقد ورد يف الصحيحني أن رسول اهلل  قال‪« :‬حويض مسرية شهر وزواياه سواء‪ ،‬ماؤه أبيض‬
‫(‪)2‬‬
‫من اللبن‪ ،‬ورحيه أطيب من املسك‪ ،‬وكيزانه أكثر من نجوم السامء من رشب منه فال يظمأ أبدً ا»‪.‬‬

‫وهذا احلوض هبذه األوصاف من خصائص رسولنا ‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة إبراهيم‪ .‬اآلية‪.48 :‬‬
‫(‪ )2‬متفق عليه‪.‬‬

‫‪73‬‬
‫حوضا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وقيل‪ :‬لكل نبى حوض‪ ،‬يرده من آمن به‪ ،‬كام ورد عن احلسن مرفو ًعا‪« ،‬أن لكل نبي‬
‫أهيم أكثر تب ًعا‪ ،‬وإين‬
‫وهو قائم عىل حوضه‪ ،‬وبيده عصا يدعو من عرفه من أمته‪ ،‬أال وإهنم يتباهون ّ‬
‫ألرجو أن أكون أكثرهم تب ًعا»‪.‬‬
‫(‪)1‬‬

‫واألحاديث الواردة يف احلوض كثرية جدًّ ا تكاد تكون متواترة‪ ،‬وكلها جممعة عىل نسبة‬
‫احلوض إىل النبي ‪ ،‬وإن اختلفت يف وصفه‪ ،‬ففي بعض الروايات أنه مسرية شهر‪ ،‬ويف البعض‬
‫اآلخر أنه مسرية شهرين‪ ،‬وبعضها مثل املسافة بني مكة وأيلة‪ ،‬وقيل كاملسافة بني عدن وعامن‪ْ ،‬أو‬
‫بني صنعاء واملدينة‪ْ ،‬أو ْبي املدينة وبيت القدس‪ ،‬واملقصود من كل ذلك أنه واسع حلد كبري‪.‬‬

‫ ‏ولقد أدى هذا االختالف يف صفة احلوض ببعض املعتزلة إىل إنكاره‪ ،‬وأولوه بأنه نوع‬
‫من رضوان اهلل ونعمه‪ ،‬وليس هناك ما يمنع أن يكون رضوان اهلل هبذه الصورة التي وردت يف‬
‫أيضا ما يدعو إىل رصف هذه النصوص عن ظاهرها ما دامت احلقيقة‬ ‫األحاديث‪ ،‬وليس هناك ً‬
‫ممكنة‪ ،‬وهذا هو احلق‪ ،‬وهو رأي أهل السنة‪.‬‬

‫‏ أما مكانه‪ :‬فلم يرد يف السنة الصحيحة حتديدٌ له‪ ،‬وقداختلفت األقوال فيه‪ :‬فهناك من يقول‬
‫إنه قبل الرصاط؛ ليرشب منه املؤمنون‪ ،‬بعد خروجهم من القبور ِع َط ً‬
‫اشا‪.‬‬

‫ ‏وفريق آخر يرى أن موضعه بعد الرصاط قبل اجلنة‪ ،‬والناس يف حاجة إىل الرشب منه يف هذا‬
‫املوضع‪ ،‬ألهنم يقفون بعد الرصاط ليتحللوا من املظامل فيام بينهم‪.‬‬

‫‏ وفريق ثالث يرى أن هناك حوضني لنبينا ‪ ،‬أحدمها قبل الرصاط‪ ،‬واآلخر بعده‪ ،‬وال‬
‫حرج عىل فضل اهلل‪.‬‬

‫وغيوا وبدَّ لوا بعده‬


‫‏ وهذا احلوض يرشب منه املؤمنون‪ ،‬أما الكفار واملرتدون الذين أحدثوا َّ‬
‫ ف ُيطردون عنه‪ ،‬فال يرشبون كام يف احلديث الصحيح‪ ،‬وأما عصاة املؤمنني فالصحيح أهنم‬
‫ُيمنعون ً‬
‫أول عقا ًبا هلم ثم يباح هلم الرشب منه‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه ابن أيب الدنيا‪.‬‬

‫‪74‬‬
‫‪19‬‬
‫والكريس والقلم واللوح املحفوظ‬
‫ّ‬ ‫اإليامن بالعرش‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫َــم‬ ‫والكـاتبون اللــوح ٌّ ِ‬ ‫س ثم ال َق َل ْم‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬


‫كل حـك ُ‬ ‫ُ‬ ‫العرش والك ُْر ُّ‬ ‫‪-92‬و‬
‫َ‬
‫اإلنســان‬
‫ُ‬ ‫َيِ ْ‬
‫ـب عــليــك أهيــا‬ ‫اإليـامن‬
‫ُ‬ ‫‪-93‬ال الحـتيــاجٍ وهبـا‬

‫جيب اإليامن هبذه األمور السمعية وهي‪:‬‬


‫‪1 .1‬العرش‪:‬‬
‫وهو جسم عظيم نوراين علوي‪ ،‬فوق العامل‪ ،‬حتمله مالئكة أربعة يف الدنيا‪ ،‬وثامنية يف اآلخرة‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫‪ 2 .2‬الكريس‪:‬‬
‫وهو جسم عظيم نوراين حتت العرش‪ .‬فوق السامء السابعة‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة احلاقة‪ .‬اآلية‪.17 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.255 :‬‬

‫‪75‬‬
‫‪ 3 .3‬القلم‪:‬‬
‫وهو جسم عظيم نوراين خلقه اهلل‪ .‬وأمره أن يكتب ما كان‪ ،‬وما يكون إىل يوم القيامة‪ .‬كام ورد‬
‫يف السنة املطهرة‪.‬‬

‫‪4 .4‬الكاتبون‪:‬‬
‫وهم املالئكة الكتبة‪ .‬منهم من يكتب أفعال العباد‪ ،‬ومنهم من يكتب من اللوح املحفوظ يف‬
‫صحف املالئكة لتنفيذها‪.‬‬
‫‪5 .5‬اللوح املحفوظ‪:‬‬
‫وهو جسم كتب فيه القلم بإذن اهلل ما كان وما يكون إىل يوم القيامه قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫وقال‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫وهذه األمور الغيبية خلقها اهلل ِحلكَم تقرص عقولنا عن إدراكها‪ ،‬وليست حلاجة اهلل إليها‪ .‬فلم‬
‫الكريس للجلوس‪ ،‬وال القلم الستحضار ما غاب عن علمه تعاىل‪ ،‬وال‬ ‫َّ‬ ‫خيلق العرش لالرتقاء‪ ،‬وال‬
‫الكاتبني وال اللوح لضبط ما خياف نسيانه‪.‬‬
‫‏حكم ا ِ‬
‫إليامن بام سبق‪:‬‬

‫‏ جيب عىل املكلف اإليامن بكل ما سبق من‪ :‬عرش وكريس‪ ،‬وكتبة‪ ،‬ولوح‪ ،‬كغريها من األمور‬
‫السمعية الثابتة باألدلة من الكتاب والسنة‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الربوج‪ .‬اآلية‪.22-21 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة يس‪ .‬اآلية‪.12 :‬‬

‫‪76‬‬
‫‪20‬‬
‫اجلنة والنار‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫َل َت ِ ُل َِل ِ‬
‫اح ٍد ذي ِجنَّ ْه‬ ‫دت ك َ‬
‫َاجلنَّه‬ ‫‪ - 94‬والن َُّار َح ٌّق ُأ ِ‬
‫وج ْ‬

‫ُم َع َّذ ٌب ُمنَ َّع ٌم مهام َب ِق َي‬ ‫والش ِقي‬


‫يد َّ‬‫ود للس ِع ِ‬
‫َّ‬
‫‪ - 95‬دار ُخـ ُل ٍ‬
‫َ ُ‬

‫تعريفه اجلنة‪:‬‬
‫اجلنة يف اللغة‪ :‬البستان‪ ،‬ويف االصطالح‪ :‬دار الثواب التي أعدها هلل للمؤمنني‪ ،‬لتكون دار‬
‫إقامة خالدة مؤ َّبدة ُم َعدَّ ة للسعداء‪ ،‬الذين فارقوا الدنيا عىل اإليامن‪.‬‬

‫درجات اجلنة‪:‬‬
‫واجلنة درجات بعضها فوق بعض‪ ،‬أفضلها الفردوس‪ ،‬وهي أعالها‪ ،‬وتليها جنة «عدن»‪،‬‬
‫ثم «جنة اخللد»‪ ،‬ثم «النعيم»‪ ،‬ثم «املأوى»‪« ،‬ودار السالم»‪« ،‬ودار اجلالل» فهي سبع‪ ،‬وكلها‬
‫متصلة بمقام الوسيلة‪ ،‬والدرجة الرفيعة؛ لينعم أهل اجلنة مجي ًعا بمشاهدة املصطفى  ‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬إن اجلنات أربع فحسب‪ً ،‬‬


‫أخذا من قوله سبحانه‪:‬‬ ‫‏ ‬
‫(‪)1‬‬

‫ومها جنة النعيم‪ ،‬وجنة املأوى ثم يقول سبحانه‪:‬‬


‫(‪)2‬‬

‫ومها عدن والفردوس‪ ،‬والصحيح‪ :‬أهنا جنة واحدة تتفاوت درجاهتا‪.‬‬


‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة الرمحن‪ .‬اآلية‪.٤٦:‬‬
‫(‪ )2‬سورة الرمحن‪ .‬اآلية‪.٦٢:‬‬
‫‪77‬‬
‫تعريف النار‪:‬‬
‫والنار يف اللغة‪ :‬جسم لطيف حمرق‪ ،‬ويف االصطالح‪ :‬دار العذاب ا ُمل َعدَّ ة للعصاة‪ ،‬والنار‬
‫دركات‪ :‬أعالها جهنم لعصاة املؤمنني‪ ،‬وحتتها «لظى»‪ ،‬ثم «احلطمة»‪ ،‬ثم «السعري»‪ ،‬ثم «سقر»‪،‬‬
‫ثم «اجلحيم»‪ ،‬ثم «اهلاوية»‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬هي نار واحدة ختتلف طبقاهتا‪ ،‬وشدة العذاب فيها‪ ،‬كام يقول سبحانه‪:‬‬
‫(‪)1‬‬

‫وجود اجلنة والنار‪:‬‬

‫يرى البعض أن اجلنة والنار غري موجودتني اآلن‪ ،‬وهو ليس بصواب‪ ،‬كيف وقد أخرب اهلل ‪-‬‬
‫داري ثواب وعقاب يف كثري من آي القرآن الكريم‪،‬‬
‫ْ‬ ‫سبحانه‪ -‬عن إعداد اجلنة والنار‪ ،‬وكوهنام‬
‫قال تعاىل ‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫أيضا‪:‬‬
‫وقال ً‬

‫(‪)3( )1‬‬

‫وقوله‪:‬‬
‫(‪)4‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة الكهف اآليتان‪٠٧ :‬‏ا‪٠٨ ،‬‏ا‬ ‫(‪ )1‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪٤٥ :‬ا‪.‬‬
‫(‪ )4‬سورة األحزاب اآلية‪٦٤ :‬‬ ‫(‪ )2‬سورة مريم‪ .‬اآلية ‪.63‬‬

‫‪78‬‬
‫فجمهور املسلمني يرى أهنام موجدتان اآلن‪ ،‬استنا ًدا هلذه اآليات‪ ،‬وغريها الكثري‪.‬‬

‫فإن اجلنة‪ ،‬والنار حقيقتان‪ّ ،‬‬


‫دل عىل وجودمها القرآن والسنة وإمجاع‬ ‫‏ وبناء عىل ما سبق‪ّ ،‬‬
‫األمة‪ ،‬ومل يرصح بإنكارمها إال بعض الفالسفة بنا ًء ‏عىل مذهبهم يف البعث‪.‬‬

‫‏ واستدل املعتزلة عىل عدم وجود اجلنة والنار اآلن‪ ،‬بأنه ال داعي لوجودمها اآلن‪ ،‬ومن ناحية‬
‫أخرى قد ذكر اهلل أن َع ْرض اجلنة كعرض السامء واألرض‪ ،‬فكيف يتصور وجودمها اآلن؟‬

‫‏ والرد عىل هذه الشبه يسري؛ ألن ملك اهلل تعاىل ليس حمدو ًدا هبذه ‏الساموات السبع‬
‫واألراضني حتى ال جيد مكانًا للجنة والنار‪.‬‬

‫أما احلكمة من إعدادمها منذ خلق الساموات واألرض‪ ،‬فال يعلمها إال اهلل سبحانه‪.‬‬ ‫‏ ‬

‫نص رصيح بتعيينه‪ ،‬ويرى كثري من الصحابة أن اجلنة فوق الساموات‬


‫ ‏مكان اجلنة والنار‪ :‬مل ير ْد ّ‬
‫واحلق تفويض علم ذلك هلل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫السبع‪ ،‬وحتت العرش‪ ،‬وأن النار حتت األرضني السبع‪،‬‬

‫خلود اجلنة والنار‪ :‬نصوص القرآن رصحية يف استمرار اجلنة والنار وعدم فنائهام‪ ،‬يف كثري‬ ‫‏ ‬

‫من اآليات يذكر سبحانه اخللود عىل وجه التأبيد؛ ّ‬


‫ليدل عىل استمرار البقاء‪ ،‬يقول سبحانه‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة النساء‪ .‬اآلية‪ ٢٢ :‬‏‪١‬‬

‫‪79‬‬
‫ويقول يف حق الكافرين‬

‫(‪)1‬‬

‫وال يشذ عن هذا اإلمجاع غري اجلهمية‪ ،‬الذين قالوا‪ :‬بفنائهام بعد النعيم والعذاب‪.‬‬

‫‏ واخللود ىف النار خاص بالكافرين‪ ،‬أما عصاة املؤمنني فإهنم خيرجون منها ويدخلون اجلنه‬
‫فيخلدون فيها‪.‬‬

‫ ‏واملؤمنون هم السعداء واملخلدون ىف اجلنة‪ ،‬والكفار هم األشقياء واملخلدون يف النار‪،‬‬


‫وهم املقصودون بقوله سبحانه ‪:‬‏ ‬

‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة االحزاب‪ .‬اآليتان‪٦٥ ،٦٤ :‬‏‪.‬‬
‫(‪ )2‬سورة هود‪ .‬اآليات‪٠٦ :‬‏ا ‪٠٨ -‬‏ا‪.‬‬

‫‪80‬‬
‫أما جزاء غر املك ّلفني‪ :‬إن كانوا من أوالد املؤمنني‪ ،‬فالراجح أهنم يف اجلنة‪ ،‬وأما غريهم‬
‫فقيل يف اجلنة‪ ،‬وقيل غري ذلك‪.‬‬

‫ ‏ويف اجلنة من أنواع النعيم (ما ال عني رأت‪ ،‬وال أذن سمعت‪ ،‬وال خطر عىل قلب برش) كام‬
‫ورد يف مسلم أو يف البخاري‪.‬‬

‫وكذلك يف عذاب النار فيها من األهوال ما ال يعلمه إال اهلل‪ ،‬ويكفي أن وقودها‬
‫الناس واحلجارة‪.‬‬

‫ولذلك أمرنا النبي ‪ ‬أن نستعيذ باهلل من النار وأن نسأله اجلنة‪.‬‬ ‫‏ ‬

‫املناقشة‬
‫‪1.1‬ما املقصود بحوض نبينا حممد ؟ وما مذهب أهل السنة فيه؟ وما دليلهم؟ وهل هو‬
‫قبل الرصاط أو بعده؟ وضح ذلك‪.‬‬
‫‪2.2‬ملاذا أنكر املعتزلة وجود حوض النبي ‪ ،‬وما مذهب أهل السنة واجلامعة يف إثباته؟‬
‫وما أدلتهم؟‬
‫كل من‪ :‬العرش‪ ،‬الكريس‪ ،‬القلم‪ ،‬اللوح املحفوظ‪.‬‬ ‫عرف ًّ‬
‫‪ِّ 3.3‬‬
‫‪4.4‬ما حكم اإليامن هبذه املخلوقات؟ وما دليل كل منها؟ وما حكم منكر وجودها؟‬
‫واصطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪5.5‬عرف اجلنة والنار لغة‬
‫‪6.6‬قيل‪ :‬إن اجلنات سبع فام هي؟‬

‫‪81‬‬
‫‪21‬‬
‫اآلثار املرتتبة عىل اإليامن بالسمعيات‪:‬‬
‫ً‬
‫أول‪ :‬المالئكة‪:‬‬
‫‏لإليامن باملالئكة أثر كبري يف حياة املسلم‪ ،‬من ذلك‪:‬‬

‫‪1.1‬تقوية شعور املسلم بعظمة اهلل تعاىل‪ ،‬وقد اتضح ذلك من صفاهتم ووظائفهم التي تفيد ما هلم‬
‫من قدرات وصفات عظيمة‪ ،‬ومع هذا فاملالئكة جند من جنود اهلل تنفذ أوامر اهلل‬
‫(‪)1‬‬

‫‪2.2‬توضيح مركز اإلنسان الكبري يف الكون وأمهيته يف احلياة‪ ،‬فاملالئكة الذين هم أشد من‬
‫اإلنسان قوة قد أمروا بالسجود آلدم عليه السالم‪ ،‬وسخروا لتدبري أمور حياتنا يف الدنيا‬
‫والقيام بشئوننا يف اآلخرة‪.‬‬

‫‪ 3.3‬يدفع اإلنسان إىل التشبه هبم يف الطاعة واملداومة عىل عمل الصاحلات‪.‬‬

‫‪4.4‬يدفع املرء إىل االستحياء من اهلل تعاىل وذلك ليقني اإلنسان بأن املالئكة تتغشاه يف جمالسه‬
‫وتتوىل كتابة أعامله‪ ،‬يتعاقبون عليه يف صحوه وغفلته فال يقدم عىل خطأ أومعصية‪.‬‬

‫‪5.5‬يستشعر اإلنسان بإيامنه باملالئكة األُنس وعدم الوحشة أو االستسالم لليأس ليقينه بأن هناك‬
‫مالئكة يقومون عىل حفظه ورعايته بأمر من اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة التحريم‪ .‬اآلية‪.6:‬‬

‫‪82‬‬
‫ثانيا‪ :‬عموم السمعيات‪:‬‬
‫لإليامن باليوم اآلخر وسائر السمعيات آثار فكرية ونفسية وخلقية منها‪:‬‬

‫‪1.1‬فكر ًّيا‪ :‬من يؤمن باحلياة األخرى جيد‪ :‬تفسري الكثري من ظواهر احلياة اإلنسانية التي يدرك‬
‫معناها من خالل إيامنه باليوم اآلخر وما فيه‪.‬‬

‫شعورا بالرضا والطمأنينة والقناعة‪،‬‬‫ً‬ ‫‪2.2‬نفس َّيا‪ :‬يزرع اإليامن باليوم اآلخر يف نفس املسلم‬
‫نظرا ليقينه يف العدالة اإلهلية املطلقة‪ ،‬فيصرب ويتحمل ما يالقيه من شدائد وحمن يف احلياة‪،‬‬
‫ً‬
‫فتتحقق سعادته يف الرساء والرضاء عىل السواء‪ ،‬بخالف غري املؤمن باحلياة اآلخرة‪ ،‬فإنه ال‬
‫يقوى عىل جماهبة ما يقع فيه من حمن ويكون بني قلق ويأس وإحباط قد يؤدي إىل ما نراه من‬
‫حماوالت إهناء حياته باالنتحار‪.‬‬

‫‪ُ 3.3‬خ ُل ِق ًّيا‪ :‬يعمل اإلملام باليوم اآلخر عىل االلتزام بالقيم األخالقية لدى اإلنسان املؤمن؛ ألنه‬
‫ومن ثم يكون حرص املؤمن‬ ‫يوقن بأن ما يقدمه يف حياته الدنيا سيحاسب عليه يف اآلخرة‪ِ ،‬‬
‫عىل األخالق الفاضلة واألعامل الصاحلة التي سيجزى عليها أمام اهلل تعاىل‪ ،‬يقول تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ويقول سبحانه‪:‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.223 :‬‬
‫(‪ )2‬سورة البقرة‪ .‬اآلية‪.272 :‬‬

‫‪83‬‬
‫‪22‬‬
‫الكليات اخلمس التي أوجب الرشع حفظها‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫‪َ - 96‬و ِح ْف ُظ ِد ٍ‬


‫ين ُث َّم َن ْف ٍ‬
‫َوم ْث ُل َها َع ْق ٌل َوع ْر ٌض َقدْ َو َج ْ‬
‫ب‬ ‫س َم ْال ن ََس ْ‬
‫ب‬

‫لقد ْأوجب الشارع عىل كل إنسان املحافظ َة عىل مخس َة أمور‪ ،‬والتي تسمى بالكليات اخلمس‪،‬‬
‫وقيل ِس ٌّت‪ ،‬وإنام سميت بالكليات؛ ألنه يتفرع عليها أحكام كثرية؛ وألهنا وجبت يف كل م ّلة‪.‬‬

‫‏والكليات اخلمس هي‪ :‬الدين‪ ،‬والنفس‪ ،‬واملال‪ ،‬والنسب‪ ،‬والعقل‪ ،‬والعرض‪.‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬الدين‪ :‬الدين هو ما رشعه اهلل لعباده من األحكام‪ ،‬واملراد بحفظه صيانته عن الكفر‬ ‫‏ ‬
‫مبال بحرمتها ‪ ،‬وانتهاك وجوب‬‫وانتهاك حرمة املحرمات‪ ،‬كأن يفعل املحرمات غري ٍ‬
‫الواجبات‪ ،‬كأن يرتك الواجبات غري مبال بوجوهبا‪ ،‬وحلفظ الدين رشع القتال‪.‬‬

‫صغريا‪ً ،‬‬
‫عاقل‪ ،‬أو غري عاقل‪ ،‬وحلفظ‬ ‫ً‬ ‫كبريا‪ ،‬أو‬ ‫‏ثان ًيا‪ :‬النفس أي‪ :‬نفس برشية ً‬
‫ذكرا‪ ،‬أو أنثى‪ً ،‬‬
‫النفس رشع القصاص‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬املال‪ :‬وهو كل ما َّ‬


‫حيل متلكه رش ًعا‪ ،‬وحلفظه رشع حد الرسقة‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬النسب‪ :‬واملراد به االرتباط الذي يكون بني الوالد وولده‪ ،‬وحلفظه رشع حد الزنا‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬العقل‪ :‬وهومناط التكليف‪ ،‬وحلفظه رشع حد رشب اخلمر‪ ،‬والدية ملن أذهبه بجناية ‪.‬‬
‫ً‬ ‫‏ ‬

‫‏سادسا‪ :‬العرض‪ :‬واملراد به موضع املدح والذم من اإلنسان‪ ،‬وحلفظه رشع حد القذف‪.‬‬
‫ً‬

‫‪84‬‬
‫‪23‬‬
‫املعلوم من الدين بالرضورة‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ِم ْن ِدينِنَا ُي ْقت َُل ُك ْف ًرا َل ْيس َحدْ‬ ‫ور ًة َج َحدْ‬


‫ض َ‬
‫ِ‬
‫‪َ -97‬و َم ْن َل ْع ُلو ٍم َ ُ‬
‫َأ ْو ْاست َب َ‬
‫ـاح َك ْال ِّزنَا َف ْلت َْس َمــ ِع‬ ‫‪َ - 98‬و ِم ْث ُل َه َذا َم ْن َن َفى ُل ِ ْج َمـ ٍع‬

‫املعلوم من الدين بالرضورة هو‪ :‬ما يعلمه خواص املسلمني‏وعوامهم‪ ،‬وذلك كوجوب الصالة ‪،‬‬
‫وحرمة الزنا‪.‬‬

‫‏ حكم منكر املعلوم من الدين بالرضورة‪ :‬كافر‪ ،‬ألن جحده مستلزم لتكذيب النبي ‪،‬‬
‫وذلك بعد إقامة احلجة عليه‪.‬‬

‫ ‏واختُلف فيمن أنكر شي ًئا ُأمجع عليه إمجا ًعا قطع ًّيا‪ ،‬فقيل يكفر‪ ،‬والراجح أنه ال يكفر إال إذا‬
‫كان معلو ًما من الدين بالرضورة‪ ،‬وعليه فاملعول عليه يف القضية هو املعلوم من الدين بالرضورة‪،‬‬
‫وليس شي ًئا آخر‪.‬‬

‫ ‏واعتقاد إباحة حمرم معلوم من الدين بالرضورة‪ ،‬يشمل الكبائر والصغائر كالكذب ً‬
‫مثل‪،‬‬
‫ويشمل ما كان حتريمه لعينه‪ ،‬مثل الزنا‪ ،‬وما كان حتريمه لعارض‪ ،‬كصوم يوم العيد‪ ،‬فإن حتريمه‬
‫لعارض‪ ،‬وهو اإلعراض عن ضيافة اهلل – تعاىل‪ ،-‬وخالف يف ذلك البعض ‪.‬‬

‫‪85‬‬
‫‪24‬‬
‫اإلمامة‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫الش ِع َفا ْع َل ْم ال بِ ُح ْك ِم ال َع ْق ِل‬


‫بِ َّ ْ‬ ‫ب إِ َمـا ٍم َعدْ ِل‬
‫ب ن َْص ُ‬ ‫‪َ - 99‬و َو ِ‬
‫اج ُ‬

‫ــر ِه ا ُمل َبني‬


‫ــن َأ ْم ِ‬ ‫َف َـل ت ِ‬
‫َـــز ْغ َع ْ‬ ‫‪َ - 100‬ف َل ْي َس ُر ْكنًا ُي ْع َت َقدْ ِف الدِّ ِ‬
‫ين‬

‫َفــاهللُ َيــك ِْفينَــا َأ َذا ُه َو ْحــدَ ُه‬ ‫‪ - 101‬إِ َّل بِكُـ ْف ٍر َفـا ْنبِ َذ ّن َع ْ‬
‫ـهـدَ ه‬

‫َو َل ْي َس ُي ْعـز َُل إِ ْن ُأ ِز َ‬ ‫ص ُفــ ُه‬ ‫‪ - 102‬بِغ ْ ِ‬


‫َي َه َ‬
‫يل َو ْص ُفـ ُه‬ ‫اح َ ْ‬
‫ـذا ال ُي َب ُ‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫ً‬
‫أصول عامة وترك للمسلمني‬ ‫قضية اإلمامة (احلكم) من القضايا الكلية التي وضع اإلسالم هلا‬
‫تفاصيلها وذلك أنه اشرتط للحكم بعد االلتزام بتنفيذ رشع اهلل أن يقوم عىل ثالثة مبادئ‪ :‬العدل‪،‬‬
‫والشورى والطاعة ألويل األمر فيام أحب املؤمن أو كره إال أن يؤمر بمعصية فال سمع وال طاعة‪.‬‬

‫يرش عىل شخص بعينه‪ ،‬أو ألرسة بعينها لتويل‬‫‏ وملا انتقل الرسول  إىل الرفيق األعىل مل ْ‬
‫كفؤا‬
‫اخلالفة من بعده مما يدل عىل أن أمر املسلمني يف هذه القضية موكول إىل األمة ختتار من تراه ً‬
‫من املسلمني‪ ،‬ليتوىل أمرها ولقد كانت البيعة التي متت أليب بكر الصديق يف سقيفة بني ساعدة‬
‫نص عليه‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫بيعة حرة من غري عهد ووصية أو ّ‬

‫‏معنى اإلمامة ‪ :‬هي رئاسة عامة يف الدين والدنيا‪.‬‬

‫واإلمامة من املصالح العامة‪ ،‬وليس اإليامن هبا من أركان الدين‪.‬‬

‫‪86‬‬
‫حكم تنصيب إمام عدل‪ :‬واجب عىل األمة‪ ،‬عند عدم النص من اهلل‪ -‬تعاىل‪ ،-‬أو رسوله عىل‬
‫شخص معني‪ ،‬أو عدم االستخالف من اإلمام السابق‪ ،‬وهذا الوجوب بالرشع‪ ،‬وليس بالعقل ‪،‬‬
‫كام زعمت املعتزلة‪.‬‬

‫ومن الوجوه الدالة عىل نصب اإلمام‪ :‬أن الشارع أمر بإقامة احلدود‪ ،‬وسد الثغور‪ ،‬وجتهيز‬
‫اجليوش‪ ،‬وهذا ال يتم إال بإمام يرجعون إليه‪ ،‬ويف تنصيب اإلمام رفع رضر عن املسلمني‪ ،‬ورفع‬
‫الرضر واجب رش ًعا‪.‬‬

‫وال فرق بني وجوب نصب اإلمام يف زمن الفتنة وغريه‪.‬‬

‫‏ ويأيت هنا سؤال‪ ،‬ملاذا يذكر علامء التوحيد اإلمامة يف كتب التوحيد‪ ،‬وهي ليست من‬
‫أركان اإليامن؟‬

‫‏ غالبا يذكر علامء الكالم اإلمامة يف كتبهم؛ لبيان حكمها‪ ،‬وللرد عىل أهل البدع واألهواء‬
‫الذين جعلوا اإلمامة من أصول الدين‪ ،‬كالرافضة وغريهم‪ ،‬وملا ترتب عىل هذا األمر من قدحهم‬
‫يف اخللفاء الراشدين‪،‬‏وغلوهم يف أئمتهم ‪.‬‬
‫رشوط اإلمام‪:‬‬

‫‪1.1‬اإلسالم‪ :‬ألن الكافر ال يراعي مصالح املسلمني الدينية والدنيوية‪.‬‬


‫‪2.2‬البلوغ‪ :‬ألن الصبي ال ييل من أمر نفسه شيئا‪ ،‬فمن باب أوىل‏ال ييل من أمر غريه شيئا‪.‬‬
‫‪3.3‬العقل‪ :‬ألن املجنون كالصبي‪.‬‬
‫‪4.4‬احلرية‪ :‬ألن الرقيق مشغول بأمر سيده‪ ،‬وألنه مستحقر يف أعني الناس‪.‬‬
‫‪5.5‬عدم الفسق‪ :‬ألن الفاسق ال يوثق به يف أمره وهنيه ‪ ،‬واملراد كونه ً‬
‫‏عدل‪ ،‬ولو يف الظاهر فقط‪.‬‬

‫وجيب عىل األمة طاعة اإلمام‪ ،‬ولكن يف حدود الرشع‪ ،‬فإذا أمر بمحرم‪ ،‬أو مكروه ال جتب‬
‫طاعته‪ ،‬وإذا أمر بمباح‪ ،‬وكان فيه مصلحة للمسلمني فتجب طاعته‪.‬‬

‫ ‏ما الذي يوجب خلعه؟ الذي يوجب خلعه كفره‪ ،‬أو أمره بكفر‪ ،‬أو أن يوجد منه ما يوجب‬
‫اختالل أحوال املسلمني ‪.‬‬

‫‪87‬‬
‫‪25‬‬
‫األمر باملعروف والنهي عن املنكر‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫فو ِ‬ ‫ٍ‬


‫ـصـ َلـ ًة َذم َ‬
‫ـيـمــ ْه‬ ‫َوغ ْي َب ًة‪َ ،‬و َخ ْ‬ ‫يمــ ْه‬ ‫‪َ - 103‬و ْأ ُم ْر بِ ُع ْر َ ْ‬
‫اجتنَب نَــم َ‬
‫ال َس ِد‬ ‫ب‪ ،‬والكِ ِب‪ ،‬ود ِ‬
‫َـم ِد‬
‫اجلـدَ ْل َفـاعـت ِ‬
‫ْ‬
‫وكَـاملِر ِ‬
‫اء َو َ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫اء َ‬ ‫‪ - 104‬كَا ْل ُع ْج ِ َ ْ َ َ‬
‫ِ‬ ‫حـلِ َ ِ‬
‫يـف حـ ْلـ ٍم تَـابِ ًعا ل َ‬
‫لح ِّق‬ ‫َ‬ ‫ـق‬ ‫َــان ِخ َيــا ُر َ‬
‫اخل ْل ِ‬ ‫ُـن َك َام ك َ‬
‫‪َ - 105‬وك ْ‬

‫ش ِف ابتِدَ ا ِع َم ْن َخـ َل ْ‬
‫ف‬ ‫َوك ُُّل َ ٍّ‬ ‫ف‬ ‫ـي ِف ا ِّت َبا ٍع َم ْ‬
‫ـن َسـ َل ْ‬ ‫ُـل َخ ْ ٍ‬
‫‪َ - 106‬فك ُّ‬
‫ِ‬
‫َمـا ُأبِ َ‬
‫يح ا ْفـ َع ْل َو َد ْع َما َل ْ ُي َب ْح‬ ‫ُـل َهـدْ ٍي لـلنَّبِي َقـدْ َر َج ْ‬
‫ـح‬ ‫‪َ - 107‬وك ُّ‬

‫ب ا ْلبِدْ َعـ َة ِم َّ ْن َخـ َل َفـا‬


‫َو َجـانِ ِ‬ ‫الصـالِ َح ِم َّ ْن َســ َل َفـا‬
‫‪َ - 108‬فتَــابِــ ِع َّ‬

‫املعروف هو‪ :‬ما عرف الرشع خريه‪ ،‬وطلبه عىل سبيل الندب‪ ،‬أو الوجوب‪.‬‬

‫واملنكر هو‪ :‬ما أنكره الرشع‪ ،‬وهنى عن فعله عىل سبيل الكراهة‪ ،‬أو التحريم‪.‬‬

‫دليل وجوهبام‪ :‬القرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬وإمجاع األمة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)1‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬سورة آل عمران‪ .‬اآلية‪104:‬‏‪.‬‬

‫‪88‬‬
‫منكرا فليغريه بيده‪ ،‬فإن مل يستطع فبلسانه‪ ،‬فإن مل يستطع‬
‫ويف احلديث قال النبي ‪« :‬من رأى منكم ً‬
‫فبقلبه وذلك أضعف اإليامن»‪ )1(.‬و ُيؤخذ من هذا احلديث أن مراتب اإلنكار ثالثة‪ :‬أفضلها التغيري‬
‫‏باليد؛ يليها التغيري بالقول‪ ،‬وأقلها التغيري بالقلب أي‪ :‬اإلنكار بالقلب‪ ،‬وأما اإلمجاع‪ :‬فألن املسلمني‬
‫يف الصدر األول وبعده‪ ،‬كانوا يتواصون به‪ ،‬ويوبخون تاركه‪.‬‬
‫شروط األمر بالمعروفه والنهي عن المنكر‪:‬‬
‫‪1 .1‬أن يكون القائم عىل األمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬عا ًملا‏بام يأمر وينهى‪.‬‬
‫‪2 .2‬أن يأمن أن ال يؤ ّدي إنكاره إىل منكر أكرب منه‪ ،‬كأن ينهى عن رشب اخلمر‪ ،‬فيؤدي هنيه إىل‬
‫القتل ً‬
‫مثل‪.‬‬
‫‪3 .3‬أن يغلب عىل الظن أن أمره باملعروف وهنيه عن املنكر مؤثر‪.‬‬

‫ويندب األمر باملندوب والنهي عن املكروه‪ ،‬أما األمر بالواجب والنهي عن احلرام‪ ،‬فهو‬
‫واجب وجوبا كفائ ًّيا‪ ،‬والبعض قال عين ًّيا‪ ،‬وجيب األمر والنهي فور وقوع املخالفة وبمناسبتها‪.‬‬
‫التحيل بالفضائل والتخيل عن الرذائل‪:‬‬
‫ِ‬
‫ب‪،‬‬ ‫من األمور التي جيب أن يتخىل عنها اإلنسان النميم ُة‪ ،‬والغيب ُة؛ وال ُع ْج ُ‬
‫ب‪ ،‬والك ْ ُ‬
‫واحلَ َسدُ ‪ ،‬واملِرا ُء‪.‬‬

‫ً‬
‫أول‪ :‬النميمة‪ :‬هي نقل كالم الناس بعضهم إىل بعض‪ ،‬عىل وجه اإلفساد بينهم‪.‬‬ ‫‏ ‬

‫‏ قال النووي‪ :‬هي إفشاء الرس‪ ،‬وهتك العرض‪ ،‬ومن ُحِلت إليه‏نميمة‪ ،‬لزمه ستة أمور‪ :‬أن‬
‫ال يصدق النامم‪ ،‬وأن ينهاه عن ذلك‪ ،‬وأن يبغضه‪ ،‬وأن ال يظن باملنقول عنه السوء‪ ،‬وأن ال‬
‫حيمله ما ُح ِكي له عىل التجسس‪ ،‬وأن ال حيكي النميمة عنه‪ ،‬كأن يقول فالن حكى يل كذا‪.‬‬
‫ ‏هذا وقد حرم الشارع النميمة؛ ملا يرتتب عليها من الفساد‪ ،‬ويف احلديث‪:‬‬
‫(‪)2‬‬
‫«ال يدخل اجلنة َّنمم»‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه البخاري‪.‬‬

‫‪89‬‬
‫شخصا يريد‬
‫ً‬ ‫وقد أجاز الشارع النميمة إذا دعت إليها احلاجة واملصلحة‪ ،‬كام إذا علمت‬
‫البطش بآخر‪ ،‬فال مانع من إخبار اآلخرليأخذ ِح ْذ َره‪.‬‬

‫‏ثان ًيا‪ :‬الغيبة‪ :‬وهي ذكرك أخاك بام يكره‪ ،‬ولو كان فيه‪ ،‬أو حتى بحضوره‪ ،‬ويف احلديث‪ ،‬أنه‬
‫ ُس ِئ َل‪« :‬أرأيت إن كان يف أخي ما ذكرت؟ قال إن كان فيه فقد اغتبته‪ ،‬وإن مل يكن فيه‬
‫(‪)1‬‬
‫فقد َ َبتَّه»‪.‬‬

‫والغيبة‪ :‬قد تكون بالكالم‪ ،‬كام هو ظاهر‪ ،‬وقد تكون بغريه‪ ،‬فقد تكون بإشارة‪ ،‬أو بتقليد‪،‬‬ ‫‏ ‬
‫أو ما شابه‪ ،‬وكام حترم الغيبة عىل املغتاب‪ ،‬كذلك حيرم عىل العبد سامعها‪ ،‬وجيب عىل السامع‬
‫أن ينهى املغتاب‪.‬‬

‫‏ والغيبة تباح يف أحوال‪ :‬للمصلحة مثل التظلم‪ ،‬واالستعانة عىل تغيري املنكر‪ ،‬وكذلك‬
‫مثل‪ ،‬كاألعمى واألصم وغريها‪.‬‬‫التعريف‪ ،‬بمعنى أنه ال ُي ْعرف إال هبذا االسم ً‬

‫‏ وال بد من التوبة من الغيبة‪ ،‬فإذا علم من وقعت عليه الغيبة‪ ،‬فال بد من عفوه‪ ،‬أما إذا مل يعلم‬
‫فيكفي االستغفار‪.‬‬

‫العال ُ بِ ِعلمه‪ ،‬أو العابد بعبادته‪.‬‬


‫‏ثال ًثا‪ :‬العجب‪ :‬وهو استعظام العبادة‪ ،‬كأن يعجب ِ‬
‫ُْ َ‬ ‫ُ ْ‬

‫وهو حرام‪ ،‬ومما يعني اإلنسان عىل دفعه‪ ،‬أن يعلم أنه يفسد العمل‪.‬‬ ‫‏ ‬

‫ب‪ :‬وهو َب َط ُر احلق و َغ ْم ُط الناس كام يف احلديث‪ ،‬أما أن يكون اإلنسان ثوبه حسنًا‬ ‫ِ‬
‫راب ًعا‪ :‬الك ْ ُ‬
‫ونعله نظي ًفا فهذا ليس من الكرب يف يشء‪ ،‬ومن أدلة حتريمه قوله ‪« :‬ال يدخل اجلنة َم ْن‬
‫يف قلبه مثقال ذرة من كرب»‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫(‪ )2‬رواه مسلم‪.‬‬

‫‪90‬‬
‫خامسا‪ :‬احلسد‪ :‬وهو متني زوال النعمة عن الغري‪ ،‬أما إذا متنى أن يكون له مثلها‪ ،‬فال بأس به‬
‫ً‬ ‫‏ ‬
‫فهو غبطة‪.‬‬

‫ودليل حتريمه الكتاب والسنة وإمجاع األمة‪ ،‬قال تعاىل‪:‬‬


‫(‪)1‬‬

‫ويف احلديث‪« :‬إياكم واحلسد فإن احلسد يأكل احلسنات كام تأكل النار احلطب»‪.‬‬
‫(‪)2‬‬

‫‏دواء احلسد‪ :‬معرفة اإلنسان للوعيد املرتتب عليه‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬املراء‪ :‬هو منازعة الغري فيام يدعي صوابه‪ ،‬وحمل كونه مذمو ًما‪ ،‬إذا كان لتحقري غريك‪،‬‬
‫ً‬ ‫‏ ‬
‫بح َّجته من صاحبه‪ ،‬فأقيض له‪ ،‬فمن‬ ‫وإظهار مزيتك عليه‪ ،‬كام يقول ‪« :‬قد يكون أحدكم َأ ْ َ‬
‫ل ُن ُ‬
‫(‪)3‬‬
‫قضيت له بيشء‪ ،‬فإنام قضيت له بقطعة من النار‪ ،‬فليأخذها‪ ،‬أو فليدعها»‪.‬‬

‫‏التحيل بالفضائل‪:‬‬

‫‏ وهذا من باب التحلية بعد التخلية‪ ،‬فإذا ختىل اإلنسان عن أدرانه‪ ،‬فعليه بعد ذلك أن يستزيد‬
‫من اخلريات؛ ويتأسى بخري اخللق أمجعني وبمن تبعه إىل يوم الدين‪.‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬متفق عليه‪.‬‬ ‫(‪ )1‬سورة الفلق‪ .‬اآلية‪.5:‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه أبو داود بسند ضعيف‪.‬‬

‫‪91‬‬
‫‪26‬‬
‫خامتة املنظومة‬
‫َق َال النَّاظِ ُم ‪:‬‬

‫ِ‬
‫اخلالص‬ ‫ِ‬
‫الـرياء ثم يف‬ ‫ِم َن‬ ‫‪ - 109‬هذا وأرجو اهلل يف اإلخالص‬
‫ِ‬
‫هلؤالء قد َغ َوى‬ ‫فمن َي ِم ْل‬ ‫ـوى‬ ‫‪ِ - 110‬م َن الرجي ِم ثم َن ْف ِس َ‬
‫ْ‬ ‫واهل َ‬
‫عند السؤال مطل ًقا ُح َّجتنا‬ ‫‪ - 111‬هـذا وأرجـو اهللَ أن يمنحـنا‬
‫ـم‬ ‫ِ‬
‫نبي دأبـُـ ُه املـراح ْ‬
‫عـىل ٍّ‬ ‫الــدائـم‬
‫ْ‬ ‫الصال ُة والسال ُم‬
‫‪ - 112‬ثم َّ‬
‫ـن ُأ َّمـتِه‬ ‫ِ‬
‫وتـابع لنـهجـه م ْ‬ ‫حممــد وصـحــبِه وعــرتتِه‬
‫ٍ‬ ‫‪- 113‬‬

‫الرجاء هو‪ :‬تعلق القلب بمرغوب فيه‪ ،‬مع األخذ يف األسباب‪ ،‬وإال فهو طمع مذموم ويف احلديث‬
‫(‪)1‬‬ ‫«ماأقل حياء من يطمع يف جنتي بغري عمل‪ ،‬كيف أجود برمحتي عىل من ِ‬
‫بخ َل بطاعتي»‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫القديس‪:‬‬
‫َ‬ ‫َ‬

‫واإلخالص‪ :‬قصدُ اهلل بالعبادة وحده‪ .‬وهو سبب اخلالص من أهوال يوم القيامة‪ .‬وهو‬
‫واجب عيني عىل كل مكلف يف مجيع الطاعات‪ .‬قال تعاىل‪:‬‬

‫(‪)2‬‬

‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )1‬اخلرب املذكور مل يرد يف يشء من كتب السنة ولكنه ورد يف بعض التفاسري كتفسري «الكشف‬
‫والبيان للثعلبي»«وتفسري البحر املحيط»أليب حيان األندلس و «الكشاف» للزخمرشي بصيغة‪« :‬وروي‬
‫أن اهلل عز وجل أوحي إىل موسى ‪ ‬كذا ‪ »...‬وذكر اخلرب املذكور‪ ،‬انظر كتب التفاسري يف سورة‬
‫آل عمران آية ‪.136‬‬

‫(‪ )2‬سورة البينة‪ .‬اآلية‪.5:‬‬

‫‪92‬‬
‫خالصا‪ ،‬وما ابتغي به وجهه»‪.‬‬
‫(‪)1‬‬
‫ً‬ ‫ ‏وقال  ‪« :‬إن اهلل ال يقبل من العمل إال ما كان‬

‫والرياء‪ :‬أن يعمل القربة لرياه الناس‪.‬‬

‫والتسميع‪ :‬أن يعمل العمل وحده‪ ،‬ثم خيرب به الناس‪ ،‬ألجل تعظيمهم له‪ ،‬أو جللب خري منهم‪.‬‬ ‫‏ ‬

‫وكل من الرياء والتسميع ُمبط للثواب مع صحة العمل‪.‬‬ ‫‏ ‬

‫ ‏وىف احلديث القديس‪« :‬أنا أغنى الرشكاء عن الرشك‪ ،‬فمن عمل ً‬


‫عمل أرشك فيه غريي‪،‬‬
‫(‪)2‬‬
‫تركته ورشكه»‪.‬‬

‫‏ والرجيم‪ :‬هو الشيطان املرجوم‪ .‬أي املطرود من رمحة اهلل‪ ،‬أو الراجم للناس بوسوسته‪،‬‬
‫واملراد‪ :‬إبليس وأعوانه‪.‬‬

‫ ‏واملراد بالنفس‪ .‬األ َّمارة بالسوء وهي التي تأمر بالسوء‪ ،‬وال تأمر باخلري‪.‬‬

‫واهلوى هو‪ :‬ميل النفس إىل مرغوهبا‪ .‬ويستعمل غال ًبا يف ميل النفس عن احلق نحو‪:‬‬ ‫‏ ‬

‫(‪)3‬‬

‫(‪)4‬‬
‫يسارع يف هواك»‪.‬‬
‫وقد يستعمل يف امليل للحق‪ .‬كقول عائشة ريض اهلل عنها للنبي ‪« :‬ال أرى ربك إال َ‬

‫وقوله‪( :‬عند السؤال مطل ًقا) أي يف الدنيا‪ ،‬ويف القرب‪ ،‬ويوم القيامة‪.‬‬ ‫‏ ‬

‫ثم ختم بالصالة والسالم الدائمني عىل نبي الرمحة‪ ،‬وعىل صحبه‪ ،‬وعرتته أي أهل بيته‬
‫ونسله‪ ،‬ومن تبع سنته من أمته‪ .‬صلوات اهلل وسالمه عليه‪.‬‬
‫ــــــــــــــــــــــــــــ‬
‫(‪ )3‬سورة ص‪ .‬اآلية‪.26:‬‬ ‫(‪ )1‬أخرجه النسائي يف السنن‪ ،‬والطرباين يف‬
‫(‪ )4‬أخرجه البخاري بلفظ‪ « :‬ما أرى ربك‪.»...‬ذ‪.‬‬ ‫املعجم األوسط‪.‬‬
‫(‪ )2‬أخرجه مسلم‪.‬‬
‫‪93‬‬
‫املناقشة‬
‫‪1 .1‬أوجب الشارع حفظ الكليات اخلمس‪ ،‬فام هي؟ وما احلدود التي رشعها ملن يعتدي عليها؟‬
‫‪2 .2‬ما املقصود بالعلوم من الدين بالرضورة؟ وما حكم منكره؟‬
‫‪3 .3‬قال صاحب اجلوهرة‪:‬‬
‫َف َل ت َِز ْغ َع ْن َأ ْم ِر ِه ا ُمل َبني‬ ‫َف َل ْي َس ُر ْكنًا ُي ْع َت َقدْ ِف الدِّ ِ‬
‫ين‬

‫‏يشري البيت السابق إىل قضية اإلمامة‪ ،‬فامذا تعرف عنها؟ وما رشوط اإلمام؟‬
‫‪4 .4‬ينادى البعض باألمر باملعروف والنهي عن املنكر‪ ،‬فام ضوابط ذلك؟‬

‫‪94‬‬
Dengan ini SAYA BERJANJI akan menjaga buku ini
dengan baiknya dan bertanggungjawab atas kehilangannya,
serta mengembalikannya kepada pihak sekolah pada
tarikh yang ditetapkan.

Skim Pinjaman Buku Teks

Sekolah ______________________________

Tarikh
Tahun Tingkatan Nama Penerima
Terima

Nombor Perolehan: _____________________________

Tarikh Penerimaan : _____________________________

BUKU INI TIDAK BOLEH DIJUAL


R E M O V E C L A S S

9 789672 212393

You might also like