Professional Documents
Culture Documents
ترتبط الصراعات التقليدية ارتباطاً وثيقاً باحتكار الإدارة الن
ترتبط الصراعات التقليدية ارتباطاً وثيقاً باحتكار الإدارة الن
ترتبط الصراعات التقليدية ارتباطا وثيقا باحتكار اإلدارة النظامية في الدولة الستخدام
القوة المسلحة ،ومع التطور أدى ذلك إلى ظهور بدائل واجبة وحتمية النفاذ وأطراف
مسلحة قادرة على شن الحرب من دون هوادة .تلك األطراف المسلحة التي هي تنظيمات
ومجموعات تأخذ في هيئتها الشكل التنظيمي والزي العسكري والنمط المؤسسي إال أنها
ال تمت إلى الدولة بصلة ،فضل عن اعتمادها على األيديولوجيات التي تخترق الحدود
القومية في بعض األحيان ،فتصبح حرة طليقة لذاتها وصاحبة تقرير مصيرها؛ وتختزل
قرار الحرب لنفسها بعيدا من أوامر قيادات الدولة.
وتعد حروب الجيل الخامس أكثر من مجرد تطور تقليدي في حروب الجيل الرابع وما
قبلها ،فهي حرب بل قيود تستخدم فيها الوسائل كافة إلجبار العدو على الرضوخ ،ويتمثل
أهمها في تأسيس تحالفات شبكية تضم جبهات وتنظيمات مسلحة ،وقد تقدم على التعاون
معها دول تشترك معها في األيديولوجيات واالهتمامات والقوميات والمصالح ومشاريع
السيطرة الواحدة ،وهي تتبع مخططات معينة تشمل توظيف األفراد باختلف أفكارهم،
ومن دون النظر في ماضيهم وحاضرهم ،وهؤالء يسعون لتحقيق هدف سياسي
وعسكري واستراتيجي مشترك ،مع النظر إلى سرعة انتشاره ،وقد تتصف بالغموض
حول طبيعة ووجودية الصراع ،واألطراف القائمة عليها .هنا يجب أن نشير إلى أن
االنتشار المسلح التقليدي للدول على أرض الواقع قد يدينها ويبيت نياتها والعواقب التي
قد تتحملها في المستقبل كالعزل السياسي واللوجستي وفرض العقوبات االقتصادية ،أو
اإلدانة واالستنكار وقطع المعونات والمساعدات العسكرية والمعونات الطبية والغذائية
عن شعوبها ،أو غيرها من اإلجراءات ،في حين أن األفراد والتنظيمات المسلحة قد ال
يتعرضون لمثل هذه التبعات وال يؤثر فيهم.
تعد النزاعات التي تشمل الجيوش الحديثة سمتا رئيسا في تطوير آلة الحرب ،فظهرت
في األفق حروب الجيل السادس ،وذلك باالقتران مع الحرب اإللكترونية ،وحملت
التضليل المتمثلة في الحرب المعلوماتية والهجمات المضادة لألقمار الصناعية .الهدف
هو إخضاع الزخم المعلوماتي والبيانات ،واالتصاالت ،وأجهزة االستطلع
واالستخبارات ،وأنظمة األسلحة للسيطرة التشغيلية وتوجيهها لخدمة أغراضها .وقد
تجمع أكثر اإلجراءات ضررا بين األسلحة الموجهة بدقة والهجمات اإللكترونية لتعطيل
أو تدمير األهداف الحرجة.
ويمكن أيضا استخدام العمليات السيبرانية للتأثير السياسي من خلل تعطيل التمويل
والطاقة والنقل والخدمات اللوجستية للتغلب على عملية صنع القرار للمدافعين ،وخلق
اضطراب مجتمعي وخلخلة بالبنية التحتية ،وهذا ما اكتشفناه في النزاع الروسي
األوكراني ،فقد جاءت الحرب الروسية األوكرانية لترجمة هذا النمط الجديد من
الحروب؛ لتتجاوز في حد ذاتها الصراعات التقليدية المقيدة لتشمل في أهدافها الحرب
السيبرانية والمعلوماتية ،والحرب االقتصادية والحرب الهجينة.
فتحت حروب الجيل السادس أفقا غير اعتيادي لم نعرفه سابقا ،وذلك من خلل استخدام
األسلحة الذكية لتأليب المجتمع من خلل التوجيه والتجنيد الجزئي والكامل لشبكات
الحوسبة الرقمية العالمية ،وذلك من أجل خلخلة أوصال الفواعل وأعمدة الدولة المعادية
وإلحاق الضرر بها عن بعد.
إن خطر النزاع الحاصل بين روسيا وأوكرانيا اليوم ،لم يتمثل في العداوة بين الغريمين؛
فهي كانت وما زالت ،لكن في طريقة توظيف الذكاء الصناعي الستهداف النظم العسكرية
والمؤسسات واألفراد وصناعة الشيطنة المعلوماتية وتزييف الحقائق لدحر الخسارة أو
كسب تعاطف الموالين من أجل تحقيق أغراضها ،وكذا في صناعة فصائل مدعومة من
حكومات الدول إلدارة حروب كاملة عن بعد.
يمكننا أن نرى حروب الجيل السادس كشكل من أشكال التطور اإلنساني الكبير ،وليس
بالمطلق ،لكن تصل بنا إلى تصميم متكامل دقيق للفكرة التي نريد أن تقع فيها دولة أو فرد
أو مجموعة ،مستخدمين في ذلك وسائل متطورة جدّا ،وتعد الحرب اإللكترونية شكل من
أشكال حروب الجيل السادس ،وهي األخطر على العالم من الحروب النووية وأسلحة
ظفت لحرب خاطفة ،وهي ال تتطلّب ميزانية ضخمة لتطوير األسلحة
الدمار الشامل إذا و ّ
وتحسينها ،كما ال تسبقها أي مؤ ّ
شرات ما يصعّب كشفها والتنبؤ بها ،فالنمط االفتراضي
احتكره محاربو الحرب اإللكترونية والمتمثلة في جيش أوكرانيا اإللكتروني الذي فرض
نفسه بقوة في قلب موازين النزاع بين روسيا وأوكرانيا الذي توقع (فلديمير بوتين) أنه
سينتهي بسحق الجانب األوكراني في غضون أيام ،حتى أثبتت األيام أن لدى الجيش
األوكراني سلحا سريا أقوى من مدافع الكلشينكوف وصواريخ افنجارد وطائرات
السوخوي ،أال وهو سلح الحرب المعلوماتية والسيبرانية المتمثلة في جيش أوكرانيا
اإللكتروني ITArmyUKR) IT ARMY OF UKRAINE).
وفي هذا الموضع يقول فيكتور زورا ،نائب رئيس الدولة لشؤون األمن واالتصاالت
"أوكرانيا تخوض أول حرب افتراضية في العالم ،وأعتقد أن الحرب اإللكترونية ال يمكن
أن تنتهي إال بنهاية الحرب التقليدية ،وسنفعل كل ما في وسعنا".
يقول (هارف كزافيير) الخبير األمني وعضو الجيش اإللكتروني األوكراني ،وأحد
منفذي أخطر هجوم إلكتروني لعام 2022على أنظمة خدمة يانديكس تاكسي Yandex
،Taxiما تسبّب بازدحام مروري هائل في موسكو وخسارة مالية كبيرة للشركة" :ينقسم
القراصنة الذين انضموا إلى المجموعة إلى وحدات إلكترونية هجومية ودفاعية .في حين
أن وحدة القراصنة الهجومية تساعد الجيش األوكراني في إجراء عمليات تجسس رقمية
ضد القوات الروسية ،أما الوحدة الدفاعية فستقوم بالدفاع عن البنية التحتية مثل محطات
الطاقة وأنظمة المياه وشبكات الكهرباء واالتصاالت والسكك الحديد".
وإلى جانب ذلك ،أدت هجمات رفض الخدمة الموزعة التي نفذها جيش أوكرانيا
اإللكتروني إلى تعطيل قدرة روسيا على العمل في بعض أنظمة إدارة علقات العملء
فترات طويلة .وفي الفترة الممتدة من 26شباط/فبراير إلى 30تموز/يوليو أفادت وزارة
التحول الرقمي بوقوع هجمات إلكترونية على أكثر من 6آالف مصدر ويب روسي،
وكذا جرى استهدافها لموقع مجموعة فاغنر ( )Wagnerوسرقت بيانات شخصية
ألخطر عملئها ومعلومات عن المرتزقة الذين جندوا حديثا .أخيرا ،تمكن جيش أوكرانيا
األوكراني من تنفيذ هجوم ناجح على منظمة الحرس الشاب (روسيا الموحدة) ،كذلك
اخترق موارد وحصل على بيانات مثيرة للهتمام من هناك ،وكانت هذه البيانات مهمة
جدا وستساعد في الحرب على روسيا لكونها تخفي بين طياتها جرائم الحرب وإجراء
"استفتاء االنفصال" إلقليم الدونباس (جنوب شرقي أوكرانيا) لضمه إلى روسيا
االتحادية ،وهو إجراء في نظر الكثيرين غير قانوني.
وأخيرا وليس آخرا ،فإنه قد يسيء قول ذلك إلى المجتمع اإللكتروني ،لكن الهجمات
اإللكترونية مبالغ فيها .في حين أنها ال تقدر بثمن بالنسبة إلى عمليات التجسس ،لكونها
حاسمة في النزاع المستمر بين روسيا وأوكرانيا .إن الهجوم السيبراني المحض ،غير
كاف إلجبار أي خصم ،فضل عن أكثر الخصوم هشاشة ،على قبول الهزيمة.
لم يقتل أحد من قبل في هجوم إلكتروني ،لكن قد تكون األضرار كارثية ،لكن هذه
الهجمات عادة ال تخلق ميزة استراتيجية يمكن تعريفها بأنها إجبار الخصم على إجراء
تغييرات أو تنازالت لم يكن ليحصل عليها بغير ذلك ،إال لو استخدمت على نطاق واسع
وبطريقة مستدامة ،غير منسقة ومتفرقة من خلل جهود متواصلة ومنهجية إللحاق
الضرر بقدرة الخصم على المقاومة.
تحوال وتغيّرا في مفهوم الحروب وممارستها وأدواتها ،وقد ساهم في ايجاد
شهد العالم وعبر سنوات طويلة ّ
التحول على
ّ التحول في المنتج التقني والتكنولوجي ،باإلضافة إلى
ّ هذا التحول مسائل عديدة من أبرزها
مستوى االستراتيجيَّات السياسيَّة واالقتصاديَّة التي تُش ّكل الدافع والحافز األساس في شن الحروب.
يضاف إلى ذلك فشل أشكال الحروب التقليديَّة في تحقيق النتائج المطلوبة وتعثّر
القوة الناعمة ،التي اصطدمت
األشكال المطورة لها؛ ونعني على وجه التحديد حروب ّ
بمدى المقاومة الناعمة الذاتيَّة التي تمتلكها الشعوب ال ُمستهدفة .وبالتالي اتّجهت
البوصلة نحو تطوير أشكال الحروب لتلبي الطموحات .وإذا كانت الحروب تخدم
أهدافا سياسيَّة واقتصادَّية واجتماعية وغيرها ،لذلك كانت أدواتها تتغير بناء على
إمكانيَّات تحقّق األهداف وأ ّ
ي من األدوات والوسائل بإمكانه تحقيق األهداف بأق ّل
وأعلى التكاليف
من هذا المنطلق ،قام اليسار والتأسلم السياسي بمهاجمة أسس المشيخات والملكيات
الخليجية وإهانة الشعوب الخليجية واستثارتها.
آنذاك ،انشغل مثقفو الوالء والوطنيون بالدفاع عن التهمة في سياقها ،رغم سهولة استبدال
السياق بتصحيحه الفعلي من أصل استخدامات اللغة ،لكنه االنسياق وراء الخنازير
ومصارعتها في وحلها وهي خبيرة فيه.
كان هذا جهل أو عجزا أو إهماال لهفوة لغوية جعلت أجياال تحاول الدفاع منقوص الحجة
ضد مرضى فكريين يظنون أنهم قد أفحموا خصومهم ،لكن القادم رقميا أشد وأنكى إن تم
إهماله.
مبعث هذا المثال الصارخ هو ما حدث مؤخرا من اعتراف أكبر القلع األخيرة
لإلعلنات التجارية (والسياسية) – فيسبوك وملحقاته – بتراجع أرباح االعلنات،
وضرورة تحول النطاق بأكمله من المنصات إلى الفضاء الرقمي المؤجر على المواطن
الرقمي ذي الشخصية االفتراضية في الميتافيرس .metaverseهذا نذير بتطور
وتعقّد قواعد الصراع وإمكانياته.
أتخيل هنا مركزا دينيا ضمن الواقع االفتراضي ،يدفع إيجاره لفيسبوك – أو أيا كان مسمى
الشركة الجديد الذي سيعلن قريبا – لنتفاجأ جميعنا بأنه مقر لمواعظ ودورات إعداد كوادر
إرهابية .فهل خطباؤنا مهيّأون ومستعدون للنزال الرقمي االفتراضي المطعم باألفاتار
(الشخصيات البديلة) وربما عبر قتال بألعاب الفيديو في (غزوة) افتراضية؟
هل شرطتنا الرقمية قادرة على قطع السبيل – تربويا ورقميا وأمنيا – على دورات
( ُمعاشة) رقميا ومجربة بتفاصيلها لصناعة القنابل باأليادي االفتراضية؟ أم هل بمقدور
وعزل فرز األمنية الجهات