Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 205

‫من تويف من العلماء‬

‫وهو ساجد‬
‫مع دراسة علمية عن حسن اخلامتة وسوئها ومراتبهما وأسبابهما‬

‫تأليف‬
‫د‪ .‬محمد إبراهيم سعيد الفارسي‬

‫إدارة البحـــــوث‬
‫التدقيق اللغوي‬
‫شروق حممد سلمان‬

‫إخراج‬

‫‪ 1437‬هــ ‪ 2015 -‬م‬


‫‪ISBN 978-9948-02-190-2‬‬

‫لدائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخليري بدبي‬


‫إدارة البحوث‬
‫فاكس‪+971 4 6087555 :‬‬ ‫هاتف‪+971 4 6087777 :‬‬
‫ص‪ .‬ب‪ - 3135 :‬دبــي‬ ‫اإلمارات العربية املتحدة‬
‫‪www.iacad.gov.ae‬‬ ‫‪mail@iacad.gov.ae‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪4‬‬
‫‪5‬‬ ‫افتتاحية‬

‫افتتاحـيـة‬

‫والســام عىل ســيدنا حممد وعىل آله‬


‫والصالة َّ‬
‫احلمــد هلل رب العاملني‪َّ ،‬‬
‫وصحبه و َم ْن تبعهم بإحسان إىل يوم الدِّ ين‪.‬‬

‫وبعـــد‪ :‬فيرس « دائرة الشؤون اإلسالمية والعمل اخلريي بدبي ‪ -‬إدارة البحوث »‬
‫أن تقدِّ م إصدارها اجلديد‪ « :‬من تويف من العلامء وهو ســاجد مع دراسة علمية‬
‫عن حســن اخلامتة وسوئها ومراتبهام وأســباهبام »‪ ،‬جلمهور القراء من السادة‬
‫الباحثني واملثقفني واملتطلعني إىل املعرفـة‪.‬‬

‫ونســاء ‪ -‬ممن تويف وهو‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫رجاال‬ ‫وهو كتاب حيوي تراجم ثلة من العلامء ‪-‬‬
‫ساجد‪ ،‬وسيجد فيه القارئ الكريم سري ًة حســنة لالعتبار واالقتداء‪ ،‬وشحذ‬
‫ٍ‬
‫مهة عىل االستقامة والطاعة‪ ،‬وتشويق ًا للفضائل ومجيل الشامئل‪.‬‬

‫فهــو مادة علمية للدعــاة والوعاظ ترفدهم وتقدم هلــم عون ًا وجند ًا من‬
‫ذراع ويدٌ ‪ ،‬من خالله‬
‫القصص واألحكام‪ ،‬وهــو للمعلمني واآلباء واألمهات ٌ‬
‫حتث عىل التخ ّلــق باملحامد‬ ‫ٍ‬
‫قدوات صاحلــ ًة ُّ‬ ‫يقدمــون لتالميذهــم وأبنائهم‬
‫والفضائل واملروءات‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪6‬‬

‫ٌ‬
‫دراســة علمية عن حسن اخلامتة وسوئها‪ ،‬حوت مهامت‬ ‫الكتاب‬
‫َ‬ ‫ويتقدم‬
‫املسائل املتعلقة هبذا املوضوع‪.‬‬

‫والســجود عبادة كريمة عند اهلل‪ ،‬لداللتها عىل اإليــان وكامل اخلضوع‬
‫الكتاب بيان فضيلة هذه العبادة‬
‫ُ‬ ‫غفلِ‬ ‫ِّ‬
‫والذل بني يديه ســبحانه وتعاىل ؛ ولذا مل ُي ِ‬
‫من القرآن والسنة‪.‬‬

‫وهذا اإلنجاز العلمي جيعلنا نقـدم عظيم الشكر والدعاء ألرسة آل مكتوم‬
‫حفظها اهلل تعاىل التي حتب العلم وأهله‪ ،‬وتؤازر قضايا اإلسالم والعروبة بكل‬
‫متيز وإقدام‪ ،‬ويف مقدمتها صاحب الســمو الشيخ حممد بن راشد بن سعيد‬
‫آل مكتوم‪ ،‬نائب رئيس الدولة‪ ،‬رئيس جملس الوزراء‪ ،‬حاكم ديب الذي ما فتئ‬
‫يشيد جمتمع املعرفة‪ ،‬ويرعى البحث العلمي ويشجع أصحابه و ُطالبه‪.‬‬

‫راجني من العيل القدير أن ينفع هبذا العمل‪ ،‬وأن يرزقنا التوفيق والسداد‪،‬‬
‫وأن يوفق إىل مزيد من العطـاء عىل درب التميز املنشـود‪.‬‬

‫األمي اخلاتم‬
‫ِّ‬ ‫وص َّل اهلل عىل الن ِّ‬
‫َّبي‬ ‫وآخر دعوانا أن احلمد هلل رب العاملني‪َ ،‬‬
‫حممــد وعىل آله وصحبه أمجعني‪.‬‬
‫سيدنا َّ‬

‫إدارة البحوث‬
‫‪7‬‬ ‫املقدمــــــــة‬

‫احلمــد هلل رب العاملــن‪ ،‬والصالة والســام عىل ســ ِّيدنا حممد أرشف‬
‫ِ‬
‫العباد وأح ِّبهم‬ ‫ِ‬
‫وأقرب‬ ‫املرسلني‪ ،‬وقدوة العابدين‪ ،‬وإمام الساجدين التوابني‪،‬‬
‫رب العاملــن‪ ،‬صــى اهلل عليه وعىل آله امليامني‪ ،‬وصحبــه اهلُداة املهديني‪،‬‬
‫إىل ِّ‬
‫وأتباعهم إىل يوم جزاء املحسنني‪.‬‬

‫تراجم عدد من‬


‫َ‬ ‫مجعت فيه‬
‫ُ‬ ‫ظريــف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫لطيف‪ ،‬وجزء‬
‫ٌ‬ ‫موضوع‬
‫ٌ‬ ‫وبعد‪ ،‬فهذا‬
‫فضلــه ورمحتِه‪ ،‬فختم‬
‫العلــاء الفضالء وأخبارهم‪ ،‬ممــن فتح اهلل هلم أبواب ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫أعامهلم يف الدنيا بالســجود بني يديه‪ ،‬فكان إشار ًة وأمار ًة عىل حسن الظن هبم‬
‫أقرب ما يكون العبدُ‬
‫ُ‬ ‫أهنم من املقربني ومن ذوي الزلفى لديه‪ ،‬ويف احلديث‪« :‬‬
‫كل ٍ‬
‫عبد‬ ‫بعث ُّ‬
‫من ر ِّبه وهو ساجد‪ ،‬فأكثروا الدعاء »(((‪ ،‬ويف احلديث اآلخر‪ُ « :‬ي ُ‬
‫عىل ما مات عليه »(((‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه (‪ )482‬من حديث أيب هريرة ريض اهلل عنه‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم يف صحيحه (‪ )2878‬من حديث جابر ريض اهلل تعاىل عنه‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪8‬‬

‫أهمية املوضوع وحاجة البحث فيه‪:‬‬

‫القارئ الكريم يف تراجم هؤالء الثلة من العلامء ممن تويف وهو‬


‫ُ‬ ‫وســرى‬
‫وشحذ ٍ‬
‫مهة عىل االستقامة‬ ‫َ‬ ‫ســاجدٌ ‪ :‬سري ًة حســن ًة ملن أراد االعتبار واالقتداء‪،‬‬
‫ِ‬
‫وفعل‬ ‫ِ‬
‫وعبادة اهلل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وإتقان العمــل‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ســن اخللق‪،‬‬ ‫عىل طاعة اهلل تعاىل‪ ،‬وعىل ُح‬
‫اخلريات‪.‬‬

‫الكريم عىل نامذج من فضل اهلل تعاىل عىل أناس قضوا‬


‫ُ‬ ‫القارئ‬
‫ُ‬ ‫كام سيقف‬
‫فتداركهم اهللُ بفضله‪ ،‬واستقاموا عىل‬
‫َ‬ ‫زمنًا من أعامرهم يف غري طاعة اهلل تعاىل‪،‬‬
‫ورزقوا ُحس َن اخلتام‪.‬‬
‫أمره‪ ،‬وتفقهوا يف دينه‪ُ ،‬‬

‫مفرسا‪ ،‬أو‬
‫ً‬ ‫ويف املذكورين ِمن الساجدين َمن كان قاضي ًا‪ ،‬ومنهم من كان‬
‫فقيها‪ ،‬أو زاهدً ا‪ ،‬أو أديب ًا‪ ،‬وفيهم من َّ‬
‫ضم إىل علم الرشيعة‬ ‫قارئــ ًا‪ ،‬أو حمدّ ث ًا‪ ،‬أو ً‬
‫ٍ‬
‫وختصصات أخرى نافعة‪.‬‬ ‫علو ًما‬

‫ال المعــ ًا‪ ،‬ومنهم من كان غريب ًا‪،‬‬


‫مبج ً‬
‫ومنهــم من كان يف قومه وجمتمعه َّ‬
‫فقريا‪ ،‬وفيهم النســاء بجانــب الرجال‪ُ ،‬ي ِ ْ‬
‫زاحنَهم يف العلم‬ ‫أو عبدً ا‪ ،‬أو غن ًّيا أو ً‬
‫والفضائل والرتبية‪.‬‬

‫فهذا الكتاب ‪ -‬إن شاء اهلل تعاىل ‪ -‬يكون ناف ًعا ملن أراد االقتداء باألتقياء‪،‬‬
‫ــو ًقا للفضائل ومجيل الشــائل‪ ،‬وماد ًة علم ّي ًة للدعاة والوعاظ ترفدهم‬
‫و ُم َش ِّ‬
‫وجندً ا من ال َقصص واألحكام‪ ،‬وللمعلمني واآلباء واألمهات‬
‫وتقد ُم هلم عونًا ُ‬
‫ذرا ًعا ويدا‪ ،‬من خالله يقدمون لتالميذهم وأبنائهم قدوات صاحلات‪ ،‬لتنطبع‬
‫‪9‬‬ ‫املقدمــــــــة‬

‫صورا طيبة زاكية نقية‪ ،‬تتحول إىل أخالق وسجايا‬


‫ً‬ ‫يف نفوس األجيال وقلوهبم‬
‫عميقة يف القلوب‪ ،‬وأعامل صاحلة عىل اجلوارح‪.‬‬

‫الدراسات السابقة أو املشابهة‪:‬‬

‫خاصا‪ ،‬عىل أن علامءنا‬


‫دون يف هــذا املوضوع كتا ًبا ًّ‬
‫هذا‪ ،‬ومل أقف عىل من ّ‬
‫بعض املصنفات يف موضوعات شــبيهة‪ ،‬مجعوا فيها‬
‫رمحهم اهلل تعاىل قد صنَّفوا َ‬
‫عد ًدا من العلامء الذين جتمعهم صفة معينة‪ ،‬أو مذهب فقهي‪ ،‬أو وظيفة‪ ،‬أو بلدٌ ‪،‬‬
‫أو طبقة زمن ّي ٌة‪ ،‬وغريها‪ ،‬وترمجوا هلم‪ ،‬وقدّ موا دراس ًة خمترص ًة بني يدي مصنفاهتم‬
‫وذكر بعض األحكام املتعلقة هبا‪.‬‬ ‫اجلامعة هلم‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الصفة‬ ‫يف التعريف بتلك‬

‫من هذه املصنفــات‪ُ :‬‬


‫كتب طبقات الفقهــاء يف كل مذهب من املذاهب‬
‫ِ‬
‫ككتاب القايض عيــاض (ت‪544‬هـــ)‪« :‬ترتيب املدارك‬ ‫الفقهيــة املتّبعــة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وكتاب تاج‬ ‫وتقريب املسالك ملعرفة أعالم مذهب مالك» يف طبقات املالكية‪،‬‬
‫السبكي (ت‪771‬هـ)‪« :‬طبقات الشافعية الكربى»‪.‬‬
‫الدين ُّ‬

‫«و ِكيع»‪،‬‬ ‫ومنها‪ُ :‬‬


‫كتاب «أخبار القضاة» أليب بكر الضبي (ت‪ ،)306‬امللقب بـ َ‬
‫وكتــاب «اإلصابة يف متييز الصحابة» للحافظ ابن حجر العســقالين‪ ،‬وهكذا يف‬
‫ُ‬
‫واملفسين‪،‬‬
‫ّ‬ ‫كل علــم صنفوا كت ًبا يف تراجم أصحابه‪ ،‬فكتبوا يف طبقــات ال ُق ّراء‪،‬‬
‫حل ّفاظ‪ ،‬والنحويني‪ ،‬واألطباء‪ ،‬واحلكامء‪.‬‬
‫واملتكلمني‪ ،‬واألصوليني‪ ،‬وا ُ‬

‫ثم صنفــوا يف موضوعات طريفة‪ ،‬كرتاجم العلــاء الذين مجعتهم صفة‬


‫معينة‪ ،‬مثل كتاب « َم ْن عاش مائة وعرشين ســنة من الصحابة» للحافظ ابن‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪10‬‬

‫منده (ت‪511‬هـــ)‪ ،‬وكتاب «نكت اهلميان يف نكت العميان»! لصالح الدين‬


‫الصفدي (ت‪764‬هـ) »(((‪ ،‬وكتاب «العلــاء العزاب الذين آثروا العلم عىل‬
‫الزواج» للشيخ عبد الفتاح أبو غدة (ت‪1417‬هـ)‪.‬‬

‫عبث وإضاع ُة وقت‪ ،‬وعند‬


‫بعض املترسعــن أنه ٌ‬
‫وربام صنفوا كتا ًبا ظ ّن ُ‬
‫كتــاب «البخالء» أليب عثامن اجلاحظ‬
‫ُ‬ ‫غرضهم منه‪ ،‬مثال هذا‪:‬‬
‫التأمل تعرف َ‬
‫(ت‪255‬هـــ) رمحه اهلل تعــاىل‪ ،‬حيث يقول يف مقدمته ُمب ّينــا لفائدة كتابه عىل‬
‫ِ‬
‫البخالء‬ ‫نوادر‬ ‫وضع هذا الكتاب‪ُ « :‬اذكــر يل‬ ‫لســان صاحبِه الذي طلب منه‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫اهلزل مســراحا‪ ،‬والراح َة مجاما(((‪ ،‬فإن ِ‬ ‫يف باب ِ‬
‫للجد َكدًّ ا يمنع‬ ‫ألجعل َ ُ‬ ‫َ‬ ‫اجلدّ ‪،‬‬
‫التمس نف َعه من مراجعتِــه»(((‪ ،‬ومن أعظم فوائده‬
‫َ‬ ‫من معاودته‪ ،‬وال بدّ ملــن‬
‫ّ‬
‫ويتحل باجلود والكرم‪ ،‬هذا مع‬ ‫تقبيح صفة البخل يف نفس القــارئ ليجتنبها‬
‫الكتاب‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫أخبار البخالء‪ ،‬ليكون‬ ‫الفوائــد الكثرية التي نثرها يف كتابه هذا أثنــا َء‬
‫«تعليم بالرتفيه»‪ ،‬حتى قال يف مقدمته لصاحبه‪« :‬ولك يف‬ ‫ٌ‬ ‫سمى يف عرصنا‬ ‫كام ُي ّ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫لطيفة‪ ،‬أو استفاد ُة‬ ‫حيلة‬ ‫َعرف‬ ‫هذا الكتاب ثالث ُة أشياء‪ّ :‬‬
‫تبي حجة طريفة‪ ،‬أو ت ُّ‬
‫مللت ِ‬
‫اجلدَّ »(((‪ ،‬ثم‬ ‫َ‬ ‫هلو إذا‬ ‫ٍ‬
‫ضحك منه إذا شــئت‪ ،‬ويف ٍ‬ ‫ٍ‬
‫عجيبة‪ .‬وأنت يف‬ ‫ٍ‬
‫نادرة‬
‫تكلم عن الضحك والبكاء وفوائد ك ٍُّل للطباع وفضائله!‬

‫((( وهــو موضوع نادر مفيد‪ ،‬وصدّ ره بعرشة مقدمات علمية حول العمى ‪ -‬نســأل اهلل‬
‫أعمى بليدً ا‪ ،‬وال ُيرى أعمى إال وهو‬
‫ً‬ ‫أن ُوجد‬ ‫العافيــة ‪ ،-‬وختم مقدماته بقوله‪َّ :‬‬
‫«قل ْ‬
‫ذكي»‪( ،‬نكت اهلميان يف نكت العميان‪ ،‬ص‪.)59 :‬‬
‫واهلمة بعد الكدّ والتعب وامللل‪.‬‬
‫ّ‬ ‫((( أي سببا السرتجاع القوة والنشاط‬
‫((( كتاب البخالء للجاحظ (ص‪.)15‬‬
‫((( البخالء (ص‪.)21‬‬
‫‪11‬‬ ‫املقدمــــــــة‬

‫وغريهــا مــن املصنفات التي ال تدخــل حتت حرص‪ ،‬وك ُّلهــا ذات بال‬
‫يف موضوعها‪ ،‬وهلــا أمهية يف باهبا‪ ،‬وال نعرف لعلامئنا رمحهــم اهلل تعاىل كتا ًبا‬
‫وضعوه لرتف فكري‪ ،‬أو ٍ‬
‫عبث ال فائدة من ورائه‪.‬‬

‫منهجية البحث ُ‬
‫وخطته‪:‬‬

‫يعتمد هذا البحث عىل املنهج التارخيي التحلييل‪ ،‬وذلك برسد األحداث‬
‫التارخيية املتعلقة بسرية املرتجم هلم‪ ،‬مع القيام بتحليل بعضها وأخذ ِ‬
‫العرب منها‪.‬‬ ‫َ‬

‫املرتجم هلم عىل الطبقات وســني الوفيات(((‪،‬‬


‫َ‬ ‫رتبت هؤالء العلامء‬
‫وقد ُ‬
‫ٍ‬
‫أفراد من الصحابة‪ ،‬والتابعني‪ ،‬وأتبــاع التابعني‪ ،‬ومن‬ ‫فســيقف القارئ عىل‬
‫الطبقات التي بعدهم ممن تبعهم بإحسان إىل القرن اهلجري املايض‪.‬‬

‫ابتدأت‬
‫ُ‬ ‫واملوت عليه خامت ًة حســن ًة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ال صالح ًا‪،‬‬
‫الســجود عم ً‬
‫ولما كان ُّ‬
‫ّ‬
‫سن اخلامتة وسوئها عند العلامء‪ ،‬ومراتِبهام‪،‬‬ ‫ذكرت فيه معنى ُح ِ‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫بفصل‬ ‫الكتاب‬
‫َ‬
‫وأسباب ك ٍُّل‪ ،‬مع بعض األحكام الفقهية املتعلقة هبا‪.‬‬

‫ومن هنا فقد جاء البحث يف مقدمة وفصلني وخامتة‪ ،‬فاملقدمة فيها أمهية‬
‫البحث واحلاجة إليه‪ ،‬والدراســات ا ُملشــاهبة‪ ،‬ومنهجية البحث‪ ،‬وما يتعلق‬
‫بذلك‪.‬‬

‫((( وقد أخللت هبذا الرتتيــب يف أول ترمجتني‪ ،‬حيث صدّ رت الكتاب برتمجة الصحايب‬
‫اجلليل أيب ثعلبة اخلشني (ت‪75‬هـ)‪ ،‬ثم أتبعته برتمجة موسى بن الصحايب اجلليل أيب‬
‫موسى األشعري (ت‪21‬هـ)؛ وذلك ملكانة أيب ثعلبة حيث شهد بيعة الرضوان‪ ،‬أما‬
‫موسى فقد اختُلف يف ُصحبته‪ ،‬ريض اهلل عنهم‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪12‬‬

‫أما الفصل األول فكان يف بيان معنى ُحســن اخلامتة وسوئها‪ ،‬وأسباهبام‪،‬‬
‫وجاء يف ثالثة مباحث‪:‬‬

‫وء ِ‬
‫اخلاتة‪.‬‬ ‫اخلاتة وس ِ‬
‫سن ِ‬ ‫بيان معنى ُح ِ‬
‫املبحث األول‪ُ :‬‬
‫ُ‬

‫وأسبابام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وسوء اخلامتة‬ ‫مراتب ُح ِ‬
‫سن اخلامتة‬ ‫املبحث الثاين‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫املبحث الثالث‪ :‬أحكام ُمتفرقة تتعلق باخلواتيم وا ُملحترضين‪.‬‬

‫ثم جاء الفصل الثاين‪ :‬وفيه رسد العلامء ممن تويف وهو ساجد‪ ،‬مع ترامجهم‪،‬‬
‫وهم ست ٌة وثالثون عا ًملا‪ ،‬وعامل ٌة واحدة ‪-‬رمحهم اهلل تعاىل‪.-‬‬

‫ثم اخلامتة‪.‬‬

‫ِ‬
‫البحث‪ ،‬وال االستقصا َء يف اجلمعِ‪ ،‬بل قد‬ ‫هذا‪ ،‬وال أ ّدعي االســتقرا َء يف‬
‫وقفت عليه ممن يدخل يف رشط الوفاة ساجدً ا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫بعض َم ْن‬
‫تركت َ‬
‫ُ‬

‫وما أذكره يف الكتــاب أثناء الرتاجم من عناويــن فرعية‪ ،‬أو كلامت بني‬
‫معكوفتني [هكذا] فهو من عميل ملزيد اإليضاح‪.‬‬

‫وجوده وإحســانِه‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وكرمه‬ ‫بمحــض ِ‬
‫فضلــه‬ ‫ِ‬ ‫َ‬
‫القبول‬ ‫ســائ ً‬
‫ال اهلل تعــاىل‬
‫رب العاملني‪.‬‬
‫واحلمدُ هلل ِّ‬
‫الفصل األول‬
‫سن اخلامتة‬ ‫ُ‬
‫بيان معنى ح ِ‬
‫وسوئها وأسبابهما‬
‫وفيه ثالثة مباحث‪:‬‬

‫وء ِ‬
‫اخلاتة‪.‬‬ ‫اخلاتة وس ِ‬
‫سن ِ‬ ‫بيان معنى ُح ِ‬
‫املبحث األول‪ُ :‬‬
‫ُ‬

‫وأسبابام‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وسوء اخلامتة‬ ‫مراتب ُح ِ‬
‫سن اخلامتة‬ ‫املبحث الثاين‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬

‫املبحــث الثالــث‪ :‬أحــكام ُمتفرقــة تتعلــق باخلواتيــم‬


‫والمحتضرين‪.‬‬
‫ُ‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪14‬‬
‫‪15‬‬

‫الفصل األول‬
‫بيان معنى ُحسن اخلامتة وسوئها وأسبابهما‬

‫متهيد‪:‬‬

‫بحســن اخلامتة‪،‬‬ ‫ِ‬


‫باإلحلاح عىل اهلل تعاىل ُ‬ ‫مجيع املســلمني يف الدعاء‬
‫يلهج ُ‬
‫علم وإيامنًا كان رجاؤه‬
‫املســلم ً‬
‫ُ‬ ‫ويتعوذون باهلل تعاىل من ســوئها‪ ،‬وك ّلام ازداد‬
‫حلسن اخلامتة أكثر‪ ،‬كام أن خوفه من سوئها أعظم(((‪ ،‬وكل ذلك لشدة خطورة‬
‫اخلواتيم يف الكتاب‬
‫ُ‬ ‫سبقت‬
‫ْ‬ ‫ِ‬
‫بالغيب وبامذا‬ ‫مسألة اخلامتة من جهة‪ ،‬ولعد ِم العل ِم‬
‫من جهة أخرى‪.‬‬

‫ُ‬
‫احلافظ ابن رجب احلنبيل (ت ‪ 795‬هـ) رمحه اهلل تعاىل‪« :‬ويف اجلملة‪:‬‬ ‫قال‬
‫فاخلواتيم مرياث الســوابق‪ ،‬فكل ذلك سبق يف الكتاب السابق‪ ،‬ومن هنا كان‬
‫يشتد خوف السلف من سوء اخلواتيم‪ ،‬ومنهم من كان يقلق من ذكر السوابق‪.‬‬
‫ِ‬
‫األبــرار معلق ٌة باخلواتيم‪ ،‬يقولــون‪ :‬بامذا ُيتَم لنا؟‬ ‫قلوب‬
‫َ‬ ‫وقد قيل‪ :‬إن‬
‫وقلوب املقربني معلقة بالسوابق‪ ،‬يقولون‪ :‬ماذا َس َب َق لنا؟‬

‫ونقيض‬ ‫اليأس‪،‬‬ ‫ِ‬


‫ُ‬ ‫نقيض الرجاء هو ُ‬
‫((( والرجاء واخلوف ليسا متناقضني‪ ،‬بل رديفني‪ ،‬وإنام ُ‬
‫اخلوف هو األم ُن ِمن ِ‬
‫مكر اهللِ تعاىل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪16‬‬

‫َ‬
‫رسول اهلل‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫وبكى بعض الصحابة عند موته‪ ،‬فسئل عن ذلك فقال‪:‬‬
‫ﷺ يقول‪ « :‬إن اهلل تعاىل َقبض َخل َقه قبضتني‪ ،‬فقال‪ :‬هؤالء يف اجلنة‪ ،‬وهؤالء يف‬
‫النّار»‪ ،‬وال أدري يف أي القبضتني ُ‬
‫كنت(((‪.‬‬

‫السابق‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الكتاب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫العيون ما أبكاها‬ ‫وقال بعض السلف‪ :‬ما أبكى‬

‫علــم اهللِ فيك؟ فقال له‬


‫ُ‬ ‫ســفيان لبعض الصاحلني‪ :‬هل أبكاك ُّ‬
‫قط‬ ‫ُ‬ ‫وقال‬
‫أفرح أبدا!‬
‫ذلك الرجل‪ :‬تركني ال ُ‬

‫سفيان يشــتدّ قل ُقه من الســوابق واخلواتيم‪ ،‬فكان يبكي ويقول‪:‬‬


‫ُ‬ ‫وكان‬
‫أكون يف أ ّم الكتاب شق ًّيا‪ ،‬ويبكي‪ ،‬ويقول‪ :‬أخاف أن ُأسلب اإليامن‬
‫َ‬ ‫أخاف ْ‬
‫أن‬
‫عند املوت»‪ .‬انتهى(((‪.‬‬

‫اله َمام احلنفي (ت ‪ 861‬هـــ) رمحه اهلل تعاىل وهو‬


‫وقد قال اإلمام ابــن ُ‬
‫ِ‬
‫املسائل‬ ‫«وأعظم‬
‫ُ‬ ‫يذكر ما ينبغي أن هيتم احلاج بالدعاء به يف املناسك والزيارة‪:‬‬
‫ِ‬
‫واملغفرة»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫والرضوان‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اخلامتة‪،‬‬ ‫سؤال ُح ِ‬
‫سن‬ ‫ُ‬ ‫مهها‬
‫وأ ُّ‬
‫فإذا كان األمر ُمقل ًقا إىل هذه الدرجة عند الصحابة والسلف والعلامء‪ ،‬فام‬
‫هو مقصودهم من حسن اخلامتة التي يكثر إحلاحهم عىل اهلل تعاىل بسؤاهلا؟ وما‬
‫هو مقصودهم من سوء اخلامتة التي اشتد خوفهم منها؟‬

‫وبيان ذلك يف املبحث اآليت‪.‬‬

‫((( رواه اإلمام أمحد يف املســند (ح ‪ )17593‬بألفاظ متقاربــة‪ ،‬من حديث أيب عبد اهلل‪،‬‬
‫رجل من أصحاب النبي ﷺ‪ ،‬وقال ُمرجوه‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫((( جامع العلوم واحلكم (‪ )173/1‬يف رشح احلديث الرابع‪.‬‬
‫((( «فتح القدير» للكامل ابن اهلامم (‪.)181/3‬‬
‫‪17‬‬

‫املبحث األول‬
‫ُ‬
‫اخلاتة‬
‫ِ‬ ‫وء‬ ‫اخلاتة ُ‬
‫وس ِ‬ ‫ِ‬ ‫بيان معنى ُح ِ‬
‫سن‬

‫اطمئنان ِ‬
‫قلب املسل ِم وثباتُه عىل اإليامن باهلل تعاىل‬ ‫ُ‬ ‫املراد بحسن اخلامتة هو‪:‬‬
‫عند املوت‪ ،‬وخروج ِ‬
‫روحه وهو عىل التوحيد‪ ،‬فال ِيز ُّل عند النزع‪ ،‬وال خيالطه‬ ‫ُ‬
‫عندها يف إيامنه شك‪.‬‬

‫قال حجة اإلسالم أبو حامد الغزايل (ت ‪ 505‬هـ) رمحه اهلل تعاىل‪ « :‬فإذا‬
‫روحه عىل التوحيد‪،‬‬ ‫نفسه‪ :‬فإن كان َسبقت له من اهلل احلسنى َخ ْ‬
‫رجت ُ‬ ‫َز َهقت ُ‬
‫بالشــ ْق َوة ‪-‬والعيا ُذ باهلل‪َ -‬خ ْ‬
‫رجت‬ ‫فذلك حســن اخلامتة‪ ،‬وإن سبق له القضا ُء ِّ‬
‫روحه عىل الشك واالضطراب‪ ،‬وذلك سوء اخلامتة »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ُ‬

‫يقول اهلل ســبحانه وتعاىل‪﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬


‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾‬
‫[ســورة إبراهيــم‪ ،]27:‬قال أمحد ابن عجيبة (ت ‪ 1224‬هـــ) رمحه اهلل تعاىل يف‬
‫تفسري هذه اآلية الكريمة‪ ﴿« :‬ﭭﭮﭯﭰﭱﭲ﴾‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫القلب و َيت ََم َّك ُن فيه من احلق باحلجة الواضحة‬‫ِ‬ ‫ال إله إال اهلل‪ ،‬أو‪ :‬ك ُُّل ما َي ْث ُب ُت يف‬
‫﴿ ﭳ ﭴ ﭵ ﴾ مــد َة حياهتم‪ ،‬فال َي ِز ُّلون إذا افتُتِنــوا يف حياهتم‪ ،‬أو عندَ‬

‫((( إحياء علوم الدين‪ ،‬كتاب التوبة منه (‪.)12/4‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪18‬‬

‫ِ‬
‫موتم‪ ،‬وهي حس ُن اخلامتة‪ ﴿،‬ﭶ ﭷ﴾ عند السؤال‪ ،‬فال يتلعثمون إذا‬
‫سئلوا عن ُمعتقدهم يف القرب‪ ،‬وعند املوقف‪ ،‬فال تدهشهم أهوال القيامة »(((‪.‬‬

‫ويف حديث عباد َة ِ‬


‫بن الصامــت ريض اهلل تعاىل عنه‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫لقاء اهللِ كَر َه اهللُ لقاءه »‪.‬‬
‫أحب اهللُ لقاءه‪ ،‬ومن كَره َ‬
‫لقاء اهلل َّ‬
‫أحب َ‬‫« َمن َّ‬

‫املوت‪ ،‬قال‪ « :‬ليس ذاك‪،‬‬ ‫َ‬ ‫قالت عائشة ‪ -‬أو بعض أزواجه ﷺ ‪ :-‬إنا لنكره‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫أحب إليه‬‫يشء َّ‬ ‫برضوان اهللِ وكرامته‪ ،‬فليس ٌ‬ ‫ش‬‫املوت ُب ِّ َ‬
‫ُ‬ ‫ولكن املؤمن إذا حرضه‬
‫ِ‬
‫بعذاب اهللِ‬ ‫ش‬‫حرض ُب ِّ َ‬
‫َ‬ ‫الكافر إذا‬
‫َ‬ ‫وأحب اهللُ لقاءه‪ ،‬وإن‬‫َّ‬ ‫لقاء اهللِ‬
‫فأحب َ‬
‫َّ‬ ‫أمامه‪،‬‬
‫مما َ‬
‫ِ‬
‫أكره إليه مما أمامه‪ ،‬ك َِر َه َ‬
‫لقاء اهللِ وكره اهللُ لقاءه »(((‪.‬‬ ‫وعقوبته‪ ،‬فليس يشء َ‬

‫غيبــي ال ي ّطلع عليه الناس يف الغالب‪،‬‬ ‫أمر‬ ‫ِ‬


‫ٌّ‬ ‫وهبذا ُيعلم أن حســ َن اخلامتة ٌ‬
‫تدل عليها‪ ،‬وســنأيت عىل ِذكر‬
‫املحتض عالمات وإشــارات ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ولكن تظهر عىل‬
‫بعضها الح ًقا‪ ،‬وكذلك األمر يف سوء اخلامتة‪.‬‬

‫استحباب حتسني الظن باهلل تعاىل عند املوت‪:‬‬


‫ِ‬
‫والظفر‬ ‫اإليــان‪ ،‬واطمئنانِه به عند املوت‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القلب عىل‬ ‫ِ‬
‫تثبيت‬ ‫ومــن ِ‬
‫أجل‬
‫حتســن ظنِّه باهلل تعاىل‪ ،‬واستحبوا‬
‫َ‬ ‫استحب العلام ُء للمحترض‬ ‫ِ‬
‫اخلامتة‪:‬‬ ‫ِ‬
‫بحسن‬
‫ّ‬
‫جيزع مما يراه‬
‫حيض عنده أن ُيعينه عىل ذلك حتى يطمئ َّن قل ُبه باإليامن‪ ،‬وال َ‬
‫ملــن ُ‬
‫فييسء ظنَّه باهلل تعاىل‪.‬‬

‫((( البحر املديد يف تفسري القرآن املجيد (‪.)59/3‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪.)6507‬‬
‫‪19‬‬

‫ســمعت النبي ﷺ قبل وفاته‬


‫ُ‬ ‫فعن جابر بن عبد اهلل ريض اهلل عنهام قال‪:‬‬
‫بثالث‪ ،‬يقول‪ « :‬ال يموت ََّن أحدكم إال وهو حيسن باهلل الظن »(((‪.‬‬

‫ٍ‬
‫رواية‪ :‬إال وهو‬ ‫قال اإلمام النووي (ت ‪ 676‬هـــ) رمحه اهلل تعاىل‪ « :‬ويف‬
‫ٌّ‬
‫وحث عىل الرجاء‬ ‫حيســن الظن باهلل تعاىل‪ ،‬قال العلامء‪ :‬هذا حتذير من ال ُقنوط‬
‫محه‬ ‫ِ‬
‫حســن الظــ ِّن باهلل تعاىل أن ي ُظ َّن أنه ير ُ‬ ‫عند اخلامتة‪ ،... ،‬قال العلامء‪ :‬معنى‬
‫ويعفو عنه »(((‪.‬‬

‫وعــن أيب هريرة ريض اهلل عنه قال‪ :‬قــال النبي ﷺ‪ « :‬يقول اهلل تعاىل‪ :‬أنا‬
‫عند ظن عبدي يب‪ ،‬وأنا معه إذا ذكرين ‪ »...‬احلديث(((‪.‬‬

‫ويف روايــة أخــرى‪ :‬عن أيب هريرة‪ ،‬عن رســول اهلل ﷺ قــال‪ « :‬إن اهلل‬
‫رشا فله »(((‪.‬‬
‫ظن ًّ‬
‫وإن َّ‬
‫خريا فله‪ْ ،‬‬
‫ظن ً‬‫إن َّ‬
‫جل وعال يقول‪ :‬أنا عند ظن عبدي يب‪ْ ،‬‬

‫فلقيت‬
‫ُ‬ ‫خرجت عائدً ا ليزيد ِ‬
‫بن األســود(((‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وعن َح ّيان أيب الن َّْض قال‪:‬‬
‫واثل َة ب َن األَ ْســ َق ِع وهو يريد عيادته‪ ،‬فدخلنا عليه‪ ،‬فلام رأى واثل َة‪َ ،‬ب َس َط يدَ ه‪،‬‬
‫جلس‪َ ،‬فأخذ يزيدُ بِ َك ّفي واثل َة‪ ،‬فجع َل ُهام‬
‫وجعل ُيشــر إليه‪ ،‬فأق َب َل واثل ُة حتى َ‬
‫َ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2877‬‬


‫((( رشح النووي عىل صحيح مسلم (‪.)210-209/17‬‬
‫((( رواه البخاري (‪.)7405‬‬
‫((( أخرجه ابن حبان يف صحيحه (‪.)639‬‬
‫((( تابعي خمرضم أدرك اجلاهلية‪ ،‬واختلف يف صحبته‪ ،‬وهو رجل جليل عابد فاضل‪ ،‬عداده‬
‫يف الشــاميني‪ ،‬ترمجه الذهبي يف «تاريخ اإلسالم»(‪ )888/2‬ضمن من تويف بني عا َمي‬
‫(‪ ،)80-71‬وترجم له احلافظ ابن حجر يف القسم الثالث من اإلصابة (‪.)547/6‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪20‬‬

‫عىل ِ‬
‫وجهه‪ ،‬فقال له واثل ُة‪ :‬كيف ظنُّك باهلل؟ قال‪ :‬ظني باهلل ‪ -‬واهللِ ‪َ -‬‬
‫حســ ٌن‪،‬‬
‫رســول اهلل ﷺ يقول‪ « :‬قال اهلل جل وعال‪ :‬أنا ِعند‬
‫َ‬ ‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫ش‪ ،‬فإين‬‫ِ‬
‫قال‪َ :‬فأ ْب ْ‬
‫وإن َظ َّن ًّ‬
‫رشا »(((‪.‬‬ ‫إن َظ َّن ً‬
‫خريا‪ْ ،‬‬ ‫َظ ِّن عبدي يب‪ْ ،‬‬

‫خري يل‬
‫أحب أن حسايب ُجعل إىل والديت‪ ،‬ريب ٌ‬
‫قال ســفيان الثوري‪ « :‬ما ُّ‬
‫من والديت »(((‪.‬‬

‫املعتمر ب ُن سليامن‪ :‬قال أيب حني حرضته الوفاة‪ « :‬يا معتمر‪ ،‬حدثني‬
‫ُ‬ ‫وقال‬
‫بالر َخص‪ ،‬لعيل ألقى اهلل وأنا َ‬
‫حس ُن الظن به »(((‪.‬‬ ‫ُّ‬
‫وعن إبراهيم قال‪ « :‬كانوا يســتحبون أن ي َل ِّقنوا العبدَ حماســن ِ‬
‫عمله عند‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫موته ؛ لكي حيسن ظنه بربه »(((‪.‬‬

‫قال العالمة الدردير (ت ‪ 1201‬هـ) رمحه اهلل تعاىل يف رشحه عىل خمترص‬
‫(حتسني‬ ‫ِ‬
‫املوت‬ ‫عالمات‬
‫ُ‬ ‫سيدي خليل يف الفقه املالكي‪(« :‬ونُدب) ملن حرضته‬
‫ُ‬
‫ظنِّه) أي أن ُيســن ظنَّه (باهلل تعاىل)‪ ،‬بأن يرجو رمحتَه وســع َة ِ‬
‫عفوه زياد ًة عىل‬
‫كثري‬ ‫ِ‬
‫الصحة ل َيحم َله عىل ِ‬ ‫ِ‬
‫اخلوف َ‬
‫حال‬ ‫تغليب‬ ‫ِ‬
‫الصحة‪ ،‬فإنه إنام ُطلب منه‬ ‫ِ‬
‫حالة‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫بتغليب الرجاء»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫العمل ف ُطلب‬ ‫احلالة َيئس من‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العمل‪ ،‬ويف هذه‬

‫((( أخرجه ابن حبان يف صحيحه (‪ ،)641‬ورواه بأطول مما هنا وأكثر فائدة‪ :‬اب ُن أيب الدنيا‬
‫يف «كتاب املحترضين» (ص‪.)31‬‬
‫((( املحترضين البن أيب الدنيا (ص‪.)36 :‬‬
‫((( املحترضين البن أيب الدنيا (ص‪.)39 :‬‬
‫((( املحترضين البن أيب الدنيا (ص‪.)40 :‬‬
‫((( الرشح الكبري للدردير عىل خمترص خليل‪ ،‬ومعه حاشية الدسوقي (‪ ،)414/1‬وما بني‬
‫القوسني هو نص خليل يف املخترص‪ ،‬رمحهم اهلل تعاىل‪.‬‬
‫‪21‬‬

‫املبحث الثاني‬

‫وسوء اخلامتة وأسبا ُبهما‬


‫ِ‬ ‫ُ‬
‫مراتب ُح ِ‬
‫سن اخلامتة‬

‫حســن اخلامتة هلا مراتب ‪ -‬نسأل اهلل أن يرزقنا أحســنَها ‪ ،-‬وكل مرتبة‬
‫هلا أســباب‪ ،‬فثبات عامة املؤمنني عند املوت ليــس كثبات الصديقني‪ ،‬وثبات‬
‫هؤالء ليس كثبات األنبياء‪ ،‬وما َيعرض لكل مرتبة من املســلمني عند املوت‬
‫وما يشاهدونه من فضل وكرامة متفاوت‪.‬‬

‫كام أن لسوء اخلامتة مراتب ‪ -‬نسأل اهلل العفو والعافية ‪ ،-‬فاملسلم العايص‬
‫إن ت ُُويف عىل ســوء خامتة ‪ -‬عيا ًذا باهلل تعــاىل ‪ -‬فإن مصريه يف النهاية إىل اجلنة‪،‬‬
‫سواء عوقب يف اآلخرة أم عفا اهلل عنه‪ ،‬وبالتايل فإن خامتته يف الدنيا وما يراه أو‬
‫جيده يف احتضاره ليس كخامتة الكافر‪.‬‬

‫مراتب ســوء اخلامتة وأسباهبا نســتطيع أن نعرف من خالهلا‬


‫َ‬ ‫وإذا عرفنا‬
‫مراتب ُحسن اخلامتة وأسباهبا كذلك‪ ،‬فالضدُّ ُيعرف من ضدِّ ه‪.‬‬

‫فام هي مراتب سوء اخلامتة ‪ -‬عيا ًذا باهلل منها ‪-‬؟ وما هي األسباب ا ُملفضية‬
‫إليها ؟‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪22‬‬

‫يف بيان مراتب ســوء اخلامتة ملن كان أمره عىل اإلســام يف احلياة الدنيا‪،‬‬
‫ُ‬
‫إحداها‬ ‫يقول اإلمام الغزايل رمحه اهلل تعاىل‪ « :‬اعلم أن سوء اخلامتة عىل رتبتني‪،‬‬
‫أعظم من األخرى‪.‬‬

‫ِ‬ ‫ِ‬
‫املوت‬ ‫ســكرات‬ ‫فأما الرتب ُة العظيم ُة اهلائل ُة‪َ :‬فأ ْن َي َ‬
‫غلب عىل القلب ‪ -‬عند‬ ‫ّ‬
‫حال غلبة‬ ‫الروح عىل ِ‬
‫ُ‬ ‫ُقبــض‬ ‫ُّ‬
‫الشــك‪ ،‬وإ ّما اجلحو ُد‪ ،‬فت ُ‬ ‫هور أهوالِه ‪ :-‬إ ّما‬
‫و ُظ ِ‬
‫ِ‬
‫القلب من عقدة اجلحود حجا ًبا بينه‬ ‫الشــك‪ ،‬فيكون ما غلب عىل‬ ‫ّ‬ ‫جلحود أو‬ ‫ا ُ‬
‫الم َخ ّلد‪.‬‬
‫والعذاب ُ‬
‫َ‬ ‫الدائم‪،‬‬
‫َ‬ ‫وبني اهلل تعاىل أبد ًا‪ ،‬وذلك يقتيض ال ُبعدَ‬

‫حب ٍ‬ ‫ِ‬
‫أمر من ُأمور‬ ‫غلب عىل قلبِه عند املوت ُّ‬ ‫والثاني ُة ‪ -‬وهي دوهنا ‪ْ :-‬‬
‫أن َي َ‬
‫ِ‬
‫شهواتا‪ ،‬فيتمثل ذلك يف قلبِه‪ ،‬ويستغر ُقه‪ ،‬حتى ال يبقى يف‬ ‫ٍ‬
‫وشهوة من‬ ‫الدنيا‪،‬‬
‫ُ‬
‫استغراق‬ ‫ُ‬
‫فيكون‬ ‫قبض ِ‬
‫روحه يف تلك احلال‪،‬‬ ‫ّفق ُ‬
‫تســع لغريه‪ ،‬فيت ُ‬ ‫تلك احلالة ُم‬
‫ٌ‬
‫قلبِه به ُمنَك ًّسا َ‬
‫رأسه إىل الدنيا‪ ،‬وصار ًفا وجهه إليها‪.‬‬

‫احلجاب‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حصل‬ ‫احلجاب‪ ،‬ومهام‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫حصل‬ ‫انرصف الوج ُه عن اهللِ تعاىل‬
‫َ‬ ‫ومهام‬
‫نزل العذاب»(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫مراتب حسن اخلامتة‪:‬‬


‫وهبذا ُيعرف أن ُحسن اخلامتة منها ما يكون عندها ُ‬
‫كامل إيامن العبد املسلم‪،‬‬
‫وعند االحتضار ُيب ّلغه اهلل تعاىل أعىل مراتب اليقني واإلحســان‪ ،‬فيشاهد من‬
‫فيفرح بلقاء ربه‪،‬‬ ‫نور قلبه‪ ،‬أو يزيد متكن اإليــان منه‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫آيات اهلل تعاىل مــا ُيت ُّم َ‬

‫((( إحياء علوم الدين (‪.)174-173/4‬‬


‫‪23‬‬

‫بعــض من حيرضه‪ ،‬كأن‬


‫ُ‬ ‫وربــا ظهرت عليه بعض آثــار تلك الكرامة فرياها‬
‫يلقى اهلل تعاىل ولســانه ِهلج بذكره‪ ،‬أو بتالوة كتابــه‪ ،‬أو يقبضه اهلل تعاىل وهو‬
‫يف صالته‪ ،‬أو ســجوده‪ ،‬أو وهو يف حلقات العلم‪ ،‬أو غريها من احلاالت التي‬
‫ال تدخل حتت احلرص‪.‬‬

‫وســيأتيك يف هذا الكتاب الذي بني يديك مجل ٌة وافر ٌة من قصص هؤالء‬
‫األخيار الذين عاشوا يف اهلل‪ ،‬ثم قبضهم اهلل تعاىل عىل أحسن ما يتمنّاه املؤمن‪.‬‬

‫ِ‬
‫ســيدنا‬ ‫ولكنّي أشــر هنا إىل خامتة ســيد اخللق وأكرمهم عىل اهلل تعاىل‪،‬‬
‫حممد ﷺ‪ ،‬فعن عائشة ريض اهلل تعاىل عنها قالت‪ :‬كان النبي ﷺ يقول‬ ‫وحبيبِنا ٍ‬
‫وهــو صحيح‪ « :‬إنه مل يقبض نبي حتى يــرى م ْقعدَ ه من ِ‬
‫اجلنة‪ ،‬ثم ُيخَ َّير »‪ ،‬فلام‬ ‫َ َ َ َ‬ ‫ٌّ‬ ‫ُ َ‬
‫ِ‬
‫ش عليه‪ ،‬ثم أفاق فأشــخص برصه إىل سقف‬ ‫ورأســه عىل فخذي ُغ َ‬‫نزل به‪ُ ،‬‬
‫الرفيق األعىل »‪ .‬فقلــت‪ :‬إ ًذا ال خيتارنا‪ ،‬وعرفت أنه‬
‫َ‬ ‫البيت‪ ،‬ثم قــال‪ « :‬اللهم‬
‫ٍ‬
‫كلمة تكلم هبا‪:‬‬ ‫آخر‬
‫احلديث الذي كان حيدثنا وهو صحيح‪ ،‬قالــت‪ :‬فكانت َ‬
‫الرفيق األعىل »(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫« اللهم‬

‫أيضا قالت‪ :‬دخل عبدُ الرمحن ب ُن أيب بكر‬ ‫وعن عائشة ريض اهلل تعاىل عنها ً‬
‫ٌ‬ ‫عىل النبي ﷺ وأنا مســنِدَ تُه إىل صدري‪ ،‬ومع ِ‬
‫سواك ر ْط ٌ‬
‫ب َي ْس َت ُّن‬ ‫عبد الرمحن‬ ‫ُ‬
‫َ‬
‫السواك ف َق َص ْمتُه‪ ،‬و َن َف ْضتُه و َط َّي ْبتُه‪ ،‬ثم‬ ‫فأخذت‬
‫ُ‬ ‫رصه‪،‬‬ ‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ َب َ‬ ‫به‪َ ،‬فأ َبدَّ ُه‬
‫رأيت رسول اهلل ﷺ اس َت َّن استِنانًا ُّ‬
‫قط أحس َن‬ ‫َد َف ْعتُه إىل النبي ﷺ ْ‬
‫فاس َت َّن به‪ ،‬فام ُ‬

‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه (‪.)4463‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪24‬‬

‫رسول اهلل ﷺ َر َفع َيدَ ه ‪ -‬أو إِ ْصب َعه ‪ ،-‬ثم قال‪ « :‬يف الرفيق‬
‫ُ‬ ‫أن َف َر َغ‬
‫منه‪ ،‬فام َعدا ْ‬
‫األعىل» ثالث ًا‪ ،‬ثم قىض‪ ،‬وكانت تقول‪ :‬مات بني حاقنتي وذاقنتي »(((‪.‬‬

‫ويف درجة أدنى من هؤالء ربام يكون العبدُ ســاهي ًا الهي ًا غاف ً‬
‫ال يف دنياه‪،‬‬
‫يعيــش عىل غري دين اإلســام‪ ،‬ف ُيو ّفقــه اهلل تعاىل للهدايــة‪ ،‬ويرشح صدره‬
‫لإلســام ُقبيل موته‪ ،‬ويدخل دين اهلل فيفوز أيام فوز‪ ،‬كام جاء يف حديث الرباء‬
‫رجل ُم َقن ٌَّع باحلديد‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ُ ،‬أقاتِل‬
‫النبي ﷺ ٌ‬‫ريض اهلل عنه قال‪ :‬أتى َّ‬
‫فأسلم‪ُ ،‬ث َّم قاتَل ف ُقتِل‪ ،‬فقال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫َ‬ ‫سلم‪ ،‬ثم قاتِل»‪،‬‬
‫سلم؟ قال‪َ « :‬أ ِ‬
‫أو ُأ ِ‬
‫ُ ِ‬ ‫ِ‬
‫« َعم َل قليال وأج َر ً‬
‫كثريا »(((‪.‬‬

‫اجلليل الثق ُة القدو ُة ثابــت ال ُبناين (ت ‪127‬هـ)‬‫ُ‬ ‫التابعي‬


‫ُّ‬ ‫وحكى اإلمــا ُم‬
‫رمحه اهلل تعاىل‪ « :‬كان شــاب له َر َه ٌق(((‪ ،‬وكانت أمــه ت َِع ُظه‪ ،‬تقول‪ :‬يا ُبن َّي‪ّ ،‬‬
‫إن‬
‫أمر اهللِ‪ ،‬انك ّبت‬
‫فلما نَزل ُ‬
‫فاذكــر يو َمك! ّ‬
‫ْ‬ ‫لك يو ًما‬ ‫إن َ‬ ‫فاذكر يو َمك! َ‬
‫ْ‬ ‫لــك يو ًما‬
‫ُ‬
‫وأقول َ‬
‫لك‪:‬‬ ‫كنت ُأ َح ِّذ ُر َك َ‬
‫مرص َعك هذا‬ ‫بني‪ ،‬قــد ُ‬ ‫عليه أ ُّمه َف َج َع َلت تقول‪ :‬يا ّ‬
‫ِ‬
‫املعروف‪ ،‬وإين ألرجو أن‬ ‫فاذكر يو َمك! قال‪ :‬يا ُأ َّم ْه‪ ،‬إن يل َر ًّبا َ‬
‫كثري‬ ‫ْ‬ ‫لك يو ًما‬ ‫إن َ‬
‫يغفر يل‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بعض معروف ريب أن َ‬ ‫ال يعدمني اليو َم ُ‬

‫((( أخرجه البخــاري يف صحيحه (‪ ،)4438‬وقال احلافظ ابــن حجر رمحه اهلل تعاىل يف‬
‫«هدى الســاري مقدمة فتح البــاري» (‪« :)107/1‬قوله (حاقنتــي)‪ :‬قيل‪ِ :‬‬
‫احلاقن ُة‬
‫والذاقنَة ما عال منها‪ ،‬وقيل‪ِ :‬‬
‫احلاقنة ما فيه الطعام‪ ،‬وقيل‪ :‬الوهدة‬ ‫ِ‬ ‫ما َس ُفل من البطن‪،‬‬
‫املنخفضة بني الرتقوتني واحللق»‪ .‬ا‪.‬هـ‪ ،‬فاملعنى أنه ﷺ تويف وهو ُمسندٌ ظهره ورأسه‬
‫الرشيف إىل صدرها ريض اهلل تعاىل عنها‪.‬‬
‫((( رواه البخاري يف صحيحه (‪.)2808‬‬
‫الرش واملعايص والطغيان‪ .‬انظر القاموس املحيط (ص‪.)889‬‬
‫((( أي أنه كان من أهل ِّ‬
‫‪25‬‬

‫سن ظنِّه بر ِّبه يف حالِه تلك »(((‪.‬‬


‫لح ِ‬ ‫ثابت‪َ ِ :‬‬
‫فرحه اهللُ ُ‬ ‫يقول ٌ‬

‫أسباب سوء اخلامتة‪:‬‬


‫وتلك املرتبتان يف ســوء اخلامتة ‪ -‬نســأل اهلل العفو والعافية ‪ٍّ -‬‬
‫لكل منهام‬
‫أســباب تفيض إليها‪ ،‬وال يمكن حرص هذه األسباب عىل التفصيل؛ لكثرهتا‪،‬‬ ‫ٌ‬
‫ولكن أشار اإلمام أبو حامد الغزايل رمحه اهلل تعاىل إىل م ِ‬
‫جامعها‪ ،‬وذكر أن ّ‬
‫لكل‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫مرتبة سببني يؤديان إليها‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫« ّأما اخلتم عىل الشك واجلحود فينحرص سببه يف شيئني‪:‬‬


‫ِ‬
‫والزهد ومتا ِم الصالحِ يف األعامل‪ ،‬كاملبتدع‬ ‫أحدُ مهــا ُيتصور مع متا ِم الور ِع‬
‫الزاهد‪ ،‬فإن عاقبته ُمطرة جــد ًا‪ ،‬وإن كانت أعام ُله صاحل ًة‪ ،... ،‬أعني بالبدعة‬
‫خالف احلق‪ ،... ،‬فربام ينكشف‬
‫َ‬ ‫ذات اهلل وصفاتِه وأفعالِه‬
‫الرجل يف ِ‬
‫ُ‬ ‫أن َيعتقدَ‬
‫ِ‬
‫كشــف‬ ‫حال‬ ‫ِ‬
‫املوت ُ‬ ‫بطالن ما اعتقده جهالً‪ ،‬إذ ُ‬
‫حال‬ ‫ُ‬ ‫له حال ســكرات املوت‬
‫ومبادئ سكراته منه‪ ،‬فيكون سبب ًا لبطالن بقية اعتقاداته أو لشكه فيها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫الغطاء‪،‬‬
‫ِ‬
‫أصل اإليامن فقد‬ ‫فإن اتفق زهوق روحه يف هذه اخلَ ْطرة قبل أن َي ْث ُبت ويعود إىل‬
‫ُختم له بالسوء‪ ،‬وخرجت روحه عىل الرشك ‪ -‬والعياذ باهلل منه ‪ ،-‬فهؤالء هم‬
‫المرا ُدون بقولــه تعاىل‪ ﴿ :‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﴾ [الزمر‪،]47:‬‬
‫ُ‬
‫عز ّ‬
‫وجل‪ ﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ‬ ‫وبقوله ّ‬
‫ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﴾ [الكهف‪ .(((»]104 ،103:‬انتهى‪.‬‬

‫((( أخرجه ابن أيب الدنيا يف كتاب «املحترضين» (ص‪ )18‬بسند جيد‪.‬‬
‫((( إحياء علوم الدين (‪ )175/4‬باختصار وترصف يسري‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪26‬‬

‫ِ‬
‫فضية إىل ســوء اخلامتة بالشك‬ ‫الشــيخ حدي َثه عن األســباب ا ُمل‬
‫ُ‬ ‫ثم يتابِع‬
‫وأما الســبب الثاين‪ :‬فهو ضعف اإليــان يف األصل‪ ،‬ثم‬
‫واجلحود‪ ،‬فقــال‪ّ « :‬‬
‫ب اهللِ تعاىل‪،‬‬
‫ف ُح ُّ‬ ‫ُ‬
‫اإليامن َض ُع َ‬ ‫ب الدنيا عىل القلب‪ ،‬ومهام((( َض ُعف‬
‫استيالء ُح ّ‬
‫ُ‬
‫موضع حلُب اهللِ تعاىل إال‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫القلب‬ ‫فيصري بحيث ال َيبقى يف‬
‫ُ‬ ‫و َقــوي ُح ُّ‬
‫ب الدنيا‪،‬‬
‫ِ‬
‫طريق‬ ‫دول عن‬ ‫النفس وال ُع ِ‬
‫ِ‬ ‫النفس‪ ،‬وال يظهر له أثر يف ُم ِ‬
‫الفة‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬
‫حديث‬ ‫ِمن ُ‬
‫حيث‬
‫َ ُ ُ ٌ‬
‫يصري‬ ‫ضعفه!‪ -‬حتى‬‫الشيطان‪ ،... ،‬فال يزال يطفئ ما فيه من نور اإليامن ‪-‬عىل ِ‬
‫ِ‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫حب اهللِ‪-‬‬ ‫ِ‬
‫احلب ‪-‬أعني َّ‬‫ُّ‬ ‫املوت ازدا َد ذلك‬ ‫ســكرات‬
‫ُ‬ ‫ط ْب ًعا ورينًا‪ ،‬فإذا جاءت‬
‫ِ‬
‫القلب‪،‬‬ ‫الغالب عىل‬
‫ُ‬ ‫املحبوب‬
‫ُ‬ ‫ضع ًفا؛ ملا يبدو من استشــعار فِراق الدنيا‪ ،‬وهي‬
‫ِ‬
‫بإنكار‬ ‫ضمريه‬ ‫راق الدنيا‪ ،‬ويرى ذلك من اهلل؛ فيختلج‬‫القلب باستشعار فِ ِ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫فيتأل ُ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ما ُقدّ َر عليه من املوت وكراهة ذلك من حيث إنه من اهلل‪ ،‬ف ُيخشــى أن َ‬
‫يثور يف‬
‫روحه يف تلك اللحظة‬ ‫هوق ِ‬ ‫بدل احلب‪ ،... ،‬فإن اتفق ُز ُ‬‫بغض اهللِ تعاىل َ‬
‫باطنــه ُ‬
‫وه َل َك هالكَا ُم َؤ ّبدً ا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫التي َخ َط َر ْت فيها هذه اخلَ ْطر ُة فقد ُخت َم له بالسوء‪َ ،‬‬

‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫والســبب الذي ُيفيض إىل ِ‬


‫والركون‬ ‫مثل هذه اخلامتة هو غلب ُة ُح ّ‬
‫ب الدنيا‪،‬‬
‫ب اهللِ تعاىل‪،‬‬‫وجــب لضعف ُح ّ‬ ‫والفرح بأســباهبا‪ ،‬مع ضعف اإليامن ا ُمل ِ‬
‫ُ‬ ‫إليها‪،‬‬
‫ب الدنيــا ‪ -‬وإن كان ُيب الدنيا‬
‫أغلب مــن ُح ّ‬
‫َ‬ ‫ب اهللِ‬
‫فمن َوجــد يف قلبه ُح َّ‬
‫َ‬
‫أيضا ‪ -‬فهو أبعدُ عن هذا اخلطر »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ً‬

‫أ ّما أســباب املرتبة الثانية من مرتبتَي ســوء اخلامتة‪ ،‬فيقــول فيها اإلمام‬
‫الغزايل‪:‬‬

‫((( (مهام) بمعنى‪ :‬كلام‪.‬‬


‫((( إحياء علوم الدين (‪.)176/4‬‬
‫‪27‬‬

‫وأما اخلامتــة الثانية التي هي دون األوىل‪ ،‬وليســت مقتضية للخلود يف‬
‫« َّ‬
‫أيضا سببان‪:‬‬
‫النار‪ ،‬فلها ً‬

‫أحدمها‪ :‬كثرة املعايص ‪ -‬وإن قوي اإليامن ‪.-‬‬

‫ِ‬
‫اإليامن ‪ -‬وإن َق َّلت املعايص ‪.-‬‬ ‫ُ‬
‫ضعف‬ ‫واآلخر‪:‬‬
‫ُ‬

‫ُ‬
‫ورسوخها يف القلب‬ ‫ألن ُمقارف َة املعايص ســب ُبها غلب ُة الشهوات‪،‬‬ ‫وذلك َّ‬
‫كره إىل قلبه عند‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ومجيع ما َألِ َف ُه‬ ‫ِ‬ ‫اإل ِ‬ ‫بكثرة ِ‬
‫اإلنســان يف عمره يعو ُد ذ ُ‬ ‫ُ‬ ‫والعادة‪،‬‬ ‫لف‬
‫ِ‬
‫طاعة اهللِ‪،‬‬ ‫ذكر‬ ‫موتــه‪ ،‬فإن كان َم ْي ُله‬
‫أكثر ما حيرضه ُ‬ ‫األكثر إىل الطاعــات‪ :‬كان َ‬ ‫ُ‬
‫كرها عىل قلبِه عند املوت‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫وإن كان َم ْي ُله‬
‫األكثر إىل املعايص‪َ :‬غلب ذ ُ‬ ‫ُ‬
‫ٍ‬
‫ومعصية من‬ ‫ٍ‬
‫شــهوة من الشــهوات الدنيا‪،‬‬ ‫روحه عندَ َغ َل َبة‬
‫فربام تُقبض ُ‬
‫ويصري حمجو ًبا عن اهلل تعاىل(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫املعايص‪ ،‬فيتق ّيدُ هبا قل ُبه‪،‬‬

‫الذنب إال ال َف ْين َة بعــد ال َف ْين َِة‪ :‬فهو أبعدُ عن هذا اخلطر‪،‬‬
‫َ‬ ‫قارف‬
‫فالذي ال ُي ُ‬
‫والذي مل ُيقارف ذن ًبا أصالً‪ :‬فهو بعيد جدً ا عن هذا اخلطر‪ ،‬والذي َغلبت عليه‬
‫اخلطر‬
‫ُ‬ ‫أفــرح منه بالطاعات‪ :‬فهذا‬
‫َ‬ ‫أكثر من طاعاته وقل ُبه هبا‬
‫املعــايص وكانت َ‬
‫عظيم يف ح ّقه جد ًا »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ٌ‬

‫((( والفــرق بني هذه املرتبة من ســوء اخلامتة وبني املرتبة التي قبلهــا‪ :‬أنه يف هذه احلالة‬
‫بعــض اإليامن باهلل تعاىل‪ ،‬أما يف تلك احلالة األوىل فيضعف فيها اإليامن‬
‫ُ‬ ‫يبقى يف قلبه‬
‫بغض اهلل تعاىل؛ ف ُيقبض عىل تلك احلال‬
‫حب اهلل تعاىل حتى يثور يف باطنه ُ‬ ‫ويضعــف ُّ‬
‫وهو مبغض لربه‪ ،‬عيا ًذا باهلل تعاىل‪.‬‬
‫((( إحياء علوم الدين (‪.)177/4‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪28‬‬

‫أسباب ُحسن اخلامتة‪:‬‬

‫ويعلم من هذا أن أهم أسباب حسن اخلامتة هو احليا ُة عىل طاعة اهلل تعاىل‪،‬‬
‫ِ‬
‫والتصور (أو املعت َقد) عن اهلل تعاىل ورسله‪ ،‬واإليامن بالغيب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫وتصحيح‬
‫ُ‬
‫وباملالئكة والكتب واليوم اآلخر‪ ،‬والقدر‪ ،‬عىل مقتىض الكتاب والسنة‪ ،‬وحييا‬
‫ٍ‬
‫وإخالص يف العمل‪ ،‬مع عدم التفات القلب إىل التع ُّلق‬ ‫ٍ‬
‫بصرية من العلم‪،‬‬ ‫عىل‬
‫أمره اهللُ‬
‫بالدنيا أو الركون إليهــا‪ ،‬بل يدخل إىل الدنيا ويأخذ منها حاجتَه التي َ‬
‫ِ‬
‫األمر فيها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ومدبر‬ ‫هبا أو أباح له منها‪ ،‬ولكنه يبقى ُمع ِّل ًقا قل َبه بخالق الدنيا‬

‫وســيأتيك بإذن اهلل تعاىل يف هذا الكتاب نامذج عملية وتطبيقية لألسباب‬
‫املؤدية حلســن اخلامتة‪ ،‬وذلك يف تراجم العلامء األخيار الذين تو ّفاهم اهلل تعاىل‬
‫ُس ّجدً ا بني يديه‪.‬‬
‫‪29‬‬

‫املبحث الثالث‬
‫أحكام ُمتفرقة تتعلق باخلواتيم ُ‬
‫واملتضرين‬

‫التفكر يف شــأن اخلواتيم واالحتضار من شأنه أن يثري أسئلة لدى ا ُملسلم‬


‫خواتيم البرش؟‬
‫َ‬ ‫تتعلق هبذه األمور‪ ،‬فلامذا أخفى اهلل تعاىل‬

‫العمل اتكاالً عىل اخلامتة؟‬


‫َ‬ ‫وملاذا ال نرتك‬

‫َ‬
‫الرجل يسعى حياتَه يف اخلري حتى إذا جاءه املوت توفاه اهلل عىل‬ ‫وملاذا نرى‬
‫ُ‬
‫الرجل ربام يف الرش واملعايص ثم يموت‬ ‫العكس‪ ،‬حيث يسعى‬
‫ُ‬ ‫سوء اخلامتة؟ أو‬
‫عىل أحسن ما تكون اخلواتيم‪.‬‬

‫آثار ســيئة نحكم عليه‬


‫شــخصا حيتــر وظهرت عليه ٌ‬
‫ً‬ ‫هل إذا رأينا‬
‫بالنّار؟‬

‫بعض الناس إذا غضبوا عىل ٍ‬


‫أحد د َع ْوا عليه بسوء اخلامتة‪ ،‬أو‬ ‫نسمع ونرى َ‬
‫ونحوها من األسئلة املثارة‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أن يقبضه اهلل عىل غري اإلسالم‪ ،‬فهل جيوز هذا؟‬

‫نحاول أن نجيب عن مثل هذه املسائل كام قرر علامؤنا رمحهم اهلل تعاىل يف‬
‫كتبهم‪ ،‬مستعينني باهلل تعاىل‪ ،‬وراجني منه التوفيق‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪30‬‬

‫خواتيم الناس؟‬
‫َ‬ ‫أوالً‪ :‬ما احلكمة من إخفاء اهلل تعاىل‬

‫قال العالمة الفقيه املحدث ابــ ُن َب َّطال املالكي (ت‪449‬هـ) رمحه اهلل‬
‫تعاىل يف رشح قول النبي ﷺ‪ « :‬وإنام األعامل بخواتيمها » ما ُّ‬
‫نصه‪:‬‬

‫لطيف‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫وتدبري‬ ‫أعاملم حكمــ ٌة بالغ ٌة‬ ‫ِ‬ ‫خواتيم‬ ‫« يف تغييــب اهللِ عن ِ‬
‫عباده‬
‫ٌ‬ ‫َ‬
‫والكسل من ِعل ِم أنه ُيت َُم‬
‫ُ‬ ‫اإلعجاب‬
‫ُ‬
‫وذلك أنه لو َعلم أحدٌ خامت َة ِ‬
‫عمله لدَ َخ َل‬
‫وكفرا؛ فاستأثر اهللُ‬ ‫ً‬ ‫ِ‬
‫بالكفر يزدا ُد غ ًّيا و ُطغيانًا‬ ‫له باإليامن‪ ،‬و َمن َع ِل َم أنه ُيت َُم له‬
‫ورجاء‪ ،‬فال يعجب املطيع هلل ِ‬
‫بعمله‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫خوف‬ ‫َ‬
‫ليكون العبا ُد بني‬ ‫تعاىل بعل ِم ذلك‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫ِ‬
‫واالفتقار‬ ‫الــذ ِّل واخلضو ِع هلل‬ ‫ليقع ُّ‬
‫الكل حتت ُّ‬ ‫ِ‬
‫ييــأس العايص من رمحته؛ َ‬ ‫ُ‬ ‫وال‬
‫إليه‪.‬‬

‫رأيت رج ً‬
‫ال قتل رجالً‪ ،‬فوقع‬ ‫قلت البن املبارك‪ُ :‬‬ ‫حفص بــ ُن محيد‪ُ :‬‬
‫ُ‬ ‫وقال‬
‫يف نفيس أين أفضل منه! فقال عبد اهلل [بن املبارك]‪َ :‬أمن َُك عىل ِ‬
‫نفسك أشدُّ من‬ ‫ْ‬
‫ذنبه‪.‬‬

‫قال الطربي‪ :‬ومعنى قوله إن أ ْمنَه عىل نفســه أنه من الناجني عند اهلل من‬
‫أمره وعىل ما يموت‪،‬‬ ‫عقابه أشدُّ من ذنب القاتل‪ :‬ألنه ال َيدري إىل ما يؤول إليه ُ‬
‫ِ‬
‫فيموت تائ ًبا‪ ،‬فيصري‬
‫ُ‬ ‫حــال القات ِل إىل ما يصري إليه‪ ،‬لعله ُ‬
‫يتوب‬ ‫َ‬ ‫وال َيعلم أيضا‬
‫عفو اهلل‪ ،‬وتصري أنــت إىل عذابِه ل َت َغ ُّي حالِك مــن اإليامن باهلل إىل الرشك‬
‫إىل ِ‬

‫غري عاملٍ عىل ما‬


‫عالما بأنه حمســن فيه ‪ُ -‬‬
‫بــه‪ ،‬فاملؤمن يف حال إيامنه ‪-‬وإن كان ً‬
‫أن يقيض ِ‬ ‫فغري ٍ‬
‫لنفســه ‪ -‬وإن كان‬ ‫جائز ْ َ َ‬ ‫صائر إليه‪ُ ،‬‬
‫ٌ‬ ‫هــو م ِّي ٌت عليه‪ ،‬وإىل ما هو‬
‫‪31‬‬

‫وإن كان مسيئ ًا ‪ -‬بالسوء‪ ،‬وعىل هذا مىض‬


‫حمسن ًا ‪ -‬باحلسنى عند اهلل‪ ،‬ولغريه ‪ْ -‬‬
‫خيار السلف »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫َ‬
‫العمل؟‬ ‫لما كانت األعامل بخواتيمها فلامذا ال نتّكل عليها ونرتك‬
‫ثان ًيا‪ّ :‬‬

‫أثري هذا السؤال يف ذهن بعض الصحابة ريض اهلل تعاىل عنهم‪ ،‬فكان‬
‫ُ‬
‫رسول اهلل ﷺ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫األول‬ ‫املعلم‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫أفضل من جييبهم عن هذا السؤال هو‬

‫فعن عيل بن أيب طالب ريض اهلل تعاىل عنه قال‪ :‬كنا جلوســا مع النبي ﷺ‬
‫ب مقعدُ ه ِمن‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫ومعه عود َينْكت يف األرض‪ ،‬وقال‪« :‬ما منكم من أحد إال قد كُت َ‬
‫النّــار أو ِمن اجلنّة»‪ ،‬فقال رجل من القوم‪َ :‬أل نت ِ‬
‫ّك ُل يا رســول اهلل؟ قال‪« :‬ال‪،‬‬
‫اعملوا فكل ميرس‪ .‬ثم قرأ‪ ﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﴾‪ ،‬اآلية»((( انتهى‪.‬‬

‫وتتمة اآليــات‪ ﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ‬


‫ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﴾ [سورة الليل‪.]10-5:‬‬

‫رت ُك مشق َة العمل؟ فإنّا‬ ‫قال احلافظ ابن حجر‪ « :‬وحاصل الســؤال‪ :‬أال ن ُ‬
‫ســنصري إىل ما ُقدّ ر علينا‪ ،‬وحاصل اجلواب‪ :‬ال مشــقة‪ ،‬ألن ك َُّل ٍ‬
‫أحد ُم َي ّس ملا‬

‫ُخلق له‪ ،‬وهو ٌ‬


‫يسري عىل من يرسه اهلل »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫فقول الصحايب ريض اهلل تعاىل عنه (أفال نتكل)‪ ،‬معناه‪« :‬أفال نعتمد عىل‬

‫((( رشح ابن بطال عىل صحيح البخاري (‪ ،)204-203/10‬يف رشحه حلديث سهل بن‬
‫سعد «إنام األعامل بخواتيمها» (رقم‪.)6493‬‬
‫((( أخرجه البخاري يف صحيحه‪ ،‬كتاب القدر‪ ،‬باب وكان أمر اهلل قدر ًا مقدور ًا (‪.)6605‬‬
‫((( فتح الباري (‪.)497/11‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪32‬‬

‫ٍ‬
‫واحد منّا‬ ‫مــا كُتب لنا يف األزل‪ ،‬ونرتك العمل؟ يعني‪ :‬إذا َســ َب َق القضا ُء ِّ‬
‫لكل‬
‫وقدره؟‬ ‫ِ‬
‫السعي‪ ،‬فإنه ال َي ُر ّد قضا َء اهللِ‬ ‫ٍ‬
‫فائدة يف‬ ‫فأي‬
‫َ‬ ‫باجلنة أو النار‪ُّ ،‬‬

‫وأجاب عليه الصالة والســام بقوله‪( :‬اعملوا)‪ ،‬وهو من األســلوب‬


‫احلكيم‪َ ،‬منَ َع ُهم ﷺ عن االتكال وترك العمل‪ ،‬وأمرهم بالتزام ما جيب عىل العبد‬
‫وتفويض األمر إليه آجال‪ ،‬يعني‪:‬‬
‫ُ‬ ‫مــن امتثال أمر مواله‪ ،‬وهو عبوديتُه عاجال‪،‬‬
‫والترصف‬
‫َ‬ ‫أنتم عبيد‪ ،‬وال بد لكم من العبوديــة‪ ،‬فعليكم بام ُأمرتم به‪ ،‬وإياكم‬
‫يف األمور اإلهلية‪ ،‬لقوله تعاىل‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﴾ [سورة‬
‫الذاريات‪ ،]56:‬فال جتعلوا العباد َة وتركَها سبب ًا مستق ً‬
‫ال لدخول اجلنة والنار‪ ،‬بل‬
‫أمارات وعالمات هلا‪ ،‬وال بد يف اإلجياب من لطف اهلل وكرمه‪ ،‬أو خذالنه‪ ،‬كام‬
‫ُ‬
‫يدخل أحدُ كم اجلن َة بعمله » ‪ ،...‬احلديث»(((‪.‬‬ ‫ورد‪ « :‬وال‬

‫عب النبي‬
‫ف ُعلم هبذا أن الشــقاء والسعادة بتقدير اهلل تعاىل وحكمته‪ ،‬وقد ّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ُ‬ ‫ميس)‪،‬‬ ‫ﷺ عن املراد بلفظ‪ٌّ :‬‬
‫التيسري إال‬ ‫بطريق‬ ‫واإلنســان ال يأيت اليش َء‬ ‫(كل َّ ٌ‬
‫غري كاره‪ ،‬بعكس اجلرب الذي يأتيه اإلنسان وهو ُمكره‪.‬‬
‫خمتار ُ‬
‫وهو ٌ‬
‫ِ‬
‫األذهان أكثر‪ ،‬نقول‪ :‬إن األمر بالعمل مع ســبق‬ ‫ِ‬
‫الصــورة إىل‬ ‫ِ‬
‫ولتقريب‬
‫َ‬
‫الرزق‬ ‫اخلواتيم هو متا ًما ُ‬
‫مثل األمر بالســعي يف طلب الكسب واملعاش مع أن‬
‫عم يرضه‪ ،‬ويسعى يف‬
‫مكتوب عند اهلل تعاىل‪ ،‬كام أن اإلنســان مأمور باالبتعاد ّ‬
‫ٌ‬
‫ُمداواة نفســه من األمراض إن وقعت به مع كــون األجل واألعامر ال تتقدم‬
‫وال تتأخر‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم(((‪.‬‬

‫((( قاله الطيبي يف رشحه عىل مشكاة املصابيح «الكاشف عن حقائق السنن» (‪.)538/2‬‬
‫((( انظر فتح الباري البن حجر (‪ )498/11‬ففيه مزيد بيان‪.‬‬
‫‪33‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬ما الســبب يف اخلتم عىل اخلري ألشــخاص أقاموا عىل املعايص أكثر‬
‫عمرهم؟ والعكس يف اخلتم عىل السوء ألناس عاشوا أغلب حياهتم‬
‫ُ‬
‫يف الطاعة؟‬

‫روى عبد اهلل بن مســعود ‪ -‬ريض اهلل تعاىل عنه ‪ -‬عن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫ذراع‪،‬‬ ‫أهل ِ‬
‫النار‪ ،‬حتــى ما يكون بينه وبينها إال ٌ‬ ‫بعمل ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫ليعمل‬ ‫َ‬
‫الرجل‬ ‫«‪ ...‬فــإن‬
‫ُ‬
‫ليعمل‬ ‫َ‬
‫الرجل‬ ‫أهل ِ‬
‫اجلنة فيدخل اجلن َة‪ ،‬وإن‬ ‫بعمل ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيعمل‬ ‫الكتاب‬ ‫فيسبِ ُق عليه‬
‫ُ‬
‫الكتاب‪،‬‬ ‫فيســبق عليه‬ ‫ذراع‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫بعمل ِ‬
‫ِ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬ ‫أهل اجلنة‪ ،‬حتــى ما يكون بينه وبينها إال ٌ‬
‫أهل ِ‬
‫النار‪ ،‬فيدخل النّار»(((‪.‬‬ ‫بعمل ِ‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫فيعمل‬

‫وعن ســهل بن سعد الســاعدي ريض اهلل تعاىل عنه‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫«إن الرجــل ليعمل َ‬
‫عمل أهل اجلنة‪ ،‬فيام يبدو للناس‪ ،‬وهو من أهل النار‪ ،‬وإن‬
‫الرجل ليعمل َ‬
‫عمل أهل النار‪ ،‬فيام يبدو للناس‪ ،‬وهو من أهل اجلنة»(((‪.‬‬

‫يقول احلافظ ابن رجب احلنبيل (ت‪795‬هـ) رمحه اهلل تعاىل‪« :‬وقوله (فيام‬
‫ِ‬
‫السوء‬ ‫ِ‬
‫بخالف ذلك‪ ،‬وأن خامت َة‬ ‫ُ‬
‫يكون‬ ‫يبدو للناس) إشــارة إىل أن باطن ِ‬
‫األمر‬ ‫َ‬
‫ٍ‬
‫دسيسة باطنة للعبد ال يطلع عليها الناس‪ ،‬إما من جهة عمل يسء‬ ‫ِ‬
‫بسبب‬ ‫ُ‬
‫تكون‬
‫ونحو ذلك‪ ،‬فتلك اخلصلة اخلفية توجب سو َء اخلامتة عند املوت‪ ،‬وكذلك قد‬
‫خصال ِ‬
‫اخلري‪ ،‬فتغلب‬ ‫ِ‬ ‫أهل النار ويف باطنِه خصل ٌة خفي ٌة من‬
‫عمل ِ‬
‫الرجل َ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫يعمل‬
‫عليه تلك اخلصلة يف آخر عمره‪ ،‬فتوجب له حسن اخلامتة‪.‬‬

‫((( رواه البخاري ‪ -‬واللفظ له ‪ ،)3332( -‬ومسلم (‪.)2643‬‬


‫((( رواه البخاري (‪.)2898‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪34‬‬

‫قال عبد العزيز بن أيب رواد‪ :‬حرضت رجال عند املوت يلقن ال إله إال اهلل‪،‬‬
‫فقــال يف آخر ما قال‪ :‬هو كافر بام تقول‪ ،‬ومات عىل ذلك‪ ،‬قال فســألت عنه‪،‬‬
‫فــإذا هو مدمن مخر‪ .‬فكان عبــد العزيز يقول‪ :‬اتقوا الذنــوب‪ ،‬فإهنا هي التي‬
‫أوقعته »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫ثم قال ابن رجب رمحه اهلل تعاىل‪ِ :‬‬
‫«ومــن هنا كان الصحاب ُة و َم ْن بعدَ هم‬
‫ِمن السلف الصالح خيافون عىل أنفسهم النفاق‪ ،‬ويشتد قلقهم وجزعهم منه‪،‬‬
‫وخياف أن يغلــب ذلك عليه عند‬
‫ُ‬ ‫األصغر‪،‬‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫النفاق‬ ‫فاملؤمــن خياف عىل نفســه‬
‫اخلامتة‪ ،‬فيخرجه إىل النفاق األكرب‪ ،‬كام تقدم أن دســائس السوء اخلفية توجب‬
‫سوء اخلامتة‪،... ،‬‬

‫وخرج اإلمام أمحد من حديث أم ســلمة أن النبي ﷺ كان يكثر يف دعائه‬


‫ّ‬
‫أن يقول‪« :‬اللهم مقلب القلوب‪ ،‬ثبت قلبي عىل دينك»‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل‪،‬‬
‫أو إن القلــوب لتتقلب؟ قال‪« :‬نعم؛ ما من خلق اهلل تعاىل من بني آدم من برش‬
‫إال أن قلبه بني أصبعني من أصابع اهلل‪ ،‬فإن شــاء عز وجل‪ ،‬أقامه‪ ،‬وإن شــاء‬
‫أزاغه‪ ،‬فنســأل اهلل ربنا أن ال يزيغ قلوبنا بعد إذ هدانا‪ ،‬ونســأله أن هيب لنا من‬
‫لدنه رمحة إنه هو الوهاب»‪.‬‬

‫قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أال تعلمني دعوة أدعو هبا لنفيس؟ قال‪ « :‬بىل‪،‬‬
‫قالت‪ُ :‬‬
‫قويل‪ :‬اللهم رب النبي حممد‪ ،‬اغفر يل ذنبــي‪ ،‬وأذهب غيظ قلبي‪ ،‬وأجرين من‬
‫مضالت الفتن ما أحييتني»(((‪.‬‬

‫((( جامع العلوم واحلكم (‪.)173-172/1‬‬


‫((( أخرجه اإلمام أمحد يف املسند (‪ ،)26576‬وقال اهليثمي يف جممع الزوائد (‪:)176/10‬‬
‫«إسناده حسن»‪.‬‬
‫‪35‬‬

‫ويف هــذا املعنى أحاديث كثرية‪ .‬وخرج مســلم مــن حديث عبد اهلل بن‬
‫عمرو‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪ « :‬إن قلوب بني آدم كلها بني أصبعني من‬
‫أصابع الرمحن عز وجل كقلب واحد يرصفه حيث يشاء »‪ُ ،‬ث َّم قال رسول اهلل‬
‫ف قلو َبنا عىل طاعتك »(((‪.‬‬
‫ص ْ‬
‫ف القلوب َ ِّ‬
‫مرص َ‬
‫ﷺ‪ « :‬اللهم ِّ‬

‫إبليس فســمعوا القــرآن من النبي ﷺ‬


‫ُ‬ ‫ويف قصة اجلن الذين أرســلهم‬
‫وأســلموا((( يقول احلافظ ابــن حجر رمحه اهلل تعــاىل‪« :‬االعتبار بام قىض اهلل‬
‫للعبد من حســن اخلامتة ال بام يظهر منه من الرش‪ ،‬ولو بلغ ما بلغ؛ ألن هؤالء‬
‫الذين بادروا إىل اإليامن بمجرد استامع القرآن لو مل يكونوا عند إبليس يف أعىل‬
‫مقامــات الرش ما اختارهم للتوجه إىل اجلهــة التي ظهر له أن احلدث احلادث‬
‫من جهتها‪ ،‬ومع ذلك‪ ،‬فغلب عليهم ما ُقيض هلم من الســعادة بحسن اخلامتة‪،‬‬
‫ونحو ذلك قصة سحرة فرعون»(((‪.‬‬

‫شخصا حيترض ومل ينطق بالشهادتني‪ ،‬أو رفض النطق هبا‪،‬‬


‫ً‬ ‫راب ًعا‪ :‬إذا رأينا‬
‫فهل يكون هذا عالم ًة عىل سوء اخلامتة؟‬

‫تقدم الكالم عىل أن املحترض يســتحب له حتســن ظنه باهلل تعاىل‪ ،‬وأنه‬
‫يســتحب ملن حرض عنده أن يعينه عىل ذلك بذكر رمحة اهلل وفضله‪ ،‬وأن ُيذك َّره‬
‫بمحاسن عمله التي عملها يف دنياه‪.‬‬

‫((( جامع العلوم واحلكم (‪.)175-174/1‬‬


‫((( انظر حديثهم يف صحيح البخاري (‪.)4921‬‬
‫((( فتح الباري البن حجر (‪.)675/8‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪36‬‬

‫ويســتحب أيضا ملن حرض م ّيت ًا أن يلقنه الشــهادة‪ ،‬فعــن معاذ بن جبل‬
‫ريض اهلل تعــاىل عنه‪ ،‬قــال‪ :‬قال رســول اهلل ‪-‬ﷺ‪« :-‬مــن كان آخر كالمه‬
‫ال إله إال اهلل دخل اجلنة»(((‪.‬‬

‫وعــن أيب هريرة ريض اهلل تعــاىل عنه قال‪ :‬قال رســول اهلل ﷺ‪« :‬لقنوا‬
‫موتاكــم ال إله إال اهلل‪ ،‬فإنه من كان آخر كلمته‪ :‬ال إله إال اهلل عند املوت‪َ ،‬‬
‫دخل‬
‫اجلن َة يوما من الدهر‪ ،‬وإن أصابه قبل ذلك ما أصابه»(((‪.‬‬

‫حال شديد‪ ،‬وربام يضجر‬ ‫ِ‬


‫فاملحتض يكون يف ٍ‬ ‫ولكن هذا التلقني له آدابه‪،‬‬
‫ٍ‬
‫ســوء‪ ،‬أو يزداد عليه الضيق‪ ،‬ولذا فال‬ ‫مما حوله بأقل األسباب فيتلفظ بكال ِم‬
‫ُيقال للمحترض‪ُ :‬قــل ال إله إال اهلل! فربام رفض قوهلا للشــدة التي فيه مع أنه‬
‫مؤمن هبا‪ ،‬في ُظن احلارضون أنه مات عىل ســوء خامتــة‪ ،‬وليس األمر كذلك‪،‬‬
‫كل َمظهر يسء ُّ‬
‫يدل عىل سوء اخلامتة(((‪.‬‬ ‫فليس ُّ‬

‫ولــذا يقول العالمة احلطــاب الرعيني (ت‪954‬هـ) رمحــه اهلل تعاىل يف‬
‫حاشيته اجلليلة عىل خمترص خليل يف الفقه املالكي‪« :‬تنبيه‪ :‬وال َيضجر من عدم‬
‫ِ‬
‫املحترض ملا ُيلقيه إليه؛ ألنه ُيشاهد ما ال ُيشاهدون»(((‪.‬‬ ‫قبول‬

‫((( رواه أبو داود يف «السنن» (‪.)3116‬‬


‫((( رواه ابن حبان يف صحيحه (‪.)3004‬‬
‫((( قال العالمة اخلريش يف رشحه عىل خمترص خليل (‪« :)122/2‬ومن عالمات البرشى‬
‫وجهه‪ ،‬ويعرق جبينُه‪ ،‬وتذرف عيناه دمو ًعا‪ .‬ومن عالمات السوء‪:‬‬
‫يصفر ُ‬
‫ّ‬ ‫للميت‪ :‬أن‬
‫حتمر عيناه‪ ،‬وتربد شــفتاه‪ ،‬ويغط كغطيط البكر‪ .‬ا‪.‬هـــ‪ ،‬و(تربدّ ) ‪-‬بالباء املوحدة‬
‫أن ّ‬
‫الر ْبدَ ة ‪ -‬بالضم ‪ :-‬لون إىل الغربة» انتهى‬
‫بعدها دال مشــددة‪ -‬قال يف «القاموس»‪ُّ :‬‬
‫كالم اخلريش رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫((( مواهب اجلليل يف رشح خمترص خليل للحطاب املالكي (‪.)219/2‬‬
‫‪37‬‬

‫وإنــا يكون األدب الرشعي واهلدي النبــوي يف التلقني كام ب ّينه الفقهاء‪،‬‬
‫ومنه ما قاله العالمة حممد عليش املالكي (ت‪1299‬هـ) يف رشحه عىل خمترص‬
‫خليل رمحهام اهلل تعاىل‪:‬‬

‫بصوت ٍ‬
‫هاد‬ ‫ٍ‬ ‫املحترض (الشهادةَ)‪ ،‬بأن ُي َ‬
‫قال ب ُقربه‪،‬‬ ‫«(و) نُدب (تلقينُه) أي‬
‫ُ‬
‫املحترض فال‬
‫ُ‬ ‫يسم ُعه‪ :‬أشهدُ أن ال إله إال اهلل وأن حممدً ا عبده ورسوله‪ ،‬فإن قاهلا‬
‫تُعــاد‪ ،‬إال إذا تكلم بكال ٍم دنيوي فتعاد؛ لتكون آخر كالمه‪ ،‬وإن مل يقلها فتُقال‬
‫بعد سكتة‪.‬‬

‫ِ‬
‫الناس إليــه‪ ،‬وأن ال يكون وارثه إال ابنَه‪،‬‬ ‫نــدب أن يكون ا ُمللق ُن َّ‬
‫أحب‬ ‫ُ‬ ‫و ُي‬
‫يقال له قــل؛ ألنه قد ُيصادف قو َله (ال) لــرد الفتانات‪ ،‬فييس ُء امللق ُن‬
‫وأن ال َ‬
‫ظنَّه به‪.‬‬

‫وقــد اتفق هذا لإلمام أمحد بن حنبل ‪ -‬ريض اهلل تعاىل عنه ‪ -‬قال له ولده‬
‫عبد اهلل‪ ،‬وهو مغمور‪ :‬قل ال إله إال اهلل حممد رســول اهلل‪ ،‬فقال أمحد‪ :‬ال‪ ،‬بعدُ ‪،‬‬
‫ِ‬
‫فحزن ولدُ ه حزنًا شديدً ا لظنّه ر َّده عليه‪ ،‬فأفاق اإلما ُم أمحدُ من غمرته‪ ،‬وأخرب‬
‫نجوت مني يا أمحد؛ ل ُيدخل عليه‬
‫َ‬ ‫ولدَ ه بأن الشــيطان حرضه إذ ذاك‪ ،‬وقال له‪:‬‬
‫دمت‬
‫ُعج َبه بنفسه‪ ،‬فقال له أمحد‪ :‬ال‪ ،‬بعدُ ‪ ،‬أي‪ :‬ال أنجو منك إال بعد مويت‪ ،‬وما ُ‬
‫حذر منك»(((‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫ح ًّيا فإين عىل ٍ‬

‫الوعي‪،‬‬
‫َ‬ ‫وكذا من سكت ومل ينطق بالشهادة عند موته‪ُ ،‬‬
‫لذهوله أو فقدانه‬

‫رشح خمترص خليل (‪.)491/1‬‬ ‫ِ‬


‫((( من َُح اجلليل ُ‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪38‬‬

‫فليس هذا من ســوء اخلامتة‪ ،‬ويف بيان هذا يقول اإلمام ال َق َرايف (ت ‪ 684‬هـ)‬
‫وذهب عق ُله فلم ينطِق بالشهادة‬
‫َ‬ ‫رمحه اهلل تعاىل‪ « :‬من َخ َر َس لسانُه عند املوت‪،‬‬
‫ِ‬
‫احلالة‪ :‬مات مؤمنًا‪،‬‬ ‫اإليامن بقلبِه‪ ،‬ومات عىل تلــك‬
‫َ‬ ‫أحــر‬ ‫ِ‬
‫املوت‪ ،‬وال‬ ‫عند‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫املوت‪.‬‬ ‫الفعيل عند‬ ‫ِ‬
‫اإليامن‬ ‫وال يرضه عد ُم‬
‫ِّ‬

‫عاجزا عن الكفر‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫العقل‪،‬‬ ‫ذاهب‬
‫َ‬ ‫أخرس‬
‫َ‬ ‫الكافــر إذا حرضته الوفا ُة‬
‫َ‬ ‫كام أن‬
‫حكم الذين‬
‫ُ‬ ‫وحكمه عند اهلل‬
‫ُ‬ ‫يف تلك احلال‪ ،‬لعدم صالحيته له‪ ،‬ال ينف ُعه ذلك‪،‬‬
‫اســتحرضوا الكفر يف تلك احلــال بالفعل‪ ،‬فاملعترب ما تقــدم من كفر وإيامن‪،‬‬
‫يرض العد ُم يف املعنى عند املوت »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫وال ُّ‬

‫خامســا‪ :‬هل جيوز الدعاء عىل مسل ٍم بسوء اخلامتة؟ أو أن يموت عىل غري‬
‫ً‬
‫دين اإلسالم؟‬

‫نص كثري من الفقهاء رمحهم اهلل تعاىل عىل أن الدعاء عىل مســلم بســوء‬
‫اخلامتة حرام ال جيوز‪ ،‬وكذلك حيرم الدعا ُء عليه بأن يموت عىل غري اإلسالم‪.‬‬

‫الراجح‬
‫ُ‬ ‫قــال العالمة اخلريش‪« :‬ويف جواز الدعاء بســوء اخلامتة قوالن‪،‬‬
‫للب ُزيل»(((‪.‬‬
‫املنع‪ ،‬خالفا ُ ْ‬
‫‪-‬كام قاله ابن ناجي وغريه‪ُ :-‬‬

‫ِ‬
‫األصل‬ ‫ِ‬
‫الدعاء يف‬ ‫«وحكم‬ ‫وقال النفراوي يف رشح رسالة ابن أيب زيد‪:‬‬
‫ُ‬

‫((( الفروق لإلمام القرايف (‪ )202-201/1‬يف الفرق الرابع والثالثني‪ ،‬وقد س ّلمه له اب ُن‬
‫الشاط يف حاشيته عليه‪.‬‬
‫((( رشح خمترص خليل للخريش (‪.)290/1‬‬
‫‪39‬‬

‫الوجوب كالدعاء عىل اجلنازة‪ ،‬أو احلرم ُة كالدعاء عىل‬


‫ُ‬ ‫عرض له‬
‫الندب‪ ،‬وقد َي ُ‬
‫ُ‬
‫ٍ‬
‫بيشء يكون وسيل ًة ملكروه»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫كالدعاء‬ ‫شقي بسوء اخلامتة‪ ،‬والكراه ُة‬
‫ٍّ‬

‫وقال العالمة الصاوي املالكي رمحــه اهلل تعاىل‪« :‬و ُينهى عن الدعاء عليه‬
‫ِ‬
‫املعصية معصي ٌة‪ ،‬وال‬ ‫ٍ‬
‫معصية؛ ألن إراد َة‬ ‫بذهــاب أوالده وأهله‪ ،‬أو بالوقوع يف‬
‫ِ‬
‫اخلامتة»(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بسوء‬ ‫جيوز الدعا ُء عليه‬
‫ُ‬

‫وقد ن ّبه َقبلهــم اإلمام القرايف رمحه اهلل تعاىل عىل مســائل وفروق دقيقة‬
‫متعلقة هبذه املســألة‪ ،‬فقال يف كتابه النفيس «الفــروق»‪ « :‬وال يندرج يف إرادة‬
‫ِ‬
‫اخلامتة عىل من تُعاديه‪ ،‬وإن كان فيه إراد ُة الكفر؛ ألنه ليس‬ ‫ِ‬
‫بسوء‬ ‫ِ‬
‫الكفر الدعا ُء‬
‫مقصو ًدا فيه انتهاك حرمة اهلل تعاىل بل إذاية املدعو عليه »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫تدع‬ ‫ُ‬
‫وحيث قلنا بجواز الدعاء عىل الظامل فال ُ‬ ‫ثم يقــول يف موضع آخر‪« :‬‬
‫ِ‬
‫املعصية‬ ‫فإن إراد َة‬ ‫ِ‬
‫بالكفــر‪َّ ،‬‬ ‫عليه بمالبســة معصية من معايص اهلل تعاىل‪ ،‬وال‬
‫كفر »(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الكفر ٌ‬ ‫معصي ٌة‪ ،‬وإراد َة‬

‫ولكن تع ّقبه الفقيه الن ّظار البارع ابن الشاط املالكي (ت‪723‬هـ) رمحه اهلل‬
‫تعاىل‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫((( الفواكــه الدواين عىل رســالة ابن أيب زيد القــرواين (‪ ،)330/2‬وانظر كالمه أيضا‬
‫(‪.)183/1‬‬
‫((( حاشية الصاوي عىل الرشح الصغري للدردير (‪.)329/1‬‬
‫((( (‪ ،)119-118/4‬يف الفرق احلادي واألربعني واملائتني‪.‬‬
‫((( الفروق (‪ )294/4‬يف القسم احلادي عرش من الفرق الثالث والسبعني واملائتني‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪40‬‬

‫َ‬
‫اقرتن بإرادة املعصية‬ ‫قلت‪ :‬ليس هــذا اإلطالق عندي بصحيح‪ ،‬بل إن‬‫« ُ‬
‫فعل‪ ،‬فذلك‬ ‫ِ‬
‫املعصية التي هــي ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فعــل يف‬ ‫قول‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬
‫املعصيــة التي هي ٌ‬ ‫ٌ‬
‫قــول يف‬
‫معصيــ ٌة‪ ،‬وإال فال‪ ،‬عىل ما اقتضاه قولــه ﷺ‪ « :‬إن اهلل جتاوز ألمتي عام حدثت‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكفر داخل ٌة حتت عمو ِم‬ ‫تتكلم »(((‪ ،‬فإراد ُة‬ ‫ْ‬
‫تعمل أو‬ ‫أنفســها ما مل‬
‫احلديث‬ ‫ْ‬ ‫به َ‬
‫كفر ‪ -‬واهلل تعاىل أعلم ‪،-‬‬ ‫أعلم هلذا احلديث اآلن ِ‬
‫معار ًضا‪ ،‬فال َ‬ ‫ِ‬
‫املذكــور‪ ،‬وال ُ‬
‫إرادة ِ‬
‫ِ‬
‫يكفر‪ ،‬فكال اإلرادتني معصي ٌة ال ٌ‬
‫كفر‪ ،‬واهلل‬ ‫يعــي أو أن َ‬
‫َ‬ ‫املرء أن‬ ‫هذا يف‬
‫تعاىل أعلم »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫كفرا من الداعي به‪ ،‬إال إن‬ ‫يريدُ اب ُن الشاط َّ‬


‫أن الدعاء عليه بالكفر ال ُيعدُّ ً‬
‫احتفت قرينة بالداعي تدل عــى أنه يرىض بالكفر اعتقا ًدا‪ ،‬أو أنه يرجحه عىل‬
‫اإلسالم‪ ،‬وأنه يريد انتهاك حرمة ربوبية اهلل تعاىل‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬

‫أنفسها‪ ،‬ما مل يتكلموا‪،‬‬


‫((( رواه مسلم (‪ ،)201‬ولفظه‪ « :‬إن اهلل جتاوز ألمتي ما حدثت به َ‬
‫أو يعملوا به »‪.‬‬
‫((( انظر « إدرار الرشوق عىل أنواء الفروق» البن الشاط‪ ،‬املطبوع بحاشية الفروق للقرايف‬
‫(‪.)294/4‬‬
‫الفصل الثاني‬
‫تراجم من ُتويف من العلماء‬
‫وهو ساجد‬

‫وبني يديه متهيدٌ يف فضل السجود‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪42‬‬
‫‪43‬‬

‫متهيد‬

‫يف فضل السجود‬

‫وردت آيــات قرآنية كريمة‪ ،‬وأحاديث نبوي ٌة رشيفة يف فضل الســجود هلل‬
‫سبحانه وتعاىل‪ ،‬آيت هنا بعدد يسري منها بني يدي هذا الفصل لتكون مدخال إليه‪.‬‬

‫فمــن اآليات الكريمة قول اهلل جل وعــا‪ ﴿ :‬ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬


‫ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﴾ [الرعد‪.]15 :‬‬

‫وقال سبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ‬


‫ﮝﮞﮟﮠﮡﮢ ﮣﮤﮥ ﮦﮧﮨﮩﮪ‬
‫ﮫﮬﮭ ﮮﮯﮰﮱﯓﯔﯕﯖﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﴾ [النحل‪.]50 - 48 :‬‬

‫وقــال عز وجــل‪ ﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬


‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﭷ ﭸ ﭹﭺﭻﭼﭽﭾ ﭿﮀﮁﮂﮃ‬
‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﴾ [اإلرساء‪.]109 - 106 :‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪44‬‬

‫وقال ســبحانه وتعــاىل‪﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ‬


‫ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇﮈ‬
‫ﮉ ﮊ ﮋ ﮌﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﴾‬
‫[احلج‪.]18 :‬‬

‫وقال ســبحانه وتعاىل‪ ﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ‬


‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﴾ [احلج‪.]77 :‬‬

‫ويف وصــف صحابة النبــي ﷺ‪ ،‬وريض اهلل عنهم أمجعــن يقول احلق‬
‫ســبحانه وتعــاىل‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ‬
‫ﭫﭬ ﴾ [الفتح‪.]29 :‬‬

‫وغريها كثري من اآليات‪.‬‬


‫ُ‬

‫وفيام يأيت بعض األحاديث النبوية الرشيفة الدالة عىل فضائل السجود مع‬
‫إشارة ليشء من فقهها‪:‬‬

‫السجود وسيلة للقرب من اهلل تعاىل‪ :‬فعن أيب هريرة ريض اهلل تعاىل عنه‪:‬‬
‫«أقرب ما يكون العبدُ من ربه وهو ســاجد‪ ،‬فأكثروا‬
‫ُ‬ ‫أن رســول اهلل ﷺ قال‪:‬‬
‫الدعاء»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)482‬‬


‫‪45‬‬

‫ِ‬
‫وتكفري السيئات‪:‬‬ ‫ِ‬
‫وزيادة احلســنات‪،‬‬ ‫سبب لرف ِع الدرجات‪،‬‬
‫والســجود ٌ‬
‫فقد روى معدان بــن أيب طلحة اليعمري قال‪ :‬لقيت ثوبان موىل رســول اهلل‬
‫ﷺ‪ ،‬فقلــت‪ :‬أخربين بعمل أعمله يدخلني اهلل به اجلنة ‪-‬أو قال‪ :‬قلت‪ :‬بأحب‬
‫األعامل إىل اهلل‪ ،-‬فسكت‪ ،‬ثم سألتُه فسكت‪.‬‬

‫َ‬
‫رســول اهلل ﷺ‪ ،‬فقال‪« :‬عليك‬ ‫سألت عن ذلك‬
‫ُ‬ ‫ثم ســألته الثالثة فقال‪:‬‬
‫َّ‬
‫وحط‬ ‫بكثرة السجود هلل‪ ،‬فإنك ال تســجد هلل سجدةً‪ ،‬إال رفعك اهلل هبا درج ًة‪،‬‬
‫عنك هبا خطيئة»‪.‬‬

‫ُ‬
‫ثوبان»(((‪.‬‬ ‫لقيت أبا الدرداء فسألتُه‪ ،‬فقال يل َ‬
‫مثل ما قال يل‬ ‫قال معدان‪ :‬ثم ُ‬

‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ يقول‪:‬‬ ‫وعن عبادة بن الصامت ريض اهلل تعاىل عنه أنه سمع‬
‫َتب اهللُ له هبا حسن ًة‪ ،‬وحما عنه هبا سيئ ًة‪َ ،‬‬
‫ورفع‬ ‫«ما من عبد يسجد هلل سجد ًة إال ك َ‬
‫له هبا درج ًة‪ ،‬فاستكثروا من السجود»(((‪.‬‬

‫والسجود سبب للفوز بمرافقة النبي ﷺ يف اجلنة‪ :‬فقد قال ربيع ُة ب ُن ٍ‬


‫كعب‬
‫يت مع رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فأتيتُه بو ِ‬
‫ضوئه‬ ‫األســلمي ريض اهلل تعاىل عنه‪ :‬كنت َأبِ ُ‬
‫َ‬ ‫ُّ‬
‫فقلت‪ :‬أسألك مرافقتك يف اجلنة‪.‬‬‫ُ‬ ‫وحاجتِه‪ ،‬فقال يل‪« :‬سل»‪،‬‬

‫غري ذلك»؟‬
‫«أو َ‬
‫قال‪َ :‬‬

‫قلت‪ :‬هو ذاك‪.‬‬


‫ُ‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)488‬‬


‫((( أخرجه ابن ماجه (‪.)1424‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪46‬‬

‫قال‪ِ :‬‬
‫«فأعنِّي عىل نفسك بكثرة السجود»(((‪.‬‬

‫كام أن السجود من مواطن استجابة الدعاء‪ :‬قال عبد اهلل بن عباس ريض‬
‫خلف أيب بكر‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫َ‬ ‫صفوف‬
‫ٌ‬ ‫والناس‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫رسول اهللِ ﷺ الستار َة‬ ‫كشف‬
‫َ‬ ‫اهلل عنهام‪:‬‬
‫« أهيا الناس‪ ،‬إنه مل َيبق من مبرشات النبوة إال الرؤيا الصاحل ُة‪ ،‬يراها املســلم أو‬
‫الركوع فع ّظموا‬
‫ُ‬ ‫القرآن راك ًعا أو ســاجدً ا‪ ،‬فأما‬
‫َ‬ ‫يت أن َ‬
‫أقرأ‬ ‫تُرى له‪َ ،‬أل وإين ُن ُ‬
‫ســتجاب‬
‫َ‬ ‫الرب عز وجل‪ ،‬وأما الســجو ُد فاجتهدوا يف الدعاء‪ ،‬ف َق َمن أن ُي‬
‫فيه َّ‬
‫لكم »(((‪.‬‬

‫وقد كان من أدعية النبي ﷺ يف ســجوده ما رواه أبو هريرة ريض اهلل عنه‬
‫رســول اهلل ﷺ كان يقول يف سجوده‪« :‬اللهم اغفر يل ذنبي ُك َّله‪ِ ،‬د َّق ُه ِ‬
‫وج َّله‪،‬‬ ‫َ‬ ‫أن‬
‫وآخره‪ ،‬وعالنيتَه ورسه»(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫وأو َله‬

‫ٍ‬
‫حديــث طويل‬ ‫والســجود ســبب للشــفاعة من عذاب النار‪ :‬جاء يف‬
‫أليب هريــرة ريض اهلل تعاىل عنه عن النبي ﷺ ‪ ...« :‬حتى إذا أراد اهللُ رمح َة من‬
‫أمر اهللُ املالئك َة أن ُيرجوا من كان يعبدُ اهللَ‪ ،‬ف ُيخرجوهنم‪،‬‬
‫أراد من أهل النار‪َ ،‬‬
‫فيخرجون‬
‫أثر السجود‪ُ ،‬‬
‫وحرم اهلل عىل النار أن تأكل َ‬
‫ويعرفوهنم بآثار السجود‪َّ ،‬‬
‫ِ‬
‫الســجود‪ ،‬فيخرجــون من النار‬ ‫أثر‬ ‫ِ‬ ‫من النــار‪ُّ ،‬‬
‫النار إال َ‬
‫ابــن آدم تأكله ُ‬ ‫فكل‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)489‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)479‬وقوله ( َق َمن)‪ :‬بفتح القاف وامليم‪ ،‬وقيل بكرس امليم ً‬
‫أيضا‪ ،‬أي‬
‫حقيق وجدير‪.‬‬
‫((( رواه مسلم (‪.)483‬‬
‫‪47‬‬

‫ماء احليــاة‪ ،‬فين ُبتون كام تَن ُبت احلبــ ُة يف َحِ ِ‬


‫يل‬ ‫صب عليهــم ُ‬
‫قد امت ََحشــوا‪ ،‬ف ُي ُّ‬
‫الس ْيل ‪ »...‬احلديث(((‪.‬‬
‫َّ‬

‫ويف بيان فضل السجود املستفاد من هذا احلديث ومدى كرامة الساجدين‬
‫عىل اهلل تعاىل يقول القايض عيــاض (ت ‪ 544‬هـ) رمحه اهلل تعاىل‪ « :‬و ُذكر يف‬
‫هــذه األحاديث يف َّ‬
‫املعذبني مــن املؤمنني‪( :‬أن النار ال تأكل أثر الســجود)‪،‬‬
‫عذاب املؤمنني‬
‫َ‬ ‫أن‬ ‫وىف احلديث اآلخر‪( :‬حترم صورهم عــى النّار)‪ٌ :‬‬
‫دليل عىل َّ‬
‫خالف عذاب الكافرين‪ ،‬وأهنا ال تأيت عىل مجيعهم‪ ،‬أال تراه كيف‬ ‫ُ‬ ‫املذنبني بالنار‬
‫ِ‬
‫السجود‪،‬‬ ‫قال‪« :‬امت ََح ُشوا»‪ ،‬و َذك ََر أهنا ال تأكل منهم ما ُذكر‪ ،‬إما إكراما ملواضع‬
‫ولع َظم مكانِه من اإليامن واخلضوع إىل غايته هلل تعاىل‪ ،‬أو لكرامة تلك الصورة‬ ‫ِ‬
‫ســائر ِ‬
‫خلقه‪ (((»...‬إىل آخر‬ ‫ِ‬ ‫وفضلهم هبا من بني‬
‫والبرش عليها َّ‬ ‫التــي ُخلق آد ُم‬
‫ُ‬
‫كالمه رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫وأثــره الذي ال تأكله النار هو اجلبهة؟ أم ســائر‬


‫ُ‬ ‫وهل موضع الســجود‬
‫املســلم ‪-‬وهي اجلبهة واألنف‪ ،‬واليدان‪،‬‬
‫ُ‬ ‫األعضاء السبعة التي يسجد عليها‬
‫خالف بني العلامء(((‪ ،‬ولكن الشــاهدَ‬
‫ٌ‬ ‫غري ذلك؟‬
‫والقدمان‪ ،‬والركبتان‪ -‬؟ أم ُ‬
‫ِ‬
‫لعبادة الســجود‪ ،‬حيــث إن العبد ‪-‬ولو فعل ما‬ ‫وتعظيمه‬ ‫منه إكرا ُم اهلل تعاىل‬
‫ُ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ )806‬وهذا لفظه‪ ،‬ومسلم (‪.)299‬‬


‫((( إكامل املعلم بفوائد مسلم (‪.)560/1‬‬
‫((( انظره يف فتح الباري البن حجــر (‪ 456/11‬وما بعدها) يف رشح حديث أيب هريرة‬
‫برقم (‪.)6573‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪48‬‬

‫فعــل‪ -‬وكان يصيل هلل ويســجد‪ :‬فإن النــار ال تأكل منه موضع ســجوده‪،‬‬
‫نسأل اهلل من فضله ونعوذ به من عذابه‪.‬‬

‫والســجود دليل عىل صحة اإليامن يوم القيامة وسبب لرؤية اهلل سبحانه‬
‫مســلم يف صحيحه((( عن أيب ســعيد اخلدري ريض اهلل‬ ‫ٌ‬ ‫وتعــاىل‪ :‬فقد أخرج‬
‫َ‬
‫رسول اهلل‪ ،‬هل نرى ر َّبنا‬ ‫ِ‬
‫رســول اهلل ﷺ قالوا‪ :‬يا‬ ‫تعاىل عنه‪ :‬أن ناســ ًا يف ِ‬
‫زمن‬
‫يوم القيامة؟ قال رســول اهلل ﷺ‪ « :‬نعم »‪ ،...‬وذكر احلديث الطويل يف هول‬
‫كشــف عن ٍ‬
‫ساق‪ ،‬فال يبقى من كان يسجد هلل من تلقاء‬ ‫ُ‬ ‫املوقف‪ ،‬وفيه‪ ...« :‬ف ُي‬
‫ورياء إال َج َ‬
‫عل‬ ‫ً‬ ‫نفسه إال َأذن اهللُ له بالســجود‪ ،‬وال يبقى من كان يسجد ً‬
‫اتقاء‬
‫ظهره طبق ًة واحدةً‪ ،‬كلام أراد أن َيسجدَ ّ‬
‫خر عىل قفاه‪ ،‬ثم يرفعون رؤوسهم‪،‬‬ ‫اهللُ َ‬
‫وقد حتــول يف صورته التي رأوه فيها أول مرة‪ ،‬فقال‪ :‬أنا ربكم‪ .‬فيقولون‪ :‬أنت‬
‫ربنا ‪ » ...‬احلديث‪.‬‬

‫ربم سبحانه وتعاىل يف املحرش‪،‬‬


‫فبعد قيام املؤمنني من ســجودهم يرون ّ‬
‫وال يقع ذلك للمنافقني‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬

‫أوان الرشو ِع يف ِذكر تراجم من تُويف من العلامء وهو ساجد‪:‬‬


‫وهذا ُ‬

‫((( حديث رقم (‪.)302‬‬


‫‪49‬‬

‫أبو ثعلبة ُ‬
‫اخل َش ُّ‬
‫ن رضي اهلل تعاىل عنه‬ ‫ِ‬
‫(‪75 - ...‬هـ)‬

‫يب جليل من صحابة رســول اهلل ﷺ‪ ،‬اســمه ُجرثو ُم بن ناشم عىل‬


‫صحا ٌّ‬
‫أشهر ما قيل‪ ،‬وقد اختُلف يف اسمه واسم ابيه اختال ًفا كثري ًا‪ ،‬وهو من ُخ ٍ‬
‫شني‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بطن من قبيلة ُقضاعة القحطانية‪ ،‬كان قو ُمه َ‬
‫أهل كتاب‪ ،‬وكان يســكن معهم‬
‫بالشام(((‪.‬‬

‫قال احلافظ ابن حجر‪« :‬وكان مجاع ٌة من قبائل العرب قد ســكنوا الشام‬
‫ٌ‬
‫وبطون من قضاعة منهم بنو خشني‬ ‫َ‬
‫غسان‪ ،‬وتنوخ‪ ،‬وهبز‪،‬‬ ‫وتنصوا‪ ،‬منهم آل‬
‫َّ ُ‬
‫آل أيب ثعلبة »(((‪.‬‬

‫وكان أبو ثعلبة ريض اهلل تعاىل عنه عا ًملا‪ ،‬عاقال‪ ،‬عابدً ا‪ ،‬داعي ًا إىل اهلل تعاىل‪،‬‬
‫كريم األخالق والسجايا‪ُ ،‬م َو َّق ًرا يف أهله وقومه‪.‬‬
‫شجا ًعا‪َ ،‬‬

‫أسلم يف عهد النبي ﷺ‪.‬‬


‫َ‬ ‫أخ اسمه عمرو بن جره ٍم‬
‫وله ٌ‬

‫((( انظر ترمجته يف‪ :‬الطبقات الكربى البن سعد (‪ ،)416/7( ،)329/1‬التاريخ الكبري‬
‫للبخاري (‪ ،)250/2‬حلية األولياء أليب نعيم (‪ ،)29/2‬االستيعاب البن عبد الرب‬
‫(‪ ،)1618/4‬هتذيب الكــال (‪ ،)167/33‬تاريخ اإلســام للذهبي (‪)892/2‬‬
‫سري أعالم النبالء (‪ ،)567/2‬البداية والنهاية (‪ ،)11/9‬اإلصابة يف متييز الصحابة‬
‫(‪ ،)50/7‬وغريها كثري‪.‬‬
‫((( فتح الباري البن حجر (‪.)606/9‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪50‬‬

‫خرب إسالمه رضي اهلل تعاىل عنه ‪:‬‬


‫أسلم شــا ًّبا ريض اهلل تعاىل عنه يف السنة السادســة للهجرة‪ِ ،‬‬
‫فشهد بيع َة‬
‫خرج مع النبي ﷺ‬
‫الرضوان وبايع حتت الشــجرة‪ ،‬ويف أول السنة الســابعة َ‬
‫إىل غزوة خيرب فشــهدها كذلك‪ ،‬ويف الســنة الثامنة أرسله النبي ﷺ إىل قومه‬
‫لدعوهتم إىل اإلســام‪ ،‬ورضب له بسهم يوم ُحنني‪ ،‬فأسلم قومه ووفدوا عىل‬
‫النبــي ﷺ يف املدينة‪ ،‬ونزلوا عند أيب ثعلبة وكانوا ســبعة رجال‪ ،‬وقيل بضعة‬
‫عرش رجال‪ ،‬ريض اهلل تعاىل عنهم(((‪.‬‬

‫ُ‬
‫وبعض أخباره معه‪:‬‬ ‫ثنا ُء النيب ﷺ عليه‬
‫حرص أبو ثعلبة ريض اهلل تعاىل عنه عىل تع ّلم أحكام دينه حتى صار من‬
‫زمرة العلامء(((‪ ،‬وروى عن النبي ﷺ وعــن بعض كبار الصحابة كأيب عبيدة‬
‫مجع من التابعني(((‪.‬‬
‫عامر ابن اجلراح ومعاذ بن جبل ريض اهلل عنهم‪ ،‬وروى عنه ٌ‬

‫((( وقــع اضطراب يف املصادر يف وقت إســامه ريض اهلل تعاىل عنه‪ ،‬وكذا اضطراب يف‬
‫وقت إرســال النبي ﷺ له إىل قومه‪ ،‬هل قبل خيرب أم قبــل حنني (مع احتامل وقوع‬
‫رجحت ما ذكرتُه أعاله‬
‫تــوارد عىل تصحيف حنني إىل خيرب يف بعض املصادر)‪ ،‬وقد ّ‬
‫غري واحد أنه شــهد بيع َة الرضوان‪ ،‬ثم ما جاء برصيح قوله أنه شــهد خيربا‬
‫ملا ذكره ُ‬
‫مع النبي ﷺ‪ ،‬كام يف مغازي الواقدي (‪ )664/2‬ومسند أمحد (ح ‪ )17741‬ومعجم‬
‫الطــراين الكبري (ح ‪ ،)577 ، 574‬وهذا ما ذهب إليه اب ُن الكلبي يف مجهرته واإلما ُم‬
‫احلافظ الدارقطني (انظر املؤتلف واملختلف له ‪ ،)680/2‬وكذا أبو بكر ابن الربقاين‬
‫(تاريخ دمشق ‪ ،)95/66‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫((( وقد ذكره احلافظ ابن حبان رمحه اهلل تعاىل ضمن علامء الشــام يف كتابه «مشاهري علامء‬
‫األمصار» (ص‪.)88:‬‬
‫((( انظر قائمة بأسامئهم يف هتذيب الكامل للمزي (‪.)168-167/33‬‬
‫‪51‬‬

‫حريصا عىل تعلم املسائل التي يكثر‬


‫ً‬ ‫العلم أنه كان‬
‫َ‬ ‫وكان مما ُي ّميزه يف طلبه‬
‫وقوعهــا يف بلده ويف غالب أيامه‪ ،‬وهذه من صفــات الصادقني الربانيني(((‪،‬‬
‫شجعه‪.‬‬
‫بشه‪ ،‬و ُي ّ‬
‫اخلري‪ ،‬وجيي ُبه عن أسئلته‪ ،‬و ُي ّ‬
‫ولذا كان النبي ﷺ يتفرس فيه َ‬

‫ونذكر هنا مثاالً عىل جملس له مع النبي ﷺ سأل فيه أبو ثعلبة أسئل ًة كثريةً‪،‬‬
‫النبي ﷺ‪ ،‬وأثنى عليه أمام الصحابة‪ ،‬وكان حديثا طويال اخترصه‬
‫وأجابه عنها ُّ‬
‫املحدثون ورووه يف عدة مواضع‪ ،‬منها‪:‬‬

‫عن أيب ثعلبة اخلشــني ريض اهلل عنه قال‪ :‬أتيت رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فص َّعد َّيف‬
‫صوبه(((‪ ،‬فقال‪« :‬ن َُويبِتة»‪ُ ،‬‬
‫قلت‪ :‬يا رســول اهلل‪ ،‬ن َُويبتة خري أو نويبتة‬ ‫النظر‪ ،‬ثم َّ‬
‫رش؟ قال‪« :‬بل ن َُويبِتة خري»‪ ،‬قلت‪ :‬يا رســول اهلل‪ ،‬إنّا يف أرض صيد‪ُ ،‬فأرســل‬
‫كلبي ا ُمل َع َّل َم‪ ،‬فمنه ما ُأ ُ‬
‫درك ذكاتَه‪ ،‬ومنه ما ال أدرك ذكاتَه‪ ،‬وأرمي بسهمي فمنه‬
‫درك ذكاتَــه ومنه ما ال ُأ ُ‬
‫درك ذكاتَه‪ ،‬فقال رســول اهلل ﷺ‪ « :‬ك ُْل ما ر ّدت‬ ‫ما ُأ ُ‬

‫وقوسك‪ ،‬وكل ُبك ا ُمل َع َّلم‪ ،‬ذك ّيا وغري ّ‬


‫ذكي »(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫عليك يدُ ك‪،‬‬

‫قال ابن األثري‪« :‬الن َُّو ْيبِ َت ُة‪ :‬تصغري نابِتة‪ ،‬يقال‪َ :‬ن َبتَت هلم نابِت ٌة‪ :‬أي نشأ فيهم‬
‫وصاروا زياد ًة يف ال َعدد»(((‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫الكبار‬
‫َ‬ ‫صغار َِلقوا‬
‫ٌ‬

‫((( وقد سئل اإلمام مالك بن أنس رمحه اهلل تعاىل‪ :‬ما تقول يا مالك يف طلب العلم؟ فقال‪:‬‬
‫حسن مجيل‪ ،‬ولكن انظر إىل الذي يلزمك من حني تصبح إىل حني متيس فالزمه‪( .‬انظر‬
‫إحياء علوم الدين ‪.)27/1‬‬
‫((( أي نظر إىل أعاله وأسفله يتأمله‪( .‬انظر النهاية البن األثري ‪.)30/3‬‬
‫((( مسند أمحد (‪ ،)17748‬وقال مُرجوه‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫((( النهاية يف غريب احلديث واألثر (‪.)10/5‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪52‬‬

‫تفر َس فيه النبي ﷺ أنه ســيلحق بالكبار مــن أصحابه ِ‬


‫أهل العل ِم‬ ‫فهنــا َّ‬
‫وبشه بذلك‪ ،‬وفيه تشجيع له عىل طلب العلم‪.‬‬
‫والفضل‪ّ ،‬‬

‫ٍ‬
‫رواية أن أبا ثعلبة ريض اهلل تعاىل عنه قال أوالً‪« :‬يا رسول اهلل‪ ،‬اكتب‬ ‫ويف‬
‫النبي ﷺ حينئذ ‪ ،-‬فقال‬
‫ظهر عليها ُّ‬
‫يل بأرض كذا وكذا ‪ -‬ألرض بالشــام مل َي َ‬
‫النبي ﷺ‪ « :‬أال تســمعون إىل ما يقول هــذا ؟ »‪ ،‬فقال أبو ثعلبة‪ :‬والذي نفيس‬
‫بيده لتظهرن عليها‪ ،‬قال‪ :‬فكتب له هبا‪ (((» ... ،‬ثم سأل أسئلته الفقهية‪.‬‬

‫بش به النبي ﷺ‬ ‫وهــذا ُّ‬


‫يدل عىل فطنته وفهمه وعلمه‪ ،‬ويدل عىل يقينه بام ّ‬
‫أقر ُه النبي ﷺ عىل فهمه هذا بفتح بالد الشام‪ ،‬بل ّنوه النبي‬
‫من الغيبيات‪ ،‬وقد َّ‬
‫ﷺ هبذا الفه ِم ون ّبه عليه الصحاب َة ريض اهلل عنهم‪.‬‬

‫وجاء يف رواية أخرى لنفس احلديث إجاب ٌة للنبي ﷺ عن بعض أســئلته‬


‫سمعت أبا‬
‫ُ‬ ‫تدل عىل كامل إيامن أيب ثعلبة ريض اهلل عنه‪ :‬قال ُمســلم بن ِم ْشكَم‪:‬‬
‫عيل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫ثعلبة اخلُشــني يقول‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أخربين بام حيل يل وحيرم ّ‬
‫النفس‪ ،‬واطمأن‬
‫ُ‬ ‫الرب ما سكنَت إليه‬
‫النظر‪ ،‬فقال‪ُّ « :‬‬ ‫َف َص ّعد النبي ﷺ َ‬
‫وص َّوب َّيف َ‬
‫القلب‪ ،‬وإن أفتاك‬
‫ُ‬ ‫يطمئن إليه‬
‫َّ‬ ‫النفس‪ ،‬ومل‬
‫ُ‬ ‫واإلثم ما مل تســكن إليه‬
‫ُ‬ ‫القلب‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إليه‬
‫تقرب حلم احلامر األهيل‪ ،‬وال ذا ناب من السباع »(((‪.‬‬
‫املفتون »‪ ،‬وقال‪ « :‬ال َ‬

‫فهذا التوجيه من النبــي ﷺ أليب ثعلبة ريض اهلل عنه يدل عىل كامل إيامن‬
‫أيب ثعلبــة‪ ،‬حيث إن هذا اخلطاب ليس موجها لكل املســلمني‪ ،‬وليس إال يف‬

‫((( مسند أمحد (‪.)17737‬‬


‫((( مسند أمحد (‪ ،)17742‬وقال م ُ ّرجوه‪ :‬إسناده صحيح‪.‬‬
‫‪53‬‬

‫نص أو حكم يف الرشيعة‪ ،‬فيع َل ُمها األتقياء الربانيون‬


‫املســائل التي مل يرد فيها ّ‬
‫من العلامء‪ ،‬قال املناوي (ت ‪ 1031‬هـ) رمحه اهلل تعاىل يف رشحه هلذا احلديث‪:‬‬
‫نورا َيت ِّقدُ ‪ ،‬فــإذا َو َر َد عليه ُّ‬
‫احلق ا ْلتَقى هو ُ‬
‫ونور‬ ‫ِ‬
‫املؤمن ً‬ ‫« وذلــك ألن عىل ِ‬
‫قلب‬
‫ُ‬
‫الباطل‬ ‫ّ‬
‫وهــش‪ ،‬وإذا ورد عليه‬ ‫القلــب‬
‫ُ‬ ‫القلــب‪ ،‬فامتَزجــا وائ َت َلفا‪ ،‬فاطمئن‬
‫ِ‬
‫النفس مع‬ ‫القلب‪ ،‬وإنــا َذكَر طمأنين َة‬
‫ُ‬ ‫القلب ومل ُي ِ‬
‫امز ْجه‪ ،‬فاضطرب‬ ‫ِ‬ ‫نــور‬
‫ُ‬ ‫نفر‬
‫َ‬
‫حجاب‬
‫ُ‬ ‫الشــهوات وزالت عنها‬
‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫نفوس ماتت منها‬ ‫ِ‬
‫القلب إيذان ًا بأن الكالم يف‬
‫ب ال َّل ِ‬
‫بح ُج ِ‬ ‫ِ‬
‫ذات تطمئن‬ ‫الظلامت‪ ،‬فالنفس املرتكب ُة يف الكُدورات املحفوف ُة ُ‬
‫(((‬

‫والباطل‪َ ،‬فأع َل َم باجلمع بينهام‬


‫ُ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ويستغر ُقها ُّ‬
‫الرش‬ ‫واجلهل وتسك ُن إليه‪،‬‬ ‫إىل اإلث ِم‬
‫َت حتى َ َت َّلت بأنوار اليقني »(((‪.‬‬ ‫نفس َر ِض َي ْت َ‬
‫وت َ َّرن ْ‬ ‫أن الكالم يف ٍ‬

‫بعض مناقبه رضي اهلل تعاىل عنه‪:‬‬

‫وبعد وفاة النبي ﷺ سكن أبو ثعلبة ريض اهلل تعاىل عنه الشا َم‪ ،‬وتابع فيها‬
‫مســرة العلم والتعليم‪ ،‬فكان إذا لقي من هــو أعلم منه طلب العلم عىل يديه‬
‫كأيب عبيدة ابــن اجلراح ومعاذ بن جبل‪ ،‬وإذا لقي مــن كان مث َله تذاكر العلم‬
‫معه‪ ،‬مثــل التابعي كعب األحبار(((‪ ،‬وحيرص عىل إفادة املتعلمني مما عنده من‬
‫األحاديث واألحكام‪.‬‬

‫((( كذا يف املصدر ! ولعلها تصحيف من‪ « :‬املرتكسة»‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم‪.‬‬
‫((( فيض القدير برشح اجلامع الصغري‪ ،‬للمناوي (‪.)218/3‬‬
‫((( انظر قصته معه واملحاورة العلمية التي جرت بينهام يف «تاريخ دمشــق» (‪)103/66‬‬
‫و«هتذيب الكــال» (‪ )173/33‬وهي دالة عىل عمق فهــم أيب ثعلبة ريض اهلل عنه‬
‫وفقهه يف الدين‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪54‬‬

‫ويف هذه األخالق العلمية الرفيعة يقول التابعي اجلليل القدوة أبو حازم‬
‫ســلمة بن دينار رمحه اهلل تعاىل‪ « :‬كان العــامل فيام مىض إذا لقي من هو فوقه يف‬
‫العلم كان يوم غنيمة‪ ،‬أو من هو مثله ذاكره‪ ،‬أو من هو دونه مل َي ْز ُه عليه‪ ،‬ثم كان‬
‫الناس أن‬
‫هذا الزمان أن صار الرجل إذا لقي من فوقه انقطع عنه حتى ال يرى ُ‬
‫زهو عىل من هو دونه»(((‪.‬‬ ‫به حاج ًة إليه‪ ،‬وإذا لقي من هو مث َله مل ُي ْ‬
‫ذاكره‪ ،‬و َي ُ‬
‫كام حرص ريض اهلل تعاىل عنه عىل نرش اإلســام‪ ،‬وعىل الدفاع عنه ضد‬
‫من يعتدي عىل حرماته‪ ،‬قال أبو زرعة الدمشقي‪« :‬غزا أبو ثعلبة القسطنطيني َة‬
‫مع يزيد بن معاوية سنة مخس ومخسني»(((‪ ،‬ويف هذا منقبة له؛ ملا جاء يف صحيح‬
‫البخاري من حديث أم حرام ريض اهلل تعاىل عنها أهنا سمعت النبي ﷺ يقول‪:‬‬
‫« ُ‬
‫أول جيــش مــن أمتي يغزون البحر قــد أوجبوا »‪ ،‬قالــت أم حرام‪ُ :‬‬
‫قلت‪:‬‬
‫يا رســول اهلل‪ ،‬أنا فيهم؟ قال‪ِ :‬‬
‫«أنت فيهم»‪ ،‬ثم قال النبي ﷺ‪ « :‬أول جيش من‬
‫فقلت‪ :‬أنا فيهم يا رســول اهلل؟ قال‪:‬‬
‫ُ‬ ‫أمتي يغــزون مدينة قيرص مغفور هلم »‪،‬‬
‫«ال»(((‪.‬‬
‫النبي ﷺ‬
‫بش ُّ‬ ‫ومدينة قيرص هي القسطنطينية‪ ،‬وأول جيش غزاها ‪ -‬الذي ّ َ‬
‫َ‬
‫اجليش الذي شارك فيه أبو ثعلبة اخلشني‪ ،‬كام شارك‬ ‫بأنه مغفور هلم ‪ -‬كان هذا‬
‫فيه أبو أيوب األنصاري ريض اهلل تعاىل عنهام ومات فيها (((‪.‬‬

‫((( الذخرية للقرايف (‪.)51/1‬‬


‫((( انظر تاريخ داريا لعبد اجلبار اخلوالين (ص ‪ ،)37‬وتاريخ دمشق (‪.)104-103/66‬‬
‫((( صحيح البخاري (‪.)2924‬‬
‫((( فتح الباري البن حجر (‪ ،)103 -102/6‬وقال فيه بخصوص دخول يزيد يف عموم‬
‫هذا احلديــث « قال املهلب‪ :‬يف هذا احلديث منقب ٌة ملعاويــة ألنه أول من غزا البحر‪،‬‬
‫ومنقب ٌة ِ‬
‫لولده يزيد ألنه أول من غزا مدينــة قيرص‪ ،‬وتعقبه ابن التني وابن ا ُملن َّي بام =‬
‫‪55‬‬

‫قصة وفاته رضي اهلل تعاىل عنه‪:‬‬

‫كان أبو ثعلبة ريض اهلل تعاىل عنه من ُع ّباد الصحابة(((‪ « ،‬وكان يف كل ليلة‬
‫خيرج فينظر إىل السامء‪ ،‬فيتفكر‪ ،‬ثم يرجع إىل املنزل فيسجد هلل عز وجل »(((‪.‬‬

‫وقال الوليد بن مســلم‪ :‬أن أبا ثعلبة ريض اهلل تعاىل عنه كان يقول‪ « :‬إين‬
‫ألرجو أن ال خينُقنــي اهلل عز وجل كام خينُقكم»(((‪ ،‬قال‪ « :‬فبينام هو يف رصحة‬
‫داره إذ نادى‪ ،‬يا عبد الرمحن! ‪ -‬وقد ُقتل عبد الرمحن مع رسول اهلل ﷺ ‪ ،-‬فلام‬
‫أحس باملوت أتى مسجد بيته‪ ،‬فخر ساجد ًا‪ ،‬فامت وهو ساجد »(((‪.‬‬

‫= حاصلــه أنه ال يلــزم من دخوله يف ذلك العموم أن ال خيــرج بدليل خاص؛ إذ ال‬
‫خيتلف أهل العلم أن قوله ﷺ مغفور هلم مرشوط بأن يكونوا من أهل املغفرة‪ ،‬حتى‬
‫لو ارتد واحد ممن غزاها بعد ذلك مل يدخل يف ذلك العموم اتفاقا‪ ،‬فدل عىل أن املراد‪:‬‬
‫ِ‬
‫املغفرة فيه منهم ‪.»...‬ا‪.‬هـ‪.‬‬ ‫ُ‬
‫رشط‬ ‫مغفور ملن ُوجد‬
‫ٌ‬
‫((( قال أبو نعيم يف «حلية األولياء» (‪ « :)29/2‬وأبو ثعلبة اخلشــني من عباد الصحابة‪،‬‬
‫له يف مجلة أهل الصفة ِذكــر ومدخل»‪ ،‬قلت‪ :‬لعله كان َ‬
‫أول األمر مع أهل الصفة ثم‬
‫وســع اهلل عليه‪ ،‬حيث تقدم أن وفد بني ُخشني عندما وفدوا عىل النبي ﷺ يف املدينة‬
‫ّ‬
‫نزلوا عنده‪ ،‬وهذا يقتيض أنه كان له بيت يسكنه‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫((( البداية والنهاية ال بن كثري (‪.)11/9‬‬
‫((( قال احلافظ ابن رجب احلنبيل يف «جامع العلوم واحلكم» (‪« :)357/2‬وقد كان بعض‬
‫الســلف يستحب أن ُي َهدَ عند املوت‪ ،‬كام قال عمر بن عبد العزيز‪ :‬ما ُأحب أن ُ َت ّون‬
‫سكرات املوت‪ ،‬إنه آلخر ما ُي َك ّفر به عن املؤمن‪ .‬وقال النخعي‪ :‬كانوا يستحبون‬
‫ُ‬ ‫عيل‬
‫َّ‬
‫أن ُي َهدوا عند املوت‪ .‬وكان بعضهم َيشــى من تشديد املوت أن ُيفتن‪ ،‬وإذا أراد اهلل‬
‫هونه عليه ‪ » ...‬إلخ‪.‬‬
‫املوت َّ‬
‫َ‬ ‫أن هيون عىل العبد‬
‫((( حلية األولياء أليب نعيم األصبهاين (‪ ،)31/2‬تاريخ دمشــق (‪ ،)104/66‬هتذيب =‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪56‬‬

‫احلميص (ت ‪ 100‬هـ)‬
‫ُّ‬ ‫وقال التابعي الثقة ‪ -‬تلميذ أيب ثعلبة ‪ -‬أبو الزاهرية‬
‫ســمعت أبا ثعلبة اخلشني يقول‪ :‬إين ألرجو أن ال َينُقني اهلل‬
‫ُ‬ ‫رمحه اهلل تعاىل ‪« :‬‬
‫عــز وجل كام أراكم ُ ْ‬
‫تنَقون عند املوت‪ .‬قــال‪ :‬فبينام هو يصيل يف جوف الليل‬
‫فرأت ابنت ُه أن أباها قد مات‪ ،‬فاستيقظت فزع ًة‪ ،‬فنادت أ َّمها‬
‫ْ‬ ‫ُقبض وهو ساجد‪،‬‬
‫أين أيب؟ قالت‪ :‬يف مصاله‪ ،‬فنادته فلم ُيبها‪ ،‬فأيقظته فوجدته ساجد ًا‪ ،‬فحركته‬
‫فوقع جلنبه ميت ًا »(((‪.‬‬

‫قال مجاعة من العلامء‪ :‬مات أبو ثعلبة اخلشــني ريض اهلل تعاىل عنه ســنة‬
‫مخس وسبعني بالشام‪ ،‬وذلك يف والية عبد امللك بن مروان(((‪.‬‬

‫= الكامل (‪ - )174/33‬ووقع يف اخلرب عنده تصحيف ‪ ،-‬وقال املزي‪ :‬هذا مرسل‪.‬‬


‫وعبد الرمحن هو‪ :‬عبد الرمحن بن الرش‪ ،‬أخو أيب ثعلبة اخلشني ريض اهلل تعاىل عنهام‪،‬‬
‫وقد تويف يف عهد رسول اهلل ﷺ‪ .‬انظر‪ :‬أسد الغابة البن األثري (‪ ،)387/3‬واإلصابة‬
‫يف متييز الصحابة (‪.)298/4‬‬
‫((( حلية األولياء أليب نعيم (‪ ،)30/2‬تاريخ دمشق (‪.)104/66‬‬
‫غري ذلك يف‬
‫((( انظر تاريخ دمشــق (‪ ،)104/66‬هتذيب الكــال (‪ ،)174/33‬وقيل ُ‬
‫وفاته‪.‬‬
‫‪57‬‬

‫موسى بن أبي موسى األشعري‬

‫(‪20 - ...‬هـ)‬

‫هو موسى ابن الصحايب اجلليل أيب موسى عبد اهلل بن قيس األشعري(((‪،‬‬
‫ُ‬
‫الفضل‬ ‫وأمه هي أم كلثوم بنت الفضل بن العباس بن عبد املطلب(((‪ ،‬وقد مات‬
‫ب ُن العباس شــا ًّبا‪ ،‬و «مل يرتك ولدا إال أم كلثوم‪ ،‬تزوجها احلسن بن عيل ريض‬
‫اهلل عنهام‪ ،‬ثم فارقها‪ ،‬فتزوجها أبو موسى األشعري»(((‪ ،‬فولدت له موسى‪.‬‬

‫وقد عــده ضمن الصحابة الذيــن دخلوا أصبهان‪ :‬احلافظ أبو َّ‬
‫الشــيخ‬
‫األصبهاين‪ ،‬واحلافظ أبو نُعيم األصبهاين‪ ،‬ونقله احلافظ ُمغلطاي عن أيب نُعيم‬
‫ُّ‬
‫ومل يتعقبه(((‪ ،‬ويذكره باقي العلامء يف التابعني‪.‬‬

‫قال احلافظ أبو الشــيخ األصبهاين‪« :‬وكان أليب موسى األشعري مخس ٌة‬
‫من البنني إبراهيم‪ ،‬وأبو بردة‪ ،‬وأبو بكر‪ ،‬وموسى‪ ،‬وحممدٌ بنو أيب موسى‪ ،‬وأبو‬
‫بردة أكثرهم رواية عن أيب موسى ‪.(((»...‬‬

‫((( ترمجتــه يف‪ :‬الطبقات الكــرى البن ســعد (‪ ،)269/6‬التاريخ الكبــر للبخاري‬
‫(‪ ،)287/7‬الثقــات البن حبــان (‪ ،)403/5‬تاريخ أصبهــان (‪ ،)86/1‬هتذيب‬
‫الكامل (‪ ،)155/29‬إكامل هتذيب الكامل (‪ ،)38/12‬وغريها‪.‬‬
‫((( الطبقات الكربى البن سعد (‪.)269/6‬‬
‫((( االستيعاب البن عبد الرب (‪.)1270/3‬‬
‫((( طبقات املحدثني بأصبهان أليب الشيخ (‪ ،)292/1‬تاريخ أصبهان أليب نعيم (‪،68/1‬‬
‫‪ ،)86‬إكامل هتذيب الكامل ُمل ُغلطاي (‪.)38/12‬‬
‫فأتيت به النبي =‬
‫ُ‬ ‫((( ثم روى أبو الشــيخ عن أيب موسى ريض اهلل عنه قال‪« :‬ولد يل غالم‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪58‬‬

‫وقد حرص أبو موســى ريض اهلل تعاىل عنه عىل تنشــئة أبنائه عىل العلم‬
‫واخلري‪ ،‬فكان ابنه أبو بردة عامل ًا من أوعية العلم‪ ،‬قاضي ًا حمدِّ ث ًا ثق ًة(((‪ ،‬وأبو بكر‬
‫أخوه كان عاملا كذلك وتوىل قضاء الكوفة وكان حمدِّ ث ًا ثق ًة(((‪.‬‬

‫عم‬
‫أما موســى فيظهر أنه اشتغل بالعلم‪ ،‬ثم روى احلديث عن أبيه وعن ّ‬
‫والدته عبد اهلل بن عباس ريض اهلل عنهم‪ ،‬وروى عنه أسيد بن أيب أسيد ومقاتل‬
‫بن بشري العجيل(((‪ ،‬وكان ممن ساهم بعد ذلك يف نرش اإلسالم يف بالد املرشق‬
‫حيث رافق أباه يف فتح أصبهان‪.‬‬

‫قصة وفاته رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬

‫توجه موسى بن أيب موسى األشعري مع أبيه ريض اهلل عنهام إىل أصبهان‬
‫آخر سنة عرشين‪،‬‬
‫الفتح َ‬
‫ُ‬ ‫للمشاركة يف فتحها‪ ،‬فت ُُويف فيها مقتوالً‪ ،‬وقد كان هذا‬
‫وقيل‪ :‬إحدى وعرشين للهجرة(((‪ ،‬يف خالفة عمر بن اخلطاب ريض اهلل عنهم‬
‫أمجعني‪.‬‬

‫روى أبو الشيخ بسنده إىل مرداس بن نمري عن أبيه قال‪« :‬كنت من حرس‬

‫= ﷺ‪ ،‬فســاه إبراهيم وحنكه بتمرة‪ ،‬ودعا له بالربكة‪ ،‬ودفعه إ ّيل»‪ .‬طبقات املحدثني‬
‫بأصبهان (‪.)249-248/1‬‬
‫((( انظر ترمجته يف سري أعالم النبالء (‪.)5/5‬‬
‫((( انظر ترمجته يف تاريخ اإلسالم للذهبي (‪)185/3‬‬
‫((( هتذيب الكامل للمزي (‪.)155/29‬‬
‫((( تاريخ أصبهان (‪.)40/1‬‬
‫‪59‬‬

‫شف‬‫عبد اهلل بن قيس [هو أبو موسى األشعري] حني قدم أصبهان‪ ،‬فقام عىل َ َ‬
‫السهم يف َع ُجزه‪ ،‬فاستُشهد‬
‫ُ‬ ‫احلصن ِع ْل ٌج فرمى ابنه [هو موسى] بسهم‪ ،‬ف ُغ ِرز‬
‫ِ‬

‫وهو ســاجد‪ ،‬وجزع عليه أبوه جزع ًا شديد ًا حتى أغمي عليه‪ ،‬فأفاق‪ ،‬وظفرنا‬
‫بالعلــج فقتلناه‪ ،‬ثم نَزع عن ابنــه اخلف‪ ،‬وصىل عليه‪ ،‬ودفنــه ب َك ْل ِمه وثيابه‪،‬‬
‫وسوى قربه ‪.(((»...‬‬
‫ّ‬

‫ومل تســعفنا املصادر بأخبار أخرى عنه‪ ،‬رمحه اهلل تعاىل وريض عنه وتقبله‬
‫يف الصاحلني‪ ،‬فقد مات شهيد ًا مص ِّلي ًا ساجد ًا‪.‬‬

‫((( طبقــات املحدثني بأصبهان والواردين عليهــا (‪ ،)239/1‬تاريخ أصبهان أليب نعيم‬
‫(‪.)87/1‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪60‬‬

‫جماهد بن جرب‬

‫(‪102 - 21‬هـ أو بعدها)‬

‫واملفسين‪ ،‬الفقيه‪ ،‬املحدث احلافظ‬


‫ِّ‬ ‫القراء‬
‫اإلمام التابعي اجلليل‪ ،‬شــيخ ّ‬
‫الثقة‪ ،‬الزاهد العابد الورع احلكيم‪ ،‬أبو احلجاج املكي‪ ،‬األسود‪ ،‬موىل السائب‬
‫بن أيب السائب املخزومي(((‪.‬‬

‫أخذ علمه عن مجع مــن الصحابة كأيب هريرة‪ ،‬وعبد اهلل بن عمر‪ ،‬وجابر‬
‫األنصاري‪ ،‬وغريهم ريض اهلل تعاىل عنهم‪.‬‬

‫أكثر اســتفادته من حرب((( األمة عبد اهلل بن عباس‪ ،‬فالزمه سنني‪،‬‬


‫وكان ُ‬
‫َ‬
‫واحلديث‪ ،‬حتى قال حييى بن‬ ‫وتفســرا‪ ،‬والفق َه‬
‫ً‬ ‫وأخذ عنه علوم القرآن قراء ًة‬
‫معني‪ :‬جماهد بن جرب هو صاحب ابن عباس‪.‬‬

‫ويقول جماهد بن جرب‪ :‬عرضت القرآن عىل ابن عباس ثالثني مرة‪.‬‬

‫وقال أيض ًا‪ :‬عرضت القرآن عىل ابن عباس ثالث عرضات‪َ ،‬أ ِق ُفه عىل كل‬
‫فيم نزلت؟ وكيف كانت؟(((‪.‬‬
‫آية أسأله َ‬

‫((( اقتبســت نصوص ترمجته من «تاريخ دمشق» البن عساكر (‪ ،)44-17/57‬و«سري‬


‫أعالم النبالء» للذهبي (‪ ،)457-449/4‬ويف هذا األخري قائم ٌة بمصادر ترمجته‪.‬‬
‫كرسها‪ ،‬وعند‬
‫األفصح ُ‬
‫َ‬ ‫((( َ‬
‫احلـِـــر‪ :‬اختلف أهل اللغة يف ضبط احلاء منها‪ ،‬فبعضهم أن‬
‫األصمعي رمحه اهلل تعاىل‬
‫َّ‬ ‫جــوز الوجهني‪ ،‬حتى إن‬
‫ّ‬ ‫وبعضهم‬
‫ُ‬ ‫غريهم بالفتح ال غري‪،‬‬
‫احلرب للرجل العامل»!‪ ،‬انظر «لســان العرب» البن منظور‬ ‫قال‪« :‬ال أدري أهو احلرب أو ِ‬
‫َ‬
‫(‪.)158-157/4‬‬
‫((( فيظهر ‪ -‬واهلل تعاىل أعلم ‪ -‬أن ال َع َرضات الثالثني كانت خلتم القرآن قراء ًة وحتقيق ًا =‬
‫‪61‬‬

‫أكب رمحه اهلل تعاىل عىل القرآن تعلام وتعليام‪ ،‬حتى قال عن نفســه‪:‬‬
‫وقــد ّ‬
‫ُ‬
‫القرآن »‪.‬‬ ‫علمي‬
‫َ‬ ‫« استفر َغ‬

‫وقال سفيان الثوري‪ :‬خذوا التفسري عن أربعة‪ :‬سعيد بن جبري‪ ،‬وجماهد‪،‬‬


‫وعكرمة‪ ،‬والضحاك بن مزاحم‪.‬‬

‫وقال تلميذ هؤالء اإلمام الفقيه ُخصيــف بن عبد الرمحن‪ :‬كان أع َل َمهم‬
‫بالتفسري جماهدٌ ‪.‬‬

‫أعلم من بقي باحلالل واحلرام‬


‫وقال التابعي قتادة بن دعامة السدويس‪ :‬إن َ‬
‫وأعلم من بقي بالقرآن جماهدٌ ‪-‬يعني التفسري‪.-‬‬
‫َ‬ ‫الزهري‪،‬‬
‫ُّ‬

‫ســمعت من‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫أكون‬ ‫وقــال إمام مكة يف زمانــه عبدُ امللك بن جريج‪َ :‬لن‬
‫أحب إ َّيل من أهيل ومايل‪.‬‬
‫سمعت جماهدً ا ُّ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫فأقول‬ ‫جماهد‬

‫كثري ن ّية‪ ،‬ثم رزق اهللُ الني َة بعدُ ‪.‬‬


‫قال جماهد‪ :‬طلبنا هذا العلم وما لنا فيه ُ‬

‫وقال ســملة بن كُهيل‪ :‬مــا رأيت أحدً ا يريد بعلمه وجــ َه اهلل إال هؤالء‬
‫الثالثة‪ :‬عطاء‪ ،‬وطاووس‪ ،‬وجماهد‪.‬‬

‫ولما بلغ جماهدٌ هذه املرتب َة العالي َة من اإلخالص والصدق والعلم الغزير‬
‫ّ‬
‫نال احــرام الصحابة ريض اهلل عنهم‪ ،‬فكانوا ُي ّلونــه ويتواضعون له تقديرا‬
‫ملكانته يف العلم‪.‬‬

‫ُ‬
‫الثالث تلك فكانت ملا سبق مع زيادة حتقيق وحترير‬ ‫العرضات‬ ‫= ومدارس ًة عامة‪ ،‬أ ّما َ‬
‫تفسريا وأسبا ًبا وعلوم ًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫لكل آية‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪62‬‬

‫صحبت اب َن عمر وأنا أريد أن أخدمه فكان خيدمني‪.‬‬


‫ُ‬ ‫قال جماهد‪:‬‬

‫أركب يأتيني‬
‫َ‬ ‫أردت أن‬
‫ُ‬ ‫أصحب اب َن عمر يف السفر‪ ،‬فإذا‬
‫ُ‬ ‫أيضا‪ :‬كنت‬ ‫وقال ً‬
‫عيل ثيايب‪ .‬قال جماهد‪ :‬فجاءين مرة‪ ،‬فكأين‬
‫ســوى ّ‬
‫ّ‬ ‫ركبت‬
‫ُ‬ ‫فيمسك ِركايب‪ ،‬فإذا‬
‫كرهت ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬يا جماهد‪ ،‬إنك ضيق اخل ُلق‪.‬‬
‫ُ‬

‫واحلكم والفوائد(((‪:‬‬
‫من أقواله يف التفسري ِ‬
‫العبد ولدَ ه وولدَ ِ‬
‫ولده‪.‬‬ ‫بصالح ِ‬
‫ِ‬ ‫صلح‬
‫قال جماهد‪ :‬إن اهلل تعاىل ل ُي ُ‬

‫وقال‪ :‬إذا خرج الرجل [أي من بيته] حرضه الشيطان‪ ،‬فإذا قال بسم اهلل‪،‬‬
‫قيل‪ُ :‬هديت‪ ،‬فإذا قال‪ :‬توكلت عىل اهلل‪ ،‬قيل‪ :‬كُفيت‪ ،‬وإذا قال‪ :‬ال حول وال قوة‬
‫وحفظ؟‬
‫إال باهلل‪ ،‬قيل‪ُ :‬حفظت‪ ،‬فيقال‪ :‬كيف يكون بمن قد ُهدي وكُفي ُ‬

‫وقــال يف قولــه تعــاىل﴿ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋﮌ ﴾ [النور‪: ]55 :‬‬


‫ال حيبون غريي‪.‬‬

‫َ‬
‫الرجل فضحك‬ ‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫وعــن طلحة بن مرصف عن جماهد قال‪ :‬إذا لقي‬
‫اليابس عن الشــجر‪ ،‬فقال‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الورق‬ ‫الريح‬
‫ُ‬ ‫الذنوب كام َين ُث ُر‬
‫ُ‬ ‫يف وجهه ذابت عنهم‬
‫طلحة‪ :‬وحيك إن هذا من العمل يســر! فقال‪ :‬أما ســمعت قوله تعاىل ﴿ ﭣ‬
‫ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰﭱ ﴾‬
‫[األنفال‪]63 :‬؟‬

‫األقوال ك َّلها يف ترمجته من «حلية األوليــاء» للحافظ أيب نعيم األصبهاين‬


‫َ‬ ‫((( انظر هــذه‬
‫(‪.)300-284/3‬‬
‫‪63‬‬

‫وعن عبدة بن أيب لبابة‪ ،‬عن جماهد‪ ،‬قال‪ :‬ما التقى مســلامن فتصافحا إال‬
‫غفر هلام ذنوهبام قبل أن يتفرقا ‪-‬أو حتاتت عنهام ذنوهبام‪ ،-‬قلت‪ :‬إن ذلك يسري!‬
‫قال‪ :‬ال تقل ذلك‪ ،‬إن اهلل عز وجل يقــول﴿ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ‬
‫ﭪ ﭫ ﭬ﴾[األنفال‪ ،]63 :‬قال‪ :‬فكان جماهدٌ أفق َه مني‪.‬‬

‫إبليس اب َن آدم ســاجدا قــط إال ا ْلتطم ودعا بالويل‪ ،‬ثم‬


‫ُ‬ ‫أيضا‪ :‬مل َي َر‬
‫وقال ً‬
‫يقول‪ُ :‬أمر هذا بالسجود فســجد فله اجلنة‪ ،‬و ُأمرت بالسجود فلم أسجد فيل‬
‫النار‪.‬‬

‫وفاته ‪:‬‬

‫قــال احلافظ أبو ُن َعيم الفضل ب ُن ُدكَني‪ :‬مــات جماهد يف ثنتني ومائة وهو‬
‫ساجد‪ .‬رمحه اهلل تعاىل(((‪.‬‬

‫وقال ابن ِح ّبان‪ « :‬كان مولده ســنة إحدى وعرشيــن‪ ،‬وكان من ال ُع ّباد‬
‫واملتجردين يف الزهاد‪ ،‬مع الفقه والورع‪ ،‬مات بمكة وهو ســاجد سنة ثنتني أو‬
‫ثالث ومائة »(((‪.‬‬

‫((( تاريخ دمشق (‪ ،)40/57‬سري أعالم النبالء (‪.)455/4‬‬


‫((( مشاهري علامء األمصار (ص ‪.)133‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪64‬‬

‫جعفر بن إياس‬

‫(‪124 - ...‬هـ‪ ،‬وقيل بعدها)‬

‫إياس ال َي ْشك ُِر ُّي‪ ،‬البرصي ثم الواسطي‪،‬‬


‫ِ‬ ‫هو أبو بِرش‪ ،‬جعفر بن أيب وحش ّية‬
‫ِ‬
‫واألئمة الكبار(((‪.‬‬ ‫أحدُ احلفاظ‬

‫قــال الذهبي‪ :‬وكان من كبار العلامء‪ ،‬معــدو ٌد يف التابعني‪ ،‬فإنه روى عن‬
‫ِ‬
‫الصحابة‪ -‬حديث ًا يف السنن سمعه(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫‪-‬أحد‬ ‫شحبيل اليشكري‬ ‫َع ّباد ِ‬
‫بن ُ َ‬

‫حدّ ث عن ســعيد بن جبــر وكان من أثبت الناس فيه‪ ،‬وعن الشــعبي‪،‬‬


‫وطاووس‪ ،‬وجماهد بن جرب‪ ،‬وعطــاء بن أيب رباح‪ ،‬وعكرمة موىل ابن عباس‪،‬‬
‫ِ‬
‫وغريهم‪.‬‬

‫وغريهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وروى عنه‪ :‬األعمش‪ ،‬وشعبة‪ ،‬وأبو عوانة‪،‬‬

‫وأصحاب‬
‫ُ‬ ‫ومســلم‬
‫ٌ‬ ‫البخاري‬
‫ُّ‬ ‫وخرج حدي َثه‬
‫وكان مــن ثقات املحدثني‪ّ ،‬‬
‫السنن‪.‬‬

‫((( اقتبست ترمجته من‪ :‬سري أعالم النبالء (‪ ،)465/5‬ميزان االعتدال (‪ ،)402/1‬الوايف‬
‫بالوفيات للصفدي (‪ ،)77/11‬تقريب التهذيب للحافظ ابن حجر (ص ‪.)139‬‬
‫((( ســنن أيب داود (‪ ،)2620‬ســنن النســائي (‪ ،)5409‬ســنن ابن ماجــه (‪،)2298‬‬
‫وانظــر ترمجة ع ّباد ريض اهلل عنه يف «اإلصابة يف متييــز الصحابة» للحافظ ابن حجر‬
‫(‪ ،)499/3‬وقد ذكره يف القسم األول‪.‬‬
‫‪65‬‬

‫قصة وفاته ‪:‬‬

‫قال نوح بن حبيب‪ :‬كان أبو بِرش ساجدً ا خلف املقام حني مات رمحه اهلل‪،‬‬
‫مات سنة أربع وعرشين ومائة‪.‬‬

‫غري ذلك‪.‬‬
‫وقال مجاعة من العلامء‪ :‬تويف سنة مخس وعرشين ومائة‪ ،‬وقيل ُ‬

‫رمحه اهلل تعاىل وريض عنه‪.‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪66‬‬

‫صفوان بن ُس َل ْيم‬

‫(‪132 - 60‬هـ)‬

‫ِ‬
‫واألئمة الفقهاء املحدِّ ثني األبرار‪،‬‬ ‫التابعي اجلليل‪ ،‬أحد ال ُع ّباد األخيــار‪،‬‬
‫من فقهاء املدينة املنورة عىل ساكنها الصالة والسالم‪ ،‬ومن شيوخ اإلمام مالك‬
‫بن أنس(((‪.‬‬

‫فأقترص عىل ما ذكره احلافظ‬


‫ُ‬ ‫سريته العطرة مألت كتب الرتاجم والتاريخ‪،‬‬
‫الذهبي من ترمجته يف «ســر أعالم النبالء» ِ‬
‫منتخب ًا من كالمه ما يناسب املقام‬
‫هنا‪ ،‬ثم أضيف إليه بعض ما جاء يف «تاريخ دمشق» البن عساكر يف ترمجته‪.‬‬

‫فانتفع به‪ ،‬قال‬ ‫آثار التقوى والفراســة‪،‬‬ ‫مالك ِ‬


‫بن ٍ‬ ‫صفــوان يرى يف تلميذه ِ‬
‫ُ‬
‫َ‬ ‫أنس َ‬ ‫((( وكان‬
‫صفوان ب ُن سليم ‪-‬وهو أحد شيوخ مالك ِ‬
‫اجللة‬ ‫ُ‬ ‫أبو احلســن املطالبي‪ « :‬ســأل مالك ًا‬
‫صغري الســن‪ ،‬فقال‬
‫ُ‬ ‫ٌ‬
‫ومالك إذ ذاك غال ٌم‬ ‫الفضالء النقاد‪ -‬عــن رؤيا رآها يف النوم‪،‬‬
‫أنظر يف مرآة‪.‬‬
‫كأن ُ‬ ‫له‪ :‬ومث ُلك يســأل مثيل ؟ فقال له‪ :‬وما عليك يــا ابن أخي‪ ،‬رأيت ّ‬
‫فقــال له مالك‪ :‬أنت تنظر يف أمر آخرتك وما يقربك إىل ربك‪ .‬فقال له صفوان‪ :‬أنت‬
‫بقيت لتكونن مالكًا‪ ،‬اتق اهلل يا مالك إذا كنت مالك‪ ،‬وإال فأنت‬ ‫اليوم ُم ٌ‬
‫ويلك‪ ،‬ولئن َ‬
‫هالك‪.‬‬
‫قبل يدعوين ُم َو ِيلك‪ ،‬فلام ســألني قال يا أبا عبد اهلل‪ ،‬وهو ُ‬
‫أول يو ٍم‬ ‫قال مالك‪ :‬وكان ُ‬
‫كنّاين فيه‪.‬‬
‫ال جلواب ما‬‫قال املطالبي‪ :‬ويف قوله (وما عليك) إشــار ٌة إىل أنه كان عنده مســـتأه ً‬
‫الغوص يف عل ِم‬
‫َ‬ ‫ّ‬
‫استحل لنفسه وال له‬ ‫سأل عنه‪ ،‬ولو مل يكن عنده كذلك ملا سأله‪ ،‬وال‬
‫ِ‬
‫والتالعب بالنبوءة »‪( .‬انظر ترتيب املدارك ‪.)145/1‬‬ ‫ِ‬
‫الغيب‬
‫‪67‬‬

‫قال احلافظ أبو عبد اهلل الذهبي رمحه اهلل تعاىل(((‪:‬‬

‫« صفوان ب ُن ُس َل ْيم‪ ،‬القريش الزهري‪ ،‬املدين‪ ،‬اإلمام الثقة احلافظ‪ ،‬الفقيه‪،‬‬


‫أبو عبد اهلل ‪ -‬وقيل‪ :‬أبو احلارث ‪ ،-‬موىل ُحيد بن عبد الرمحن بن عوف‪.‬‬

‫جل َم ِح ّية‪ ،‬وجابر بن‬


‫حدث عن‪ :‬ابن عمر‪ ،‬وأنس‪ ،‬وأم ســعد بنت عمرو ا ُ‬
‫عبد اهلل‪.‬‬

‫وعــن‪ُ :‬حيــد ‪ -‬مواله ‪ -‬وعطاء بن يســار‪ ،‬ونافع بن جبــر بن مطعم‪،‬‬


‫ٍ‬
‫وخلق سواهم‪.‬‬ ‫وطاووس‪ ،‬وسعيد بن املسيب‪،... ،‬‬

‫وعنه‪ :‬يزيد بن أيب حبيب‪ ،‬وموسى بن عقبة‪ ،‬وابن جريج‪ ،‬وابن عجالن‪،‬‬
‫وخلق كثري‪ ،‬آخرهم‬
‫ٌ‬ ‫ومالك‪ ،‬والليث‪ ،‬وعبد العزيز الدراوردي‪ ،‬والسفيانان‪،‬‬
‫وفاةً‪ :‬أبو ضمرة الليثي‪.‬‬

‫قال ابن سعد‪ :‬كان ثق ًة‪ ،‬كثري احلديث‪ ،‬عابد ًا‪.‬‬

‫وقال عيل بن املديني‪ ،‬وأبو حاتم‪ ،‬والعجيل‪ ،‬والنسائي‪ :‬ثقة‪.‬‬

‫وعن أمحد بن حنبل‪ ،‬قال‪ :‬من الثقات‪ُ ،‬يستشــفى بحديثه‪ ،‬وينزل القطر‬
‫من السامء بذكره‪.‬‬

‫وروى عبد اهلل بن أمحد‪ ،‬عن أبيه‪ :‬ثق ٌة‪ ،‬من خيار عباد اهلل الصاحلني‪.‬‬

‫((( سري أعالم النبالء (‪ )369 - 364/5‬باختصار وترصف‪.‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪68‬‬

‫وقال يعقوب بن شــيبة‪ :‬ثبت‪ ،‬ثقة‪ ،‬مشــهور بالعبادة‪ ،‬ســمعت عيل بن‬
‫عبد اهلل يقول‪:‬‬

‫ُ‬
‫صفوان ب ُن سليم ُيصيل عىل السطح يف الليلة الباردة لئال جييئه النوم‪.‬‬ ‫كان‬

‫وقال مالك بن أنس‪ :‬كان صفوان بن ســليم يصيل يف الشتاء يف السطح‪،‬‬


‫ويف الصيف يف بطن البيت‪ ،‬يتي ّقظ باحلــر والربد‪ ،‬حتى يصبح‪ ،‬ثم يقول‪ :‬هذا‬
‫اجلهد من صفوان وأنت أعلم‪ ،‬وإنه َل َ ِت ُم رجاله حتى يعود ِّ‬
‫كالســ ْقط من قيام‬
‫رض(((‪.‬‬ ‫ٌ‬
‫عروق ُخ ٌ‬ ‫الليل‪ ،‬ويظهر فيه‬

‫َ‬
‫صفوان‬ ‫رأيت‬
‫وروى‪ :‬حممد بن يزيد اآلدمي‪ ،‬عن أنس بن عياض‪ ،‬قال‪ُ :‬‬
‫ابن ســليم‪ ،‬ولو قيل له‪ :‬غدً ا القيامة‪ ،‬ما كان عنده مزيــدٌ عىل ما هو عليه من‬
‫العبادة‪.‬‬

‫((( وقــد ذكر أبــو حامد الغزايل رمحه اهلل تعــاىل أن صفوان بن ســليم كان من األقوياء‬
‫يف العبــادة‪ ،‬وكان ممن يقــوم الليل ُك ّله‪ ،‬قال رمحه اهلل تعــاىل يف «إحياء علوم الدين»‬
‫(‪:)359/1‬‬
‫سبع مراتب‪ ،‬األوىل‪ :‬إحيا ُء ك ُِّل الليل‪ ،‬وهذا‬
‫املقدار له ُ‬
‫ُ‬ ‫أن إحيا َء ِ‬
‫الليل من حيث‬ ‫«اعلم َّ‬
‫وتلذذوا بمناجاته‪ ،‬وصار ذلك غذا ًء هلم‪،‬‬ ‫شــأن األقوياء الذين جتردوا لعبادة الليل‪ّ ،‬‬
‫ُ‬
‫ور ُّدوا املنا َم إىل النهار‪ ،‬ويف وقت اشــتغال‬
‫وحيــا ًة لقلوهبم‪ ،‬فلم َي ْت َع ُبوا بطول القيام‪َ ،‬‬
‫مجاعة من الســلف‪ ،‬كانوا يصلــون الصبح بوضوء‬ ‫ٍ‬ ‫طريق‬
‫النــاس‪ ،‬وقــد كان ذلك ُ‬
‫العشــاء‪ ،‬حكى أبو طالب املكي‪ :‬أن ذلك ُحكي عىل ســبيل التواتر واالشتهار عن‬
‫أربعني من التابعني‪ ،‬وكان فيهم من واظب عليه أربعني ســنة‪ ،‬قال‪ :‬منهم ســعيد بن‬
‫املسيب‪ ،‬وصفوان بن ســليم املدنيان‪ ،‬وفضيل بن عياض ووهيب بن الورد املكيان‪،‬‬
‫‪ »...‬إىل آخر كالمه‪ ،‬ورسد مجاعة من الســلف‪ ،‬ثم ذكر بقية املراتب الســبع‪ ،‬فانظره‬
‫هناك يف آخر الكتاب العارش من ربع العبادات إن شئت‪.‬‬
‫‪69‬‬

‫ُ‬
‫صفوان ب ُن ســليم إىل مكة‪ ،‬فام‬ ‫وقال عبد العزيــز بن أيب حازم‪ :‬عا َد َلني‬
‫وضع جنبه يف املحمل حتى رجع‪.‬‬

‫نى‪ ،‬فســألت عنه‪ ،‬فقيل‬ ‫ُ ِ‬


‫فذهبت بم ً‬ ‫قال ســفيان بن عيينة‪ :‬حج صفوان‪،‬‬
‫شيخا إذا رأيتَه‬ ‫اخليف ْفأ ِ‬
‫ت املنارةَ‪ ،‬فانظر أمامها قليال ً‬ ‫دخلت مســجد ِ‬
‫َ‬ ‫يل‪ :‬إذا‬
‫ُ‬
‫صفوان ب ُن ُسليم‪.‬‬ ‫علمت أنه خيشى اهلل ‪-‬تعاىل‪ -‬فهو‬
‫َ‬

‫علمت‬
‫ُ‬ ‫سألت عنه أحدا حتى جئت كام قالوا‪ ،‬فإذا أنا بشيخ كام رأيته‪،‬‬
‫ُ‬ ‫فام‬
‫فجلست إليه‪ ،‬فقلت‪ :‬أنت صفوان بن سليم؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أنه خيشى اهلل‪،‬‬

‫وحج صفوان بن ســليم وليس معه إال ســبعة دنانري‪ ،‬فاشرتى هبا‬
‫َّ‬ ‫قال‪:‬‬
‫سمعت اهللَ يقول‪﴿ :‬ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫ُ‬ ‫بدنة‪ ،‬فقيل له يف ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إين‬
‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ﴾ [احلج‪.]36 :‬‬

‫وروى‪ :‬كثــر بن حييى عن أبيه‪ ،‬قال‪ :‬قدم ســليامن بن عبد امللك املدين َة‪،‬‬
‫ِ‬
‫بالظهر‪ ،‬ثم فتح باب‬ ‫وعمــر بن عبد العزيز ٌ‬
‫عامل عليها‪ ،‬قال‪ :‬فصــى بالناس‬ ‫ُ‬
‫الناس بوجهه‪ ،‬فنظر إىل صفوان بن‬
‫َ‬ ‫املقصورة‪ ،‬واستند إىل املحراب‪ ،‬واستقبل‬
‫سليم‪ ،‬فقال لعمر‪ :‬من هذا؟ ما رأيت أحسن َس ْمت ًا منه! قال‪ :‬صفوان‪.‬‬

‫قال‪ :‬يا غالم‪ ،‬كيس فيه مخســائة دينار‪ ،‬فأتاه به‪ ،‬فقال خلادمه‪ :‬اذهب هبا‬
‫إىل ذلك القائم‪.‬‬

‫فأتى‪ ،‬حتى جلس إىل صفوان وهو يصيل‪ ،‬ثم ســلم‪ ،‬فأقبل عليه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪70‬‬

‫ما حاجتك؟ قال‪ :‬يقول أمري املؤمنني‪ :‬استعن هبذه عىل زمانك وعيالك‪ ،‬فقال‬
‫أرسلت إليه‪.‬‬
‫َ‬ ‫لست الذي‬
‫صفوان‪ُ :‬‬

‫َ‬
‫صفوان ب َن سليم؟ قال‪ :‬بىل‪.‬‬ ‫ألست‬
‫َ‬ ‫قال‪:‬‬

‫أرسلت‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قال‪ :‬فإليك‬

‫قال‪ :‬اذهب‪ ،‬فاستثبت‪.‬‬

‫ُ‬
‫صفوان نعليه‪ ،‬وخرج‪ ،‬فلم ُير هبا‪ ،‬حتى خرج سليامن‬ ‫فوىل الغالم‪ ،‬وأخذ‬
‫من املدينة‪.‬‬

‫وقال املنكدر بن حممد‪ُ :‬كنّا مع صفوان بن سليم يف جنازة‪ ،‬وفيها أيب وأبو‬
‫نفرا مــن العباد‪ ،‬فلام ُص ِّ َل عليها‪ ،‬قال صفوان‪ :‬أما هذا‪ ،‬فقد‬
‫حازم ‪ ، ...‬وذكر ً‬
‫انقطعت عنه أعامله‪ ،‬واحتاج إىل دعاء مــن خلف بعده‪ .‬قال‪ :‬فأبكى ‪-‬واهلل‪-‬‬
‫القوم مجيعا‪.‬‬

‫َ‬
‫صفوان ب َن ُســليم يقول‪ :‬يف‬ ‫ســمعت‬
‫ُ‬ ‫وعن أيب ُزهرة موىل بني أمية قال‪:‬‬
‫املوت راحة للمؤمن من شدائد الدنيا‪ ،‬وإن كان ذا ُغصص وكرب‪ ،‬ثم ذرفت‬
‫عيناه‪.‬‬

‫البقيع يف األيام‪،‬‬
‫َ‬ ‫وقال حممد بن صالح التامر‪ :‬كان صفوان بن ســليم يأيت‬
‫فيم ّر يب‪ ،‬فاتبعته ذات يوم‪ ،‬وقلت‪ :‬ألنظرن ما يصنع‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪71‬‬

‫وظننت‬
‫ُ‬ ‫فقنع رأســه(((‪ ،‬وجلس إىل قرب منها‪ ،‬فلم يزل يبكي حتى رمحتُه‪،‬‬
‫ومر يب مرة أخرى‪ ،‬فاتبعتُه‪ ،‬فقعد إىل جنب ٍ‬
‫قرب غريه‪ ،‬ففعل‬ ‫ِ‬
‫بعض أهله‪ّ ،‬‬ ‫رب‬
‫أنه ق ُ‬
‫مثل ذلك‪.‬‬

‫فذكرت ذلك ملحمد بن املنكــدر‪ ،‬وقلت‪ :‬إنام ظننت أنه قرب بعض أهله‪،‬‬
‫ُ‬
‫فقال حممد‪ :‬كلهم أهله وإخوته‪ ،‬إنام هــو رجل حيرك قل َبه بذكر األموات كلام‬
‫عرضت له قسوة‪.‬‬

‫يمر يب‪ ،‬فيأيت البقيع‪ ،‬فســلمت عليه ذات يوم‪ ،‬فقال‪:‬‬


‫قال‪ :‬ثم جعل حممد ُّ‬
‫أما نفعك موعظة صفوان؟‬

‫ألقيت إليه منها »‪ .‬انتهى ُ‬


‫النقل عن الذهبي‪.‬‬ ‫ُ‬ ‫فظننت أنه انتفع بام‬
‫ُ‬

‫أيضا أخبار أخــرى تدُ ل عىل ِح ِ‬


‫لمــه ورفي ِع ُخ ُلقه‬ ‫وقــد جاء يف ترمجتــه ً‬
‫ٌ‬
‫وعبادته‪ ،‬منها ما أخرجه احلافظ اب ُن عساكر يف ترمجته عن عبد العزيز بن حممد‬
‫الدراوردي قال‪:‬‬

‫َ‬
‫صفوان ب َن ُســليم يعتمد يف الصالة عىل عصا‪ ،‬فكان ُيســمى هو‬ ‫رأيت‬
‫ُ‬
‫وعصاه‪ :‬الزوج‪ّ ،‬‬
‫فصل إىل جنبه غال ٌم من بني عامر بن لؤي‪ ،‬فقال له‪ :‬ال تزمحني‬

‫ص ببرصه نحو اليشء ال يرصفه عنه‪ .‬ويف التنزيل‪:‬‬ ‫وش َ‬


‫ــخ َ‬ ‫((( «أقنع رأســه وعنقه‪ :‬رفعه َ‬
‫﴿ﭒ ﭓ ﴾ [إبراهيم‪ ،]43 :‬ا ُمل ْقنِع‪ :‬الذي يرفع رأسه ينظر يف ذل‪ ،‬واإلقناع‪:‬‬
‫رفع الرأس والنظر يف ذل وخشوع »‪ .‬قاله ابن منظور يف لسان العرب (‪.)299/8‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪72‬‬

‫ُ‬
‫صفوان ب ُن سليم يف منزله‪ ،‬فقيل‬ ‫بعصاك فأكرسها عىل رأسك! قال‪ :‬ف َط َرحها‬
‫كنت أمحِ ُلها للخري‪ ،‬واآلن أنا أخاف من الرش(((‪.‬‬
‫له فيها‪ ،‬فقال‪ :‬إنام ُ‬

‫ُ‬
‫صفوان ب ُن ســليم ال يكا ُد خيرج من‬ ‫وعن أيب علقمــة املديني قال‪ :‬كان‬
‫خيرج بكى‪ ،‬وقال‪ :‬أخاف أن ال أعود إليه(((‪.‬‬
‫مسجد النبي ﷺ‪ ،‬فإذا أراد أن ُ‬

‫َ‬
‫صفوان‬ ‫رجل ِمن أهل الشــام يف النوم كأن‬‫ت ٌ‬ ‫وقال ســفيان بن عيينة‪ :‬و ُأ ِ َ‬
‫َ‬
‫فدخل املدين َة فسأل عنه‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫قميص كسا ُه مسكينًا‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫ب َن ُســليم ُأدخل اجلن َة يف‬
‫فتحمل عليه‬
‫َّ‬ ‫ربين عن قصة القميص‪ ،‬فأبــى أن ُيربه‪،‬‬ ‫فد ُّلــوه عليه‪ ،‬فقال‪ :‬أخ ْ‬
‫قميص كسا ُه مسكينا‪،‬‬‫ٍ‬ ‫بأصحابه‪ ،‬فقال‪ :‬إين رأيت يف النوم كأنه ُأدخل اجلن َة يف‬
‫ذات ٍ‬
‫ليلة إىل‬ ‫خرجت َ‬
‫ُ‬ ‫ربنا عن قصته‪ ،‬قال‪ :‬فلم يزالوا به‪[ ،‬حتى] قال‪:‬‬ ‫فس ُلوه خي ْ‬
‫غري الذي‬
‫قميص َ‬ ‫ٌ‬ ‫رب ِد‪ ،‬ومل يكن يل‬
‫مسكني يرتعد من ال ْ‬
‫ٌ‬ ‫الس َحر‪ ،‬فإذا‬
‫املسجد يف َّ‬
‫عيل‪ ،‬فكسوته إياه(((‪.‬‬
‫كان َّ‬

‫وفاته‪:‬‬
‫جاء يف ترمجته يف «سري أعالم النبالء» للذهبي(((‪:‬‬

‫قال أبو غسان النهدي‪ :‬سمعت ســفيان بن عيينة ‪ -‬وأعانه عىل احلديث‬
‫أخوه ‪ ،-‬قال‪ :‬حلــف صفوان أال يضع جنبه باألرض حتى يلقى اهللَ‪ ،‬فمكث‬

‫((( تاريخ دمشق البن عساكر (‪.)129/24‬‬


‫((( تاريخ دمشق البن عساكر (‪.)129/24‬‬
‫((( تاريخ دمشق البن عساكر (‪.)131-130/24‬‬
‫((( سري أعالم النبالء (‪.)369 - 364/5‬‬
‫‪73‬‬

‫حضته الوفاة‪ ،‬واشــتد به النزع وال َع َلز‬


‫(((‬
‫عىل ذلك أكثر من ثالثني عام ًا‪ ،‬فلام َ‬
‫وضعت جن َبك‪.‬‬
‫َ‬ ‫وهو جالس‪ ،‬فقالت ابنته‪ :‬يا ِ‬
‫أبة‪ ،‬لو‬

‫وفيت هلل بالنذر واحللف! فامت‪ ،‬وإنه جلالس‪.‬‬


‫ُ‬ ‫فقال‪ :‬يا بنية‪ ،‬إ ًذا ما‬

‫وروى ُ‬
‫سهل بن عاصم‪ ،‬عن حممد بن منصور‪ ،‬قال‪:‬‬

‫وقال صفوان بن ســليم‪ُ :‬أعطي اهللَ عهــدً ا أن ال َ‬


‫أضع جنبي عىل فراش‬
‫أحلق بريب‪ ،‬قال‪ :‬فبلغني أن صفوان عاش بعد ذلك أربعني ســنة‪ ،‬مل يضع‬
‫حتى َ‬
‫وفيت هلل‬
‫ُ‬ ‫جنبه‪ ،‬فلام نزل به املــوت‪ ،‬قيل له‪ :‬رمحك اهلل‪ ،‬أال تضطجع؟ قال‪ :‬ما‬
‫ِ‬
‫نفسه‪.‬‬ ‫بالعهد إ ًذا! ُفأسند‪ ،‬فام زال كذلك حتى َ‬
‫خرج ْت ُ‬

‫قال‪ :‬ويقول أهل املدينة‪ :‬إنه بقيت((( جبهته من كثرة السجود‪.‬‬

‫قال ســفيان بن ُع َي ْينة‪ :‬فأخربين احل ّفار الذي حيفر قبور أهل املدينة‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حفرت قرب رجل‪ ،‬فإذا أنا قد وقعت عىل قرب‪ ،‬فوافيت مججم ًة‪ ،‬فإذا السجود قد‬
‫ُ‬
‫فقلت إلنســان‪ :‬قرب من هذا؟ فقال‪َ :‬أو ما تدري؟ هذا‬
‫ُ‬ ‫أثر يف عظام اجلمجمة‪،‬‬
‫صفوان ِ‬
‫بن ُسليم‪.‬‬ ‫َ‬ ‫رب‬
‫ق ُ‬

‫َ‬
‫صفوان وهو يف مصاله‪ ،‬فام زال به‬ ‫وقال ابن أيب حازم‪ :‬دخلت مع أيب عىل‬
‫ربته موالته‪ ،‬قالت‪ :‬ساعة خرجتم مات»‪ .‬انتهى‬
‫أيب حتى ر ّده إىل فراشــه‪ ،‬فأخ َ‬
‫النقل عن الذهبي‪.‬‬

‫((( ال َع َلز‪ :‬القلق والكرب عند املوت‪ .‬انظر لسان العرب (‪.)380/5‬‬
‫((( كذا جاءت هذه الكلمة هنا‪ ،‬أما يف «هتذيب الكامل» (‪ ،)190/13‬و«تاريخ اإلسالم»‬
‫(‪« :)672/3‬ن ُِقبت»‪ ،‬وهو الصواب‪ ،‬ويف «الكاشف» للذهبي (‪ُ « :)503/1‬ث ِقبت»‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪74‬‬

‫إن صفوان ب َن ُسليم ملا حرضه إخوانه‪َ ،‬ف َج َع َل ينقلب!‬


‫وقال ابن أيب حازم‪َّ :‬‬
‫فقالــوا‪َّ :‬‬
‫كأن لك حاجة‪ ،‬قال‪ :‬نعم‪ ،‬فقالت ابنتــه‪ :‬ما له من حاجة إال أنه يريد‬
‫أن تقوموا عنه فيقوم فيصيل‪ ،‬وما ذاك فيه‪ ،‬فقام القوم عنه‪ ،‬وقام إىل مســجده‬
‫يصيل‪ ،‬فوقع‪ ،‬وصاحت ابنته هبم‪ ،‬فدخلوا عليه‪ ،‬فحملوه ومات(((‪.‬‬

‫قال اإلمام أبو حامد الغزايل رمحه اهلل تعاىل‪ « :‬وكان صفوان بن ســليم قد‬
‫تع ّقدَ ت ســاقاه من طول القيام‪ ،‬وبلغ من االجتهاد ما لو قيل له القيامة غد ًا ما‬
‫وجد متزايد ًا ‪.‬‬

‫ليض به الرب ُد‪ ،‬وإذا كان يف‬


‫وكان إذا جاء الشــتاء اضطجع عىل الســطح ُ ّ‬
‫الصيف اضطجع داخل البيوت ليجد احلر فال ينام‪ ،‬وإنه مات وهو ســاجد‪،‬‬ ‫ِ‬

‫وإنه كان يقول‪ :‬اللهم إين أحب لقاءك فأحب لقائي »(((‪.‬‬

‫ٍ‬
‫ســعد وخليف ُة واب ُن ن َُم ْ ٍي‪ ،‬وعدةٌ‪ :‬مات صفوان ســنة‬ ‫الواقدي واب ُن‬ ‫قال‬
‫ُّ‬
‫اثنتني وثالثني ومائة‪ ،‬وقال أبو حسان الزيادي‪ :‬عاش اثنتني وسبعني سنة(((‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬

‫((( تاريخ دمشق البن عساكر (‪.)136/24‬‬


‫((( إحياء علوم الدين (‪.)412/4‬‬
‫((( سري أعالم النبالء (‪.)368/5‬‬
‫‪75‬‬

‫عمر بن عامر‬

‫(‪135 - ...‬هـ‪ ،‬وقيل بعدها)‬

‫البرصي‪ ،‬القايض‪ ،‬وكان حمد ًثا صدو ًقا له أوها ٌم‪،‬‬


‫ُّ‬ ‫الســلمي‪ ،‬أبو حفص‪،‬‬
‫ُّ‬
‫مسلم يف صحيحه يف املتابعات‪ ،‬والنسائي(((‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫أخرج حدي َثه‬

‫ومحاد بن أيب سليامن‪ِ ،‬‬


‫وزيد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫وجابر اجلعفي‪،‬‬ ‫أيوب السختياين‪،‬‬ ‫روى عن‪:‬‬
‫َ‬
‫ِ‬
‫وغريهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعمرو بن دينار‪ ،‬وقتادةَ‪،‬‬ ‫ابن أسلم‪،‬‬

‫وروى عنه‪ :‬ســامل ُ بن نوح‪ ،‬وســعيدُ بن أيب َع ُروبة‪ ،‬و َع ّبــا ُد بن ال َع ّوام‪،‬‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ومعتمر بن سليامن‪،‬‬
‫ُ‬

‫قال ُمغلطاي‪ « :‬ويف (تاريخ البرصة) البن أيب خيثمة‪ :‬قال ابن عيينة‪ :‬كان‬
‫عمر ب ُن ٍ‬
‫عامر من أهل العلم‪ ،‬ومل يكن له ذلك العلم بالقضاء »(((‪ .‬ا‪.‬هـ‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ِ‬
‫بالطويلة‪ ،‬وحصلت له حادث ٌة‬ ‫توىل قضاء البرصة يف آخر حياته مدة ليست‬
‫تدل عىل ورعه وإشفاقه من القضاء‪ ،‬ومات بعدها فجأة‪.‬‬

‫التميمي إىل‬
‫ُّ‬ ‫قال عمر بن شيبة‪ :‬سمعت أيب يقول‪ :‬تقدم خالد بن يوسف‬

‫((( انظــر‪« :‬هتذيب الكــال» للمــزي (‪« ،)403/21‬إكامل هتذيب الكــال» ملغلطاي‬
‫(‪« ،)78/10‬تقريب التهذيب» (ص ‪.)414‬‬
‫((( إكامل هتذيب الكامل (‪.)79/10‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪76‬‬

‫بن عامر يف منازعة‪ ،‬وكان رجال ِ‬


‫بادنًا(((‪ ،‬فأمر بإقامته(((‪ ،‬فعنّف به الذي‬ ‫عمر ِ‬
‫ُ‬
‫صوارخ‬ ‫أقامه فأظهر من جســده شــيئا‪ ،‬فأصبح م ّيتا‪ ،‬فخرج بجنازته‪ ،‬وتبِعه‬
‫يرصخن‪ :‬واقتيل ُعمراه‪ ،‬فجزع من ذاك جزعا فاحشــا‪ ،‬فجعل يدعو باملوت‬
‫ُ‬
‫والراحة من القضاء‪ ،‬فلم ينشب أن مات فجأة(((‪.‬‬

‫شيخ‬ ‫عمر ب ُن ٍ‬
‫عامر ٌ‬ ‫عيل ب َن املديني يقول‪ُ :‬‬
‫سمعت َّ‬
‫ُ‬ ‫يعقوب ب ُن شيبة‪:‬‬
‫ُ‬ ‫وقال‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫صالح‪ ،‬كان عىل قضاء البرصة‪ ،‬مات ُفجاءةً‪ .‬قال عيل‪ :‬قال أبو عبيدة‪ :‬مل ُ‬
‫يمت‬ ‫ٌ‬
‫ٍ‬
‫قاض ُفجاء ًة ُ‬
‫غريه(((‪.‬‬

‫وفاته ‪:‬‬

‫قال ابن حبان‪ :‬مات سنة مخس وثالثني ومائة‪.‬‬

‫وقال أبو زرعة‪ :‬مات وهو ساجد‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫تصحفــت يف املصــدر إىل (بادئ ًا) باهلمــزة‪ ،‬قال صاحب «القامــوس املحيط» (ص‬ ‫ّ‬ ‫(((‬
‫جل ِسيم »‪.‬‬
‫كمعظم‪ :‬ا َ‬‫والم ْبدَ ن‪ُ ،‬‬
‫ِ‬
‫‪ « :)1179‬والبادن وال َبدين ُ‬
‫تعزيرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫((( أي أمر بإقامة عقوبة اجللد عليه‪ ،‬حدًّ ا أو‬
‫((( «أخبار القضاة» لوكيع (‪.)55/2‬‬
‫((( هتذيب الكامل (‪.)406/21‬‬
‫‪77‬‬

‫ّ‬
‫السجاد‪ ،‬علي بن احلسن الثالث اهلامشي‬

‫(‪145 - ...‬هـ)‬

‫بالسجاد‪ ،‬عيل بن احلسن بن احلسن بن احلسن بن‬


‫ّ‬ ‫هو أبو احلسن‪ ،‬ا ُملل ّقب‬
‫اهلاشــمي ريض اهلل عنهم‪ ،‬وأ ّمــه أ ّم عبد اهلل بنت عامر بن‬
‫ّ‬ ‫عيل بن أيب طالب‪،‬‬
‫عبد اهلل بن برش بن عامر بن مالعب األسنة بن مالك بن جعفر بن كالب‪.‬‬

‫عيل هذا ولدً ا اسمه احلسني‪ ،‬وقيل‪ :‬له ولدٌ آخر‬


‫قال الصفدي‪ « :‬وأعقب ٌّ‬
‫اسمه حممد »(((‪.‬‬
‫ُ‬

‫قال أبو حاتم الرازي‪ :‬روى عن آبائه‪.‬‬

‫البخاري وأبو حاتــم الرازي‪ :‬روى عنه عبدُ الرمحن بن أيب املوايل‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وقال‬
‫زاد عبد الرمحن بن أيب حاتم‪ :‬وروى عبد العزيز بن حممد الدراوردي عنه(((‪.‬‬

‫حتقيق امسه‪:‬‬

‫قال أبو حممد‪ ،‬عبد الرمحن بن أيب حاتم الرازي (ت‪327‬هـ)‪« :‬وروى‬
‫دي عنه‪ ،‬فقال‪ :‬عن عيل بن حســن بن حسن بن‬ ‫عبدُ العزيز بن ِ‬
‫الدراو ْر ُّ‬
‫َ‬ ‫حممد‬ ‫ُ‬
‫سمون حسنا‪ ،‬قال أبو حممد‪:‬‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ‬
‫ب إىل ثالثة آباء ُي َّ‬
‫حسن بن عيل بن أبى طالب‪ ،‬نُس َ‬
‫[فـ]طلبت َأ َث َر‬ ‫ِ‬
‫الثالث‪،‬‬ ‫ِ‬
‫احلســن‬ ‫اسم‬
‫ُ‬ ‫والصحيح هذا‪ ،‬وأســقط اب ُن أبى املوايل َ‬

‫((( الوايف بالوفيات (‪.)186/20‬‬


‫((( التاريخ الكبري للبخاري (‪ ،)269/6‬اجلرح والتعديل البن أيب حاتم (‪.)179/6‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪78‬‬

‫ِ‬
‫الثالث‬ ‫ِ‬
‫للحسن‬ ‫صحيحا‪،‬‬ ‫ذلك يف كتاب «األنساب» للزبري بن بكار‪ ،‬فوجدته‬
‫ً‬
‫الدراوردي واب ُن أيب املوايل»(((‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫سمى َعل ّيا‪ ،‬وهو الذي روى عنه‬
‫اب ٌن ُي ّ‬

‫بعض مآثره وعبادته رمحه اهلل‪:‬‬

‫كان ُيل ّقب َّ‬


‫بالس ّجاد لفضله واجتهاده وتع ّبده‪ ،‬وقو ٌم يلقبونه العابد‪ ،‬وعيل‬
‫األغر‪ ،‬وعيل اخلري(((‪.‬‬
‫ّ‬

‫وكان يقال‪ :‬ليــس باملدينة زوجان أعبدَ منه ومن زوجته‪ ،‬وهي بنت عمه‬
‫زينب بنت عبد اهلل بن حسن(((‪.‬‬

‫وعن أيب حذافة الســهمي قال‪ :‬حدثني موىل آلل طلحة‪ :‬أنه رأى عيل بن‬
‫احلســن قائام يصيل يف طريق مكة‪ ،‬فدخلت أفعى يف ثيابه من حتت ذيله‪ ،‬حتى‬
‫خرجت من زيقته‪ ،‬فصاح به الناس‪ :‬األفعى يف ثيابك‪ ،‬وهو مقبل عىل صالته‪،‬‬
‫أثر ذلك يف وجهه(((‪.‬‬
‫ئي ُ‬‫ثم انسابت فمرت‪ ،‬فام قطع صالته‪ ،‬وال حترك‪ ،‬وال ُر َ‬

‫وقال موســى بن عبد اهلل بن احلســن بن احلسن‪ُ :‬حبِســنا يف املطبق‪ ،‬فام‬

‫((( اجلرح والتعديل البن أيب حاتم (‪.)180-179/6‬‬


‫((( مقاتل الطالبيني أليب الفرج (ص‪ ،)174‬تاريخ اإلســام للذهبي (‪ ،)932/3‬الوايف‬
‫بالوفيات للصفدي (‪ ،)185/20‬وكثرة األســاء واأللقــاب دالة عىل رفعة القدر‬
‫ووفرة املآثر والفضائل‪ ،‬رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫((( تاريــخ اإلســام للذهبــي (‪ ،)932/3‬التحفــة اللطيفة يف تاريــخ املدينة الرشيفة‬
‫للسخاوي (‪.)275/2‬‬
‫َ‬
‫أحاط‬ ‫((( «مقاتل الطالبيني» (ص‪ ،)175 :‬وقوله (من زيقته)‪ِ :‬ز ُيق ال َق ِم ِ‬
‫يص‪ ،‬بالكرس‪ :‬ما‬
‫بال ُعن ُِق منه‪ .‬قاله يف «القاموس املحيط» (ص‪.)892:‬‬
‫‪79‬‬

‫ُكنّا نعرف أوقات الصلوات ّإل بأجزاء يقرؤها عيل بن احلســن بن احلسن بن‬
‫احلسن(((‪.‬‬

‫وقال احلسني بن نرص‪َ :‬ح َبسهم أبو جعفر يف َم ٍ‬


‫بس ستني ليل ًة‪ ،‬ما يدرون‬
‫ِ‬
‫الصالة ّإل بتسبيح عيل بن احلسن(((‪.‬‬ ‫وقت‬
‫بالليل وال بالنهار‪ ،‬وال َيعرفون َ‬

‫قــال الصفــدي‪« :‬وكان ال يوافِق أقار َبه عىل طلــب اخلالفة‪ ،‬و ُيالم عىل‬
‫ْ‬
‫يشتغل باهلل ال يتفرغ للشغل بغريه»(((‪.‬‬ ‫ذلك‪ ،‬فيقول‪ :‬من‬

‫وفاته‪:‬‬
‫قال موســى بن عبد اهلل بن موســى‪ :‬تويف عيل بن احلسن وهو ساجد يف‬
‫حبس أيب جعفر‪ ،‬فقال عبد اهلل‪ :‬أيقظوا اب َن أخي‪ ،‬فإين أراه قد نام يف سجوده!‬
‫فحركوه فإذا هو قد فــارق الدنيا‪ ،‬فقال‪ :‬ريض اهلل عنك‪ ،‬إن علمي فيك‬
‫قال‪َّ :‬‬
‫أنك ختاف هذا املرصع(((‪.‬‬

‫وكانت وفاته سنة مخس وأربعني ومائة(((‪ .‬رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬

‫((( «مقاتل الطالبيني» (ص‪.)176 :‬‬


‫((( «مقاتــل الطالبيني» (ص‪ ،)177 :‬وقد كانوا أحد عــر رجال‪ ،‬ثم ُحبس معهم عيل‬
‫الســجاد فصاروا اثني عرش‪ ،‬وملعرفة أســائهم وسبب َحبس الســجاد معهم ُينظر‬
‫«الكامل يف التاريخ» البن األثري (‪.)103/5‬‬
‫((( الوايف بالوفيات (‪.)185/20‬‬
‫((( مقاتل الطالبيني (ص‪.)176 :‬‬
‫((( تاريخ اإلســام (‪ ،)932/3‬الوايف بالوفيات (‪ ،)186/20‬التحفة اللطيفة يف تاريخ‬
‫املدينة الرشيفة (‪.)275/2‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪80‬‬

‫موسى الصغري‬

‫(تويف بني ‪ 150- 141‬هـ)‬

‫الشيباين‪ ،‬أبو عيسى الكويف‪ ،‬الطحان‪،‬‬ ‫موســى بن مسلم ِ‬


‫احلزامي‪ ،‬ويقال‬
‫ُّ‬
‫املعروف بموسى الصغري‪ ،‬أحدُ رواة احلديث من أتباع التابعني(((‪.‬‬

‫روى عن‪ :‬إبراهيم التيمي‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪ ،‬وعكرمة موىل ابن عباس‪،‬‬
‫ِ‬
‫وغريهم‪.‬‬

‫وروى عنه‪ :‬ســفيان الثوري‪ ،‬وحييى بن ســعيد القطــان‪ ،‬وأبو معاوية‬


‫وغريهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الرضير‪،‬‬

‫بأسا‪.‬‬
‫قال اإلمام أمحد بن حنبل‪ :‬ما أرى به ً‬
‫وقال عباس الدوري عن حييى بن معني‪ :‬موسى الصغري الذي يروي عنه‬
‫أبو معاوية هو موسى بن مسلم‪ ،‬وهو موسى الطحان‪ ،‬وموسى الصغري ثقة(((‪.‬‬

‫((( ترمجته يف‪ :‬اجلرح والتعديل البن أيب حاتم (‪ ،)158/8‬هتذيب الكامل (‪،)152/29‬‬
‫تاريخ اإلســام (‪ ،)988/3‬إكــال هتذيب الكــال (‪ ،)39/12‬هتذيب التهذيب‬
‫نقلت‪.‬‬
‫(‪ .)372/10‬ومن هذه املصادر ُ‬
‫((( وهــذا البيان من ابن معني رمحه اهلل تعاىل لتعدد اســم الراوي وألقابه هو من ا ُملهم يف‬
‫علم احلديث‪ ،‬وقــد أفرد له احلافظ ابن الصالح يف مقدمتــه نوعني‪ ،‬فقال يف األول‬
‫ٍ‬
‫نعوت‬ ‫ٍ‬
‫خمتلفة أو‬ ‫ٍ‬
‫بأسامء‬ ‫منهام (ص ‪« :)323‬النوع الثامن واألربعون‪ :‬معرفة من ُذكر‬
‫ٍ‬
‫جلامعة متفرقني»‪ ،‬وقال‬ ‫ٍ‬
‫متعددة‪ ،‬ف َظ ّن من ال خربة له هبا أن تلك األســا َء أو الن َ‬
‫ُّعوت‬
‫يف الثاين (ص‪« :)338‬النوع الثاين واخلمســون‪ :‬معرفــة ألقاب املحدثني ومن ُيذكر‬
‫جيعل من ُذكر باسمه‬ ‫وأن َ‬ ‫معهم‪ :‬وفيها كثرة‪ ،‬ومن ال يعرفها يوشك أن يظنها أسامي‪ْ ،‬‬
‫=‬ ‫يف موضع وبلقبه يف موضع‪ :‬شخصني‪ ،‬كام اتفق لكثري ممن أ َّلف»‪.‬‬
‫‪81‬‬

‫قال أبو حاتم‪ :‬أكثر ما يقع يف الرواية موسى الصغري‪.‬‬

‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫وذكره ابن شــاهني يف كتاب «الثقات»‪ ،‬وقال‪ :‬قال ابن عامر‪ :‬ما‬
‫خريا‪.‬‬
‫أحدً ا يقول عنه إال ً‬

‫وفاته‪:‬‬
‫مل أقف عىل من ذكر ســنة وفاته‪ ،‬ولكن ذكره الذهبي ضمن من تويف بني‬
‫‪150 - 141‬هـ‪.‬‬

‫قال ابن ســعد‪ « :‬قال أمحد بن عبد اهلل بن يونس‪ :‬ســمعتهم يذكرون أن‬
‫الطحان مات ساجد ًا عند املقام »(((‪.‬‬
‫َ‬ ‫الصغري‬
‫َ‬ ‫موسى‬

‫ســمعت حييى القطان يقول‪ :‬كان موسى‬


‫ُ‬ ‫وقال الذهبي‪ « :‬قال مســدد‪:‬‬
‫الصغري يصيل يف ِ‬
‫احلجر‪ ،‬فدعا اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ ،-‬فقبض روحه وهو ساجد »(((‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫= وهذا الراوي موســى الصغري قد وقع يف الوهم فيه اإلما ُم البخاري رمحه اهلل تعاىل‬
‫‪ -‬وهو َمن هو ‪ ،-‬حيث قال يف تارخيه الكبري (‪ « :)275/6‬عيل بن زرارة عن ســعيد‬
‫ابن جبري‪ ،‬روى عنه موســى الصغري»‪ ،‬فتعقبه اإلمام ابــن أيب حاتم يف كتابه النفيس‬
‫«بيــان خطأ البخاري يف تارخيه» (ص ‪ ،)84‬فقال‪« :‬وإنام روى عنه موســى بن قيس‬
‫احلرضمي‪ ،‬وموسى الصغري هو ابن مسلم الشيباين‪ ،‬سمعت أيب يقول كام قال»‪.‬‬
‫((( الطبقات الكربى (‪)356/6‬‬
‫((( ويف «التاريخ األوسط» لإلمام البخاري رمحه اهلل تعاىل (‪ ،)73/2‬قال‪« :‬حدثني أمحد‬
‫بن احلسني‪ ،‬حدثنا عيل‪ ،‬سمعت حييى [هو القطان]‪ :‬مات موسى الصغري وهو ساجد‬
‫خلف املقام‪ ،‬شــهدتُه بمكة‪ ،‬هو موسى بن مسلم أبو عيســى الكويف‪ ،‬سمع جماهدا‬
‫والنخعي والتيمي وعون بن عبد اهلل وسلمة بن كهيل‪ ،‬سمع منه أبو أسامة ويعىل»‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪82‬‬

‫اإلمام أبو حنيفة‬

‫(‪150 - 80‬هـ)‬

‫هو اإلمــام التابعي‪ ،‬فقيه امللة‪ ،‬عامل العراق‪ ،‬أبــو حنيفة النعامن بن ثابت‬
‫التيمي‪ ،‬الكويف‪ ،‬مــوىل بني تيم اهلل بن ثعلبة‪ ،‬يقــال‪ :‬إنه من أبناء‬
‫ُّ‬ ‫بــن ُزوطى‬
‫الفرس(((‪.‬‬

‫وتالميذه‪:‬‬
‫ِ‬ ‫شيوخه‬
‫ِ‬ ‫ُ‬
‫وبعض‬ ‫ُ‬
‫مولده‬

‫أنس‪.‬‬
‫غري مرة بالكوفة إذ قدمها ُ‬
‫أنس بن مالك َ‬
‫ولد سنة ثامنني‪ ،‬ورأى َ‬

‫وروى أبو حنيفة عن عطاء بــن أيب رباح ‪-‬وقال‪ :‬ما رأيت أفضل منه‪،-‬‬
‫وعن عطية العويف‪ ،‬ونافع‪ ،‬وســلمة بن كهيل‪ ،‬وأيب جعفر حممد الباقر‪ ،‬ومحاد‬
‫كثري‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫وعدد ٍ‬ ‫بن أيب سليامن‪،‬‬

‫فبع يف الرأي‪ ،‬وساد أهل زمانه يف‬ ‫ِ‬


‫وغريه‪َ َ ،‬‬ ‫بحمد بن أيب ســليامن‪،‬‬
‫وتفقه ّ‬
‫التف ُّقه وتفريع املسائل‪ ،‬وتصدّ ر لإلشغال‪ ،‬وخترج به األصحاب‪.‬‬

‫فمن تالمذته‪ :‬زفر بن اهلذيل العنربي‪ ،‬والقايض أبو يوســف يعقوب بن‬
‫إبراهيــم األنصاري قايض القضاة‪ ،‬ونوح بن أيب مريــم املروزي‪ ،‬وأبو مطيع‬

‫الذهبي يف «ســر أعالم النبالء» (‪ ،)391/6‬ســوى كلمة (التابعي) فإهنا‬


‫ُّ‬ ‫((( حلّ ه هبذا‬
‫منّي‪ ،‬ومجيــع ما ُأورده هنا هو من ترمجته يف «تاريخ اإلســام» للذهبي (‪-990/3‬‬
‫‪ ،)996‬وإن نقلت شيئا من غريه فأذكره‪ ،‬أما العناوين الفرعية فهي من وضعي‪.‬‬
‫‪83‬‬

‫احلكم بن عبد اهلل البلخي‪ ،‬واحلسن بن زياد اللؤلؤي‪ ،‬وأسد بن عمرو‪ ،‬وحممد‬
‫وخلق‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫ابن احلسن‪ ،‬ومحاد بن أيب حنيفة‪،‬‬

‫وروى عنه‪ :‬مغرية بن مقسم‪ ،‬ومســعر‪ ،‬وسفيان‪ ،‬وزائدة‪ ،‬ورشيك‪،‬‬


‫واحلسن بن صالح‪ ،‬وعيل بن مسهر‪ ،‬وحفص بن غياث‪ ،‬وعبد اهلل بن املبارك‪،‬‬
‫وخلق‬
‫ٌ‬ ‫ووكيع بن اجلراح‪ ،‬وعبد الرزاق الصنعاين‪ ،‬وأبو نعيم الفضل بن ُدك َْي‪،‬‬
‫كثري‪.‬‬

‫وحسن مسته‪:‬‬ ‫كر بعض ما يدل على عقله َ‬


‫وهديه ُ‬ ‫ِذ ُ‬
‫ِ‬
‫وكان خزاز ًا (((‪ُ ،‬ينفق من كســبه‪ ،‬وال يقبل جوائز السلطان ‪ -‬تور ًعا ‪،-‬‬
‫وله دار وصنّاع ومعاش متسع‪ ،‬وكان معدودا يف األجواد األسخياء‪ ،‬واأللِب ِ‬
‫اء‬ ‫ّ‬ ‫ً‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫األذكيــاء‪ ،‬مع الدين والعبادة والتهجد وكثرة التــاوة وقيام الليل‪ ،‬ريض اهلل‬
‫عنه‪.‬‬

‫وعــن أيب محزة ال ُّث َميل قــال‪ :‬كنا عند أيب جعفر حممــد الباقر بن عيل زين‬
‫العابدين‪ ،‬فدخل عليه أبو حنيفة فســأله عن مسائل‪ ،‬فأجابه حممد بن عيل‪ ،‬ثم‬
‫فقهه(((‪.‬‬
‫أكثر َ‬
‫وس ْم َت ُه‪ ،‬وما َ‬
‫خرج أبو حنيفة‪ ،‬فقال لنا أبو جعفر‪ :‬ما أحس َن َهدْ َي ُه َ‬

‫أورع وال َ‬
‫أعقل من أيب حنيفة‪.‬‬ ‫َ‬ ‫وقال يزيد بن هارون‪ :‬ما رأيت أحدا‬

‫خزاز‪.‬‬
‫اخلز‪ :‬باخلاء املعجمة والزاي‪ ،‬هو الثياب املنسوجة من صوف وإبريسم‪ ،‬وبائعه ّ‬
‫((( ّ‬
‫انظر «تاج العروس» للزبيدي (‪.)137-136/15‬‬
‫((( «االنتقاء يف فضائل األئمة الثالثة الفقهاء»‪ ،‬البن عبد الرب (ص ‪.)193‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪84‬‬

‫علمنا هذا رأي‪ ،‬وهو أحسن ما قدرنا‬


‫وقال أبو يوســف‪ :‬قال أبو حنيفة‪ُ :‬‬
‫عليه‪ ،‬فمن جاءنا بأحسن منه قبلناه‪.‬‬

‫كثري العقل‪.‬‬ ‫َ‬


‫طويل الصمت‪َ ،‬‬ ‫وعن رشيك قال‪ :‬كان أبو حنيفة‬

‫وقيل‪ :‬إن إنســان ًا اســتطال عىل أيب حنيفة ‪ -‬ريض اهلل عنــه ‪ -‬وقال له‪:‬‬
‫خالف ما تقول‪.‬‬
‫َ‬ ‫يا زنديق‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬غفر اهلل لك‪ ،‬هو يعلم منِّي‬

‫أحلم من أيب حنيفة‪.‬‬


‫َ‬ ‫قال يزيد بن هارون‪ :‬ما رأيت أحدا‬

‫ِ‬
‫الناس صورةً‪،‬‬ ‫ِ‬
‫أحســن‬ ‫وعن أيب يوســف قال‪ :‬كان أبو حنيفة ربع ًة‪ ،‬من‬
‫ِ‬
‫وأعذبم نغمة‪ ،‬و َأ ْبينهم عام يف نفسه‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأبلغهم نُطقا‪،‬‬

‫وعن محاد بن أيب حنيفة قال‪ :‬كان أيب مجيال تعلوه ســمرة‪ ،‬حســ َن اهليئة‪،‬‬
‫كثري العطر‪ ،‬هيوب ًا‪ ،‬ال يتكلم إال جواب ًا‪ ،‬وال خيوض فيام ال يعنيه‪.‬‬
‫َ‬

‫مجيــل الوجه‪ِ َ ،‬‬


‫س ّي الثوب‪،‬‬ ‫َ‬ ‫وعن النرض بن حممــد قال‪ :‬كان أبو حنيفة‬
‫َعطِرا‪.‬‬

‫أوقر يف جملســه وال أحســ َن سمتًا‬


‫ال َ‬ ‫وعن ابن املبارك قال‪ :‬ما رأيت رج ً‬
‫ِ‬
‫وحلم ًا من أيب حنيفة‪.‬‬
‫‪85‬‬

‫بعض ثناء العلماء عليه وعلى علمه‪:‬‬


‫كر ِ‬‫ِذ ُ‬

‫وقال ابن املبارك‪ :‬أبو حنيفة أفق ُه الناس‪.‬‬

‫وقال الشافعي‪ :‬الناس يف الفقه ِع ٌ‬


‫يال عىل أيب حنيفة‪.‬‬

‫الشــافعي كان إما ًما‪،‬‬


‫َّ‬ ‫وقال أبو داود‪ :‬رحم اهلل مالكًا كان إما ًما‪ ،‬رحم اهلل‬
‫رحم اهلل أبا حنيفة كان إما ًما‪.‬‬

‫وســئل يزيدُ ب ُن هارون‪ :‬أ ُّيام أفق ُه‪ :‬أبو حنيفة أو الثوري؟ فقال‪ :‬أبو حنيفة‬
‫أفقه‪ ،‬وسفيان أحفظ للحديث‪.‬‬

‫وروى نوح اجلامع أنه ســمع أبا حنيفة يقول‪ :‬ما جاء عن الرسول ‪ -‬ﷺ‬
‫‪ -‬فعىل الرأس والعني‪ ،‬وما جاء عــن الصحابة اخرتنا‪ ،‬وما كان من غري ذلك‬
‫فهم رجال ونحن رجال‪.‬‬

‫وقال وكيع‪ :‬ســمعت أبا حنيفة يقول‪ :‬البول يف املسجد أحسن من بعض‬
‫القياس‪.‬‬

‫قال أبو حممد بن حزم‪ :‬مجيع احلنفية جممعون عىل أن مذهب أيب حنيفة أن‬
‫ضعيف احلديث أوىل عنده من القياس والرأي‪.‬‬

‫وقــال أبو حنيفــة‪ :‬ال ينبغي للرجــل أن حيدث إال بــا حيفظه من وقت‬
‫ما سمعه‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪86‬‬

‫ب أيب حنيفة من الســنة‪ ،‬وهو من العلامء‬


‫وعن أيب معاوية الرضير قال‪ُ :‬ح ُّ‬
‫الذين امتُحنوا يف اهلل‪.‬‬

‫قال أمحد بن الصباح‪ :‬ســمعت الشافعي يقول‪ :‬قيل ملالك‪ :‬هل رأيت أبا‬
‫حنيفة؟ قال‪ :‬نعم‪ ،‬رأيت رجال لو كلمك يف هذه الســارية أن جيعلها ذهبا لقام‬
‫بحجته‪.‬‬

‫وقال حييى القطان‪ :‬ال نكذب اهلل‪ ،‬ما ســمعنا أحسن من رأي أيب حنيفة‪،‬‬
‫وقد أخذنا بأكثر أقواله‪.‬‬

‫لرجح‬
‫علم أيب حنيفة بعلم أهــل زمانه َ‬
‫وقــال عيل بن عاصم‪ :‬لــو ُوزن ُ‬
‫عليهم‪.‬‬

‫وقال حفص بن غياث‪ :‬كال ُم أيب حنيفة يف الفقه ُّ‬


‫أدق من الشــعر ال يعيبه‬
‫إال جاهل‪.‬‬

‫ٌ‬
‫جاهل‪.‬‬ ‫وقال ُ‬
‫الخ َر ْيبي‪ :‬ما يقع يف أيب حنيفة إال حاسدٌ أو‬

‫قلت للفضل بن موســى السيناين‪ :‬ما تقول يف هؤالء‬


‫وقال حاتم بن آدم‪ُ :‬‬
‫الذين يقعون يف أيب حنيفة؟ قال‪ :‬إن أبا حنيفة جاءهم بام يعقلونه وبام ال يعقلونه‬
‫من العلم‪ ،‬ومل يرتك هلم شيئا‪ ،‬فحسدوه(((‪.‬‬

‫((( «االنتقــاء يف فضائل األئمة الثالثة الفقهاء»‪ ،‬البن عبد الرب (ص ‪ ،)211‬ومعنى قوله‬
‫ٍ‬
‫دقيقة تفوق مستوى بعضهم يف‬ ‫(وبام ال يعقلونه من العلم) أن أبا حنيفة أفاد بأشــيا َء‬
‫=‬ ‫العلم واإلدراك‪.‬‬
‫‪87‬‬

‫وقال احلميدي‪ :‬سمعت اب َن عيينة يقول‪ :‬شيئان ما ظننتهام جياوزان قنطرة‬


‫الكوفة‪ :‬قراء ُة محزة‪ ،‬وفق ُه أيب حنيفة‪ ،‬وقد بلغا اآلفاق‪.‬‬

‫ُ‬
‫النعامن بن ثابت‬ ‫وعن األعمش أنه ســئل عن مسألة فقال‪ :‬إنام ُي ِسن هذا‬
‫اخلزاز‪ ،‬وأظنه بورك له يف علمه‪.‬‬

‫النخعي‬
‫َّ‬ ‫وقال جرير‪ :‬قال يل مغرية‪ :‬جالس أبــا حنيفة تَفق ْه‪ ،‬فإن إبراهيم‬
‫لو كان ح ًّيا جلالسه‪.‬‬

‫وقال صالح بن حممد جزرة‪ ،‬وغريه‪ :‬ســمعنا ابن معني يقول‪ :‬أبو حنيفة‬
‫ثقة‪.‬‬

‫وقال الدَّ ْو َرقي‪ :‬سئل حييى بن معني ‪-‬وأنا أسمع‪ -‬عن أيب حنيفة‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫ســمعت أحدً ا ض ّعفه‪ ،‬هذا شــعب ُة ب ُن احلجاج يكتــب إليه أن ُيدّ ث‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ثق ٌة‪ ،‬ما‬
‫ويأمره‪ ،‬وشعب ُة شعبة!‬
‫(((‬
‫َ‬

‫= وقال اإلمام احلافظ أبو عمر ابن عبد الــر يف «االنتقاء» أيض ًا (ص ‪)277-276‬‬
‫كلم ًة جامع ًة حول أســباب ما نُقل عن بعض الــرواة يف ذم أيب حنيفة وفقهه‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫« كثري من أهل احلديث استجازوا الطعن عىل أيب حنيفة لرده كثري ًا من أخبار اآلحاد‬
‫العدول ؛ ألنــه كان يذهب يف ذلك إىل عرضها عىل مــا اجتمع عليه من األحاديث‬
‫وســماه شــاذ ًا‪ ،‬وكان مع ذلك أيض ًا يقول‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ّ‬
‫شــذ عن ذلك ر ّده‬ ‫ومعاين القرآن‪ ،‬فام‬
‫الطاعات من الصالة وغريها ال تســمى إيامنًا‪ ،‬وكل من قال من أهل الســنة اإليامن‬
‫ُ‬
‫قول وعمل ينكرون قوله‪ ،‬ويبدعونه بذلك‪ ،‬وكان مع ذلك حمسودا لفهمه وفطنته»‪.‬‬
‫((( «االنتقاء يف فضائل األئمة الثالثة الفقهاء»‪ ،‬البن عبد الرب (ص ‪.)197‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪88‬‬

‫بعض ما ُذكر عن عبادته‪:‬‬


‫ٍ‬
‫بوضوء أربعني سنة‪.‬‬ ‫عن أسد بن عمرو أن أبا حنيفة صىل العشاء والصبح‬

‫وقال تلميذه قايض القضاة أبو يوســف‪ :‬بينام أنــا أميش مع أيب حنيفة إذ‬
‫ســمعت رج ً‬
‫ال يقول آلخر‪ :‬هذا أبو حنيفة ال ينام الليل‪ ،‬فقال أبو حنيفة‪ :‬واهلل‬ ‫ُ‬
‫ال ُيتحدث عني بام مل أفعل‪ ،‬فكان حييي َ‬
‫الليل صال ًة ودعا ًء وترض ًعا‪.‬‬

‫وقال املثنى بن رجاء‪َ :‬‬


‫جعل أبو حنيفة عىل نفســه إن حلف باهلل صادق ًا أن‬
‫يتصدق بدينار‪ ،‬وكان إذا أنفق عىل عياله نفق ًة تصدّ ق بمثلها‪.‬‬

‫وقال قيس بن الربيع‪ :‬كان أبو حنيفة ورع ًا‪ ،‬تقي ًا‪ُ ،‬م ْف ِض ً‬
‫ال عىل إخوانه‪.‬‬

‫الوتَد لكثرة صالته‪.‬‬


‫وقال أبو عاصم النبيل‪ :‬كان أبو حنيفة ُيسمى َ‬

‫وروى عيل بن إســحاق السمرقندي عن أيب يوسف قال‪ :‬كان أبو حنيفة‬
‫خيتم القرآن كل ليلة يف ركعة‪.‬‬

‫وروى حييــى بن عبد احلميد احلامين عن أبيه‪ :‬أنه صحب أبا حنيفة ســتة‬
‫أشــهر‪ ،‬فام رآه صىل الغداة إال بوضوء عشاء اآلخرة‪ ،‬وكان خيتم القرآن يف كل‬
‫الس َحر‪.‬‬
‫ليلة عند َّ‬

‫ســمعت رج ً‬
‫ال يقــول أليب حنيفة‪ :‬اتق اهلل‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫وعــن يزيد بن كميت قال‪:‬‬
‫الناس َّ‬
‫كل وقت‬ ‫َ‬ ‫أحوج‬
‫َ‬ ‫وأطرق‪ ،‬وقال‪ :‬جزاك اهلل خــر ًا‪ ،‬ما‬
‫َ‬ ‫واصفر‬
‫َّ‬ ‫فانتفض‬
‫َ‬
‫إىل َم ْن يقول هلم َ‬
‫مثل هذا‪.‬‬
‫‪89‬‬

‫و ُيروى أن أبا حنيفة ختم القرآن يف املوضع الذي مات فيه ســبعة آالف‬
‫مرة‪.‬‬

‫وعن القاســم بن معن‪ :‬أن أبا حنيفة قام ليلــة يردد قوله ‪ -‬تعاىل ‪﴿ -‬ﯵ‬
‫ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﴾ [القمر‪ ]46 :‬ويبكي ويترضع إىل الفجر‪.‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫قال أبو يوسف القايض‪ :‬كانت وفاته يف نصف شوال سنة مخسني ومائة‪.‬‬

‫وقال الواقدي‪ ،‬وأبو حســان الزيادي‪ ،‬ويعقوب بن شيبة‪ :‬مات يف رجب‬


‫سنة مخسني‪.‬‬

‫وقــال حييى بن نرض بن حاجب‪ُ :‬ولد أبو حنيفة رمحه اهلل بالكوفة‪ ،‬ومات‬
‫ببغداد ليلة النصف من شعبان سنة مخسني ومائة‪.‬‬

‫قال يعقوب بن شيبة‪ُ :‬خ ِّبت أنه تُويف وهو ساجد(((‪.‬‬

‫لما أحس أبو حنيفة‬


‫وقال بدر الدين العيني‪ « :‬وعن أيب حسان الزيادى‪ّ :‬‬
‫باملوت سجد‪ ،‬فخرجت نفسه وهو ساجد‪ ،‬وكان عمره يوم توىف سبعني سنة‪.‬‬

‫وغســله احلســن ب ُن عــارة ‪ -‬وهو من مشــايخ أيب حنيفــة ومن كبار‬


‫ّ‬
‫يصــب عليه املا َء أبو رجاء عبد اهلل بــن واقد اهلروي إما ُم‬
‫املحدثني ‪ ،-‬وكان ُ‬

‫((( «أخبار أيب حنيفة وأصحابه»‪ ،‬للصيمري (ص‪.)93 :‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪90‬‬

‫وص ّل عليه يوم مات ســت‬


‫أيضا‪ُ ،‬‬
‫أهــل هراة‪ ،‬وصىل عليه احلســن بن عامرة ً‬
‫آخرهم عليه صال ًة ابنُه محاد‪ ،‬وجاء املنصور وصىل عىل‬
‫مرات؛ لكثرة الزحام‪ُ ،‬‬
‫قربه‪ .‬ويقال‪ :‬مكث الناس يصلون عىل قربه أكثر من عرشين يو ًما »(((‪.‬‬

‫رحم اهلل هذا اإلمام الكبري‪ ،‬وتقبله يف خاصة املقربني‪ ،‬آمني‪.‬‬

‫((( «مغاين األخيار يف رشح أسامي رجال معاين اآلثار» (‪.)141/3‬‬


‫‪91‬‬

‫عبد العزيز بن أبي حازم‬

‫(‪184 - 107‬هـ)‬

‫هو اإلمام‪ ،‬الفقيه‪ ،‬العابد‪ ،‬عبد العزيز بن أيب حازم ســلمة بن دينار‪ ،‬موىل‬
‫أسلم‪ ،‬أبو متام املدين‪ ،‬خرج عنه البخاري ومسلم‪ ،‬وهو صاحب اإلما ِم ٍ‬
‫مالك‬ ‫ُ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫ُ‬
‫وتلميذه(((‪.‬‬

‫ُولد سنة سبع ومائة‪ ،‬وتفقه مع مالك عىل ابن هرمز‪ ،‬وسمع أباه والعال َء‬
‫ابن عبد الرمحن‪ ،‬وزيد بن أسلم‪ ،‬وسهيل بن أيب صالح‪ ،‬وثور بن زيد‪ ،‬ومالك ًا‪،‬‬
‫وكان من ِجلة أصحابه‪.‬‬

‫روى عنه عبد اهلل ب ُن وهب‪ ،‬وإســاعيل ب ُن أيب ُأويس‪ ،‬وقتيب ُة بن سعيد‪،‬‬
‫وعبد الرمحن بن مهدي‪ ،‬وعيل بن املديني‪ ،‬والقعنبي‪ ،‬وحييى بن حييى التميمي‪،‬‬
‫ومصعب الزبريي‪.‬‬

‫قال حييى بن معني فيه‪ :‬صدوق‪ ،‬ثق ٌة‪ ،‬ليس به بأس‪.‬‬

‫وقال النسائي‪ :‬ليس به بأس‪.‬‬

‫وقال أبو حاتم الرازي‪ :‬صالــح احلديث‪ ،‬وقال هو وأبو زرعة‪[ :‬ابن أيب‬
‫أوسع حديث ًا منه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والدراوردي‬
‫ُّ‬ ‫حازم] أفق ُه من الدراوردي‪،‬‬

‫((( نصوص ترمجته اقتبستها من ترتيب املدارك للقايض عياض رمحه اهلل تعاىل (‪.)12-9/3‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪92‬‬

‫قال ابن حارث‪ :‬كان إما َم الناس يف العلم بعد مالك‪ ،‬وحكاه ابن وضاح‬
‫وشو ِور مع مالك ِ‬
‫آخر ًا‪.‬‬ ‫عن بعضهم‪َ ْ ُ ،‬‬

‫قال أمحد بن حنبل‪ :‬كان يتفقه‪ ،‬مل يكن باملدينة بعد مالك أفقه منه‪.‬‬

‫قال مصعب‪ :‬ابن أيب حازم فقيه‪.‬‬

‫وقال ابن السكري‪ :‬هو مدين ثقة‪ .‬وقال مثله ابن نمري‪.‬‬

‫ثناء اإلمام مالك عليه ‪:‬‬

‫وحكى الشريازي أن مالك ًا قال فيه‪ :‬إنه لفقيه‪.‬‬

‫العذاب‪.‬‬
‫ُ‬ ‫وقال اإلمام مالك‪ :‬قوم فيهم ابن أيب حازم ال ُيصيبهم‬

‫رفع عن املدينة إال بابن أيب حازم‪.‬‬


‫وقال‪ :‬ما ُي ُ‬

‫املوت‪ ،‬فبكى‪ ،‬فقلنا له‪:‬‬


‫َ‬ ‫وغريه‪َ :‬ذكر قو ٌم عند مالك‬
‫وقال ابــ ُن أيب ضمرة ُ‬
‫أرأيت إن نزل بك املوت‪ ،‬فإىل من نفزع؟ ومن نشاور؟ فقال‪ :‬إن قوم ًا فيهم اب ُن‬

‫أيب حازم فيصدُ رون عن رأيه أرجو أن ُي َو ّفقوا‪.‬‬

‫الدراوردي‪ :‬أن مالك ًا ُســئل حني احتُرض‪ :‬مــن تَرى لنا؟ قال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫وحكى‬

‫أبو متام ‪ -‬يعني ابن أيب حازم ‪.-‬‬


‫‪93‬‬

‫قال ابن مهدي‪ :‬سأل ٌ‬


‫رجل مالكًا عن مسألة‪ ،‬فلم ُيبه فيها‪ ،‬قال له‪ :‬فمن‬
‫نسأل يا أبا عبد اهلل؟ قال‪ :‬سل اب َن أيب حازم‪ ،‬فإنه نعم املرء‪.‬‬

‫وفاته وخامتته احلسنة‪:‬‬

‫قال ابن شــعبان وغريه‪ :‬تُويف فجأ ًة باملدينة‪ ،‬يف سجدة سجدها بالروضة‬
‫صفر ســنة مخس‬ ‫ٍ‬
‫ســجدة منها‪ ،‬غر َة ٍ‬ ‫بمســجد النبي ﷺ‪ ،‬يوم اجلمعة‪ ،‬يف آخر‬
‫وثامنني [أي ومائة]‪.‬‬

‫قال ابن ســعد اجلارودي‪ ،‬والقعنبي‪ ،‬والباجي‪ :‬ســنة أربع [أي وثامنني‬
‫غري ذلك‪.‬‬
‫ومائة]‪ ،‬وقيل ُ‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪94‬‬

‫حممد بن عمرو ُّ‬


‫السوسي‬

‫(‪259 - 159‬هـ)‬

‫هو‪ :‬حممــد بن عمرو بن يونس بن عمران بن دينــار‪ ،‬أبو جعفر الكويف‪،‬‬


‫ال َّت ْغ ِلبي‪ ،‬املعروف بالسويس(((‪.‬‬

‫حمدّ ث ُمكثر‪ ،‬روى عن أيب معاوية الرضير‪ِ ،‬‬


‫وابن نُمري‪ ،‬ووكيع‪ ،‬وغريهم‪،‬‬
‫الطحاوي كثريا يف مصنفاته‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫وحدّ ث عنه‬

‫ِ‬
‫وحدّ ث‪ ،‬وكان‬ ‫وذكره ابــ ُن يونس يف «الغرباء»‪ ،‬فقال‪ :‬كويف َقــد َم َ‬
‫مرص َ‬
‫انرصافه من احلج‪ ،‬فــات يف الطريق يف بعض املناهل بني مكة ومرص‪ ،‬يف أول‬
‫املحرم سنة تسع ومخسني ومئتني‪.‬‬

‫قصة وفاته ‪:‬‬


‫ٍ‬
‫جعفر‬ ‫قــال تلميذه اإلمام أبو جعفر الطحاوي رمحــه اهلل تعاىل‪ :‬مات أبو‬
‫الســويس يف املحرم ســنة تسع ومخسني ومائتني‪ ،‬يف‬
‫حممدٌ بن عمرو بن يونس ُّ‬
‫طريق مكة منرص ًفا من احلج‪ ،‬مات ساجد ًا وقد استوىف مائ َة سنة‪.‬‬

‫وذكــر أبو جعفــر الطحاوي قــال‪ :‬حدثني أبو عيل حممــد بن حممد بن‬

‫((( انظر ترمجته يف‪« :‬الضعفاء الكبري» للعقييل (‪« ،)111/4‬تاريخ دمشــق» (‪،)34/55‬‬
‫«ميزان االعتدال» (‪« ،)675/3‬لسان امليزان» (‪« ،)418/7‬مغاين األخيار» للعيني‬
‫(‪ ،)549/3‬وغريها من املصادر‪.‬‬
‫‪95‬‬

‫األشعث الكويف‪ :‬أنه كان معه‪ ،‬وأنه قال له‪ :‬انظر‪ ،‬أترى اهلالل؟ قال‪ :‬فنظرت‬
‫استوفيت مائ َة سنة‪ ،‬ثم نزل فقال‪ِّ :‬‬
‫وضئني‬ ‫ُ‬ ‫فرأيته‪ ،‬فقلت له‪ :‬قد رأيته‪ ،‬فقال يل‪:‬‬
‫أمره فيها‪،‬‬
‫عيل ُ‬
‫فوضأته هلا‪ ،‬ودخل فيها‪ ،‬فســجد سجدة فطال ّ‬
‫لصالة املغرب‪ّ ،‬‬
‫فوجدته ميت ًا‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل وغفر له(((‪.‬‬

‫((( وقد نُســب رمحه اهلل وغفر له إىل رأي مذموم‪ ،‬ولكنه مل يكن داعي ًة إليه‪ ،‬بل يروي من‬
‫احلديث ما يناقض رأيه‪ ،‬وهذا دليل عىل عدم تعصبه ودليل عىل أمانته يف أداء العلم‪،‬‬
‫ولذا نجد اإلمام الطحاوي ُيكثر من الرواية عنه وال يتحرج‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪96‬‬

‫أبو ِعقال‪ُ ،‬علوان ُ‬


‫بن احلسن‬

‫(‪296 - ...‬هـ)‬

‫العامل األديب الشــاعر‪ ،‬العابد الزاهــد القدوة‪ ،‬أحــد التائبني من أبناء‬

‫امللوك(((‪.‬‬

‫قال اإلمــام أبو بكر ال ُطرطويش املالكي األندليس (ت ‪520‬هـ) رمحه اهلل‬

‫تعــاىل‪« :‬وممن زهد يف الدنيا وأبرص عيوهبا من أبنــاء امللوك‪ :‬أبو عقال علوان‬

‫بن احلســن‪ ،‬من بني األغلب‪ ،‬وهــم ملوك املغــرب‪ ،‬وكان ذا نعمة و ُملك‪،‬‬

‫ولــه ُفت ُّوة ظاهرة‪ ،‬فتاب إىل ربه ورجع عــن ذلك رجو ًعا فاق نظراءه‪َ ،‬فرفض‬

‫وهجر النســاء والوطن‪ ،‬و َبلغ من العبــادة مبل ًغا أربى فيه عىل‬ ‫َ‬
‫واألهل‪َ ،‬‬ ‫َ‬
‫املال‬

‫املجتهدين‪ ،‬و ُعرف بإجابة الدعوة‪.‬‬

‫((( وقد اختلفت املصادر يف اســمه‪ ،‬وال يبعد التصحيف عن بعض طبعاهتا‪ ،‬فســاه أبو‬
‫وسمه الطرطويش يف رساج‬
‫بكر املالكي يف رياض النفوس‪« :‬أبوعقال‪ ،‬ابن غلبون»‪ّ ،‬‬
‫امللوك‪« :‬أبو عقال‪ ،‬علوان بن احلســن»‪ ،‬وتابعه حممد خملوف يف شجرة النور الزكية‪،‬‬
‫ويف معامل اإليامن أليب زيد الدباغ‪« :‬أبو عقال‪ ،‬غلبون بن احلســن بن غلبون»‪ ،‬وتعقبه‬
‫اب ُن ناجي بقوله‪« :‬كذا قال! وهو خالف قول التجيبي وغريه أن اسمه آداب»‪ ،‬أما ابن‬
‫األبار يف الصلة فذكره يف أثناء ترمجة شيخه أيب هارون فقال‪« :‬أبو عقال‪ ،‬ابن علوان»‪.‬‬
‫ف ُينتبه هلذا حيث سيأيت اسمه متعددا أثناء الرتمجة‪.‬‬
‫‪97‬‬

‫وكان عا ًملــا‪ ،‬أدي ًبا‪ ،‬قد صحب عد ًة من أصحاب ســحنون ‪َ ،‬‬


‫وســمع‬ ‫(((‬

‫منهم»(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وقال العالمة املؤرخ أبو زيــد الدباغ (ت ‪696‬هـ) رمحه اهلل تعاىل‪« :‬كان‬
‫من احلفاظ النبالء‪ ،‬والفصحاء األدباء الشعراء‪ ،‬وله سامع من سحنون‪.‬‬

‫نشــأ أبو عقال بالقريوان يف رفاهية عظيمة؛ ألنــه كان من بني األغلب‬
‫ملوك إفريقية‪ ،‬فكان شديد املجون‪ ،‬مل يكن يف زمانه أشدَّ جمونًا منه‪ ،‬إىل أن تاب‬
‫وارعوى‪ ،‬وجترد من الدنيا وزهد فيام يفنى‪ ،‬ثم جدّ واجتهد حتى كان من كبار‬
‫الز ّهاد‪ ،‬وأربى عىل أهل اجلد واالجتهاد»(((‪.‬‬
‫ال ُع ّباد‪ ،‬وأفاضل ُّ‬

‫سبب توبته‪:‬‬
‫ذكــر العلامء يف ترمجته ســببني أو قصتــن لتوبته‪ ،‬منها مــا ذكره أبو‬
‫بكر املالكي العــامل ُ املؤرخ ‪-‬من علامء القرن اخلامــس‪ -‬رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«وأما ســبب توبته ورجوعه إىل عبادة ربه‪ ،‬ومــا جرى له يف ذلك من األخبار‬
‫واملجالس‪ :‬فذكر ســليامن بن حممد قال‪ :‬أخربين حممد بــن الكاتب‪ ،‬قال‪ :‬كُنا‬

‫((( هو عبد الســام (ولقبه سحنون) ابن ســعيد بن حبيب التنوخي‪ ،‬أبو سعيد‪ ،‬الفقيه‬
‫وصاحب‬
‫ُ‬ ‫تلميذ ِ‬
‫ابن القاســم‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫املالكــي القايض الزاهد الــورع احلافظ للعلم الثق ُة‪،‬‬
‫املدونة يف الفقه املالكي‪ .‬ترمجته يف ترتيب املدارك للقايض عياض (‪ ،)45/4‬الديباج‬
‫ّ‬
‫املذهب البن فرحون (‪.)30/2‬‬
‫((( انظر كتابه «رساج امللــوك» (ص ‪ ،)22‬وقد اخترص حممد خملوف ترمجة أيب عقال من‬
‫رساج امللوك يف «شجرة النور الزكية» (‪.)109/1‬‬
‫((( معامل اإليامن يف معرفة أهل القريوان‪ ،‬أليب زيد الدباغ (‪.)215-214/2‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪98‬‬

‫نرشب عند أيب عقال ابــن غلبون يف داره‪ ،‬قال‪ :‬فلام كان بعد العرص خرج عنا‬
‫من املجلس وقد طِبنا‪ ،‬فقال لغالمه‪« :‬امض فاشــر يل جب ًة من صوف وعباءة‬
‫وكســاء ومئزرا من صوف»‪ ،‬فحســب الغالم أنه إنام يريد أن يكسوها ألحد‪،‬‬
‫ِّظاف ودخل إىل والدته‪ ،‬فقالت له‪ :‬ما‬‫فأتى هبا إليه‪ ،‬فنزع ثيا َبه تلك الناعم َة الن َ‬
‫هذا يا أبا عقال؟ أخولِ َ‬
‫طت يف عقلك يا بني؟! فقال هلا‪ :‬يا أماه‪ ،‬واهلل ال عصيته‬
‫عيل‪.‬‬
‫قدر ّ‬
‫بعد هذا اليوم أبدا إال أن ُي َ‬

‫[قال حممد بن الكاتب‪ ]:‬وانرصف كل واحد منا‪ ،‬فهكذا كانت توبته رمحه‬
‫اهلل تعاىل‪ ،‬فباع ما كان له من دار و َعقار وتصدق به‪ ،‬وخرج إىل مكة حرسها اهلل‬
‫تعاىل يف خيشتني»((( انتهى‪.‬‬

‫ويذكر أبو زيد الدباغ ســببا آخر وقصة مغايــرة لتوبته‪ ،‬حيث قال رمحه‬
‫اهلل تعاىل‪ « :‬وكان ســبب توبته أنه كان مفتونًا بالنساء‪ ،‬فكان حيرض األعراس‬
‫عرســا لبعض ملــوك األغالبة مع مجلة من‬
‫واملآتم بزي النســاء‪ ،‬فحرض يو ًما ً‬
‫جواريه عىل شكل النساء‪ ،‬فلام جلس بينه ّن ضاعت ُد َّر ٌة نفيسة يف دار ال ُعرس‪،‬‬
‫فأغلقوا األبواب‪ ،‬ووقع التفتيش يف النساء واحدة بعد األخرى‪ ،‬حتى مل يبق يف‬
‫الدار إال هو وامرأةٌ‪ ،‬فلام خيش الفضيحة قال‪ :‬إهلي لئن ســرتني هذه املرة ومل‬
‫تفضحني ألتوب ّن ثم ال أعود‪ ،‬وكان قد تاب قبلها نحو السبعني مرة ثم نكث!‬
‫ْ‬

‫الصدق نادى ٍ‬
‫مناد من الــدار‪ :‬خ ّلوا عن احلرة ؛ فإنّا قد‬ ‫َ‬ ‫فلــا علم اهللُ منه‬

‫((( رياض النفــوس يف طبقات علامء القريوان وإفريقيــة‪ ،‬أليب بكر املالكي (‪-527/1‬‬
‫‪.)528‬‬
‫‪99‬‬

‫وجدنــا الدُّ َّرة! فخرج من املوضع إىل داره وقد حصل يف نفســه ما حصل من‬
‫فارا بنفســه(((‪،‬‬ ‫َ‬
‫واألهل والولدَ والوط َن‪ ،‬وخرج ًّ‬ ‫التوبة النصوح‪ ،‬فرفض َ‬
‫املال‬
‫فلحق ببعض حصون إفريقية فصحب أبا هارون األندليس‪.‬‬

‫((( كان خروجه من وطنه ومالِه لســبب رصح به هو يف مراســلته مع أخته حني ســألته‬
‫ألدع‬
‫كنت َ‬ ‫ال عن معامل اإليامن (‪ « :- )218/2‬ما ُ‬‫الرجوع من مكة إليهم‪ ،‬فقال ‪ -‬نق ً‬
‫عرفت اهلل فيه وأميض إىل بلد عصيت اهلل فيه‪ ،‬أخشى أن تقىض العوائد! » انتهى‬
‫ُ‬ ‫بلدً ا‬
‫املراد منه‪ ،‬ويقصد أنه خيشى أن حيمله الرجوع للوطن عىل تذكر أيام الغفلة واملعايص‬
‫فيشتاق إليها ويعود الرتكاهبا‪.‬‬
‫نفسا‪،‬‬
‫وهذا موافق ملا جاء يف حديث الرجل من بني إرسائيل الذي قتل تسعة وتسعني ً‬
‫ثم أكملهم مائة نفس‪ ،‬قال يف احلديث‪« :‬ثم ســأل عــن أعلم أهل األرض َفدُ َّل عىل‬
‫رجــل عامل‪ ،‬فقال‪ :‬إنه قتل مائة نفس‪ ،‬فهل له من توبــة؟ فقال‪ :‬نعم‪ ،‬ومن حيول بينه‬
‫وبني التوبة؟ انطلق إىل أرض كذا وكذا‪ ،‬فإن هبا أناســ ًا يعبدون اهلل فاعبد اهلل معهم‪،‬‬
‫وال ترجع إىل أرضك‪ ،‬فإهنا أرض سوء‪ »...‬احلديث‪ ،‬رواه مسلم (‪ ،)2766‬ونحوه‬
‫خمترصا يف صحيح البخاري (‪.)3470‬‬
‫ً‬
‫املواضع‬ ‫ِ‬
‫اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫مفارقة‬ ‫احلض عىل‬
‫قال القايض عياض يف رشح هذا احلديث‪ « :‬فيه ُّ‬
‫َ‬
‫َ‬
‫واألقران الذين ســاعدوه عليهــا‪ ،‬ومعاداهتم هلل تعاىل‪،‬‬ ‫الذنوب‪،‬‬
‫َ‬ ‫التــي أصاب فيها‬
‫ِ‬
‫التوبة وقط ِع عالئقها‪ ،‬واالستبدال بذلك صحب َة أهل اخلري والصالح ومن‬ ‫مبالغ ًة يف‬
‫ُيقتدى به‪ ،‬ويتأكد بمشاهدته توبته »‪ .‬انتهى من إكامل املعلم (‪.)269/8‬‬
‫وقال احلافظ ابن حجر يف «فتح الباري بــرح البخاري» (‪ « :)517/6‬وفيه فضل‬
‫التحول من األرض التي يصيب اإلنســان فيها املعصي َة؛ ملا يغلب بحكم العادة عىل‬
‫ِ‬
‫والفتنة هبا‪ ،‬وإما لوجود َمن كان‬ ‫ِ‬
‫الصادرة َ‬
‫قبــل ذلك‪،‬‬ ‫مثل ذلك‪ ،‬إما لتذك ُِّره ألفعالِه‬
‫أرض‬
‫وحيضه عليه؛ وهلذا قال له األخري‪ :‬وال ترجع إىل أرضك فإهنا ُ‬ ‫يعينــه عىل ذلك ُّ‬
‫ســوء‪ ،‬ففيه إشــارة إىل أن التائب ينبغي لــه مفارق ُة األحوال التــي اعتادها يف زمن‬
‫ُ‬
‫واالشتغال بغريها »‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫والتحول منها ك ِّلها‪،‬‬
‫ُ‬ ‫املعصية‪،‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪100‬‬

‫األندليس زاهدً ا ُمتبتّــا‪ ،‬فانتفع بصحبته والزمه حتى‬


‫ُّ‬ ‫َ‬
‫هارون‬ ‫وكان أبو‬
‫مات»‪ (((.‬انتهى‪.‬‬

‫قال اإلمــام أبو بكر ال ُّط ْرطــويش رمحه اهلل تعاىل‪« :‬ثــم انقطع إىل بعض‬
‫األندلــي منقط ًعا ُمتبتّال إىل اهلل‪،‬‬
‫َّ‬ ‫الســواحل‪ ،‬فصحب رج ً‬
‫ال ُيكنى أبا هارون‬
‫ٍ‬
‫اجتهــاد يف العمل‪ ،‬فبينا أبو عقال يتهجد يف بعض الليايل وأبو‬ ‫كبري‬
‫فلم ير منه َ‬
‫ِ‬
‫القدر‪،‬‬ ‫ُ‬
‫جليل‬ ‫نفس‪ ،‬هــذا عابدٌ‬
‫هــارون نائم‪ ،‬إذ غال َبه النو ُم‪ ،‬فقال لنفســه‪ :‬يا ُ‬
‫أســهر الليل ك َّله‪ ،‬فلو أرحت نفيس! فوضع جنبه‪ ،‬فرأى يف‬
‫ُ‬ ‫ينام الليل ك َّله وأنا‬
‫شخصا‪ ،‬فتال عليه‪ ﴿ :‬ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ‬
‫ً‬ ‫منامه‬
‫ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﴾[اجلاثية‪ ]21 :‬إىل آخر اآلية‪ ،‬فاســتيقظ ِ‬
‫فز ًعا‬
‫أتيت كبري ًة قط؟‬ ‫َ‬
‫فأيقظ أبا هارون وقال له‪ :‬ســألتُك باهلل هل َ‬ ‫وعلم أنه املراد‪،‬‬
‫تعمد واحلمــد هلل‪ .‬فقال أبو عقال‪ :‬هلذا‬
‫قــال‪ :‬ال يا ابن أخي‪ ،‬وال صغري ًة عن ّ‬
‫تنام‪ ،‬وال يصلح ملثيل إال الكدُّ واالجتها ُد‪.‬‬

‫((( معــامل اإليامن (‪ ،)215/2‬وأبو هارون األندليس هــذا كان أحد الصاحلني الفضالء‬
‫املجتهديــن يف الدعاء والعبادة‪ ،‬وكان علامء القــروان حيرتمونه ويوقرونه وبعضهم‬
‫كان خيدمــه‪ ،‬وكان يدعو اهلل تعاىل أن جيعل قربه يف البقيع‪ ،‬فاســتجاب اهلل له وتويف‬
‫باملدينة املنورة عىل ساكنها الصالة والسالم ودفن بالبقيع‪.‬‬
‫و ُذكر عنه أنه كان حصور ًا ال يأيت النساء‪ ،‬ومل يتزوج‪ ،‬وهبذا يلحق بـ«العلامء العزاب»‬
‫ف ُيزاد عىل كتاب الشــيخ عبد الفتاح أبو غدة رمحه اهلل تعاىل‪ .‬وانظر ما ســيأيت (ص‪:‬‬
‫‪.)178 ،156‬‬
‫انظر ترمجته يف‪ :‬رياض النفوس أليب بكر املالكي (‪ ،)526 - 516/1‬التكملة لكتاب‬
‫أخبارا متناثرة يف ترمجة تلميذه أيب عقال يف‬
‫ً‬ ‫الصلة‪ ،‬البن األ ّبار (‪ ،)142/4‬كام أن له‬
‫«رياض النفوس» و«معامل اإليامن» أليب زيد الدباغ‪ ،‬رحم اهلل اجلميع‪.‬‬
‫‪101‬‬

‫بيت اهلل احلرام‪ ،‬وحــج مرار ًا ‪ ،‬وأربى عىل ُع ّباد‬


‫ثــم رحل إىل مكة‪ ،‬ولزم َ‬
‫املرشق‪.‬‬

‫وكان يعمل ِ‬
‫بالقربة عىل ظهره لقوته‪ ،‬ومات بمكة وهو ســاجد يف صالة‬
‫الفريضة باملسجد احلرام‪ ،‬سنة ست وتسعني ومائتني »((( انتهى‪.‬‬

‫بعض أخباره يف مكة‪:‬‬

‫سمى محامة احلرم بمكة(((‪.‬‬


‫قال أبو عبد اهلل الدينوري‪ :‬كان أبو عقال ُي ّ‬

‫وقال أبو بكر بن ســعدون‪ « :‬رأيت أبا عقــال عىل جبل الرمحة يوم عرفة‬
‫شــاخصا ببرصه‪،‬‬
‫ً‬ ‫جاث ًيــا بني يدي اهلل عز ّ‬
‫وجل عىل ركبتيه‪ ،‬باســ ًطا ذراعيه‪،‬‬
‫ودموعه سكبا‪ ،‬فقلت له‪ :‬يا أبا عقال‪ ،‬إنه يوم عظيم‪ ،‬أال تدعو؟ فقال يل‪ :‬يا ابن‬
‫سعدون‪ ،‬هو يعرف حاجتي ويف أي يشء جئت »(((‪.‬‬

‫قال الطرطويش‪ « :‬وقال له رجل كان يصحبه يوم ًا‪ :‬يل إليك حاجة‪ ،‬فقال‬
‫‪ -‬بعد اجلهد به ‪ :-‬حاجتك مقضية‪ ،‬قال‪ :‬إن كانت لك شهو ٌة أخربين هبا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫فاشرتيت له رأسني ول َف ْفتُهام يف ِرقاق وجئته هبام‪ ،‬ثم‬
‫ُ‬ ‫رأسا‪،‬‬
‫نعم أشتهي أن آكل ً‬
‫ســألته بعد ذلك بأيام‪ :‬هل طاب لك الرأسان؟ قال‪ :‬ال‪ ،‬ما هو إال أن فتحتهام‬
‫الرواس فأخربته‪،‬‬
‫فأتيت ّ‬
‫ُ‬ ‫حمش ّوان ُدود ًا ! ليس فيهام حلم ألبتة إال الدُّ ود!‬
‫فإذا مها ُ‬

‫((( رساج امللوك (ص ‪.)22‬‬


‫((( معامل اإليامن (‪.)226/2‬‬
‫((( رياض النفوس (‪.)530/1‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪102‬‬

‫كنت أظن أن يف زماننا أحد ًا حيتمي من احلرام هذه‬


‫فأطرق متعجبا‪ ،‬ثم قال‪ :‬ما ُ‬
‫بعض العامل‪.‬‬
‫انتهبها ُ‬
‫احلامية! تلك الرؤوس كانت من غنم َ‬

‫ثم أعطاين((( رأســن من غري تلك الغنم‪ ،‬فأتيت هبــا أبا عقال فأكلهام‪،‬‬
‫الرواس‪ ،‬فبكى‪ ،‬ثم قال‪ :‬يا رب ما كان يســتحق عبدُ ك أبو‬
‫وأخربته بام قالــه ّ‬
‫مثل هذه احلامية‪ ،‬ولكنه يا رب فض ُلك وكر ُمك‪ ،‬ف َل َك َّ‬
‫عيل يا رب أن ال‬ ‫عقــال َ‬
‫آكل طعاما بشهوة أشتهيها حتى ألقاك إن شاء اهلل! »((( انتهى‪.‬‬

‫وقال أبو بكر بن ســعدون‪« :‬قال يل أبو عقال‪ :‬يــا أبا بكر‪ ،‬زال من قلبي‬
‫فكنت أطوف ُمغطى العينني خوف الفتنة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ب النســاء‪ ،‬قال‪:‬‬
‫حب الدنيا إال ُح َّ‬
‫فإذا بامرأة خراســانية َن َظ َر ْت إ ّيل وأنا أطــوف‪ ،‬فقالوا هلا‪ ،‬هذا رجل من ملوك‬
‫فأرسلت‬
‫ْ‬ ‫املغرب ط َّلق الدنيا‪ ،‬وبقي يف قلبه ّ‬
‫حب النســاء‪ ،‬فقالت‪ :‬أنا أتزوجه‪،‬‬
‫إليه‪ ،‬فقال هلا‪ :‬ال أتزوجك حتى ترتكي الدنيا بحيث ال يبقى معك منها يش ٌء‪،‬‬
‫مثيل‪ ،‬فأخربوها‪ ،‬فتصد َق ْت بام معها‪ ،‬وتزوجت أبا عقال‪.‬‬

‫قال [ابن ســعدون]‪ :‬فأقام معها حتى تويف‪ ،‬فدُ فنا مجيعا بمكة‪ ،‬أبو عقال‬
‫وزوجته اخلراسانية»(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫الرواس‪.‬‬
‫((( أي ّ‬
‫((( رساج امللوك (ص ‪.)22‬‬
‫((( معامل اإليامن (‪.)229-228/2‬‬
‫‪103‬‬

‫بعض شعره وما يتعلق به من أحكام‪:‬‬

‫قال أبو زيد الدباغ‪ :‬وأليب عقال أشعار يف الزهد‪ ،‬منها قوله عند توبته‪:‬‬
‫َ‬
‫ســبيل الرشــد‬ ‫أبــر بالقلب‬
‫َ َ‬
‫فبايــن األهــل معــا والولــد‬
‫وجــدّ يف الســر إىل ربــه‬
‫مشــمرا يطلــب ُم َ‬
‫لــك األبــد‬
‫قــد صــارت الدنيــا بأقطارها‬
‫(((‬
‫عليه كالســجن فمنهــا رشد‬

‫انتهى‪.‬‬

‫وكان أحيان ًا ُينشــد بعض قصائده التي قاهلا أيام هلوه وغفلته ثم ُينشــد‬
‫ُ‬
‫الرجل‬ ‫أشعارا قاهلا يف تكفريها والتوبة منها‪ ،‬من ذلك ما رواه حممد بن الكاتب‬
‫الصالح‪ ،‬قال‪ :‬دخلت املســجد احلرام فإذا أنا بابــن غلبون يف احلطيم قاعدا‪،‬‬
‫ُ‬

‫فس ّلم َّ‬


‫عيل وعانقني‪ ،‬ثم قال يل‪ :‬يا ابن الكاتب‪:‬‬

‫ســامها‬
‫َ‬ ‫ُف املهديات‬ ‫أمــا واألك ِّ‬
‫إىل مدْ نِ ٍ‬
‫ــف مل يســتطع أن ُيســ ّلام‬ ‫ُ‬
‫ِ‬
‫واألعني التي‬ ‫يض‬ ‫ِ‬
‫اخلدود البِ ِ‬ ‫وتلك‬
‫ي لدمعي أن َي َ‬
‫فيض و َيسجام‬ ‫قض ْ َ‬
‫َ‬

‫((( معامل اإليامن (‪.)219/2‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪104‬‬

‫ثم قال يل‪ :‬يا ابن الكاتب‪ ،‬استمع قويل يف تكفريه‪ ،‬ثم قال يل‪:‬‬

‫املشــيب بلِ َّمتــي فنعــاين‬


‫ُ‬ ‫الح‬
‫الصبــا عنــي وز َّم عناين‬
‫ونفــى َّ‬
‫خطــوب احلادثات بأرسيت‬
‫ُ‬ ‫ونأت‬
‫فبقيــت منفــر ًدا مــن األقــران‬
‫بصفو ِه‬
‫ِ‬ ‫صــدر الزمان‬
‫ُ‬ ‫فلئن مىض‬
‫ــن لســيدي املن ِ‬
‫ّــان‬ ‫َف َ َ ِ‬
‫ل ْخد َم َّ‬
‫وألقطعــن عالئقــي ِمــن ِ‬
‫غريه‬ ‫ّ‬
‫َّ‬
‫أحــل بســاحة امليــدان‬ ‫حتــى‬
‫وألنفــن مطامعــي ومالبــي‬
‫َّ‬
‫وألمنعــن مــن الــكالم لســاين‬
‫ّ‬
‫وألهجــرن أحبتــي ومعــاريف‬
‫ّ‬
‫املجــان‬
‫ّ‬ ‫وألقطعــن عصابــة‬
‫ّ‬
‫ول ِا مىض‬
‫وألبكني عــى الصبــا َ‬
‫ّ‬
‫مــن غــرين يف ســالف األزمان‬
‫العبــا َد بفضلِه‬
‫شــمل ِ‬
‫َ‬ ‫فلعل َمن‬
‫ِ‬
‫بكثرة األشــجان‬ ‫ُييــي الفــؤا َد‬
‫حســن ظنــي قادين‬
‫ُ‬ ‫يا مــن إليه‬
‫املؤم ُ‬
‫ــل عنــد كل أوان‬ ‫أنــت َّ‬
‫‪105‬‬

‫عــي بــا أؤمــل منك يا‬


‫َّ‬ ‫فامنن‬
‫ومسدي اإلحسان‬
‫(((‬
‫َ‬ ‫ُمعطي اجلميل‬

‫انتهى‪.‬‬

‫وله قصيدة يمدح فيها شيخه الزاهدَ أبا هارون األندليس‪ ،‬الذي يبدو من‬
‫خالل القصيدة أنه قد ّ‬
‫حتل بكثري من شــعب اإليامن وأخالق الصاحلني‪ ،‬ويف‬
‫القصيدة ٌّ‬
‫حث عىل التخلق هبذه الشامئل‪ ،‬قال أبو بكر املالكي‪« :‬وقال أبو عقال‬
‫أوصاف أيب هارون األندليس واجتها َده يف الطاعة ودوا َمه عليها‪:‬‬
‫َ‬ ‫يذكر‬
‫ُ‬
‫جيــول‬ ‫هــم‬
‫ٍّ‬ ‫احل ِ‬
‫ــزن‪ ،‬ذو‬ ‫قريــن ُ‬
‫ُ‬
‫َفــول‬ ‫ٍ‬
‫ســهر إذا نــام الغ ُ‬ ‫أخــو‬
‫دؤو ُم الكــدِّ ‪ّ ،‬أوا ٌه إذا مــا‬
‫ُ‬
‫اجلليــل‬ ‫ت ََذك َ‬
‫َّــر مــا ت ََو ّعــدَ ُه‬
‫دار‬ ‫ِ‬
‫شــهوات ٍ‬ ‫ِ‬
‫النفس عن‬ ‫زوف‬
‫َع ُ‬
‫القلــوب ومــا ُ‬
‫متيل‬ ‫ُ‬ ‫ُ‬
‫متيــل هلــا‬
‫صب‬ ‫ِ‬
‫باإلخــوان‪ٌّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫العــن‬ ‫قريــر‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫وصول‬ ‫بســا ٌم‪،‬‬
‫غزيــر الدمــع‪ّ ،‬‬
‫ّ‬
‫الكــف‪ ،‬ليس بــا لديه‬ ‫ســخي‬
‫ُّ‬
‫مــن الدنيا ‪-‬وإن ج ّلــت‪ُ -‬‬
‫بخيل‬

‫((( رياض النفوس (‪.)541/1‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪106‬‬

‫رحيب الصــدر ليس لــه ا ّدخار‬


‫ٌ‬
‫أهــل وال ولــد يعــول‬ ‫وال‬
‫ٍ‬
‫أمــر‬ ‫ٌ‬
‫فعــول مــا يقــول‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬
‫ُ‬
‫مــول‬ ‫ُّ‬
‫يــدل عليــه فهــو لــه َع‬
‫ذكــي النفــس ذو عقــل و ُل ٍّ‬
‫ــب‬ ‫ُّ‬
‫(((‬
‫صدوق اللفظ يفهــم ما يقول‬

‫انتهى‪.‬‬

‫أيضا‪« :‬وكان رمحه اهلل تعاىل هوى الشــعر يف أيام‬


‫ويقول أبو بكر املالكي ً‬
‫حداثتــه‪ ،‬فلام صار إىل ما صار إليه كان يقولــه يف معنى الزهد ورفض الدنيا‪،‬‬
‫ويندب نفسه فيه‪ ،‬ويصف أحواله التي تقدمت له يف حداثته‪ ،‬فمن ذلك قوله‪:‬‬
‫أيــا مــن يــرى الرشــد يف غ ِّيه‬
‫وخيبــط يف الداجيــات القتــادا‬
‫جتــاف بنفســك عــن حتفهــا‬
‫َ‬
‫وخــذ ألمانــك منــك القيــادا‬
‫أجــب داعــي اهلل ال تعصــه‬
‫فقــد جاد بالنصح جهــرا ونادى‬
‫وال ت ْلــ ُه باملوبقــات التــي‬
‫أبــادت بوائقها من متــادى‪.»...‬‬

‫((( رياض النفوس (‪.)544-543/1‬‬


‫‪107‬‬

‫إىل أن يقول يف وصف ما كان عليه‪:‬‬

‫وسســت القيان‬
‫ُ‬ ‫«بلوت الزمان‪،‬‬
‫ُ‬
‫عت الشــدادا‬
‫ور ُ‬
‫ضت اجليا َد‪ُ ،‬‬
‫ور ُ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫الرئــال‬ ‫َ‬
‫الغــزال وأم‬ ‫أصيــدُ‬
‫بطــرف أراه جييــد الطــرادا‬
‫وصعلكت يف الــر والبحر دهرا‬
‫عــي حــدادا‬
‫ّ‬ ‫أخلــف أهــي‬
‫أســوم البعــاد‪ ،‬وأهــوى اللذاذ‬
‫وأظهر يف األرض مني الفسادا‪.»...‬‬

‫إىل أن يقول يف توبته من ذلك‪:‬‬

‫« فألزمــت نفيس مــدى صربها‬


‫وخالفتُهــا يف هواهــا عنــادا‬
‫كنــت أهلــو بــه‬
‫ُ‬ ‫وباينــت مــا‬
‫ُ‬
‫فأمســى وأصبح عندي ســهادا‬
‫رضيــت بــدون الكفايــة قوتــا‬
‫وباهلل عن كل خلق عــادا ‪.»...‬‬

‫وختمها بقوله‪:‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪108‬‬

‫عيشــا ك َع ْيــش ال َقنوع‬


‫« فلم َأر ً‬
‫َ‬
‫مثــل التُّقى يل ُمــرادا » (((‪.‬‬ ‫ومل َأر‬
‫انتهى‪.‬‬

‫ولمــا كان أبو عقال معــدودا يف العلامء األتقيــاء‪ ،‬وكان العلامء يروون‬
‫ّ‬
‫أخباره لتالمذهتم‪ ،‬وانترشت قصائده‪ :‬استشــكل بعــض الفقهاء كيف يذكر‬
‫َ‬
‫أفعا َله القبيحة يف قصائده‪ ،‬فكان هذا احلوار العلمي ُ‬
‫المفيد‪:‬‬
‫(((‬
‫وذكر أبو احلســن ابــن القابيس رمحه اهلل تعاىل‬
‫َ‬ ‫قال أبو بكر املالكي‪« :‬‬
‫أبا عقال‪ ،‬فحكى كيف كان ســبب توبته‪ ،‬ثم أنشد له شعرا يصف فيه أحوا َله‬
‫التي كان يفعل قبل توبته‪ ،‬فقيل للشيخ أيب احلسن‪ :‬هل جيوز ُ‬
‫مثل هذا‪ :‬أن يذكر‬
‫اإلنسان أفعا َله القبيحة؟ أما يدخل هذا يف حديث ابن عمر الذي قال فيه‪« :‬من‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫اإلنسان عمال بالليل فيصبح خيرب به » ؟‬ ‫املجانة أن َ‬
‫يعمل‬

‫غري مسترتة عليه‪.‬‬ ‫ُ‬


‫الشيخ أبو احلسن‪ :‬إن أفعاله كانت ظاهر ًة َ‬ ‫فقال‬

‫فقيل له‪ :‬وقد أخرب هو هبا يف شعره ملن مل يكن يعلمها منه !‬

‫فقال‪ :‬إنه لو مل ُيرب هبا هو من مل يعلمها؛ لب َل َغتْه من غريه »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫((( رياض النفوس (‪.)540-539/1‬‬


‫((( هو أبو احلسن عيل بن حممد بن خلف املعافري‪ ،‬املعروف بابن القابيس‪ ،‬من أهل إفريقية‪،‬‬
‫ِ‬
‫ورجاله‪ ،‬فقيه ًا أصولي ًا متكل ًام مؤلف ًا جميد ًا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وعلله‬ ‫ِ‬
‫باحلديث‬ ‫وكان واسع الرواية‪ ،‬عامل ًا‬
‫وكان مــن الصاحلني املتقني الزاهدين اخلائفني‪ ،‬وكان مشــهور ًا بإجابة الدعاء‪ ،‬تويف‬
‫بالقريوان سنة ثالث وأربعامئة وقد بلغ الثامنني أو نحوها بيسري‪ ،‬رمحه اهلل تعاىل‪ .‬انظر‬
‫ترمجته يف «ترتيب المدارك» (‪« ،)92/7‬معالم اإليمان» (‪.)134/3‬‬
‫((( رياض النفوس (‪.)537-536/1‬‬
‫‪109‬‬

‫احتياطه للثبات على التوبة‪:‬‬ ‫ُ‬


‫شدة‬
‫ِ‬
‫ٍ‬
‫عقال أختُه من القريوان‬ ‫قال أبو بكر املالكي‪ « :‬وقيل‪ :‬إنه كتبــت إىل أيب‬
‫إىل مكة ُك ُت ًبا كثرية‪ ،‬بعد توبته وإنابته‪ ،‬تسأله وترغب إليه يف الرجوع إىل املغرب‬
‫َ‬
‫وصل إليه منها‬ ‫ٍ‬
‫كتاب‬ ‫املوت بينهام‪ ،‬فكل‬
‫ُ‬ ‫فرق‬
‫ُس برؤيته قبل أن ُي ّ‬
‫لتجتمع به وت ّ ّ‬
‫ألقاه من يديه ومل يقرأه!‬

‫فلــا طال ذلك عليها أوصــت إليه بغري كتاب‪ ،‬ورغبــت إليه‪ ،‬وقالت‪:‬‬
‫ّ‬
‫بحق الثدي الذي رضعته معــك إال أريتني وجهك قبل املوت وفراق الدنيا‪،‬‬
‫كنت عندنا‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وكثرة ما يطرأ علينا بســببك َ‬ ‫َما َل َك ؟! يف حني ِصباك وجناياتك‬
‫وحني رصنا نفتخر بك ونتربك برؤيتك فارقتنا !‬

‫عرفت اهللَ عز وجل فيه وأميض‬


‫ُ‬ ‫كنت ِل َد َع بلدً ا‬
‫فقال لرسوهلا‪ :‬قل هلا‪ :‬ما ُ‬
‫عصيت اهلل تعاىل فيه‪ .‬أخشى أن تقتضيني العوائد(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫إىل بلد‬

‫ثــم ِ‬
‫قد َمت عليه أخته بعــد ذلك من املغرب‪ ،‬وأقامــت معه بمكة حتى‬
‫ماتت»(((‪.‬‬

‫((( وقد مر مثل كالمه هذا تعلي ًقا يف أول ترمجته (ص ‪ ،)99‬وهناك بيان معناه‪.‬‬
‫((( ريــاض النفوس (‪ ،)537/1‬ثم تكلم املالكي (‪ )538/1‬عن مقدمها ملكة‪ ،‬فكان مما‬
‫قاله‪ « :‬ثم إهنا أقامت معه ما شاء اهلل تعاىل بمكة تتعبد معه‪ ،‬وكانت جمتهدة‪ ،‬ثم توفيت‬
‫بمكة حرسها اهلل »‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪110‬‬

‫ُ‬
‫وفاته‪:‬‬

‫ســبب موته أنه صىل العشا َء اآلخرة‪ ،‬وذلك يف شهر‬


‫ُ‬ ‫قال املالكي‪« :‬وكان‬

‫الناس‬
‫رمضان‪ ،‬ثم قمنا لصــاة الرتاويح‪ ،‬فصلينا تروحية أو اثنتني‪ ،‬فســجد ُ‬
‫فظن من وراءه‬
‫الناس وبقي أبو عقال ساجدً ا بحاله‪ّ ،‬‬
‫وسجد أبو عقال‪ ،‬ثم قام ُ‬
‫أنه نام يف ســجوده‪ ،‬فلام انقضت الرتوحية التي كانوا فيها ذهبوا حيركونه‪ ،‬فإذا‬

‫هو قد مات»(((‪.‬‬

‫مر سابقا قول أيب بكر الطرطويش‪ :‬ومات بمكة وهو ساجد يف صالة‬
‫وقد ّ‬
‫الفريضة باملسجد احلرام‪ ،‬سنة ست وتسعني ومائتني‪.‬‬

‫ٍ‬
‫عقــال أبياتا رثته هبا أختُه‪،‬‬ ‫قال أبو بكر بن ســعدون‪« :‬رأيت عىل قرب أيب‬

‫وهي‪:‬‬

‫ليت شــعري مــا الــذي عاين َت ُه‬

‫الو َس ْن؟‬
‫نفي َ‬ ‫بعدَ َد ْو ِم الصو ِم ْ‬
‫مع ِ‬
‫ِ‬
‫أوطانا‬ ‫ِ‬
‫النفس عــن‬ ‫مع نــزوحِ‬
‫ْ‬
‫ِ‬
‫مــن نعيــ ٍم ومحيــ ٍم َ‬
‫وســك َْن‬

‫يــا وحيــدً ا ليس مــن َو ْجدي به‬

‫جــن‬
‫ْ‬ ‫لوعــ ٌة متنعنــي مــن أن ُأ‬

‫((( رياض النفوس (‪.)539-538/1‬‬


‫‪111‬‬

‫فكــا تبــى وجــو ٌه يف الثــرى‬


‫عليهن َ‬
‫احلــز َْن » (((‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫فكذا َيبــى‬

‫انتهى‪.‬‬

‫ولــه أخبار طويلة‪ ،‬وأشــعار كثرية‪ ،‬وهــي مذكور ٌة يف ترمجتــه‪ ،‬تركتُها‬


‫اختصارا‪.‬‬
‫ً‬

‫رمحه اهلل تعاىل رمح ًة واسع ًة‪.‬‬

‫((( ريــاض النفوس (‪ ،)538/1‬وهــي كذلك يف معامل اإليــان (‪ )218-217/2‬مع‬


‫اختالفات قليلة يف األبيات‪ ،‬ثم قال الدباغ بعد نقله هلا‪« :‬وكانت أخته شاعرة»‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪112‬‬

‫يعقوب بن إبراهيم الب ْ‬


‫َخرتي‬

‫(‪322 - 237‬هـ)‬

‫أحدُ املحدثني الثقات ا ُملكثرين‪ ،‬ترجم له احلافظ اخلطيب البغدادي رمحه‬


‫اهلل تعاىل‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫«يعقوب بن إبراهيم بن أمحد بن عيســى بن ال َب ْخــري‪ ،‬أبو بكر البزاز‪،‬‬


‫يعرف ِ‬
‫باجل َراب(((‪.‬‬

‫سمع‪ :‬رزق اهلل بن موسى‪ ،‬وعيل بن مسلم الطويس‪ ،‬واحلسن بن عرفة‪.‬‬

‫روى عنه‪ :‬الدارقطني‪ ،‬واب ُن شــاهني‪ ،‬ويوســف بن عمر القواس‪ ،‬وأبو‬


‫القاسم ابن الصيدالين املقرئ‪.‬‬

‫القواس ذكره يف مجلة شيوخه الثقات‪.‬‬


‫َ‬ ‫اخلل ُل‪ :‬أن يوسف‬
‫وذكر يل ّ‬

‫قال احلافظ الدارقطني‪ :‬يعقوب بن إبراهيم بن أمحد بن عيســى أبو بكر‬


‫مكثرا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫البزاز‪ ،‬لقبه ج َراب‪ ،‬كتبنا عنه‪ ،‬كان ثقة مأمونا ً‬

‫وقال احلافظ عبد الغني بن سعيد‪ :‬يعقوب بن إبراهيم ِ‬


‫اجلراب‪ :‬ثق ٌة‪.‬‬

‫((( ال َب ْخرتي‪ :‬بفتح الباء املوحدة‪ ،‬وســكون اخلاء املعجمة‪ .‬انظر إكامل اإلكامل البن نقطة‬
‫(‪.)369 ،367/1‬‬
‫واجلراب‪ :‬بجيم مكسورة وختفيف الراء‪ ،‬كذا ضبطه احلافظ ابن حجر رمحه اهلل تعاىل‬
‫يف «تبصري ا ُملنتبِه بتحرير ا ُملشتبِه» (‪.)421/1‬‬
‫‪113‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫قال ابن قانع‪ :‬يعقوب بن إبراهيم البزاز مات يف شــهر ربيع اآلخر‪ ،‬سنة‬
‫اثنتني وعرشين وثالث مائة‪.‬‬

‫وقال غريه‪ :‬مات وهو ساجد يف ليلة اجلمعة‪ ،‬ودفن يوم اجلمعة ٍ‬
‫لثامن َبقني‬
‫من شهر ربيع اآلخر‪ ،‬ومولده يف سنة سبع وثالثني ومائتني»(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫((( تاريخ بغداد (‪ ،)430/16‬باختصار وترصف يسري‪.‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪114‬‬

‫أبو الفضل احلاكم الشهيد‬

‫(‪334 - ...‬هـ)‬

‫املحدث احلافظ‪ ،‬الفقيه احلنفي العالمة‪ ،‬شــيخ أمراء خراسان وعلامئها‪،‬‬


‫الس َلمي البلخي‪ ،‬الشهري باحلاكم‬
‫املروزي ُّ‬
‫ُّ‬ ‫حممد بن حممد بن أمحد‪ ،‬أبو الفضل‬
‫الشهيد(((‪.‬‬

‫أســوق ترمجته ‪ -‬باختصار وترصف يســر ‪ -‬نقال عن اإلمام السمعاين‬


‫(ت‪562‬هـ) يف ترمجته((( من كتابه « األنساب »‪ ،‬قال رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬

‫« أبــو الفضــل‪ ،‬حممد بن حممد بن أمحــد بن عبد اهلل بن عبــد املجيد بن‬
‫احلاكم‬
‫ُ‬ ‫الوزير‬
‫ُ‬ ‫احلنفي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫لمي‬
‫الس ُّ‬
‫املروزي ُّ‬
‫ُّ‬ ‫الشهري باحلاكم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫إسامعيل ابن احلاكم‪،‬‬
‫(((‬
‫الشهيدُ ‪ ،‬عامل ُ مرو‪ ،‬واإلما ُم ألصحاب أيب حنيفة رمحه اهلل يف عرصه‪ ،‬وكدخدا‬
‫خراسان وأستا ُذه‪.‬‬
‫َ‬ ‫صاحب‬

‫قد كان ملا ُق ّلد قضا َء بخارى خيتلف إىل األمري احلميد ف ُيدرســه الفقه‪ ،‬فلام‬
‫صارت الوالي ُة إليه ق ّلده أز ّمة األمور كلها‪ ،‬وكان يمتنع عن اسم الوزارة‪ ،‬ومل‬
‫األمري احلميدُ به إىل أن تق ّلدها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫يزل‬

‫((( ترمجته يف‪ :‬تاريخ اإلسالم للذهبي (‪ ،)685/7‬تاج الرتاجم البن قطلوبغا (‪،)272/1‬‬
‫اجلواهر املضية (‪.)112/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬األنساب للسمعاين (‪ )192 -187/8‬باختصار وترصف‪.‬‬
‫((( أفاد حمقق الكتاب بأهنا كلمة فارسية معناها‪ :‬رب املنزل‪ ،‬أو وايل الناحية‪.‬‬
‫‪115‬‬

‫رحل يف طلب احلديث‪ ،‬وسمع كثريا من العلامء بمرو‪ ،‬ونيسابور‪ ،‬والري‪،‬‬


‫وبغداد‪ ،‬والكوفة‪ ،‬ومكة‪ ،‬ومرص‪ ،‬وبخارى‪.‬‬

‫خراسان قاطب ًة وأئمتُها من احلاكم الشهيد‪.‬‬


‫َ‬ ‫ُ‬
‫مشايخ‬ ‫ثم سمع‬

‫َ‬
‫احلديث عىل رسمنا‬ ‫وقال احلاكم أبو أمحد احلافظ‪ :‬احلاكم الشــهيد َكت َ‬
‫َب‬
‫ال عىل رســم املتفقهة‪ ،‬وكان حيفظ الفقهيات التي حيتــاج إليها‪ ،‬ويتكلم عىل‬
‫احلديث‪ ،‬قلــت((( ألبى أمحد‪ :‬كان يب ُلغنا أن ذلــك الكالم كالمك عىل كتبه!‬
‫َ‬
‫حديث أيب محزة‬ ‫فقال‪ :‬ال واهلل‪ ،‬إال كال ُمه ونتيجــ ُة فهمه‪ ،‬وأما أنا فجمعت له‬
‫السكري وإبراهيم بن ميمون الصائغ ومجاعة من شيوخ املراوزة‪.‬‬

‫احلاكم وهو يصوم االثنني‬


‫َ‬ ‫عهدت‬
‫ُ‬ ‫احلاكم الشهيدَ قال‪:‬‬
‫َ‬ ‫وذكر أبو عبد اهلل‬
‫واخلميس‪ ،‬وال يدع صال َة الليل يف السفر واحلرض‪ ،‬وال يدع التصنيف يف السفر‬
‫واحلرض‪ ،‬وكان يقعد والسفط والكتب واملحربة بني يديه وهو وزير السلطان‪،‬‬
‫ُ‬
‫فيأذن ملن ال جيد ُبدًّ ا من اإلذن له‪ ،‬ثم يشتغل بالتصنيف‪ ،‬فيقوم الداخل‪.‬‬

‫ولقد شكاه أبو العباس ابن محويه وقال‪ :‬ندخل عليه وال يكلمنا‪ ،‬ويأخذ‬
‫القلم بيده ويدعنا ناحية‪.‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلمالء‬ ‫حرضت عشي َة اجلمعة َ‬
‫جملس‬ ‫ُ‬ ‫قال احلاكم أبو عبد اهلل احلافظ‪ :‬وقد‬

‫((( ليس القائل هو الســمعاين قطع ًا‪ ،‬ألن والدته بعد وفاة احلاكم الشــهيد‪ ،‬وأظنه ينقل‬
‫من كتاب «تاريخ نيســابور» ‪ -‬وهو كتــاب مفقود ‪ -‬للحافــظ أيب عبد اهلل احلاكم‬
‫النيسابوري صاحب «املســتدرك عىل الصحيحني» (ت ‪405‬هـ)‪ ،‬وبدليل قوله بعد‬
‫قليل‪« :‬وذكر أبو عبد اهلل»‪ ،‬واهلل أعلم‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪116‬‬

‫األمري‪ ،‬فقام له قائام‪،‬‬


‫ُ‬ ‫للحاك ِم أيب الفضل‪ ،‬ودخل أبو عيل بن أيب بكر بن املظفر‬
‫ومل يتحــرك من مكانه‪ ،‬ور ّده من باب الصفة‪ ،‬وقال‪ :‬انرصف أهيا األمري فليس‬
‫هذا يومك‪.‬‬

‫قــال احلاكم أبو عبد اهلل [ابن] ال َب ّيع‪ :‬وســمعت أبــا العباس املرصي ‪-‬‬
‫احلاكم يوما بالبواب واملرتب وصاحب‬
‫ُ‬ ‫وكان من املالزمني لبابه‪ -‬يقول‪ :‬دعا‬
‫غري مرة بأن‬
‫تقدمت إليكم َ‬
‫ُ‬ ‫الرس‪ ،‬فقال لثالثتهم‪ :‬إن الشــيخ اجلليل يقول‪ :‬قد‬
‫ال حتجبوا عني بالغدوات والعشــيات أحدا من أهل العلم الرحالة أصحاب‬
‫وأصحــاب األموال‪ ،‬وأنتم‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫الفرســان‬ ‫املرقعــات واألثواب الرثة‪ ،‬واحجبوا‬
‫ألطامعكــم الكاذبة تأذنون لألغنياء‪ ،‬وحتجبون عنــي الغرباء لرثاثتهم‪ ،‬فلئن‬
‫ّلت بكم‪.‬‬
‫عدتم لذلك نك ُ‬

‫وفاته ‪:‬‬

‫وحكى اب ُن احلاكم الشهيد‪ :‬أنه مل يزل يدعو يف صالته وأعقاهبا بدعوات‪،‬‬


‫ثم يقول‪ :‬ال َّل ّ‬
‫هم ارزقني الشــهادة! إىل أن سمع عشية الليلة التي ُقتل من غدها‬
‫وصوت الســاح‪ ،‬فقال‪ :‬ما هذا؟ فقالوا‪ :‬غوغاء العســكر قد اجتمعوا‬
‫َ‬ ‫َج َلب ًة‬
‫الذنب يف تأخري أرزاقهم عنهم‪ ،‬فقال‪ :‬ال َّل ّ‬
‫هم ُغفرا!‬ ‫َ‬ ‫احلاكم‬
‫َ‬ ‫يؤلبون‪ ،‬و ُيلزمون‬

‫وتنور‪ ،‬ون ّظف‬ ‫ّ‬


‫وسخن له املاء يف مرصية‪ّ ،‬‬ ‫ثم دعا باحلالق فحلق رأســه‪،‬‬
‫نفسه‪ ،‬واغتســل‪ ،‬ولبس الكفن‪ ،‬ومل يزل طول ليلته تلك يصيل‪ ،‬فأصبح وقد‬
‫اجتمعوا إليه‪.‬‬
‫‪117‬‬

‫أصحاب‬
‫َ‬ ‫ُ‬
‫الســلطان إليهــم يمنعهم عنه‪ ،‬فلــم َيقبلوا‪ ،‬فخذلــوا‬ ‫فبعث‬
‫السلطان‪ ،‬و َك َبتوا احلاكم فقتلوه وهو ساجد رمحه اهلل‪.‬‬

‫واستشــهد احلاكم عىل باب مرو‪ ،‬وقد اغتســل‪ ،‬ولبــس الكفن‪ ،‬وصىل‬
‫صالة الصبح والكتب بني يديه‪ ،‬وهو يصنف بضوء الشــمس‪ ،‬يف شــهر ربيع‬
‫اآلخر سنة أربع وثالثني وثالثامئة‪.‬‬

‫وكان رمحه اهلل حفظ ستني ألفا من حديث رسول اهلل ﷺ‪ ،‬وتصانيفه تدل‬
‫عىل كامل فضله‪ ،‬كالكايف‪ ،‬واملنتقى‪ ،‬ورشح اجلامع‪ ،‬وأصول الفقه»‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪118‬‬

‫علي بن حممد الطوسي‬

‫(من أهل القرن الرابع اهلجري)‬

‫أحدُ الزهاد‪ ،‬ترجم له اب ُن عساكر استطرا ًدا يف آخر ترمجته البنه الزاهد أيب‬
‫الرساج عبد اهلل بن عيل الطويس (ت‪378‬هـ)‪.‬‬
‫نرص ّ‬
‫قال احلافظ اب ُن عساكر رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬

‫«عيل بن حممد بن حييى‪ ،‬أبو احلســن الرساج‪ ،‬الطويس‪ ،‬من مجلة مشايخ‬
‫ِ‬
‫وزهادهم‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وفتيانم‪،‬‬ ‫طوس‪،‬‬

‫مات بنيسابور وهو ساجد‪.‬‬


‫ب ٍ‬
‫باق‪ ،‬ابنُه املعروف بأيب نرص الرساج‪ ،‬وهو [أي االبن]‬ ‫ٍ ِ‬
‫بطوس َعق ٌ‬ ‫وله‬
‫املنظور إليه يف ناحيته يف الفتوة ولســان القوم وفه ِم أحكامهم وعلومهم‪ ،‬مع‬
‫ُ‬
‫االســتظهار بعلم الرشيعة والكتاب والسنة‪ ،‬وهو من بقية مشاخيهم‪ ،‬مات أبو‬
‫نرص يف رجب سنة ثامن وسبعني وثالثامئة»(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫ويف «تاريخ اإلســام» للذهبــي يف ترمجة ابنه أيب نــر عبد اهلل بن عيل‬
‫املنظور إليه‬
‫َ‬ ‫الســلمي‪ :‬كان أبو نرص من أوالد الزهــاد‪ ،‬وكان‬
‫الرساج‪« :‬قال ُّ‬
‫يف ناحيته يف الفتوة ولســان القوم‪ ،‬مع االســتظهار بعلــم الرشيعة‪ ،‬وهو بقي ُة‬
‫مشاخيهم اليوم‪ ،‬ومات يف رجب‪ ،‬ومات أبوه ساجد ًا »(((‪.‬‬

‫((( «تاريخ دمشق» البن عساكر (‪.)75-74/31‬‬


‫((( «تاريخ اإلسالم» (‪.)452/8‬‬
‫‪119‬‬

‫حلسني الرساج‪ ،‬وال عىل أخباره‪ ،‬فكان‬


‫هذا‪ ،‬ومل أقف عىل تاريخ وفاة أيب ا ُ‬
‫أهــم أخباره هو تربيتــه واهتاممه بابنه الذي صار إما ًمــا يف الزهد والتقى من‬
‫ُّ‬
‫بعده(((‪ ،‬رمحهام اهلل تعاىل‪.‬‬

‫((( انظر ترمجة ابنه أيب نرص الرساج الطويس يف «تاريخ دمشق» البن عساكر (‪،)74/31‬‬
‫«تاريخ اإلسالم» للذهبي (‪.)452/8‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪120‬‬

‫الباط ْرقاني املُقرئ‬


‫أبو بكر ِ‬
‫(‪421 - ...‬هـ)‬

‫الشــيخ العامل العابــد الصالح‪ ،‬أحــد األئمة يف القــراءات‪ ،‬واحلافظني‬


‫للروايات‪.‬‬

‫قال الذهبي يف ترمجته(((‪« :‬عبد الواحد بن أمحد بن حممد‪ ،‬الشيخ أبو بكر‬
‫قاين(((‪ ،‬األصبهاين‪ ،‬املقرئ‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الباط ْر ّ‬

‫الطرباين‪ ،‬وأيب‬
‫ّ‬ ‫للروايات‪ ،... ،‬يروي عــن‪:‬‬ ‫ٌ‬
‫حافــظ ّ‬ ‫إمــا ٌم يف القراءات‪،‬‬
‫رجاين‪ ،‬وعنــه‪ :‬أبو عبد اهلل‬
‫ّ‬ ‫الشــيخ‪ ،‬وأيب حامد أمحد بن حممد بن حســن اجلُ‬
‫الثقفي الرئيس‪ ،‬وأبو منصور وأمحد بن حممد بن عيل شيخا السلفي‪ ،‬ومجاعة »‪.‬‬
‫انتهى‪.‬‬

‫وذكره اإلمام السمعاين يف كتابه «األنساب»(((‪ ،‬وترجم له‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫قاين‪،‬‬ ‫ِ‬
‫«أبو بكر‪ ،‬عبد الواحد بن أمحد بن حممد بن عبد اهلل بن العباس‪ ،‬الباط ْر ّ‬
‫كان أحدَ ال ُق ّراء ا ُمل َج ِّودين‪ ،‬أ َّلف‪ ،‬وكان من أهل العبادة والعلم واخلري‪.‬‬

‫((( «تاريخ اإلسالم» (‪.)366-365/9‬‬


‫((( قال السمعاين يف «األنساب» (‪ « :)39/2‬الباطِ ْر ّ‬
‫قاين‪ :‬بفتح الباء‪ ،‬وكرس الطاء املهملة‪،‬‬
‫وسكون الراء‪ ،‬وفتح القاف‪ ،‬ويف آخرها النون‪ ،‬هذه النسبة إىل باطرقان وهي إحدى‬
‫قرى أصبهان‪ ،‬كان منها مجاعة من القراء واملحدثني»‪.‬‬
‫((( «األنساب» للسمعاين (‪.)40-39/2‬‬
‫‪121‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫ذكره حييى بن أيب عمرو بن منده يف كتــاب أصبهان‪ ،‬فقال‪ :‬عبد الواحد‬
‫قــاين كان إما ًما يف القــراءات‪ ،‬حاف ًظا للروايات‪ُ ،‬قتــل يف اجلامع أيام‬
‫ّ‬ ‫الباطِ ْر‬
‫مسعود ســنة إحدى وعرشين وأربعامئة‪ ،‬يف مجادى اآلخرة‪ ،‬وقيل‪ :‬يف رجب‪،‬‬ ‫ٍ‬

‫وقيل‪ُ :‬قتل يف داره وهو ساجد يف فتنة اخلراسانية‪.‬‬

‫السمعاين ‪ :-‬وكانت هذه فتن ٌة عظيم ٌة بأصبهان‪ُ ،‬قتل فيها‬


‫ّ‬ ‫قلت ‪ -‬والقائل‬
‫وأهل ِ‬
‫اخلري »‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫والصلحاء‬ ‫ِ‬
‫العلامء‬ ‫مجاع ٌة من‬

‫رشور الفتن‪ ،‬ما ظهر منها وما بطن‪ ،‬وحفظ اهلل‬


‫َ‬ ‫رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬ووقانا اهللُ‬
‫بالدنا وسائر بالد املسلمني‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪122‬‬

‫جعفر بن احلسن َّ‬


‫الد ْر ِزجياني‬

‫(‪506 - ...‬هـ)‬

‫وصفه احلافظ الذهبي بـ‪« :‬اإلمام‪ ،‬شــيخ اإلسالم‪ ،‬أبو الفضل جعفر بن‬
‫احلسن‪ ،‬الفقيه احلنبيل‪ ،‬املقرئ‪ ،‬صاحب القايض أيب يعىل»(((‪.‬‬

‫وأسوق ترمجته هنا كام ذكرها اإلمام احلافظ الفقيه الواعظ عبد الرمحن ابن‬
‫رجب احلنبيل‪ ،‬قال يف ترمجته((( رمحهام اهلل تعاىل‪:‬‬

‫جياين(((‪ ،‬املقرىء‪ ،‬الفقيه‪ ،‬الزاهد‪.‬‬ ‫ِ‬


‫« جعفر بن احلسن الدَّ ْرز ّ‬

‫ذكره القايض َأ ُبو احلسني فيمن تفقه عىل أبيه‪ ،‬و َع ّلق َ‬
‫وسمع احلديث‪.‬‬

‫قال ابن شــافع((( يف تارخيه‪ :‬هو األ ّمار باملعــروف‪ ،‬والن ََّّهاء عن املنكر‪،‬‬

‫((( «ســر أعالم النبالء» (‪ ،)414/19‬وانظر ترمجته فيــه‪ ،‬ويف «طبقات احلنابلة» البن‬
‫أيب يعىل (‪« ،)257/2‬تاريخ اإلســام» للذهبي (‪« ،)76/11‬شــذرات الذهب»‬
‫(‪ ،)26/6‬وغريها‪.‬‬
‫((( «ذيل طبقات احلنابلة» (‪ )256-253/1‬باختصار وترصف يسري‪.‬‬
‫((( « الدَّ ْر ِزجياين‪ :‬بفتح الدال املهملة‪ ،‬وسكون الراء‪ ،‬وكرس الزاي‪ ،‬وحتتية ساكنة‪ ،‬وجيم‪،‬‬
‫نسبة إىل َد ْر ِزجيان‪ ،‬قرية ببغداد »‪ .‬قاله ابن العامد احلنبيل يف «شذرات الذهب يف أخبار‬
‫من ذهب» (‪.)26/6‬‬
‫((( هو‪ :‬أمحد بن صالح بن شافع بن صالح بن حاتم‪ ،‬أبو الفضل ابن أيب املعايل‪ ،‬اجلييل ثم‬
‫البغدادي‪ ،‬اإلمام احلافظ الثقة الورع‪ ،‬له تاريخ عىل السنني من وفاة أيب بكر اخلطيب‬
‫يذكــر فيه احلوادث والوفيات‪ ،‬ومل ُي َب ّيضه »‪ ،‬انظر ترمجته يف تاريخ اإلســام للذهبي‬
‫(‪.)334/12‬‬
‫‪123‬‬

‫ذو املقامات املشــهودة يف ذلــك‪ ،‬وا َملهيب بنور اإليــان واليقني لدى امللوك‬
‫واملترصفني‪.‬‬

‫صحــب القايض أبــا يعىل‪ ،‬وتفقه عليــه‪ ،‬ثم َت َّ َم عــى صاحبه الرشيف‬
‫َأيب جعفر‪.‬‬

‫خلق ال ُي َصون كثرة‪.‬‬ ‫َ‬


‫القرآن ٌ‬ ‫وختم عليه‬

‫ــواالً باحلق‪ ،‬ناهيا عن‬


‫وكان من عبــاد اهلل الصاحلني‪ ،‬أ َّم ًارا باملعروف‪َ ،‬ق ّ‬
‫املنكــر‪ ،‬ال تأخــذه يف اهلل تعاىل لومة الئم‪ ،‬مهيبا وقورا‪ ،‬لــه حرم ٌة عند امللوك‬
‫والســاطني‪ ،‬وال يتجارس أحد أن يقدم عليه إذا أنكر منكــرا‪ ،‬وله املقامات‬
‫املشهودة يف ذلك‪.‬‬

‫والتهجد والقيام‪ ،‬له ختــات كثرية جدا‪ ،‬كل‬


‫ُ‬ ‫[وكان] ُمداوما للصيــام‬
‫ختمة منها يف ركعة واحدة‪.‬‬

‫َ‬
‫احلديث من أيب عيل ابن البنّاء‪.‬‬ ‫وسمع‬

‫وفاته‪:‬‬
‫تويف يف الصالة ساجد ًا‪ ،‬يف شهر ربيع اآلخر سنة ست ومخسامئة‪ ،‬بِدَ ِ‬
‫رز ْيان‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪124‬‬

‫ّ‬
‫الصقلي‬ ‫عبد الرمحن بن يوسف بن خري‬
‫(‪526 - ...‬هـ)‬

‫شيخ ُمســنِدٌ ‪ ،‬صالح‪ ،‬عابد‪َ ،‬خ ِّي‪ ،‬حمب للعلامء‪ ،‬ومتواضع لطلب العلم‬
‫الس َلفي (ت‪576‬هـ) يف ثغر‬ ‫ِ‬
‫عىل كرب ســنّه‪ ،‬وكان يرتدد عىل احلافظ أيب طاهر ِّ‬
‫خريا‪،‬‬
‫اإلســكندرية يســمع منه احلديث‪ ،‬فرتجم له يف بعض كتبه وأثنى عليه ً‬
‫فقال ما ُم َ ُ‬
‫تصه(((‪:‬‬

‫سمعت أبا القاســم عبد الرمحن بن يوسف بن خري الصقيل بالثغر يقول‪:‬‬
‫ُ‬ ‫«‬
‫سمعت أبا الفضل عبد اهلل بن احلسني بن اجلوهري بمرص يف جملس وعظه يقول‪:‬‬
‫البيــوت‬
‫ُ‬ ‫بعــن اهلل مــا ُتفــي‬
‫والســكوت‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫التجمل‬ ‫وإن طــال‬

‫ابــ ُن خري هذا كان معجونًا من اخلري‪ ،‬صاحلا‪ُ ،‬مســنّا‪ ،‬حاف ًظا لكتاب اهلل‪،‬‬
‫كثري التالوة‪ُ ،‬م ًبا للعلم وأهله‪.‬‬
‫َ‬

‫وكان يرتدد إ َّيل عىل ِكرب سنه لقراءة يشء من احلديث‪.‬‬

‫وفاته‪:‬‬
‫وتويف يف شوال‪ ،‬ســنة ست وعرشين ومخســائة‪ ،‬يف صالة العرص وهو‬
‫ساجد رمحه اهلل »‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫الســ َلفي األصبهــاين (ص ‪)175-174‬‬


‫((( انظــر «معجم الســفر» للحافظ أيب طاهر ِّ‬
‫باختصار يسري‪.‬‬
‫‪125‬‬

‫أبو بكر املَ ْز َريف‬

‫(‪527 - 439‬هـ)‬

‫الشــيخ ا ُملقرئ‪ ،‬املســنِد‪ ،‬الفريض‪ ،‬احلنبيل‪ ،‬حممد بن احلسني بن عيل بن‬


‫إبراهيم بن عبد اهلل‪ ،‬أبو بكر‪ ،‬ويعرف با َمل ْز َريف(((‪ ،‬واملعروف ً‬
‫أيضا باحلاجي(((‪.‬‬

‫ولد أبو بكر يف سلخ ســنة تسع وثالثني وأربعامئة‪ ،‬قرأ القرآن بالقراءات‬
‫الكثري من ابن‬
‫َ‬ ‫وجودهــا عىل مجاعة من أصحاب احلاممي‪ ،‬وســمع احلديــث‬
‫ّ‬
‫املهتدي‪ ،‬وابن الرصيفيني‪ ،‬وطائفة‪.‬‬

‫َ‬
‫احلديث‪ ،‬وتفرد بعلم الفرائض‪.‬‬ ‫َ‬
‫القرآن‪ ،‬وروى‬ ‫وأقرأ‬

‫احلديث من احل ّفاظ‪ :‬اب ُن اجلوزي وابن عساكر وأبو موسى‬


‫َ‬ ‫وســمع منه‬
‫املديني وابن نارص وغريهم‪.‬‬
‫ُّ‬

‫قال ابن اجلوزي‪ :‬وكان ثقة‪ ،‬ثبتًا‪ ،‬عا ًملا‪ ،‬حس َن العقيدة‪.‬‬

‫((( قال ياقوت احلموي يف «معجم البلدان» (‪« :)121/5‬ا َمل ْز َرفة‪ :‬بالفتح ثم الســكون‪،‬‬
‫وراء مفتوحة‪ ،‬وفاء‪ :‬قرية كبرية فوق بغداد عىل دجلة‪ ،‬بينها وبني بغداد ثالثة فراسخ»‪.‬‬
‫ثم ذكر صاح َبنا أبابكر املزريف ضمن املنسوبني إليها وترجم له‪.‬‬
‫قال ابــن اجلوزي يف «املنتظم» (‪ « :)280/17‬ومل يكن من ا َمل ْز َرفة‪ ،‬وإنام كان [أبوه] انتقل‬
‫إىل ا َملزرفة أيام الفتنة‪ ،‬فأقام هبا مدة‪ ،‬فلام رجع قيل له ا َملزريف»‪.‬‬
‫((( ترمجتــه يف‪ :‬املنتظم البــن اجلوزي (‪ ،)280/17‬معرفة القــراء الكبار للذهبي (ص‬
‫‪ ،)269‬العرب يف خرب من غرب (‪ ،)431/2‬ســر أعــام النبالء (‪ ،)631/19‬تاريخ‬
‫اإلسالم للذهبي (‪ ،)465/11‬شذرات الذهب البن العامد (‪.)135/6‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪126‬‬

‫قرئ زمانه‪.‬‬
‫وذكر اب ُن نارص أنه كان ُم َ‬

‫وفاته‪:‬‬

‫مات ساجدً ا يف أول سنة سبع وعرشين ومخسامئة‪ ،‬وله ثامن وثامنون سنة‪،‬‬
‫ودفن بمقربة باب حرب‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬


‫‪127‬‬

‫القاضي أبو عبد اهلل ابن احلاج القرطيب‬


‫(‪529 - 458‬هـ)‬

‫هو « شــيخ األندلس ومفتيها‪ ،‬وقايض اجلامعة‪ ،‬أبو عبد اهلل حممد بن أمحد‬
‫ابن خلف بن إبراهيم بن ُلب الت ِ‬
‫ُّجيبي‪ ،‬القرطبي‪ ،‬املالكي‪ ،‬ابن احلاج »(((‪.‬‬

‫ُ‬
‫احلافظ ابن َب ْشــكُوال القرطبي األندلــي (ت ‪578‬هـ) ‪:‬‬ ‫قــال تلميذه‬
‫ب بــن بيطري الت ِ‬
‫ُّجيبي‪ُ ،‬يعرف بابن‬ ‫« حممــد بن أمحد بن خلف بن إبراهيم بن ُل ّ‬
‫احلاج‪ ،‬قايض اجلامعة بقرطبة(((‪ ،‬يكنى أبا عبد اهلل‪.‬‬

‫الغريب‬
‫َ‬ ‫روى عــن أيب جعفر أمحد بــن ِرزق الفقيه‪ ،‬وتفقه عنــده‪ ،‬وق َّيد‬
‫واللغ َة واألدب عىل أيب مروان ِ‬
‫عبد امللك ِ‬
‫ابن رساج‪.‬‬ ‫َ‬

‫((( ّ‬
‫حله هبذه األوصاف اإلما ُم الذهبي أثناء ترمجته يف ســر أعالم النبالء (‪،)614/19‬‬
‫وانظر ترمجتــه يف‪ :‬الصلة البــن بشــكوال (ص ‪ ،)550‬تاريخ اإلســام للذهبي‬
‫(‪ ،)493/11‬بغية امللتمس (ص ‪ ،)51‬تاريخ قضاة األندلس (ص‪.)102‬‬
‫احلاج املالكي صاحب كتاب «املدخل»! واســمه أبو عبد اهلل حممد بن‬
‫ّ‬ ‫غري ابن‬
‫وهو ُ‬
‫الفايس‪ ،‬تويف سنة ‪737‬هـ‪ ،‬فبينهام قرنان من الزمان‪.‬‬
‫ّ‬ ‫حممد العبدري‬
‫نفسها وظيفة (قايض القضاة) عند املشارقة‪،‬‬‫((( ووظيفة (قايض اجلامعة) عند املغاربة هي ُ‬
‫ِ‬
‫وتعيني القضاة‪ ،‬واحلسب ُة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫اإلرشاف عىل القضاء يف الدولة‪،‬‬
‫ُ‬ ‫حيث ُيوكَل إىل صاحبها‬
‫يتصل بذلك من مها ٍّم‪ ،‬فيكون صاح ُبها ذا ُســ ُلطات ترشيعية وقضائية وتنفيذية‬
‫ُ‬ ‫وما‬
‫أيضا‪ ،‬وقد تُضاف إليه بعض املهام العســكرية أو السياســية أو املدن ّية‪ ،‬فهي وظيفة‬
‫ً‬
‫عالية جدا يف الدولة يف ذلك الوقت‪.‬‬
‫انظر‪« :‬موســوعة اإلدارة العربية اإلســامية» (‪ 284/1‬وما بعدها‪،380 ،336 ،‬‬
‫‪ ،)490 ،411‬كــا تُعلم املهام الوظيفية هلذه املناصب من النظر يف تراجم من توالها‬
‫يف املرشق واملغرب‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪128‬‬

‫وســمع من أيب عبد اهلل حممد بن فرج الفقيه‪ ،‬ومن أيب عيل ال َغ ّساين وأكثر‬
‫عنه‪ ،‬وأيب القاســم خلــف بن مدير اخلطيب‪ ،‬وخازم بن حممد‪ ،‬وأيب احلســن‬
‫العبيس‪ ،‬وأيب احلسن بن اخلشاب البغدادي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫وكان من ِجلة الفقهــاء‪ ،‬وكبار العلامء‪ ،‬معــدو ًدا يف املحدثني واألدباء‪،‬‬


‫رأسا يف الشــورى‪ ،‬وكانت الفتوى يف وقته تدور عليه؛ ملعرفته‬
‫بصريا بالفتيا‪ً ،‬‬
‫ً‬
‫وثقته وديانته‪.‬‬

‫وكان معتن ًيــا باحلديث واآلثار‪ ،‬جام ًعا هلا‪ُ ،‬مق ّيدً ا ملا أشــكل من معانيها‪،‬‬
‫ضابطا ألســاء رجاهلا ورواهتا‪ ،‬ذاكرا للغريب واألنساب واللغة واإلعراب‪،‬‬
‫والسري واألخبار‪.‬‬
‫وعاملا بمعاين األشعار ِّ‬

‫العلم عمــره كله‪ ،‬وعني به عناية كاملة ما أعلم أحدا يف وقته عني به‬
‫َ‬ ‫َق ّيد‬
‫وسمعت‪ ،‬وأجاز يل بخطه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قرأت عليه‬
‫ُ‬ ‫كعنايته‪،‬‬

‫الناس فيه‪.‬‬ ‫ِ‬


‫جملس باملسجد اجلامع بقرطبة ُيسم ُع َ‬
‫وكان له ٌ‬

‫حليم‪،‬‬
‫طاهرا‪ً ،‬‬
‫ً‬ ‫صابرا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وتقلد القضا َء بقرطبة مرتني‪ ،‬وكان يف ذاتــه ل ّينًا‪،‬‬
‫ور يف قضية‪ ،‬وال َميل هبوادة(((‪ ،‬وال أصغى إىل عناية(((‪.‬‬
‫متواض ًعا‪ ،‬مل ُيفظ له َج ٌ‬

‫كثري اخلشوع والذكر هلل تعاىل‪.‬‬


‫وكان َ‬

‫يايب أحدً ا‬
‫((( اهلوادة هنا بمعنــى الرخصة واملحاباة (تاج العروس ‪ ،)354/9‬فلم يكن ُ‬
‫يف قضائه‪.‬‬
‫((( أي مل يكن يلتفت إىل وصية أحد باالهتامم ببعض اخلصوم‪ ،‬وهي بمعنى ســابقتها يف‬
‫عدم املحاباة واملداراة‪.‬‬
‫‪129‬‬

‫وفاته‪:‬‬
‫ومل يزل آخر مدته يتوىل القضا َء بقرطبة إىل أن ُقتل ُظ ًلم باملســجد اجلامع‬
‫بقرطبة‪ ،‬يوم اجلمعة‪ ،‬وهو ساجد(((‪ ،‬ألربع بقني من صفر سنة تسع وعرشين‬
‫ومخس مائة‪ ،‬ودفن عيش يوم الســبت بمقربة أم ســلمة‪ ،‬وصىل عليه ابنُه أبو‬
‫عظيم من الناس‪ ،‬وأت َبعوه ثنا ًء حسنًا‪ ،‬ومولده يف صفر‬
‫ٌ‬ ‫مجع‬
‫القاسم‪ ،‬وشــهده ٌ‬
‫سنة ثامن ومخسني وأربع مائة »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫قال العامل الفقيه القايض اخلطيب ابن احلســن النُّباهي األندليس يف كتابه‬
‫« املرقبة العليا فيمن يســتحق القضاء والفتيا »((( يف بيان املكانة العلمية البن‬
‫ِ‬
‫العهد بأيدي الناس‪ :‬من‬ ‫ُ‬
‫املتــداول هلذا‬ ‫احلاج‪ « :‬وكتا ُبه يف((( نوازل األحكام‬
‫الدالئل عىل تقدمه يف املعارف وبراعته‪ ،‬تغمدنا وإياه برمحته »‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل رمح ًة واسعة‪.‬‬

‫((( وذلك يف الركعة األوىل من صالة اجلمعــة‪ ،‬انظر «بغية امللتمس يف تاريخ رجال أهل‬
‫األندلس» (ص ‪.)51‬‬
‫((( الصلة يف تاريخ أئمة األندلس (ص ‪.)550‬‬
‫((( والذي ُيعرف أيضا باسم «تاريخ قضاة األندلس» (ص ‪.)102‬‬
‫((( من األصل (من) ولعلها تصحيف‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪130‬‬

‫املس َّلم أبو احلسن ُّ‬


‫الس َلمي الشافعي‬ ‫علي بن َ‬

‫(‪533 - 452‬هـ)‬

‫هو «الشيخ اإلمام العالمة‪ ،‬مفتي الشام‪ ،‬مجال اإلسالم‪ ،‬أبو احلسن عيل بن‬
‫يض»(((‪.‬‬
‫الفر ُّ‬
‫الشافعي‪َ ،‬‬
‫ُّ‬ ‫الدمشقي‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫الس َل ُّ‬
‫مي‪،‬‬ ‫ا ُمل َس َّلم بن حممد بن عيل بن الفتح ُّ‬

‫كان أحدَ املشــايخ األعالم بالشــام‪ ،‬ومن املذكورين بالعلــ ِم والن ِ‬


‫ُّصح‬
‫ِ‬
‫وحســن األخالق‪ ،‬تتلمذ عىل بعض األعالم‪ ،‬وتتلمذ عليه أعال ٌم‬ ‫للمسلمني‬
‫كذلك‪.‬‬

‫ومؤر ُخ‬
‫ّ‬ ‫ُ‬
‫حافظ الدنيا يف وقته‪،‬‬ ‫وممّن أخذ عنه واستفاد‪ ،‬وترجم له فأجاد‪:‬‬
‫احلافظ اإلما ُم اب ُن عساكر الدمشقي (ت‪571‬هـ) رمحه اهلل تعاىل‪ُّ ،‬‬
‫وكل‬ ‫ُ‬ ‫دمشق‪،‬‬
‫من ترجم أليب احلســن ِ‬
‫مجال اإلســام فهو عال ٌة عىل ابن عساكر وينقل عنه‪،‬‬
‫فأسوق ترمجته من «تاريخ دمشق» ببعض اختصار‪.‬‬

‫قال احلافظ ابن عساكر رمحه اهلل تعاىل(((‪:‬‬

‫الس َل ّ‬
‫مي‪،‬‬ ‫«عيل بن املســ َّلم بن حممد بن عيل‪ ،‬أبو احلســن ابن أيب الفضل ُ‬
‫الفقي ُه الشافعي ال َف َريض‪.‬‬

‫ّ‬
‫حــاه هبذه األوصاف اإلمــام الذهبي رمحه اهلل يف ترمجته من ســر أعــام النبالء‬ ‫(((‬
‫(‪ ،)31/20‬وانظر ترمجته يف تاريخ دمشق (‪ ،)238-236/43‬تبيني كذب املفرتي‬
‫البن عساكر (ص‪ ،)326‬تاريخ اإلســام للذهبي (‪ ،)599/11‬طبقات الشافعية‬
‫الكربى البن السبكي (‪ ،)235/7‬وغريها من املصادر‪.‬‬
‫((( انظر «تاريخ دمشق» (‪.)238-236/43‬‬
‫‪131‬‬

‫ســمع أبا احلســن ابن أيب احلديد‪ ،‬وأبا نرص احلسني بن حممد بن طالب‪،‬‬
‫َ‬
‫وعبد العزيز بن أمحد الصويف‪ ،... ،‬وغريهم‪.‬‬

‫وتف ّقه عىل القايض أيب ا ُملظ ّفر املــروزي‪ ،‬وعىل الفقيه أيب الفتح املقديس‪،‬‬
‫وأعــاد له الدروس ‪ ،‬وجالس الشــيخ اإلمام أبا حامد ّ‬
‫الفران وســأله عن‬ ‫(((‬

‫مسائل‪.‬‬

‫وبلغني أن الغزا َّيل كان ُيثني عليه ويصفه بالعلم‪ ،‬وقال‪ :‬خ ّل ُ‬
‫فت بالشــام‬
‫شا ّب ًا إن عاش كان له شأن‪ .‬فكان كما ّ‬
‫تفرس فيه رمحه اهلل‪ ،‬و َد َّرس يف حلقته يف‬
‫اجلامع مدة‪.‬‬

‫يدرس هبا إىل‬


‫ثم ويل املدرســة األمينية سنة أربع عرشة ومخسامئة‪ ،‬ومل يزل ُ‬
‫أن مات‪.‬‬

‫الكثري‪ ،‬وكان ثقــ ًة‪ ،‬ثبتًا‪ ،‬عا ًملا باملذهــب والفرائض‪ ،‬يتكلم‬
‫َ‬ ‫ســمعنا منه‬
‫اخلالف و ُيكثر من إيراد األحكام‪ ،‬وكان قــد حفظ كتاب «جتريد‬ ‫يف مســائل ِ‬

‫التجريد» الذي صنفه أبو حاتم القزويني‪.‬‬

‫وكان حس َن اخلط‪ ،‬مو َّف ًقا يف الفتاوى‪ ،‬وعىل فتاويه كان اعتام ُد ِ‬
‫أهل الشام‪،‬‬
‫كثريا حتى كانت تأتيه الفتاوى منها‪.‬‬
‫اشتهارا ً‬
‫ً‬ ‫واشتهر ذكره يف العراق‬

‫((( أي أنه كان معيدً ا عنده‪ ،‬واملعيد هو الطالب النبيه املتقدم عىل أقرانه‪ ،‬ف ُيك ّلفه األســتاذ‬
‫أو علامء املدرســة بإعادة الدرس عىل الطلبة فيــرح هلم ما غمض عليهم من رشح‬
‫األستاذ‪ ،‬وربام ناب عن األستاذ يف الدرس إن غاب‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪132‬‬

‫ِ‬
‫وعيادة‬ ‫وكان مواظ ًبا عــى قضاء احلقوق‪ ،‬من حضور عقــود األنكحة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وشــهود اجلنائز‪ ،‬مثابرا عىل التدريس واإلفــادة‪ُ ،‬مبا للرواية ونرش‬ ‫املرىض‪،‬‬
‫ومجيل طريقتِه‪.‬‬
‫ِ‬ ‫احلديث‪ُ ،‬م َ ّببا إىل أصحابه حلسن خ ُلقه‬

‫ربها كتاب سامه «االستغناء‬


‫وله ُمصنفات يف الفقه والفرائض والتفسري‪ ،‬أك ُ‬
‫وكتاب يف التفســر ســاه «التجريد يف تفسري‬
‫ٌ‬ ‫يف املذهب» مات قبل أن ُيتمه‪،‬‬
‫جملس التذكــر‪ ،‬و ُيورد فيه إيرا ًدا‬
‫َ‬ ‫القرآن املجيد» مــات ومل ُيتمه‪ ،‬وكان َيعقدُ‬
‫الســن َة‪ُ ،‬‬
‫ويرد عىل من أنكر‬ ‫كثريا‪ ،‬ويذكر أشــيا َء ُمستحسن ًة مستفادةً‪ ،‬و ُيظهر ُّ‬
‫ً‬
‫احلق‪ ،‬رمح ُة اهلل عليه ورضوانُه فإنه مل ُيلف بعده مث َله‪.»... ،‬‬
‫َّ‬

‫وفاته‪:‬‬

‫«سألت أبا احلسن الفقي َه عن مولده‪ ،‬فقال‪ :‬كان‬


‫ُ‬ ‫قال احلافظ اب ُن عساكر‪:‬‬
‫خايل يذكر أن مولدي سنة مخسني‪ ،‬وكانت والديت تذكر أن مولدي سنة اثنتني‬
‫ومخسني وأربعامئة‪.‬‬

‫أن الفقي َه أبا احلسن َمرض َم ْرضة شديدة‬ ‫بعض أصحابِنا ُ‬


‫يذكر ّ‬ ‫ســمعت َ‬
‫ُ‬
‫بعض الفقهاء فأنشده‪:‬‬
‫أيس منه فيها‪ ،‬فدخل عليه ُ‬
‫يــا رب ال تبقنــي إىل أمــد‬
‫ِ‬
‫أحــد‬ ‫أكــون فيــه ّ‬
‫كل عــى‬
‫خــذ بيــدي قبــل أن أقــول ملن‬
‫أراه عنــد القيــام خــذ بيــدي‬
‫‪133‬‬

‫فاستحسن البيتني وكتبهام بخطه وكرر قراءهتام‪ ،‬فاستجيب له‪ ،‬فامت بعد‬
‫أن َأ َب َّل((( من تلك العلة بمدة‪ ،‬من غري أن يمرض مرض ًا حيتاج فيه إىل أحد‪.‬‬

‫فتويف صباح يــوم األربعاء‪ ،‬ثالث عرش ذي القعدة ســنة ثالث وثالثني‬
‫ومخسامئة‪ ،‬ســاجد ًا يف الركعة األخرية من صالة الصبح‪ ،‬وكان قد صىل ِورده‬
‫يف تلك الليلة من قيام الليل‪ ،‬و ُدفن بمقربة الباب الصغري عند قبور الصحابة‪.‬‬

‫شهدت دفنَه والصال َة عليه رمحه اهلل‪ ،‬وكان له مشهدٌ حس ٌن»‪ .‬انتهى كالم‬
‫ُ‬
‫احلافظ ابن عساكر‪ ،‬رمحهام اهلل تعاىل‪.‬‬

‫صحته‪ .‬انظر «القاموس املحيط» (ص ‪ )968‬مادة بلل‪.‬‬


‫وحتسنت ّ‬
‫((( أي نجا وبرئ منها ّ‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪134‬‬

‫ابن ُق ْر ُقول‬
‫ُ‬

‫(‪569 - 505‬هـ)‬

‫احلافــظ‪ ،‬الفقيه‪ ،‬األديب‪ ،‬النحــوي‪ ،‬الصالح الفاضــل‪ ،‬الرحالة‪« ،‬أبو‬


‫إســحاق‪ ،‬إبراهيم بن يوســف بن إبراهيم بن عبد اهلل بن باديــس بن القائد‬
‫املعروف بابــن ُق ْر ُقول‪ ،‬صاحب كتاب «مطالــع األنوار» الذي‬
‫ُ‬ ‫احلمــزي(((‪،‬‬
‫وضعه عىل مثال كتاب «مشارق األنوار» للقايض عياض »(((‪.‬‬

‫قال فيــه احلافظ املــؤرخ العالمــة ابن األ ّبــار ال َب َلنْــي األندليس‬
‫حريصا عىل لقاء الشــيوخ‪،‬‬
‫ً‬ ‫رحاال يف طلب العلم‪،‬‬
‫(ت‪658‬هـــ)‪ ...« :‬وكان ّ‬
‫احلديث ورجا َله‪ ،‬وقد صنّف وأ ّلف‪ ،‬مع براعة‬
‫َ‬ ‫فقيها ن ّظ ًارا أدي ًبا حاف ًظا‪ُ ،‬يبرص‬
‫ً‬
‫وحسن ِ‬
‫الوراقة‪.‬‬ ‫اخلط ُ‬

‫الناس‪ ،‬ومل يزل باملقة إىل أن انتقل منها إىل سبتة يف سنة‬
‫حدّ ث‪ ،‬وأخذ عنه ُ‬
‫أربع وستني‪ ،‬ثم إىل َس َل‪ ،‬وتويف بمدينة ٍ‬
‫فاس‪.(((» ... ،‬‬

‫وقــال ابن خلــكان‪ « :‬كان من األفاضــل‪ ،‬وصحب مجاعــ ًة من علامء‬


‫األندلس»(((‪.‬‬

‫((( احلمزي‪ :‬نســبة إىل بلدة محزة‪ ،‬وهي ُبليدة بإفريقية‪ ،‬وتقع حال ًّيا يف تونس‪ ،‬وأصله من‬
‫هناك‪ ،‬ولكنّه ُولد يف ا َمل ِر ّية وهي مدينة أندلسية كبرية عىل ساحل البحر‪.‬‬
‫((( وفيات األعيان (‪.)62/1‬‬
‫((( التكملة لكتاب الصلة (‪.)131/1‬‬
‫((( وفيات األعيان (‪.)62/1‬‬
‫‪135‬‬

‫شمس الدين الذهبي‪ « :‬وكان من أوعية العلم‪ ،‬له كتاب‬


‫ُ‬ ‫وقال فيه احلافظ‬
‫«ا َملطالع عىل الصحيح» ُ‬
‫غزير الفوائد‪ ،‬انتقل من مالقة إىل سبتة‪ ،‬ثم إىل َس َل‪ ،‬ثم‬
‫السهييل وصديقا له‪ ،‬فلام فارقه‬
‫إىل فاس‪ ،‬وتصدر لإلفادة‪ ،‬وكان رفيقا أليب زيد ُّ‬
‫وحتول إىل مدينة َســا نظم فيه أبو زيد أبياتًا‪ ،‬وبعث هبــا إليه‪ ،(((»... ،‬و َذكر‬
‫بعضها بعد قليل‪.‬‬
‫األبيات‪ ،‬وسنورد َ‬

‫األديب اب ُن دحية الكلبي‪« :‬الفقيه‪ ،‬اإلمام‪،‬‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫احلافظ املؤرخ‬ ‫ُ‬
‫تلميذه‬ ‫وقال فيه‬
‫َ‬
‫حديث رســول اهلل ﷺ وأتقنه‬ ‫املحدث‪ ،‬األصويل‪ ،‬النحوي‪ ،‬اللغوي‪ ،... ،‬قرأ‬
‫عىل أيب جعفر بن َع ْزلون صاحب القــايض أيب الوليد الباجي‪ ،‬وعىل القايض‬
‫صحيح مســلم عن أيب عبد اهلل بن ُزغيبة‬
‫َ‬ ‫اإلمام أيب القاســم ابن ورد‪ ،‬وروى‬
‫يب‪ ،‬يرويه عن ال ُعذري‪.‬‬
‫الكال ّ‬

‫ورحــل إىل رشق األندلس للقاء األســتاذ العامل إمــام النحو واآلداب‪،‬‬
‫والشــارح للحديث والفقه واألصول واألنساب‪ ،‬أيب حممد عبد اهلل بن حممد‬
‫ابن السيد ال َب َط ْل ُيويس‪ ،‬فقرأ عليه َ‬
‫كتاب «التنبيه عىل األسباب املوجبة الختالف‬
‫األمة»‪ ،‬وهو كتاب حسن‪.‬‬

‫إبراهيم بن يوسف احلمزي‬


‫ُ‬ ‫ُ‬
‫شــيخنا هذا الفقي ُه أبو إســحاق‬ ‫وأنشــدنا‬
‫ٍ‬
‫ســفرة صحبتُه فيها ســنة أربع وســتني ومخسامئة‬ ‫‪ -‬يعرف بابن ُقرقول ‪ -‬يف‬
‫مجيع رواياته ‪ -‬قال‪ :‬أنشــدنا األستا ُذ النحوي أبو حممد ابن السيد‬
‫‪ -‬وأجاز يل َ‬
‫لنفسه‪:‬‬
‫((( سري أعالم النبالء (‪.)521-520/20‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪136‬‬

‫حــي خالدٌ بعــدَ موتِه‬


‫ٌّ‬ ‫أخــو العل ِم‬
‫رميــم‬
‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الــراب‬ ‫حتــت‬
‫َ‬ ‫وأوصا ُلــه‬
‫وهو ٍ‬
‫ماش عىل ال َّثرى‬ ‫ت ْ‬‫وذو اجلهل َم ْي ٌ‬
‫عديم‬
‫ُ‬ ‫ُي َظــن مــن األحيــاء وهــو‬
‫وشيوخ ِ‬
‫شيخنا مجل ٌة عديدةٌ‪ ،‬وتصاني ُفه مت َقنة مفيدة»(((‪ .‬انتهى‪.‬‬ ‫ُ‬

‫ــهييل ‪ -‬صديق احلافظ‬


‫الس َ‬
‫وقد ترجــم اب ُن دحيــة الكلبي لإلمــام ُّ‬
‫ابن قرقــول ‪ ،-‬وذكر بعض ما أفاد منــه‪ ،‬فكان مما قال(((‪« :‬وأنشــدين أيض ًا‬
‫النحوي األصو َّيل أبا إسحاق إبراهيم‬
‫َّ‬ ‫املحدث الفقي َه ال ُّل َّ‬
‫غوي‬ ‫َ‬ ‫َ‬
‫شــيخنا‬ ‫ُياطب‬
‫ابن يوســف ‪ُ -‬يعرف بابن قرقول ‪ -‬أيا َم كونِه بمدينة سبتة‪ ،‬فلام رحل منها إىل‬
‫سال‪ ،‬قال مرجتالً‪:‬‬
‫عهــدت حتفيــا‬
‫ُ‬ ‫عمــن‬ ‫أالَ َ‬
‫فســا ّ‬
‫قلت من لوعة َس َ‬
‫ــا‬ ‫وهل نافعي إن ُ‬
‫املعارف والنُّهى‬
‫َ‬ ‫ــا عن َس َ‬
‫ــا إن‬ ‫َس َ‬
‫ومأســا‬
‫َ‬ ‫الربــاب‬
‫هبــا فدعــا أ َّم َّ‬
‫ٍ‬
‫بســبتة‬ ‫أزمــان كان‬
‫َ‬ ‫أســى‬ ‫بكيــت‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫التــأس حــن منز ُله َس َ‬
‫ــا‬ ‫ّ‬ ‫فكيــف‬

‫‪ .» ...‬إىل آخر األبيات‪.‬‬

‫((( املطرب يف أشعار أهل املغرب‪ ،‬البن دحية الكلبي (ص ‪.)226-224‬‬


‫((( املطرب من أشعار أهل املغرب (ص ‪.)235‬‬
‫‪137‬‬

‫وفاته‪:‬‬
‫ِ‬
‫بمدينة ا َمل ِر ّية ســنة مخس ومخسامئة‪ ،‬وتويف‬ ‫ِ‬
‫شــيخنا‬ ‫قال اب ُن ِدحية‪ « :‬مولدُ‬
‫رمحه اهلل بمدينة فاس يوم اجلمعة بعد الصالة‪ ،‬يف أول وقت العرص الســادس‬
‫من شــوال سنة تسع وستني ومخسامئة‪ ،‬وهو يتلو ســورة اإلخالص‪ ،‬يكررها‬
‫برسعة‪ ،‬ثم تشهد ثالث مرات وسقط عىل وجهه ساجد ًا‪َ ،‬ف ُرفع م ّيتًا‪.‬‬

‫ِ‬
‫واستعداده‬ ‫ِ‬
‫واستحداده‪،‬‬ ‫وذلك بعد خروجه من الحمام‪ ،‬وح ْل ِق ِ‬
‫رأســه‪،‬‬ ‫َ‬ ‫ّ‬
‫للقاء ر ِّبه ج ّلت قدرته »(((‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬

‫((( املطرب من أشعار املغرب (ص ‪.)225‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪138‬‬

‫سعد بن عثمان املصري‬

‫(‪ 592 - ...‬هـ)‬

‫أحد الفقهاء الزهاد الصاحلني من الســادة احلنابلة‪ ،‬رحل من بالده مرص‬


‫إىل بغــداد من أجل مســألة واحدة يتعلمها ويريد حتقيقهــا‪ ،‬فمكث يف بغداد‬
‫واستوطنها إىل أن تويف رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫ترجم له اإلمام الفقيه احلافظ ابن رجب احلنبيل رمحه اهلل فقال(((‪ « :‬سعد‬
‫البغدادي‬ ‫ِ‬
‫املولد‬ ‫املــري‬ ‫ابن عثامن بن مرزوق بن محيد بن ســام‪ ،‬القريش‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫ُّ‬
‫ِ‬
‫الدار‪ ،‬الفقيه الزاهد‪َ ،‬أ ُبو احلســن ابن الشيخ أيب عمرو املتقدم ذكره(((‪ ،‬خرج‬
‫من مرص قديام‪ ،‬واســتوطن بغداد‪ ،‬وقد ســبق يف ترمجة أبيه ســبب قدومه إىل‬
‫المن ِّّي(((‪ ،‬والزم درســه‪،‬‬
‫بغــداد ‪ ،‬وتفقه هبا يف املذهــب عىل أيب الفتح ابن َ‬
‫(((‬

‫((( ذيل طبقات احلنابلة (‪ ،)421-417/2‬ومنه أســوق ترمجته ببعض اختصار‪ ،‬وانظر‬
‫ترمجته أيضا يف تاريخ اإلسالم للذهبي (‪.)976/12‬‬
‫((( ترجم ابن رجب للشيخ أيب عمرو يف ذيل طبقات احلنابلة (‪ ،)231-222/2‬وذكر أنه‬
‫كان فقيها صاحلا ربان ًّيا‪ ،‬تويف بمرص سنة ‪ 564‬هـ وقد جاوز السبعني رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫((( وذلك من أجل مســألة واحدة اختلف فيها علامء مرص فأراد أن يتعلمها وحيققها عىل‬
‫علامء بغداد‪ ،‬انظر ذيل طبقات احلنابلة البن رجب (‪.)227/2‬‬
‫المنّي ‪ -‬بفتح امليم‬ ‫ِ‬
‫((( هو نرص بــن فتيان بن مطر‪ ،‬العالمة ناصح الدين أبو الفتــح ابن َ‬
‫وتشــديد النون وكرسها ‪ -‬النهرواين‪ ،‬فقيه حنبيل بارع يف املذهب‪ ،‬قال ابن النجار‪:‬‬
‫«كان ورعا عابدا حسن السمت‪ ،‬عىل ِمنهاج السلف»‪ ،‬ولد سنة ‪501‬هـ‪ ،‬وتويف سنة‬
‫صيل عىل جنازته سعدُ ب ُن مرزوق كام سيأيت‪ .‬انظر ترمجته يف‬
‫‪583‬هـ‪ ،‬وقد أوىص أن ُي َ‬
‫تاريخ اإلسالم للذهبي (‪.)768/12‬‬
‫‪139‬‬

‫وســمع من أيب حممد ابن اخلشاب وغريه‪ ،‬وحصل له القبول التام من اخلاص‬
‫والعام‪ ،‬وكان ورعا زاهدا عابدا‪.‬‬

‫قرأت بخط ناصح الدين ابن احلنبيل يف حقه‪ :‬كان مشــتغال بحفظ كتاب‬
‫ُ‬
‫«الوجهني والروايتني» تصنيــف القايض أيب يعىل‪ ،‬وكان من الزهد والصالح‬
‫كثريا من املجتهدين يف العبادة‪.‬‬
‫والتطهري والتورع يف املأكول عىل صفة تُعجز ً‬

‫وكان يميش ُمطرق الــرأس‪ ،‬يلتقط األوراق املكتوبة‪ ،‬حتى [إذا] اجتمع‬
‫عنده من ذلك يشء كثري فيحمله بحامل إىل الشاطئ فيتوىل غسله‪ ،‬ويرسله مع‬
‫املاء‪.‬‬

‫وكان ال يستقيض أحد ًا حاج ًة إال أعطاه أجره‪ ،‬ولو أشعل له رساج ًا‪،... ،‬‬
‫قدم بغداد وســكن برباط الشيخ عبد القادر‪ ،‬وما كان يقبل من أحد شيئا‪ ،‬وال‬
‫يغشى باب أحد من السالطني‪ ،‬كان ُين َف ُذ له يف كل عام يش ٌء من ُملك له بمرص‬
‫يكفيه طول سنته ‪،...‬‬

‫كثري البكاء واخلشــوع‪ ،‬قال ابن النجار‪ :‬كان عبد ًا‬ ‫ُ‬
‫الشــيخ ســعدٌ َ‬ ‫وكان‬
‫صاحل ًا مشــهور ًا بالعبادة واملجاهدة والورع‪ ،‬والتقشــف والقناعة والتعفف‪،‬‬
‫ِ‬
‫وكان خشــ َن العيش‪ُ ،‬مشوشنا‪َ ،‬‬
‫كثري االنقطاع عن الناس‪ ،‬وكان عىل غاية من‬
‫الوسوسة واملبالغة يف الطهارة!‬

‫سمعت‬
‫ُ‬ ‫قال ابن النجار‪َ :‬حدَّ ثني سعيد بن يوسف بن سعيد املقرىء قال‪:‬‬
‫املرصي الزاهد يقول‪ّ :‬‬
‫جتشــأت مرة‪ ،‬فصعد إىل حلقي يشء من اجلشأ‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ســعدَ‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪140‬‬

‫فغســلت حلقي ثالث مرات وابتلعته‪ ،‬ثم غســلت فمي ثــاث مرات ُأخر‬
‫وأبصقه!‬

‫قلت [والقائل ابن رجب احلنبيل]‪ :‬ساحمه اهلل تعاىل‪ ،‬هذه زلة فاحشة‪.‬‬

‫قال املنذري‪ :‬كان ُيمل إليه ما َيقتات به من مرص من جهة كانت له هبا‪.‬‬

‫ُ‬
‫الشــيخ‬ ‫يصيل عليه‬
‫َ‬ ‫المن ّّي ملــا احتُرض أوىص أن‬
‫وقيل‪ :‬إن شــيخه ابــ َن َ‬
‫سعد‪... ،‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫قال املنذري‪ :‬تويف يف ســادس شــهر ربيع اآلخر ســنة اثنتني وتســعني‬
‫ومخسامئة‪ ،‬ســاجدً ا يف صالته‪ ،‬ودفن من الغد‪ ،... ،‬وذكر اب ُن النجار‪ :‬أنه كان‬
‫قد َق َرأ يو َمها((( يف الصالة التي تويف فيها‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ‬
‫ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ [الواقعة‪ .» ]89 ،88 :‬انتهى‪.‬‬

‫وزاد الذهبي‪« :‬مات يف صالة الظهر‪ ،‬وكان قد تال فيها‪﴿ :‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ‬


‫ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﴾ [الواقعة‪.(((» ]89 ،88 :‬‬

‫وذكروا أن جنازته كانت مشــهودةً‪ ،‬وأنه قد ُص ّل عليه عدة مرات بسبب‬


‫ازدحام الناس عليه‪ ،‬رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫((( يف املصدر (يوما) ولعله تصحيف‪.‬‬


‫((( تاريخ اإلسالم (‪.)976/12‬‬
‫‪141‬‬

‫قاضي العسكر‪ ،‬ابن األبيض احلليب‬


‫(‪ 614 - 560‬هـ)‬

‫العامل الفقيه احلنفي‪ ،‬القايض ابن القايض‪ ،‬الشيخ املحدث‪ ،‬شمس الدين‪،‬‬
‫أبو عبد اهلل‪ ،‬حممد بن يوسف بن اخلرض‪.‬‬

‫ترجم له حميي الدين عبد القادر القــريش احلنفي يف موضعني من كتابه‪،‬‬


‫فقال(((‪:‬‬

‫« ابــن األبيــض‪ ،‬حممد بن يوســف بن اخلــر بن عبــد اهلل‪ ،‬احللبي‪،‬‬


‫أبو عبد اهلل‪ ،‬و ُيعرف بقايض العسكر‪.‬‬

‫ٍ‬
‫بحلب ونشــأ هبــا‪ ،‬وتف ّقه عىل‬ ‫مولده يف صفر ســنة ســتني ومخســائة‬
‫والده يوســف‪ ،‬وعىل العالمة أيب بكر الكاشــاين صاحــب «البدائع»‪ ،‬وعىل‬
‫برهان الدين مسعود‪.‬‬

‫الصاحب ُ‬
‫كامل الدين اب ُن‬ ‫ُ‬ ‫تفقه عليه أبو القاســم عمر بن أمحد بن هبة اهلل‬
‫مؤرخ حلب (ت ‪660‬هـ)(((‪ ،‬سمع وحدّ ث بمرص من أيب احلسن عيل‬ ‫ُ‬ ‫ال َع ِديم‬
‫ابن الفضل املقديس‪ ،‬مات يف رمضان فجأة سنة أربع عرشة وست مائة بحلب‪،‬‬
‫رمحه اهلل تعاىل »‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وقد ترمجه احلنفي يف موضع آخر قبل هذا‪ ،‬فقال(((‪:‬‬

‫((( اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية (‪.)390/2‬‬


‫كثريا يف كتابه احلافل «بغية الطلب يف تاريخ حلب»‪.‬‬
‫((( ونقل وروى عنه ً‬
‫((( اجلواهر املضية يف طبقات احلنفية (‪.)147 -146/2‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪142‬‬

‫« حممد بن يوســف بن اخلرض بن عبد اهلل احللبــي‪ُ ،‬عرف بابن األبيض‪،‬‬


‫الشهري بقايض العسكر‪ ،... ،‬كان والده نائ ًبا عن قايض القضاة حميي الدين ابن‬
‫ُ‬
‫ودرس بالشاذبختية(((‪.‬‬
‫الزكي‪ ،‬وتوىل قضاء العساكر ثم انتقل إىل حلب ّ‬

‫وولد بحلب يف صفر سنة ستني ومخس مائة‪ ،‬وتويف يف شهر رمضان سنة‬
‫أربع عرشة وست مائة‪ ،‬وهو القائل‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بأئمــة‬ ‫أال ك ُّل َم ْ‬
‫ــن ال يقتــدي‬
‫فقسمتُه ضيزى عن احلق خارج ْه‬
‫قاســم‬
‫ٌ‬ ‫فخذهم عبيــدُ اهلل عرو ُة‬
‫(((‬
‫سليامن خارج ْه‬
‫ُ‬ ‫سعيدٌ أبو ٍ‬
‫بكر‬

‫((( املدرسة الشا ْذ َب ْخت ّية‪ :‬إحدى مدارس السادة احلنفية بحلب‪ ،‬أنشأها األمري مجال الدين‬
‫األتابكي‪ ،‬كان نائب ًا عن نور الدين حممود بحلب‪ ،‬وكان َ‬
‫أول‬ ‫ّ‬ ‫اهلندي‬
‫ّ‬ ‫شا ْذ َب ْخت‪ ،‬اخلادم‬
‫النحاس إىل أن تويف سنة ‪602‬هـ‪،‬‬
‫من توىل التدريس فيها اإلما ُم الفقيه موفق الدين بن ّ‬
‫ثم توىل التدريس فيها من بعده صاح ُبنا القايض شمس الدين ابن األبيض إىل أن تويف‪.‬‬
‫انظر‪« :‬األعالق اخلطرية يف ذكر أمراء الشام واجلزيرة» البن شدّ اد (ت ‪684‬هـ)‪.‬‬
‫((( هذان بيتان مشهوران جدً ا‪ ،‬نُظم فيهام أسام ُء الفقهاء السبعة املشهورين من كبار التابعني‬
‫باملدينة املنورة عىل ســاكنها الصالة والسالم‪ ،‬وهم ‪ -‬عىل ترتيب البيتني ‪ :-‬عبيد اهلل‬
‫ابن عبد اهلل بن عتبة بن مســعود (ت ‪94‬هـ)‪ ،‬عروة بن الزبري بن العوام (ت‪94‬هـ)‪،‬‬
‫القاســم بن حممد بن أيب بكر الصديق (ت‪106‬هـ)‪ ،‬ســعيد بن املســيب بن َح ْزن‬
‫(ت‪93‬هـــ)‪ ،‬أبو بكر بن عبد الرمحن بن احلارث بن هشــام املخزومي (ت‪94‬هـ)‪،‬‬
‫سليامن بن يســار‪ ،‬موىل ميمونة اهلاللية أم املؤمنني (ت‪107‬هـ)‪ ،‬خارجة بن زيد بن‬
‫ثابت األنصاري (ت‪100‬هـ)‪ .‬رمحهم اهلل تعاىل أمجعني‪.‬‬
‫‪143‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫قال املنــذري يف «التكملة»‪ :‬مات فجأة‪ ،‬صىل الرتاويح وســ ّلم ومات‪،‬‬
‫وقيل‪ :‬إنه تويف وهو ساجد‪.‬‬

‫قال‪ :‬وسمع بحلب من والده‪ ،‬وبدمشق من أيب طاهر بركات اخلشوعي‪،‬‬


‫ودرس بدمشــق‬
‫وقدم مرص وســمع هبا من احلافظ عيل بن املفضل املقديس‪ّ ،‬‬
‫بمسجد خاتون وغريه‪ ،‬وحدّ ث‪ ،‬رمحة اهلل عليهام »‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪144‬‬

‫كمال الدين ابن مهاجر‬


‫(‪634 - ...‬هـ)‬

‫الصاحب‪ُ ،‬‬
‫كامل‬ ‫ُ‬ ‫السخي‪ :‬حممد بن عيل بن مهاجر‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫املسند‪ ،‬التاجر‪ ،‬ا ُملنفق‬
‫الدين‪ ،‬أبو الكرم املوصيل(((‪.‬‬

‫قال احلافظ الذهبي‪ « :‬قدم دمشــق وســكنها‪ .‬وســمع من حييى الثقفي‬


‫باملوصل‪ ،‬ومن ابن طربزد بدمشق‪ .‬روى عنه‪ :‬الزكي الربزايل‪ ،‬وغريه‪ ،‬وحدثنا‬
‫عنه أبو عيل ابن اخلالل »(((‪.‬‬

‫قال الصفدي‪ « :‬قدم دمشــق وسكنها‪ ،‬وســمع وروى‪ ،‬قال نجم الدين‬
‫ابن السائق‪ :‬ســكن يف دار ابن البانيايس‪ ،‬ورشع يف الصدقات ورشاء األمالك‬
‫ليوقفها‪.(((»... ،‬‬

‫كثري الصدقات واإلحســان إىل الناس‪ ،‬مات فجأ ًة‬


‫وقال ابن كثري‪ « :‬كان َ‬
‫عىل أمواله‪،‬‬ ‫(((‬
‫يف مجادى األوىل بدمشق‪ ،‬فدفن بقاسيون‪ ،‬واستحوذ األرشف‬
‫فبلغت الرتك ُة قريبا من ثالثامئة ألف دينار‪ ،‬من ذلك سبحة فيها مائة حبة‪ ،‬كل‬
‫واحدة مثل بيضة احلاممة »(((‪.‬‬

‫شيخنا د‪ .‬حممد مطيع احلافظ جزاه اهلل خري ًا‪.‬‬ ‫ِ‬


‫الساجد‪ُ :‬‬ ‫((( وقد أفادين هبذا ِ‬
‫العامل‬
‫((( تاريخ اإلسالم (‪.)156/14‬‬
‫((( الوايف بالوفيات (‪.)124/4‬‬
‫((( هو امللك األرشف موســى بن العادل‪ ،‬باين دار احلديث األرشفية‪ ،‬تويف سنة ‪635‬هـ‪،‬‬
‫انظر ترمجته يف البداية والنهاية البن كثري (‪ 231/17‬وما بعدها)‪.‬‬
‫((( البداية والنهاية (‪.)230/17‬‬
‫‪145‬‬

‫وقال الذهبي‪ « :‬وروى عنه القــويص يف « معجمه »‪ ،‬فقال‪ :‬الوزير كامل‬


‫الدين ابن الشــهيد معني الدين‪ ،‬كان من ســادات الكرام يف زمانه‪ ،‬مســتغنيا‬
‫بأمواله عن أموال السلطان‪ ،‬باذال إنعامه لإلخوان‪ ،‬مديام هلم مد اخلوان »(((‪.‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫تقدم قــول ابن كثــر‪ « :‬مات فجــأة يف مجادى األوىل بدمشــق‪ ،‬فدفن‬
‫بقاسيون »‪.‬‬

‫وقال احلافظ الذهبي‪ « :‬تويف يف مســتهل مجــادى اآلخرة‪ ،... ،‬تويف يوم‬
‫اجلمعة وهو ساجد يف صالة الصبح »(((‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬

‫((( تاريخ اإلسالم (‪.)157/14‬‬


‫((( تاريخ اإلسالم (‪.)157/14‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪146‬‬

‫ضياء الدين القرطيب‬

‫(‪672 - 602‬هـ)‬

‫أمحد بن حممد بن عمر بن يوسف‪ ،‬األنصاري‪ ،‬القرطبي‪ ،‬األديب الفاضل‬


‫الشاعر الناثر‪.‬‬

‫ذكره النويري يف موســوعته «هناية األرب يف فنــون األدب» فوصفه بـ‪:‬‬


‫ِ‬
‫الشــيخ اإلمام الفاضل‪ ،‬ضيــاء الدين أيب العباس أمحد‪ ،‬ابن الشــيخ اإلمام‬ ‫«‬
‫العابد القدوة أبى عبد اهلل حممد بن عمر بن يوســف بــن عمر بن عبد املنعم‬
‫القرطبى رمحه اهلل‪ ،‬وكانت وفاتُه ِبقنا من أعامل قوص يف سنة اثنتني‬
‫ّ‬ ‫األنصارى‬
‫ّ‬
‫وسبعني وستامئة »(((‪.‬‬

‫ً‬
‫فاضل‪ ،‬أدي ًبا‬ ‫عالما‪،‬‬
‫وقال األديب املؤرخ صالح الدين الصفدي‪ « :‬كان ً‬
‫وعلو مهة »(((‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫ناثرا‪ ،‬له رئاس ٌة ومكارم‬
‫ناظم ً‬ ‫ً‬
‫كامل‪ً ،‬‬

‫كامل الدين األُ ْد َف ِو ُّي وأجاد‪ ،‬فقال ‪-‬ببعض اختصار‪: -‬‬


‫وترمجه ُ‬

‫اجلمة واملآثر‪ ،‬وأصحاب‬


‫« أحد الرؤساء األعيان األكابر‪ ،‬أرباب املناقب ّ‬
‫علو اهلمة‪ ،‬ونفــاذ الكلمة‪ ،‬املشــهورين بمكارم األخــاق‪ ،‬املقصودين من‬
‫ّ‬
‫ناثر‪ ،‬تنطق بفضله ألســنة األقالم‬ ‫وأديب ٌ‬
‫كامل‪ ،‬وناظم ٌ‬ ‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫فاضل‪،‬‬ ‫اآلفــاق‪ ،‬عامل ٌ‬
‫وأفواه املحابر‪.‬‬

‫((( هناية األرب للنويري (‪.)51/8‬‬


‫((( الوايف بالوفيات للصفدي (‪.)221/7‬‬
‫‪147‬‬

‫ِ‬
‫وغريمها‪ ،‬فســمع من‪ :‬زاهر بن رســتم‬ ‫ســمع احلديث بمكة ومــر‬
‫اليمني‪ ،‬ومن‬
‫ّ‬ ‫األصبهــاين‪ ،‬وأيب عبد اهلل حممد بن إســاعيل بن أيب الصيــف‬
‫بن املبارك‪:‬‬ ‫ِ‬
‫احلسني ِ‬ ‫املقديس‪ ،‬ومن أيب عبد اهلل‬ ‫الم َف َّض ِل‬
‫احلافظ أيب احلسن ابن ُ‬
‫ِّ‬
‫ِ‬
‫ابن الزبيدي‪.‬‬

‫وحدّ ث [و]ســمع منه مجاع ٌة‪ ،‬منهم‪ :‬الس ّيد الرشيف أبو القاسم أمحد بن‬
‫املنعوت عز الدين احلســيني النَّقيب‪ ،‬وقايض القضاة‬
‫ُ‬ ‫حممد بن عبــد الرمحن‪،‬‬
‫سعدُ الدين مسعود بن أمحد احلارثي احلافظ احلنبيل‪ ،‬وعبد الغفار بن حممد بن‬
‫وغريهم‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عبد الكايف السعدي‪،‬‬

‫قال الرشيف‪ :‬كان أبو العباس فاضال‪ ،‬وله النظم اجليد والنثر احلسن‪ ،‬مع‬
‫ما كان عليه من الكرم واإليثار‪ ،‬واإلحسان إىل من ِير ُد عليه‪.‬‬

‫وقال القايض ســعد الدين احلارثي‪ :‬كان أحدَ األعيان النبالء‪ ،‬والشيوخِ‬
‫الرتمذي ك َّله‪ ،‬وكان ثق ًة مرض ًّيا‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫كتاب‬
‫الفضالء‪ ،‬وقال‪ :‬قرأت عليه َ‬

‫شيخ شيخنا األستا ُذ أبو جعفر ابن الزبري‪ ،‬وقال‪ :‬رحل مع أبيه من‬
‫وذكره ُ‬
‫األندلس يف ســ ّن الصغر‪ ،‬وكان بالبالد ُيشــار إليه يف البالغة والتقدم يف علم‬
‫الناس عنه باملرشق واملغرب‪.‬‬
‫احلديث والفضل التا ّم‪ ،‬وأخذ ُ‬

‫وهم من األســتاذ‪ ،‬فإنه ُولد بمرص‪ ،‬ومل يكــن يف علم احلديث كام‬
‫وهــو ٌ‬
‫أيضا‬ ‫ُ‬
‫احلافظ أبو الفتح القشريي(((‪ ،‬وقد وهم فيه ً‬ ‫َو َصف‪ ،‬وقد ن َّبه عىل الوهم‬

‫شــري‬
‫ّ‬ ‫((( هو اإلمام الشــهري حممــد بن عيل بن وهب‪ ،‬تقــي الدين ابن دقيق العيد ال ُق‬
‫(ت‪702‬هـ) رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬وقد ترجم له األدفوي ترمجة جيدة يف كتابه هذا «الطالع‬
‫السعيد اجلامع أسامء نجباء الصعيد» (ص‪.)599-567‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪148‬‬

‫مجاعة من املتأخرين‪ ،‬وقالوا فيه‪ُ :‬يعرف بابن املز ّين‪ ،‬وشبي ُه الوهم‪ :‬أبو العباس‬
‫ِ‬
‫وصاحب كتاب‬ ‫ُ‬ ‫تص صحيح مســلم وصحيح البخــاري‪،‬‬ ‫أمحد القرطبي ُم ُ‬
‫«ا ُمل ْفهم»‪ ،‬فهو كبري يف العلم‪ ،‬ومقدم يف علم احلديث‪ ،‬وهو ُيعرف بابن ا ُملز ّين‪.‬‬

‫وأكثر‬ ‫نائي هذا ُمقدّ ٌم يف األدب‪ ،‬متمسك منه بأقوى سبب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫ُ‬ ‫والقرطبي الق ُّ‬
‫ذر ّية‪.‬‬ ‫ِ‬
‫ُمقامه بقنا‪ ،‬وتويف هبا‪ ،‬وله هبا ّ‬

‫األعيان من األمراء والوزراء والقضاة‪ ،‬وله ت ََر ُّس ٌل‪،‬‬


‫َ‬ ‫كاتب الرؤسا َء‬
‫وكان ُي ُ‬
‫وقفت عليها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫مجع منه جملدة‬

‫كثــرا‪ ،‬فقال له أبوه‬


‫ً‬ ‫تزوج ِبقنا عمل شــي ًئا‬
‫وأخربين مــن يوثق به أنه ّملا ّ‬
‫(((‬
‫أرسلت إىل الشيخ احلسن بن عبد الرحيم‬
‫َ‬ ‫‪ -‬وكان من العلامء الصاحلني ‪:-‬‬
‫فأخذ ط َب ًقا عىل رأســه‪ ،‬ومحله إىل‬
‫َ‬ ‫شــي ًئا؟ فقال‪ :‬ال‪ ،‬فقال‪ :‬ما حيمله إال أنت‪،‬‬
‫قدره‪.‬‬
‫يرفع اهللُ َ‬
‫الشيخ احلسن‪ ،‬وأخرب أباه بذلك‪ ،‬فدعا له أن َ‬
‫ابن ِ‬
‫دقيق‬ ‫تقي الدين ِ‬ ‫ِ‬
‫الشــيخ ِّ‬ ‫جواب‬
‫َ‬ ‫الكتاب‪،‬‬
‫َ‬ ‫ترســله هذا‬
‫وكتبت له من ُّ‬
‫ُ‬
‫العيد؛ ملا تضمنّه من البالغة‪ ،‬وأوله بعد البسملة‪ :‬خيدم املجلس العايل العاملي‬
‫صفات يقف الفضل عندها‪ ،‬ويقفو الرشف جمدَ ها‪ ،‬وتلتز ُم املعايل محدَ ها‪.»... ،‬‬
‫ٌ‬

‫إىل آخرها‪ ،‬وهي طويلة قريب ٌة من عرش صفحات‪ ،‬ساقها األدفوي بام فيها‬
‫من نثر وشعر رائق‪.‬‬

‫نائي‪،‬‬ ‫ِ‬
‫((( هو الســيد الرشيف أبو حممد احلســن ب ُن عبد الرحيم بن أمحد بن َح ُّجون‪ ،‬الق ُّ‬
‫املالكي‪ ،‬أحد العلامء الصاحلني‪ ،‬تويف سنة (‪655‬هـ)‪ ،‬وترجم له األدفوي يف «الطالع‬
‫ُّ‬
‫السعيد» (ص‪.)206-203‬‬
‫‪149‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫قال األدفوي رمحه اهلل تعاىل‪ُ « :‬ولد رمحه اهلل تعاىل يف رابع عرش رجب سنة‬
‫اثنني وســتامئة بمرص‪ ،‬وكانت وفاتُه ِبقنا سنة اثنتني وسبعني وستامئة‪ ،‬كذا ّأر َخ‬
‫عبدُ الغفار بن عبد الكايف‪ ،‬وقــال الرشيف عز الدين‪ :‬تويف يف النصف األول‬
‫شوال‪ ،‬وذكر الربزايل أنه تويف وهو ساجدٌ »‪.‬‬
‫من ّ‬

‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪150‬‬

‫كمال الدين الرصايف‬


‫(‪695 - 615‬هـ)‬

‫ُ‬
‫احلافظ الذهبي وترجم له يف بعض‬ ‫املسند الصالح الزاهد(((‪ ،‬ســمع منه‬
‫كتبه‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫« عبــد اهلل بن حممد بن نرص بن قوام بن وهب‪ ،‬العدل‪ ،‬الصالح‪ ،‬الزاهد‪،‬‬


‫كامل الدين‪ ،‬أبو حممد الرصايف‪ ،‬ثم الدمشقي‪.‬‬

‫حدَّ ث يف العام املايض((( «برشح الســنة» و «معامل التنزيل» للبغوي‪ ،‬عن‬


‫القزويني‪.‬‬

‫«صحيح البخاري» عن ابن الزبيدي((( ‪.‬‬


‫َ‬
‫(((‬
‫وسمعنا منه يف هذه السنة‬

‫وروى أيضــ ًا عن عمــه أيب الفتح نارص‪ ،‬ووالده‪ ،‬وأيب موســى عبد اهلل‬
‫ابن احلافظ‪.‬‬

‫وكان من خيار الشيوخ دين ًا وأمان ًة وصيان ًة ورزان ًة‪ ،‬وقد شهد عىل القضاة‬
‫من قديم‪ ،‬وسمع منه سائر الطلبة »(((‪.‬‬

‫شيخنا د‪ .‬حممد مطيع احلافظ جزاه اهلل خري ًا‪.‬‬ ‫ِ‬


‫الساجد‪ُ :‬‬ ‫((( وقد أفادين هبذا ِ‬
‫العامل‬
‫((( أي يف سنة ‪694‬هـ‪.‬‬
‫((( أي سنة ‪695‬هـ‪.‬‬
‫((( وانظر أســانيده يف هذه الكتب الثالثة يف «ذيل التقييد يف رواة السنن واملسانيد» لتقي‬
‫الدين الفايس (‪)65-64/2‬‬
‫((( تاريخ اإلسالم (‪.)815/15‬‬
‫‪151‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫قــال الذهبي‪ « :‬ولد يف رجب ســنة مخس عرشة وســتامئة‪ ،‬وتويف بكرة‬
‫اجلمعة سابع ذي القعدة‪ ،‬فقيل‪ :‬إنه صىل وسجد هلل ومات »(((‪.‬‬

‫وقال يف موضع آخر من كتبه‪ « :‬ولد سنة مخس عرشة وست مائة‪ ،‬وسمع‬
‫وغريهم‪ ،‬وهو من شــيوخنا يف صحيح‬
‫َ‬ ‫القزويني‪ ،‬واب َن الزبيــدي‪ ،‬ووالده‪،‬‬
‫َّ‬
‫البخاري‪ ،‬مات ســاجد ًا يف ذي القعدة سنة مخس وتســعني وست مائة »(((‪.‬‬
‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬

‫((( تاريخ اإلسالم (‪.)815/15‬‬


‫((( معجم الشيوخ الكبري (‪.)340/1‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪152‬‬

‫موسى بن علي الزرزاري‬


‫(‪730 - 658‬هـ)‬

‫فس املســنِدُ ‪ ،‬العامل الصالح‪ ،‬ابن العلامء والقضاة‪،‬‬


‫الشــيخ ا ُملقرئ ا ُمل ّ‬
‫ُ‬ ‫هو‬
‫الزرزاري‪ ،‬ضيــا ُء الدين‬
‫ُّ‬ ‫موســى بن عيل بن موســى بن يوســف بن حممد‬
‫القطبي(((‪.‬‬

‫قال الصفدي رمحه اهلل تعاىل يف ترمجته يف «أعيان العرص»‪:‬‬

‫«موســى بن عيل بن موســى بن يوســف بن األمري حممد رشف الدين‬


‫الزرزاري‪.‬‬

‫ُ‬
‫شــيخنا أثري الدين قال‪ :‬هذا املذكــور مولده بإربل يف‬ ‫أخــرين من لفظه‬
‫ثالث عرشي مجادى اآلخرة سنة ثامن ومخسني وستامئة‪ ،‬وذكر يل أن أباه قايض‬
‫أيضا كان قاض ًيا‪.‬‬
‫القضاة بإربل‪ ،‬وأن جدَّ ه ً‬
‫ٍ‬
‫وأدب‬ ‫فضائل من ٍ‬
‫فقه‬ ‫ُ‬ ‫ِ‬
‫الصورة‪ ،‬عنده‬ ‫ِ‬
‫النفس‪ ،‬حســ ُن‬ ‫وهو ٌ‬
‫رجل ســاك ُن‬
‫وغري ذلك‪.‬‬

‫الصغري»‪،‬‬
‫َ‬ ‫«التفسري‬
‫َ‬
‫(((‬ ‫َ‬
‫احلديث‪ ،‬وأنه قرأ عىل الك ََوايش‬ ‫وذكر يل أنه ســمع‬

‫((( ترمجته يف‪ :‬الــدرر الكامنة (‪ ،)143/6‬أعيان العرص وأعوان النرص (‪ ،)478/5‬ذيل‬
‫التقييد (‪.)282/2‬‬
‫((( هــو اإلمام العالمة الزاهد الكبري‪ ،‬أمحد بن يوســف بن حســن الشــيباين الكوايش‬
‫املوصيل‪ ،‬كان بارعا يف القراءات والتفسري والعربية‪ ،‬وصنّف التفسري الكبري والتفسري‬
‫الصغري‪ ،‬وتويف ســنة ‪ 680‬هـ‪ ،‬رمحــه اهلل تعاىل‪ .‬انظر ترمجته يف «تاريخ اإلســام»‬
‫للذهبي (‪.)385/15‬‬
‫‪153‬‬

‫كثريا من «التفســر الكبري»‪ ،‬وأنه ســمع ببغداد من ابن ال ُف َو ْيرة‬


‫وســمع عليه ً‬
‫وال َقالنِيس‪.‬‬

‫وذكر يل أنه نظم «الوجيز»‪ ،‬وأنشدنا منه أبيات ًا‪.‬‬

‫وأنشدنا لنفسه من أبيات‪:‬‬


‫ٍ‬
‫لناظر‬ ‫استبان‬
‫َ‬ ‫تواضع تكن كالنج ِم‬
‫ْ‬
‫رفيع‬
‫عىل صفحــات املاء وهــو ُ‬
‫نفســه‬
‫يرفع َ‬
‫يك كالدُّ َّخان ُ‬
‫(((‬
‫ومل ُ‬
‫وضيع‬
‫ُ‬ ‫وهــو‬
‫اجلو‪ْ ،‬‬
‫إىل طبقــات ِّ‬

‫قال‪ :‬وأنشدنا لنفسه‪ ،‬وقد تردد اىل بعض أهل اجلاه بمرص مرارا‪:‬‬
‫ِ‬
‫هامان‬ ‫لئن عا َد موسى واق ًفا باب‬
‫ِ‬
‫عامان‬ ‫عىل كِ ْبه حتى انقضت منه‬
‫فرعــون قب َله‬
‫َ‬ ‫ِ‬
‫أبواب‬ ‫فقد قــام يف‬
‫ِ‬
‫عمران‬ ‫بن‬
‫مرصموسى ُ‬
‫عىلكفره‪،‬يف َ‬

‫قلت [والقائل الصفدي]‪ :‬أظنه املعروف بالقطبي‪ ،‬ويلقب ضياء الدين‪،‬‬


‫ُ‬
‫كان خيطب بجامع األمري كراي باحلســينية‪ ،‬ومتصدرا إلقراء الســبع باجلامع‬
‫الظاهري باحلسينية أيضا‪.‬‬

‫وكان من العلامء الصلحاء‪ ،‬واتفق الناس عىل الثناء عليه‪.‬‬

‫((( كذا يف املصدر‪ ،‬ويف الدرر الكامنة (وال ُ‬


‫تك)‪ ،‬وهو الصواب إن شاء اهلل تعاىل‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪154‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫وتويف رمحه اهلل تعاىل وهو ســاجد يف الصالة‪ ،‬يف حادي عرش شهر رجب‬
‫سنة ثالثني وسبعامئة‪ ،‬وكانت جنازته حافل ًة إىل الغاية‪ ،‬ودفن بزاوية الشيخ ابن‬
‫معضاد‪.‬‬

‫وحدث عن ابن َع ُّزون‪ ،‬والنجيب عبد اللطيف‪ ،‬ومن يف طبقتهام‪ ،‬وأجاز‬


‫يل يف سنة ثامن وعرشين وسبعامئة بالقاهرة »‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬


‫‪155‬‬

‫أمحد بن مظفر النابلسي ثم الدمشقي‬

‫(‪758 - 675‬هـ)‬

‫املحدث احلافــظ الثقة الصالح‪ ،‬أمحد بن مظفر بــن أيب حممد بن املظفر‪،‬‬
‫شهاب الدين النابليس ثم الدمشقي‪ُ ،‬‬
‫سبط احلافظ زين الدين خالد(((‪.‬‬ ‫ُ‬

‫مولده يف ليلة األربعاء السادس والعرشين من رمضان سنة مخس وسبعني‬


‫وستامئة‪ ،‬وجدّ يف طلب احلديث واجتهد‪ ،‬فسمع من خلق كثريين رجاالً ونساء حتى‬
‫ُ‬
‫شــيوخه سب َعامئة شيخ‪ ،‬فسمع بدمشق من زينب بنت مكي‪ ،‬وعبد الرمحن‬ ‫بلغ‬
‫ابن يوســف البعلبكي‪ ،‬وببعلبك من القايض تاج الدين عبد اخلالق‪ ،‬والشيخ‬
‫رشف الدين ال ُيونِيني‪ ،‬وزينب بنت عمر بن كندي وغريهم‪.‬‬

‫وحدّ ث‪ ،‬فســمع منه العلــاء األعيان‪ ،‬واألصحاب واألقــران‪ ،‬منهم‪:‬‬


‫احلافظ شــمس الدين الذهبي ‪-‬وهو رفي ُقه يف الطلب‪ ،-‬وقايض القضاة تاج‬
‫الدين السبكي‪ ،‬وصالح الدين الصفدي‪ ،‬وغريهم‪.‬‬

‫قال احلافظ أبو حممد ِ ْ‬


‫البزايل‪ « :‬حمدث فاضل‪ ،‬حســن القراءة للحديث‪،‬‬
‫وأنســاب وأشــيا ٌء تتعلق بالفن‪ُ ،‬ث َّم ترك‬
‫ٌ‬ ‫وعىل ذهنه فضيل ٌة وفوائدُ وأســا ٌء‬

‫((( ترمجتــه يف‪ :‬املعجم املختص باملحدثــن للذهبي (ص‪ ،)42‬معجم الشــيوخ الكبري‬
‫للذهبي (‪ ،)104/1‬معجم الشيوخ للسبكي (ص‪ )143 :‬وما بعدها‪ ،‬أعيان العرص‬
‫وأعوان النرص للصفدي (‪ ،)393 -391/1‬ذيل التقييد (‪ ،)402/1‬الدرر الكامنة‬
‫(‪ ،)376/1‬ومن جمموع هذه املصادر كتبت ترمجته‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪156‬‬

‫ــب اخللو َة‬ ‫ُّ (((‬ ‫ٍ‬ ‫ٍ‬


‫ي ُّ‬‫قــط ‪ ،‬وكان ُ‬ ‫وأشــياء‪ ،‬ومل يتزوج‬ ‫بأجــزاء‬ ‫وانقطــع‪ ،‬وتفرد‬
‫واالنجامع»(((‪.‬‬

‫ووصفه احلافظ الذهبي يف «املعجم املختص» بـ‪« :‬املحدث احلافظ العامل»‪.‬‬

‫الص َفدي جــدّ ًا‪ّ ،‬‬


‫وبي منزلته العلمية‪،‬‬ ‫وأثنى عليــه تلميذه صالح الدين َّ‬
‫وكشــف عن بعض أخالقه الزك ّية‪ ،‬فقال‪« :‬الشيخ اإلمام احلافظ الثبت املسند‬
‫احلجــة‪ ،... ،‬كان ثبتا‪ ،‬حافظا‪ ،‬متقنا‪ ،‬ختا ُله بالدر الفظــا‪ ،‬متحر ًيا ال متجرئًا‪،‬‬
‫متحليــ ًا بالقناعة‪ ،‬عن الدنيا متخليا‪ ،‬ال يزاحم الناس يف دنياهم‪ ،‬وال يســعى‬
‫بالبض(((‪ ،‬وخت ّيل أنه قد ملك األرض‪ ،‬وكان ال‬
‫مسعاهم‪ ،‬قد قنع من العيش َ ْ‬
‫حيدث إال من أصوله‪ ،‬وال يتَّكل إال عىل حمصوره يف حمصوله ‪ ،»...‬إىل أن قال‪:‬‬
‫« وكان ُمنجمع ًا عن الناس‪ ،‬جمموع ماله يف الشهر ما يزيد عىل العرشين درمها‪،‬‬
‫رمحه اهلل تعاىل »‪.‬‬

‫((( وهبــذا‪ ،‬يكون احلافظ اب ُن املظفــر ضم َن العلامء العزاب‪ ،‬وقــد صنّف فيهم العالمة‬
‫الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (ت‪1417‬هـ) رمحه اهلل تعاىل كتا ًبا مجع فيه مخسة وثالثني‬
‫عامل ًا وعامل ًة‪ ،‬ومل َيذكر فيهم اب َن املظفر؛ ف ُيزاد عليه‪ ،‬وسيأتيك أيض ًا (ص ‪ )178‬ضمن‬
‫أيضا يدخــل يف العلامء العزاب‬
‫اللكنوي‪ ،‬وهو ً‬
‫َّ‬ ‫عني القضــاة‬‫من تويف وهو ســاجد َ‬
‫ومل ُيرتجم له الشيخ رمحه اهلل يف كتابه ف ُيزاد عليه أيض ًا‪ ،‬مع أنه مل ُيرد استقصاءهم‪ ،‬وقد‬
‫ســبق من العلامء العزاب‪ :‬أبو هارون األندليس‪ ،‬شيخ أيب علوان بن احلسن املتقدم‪،‬‬
‫انظر التعليق (ص ‪.)100‬‬
‫((( قوله (ثم ترك وانقطع ‪ )...‬إلخ‪ ،‬زاده احلافظ ابن حجر يف «الدرر الكامنة» (‪)376/1‬‬
‫أما البقية فاخترصوا َ‬
‫قول الربزايل‪.‬‬
‫ــرض‪ :‬بالضاد املعجمة يف آخره‪ ،‬أي القليــل‪( ،‬القاموس املحيط‪ ،‬ص‪ ،)637‬ويف‬
‫((( ال َب ْ‬
‫املصدر بالصاد املهملة وهو تصحيف‪.‬‬
‫‪157‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫قال الصفدي‪ « :‬وتويف يف العرش األوســط من شهر ربيع األول سنة ثامن‬
‫ومخسني وسبعامئة‪ ،‬ومولده سنة أربع‪ ،‬وقيل‪ :‬سنة مخس وسبعني وستامئة‪.‬‬

‫وتــويف رمحه اهلل تعاىل ومل يكن عنده يف بيتــه أحد‪ ،‬ف ُفقد بعد ثالثة أيام أو‬
‫أربعة‪ ،‬ف ُفتح عليه الباب ودخلوا إليه‪ ،‬فوجدوه ساجد ًا وهو م ّيت‪.‬‬

‫أخربين نور الدين أبو بكر أمحد بن عــي بن املقصوص احلنفي‪ ،‬وكان به‬
‫خصيصا‪ ،‬قال‪ :‬كان دائام يقول‪ :‬أشتهي أن أموت وأنا ساجد‪ ،‬فرزقه اهلل ذلك‪،‬‬
‫وص ِّ‬
‫ــي عليه باجلامع األمــوي يف العرش األواخر من شــهر ربيع األول »(((‪.‬‬ ‫ُ‬
‫انتهى‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫((( أعيان العرص وأعوان النرص‪ ،‬للصفدي (‪.)393-392/1‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪158‬‬

‫الشريف علي بن احلسن العواني‬

‫(‪ 758 - ...‬هـ)‬

‫القريواين‪ ،‬الشيخ الفقيه‬


‫ُّ‬ ‫هو « أبو احلسن‪ ،‬عيل بن عبد اهلل الرشيف‪ ،‬العواين‬
‫العــامل العامل القايض العادل من بيت علم وفضل‪ ،‬توىل قضاء القريوان‪ ،‬أخذ‬
‫الشبيبي‪،‬‬ ‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫ِ‬
‫وغريمها‪ ،‬وعنه‬ ‫وابن ِ‬
‫عبد الســام ‪-‬وبه تفقه‪،-‬‬ ‫الرماح‪ِ ،‬‬
‫ِ‬ ‫عن‬
‫ُّ‬
‫وغريه‪ .‬تويف يف ربيع األول سنة ‪ 757‬هـ » (((‪.‬‬
‫ُ‬

‫التنوخــي املالكي (ت‬ ‫ِ‬


‫تالميــذه العالم ُة ابــ ُن ناجي‬ ‫ُ‬
‫تلميذ‬ ‫وترجم لــه‬
‫ُّ‬
‫‪839‬هـ) رمحهام اهلل تعاىل يف تكميله لكتاب الدباغ «معامل اإليامن يف معرفة أهل‬
‫القريوان»‪ ،‬فأسوق منه ترمجته للعواين ببعض اختصار‪.‬‬

‫قــال ابن ناجي رمحه اهلل تعاىل‪« :‬أبو احلســن عيل بن حســن بن عبد اهلل‬
‫الرشيف‪ ،‬يعرف بالعواين‪ .‬قرأ عىل الشــيخ الرماح‪ ،‬وقرأ بتونس عىل الفقيه أيب‬
‫عبد اهلل حممد بن عبد الســام اهلواري‪ ،‬وقرأ القراءات الســبع عىل الشيخ أيب‬
‫إسحاق إبراهيم بن عبد العظيم بن صالح اهلواري الوساليت األصل‪ ،‬التونيس‬
‫املولد‪ ،‬وعليه تف ّقه شيخنا أبو حممد الشبيبي(((‪.‬‬

‫((( شــجرة النور الزكيــة يف طبقات املالكية (‪ ،)323 /1‬وســيأيت يف قــول ِ‬


‫ابن ناجي‬
‫أرجح ‪ -‬أنه تويف سنة ‪758‬هـ رمحهم اهلل تعاىل أمجعني‪.‬‬
‫ُ‬ ‫‪ -‬وكال ُمه‬
‫ُ‬
‫وشيخ ابن ناجي التنوخي‪ ،‬ترجم له العالمة حممد‬ ‫ُ‬
‫تلميذ العواين‪،‬‬ ‫((( أبو حممد الشــبيبي‪:‬‬
‫خملوف املالكي يف «شجرة النور الزكية» (‪ ،)324/1‬فقال‪« :‬أبو حممد عبد اهلل بن حممد‬
‫ُ‬
‫الفاضل‪ ،‬القدوةُ‪،‬‬ ‫الصالح‪ ،‬الفقي ُه‪،‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫الشــيخ‪،‬‬ ‫ابن يوسف البلوي الشبيبي القريواين‪:‬‬
‫ُ‬
‫العامل‪ ،‬قرأ بالقريوان عىل أيب احلســن العواين ‪ -‬وعليــه اعتامده ‪= ،...،-‬‬ ‫العــاملُ‪،‬‬
‫‪159‬‬

‫حلا‪ ،‬ناسكًا‪ ،‬سخ ًّيا‪ ،‬جمتهدً ا يف تعلم العلم‪.‬‬


‫فقيها‪ ،‬صا ً‬
‫وكان ً‬

‫وكان يدرس يف املسجد املعروف باملسجد املعلق عىل احللفاويني‪.‬‬

‫وتوىل العدال َة بالقريوان‪ ،‬والقضا َء هبا‪ ،‬والفتيا‪ ،‬واإلمام َة باجلامع األعظم‪،‬‬


‫اخلمس واخلطب َة‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الصلوات‬
‫َ‬

‫قال أبو حممد عبد اهلل الشــبيبي‪ :‬وكان يناديني‪ ،‬فأصعد لعلوه‪ ،‬فيأيت بإناء‬
‫الطعــام يف يده اليمنى‪ ،‬وإنــاء املاء يف اليرسى‪ .‬وبعــث ورائي مرة‪ ،‬وأحرض‬
‫شــاهدين معي‪ ،‬ومشى إىل الدار املعروفة بدار حممد ابن محص‪ ،‬فوهبني إياها‪،‬‬
‫دارا ُمعتربةً‪.‬‬
‫وحزهتا‪ ،‬وكانت ً‬
‫ُ‬

‫دينارا ذه ًبا‪ ،‬وانتفع بثمنها‪.‬‬


‫[قال ابن ناجي‪ ]:‬فباعها بثامنني ً‬

‫دينارا ذه ًبا دفعة‬


‫عمن نثق به أنه أعطاه مرة أخرى اثنني وثالثني ً‬
‫وبلغنــي ّ‬
‫واحدة‪ ،‬وقال‪ :‬هذه لقطتُّها لك من وجوه‪ ،‬فأخذها‪ .‬فهو ومن قرأ عليه حسنة‬
‫من حســناته؛ ألنه أعانه عىل قدر جهده بام ُذكر‪ .‬وعليه تف ّقه ّ‬
‫ودرس يف مرضه‬
‫يف حياته بإذنه‪.‬‬

‫وقال شيخنا الشبيبي‪ :‬كان رمحه اهلل تعاىل ُيكثر يف درسه احلكايات املقتضية‬
‫احتجت إليها أنق ُلها من الكتب‪ .‬فلام‬
‫ُ‬ ‫للحال‪ ،‬وكنت نتزاهــد فيها‪ ،‬ونقول‪ :‬إن‬
‫فندمت عىل عدم َكتْبي هلا‪.‬‬
‫ُ‬ ‫أكثرها‪،‬‬
‫جلست للتدريس مل أجد َ‬
‫ُ‬

‫الب ُز ُّيل‪ ،‬واب ُن ناجي ‪ ،...‬أقام نحــو ًا من مخس وثالثني عام ًا‬
‫= وعنه مجاع ٌة‪ ،‬منهــم‪ْ ُ :‬‬
‫يدرس‪ .‬تويف يف صفر سنة ‪ 782‬هـ »‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪160‬‬

‫وقال بعض أصحاب الشيخ أيب احلسن [له]‪ :‬يا سيدي‪ ،‬أريد منك قضاء‬
‫حاجــة‪ ،‬قال‪ :‬ما هي؟ قال‪ :‬إذا اجتمع عندك خــواص البلد ألمر ما‪ ،‬من ٍ‬
‫قائد‬
‫ٍ‬
‫وشــهود وأمنا َء ِ‬
‫وغريهم‪ ،‬تأذن يل أن أجوز إليك‪ ،‬ونشق وسطهم‪ ،‬ونقول لك‬
‫يف أذنــك‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ﴾‪ ،‬فتقول يل‪ :‬صدقــت‪ ،‬فنقول لك‪﴿ :‬ﭖ‬
‫ﭗ ﴾‪ ،‬فتقول يل‪ :‬صدقت‪ ،‬وهكذا إىل آخرها‪ ،‬فيعتقد احلارضون أن يل‬
‫جاها عندك؛ فنع ُظم يف أعينهم؛ لنقيض حوائج الناس‪ ،‬وأنت تعلم أين ال آخذ‬
‫ً‬
‫مها‪ .‬فأجابه إىل ذلك‪ ،‬ومل يعلم بذلك أحدٌ إىل أن مات‪.‬‬
‫دينارا وال در ً‬
‫عىل ذلك ً‬

‫دارا ُمعترب ًة تساوي يف زماننا اليوم مائتي دينار ذه ًبا‬


‫وح ّبس رمحه اهلل تعاىل ً‬
‫لسكنى الفقراء والطلبة هبا ممن يقرأ القرآن والعلم‪.‬‬
‫ُ‬

‫وفاته‪:‬‬

‫أياما‪ ،‬يف سجوده يف‬


‫وتُويف الشــيخ أبو احلســن بالقريوان‪ ،‬بعد أن مرض ً‬
‫صالة العشــاء اآلخرة‪ ،‬يف أواسط شهر ربيع األول سنة ‪ ،758‬و ُدفن بزاويته‪،‬‬
‫رمحه اهلل تعاىل وريض عنه »‪ .‬انتهى‪.‬‬
‫‪161‬‬

‫عبد الرمحن بن عبد العزيز النويري املالكي‬

‫(‪ 845 - ...‬هـ)‬

‫العلم‪ ،‬ودرس الفقــه والنحو‪ ،‬وكان يرحل‬


‫َ‬ ‫اخلي‪ ،‬طلب‬
‫الشــيخ العابد ِّ‬
‫للحج وجياور بمكة ويرجع لبلده‪ ،‬ثم حيج وجياور‪ ،‬وينشــغل يف البلد احلرام‬
‫بالعبادة والعلم‪.‬‬

‫ثم نشأ ابنُه عىل العلم‪ ،‬واألحفاد من بعدُ كذلك‪.‬‬

‫ترجم له احلافظ السخاوي رمحه اهلل تعاىل‪ ،‬فقال‪:‬‬

‫« عبد الرمحن بن عبد العزيز بن حممد بن أمحد بن عبد العزيز بن القاسم ابن‬
‫ييل(((‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشــهيد الناطق عبد الرمحن الريض بن العز بن الشمس اهلاشمي‪ ،‬ال َعق ُّ‬
‫النويري‪ ،‬املالكي‪ ،‬نزيل مكة‪ ،‬ووالد علم الدين حممد اآليت(((‪.‬‬

‫َ‬
‫القرآن‪،‬‬ ‫ولد بالنويرة من الصعيد‪ ،‬وانتقل مع أمــه إىل الفيوم‪ ،‬فحفظ هبا‬
‫النحو‪ ،‬ثم عاد بعد ِك َبه إىل بلده‪.‬‬
‫ِ‬ ‫والعمدةَ‪ ،‬والرسال َة‪ ،‬وألفي َة‬

‫المراغي‪ ،‬ثم قدم مكة يف‬


‫غري مرة‪ ،‬وجاور‪ ،‬وســمع هبا من الزين َ‬
‫وحج َ‬
‫موســم ســنة أربع وأربعني [وثامنامئة]‪ ،‬وجاور التي تليهــا‪ ،‬فأدركه أج ُله هبا‬

‫((( ينتهي نسبه إىل َع ِقيل بن أيب طالب‪.‬‬


‫((( وترجــم له (‪ ،)291/7‬ثم ترجم البن ٍ‬
‫حممد هذا‪ :‬يوســف (‪ ،)331/10‬فهم أرسة‬
‫علمية‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪162‬‬

‫وهو ساجد باملســجد احلرام‪ ،‬يف ذي احلجة منها فحمل إىل بيته فجهز ثم دفن‬
‫باملعالة‪ ،‬وكان َخ ّي ًا ساكن ًا »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫((( الضوء الالمع ألهل القرن التاسع (‪.)85-84/4‬‬


‫‪163‬‬

‫ّ‬
‫الشافعي‬ ‫حممد بن أمحد البدري‬

‫(‪ 867 - 776‬هـ)‬

‫هو الفقيه‪ ،‬ا ُملقرئ‪ ،‬ا ُملســند‪ ،‬الصالح‪ ،‬اب ُن ّ‬


‫اخللل‪ ،‬شمس الدين حممد بن‬
‫الشافعي‪.‬‬
‫ّ‬ ‫املرصي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الشهاب أمحد البدري‪،‬‬

‫أكابر‪،‬‬
‫طلب العلم عىل كثري من شــيوخ عــره بمــر‪ ،‬وأدرك منهم َ‬
‫وأجازوه‪ ،‬وتنوع يف اهتامماته العلمية ودراســته‪ ،‬فشــارك يف كثري من العلوم‬
‫ٍ‬
‫وزهد‬ ‫ٍ‬
‫صــاح وتقوى‬ ‫النقلية والعقلية‪ ،‬وبــرع يف علم امليقات والفلك‪ ،‬مع‬
‫وح ِ‬
‫سن خ ُلق‪.‬‬ ‫ُ‬

‫وعلمه بالفقه لكثري من الوظائف واملناصب‪ ،‬فكان‬


‫ُ‬ ‫تنوع معارفِه‬
‫أهله ُ‬
‫وقد ّ‬
‫كثريا عن القضاء لورعه‪ ،‬ومل يقبله إال‬
‫يقبل منها التدريس واخلطابــة‪ ،‬ويعتذر ً‬
‫مر ًة بعد إحلاح‪.‬‬

‫الســخاوي وأفاد منه‪ ،‬فرتجم لــه يف كتابه «الضوء الالمع‬


‫ّ‬ ‫ُ‬
‫احلافظ‬ ‫أدركه‬
‫ألهل القرن التاسع»(((‪ ،‬فقال ما مُترصه‪:‬‬

‫الشمس بن الشهاب‬
‫ُ‬ ‫« حممد بن أمحد بن حممد بن حممد بن أيب بكر البدر‪ ،‬أو‬
‫ٍ‬
‫بمعجمة ثم‬ ‫املرصي‪ ،‬الشــافعي‪ ،‬و ُيعرف بابن اخلَ ّلل ‪-‬‬ ‫ابن البدر بن الصدر‪،‬‬
‫ُّ‬
‫الم مشددة ‪.-‬‬

‫((( الضوء الالمع ألهل القرن التاسع (‪.)84-83/7‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪164‬‬

‫ُولد يف ربيع األول ســنة ست وسبعني وسبعامئة بمرص‪ ،‬ونشأ هبا‪ ،‬فحفظ‬
‫لقيني‬ ‫القرآن‪ ،‬و«العمدةَ»‪ ،‬و«التنبي َه»‪ ،‬و«ألفي َة النحو»‪َ ،‬‬
‫وغريها‪ ،‬وعرض عىل ال ُب ّ‬
‫والفخر القايايت‪ ،‬وأجازوا له‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫امللقن‬ ‫ِ‬
‫وابن‬

‫وتــا أليب عمرو عىل الشــيخ مظفر‪ ،‬ثم لنافع وغــره عىل اجلالل ‪-‬ومل‬
‫ِ‬ ‫والشمس ِ‬
‫ِ‬
‫بن القطان‪ ،‬وال ُب ْلق ِّ‬
‫يني‬ ‫بالنورين األدمي والبكري‪،‬‬
‫َ‬ ‫ينســبه‪ ،-‬وتفقه‬
‫َ‬
‫الكامل‬ ‫عرش ســنني‪ ،‬وقصد‬
‫‪-‬قرأ عليه يف اخلروبية وغريها‪ ،-‬وقال‪ :‬إنه الزمه َ‬
‫الدَّ ِمريي لألخذ عنه‪ ،‬فقال له‪ :‬مكانُك بعيد‪ ،‬واألوىل أن جتمع ما ُيشكل عليك‬
‫ثم تراجعني فيه‪.‬‬

‫وعلم احلديث عن الزين العراقي‪،‬‬


‫َ‬ ‫وأخذ العربي َة عن ابن القطان واألدمي‪،‬‬
‫وعلم الفلك عن ابن ادريس‪ ،‬والزم العز بن ُجاعة كثريا‪ ،‬وأخذ عنه األصول‬
‫َ‬
‫والعربية والفقه وغريها‪ ،‬وحرض يف املنطق عند البساطي وغريه‪... ،‬‬

‫ِ‬
‫ونارص الدين ابن الفــرات‪ ،‬واملطرز‪،‬‬ ‫وســمع عىل الصالح الزفتــاوي‪،‬‬
‫واألبنايس‪ ،‬والعراقــي‪ ،‬واهليثمي‪ ،‬والنجم الباليس‪ ،‬والســويداوي‪ ،‬والفخر‬
‫القايايت‪ ،‬والرشف القديس‪ ،‬وآخرين‪.‬‬

‫ودرس وخطب بمدرســة ابن ســويد‪،‬‬


‫وبــارش بمرص عد َة وظائــف‪ّ ،‬‬
‫ُدعي ل ُف َّوة((( يف ســنة أربعــن‪ ،‬و ُقرر يف اخلطابــة والتدريس بجامع‬
‫ثم اســت َ‬

‫((( قال ياقوت احلموي يف «معجم البلدان» (‪ُ « :)280/4‬ف َّوةُ‪ :‬بالضم ثم التشديد‪،... ،‬‬
‫ُب َل ْيدة عىل شــاطئ النيل من نواحي مرص قرب رشــيد‪ ،‬بينها وبني البحر نحو مخسة‬
‫فراسخ أو ستة‪ ،‬وهي ذات أسواق ونخل كثري»‪ .‬اهـ‪.‬‬
‫‪165‬‬

‫غري واحد من أهل‬


‫ابن نــر‪ ‬اهلل هبا‪ ،‬وتصدى للتدريس واإلفتاء‪ ،‬فانتفــع به ُ‬
‫تلك الناحية وغريها‪.‬‬

‫وناب يف القضاء هناك عن الســفطي‪ ،‬مع امتناعه من قبوله عن من قبله‬


‫وبعده‪ ،‬ملزيد إحلاح املشار إليه عليه فيه(((‪.‬‬

‫فقيها‪ ،‬حافظا للمذهب‪ ،‬مشاركًا‬


‫وقرأت عليه أشياء‪ ،‬وكان ً‬
‫ُ‬ ‫وقد لقيته ب ُف َّوةَ‪،‬‬
‫طارحا للتكلف‪َ ،‬خ ّ ًيا‪ُ ،‬متواض ًعا‪ّ ،‬‬
‫متقشفا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫يف الفنون‪ ،‬بار ًعا يف امليقات‪،‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫مات وهو ســاجد بِ ُف َّوة‪ ،‬يف عرص يوم السبت حادي عرش رمضان‪ ،‬سنة‬
‫سبع وستني [وثامنامئة] »‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫((( أي ملزيد إحلاح السفطي عىل البدر يف تويل القضاء‪.‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪166‬‬

‫حممد بن سليمان اجلزولي‬


‫(‪ 870 - ...‬هـ)‬

‫الشيخ الصالح‪ ،‬العامل العامل‪ ،‬الفقيه املالكي‪ ،‬أحد املشاهري باملغرب‪ ،‬أبو‬
‫عبد اهلل‪ ،‬حممد بن سليامن‪ ،‬الرشيف احلسني‪ ،‬اجلزويل‪ ،‬دفني مراكش(((‪.‬‬

‫ســافر يف البالد لطلب العلم وحتصيله‪ ،‬وأخذ عن األعالم‪ ،‬وكان حيفظ‬


‫املخترص الفقهي البــن احلاجب يف فروع املالكية‪ ،‬ثم تفــرغ للعبادة واعتزل‬
‫الناس فرتة طويلة‪ ،‬ثم خرج وتصدر لإلفادة بعدها‪ ،‬فاجتمع عليه من التالميذ‬
‫ُ‬
‫الشــيخ العالمة أمحد زروق‪ ،‬وأمحدُ بن‬ ‫أكثر من اثني عرش أل ًفا‪ ،‬من أعالمهم‪:‬‬
‫ُ‬
‫والشيخ عبد العزيز بن عبد القادر الت ّباع‪ ،‬وأبو عبد اهلل‬ ‫عمر احلارثي املكنايس‪،‬‬
‫حممد الصغري السهييل‪.‬‬

‫وقد َوضع مصنفات يســرة يف الزهد واألذكار‪ ،‬منها «دالئل اخلريات»‬


‫الذي انترش جد ًا بني الناس وتداوله العلامء رش ًقا وغر ًبا‪ ،‬حتى اشتهر َ‬
‫أكثر من‬
‫شهرة صاحبه‪ ،‬وصار اجلزويل ُيعرف بكتابه هذا‪.‬‬

‫((( اعتمــدت يف هذه النبذة مــن ترمجته عىل املصادر التالية‪« :‬نيــل االبتهاج» (ص ‪،)545‬‬
‫و«كفاية املحتــاج» (ص ‪ ،)429‬كالمها ألمحد بابا التنبكتي‪ ،‬و«شــجرة النور الزكية»‬
‫ملحمــد خملوف (‪ ،)380/1‬و«إظهــار الكامل يف تتميم مناقب ســبعة رجال» لعباس‬
‫ابن إبراهيم الســماليل التعارجي (‪ ،)571/2‬جذوة االقتباس البن القايض املكنايس‬
‫أيضا (‪،)297/2‬‬
‫(ص ‪« ،)319‬درة احلجال يف أسامء الرجال» البن القايض املكنايس ً‬
‫األعالم للزركيل (‪ ،)151/6‬وللزركيل أوهام يف ترمجته سيأيت التنبيه عليها آخر الرتمجة‪.‬‬
‫‪167‬‬

‫قال الفقيه املؤرخ ابن القايض املكنــايس (ت ‪1025‬هـ) رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬
‫« حممد بن سليامن اجلزويل‪ ،‬الرشيف احلسني‪ ،‬دفني مراكش‪ ،‬دخل مدينة فاس‬
‫بقصد قراءة العلم وحتصيله‪ ،‬وكان يسكن بمدرسة احللفاويني‪ ،‬وهبا أ ّلف كتا َبه‬
‫املسمى دالئل اخلريات‪ ،‬ومل أقف اآلن عىل وفاته »(((‪.‬‬

‫وقــد وصفه أمحد بابــا التنبكتــي يف «كفاية املحتاج» بقولــه‪ « :‬اجلزويل‬


‫‪-‬صاحب دالئل اخلريات‪ :-‬حممد بن ســليامن اجلزويل‪ ،‬الشــيخ الفقيه العامل‬
‫عم‬
‫الويل الصالح‪ ،‬صاحب «دالئل اخلريات» يف الصالة عىل النبي ﷺ‪ ،‬الذي ّ‬
‫نفعه »(((‪.‬‬

‫وقال حممد خملوف‪ « :‬الفقيه‪ ،‬اإلمام‪ ،‬شيخ اإلسالم‪ ،‬علم األعالم‪ ،‬العامل‬
‫العامل‪ ،‬العارف باهلل »(((‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫ِ‬
‫واإلصــاح بني الناس‪،‬‬ ‫الســلم‬ ‫ِ‬
‫وحتقيق ِّ‬ ‫حريصا عىل إمخاد الفتن‬
‫ً‬ ‫وكان‬
‫ويتحمل يف ذلك املســؤوليات الكبرية‪ ،‬من ذلك ما يذكره التنبكتي يف ترمجته‬
‫ّ‬
‫من «نيل االبتهاج»(((‪ ،‬حيث قال‪« :‬وكان ببلده وقت ٍ‬
‫قتال انفصل فيه الصفان‬

‫((( جذوة االقتباس (ص ‪ ،)319‬ثم قال يف «درة احلجال يف أسامء الرجال» (‪:)297/2‬‬
‫ُ‬
‫دالئل اخلريات‪ ،‬تويف يف ســادس عرش ربيع‬ ‫« الفقيه الصالح‪ ،‬الشــهري بمراكش‪ ،‬له‬
‫النبوي سنة ‪ »870‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫((( كفايــة املحتاج ملعرفة مــن ليس يف الديباج‪ ،‬ألمحد بابــا التنبكتي (ص ‪ ،)429‬وهذا‬
‫الكتاب خمترص لكتابه اآلخر «نيل االبتهاج»‪.‬‬
‫((( شجرة النور الزكية يف طبقات املالكية (‪.)380/1‬‬
‫((( نيل االبتهاج بتطريز الديباج (ص ‪.)545‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪168‬‬

‫ِ‬ ‫عــن قتيل تربأ ٌّ ِ‬


‫إصالحهم‪ ،‬فقال هلم‪ :‬أنا‬
‫َ‬ ‫كل مــن َقتْله‪ ،‬ومل َ ْ‬
‫ي ُضه هو‪ ،‬فــأراد‬
‫وعادتم إخراج القاتل من بينهم فيصطلحوا‪ ،‬فخرج لطنجة ‪ .»...‬ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫ُ‬ ‫قتلتُه‪،‬‬

‫وملثل هذه املآثر وغريها وصفه بعض من ترمجه بأنه‪« :‬صاحب الكرامات‬
‫الكثرية‪ ،‬واملناقب الشهرية»‪.‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫ُ‬
‫الشــيخ أمحد زروق رمحه اهلل تعــاىل يف «ال ُكنّاش»‪ ،‬فقال‪:‬‬ ‫وقد ذكر وفاتَه‬
‫«دخول سنة ســبعني وثامنامئة‪ :‬كنت يف خدمة سيدي حممد بن عبد اهلل الشهري‬
‫بالزيتوين‪ ،... ،‬فقدم علينا من تالمذة ســيدي حممد اجلزو ِّيل مجاع ٌة مع الصغري‬
‫السفياين(((‪ ،‬وصححوا عندنا موت الشيخ اجلزويل‪.‬‬

‫قال الصغري‪ :‬مات يف صــاة الصبح‪ّ ،‬إما يف الســجدة الثانية من الركعة‬


‫األوىل‪ ،‬أو يف السجدة األوىل من الركعة الثانية »(((‪ .‬ا‪.‬هـ‪.‬‬

‫((( هو حممد الصغري‪ ،‬املعروف بالســهييل‪ ،‬أبو عبد اهلل‪ ،‬أحد العلامء الصاحلني‪ ،‬ترجم له‬
‫حممد خملوف يف «شــجرة النور الزكية» (‪ ،)398/1‬ومما قاله‪ « :‬أخذ عن الشيخ أيب‬
‫أصح الروايات‪ ،‬رواها‬
‫عبد اهلل حممد اجلزويل وروى عنه دالئل اخلــرات‪ ،‬وروايتُه ُّ‬
‫عنه من ال ُي َعدُّ كثرةً‪ .‬تويف عن ســن عالية جد ًا ســنة ‪ 918‬هـ»‪ ،‬وقد قال خملوف قبل‬
‫ذلك يف ترمجة الشــيخ اجلزويل عن هذا الكتــاب (‪« :)381/1‬وعليه رشوح كثرية‪،‬‬
‫اختالف يف النســخ لكثرة روايتها عىل املؤلف‪ ،‬وا ُمل َ ُ‬
‫عتب نسخ ُة أيب‬ ‫ٌ‬ ‫وللدالئل املذكورة‬
‫عبد اهلل الصغري املذكور» ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫((( ال ُكنّاش‪ ،‬لسيدي أمحد زروق (ص ‪.)24‬‬
‫‪169‬‬

‫وقال التنبكتي يف «نيل االبتهاج»‪ « :‬وتويف مســمو ًما يف الركعة األوىل من‬
‫صالة الصبح‪ ،‬سادس ربيع األول‪ ،‬عام سبعني وثامنامئة »‪.‬‬

‫بعضهم عام مخســة‬


‫فأرخها ُ‬
‫وقد حصل اختالف يســر يف ســنة وفاته‪ّ ،‬‬
‫وسبعني وثامنامئة‪ ،‬وقيل سنة تسعة وســتني‪ ،‬ولكنهام قوالن ضعيفان‪ ،‬وحقق‬
‫املراكيش يف «إظهار الكامل»((( خطأ هذا القول‪ ،‬وأثبت بام ال يدع جماال للشك‬
‫أنه يف سنة سبعني وثامنامئة‪ ،‬ولذا قال حممد خملوف‪« :‬تويف عىل األصح يف ربيع‬
‫ِ‬
‫وغريه من‬ ‫األول ســنة ‪ ،»870‬وهو املوافق ملا تقدم عن ابن القايض املكنايس‬
‫العلامء‪.‬‬

‫وقــد حصلت بعد وفاته فتن ٌة كبري ٌة يف تلك البالد‪ُ ،‬وضعت بســببها ُجثة‬
‫الشيخ يف تابوت ملدة عرشين سنة‪ ،‬ثم ُدفن بعد ذلك بآفغال ‪-‬يف بالد السوس‬
‫باملغرب‪ ،-‬وبعد وفاته بأكثر من ســبعني ســن ًة نُقل جسده إىل مراكش ودفن‬
‫هناك(((‪.‬‬

‫قال التنبكتي يف «كفاية املحتاج»‪« :‬و ّملا نقل جسده بعد سبع وسبعني سنة‬
‫وجدوه مل يتغري منه يشء»‪.‬‬

‫((( انظر (‪ )24-23/2‬وأفاد يف (‪ً - )24/2‬‬


‫نقال عن عبد العزيز الت ّباع تلميذ اجلزويل ‪:-‬‬
‫« أن الشيخ ريض اهلل عنه مل يرتك ولد ًا ذكر ًا »‪.‬‬
‫((( وكانت تلك فتنة عمرو بن سليامن السياف‪ ،‬وللوقوف عىل ترمجته وأخبار تلك الفتنة‬
‫ُينظر كتاب «االســتقصا ألخبــار دول املغرب األقىص» ألمحــد النارصي الدرعي‬
‫(‪)123-122/4‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪170‬‬

‫النارصي عن أيب العباس الصومعي‬


‫ُّ‬ ‫ُ‬
‫مؤرخ املغرب األقىص أمحدُ‬ ‫وكذا نقل‬
‫قص َة ِ‬
‫نقل الشــيخ اجلزويل إىل مراكش‪ ،‬وأنه وجد طريا مل يتغري بعد وفاته بنحو‬
‫سبعني سنة(((‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬

‫تنبيه‪:‬‬

‫يشــتبه عىل بعض الباحثني حممدُ ب ُن سليامن اجلزويل صاحب هذه الرتمجة‬
‫برجل آخر موافق له يف االسم واسم األب والنسبة إىل البلد والكُنية والطبقة‪،‬‬
‫وهو حممدُ ب ُن سليامن بن داود بن برش بن أيب بكر اجلامل‪ ،‬اجلزويل املغريب املالكي‪،‬‬
‫نزيل مكة‪ ،‬املولود بجزولة سنة ثامنامئة وستة‪ ،‬واملتوىف يف ربيع اآلخر سنة ثالث‬
‫وستني وثامنامئة‪ ،‬ودفن يف املعالة بمكة املكرمة‪ ،‬وكان فقيها بارعا(((‪.‬‬

‫التنبكتي عىل هــذا من ِق ُبل‪ ،‬فقال بعد ترمجتــه للجزويل املكي‪:‬‬


‫ُّ‬ ‫وقــد ن َّبه‬
‫اســا واسم أب ونسبا وزمنا‪،‬‬
‫ً‬ ‫«وليس هذا مؤلف دالئل اخلريات‪ ،‬وإن توافقا‬
‫وسيأيت قريب ًا»(((‪.‬‬

‫((( االستقصا ألخبار دول املغرب األقىص (‪ ،)123/4‬وانظر فيه سبب نقل جثة الشيخ‬
‫رمحه اهلل تعاىل من آفغال بسوس إىل مراكش (‪)15/5‬‬
‫((( انظر ترمجته يف‪ :‬الضوء الالمع للســخاوي (‪ ،)258/7‬والتحفــة اللطيفة يف تاريخ‬
‫املدينة الرشيفة للســخاوي أيضا (‪ ،)481/2‬وكفاية املحتاج للتنبكتي (ص ‪،)424‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫ونيل االبتهاج (ص ‪ )538‬له ً‬
‫((( كفاية املحتاج (ص ‪ ،)424‬ونحوه يف نيل االبتهاج (ص ‪ ،)538‬وهذا هو ا ُملسمى عند =‬
‫‪171‬‬

‫ال واحد ًا‪ُ :‬‬


‫خري الدين الزركيل رمحه اهلل‬ ‫وممن وقع يف هذا الوهم وظنهام رج ً‬
‫تعاىل يف كتابه الشهري «األعالم»‪ ،‬ف ُينت َبه هلذا‪ ،‬واهلل تعاىل أعلم(((‪.‬‬

‫= املحدثني بـ «املتفق واملفرتق» عندما يتفق يف اللفظ واخلط راويان أو عاملان يف االسم‬
‫ُ‬
‫الباحث أو العامل يف‬ ‫واسم األب‪ ،‬أو االسم والنســبة‪ ،‬وهكذا‪ ،‬وبعدم اخلربة فيه يقع‬
‫اخلطــأ‪ ،‬حتى قال احلافظ ابن الصالح رمحه اهلل تعاىل يف «معرفة علوم احلديث» (ص‬
‫غري واحد‬ ‫‪« :)358‬وهذا من قبيل ما يســمى يف أصول الفقه «ا ُمل َ َ‬
‫شتك»‪ ،‬وزلق بسببه ُ‬
‫من األكابر‪ ،‬ومل يزل االشرتاك من مظان الغلط يف كل علم» ا‪.‬هـ‪.‬‬
‫((( انظر األعالم للزركيل (‪ ،)151/6‬ثم رأيت الشــيخ املؤرخ النســابة املدقق حممد بن‬
‫عبد اهلل الرشــيد قد أشــار إىل هذا الوهم واســتدرك عىل الزركيل‪ ،‬وذلك يف كتابه‬
‫«اإلعالم بتصحيح األعالم» (ص ‪.)131-130‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪172‬‬

‫عبد اهلل بن شيخ العيدروس‬

‫(‪ 1019 - ...‬هـ)‬

‫ُ‬
‫ســليل األماجد‪ ،‬ووالدُ األكابر‪،‬‬ ‫اإلمام الكبري‪ ،‬الصالح القدوة اجلليل‪،‬‬
‫وأستا ُذ الشيوخ‪ ،‬وأحد األعيان من علامء اليمن‪.‬‬

‫ٍ‬
‫اختصار‪ -‬ترمج َة‬ ‫غري واحد من العلامء‪ ،‬وأســوق هنــا ‪-‬ببعض‬ ‫ترجم له ُ‬
‫املؤرخِ حممد أمني ا ُمل ِح ّب ِّي له‪ ،‬قال رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬

‫«عبد اهلل بن شــيخ بن عبد اهلل بن شيخ بن الشــيخ عبد اهلل العيدروس‪،‬‬
‫املكنى بأيب حممد‪ :‬اإلمام الكبري‪ ،‬أستاذ األساتذة‪ ،‬وخامتة العلامء بقطر اليمن‪.‬‬

‫ِ‬
‫وتسعامئة‪،‬‬ ‫ــي يف ترمجته‪ :‬ولد بمدينة ت َِريم يف سنة مخس وأربعني‬
‫الش ِّ‬
‫قال ِّ‬
‫أتم االعتناء‪ ،‬ولزم والده(((‪ ،‬وأخذ‬ ‫َ‬
‫القرآن‪ ،‬واعتنى بالطلب َّ‬ ‫ونشأ هبا‪ ،‬وحفظ‬
‫كثريا من الفنون وهو شاب‪.‬‬
‫عنه ً‬

‫ِ‬
‫والشــيخ‬ ‫ِ‬
‫شــهاب الدين أمحد بن عبد الرمحن‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الشــيخ‬ ‫وأخذ الفق َه عن‬
‫ِ‬
‫حســن بن عبد اهلل بن عبد الرمحن َب ْلحاج‪ ،‬والشيخ الويل أمحد بن عبد اهلل بن‬
‫عبد القوي‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬ولد يف مدينة تريم من حرضموت ســنة ‪ 919‬هـ ‪،‬‬


‫((( وكان والده من كبار العلامء ً‬
‫وتويف ســنة ‪ 990‬هـ يف مدينة أمحد آباد من البالد اهلندية‪ ،‬وكان رحل إليها ودخلها‬
‫سنة ‪958‬هـ‪ ،‬وأقام هبا إىل أن مات‪ ،‬رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬
‫ترجم له ابنه عبد القادر يف «النور السافر عن أخبار القرن العارش» (ص ‪ ،)333:‬واب ُن‬
‫العامد احلنبيل يف «شذرات الذهب (‪ ،)620/10‬والزركيل يف األعالم (‪.)182/3‬‬
‫‪173‬‬

‫ثم ارحتل لوالده بأمحد آباد يف ســنة ســت وستني وتســعامئة‪ ،‬وأخذ عنه‬
‫كتاب «الشفا»‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫كتاب قرأه عليه‪ُ :‬‬ ‫علو ًما شتى‪ُ ،‬‬
‫وأول‬

‫ِ‬
‫وحج‪ ،‬وأخذ باحلرمني عن مج ٍع كثري‪ ،‬ثم عاد إىل بلدة تريم‪ ،‬ونَصب َ‬
‫نفسه‬ ‫َّ‬
‫الناس من أقىص البالد‪ ،‬وصار َ‬
‫شيخ البالد احلرضمية‪،‬‬ ‫للنفع واإلقراء‪ ،‬وقصده ُ‬
‫ِ‬
‫باألجداد‪.‬‬ ‫ْ‬
‫وأل َق األحفا َد‬

‫خلق ال ُي َصون‪،‬‬ ‫ً‬


‫وأصول‪ ،‬وأخذ عنه ٌ‬ ‫وكان عا ًملا متضل ًعا‪ ،‬تفسري ًا وحدي ًثا‬
‫أكثرهــم ممن بلغ فض ُله حدَّ التواتر‪ ،‬منهم أوالده الثالثة‪ :‬حممد وشــيخ وزين‬
‫ُ‬
‫العابدين‪ ،‬وحفيده الشــيخ عبد الرمحن الســقاف بن حممد‪ ،‬والشيخ أبو بكر‬
‫الش ّ‬
‫ــي‪ ،‬واإلمام عبد اهلل بن حممد َب ُروم‪ ،‬والشــيخ حسني بن عبد اهلل الغصن‪،‬‬ ‫ِّ‬
‫وشــيخ اإلسالم أبو بكر بن عبد الرمحن‪ ،‬وشــهاب الدين‪ ،‬والقايض أمحد بن‬
‫حسني َب ْل َف ِقيه‪ ،‬والشــيخ عبد الرمحن بن َع ِقيل‪ ،‬والسيد أبو بكر بن عيل خرد‪،‬‬
‫وغريهم ممن ال ُيىص‪.‬‬
‫ُ‬ ‫والشيخ نزين‪ ،‬وحسني َب ْا َف ْضل‪،‬‬

‫وكان جيلس مــن أول الضحى إىل منتصف النهار‪ ،‬ومــدّ اهللُ تعاىل له يف‬
‫الكبار من كل ُقطر‪.‬‬
‫ُ‬ ‫عمره حتى انتفع به العلام ُء‬

‫أهل عرصه عىل إمامته‬ ‫ٍ‬


‫وشأن‪ ،‬واتفق ُ‬ ‫وكان كريم ًا إىل الغاية‪ ،‬صاحب ٍ‬
‫جاه‬ ‫َ‬
‫وتقدُّ مه‪ ،‬وكان له يف القلوب هيب ٌة عظيم ٌة‪ ،‬مع حســن ِ‬
‫اخللقة‪ ،‬و َق ِ‬
‫بول الصورة‪،‬‬ ‫ُ‬
‫دائم‬ ‫ِ‬
‫ســن اخلُ ُلق‪ ،‬وكان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫كثــر اإلنصات‪َ ،‬‬ ‫َ‬ ‫وح‬
‫ونــور الطاعة‪ ،‬وجاللة العباد‪ُ ،‬‬
‫العبادة‪ ،‬وكان ال خيرج من بيته إال حلضور ُجعة أو مجاعة‪ ،‬أو إلجابة وليمة‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪174‬‬

‫وله مآثر كثرية برتيم‪ ،‬منها املســجدان املشهوران‪ ،‬أحدُ مها يف طريق تريم‬
‫واآلخر يف طرفها اجلنويب ويسمى مسجدَ‬
‫ُ‬ ‫الشــايل‪ ،‬ويسمى مســجد األبرار‪،‬‬
‫وغرس نخيال‬
‫َ‬ ‫وغري ذلك‪،‬‬
‫ُ‬ ‫النور‪ ،‬وبنى بقرب مســجد النور سبيال ُيمأل دائام‪،‬‬
‫كثري من الفضالء‬ ‫ِ‬
‫كثريا ينتفــع به كثريون من الفقراء وأبناء الســبيل‪ ،‬ومدحه ٌ‬
‫بقصائد َطن ٍ‬
‫ّانة‪.‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫وباجلملــ ُة‪ ،‬فهو عامل ُ ذلــك ال ُقطر وإما ُمه‪ ،‬وكانــت وفاتُه يوم اخلميس‪،‬‬
‫خامس عرش ذي القعدة‪ ،‬ســنة تســع عرشة وألف‪ ،‬وهو ســاجد‪ ،‬يف صالة‬
‫العرص‪ ،‬بعد ت ََو ّع ٍك ٍ‬
‫قليل‪.‬‬

‫خالئــق ال ُي َصون‪ ،‬وص َّلوا عليه‬


‫ُ‬ ‫وار ّجتت ملوته البال ُد‪ ،‬وحرض لتشــييعه‬
‫ُ‬
‫السلطان‬ ‫ُ‬
‫الشيخ زي ُن العابدين‪ ،‬وحرض‬ ‫عشية يوم اجلمعة‪ ،‬صىل عليه إما ًما و ُلده‬
‫تصا‪.‬‬ ‫ِ‬
‫وأتبا ُعه للصالة عليه» ‪ .‬انتهى م ُ ً َ‬
‫(((‬

‫رمحه اهلل تعاىل‪.‬‬

‫((( خالصة األثر يف أعيان القرن احلادي عرش(‪.)50-49/3‬‬


‫‪175‬‬

‫الشيخ عبد اهلل صوفان َ‬


‫الق ُّدومي احلنبلي‬

‫(‪1331 - 1247‬هـ)‬

‫ُ‬
‫تلميذه العالمة‬ ‫الشيخ املحدث الفقيه احلنبيل األثري‪ ،‬النابليس‪ ،‬ترجم له‬
‫َ‬
‫وشيوخه‪ ،‬وأسانيدَ ه‪،‬‬ ‫وأخباره‪،‬‬
‫َ‬ ‫السيد حممد عبد احلي الكتاين(((‪ ،‬وذكر مكانتَه‬
‫وأسوق هنا ترمجته منه‪ ،‬قال رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬

‫ُ‬
‫الشيخ‬ ‫ِ‬
‫احلنابلة باحلجاز والشــام وإما ُمهم‪،‬‬ ‫ُ‬
‫شــيخنا‪ ،‬عامل ُ‬ ‫«القدومي‪ :‬هو‬
‫عبدُ اهلل صوفان بن عودة بن عبد اهلل بن الشــيخ عيســى بن احلاج ســامة‪،‬‬
‫ِ‬
‫وارا‪ ،‬اإلما ُم ا ُمل ّ‬
‫عمر‪ ،‬الفقي ُه‪،‬‬ ‫املدين ج ً‬
‫ّ‬ ‫ال َقدُّ ّ‬
‫ومي‪ ،‬النابليس‪ ،‬احلنبيل األثري مذه ًبا‪،‬‬
‫ُ‬
‫الناسك العابدُ اخلاشع‪.‬‬ ‫الصالح‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫املحدث‪،‬‬

‫ِ‬
‫واالعتناء‬ ‫متسكا بتعاليم السلف‪،‬‬
‫أعلم َمن لقيناه من احلنابلة‪ ،‬وأشــدُّ هم ّ‬
‫ُ‬
‫ِ‬
‫واإلكباب عىل‬ ‫ِ‬
‫واستحضارها بألفاظها‪ ،‬مع االنقطا ِع إىل اهلل‪،‬‬ ‫بحفظ األحاديث‬
‫العلم والعمل به‪.‬‬

‫وشب‬
‫َّ‬ ‫ولد بقرية كَفر ال َقدُّ وم من أعامل نابلس‪ ،‬سنة ‪1247‬هـ‪ ،‬وهبا نشأ‪،‬‬
‫حصل‪ ،‬ثم رجع إىل‬ ‫ِ‬
‫عــى الطاعة والرغبة يف العلم‪ ،‬ثم رحل إىل دمشــق‪ ،‬وهبا ّ‬
‫علم وعمالً‪ ،‬وســكن نابلــس‪ ،‬وانقطع ِّ‬
‫لبث العل ِم إىل أن‬ ‫الوطاب ً‬ ‫وطنه مملو َء ِ‬

‫عطره‪،‬‬
‫األقطار ُ‬
‫َ‬ ‫عــم فيها‬
‫ّ‬ ‫هاجــر للمدينة عام ‪1318‬هـ‪ ،‬وأقام هبا مد ًة مديد ًة‬
‫وأخذ عنه الرحالون‪ ،‬ثم رجع إىل بلده‪ ،‬وهبا مات عام ‪ 1331‬وهو ساجد‪.‬‬

‫((( فهرس الفهارس (‪ ،)941-939/2‬وله ترمجة يف «األعالم» للزركيل (‪.)111/4‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪176‬‬

‫له رحلة صغرية سامها «الرحلة احلجازية‪ ،‬والرياض األُنسية‪ ،‬يف احلوادث‬
‫واملســائل العلمية»‪ ،‬مألها فوائد‪ ،‬وساق فيها مباحث ًة جرت يل معه‪ ،‬وله جزء‬
‫صغري يف أســانيده للصحيح ســمعناه عليه بمكة‪ ،‬وله مــن التصانيف أيض ًا‪:‬‬
‫ُنمى ملذهب أمحــد»‪ ،‬و«هداية الراغب»‬
‫«املنهج األمحــدُ يف َد ْرء املثالب التي ت َ‬
‫ُ‬
‫وغريمها‪.‬‬
‫ُ‬ ‫ترتيب أبواب البخاري‪،‬‬
‫َ‬ ‫ّب‬
‫ُم َرت ٌ‬

‫وعمدتُه يف العلم والرواية‪ :‬الشيخ حسن بن عمر الشطي الدمشقي‪ ،‬إما ُم‬
‫الطائفة احلنبلية بالشام‪ ،‬الزمه بدمشق سنني‪... ،‬‬

‫روي وإفادة‪ ،‬إجاز ًة ُمكاتب ًة من‬


‫كل ما له من َم ٍّ‬ ‫ِ‬
‫املذكور َّ‬ ‫نروي عن القدومي‬
‫كثريا من ثالثيات مسند‬
‫ســمعت عليه ً‬
‫ُ‬ ‫شــفاها بمكة بعد أن‬
‫ً‬ ‫املدينة لفاس‪ ،‬ثم‬
‫أمحد ورباعياته»‪ .‬انتهى باختصار يسري‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬


‫‪177‬‬

‫ك ّ‬
‫نوي‬ ‫عني القضاة احليدر آبادي ّ‬
‫الل ْ‬

‫(‪1343 - 1274‬هـ)‬

‫العامل الصالح الفقيه‪ ،‬من علامء القارة اهلندية‪ ،‬وأحد األجواد األســخياء‪،‬‬
‫خترج يف العلوم عىل العالمة عبد احلي‬
‫واملدرسني الفضالء‪ ،‬خاد ُم القرآن الكريم‪ّ ،‬‬
‫ال ّلك ّ‬
‫ْنوي صاحب املصنفات الشــهرية‪ ،‬ثم تصدر للتدريس واإلفادة مدة يسرية‪،‬‬
‫خرجت مج ًعا من القراء واملدرسني يف علوم القرآن والتجويد‪.‬‬
‫وبنى مدرسة ّ‬

‫ترجم لــه العالمة املؤرخ اهلندي عبد احلي بن فخر الدين احلســني (ت‬
‫‪1341‬هـ) يف كتابه املاتع «نزهة اخلواطــر»(((‪ ،‬فآخذ ترمجته منه عىل اختصار‬
‫وترصف يسري‪.‬‬

‫قال املؤرخ اهلندي رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬

‫«الشــيخ الفاضل‪ ،‬عني القضاة بن حممد وزير بن حممد جعفر احلسيني‪،‬‬


‫احلنفي‪ ،‬احليدر آبادي‪ ،‬ثم اللكهنوي‪ ،‬أحد األفاضل املشهورين‪.‬‬

‫عاصمة ِ‬
‫بالد الدَّ كَن‪ ،‬ســنة أربع وسبعني ومائتني وألف‬ ‫ِ‬ ‫ُولد بحيدر آباد‬
‫‪ -‬كام أخربين هبا والدُ ه ‪ ،-‬واشــتغل بالعلم أيامــ ًا يف بلدته‪ ،‬ثم قدم َلكْهنُؤ(((‪،‬‬
‫وقــرأ بعض الكتب الدَّ ْر ِســ َّية عىل تالمذة العالمة عبد احلــي بن عبد احلليم‬

‫((( «نزهة اخلواطر وهبجة املسامع والنواظر» (‪.)1317-1316/8‬‬


‫((( من غري ن ٍ‬
‫ُطــق للهاء وال للهمزة يف آخره‪ ،‬فهي بفتح الالم‪ ،‬وســكون الكاف‪ ،‬وضم‬
‫النون‪ ،‬وآخره واو‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪178‬‬

‫اللكهنوي(((‪ ،‬ثم تتلمذ عليه‪ ،‬والزمه‪ ،‬وقرأ عليه ســائر الكتب الدَّ ْر ِســ َّية(((‪،‬‬
‫احلك َِم َّية‪ ،‬وصنّف حاشــي ًة بســيط ًة عىل رشح «هداية احلكمة»‬ ‫وبرز يف العلوم ِ‬

‫ال بلكهنؤ‪ ،‬ثم سار إىل بلدة سورت‪ ،‬ثم قدم لكهنؤ‬ ‫ودرس زمان ًا قلي ً‬ ‫ِ‬
‫للم ْي ُبذي‪ّ ،‬‬
‫َ‬
‫ْكي َمَــل‪ ،‬ومعه والده‪،‬‬ ‫وأقام بدار شــيخه عبد احلــي املذكور‪ ،‬عىل جرس َفرن ِ‬
‫َ‬
‫وعكف عىل الدرس واإلفادة‪ ،‬ال يراه أحد إال يف بيته أو يف املسجد‪.‬‬

‫وبعد مدة طويلة سافر إىل احلرمني الرشيفني‪ ،‬وأقام هبام سنتني‪ ،‬ثم قدم لكهنؤ‬

‫وبنــى له والده دار ًا ببلدة لكهنؤ‪ ،‬وهو مل يتــزوج وال ّ‬


‫ترسى(((‪ ،‬ووالده كان يقوم‬
‫ٍ‬
‫وسعي يف مصاحلهم‪.‬‬ ‫بمصاحله مد َة حياته‪ ،‬وهو صاحب بِ ٍّر ومواساة ألصحابه‪،‬‬

‫ُ‬
‫حملوق الرأس‪،‬‬ ‫نقي اللون‪،‬‬
‫ربع القامــة‪ُّ ،‬‬
‫وملبوســه كآحاد الفقهاء‪ ،‬وهو ُ‬
‫ُ‬
‫ُ‬
‫طويل اللحية‪ ،‬يصيل مع الناس يف املسجد ولكنه ال يؤ ُّمهم‪.‬‬

‫((( هــو العالمــة الكبري‪ ،‬والفاضل النحريــر‪ :‬حممد عبد احلي بن حممــد عبد احلليم بن‬
‫أمني اهلل األنصاري اللكهنوي‪ ،‬صاحب املصنفات الشــهرية يف خمتلف العلوم‪ ،‬منها‬
‫يف علــم احلديث‪« :‬التعليق املمجد عىل موطأ حممــد»‪ ،‬و«الرفع والتكميل يف اجلرح‬
‫والتعديل»‪ ،‬و«ظفر األماين يف رشح خمترص الرشيف اجلرجاين»‪ ،‬وغريها‪ ،‬ولد ســنة‬
‫‪1264‬هـ‪ ،‬وتويف ســنة ‪1304‬هـ عن أربعني ســنة‪ ،‬انظر ترمجته يف «نزهة اخلواطر»‬
‫(‪ ،)1270-1268/8‬واألعالم للزركيل (‪.)187/6‬‬
‫((( أي الكتب املعتمدة يف التدريس عند علامء ذلك ال ُقطر يف سائر العلوم العقلية والنقلية‪.‬‬
‫((( وهبــذا يدخل ضمن قائمة «العلامء العزاب»‪ ،‬وتقدم (ص ‪ )156‬يف ترمجة احلافظ ابن‬
‫ا ُمل َظ ّفر (ت‪758‬هـــ)‪ ،‬ويف التعليق (ص ‪ )100‬عند ذكرأيب هــارون األندليس‪ ،‬أن‬
‫العالمة الشيخ عبد الفتاح أبو غدة (ت‪1417‬هـ) رمحه اهلل تعاىل قد صنّف يف ِ‬
‫مجعهم‬
‫وترمجتِهم كتا ًبا‪ ،‬ولكنه مل يذكر فيه صاح َبنا هذا َ‬
‫عني القضاة اللكنوي‪ ،‬ف ُيزاد عليه‪ ،‬مع‬
‫َ‬
‫الشيخ مل َيدَّ ع االستقصاء يف كتابه‪.‬‬ ‫العلم أن‬
‫‪179‬‬

‫ويف ســنة ســبع وعرشين وثالثامئة وألف ســافر مع والده إىل احلرمني‬
‫الرشيفني مرة ثانية‪ ،‬فحج وزار‪.‬‬

‫ورجع إىل بلدة لكهنؤ‪ ،‬وأســس والدُ ه املدرس َة ال ُفرقانية لتدريس القرآن‬
‫قاره‪ ،‬ومات ســنة‬
‫وتعليــم القــراءة والتجويد‪ ،‬وأوقف عليهــا ُعروضه و َع َ‬
‫‪ 1331‬هـ‪ ،‬فقام مقا َمه و ُلده السعيدُ الرشــيدُ حيمل أعبا َء املدرسة‪ ،‬وزاد فيها‬
‫بمقدار كثري‪ ،‬وبنى العامرات العالية للمدرســة‪ ،‬ورتب األســاتذة‪ ،‬ووظف‬
‫الطلبة‪ ،‬حتــى بلغت مصارفه نحو ثالثة ٍ‬
‫آالف شــهري ًة‪ ،‬وهو فقري ال مال له!‬
‫وال يأخــذ عن أحد درمه ًا وال دينار ًا‪ ،‬واهلل أعلم من أين يصل إليه ُ‬
‫املال اخلطري‬
‫كل يو ٍم صباح ًا ومســا ًء لكل من ِيفــد عليه من العرب‬ ‫ِ‬
‫ولإلعطاء َّ‬ ‫ِ‬
‫للمدرســة‬
‫والعجم‪ ،‬فإنه يف إنفاق املال كالريح املرسلة‪.‬‬

‫مئــات من احلفاظ‬
‫ٌ‬ ‫وقد نفع اهلل هبذه املدرســة نفعــ ًا كبري ًا‪ ،‬وخترج منها‬
‫والقراء ا ُمل َج ّوديــن‪ ،‬وانترشوا يف اهلند وما جاورها مــن البالد‪ ،‬ونرشوا علم‬
‫القراءة والتجويد‪َ ،‬‬
‫وخ َّر ُجوا »‪ .‬انتهى‪.‬‬

‫وفاته‪:‬‬

‫ذكر عبد احلي أنه ت ُُويف ســاجد ًا يف الثاين من رجب‪ ،‬سنة ثالث وأربعني‬
‫وثالثامئة وألف‪.‬‬

‫رمحه اهلل تعاىل رمحة واسعة‪.‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪180‬‬

‫ومن النساء العاملات‪:‬‬


‫عا ِتكة بنت احلافظ أبي العالء العطار‬
‫(‪609 - ...‬هـ)‬

‫ِ‬
‫احلافظ أيب العالء احلسن بن أمحد‬ ‫الشــيخة الصاحلة ا ُملحدّ ثة‪ ،‬عاتك ُة ُ‬
‫بنت‬
‫ِ‬
‫العطار‪.‬‬ ‫ذاين‬
‫اهلم ِّ‬
‫احلنبيل َ‬
‫ِّ‬ ‫ابن احلسن بن أمحد‬

‫كان أبوها من كبــار العلامء يف القراءات واحلديــث‪ ،‬فقيها حنبل ًّيا ور ًعا‬
‫عظيم الشــأن يف قلوب الناس وحمبو ًبا‬
‫َ‬ ‫زاهــدً ا‪ُ ،‬مو َّق ًرا عند املوافق واملخالف‪،‬‬
‫مهذان فال يبقى أحدٌ رآه إِ َّل قام ودعا له‪ ،‬حتى‬
‫يمر يف َ‬
‫عندهــم‪« ،‬حتى إنّه كان ّ‬
‫(((‬
‫الصبيان واليهود»!‬

‫ذكورا‬
‫ً‬ ‫حريصا كذلك عىل تعليم أبنائه‬
‫ً‬ ‫وله رحالت يف طلب العلم‪ ،‬وكان‬
‫أيضا‪ ،‬فكلهم تعلم عىل‬‫مصاف العلامء‪ ،‬وامتد حرصه ألحفاده ً‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫وبلوغهم‬ ‫وإناث ًا‬
‫يديه‪ ،‬ورحل هبم معه إىل البلدان لسامع احلديث والعلم‪.‬‬
‫«حافظ ِ‬
‫ومقرئ فاضل‪َ ،‬ح َس ُن‬
‫ٌ‬ ‫متقن‪،‬‬ ‫ٌ‬ ‫ــمعاين فقال‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ذكره َأ ُبو ســعد َّ‬
‫الس‬
‫ِ‬
‫األمر‪ ،‬مريض الطريقة‪ ،‬عزيز النفس‪ ،‬ســخي بام يملكه‪ُ ،‬مكرم‬ ‫الســرة‪ُ ،‬‬
‫مجيل‬ ‫ّ‬
‫للغرباء‪ ،‬يعرف احلديث والقراءات واألدب معرف ًة َح َسنَة»‪ ،‬وكان عىل أحسن‬
‫سرية إىل أن تويف سنة ‪ 569‬هـ رمحه اهلل تعاىل(((‪.‬‬

‫((( التقييد ملعرفة رواة السنن واملسانيد‪ ،‬البن نقطة (ص ‪.)241‬‬


‫((( انظــر بعض ترمجتــه احلافلة يف‪« :‬التقييد ملعرفة رواة الســنن واملســانيد» البن نقطة‬
‫(ص‪ 239‬ومــا بعدها)‪« ،‬تاريخ اإلســام» للذهبي (‪ ،)403/12‬و«ســر أعالم‬
‫النبالء» له (‪.)40/21‬‬
‫‪181‬‬

‫فنشــأت عاتكة عىل هذه النشــأة الكريمة يف بيت العلم والصالح‪ ،‬حتى‬
‫الســنّ َة‪ ،‬يأتيهــا املحدثون والعلامء‬
‫العلم وتنرش ُ‬
‫َ‬ ‫غدت من علامء زماهنا‪ ،‬ت ُب ّث‬
‫ليسمعوا منها حديث النبي ﷺ ومصنفات األئمة‪.‬‬

‫ِ‬
‫«ســم َع ْت من أيب بكر‬ ‫قــال ابن نقطة احلنبيل البغــدادي رمحه اهلل تعاىل‪:‬‬
‫السجســتاين‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫كتاب «الســنن» أليب داود‬
‫هبة اهلل بن الفرج ابن أخت الطويل َ‬
‫وأ ّما كتاب «مــكارم األخالق» أليب بكر بن الل فحدثني إســحاق بن حممد‬
‫بــن املؤيد اهلمذاين أنه رأى ســا َعها يف مجيعه‪ ،... ،‬حدثــت عاتك ُة بالكتاب‬
‫‪ -‬أعني «السنن» ‪ -‬مجي َعه ببغداد‪ ،‬وروت أيضا عن أيب املحاسن نرص بن ا ُملظفر‬
‫السجزي‪ ،‬وعمر بن أمحد الصفار النيسابوري »(((‪.‬‬ ‫ِ‬
‫الربمكي‪ ،‬وعبد األول ِّ‬

‫هبمذان وبغداد‪،‬‬
‫وقــال احلافظ الذهبي رمحه اهلل تعــاىل‪ « :‬وروت الكثري َ‬
‫ِ‬
‫وقدمت عىل ولدها القايض عيل بن عبد الرشيد قايض اجلانب الغريب ببغداد‪،‬‬
‫صحيحا‪ ،‬وهي شيخة صاحلة »(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫وكان سام ُعها‬

‫نشــأت عاتك ُة ابن ًة صاحل ًة طالبة للعلم‪ ،‬فإهنا ر ّبت أوال َدها عىل هذا‬
‫ْ‬ ‫وكام‬
‫األمر حتى غدَ ْوا علام َء حمدثني قضاةً‪ ،‬فابنُها أبو بكر عبد احلميد بن عبد الرشيد‬
‫ابن عيل (ت‪637‬هـ) كان قاضي ًا ببغداد وحمدِّ ث ًا صاحل ًا ورع ًا زاهد ًا (((‪ ،‬وابنُها‬

‫((( «التقييد ملعرفة رواة السنن واملسانيد» (ص‪.)500 :‬‬


‫((( تاريخ اإلسالم (‪.)215/13‬‬
‫((( ترمجته يف تاريخ اإلسالم للذهبي (‪ ،)241/14‬وسري أعالم النبالء (‪)66/23‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪182‬‬

‫اآلخر أبو احلسن عيل بن عبد الرشيد بن عيل (ت‪621‬هـ) توىل القضاء هبمذان‬
‫ُ‬
‫وبغــداد‪ ،‬وكان مقرئ ًا حمدِّ ث ًا (((‪ ،‬وكالمها ســمع يف الصغر من جدّ مها احلافظ‬
‫أيب العالء العطار‪.‬‬

‫ُ‬
‫وفاتها‪:‬‬

‫اهلمذاين‪،‬‬
‫قدمت بغداد مع ابنها القايض أيب احلســن عيل بن عبد الرشيد َ‬
‫فســكنت هبا إىل أن ماتت‪ ،‬وقد تُوفيت فجأ ًة ليلة األحد حادي عرشين رجب‬
‫من سنة تسع وستامئة ببغداد‪ ،‬وهي ساجدة‪ ،‬رمحها اهلل تعاىل(((‪.‬‬

‫((( ترمجته يف تاريخ اإلسالم للذهبي (‪.)675/13‬‬


‫((( انظر التقييد ملعرفة رواة الســنن واملســانيد (ص ‪ ،)500‬وتاريخ اإلســام للذهبي‬
‫(‪.)215/13‬‬
‫‪183‬‬

‫‪ -‬نسأل اهلل تعاىل ُح َ‬


‫سنها ‪-‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪184‬‬
‫‪185‬‬

‫‪ -‬نسأل اهلل تعاىل ُح َ‬


‫سنها ‪-‬‬

‫كثريا طي ًبا مباركًا فيه عىل ما تفضل به من إمتام هذا الكتاب‪،‬‬


‫احلمد هلل محدً ا ً‬
‫سوده عىل خلقه سيدنا‬
‫وصال ًة وسال ًما عىل عبده وحبيبه وأرشف رسله‪ ،‬ومن ّ‬
‫تسليم‪.‬‬
‫ً‬ ‫حممد صىل اهلل عليه وعىل آله وصحبه وسلم‬

‫وبعد هذا التطواف مع العلامء الساجدين‪ ،‬أويص بمتابعة الكتابة والبحث‬


‫يف ِســر العلامء الذين جتمعهم صفة معينة‪ ،‬وتقديمهــم للمجتمع لينهلوا من‬
‫معــن حياهتم‪ ،‬وينتفعوا من علومهم‪ ،‬ومن هذه األبحاث والدارســات التي‬
‫نويص هبا يف هذا املجال‪:‬‬

‫‪ -‬تراجم العلامء الذين توفوا يف الصالة‪.‬‬

‫‪ -‬تراجم علامء الرشيعة من ذوي االكتشافات العلمية واالخرتاعات‪.‬‬

‫السلم املجتمعي ووأد الفتن‬


‫‪ -‬تراجم العلامء الذين كان هلم َدور يف حتقيق ِّ‬
‫وتنمية األوطان‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪186‬‬

‫‪ -‬العلامء من ذوي االحتياجات اخلاصة‪.‬‬

‫ونحوها مــن تراجم العلامء والدراســات التي ترفع مهــة املجتمعات‪،‬‬


‫ُعرف بجوانب مضيئة من حياة علامئنا غابت عن أكثر أهل العرص‪.‬‬
‫وت ّ‬

‫ويف ختام هذه املواعظ الصادقة من ِســر أولئك الســاجدين‪ ،‬والعلامء‬


‫وحســن عبادته‪ ،‬وأن‬
‫العاملني‪ ،‬نســأل اهلل تعاىل أن ُيعيننا عىل ذكره وشــكره ُ‬
‫يتق ّبلنــا و ُيقبِل علينا بمحض منّه وفضله وكرمــه وجوده‪ ،‬وأن جيعلنا يف زمرة‬
‫﴿ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﴾ [الزمر‪.]18:‬‬

‫وصىل اهلل عىل سيدنا حممد وعىل آله وصحبه وسلم تسليام‪.‬‬

‫﴿ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ‬
‫ﰅ ﰆ ﰇ ﰈ ﴾ [الصافات‪.]182-180:‬‬
‫‪187‬‬

‫قائمة املصادر واملراجع‬

‫‪ -1‬إحياء علوم الدين‪ ،‬لإلمام أيب حامد الغزايل (ت‪505‬هـ)‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -2‬أخبار أيب حنيفة وأصحابه‪ ،‬للصيمري (ت‪436‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،2‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1405‬هـ ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫الض ّب ّي ا ُمللقب بـ(وكيــع) (ت‪306‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد‬
‫‪ -3‬أخبار القضاة‪ ،‬أليب بكــر ّ‬
‫العزيــز مصطفى املراغي‪ ،‬ط‪ ،1‬املكتبة التجاريــة الكربى‪ ،‬مرص‪1366 ،‬هـ ‪-‬‬
‫‪1947‬م‪.‬‬
‫‪ -4‬االســتقصا ألخبــار دول املغرب األقــى‪ ،‬ألمحد النــارصي‪ ،‬حتقيق جعفر‬
‫النارصي‪ ،‬دار الكتاب‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪ -5‬االستيعاب يف معرفة األصحاب‪ ،‬البن عبد الرب (ت‪463‬هـ)‪ ،‬حتقيق عىل حممد‬
‫البجاوي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار اجليل‪ ،‬بريوت‪1412 ،‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪َ -6‬أ َســد الغابة يف معرفة الصحابة‪ ،‬البن األثري (ت‪630‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1409‬هـ ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ -7‬اإلصابة يف متييز الصحابة‪ ،‬للحافظ ابن حجر العســقالين (ت‪852‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫عادل أمحد عبد املوجود وعيل حممد معوض‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1415‬هـ‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪188‬‬

‫* اإلعالم بمن يف تاريخ اهلند من األعالم‪ ،‬انظر‪ :‬نزهة اخلواطر وهبجة املسامع‬
‫والنواظر‪.‬‬
‫‪ -8‬إظهــار الكــال يف تتميم مناقب ســبعة رجال‪ ،‬لعباس بن إبراهيم الســماليل‬
‫التعارجي املراكيش‪ ،‬حتقيق إدريس الرشواطي‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬منشورات وزارة‬
‫األوقاف والشؤون اإلسالمية‪ ،‬اململكة املغربية‪1434 ،‬هـ ‪2013 -‬م‪.‬‬
‫‪ -9‬األعالق اخلطرية يف ذكر أمراء الشام واجلزيرة‪ ،‬البن شداد (ت ‪ 684‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -10‬األعالم‪ ،‬خلــر الدين الزركيل (ت‪1396‬هـــ)‪ ،‬ط‪ ،15‬دار العلم للماليني‪،‬‬
‫‪2002‬م‪.‬‬
‫‪ -11‬اإلعالم بتصحيح األعالم‪ ،‬حممد بن عبد اهلل الرشــيد‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار ابن‬
‫حزم‪ ،‬بريوت‪1422 ،‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -12‬أعيان العرص وأعوان النرص‪ ،‬لصالح الديــن الصفدي (ت‪764‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫عيل أبو زيد وآخرين‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الفكر املعارص‪ ،‬بريوت‪1418 ،‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ -13‬إكامل اإلكامل‪ ،‬ملعــن الدين ابن نقطة احلنبيل (ت‪629‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد القيوم‬
‫عبد رب النبي‪ ،‬ط‪ ،1‬نرش جامعة أم القرى‪ ،‬مكة املكرمة‪1410 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -14‬إكامل ا ُمل ْع ِلم بفوائد مسلم‪ ،‬للقايض عياض (ت‪544‬هـ)‪ ،‬حتقيق حييى إسامعيل‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الوفاء للطباعة والنرش‪ ،‬مرص‪1419 ،‬هـ ‪1998 -‬م‪.‬‬
‫‪ -15‬إكامل هتذيب الكامل يف أســاء الرجال‪ ،‬ملغلطاي (ت‪762‬هـ)‪ ،‬حتقيق أبو عبد‬
‫الرمحن عادل بن حممد وأبو حممد أســامة بن إبراهيــم‪ ،‬ط‪ ،1‬الفاروق احلديثة‬
‫للطباعة والنرش‪1422 ،‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -16‬االنتقاء يف فضائل األئمة الثالثة الفقهاء‪ ،‬البن عبد الرب القرطبي(ت‪463‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق عبد الفتاح أبو غدة‪ ،‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪.‬‬
‫‪189‬‬

‫‪ -17‬األنساب‪ ،‬أليب سعد السمعاين (ت‪562‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد الرمحن املعلمي اليامين‬
‫وغريه‪ ،‬ط‪ ،1‬جملس دائرة املعارف العثامنية‪ ،‬حيدر آباد‪1382 ،‬هـ ‪1962 -‬م‪.‬‬
‫ُ‬
‫‪ -18‬البحر املديد يف تفسري القرآن املجيد‪ ،‬ألمحد ابن عجيبة (ت‪1224‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫أمحد عبد اهلل القريش‪ ،‬نرشه د‪ .‬حسن عباس زكي‪ ،‬القاهرة‪1419 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -19‬البخالء‪ ،‬أليب عثامن اجلاحظ (ت‪255‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار ومكتبة اهلالل‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1419‬هـ‪.‬‬
‫‪ -20‬البداية والنهاية‪ ،‬للحافظ ابن كثري (ت‪774‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد اهلل الرتكي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دار هجر‪1418 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫الض ِّب ّي (ت‪599‬هـ)‪،‬‬
‫‪ -21‬بغية امللتمس يف تاريخ رجال أهل األندلس‪ ،‬أليب جعفر َّ‬
‫دار الكتاب العريب‪ ،‬القاهرة‪1967 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -22‬بيــان خطأ البخاري‪ ،‬البن أيب حاتم الرازي (‪327‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد الرمحن بن‬
‫حييى املعلمي اليامين‪ ،‬دائرة املعارف العثامنية‪ ،‬حيدر آباد الدكن‪.‬‬
‫‪ -23‬تاج الرتاجم‪ ،‬لقاســم بن ُقطلوبغا (ت‪879‬هـ)‪ ،‬حتقيــق حممد خري رمضان‬
‫يوسف‪ ،‬ط‪ ،1‬دار القلم‪ ،‬دمشق‪ ،‬ط‪1413 ،1‬هـ‪1992 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -24‬تاج العروس من جواهر القامــوس‪ ،‬للمرتىض الزبيدي (ت‪1205‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫اهلداية‪.‬‬
‫‪ -25‬تاريخ أصبهان‪ ،‬أليب نعيم (ت‪430‬هـ)‪ ،‬حتقيق سيد كرسوي حسن‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1410 ،‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪ -26‬تاريخ اإلسالم ووفيات املشــاهري واألعالم‪ ،‬للحافظ الذهبي (ت‪748‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق بشار عواد معروف‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪2003 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -27‬التاريخ األوسط (املطبوع باسم التاريخ الصغري)‪ ،‬لإلمام البخاري (ت‪256‬هـ)‪،‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪190‬‬

‫حتقيق حممود إبراهيم زايد‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الوعي‪ ،‬حلب‪1397 ،‬هـ ‪1977 -‬م‪.‬‬
‫* التاريخ الصغري للبخاري‪ ،‬انظر‪ :‬التاريخ األوسط‪.‬‬
‫‪ -28‬التاريخ الكبري لإلمام البخاري (ت‪256‬هـــ)‪ ،‬طبعة دائرة املعارف العثامنية‪،‬‬
‫حيدر آباد الدكن‪.‬‬
‫‪ -29‬تاريخ بغداد‪ ،‬للخطيب البغدادي (ت‪463‬هـ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬بشار عواد معروف‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1422 ،‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ -30‬تاريــخ داريا‪ ،‬لعبد اجلبــار اخلوالين (ابن مهنا) (ت‪370‬هـ)‪ ،‬حتقيق ســعيد‬
‫األفغاين‪ ،‬مطبعة الربقي‪ ،‬دمشق‪1369 ،‬هـ ‪1950 -‬م‪.‬‬
‫‪ -31‬تاريخ دمشــق‪ ،‬للحافظ ابن عســاكر (ت‪571‬هـ)‪ ،‬حتقيــق عمرو بن غرامة‬
‫العمروي‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1415 ،‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬املرقبة العليا فيمن يســتحق القضاء‬
‫‪ -32‬تاريخ قضاة األندلس (ويســمى ً‬
‫والفتيا)‪ ،‬أليب احلســن النباهي املالقي األندلــي (ت نحو‪792‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،5‬دار‬
‫اآلفاق اجلديدة‪ ،‬بريوت‪1403 ،‬هـ ‪1983 -‬م‪.‬‬
‫‪ -33‬تبصري املنتبه بتحرير املشــتبه‪ ،‬للحافظ ابن حجر العســقالين (ت‪8520‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق حممد عيل النجار‪ ،‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -34‬تبيني كذب املفرتي فيام نســب إىل اإلمام أيب احلســن األشعري‪ ،‬للحافظ ابن‬
‫عساكر (ت‪571‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪1404 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -35‬التحفة اللطيفة يف تاريخ املدينة الرشيفة‪ ،‬للحافظ الســخاوي (ت‪902‬هـ)‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬املكتبة العلمية‪ ،‬بريوت‪1414 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬
‫‪ -36‬ترتيب املدارك وتقريب املســالك‪ ،‬للقايض عياض (ت‪544‬هـ)‪ ،‬حتقيق ابن‬
‫تاويت الطنجي وآخرون‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة فضالة‪ ،‬املغرب‪1966 ،‬م وبعدها‪.‬‬
‫‪191‬‬

‫‪ -37‬تقريــب التهذيب‪ ،‬للحافظ ابن حجر (ت‪852‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد عوامة‪،‬ط‪،1‬‬


‫دار الرشيد‪ ،‬سوريا‪1406 ،‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ -38‬التكملة لكتاب الصلة‪ ،‬البن األبار البلنيس (ت‪658‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد السالم‬
‫اهلراس‪ ،‬دار الفكر للطباعة‪ ،‬لبنان‪1415 ،‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫‪ -39‬هتذيــب التهذيب‪ ،‬للحافظ ابن حجــر (ت‪852‬هـــ)‪ ،‬ط‪ ،1‬دائرة املعارف‬
‫النظامية باهلند‪1326 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -40‬هتذيب الكامل يف أســاء الرجال‪ ،‬للحافظ املزي (ت‪742‬هـ)‪ ،‬حتقيق بشــار‬
‫عواد معروف‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1400 ،‬هـ ‪1980 -‬م‪.‬‬
‫‪ -41‬الثقات‪ ،‬لإلمام ابن حبان (ت‪354‬هـــ)‪ ،‬ط‪ ،1‬طبعة دائرة املعارف العثامنية‪،‬‬
‫حيدر آباد الدكن‪1393 ،‬هـ ‪1973 -‬م‪.‬‬
‫‪ -42‬جامع العلوم واحلكم يف رشح مخســن حديثا من جوامع الكلم‪ ،‬للحافظ ابن‬
‫رجب احلنبيل (ت‪795‬هـ)‪ ،‬حتقيق شعيب األرناؤوط‪ ،‬ط‪ ،7‬مؤسسة الرسالة‪،‬‬
‫بريوت‪1422 ،‬هـ‪2001 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -43‬جذوة االقتباس يف ذكر َمــن َح َّل ِمن األعالم مدينة فاس‪ ،‬ألمحد ابن القايض‬
‫املكنايس‪ ،‬حتقيق ونرش‪ :‬دار املنصور للطباعة والوراقة‪ ،‬الرباط‪1973 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -44‬اجلرح والتعديل‪ ،‬للحافظ ابن أيب حاتم (ت‪327‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬دار إحياء الرتاث‬
‫العريب‪ ،‬بريوت‪1952 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -45‬اجلواهــر املضية يف طبقات احلنفية‪ ،‬لعبد القادر القريش احلنفي (ت‪775‬هـ)‪،‬‬
‫نرش‪ :‬مري حممد كتب خانه‪ ،‬كراتيش‪.‬‬
‫‪ -46‬حاشية ابن الشــاط عىل الفروق للقرايف (إدرار الرشوق عىل أنوار الفروق)‪،‬‬
‫لقاســم بن عبد اهلل املعروف بابن الشــاط (ت‪723‬هـ)‪ ،‬مطبوع عىل حاشــية‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪192‬‬

‫الفروق‪ ،‬عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬


‫‪ -47‬حاشية الصاوي عىل الرشح الصغري للدردير (بلغة السالك ألقرب املسالك)‪،‬‬
‫ألمحد اخللويت الصاوي املالكي (ت‪1241‬هـــ)‪ ،‬دار املعارف‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫‪ -48‬حلية األولياء وطبقات األصفياء أليب نُعيــم األصبهاين (ت‪430‬هـ)‪ ،‬طبعة‬
‫مكتبة السعادة‪ ،‬مرص‪1394 ،‬هـ ‪1974 -‬م‪.‬‬
‫‪ -49‬خالصــة األثر يف أعيان القــرن احلادي عرش‪ ،‬ملحمد أمــن ا ُمل ِح ّبي احلموي‬
‫(ت‪1111‬هـ)‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -50‬الــدرر الكامنــة يف أعيــان املائــة الثامنة‪ ،‬للحافــظ ابن حجر العســقالين‬
‫(ت‪852‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد عبد املعيد خان‪ ،‬ط‪ ،2‬جملس دائرة املعارف العثامنية‪،‬‬
‫حيدر آباد‪1392 ،‬هـ ‪1972 -‬م‪.‬‬
‫‪ -51‬درة احلجال يف أســاء الرجال‪ ،‬ألمحد ابن القــايض املكنايس‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد‬
‫األمحدي أبو النــور‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬مكتبــة دار الرتاث ‪ -‬القاهــرة‪ ،‬واملكتبة‬
‫العتيقة ‪ -‬تونس‪1391 ،‬هـ ‪1971 -‬م‪.‬‬
‫‪ -52‬الديباج املذهب يف معرفة أعيان علامء املذهب‪ ،‬البن فرحون اليعمري املالكي‬
‫(ت‪799‬هـــ)‪ ،‬حتقيق د‪ .‬حممد األمحدي أبو النــور‪ ،‬دار الرتاث للطبع والنرش‪،‬‬
‫القاهرة‪.‬‬
‫‪ -53‬الذخرية‪ ،‬لإلمــام القرايف املالكي (ت‪684‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد حجي وآخرون‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -54‬ذيل التقييد يف رواة السنن واألسانيد‪ ،‬لتقي الدين املكي الفايس (ت‪832‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫كامل يوسف احلوت‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1410 ،‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬
‫‪193‬‬

‫‪ -55‬ذيل طبقات احلنابلة‪ ،‬للحافظ ابن رجب احلنبيل (‪795‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد الرمحن‬
‫العثيمني‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة العبيكان‪ ،‬الرياض‪1425 ،‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫‪ -56‬رياض النفوس يف طبقات علامء القريوان وإفريقية‪ ،‬أليب بكر حممد بن عبد اهلل‬
‫املالكي‪ ،‬حتقيق بشــر البكوش‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1414‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ -57‬رساج امللوك‪ ،‬للطرطويش (ت‪520‬هـ)‪ ،‬طبعة قديمة تاريخ نرشها ‪1289‬هـ‪-‬‬
‫‪1872‬م‪.‬‬
‫‪ -58‬سنن أيب داود‪ ،‬لإلمام أيب داود‪ :‬سليامن بن األشعث السجستاين (ت‪275‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق شــعيب األرنــاؤوط وآخرون‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الرســالة العامليــة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1430‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫‪ -59‬ســنن ابــن ماجه‪ ،‬لإلمام ابــن ماجــه القزويني (‪273‬هـ)‪ ،‬حتقيق شــعيب‬
‫األرناؤوط وآخرون‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الرسالة العاملية‪ ،‬بريوت‪1430 ،‬هـ ‪2009 -‬م‪.‬‬
‫‪ -60‬السنن النسائي الصغرى‪ ،‬لإلمام النسائي (ت‪303‬هـ)‪ ،‬باعتناء عبد الفتاح أبو‬
‫غدة‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتب املطبوعات اإلسالمية‪ ،‬حلب‪1406 ،‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ -61‬ســر أعالم النبالء‪ ،‬للحافظ الذهبي (ت‪748‬هـ)‪ ،‬حتقيق شعيب األرناؤوط‬
‫وآخرين‪ ،‬ط‪ ،3‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ ‪1985 -‬م‪.‬‬
‫‪ -62‬شجرة النور الزكية يف طبقات املالكية‪ ،‬ملحمد خملوف (ت‪1360‬هـ)‪ ،‬بتعليق‬
‫عبد املجيد خيايل‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬لبنان‪1424 ،‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪ -63‬شذرات الذهب يف أخبار من ذهب‪ ،‬البن العامد احلنبيل (ت‪1089‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫حممود األرناؤوط‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ابن كثري‪ ،‬دمشق‪1406 ،‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ -64‬رشح الطيبي عىل مشكاة املصابيح (الكاشف عن حقائق السنن)‪ ،‬رشف الدين‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪194‬‬

‫الطيبي (ت‪743‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد احلميد هنــداوي‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة نزار مصطفى‬
‫الباز‪ ،‬مكة املكرمة‪1417 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -65‬الرشح الكبري عىل خمتــر خليل‪ ،‬لإلمام الدردير (ت‪1201‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪،‬‬
‫بريوت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -66‬رشح النووي عىل مســلم (املنهاج رشح صحيح مسلم بن احلجاج)‪ ،‬لإلمام‬
‫النووي (ت‪676‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار إحياء الرتاث العريب‪ ،‬بريوت‪1392 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -67‬رشح صحيح البخاري‪ ،‬البن بطال املالكــي (ت‪449‬هـ)‪ ،‬حتقيق «أبو متيم»‬
‫يارس بن إبراهيم‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة الرشد‪ ،‬الرياض‪1423 ،‬هـ ‪2003 -‬م‪.‬‬
‫‪ -68‬رشح خمترص خليل‪ ،‬للخريش (ت‪1101‬هـــ)‪ ،‬دار الفكر للطباعة‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -69‬صحيح ابن حبان برتتيب ابن ُبلبان (اإلحسان يف تقريب صحيح ابن حبان)‪،‬‬
‫لإلمام ابن حبان البستي (ت‪354‬هـ)‪ ،‬حتقيق شعيب الرناؤوط‪ ،‬ط‪ ،1‬مؤسسة‬
‫الرسالة‪ ،‬بريوت‪1408 ،‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬
‫‪ -70‬صحيــح البخــاري (اجلامع الصحيح املســند املخترص)‪ ،‬لإلمــام البخاري‬
‫(ت‪256‬هـ)‪ ،‬بــإرشاف حممد زهري بن نارص النــارص‪ ،‬ط‪ ،1‬دار طوق النجاة‬
‫(مصورة عن النسخة السلطانية)‪1422 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -71‬صحيح مســلم (املســند الصحيح املخترص)‪ ،‬لإلمام مســلم بــن احلجاج‬
‫النيســابوري (ت‪261‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد فؤاد عبد الباقــي‪ ،‬دار إحياء الرتاث‪،‬‬
‫بريوت‪.‬‬
‫‪ -72‬الصلة يف تاريخ أئمة األندلس‪ ،‬أليب القاسم ابن بشكوال (ت‪578‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫السيد عزت العطار احلسيني‪ ،‬ط‪ ،2‬مكتبة اخلانجي‪1374 ،‬هـ ‪1955 -‬م‪.‬‬
‫‪195‬‬

‫‪ -73‬الضعفاء الكبري‪ ،‬للعقييل (ت ‪322‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد املعطي أمني قلعجي‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1404 ،‬هـ ‪1984 -‬م‪.‬‬
‫‪ -74‬الضوء الالمع ألهل القرن التاســع‪ ،‬للحافظ الســخاوي (ت‪902‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫مكتبة احلياة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -75‬الطالع السعيد اجلامع أسامء نجباء الصعيد‪ ،‬لكامل الدين األدفوي (ت‪748‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق سعد حممد حسن‪ ،‬الدار املرصية للتأليف والرتمجة‪1966 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -76‬طبقات احلنابلة‪ ،‬البن أيب يعىل احلنبيل (ت‪526‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد حامد الفقي‪،‬‬
‫دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -77‬طبقات الشــافعية الكربى‪ ،‬لتاج الدين الســبكي (ت‪771‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممود‬
‫الطناحي وعبد الفتاح حممد احللو‪ ،‬ط‪ ،2‬هجر للطباعة والنرش والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -78‬الطبقات الكربى ملحمد بن ســعد (ت‪230‬هـ)‪ ،‬حتقيق إحسان عباس‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫دار صادر‪ ،‬بريوت‪1968 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -79‬طبقــات املحدثــن بأصبهــان والواردين عليهــا‪ ،‬أليب الشــيخ األصبهاين‬
‫(ت‪369‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبد الغفور عبد احلق البلويش‪ ،‬ط‪ ،2‬مؤسســة الرسالة‪،‬‬
‫‪1412‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ -80‬العرب يف خرب من غرب‪ ،‬للحافظ الذهبي (ت‪748‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد الســعيد بن‬
‫بسيوين‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫‪ -81‬غاية النهاية يف طبقات القراء‪ ،‬لإلمام شمس الدين ابن اجلزري (ت‪833‬هـ)‪،‬‬
‫مكتبة ابن تيمية‪.‬‬
‫‪ -82‬فتح الباري برشح البخاري‪ ،‬للحافظ ابن حجر (ت‪852‬هـ)‪ ،‬تصحيح حمب‬
‫الدين اخلطيب‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1379 ،‬هـ‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪196‬‬

‫‪ -83‬فتح القدير‪ ،‬للكامل ابن اهلُامم احلنفي (ت‪861‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون‬
‫تاريخ‪.‬‬
‫‪ -84‬الفروق (أنوار الربوق يف أنواء الفروق)‪ ،‬لإلمام القرايف املالكي (ت‪684‬هـ)‪،‬‬
‫عامل الكتب‪ ،‬بريوت‪ ،‬بدون تاريخ‪.‬‬
‫‪ -85‬فهرس الفهارس واألثبــات‪ ،‬ملحمد عبد احلي الكتاين (ت‪1382‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫إحسان عباس‪ ،‬ط‪ ،2‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1982 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -86‬الفواكه الدواين عىل رســالة ابن أيب زيد القريواين‪ ،‬ألمحــد النفراوي املالكي‬
‫(ت‪1126‬هـ)‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬بريوت‪1415 ،‬هـ ‪1995 -‬م‪.‬‬
‫للمنــاوي (ت‪1031‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬املكتبة‬
‫‪ -87‬فيــض القدير برشح اجلامع الصغري‪ُ ،‬‬
‫التجارية الكربى‪ ،‬مرص‪1356 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -88‬القاموس املحيط‪ ،‬ملجد الدين الفريوز آبادي (ت‪817‬هـ)‪ ،‬أرشف عىل حتقيقه‬
‫حممد نعيم العرقسويس‪ ،‬ط‪ ،8‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1426 ،‬هـ ‪2005 -‬م‪.‬‬
‫* الكاشف عن حقائق السنن‪ ،‬انظر‪ :‬رشح الطيبي عىل مشكاة املصابيح‪.‬‬
‫‪ -89‬الكاشف يف معرفة من له رواية يف الكتب الستة‪ ،‬للحافظ الذهبي (ت‪748‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيق حممد عوامة وأمحد حممد نمر اخلطيب‪ ،‬ط‪ ،1‬دار القبلة للثقافة اإلسالمية‪،‬‬
‫‪1413‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ -90‬الكامل يف التاريخ‪ ،‬البن األثري (ت‪630‬هـ)‪ ،‬حتقيق عمر عبد السالم تدمري‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار الكتاب العريب‪ ،‬بريوت‪1417 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪ -91‬الكامل يف ضعفاء الرجال‪ ،‬للحافظ ابن عدي اجلرجاين (ت‪365‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫عادل أمحد عبد املوجود وعيل حممد معوض‪،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1418‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫‪197‬‬

‫‪ -92‬كفاية املحتــاج ملعرفة من ليس يف الديباج‪ ،‬ألمحد بابا التنبكتي‪ ،‬حتقيق عبد اهلل‬
‫الكندري‪ ،‬الطبعة األوىل‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬لبنان‪1422 ،‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬
‫‪ -93‬الكناش‪ ،‬للشــيخ أمحد زروق‪ ،‬حتقيق د‪ .‬عيل فهمي خشــيم‪ ،‬املنشأة الشعبية‬
‫للنرش والتوزيع واإلعالن‪ ،‬ليبيا ‪ -‬مرصاته‪1980 ،‬م‪.‬‬
‫‪ -94‬لسان العرب‪ ،‬البن منظور (ت‪711‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،3‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪1414 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -95‬لســان امليزان‪ ،‬للحافظ ابن حجر (ت‪852‬هـــ)‪ ،‬حتقيق عبد الفتاح أبو غدة‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار البشائر اإلسالمية‪ ،‬بريوت‪2002 ،‬م‪.‬‬
‫* املجتبى من السنن‪ ،‬انظر‪ :‬سنن النسائي الصغرى‪.‬‬
‫‪ -96‬جممع الزوائد ومنبع الفوائد‪ ،‬لنور الدين اهليثمي (ت‪807‬هـ)‪ ،‬حتقيق حســام‬
‫الدين القديس‪ ،‬مكتبة القديس‪ ،‬القاهرة‪1414 ،‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬
‫‪ -97‬املحترضين‪ ،‬البن أيب الدنيا (ت‪281‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد خري رمضان يوســف‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬دار ابن حزم‪ ،‬بريوت‪1417 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬
‫* املرقبة العليا فيمن يستحق القضاء والفتيا‪ ،‬انظر‪ :‬تاريخ قضاة األندلس‪.‬‬
‫‪ -98‬املسند لإلمام أمحد بن حنبل (ت‪241‬هـ)‪ ،‬حتقيق شعيب األرناؤوط وآخرون‪،‬‬
‫ط‪ ،1‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬بريوت‪1421 ،‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬
‫‪ -99‬مشــاهري علامء األمصار وأعالم فقهــاء األقطار‪ ،‬لإلمام ابن حبان البســتي‬
‫(ت‪354‬هـــ)‪ ،‬حتقيق مرزوق عيل إبراهيــم‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الوفاء للطباعة والنرش‪،‬‬
‫املنصورة‪1411 ،‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬
‫‪ -100‬املطرب من أشــعار أهل املغرب‪ ،‬لعمر بن ُحسني الشهري بابن دحية الكلبي‬
‫(ت‪633‬هـ)‪ ،‬حتقيق إبراهيــم األبياري وآخرون‪ ،‬دار العلم للجميع‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1374‬هـ ‪1955 -‬م‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪198‬‬

‫‪ -101‬معامل اإليامن يف معرفة أهل القريوان‪ ،‬أليب زيد عبد الرمحن بن حممد الدَّ ّباغ‪،‬‬
‫حتقيق د‪ .‬حممد األمحدي أبو النور وحممد ماضور‪ ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬املكتبة العتيقة‪،‬‬
‫تونس‪1413 ،‬هـ ‪1993 -‬م‪.‬‬

‫‪ -102‬معجم البلدان‪ ،‬لياقوت احلمــوي (ت‪626‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،2‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪،‬‬


‫‪1995‬م‪.‬‬

‫الســلفي (ت‪576‬هـ)‪ ،‬حتقيق عبــد اهلل عمر‬


‫‪ -103‬معجــم الســفر‪ ،‬أليب طاهر ِّ‬
‫البارودي‪ ،‬املكتبة التجارية‪ ،‬مكة املكرمة‪.‬‬

‫‪ -104‬معجم الشــيوخ الكبري‪ ،‬للحافظ الذهبي (ت‪748‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد احلبيب‬


‫اهليلة‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الصديق‪ ،‬الطائف‪1408 ،‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬

‫‪ -105‬معجم الشيوخ‪ ،‬لتاج الدين السبكي (ت‪771‬هـ)‪ ،‬حتقيق بشار عواد معروف‬
‫وآخرين‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪2004 ،‬م‪.‬‬

‫‪ -106‬املعجم الكبري‪ ،‬للطرباين (ت‪360‬هـ)‪ ،‬حتقيق محدي بن عبد املجيد السلفي‪،‬‬


‫ط‪ ،2‬مكتبة ابن تيمية‪ ،‬القاهرة‪.‬‬

‫‪ -107‬املعجم املختــص باملحدثني‪ ،‬للحافظ الذهبــي (ت‪748‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد‬


‫احلبيب اهليلة‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة الصديق‪ ،‬الطائف‪1408 ،‬هـ ‪1988 -‬م‪.‬‬

‫‪ -108‬معرفة القراء الكبار عىل الطبقات واألعصار‪ ،‬للحافظ الذهبي (ت‪748‬هـ)‪،‬‬


‫ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪1417 ،‬هـ ‪1997 -‬م‪.‬‬

‫‪ -109‬معرفة أنــواع علوم احلديث (مقدمة ابن الصــاح)‪ ،‬للحافظ ابن الصالح‬
‫الشــهرزوري (ت‪643‬هـــ)‪ ،‬حتقيق نــور الدين عــر‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ســوريا‪،‬‬
‫‪1406‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪199‬‬

‫‪ -110‬املغازي‪ ،‬ملحمد بن عمر الواقدي (ت‪207‬هـ)‪ ،‬حتقيق مارســدن جونس‪،‬‬


‫ط‪ ،3‬دار األعلمي‪ ،‬بريوت‪1409 ،‬هـ ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ -111‬مغاين األخيار يف رشح أســامي رجــال معاين اآلثار‪ ،‬لبــدر الدين العيني‬
‫(ت‪855‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد حســن حممد حســن إســاعيل‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب‬
‫العلمية‪ ،‬بريوت‪1427 ،‬هـ ‪2006 -‬م‪.‬‬
‫‪ -112‬مقاتــل الطالبيني‪ ،‬أليب الفرج األصبهاين (ت‪356‬هـ)‪ ،‬حتقيق الســيد أمحد‬
‫صقر‪ ،‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪.‬‬
‫* مقدمة ابن الصالح‪ ،‬انظر‪ :‬معرفة أنواع علوم احلديث‪.‬‬
‫‪ -113‬املنتظــم يف تاريخ األمم وامللوك‪ ،‬البن اجلــوزي (ت‪597‬هـ)‪ ،‬حتقيق حممد‬
‫عبد القادر عطا ومصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪،‬‬
‫‪1412‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ -114‬منح اجلليــل رشح خمترص خليل‪ ،‬ملحمد عليش املالكي (ت‪1299‬هـ)‪ ،‬دار‬
‫الفكر‪ ،‬بريوت‪1409 ،‬هـ ‪1989 -‬م‪.‬‬
‫‪ -115‬مواهــب اجلليــل يف رشح خمترص خليــل‪ ،‬للحطــاب الرعينــي املالكي‬
‫(ت‪954‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،3‬دار الفكر‪1412 ،‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬
‫‪ -116‬املؤتلف واملختلف‪ ،‬لإلمام الدارقطني (ت‪385‬هـ)‪ ،‬حتقيق موفق بن عبد اهلل‬
‫ابن عبد القادر‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الغرب اإلسالمي‪ ،‬بريوت‪1406 ،‬هـ ‪1986 -‬م‪.‬‬
‫‪ -117‬موسوعة اإلدارة العربية اإلسالمية‪ ،‬جمموعة من املؤلفني‪ ،‬أصدرهتا املنظمة‬
‫العربية للتنمية اإلدارية ‪ -‬جامعة الدول العربية‪ ،‬القاهرة ‪ -‬مرص‪ ،‬الشــارقة ‪-‬‬
‫دولة اإلمارات‪1424 ،‬هـ ‪2004 -‬م‪.‬‬
‫‪ -118‬ميزان االعتدال يف نقــد الرجال‪ ،‬للحافظ الذهبي (ت‪748‬هـ)‪ ،‬حتقيق عيل‬
‫حممد البجاوي‪ ،‬ط‪ ،1‬دار املعرفة‪ ،‬بريوت‪1382 ،‬هـ ‪1963 -‬م‪.‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪200‬‬

‫‪ -119‬نزهة اخلواطر وهبجة املســامع والنواظر (و ُيســمى‪ :‬اإلعالم بمن يف تاريخ‬


‫اهلند من األعالم)‪ ،‬لعبد احلي احلســني الطالبي (ت‪1341‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬دار ابن‬
‫حزم‪ ،‬بريوت‪1420 ،‬هـ ‪1999 -‬م‪.‬‬
‫‪ -120‬نَكــت ِ‬
‫اهل ْميان يف نُكــت العميان‪ ،‬لصالح الديــن الصفدي (ت‪764‬هـ)‪،‬‬
‫حتقيــق مصطفى عبد القادر عطا‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1428 ،‬هـ‬
‫‪2007 -‬م‪.‬‬
‫‪ -121‬هناية األرب يف فنون األدب‪ ،‬لشهاب الدين النويري (ت‪733‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬دار‬
‫الكتب والوثائق القومية‪ ،‬القاهرة‪1423 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -122‬النهاية يف غريب احلديث واألثر‪ ،‬البن األثري (ت‪606‬هـ)‪ ،‬حتقيق طاهر أمحد‬
‫الزاوي وحممود الطناحي‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1399 ،‬هـ ‪1979 -‬م‪.‬‬
‫‪ -123‬النور الســافر عن أخبار القــرن العارش‪ ،‬عبد القادر بن شــيخ العيدروس‬
‫(ت‪1038‬هـ)‪ ،‬ط‪ ،1‬دار الكتب العلمية‪ ،‬بريوت‪1405 ،‬هـ‪.‬‬
‫‪ -124‬نيل االبتهاج بتطريز الديباج‪ ،‬ألمحد بابا التنبكتي‪ ،‬حتقيق عبد احلميد عبد اهلل‬
‫اهلرامة‪ ،‬منشــورات كلية الدعوة اإلســامية بليبيا‪ ،‬طرابلس‪ ،‬الطبعة األوىل‪،‬‬
‫‪1989‬م‪.‬‬
‫‪ -125‬الــوايف بالوفيات‪ ،‬لصــاح الدين الصفــدي (ت‪764‬هـــ)‪ ،‬حتقيق أمحد‬
‫األرناؤوط وتركي مصطفى‪ ،‬دار إحياء الرتاث‪ ،‬بريوت‪1420 ،‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬
‫‪ -126‬وفيــات األعيان وأنباء أبنــاء الزمان‪ ،‬البن خلــكان (ت ‪681‬هـ)‪ ،‬حتقيق‬
‫إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬بريوت‪1994 ،‬م‪.‬‬
‫‪201‬‬ ‫حمتويات الكتاب‬

‫ص‬ ‫املوضــــــــوع‬

‫‪5‬‬ ‫‪............................................................................‬‬ ‫افتتاحية‬


‫‪7‬‬ ‫املقدمة ‪..............................................................................‬‬

‫‪13‬‬ ‫الفصل األول‪ :‬بيان معنى ُحسن اخلامتة وسوئها وأسباهبام‬


‫‪17‬‬ ‫ِ ِ‬
‫وسوء اخلاتة ‪........................‬‬
‫ِ‬ ‫بيان معنى ُح ِ‬
‫املبحث األول‪ُ :‬‬
‫سن اخلاتة ُ‬
‫‪18‬‬ ‫‪ -‬استحباب حتسني الظن باهلل تعاىل عند املوت ‪..........................‬‬

‫‪21‬‬ ‫وأسبابام ‪..............‬‬


‫ِ‬ ‫مراتب ُح ِ‬
‫سن اخلامتة وسوء اخلامتة‬ ‫املبحث الثاين‪:‬‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫‪22‬‬ ‫‪ -‬مراتب حسن اخلامتة ‪...................................................‬‬

‫‪25‬‬ ‫‪ -‬أسباب سوء اخلامتة ‪....................................................‬‬

‫‪28‬‬ ‫اخلامتة ‪..................................................‬‬ ‫‪ -‬أسباب ُحسن‬


‫‪29‬‬ ‫املبحث الثالث‪ :‬أحكام ُمتفرقة تتعلق باخلواتيم وا ُملحترضين ‪.............‬‬

‫‪41‬‬ ‫الفصل الثاين‪ :‬تراجم من تُويف وهو ساجد من العلامء‬


‫‪43‬‬ ‫‪ -‬متهيد يف فضل السجود ‪.......................................................‬‬

‫‪49‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬أبو ثعلبة اخلُ َشن ُّي ريض اهلل تعاىل عنه ‪......................................‬‬

‫‪57‬‬ ‫‪ -‬موسى بن أيب موسى األشعري ‪.............................................‬‬

‫‪60‬‬ ‫‪ -‬جماهد بن جرب ‪..................................................................‬‬

‫‪64‬‬ ‫‪ -‬جعفر بن إياس ‪.................................................................‬‬

‫‪66‬‬ ‫‪ -‬صفوان بن ُس َل ْيم ‪...............................................................‬‬

‫‪75‬‬ ‫السلمي ‪.........................................................‬‬


‫‪ -‬عمر بن عامر ُّ‬
‫‪77‬‬ ‫‪ -‬عيل بن احلســن بن احلسن بن احلسن بن عيل بن أيب طالب اهلاشمي‬
‫‪80‬‬ ‫‪ -‬موسى الصغري ‪.................................................................‬‬
‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪202‬‬

‫ص‬ ‫املوضــــــــوع‬

‫‪82‬‬ ‫‪ -‬اإلمام أبو حنيفة ‪................................................................‬‬

‫‪91‬‬ ‫‪ -‬عبد العزيز بن أيب حازم ‪.......................................................‬‬

‫‪94‬‬ ‫السويس ‪......................................................‬‬


‫‪ -‬حممد بن عمرو ُّ‬
‫‪96‬‬ ‫‪ -‬أبو عقال‪ُ ،‬علوان بن احلسن ‪.................................................‬‬
‫ِ‬

‫‪112‬‬ ‫‪ -‬يعقوب بن إبراهيم ال َب ْ‬


‫خرتي ‪.................................................‬‬

‫‪114‬‬ ‫‪ -‬أبو الفضل احلاكم الشهيد ‪....................................................‬‬

‫‪118‬‬ ‫‪ -‬عيل بن حممد الطويس ‪.........................................................‬‬

‫‪120‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬أبو بكر الباط ْرقاين ا ُملقرئ ‪....................................................‬‬

‫‪122‬‬ ‫‪ -‬جعفر بن احلسن الدَّ ْر ِزجياين ‪.................................................‬‬

‫‪124‬‬ ‫ّ‬
‫الصقل ‪....................................‬‬ ‫‪ -‬عبد الرمحن بن يوسف بن خري‬
‫‪125‬‬ ‫‪ -‬أبو بكر ا َمل ْز َريف ‪..................................................................‬‬

‫‪127‬‬ ‫‪ -‬القايض أبو عبد اهلل ابن احلاج القرطبي ‪....................................‬‬

‫‪130‬‬ ‫الس َلمي الشافعي ‪..............................‬‬


‫املس َّلم أبو احلسن ُّ‬
‫‪ -‬عيل بن َ‬
‫‪134‬‬ ‫ن ُق ْر ُقول ‪......................................................................‬‬
‫‪ -‬اب ُ‬
‫‪138‬‬ ‫‪ -‬سعد بن عثامن املرصي ‪........................................................‬‬

‫‪141‬‬ ‫‪ -‬قايض العسكر‪ ،‬ابن األبيض احللبي ‪........................................‬‬

‫‪144‬‬ ‫‪ -‬كامل الدين ابن مهاجر ‪........................................................‬‬

‫‪146‬‬ ‫‪ -‬ضياء الدين القرطبي ‪..........................................................‬‬

‫‪150‬‬ ‫‪ -‬كامل الدين الرصــايف ‪........................................................‬‬

‫‪152‬‬ ‫‪ -‬موسى بن عيل الزرزاري ‪.....................................................‬‬

‫‪155‬‬ ‫‪ -‬أمحد بن مظفر النابليس ثم الدمشقي ‪.......................................‬‬


‫‪203‬‬ ‫حمتويات الكتاب‬

‫ص‬ ‫املوضــــــــوع‬

‫‪158‬‬ ‫‪ -‬الرشيف عيل بن احلســن العــواين ‪.......................................‬‬

‫‪161‬‬ ‫‪ -‬عبد الرمحن بن عبد العزيز النويري املالكي ‪...............................‬‬

‫‪163‬‬ ‫الشافعي ‪..............................................‬‬


‫ّ‬ ‫‪ -‬حممد بن أمحد البدري‬
‫‪166‬‬ ‫‪ -‬حممد بن سليامن اجلزويل ‪......................................................‬‬

‫‪172‬‬ ‫‪ -‬عبد اهلل بن شيخ العيدروس ‪.................................................‬‬

‫‪175‬‬ ‫‪ -‬عبد اهلل صوفان ال َقدُّ ومي احلنبيل ‪............................................‬‬

‫‪177‬‬ ‫‪ -‬عني القضاة احليدر آبادي اللكنوي ‪.........................................‬‬

‫‪180‬‬ ‫ِ‬
‫‪ -‬ومن النساء العاملات‪ :‬عاتكة بنت احلافظ أيب العالء العطار ‪.............‬‬

‫‪183‬‬ ‫اخلامتـــــة ‪ -‬نسأل اهلل ُحسنها ‪.............................................. -‬‬

‫‪187‬‬ ‫قائمة املصادر واملراجــع ‪........................................................‬‬

‫‪201‬‬ ‫فهرس املحتويات ‪................................................................‬‬


‫من تويف من العلماء وهو ساجد‬ ‫‪204‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

‫‪................................................................................................................‬‬

You might also like