Professional Documents
Culture Documents
2014467247939734associations Morocco Tunisia
2014467247939734associations Morocco Tunisia
6أبريل/نيسان 4102
Al Jazeera Centre for Studies
Tel: +974-44663454
jcforstudies@aljazeera.net
http://studies.aljazeera.net
(الجزيرة)
ملخص
تتسم العالقات بين المجتمع المدني في المغرب والمؤسسة الملكية بنوع من "األبوية" التي تسعى إلى إضفاء طابع سلمي يقبل
باإلصالح السياسي الداخلي غير الراديكالي وهو ما جعل أغلب الجمعيات تتخندق ضمن الرؤية الملكية االحتوائية للمطالب
واالستراتيجيات ،وهذه العالقة هي ذاتها التي ميزت العالقة بين المؤسسة الملكية واألحزاب المغربية .وتملك الخبرة المغربية في
العمل الجمعياتي رصيدا نضالي ًا وتاريخي ًا مهما ،حيث أبان هؤالء الفاعلون الجدد عن قدرتهم في اإلسهام بكيفية ملموسة ،وفعالة في
المجهود التنموي ،وفي دمقرطة النقاش العمومي بالبالد.
وفي الوقت نفسه استطاع المجتمع المدني التونسي أن ينفرد بخاصية النجاعة في األداء التنظيمي رغم جميع المحاوالت السلطوية
لتدجينه أو االستحواذ عليه عبر عشرات السنين ،وفي اليوم الذي فر فيه بن علي من تونس تارك ًا البالد بعد حكم دام ربع قرن تقريب ًا
كانت هناك أكثر من 0611جمعية ،بما فيها المنظمات غير الربحية مثل الجمعيات الخيرية واألندية الرياضية وغيرها تتوزع في
مختلف المناطق التونسية.
تتسم العالقات بين المجتمع المدني في المغرب والمؤسسة الملكية بنوع من "األبوية" التي تسعى إلى إضفاء طابع سلمي
يقبل باإلصالح السياسي الداخلي غير الراديكالي وهو ما جعل أغلب الجمعيات تتخندق ضمن الرؤية الملكية االحتوائية
للمطالب واالستراتيجيات ،وهذه العالقة هي ذاتها التي ميزت العالقة بين المؤسسة الملكية واألحزاب المغربية.
تملك الخبرة المغربية في العمل الجمعياتي رصيدا نضاليا ً وتاريخيا ً مهما ،عرف المغرب صعودا معتبرا للفاعلين غير
الحكوميين وغير المتحزبين في قلب الحياة الجمعوية خالل الثمانينيات وبشكل أوضح في التسعينات من القرن الماضي،
2
حيث أبان هؤالء الفاعلون الجدد عن قدرتهم في اإلسهام بكيفية ملموسة ،وفعالة في المجهود التنموي ،وفي دمقرطة النقاش
العمومي بالبالد)0(.
تميز الفعل الجمعوي بالمغرب إبان السبعينات من القرن الماضي بالصراع والمواجهة بينه وبين السلطة ،وقد كانت البداية
األولى ذات طابع حقوقي ،وقد استعرض الباحث توفيق بوعشرين هذه المحطات في ثالثة مواقف طبعت تعامل السلطة مع
فعاليات المجتمع المدني:
أ -المواجهة :وقد امتدت هذه المرحلة هذه من بداية السبعينات إلى أواسط الثمانينات وتميزت باالصطدام المباشر
مع ما كان يشكل أنوية مجتمع مدني فتي وناشئ والذي كان في غالبه على صلة بهذه الدرجة أو تلك مع األحزاب
السياسية المعارضة وخاصة اليسارية.
ب -المنافسة :حيث انتبهت السلطة في أواسط الثمانينات إلى االهتمام المتزايد بمؤسسات المجتمع المدني ،ومن ثم
عمدت إ لى خلق عدة جمعيات ترفع نفس أهداف وشعارات باقي مؤسسات المجتمع المدني الحرة .وأمدتها بجميع
اإلمكانات المادية وجعلت على رأسها أعيان السلطة والمال حتى تقوي نفوذها في المجتمع (مثل جمعية أبي
رقراق ،جمعية اإلسماعلية ،جمعية إليغ ،جمعية أنكاد جمعية المحيط) والمالحظ أن هذه الجمعيات أصبحت
أنشطتها تغطي كافة جهات المغرب ،بل وأصبحت غطاء للكثير من األنشطة السياسية الرسمية.
ت -االحتواء :مع مطلع التسعينات تغيرت إستراتيجية الدولة اتجاه المجتمع المدني ،بعد أن عجزت عن القضاء عليه
بالمرة أو منافسته بشكل كبير ،وبذلك اتجهت إلى احتوائه وتوظيف مؤسساته وموقعها في المجتمع ،وهكذا بدأ
الحديث عن إشراكه في إعداد البرامج الحكومية وتدبير المرافق وتوسيع حضوره ورموزه في األنشطة الرسمية
ووسائل اإلعالم.
ويشير الباحث المغربي رشيد جرموني بأن هذا االنفتاح لم يأت في سياق طبيعي يؤشر على بداية إيمان الدولة في قدرة
مؤسسات المجتمع المدني على المساهمة في تدبير الشأن العام ،بل جاء في سياق العجز أوال في التصدي للمشاكل الكبرى
التي بدأ يعرفها مغرب التسعينات والتي شكلت ثمرة مباشرة لنتائج التقويمات الهيكلية لسنوات الثمانينات ،ومن ثم فإشراك
هذه المؤسسات كان ي رمي إلى محاولة المتصاص الغضب الشعبي من اختيارات الدولة ،ثم ثانيا جاء هذا االنفتاح
االضطراري بعد بروز اتجاه لدى الدول الغربية والمنظمات الغير الحكومية العالمية ،يفضل التعامل مع المؤسسات
المجتمع المدني المستقلة على التعامل مع المؤسسات واألجهزة الرسمية لمحدودية فعالية هذه األخيرة ،والعتقاد من قبل
المنظمات والدول الغربية مفاده أن أجهزة الدولة في المغرب والعالم الثالث ال تمثل تمثيال أمينا مصالح وتطلعات ومشاكل
المجتمع المدني ،ومن ثم فوصول هذه الجهات إلى أهدافها وهي ليس كلها بريئة يمر بالضرورة على قنوات مؤسسات
المجتمع المدني.
في السداسي األول سنة 4104كشف الحبيب الشوباني الوزير المكلف بالعالقات مع البرلمان والمجتمع المدني بالمغرب
أنه من أصل 01ألف جمعية محلية وجهوية ووطنية ،توجه أقل من %01منها يحصل على أكثر من %01من أصل
تسعة مليارات سنتيم تمنح للجمعيات سنويا ،وأن أزيد من %00من هذه الجمعيات ال يقدم أية وثيقة رسمية عن مصاريفه،
أو أعماله ،أو ما نفذه من مبادرات وأنشطة وبرامج وما سواها.
وأضاف الوزير أن هناك “مجتمعا مدنيا مرتزقا ،ال يقدم الخدمات التي تنص عليها أوراقه الرسمية ،وسنكشف االختالل في
التصرف بالمال العام " في حينه ،ال بل وعد بكشف المزيد حال تثبت وزارته من اللوائح ،وبيان التمويل المتأتي من المال
العام الصرف ،والقادم من "المعونات الخارجية " ،وما جاء في إطار ما يسمى بالشراكات)4(.
3
إن هذه معطيات صادمة بكل المقايس ،ال بل إنها تشي بأن مصطلح "المجتمع المدني" المعتمد والمروج له بقوة في
األدبيات بالمغرب ،ال يصلح إال بنسبة ضعيفة للغاية ،للتعبير عن واقع ما تقوم به بعض هذه الجمعيات األهلية ،أو ما تعمد
إليه من سلوك وتصرف ،فما بالك بادعاء كونها "ركنا من أركان السلطة بالدولة" ،أو قوة مدنية قبالة القوة السياسية التي
تمثلها األحزاب والنقابات واإلعالم الرسمي وقس على ذلك)3(.
ويشير بهذا الصدد الخبر اإلعالمي يحي اليحياوي إلى أن إغداق الكثير من األموال والمساعدات من المال العام ،المتأتي
حصرا من ضرائب المواطنين ،على جمعيات “المجتمع المدني” بالمغرب ،ليس وليد اليوم ،بل هي ظاهرة قديمة ،اعتمدتها
الدولة المركزية أيام األزمات والتوترات ،كمحاولة من لدنها لفك العزلة التي أصبحت تشعر بها في مواجهة المجتمع ،ومن
أجل تحجيم وإقصاء األحزاب الديمقراطية والمنظمات المنبثقة من المجتمع.
كما أن ذلك قد ساهم ذلك في ترسيخ ثقافة المواالة والتبعية والخضوع ،وهي الظواهر التي تتنافى مع مبادئ الديمقراطية
وقيم المواطنة ،وتتعارض حديا مع أحد المرتكزات األساسية التي ال تقوم للمجتمع المدني قائمة بدونها ،أال وهي
االستقاللية.
والواقع أن إنشاء وخلق هذه الجمعيات إنما سار منذ ستينيات القرن الماضي مسار إنشاء وخلق األحزاب السياسية
والنقابات والزعامات في المملكة المغربية وما سواها:
فهي ،مثل األحزاب والنقابات ،أنشئت من عل ،وضخ في صناديقها من المال العام الشيء العظيم ،ليس بغرض تقوية
النسيج المدني ،ودفعه لتعويض ما يمكن أن ال تستطيع الدولة إدارته ،أو القيام به أو تداركه بالميادين االقتصادية أو
االجتماعية أو الرياضية أو الدينية أو الثقافية أو الترفيهية أو ما سواها ،بل لتبييض صورة النظام ،لتجميل سلوكه،
ولتصريف ما يصدر عنه من قرارات أو ما يترتب عن سلوكه من خشونة ،ويختم اليحياوي نقده الموضوعي والالذع في
ذات اآلن إلى أن عبارة "المجتمع المدني" ،قياسا إلى ما نحته المثقفون العضويون بالغرب ،إنما تعبر بالمغرب ،عن
تنظيمات مزيفة ،وتعبر في اآلن ذاته عن "مناضلين" مزيفين ،همهم األساس تعظيم المصالح وتثمين الغنائم ومع كل هذه
الصو رة فان هناك جمعيات تغالب الظروف وتحاول تقديم بدائل حقيقية في مجال مكافحة الفقر ومراقبة االدارة وتعزيز
الشفافية والمساهمة في سوق الشغل)2(.
شكلت حركة عشرين فبراير النسخة المغربية من الحراك العربي ،إنها نسخة استثنائية ليس بالمعنى السياسي فحسب ولكن
بمواصفات السوسيولوجية ،فعلى المستوى السياسي يتراءى للمالحظة الخارجي.
كما وصف أحد الصحفيين األمريكيين أن ما وقع في المغرب نسخة مثالية من طرق التغيير الممكنة ،حيث خرج الناس إلى
الشوارع يقودها حزب معارض إلى السلطة وهو الذي لم يكن يحلم بها أبدأ)5(.
4
لقد شجعت الحركات االجتماعية على تأسيس حركة 41فبراير ،في سياق زمن الحراك العربي ،حيث عمدت الحركة إلى
استعارة مجموعة من الشعارات التي ميزت الحراك العربي خاصة شعار محاربة الفساد وإسقاط االستبداد ودفعت هذه
التطورات النظام السياسي المغربي القائم إلى اتخاذ مجموعة من القرارات والخطوات للتخفيف والحد من مشروعية
الشعارات المرفوعة بهدف امتصاص قوتها وتأثيرها على الشارع المغربي تمثلت هذه الخطوات أساسا في اإلعالن في 13
مارس 4100عن إصدار ظهير جديد يرتقي بالمجلس االستشاري لحقوق اإلنسان .الذي تأسس في سنة ،0001من
مؤسسة استشارية غير مستقلة ،حيث كرس االعتقاد أنها كانت خاضعة لتحكم الملك إلى مجلس وطني لحقوق اإلنسان
كمؤسسة قائمة الذات وليست فقط هيئة ،مجلس يحظى بهيكلة وصالحيات وفق المعايير الدولية باعتماد آليات جهوية للدفاع
عن حقوق اإلنسان وصيانتها في تنظيمه وممارسته اختصاصه في إطار من االستقاللية والمسؤولية )6(،وفي هذه الموجة
االحتجاجية دخلت المؤسسة الملكيّة المخزنيّة الركح السياسي ،باتخاذ عدد من القرارات األساسية المتصاص الضغط،
تمثلت في إحداث مؤسسة "الوسيط" كمؤسسة وطنية ،مستقلة ومتخصصة من أجل تعزيز وصيانة حماية حقوق اإلنسان
بالمملكة المغربية في إطار اإلدارة بالمواطن ،وذلك بمقتضى الظهير رقم 45-00-0بتاريخ 00 :مارس 4100كمنهجية
في تحديث مؤسسة ديوان المظالم تماشيا ً مع اإلصالحات الجديدة ،وتحقيقًا للتكامل المنشود بين كل من المجلس الوطني
لحقوق اإلنسان ومؤسسة الوسيط ومواكبة للمعايير الدولية في هذا الباب.
على المستوى الشكلي ،ال ينظم القانون الدستوري المغربي أو النظامين الداخلين لمجلسي البرلمان ،أية عالقة مفترضة بين
المجتمع المدني وبين مجلس النواب ومجلس المستشارين ،إذا استثنينا طبعا التنصيص على تمثيلية النقابات العمالية في
المجلس الثاني.
لكن المالحظ عموما أن مساهمة المجتمع المدني في العمل البرلماني وخاصة على مستوى التشريع ،رغم ازدياد حجمها ال
تزال في حاجة إلى تفعيل وهو ما يعني أن التواصل المدني البرلماني ،ال يزال مغربيا في بداياته األولى ،فضال على أنه
يوجد على هامش النصوص المنظمة للعمل التشريعي ،لغياب اإلطار القانوني الذي يسمح بمشاركة المجتمع المدني في
العمل التشريعي)0(.
إن الوقوف على مالحظة اهتمام فعاليات المجتمع المدني بطرح اقتراحاتها أمام الحكومات أو حتى المؤسسة الملكية ،أكثر
من اهتمامها بطرح تلك االقتراحات أمام البرلمان ،يبقى سلوكا "عقالنيا" ،إلى حد ما ،ألنه يتجه رأسا إلى مواقع السلطة،
وهو سلوك يشبه إلى حد كبير محاوالت رجال األعمال مثال للتأثير بشكل مباشر على األوساط البيروقراطية أو على
المحيط الملكي أكثر من اهتمامهم بالتأثير على البرلمان.
إن مجموع اإلصالحات السياسية االقتصادية واالجتماعية التي عرفها المغرب خصوصاً بعد سنة ،4100ال يمكن
استثمارها استثمارا حقيقيا ،إال من خالل اإلشراك الحقيقي الفاعل والمسؤول لمختلف الفاعلين في الحقل االجتماعي ،وذلك
بتوظيف مجموعة من اآلليات من أهمها)0(:
الزيادة من حصص الدعم "المادي ،اللوجستي والتكويني" المخصصة لمنظمات المجتمع المدني.
الحث على ضرورة استعمال هاته المؤسسات لوسائل اإلعالم المكتوبة ،المرئية والمسموعة.
5
إرساء مبادئ التسويق االجتماعي le marketing socialغير الربحي بطبيعة الحال ضمن األبجديات المكونة
لهذا النوع من المؤسسات.
توسيع تطبيق اليتي التدقيق المحاسباتي الداخلي والخارجي ،وذلك بغية ضمان قيام هؤالء الفاعلين بالخدمات
المرجوة منهم أحسن قيام.
التوسيع من تمثيلية الفاعليين االجتماعيين في المنظمات الوطنية ،كالمجلس االقتصادي واالجتماعي والمجلس
الوطني لحقوق اإلنسان ،خصوصا ً إذا أخذنا بعين االعتبارات أن مؤسسات المجتمع المدني المغربي يمثل جزء
كبير منها أداة للتضامن من االجتماعي ووسائل توفر مناصب شغل حقيقية للعاطلين عن العمل.
استطاع المجتمع المدني التونسي أن ينفرد بخاصية النجاعة في األداء التنظيمي رغم جميع المحاوالت السلطوية لتدجينه أو
االستحواذ عليه عبر عشرات السنين ،وفي اليوم الذي فر فيه بن علي من تونس تاركا ً البالد بعد حكم دام ربع قرن تقريباً
كانت هناك أكثر من 0611جمعية ،بم ا فيها المنظمات غير الربحية مثل الجمعيات الخيرية واألندية الرياضية وغيرها
تتوزع في مختلف المناطق التونسية ،ومع أن المشهد كان يبدو براقا ً من الخارج مع كل هذا الكم من الجمعيات والمنظمات
األهلية ،بحيث بدا أن أصوات المجتمع التونسي ممثلة على اختالفها ،إال أنه في الحقيقة وعلى غرار باقي الحريات في عهد
نظام بن علي لم تكن سوى واجهة لالستهالك الخارجي ،وهو الواقع الذي يؤكده "مالك بكلوتي" ،المحامي الذي يعمل مع
مركز النساء العربيات للتدريب واألبحاث الذي تموله األمم المتحدةً ،
قائال" :مع األسف كانت أغلب تلك المنظمات خاضعة
لرقابة النظام ،وال يمكننا الحديث عن ثقافة العمل الجماعي أو روح مدنية متطورة" ،لكن اليوم وبعد عشرة أشهر فقط على
فرار الرئيس السابق وانطالق شرارة "الربيع العربي" لم تنفتح الحياة المدنية فقط في تونس ،بل انفجرت مولدة المئات من
الجمعيات ،بحيث يمكن اإلشارة إلى الجانب السياسي من هذا االنفجار في عدد األحزاب التي سجلت نفسها في استحقاق
انتخابات الجمعية التأسيسية التي ناهزت 001أحزاب ،ليمتد هذا التوسع الكبير إلى العمل األهلي الذي شهد هو اآلخر
ظهور العديد من الجمعيات ومنظمات المجتمع المدني)0(.
من المالحظات الجديرة با لتوقف تلك القوة التأطيرية للجمعيات وحركات المجتمع المدني بشكل ساهم بخلق وعي جماعي
مدني لحماية الممتلكات العمومية والشخصية ،ولعل هذه صفة تونسية تعود لقوة التأطير المجتمعي والتواجد التاريخي
المتغلغل لهذه الجمعيات في األوساط التونسية ،ولعل ما يدعو للدهشة واالنتباه هو تعاطي المجتمع التونسي مع الفضاء
الجمعياتي منذ القديم ،إذ ظهرت أولى الجمعيات الخيرية العصرية وأزدهرت في أواخر القرن الـ 00ما يفسر صدور أول
أمر ينظم الجمعيات بالرائد التونسي في 05سبتمبر .0000وقد تضمن هذا األمر في المادة الثانية في المادة الثانية منه
موافقة الدولة على تأسيس الجمعية ،إذ تأسست جمعية الخلدونية سنة 0006وجمعية قدماء التالميذ الصادقية سنة ،0015
وجمعية التعاون الخيري بصفاقس سنة .0003ورغم تعاطي المشرع التونسي بنوع من الصرامة والرغبة في تدجين
الجمعيات التونسية بدءا من القانون 0نوفمبر ( 0010نظام الترخيص المسبق) وصوال إلى قانون رقم 01المؤرخ في 41
أغسطس 0000إال أن عدد الجمعيات التونسية تجاوز 5553جمعية سنة 0000ليصل إلى 0540جمعية سنة 4111
تنشط في مجاالت عديدة وتختلف درجة فاعليتها وتأثيرها ،بحسب مجال نشاطها وحسب طبيعة عالقتها والنظام السياسي
السائد)01(.
6
للمجتمع المدني في تونس جذور تاريخية تجد صداها في بروز جمعيات نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين
ش ّكلت ما اعتبر النواة األولى لمنظمات المجتمع المدني أو األهلي ،فقد تكوّنت جمعيات ومؤسّسات فكرية وتعليمية وثقافية
كان لها دور هام في توعية المواطنين بضرورة النهوض بالمجتمع التونسي وتحديثه في ظ ّل األوضاع المتر ّدية التي كان
يعيشها وذلك بتأثير من نخبة من المف ّكرين الذين تفاعلوا مع األفكار اإلصالحية والتحررية المنتشرة في العالم العربي
واإلسالمي في ذلك التاريخ .ومن المالحظ وعلى غرار مجتمعات أخرى ّ
أن ظاهرة الجمعيات المدنية واألهلية سبقت
الظاهرة الحزبية والسياسية في تونس ّ
وأن معظم الجمعيات التي تكوّنت في بداية القرن العشرين ساهمت فيما بعد في لجوء
نفس النخب الفكرية إلى تكوين أحزاب سياسية لخوض معركة االستقالل بداية من سنة .0041ومن أه ّم هذه المنظمات
"الجمعية الخلدونيّة" و"الجمعية الصادقيّة" و"الجمعية الخيريّة اإلسالمية" وهي جمعيات انتمى إليها أه ّم ّ
الزعماء
السياسيين في بداية القرن العشرين قبل أن يتولّوا فيما بعد االضطالع بمسؤوليات قيادية في ال ّدولة)00(.
تم إعداد مشروع المرسوم من قبل لجنة الخبراء بالهيئة العليا لتحقيق أهداف الثورة بهدف القطع مع قوانين النظام السابق
وتحرير قطاع الجمعيّات ،وأثناء مناقشة المشروع تق ّدم أعضاء الهيئة بمالحظات ته ّم الشكل والمضمون بداية من جلسة 31
يونيو /حزيران 4100إلى تاريخ المصادقة عليه في 42أغسطس /آب .4100وتعلقت مداخالت األعضاء أساسا بضرورة
ضبط وتنظيم العالقة بين الجمعيات واألطراف األخرى المعنيّة بأنشطتها وأه ّمها األحزاب السياسية واإلدارة والحكومة
والقضاء ،كما تط ّرق أعضاء الهيئة إلى مسألة تمويل الجمعيات من قبل الشركات التجارية وطالب األعضاء بوضع سقف
لهذا التمويل أو منعه ،كما تعرّ ضوا إلى التمويل األجنبي أو الخارجي وضرورة إيجاد الصيغ القانونية الكفيلة بضبطه،
وعبّر األعضاء عن ضرورة عدم عرقلة أنشطة الجمعيات من قبل الدولة وعلى حق الجمعيات في النفاذ إلى المعلومة
وطالبوا بالتنصيص على ذلك في المرسوم .وتزامن الشروع في النقاش مع النظر في مشروع مرسوم األحزاب السياسية
وواجهت الهيئة بعض الصعوبات إذ قرّر بعض األعضاء االنسحاب واعتبروا ّ
أن وضع النظام القانوني للجمعيات
ولألحزاب هو من مشموالت برلمان منتخب وليس من مشموالتها ،إالّ ّ
أن الهيئة واصلت أشغالها باعتبار ّ
أن إصدار قانون
الجمعيات هو شرط من شروط االنتقال الديموقراطي وأن القانون المنظم للسلطات العمومية أسند لها اختصاص إعداد
وإصدار هذا القانون)04(.
يتميّز المرسوم بتبسيط إجراءات تأسيس الجمعيات طبقا للمعايير والمبادئ الدولية وأه ّمها الفصل 40من العهد الدولي
الخاص بالحقوق المدنية والسياسية وذلك بإلغاء نظام الترخيص المسبق وتعويضه بنظام التصريح أو اإلعالم وإلغاء
االختصاص التقديري لوزير الداخلية .ويخضع نظام تأسيس الجمعيات إلى نظام التصريح فعلى الراغبين في تأسيس جمعية
أن يرسلوا إلى الكات ب العام للحكومة مكتوبا مضمون الوصول مع اإلعالم بالبلوغ ويتثبت عدل منفذ عند إرسال المكتوب
تضمنه للبيانات المنصوص عليها ويحرر محضرا في ذلك ،وعند تسلّم بطاقة اإلعالم بالبلوغ يتولّى من يمثل الجمعية في
أجل ال يتجاوز سبعة أيام إيداع إعالن بالمطبعة الرسمية التي تنشره وجوبا في أجل 05يوما من يوم إيداعه ويعتبر عدم
رجوع بطاقة اإلعالم بالبلوغ في أجل ثالثين يوما بلوغا .وتعتبر الجمعية مكونة قانونا من يوم إرسال المكتوب وتكتسب
الشخصية القانونية انطالقا من النشر بالرائد الرسمي للجمهورية التونسية .ويعلم مسيرو الجمعية الكاتب العام للحكومة عن
طريق مكتوب مضمون الوصول مع اإلعالم بالبلوغ بكل تنقيح أدخل على نظامها األساسي في أجل شهر من تاريخ اتخاذ
قرار التنقيح)03(.
7
نمو الجمعيات في تونس
إذا كان يمكن اعتبار هذا النم ّو في عدد الجمعيات ظاهرة تونسية( )02صحيّة أو طبيعيّة بالنظر إلى حالة االنفتاح السياسي
الفجائي التي شهدتها تونس ،ويمكن اعتبارها إفرازا طبيعيا من أيضا إفرازات االنتقال الديمقراطي مثلها مثل ظاهرة
األحزاب والصحف ،إال أن المتابع لنشاطها يجدها تسعى الى انتزاع جزء كبير من مشموالت األحزاب السياسيّة في جانب
كبير منها ،ومجموعات أخرى تعمل على تهيئة األرضيّة االنتخابيّة ألحزاب أخرى أو أطروحات سلطويّة بعضها يناقض
صة منها الجمعيات الخيريّة ،ومجموعة ثالثة نصّبت نفسها حكما على ك ّل المشاريع السياسيّة والحزبيّة رافضة
بعض وخا ّ
لها ،فانتصبت معارضة للسلطة والدولة بك ّل إشكالها ،وهذا الخرق لحدود النشاطات واالختصاصات المجتمعيّة أحدث
ارتباكا كبيرا في المشهد السياسي التونسي عموما ،خا ّ
صة ل ّما يرتبط ببحث مصادر التمويل المحليّة واألجنبية لألحزاب
وحمالتها االنتخابيّة ،فكان التض ّخم الكبير في عدد الجمعيات سببا في تح ّول العديد منها الى معابر قانونية " ومقبولة"
لمصادر التمويل المشبوهة واألجنبيّة لبرامج حزبيّة بعينها)05(.
وهناك اتجه يرى في الفضاء التونسي للجمعيات فضاء إضحى مشبوهاً ،إذ تح ّولت بعض الجمعيات إلى مكاتب لالسترزاق
والسمسرة الحقوقيّة ،او مواقع استعالمات متق ّدمة للمجموعة األوروبية وشبكاتها المعلوماتيّة ،تقوم من خاللها بجمع
المعطيات وتجنيد مجموعات الشبان بهدف صناعة رأي عام وتوجيهه خدمة ألغراضها وأهدافها التدخليّة في الشأن
الوطني ،وخلق مجموعات ضغط تح ّركها للتأثير في هذا الخيار أو ذاك وتحضير األرضية لقبول مشاريعها السياسيّة
والحضاريّة ،ويضع الباحث التنسي محمد نجيب وهبي إشكاليات لمزيد البحث والتع ّمق تتعلّق بجملة النقائص والمعيقات
التي اعترضت هذا التح ّول الكمي والنوعي صلب المجتمع المدني التونسي ومؤسساته:
أ ّولها :جدير بالمالحظة إن جزءا من النشاط المجتمع المدني في شكله المج ّرد تمت أدلجته "دينيا" من قبل
المجموعات الدينية ليتح ّول الى مجموعات عنف منظ ّمة تستولي على جزء من مشموالت الدولة ويحتكر العنف
لتطبيق منهج ومشروع بعينه ،ال يمكن إال أن يش ّكل مشاريع إرهاب وأرضية لمحاوالت انفصاليّة وهو بذلك خرج
من سياقه المدني الباب الواسع ،وال يمكن التعاطي معه إال من منطلق تهديد للوحدة الوطنيّة والسالمة العا ّمة بل
وكل المشروع السلم األهلية ،وهي حاالت سوسيو اجتماعيّة تستح ّ
ق كثيرا من البحث والعناية في البحث.
ثانيا :إن أغلب الجمعيات والمؤسسات المدنيّة التونسيّة الصرفة (تأسيسا وتمويال) ال تزال عاجزة عن وضع
تصورات عصريّة ألشكال تنظ ّمها وعملها ولم تتقن بعد كيف تشتغل باحترافيّة على مصادر تمويلها الذاتي،
وعلى مواردها البشريّة او على انتشارها فهي ال تزال مقتصرة على شخوص مؤسسيها وقلّة قليلة من المتفرّ غين
من الشباب ،كما أنها لم تتم ّكن بعد من تركيز منظومة للعمل المدني التطوّ عي مستقلّة عن الشأن السلطوي
والتنافس الحزبي واالنتخابي.
إن الجهود المبذولة في المرحلة البروقيبية على وجه التحديد ،وحتى مرحلة بن علي – على مساوئها – أَوْ َجد ْ
َت مجتمعاً
مدنيا ً يرتبط في جزء كبير مع األدبيات السياسية ،واالجتماعية التي تنمي أبعادها الطبقة الوسطى والتي تقوم باألساس على
قيم الحداثة والديمقراطية والتحرر وآت بشكل غير مطلق من ِر ْبقَة السلطة السياسية.
لذلك أحدث الفراغ الذي تركه " بن علي" المجال واسعا ً النتعاش المطالب النقابية التي شكل عمادها االتحاد التونسي للشغل
والذي مثل على الدوام الدعامة األساسية الرّوحية للعمل الجمعوي والنقابي في تونس لمرحلة ما بعد الربيع العربي.
8
الخاتمة
ستبقى حركات المجتمع المدني في المملكة المغربية تدور ضمن حاضنة المؤسسة الملكية مادامت هي من يرسم هامش
التحرك وهي من يمول وهي من يرسم الخطوط الحمراء وقد تتفلت بعض األصوات الجمعوية من هذا اإلطار ولكنها
ستكون معارضة ضمن النظام في حين سترافع الحركة الجمعوية التونسية وسترفع من سقف توقعاتها خصوصا بعد أن
أفلحت في رسم معالم دستور تونس الجديد لسنة 4102في ظل تنازالت يمكن وصفها باألليمة ومن جميع الفعاليات
الحزبية.
____________________________________
* أستاذ العلوم السياسية جامعة قاصدي مرباح ورقلة
الهوامش
رشيد جرموني ،المجتمع المدني بين السياق الكوني والتجربة المغربيةwww.aljariabed.net/ n9702jarmounii.htm . -0
يحي اليحياوي ،أكذوبة المجتمع المدني بالمغرب http://www.tazacity.info/news5639.html -4
نفس المرجع السابق. -3
لإلستزادة أكثر يطالع: -2
La promotion des Actions du mouvement Assdcéatif Au Maroc , des Réalisations Appréciables á avaluer ,
.www.fscpo.unict.it/EuroMed/Ibrouk.pdf
عزيز مشواط ،حركة عشرين فبراير :الثابت و المتغير في الخطاب االحتجاجي ،ورقة مقدمة من أشغال مؤتمر ثروات الربيع العربي ،مخاطر االنتقال السياسي -5
واالقتصادي من أشغال الندوة الدولية المنظمة في كلية الحقوق في مراكش ،المغرب أيام 43-44مارس ،4103المطبعة الوطنية :4103ص.050 ،
لإلستزادة أكثر يطالع الحسين العبوشي ،محمد الغالي ،الربيع العربي والنظام الدستوري والسياسي المغربي في جدلية التأثير ،ورقة مقدمة ضمن اشغال الندوة الدولية -6
السابقة بمراكش ،ص .020-026
حسن طارق ،المجتمع المدني وسؤال المواطنة والدمقرطة والسياسة منشورات فكر ،المملكة المغربية ،4101ص.06-02 : -0
العباس الوردي ،المجتمع المغربي ،الوظائف ،التحديات والرهانات (بالتصرف) /www.hespress.com/opinions/55304.htm -0
اليزابيت دينسون – تونس ،ازدهار المجتمع المدني www.alittihad.ae/detals.php?id=105163&y=2011 -0
-01بوحنية قوي ،كاريزما الشارع التونسي ،وقوة التغيير السياسي ،مجلة الديمقراطية ،عدد 24أبريل ،4100ص .020
ص واآلفاق، الواقع تونس: في المدني المجتمع لمؤسسات القانونية البنية السنوسي، -00منير
www.ngolaw.org/programs/mena/afan/docs/Mounir℅20Snoussi.docx.4
-04نفس المرجع السابق ،ص .5
-03منير السنوسي ،نفس المرجع السابق ،ص .5
-02محمد نجيب وهيبي ،المجتمع التونسي ،خصائصه وآفاق تطوره (محاولة للتفكير)www.aljariabed.net ،
-05محمد نجيب وهيبي ،نفس المرجع السابق.
انتهى
9