Professional Documents
Culture Documents
bf08 1 PDF
bf08 1 PDF
bf08 1 PDF
فإذا كانت المرافق العمومية المحلية تحتل مكانة هامة للقيام بخدمات أساسية ،كونها أداة لتلبية
الحاجيات اليومية للمواطنين في قطاعات حيوية ،كالنقل والماء والكهرباء والتطهير السائل وجمع
النفايات واالزبال في إطار حكامة جيدة ،1فإن هذه األخيرة تعتبر مطلبا دوليا ،حقوقيا ،وسياسيا.
فهي في نفس الوقت مطلبا للتدبير ،فاعتماد الحكامة في التدبير والتسيير هو المصباح السحري
الذي سينير الطريق أمام اإلصالح اإلداري المنشود.
- 1المصطفى المصبحي ،مقالة بعنوان "حكامة التدبير المفوض للمرافق العمومية" ،https://www.attadbir.com ،2010تاريخ االطالع
16نونبر ،2019الساعة .19:34
-1-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
وحتى نحيط بجوانب هذا الموضوع ارتأينا في البداية طرح العديد من المفاهيم األساسية التي
يتوجب على الباحث والمطلع لمضمون هذا الموضوع اإلحاطة بها وبمدلولها.
المادة 2من القانون 54.19الصادر بتاريخ 04يوليوز . 2019بمثابة ميثاق المرافق العمومية. 2
-2-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
من أهم الضروريات إلنجاح المشاريع التنموية ٬إال أن تطبيقها يتطلب سيادة جو تسوده
الشفافية والمسؤولية ودولة القانون والمشاركة والالمركزية والتنسيق بين كل المتدخلين.
ومن هذا المنطلق سنحاول التطرق في عرضنا هذا لإلجابة عن اإلشكالية المحورية التالية:
-ما مدى مساهمة التنصيص الدستوري لمبادئ و آليات الحكامة في تحسين تدبير
المرفق العمومي حتى يستجيب لتطلعات المواطنين؟
-3-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
وبناء على ما سبق وفي محاولة لإللمام بالموضوع تم العمل على تقسيمه وفق التصميم التالي:
المطلب الثاني :المعايير التي يخضع لها المرفق العمومي استرشادا بالدستور الجديد
-4-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
لمعايير الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية ،وتخضع في تسييرها للمبادئ والقيم الديمقراطية
التي أقرها الدستور".9
وتنضبط المرافق العمومية في سريانها لهذه المبادئ إذ تلتزم بمعاملة المواطنين المنتفعين على قدم
المساواة سواء من حيث ولوج وظائفها واالستفادة من فرص العمل بها ،أو من حيث االنتفاع
بخدماتها ،وأخيرا من حيث تحمل أعبائها.10
ويقتضي مبدأ المساواة تواجده سواء على مستوى العالقات الداخلية للمرفق العام أو على مستوى
عالقاته الخارجية:
معنى ذلك ضرورة قيام المرفق العام بمعاملة موظفيه على قدم المساواة ،سواء من هم مستخدمون
لديه حاال أو من هم سيكونون مستخدمين لديه مستقبال .ذلك أن جميع المواطنين لهم الحق في ولوج
الوظا ئف الشاغرة لدى المرفق العام ،كما أن جميع المستخدمين لهم الحق في االستفادة من الترقية
الداخلية أو من االمتيازات التي يخولها لهم القانون ،دون التمييز بينهم ألسباب تعود إلى عرقهم أو
انتماءاتهم أو معتقداتهم ،سواء كانت ذات طابع سياسي أو ديني .وهو االتجاه الذي سار عليه التشريع
وأكده اإلجتهاد القضائي في أكثر من مناسبة.11
إن هذا المستوى يهم عالقات المرفق العام مع المرتفقين ،أي المستفيدين من خدماته .ذلك أن ما
يقوم به المرفق من أعمال لصالح الجمهور ،يجب أن يتم على مبدأ المساواة دون التمييز بين هذا أو
ذلك .ويبدو أن هذا النوع من العالقات ال يطرح أي إشكال ما دام مبدأ المساواة يفرض نفسه لكونه
يدخل في طبيعة األشياء.12
تقوم المرافق العمومية على أساس تحقيق المصلحة العامة للجميع عن طريق تقديم وتوفير خدمات
أساسية للمواطنين قصد إشباع حاجياتهم الضرورية ،لذا كان من الضروري على السلطات العامة
ضمان السير العادي والمنتظم لهذه المرافق بشكل تنجلي معه العوائق واالكراهات التي من شانها أن
تحول دون تأدية المرفق العمومي لخدماته باستمرار ،وبالتالي تجنب اإلخالل بالنظام العام.
ويرجع األ ساس القانوني لهذا المبدأ انطالقا من االجتهاد القضائي وبالضبط مجلس الدولة
الفرنسي ،كما كرسه االجتهاد القضائي المغربي في الحكم عدد 69الصادر بتاريخ 26يونيو
1998حينما قضت المحكمة اإلدارية بأكادير بأن "أي تحديد للطاقة االستيعابية يعتبر إغالقا جزئيا
للمرفق الجامعي ،وبالتالي خرق مبدأ استمرارية المرفق العام ،والذي يعني استمرار المرفق في أداء
الخدمة االجتماعية التي أنشا من أجلها".13
كما نص المشرع المغربي على هذا المبدأ ألول مرة في الدستور انطالقا مما جاء في الفصل
154السالف ذكره .ويقضي هذا المبدأ بحتمية ديمومة صيرورة المرفق العام و بصورة جيدة
ومنتظمة ،الن الحياة العامة في المجتمع و الدولة ترتكز و تتوقف على سير المرافق العامة بانتظام
و اطراد وأي توقف أو خلل في سير المرافق العامة يؤدي إلى شلل وتوقف الحياة العامة في المجتمع
والدولة ،ومبدأ دوام حسن سير المرافق العامة هو من المبادئ العامة للقانون التي اكتشفها وأقرها
القضاء.14
ويقتضي مبدأ االستمرارية توافر جملة من الضمانات تعمل جميعا على تجسيده في أرض الواقع.
ومن هذه الضمانات ما وضعه المشرع ومنها ما رسخه القضاء اإلداري .وتتمحور هذه الضمانات
في:
-مسؤولية اإلدارة عن توقف المرافق العامة :عندما تتكفل اإلدارة بتامين سير المرفق العام
بصورة مباشرة ،مثل اتباع أسلوب الوكالة ،فإن أي توقف يتعرض له المرفق العمومي يعتبر عمال
غير مشروع تترتب عليه مسؤوليتها.
- 13حكم عدد 69بتاريخ ،1998/06/26أحمد شوقي ضد جامعة اللقرويين بفاس ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد 25أكتوبر-دجنبر
،1998ص .223
- 14عمار عوابدي ،القانون اإلداري – الجزء الثاني – الطبعة الخامسة ،بن عكنون ،الجزائر ،2008 ،ص .75
-7-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
-مسؤولية صاحب االمتياز عن توقف المرفق العام :عندما تقوم اإلدارة بإسناد المرفق
العمومي إلى صاحب االمتياز ،فإن هذا األخير يكون ملزما بتأمين سير نشاطه ضد أي توقف ،ولو
كان هذا التوقف ناتج عن كون المرفق ال يدر أي ربح أو عن حصول عجز لدى صاحب االمتياز.
وفي حالة عدم التزامه ،فإن ذلك تترتب عنه مسؤوليته .غير أن بإمكانه أن يطالب من اإلدارة مانحة
االمتياز بأن تساهم في إعادة التوازن المالي للعقدة ،تطبيقا للنظريات المعمول بها في هذا الباب.
-االستقالة ومبدأ االستمرارية :إن االستقالة هي الوسيلة التي يمكن بواسطتها للموظف أن
يضع حدا للعمل الذي يقدمه لإلدارة ،غير أن هذه الوسيلة ال يمكن ممارستها بصفة مطلقة ،بل إن
المشرع قد أخضعها للسلطة التقديرية لإلدارة ،حيث أجاز لها أن تقبلها أو أن ترفضها إذا كان من
شانها المس بمبدأ االستمرارية .وعلى هذا األساس نظمها الظهير رقم 1.58.008الصدر بتاريخ
24فبراير 1958المتعلق بالنظام األساسي للوظيفة العمومية.
-الموظف الفعلي ومبدأ االستمرارية :احتراما لمبدأ االستمرارية ،فإن المشرع قد يجيز في
بعض األحيان األعمال التي قد تبدو لإلدارة وكأنها غير صحيحة من الناحية الشكلية .وهو ما يظهر
من خالل األعمال الصادرة عن الموظف الفعلي ،والتي قد تبدو في حالتين :حالة الظروف العادية،
ثم حالة الظروف االستثنائية.
-أعمال الموظف الفعلي أثناء الظروف العادية :قد يحدث ،أثناء الظروف العادية ،أن
يتصرف أشخاص ظاهريا كما لو كانوا موظفين في وضعية قانونية ،في حين أنهم ليسوا كذلك،
وبالتالي فإن األعمال التي يقومون بها لإلدارة تفتقد لألساس القانوني .ورغم ذلك ،فإن المشرع قد
اعتبر هذه األعمال صحيحة ،وذلك حفاظا على استمرارية المرافق العامة التي هي شرط ضروري
للحفاظ على م صالح المرتفقين الذين تعاملوا مع اإلدارة بدون أدنى علم بوضعية الموظف الفعلي
الذي تصدر عنه هذه األعمال .وقد تأخذ هذه الحالة أشكاال مختلفة ،كالتالي:
- 15مثال ذلك حالة الشخص الذي يتعود على تقديم خدمات لإلدارة بدون أن تربطه بهذه األخيرة أية عالقة قانونية.
- 16مثال ذلك الشخص الذي يتم تعيينه في اإلدارة ،فتبين أن قرار تعيينه يشوبه عيب من العيوب الشكلية.
-8-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
-أعمال الموظف الفعلي أثناء الظروف االستثنائية :إن وضعية الموظف الفعلي أثناء
الظروف االستثنائية ،تختلف عن وضعيته أثناء الظروف العادية .ذلك أن قيامه باألعمال لصالح
اإلدارة ،أثناء الظروف االستثنائية ،يتم بشكل اضطراري .وهو ما نالحظه أثناء الحروب أو
الثورات أو االنقالبات ،حيث يضطر بعض األشخاص ،على إثر فرار الموظفين أو مغادرتهم
لوظائفهم ،بأن يؤمنوا سير المرافق العامة .فاألعمال اإلدارية التي يقوم بها هؤالء األشخاص ،سواء
كانوا عاديين أو ثوارا أو انقالبيين ،تعتبر صحيحة ،رغم صدورها عن أشخاص في وضعية غير
قانونية ،وذلك احتراما لمبدأ استمرارية المرفق العمومي.
-اإلضراب ومبدأ االستمرارية :عندما نبحث مسألة اإلضراب ،من خالل التشريع المقارن،
نالحظ أن مبدأ استمرارية المرافق العامة قد ظل دائما حاضرا ،جعل االعتراف بحق اإلضراب
وتنظيمه يعرف الكثير من التعثر .فإذا كانت بعض التشريعات قد عملت على التوفيق ،ولو نسبيا،
بين مبدأ االستمرارية وحق اإلضراب ،فإن بعض التشريعات األخرى الزال يعتريها الكثير من
الغموض في هذا المجال ،حيث إنها لم تتمكن من مالمسة حق اإلضراب إال بصورة محتشمة.
أما بالنسبة للمغرب فإن مبدأ استمرارية المرافق العامة وحق اإلضراب ،يمكن طرحهما من خالل
التطور الذي عرفه هذا المجال .فقبل دستور 14دجنبر ،1962كان اإلضراب محرما بمقتضى
الفصل 5من مرسوم 5فبراير ،1958وهو الموقف الذي أكده اإلجتهاد القضائي .19أما بعد
الدستور ،نجد أن اإلضراب قد تم التنصيص عليه ،لكن القانون التنظيمي الذي يبين شروط ممارسته
الزال لم يصدر بعد .مما أمكن معه القول إن جميع التأويالت قد ظلت ممكنة .فإذا كانت المركزيات
النقابية تعتبر أن اإلضراب حق دستوري ،يكون من حق جميع القطاعات المهنية أن تمارسه ،فإن
اإلدارة قد ظلت ،حفاظا على مبدأ االستمرارية ،متشبتة بروح الفصل 14من دستور ،1962
معتبرة أن ممارسة اإلضراب تقتضي صدور القانون التنظيمي الذي يحدد شروطها ،مما دفع
المشرع المغربي ،للتقليص من حدة التأويالت ،إلى التدخل إلخراج المجاالت الحيوية من حلبة
النقاش .وذلك بأن أصدر قوانين تحرم صراحة ممارسة اإلضراب في بعض المرافق العامة الرئيسية
للمجتمع .وهو ما نالحظه بالنسبة للنظام األساسي لمتصرفي وزارة الداخلية ،والنظام المتعلق بإدارة
السجون ،والنظام األساسي للقضاء .وعلى العموم كل المرافق العامة التي تفرض حيوية نشاطها
ضرورة احترام مبدأ االستمرارية ،مثل القوات المسلحة الملكية والقوات المساعدة والدرك الملكي
واألمن الوطني...إلخ.20
وهي خاصية أساسية في مفهوم المرفق العام ،حيث يأتي هذا المبدأ كنتيجة الستمرارية المرفق
العام ،حيث يجوز للسلطة اإلدارية أن تتدخل في أي وقت لتعديل وتغيير القواعد التي تحكم سير
المرافق العامة حتى تواكب المتطلبات والظروف االجتماعية واالقتصادية خدمة للمصلحة العامة.
إن مبدأ قابلية المرفق العام للتغيير والتطور من المبادئ القانونية العامة ،والتي لها مكانة ضمن مبدأ
المشروعية ،21فالمرافق العامة قائمة أصال لتلبية الحاجات ذات المنفعة العامة وسعيا لبلوغ الفعالية
و الزيادة في المردو دية ظهرت أهمية إتباع أساليب متنوعة في تدبير المرافق العامة ،22فهي تحتاج
دائما إلى مواكبة التحوالت االقتصادية واالجتماعية والثقافية والتكنولوجية وغيرها ،فتجد نفسها أمام
متطلب التغيير والتطور بجودة ونوعية خدماتها وقدرتها على إحداث تغيير وتطوير في أساليب
وقواعد المرافق العامة بإرادتها المنفردة وال يقيده إال شرط المصلحة العامة .23فمن خالل هذا المبدأ
تستطيع اإلدارة إذن أن تغير وضع المرفق العام ومركزه القانوني سواء أكان مع العاملين به أو مع
المرافق األخرى أو المصالح األخرى ،بحيث يكتسب المرفق العام القدرة على االستمرارية من
خالل التماشي و التعاطي مع المتغيرات االجتماعية أو السياسية آو االقتصادية ليكون باقيا ومستمرا
وقادرا على إشباع الحاجيات العامة وتحقيق النفع العام المنوط به تحقيقه.
المطلب الثاني :المعايير التي يخضع لها المرفق العمومي استرشادا بالدستور الجديد
لقد جاء الدستور الجديد للمملكة بعدة مبادئ حكماتية من خالل الباب الثاني عشر "الحكامة الجيدة"
وذلك وعيا بأهمية الحكامة الجيدة في ترشيد عمل المرافق العمومية .من بين هذه المبادئ نجد الجودة،
- 20محمد كرامي ،مرجع سابق ،ص .298 –294
- 21حسن البنان ،مبدأ قابلية قواعد المرفق العام للتغير و التطور،دراسة مقارنة في المؤسسات االقتصادية ،المركز القومي لإلصدارات القانونية،
الطبعة األولى ،الموصل ،2014ص.8
- 22حسن البنان ،م س ،ص .10
- 23حسن البنان ،م س ،ص .10
-10-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
الشفافية ،ربط المسؤولية بالمحاسبة ،احترام القانون ،الحياد ،النزاهة وغيرها من المبادئ .إضافة
لمجموعة من الهيئات والمؤسسات الدستورية التي لها عالقة بحكامة المرافق العمومية.
والجودة في مجال تدبير المرافق العمومية تتغير حسب طبيعة هذه األخيرة وحسب تطور
نشاطاتها والظروف المحيطة بها ،لذلك فإن المشرع وسعيا منه على الوفاء بمطلب كل
المتعاملين مع المرافق العمومية وتحقيق تلك المتطلبات بما يتوافق وتوقعاتهم ،عمل على
دسترة هذا المعيار وجعل المرافق تخضع له مما يؤكد على نتيجة واحدة وهي رد االعتبار
للمرافق العمومية وجعلها في مستوى تطلعات المرتفقين.
- 24إبراهيم الشافعي ،المرافق العامة على ضوء الدستور الجديد ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات في القانون العام المعمق ،كلية العلوم القانونية
واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة ،ص .85
- 25نوال الهناوي ،تدبير الجودة الكلية بالقطاع العام ،رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،وحدة القانون اإلداري وعلم اإلدارة ،جامعة محمد
الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال الرباط ،السنة الجامعية ،2001/2000ص .91
-11-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
وهو ما جاء به نص الدستور من خالل الفصل 27الذي ينص "على جميع المواطنات
والمواطنين الحصول على المعلومات الموجودة في حوزة اإلدارة العمومية والمؤسسة
المنتخبة ،والهيئات المكلفة بمهام المرافق العمومية".
وفي هذا الصدد ،فإن الحكامة الجيدة تدمج في مفهومها عدة معايير في مقدمتها الجودة
وشفافية التدبير ،ولتحقيق ذلك يرى البعض بضرورة تنزيل جملة من التدابير أهمها:26
-تنزيل قانون يتضمن الولوج الغير المقيد للمعلومات ومراجعة الفصل 18من النظام
األساسي للوظيفة العمومية المتعلق بالسر المهني.
-مراجعة المرسوم المتعلق بالصفقات العمومية وتطعيمه بمقتضيات تحد من السلطة
التقديرية الواسعة لضمان الشفافية التامة للصفقات العمومية.
-تسريع وثيرة قوانين التصريح بالممتلكات لتشمل جميع المرافق العمومية وتطبيق
اإلجراءات ضد المخالفات المتعلقة بالتصاريح المزيفة.
ت -معياري المسؤولية والمحاسبة:
هو مبدأ هام في تدبير المرافق العمومية ،يهدف إلى وضع حد لهدر المال العام وإعمال
الحكامة الجيدة في التدبير .وبذلك فإن كل من تحمل المسؤولية فهو ليس بمنأى عن المساءلة
والمحاسبة ،بحيث ألزم المشرع الدستوري المرافق العمومية باعتماد مبدأ جديد وهو ربط
المسؤولية بالمحاسبة لتكريس الحق والقانون ،وكذلك من أجل استعادة ثقة المواطنين في
اإلدارة.
- 26عبد العزيز أشرقي ،الحكامة الترابية وتدبير المرافق العمومية المحلية على ضوء مشروع الجهوية المتقدمة ،مطبعة النجاح الجديدة،
الدارالبيضاء ،طبعة ،2014ص .393
-12-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
كما عمد المشرع المغربي إلى تعزيز عنصري المساءلة والمراقبة كركيزة أساسية لتدبير
الشأن العمومي ،باعتماد قاعدة تالزم المسؤوليات والوظائف العمومية وربطها بالمحاسبة.27
وبذلك فالمحاسبة وسيلة لمعرفة نتيجة أعمال مرفق ما اعتمادا على مستندات مبررة لها.
فمبدأ الشرعية يقتضي ضرورة الخضوع للقانون بمفهومه العام أي التزام السلطات العامة
في الدولة أثناء ممارستها لوظائفها حدود القانون وأحكامه حيث تأتي تصرفاتها وأعمالها
متطابقة معه وغير مخالفة له.
وانطالقا مما سبق ،عمل القضاء اإلداري بمختلف مستوياته على ترسيخ مبدأ احترام
القانون لالستناد عليه إللغاء بعض التصرفات الصادرة عن السلطات اإلدارية أو لتحميل
بعض المرافق العمومية المسؤولية عن األعمال أو األنشطة التي تخالف مبدأ المشروعية.29
مظهرا من مظاهر مبدأ المساواة ،إال أن البعض اآلخر يراه متميزا ألن الحياد ال يهتم بحقوق
األشخاص فقط بل بواجبات المرفق في عالقته باألشخاص.
في هذا اإلطار ال يسمح للموظفين باستخدام صالحية مهامهم لتفضيل بعض المرتفقين
أو منحهم امتيازا أو باألحرى حرمان أي شخص مما يستحقه قانونا.30
-إيالء نفس األهمية لشكاوى المرتفقين وللخدمات المقدمة لهم بدون تمييز مبني نوع
الطبقة االجتماعية والجنس.
-مزاولة مهامهم باالمتثال الصارم للقواعد واإلجراءات المعمول بها.
-توزيع الموارد والخدمات والتجهيزات الجماعية التي تدخل في نطاق مسؤوليتهم
بشكل عادل وبدون تمييز.
-االمتناع عن الشطط في السلطة المخولة لهم.31
ويقصد بهذا المبدأ إشراك شرائح المجتمع وفق آلية أو تنظيم مؤسساتي لتحقيق التنمية
الشاملة ،فهذه التنمية تمكنهم من المساهمة الفعلية في تسيير الشؤون التي تعنيهم مباشرة.
إن هذه المقاربة التشاركية في تدبير المرفق العام كشكل من أشكال الحكامة والديمقراطية
جسدها الدستور الجديد ،حيث جعلها من المرتكزات األساسية للتنظيم والتدبير الجهوي
والترابي من خالل تصدير الدستور الذي جعل من المشاركة المرتكز األول للدولة الحديثة،
إلضافة إلى مجموعة من الفصول.33
في حين حدد القانون رقم ( 14.16الصادر بتاريخ 11مارس 2019المتعلق بمؤسسة
الوسيط) اختصاصات أساسية للوسيط ومسطرة اللجوء إليه ،ويمكن تلخيصها في المهام التالية:
أما فيما يخص دور الوسيط في ترسيخ مبادئ الحكامة اإلدارية وتحسين أداء اإلدارة ،باعتباره
قوة اقتراحية لتحسين أداء اإلدارة والرفع من جودة الخدمات العمومية التي تقدمها ،فإنه يرفع
تقارير خاصة إلى رئيس الحكومة تتضمن توصياته ومقترحاته الهادفة إلى:
-ترسيخ قيم الشفافية والتخليق والحكامة في تدبير المرافق العمومية ،والعمل على
نشرها بين الموظفين والمرتفقين.
- 33الفصول ( 1الفقرة ،)2الفصل ( 12الفقرة ،)3الفصل ،13الفصل ،14الفصل 136و الفصل 139من الدستور المغربي لسنة .2011
-15-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
-التقيد بقيم حقوق اإلنسان كما هو متعارف عليها عالميا ،وااللتزام بمراعاتها،
والنهوض بها في عالقة اإلدارة بالمرتفقين.
وحتى يتأتى لهذه الهيئة أن تمارس مهامها فقد مكنها القانون المحدث لها من مجموعة من
المهام واالختصاصات ،كما أوضح طريقة تلقي الشكايات من المواطنات أو المواطنين أو
من أي جهة مشتكية .فحسب المادة الثالثة من القانون 113.12الصادر بتاريخ 9يونيو
2015المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها فإنها تمارس
االختصاصات التالية:
-17-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
-18-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
للممتلكات ،فإذا كان هذا اإلجراء يرتبط باإلجراءات القانونية التي سلف ذكرها ،فإن
المجلس األعلى للحسابات يعد الهيئة التي أنيطت به مهمة الرقابة عليها ،وباإلضافة إلى
ذلك ،فإن التأكيد على وجوب نشر أعماله وتقديم مساعدته للسلطات القضائية يشكل أهم أداة
تمكن من جعله مؤسسة قادرة على ضمان تحقيق هذا الهدف.
جاء التدبير العمومي الحديث بمجموعة من الوسائل واآلليات الحديثة من اجل النهوض
بالعمل العمومي ورفعه إلى مستوى المردودية الذي تعرفه المقاوالت الخاصة الناجحة التي
تعتمد طرق تدبيرية جد حديثة .لكن هناك مجموعة من اإلكراهات والتحديات واإلختالالت
والعراقيل التي تحول دون تحقيق أهداف وغايات الجهاز اإلداري العمومي (المطلب
األول) ،الشيء الذي يتطلب تحديث أساليب التدبير والتنظيم لتحسين أداء المرافق العمومية
(المطلب الثاني).
لقد نص الدستور الجديد للمملكة من خالل تصديره وفي عدد من فصوله ،على تقوية
مؤسسات الدولة وتعزيز حكامتها ،مما يستدعي وضعها تحت المجهر لرصد نقائصها
وتحليل وضعيتها (الفقرة األولى) ،ومحاولة تبني استراتيجيات إصالحية وتوصيات جادة
لتقويمها (الفقرة الثانية).
عرفت السنوات األخيرة انخراط المغرب في عملية إصالح واسعة للمرافق العمومية،
بهدف تحديث وتحسين حكامتها ،حيث تم التعبير عن ذلك من خالل الخطاب الملكي ل 14
الذي صرح فيه عن إرادته القوية في تجويد المرافق العمومية من أجل 35
أكتوبر 2016
تقديم خدمات جيدة للمرتفقين ،هذا اإلصالح تمحور حول ما يلي:
- 35الخطاب السامي الذي ألقاه جال لة الملك في افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية من الوالية التشريعية العاشرة بتاريخ 14أكتوبر .2016
-19-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
من خالل تنزيل هذه المستويات على أرض الواقع تم رصد العديد من االختالالت التي
تهم حكامة المرافق العمومية ،والتي تتجلى على الخصوص في:
من خالل تغييب مشاركة وإدماج مختلف المكونات المجتمعية والمجاالت الترابية في
مسار التنمية ،وهو ما يظهر غياب كل من:
- 36وزارة إصالح اإلدارة والوظيفة العمومية ،الموقع اإللكتروني ، www.mmsp.gov.maميثاق المرافق العمومية ،تاريخ اإلطالع 15
نونبر 2019الساعة . 18:45
-20-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
يمكن إجمالها في محدودية االستقالل الوظيفي للقضاة وضعف مستوى النزاهة بقطاع
العدل ،وانغالق تدبير العمل القضائي ومحدودية كفاءة وفعالية هذا الجهاز ،كما أن التكوين
يتميز بعدم مالءمته ومواكبته التطورات والمستجدات.
يمكن إيجاز أسباب هذه الظاهرة ،لدى البعض ،في االحتكار المقرون بالسلطة التقديرية
الواسعة في غياب المساءلة والنزاهة والشفافية .بينما أرجعها البعض األخر إلى غياب
الشفافية واإلفالت من العقاب والرغبة في االغتناء وتدني األجور وعدم جدية مكافحة هذه
الظاهرة.37
في إطار تحسين المرافق العمومية ،انطالقا مما سبق ،يتعين على المغرب منح الصدارة
ضمن أولوياته لتحسين مستوى الحكامة وترسيخ مقومات النزاهة والشفافية والمسؤولية
داخل المرفق العمومي ،من خالل العمل على:
- 37الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ،الموقع اإللكتروني ، www.icpc.maالحكامة الجيدة بين الوضع الراهن ومقتضيات الدستور الجديد،
تاريخ اإلطالع 15نونبر 2019الساعة .19:16
-21-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
-تعزيز سيادة دولة الحق والقانون من خالل جني المغرب الكثير من الفوائد تطبيقا
للحقوق الجديدة المنصوص عليها في الدستور.
-تحسين حكامة الخدمات عن طريق وضع المواطن المرتفق في صلب النظام باعتباره
مستفيدا من تلك الخدمات ومنظما لها من خالل إعطائه الكلمة وإخبار الجمهور بشكل
منهجي والمساءلة ،وعبر ت تبسيط عملية صنع القرار وتقريبها من المرتفقين ،وتجريب
وتقييم مقاربات جديدة في مجال تقديم الخدمة العمومية.
-4تنظيم وتحسين مراكز االستقبال ،مع توفير مراكز اإلنصات واالستشارة والطعن
عند اللزوم؛
- 38البنك الدولي ،الموقع اإللكتروني ،www.puddocs.wodlsbank.govالمغرب في أفق ،2040تاريخ اإلطالع 15نونبر ،2019ااساعة
.19:52
- 39المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي ،الموقع اإللكتروني ، www.ces.maحكامة المرافق العمومية ،تاريخ اإلطالع 16نونبر 2019
الساعة .10:32
-22-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
-5إعادة توجيه وتسريع إستراتيجية الحكومة اإللكترونية وتعميم نزع الصبغة المادية
عن المساطر.
حدد القانون رقم 54.19بمثابة ميثاق المرافق العمومية المبادئ الكونية التي تنظم
العالقة بين المواطن والمرافق العمومية وفق ما تنص عليه الفصول 154و 155و 156من
الدستور ،كما عمل على النهوض بالحكامة الجيدة والتنمية ،وعلى تحسين وتحديث اإلدارة
وتنظيمها على أساس من المساواة واحترام الحقوق والكرامة والخصوصية ،لتمكين المرتفق
من خدمات جيدة تلبي احتياجاته .40ويهدف هذا الميثاق إلى:
-تحديد التزامات المرافق العمومية وضوابط العمل العمومي في انسجام تام مع الغاية
األساسية المتمثلة في رعاية المصلحة العامة وخدمة المواطنين؛
-ترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وتدعيم المشاركة المواطنة ،مع تحديد حقوق وواجبات
المرتفقين في عالقتهم مع اإلدارة.41
إن تحديث المرافق العامة يمر عبر مجموعة من الخطوات التي تهم تحديث أساليب
التدبير (الفقرة األولى) والتنظيم (الفقرة الثانية) على اعتبار أن هذين العنصرين أساسيين
في االرتقاء بفعالية المرفق العام ،باإلضافة إلى الوسائل التي يعتمد عليها بتأهيل العنصر
البشري وتطوير آليات المراقبة (الفقرة الثالثة).
- 40المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي ،الموقع اإللكتروني ، www.ces.maحكامة المرافق العمومية ،تاريخ اإلطالع 16نونبر 2019
الساعة ( 11:15بتصرف).
- 41وزارة إصالح اإلدارة والوظيفة العمومية ،الموقع اإللكتروني ، www.mmsp.gov.maميثاق المرافق العمومية ،تاريخ اإلطالع 15
نونبر 2019الساعة .11:42
-23-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
إن سوء التدبير الذي تعرفه المرفق العام ،يستوجب ضرورة ترشيد بعض األساليب
المعتمدة في التدبير كأسلوب المؤسسة العامة (أ) وإتباع أساليب أخرى تعتمد على التعاقد مع
القطاع الخاص (ب).
-اعتماد منطق التعاقد بدل منطق السيطرة والتحكم الذي طغى على عالقة الدولة
بوحدات القطاع العام؛
-اعتماد عقود البرامج التي تهدف إلى تحقيق التوازن المالي للمؤسسات العامة ،وعقود
البرامج هي عبارة عن وثيقة مكتوبة ومدروسة وممضاة بكل تلقائية من لدن الدولة
والمؤسسات العامة وتحدد حقوق وواجبات كل منهما؛
-اعتماد فترات انعقاد اجتماعات المجالس اإلدارية التي يجب أن تنعقد قبل 15دجنبر
من كل سنة ،لتحديد وضبط مقترحات الميزانية وتقديمها انطالقا من 18دجنبر من كل سنة
إلى وزارة المالية قصد المصادقة عليها ،وبمقتضى هذا التدبير أصبح من واجب المؤسسة
العامة صرف االعتمادات في حدود الميزانية المصادق عليها ،وأن ال تتجاوزها بأي شكل
من األشكال.
لقد لجأت اإلدارة إلى إعمال األسلوب التعاقدي الذي يعتبر من الوسائل األساسية للحكامة
الجيدة ،تم تطبيق هذا األسلوب في قطاعات مختلفة كالنقل واالتصال والطاقة ،والذي
تمظهر في شكل اتفاقيات أو عقود أو شركات ،ألنه يحقق لإلدارة الكثير من اإليجابيات التي
مكنتها من ترك تدبير بعض المرافق العامة المحلية كالماء والكهرباء لشركات خاصة تتوفر
على إمكانيات تقنية ولوجيستيكية وهي إمكانيات تفتقدها اإلدارة مما يحول دون تحقيق
الجودة في أداء الخدمات ،عالوة على أن عقود التدبير المفوض تشكل من الوجهة
االقتصادية وسيلة إضافية لتمويل االستثمارات الدولية وبنياتها التحتية ،وهي أهداف تصعب
تحقيقها باالعتماد على موارد مالية ذاتية للخزينة العامة ،كما أن هذا األسلوب يمكن الدولة
من الحفاظ على مواردها المالية لتمويل القطاعات االجتماعية.
ولقد تم تدعيم هذا األسلوب من الناحية القانونية بإصدار القانون رقم 54.05المتعلق
بالتدبير المفوض للمرافق العامة الصادر بتاريخ 16ماي ،2006حيث جاء في الوقت
المناسب لسد الفراغ التشريعي في مجال تسيير المرافق العامة وضبط سلوكيات وممارسات
تواترت في غياب تام لمقتضيات قانونية خاصة بهذا األسلوب.44
إن تحديث أساليب أداء المرفق العام نحو تكريس انفتاح اإلدارة على محيطها ،دفع بها
إلى االهتمام بتحسين التواصل مع المرتفقين (أ) من خالل تحسين ظروف استقبالهم داخل
المصالح اإلدارية ،ومن ناحية أخرى بالخدمات التي يقدمها المرفق العام (ب).
- 44آمال المشرقي ،قراءة في القانون المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد ،80ماي-يونيو
،2008ص .29
-25-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
إن تطوير آليات التواصل من لدن اإلدارة لتحسين عالقاتها مع الجمهور يساهم في
المرتفقين من الخدمات ويعمل على انفتاح اإلدارة على المجتمع ،وهذا االنفتاح لن يتأتى
دون تطوير بنيات االستقبال وظروفه وكذا اعتماد الشفافية.
إن عملية االستقبال التي تعكس االتصال األولي للمرتفقين مع المرفق تعد من الوظائف
التي يتعين االعتناء بها من لدن المرفق سعيا إلى توجيه المرتفقين وإرشادهم عبر مختلف
المصالح التابعة للمرفق ،وتقديم المعلومات الالزمة للمرتفقين ،والمعالجة السريعة لكل طلب
شخصي ،وتقديم النصح والمساعدة للمرتفق ،في حين أن تطوير ظروف وبنيات االستقبال
يستلزم إعادة هيكلة مصالح اإلدارة حتى تتالءم مع وظيفة االستقبال ،كما يجب إحداث
مكاتب للعالقات العامة داخل كل إدارة عمومية تعمل على توجيه المرتفقين نحو المصلحة
المختصة.
الشك أن األداء الجيد للمرافق العامة يرتبط بمدى انفتاح المرفق وإفصاحه عن أعماله
ونشاطه وإزاحة كل حواجز االتصال بينه وبين المرتفقين ،لهذا فالمجهود الذي تبدله اإلدارة
بقصد االنفتاح على محيطها يمر بالضرورة عبر إعمال التكييف الالزم للمرفق العام بهدف
مواكبة متطلبات الشفافية اإلدارية وذلك باالعتراف بالحق في الخبر عن عمل المرافق
العمومية ،فالشفافية يتعين أن تفهم كشرط للحوار والتشاور ،ولكن أيضا كوسيلة لالندماج
االجتماعي ،كما أن الشفافية تتطلب أيضا تغييرا في العقليات وإعادة النظر في عالقة
اإلدارة بالمرتفقين.
وبذلك تبقى الحكومة مدعوة أكثر من غيرها إلى تأسيس قيم جديدة في تدبير الشأن العام
وتهذيب الحياة اإلدارية عبر قيم النزاهة والشفافية واالستقامة ،والتزامها بميثاق حسن
-26-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
التدبير الذي ال يعد بالنسبة لها التزاما وحسب ،وإنما قاعدة مرجعية لتجسيد الثقافة الجديدة
45
التي يجب أن تسود المرفق العام.
في سبيل ضمان حسن أداء المرافق العامة وتلبية حاجيات المرتفقين في أحسن الظروف
البد من تطوير العنصر البشري (أ) واستخدام التكنولوجيا الحديثة (ب) باإلضافة إلى
تطوير آليات المراقبة (ت).
إن االهتمام بتطوير الموارد البشرية يرجع إلى اعتبار العنصر البشري ،الذي يمثله
الموظف بالنسبة لإلدارة ،بمثابة محور ارتكاز العمل اإلداري بحيث أن القدرة على
االستجابة لمطالب المرتفقين من طرف الجهاز اإلداري متوقفة على كفاءة العنصر البشري،
فمن أهم جوانب الحكامة الجيدة للمرافق العامة أن تكون الموارد البشرية مكونة ومؤطرة
ومحفزة بشكل جيد ،ومن أجل تأهيل العنصر البشري وجعله المحور األساسي لتحقيق
فعالية أداء المرفق العام يتعين إعطاء أهمية للمعطيات التالية:
-اعتماد أساليب جديدة في التوظيف باإلدارات العمومية تقوم على أساس المؤهالت
الحقيقية للمرشحين.
- 45عبد هللا اإلدريسي ،الوظيفة التأطيرية والتنموية للمرافق العامة في الخطاب اإلصالحي الرسمي وتحديات المرحلة االنتقالية بالمغرب ،المجلة
المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع الساعة ،عدد ،2002 ،35ص .40
- 46محمد التغزوتي ،مرجع سابق ،ص .23
-27-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
إن إ ستراتيجية تحديث المرفق العام تأخذ بالحسبان انتشار التكنولوجيا واستعمال التقنيات
المعلوماتية والوسائل الجديدة ،وهذه اإلمكانيات قد أدت إلى تحول كبير في تقدير ما يجب
47
القيام به على مستوى المرافق العمومية.
وهكذا ،فقد قام المغرب بوضع إستراتيجية وطنية للمغرب االلكتروني تهدف إلى إدماج
المغرب في مجتمع المعلوميات ،وإلى تدعيم التناسق االجتماعي وتحقيق النمو االقتصادي.
وترتكز هذه اإلستراتيجية على ثالث أسس:
-تقليص الفجوة الرقمية من خالل تطوير محتوى مالئم وتعميم البنية التحتية
لالتصاالت ،وضمان ولوج سهل للخدمات.
وقد عملت الحكومة على تبني وتطوير مناهج التدبير االلكتروني بغية تسهيل ولوج
المرتفقين للخدمات العمومية ،وتحقيق االقتصاد في تكاليف اإلدارة ،هي هذا اإلطار تم
تفعيل اللجنة الوطنية لإلدارة االلكترونية سنة 2004برئاسة وزارة تحديث القطاعات
العامة ،وقد تكللت أشغال هذه اللجنة في الفترة الممتدة ما بين 2004و 2005بوضع
البرنامج الوطني لإلدارة االلكترونية المسمى "إدارتي" حيث تعني هذه الفكرة انتماء اإلدارة
للمواطن وشعوره بأنها في خدمته ،أما معناها بالفرنسية فيفيد إدخال المعلوميات في اإلدارة،
وربطها بالشبكة باستعمال تكنولوجيا المعلوميات.
كما تم إعداد خطة العمل للفترة الممتدة ما بين 2005و 2008حيث وصل عدد
الخدمات على الخط سنة 2007إلى 190خدمة ،ومن بين المشاريع المنجزة " بوابة
اإلدارة "www.service-publik.maالتي تعتبر آلية فعالة للتعريف بالمساطر
48
اإلدارية ودعم الشفافية.
- 47محمد ايت المكي ،من اجل تجديد المرفق العام ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،طبعة ثالثة ،2011 ،ص .28
- 48محمد بن داوود ،مرجع سابق ،ص .85
-28-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
وعموما ،يمكن القول أن إدخال التقنيات التكنولوجية الحديثة إلى المرافق العامة يهدف
إلى تبسيط المساطر واإلجراءات وتسريع الخدمات المرفقية واالنتقال من المساطر على
الورق إلى المساطر على الخط.
بما أن مختلف المرافق العمومية تسخر العديد من اإلمكانات المادية والبشرية في بلوغ
أهدافها ،فإنه من الطبيعي أن يكون تحديد المسؤولية هي الركيزة األساسية لضمان تحقيق
األهداف .وبذلك ال يمكن تصور وجود مرفق عام دون خضوعه للرقابة التي تتنوع بين
رقابة إدارية وأخرى قضائية.
-رقابة إدارية:إن الرقابة اإلدارية التي تمارسها اإلدارة على نفسها من لدن الرؤساء
اإلداريين ارتبطت تقليديا بعملية فحص قانونية التصرفات اإلدارية ،وذلك بمقارنة نشاط
اإلدارة وسلوك العاملين بها ،بمختلف القواعد والنصوص القانونية المنظمة للعمل ،في حين
أن الرقابة اإلدارية وفقا لمفهومها الحديث هي وظيفة إدارية قائمة بذاتها يراد بها التأكد من
أن األعمال قد تمت على الوجه المطلوب وفقا للمعايير المحددة ،ولم تعد تقتصر على مجرد
عملية الكشف عن األخطاء ومعاقبة المتسببين فيها ،فالرقابة الحديثة ابتعدت عن العمل
الزجري الصرف واتخذت بعدا جديدا يصبو إلى إشاعة روح االبتكار وترشيد اإلدارة على
أن تلمس وسائل التنظيم والتسيير المالئم.
49
-رقابة قضائية :لقد حرص المغرب ،في السنوات األخيرة ،على تركيز اهتمامه على
تفعيل الرقابة القضائية على المال العام ،من أجل مواصلة إصالح وتحديث المرافق العامة،
وتأتي هذه اإلصالحات التي شهدها المجال المالي في السنوات األخيرة لترسيخ الرؤية
الجديدة لتدبير المرافق العمومية عن طريق تحديث الرقابة المالية ،بإصباغ الصفة
الدستورية على مؤسسة المجلس األعلى للحسابات باعتبارها الهيئة العليا لمراقبة المالية
العمومية بالمملكة وذلك حسب الفصل 147من دستور ،2011أما الفصل 149من نفس
الدستور فينص على إحداث المجالس الجهوية للحسابات كتوجه جديد لسياسة الالمركزية
المالية ،غير أنه بعد فشل تجربة إشراف المجلس األعلى للحسابات في القيام بمهمة
اإلشراف على الجماعات الترابية نظرا لتعدد مهام المجلس تم إسناد هذه المراقبة للمجالس
الجهوية للحسابات ،حيث تمارس في حدود اختصاصاتها:
وهكذا حرص المشرع المغربي على العناية باألجهزة المكلفة بحماية المال العام وخاصة
تلك التي تعنى بالرقابة القضائية التي تشكل أحد الركائز األساسية التي ينبني عليها التدبير
الحكماتي للمرافق العمومية.
-30-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
خاتمة:
إن دراستنا لموضوع مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية ،جعلتنا نخلص إلى مجموعة
من االستنتاجات ،ندرجها كالتالي:
تعدد طرق وأساليب تدبير المرفق العمومي من خالل مجموعة من المبادئ التقليدية
والمستحدثة.
عزم المغرب على االرتقاء بمستوى عمل وخدمات المرفق العمومي من خالل ترسانة
قانونية جد قوية أطرت مبادئ حكامة المرفق العمومي وتكريس هذه المبادئ دستوريا.
إشراف هيئات وطنية على مدى احترام مبادئ الحكامة الجيدة.
أزمة الحكامة الجيدة للمرافق العمومية هي أزمة موارد وأطر بشرية غير مؤهلة ال تطلع
على أخر المستجدات في مجال عملها.
تطبيق مقتضيات ميثاق المرافق العمومية لما لها من تأثير إيجابي على سير هذه المرافق.
وضع نصوص قانونية خاصة بالرقابة القضائية للمعاقبة عن الرشوة والفساد وسوء التدبير
وهدر المال العام.
على المستوى اإلداري:
لتفادي أزمة الموارد البشرية غير المؤهلة وغير الكفؤة رغم توفر العنصر المالي والوسائل
يتوجب مواكبة العاملين بالمرفق العمومي وأعوان اإلدارة بالتكوين المستمر والتأطير.
تعزيز نجاعة اإلدارة الرقمية والحكومة اإللكترونية في أفق تبسيط المساطر والتقييم الفعال
للعمل المرفقي.
-32-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
المراجع
الكتب:
-أحمد أجعون ،النشاط اإلداري ،الطبعة ، 2014/2013مطبعة ووراقة سجلماسة الزيتون -مكناس.
-محمد كرامي ،القانون اإلداري ،طبعة ،2015مطبعة النجاح الجديدة -الدارالبيضاء .
-عمار عوابدي ،القانون اإلداري – الجزء الثاني – الطبعة الخامسة ،بن عكنون ،الجزائر.2008 ،
-حسن البنان ،مبدأ قابلية قواعد المرفق العام للتغير و التطور ،دراسة مقارنة في المؤسسات
االقتصادية ،المركز القومي لإلصدارات القانونية ،الطبعة األولى ،الموصل .2014
-عبد العزيز أشرقي ،الحكامة الترابية وتدبير المرافق العمومية المحلية على ضوء مشروع الجهوية
المتقدمة ،مطبعة النجاح الجديدة ،الدارالبيضاء ،طبعة .2014
الرسائل الجامعية:
-إبراهيم الشافعي ،المرافق العامة على ضوء الدستور الجديد ،رسالة لنيل دبلوم الدراسات في
القانون العام المعمق ،كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية ،طنجة.
-نوال الهناوي ،تدبير الجودة الكلية بالقطاع العام ،رسالة دبلوم الدراسات العليا المعمقة ،وحدة
القانون اإلداري وعلم اإلدارة ،جامعة محمد الخامس كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية
أكدال الرباط ،السنة الجامعية .2001/2000
-محمد بن داوود ،حكامة المرافق العمومية ،رسالة نيل شهادة الماستر في القانون العام ،جامعة
سيدي محمد بن عبد هللا ،فاس.2016-2015 ،
-محمد التغزوتي ،الحكامة الجيدة في تدبير المرافق العمومية ،رسالة نيل شهادة الماستر في القانون
العام ،جامعة سيدي محمد بن عبد هللا كلية الحقوق ،فاس.
-33-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
-الخطاب السامي لجاللة الملك في افتتاح الدورة األولى من السنة التشريعية من الوالية التشريعية
العاشرة بتاريخ 14أكتوبر .2016
-قرار للمجلس األعلى ،محمد الحيحي ضد وزير التربية الوطنية والشبيبة والرياضة 17 ،أبريل
.1961
المجالت:
-حكم عدد 69بتاريخ ، 1998/06/26أحمد شوقي ضد جامعة اللقرويين بفاس ،المجلة المغربية
لإلدارة المحلية والتنمية ،عدد 25أكتوبر-دجنبر .1998
-آمال المشرقي ،قراءة في القانون المتعلق بالتدبير المفوض للمرافق العامة ،المجلة المغربية لإلدارة
المحلية والتنمية ،عدد ،80ماي-يونيو .2008
-عبد هللا اإلدريسي ،الوظيفة التأطيرية والتنموية للمرافق العامة في الخطاب اإلصالحي الرسمي
وتحديات المرحلة االنتقالية بالمغرب ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،سلسلة مواضيع
الساعة ،عدد .2002 ،35
-محمد ايت المكي ،من اجل تجديد المرفق العام ،المجلة المغربية لإلدارة المحلية والتنمية ،طبعة
ثالثة.2011 ،
المواقع االلكترونية:
-المصطفى المصبحي ،مقالة بعنوان "حكامة التدبير المفوض للمرافق العمومية" - 2010 -
.https://www.attadbir.com
-وزارة إصالح اإلدارة والوظيفة العمومية ،الموقع اإللكتروني ، www.mmsp.gov.ma
ميثاق المرافق العمومية.
-الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة ،الموقع اإللكتروني ، www.icpc.maالحكامة الجيدة بين
الوضع الراهن ومقتضيات الدستور الجديد.
-البنك الدولي ،الموقع اإللكتروني ،www.puddocs.wodlsbank.govالمغرب في أفق
.2040
-المجلس االقتصادي واالجتماعي والبيئي ،الموقع اإللكتروني ، www.ces.maحكامة المرافق
العمومية.
-34-
مبادئ الحكامة الجيدة في تدبير المرفق العمومي
الفهرس
مقدمة 1...........................................................................................................
المبحث األول :المبادئ المستمدة من الوثيقة الدستورية 5...................................................
المطلب األول المبادئ الكالسيكية المؤطرة لسير المرفق العمومي 5........................................
المطلب الثاني :المعايير التي يخضع لها المرفق العمومي استرشادا بالدستور الجديد 10..................
الفقرة األولى :ترسيخ مبادئ الجودة والشفافية و ربط المسؤولية بالمحاسبة 11...........................
خاتمة 31..........................................................................................................
المراجع 33........................................................................................................
-35-