Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 271

‫اجليُوبُولتيكا‬

‫تأليف‬

‫رسل ه‪ .‬فيفيلد‬
‫ج‪ .‬إتزل بيرس ى‬

‫ترمجة‬

‫يوسف مجلي‬
‫لويس ْ‬
‫إسكندر‬

‫مراجعة‬

‫د‪.‬محمد الشرقاوي‬
‫الكتاب‪ :‬الجيُوبُولتيكا‬
‫الكاتب‪ :‬رسل ه‪ .‬فيفيلد‪ ,‬ج‪ .‬إتزل بيرسى‬
‫إسكندر‬
‫ترجمة ‪ :‬يوسف مجلي‪ ,‬لويس ْ‬
‫مراجعة ‪ :‬د‪.‬محمد الشرقاوي‬
‫الطبعة‪2020 :‬‬
‫الناشر ‪ :‬وكالة الصحافة العربية ( ناشرون)‬
‫‪ 5‬ش عبد املنعم سالم – الوحدة العربية – مدكو ر‪ -‬الهرم – الجيزة‬
‫جمهورية مصرالعربية‬
‫هاتف ‪35867575 – 35867576 – 35825293 :‬‬
‫فاكس ‪35878373 :‬‬
‫‪E-mail: news@apatop.comhttp://www.apatop.com‬‬

‫‪All rights reserved. No part of this book may be reproduced,‬‬


‫‪stored in a retrieval system, or transmitted in any form or by any‬‬
‫‪means without prior permission in writing of the publisher.‬‬
‫جميعععلحقوق عععوظح ق و ععع ‪ :‬ال يسمممح بإعممادة إرممدارك م ا الك ممام هو هي جممز من م هو‬
‫تخزينم يممي ن مماع اسم عادة املعلوممما هو نكلم بممكي شممول مم ايشمموال دون إ ن م‬
‫مسبق م الناشر‪.‬‬
‫دارالك ب املصرية‬
‫فهرسة هثنا النشر‬

‫هـ ‪ .‬فيفيلد‪ ,‬رسل‪ /‬بيرسي‪ ,‬ج‪.‬إتزل‬


‫إسكندر‬
‫الجيُوبُولتيكا ‪ /‬رسل ه‪ .‬فيفيلد‪ ,‬ج‪ .‬إتزل بيرسى‪ ,‬ترجمة ‪ :‬يوسف مجلي‪ ,‬لويس ْ‬
‫مراجعة ‪ :‬د‪.‬محمد الشرقاوي‪ -‬الجيزة – وكالة الصحافة العربية‪.‬‬
‫‪ 271‬ص‪ 21*18 ,‬سم‪.‬‬
‫الترقيم الدولى‪978 -977 -6818 – 60 – 6 :‬‬
‫رقم اإليداع ‪2020 / 7960 :‬‬ ‫أ – العنوان‬

‫‪2‬‬
‫الجيو ُبولتيكا‬
‫ُ‬

‫‪3‬‬
‫هذا هو الجزء األول من ترجمة كتاب‬
GEOPOLITICS
IN PRINCIPLE AND PRACTICE

‫تأليف‬
Russell H. Filield
&
G. Etzel Pearcy

4
‫تنـــــــويه‬

‫صدر هذا الكتـاب فـي سـنة ‪ ,1942‬بينمـا كاتـا الحـرب العالميـة‬


‫الثاتيـة للـى أّـدها‪ ,‬ولـم يكـن معروفنـا ينـذاج النتيجـة التـي قـد ت ـفر‬
‫لنها الحرب‪ ,‬ولهذا تلفا أتظار القراء إلى أن كل ما ورد في الكتـاب‬
‫فيمــا يتعلــل بالحــدود ال ياســية للــدول هــو اتعكــاا لمــا كاتــا الحــال‬
‫لليه خالل ال نوات األولى من الحرب‪.‬‬
‫املرتمجان‬

‫‪5‬‬
6
‫اجلزء األول‬

‫اجليوبولتيكا من الناحية النظرية‬

‫‪7‬‬
‫الفصل األول‬

‫تعريف اجليوبولتيكا وجماهلا‬

‫إن اصطالح «الجيوبولتيكا» اصطالح جديد‪ ,‬لم يألفه لرجل العادي‬


‫ضا‪ .‬ولقد ابتكر هذه الكلمة رجل سويدي‬‫بعد‪ ,‬ال بل وال الجامعي أي ن‬
‫اسمه ‪ Rudolf Kjellen‬وأهم ما يعني به هذا العلم دراسة الو دة‬
‫ال ياسية ‪-‬الدولة‪ -‬في بيئتها الجغرافية‪ .‬غير أن اإللمام بعلم الجغرافية‬
‫أو بعلم ال ياسة‪ ,‬كل للى دة‪ ,‬ال يكفي لفهم الجيوبولتيكا‪ ,‬ذلك ألن‬
‫معا من أهم م تلزماتها‪.‬‬
‫معرفة كل من األرض والدولة ن‬
‫وللجيوبولتيكا في الوقا الحاضر مفهومان لامان‪ :‬فهناج وجهة‬
‫النظر الضيقة القائمة للى الفكرة األلماتية الخاصة بالمجال األرضي‬
‫بالتباره المجال الحيوي (‪ )Lebensraum‬للدولة للى أتها كائن ي‪.‬‬
‫وقد قال في ذلك اللواء «هاوسهوفر»‪:‬‬

‫«ليس مجرد الصدفة هو الذي جعلنا ت بل لفظة ‪ Politik‬بهذا‬


‫كثيرا‪ ,‬فهو يربط‬
‫كثيرا ويتطلب ن‬
‫المقطع الصغير ‪ Geo‬فهذا المقطع يعني ن‬
‫ال ياسة بالتربة ويحررها من الكثير من النظريات المجدبة والعبارات‬
‫الجوفاء التي قد توقع زلماءتا ال ياسيين في بائل الدول المثالية التي ال‬
‫طائل منها‪ ,‬ويعود بهم إلى األرض الصلبة‪ ,‬فالجيوبولتيكا تبيِّن مدى توقف كل‬
‫تقدم سياسي للى ذلك العامل الثابا الذي ال يتغير ‪ -‬لامل التربة»‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫وتظهر الفكرة األساسية للجيوبولتيكا األلماتية واضحة في مختلف‬
‫التعاريف التي صدرت لن معهد ميوتج لهذا العلم « ‪The Geopolitical‬‬
‫‪ ,»Institute of Munich‬ومنها‪:‬‬

‫الجيوبولتيكا هي النظرية التي تبحث في قوة الدولة بالن بة لألرض‪.‬‬

‫الجيوبولتيكا هي تظرية التطورات ال ياسية من يث لالقاتها باألرض‪.‬‬

‫الجيوبولتيكا هي العلم الذي يبحث في المنظمات ال ياسية‬


‫للمجال األرضي وتكوينها‪.‬‬

‫الجيوبولتيكا هي األساا العلمي الذي يقوم لليه فن العمل‬


‫ال ياسي للدولة في كفا ها المميا من أجل صولها للى مجالها الحيوي‪.‬‬

‫ومن هذا يتضح أن المدرسة األلماتية للجيوبولتيكا تؤدي إلى تشوب‬


‫الحرب‪.‬‬

‫أما المفهوم األوسع للجيوبولتيكا فيقوم للى الدراسة الجغرافية‬


‫للدولة من يث سياستها الخارجية‪ .‬وهنا يكون التأكيد كله للى المظهر‬
‫الجغرافي للعالقات الخارجية‪ .‬لقد جاء في إ دى اإلذالات األلماتية ‪-‬‬
‫أثناء الحرب‪ -‬لن تعريفها الجيوبولتيكا‪ ,‬أتها «للم يبحث فيما بين‬
‫ال ياسة والرقعة األرضية من لالقات‪ ,‬وأته يهدف بصفة خاصة إلى‬
‫تحويل المعلومات الجغرافية إلى ذخيرة للمية يتزود بها قادة الدولة‬
‫وسياساتها» ومهما يكن‪ ,‬فهذا التعريف أكثر قبوال لدى الدول الواقعة‬

‫‪9‬‬
‫خارج الراتح منه لدى معهد ميوتح ذاته وأن أصحاب فكرة العزلة ‪-‬من‬
‫األمريكيين‪ -‬القائمة للى مبدأ سعة المحيط األطلنطي من الشرق‬
‫والمحيط الهادي من الغرب ووجود دول ضعيفة في الشمال والجنوب‬
‫يجدون لحجتهم هذه سندها الجيوبولتيكي‪ .‬كما أن النزاع الذي قد ينشأ‬
‫بين الدول الكبرى بشأن القوالد الجوية في مختلف أجزاء العالم لمما‬
‫يدخل ضمن مجال الجيوبولتيكا م تقبال(‪ .)1‬كذلك كان صول إتكلترا‬
‫‪-‬لن طريل الضم أو اال تالل‪ -‬للى المناطل اإلستراتيجية في البحر‬
‫األبيض (جبل طارق سنة ‪ ,1704‬ومالطة سنة ‪ ,1800‬ومصر سنة‬
‫قائما للى أساا جيوبولتيكي‪ .‬كما أن‬‫‪ ,1882‬وقبرص سنة ‪ )1878‬ن‬
‫بلجيكا واألراضي الواطئة مدينتان باستقاللهما إلى موقعهما االستراتيجي‬
‫للى مقربة من ألماتيا وفرت ا وإتكلترا‪ .‬وهناج ال ياسة الخارجية التي‬
‫كل من رب‬ ‫اتتهجتها جمهورية بوليفيا‪ ,‬التي ال سوا ل لها‪ ,‬في ٍ‬
‫الباسيفيك (‪ )1883 -1879‬كحليفة لبيرو ضد ّيلي وفي الحرب‬
‫ضد بارجواي (‪ )1938 -1932‬للى منطقة «جران ّاكو» فإتها‬
‫سياسة جيوبولتيكية كما أن تظرة تلقيها للى الحدود الحالية لجمهورية‬
‫بوليفيا كافية لمعرفة من هم المنتصرون في هذه الحروب التي قاما في‬
‫أمريكا الجنوبية‪ .‬بل إن اتخاذ هضبة «البامير» ندا فاصال بين الهند‬
‫واالتحاد ال وفيتي مظهر من مظاهر الفعالية الجيوبوليتكية‪ .‬وكذلك‬

‫‪1‬‬
‫( ) اإلّـارة هنــا إلــى أهميــة القطبـين والجزائــر الموجــودة فــي ّـمال المحــيط األطلنطــي فــي‬
‫المال ــة الجويــة ومــا قامــا بــه كــل مــن أمريكــا وإتكلت ـرا والروســيا مــن محــاوالت لتركيــز‬
‫أقدامها في تلك الجهات‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫«أصبع كبريفي(‪ »Caprivi's Finger)1‬الذي كان يمتد من م تعمرة‬
‫إفريقية الجنوبية الغربية األلماتية تى تهر الزمبيزي‪ .‬ولتركيا بالتبارها‬
‫ارسة المضايل مركزها الجيوبولتيكي الهام للى أتها قوة لها وزتها‬
‫وأخيرا هناج المحاوالت التي يبذلها‬
‫ن‬ ‫ال ياسي في أية رب تنشب‪,‬‬
‫الروا‪ ,‬سواء تحا كامهم القيصريين أو الشيوليين‪ ,‬للحصول للى‬
‫ميناء في البحار الدفيئة‪ ,‬فإتها في واقع األمر مظهر من المظاهر‬
‫الجغرافية األساسية التي ي ترّدون بها في سياستهم الخارجية‪ .‬غير أن‬
‫كثيرا ما تقترن بالحرب والتوسع االستعماري (األمبريالية)‬
‫جيوبولتيكا ن‬
‫بفضل األثر األلماتي‪ .‬والواقع أن هذا العلم إذا تظر إليه للى أته دراسة‬
‫جغرافية للدولة من يث توجيه سياستها الخارجية‪ ,‬يمكن أن يؤدي إلى‬
‫«جيوبولتيكا ال الم»‪.‬‬

‫ويرى الكتاب األلماتيون الذين لالجوا هذا الموضوع أن لملهم‬


‫للمي بحا؛ كما تو ى بذلك المقاالت التي تشرت في الواليات‬
‫المتحدة لن «للماء» هوسهوفر المنتشرين في كافة أتحاء العالم‪ ,‬والذين‬
‫يجمعون المادة التي يعتمد لليها ج تابو هملر ودلاية جلوبلز وسياسة‬
‫روبنتروب الخارجية‪.‬‬

‫(‪ )1‬يــرى المتأمــل فــي خريطــة أفريقيــا أن الحــدود الفاصــلة بــين مــا كــان يعــرف باســم أفريقيــة‬
‫الجنوبية الغربية األلماتية والم تعمرات البريطاتية تمتد في تهايتهـا الشـمالية للـى ّـكل‬
‫أصــبع اليــد تــى تهــر زمبيــزي‪ ,‬وذلــك إللطــاء هــذه الم ــتعمرة منف ـ نذا إلــى هــذا النهــر‪.‬‬
‫(المترجمان)‬
‫‪11‬‬
‫‪Zeitschrift fûr‬‬ ‫وتزلم المقاالت التي تشرت في مجلة‬
‫‪ Geopolitik‬أتها ترتكز للى أساا للمي ألتها تقوم للى جمع وتنظيم‬
‫البياتات واستقرائها‪ ,‬ولكن الجيوبولتيكيين في خارج الرايخ الثالث يرون‬
‫‪-‬أن تعاليم إتباع هوسهوفر ال تنحو النا ية العلمية‪ .‬فالكثير من كتاب‬
‫األلمان يهملون الحقائل التي ال تتفل واآلراء التي تكون قد كوتتها مدرسة‬
‫ميوتخ من قبل‪ .‬ومثال ذلك قلة المقاالت التي تشرتها هذه المدرسة لن‬
‫الواليات المتحدة‪ ,‬ذلك ألن أمريكا الشمالية‪ ,‬رغم أهميتها‪ ,‬كاتا في‬
‫تظرهم جزيرة تائبة‪ .‬وتحن إذا تظرتا إلى الجيوبولتيكا تظرة «ّاملة»‬
‫لوجدتا أن مظهرها العلمي ينحصر فقط في دراسة النوا ي الجغرافية‬
‫للدولة بطريقة موضولية‪ .‬أما االقترا ات المتصلة بال ياسية الخارجية‪,‬‬
‫فمرهوتة باألسس ووجهات النظر التي يحددها األفراد أتف هم‪.‬‬

‫هذا وت تمد الجيوبولتيكا مادتها خاصةن من أربعة مصادر هي‪:‬‬


‫الدراسات األكاديمية ٍ‬
‫لكل من الجغرافية ال ياسية والتاريخ‪ ,‬ثم الدراسات‬
‫التخصصية في موضولي األميرياليه (الت لط االستعماري) واالستراتيجية‬
‫الع كرية والبحرية والجوية‪ .‬والجغرافية ال ياسية هي األصل الذي‬
‫تفرلا لنه الجيوبولتيكا‪ ,‬وكما يقول اللواء هوسهوفر‪« :‬إن الجيوبوليتكا‬
‫وليدة الجغرافية ال ياسية ألتها المحرج لما يتناوله هذا العلم األخير من‬
‫قائل فتجعل منها مادة ي تعين بها الزليم ال ياسي»‪ ,‬والفرق بين‬
‫االثنين إتما يظهر بالتأكيد للى أ دهما‪ .‬فالجغرافية ال ياسية تأخذ بعين‬
‫تحليال موضولينا‪ ,‬أما‬
‫ن‬ ‫االلتبار الدولة‪ ,‬وتعني بتحليل بيئتها الطبيعية‬
‫الجيوبولتيكا فتقوم للى دراسة الوضع الطبيعي للدولة من تا ية مطالبها‬
‫‪12‬‬
‫في مجال ال ياسة الدولية‪ .‬وقد أوضح أوتو مول ‪ Otto Maul‬أ د‬
‫كتاب معهد ميوتخ هذا بكل جالء إذ قال‪« :‬تعني الجيوبولتيكا بالمطالب‬
‫المكاتية للدولة‪ ,‬للى ين تقتصر مهمة الجغرافية ال ياسية للى فحص‬
‫ودراسة ظروف مجاله األرضي»‪ .‬للى أن هناج فئة من الثقاة ال يرون‬
‫فارقنا بين العملين وإن وجد فهو ضئيل ج ندا‪.‬‬

‫هذا إلى أن دراسة اإلستراتيجية الع كرية والبحرية والجوية مصدر‬


‫هام آخر من مصادر الجيوبولتيكا‪ .‬وال يزال األميرال ماهان المرجع األول‬
‫في كل ما يتعلل بالقوة البحرية‪ ,‬كما يتزلم القائد كالوزقتس ‪Clauesvitz‬‬
‫جميع من كتبوا لن القوة البرية‪ .‬أما لن االستراتيجية الجوية‪ ,‬فإتنا ال‬
‫تعرف في الوقا الحاضر كاتبا وا دا له مثل هذه المكاتة العالية وإن كان‬
‫المأجور سفرسكي ‪ Seversky‬ممن تكثر اإلّارة إليه واالقتباا من‬
‫كتاباته‪ .‬والجيوبوليتيون دائبون للى االستفادة من أ داث الحروب‬
‫الماضية‪ ,‬فالنصر البحري الذي أ رزه البريطاتيون في موقعة «الطرف‬
‫األغر» سنة ‪ 1805‬هيأ الفرصة أمام لملهم ألن يرفرف للى جميع‬
‫البحار‪ ,‬وقد تجلى هذا في رق مدينة واّنجطون سنة ‪ ,1814‬وفي‬
‫الحصار الذي ضربوه للى ال ا ل األطلنطي للواليات المتحدة‪ ,‬وفي‬
‫« رب األفيون» ضد الصين (‪ )1842 -1840‬وما تبعه من استيالئهم‬
‫للى ميناء هوتج كوتج‪ .‬كذلك تجلا هذه ال يادة في « رب القرم»‬
‫ضد الروا (‪ )1856 -1854‬والغارة البحرية للى ميناء «بترو‬
‫بافلوف ك» ‪ Petropavlovsk‬في ّبه جزيرة «كمتشكا»‪ ,‬و ملتهم‬
‫للى سيب تيول «في القرم» وفيما قاموا به من جعل المحيط الهندي في‬
‫‪13‬‬
‫أوائل القرن التاسع لشر بحيرة بريطاتية مع استمرار امتداد النفوذ‬
‫البريطاتي داخل بالد الهند‪ ,‬وفي « رب البوير» بجنوب أفريقية‬
‫(‪ .)1902 -1899‬وللى الرغم من بُعد الشقة بين القالدة األساسية‬
‫في الجزائر البريطاتية وميادين القتال في أمريكا وآسيا وأفريقية‪ ,‬فقد‬
‫تمكن األسطول البريطاتي من ب ط سيادته للى المحيط العالي(‪.)1‬‬
‫وهناج الحمالت التاريخية التي قام بها اإلسكندر المقدوتي وهاتيبال‬
‫دروسا في القوة‬
‫القرطجني ويوليوا قيصر الروماتي؛ فكلها مما تعرض لنا ن‬
‫البرية‪ .‬وهناج غزوة اإلمبراطور تابليون المشئومة للروسيا في ‪,1812‬‬
‫وهي من أكثر ما ي تشهد به كتاب مدرسة ميوتخ للجيوبولتيكا‪ .‬ومن‬
‫ضا ذلك التوسع الروسي ّرقنا تى سوا ل المحيط‬
‫مظاهر القوة البرية أي ن‬
‫الهادي وجنوبنا تى أواسط آسيا‪.‬‬

‫كما أن الجيوبولتيكا وثيقة االتصال باالمبريالية (الت لط‬


‫االستعماري) والدراسات المتصلة بها‪ .‬فالعمل للى تأسيس‬
‫اإلمبراطوريات كان من الصفات المميزة لل ياسة المحورية منذ قيام‬
‫الفاّ تية والنازية والنزلة الع كرية الياباتية‪ .‬يقابل هذا من النا ية‬
‫األخرى الرغبة الطبيعية لند الدول االستعمارية الكبرى للمحافظة للى‬
‫مالها من إمبراطوريات أما الواليات المتحدة فهي الدولة الكبرى الو يدة‬
‫التي منحا االستقالل لرلاياها في الشرق األقصى‪ ,‬ولهذا كان ّعب‬
‫‪1‬‬
‫‪Democratic‬‬ ‫( ) يقصـد بـذلك المحيطـات كلهـا ألتهـا كمــا ذكـر «مـا كنـدر» فـي كتابـه‬
‫‪ Ideals & Reality‬الـذي أّـرتا إليـه متصـلة كلهـا ببعضـها الـبعض ممـا يمكـن معـه‬
‫التبارها محيطنا وا ندا‪.‬‬
‫‪14‬‬
‫الفيليبين هو الو يد بين سكان آسيا الذي قاوم ‪-‬جدينا‪ -‬الز ف الياباتي‬
‫تحو البحار الجنوبية‪.‬‬

‫والعوامل التي تدفع الدول إلى الت لط االستعماري لديدة‪ :‬منها‬


‫الرغبة في تملك مصادر المواد األولية‪ ,‬وإيجاد األسواق لتصريف‬
‫المصنولات‪ ,‬والبحث لن المواطن التي يمكن أن ت تولب الفائض من‬
‫وأخيرا المنزلة التي تتمتع بها‬
‫ن‬ ‫ال كان‪ ,‬وا تالل القوالد االستراتيجية‪,‬‬
‫الدولة الم تعمرة والكفاية االقتصادية التي تكون لها‪ .‬وتوضح خريطة‬
‫العالم ل نة ‪ 1919‬النتائج التي ترتبا للى سياسة التوسع االستعماري‬
‫من النا ية ال ياسية‪ :‬فقد كان لبريطاتيا إمبراطورية تعدل مائة وأربعين مرة‬
‫قدر م ا تها‪ ,‬ولهوالتدة ما ي اويها ستين مرة‪ ,‬ولفرت ا لشرون مرة قدر‬
‫رقعتها‪ ,‬وفي الة اليابان كاتا م ا ة م تعمراتها لقب الحرب العظمى‬
‫األولى تبلغ أربعة أمثال م ا ة بالدها األصلية؛ كذلك إيطاليا‪ ,‬بعد ضم‬
‫الحبشة إليها‪ ,‬فقد أصبحا الن بة بين رقعة البالد األصلية والبالد التي‬
‫ت تعمرها كن بة الوا د إلى أثنى لشر‪ .‬أما ألماتيا فكاتا معاهدة فرساي‬
‫(‪)1‬‬
‫للى‬ ‫قد جردتها من كل م تعمراتها‪ .‬ويعمل النازيون والياباتيون اآلن‬
‫لباسا جدي ندا فيطلقون لليها اسم «النظام‬
‫إلباا سيطرتهم االستعمارية ن‬
‫الجديد ألوربا» و«النظام الجديد لشرق آسيا الكبرى» وهو اسم أصبح‬
‫ّائعا تلوكه األل ن في كل مكان‪ .‬ويختلف هذا النظام الجديد الذي‬ ‫ن‬
‫طلع للينا في القرن العشرين من بعض النوا ي لن تلك األمبريالية التي‬

‫(‪ )1‬كان ذلك وقا تشر هذا الكتاب‪ ,‬أي أثناء الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬
‫‪15‬‬
‫سادت ال نوات العشر األخيرة من القرن الماضي‪ ,‬يوم تشطا الدول‬
‫األوربية إلى تق يم القارة اإلفريقية وإلى إتشاء قوالد لها في بالد الصين‬
‫فاإلمبريالية المحورية تنتهي باالستعباد التام للشعوب المحكومة مهما‬
‫كاتا درجة تحضرها من النا يتين ال ياسية واالقتصادية‪ ,‬ال بل ومن‬
‫النا ية الثقافية تف ها‪ .‬وهذا لكس ما دث للشعوب اإلفريقية‪ ,‬فإتها‬
‫للى ما هي لليه من ضارة بدائية لم تشعر بثقل اليد التي غزتها مثل ما‬
‫ّعرت به الدول األوربية التي خضعا للنازي أو الصين تحا كم اليابان‪.‬‬

‫وأخيرا فإن الجيوبولتيكا وثيقة االتصال بعلم التاريخ‪ .‬وما األ داث‬
‫ن‬
‫التاريخية في تظر الجيوبولتيين إال مظهر من مظاهر النشاط الجغرافي‪.‬‬
‫فالظروف الجغرافية في وادي النيل وفي دجلة والفرات كاتا من غير‬
‫ّك مواتية لقيام الحضارات النهرية‪ ,‬للى ين أن الج ر الذي يربط‬
‫بينهما كان من المحتوم للى الفاتحين لهذين الواديين ‪-‬اآلّوريين‬
‫والفرا والمقدوتيين‪ -‬لبوره‪ .‬هذا وقد أصبحا لدراسة للم الجغرافية‬
‫في المدارا األلماتية اآلن أهميتها‪ .‬أما في أمريكا فإن دراسة هذا العلم‬
‫تنتهي باتتهاء المر لة الثاتوية‪ ,‬ومع ذلك فالكثير من مناهج الدراسات‬
‫الع كرية في الجامعات األمريكية يقيم في الوقا الحاضر للجغرافية‬
‫تفس الوزن الذي يقيمه للتاريخ‪ .‬وللتاريخ لناصره الثالثة‪ :‬اإلت ان‬
‫والمكان والزمان‪ .‬أما الجيوبولتيكا فلها لنصران اثنان فقط‪ :‬األرض‬
‫والدولة‪ ,‬وهي في تف يرها للحاضر تعتمد للى تاريخ ما سلف‪ ,‬كما أن‬
‫األ داث الجيوبوليتكية الم تقبلة تنشأ لن الظروف الحاضرة‪.‬‬

‫‪16‬‬
‫وكلمة ‪ State‬من األلفاظ التي يكثر استعمالها في للم‬
‫الجيوبولتيكا‪ .‬والمقصود بها الدولة التي تحكم تف ها ولها كافة قوق‬
‫ال يادة‪ ,‬فهي في معناها تختلف لن لفظة ‪ State‬التي ي تعملها‬
‫األمريكيون لندما يتكلمون لن الثماتية وأربعين و دة التي تنق م إليها‬
‫بالدهم‪ ,‬أو األستراليون لند ذكر الواليات ال ا التي يتكون منها‬
‫الكومنولث‪ .‬والعالقات الدولية هي تلك الصالت التي تنشأ بين دول‬
‫األرض ذات ال يادة‪ ,‬ولما كاتا مصالح دول العالم ال تين أو ما يقاربها‬
‫متعارضة إلى درجة كبيرة فمن الطبيعي أن تتنازع فيما بينها‪ ,‬والنزاع إذا‬
‫اّتد اتقلب ربنا واختفى ال الم‪ .‬ومع ما هو معروف من أن مواطني‬
‫الدولة الوا دة مطالبون بااللتجاء إلى القاتون لح م منازلاتهم‪ ,‬فإن دول‬
‫العالم لم ت ظهر في العادة استعدادها لعرض خالفاتها للى هيئة دولية‬
‫كثيرا ما ترى هذه الدول تبرر سياستها بالقول الشائع‪:‬‬
‫للفصل فيها‪ .‬بل ن‬
‫«الضرورة ال تعرف قاتوتنا»‪ ,‬ومن ذلك ما فعله الم تشار األلماتي يتمان‬
‫هولنج‪ ,‬فقد وقف أمام الرايش تاغ في يوم ‪ 4‬أغ طس سنة ‪1914‬‬
‫يصرح بأن غزو بلجيكا «خرق للقاتون الدولي» ولكن «الضرورة ال تعرف‬
‫قاتوتنا»‪ ,‬ومع أن اليابان كاتا تتمتع بعضوية لصبة األمم كما كامن وا دة‬
‫من الدول الموقعة للى اتفاقية باريس ل نة ‪ 1928‬و لف الدول الت ع‬
‫المنعقد في واّنجطون سنة ‪ ,1922‬فقد تجاهلا هذا كله وسيرت‬
‫جيوّها إلى منشوريا في ‪ 18‬سبتمبر سنة ‪ 1931‬والواقع أن العالم‬
‫الغربي لم يتذوق إال فترة وا دة من ال الم الكامل‪ ,‬وذلك ينما كان‬
‫متح ندا تحا سيادة روما العظيمة‪ .‬ولما كاتا الدول تأبى أن تعدل في‬

‫‪17‬‬
‫سياستها بما يتالءم والقيود والضوابط الدولية فإتها ت عى إلى سترها‬
‫تحا رداء القوة والقهر‪ .‬ومن هنا كان تعريف الجنرال «كالوزفتس»‬
‫للحرب‪ .‬فهي في تظره «تحقيل لألغراض ال ياسية بوسائل أخرى» ولقد‬
‫أصبحا القدرة في فترات ال الم للى اإلكثار من العتاد ومهمات القتال‬
‫مقياا العظمة بين الدول‪ ,‬فالدول الكبرى ‪ Great Powers‬هي تلك‬
‫قهرا‬
‫التي لها من القوة والبأا ما ي الدها للى تحقيل سياستها القومية ن‬
‫في أي جزء من أجزاء العالم‪.‬‬

‫وتظرا لتعدد االلتحامات بين الدول ذات ال يادة‪ ,‬واالتكماش‬‫ن‬


‫الم تمر في رقعة العالم‪ ,‬ب بب التح ينات التكنولوجية‪ ,‬فقد أصبح من‬
‫المحتمل كل اال تمال أن ربنا تنشب اليوم بين دولتين كبيرتين تنقلب‬
‫ربنا لالمية‪ .‬ولهذا رأينا «وودرو ول ن» يؤكد للى لدم تجزئة ال الم‬
‫العالمي في المشروع الذي تقدم به إلتشاء لصبة األمم‪ .‬وإن ربين‬
‫لالميتين تنشبان في ربع قرن‪ ,‬لهو الدليل القاطع للى صحة تظرية‬
‫«وودرو ول ن»‪.‬‬

‫هذا ومن الممكن تق يم دول العالم خالل الحرب العالمية الثاتية‬


‫إلى المجمولات اآلتية‪ :‬فهناج الدول المتحدة ‪ United Nations‬وكان‬
‫لددها في اليوم األول من ّهر توفمبر سنة ‪ ,1943‬ثالثة وثالثين دولة‪,‬‬
‫أساا اتحادها إلالتها الحرب للى وا دة أو أكثر من الدول المحورية‪,‬‬
‫وهذه الدول هي‪ :‬بوالتد‪ ,‬وبريطاتيا العظمى‪ ,‬والهند‪ ,‬وأستراليا‪,‬‬
‫وتيوزيالتد‪ ,‬وكندا‪ ,‬واتحاد جنوب أفريقية‪ ,‬وتشيكو سلوفا كيا‪ ,‬والنرويج‬

‫‪18‬‬
‫وبلجيكا‪ ,‬وهوالتد‪ ,‬ودوقية لك مبورج‪ ,‬واليوتان‪ ,‬ويوجوسالفيا‪ ,‬واالتحاد‬
‫ال وفيتي‪ ,‬والواليات المتحدة‪ ,‬والصين‪ ,‬وكوبا وهايتي ثم جمهورية‬
‫دومينيكا وبنما وكوستاريكا وسلفادور‪ ,‬وهندوراا‪ ,‬وجواتيماال‪ ,‬وتيكار‬
‫اجو‪ ,‬ومك يكو واتحاد الفيليبين‪ ,‬والبرازيل والعراق وأثيوبيا وبوليفيا‬
‫وإيران‪ .‬ثم الدول المشاركة ‪ Associated Nations‬وكان لددها في‬
‫لشرا‪ ,‬وتقوم مشاركتها للى قطع لالقاتها ال ياسية بدول‬
‫تفس التاريخ ن‬
‫المحور‪ ,‬وهذه هي‪ :‬مصر‪ ,‬وإي تلد‪ ,‬وكولومبيا‪ ,‬وفنزويال‪ ,‬واكوادور‪,‬‬
‫وبيرو‪ ,‬واوراجواي وباراجواي‪ ,‬وّيلي‪ ,‬وليبريا‪ .‬وهناج خمس دول لكل‬
‫ظروفها الخاصة بها وهي‪ :‬فرت ا ودتمارج وإيطاليا والبرتغال وبالد العرب‬
‫ال عودية‪ .‬والتزما الحياد سبع دول هي‪ :‬األرجنتين‪ ,‬وأفغات تان‪ ,‬وتركيا‪,‬‬
‫وأخيرا هناج دول المحور‬
‫ن‬ ‫وال ويد وأير (إيرلندة)‪ ,‬وسوي ره وإسباتيا‪.‬‬
‫وهي ‪ :‬ألماتيا‪ ,‬واليابان‪ ,‬وروماتيا‪ ,‬وبلغاريا‪ ,‬والمجر‪ ,‬وفنلند‪ ,‬وتايالتد‪,‬‬
‫ويلحل بهذه الدول األمم الجديدة التي أتشأها المحور في سلوفاكيا‪,‬‬
‫وكرواتيا‪ ,‬ومنشوكو‪ ,‬وبورما‪ ,‬والق م من الصين الخاضع لواتج ّنح واي‪,‬‬
‫وألباتيا‪ ,‬وجمهورية موسوليني في إيطاليا(‪.)1‬‬

‫هذا إلى أن الجيوبولتيكا دراسة ديناميكية لرضة لعوامل التغير للى‬


‫ين أن العامل الجغرافي للعالقات الدولية ثابا كل الثبات‪ .‬فنهر‬
‫بي ال يزال يصب في خليج المك يك غير آية للعلم الذي يرفرف‬ ‫الم‬
‫‪1‬‬
‫( ) بعــد هزيمــة جيــوش المحــور فــي ّــمال أفريقيــة وال ــحابها منهــا‪ ,‬ا تــل الحلفــاء جنــوب‬
‫إيطالي ــا؛ وظ ــل موس ــوليني محتفظنــا بالق ــم الش ــمالي م ــن ال ــبالد وه ــو المقص ــود به ــذه‬
‫الت مية‪.‬‬
‫‪19‬‬
‫للى مياهه العكره‪ ,‬فقد يكون للما أسباتيا وقد يكون فرت يا أو اتحاديا‬
‫أو أمريكيا‪ ..‬والرياح تهب للى بورما ينا ولنها ينا آخر سواء أكان‬
‫البريطاتيون أم الياباتيون هم الذين يحاولون غزو العالم‪ ..‬وال يزال الشرق‬
‫األدتى ذو القيمة االستراتيجية م ر ا لقيام دول وزوال أخرى غير افل‬
‫بتعاقب األيام أو تغير الدهور ‪ ...‬وكذلك الصحراء‪ .‬الكبرى‪ ,‬فهي ال تزال‬
‫منيعا في وجه النازلين للى سوا ل البحر المتوسط سواء أكان‬
‫قائمة س ندا ن‬
‫تجار قرطاجنة أم جحافل الرومان أم فرت ا االستعمارية هم الم يطرون‬
‫للى أجزاء من ال ا ل األفريقي ‪ ...‬والوا د ولشرون ميال من مياه‬
‫القنال اإلتكليزي التي تفصل بين دوفر وكاليه ما بر ا تعرقل خطط‬
‫تابليون اليوم (هتلر) كما لرقلا من قبل تابليون األمس‪ ,‬وهناج تهر‬
‫الراين قائم يفيض من جبال سوي رة المحايدة ثم يخترق الحدود‬
‫الفرت ية األلماتية التي اّتهرت بكثرة معاركها الحربية لين اب في قلب‬
‫الرايخ الصنالي ( وض الروهر) ويخرج منه إلى دولة هوالتدة الفاصلة‬
‫ليصب في بحر الشمال‪.‬‬

‫وتظهر النا ية الديناميكية للجيوبولتيكا فيما تقوم به الدول من‬


‫تكييف أمورها وفقا لظروف بيئتها الطبيعية‪ .‬فدولة بولندا التي ال دود‬
‫طبيعية لها إال في تهايتها الجنوبية يث تقوم جبال الكربات‪ ,‬تعرضا‬
‫للتق يم أربع مرات التق يم األول في سنة ‪ 1772‬ينما اقتطعا‬
‫الروسيا وبروسيا والنم ا أجزاء منها‪ ,‬والثاتي في ‪ 1793‬يوم صلا‬
‫الروسيا وبروسيا للى م ا ات أخرى من أمالكها‪ ,‬والثالث في ‪1795‬‬
‫ينما محيا هذه الدولة باقت ام الروسيا وبروسيا والنم ا البقية الباقية‬
‫‪20‬‬
‫من أمالكها فيما بينها‪ ,‬ولقد أليد إتشاء هذه الدولة بعد الحرب العالمية‬
‫األولى ولكن لم تلبث أن قضى لليها من جديد في سنة ‪1929‬‬
‫وق ما للمرة الرابعة بين ألماتيا والروسيا‪ .‬كذلك تظهر طبيعة التحول‬
‫والتغير في الجيوبولتيكا من التعريف األلماتي للحدود‪ ,‬فهي في لرفهم‬
‫ميادين قتال وإن سير الحوادث التاريخية لمما يؤيد هذا الرأي إلى درجة‬
‫كبيرة‪ .‬فمعاهدة «وستفاليا» في سنة ‪ 1648‬التي اتتها بها رب‬
‫الثالثين لاما‪ ,‬ومقررات مؤتمر فينا (‪ )1815 -1814‬للى أثر سقوط‬
‫تابليون‪ ,‬ومؤتمر باريس لل الم في سنة ‪ 1919‬فيما بعد الحرب العالمية‬
‫األولى‪ ..‬كاتا تدور كلها ول الحدود ال ياسية‪ .‬ويؤكد اللواء هوسهوفر‬
‫في مناسبات لدة للى النا ية الديناميكية للجيوبوليتكا‪ .‬ومن ذلك قوله‪:‬‬
‫« يجب لالوة للى ما ذكر أن تقوم دراستنا للجيوبولتيكا للى فهم‬
‫الحاضر والم تقبل أكثر من تتبعنا للماضي‪ ,‬وتحن معشر األلمان كأمة‬
‫سلما مقاليد الحكم فيها لفئة من رجال القاتون‪ ,‬است لمنا إلى درجة‬
‫كبيرة ل لطان القواتين البائدة (‪ ,)Lex Lata‬وكنا تنظر إلى ال ياسة‬
‫وتف رها بالعرف التاريخي واأل داث التي أتقضا‪ ,‬ال للى أتها للم من‬
‫العلوم الحية‪ .‬لقد كنا تتطلع إلى الوراء‪ ,‬ال إلى اإلمام‪ .‬وبذلك اتقطعا‬
‫صلتنا بالم تقبل‪ .‬ولما كنا قد أقمنا سياستنا للى أساا استعراض‬
‫الماضي بدال من النظر إلى الم تقبل‪ ,‬فقد وجدتا أتف نا ‪-‬لندما تظم‬
‫العالم صفوفه في م تهل هذا القرن‪ -‬وقد تخلفنا لن هذه الصفوف»‬
‫ومن أهم مشكالت الوقا الحاضر فكرة التغيرات التي تحدث بطرق‬
‫سلمية‪ ,‬ذلك ألن كال من «جيوبولتيكاالحرب» كما تعرفها مدرسة ميوتيخ‬

‫‪21‬‬
‫«وجيوبولتيكا ال لم» كما يفهمها الجيوبولتيون األ رار‪ ,‬ديناميكية في‬
‫الحالين كما أن التغير بالوسائل المنتظمة‪ ,‬من م تلزمات الحياة ال ياسية‬
‫للدولة في بيئتها الجغرافية‪.‬‬

‫والجيوبوليتيون لي وا هم فقط أولئك الذين وضعوا أسس تظرياتها‬


‫وقوالدها أمثال «راتزل» و«ماكندر»‪ ,‬إذ يجب أن تضيف إليهم من تولوا‬
‫الزلامة في تطبيل قوالدها‪ :‬فثيودور روزفلا بحصوله في سنة ‪1903‬‬
‫للى منطقة القنال لبر «برزخ بنما» من المحيط األطلنطي إلى المحيط‬
‫الهادي‪ ,‬وبنجامين ودزرائيلي بشرائه لح اب الحكومة البريطاتية في سنة‬
‫كبيرا من أسهم قناة ال ويس‪ ,‬هما من غير ّك من قادة‬
‫‪- 1875‬ق ما ن‬
‫الجيوبولتيكا التطبيقية‪ ,‬ومثلهما في ذلك «سي يل رودا» الذي وضع‬
‫الخطة ل يادة إتكلترا للى القارة األفريقية من الكاب إلى القاهرة‪,‬‬
‫وأتوفون ب مارج الذي تجح في تو يد ألماتيا للمن وا د بعد روبه التي‬
‫ّنها الوا دة بعد األخرى ضد داتمارج والنم ا وفرت ا متجنبنا االّتباج‬
‫ف ي اثنتين منها في وقا وا د‪ .‬وقد برهن زلماء الدول المحورية للى‬
‫معرفة تامة بالنا ية التطبيقية للجيوبولتيكا‪ .‬فالمجهودات التي بذلها‬
‫موسوليني للتحكم في خصر ‪ Waist‬البحر المتوسط(‪ )1‬وما قام به لتثبيا‬
‫العلم اإليطالي للى سا ل المحيط الهندي دليل قاطع للى اهتمامه‬
‫بالنوا ي الجيوبولتيكية ولقد أدلى الزليم اإليطالي لرئيس تحرير مجلة‬
‫‪1‬‬
‫( ) خصــر البحــر المتوســط للــى ــد تعبيــر المــؤلفين هــي المنطقــة التــي يضــيل لنــدها هــذا‬
‫البحر سبب اقتراب ال وا ل اإليطالية وجزيرة صـقلية مـن ال ـا ل األفريقـي الشـمالي؛‬
‫وبعدها يعود البحر إلى االتفراج ّرفا وغربا‪.‬‬
‫‪22‬‬
‫‪ Geopolitika‬اإليطالية بمناسبة ظهورها في سنة ‪ 1939‬بما يلي‪:‬‬
‫كثيرا مدلول الجغرافية العادية‪,‬‬
‫«للجيوبولتيكا مدلولها الذي يفوق ن‬
‫ول وف أكون من أّد قراء مجلتكم لناية بما تكتبون واكتراثا له»‪.‬‬
‫كذلك يعزي إلى أ د رؤساء الوزارة الياباتية وهو البارون تاتا كا ‪Tanaka‬‬
‫أته أوضح إلى اإلمبراطور في سنة ‪ 1927‬اآلراء التي تنطوي لليها‬
‫«جيوبولتيكا النظام الجديد لشرق آسيا الكبرى‪ .-‬كذلك كان أورلف‬
‫هتلر‪ ,‬ال في مجرد غزوة للقارة األوربية‪ ,‬بل وفي تنظيم هذه القارة بعد‬
‫فتحها‪ ,‬منفذا للكثير من تعاليم مدرسة ميوتيخ في الجيوبولتيكا‪.‬‬

‫‪23‬‬
‫الفصل الثاني‬

‫تطور علم اجليوبولتيكا‬

‫إن الجيوبولتيكا وليدة الجغرافية ال ياسية؛ وهذه فرع من للم‬


‫الجغرافية‪ .‬وتتضح سعة ميدان هذا العلم إذا ما تعرفنا للى جن يات‬
‫ووظائف هؤالء الرواد الذين لالجوه من النا ية النظرية‪ ,‬فالكثيرون منهم‬
‫من الفالسفة ال ياسيين أو من الجغرافيين المحترفين‪ ,‬وثمة جمالة أخرى‬
‫ظهرت قبل أن تبتكر لفظة «جيوبولتيكا» ومن هذه الفئة األخيرة‬
‫‪ ,Heinrilch von Freitscke‬وهو أستاذ ألماتي لعلم التاريخ‪ ,‬كان‬
‫دائما بتوسيع رقعة الرايخ لن طريل الفتح الع كري‪ ,‬ثم‬ ‫ينادي ن‬
‫‪ ,Friedrich Nietzsche‬وهو من أتباع النظرية الداروتية‪ ,‬وقد أكد‬
‫إمكان وجود إت ان متفوق للى غيره من بني البشر ‪ ,Superman‬وهناج‬
‫تأثيرا‬
‫‪ Friedrich List‬األستاذ األلماتي وصديل ‪ ,Henry Clay‬وقد تأثر ن‬
‫لظيما‪ ,‬في أثناء زيارته للواليات المتحدة فيما بين ‪1832 -1825‬‬
‫ن‬
‫بعظم ات اع هذه الجمهورية التي قاما في العالم الجديد‪ ,‬كما أبدى‬
‫لظيم ارتيا ه لوجود تظام مو د في الجمارج والمكوا يرفرف لليه للم‬
‫وا د‪ .‬ثم جاء من بعد ذلك ‪ Alexander Humbo'dt‬وقد لمد بعد‬
‫دراسته للكثير من مبا ث العلوم الطبيعية إلى تركيز كل اهتمامه في للم‬
‫الجغرافية‪ ,‬وكارل رتر ‪ Karl Ritter‬الذي لمل للى توسيع النوا ي‬
‫العلمية للدراسات الجغرافية التقادا منه أن التاريخ إتما يكشف لن‬
‫‪24‬‬
‫الطريقة التي استطاع اإلت ان بواسطتها أن يكيِّف تف ه وفل بيئته‬
‫الطبيعية‪ .‬وكان «رتر» أستا نذا لعلم الجغرافية في جامعة برلين وكان يقوم‬
‫إلى جاتب ذلك بالتدريس في الكلية الحربية األلماتية‪.‬‬

‫أما ‪ )1904 -1844( Friedrich Ratzel‬فقد ارتقى بعلم‬


‫الجغرافية ال ياسية إلى درجة يمكن أن تبدأ لندها الجيوبولتيكا‪ ,‬وقد تم‬
‫له بعد دراسة م تفيضة للعلوم الطبيعية وبعد سيا ات لديدة في كل من‬
‫‪Kolnische‬‬ ‫أوربا وأمريكا الشمالية ‪-‬كان يراسل خاللها جريدة‬
‫‪ -Zeitung‬أن يشغل كرسي الجغرافية في جامعة ليبزج‪ .‬وقد تشر في‬
‫سنة ‪ 1896‬في مجلة ‪ Petermanns Mitteilungen‬مقاال لنواته‬
‫«قواتين النمو األرضي للدول»‪ .‬ومع أن «راتزل» اتخذ لنف ه صنعة‬
‫الجغرافي ال ياسي فإن أتباله ف روا تعاليمه للى أتها جيوبولتيكية‪ .‬وها‬
‫هي القواتين ال بعة التي وضعها لهذا النمو األرضي‪:‬‬

‫‪« -1‬إن رقعة الدولة تنمو بنمو الثقافة» «‪( »Kultur‬فلكلما اتتشر‬
‫ال كان و ملوا معهم طابعا خاصا للثقافة‪ ,‬فإن األراضي الجديدة‬
‫التي يحتلها هؤالء تزيد في م ا ة الدولة)‪.‬‬

‫‪« -2‬إن تمو الدولة لملية ال قة لمختلف مظاهر تمو سكاتها ‪-‬ذلك‬
‫النمو الذي يجب أن يتم قبل أن تبدأ الدولة في التوسع‪( -‬فهو‬
‫ي لم بصحة تظرية أن العلم يتبع التوسع التجاري والنشاط‬
‫التبشيري)‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫‪« -3‬إن تمو الدولة ي تمر تى تصل إلى مر لة الضم‪ ,‬وذلك بإضافة‬
‫و دات صغرى إليها» (وإن التربة ومن لليها من ال كان يجب أن‬
‫يمتزجا ببعضهما البعض إذا ما أريد إتمام لملية الضم)‪.‬‬

‫‪« -4‬إن دود أية دولة هو العضو الحي المغلف لها» (وإن الحدود ال‬
‫تعيِّن مدى ضمان سالمة الدولة فح ب بل إتها تعين أيضا مدى‬
‫تموها)‪.‬‬

‫‪« -5‬إن الدول في تموها ت عى إلى امتصاص األق ام ذات القيمة‬


‫أتهارا أو‬
‫ال ياسية» (وهذه األق ام ذات القيمة قد تكون سهوال أو ن‬
‫مناطل سا لية أو مناطل غنية بثروتها المعدتية أو بزيا البترول‪ ,‬أو‬
‫ذات قيمة في إتتاج الغذاء)‪.‬‬

‫‪« -6‬إن الدافع األول للتوسع األرضي يأتي للدولة البدائية من الخارج»‬
‫(ومعنى هذا أن الدول الكبرى ذات الثقافة تحمل أفكارها إلى‬
‫الجمالات البدائية التي تدفعها زيادة لدد ال كان إلى الشعور‬
‫بالحاجة إلى التوسع)‪.‬‬

‫‪ « -7‬إن الميل العام للتوسع والضم ينتقل من دولة إلى دولة ثم يتزايد‬
‫ويشتد» (فتاريخ التوسع يدل للى أن الشهية تزداد تتيجة لتناول‬
‫الطعام)‪.‬‬

‫والخالصة أن راتزل يرى في الدولة كائنا ينا تدفعه الضرورة للنمو‬


‫لن طريل الحصول للى األلضاء التي تعوزه تى ولو دفعه هذا إلى‬
‫‪26‬‬
‫استخدام القوة‪ .‬وللى هذا فمبدأ المجال الحيوي «‪ Lebensraum‬الذي‬
‫تادي به القائد «هاوسهوفر» والذي طبقة أدولف هتلر متصل اتصاال وثيقا‬
‫بفكرة أن «الدولة كائن ي» وهذه إ دى تعاليم «راتزل» والواقع أن‬
‫‪Ellen‬‬ ‫«راتزل» كان صديقا ميما لوالد «هاوسهوفر» كما كاتا‬
‫‪ Churchill Semple‬وهي إ دى الممتازات من الن اء الجغرافيات قد‬
‫تتلمذت لليه في ألماتيا ولذلك فإن مؤلفيها «أثر البيئة الجغرافية» ‪The‬‬
‫‪ Iufluence of Geographic Envirnment‬و«جغرافية إقليم البحر‬
‫المتوسط» ‪Geographe of The Mediterranion Regean‬‬
‫يتخصصان في دراسة أثر البيئة في ياة اإلت ان‪.‬‬

‫ثم جاء رودلف كيلين ‪ )1922 -1864( Rudolf Kjellen‬وزاد‬


‫في أراء «راتزل» وطبقها للى الوضع الدولي ال ائد في أيامه‪ .‬وكان‬
‫رودلف هذا رجال سويديا ذا تزلة ألماتية قوية‪ ,‬لاصر الحرب العالمية‬
‫األولى كما كان أستاذا للعلوم ال ياسية بجامعة جوتبرج ‪ .Gotberg‬ولقد‬
‫ألف كتابين كان لهما أثرهما الواضح في تمو وتطور الجيوبولتيكا‪ ,‬ظهر‬
‫أولهما في سنة ‪ 1916‬ولنواته «الدولة كمظهر من مظاهر الحياة»‪.‬‬
‫وثاتيهما في سنة ‪ 1920‬واسمه‪ :‬األسس الالزمة لقيام تظام سياسي»‬
‫‪ Grundriss Zu einem System der Politik.‬وفي رأيه أته لما‬
‫كاتا الدولة كائنا يا فاألرض التي تشغلها هي ج مها والعاصمة‬
‫والمركز اإلداري هما قبلها ورئتاها‪ .‬أما األتهر والطرق وال كك الحديدية‬
‫فهما لها بمثابة األوردة والشرايين‪ .‬والمناطل التي تحوي المعادن وتجود‬
‫لليها بالمواد األولية والغذاء الالزم لنموها‪ ,‬كلها أطراف لهذا الج م‪.‬‬
‫‪27‬‬
‫وقد امتد الخيال بكيلين إلى إمكان قيام دولة كبرى ت يطر للى أوربا‬
‫كلها وتكون خاضعة لل يادة األلماتية‪ .‬وهو أول جغرافي استعمل لفظة‬
‫جيوبولتيكا ‪ Geopolitik‬وفي رأيه أن أهم ما تعني به الدولة هو القوة‪,‬‬
‫وأن ياة أية دولة من الدول إتما تعتمد للى التربة والحكومة وال لطان‬
‫واالقتصاد والثقافة‪.‬‬

‫‪Zeitschrift fur‬‬ ‫وقد استعان المحررون األلمان لمجلة‬


‫‪ Geopolitik‬بالشيء الكثير مما كتبة كل من «راتزل وكيللين» تى جاء‬
‫تعريفهم الرسمي الذي وضعوه للجيوبولتيكا كاآلتي‪:‬‬

‫«الجيوبولتيكا هي العلم الذي يبحث في درجة التماد األ داث‬


‫ال ياسية للى التربة وهي قائمة للى األسس العامة لعلم الجغرافية‬
‫ال ياسية التي تبحث في التنظيمات ال ياسية للمجال األرضي وكل من‬
‫العاملين المكاتي والزمني‪ .‬وهي تهدف إلى تجهيز الدولة باألسلحة التي‬
‫ت تعين بها لند القيام بأي لمل سياسي‪ ,‬والتي تمكن أن ت ترّد بها في‬
‫توجيه ياتها ال ياسية ‪ ....‬فهي والحالة هذه يجب أن تصبح الضمير‬
‫الجغرافي للدولة»‪.‬‬

‫هذا ويجد البا ث الكثير من اآلراء األولى والمبا ث األساسية‬


‫‪Sir Holford‬‬ ‫للجيوبولتيكا فيما كتبه ال ير هالفورد ما كندر‬
‫‪ Mackinder‬أ د الجغرافيين البريطاتيين البارزين‪ .‬وقد ّغل هذا األستاذ‬
‫مديرا لمدرسة لندن للعلوم واالقتصادية‬
‫لدة مناصب للمية خطيرة‪ ,‬فكان ن‬
‫وال ياسية‪ ,‬وأستاذنا للجغرافية بجامعة لندن‪ ,‬وتائبنا لرئيس الجمعية‬
‫‪28‬‬
‫الجغرافية الملكية‪ .‬ولقد قرأ سنة ‪ 1904‬للى ألضاء هذه الجمعية مقاال‬
‫لنواته «تقطة االرتكاز الجغرافي لعلم التاريخ» ‪The Geogrphlcal‬‬
‫‪ّ( Pivot of History‬كل‪ ,)2‬أوضح فيه ‪-‬باختصار‪ -‬األسس التي بني‬
‫لليها فكرته‪ .‬ثم لاد سنة ‪ ,1919‬في أثناء اتعقاد مؤتمر الصلح في‬
‫باريس وتشر كتابنا لنواته «المثل العليا للديموقراطية‪ ,‬والحقيقة الواقعة»‬
‫«‪.»Democratie Ideals and Reality‬‬

‫قليال فإن‬
‫اهتماما ن‬
‫ن‬ ‫ومع أن الدول االتجلوسك وتية لم تعر كتاباته إال‬
‫القائد «هاوسهوفر» ‪-‬للى الجاتب اآلخر من القنال‪ -‬قرأ كتابات ال ير‬
‫هالفورد بإمعان كبير واقتنع راس نخا بصحة تظريته‪ .‬ثم جاءت الحرب‬
‫العالمية الثاتية فأثارت وادثها في النهاية اهتمام كل من إتكلترا وأمريكا‬
‫بآراء هذا الكاتب العظيم وأليد طبع كتابه هذا في سنة ‪ 1942‬كما‬
‫تماما قبل ذلك بثالث ولشرين سنة‪ ,‬ومن غير أي تعديل فيه‪.‬‬
‫فظته يده ن‬
‫كذلك تشر سير «هالفورد ماكندر» ‪-‬وكان قد تقدم به العمر‪ -‬مقاال‬
‫جدي ندا في مجلة الشئون الخارجية‪ -‬لدد يولية سنة ‪- 1943‬ردد فيه‬
‫تظريته األولى مع تعديالت طفيفة رأى إضافتها للى التنظيم الجيوبولتيكي‬
‫الذي وضعه للعالم‪ .‬وقد توخى «ما كندر» في تنظيمه هذا النا ية‬
‫‪٩‬‬
‫من الكرة األرضية تغطيها مياه البحار‪ ,‬وأن‬ ‫والواقعية‪ .‬فقد وجد أن‬
‫‪١٢‬‬
‫‪٣‬‬
‫من م ا تها‪ ,‬كما ال ظ أن و دة‬ ‫األرض الياب ة ال تشغل سوى‬
‫‪١٢‬‬
‫اسما‬
‫البحار واتصالها ببعضها البعض مما يبرر أن تطلل لليها جميعها ن‬

‫‪29‬‬
‫وا ندا هو المحيط العالي ‪ World Ocean‬بدال من تعدد أسمائها‪:‬‬
‫األطلنطي والهادي والهندي والمتجمد الشمالي والمتجمد الجنوبي‪.‬‬
‫تكون الجزيرة‬
‫كذلك ال ظ أن قارات أوربا وآسيا وإفريقية ‪-‬وهي التي ِّ‬
‫العالمية ‪ World Island‬تشغل فيما بينها ثلثي اليابس كله‪ ,‬للى ين أن‬
‫األمريكتين‪ ,‬الشمالية والجنوبية‪ ,‬وأستراليا ال تحتل سوى الثلث فقط‪.‬‬

‫وقد تبدو فكرة الجزيرة العالمية التي يحيط بها المحيط العالمي‪,‬‬
‫غربية للى آذان من التادوا التقيد بالتوزيعات الجغرافية للى التبار أتها‬
‫قارات ومحيطات‪ .‬ولكن هذه الحقيقة تتضح إذا تحن تذكرتا أن أوروبا إن‬
‫هي إال ّبه جزيرة آلسيا‪ ,‬ال يفصلها لنها سوى جبال أورال القليلة‬
‫االرتفاع ت بينا‪ ,‬مثلها في ذلك مثل الهند‪ ,‬التي تكون هي األخرى ّبه‬
‫جزيرة صغيرة آلسيا‪ ,‬تفصلها جبال هماليا لن بقية القارة‪ .‬أما إفريقية‬
‫فتواجه أوربا وتطل لليها ب وا ل البحر المتوسط لم افة ‪ 3.800‬ميل‪,‬‬
‫وهي تتصل ‪-‬في الوقا تف ه‪ -‬بقارة آسيا اتصاال كامال لن طريل برزخ‬
‫ال ويس واتصاال غير كامل لن طريل بوغاز باب المندب في البحر‬
‫األ مر للى مقربة من لدن‪ .‬وال يفصل بينها وبين قارة أوربا سوى مياه‬
‫بوغاز جبل طارق الضيل الواقع في جنوب أسباتيا‪ ,‬ال بل إن الم افة بين‬
‫رأا بوف ‪-‬وهي آخر تقطة في إفريقية صمدت فيها قوات المحور قبل‬
‫ات حابها من هذه القارة‪ -‬وبين جزيرة صقلية ‪-‬وهي أول تقطة للى‬
‫ال ا ل األوربي تزلا فيها القوات اإلتكليزية األمريكية‪ -‬ال تزيد للى‬
‫ت عين ميال‪ .‬كما أن لفظة ‪- Mediterranean‬أي البحر المتوسط‪ -‬اسم‬
‫مالئم كل المالءمة لهذا البحر ألتها مركبة من لبارة التينية معناها البحر‬
‫‪30‬‬
‫الذي يتوسط اليابس ‪ ...‬واليابس هنا هو أوربا وآسيا وإفريقية‪.‬‬

‫ومع أن الجزيرة العالمية تكون و دة متصلة من يث أتها كتلة‬


‫أرضية متماسكة‪ ,‬فإن سكني اإلت ان لها اقتصرت في غالب األ يان‬
‫للى أطرافها‪ ,‬واستمرت الحال للى هذا النحو تى كاتا أواخر القرن‬
‫الخامس لشر‪ ,‬ين أخذ الناا يطوفون بأطرافها الجنوبية‪ .‬وفي القرن‬
‫التاسع لشر بدأ الناا ينشئون الخطوط الحديدية في داخلها‪ .‬وفي‬
‫م تهل القرن العشرين لمدوا إلى الطيران فوقها‪ .‬وثمة قيقة أخرى وجه‬
‫‪٤١‬‬
‫من مجموع سكان العالم كله‬ ‫«ما كندر» األتظار إليها وهي أن‬
‫‪٦١‬‬
‫‪١١‬‬
‫منهم ي كنون‬ ‫يعيشون في هذه الجزيرة العالمية‪ ,‬وأن ما يقرب من‬
‫‪٦١‬‬
‫تكون‬
‫الجزائر القريبة من ّواطئها‪ .‬أما سكان الجزائر الخارجية التي ِّ‬
‫‪١١‬‬
‫الباقي‪.‬‬ ‫األمريكتين وأستراليا فيمثلون الـ‬
‫‪٦١‬‬

‫وينتقل «ما كندر» بعد ذلك من فكرة الجزيرة العالمية القائمة في‬
‫وسط المحيط العالمي إلى معالجة تقطة االرتكاز لهذه الجزيرة وهي التي‬
‫يطلل لليها اسم القلب ‪ Heartland‬ويمتد هذا «القلب األرضي» هنا‬
‫من وض الفولجا في الروسيا تى ّرق سيبريا‪ ,‬وهي م ا ة كبيرة‬
‫تنصرف أتهارها إما إلى الداخل وإما إلى المحيط المتجمد الشمالي‪ .‬ففي‬
‫الق م الشمالي منها تفيض أتهار «أوب» و«تي ي» و«لينا» وهي أتهار‬
‫طويلة (قليلة االتحدار) ولكنها تنتهي إلى المحيط القطبي وتتجمد مياهها‬

‫‪31‬‬
‫في معظم ال نة‪ .‬وفي الجنوب يجري تهرا «سرواريا» و«أموداريا» إلى‬
‫بحر أورال األجاج‪ ,‬كما ينتهي تهرا الفولجا وأورال إلى بحر قزوين‪ .‬هذا‬
‫وتتكون األجزاء الشمالية والوسطى والغربية لقلب الجزيرة العالمية من‬
‫يح ليس فيه ما يشذ لن هذا االستواء سوى جبال أورال‬ ‫سهل م ت ٍو ف ٍ‬
‫ٍ‬
‫القليلة االرتفاع‪ ,‬ولكن هذا القلب يشمل ‪-‬إلى جاتب ذلك‪ -‬الق م‬
‫األكبر من هضبة إيران‪ -‬التي تضم دول إيران وأفغات تان وبلوخ تان‪-‬‬
‫وجزءا من مرتفعات منغوليا في تهايته‬
‫الواقعة في تهايته الجنوبية الغربية‪ ,‬ن‬
‫الجنوبية الشرقية‪ .‬والق م األكبر من منطقة االرتكاز هذه خاضع ‪-‬من‬
‫النا ية ال ياسية‪ -‬للنفوذ الروسي ألتها تتكون من معظم سيبيريا وما‬
‫يقرب من تصف م ا ة روسيا األوربية‪ ,‬وتدخل فيها كذلك بالد منغوليا‬
‫والق م الغربي من الجمهورية الصينية وبالد أفغات تان وبلوخ تان وإيران‬
‫باستثناء النطاق ال ا لي للو دتين األخيرتين‪.‬‬

‫كذلك تصور سير «هالفوردما كندر» منطقة ارتكاز أخرى ‪-‬ولو أتها‬
‫أقل أهمية من سابقتها وسماها القلب الجنوبي‪ .‬وتتكون هذه من إفريقية‬
‫جنوبي الصحراء الكبرى‪ ,‬ذلك الحد الطبيعي المنيع الذي يفصل بين‬
‫الجن ين األبيض واألسود‪ ,‬وتفيض مياه هذا القلب من الهضبة الداخلية‬
‫قدرا‬
‫إلى كل من الينجر والكوتغو والزمبيزي وإلى أتهار أخرى أصغر منها ن‬
‫كاألوراتج واللمبوبو‪ ,‬وكلها تنبع في الداخل؛ وتصلح األجزاء العليا لهذه‬
‫األتهار كلها للمال ة إلى م افات طويلة تبلغ مئات األميال‪ ,‬ولكن هذه‬
‫الصال ية تمتنع إذا تحن قربنا هذه األتهار من مصباتها‪ ,‬وذلك ب بب‬
‫وجود الشالالت للى م افة قليلة من تقط اتتهاء هذه األتهر إلى البحر‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫وثمة وجه آخر للشبه بين منطقتي القلب الشمالية والجنوبية‪ ,‬ذلك أن‬
‫كال منهما يوجد بع غابات و شائش كثيرة‪.‬‬

‫ويتصل القلبان الشمالي والجنوبي بعضهما ببعض لن طريل ج ر‬


‫بالد العرب‪ .‬وبالد العرب ‪-‬في رأي «ما كندر» هي تلك التي تمتد من‬
‫النيل غربنا إلى ما وراء الفرات ّرقنا؛ وهي م افة تبلغ ثماتمائة ميل‪ ,‬ومن‬
‫سفوح جبال طوروا ّماال تى خليج لدن؛ أي ما يبلغ األلف‬
‫وثماتمائة ميل‪ .‬وتمتاز هذه المنطقة بوجود ثالثة طرق مائية منها وهي‬
‫النيل والبحر األ مر ثم تهر الفرات والخليج العربي‪ .‬كما أن بالد العرب‬
‫تكون طري نقا َبرينا بين القلب الشمالي والقلب الجنوبي‪.‬‬
‫تف ها ِّ‬

‫ويحف بأرض القلب الشمالي قوا من األراضي ال ا لية يمكن‬


‫تعريفها بمناطل التصريف إلى البحار المفتو ة للمال ة‪ ,‬وتشمل هذه‬
‫أوربا بأكملها ‪-‬لدا الق م الغربي من الروسيا‪ -‬والجزء من الشرق األدتى‬
‫المتاخم آلسيا الصغرى ثم المنطقة ال ا لية لإلقليم الموسمي في آسيا‪.‬‬
‫وأتهار هذه الجهات صالحة في جملتها للمال ة من مصباتها إلى مئات‬
‫ن األمثلة‪ :‬الراين واإللب والداتوب‬ ‫من األميال تحو الداخل‪ ,‬ومن أ‬
‫وياتج ت ي كياتج‪ .‬ولما كاتا المناطل ال ا لية في كل من أوربا وآسيا‬
‫ذات أمطار وفيرة وتربة خصيبة‪ ,‬فقد ازد ما بال كان للى ما هو‬
‫مشاهد في الماليين المكتظة في كل من الصين وغربي أوربا‪ .‬وينزل في‬
‫تطاق الجهات ال ا لية من الدول الكبرى التي كاتا قائمة قبل الحرب‬
‫األخيرة كل من فرت ا وألماتيا وإيطاليا‪ .‬أما إتكلترا واليابان فتقومان في‬

‫‪33‬‬
‫الجزائر المتاخمة ل وا ل غربي أوربا وّرقي آسيا‪ .‬وقد كان األسطول‬
‫البريطاتي ‪-‬يوم أن ب ط «ما كندر» آراءه في سنة ‪- 1904‬ينفرد بتأمين‬
‫و راسة الطرق المال ية في العالم‪ ,‬إذ لم تكن هناج قوة بحرية أخرى‬
‫مؤخرا في هذا‬
‫أي من المحيطات‪ ,‬وكان قد صدر ن‬ ‫تنازله هذه ال يادة في ٍ‬
‫الشأن كتاب لألميرال ألفريدثاير ماهان ‪Admiral Alfred Thayer‬‬
‫‪ Mahan‬اسمه «أثر القوة البحرية في التاريخ فيما بين سنتي ‪,1660‬‬
‫‪.»1783‬‬

‫‪(The Influence of Sea-Power upoul-listory:1660-‬‬


‫‪1783).‬‬
‫وهناج إلى جاتب هذه الجزائر ال ا لية مجمولات أخرى من‬
‫الجزائر النائية‪ ,‬أهمها كلها األمريكتان وأستراليا‪ .‬والواليات المتحدة هي‬
‫الدولة الكبرى الو يدة القائمة داخل هذا النطاق البعيد‪ .‬غير أن «ما‬
‫كثيرا بالجزائر البعيدة بالمقارتة باهتمامه بالجزيرة‬
‫كندر» لم يحفل ن‬
‫العالمية‪.‬‬

‫أما لن التنظيم الجيوبولتيكي للعالم‪ ,‬فقد أبدى ما كندر تخوفه مما‬


‫لمنطقة القطب الشمالي من إمكاتيات ربية لظيمة‪ .‬ويبدو هذا فيما كتبه‬
‫في سنة ‪ 1904‬فقد قال‪« :‬إن رجحان كفة ميزان القوة لمصلحة الدولة‬
‫التي تحتل منطقة االرتكاز وما ينشأ لنه من توسع ينتهي بها إلى األراضي‬
‫الحدِّية في كل من أوربا وآسيا سوف يضع في متناول يدها موارد قارية‬
‫هائلة ت تعين بها للى بناء األساطيل فيصبح بذلك تكوين اإلمبراطورية‬

‫‪34‬‬
‫أمرا محتمل الوقوع»(‪ .)1‬ولو طُبِّقا هذه الفكرة للى الوضع‬
‫العالمية ن‬
‫القائم‪ ....‬اآلن(‪ )2‬ألصبحا الجزيرة العالمية قالدة ضخمة للقوى‬
‫البحرية والبرية والجوية ال ي ع الق م الباقي من العالم سوى الخضوع‬
‫لها‪.‬‬

‫وأخوف ما كان يخافه «ما كندر» أن تتمكن ألماتيا من إخضاع‬


‫روسيا لنفوذها وسلطاتها‪ ,‬ذلك ألن المنطقة ال هلية الف يحة الممتدة‬
‫للى طول الق م الشمالي من منطقة القلب يمكن تتبعها تى ال هول‬
‫الشمالية في ألماتيا‪ ,‬من غير أن تكون هناج دود طبيعية تفصل بين‬
‫هاتين الدولتين‪ ,‬الرايخ وروسيا‪ ,‬وإذا كان «فرسان سهوب» وسط آسيا ‪-‬‬
‫قديما من غزو القارة األوروبية‪ ,‬فهل هناج‬
‫األتراج والمجيار‪ -‬قد تمكنوا ن‬
‫اآلن ما يحول دون تغير اتجاه هذا الغزو‪ ,‬فتتحول الجحافل األلماتية‬
‫ّرقنا؟ وفي هذه الحال‪ ,‬هل ت تطيع منطقة القلب‪ ,‬إذا ما ات ع لها‬
‫الوقا‪ ,‬أن تصبح قالدة لفتح العالم كله؟‬

‫للى هذا األساا وضع «ما كندر» تظريته ذات األركان الثالثة‪,‬‬
‫تلك النظرية التي كان األلمان للى معرفة تامة بها‪ ,‬والتي لم يفطن إليها‬

‫(‪ )1‬قد يكون من المفيد أن تورد هنا النص اإلتكليزي ألهميته في األبحاث التالية‪:‬‬
‫‪«The oversetting of the balance of power in favour of privot state,‬‬
‫‪resulting in its expansion over the original lands of Euro-Asia‬‬
‫‪would permit of the use of vast Continental resources for fleet‬‬
‫»‪building and the empire of the world would then be in sight‬‬
‫(‪ )2‬اإلّــارة هنــا إلــة ســنى الحــرب الثاتيــة‪ ,‬إذ أن هــذا الكتــاب قــد تشــر خــالل هــذه الفتــرة‪.‬‬
‫المترجمان‬
‫‪35‬‬
‫أخيرا ‪ ...‬وخالصتها‪:‬‬
‫اإلتجليز واألمريكان إال ن‬
‫«إن من يحكم ّرق أوربا يت لط للى منطقة القلب‪.‬‬
‫«وإن من يحكم منطقة القلب يت لط للى الجزيرة العالمية‪.‬‬
‫«وإن من يحكم الجزيرة العالمية يت لط للى العالم كله»‪.‬‬
‫واآلراء متضاربة فيما إذا كاتا النظرية التي تقدم بها ال ير هالفورد‬
‫ما كندر صحيحة في مجمولها أم ال‪ :‬ففي رأي ‪Nicolas J.Spyman‬‬
‫األستاذ بجامعة ‪ Yale‬بأمريكا‪ ,‬وهو من المتعمقين في ال ياسة العالمية‪,‬‬
‫أن من يحكم المناطل ال ا لية يت لط للى الجزيرة العالمية‪ ,‬للى ين‬
‫أن الميجر ‪ George Fielding Eliot‬قد قال في صيف سنة ‪1942‬‬
‫إته ال يوجد سبيل للتهرب من منطل «ما كندر»‪.‬‬

‫وفي صيف سنة ‪ ,1943‬يوم أن كاتا روسيا تقدم الدليل تلو‬


‫الدليل للى متاتة مركزها الحربي ولندما كاتا قوة الواليات المتحدة‬
‫يوما بعد يوم ‪-‬لادسير هالفورد ما كندر» إلى تشر آرائه في‬ ‫تتزايد ن‬
‫الجيوبولتيكا ومؤك ندا من جديد إيماته الراسخ (اتظر ّكل ‪ )3‬في تظرية‬
‫المنطقة القلبية‪ ,‬ومنهبنا إلى أتها قد أصبحا اليوم «أكثر ثبوتا مما كاتا‬
‫من لشرين أو أربعين سنة مضا»‪ .‬غير أتنا تراه ي تبعد في هذه المرة‬
‫إقليم لينا التد ‪ ( Lena Land‬وض تهر لينا) من منطقة القلب‪ ,‬كما‬
‫يعترف بأن سوا ل المحيط المتجمد الشمالي لم تعد‪ ,‬بعد استعمال‬
‫الك ارات الثلجية الضخمة وبعد تقدم فنون الطيران‪ ,‬كما أتها بعيدة‬

‫‪36‬‬
‫المنال كما كاتا من قبل‪ .‬كذلك يشير هذا الجغرافي البريطاتي إلى أن‬
‫محور ارتكاز القوة العالمية أصبح يمتد من تهر مي وري تى تهر ين ى‪,‬‬
‫مؤي ندا بذلك الدور الهام الذي أخذت الواليات المتحدة تقوم به في‬
‫الشئون العالمية‪ .‬وقد أطلل للى المحيط األطلنطي الشمالي اسم‬
‫المحيط األوسط‪ ,‬وفيه تقوم الجزائر البريطاتية وكأتها «مالطة» كبيرة‪ ,‬كما‬
‫تقوم فرت ا بدور رأا ج ر يمكن الدفاع لنه‪ ,‬أما الواليات المتحدة‬
‫فعبارة لن قالدة ضخمة ت تمد قوة دفالها من ات الها‪ .‬وهو يرى أن‬
‫مجرد خوف ألماتيا من اضطرارها لمحاربة كل من القلب ممثال في‬
‫الروسيا‪ ,‬واألراضي المطلة للى هذا المحيط الوسط‪ ,‬ممثلة في الواليات‬
‫المتحدة وفرت ا وبريطاتيا‪ ,‬سوف يكبح من جما ها‪.‬‬

‫***‬

‫تصور «ما كندر» األرض محاطة بنطاق من البراري والقفار المو شة‬
‫يشمل الصحراء الكبرى والصحراء العربية وهضبة إيران وبالد التبا‬
‫ومنغوليا وليناالتد واألسكا والدرع الكندي‪ ,‬وهذه تحصر داخلها منطقة‬
‫القلب والمحيط األوسط والبحار األربعة المتفرلة منه‪ :‬البحر المتوسط‬
‫وبحر البلطيل والمتجمد الشمالي والبحر الكاريبي‪ .‬أما خارج هذا النطاق‬
‫فيوجد المحيط العظيم المكون من الهادي والهندي واألطلنطي الجنوبي‪,‬‬
‫ثم األراضي التي تنصرف مياهها إليه‪ ,‬أي أمريكا الجنوبية وأستراليا‬
‫وأفريقية فيما جنوبي الصحراء الكبرى وآسيا الموسمية‪ .‬ويتنبأ هذا‬
‫الجغرافي البريطاتي بأن سكان األقاليم االستوائية والمدارية في كل من‬

‫‪37‬‬
‫أمريكا الجنوبية وإفريقية سوف يبلغون والي األلف مليون ت مة إذا ما‬
‫تجح للم الطب في جعل القوة اإلتتاجية لهذه المناطل معادلة لنظيرتها‬
‫في الجهات المعتدلة‪ ,‬وفي الوقا الحاضر بحد أن األلف مليون من‬
‫ال كان الذين يعيشون في الصين والهند الموسمية يوازتون األلف مليون‬
‫الموجودين فيما بين تهري مي وري وين ى‪.‬‬

‫وجاء اللواء األستاذ الدكتور «كارل هوسهوفر» فدرا بكل دقة‬


‫ولناية كتابات ال يرهالفور ما كندر‪ .‬ولقد ولد هذا القائد في والية بلغاريا‬
‫سنة ‪ ,1869‬والتحل خالل المدة ‪ 1909 -1908‬بالجيش الياباتي‬
‫مدربنا لمدفعيته‪ ,‬فتهيأت له بذلك الفرصة لدراسة أ وال هذه البالد‬
‫وأ وال سكاتها والوقوف للى الشئون المتصلة بالمحيط الهادي‪ .‬وقد‬
‫ظهرت آثار هذه الدراسة في كتابه‪« :‬جيوبولتيكا المحيط الهادي»‬
‫(‪ )Geopolitik der pazifischen Ozeano‬الذي يعتبر أهم مؤلفاته‪.‬‬
‫كذلك تراه يتقدم في سنة ‪ 1911‬لجامعة ميوتخ برسالة لن اليابان‬
‫للحصول للى الدكتوراة منها‪ .‬كذلك خدم في الحرب العالمية األولى‬
‫وارتقى في الجيش القيصري تى وصل إلى رتبة اللواء والطريف أن ياوره‬
‫إذ ذاج كان ردولف هيس ‪ .Rudolf Hess‬ولما أن اتتها هذه الحرب‬
‫ولاد إلى الحياة المدتية صرف همه إلى البحث في األسباب التي أدَّت‬
‫مدرسا للجغرافية‬
‫إلى اتهيار ألماتيا اإلمبراطورية‪ .‬ولين في سنة ‪ 1918‬ن‬
‫والتاريخ الحربي بجامعة ميوتخ ووصل فيها إلى منصب األستاذية سنة‬
‫‪ .1920‬ثم أسس بعد ذلك بقليل «معهد ميوتخ للجيوبولتيكا» وغايته‬
‫البحث في «تشأة هذا العلم وأس ه»‪ .‬وفي سنة ‪ 1924‬بدأت مجلة‬
‫‪38‬‬
‫‪ Zeitochrift fûr politik‬تنتشر آراءه الخاصة في للم الجيوبولتيكا‪.‬‬

‫والتقى «هوسهوفر» بهتلر ألول مرة في سنة ‪ ,1923‬لندما كان‬


‫«الفوهرر» سجيننا في قلعة ال تدزبرج‪ ,‬ويوم كان منهمكا في تأليف كتابه‬
‫«كفا ي» ‪ ,Mein Kampf‬وقد تم تعارفهما للى يدي «رودلف هيس»‬
‫وهو صديل ميم لهتلر وأ د تالميذ هوسهوفر‪ .‬وما أن تأسس الرايخ‬
‫الثالث تى منحا الحكومة النازية المعهد الجيوبولتيكي إلاتة مالية‬
‫ي تعين بها للى متابعة أبحاثه‪ .‬كما ُلين «هوسهوفر» في سنة ‪1934‬‬
‫رئي ن ا لألكاديمية األلماتية‪ .‬هذا وقد تعددت مظاهر النشاط الذي قام به‬
‫أوال اإل صائيات التي جمعها المعهد الميوتخي‬
‫«هوسهوفر» ‪ ...‬فهناج ن‬
‫تدليما آلراء رئي ه‪ ,‬تلك اآلراء التي التمد فيها إلى د كبير للى‬
‫كتابات «ما كندر» وللى ين كان هتلر يوجه خطاباته إلى جموع‬
‫الشعب‪ ,‬كان «هوسهوفر» يعمل للى استمالة الطبقات المثقفة لن طريل‬
‫المقاالت التي كان ينشرها‪ .‬كذلك استطاع المعهد بفضل األبحاث التي‬
‫قام بها للماؤه المنتشرون في جهات العالم المختلفة أن يمد دوائر‬
‫الحكومة األلماتية بالكثير من الحقائل والمعلومات النافعة‪ .‬وقد تجح‬
‫بصفة خاصة في جميع الحقائل المتصلة بأمريكا الجنوبية بفضل ألوان‬
‫ألماتيا النازية المنتشرين هناج‪ .‬أما أمريكا الشمالية فلم يكن لها ظ‬
‫يذكر من لنايته‪.‬‬

‫ولما كاتا هيئة أركان رب الجيش األلماتي قد ألغيا بموجب‬


‫معاهدة فرساي سنة ‪ ,1918‬فقد قام معهد ميوتيخ فيما بين سنة‬

‫‪39‬‬
‫‪ 1920‬وال نوات القليلة التي تلا سنة ‪ 1930‬بالنصيب األكبر من‬
‫ألمال هذه الهيئة‪ .‬وليس من ّك في أن مالت هتلر الع كرية‬
‫استفادت إلى درجة كبيرة مما جمعه لها «هوسهوفر» من بياتات و قائل‪.‬‬
‫وأخيرا فإتنا ترى آثار هذا المعلم القدير جلية واضحة في ال ياسة‬
‫ن‬
‫الخارجية التي اتبعتها الحكومة النازية تى بدء ملتها للى الروسيا‪,‬‬
‫‪Zeitochrift fur‬‬ ‫فكثيرا ما كاتا المقاالت التي تنشرها مجلة‬‫ن‬
‫‪ Geopolitik‬تفصح لما ينتوي النازيون القيام به من تشاط خارجي‪.‬‬

‫هذا ول وف تثير تهاية الرايخ الثالث المرتقبة مشكلة مصير‬


‫«المعهد الجيوبولتيكي» ولكن من المحتمل أن يقال إذ ذاج إته لم تكن‬
‫(‪)1‬‬
‫في‬ ‫هناج أية لالقة مباّرة بين المعهد في ميوتخ وبين ولهم تراا‬
‫برلين‪.‬‬

‫أما لن الروابط الشخصية بين هوسهوفر وهتلر فهذه كاتا محدودة‬


‫للغاية‪ ,‬وذلك لما بينهما من تباين كبير‪ :‬فاللواء «هوسهوفر» دكتور في‬
‫الفل فة من جامعة ميوتيخ ووصل إلى رتبة اللواء في الجيش القيصري‪,‬‬
‫وهو إلى جاتب هذا وذاج جغرافي ممتاز؛ أما هتلر فلم يكن من طالب‬
‫الجامعات وأقصى ما وصل إليه في الحرب العالمية األولى هو رتبة‬
‫«الصول» ولم يُظ ِهر تفوقنا من أي توع في المر لة األولى من ياته‪.‬‬
‫ولكن يال ظ إلى جاتب ذلك أن كال من الرجلين اتخذ‪ ,‬بعد الحرب‬
‫مقرا له وركز فيها تشاطه‪ ,‬فاتصرف أ دهما‬
‫العالمية األولى‪ ,‬مدينة ميوتيخ ن‬

‫المترجمان‪.‬‬ ‫(‪ )1‬مقر الحكومة األلماتية‪.‬‬


‫‪40‬‬
‫إلى ال ياسة واآلخر إلى ال ياسة الجغرافية‪ .‬ولقد التقى هوسهوفر بهتلر‬
‫لندما كان ثاتيهما يعد كتابه «كفا ي» ولكن أواصر الصداقة لم تتوثل‬
‫بين الرجلين‪ .‬غير أن هذا لم يحل دون تأثر هتلر بآراء الكاتب الجغرافي‬
‫واضحا في الفصل الرابع لشر من كتاب ‪Mein Kampf‬‬‫ن‬ ‫كما يبدو‬
‫وخاصةن في موضوع أهمية المجال األرضي‪ .Space .‬هذا ولما كاتا‬
‫زوجة هوسهوفر غير آرية فإته لم يكن من بين ألضاء الحزب االّتراكي‬
‫ين رئي ن ا لألكاديمية األلماتية في سنة‬
‫الوطني‪ .‬وهو وإن كان قد ُل َ‬
‫‪ , 1934‬فإن مصيره لم يكن من الضروري أن يرتبط بمصير هتلر؛ ألته‬
‫تى إذا ما دلا الظروف إلى غلل معهد ال ياسة الجغرافية بعد اتهيار‬
‫الرايخ األلماتي‪ ,‬فإن تعاليم هذا المعهد سوف تبقى من بعده‪.‬‬

‫وال يلمس البا ث في كتابات «هوسهوفر» في أية تا ية من توا يها‬


‫صورة واضحة يمكن أن ي تبين منها الخطوط الرئي ية لل ياسية‬
‫الجغرافية كما تصورها هو فمدرسة ميوتيخ مثال ‪-‬للى لكس ما يقدِّره‬
‫البعض‪ -‬لم تضع خطة محددةن واضحة لغزو الواليات المتحدة‪.‬‬

‫أما مؤلفاته فكثيرة‪ ,‬فهو إلة جاتب توليه رياسة تحرير مجلة‬
‫‪ ,Zeitschift fur Geopolitik‬صا ب كتاب «ال ياسة الجغرافية‬
‫للمحيط الهادي» وقد أّير إليه فيما سبل‪ ,‬وكتاب ال ياسة الجغرافية‬
‫لتقرير المصير ‪ Geopolitik der Selbsteslimmung 1923-‬ثم‬
‫كتاب «الحدود» ‪«Grenzer 1922 -‬وال ياسة الجغرافية الع كرية‬
‫‪ Wehr Geopolitik -1932‬و«ال ياسية العالمية في الوقا‬

‫‪41‬‬
‫الحاضر» ‪« Welitpolitik Vonletile 1934‬والمحيطات العالمية‬
‫والدول العظمى» ‪ -1934 Weltmeer Und Weltmachte‬كذلك‬
‫أّرف للى جمع وتحرير كتاب «ما وراء الدول الكبرى» ‪1932 -‬‬
‫‪ Fenseito her Gross Màchte‬وكتاب «العالم والقوة» ‪-1935 -‬‬
‫‪ Macht and erde‬أما معاوتوه في مدرسة ميوتيخ فأجدرهم بالذكر ابنه‬
‫‪ Albercht‬ثم ‪Wulf Seiwert, Erich obst Guatav F. ohler‬‬
‫‪.Hauke Joseph Marz, Otto Maull,‬‬

‫وتتخلص آراء هوسهوفر بوجه لام في موضولات ثالثة‪ :‬تعاليمه‬


‫بصفة لامة‪ ,‬والنا ية الع كرية لل ياسة الجغرافية‪ ,‬ثم تأمالت وآراء في‬
‫الدول الكبرى‪.‬‬

‫أما لن تعاليمه بصفة لامة فإن أهم ما يال ظ لليها أته كان متأثرا‬
‫إلى درجة كبيرة بفكرة المجال الجغرافي‪« ,‬فالمجال» للى د قوله‬
‫«يتحكم في تاريخ البشرية» وقد سبقه راتزل إلى ذلك فقال‪« :‬إن تدهور‬
‫ك ل دولة هو تتيجة لتدهور وضعف فكرة المجال األرضي لندها»‪.‬‬
‫وهوسهوفر من المؤمنين بأن الدولة يجب أن تت ع أو تهلك‪ .‬وفي تطبيل‬
‫هذا المبدأ ت ليم ضمني بأن قيام الدولة الضخمة ‪ Superstate‬معناه‬
‫زوال الو دات الصغرى‪ .‬وقد وجدت هذه الفكرة ‪-‬فكرة المجال‪ -‬قبوال‬
‫لظيما لدى للماء الجيوبولتيكا من األلمان فناصروها بكل ما فيهم من‬
‫قوة‪ ,‬ومن ذلك الكتاب الذي ألفه ‪ Edward Banse‬األستاذ بكلية‬
‫برتزويك المهنية‪ ,‬وأطلل لليه اسم «المجال الجغرافي والبشري في‬

‫‪42‬‬
‫الحرب العالمية ‪ Raum und Volk im Welt kreig‬والذي أثارت‬
‫ترجمته إلى اللغة اإلتجليزية تحا لنوان «ألماتيا ت تعد للحرب»‬
‫‪Germany Prepares for War‬جدال لنيفا‪ ,‬ولكنه جدل لم يحل‬
‫دون ترقية كاتبه إلى رئاسة الق م الفني لهيئة أركان رب الجيش‬
‫األلماتي‪ .‬كذلك كان هوسهوفر من المحبذين لمبدأ «منرو» الذي تقوم‬
‫لليه سياسة تصف الكرة الغربي‪ ,‬للى التبار أته تموذج يمكن أن تحتذي‬
‫به ألماتيا في مجالها‪ .‬الجغرافي العالمي‪ .‬وقد ذهب للماء الجيوبولتيكا‬
‫األلمان في خيالهم إلى أبعد من ذلك فتصوروا العالم وقد ق ِّ م إلى ثالث‬
‫دول لالمية ضخمة هي‪ :‬الواليات المتحدة في تصف الكرة الغربي‪,‬‬
‫واليابان في ّرق آسيا ثم ألماتيا في أوربا وإفريقية وكذلك منطقة القلب‪.‬‬

‫أما فكرة ضغط ال كان وتكاثفهم‪ ,‬فقد اتخذ منها معهد ميوتيخ‬
‫مجرد وسيلة للدلاية‪ ,‬ألن هوسهوفر تف ه لم يكن من المعتقدين بأن‬
‫تى اليابان قد زاد سكاتها لن الحد الذي يتفل ومواردها الطبيعية‪.‬‬
‫ولكنه كان يؤمن بأن ال يادة للى المجال يجب أن تأتي لن طريل‬
‫كم الواليات‬ ‫الم ؤثرات الجغرافية والجن ية‪ ,‬فمن ذلك مثال أن‬
‫المتحدة لجزر هاواي ي ير في طريقه إلى الزوال ب بب ما سوف تأتي به‬
‫األيام من ت لط اليابان لليها من النا يتين الجن ية والجغرافية‪ .‬وهناج‬
‫فئة متحم ة من للماء الجيوبولتيكا تنظر إلى مشكلة ضغط ال كان من‬
‫تا ية وا دة‪ ,‬وهي تا ية العالقة بين المجال األرضي ولدد ال كان‪,‬‬
‫ففي رأيهم مثال أن أستراليا ‪-‬وم ا تها قدر م ا ة الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ -‬يمكن أن تت ع لمائتين ولشرين مليوتنا من النفوا‪ ,‬غافلين‬
‫‪43‬‬
‫لن أن هذه المشكلة ‪-‬مشكلة ضغط ال كان‪ -‬ألقد من ذلك بكثير‬
‫ألتها تتناول ‪-‬إلى جاتب الم ا ة الجغرافية‪ -‬الموارد الطبيعية ومدى‬
‫استغاللها ثم لدد ال كان وت بة زيادتهم وم توى معيشتهم‪ .‬ولكن هذه‬
‫كلها كاتا‪ ,‬في تظر للماء الجيوبولتيكا األلمان‪ ,‬التبارات ثاتوية‪ ,‬لما‬
‫يمكن أن تفيده الدلاية األلماتية من إثارتهم لهذه المشكلة‪.‬‬

‫ومن اآلراء األخرى التي قبلها والتنقها اللواء «هوسهوفر» تلك‬


‫الفكرة التي لالجها كل من ‪ Ratzel Kjellen‬من قبله‪ ,‬وهي أن «الدولة‬
‫كائن ي» ‪ ,‬ومن ثم جاء تشخيصه لألدواء التي تشكو منها الدولة‬
‫األلماتية مبنينا للى ضوء المجال األرضي (‪ )Raum‬الذي يتالءم وموقعها‬
‫الجغرافي (‪ )Laqe‬ينذاج‪ .‬وكاتا تذكرة الدواء التي اتتهى إليها لالجه‬
‫لهذه الحال هي تلك اللفظة التي اتطلل بها ل ان كل زليم ألماتي ‪-‬‬
‫‪ -Lebensvaum‬وترجمتها «المجال الحيوي» ذلك المجال الذي ال‬
‫غنى لنه لحياة الشعب األلماتي وتقدمه‪ .‬وقد ذهب ‪Lin Yu-tàng‬‬
‫(الكاتب الصيني) إلى أبعد من ذلك في تعريفه للجيوبولتيكا فقال إتها‬
‫ّيولا‬
‫ن‬ ‫للم «الدم والتربة»‪ .‬ومن أ ب الروايات إلى األلمان وأكثرها‬
‫بينهم فيما بعد سنة ‪ 1926‬رواية (‪ )Volk ahne Raum‬وترجمتها‬
‫«قوم بال مجال»‪ ,‬وهي قصة أ د المهاجرين األلمان في جنوب غربي‬
‫إفريقية(‪ )1‬وكفا ه ضد االستعمار البريطاتي‪.‬‬

‫(‪ )1‬كان جنوب غربي إفريقية إ دى الم ـتعمرات األلماتيـة التـي سـلخا لنهـا بعـد الحـرب‬
‫العالمية األولى ووضعا تحا اتتداب كومة اتحاد جنوب إفريقية‪.‬‬
‫‪44‬‬
‫وثمة موضوع آخر كان محببا لدى للماء الجيوبولتيكا‪ ,‬ذلك هو‬
‫موضع الكتابة االقتصادية أو ما يعبرون لنه باسم ‪ ,Autarky‬وقد طلبوا‬
‫بشدة من ألماتيا‪ ,‬في كتاباتهم‪ ,‬أن تصبح و دة ت د اجتها بنف ها‪,‬‬
‫تاظرين بذلك إلى األهمية القصوى التي لهذا ال الح ‪-‬سالح التحكم‬
‫االقتصادي‪ -‬في كل توسع سياسي‪ ,‬وفي هذا يقول ‪« Otto Maull‬إن‬
‫تماما تفس اآلثار التي تترتب للى‬
‫التغلغل االقتصادي الكامل‪ ,‬له ن‬
‫اال تالل األرضي»‪.‬‬

‫هذا وقد ألدت مدرسة ميوتيخ قائمة بفئة معينة من المقاييس‬


‫الجيوبولتيكية أو مظاهر الضغط داخل أية دولة من الدول‪ ,‬ومن هذه‬
‫موقع العاصمة فهو دليل للى درجة استقرار الحالة الداخلية للبالد؛‬
‫لمال موف نقا ب بب‬
‫فاتتقال العاصمة من مدينة بطرسبرج إلى موسكو كان ن‬
‫ما للمدينة األخيرة من ميزة للى المدينة األولى في الة الغزو الخارجي؛‬
‫وقد برهن صار النازيين لمدينة ليننجراد للى كمة ذلك‪ .‬كذلك كان‬
‫الحال لندما تقل األتراج لاصمتهم من مدينة إستاتبول للى ال ا ل‬
‫األوربي للمضايل إلى أتقرة في هضبة األتاضول بآسيا الصغرى‪ ,‬ألن‬
‫الدفاع لن أتقرة أسهل بكثير من الدفاع لن إستاتبول في تركية األوربية‪.‬‬
‫كذلك يرى «هوسهوفر» أن اختيار كنبرا ‪ Canberra‬لاصمة ألستراليا‬
‫وخصوصا إذا أخذتا بعين االلتبار توسط موقعها في الة‬
‫ن‬ ‫اختيار موفل‬

‫‪45‬‬
‫(‪)1‬‬
‫أما موقع باريس لاصمة‬ ‫اتضمام تيوزيالتد إلى اتحاد األتزاج ‪Anzac‬‬
‫فرت ا فله إلى جاتب أهميته الجغرافية أهميته النف ية الخطيرة بالن بة‬
‫ل كان هذه البالد‪ .‬كما يدل للى ذلك تاريخها الحديث‪ .‬فقد كان‬
‫سقوط باريس في يد األلداء مؤذتنا باتهيار فرت ا كلها‪ .‬وقد دث هذا‬
‫للى أثر ا تالل الحلفاء لباريس بعد موقعة واترلو في سنة ‪ ,1815‬وبعد‬
‫ا تالل األلمان لها في الحرب البروسية الفرت ية (‪,)1871 -1870‬‬
‫ولند ا تالل األلمان لها في الحرب العالمية الثاتية ‪ .1940‬أما في‬
‫الحرب العالمية األولى‪ ,‬فقد وصل األلمان في ز فهم سنة ‪ 1914‬إلى‬
‫أميال قليلة من هذه المدينة ثم تراجعوا بعد موقعة «المارن» فنجا‬
‫المدينة وصمدت فرت ا تى النهاية‪.‬‬

‫ومن المعايير الجيوبولتيكية التي وضعها «هوسهوفر» درجة تحضر‬


‫وتجمع ال كان –‪ -Urbanisation‬فهو يعتقد أن اتتقال ال كان إلى‬
‫الحضر يقلل من درجة تحكمهم في التربة «‪ ,»Soil Maslery‬كما‬
‫يضعف من ت بة المواليد وي بب مشكالت ل كرية للدولة في أثناء‬
‫الحرب‪ ,‬ومن رأيه أن مقومات الدولة القوية أربعة‪ :‬لدد وفير من ال كان‬
‫وت بة لالية للمواليد‪ ,‬واتحاد تام بين دم سكاتها وتربتها‪ ,‬ثم توازن لادل‬

‫(‪ )1‬وه ــي لفظ ــة مكوت ــة م ــن الح ــروف األول ــى للو ــدات الع ــكرية ألس ــتراليا وتيوزيالت ــد‪:‬‬
‫‪ .Australia and New Zealand Army Corps‬وقـد اسـتعملا هـذه اللفظـة‬
‫للمرة األولى فـي الحـرب العالميـة األولـى وممـا يـذكر أن هـذه القـوات جـاءت إلـى مصـر‬
‫واّـ ـ ــتركا فـ ـ ــي الهجـ ـ ــوم الفاّـ ـ ــل الـ ـ ــذي ّـ ـ ــنته إتكلت ـ ـ ـرا للـ ـ ــى الـ ـ ــدردتيل إذ ذاج‪.‬‬
‫المترجمان‬
‫‪46‬‬
‫بين سكان ضرها وريفها‪.‬‬

‫والمقياا الثالث هو وجود منطقة تصادم تتالفى لندها دود‬


‫الدول المتناف ة‪ .‬ويذكر للى سبيل المثال لذلك جزائر الفيلبين‪ ,‬فهي‬
‫توضح موقف الواليات المتحدة واليابان الوا دة من األخرة‪ .‬ف كان‬
‫هذه الجزائر كلما لم وا في اليابان روح التوسع االستعماري أظهروا‬
‫والءهم لألمريكيين‪ ,‬أما إذا ما ّغل الياباتيون لن التوسع بأمورهم‬
‫الداخلية‪ ,‬فإتنا ترى الفلبيين وقد لال صوتهم مطالبين بكامل استقاللهم‪.‬‬

‫هذه هي تعاليم «هوسهوفر» بصفة لامة‪ .‬أما لن رأيه في النا ية‬


‫الع كرية للجيوبولتيكا‪ ,‬فنراه يؤكد أن قوام القوة الع كرية ثالث‪:‬‬
‫الجيش‪ ,‬واألسطول‪ ,‬وسالح الطيران‪ .‬أما لن الجيش فيقول «ال يزال‬
‫المشاة هم الذين يقررون مصير القتال ألتهم هم الذين ي تولون للى‬
‫المجال األرضي»‪ .‬ويقول في القوة البحرية‪« :‬إن ز ف أية دولة من‬
‫الدول تحو المجد يجب أن ينظر إليه للى أته خطوة من الخطوات‬
‫ال ياسية الحاسمة في تاريخ العالم»‪ .‬ولما كاتا ال يادة البحرية ضرورية‬
‫يما لندما‬
‫لنجاح العمليات الحربية الواسعة‪ ,‬فقد أخطأ القيصر خطأ ج ن‬
‫أ جم لن استخدام أسطوله في الهجوم للى ألدائه؛ ومع ذلك ترى هتلر‬
‫ملة وا دة ‪-‬هي «غزو‬ ‫ٍ‬ ‫لم ي تخدم األسطول األلماتي إال في‬
‫النرويج»‪ .‬أما لن ال الح الجوي فهو قليل التحمس له للى لكس‬
‫الميجر «سفرسكي» ‪ Major Seversky‬الروسي‪ .‬وتقتصر تظرة‬
‫«هوسهوفر» إلى القوة الجوية للى أتها قوة مكملة للجيش واألسطول‬

‫‪47‬‬
‫فقط‪ .‬أما القوالد األساسية في داخل البالد‪ ,‬فلها في تظره خطورتها‬
‫الحربية ألتها المطارات التي تخرج منها القوة الجوية‪ ,‬كما أتها في‬
‫ال وقا تف ه هدف يصوب إليه العدو قنابله‪ .‬هذا وقد أبرز «هوسهوفر»‬
‫في كتاباته الفرق بين الحدود القارية والحدود البحرية للدولة‪ .‬فاألولى‬
‫تحد من تموها؛ أما الثاتية فإتها تفتح الطريل أمامها إلى مختلف البحار‬
‫وال وا ل‪ .‬وللى هذا األساا أهاب بالشعب األلماتي أال يقع في خطا‬
‫االقتناع بكوته دولة أرضية كبرى‪.‬‬

‫ومن رأيه أن القوالد الحربية قد بدأت تفقد أهميتها االستراتيجية‪,‬‬


‫و لا محلها ‪-‬من هذه النا ية‪ -‬القوالد الكبرى‪ :‬فجبل طارق لي ا‬
‫له األهمية التي إلسباتيا ولي ا لجزيرة سنغافورة‪ ,‬الواقعة في النهاية‬
‫الجنوبية لشبه جزيرة الماليو‪ ,‬األهمية التي للقالدة الكبرى المكوتة من‬
‫جنوب ّرقي آسيا كله‪ .‬هذا ما قدره «هوسهوفر» في سنة ‪ ,1939‬وقد‬
‫أضاف إليه أن سنغافورة‪ ,‬تلك القلعة البحرية المنيعة‪ ,‬يمكن التغلب‬
‫لليها بالز ف من الجهة األرضية‪ ,‬وأن مجرد تملك منطقة قناة ال ويس‬
‫ال قيمة له من النا ية الحربية إذا لم تكن كل من مصر وفل طين‬
‫وقياسا للى هذه النظرية‪,‬‬
‫خاضعتين لنفوذ الدولة التي تتحكم في القناة‪ .‬ن‬
‫أصبحا قالدة هوتج كوتج ال قيمة لها لبريطاتيا تى من قبل االلتداء‬
‫للى ميناء بيرل هاربر‪ ,‬كما لم تكن لمدينة بيناتج ‪ Penang‬القائمة للى‬
‫ال ا ل الغربي لشبه جزيرة الماليو البريطاتية أدتى قيمة من النا ية‬
‫اإلستراتيجية‪.‬‬

‫‪48‬‬
‫ضا أن الرقعات الصغيرة مناطل يمكن أن‬
‫وبذكر لنا «هوسهوفر» أي ن‬
‫ي تعان بها في الهجوم‪ ,‬أما البالد ذات الرقعة الكبيرة فهي ت الد في‬
‫الدفاع‪ .‬وهو إذ يقرر هذا ي تشهد بكل من هوالتد وروسيا‪ .‬فاألولى رغم‬
‫دفالها المجيد لم تلبث أن سقطا في أيدي الغزاة ‪-‬ألماتيا في الحرب‬
‫العالمية الثاتية‪ -‬للى ين أن الثاتية تمكنا من الدفاع لن تف ها داخل‬
‫بالدها المترامية األطراف‪ ,‬وبهذه المناسبة تراه يحذر ألماتيا من القتال‬
‫وقا وا د‪ ,‬وتحضره في هذا‪ ,‬الذكريات المؤلمة للحرب‬ ‫في ميداتين في ٍ‬
‫العالمية األول ى ينما ظلا الجيوش الروسية واقفة في الميدان الشرقي‬
‫من سنة ‪ 1914‬تى سنة ‪ ,1917‬و ينما بقيا القوات اإلتجليزية‬
‫واألمريكية والفرت ية صامدة في الميدان الغربي تى النهاية‪ .‬وبصفته‬
‫رجال من رجال التاريخ تراه ينصح ألماتيا أال تكون هي البادئة بإلالن‬
‫رب ألن هذا يجر لليها وصمة العدوان‪ .‬وقد لمل هتلر في الحرب‬
‫األوربية الثاتية بهذه النصيحة ولم يشذ لنها إال في الة وا دة‪ .‬وذلك‬
‫لندما أللن الحرب للى الواليات المتحدة‪ .‬ومن تعاليمه األخرى أن‬
‫يكون اال تالل الع كري للمجال األرضي ا تالال كامال ّامال‪ .‬وبذلك‬
‫يمكن القضاء للى رب العصابات‪ ,‬تلك الحرب التي قاما في الصين‬
‫بعد المجهودات المهلكة التي بذلتها الجيوش الياباتية إلخضاع تلك‬
‫وأخيرا تراه ينصح بعدم محاولة االستيالء للى المدن لن طريل‬
‫ن‬ ‫البالد‪.‬‬
‫الهجوم المواجه‪ ,‬ويفضِّل أن تحاصر المدينة وأن تُمنع لنها جميع‬
‫اإلمدادات‪ .‬ول وف تظل ذكريات موقعة ستالينجراد األليمة ماثلة أمام‬
‫هذا المعلم القدير‪.‬‬

‫‪49‬‬
‫أما لن آرائه وتأمالته في الدول الكبرى‪ ,‬فقد اتبع «هوسهوفر» في‬
‫جميع كتاباته لنها النا ية الواقعية‪ .‬فهو ي مى روسيا قرصان ال هوب‬
‫‪ pirates the steppes‬كما ي مى بريطاتيا قرصان البحار‪Pirates .‬‬
‫‪ .of the Sea‬وروسيا في التقاده‪ ,‬إن هي إال مجمولة من أقليات‬
‫جن ية يجب العمل للى تق يمها إلى الو دات التي تتكون منها مثل‬
‫أوكراتيا‪ ,‬ومنطقة الفولجا‪ ,‬وإقليم بحر البلطيل هذا وقد كاتا ملة‬
‫تابليون للى الروسيا أهم الحوادث التاريخية التي فيها با ثو الجيوبولتيكا‬
‫األلمان واستشهدوا بها‪ .‬كذلك يبدو لنا أن معاهدة لدم االلتداء التي‬
‫لقدت بين روسيا وألماتيا في سنة ‪ 1939‬كاتا أكثر قبوال لدى‬
‫«هوسهوفر» من غزو النازيين لتلك البالد في يوتية سنة ‪ .1941‬أما لن‬
‫إتجلترا‪ .‬فمن رأيه أن اإلمبراطورية البريطاتية ت ير تحو االتحالل‪ .‬ومن‬
‫األمثلة التي ي وقها ظهور بعض األساطيل المناهضة لألسطول البريطاتي‬
‫في سيطرته للى البحار‪ ,‬واضطراد الحركة االستقاللية في الممتلكات‬
‫الم تقلة (الدومينيون)‪ ,‬و تمية فقدان هذه الدولة لقوالدها الحربية في‬
‫بأال تحارب إتجلترا َّإال بعد أن يتم‬
‫الة تشوب رب‪ .‬وهو ينصح ألماتيا َّ‬
‫لها ال يطرة للى كل من روسيا وفرت ا‪ .‬ويرى «هوسهوفر» أن فرت ا قد‬
‫بلغا درجة الركود من النا يتين البيولوجية وال ياسية؛ ولهذا سوف‬
‫ت قط غنيمةن باردة في أيدي األلمان بعد رب أو دون رب إطالقنا‪.‬‬
‫ولم يكن إليطاليا ّأن يذكر في تظر للماء الجيوبولتيكا األلمان؛ ولهذا‬
‫لم يعيروها َّإال القليل من اهتمامهم‪.‬‬

‫ولما كاتا الواليات المتحدة غير داخلة في النظام الذي وضعه‬


‫‪50‬‬
‫ذكرا قليال في‬
‫«هوسهوفر» لمبادئ الجيوبولتيكا‪ ,‬فإتنا ال تجد لها إال ن‬
‫كتاباته‪ ,‬ومن هذه اإلّارات القليلة قوله مرنة «إتها الدولة الو يدة ذات‬
‫الجيوبولتيكا الناضجة»‪ ,‬وقوله مرة أخرى في سنة ‪« :1937‬ليس في‬
‫وسعنا أن تتنبأ بالجهة التي سوف يمتد إليها إصبع ال ياسة األمريكية‪,‬‬
‫فقد تكون أوروبا وقد تكون آسيا وقد تكون إفريقية‪ .‬غير أن معظم‬
‫الدالئل تشير إلى المحيط الهادي‪ ».‬ثم قوله في موضع ثالث‪« :‬إن‬
‫الشعب األلماتي في جملته ال يحمل لألمريكيين من الذكريات الطيبة َّإال‬
‫الشيء القليل‪ .‬والخير كل الخير أال ت مع بهم وأال تراهم»‪.‬‬

‫ثم يتحدث لن اليابان فينصح بعقد تحالف بين برلين وطوكيو‪ .‬وفي‬
‫التقاده أن الحرب ال بد قائمة بين اليابان والواليات المتحدة ب بب ما‬
‫لبريطاتيا وهوالتد وفرت ا من ممتلكات في المحيط الهادي‪ .‬غير أته في‬
‫الوقا تف ه ال ي تبعد ا تمال قيام الحرب بين ألماتيا واليابان تف ها‪.‬‬
‫ألن المعركة النهائية التي سوف تقرر مصير ال يادة العالمية سيكون‬
‫ميداتها في المحيط الهادي‪ .‬أما الصين‪ ,‬فيرى أته من الممكن‬
‫استخدامها سال ن ا تحارب به كل من الواليات المتحدة وبريطاتيا‬
‫كثيرا قيام الحرب بينها وبين اليابان في سنة‬
‫العظمى‪ ,‬ولهذا أزلجه ن‬
‫قائما بين هاتين الدولتين‪ .‬فقد‬
‫‪ ,1937‬إذ كان من أتصار استمرار ال لم ن‬
‫تخيل هذا الكاتب ألماتيا والروسيا والصين واليابان وقد كوتا كلها في‬
‫النهاية و دة وا دة تعمل بو ي من برلين‪.‬‬

‫ضا آراؤهم‬
‫وإذا تحن لدتا إلى اليابان تجد أن كتابها كاتا لهم أي ن‬

‫‪51‬‬
‫في الجيوبولتيكا‪ .‬ولكن هذه اآلراء لم يكن لها من الوزن ما كان آلراء‬
‫معهد ميوتخ‪ .‬يضاف إلى هذا أته لم يقم فيهم كاتب وا د يقابل اللواء‬
‫«هوسهوفر» ومع هذا فهناج من ينظرون إلى مذكرة تاتا كا ‪Tanaka‬‬
‫‪ Memorial‬للى أتها تعبير صادق من جاتب الياباتيين للتوسع‬
‫الجيوبولتيكي‪ .‬فقد قدم البارون «تاتا كا» كما يزلم بعضهم‪ ,‬مذكرته هذه‬
‫المكوتة من لشرة آالف كلمة‪ ,‬إلى إمبراطور اليابان في الخامس‬
‫والعشرين من ّهر يولية سنة ‪ .1927‬وما كاد الصينيون يذيعون سر هذا‬
‫الم تند تى سارع الياباتيون بالطعن فيه بالتزوير‪ .‬ومع أن الصينيين لم‬
‫يقدِّموا الدليل القاطع للى صحة معلوماتهم فإتهم يعتقدون أن هذه‬
‫الوثيقة صادرة لن جهة ياباتية لها وزتها‪ .‬وتحن من جاتبنا ترى في بقاء‬
‫مؤخرا في المحيط الهادي‬
‫هذه المذكرة قائمة‪ ,‬ومن الحوادث التي وقعا ن‬
‫ما يحملنا للى االلتقاد بأتها لم تكن كلها مدسوسة‪ .‬وفي هذا يقول‬
‫‪ Ruberf Aura Smith‬وهو من الكتاب المشهورين بمعرفتهم الدقيقة‬
‫لشئون الشرق األقصى‪« :‬لو سلمنا بتزوير هذا الم تند‪ ,‬لوجب للينا أن‬
‫تعترف لبعض الصينيين بأتهم ألظم األتبياء الذين ظهروا منذ أّعياء»‪.‬‬
‫ومع ذلك‪ ,‬فمن المحتمل أن تكون هذه المذكرة هي تتيجة مبا ثات أ د‬
‫المؤتمرات التي لقدها بعض الموظفين الياباتيين لدراسة ّئون الشرق‬
‫األقصى وتقرير الم الدات التي يمكن أن يقدموها لحكومتهم لتحقيل‬
‫سياستها اإليجابية في منشوريا‪.‬‬

‫والكثير مما ورد في هذه المذكرة يبدو اآلن (في سنة ‪)1942‬‬
‫مطابقا للواقع إلى درجة كبيرة‪ .‬اتظر إلى العبارة اآلتية‪:‬‬
‫‪52‬‬
‫«ولكي تتم لليابان ماية تف ها و ماية غيرها‪ ,‬يتحتم لليها أن‬
‫تزيل الصعاب التي تعترضها في ّرق آسيا‪ ,‬وهذا لن يتأتى لها إال إذا‬
‫اتبعا سياسة الدم والحديد‪ .‬غير أن تنفيذ هذه ال ياسة يتطلب الوقوف‬
‫في وجه الواليات المتحدة التي ألبتها للينا ال ياسة الصينية القائمة للى‬
‫محاربة ال م بال م‪ .‬وللينا في الم تقبل‪ .‬إذا تحن أردتا أن تب ط‬
‫أوال للى الواليات المتحدة‪ ,‬مثلما‬‫سيادتنا للى الصين‪ ,‬أن تقضي ن‬
‫اضطررتا في الماضي إلى خوض لمار الحرب الروسية الياباتية‪ .‬وإخضاع‬
‫الصين يجب أن ي بقه إخضاع منشوريا ومنغوليا‪ ,‬كما أن الت لط للى‬
‫العالم كله يجب أن ي بقه التغلب للى الصين‪ ,‬ألتنا إذا تجحنا في‬
‫التغلب للى هذه البالد‪ ,‬ارتعدت خوفا منا فرائص بقية الدول األسيوية‬
‫ودول المحيط الجنوبي واست لما لجيوّنا‪ ,‬وإذ ذاج يشعر العالم بأن‬
‫ّرق آسيا أصبح لنا ولن يجرؤ أ د للى منازلتنا فيه‪ .‬هذه هي الخطة‬
‫التي رسمها لنا اإلمبراطور ميجي ‪ Mejji‬والتي أصبح تجا ها ضرورينا‬
‫لبقائنا القومي ‪.»...‬‬

‫هذا وقد ّهد تائب األميرال ‪ Joseph K. Taussig‬أمام اللجنة‬


‫البرلماتية لشئون البحرية في أبريل سنة ‪ 1940‬بالتقاده بصحة هذه‬
‫المذكرة‪ ,‬ولكن وزارة البحرية الياباتية أتكرت للى تائب األميرال رأيه‬
‫هذا‪ ,‬وقاما ال فارة الياباتية في واّنجطون بإظهار سا متناقضات في‬
‫النص الذي تشر م تشهد نة بهذه المتناقضات للى «تزوير» هذه المذكرة‬
‫و«دسها» للى كومتها‪ .‬ومن بين هذه المتناقضات استحالة ضور‬
‫األمير ‪ Yamagota‬لمؤتمر يعقده األمير تيشو ‪ Taisho‬في سنة ‪1922‬‬
‫‪53‬‬
‫ألن هذا األمير كان قد اتتقل إلى ر مة مواله قبل ذلك التاريخ‪ ,‬وأته من‬
‫غير الممكن أن ترسل كريمة القائد ‪ Fukushima‬إلى منغوليا لتكون‬
‫م تشارة أل د أمرائها‪ ,‬ألن هذه ال يدة لم تزر تلك البالد قط‪.‬‬

‫إزاء هذا كله‪ ,‬فإن المصدر الحقيقي لمذكرة «تاتاكا» ال يزال يحوطه‬
‫الشك والغموض‪.‬‬

‫مظهرا طري نفا من مظاهر الفكر الجيوبولتيكي الياباتي‪,‬‬


‫ن‬ ‫وإليك اآلن‬
‫وهو يتمثل هذه المرة في مجمولات من المحاضرات أذالها‬
‫‪ Sunekichi Komaki‬أستاذ الجغرافية بجامعة طوكيو اإلمبراطورية‪ ,‬للى‬
‫أثر سقوط سنغافورة ‪( -‬في أيدي الياباتيين) –وهو وإن لم يكن في‬
‫أ اديثه تاط نقا بل ان كومته‪ ,‬إال أته أذاع محاضراته هذه من محطة‬
‫إذالة كومية‪ ,‬كما أته يمثل جامعة كومية‪ .‬وفيما يلي مقتطفات مما‬
‫صرح به في إ دى هذه المحاضرات‪:‬‬

‫« لندما وصل كولمب ‪ ....‬وجد أن هذه البالد الجديدة ي كنها‬


‫جزءا من‬
‫جزءا من الهند‪ ,‬ولما كاتا في الواقع ن‬
‫جمالة من الهنود فظنها ن‬
‫قارة آسيا بمعناها األصلي‪ ,‬فمن المعقول‪ ,‬بل ومن البديهي أن يطلل للى‬
‫أمريكا اسم القارة اآلسيوية الشرقية ‪ ....‬وقد ا تلا أوربا أستراليا لبضع‬
‫مئين من ال نين مضا‪ ,‬وكان ي كن تلك البالد إذ ذاج قرابة المليون‬
‫من الوطنيين ‪ ....‬جميعهم من الشعوب اآلسيوية‪ ,‬و تى األوربيين أتف هم‬
‫يعترفون بأن أستراليا جزء من آسيا‪ ,‬إذن فلنطلل لليها اسم القارة‬
‫اآلسيوية الجنوبية ‪ ....‬إن الق م من العالم ّمالي البحر المتوسط‪ ,‬وإلى‬
‫‪54‬‬
‫الغرب من البحر األسود يكون القارة التي لرفا باسم أوروبا‪ ,‬ولكن‬
‫المتأمل في الخريطة يرى أن هذا الق م بأكمله جزء من آسيا ‪ ....‬وللى‬
‫هذا فأوربا إن هي َّإال ق م من آسيا ‪ ....‬وإفريقية أي ن‬
‫ضا جزء من القارة‬
‫اآلسيوية‪ ,‬وقد التبرها اإلغريل األقدمون هكذا‪ .‬فقد اتفقوا للى التبار‬
‫البحر المتوسط ندا غريبنا آلسيا‪ ,‬والمحيط الهادي جزءا من آسيا‪,‬‬
‫ضا‪ ,‬ولي ا هناج بحار سبعة‪ ,‬وإتما‬
‫والمحيط األطلنطي جزءا من آسيا أي ن‬
‫هي بحر وا د للى اتصال ببالد اليابان‪ ,‬بالد الشمس المشرقة!! إن مياه‬
‫العالم كلها متصلة بالمياه الياباتية‪ ,‬وللى هذا يجب أن تطلل منذ اآلن‬
‫للى محيطات العالم مجتمعة‪ ,‬اسم المحيط الياباتي العظيم»‪ .‬وهكذا‬
‫تعاون األلمان والياباتيون فيما بينهما للى تق يم العالم إلى و دات‬
‫جغرافية كبرى‪ ,‬خاضعة لنفوذها‪ .‬وكان هذا التعاون تتيجةن لنمو‬
‫«الجيوبولتيكا» هذين القطرين‪ ,‬ذلك النمو الذي يمثل التطور التدريجي‬
‫لهذا العلم في البالد التي ت لطا لليها آراء هتلر وهيروهيتو؛ فقد جاء‬
‫في ديبا ة المحالفة التي لقدتها دول المحور الثالث في ‪ 27‬سبتمبر‬
‫سنة ‪ 1940‬ما يأتي‪- :‬‬

‫«إن كومات ألماتيا وإيطاليا واليابان ترى أته من الضروري إلقرار‬


‫سالم دائم أن تحصل كل أمة من أمم العالم للى الرقعة التي هي أهل‬
‫لها‪ ,‬وقد قررت من أجل هذا أن ت اتد وتعاون بعضها البعض فيما تقوم‬
‫به من مجهودات في ٍ‬
‫كل من ّرق آسيا األكبر وفي األقاليم األوروبية‬
‫للى التوالي‪ .‬وهي إذ تفعل ذلك إتما تهدف‪ ,‬بالدرجة األولى‪ ,‬إلى إقرار‬
‫وتثبيا تظام جديد‪ ,‬الغرض منه تقوية وإسعاد جميع الشعوب التي‬
‫‪55‬‬
‫يشملها هذا النظام‪ ,‬والحكومات الثالث‪ ,‬إذ تقرر هذا‪ ,‬تعلن لن رغبتها‬
‫في أن ي متد هذا التعاون إلى األمم الخارجة لن هذا النطاق ممن تريد‬
‫توجيه سياستها إلى الهدف األسمى‪ ,‬أال وهو ال الم العالمي‪».‬‬

‫إن هذا التصريح‪« ,‬الذي يبشر العالم بم تقبل سعيد»‪ ,‬يحدد لنا‬
‫واضحا منطقتي النفوذ المحوري في ّرق آسيا األكبر‪ ,‬وفي‬‫ن‬ ‫تحدي ندا‬
‫أوروبا‪ .‬أما منطقتا النفوذ العالمي األخريان‪ ,‬فالراجح أته يقصد بهما‬
‫الواليات المتحدة واالتحاد ال وفيتي‪ ,‬تلك الدولتان اللتان كاتتا تى‬
‫سبتمبر سنة ‪ 1940‬للى وئام وسالم مع دول المحور الثالث‪ .‬وقد‬
‫جاءت التصريحات الرسمية التي أدلى بها كل من ‪,Von Ribbentrop‬‬
‫وزير خارجية ألماتيا‪ ,‬والكوتا ‪ ,Ciano‬وزير خارجية إيطاليا‪ ,‬و‪Kurusu‬‬
‫ال فير الياباتي‪ ,‬مؤكدة ومؤيدة للمدلول الجغرافي لهذا النظام الجديد‪:‬‬

‫فالتصريح الذي أدلى به الفوهرر في الثالثين من ّهر يناير سنة‬


‫‪ 1941‬يدلنا داللة واضحة للى الدور الذي كاتا تنوي ألماتيا أن تلعبه‬
‫في أوربا‪ ,‬إذ يقول‪:‬‬

‫«إتي للى يقين من أن سنة ‪ 1941‬سوف تكون سنة اسمة في‬


‫واسعا أمام‬
‫النظام األوربي الجديد‪ ,‬ألته سوف ينف ح المجال فيها ن‬
‫المجمولة البشرية بأسرها ويقضي للى جميع االمتيازات التي يتمتع بها‬
‫بعض األفراد‪ ,‬كما يقضي للى ذلك االستبداد الذي فرضته بعض الدول‬
‫أخيرا فإن هذه ال نة سوف تهيئ‬
‫و كامها من الرأسماليين للى بقية العالم‪ ,‬و ن‬
‫لنا الدلائم التي يقوم لليها التفاهم الحقيقي بين جميع الشعوب‪ ,‬ذلك التفاهم‬
‫‪56‬‬
‫الذي سينتهي بال مراء إلى إقرار ال الم العالمي بين جميع األمم»‪.‬‬

‫وفي العاّرة من ّهر أبريل سنة ‪ 1941‬تشرت مجلة ‪Facts in‬‬


‫‪ ,Review‬وهي مجلة للدلاية األلماتية في الواليات المتحدة‪ ,‬خريطة‬
‫تبين المناطل األربع الصنالية الكبرى في العالم والمجال الطبيعي ٍ‬
‫لكل‬
‫منها‪ .‬وقد ظهرت فيها الواليات المتحدة وال منافس لها في تصف الكرة‬
‫الغربي‪ ,‬وألماتيا وإيطاليا م يطرتان للى كل من أوربا وإفريقية‪ ,‬واليابان‬
‫باسطة سيادتها للى ّرق آسيا الكبرى من الهند تى أستراليا؛ ثم‬
‫الروسيا وال منافس لها داخل دودها ال ياسية‪ .‬والمتأمل في هذه‬
‫الخريطة يطالع بين ثناياها الدليل القاطع للى التف ير األلماتي لإلقليمية‬
‫كما تخيلوها في ربيع سنة ‪ .1941‬وقد أردف النازيون هذا النوع من‬
‫دلايتهم بالتصريح اآلتي‪:‬‬

‫«إن الدبلوماسية األلماتية ال تنظر إلى األمم للى أتها قطع سلبية ال‬
‫لمل لها في لعبة الشطرتج الدولية‪ ,‬وإتما تراها وهي و دات كاملة‪,‬‬
‫تعيش داخل أقاليم محدودة بحدود اقتصادية واضحة‪ ,‬وتخضع‬
‫لجيوبولتيكا معينة‪».‬‬

‫كذلك أكثر فاّ تو إيطاليا من اإلفصاح لن آرائهم في التنظيم‬


‫اإلقليمي للعالم‪ ,‬ففي تفس الوقا الذي قاما فيه مجلة ‪Facts in‬‬
‫‪ Review‬النازية‪ ,‬بنشر خريطة العالم الجديد‪ ,‬تخرج للينا مكتبة االستعالمات‬
‫اإليطالية ‪ Italian Liberary of Information‬بالتصريح اآلتي‪:‬‬

‫‪57‬‬
‫«‪ ..‬للى ين تجد دول القارة األوربية وّمالي إفريقية واألمريكيتين‪,‬‬
‫وآسيا تعمل كلها للى تكوين و دات ذات كفاية اقتصادية‪ ,‬ترى‬
‫اإلمبراطورية البريطاتية تدخل في طور التفكك االقتصادي‪ .‬وقد بدأت‬
‫فعال من الو دات االقتصادية الكبرى‬
‫األجزاء المكوتة لها‪ ,‬تتجه وتقترب ن‬
‫التي هي تابعة لها جغرافيا»‪.‬‬

‫كذلك يقرر الوارثون لعرش اإلمبراطورية الروماتية في كل تواضع ما يلي‪:‬‬

‫«إن أوربا في طريقها اآلن إلى إقرار تظام اقتصادي جديد سوف‬
‫يتركز ول مجمولتين من الدول‪ ,‬تتطلع إ داهما إلى روما واألخرى إلى‬
‫برلين ‪ ...‬وإن في قيام مجمولات اقتصادية أكبر مما لرف تى اآلن‪,‬‬
‫وما سوف يتبعه من تكوين مجمولات سياسية ذات أّكال مختلفة لهو‬
‫الوسيلة التي ي تطيع بواسطتها الكثير من مجمولات هذه الدول تحقيل‬
‫قال أوسع إلتتاجهم الفردي‪».‬‬
‫مجالها االقتصادي‪ ,‬والتي تهيئ لألفراد ن‬

‫ضا بنصيبهم في التنظيم اإلقليمي‬


‫ولم يفا الياباتيون أن يطالبوا أي ن‬
‫للعالم‪ ,‬فقد كتب ‪ ,Hachiro Arita‬وهو متحدث بارز بل ان طوكيو‪ ,‬في‬
‫يناير سنة ‪ 1941‬يقول‪:‬‬

‫أما فيما يختص باليابان‪ ,‬فإن ّرق آسيا األكبر ‪-‬بما فيه إقليم‬
‫البحار الجنوبية‪ -‬يجب أن يحتل مكاته بين الكتل اإلقليمية الكبرى‪,‬‬
‫ذلك ألن الو دات المختلفة التي تدخل في تكوين ّرق آسيا ترتبط‬
‫الوا دة منها باألخرى ارتباطنا وثيقا من النوا ي الجغرافية والتاريخية‬

‫‪58‬‬
‫والجن ية واالقتصادية مما يجعل كل وا دة منها مكملة لألخرى وتمدها‬
‫بما ينفعها؛ وبذلك أصبحا م تكملة جميع العوامل المهيئة لالتدماج‬
‫في بعضها البعض من أجل تبادل الرخاء‪ ,‬مما هو ضروري للنهوض‬
‫بالو دة اإلقليمية»‪.‬‬

‫ويؤيد هذا ما جاء في الرد التاريخي الذي أجابا به الحكومة‬


‫الياباتية في ‪ 7‬دي مبر سنة ‪ 1941‬للى المذكرة المرسلة إليها من‬
‫كومة الواليات المتحدة بتاريخ ‪ 26‬توفمبر سنة ‪:1941‬‬

‫«إن سياسة الحكومة الياباتية التي ال ت تطيع التحول لنها إتما‬


‫تهدف إلى االستقرار في ّرق آسيا والعمل للى تشر ال الم العالمي‬
‫لتتمكن كل دولة من الحصول للى المركز الالئل بها في هذه الحياة ‪....‬‬
‫ولكن يال ظ أن كال من الواليات المتحدة وبريطاتيا قد لجأتا إلى جميع‬
‫(‪)1‬‬
‫فخالتا‬ ‫الوسائل الممكنة لتقديم المعوتة إلى كومة ‪Chung King‬‬
‫بذلك دون قيام صلح لادل بين الصين واليابان‪ ,‬كما تدخلتا بعملهما هذا‬
‫في المحاولة اإليجابية التي تقوم بها اليابان إلقرار األوضاع في ّرق‬
‫آسيا»‪.‬‬

‫ولقد تكررت هذه وغيرها من العبارات البليغة كقولهم‪« :‬ال ياسة‬


‫التي ال يمكن التحول لنها»‪« ,‬المجال المالئم»‪« ,‬الصلح العادل»‪ ,‬في‬
‫‪1‬‬
‫( )‪ Chung King‬لاصمة والية سشوان‪ ,‬وهي الوالية التي تشغل الق ـم مـن ـوض يـاتج‬
‫ت ي كياتج المعروف باسم النهر األ مر‪ ,‬وكاتا قد اتخـذتها الحكومـة الصـينية برياسـة‬
‫تشاتج كاي تشك قالدة لها تدير منها ركة المقاومة للغزو الياباتي‪.‬‬
‫‪59‬‬
‫مختلف التصريحات التي أدلى بها الياباتيون في المطالبة بما التبروه‬
‫منطقة تفوذهم للى سطح الكرة األرضية‪.‬‬

‫ومما هو جدير بالمال ظة أن كال من الياباتين واأللمان صر وا‬


‫والترفوا بأن تصف الكرة الغربي كتلة إقليمية قائمة بذاتها‪ :‬فهتلر في‬
‫تصريح متأخر له ألقاه في ‪ 30‬يناير سنة ‪ ,1941‬قد قال‪:‬‬
‫«إن ألماتيا لم تطلب ولم تدع في ٍ‬
‫يوم من األيام بوجود مصالح لها‬
‫في القارة األمريكية‪ ,‬لدا ما هو معروف من أن األلمان ساهموا في تحرير‬
‫هذه القارة»‪.‬‬

‫تداء إلى كل‬


‫وكان الرئيس روزقلا قد أرسل في أبريل سنة ‪ 1939‬ن‬
‫من ألماتيا وإيطاليا بطلب منهما إصدار تعهد بضمان سالمة اإل دى‬
‫وثالثين دولة التي تتكون منها أوربا والشرق األدتى فصرح الم تشار‬
‫ردا للى هذا بقوله‪:‬‬
‫األلماتي أمام الربشتاغ ن‬

‫«وإتي أصرح هنا أمامكم في قوة ولزم أن جميع االدلاءات التي‬


‫أذيعا بمختلف الطرق لما تنتويه الحكومة األلماتية من هجوم أو غزو‬
‫فضال‬
‫ألية بقعة من البقاع األمريكية‪ ,‬هي أباطيل تتنة وأكاذيب سخيفة‪ ,‬ن‬
‫لن أن هذه اال تماالت‪ ,‬إذا تظر إليها من النا ية الحربية البحتة‪ ,‬ال‬
‫يمكن أن تقوم َّإال في مخيلة األغبياء»‪.‬‬

‫ثم لاد الفوهرر في ‪ 14‬يوتية سنة ‪ ,1940‬في ضور جمالة من‬


‫الصحفيين األمريكيين فقال‪:‬‬
‫‪60‬‬
‫«إن الطريقة التي تكيف بها القارة األمريكية ياتها ال تهمنا في‬
‫ّيء‪ ,‬وال ينصب قولي هذا للى أمريكا الشمالية و دها بل وللى‬
‫الجنوبية أيضا‪ ...‬أمريكا لألمريكيين وأوربا لألوربيين»‪.‬‬
‫‪John‬‬ ‫وباإلضافة إلى كل ما ذكر فقد صرح الهرهتلر لم تر‬
‫‪ Cudahy‬ال فير األمريكي ال ابل في بلجيكا في ديث لهما بتاريخ‬
‫‪ 23‬مايو سنة ‪ 1941‬بقوله‪:‬‬
‫«إن فكرة غزو ألماتيا ألمريكا هي فكرة خيالية بحتة ال يتصورها إال‬
‫من تصور غزوة تجيء من القمر»‪.‬‬
‫كذلك ترى الكثيرين من المتحدثين الياباتيين يعترفون بالمظهر‬
‫اإلقليمي للعالم الجديد‪ ,‬ولكنهم في الوقا تف ه يطالبون الواليات‬
‫المتحدة بتطبيل «مبدأ منرو» ياباتي للى ت ل «مبدأ منرو» األمريكي‪,‬‬
‫فمن ذلك مثال ما كتبه ‪ ... Hikomatsu Kamikawa‬قال‪:‬‬
‫«تتجلى اإلقليمية بطريقة فعالة في مبدأ منرو متميزة بذلك لن‬
‫العالمية ‪ ...‬والواليات المتحدة بابتكارها لهذه الفكرة كاتا أول من‬
‫استمدت اإلقليمية التي تحاول اليابان اآلن ‪-‬مقتفية أثر أمريكا في‬
‫ذلك‪ -‬تقريرها في ّرق آسيا»‪.‬‬
‫وقد للل بعض كتاب اليابان للى موقف أمريكا من الممتلكات التي‬
‫كاتا لبعض الدول األوربية‪ ,‬التي اجتا تها الحرب العالمية الثاتية في‬
‫العالم الجديد بقولهم إته إذا كان مصير هذه الممتلكات التي للدول‬
‫األوربية المنهزمة قد أصبح معلقا للى مشاورات دول الو دة األمريكية‪,‬‬
‫‪61‬‬
‫فلماذا ال تُعطي اليابان ل التصرف في ممتلكات الصين المنهزمة؟»‪.‬‬
‫والواقع أن الو دة الجغرافية لنصف الكرة الغربي أصبحا اآلن‬
‫قيقة يعترف بها كثيرون من األمريكيين البارزين‪ ,‬يؤيد ذلك ما جاء في‬
‫إ دى النشرات الرسمية التي تصدرها جمالة االتحاد األمريكي ‪Pan‬‬
‫‪.American Union‬‬
‫« كثيرة هي المميزات الطبيعية التي تجعل من أمريكا قارة بذاتها‪..‬‬
‫ومن هذه لزلتها لن القارات األربع األخرى‪ ,‬فعلى ين تجد أوربا وآسيا‬
‫وإفريقية وأستراليا قد تراصا وتزا ما إلى جاتب بعضها البعض في‬
‫تصف وا د من الكرة األرضية‪ ,‬ترى أمريكا وقد ا تلا‪ ,‬منفردة في‬
‫لظمتها‪ ,‬النصف الغربي لهذه الكرة‪ ,‬يفصلها لن بقية أجزاء اليابس‬
‫المحيطان األطلنطي والهادي»‪.‬‬
‫للى أن هذا لم يحل دون قيام تقاش كبير ول الحدود الحقيقية‬
‫لنصف الكرة الغربي‪ ,‬وذلك للى أثر ا تالل الجيوش األمريكية لجزيرة‬
‫أي لندا في ‪ 7‬يوليه سنة ‪ .1941‬فقد صرح رئيس جمهورية الواليات‬
‫المتحدة في اجتماع صحفي بأن تعيين هذه الحدود يتوقف إلى درجة‬
‫كبيرة للى رأي آخر با ث جغرافي يكون اإلت ان قد تحدث إليه(‪.)1‬‬

‫(‪ )1‬ال ــخرية هنــا يقصــد بهــا تبلبــل أفكــار وآراء البــا ثين الجغـرافيين فــي موضــوع الحــدود‪.‬‬
‫(المترجمان)‬
‫‪62‬‬
‫تطور فكرة اإلقليمية عند النازيني‪:‬‬
‫كاتا دول المحور تى ‪ 7‬دي مبر سنة ‪ 1941‬للى استعداد‬
‫ل اللتراف بوجود ثالث و دات إقليمية كبرى هي‪ّ :‬رق آسيا األكبر‪,‬‬
‫وأوربا‪ ,‬والعالم الجديد‪ .‬ولكن إذا رجعنا إلى ما قبل ذلك‪ ,‬أي من ‪23‬‬
‫أغ طس سنة ‪ 1939‬تى ‪ 22‬يوتية سنة ‪ ,1941‬تجد أن أتباع الهر‬
‫هتلر كاتوا يكثرون من التحدث لن االتحاد ال وفيتي للى أته إقليم رابع‬
‫كبير‪ ,‬كذلك تراهم قبل الثالث من ّهر سبتمبر سنة ‪ 1939‬يشيرون إلى‬
‫اإلمبراطورية البريطاتية للى أتها الو دة اإلقليمية الخام ة الكبرى‪ .‬أما‬
‫رأى زلماء ألماتيا لن كل من فرت ا وإيطاليا‪ ,‬فظل ثابتنا لم يدخل لليه‬
‫أي تعديل‪ :‬فهم يرون ضرورة القضاء للى األولى قضاء أبدينا واإلبقاء للى‬
‫الثاتية للى أن تكون دولة تابعة لبرلين‪.‬‬
‫وإذا تحن تظرتا إلى االتحاد ال وفيتي من النا ية الجغرافية‪ ,‬وجدتا‬
‫أته من الممكن نقا التباره و دة إقليمية بالمعنى الذي يفهمه النازيون‬
‫من هذا المدلول‪ ,‬ذلك أن روسيا قارة قائمة بذاتها تمتد لبر أوروبا‬
‫وآسيا‪ ,‬ولها مدتية تحمل الطابعين الغربي والشرقي‪ ,‬وقد يكون من‬
‫الطريف بهذه المناسبة تتبع التطور الذي دث في رأي هتلر تحو‬
‫الكرملين في ال نوات العشر األخيرة من ‪ ,1942 -1932‬فهو يذكر‬
‫في كتابه «كفا ي»‪.‬‬
‫«وتحن إذا تحدثنا لن تربة جديدة وأر ٍ‬
‫اض جديدة في أوربا‪ ,‬ال‬
‫ي عنا إال أن تفكر أول ما تفكر في روسيا وما يتاخمها من البالد التابعة‬

‫‪63‬‬
‫قضاء للى الدولة‬
‫ن‬ ‫لها ‪ ....‬إن في القضاء للى سلطان اليهود في روسيا‬
‫ّهودا للى ذلك االتقالب‬
‫ن‬ ‫الروسية تف ها ‪ ....‬لقد اختارتا القدر لنكون‬
‫الذي سيكون أكبر دليل للى صحة النظرية الشعبية للجنس»‪.‬‬
‫وفي سبتمبر سنة ‪ ,1936‬ألقى الفوهرر خطابنا في مدينة تورتبرج‬
‫ِّر لي االستيالء للى جبال األورال بما فيها من كنوز‬
‫قال فيه‪« :‬لو قُد َ‬
‫المواد األولية التي ال د لها‪ ,‬وللى سيبريا وما فيها من غابات ف يحة‪,‬‬
‫وللى بالد أوكراتيا وما تحويه من قول ّاسعة للحنطة‪ ,‬ألصبحا ألماتيا‬
‫واالّتراكية الوطنية (النازية) ت بحان في بح ٍر من الوفرة والرخاء»‪.‬‬
‫ولكن رغم هذا كله‪ ,‬ترى أن الكفاح الذي زجا ألماتيا تف ها فيه‬
‫تتيجة اتِّبالها سياسة القوة الغاّمة مل كومة ألماتيا النازية للى‬
‫االرتماء في أ ضان كومة الكرملين الشيولية من ‪ 23‬أغ طس سنة‬
‫‪ 1939‬تى ‪ 22‬يوتية سنة ‪ ,1941‬فعقدتا في أول هذين التاريخين‬
‫معاهدة لدم االلتداء المشهورة التي تنص للى‪:‬‬
‫«إن الدولتين المتعاقدتين تتعهدان بامتناع كل منهما منفردة أو‬
‫باالتفاق مع غيرها من الدول لن القيام بأي لمل من ألمال القوة أو‬
‫العدوان أو الهجوم‪ ,‬الوا دة للى األخرى»‪.‬‬
‫وبإمضاء هذه المعاهدة‪ ,‬اتحد هتلر مع من كان يصفهم «بالمجرمين‬
‫األدتياء الملطخين بالدماء»‪ ,‬ثالة البشرية»‪ ,‬وقد ظل الفوهرر من بعد‬
‫ذلك بشهور كثيرة يشيد بمزايا المعاهدة الروسية وي خر من «وت تن‬
‫ومنكرا بكل قوة أي‬
‫ن‬ ‫تشرّل» ُمعليا قدر العالقات ال وفيتية األلماتية‬
‫‪64‬‬
‫ّهرا للى إبرام‬
‫أطماع له في أوكراتيا‪ .‬ولكن قبل اتقضاء اثنين ولشرين ن‬
‫معاهدة لدم االلتداء األلماتية الروسية‪ ,‬كاتا الجحافل األلماتية في‬
‫طريقها زا فة للى الروسيا بحجة أن ال وفييا قد «تك وا ّروط‬
‫المعاهدة تك ن ا مزريا»‪ .‬وسارع مولوتوف قومي ير وزارة الخارجية الروسية‬
‫من جاتبه يصف الغزو األلماتي بـأته «خياتة وغش لم ي بل لهما تظير في‬
‫تاريخ األمم المتمدينة»‪ .‬ويمكن التبار هجوم ألماتيا للى روسيا تهاية‬
‫اللتراف النازيين بأن الجمهوريات ال وفيتية االّتراكية الروسية‬
‫‪ U.S.S.R‬هي إ دى الو دات اإلقليمية الكبرى التي ينق م إليها‬
‫العالم‪:‬‬
‫أما ما قاله النازيون من أن اإلمبراطورية البريطاتية هي الو دة‬
‫اإلقليمية الكبرى الخام ة‪ ,‬فقد يكون الدافع له ا ترام هتلر لما قاما به‬
‫الشعوب البريطاتية من مجهودات في الحرب العالمية األولى‪ ,‬ألتنا إذا‬
‫تظرتا إلى الو دات المتناثرة التي يرفرف لليها العلم البريطاتي تجدها‬
‫أبعد ما تكون لن أن تمثل إقليما جغرافيا‪ .‬وقد ذكر الفوهرر في كتابه‬
‫«كفا ي» العبارة اآلتية بنصها «إن كل تضحية تصغر في سبيل الحصول‬
‫للى صداقة اإلتكليز» ثم لاد في أبريل سنة ‪ ,1939‬وبعد القضاء للى‬
‫تشيكو سلوفاكيا‪ ,‬فقال‪:‬‬
‫«إتي ألتقد ‪-‬وليس في التقادي هذا مجال ألدتى ّك‪ -‬أن بقاء‬
‫ه ذه اإلمبراطورية لامل له قيمته التي ال د لها في ثقافة الجنس البشري‬
‫وتظمه االقتصادية‪ ..‬وليس من ينكر للى اإلتكليز ال ك وتيين أتهم‬
‫بذلوا مجهودات لمراتية ال د لها في هذا العالم‪ ,‬وإتي لمعجب كل‬
‫‪65‬‬
‫اإللجاب بهذه المجهودات»‪.‬‬
‫ولكن هتلر كان إلى جاتب ذلك ال يفتأ يقيم المقارتات بين سكان‬
‫وم ا ة اإلمبراطورية‪ ,‬وسكان وم ا ة ألماتيا ‪ ...‬قال «إن ستة وأربعين‬
‫مليوتا من اإلتكليز قد أخضعوا ل لطاتهم ما يقرب من ربع م ا ة‬
‫تب لليهم‪,‬‬
‫المعمورة‪ ,‬للى ين أن ثماتية وثماتين مليوتا من األلمان قد ُك َ‬
‫ب بب مزاياهم وفضائلهم!‪ ,‬أن يعيش كل مائة وأربعين منهم في كيلو متر‬
‫مربع وا د من األرض»‪.‬‬
‫هذا وقد لرض هتلر في المر لة األخيرة من مفاوضات برلين‪ ,‬بشأن‬
‫المشكلة البولندية‪ ,‬للى الحكومة البريطاتية‪ ,‬بواسطة سفيرها في ألماتيا‪,‬‬
‫م تر «تيفيل هندرسون» أن يعقد معها تحال نفا يتعهد فيه ّخصينا‬
‫بالمحافظة للى اإلمبراطورية البريطاتية‪ .‬وطبيعي أن الثمن الذي طلبه في‬
‫مقابل ذلك هو ل المشكلة البولندية ال يتفل ومصلحة الرايخ‪ .‬ولكن‬
‫جاءت يعد ذلك الحرب بين ألماتيا وبريطاتيا فكان قيامها تهايةن اللتراف‬
‫النازيين بأن اإلمبراطورية البريطاتية تكون إ دى الو دات اإلقليمية‬
‫العالمية الكبرى‪.‬‬
‫والخالصة أن دول المحور في تق يمها العالم إلى و دات إقليمية‪,‬‬
‫اتخذت العامل الجغرافي رائ ندا لها‪َّ ,‬إال في الة وا دة‪ ,‬هي الة‬
‫اإلمبراطورية البريطاتية‪ ,‬وهذه األقاليم الخمس هي‪ :‬أوربا وتتزلمها كل من‬
‫برلين وروما‪ ,‬ثم ّرق آسيا األكبر ومركزه طوكيو‪ ,‬فنصف الكرة الغربي‬
‫وأخيرا الو دات التي تتكون منها كل من اإلمبراطورية‬
‫ومركزه واّنطجون‪ ,‬ن‬

‫‪66‬‬
‫البريطاتية والجمهوريات ال وفيتية االّتراكية‪ .‬غير أن قيام الحرب بينها‬
‫وبين بريطاتيا العظمى في ‪ 3‬سبتمبر سنة ‪ ,1939‬وز فها للى روسيا في‬
‫‪ 22‬يوتية سنة ‪ ,1941‬وإلالتها الحرب للى الواليات المتحدة في‬
‫دي مبر سنة ‪- 1941‬تركا الفصل في الم ائل العالمية لل بل‪ ,‬وقد‬
‫وجدت واّنجطون ولندن وموسكو لديها من القوة ما كان فيه القضاء‬
‫المبرم للى ٍ‬
‫كل من برلين وطوكيو‪.‬‬

‫‪67‬‬
‫الفصل الثالث‬

‫العوامل الرئيسية للجيوبولتيكا‬

‫خاضعا ل لطان سبع‬


‫ن‬ ‫كان الق م األكبر من العالم في سنة ‪1939‬‬
‫دول لظمي‪ ,‬هي‪ :‬الواليات المتحدة‪ ,‬والجمهوريات ال وفيتية‬
‫االّتراكية‪ ,‬واإلمبراطورية البريطاتية ومعها دول الكومنولث‪ ,‬ثم فرت ا‪,‬‬
‫وألماتيا‪ ,‬وإيطاليا‪ ,‬واليابان‪ .‬وإذا تحن تظرتا إلى هذه الدول ال بع للى‬
‫ضوء الموارد الطبيعية‪ ,‬وجدتا أته من الممكن تق يمها إلى مجمولتين‪:‬‬
‫وتكون مجمولة الدول «ذات الموارد»‪ ,‬والثالث‬
‫األربع األولى منها‪ِّ :‬‬
‫األخيرة‪ ,‬ومنها تتكون المجمولة التي «ال موارد لها»‪ .‬وما أن لا سنة‬
‫‪ 1940‬تى خرجا فرت ا من ميدان القتال للى أثر الضربة القاضية‬
‫التي أصابتها‪ ,‬كما اتهارت إيطاليا من بعدها في سنة ‪.1943‬‬

‫وإذا ت حن لدتا إلى هذا التق يم‪ ,‬لوجدتا أن ألماتيا بعد أن تم لها‬
‫فتح الق م األكبر من أوربا أصبحا من الدول ذات الموارد‪ ,‬ومثلها في‬
‫ذلك اليابان بعد أن استولا للى إمبراطوريتها الكبيرة في جنوب ّرقي‬
‫آسيا‪ .‬ولكن يال ظ للى هاتين الدولتين أن موارد اليابان الطبيعية‬
‫كثيرا للى كفايتها االقتصادية‪ ,‬فبزت‬‫أصبحا في سنة ‪ 1943‬تزيد ن‬
‫بذلك الموارد التي أصبحا لهتلر في القارة األوربية‪ .‬ولكن هذا لن يدوم‬
‫طويال ألته سوف يأتي الوقا الذي تتغلب فيه المجهودات المشتركة‬

‫‪68‬‬
‫للدول المتحدة للى كل من اليابان وألماتيا‪ ,‬وإذ ذاج لن يتبقى في ميدان‬
‫الدول العظمى سوى ثالث هي‪ :‬الواليات المتحدة‪ ,‬واالتحاد ال وفيتي‪,‬‬
‫وإمبراطورية الكومنولث البريطاتية‪ .‬أما الصين فهي وإن كاتا رابعة الدول‬
‫التي يتكون منها مع كر األمم المتحالفة‪ ,‬فمن المشكوج فيه كل الشك‬
‫أن تخرج من هذه الحرب وهي دولة كبرى‪ ,‬ولو للى األقل في الم تقبل‬
‫القريب‪.‬‬

‫والدول العظمى هي تلك التي تقوم دلامتها للى أر ٍ‬


‫كان ستة‪)1( :‬‬
‫الموقع (‪ )2‬ات اع الرقعة وّكلها الجغرافي (‪ )3‬المناخ والطاقة المناخية‬
‫(‪ )4‬لدد ال كان والقوة العددية من الرجال (‪ )5‬الموارد الطبيعية‬
‫والقدرة الصنالية (‪ )6‬التنظيمان االجتمالي وال ياسي‪ .‬وسنعالج فيما‬
‫يلي كل وا ٍد من هذه العوامل ب ترتيبها المتقدم‪ ,‬غير تاظرين إلى‬
‫أهميتها االلتبارية‪ ,‬ألن لكل إخصائي رأيه في هذا العامل أو ذاج‪ ,‬فهو‬
‫يميل لاد نة إلى تقديم موضوله للى غيره‪ ,‬ولكنها كلها ‪-‬في رأينا‪ -‬ال‬
‫غنى لنها في قيام الدول الكبرى‪.‬‬

‫أولًا‪ -‬املوقع‬

‫الموقع الجغرافي ألية دولة من الدول‪ ,‬يمكن التعبير لنه بوسائل‬


‫ّتى‪ :‬فهناج العامل الفلكي‪ ,‬وهناج العامل األرضي أو البحري‪ ,‬ولامل‬
‫ضا النظر إليه‬
‫سهولة االتصال بالمناطل الداخلية أو الحدية‪ ,‬كما يمكن أي ن‬
‫من النا ية االستراتيجية‪ ,‬وذلك من يث وجود القوالد البرية أو البحرية‬
‫أو الجوية‪.‬‬
‫‪69‬‬
‫والمقصود بالعامل الفلكي لرض المكان وطوله‪ .‬وطول المكان هو‬
‫موقعه إلى الشرق أو الغرب من خط األساا المار بجرينتش في إتكلترا‪,‬‬
‫وهذا في الواقع أقل أهمية من خط العرض ‪-‬أي البعد إلى الشمال أو‬
‫الجنوب من خط االستواء؛ ألن هذا هو الذي يتحكم‪ -‬إلى درجة كبيرة‪-‬‬
‫في الحالة المناخية‪ .‬وإذا تحن رجعنا إلى الدول ال بع الكبرى لوجدتاها‬
‫كلها واقعة في العروض الوسطى‪ ,‬وذلك ألن الرجل األبيض لم يحرز‬
‫تجا ن ا يذكر في العروض الدتيا‪ ,‬اللهم َّأال في مناطل الهضاب يث يعمل‬
‫االرتفاع للى تلطيف المناخ‪ .‬أما البالد الواقعة في العروض العليا من‬
‫تصف الكرة الشمالي فمن الراجح أن تزداد أهميتها االستراتيجية للى أثر‬
‫التوسع في استعمال الطرق الجوية لبر القطب الشمالي‪.‬‬

‫ولموقع الدولة بالن بة للكتل األرضية أو الم ا ات المائية لالقة‬


‫وثيقة بال ياسة الدفالية أو الهجومية التي تنتجها‪ .‬فالدول القارية تعمل‬
‫لادة للى تعزيز جيشها‪ ,‬للى ين تهتم الدول البحرية ببناء األساطيل‪.‬‬
‫وروسيا‪ ,‬كما هو معروف‪ ,‬دولة برية قبل كل ّيء‪ .‬كما أن بريطاتيا في‬
‫الجوهر دولة بحرية‪ .‬ومع ذلك فقد تجم لن موقع الجزائر البريطاتية‪ ,‬في‬
‫مواجهة القارة األوربية‪ ,‬وبالد اليابان للى مقربة من سا ل آسيا‪ ,‬أن‬
‫ظهرت في كل منهما مدرستان‪ :‬إ داهما تؤمن بالفكرة البحرية واألخرى‬
‫تميل إلى الفكرة القارية‪.‬‬

‫هذا والمواقع إما متوسط وإما دى‪ .‬وطبيعي أته ي هل اتصاله ببقية‬
‫البالد في الحالة األولى وتصعب أو تتعذر اتصاالته بها في الحالة الثاتية‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫ن األمثلة للى قيمة توسط الموقع بالن بة‬ ‫ولنا في بريطاتيا مثل من أ‬
‫للطريل التجاري لبر المحيط األطلنطي الشمالي‪ ,‬وهو أهم طرق العالم‬
‫كلها من النا ية التجارية‪ .‬فبريطاتيا وإن كاتا قد ساهما من جاتبها‬
‫بق ٍط كبير في إلالء ّأن هذا الطريل‪ ,‬إال أن توسط موقعها بالن بة‬
‫للمراكز الصنالية في ّرق أمريكا الشمالية وتظائرها في غرب القارة‬
‫كثيرا في أهميتها التجارية‪ .‬يضاف إلى هذا قيامها في مركز‬
‫األوربية قد زاد ن‬
‫(‪)1‬‬
‫مما أفادت منه الشيء الكثير‬ ‫متوسط بالن بة لنصف الكرة األرضي‬
‫في التجارة الدولية‪.‬‬

‫تماما دولة «ّيلي» الضعيفة التي تعاتي‬


‫وللى العكس من ذلك ن‬
‫الشيء الكثير ب بب وقولها بعيدة لن الطرق الرئي ية للتجارة‪ .‬أما لن‬
‫موقعا من هذه النا ية‪ ,‬قارة أوربا‪ .‬وأقلها كلها‬
‫القارات‪ ,‬فأ نها كلها ن‬
‫ظنا قارة أستراليا‪ ,‬ذلك ألن أوربا هي في الواقع ّبه جزيرة آلسيا‪ ,‬وتقوم‬
‫في مكان متوسط بين تصف الكرة من جهة وبين المناطل التي وصلا‬
‫درجة كبيرةٍ من التقدم الصنالي والتجاري من جهة أخرى‪.‬‬
‫إلى ٍ‬

‫والمواقع االستراتيجية لها أهميتها في ذلك‪ ,‬ألتها تعمل إبان ال لم‬


‫للى توجيه الحركة التجارية‪ .‬أما في زمن الحرب في تفاد منها في إتشاء‬
‫القوالد الحربية‪ .‬ومن أمثال النقاط االستراتيجية‪ :‬المضايل والبرازخ‬

‫‪1‬‬
‫( ) والمقصود به تصف الكرة الشمالي يث تبلغ ت بة اليابس إلى المـاء درجـة كبيـرة جـ ندا‬
‫إذا قي ـا بن ـبة اليـابس إلـى المـاء فـي تصـف الكـرة الجنـوبي الـذي يطلـل لليـه أ ياتنـا‬
‫المترجمان‬ ‫تصف الكرة المائي‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫وأّباه الجزر والممرات‪ ,‬ووديان ومصبات األتهار المال ية‪ ,‬ثم الجزائر‬
‫القائمة للى طرق المال ة المحيطية والمناطل التي تشقها قنوات‬
‫مال ية‪ .‬ومن المضايل التي كاتا لها أهمية خاصة في الحرب العالمية‬
‫الثاتية مضيل «مك ار»‪ ,‬بين جزيرتي مورينو وسلبيس يث قاما معركة‬
‫بحرية بين أساطيل الدول المتحالفة واألسطول الياباتي‪ ,‬ومضيل دوفر‪,‬‬
‫ميال‪ ,‬وقد قام في‬
‫ولرضه فيما بين دوفر وكاليه ال يتجاوز وا ندا ولشرين ن‬
‫ائال بين جيوش هتلر المنتصرة وو دات الحملة‬
‫صيف سنة ‪ 1940‬ن‬
‫البريطاتية الخائرة‪ ,‬ثم مضيل م ينا الذي لبرته الجيوش المتحالفة في‬
‫ز فها من جزيرة صقلية للى إيطاليا‪ ,‬ومضيل ملقا بين سومطرة والماليو‬
‫البريطاتية‪ ,‬ومنه تفذت ال فن الياباتية إلى المحيط الهندي بعد سقوط‬
‫وأخيرا مضيقا الدردتيل والبوسفور‪ ,‬اللذان يرفرف لليهما العلم‬
‫سنغافورة‪ ,‬ن‬
‫التركي‪ ,‬ويصالن بحر إيجة بالبحر األسود‪ ,‬وقد أصبحا لهما أهمية‬
‫خاصة بعد هزيمة ألماتيا في جنوب الروسيا‪.‬‬

‫خطيرا في‬
‫ن‬ ‫دورا‬
‫كذلك لعبا البرازخ التي تشقها قنوات مال ية‪ ,‬ن‬
‫هذه الحرب‪ .‬فقد أمكن‪ ,‬بفضل المحافظة للى قناة «بنما» تقصير‬
‫كو وتيويورج من ‪ 12.600‬ميل بحري لن‬ ‫الم افة بين سان فرت‬
‫طريل النهاية الجنوبية للقارة األمريكية الجنوبية إلى ‪ 4500‬ميل فقط لن‬
‫طريل هذه القناة‪ .‬ويقول «توكس» وزير البحرية األمريكية إن اتد ار‬
‫«روميل» في ّمال إفريقية من ّأته أن ي مح بمضالفة مولة ال فن‬
‫الم افرة لبر قنال ال ويس في طريقها إلى الهند لتموين الصين أو إلى‬
‫إيران لتموين روسيا‪ ,‬بل وإلى الشرق األوسط إذا ما دلا الحاجة‬
‫‪72‬‬
‫إلرسال ملة إلى بالد البلقان‪.‬‬

‫ضا‬
‫وقد كان لبعض أّباه الجزائر ذات القيمة االستراتيجية دورها أي ن‬
‫في أقدار هذه الحرب األخيرة‪ ,‬فاألمريكيون والفيلبيون كتبوا ألتف هم‬
‫صفحة مجيدة في سجل البطولة بدفالهم المجيد لن ّبه جزيرة بتان‬
‫ضا ذلك االتهيار المحزن للقوات البريطاتية في‬
‫‪ .Battan‬كما كان هناج أي ن‬
‫(‪)1‬‬
‫ّبه جزيرة الماليو والمعارج الدموية في ّبه جزيرة القرم‪.‬‬

‫هذا وقد كان للممرات الجبلية كذلك دورها الذي قاما به في‬
‫موقعة ترموبولي الثاتية سنة ‪ ,1941‬تلك الموقعة التي التقى فيها‬
‫النيوزيلنديون بالنازيين‪ ,‬كما التقى اليوتان بالفرا من قبل في سنة‬
‫‪480‬ق‪.‬م‪ ..‬وما «العلمين» في الواقع سوى مضيل يفصل بين سا ل‬
‫البحر المتوسط ومنخفض القطارة‪ ,‬ولنده استطاع البريطاتيون أن يصمدوا‬
‫لددا‬
‫في صيف سنة ‪ 1942‬في وجه ثعلب الصحراء‪ ,‬رغم تفوقه لليهم ن‬
‫ولدة‪.‬‬

‫وقد كاتا الجزائر ب بب موقعها االستراتيجي م ر ن ا للكثير من‬


‫المواقع الحربية‪ :‬فهجوم الياباتيين للى جزيرة أواهو ‪ ,Oahu‬إ دى‬

‫(‪ )1‬فـ ــرغ المؤلفـ ــان مـ ــن كتابهمـ ــا هـ ــذا فـ ــي سـ ــنة ‪ ,1944‬أي قبـ ــل ملـ ــة إت ـ ـزال الجنـ ــود‬
‫األم ـريكيين والبريطــاتيين فــي القــارة األوربيــة‪ ,‬وهــي الحملــة التــي قضــا للــى المقاومــة‬
‫األلماتيــة‪ ,‬وكــان إتزالهــا فــي ّــبه جزيــرة تورماتــديا وّــبه جزيــرة كــوثنتن فــي ّــمال غربــي‬
‫فرت ــا‪ ,‬ولهــذا لــم يشــير إليهمــا لنــد ذكــر أّــباه الجزائــر ذات القيمــة االســتراتيجية فــي‬
‫المترجمان‬ ‫الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬
‫‪73‬‬
‫مجمولة جزر هاواي‪ ,‬كان بداية الحرب في المحيط الهادي‪ ,‬كذلك رأى‬
‫البريطاتيون ما لجزيرة مدغشقر من أهمية ب بب وقولها للى طريل تموين‬
‫روسيا فاتتزلوها من كومة فيشي في ربيع سنة ‪ .1942‬وتعتبر مالطة ‪-‬‬
‫بحل‪ -‬أكثر جزائر العالم التي قُ ِذفا بالقنابل‪ .‬واستولى النازيون للى‬
‫جزيرة كريا اليوتاتية بواسطة جنود المظالت‪ .‬وإن ما وافقا لليه‬
‫مؤخرا من منح البريطاتيين ل إتشاء القوالد البحرية والجوية في‬
‫البرتغال ن‬
‫جزائر آزور لهو الدليل للى ما لهذه الجزائر من أهمية استراتيجية‪ .‬كذلك‬
‫ا تل الياباتي ون جزيرتي أتدمان وتيكويار الواقعتين في المحيط الهندي‪.‬‬
‫وما كان للبريطاتيين أن يك نبوا موقعة بريطاتيا لوال لجز الطيارين النازيين‬
‫لن إ راز التفوق الجوي‪ .‬هذه كلها أمثلة ي تبين منها القارئ الدور‬
‫االستراتيجي الذي تقوم به الجزائر في الحروب الحديثة‪.‬‬

‫كذلك كان لمصبات األتهار وودياتها قيمتها االستراتيجية الكبرى‬


‫في الحروب‪ :‬فهجوم الياباتيين للى مدينة راتجون سهَّل لهم غزو‬
‫م تعمرة بورما التي كاتا تابعة للتاج البريطاتي‪ ,‬وذلك لن طريل تتبع‬
‫وادي تهر إيرواري الذي تقع هذه المدينة لند مصبه‪ .‬وكان لأللمان أمل‬
‫كبير‪ ,‬إذا ما سقطا مدينة ستالينجراد القائمة لند ثنية تهر الفولجا في‬
‫أيديهم‪ ,‬أن يصلوا إلى استراخان الواقعة لند مصب هذا النهر في بحر‬
‫قزوين‪ .‬وقد رأينا ‪-‬في أثناء معركة فرت ا‪ -‬األلمان وهم يندفعون في‬
‫وادي تهر سم تى مدينة آب فيل لعزل القوات اإلتكليزية والفرت ية‬
‫والبلجيكية إلى الشمال من هذا النهر وإيقالهم في الفخ الذي تصبوه‬
‫لهم‪.‬‬
‫‪74‬‬
‫لصرا تكون ال يادة فيه للقوة البحرية ال بد أن تبرز فيه‬
‫ن‬ ‫وإن‬
‫مجمولة من القوالد تكون لها أهميتها‪ ,‬وهي أهمية ال تلبث أن تزول‬
‫مثال‪ :‬فإذا‬
‫لنها إذا ما تحولا هذه ال يادة إلى قوة أخرى كالقوة الجوية ن‬
‫تحن أخذتا القوالد اآلتية تجدها يوية ال غنى لنها لكل سيادة بحرية‪.‬‬
‫فهناج‪ :‬لدن‪ ,‬وسنغافورة‪ ,‬ودارون‪ ,‬وأوكالتد‪ ,‬وبتافيا‪ ,‬وبنما‪ ,‬وسيالن‪,‬‬
‫وسورابايا ‪( Surabaya‬في النهاية الشرقية ل ا ل جزيرة جلوه الشمالي)‬
‫وسدتي‪ ,‬وبورت ستاتلي ‪-‬في كندا‪ -‬وكيب تون‪ ,‬وأمبوينا ‪Amboina‬‬
‫إ دى جزائر الهند الشرقية ‪-‬وماتيال‪ ,‬وهوتج كوتج‪ ,‬وبتروبافلوف ك‬
‫‪ petopvlovsk‬في ّبه جزيرة كمنشكا ‪-‬ودتش هاربر ‪Dutch Harbour‬‬
‫(في أالسكا) وبنتا أريناا ‪( Punta Arenas‬في ّيلي)‪ .‬وسان جوان‬
‫(في األرجنتين)‪ .‬وريكافك ‪ ,Reykjarik‬وتاتال‪ ,‬وداكار‪ ,‬وديجو سواريز‬
‫‪( Diego Suarez‬في مدغشفر) ولمان‪ ,‬وإستاتبول‪ ,‬ولندن‪,‬‬
‫وهليجوالتد‪ ,‬وسكابافلو ‪( Scapa Flow‬في إسكتلندا) وهمر ف ا‪..‬‬
‫والمتأمل في هذه النقاط يرى أن غالبية المواتئ المتحكمة في الطريل من‬
‫جبل طارق تى مضيل باا ‪-‬وهو الذي يفصل أستراليا لن جزيرة‬
‫ت ماتيا ‪-‬ال يزال كما كان في سنة ‪ 1939‬في أيدي البريطاتيين أو‬
‫اضعا لنفوذهم‪ .‬واألهمية االستراتيجية لمضيل جبل طارق لها توا يها‬
‫خ ن‬
‫الثالث‪ :‬فهناج الصخرة الخاضعة لنفوذ بريطاتيا‪ ,‬ولامود هرقل الجنوبي‬
‫وهو تابع إلسباتيا‪ ,‬ثم ميناء طنجة وتشرف لليها هيئة دولية‪ .‬وتقوم في‬
‫منطقة الخصر من البحر المتوسط جزيرة مالطة اإلتكليزية‪ ,‬ثم م تعمرة‬

‫‪75‬‬
‫توتس الفرت ية(‪ )1‬وجزيرتا صقلية وبنتالريا ‪ Pantelleria‬اإليطاليتان‪ ,‬وفي‬
‫النهاية الشرقية يوجد قنال ال ويس والمنطقة التي تخترقها وميناء يفا‬
‫(‪)2‬‬
‫في فل طين‪ ,‬ثم مدينة اإلسكندرية وكلها كاتا تحا النفوذ البريطاتي‬
‫وفي مضيقي باب المندب تجد «البوريم» ولدن البريطاتيتين ثم ّبه‬
‫جزيرة دوميرا ‪ Dumeira‬ورأا ‪ Ras‬اإليطاليتين والشيخ سعيد البريطاتية‪.‬‬
‫وهناج جزيرة سيالن في النهاية الجنوبية لإلمبراطورية الهندية‪ ,‬يرفرف‬
‫لليها العلم البريطاتي‪ .‬أما مضيل ملقا ففيه من القوالد االستراتيجية‪:‬‬
‫جزيرة سومطره‪ ,‬ومجمولة الجزائر القريبة من سوا لها وكلها هولندية‪ .‬ثم‬
‫جزيرة سنغافورة وم تعمرات المضيل وّبه جزيرة الماليو وهي خاضعة‬
‫لبريطاتيا‪ .‬ويفصل أستراليا لن جزيرة تيوغينا مضيل توريس‪ ,‬كما يفصلها‬
‫ضا بريطاتيان‪ .‬وفي خريف سنة ‪1943‬‬
‫لن ت ماتيا مضيل باا‪ ,‬وهما أي ن‬
‫استولى البريطاتيون و لفاؤهم للى جزيرتي صقلية وبنتالريا‪ ,‬وللى توتس‪,‬‬
‫وّبه جزرة دوميرا‪ ,‬وللى رأا والشيخ سعيد‪ ,‬ولكن إلى جاتب ذلك‬
‫تراهم ومعهم لفاؤهم الهولنديون قد فقدوا قالدة سنغافورة وّبه جزيرة‬
‫الماليو والهند الهولندية إذا استولى لليها جميعها الياباتيون‪.‬‬

‫ضا منها أصبحا له في‬


‫أما لن القوالد الجوية‪ ,‬فالمال ظ أن بع ن‬
‫الوقا الحاضر أهمية خاصة‪ ,‬وأن هذه األهمية سوف تعظم وتزداد للى‬

‫(‪ )1‬كان ذلك قبل استقالل توتس لن فرت ا‪.‬‬


‫‪2‬‬
‫( ) اإلّـارة هنـا إلــى مـا كــان قائمـا خــالل الحـرب العالميــة الثاتيـة‪ .‬أمــا اآلن فقـد زال النفــوذ‬
‫البريطــاتي لــن الق ــم الشــرقي مــن البحــر المتوســط ولنــد منطقــة الهنــد كمــا زال النفــوذ‬
‫الهولندي من أتدوت يا والكثير من جزائر الهند الشرقية‪ ,‬المترجمان‬
‫‪76‬‬
‫مر األيام‪ .‬وإتا لموردون فيما يلي لددا من هذه القوالد معتمدين في‬
‫اختيارها للى ما بدا من أهميتها خالل فترة ال الم تى سنة ‪,1929‬‬
‫وما أ دثته فترة الحرب من تعديالت‪ ,‬وما قد ينشأ لن مرور خطوط‬
‫تقبال‪ ,‬وهذه هي‪:‬‬
‫المواصالت الجوية لبر القطب الشمالي م ن‬

‫تاتال‪ ,‬داكار‪ ,‬طنجة‪ ,‬أسلو‪ ,‬إستاتبول‪ ,‬بغداد‪ ,‬كراتشي‪ ,‬باتجكوج‪,‬‬


‫دارون‪ ,‬فوزان‪ ,‬بتروبافلوف ك‪ ,‬بوينا بارو ‪- Point Barrow‬في أقصى‬
‫ّمال أالسكا‪ -‬توفايازمليا‪ ,‬تورثالتد‪ ,‬جرينالتد‪ ,‬تيوفوتد لند‪ ,‬ميامي‪,‬‬
‫ترينداد‪ ,‬مرسيليا‪ ,‬تاجازاكي‪ ,‬تورث كيب ‪ّ- North Cape‬مال‬
‫النرويج‪ -‬فورت المي ‪ -Fort Lamy‬إلى الشرق من بحيرة ّاد‪ .‬هذا‬
‫والمال ظ أن الكثير من المحطات والقوالد البحرية الهامة هي في‬
‫الوقا تف ه قوالد جوية لها ّأتها‪.‬‬

‫وليس للينا إلظهار ما للقوالد البرية والبحرية والجوية من أهمية‬


‫است راتيجية إال أن ت تعرض وسائل الدفاع المحكمة التي أتشأتها‬
‫الواليات المتحدة في منطقة البحر الكاريبي لحماية قناة بنما‪ .‬إذ لما كان‬
‫الغرض األول منها هو الدفاع لن القناة تف ها‪ ,‬فقد رولي في إقامتها‬
‫إقصاء البدو لنها إلى أبعد مدى ممكن‪ ,‬ومن ثم جاءت خطوط الدفاع‬
‫وضعا وتنفي نذا‪ ,‬ويزيدها تعقي ندا كثرة المداخل المؤدية إلى‬
‫الكاريبي محكمة ن‬
‫هذا البحر‪ :‬فهناج مضيل يقطان فيما بين جزيرة كوبا وّبه جزيرة يقطان‬
‫ومضيل وتدوارد ‪ Windward Channel‬بين جزيرتي كوبا وهايتي‪ ,‬ثم‬
‫وأخيرا‬
‫مضيل موتا ‪ Mona Passage‬بين جمهورية دومينكاو بور توريكو ن‬
‫‪77‬‬
‫مضيل فيرجن ‪ Virgin Passage‬بين جزيرتي بور توريكو‪ ,‬ساتا‬
‫توماا‪ .‬وكاتا الواليات المتحدة قد استولا قبل تشوب الحرب‬
‫العالمية الثاتية للى جزيرتي بور توريكو وفرجن‪ .‬كما صلا بطريل‬
‫التأجير من جمهورية كوبا‪ ,‬للى جوتتاتامو ‪ .Guantamo‬كذلك تم لها‬
‫في سبتمبر سنة ‪ 1940‬إبرام صفقة المدمرات مع بريطاتيا في مقابل‬
‫تنازل هذه الدولة لن بعض قوالدها في جزائر بهاما‪ ,‬وجاميكا واتتيجوا‬
‫‪ , Antigua‬وساتا لوّيا وترتداد‪ .‬وتعتبر قالدة جوتتا تامو‪ ,‬القائمة للى‬
‫ال ا ل الجنوبي الشرقي لجزيرة كوبا‪ ,‬أكبر محطة بحرية تملكها‬
‫الواليات المتحدة في الوقا الحاضر في منطقة البحر الكاريبي‪ ,‬وتقوم‬
‫للى راسة مضيل وتدوارد‪ .‬أما ترتداد الواقعة قبالة ال ا ل الشمالي‬
‫الشرقي ألمريكا الجنوبية‪ ,‬ف وف تعظم أهميتها في الم تقبل‪.‬‬

‫أما القوالد الثاتوية القائمة في جزائر بهاما فتقتصر أهميتها للى‬


‫خدمة الطائرات والقطع البحرية الصغيرة التي تقوم بالتفتيش في هذه‬
‫المياه والكشف لن مواقع العدو‪ .‬ثم هناج جزيرة ترتداو البريطاتية‪,‬‬
‫ويفصلها لن سا ل فنزويال خليج باريا ‪ ,Paria‬وله مدخالن أ دهما إلى‬
‫الشمال من الجزيرة واآلخر إلى الجنوب منها‪ ,‬وفي رأي القائد‬
‫«هوسهوفر» أن كل قالدة بحرية ذات مدخلين ال خوف لليها من أن‬
‫تصبح مصيدة «‪ »Trap‬كما دث في ميناء بيرل هاربر‪ .‬ولهذا أخذت‬
‫ترينداد تتبوأ مكاتة خاصة كمحطة بحرية من محطات الدرجة األولى في‬
‫سل لة الدفاع الكاريبي لن المدخل الشرقي لقناة بنما‪ ,‬أي لن طريل‬
‫مجمولة األتتيل الصغرى‪ .‬أما جزيرتا أتتيجوا وساتا لوّيا التابعتان‬
‫‪78‬‬
‫لبريطاتيا في أتتيل الصغرى والواقعتان بين ترتداد وبور توريكو فتقتصر‬
‫أهميتها‪ ,‬كما هي الحال في قوالد بهاما‪ ,‬للى ألمال التفتيش‬
‫خرا بإتشاء قالدة‬
‫واالستطالع‪ .‬هذا وقد قاما الواليات المتحدة مؤ ن‬
‫جوية ضخمة في ‪ Borinquer‬بجزيرة بورتوريكو تشرف منها للى مدخل‬
‫موتا ‪ Mona‬في النهاية الغربية لهذه الجزيرة‪ ,‬وقالدة أخرى ال تقل لنها‬
‫ضخامة في ‪Isla Granda‬بالقرب من سان جوان‪ .‬وهناج في جزائر‬
‫فرجين األمريكية قالدة بحرية دائمة مقرها‪ Bourue Field‬بجزيرة ساتا‬
‫توماا‪ ,‬ومحطة أخرى للغواصات للى مقربة منها وقالدة جوية في خليج‬
‫‪ Manning‬للى ال ا ل الجنوبي لجزيرة ‪ .St Croix‬أما جزيرة جاميكا‪,‬‬
‫ضا من الجزائر البريطاتية التي للواليات المتحدة بها قوالد ربية‪,‬‬
‫وهي أي ن‬
‫موقعا متوسطنا بين قناة بنما من جهة وبين القوالد األمريكية‬
‫فتحتل ن‬
‫والواليات المتحدة تف ها من جهة أخرى‪ .‬وللى الرغم من أن هذه‬
‫الجزيرة كاتا في مختلف العصور التاريخية المحطة البحرية الرئي ية‬
‫للو دات البريطاتية الصغرى في البحر الكاريبي‪ ,‬فإته من غير المحتمل‬
‫أن تصبح قالدة من قوالد الدرجة األولى بالن بة للواليات المتحدة‪,‬‬
‫طالما أن «جواتتنامو» ‪-‬للى سا ل كوبا‪ -‬تحتل هذا المركز‪.‬‬

‫شكل الدولة ومساحة رقعتها‬

‫وثاتي األسس التي تقوم لليها الجيوبولتيكا دولة من الدول‪ ,‬هو‬


‫ّكلها الجغرافي وم ا ة رقعتها‪ .‬إذ كثيرا ما يكون لشكل الدولة أثره في‬
‫توجيه سياستها الخارجية‪ ,‬ألن الدولة َّإما أن تكون مندمجة متماسكة‬

‫‪79‬‬
‫األجزاء‪ ,‬وإما أن تكون ذات امتداد طولي‪ .‬ومن مزايا االتدماج‪ ,‬كما هو‬
‫معروف‪ ,‬قصر الحدود بالن بة لجملة الم ا ة‪ُ .‬خذ فرت ا وكندا مثال‪,‬‬
‫تجد أتهما تمتازان باتدماج ّكلهما الجغرافي بالن بة لم ا تهما‪ ,‬وأن‬
‫العاصمة في كل ‪-‬باريس في األولى وأوتاوه في الثاتية‪ -‬ال تحتل مكاتا‬
‫متوسطا في البالد‪ .‬ولالتدماج والتماسك فائدته في وقا الحرب‪ ,‬بشرط‬
‫أال ت تعارض مع هذه الظاهرة لوامل أخرى‪ ,‬كما هي الحال في فرت ا‬
‫يث تتركز صنالاتها في الق مين الشمالي والشرقي‪ ,‬أو في كندا‪ ,‬يث‬
‫يتركز ال كان ‪-‬فيما لدا منطقة البراري إلى الشمال من البحيرات‬
‫العظمى‪ -‬في ّريط ضيل يمتد من ال ا ل إلى ال ا ل لم افة ثالثة‬
‫آالف ميل قرب الحدود ال ياسية للى الواليات المتحدة‪.‬‬

‫وللى العكس من هذا تجد أن الدول ذات االمتداد الكبير‪ ,‬تطول‬


‫دودها‪ ,‬ولنا في «ّيلي» المثل التقليدي‪ .‬فامتدادها من أقصى الشمال‬
‫إلى أقصى الجنوب يبلغ ‪ 2600‬ميل‪ ,‬للى ين أن لرضها قد ال يتجاوز‬
‫المائة ميل‪ .‬وتوجد إلى جاتب هذه الظاهرة جبال األتديز‪ ,‬فتزيد‬
‫كبيرا بين وجهات‬
‫مواصالت البالد صعوبةن وتعقي ندا‪ .‬ومن ثم جاء التباين ن‬
‫تظر الشماليين والجنوبيين‪ ,‬رغم أن كومة البالد ت ير وفل النظام‬
‫المركزي المو د‪ .‬وفي مثل هذه الدول تصبح مشكلة الدفاع‪ ,‬في فترات‬
‫الحروب‪ ,‬أّد تعقي ندا منها في الدول المندمجة المتماسكة‪ ,‬وقد يكون‬
‫طول سوا ل ّيلي هو الذي جعلها ّديدة الح اسية لكل ما يمكن أن‬
‫يؤثر في التوازن البحري في المحيط الهادي‪ .‬ولهذا ترى لاما كامال‬
‫ينقضي للى اجتماع وزراء خارجية الجمهوريات األمريكية الجنوبية في‬
‫‪80‬‬
‫مؤتمر ريو‪ ,‬قبل أن تقوم هذه الدولة بتنفيذ ما تعهدت به من قطع‬
‫ضا من البالد‬
‫ضا النرويج‪ ,‬وهي أي ن‬
‫لالقاتها بدول المحور‪ .‬ثم هناج أي ن‬
‫ذات االمتداد الطويل ‪-‬وإن كاتا تقل لن ّيلي في ذلك‪ -‬فقد لمل‬
‫األلمان لند غزوهم إياها‪ ,‬للى ّل ركة البالد كلها‪ ,‬وذلك بإتزال‬
‫قواتهم دفعة وا دة في المدن ال ا لية التي تتحكم في طرق‬
‫المواصالت مع داخلية البالد وهي‪ :‬تارفك‪ ,‬تروتدهيم‪ ,‬برجن‪ ,‬ستافنجد‪,‬‬
‫أوسلو‪.‬‬

‫وم ا ة الدولة لها أهميتها القصوى في الجيوبولتيكا‪ .‬كما أن دول‬


‫الم تقبل الكبرى سوف تكون تلك التي تجمع إلى جاتب العوامل‬
‫األخرى لامل ات اع الرقعة‪ ,‬لكي تتخذ من بعد وسطها لن أطرافها لوتنا‬
‫لها في أمور دفالها‪.‬‬

‫والدول في وقتنا الحاضر متباينة كل التباين من يث م ا تها‪:‬‬


‫فهناج إمارة موتاكو التي ال تزيد م ا تها للى تصف ميل مربع‪ ,‬للى‬
‫ين أن الجمهوريات االّتراكية ال وفيتية تبلغ م ا تها ‪8.386.332‬‬
‫ميال مر نبعا‪ .‬بل إن ثالثنا من دول العالم‪ :‬هي الجمهوريات ال وفيتية‪,‬‬
‫ن‬
‫وإمبراطورية الكومنولث البريطاتية والواليات المتحدة‪ ,‬تشغل فيما بينها‬
‫تصف رقعة اليابس كله‪ .‬بل إن العلم البريطاتي و ده يرفرف للى ربع‬
‫المعمورة‪ ,‬والعلم الروسي للى سدسها‪ ,‬أما الواليات المتحدة فتبلغ‬
‫رقعتها ‪ 3.734.000‬ميل مربع‪ .‬ثم هناج فرت ا وممتلكاتها وتبلغ‬
‫ميال مر نبعا‪ ,‬والصين ‪-‬األصلية والخارجية‪-‬‬
‫م ا تها ‪ 4.805.646‬ن‬

‫‪81‬‬
‫ظ للى هذا‬
‫وم ا تها ‪ 3.756.102‬من األميال المربعة‪ .‬وأهم ما يال ُ‬
‫التوزيع صغر م ا ة كل من بريطاتيا وفرت ا بالن بة لما لهما من‬
‫ممتلكات‪ :‬فبريطاتيا‪ ,‬ومعها ّمال إيرلندا‪ ,‬ال تزيد م ا تها للى‬
‫ميال‬
‫ميال مر نبعا‪ .‬وجملة م ا ة فرت ا في أوروبا ‪ 212.681‬ن‬
‫‪ 94.278‬ن‬
‫مر نبعا‪ .‬وليس للصين أو روسيا م تعمرات‪ .‬كما أن الواليات المتحدة ليس‬
‫ميال مر نبعا‪ .‬أما ألماتيا‬
‫لها من ممتلكات خارج بالدها سوى ‪ 711.623‬ن‬
‫ميال‬
‫فقد اتكمشا رقعتها بعد معاهدة فرساي وأصبحا ‪ 180.985‬ن‬
‫فقط‪ ,‬ولكن الفوهرر استطاع‪ ,‬فيما بين سقوط جمهورية فيمر ‪Weimar‬‬
‫وغزو بولندا‪ ,‬أن يضيف إليها ما م ا ته ‪ 80.600‬ميل مربع‪ ,‬كما‬
‫استطاع‪ ,‬بمعاوتة إيطاليا‪ ,‬فيما بين اليوم األول من ّهر سبتمبر سنة‬
‫‪ ,1939‬والثاتي والعشرين من ّهر يوتية سنة ‪ ,1941‬أن يب ط سلطاته‬
‫للى ‪ 796.000‬ميل مربع‪ :‬وقد بلغ ما استولى لليه من األراضي‬
‫الروسية و دها‪ ,‬لندما وصلا موجة الفتو ات المحورية ذروتها‪,‬‬
‫‪ 700.000‬ميل مربع‪ .‬وإذا تحن لدتا إلى اليابان‪ ,‬تجد أن م ا ة‬
‫بالدها األصلية ‪ 147.889‬ميال مر نبعا فقط‪ ,‬أي أقل من م ا ة والية‬
‫كاليفورتيا‪ ,‬ولكنها تب ط سلطاتها اآلن(‪ )1‬للى ¼‪ 3‬مليون ميل مربع من‬
‫البالد المطلة للى سوا ل المحيط الهادي‪.‬‬

‫ضا لدد من الدول األوربية الصغرى‪ :‬كاألراضي الوطيئة‬


‫وهناج أي ن‬
‫(هوالتد) وبلجيكا والبرتغال ودتمرج‪ ,‬لها ممتلكات واسعة خارج‬

‫(‪ )1‬كان ذلك لام ‪.1942‬‬


‫‪82‬‬
‫دودها‪ .‬والخالصة أن ما يقرب من ربع م ا ة اليابس يخضع للدول‬
‫االستعمارية‪ ,‬وأكثر ما تكون هذه الم تعمرات في إفريقية والبحر‬
‫الكاريبي وفي الشرق األقصى‪.‬‬

‫كبيرا لن هذه‬
‫وثمة توع آخر من الو دات ال ياسية يختلف اختالفنا ن‬
‫الدول الكبرى‪ ,‬تلك هي الدويالت والو دات ذات النظام الخاص مثل‬
‫داتزج‪ ,‬وليشتنشتين‪ ,Liechtenstein ,‬ولك مبرج‪ ,‬ومدينة الفاتيكان‪,‬‬
‫وسان مارينو‪ ,‬وأتدورا ‪ ,Andora‬وموتاكو‪ ..‬وم ا تها كلها مجتمعة دون‬
‫األلف ميل مربع‪.‬‬

‫وللعامل المكاتي‪ ,‬أو بعبارة أخرى م ا ة البالد ومدى ات الها‪,‬‬


‫أهمية خاصة في أوقات الحروب‪ .‬وتظهر هذه األهمية ممثلة فيما ي ميه‬
‫للماء الجيوبولتيكا‪« :‬الدفاع في العمل –‪ -Defence in Depth‬وهو‬
‫مبدأ يمكن تطبي قه سواء ب واء للى البالد ذات الم ا ة األرضية‬
‫الشاسعة‪ ,‬أو تلك التي ت تطيع بمالها من قوة بحرية‪ ,‬التحكم في‬
‫م طحات مائية كبيرة‪ ,‬وقد جاءت وادث الحرب العالمية الثاتية مؤيدة‬
‫كل التأييد لهذا العامل في التي الهجوم والدفاع‪ .‬فالدول الصغيرة لم‬
‫تلبث أن اتهارت ب رلة ف ائقة أمام جاراتها التي تفوقها في ات اع الرقعة‪.‬‬
‫خذ الجيش الهولندي مثال؛ فهو لم يكن أقل ّجالة من الجيش‬
‫األلماتي‪ ,‬ولكنه اضطر إلى الت ليم بعد أربعة أيام فقط أبدى فيها بطولة‬
‫فائقة في الذود لن بالده‪ ,‬للى ين أن الروا‪ ,‬الذين كاتوا للى العكس‬
‫من ذلك يتمتعون «بالدفاع في العمل» استطالوا أن يجتذبوا جحافل‬

‫‪83‬‬
‫أدولف هتلر إلى أقصى ألماق بالدهم الشاسعة فاستنفدوا‪ .‬كل ما كان‬
‫لها من جهد‪ ,‬كما استنفدوا من قبل ذلك جهود جيوش تابليون بوتابرت‬
‫في ملته التي لادت لليه بكل وبال في سنة ‪ .1812‬والواقع أن دوله‬
‫كالروسيا‪ ,‬تنطوي دودها للى سدا م ا ة اليابس كله ي هل لليها‬
‫ج ندا االستفادة من مبدأ «الدفاع في العمل»‪ ,‬وت ليم األرض في مقابل ما‬
‫تربحه من وقا ‪ Selling space to gain time‬ولهذا لم يكن أمام‬
‫القيادة األلماتية من وسيلة لغزو االتحاد ال وفيتي سوى إبادة الجيش‬
‫ال وفيتي أكثر من مجرد االستيالء للى األهداف األرضية‪ .‬فلما أن‬
‫ول الجيش األ مر وإبادته‪ ,‬تراهم‬ ‫فشلا خطتهم في االلتفاف‬
‫ي تميتون في خريف سنة ‪ 1941‬في االستيالء للى موسكو‪ .‬وليس من‬
‫ّك أن الفشل الذي منيا به القيادة األلماتية في صيف تلك ال نة كان‬
‫بدايةن للهزيمة المحتومة التي منى بها هتلر في تلك البالد‪.‬‬

‫وإذا تحن رجعنا إلى الشرق األقصى‪ ,‬تجد أن الياباتيين ال يزالون في‬
‫رب مع الصينيين منذ ادثه «ج ر ماركوبولو» في ليلة ‪ 7‬يولية سنة‬
‫‪ , 1937‬ولكنهم للى الرغم من استيالئهم للى أمهات مدن الصين‬
‫وكبرى مواتيها ومراكزها الصنالية وخطوطها الحديدية الهامة‪ ,‬فشلوا كل‬
‫الفشل في القضاء للى المقاومة الصينية‪ .‬ذلك ألن الصينيين كاتوا‬
‫يقابلون كل هذا بالتراجع صوب الغرب‪ ,‬وتقلوا لاصمتهم إلى‬
‫«تشنجكنج» الواقعة خلف خواتل تهر «ياتج ت ي كياتج» ويرجح أن‬
‫ستين مليوتنا من الصينيين هجروا منازلهم وقراهم في الق م الشرقي‬
‫واتخذوا لهم وطننا في الغرب الجديد ‪-‬الحوض األ مر في والية‬
‫‪84‬‬
‫سشوان‪ ,‬وأخذوا معهم مدارسهم ومصاتعهم لتكون في مأمن من أيدي‬
‫الغزاة‪ .‬و تى سقوط بورما تف ها في أيدي الياباتيين في أوائل سنة‬
‫‪ 1942‬وما تبعه من قفل طريل اإلمدادات الصينية لبر هذه البالد‪ ,‬لم‬
‫يفا في لضدهم أو ي بب اتهيار الصين الحرة‪ .‬وقد أدرج القائد‬
‫«هوسهوفر» تف ه‪ ,‬قبل قيام الحرب العالمية الثاتية‪ ,‬ما كاتا قد منيا‬
‫به الجيوش الياباتية من تكبة في الصين‪ .‬وفي رأيه أن اليابان قد أخطأت‬
‫في التدخل غربنا؛ وكان األجدر بها أن تولي وجهها ّطر مياه الجنوب‬
‫الدافئة‪ ,‬وكان يود لو أمكن التعجيل بت وية النزاع بين الطرفين‬
‫المتحاربين‪.‬‬

‫ثم هناج تضاريس البالد وأّكالها األرضية‪ ,‬وهي التي تعين الخطة‬
‫التي يجب أن تنتهجها في التي الهجوم والدفاع‪ .‬ف هول الروسيا‬
‫صالحا الستخدام‬
‫ن‬ ‫الف يحة وصحاري ّمال إفريقية الرملية‪ ,‬كاتا ميداتنا‬
‫سالح الدبابات‪ ,‬للى ين كاتا جبال النرويج والبلقان تتطلب سال ن ا‬
‫آخر مما يُ تعمل في جبال األلب‪ ,‬أما األ راش والم تنقعات‬
‫االستوائية‪ ,‬فال يصلح فيها سوى رب الت لل‪ .‬ولبور األتهار لامل له‬
‫أهمية في جميع ميادين القتال‪ ,‬فلقد قام الروا بعبور تهر «دينيبر» في‬
‫أثناء هجومهم في ّتاء سنة ‪ ,1933‬كما لبر الحلفاء تهر فولتورتو ‪-‬‬
‫‪ -Volturno‬في جنوب إيطاليا‪ .‬وقس للى ذلك طبيعة ال وا ل‬
‫وتضاري ها‪ ,‬فهي التي تعين إمكاتية غزوها أو تية هذا الغزو‪ .‬وفي التي‬
‫صالحا إلتزال ملة للى‬
‫ن‬ ‫ينظر إليها القائد ليحدد ما إذا كان المكان‬
‫تطاق أكبر من « ملة ديب» ‪ ,Dieppe‬مثال أو يضرب منه ضربته‬
‫‪85‬‬
‫القاضية‪ ,‬ومن هنا جاءت المشكالت التي يثيرها غزو سا ل النرويج‬
‫بفيورداته المتعمقة في الوديان الجبلية‪ ,‬وهي مختلفة كل االختالف لن‬
‫تلك التي يواجهها من يريد غزو سوا ل هوالتد التي ينخفض ربعها أو‬
‫يزيد‪ ,‬لن م توى سطح البحر‪ .‬وليس وسط أوربا من المنالة التي‬
‫يتصورها البعض‪ .‬فهناج أربعة طرق طبيعية تقود إلى داخلية هذه القارة‪,‬‬
‫ي هل للى الجغرافي تعيينها‪.‬‬

‫‪ -1‬طريل وادي تهر الرون لبر الجبال؛ ويؤدي إلى باب «برجنديا» وإلى‬
‫وادي تهر الرين‪.‬‬

‫‪ -2‬ممر بيرتري ‪ Peartree‬إلى الشرق من مدينة تري تا‪ ,‬ويربط بين‬


‫تهاية بحر األدرياتيك الشمالية وتهر سافا أ د روافد الداتوب‪.‬‬

‫‪ -3‬طريل الورادار والمورافا‪ ,‬ويربط سالوتيكا وبالد اليوتان يمدينة‬


‫بيوغراد ‪( Peograd‬بلغراد) ويوجوسالفيا‪.‬‬

‫‪ -4‬طريل الهل بوتا ‪ -Hellespont-‬والبوسفور الخاضع لتركيا‪,‬‬


‫ويؤدي إلى البحر األسود‪.‬‬

‫هذا لن أوربا‪ ,‬أما في الشرق األقصى فإن إلادة فتح بورما سوف‬
‫تتأثر إلى درجة كبيرة باستحالة إرسال اإلمدادات الع كرية لبر بالد آسام‬
‫إلى الق م الشمالي‪ ,‬أو من ّيتاجنج ‪ Chitagong‬لن طريل سا ل‬
‫بنغالة‪ .‬كذلك يُال ظ أن الكثير من جزائر المحيط الهادي إن هي َّإال‬
‫أ واض مرجاتية‪ ,‬وهي لاد نة مراكز صالحة لرسو ال فن وقوالد‬
‫‪86‬‬
‫للطائرا ت‪ ,‬ومن أمثلة هذا النوع القالدة الياباتية الكبرى في ترج ‪Truk‬‬
‫وجزيرتا (ويك‪ ,‬مداوي) ‪ Wake-Midway‬اللتان كاتتا تابعتين ألمريكا ثم‬
‫جزيرتا (مكين‪ ,‬تراوا) ‪ Makin-Tarawa‬في مجمولة جزائر جلبرت؛‬
‫فكلها أ واض مرجاتية‪.‬‬

‫والخالصة أن طبيعة تضاريس سطح أية دولة‪ ,‬لامل له خطورته في‬


‫تنظيم استراتيجية دفالها وهجومها‪.‬‬

‫املناخ‬

‫والدلامة الثالثة التي ترتكز لليها جيوبولتيكا الدولة هي مناخها‬


‫(راجع ّكل ‪ ) 4‬وذلك لما له من ارتباط وثيل بصحة ال كان ومدى‬
‫تشاطهم في الحرب وال لم وبنوع غذائهم وموارده وتوزيعاته‪ :‬وهو الذي‬
‫يعين المالبس التي يرتدوتها والم اكن التي يأوون إليها‪.‬‬

‫ين تقع‬ ‫وتحتل دول العالم الكبرى العروض الوسطى‪ ,‬للى‬


‫الجهات الم تعمرة كلها في العروض الدتيا‪.‬‬

‫كثيرا من‬
‫وتأثير المناخ ال ينتهي لندما ذكرتا‪ ,‬بل إته قد يحد ن‬
‫اتتقاالت البشر‪ ,‬ذلك أن اإلت ان ال يصادف تجا ن ا يُذكر في األصقاع‬
‫التي تشتد ب رودتها كالجهات القطبية أو المناطل الشاهقة االرتفاع‪ .‬ولهذا‬
‫كاتا القارة القطبية الجنوبية هي الو يدة‪ ,‬بين قارات العالم التي تجا‬
‫من معارج الحرب العالمية الثاتية‪ ,‬غير أن هناج مناطل قد تحول ّدة‬
‫برودتها دون كل تقدم بشري فيها ولكنها ذات قيمة ربية كبرى لما‬
‫‪87‬‬
‫تحويه من ثروة معدتية أو لما لها من موقع استراتيجي خاص‪ .‬ومن أمثلة‬
‫النوع األول سفاالربارد ‪ Savalabard‬الغنية بمعدن الفحم‪ ,‬فقد تداولتها‬
‫أيدي اإلتكليز والنرويجيين واأللمان خالل الحرب األخيرة‪ ,‬أما النوع‬
‫الثاتي فتظهر أهميته من األمثلة اآلتية‪ :‬كان أول التحام بين القوات‬
‫ا ألمريكية والنازية في جزيرة جرينالتد‪ ,‬لندما أرادت ألماتيا إتشاء محطة‬
‫لألرصاد الجوية فيها‪ ,‬وامتد تشاط الغواصات األلماتية إلى بحر «كارا»‬
‫إلى الشرق من جزيرة توفايا زمليا‪ ,‬ورغم ما هو معروف لن ّدة البرودة‬
‫في ّمال النرويج وفنلند وّبه جزيرة كوال‪ ,‬تى أن درجة الحرارة‬
‫تنخفض إلى ما دون درجة التجمد بكثير‪ ,‬مما يحد من تشاط اإلت ان‬
‫وتقدمه‪ ,‬فقد وجد األلمان في تورث كيب ‪- N. Cape‬بأقصى ّمال‬
‫كزا له قيمته االستراتيجية في رب الغواصات‪ .‬كذلك‬ ‫النرويج‪ -‬مر ن‬
‫تعددت غارات الطائرات الروسية للى مدينة بت امو ‪ .)1(Petsamo‬كما‬
‫كاتا ميناء مرمات ك‪ ,‬للى سا ل‪ ,‬المحيط المتجمد الشمالي‪ ,‬منتهى‬
‫طريل من أهم طرق اإلمدادات الروسية‪ ,‬وخاصة في فصل الشتاء لندما‬
‫يتجمد ميناء أركاتجل‪ .‬ومع أن الق م األكبر من جزيرة أي لند من أقل‬
‫جهات العالم صال ية ل كني اإلت ان‪ ,‬فقد لمدت القوات األمريكية‬
‫إلى ا تالل هذه الجزيرة في يولية سنة ‪ 1941‬لما لها من موقع‬
‫استراتيجي هام‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫( ) وكات ــا تابع ــة لفنلن ــدا ت ــى اس ــتولا لليه ــا روس ــيا ف ــي س ــبتمبر س ــنة ‪ .1941‬وترج ــع‬
‫أهميتهـا إلــى أتهــا‪ ,‬كمينـاء هرمات ــك الواقعــة إلـى الشــرق منهــا بقليـل‪ ,‬ال تتجمــد مياههــا‬
‫المترجمان‬ ‫في فصل الشتاء ب بب مرور ّعبة من تيار الخليج الدافئ بها‪.‬‬
‫‪88‬‬
‫وهناج مناطل أخرى في العالم تمتاز بارتفاع رارتها وغزارة أمطارها‬
‫إلى درجة كبيرة مما يحول دون قيام المدتيات الراقية بها‪ ,‬ومن هذه‪:‬‬
‫الغابات االستوائية في سهول األمزون ببالد البرازيل‪ ,‬وغابات وض‬
‫الكنغو في وسط إفريقية‪ .‬وفي هذه وغيرها تصبح التربة قليلة الخصب أو‬
‫لديمته ب بب سرلة تحلل النبات فيها‪ ,‬كما تحول كثافة النبات‬
‫واأل راش النامية ‪-‬للى طول مجاري األتهار ولند ال وا ل‪ -‬دون‬
‫تدخل اإلت ان إلى داخلها‪ .‬وأمطار المناطل االستوائية غزيرة‪ ,‬فال يكاد‬
‫ينقضي يوم‪ ,‬دون اتهمارها‪ .‬كما أن درجة الحرارة فيها تقرب في المتوسط‬
‫من الثماتين درجة فهرتهيتية‪ .‬وفي هذه الغايات تعيش اآلن بعض‬
‫الجمالات البدائية‪ ,‬معتمدة للى بعض الحرف البدائية كقليل من الصيد‬
‫وجمع ثمار الغابات؛ أما غالبية ال كان فيمارسون زرالة أولية للغاية‪,‬‬
‫ولكن إلى جاتب هذه وتلك توجد اآلن مزارع كبيرة لبعض الغالت‬
‫المدارية‪ ,‬يشرف للى إدارتها الرجل األبيض‪ ,‬وتتخصص في إتتاج‬
‫المطاط وقصب ال كر وبعض أتواع الفاكهة والتوابل والكاكاو‪ ,‬ومن‬
‫أمثلة هذه‪ :‬مزرلة فوردالتديا ‪ Ford Landia‬لزرالة المطاط في وادي‬
‫مؤخرا في جمهورية‬
‫ن‬ ‫األمزون‪ ,‬والمزرلة التي أتشأتها ّركة ‪Firestone‬‬
‫ليبريا لنفس الغرض‪ .‬هذا وتكاد تكون جميع مناطل الغابات الحارة الرطبة‬
‫داخلة في تطاق الحرب‪ ,‬إما ضمن مع كر الحلفاء‪ ,‬وإما ضمن‬
‫المع كر الياباتي‪.‬‬

‫وثمة توع ثالث من المناخ ال يتفل والتقدم البشري‪ ,‬ذلك هو مناخ‬


‫ٍ‬
‫وجفاف ّديدين في فصل الشتاء‪ ,‬ين‬ ‫ال فاتا المدارية‪ .‬ويمتاز بحر‬
‫‪89‬‬
‫تحل الرياح التجارية محل الرهد االستوائي‪ .‬وفي آسيا ت الد الرياح‬
‫الموسمية للى االتتقال ال ريع من الشتاء البارد ت بينا إلى الصيف بحره‬
‫الالفح وأمطاره الغزيرة‪ .‬واإلقليم الموسمي‪ ,‬ممثال في الهند وسيالن‪,‬‬
‫ق مان‪ :‬ق م غزير المطر‪ .‬يشبه في تباته و يواته الغابات المدارية الرطبة‬
‫إلى د ما‪ ,‬وق م قليل المطر يشبه ال فاتا في النبات والحيوان‪.‬‬

‫والرلي هو الحرفة ال ائدة في إقليم ال فاتا في العالمين القديم‬


‫تقدما منها في اإلقليم االستوائي‪ ,‬وي تعين‬
‫والجديد‪ ,‬والزرالة هنا أكثر ن‬
‫القوم بالمحراث في اقتالع الحشائش في الجهات الجافة‪ ,‬ولما كاتا‬
‫التربة هنا أقل موضة منها في المناطل االستوائية‪ ,‬فإن اإلتتاج فيها أوفر‬
‫غلة‪ .‬ولألوربيين اآلن مزارع كبيرة للقطن وال ي ال كما ال تزال لألرز‬
‫مكاتة ال يداتية فيها تبات آخر في جنوب ّرقي آسيا‪.‬‬

‫وطبيعي أن يكون تجاح الرجل األبيض في المناطل المرتفعة ألظم‬


‫منه في ال هول والمنخفضات‪ .‬هذا ويحول ارتفاع درجة الحرارة في بالد‬
‫الهند دون تقدمها ال ياسي رغم ما هي لليه من ازد ام بال كان‪ .‬ومن‬
‫األمثلة التاريخية القليلة للى قيام و دة سياسية تاجحة في األقاليم‬
‫المدارية‪ :‬إمبراطورية مايا (‪ )Maya‬في يوفطان‪.‬‬

‫والجفاف لامل آخر من العوامل المؤخِّرة لظهور القوة ال ياسية؛‬


‫وذلك للى الرغم من األهلية التي ظهرت لبعض المناطل الصحراوية في‬
‫الحرب الحالية‪ ,‬غير أن هذه األهمية سوف تتضاءل إذا ما لاد ال الم‪.‬‬
‫أجل لقد دلا ظروف القتال في ّمال إفريقيا فيما بين ‪-1940‬‬
‫‪90‬‬
‫‪ 1943‬إلى اتِّباع توع من الفنون الحربية لرف باسم « رب الصحراء»‪,‬‬
‫وجزرا لبر رمال الصحراء‬
‫فقد ظل الجيشان يتقدمان ثم يتراجعان م ندا ن‬
‫الليبية‪ ,‬وكما أقام الماريشال روميل الدليل للى أن األلماتي قادر للى‬
‫تكييف تف ه لهذا النوع من الحرب‪ ,‬فقد جاء الجنرال موتتجومري من‬
‫ضا للى أن البريطاتي ليس أقل مقدرة من األلماتي للى‬
‫بعده وبرهن أي ن‬
‫جنودا دربوهم‬
‫هذا التكييف‪ .‬وكان األلمان قد اختاروا للفيلل اإلفريقي ن‬
‫للى القتال في المناطل الرملية الممتدة للى سوا ل بحر البلطيل‬
‫وأتزلوهم في ثكنات تزيد رارتها لن المعدل‪ ,‬ولودوهم العيش للى‬
‫األغذية الجافة مع القصد الشديد في مياه الشرب‪ .‬ولو تم للياباتيين غزو‬
‫أستراليا لن طريل إتزال جنودهم في ميناء بورت دارون لنجم لن ذلك‬
‫ضا في فيافي أستراليا‪ ,‬وهي التي يتكون منها غالبية‬
‫قيام رب الصحراء أي ن‬
‫الق م الغربي لهذه القارة‪.‬‬

‫ولصحراء بالد العرب أهميتها من النا ية االستراتيجية‪ ,‬وكذلك من‬


‫النا ية االقتصادية‪ ,‬لوجود البترول بها‪ ,‬وهناج ما يزيد للى المائتي مليون‬
‫من الم لمين ترتو أبصارهم إلى مكة والمدينة‪ ,‬تينك المدينتين‬
‫المقدستين ببالد العرب ال عودية والمركزين الرو يين لإلسالم قاطبة‪.‬‬
‫وقس للى ذلك صحراء اتكاما في ّمال ّيلي التي اّتهرت بما فيها‬
‫من موارد كبيرة للنترات الطبيعي‪ ,‬وإن كاتا هذه األهمية قد قاما اآلن‬
‫بعد كشف طريقة لمل النترات الصنالي‪.‬‬

‫وهناج صحراوات أخرى منها «كلهاري» الواقعة في خطوط العرض‬

‫‪91‬‬
‫الدتيا‪ ,‬و«جوبي» في العروض الوسطى‪ ,‬ولكن ليس لدينا ما يحملنا للى‬
‫الظن بأته سيكون لهما في هذه الحرب األهمية التي للصحراء الكبرى أو‬
‫الصحراء العربية‪.‬‬

‫وتكاد تنحصر القيمة الحقيقة للصحراوات اآلن فيما تحويه من ثروة‬


‫معدتية كما هي الحال في ّيلي‪ ,‬أو إذا هي ا توت للى موارد مائية‬
‫تكفي إلتتاج بعض المحصوالت الزرالية بإتباع تظام الري‪ .‬ومن ثم كاتا‬
‫الحضارات النهرية التي قاما في وادي الرافدين وفي وادي النيل كلها‬
‫ضارات التمدت للى الري‪ .‬هذا وقد اكت با كل من مصر والعراق‬
‫خاصا في المجال الجيوبولتيكي‪ :‬األولى ب بب موقعها‬
‫كزا ن‬
‫فيما بعد مر ن‬
‫االستراتيجي للى طريل ال ويس‪ ,‬والثاتية ب بب ما تحويه من ثروة‬
‫بترولية لظيمة‪.‬‬

‫وتمتاز مناطل ال هوب للى األقاليم الصحراوية بزيادة في كمية‬


‫األمطار ال اقطة لليها‪ ,‬ومع ذلك فطبيعة األ وال الجغرافية فيها تحول‬
‫دون كثافة سكاتها‪ ,‬وتجعل منهم جمالات رلوية‪ .‬وقد خرجا من‬
‫سهوب آسيا أقوام كثيرة كان لها أثرها في سير وادث التاريخ في كل من‬
‫أوربا والشرق األقصى‪.‬‬

‫هذا وأصلح أتواع المناخ كلها لقيام الدول الكبرى مناخ المناطل‬
‫الرطبة الواقعة في خطوط العرض المتوسطة‪ ,‬أو الجهات المرتفعة من‬
‫خطوط العرض الدتيا‪ .‬ومن أمثلة النوع األخير هضبة بوليفيا في أمريكا‬
‫الجنوبية‪ ,‬وهضبة إيثيوبيا في إفريقية‪ ,‬وبالد الم ك يك‪ .‬ولمعادن‬
‫‪92‬‬
‫بوليفيا‪ ,‬وخاص ة القصدير أهمية لظيمة في الوقا الحاضر‪ .‬أما إثيوبيا‬
‫(‪)1‬‬
‫فكاتا آخر دولة إفريقية م تقلة خضعا ل لطان االستعمار األوربي‬
‫ومع ذلك فليس من المتوقع أن تصبح إثيوبيا أو بوليفيا دولة من الدول‬
‫الكبرى وذلك لقله م ا تهما وولورة سطحهما‪.‬‬

‫وإذا تحن رجعنا إلى الدول العظمى ال بع التي كاتا قائمة في سنة‬
‫‪ , 1939‬تجد أتها كلها تحتل م ا ات كبيرة في الق م الرطب من‬
‫العروض الوسطى مما كان له أثره في تقدمها‪ .‬غير أن هذه القالدة لي ا‬
‫ّاملة إذ ي تثنى منها الواليات المتحدة واالتحاد ال وفيتي اللذان يتنوع‬
‫المناخ في داخلهما ب بب ات اع رقعة الوطن األصلي في كل؛ وهو‬
‫لكس ما تال ظه في الدول ذات األوطان الصغيرة كالجزائر الياباتية ذات‬
‫المناخ القليل التنوع‪.‬‬

‫ولألستاذ «إلزورت هنتجتن» ‪ Ellsworth Huntington‬رأيه في‬


‫المناخ المثالي للنشاط اإلت اتي الذي تتطلبه مقتضيات الحياة الحديثة‪.‬‬
‫فهو ‪-‬في التباره‪ -‬ذلك المناخ المثالي الذي يمتاز بكثرة تغيراته الجوية‬
‫مع ارتفاع قليل في رطوبته وخاصة في فترات الدفء ويبلغ النشاط‬
‫الج مي غايته في فصل الصيف‪ ,‬للى أال تزيد رارته للى درجة‬
‫ن ما يالئمها هو‬ ‫الدفء‪ .‬أما التقدم الفكري والنشاط الذهني فأ‬

‫‪1‬‬
‫( ) اإلّــارة هنــا إلــى اســتيالء إيطاليــا للــى إثيوبيــا قبــل الحــرب العالميــة الثاتيــة‪ ,‬ولكــن هــذه‬
‫البالد استعادت استقاللها بعد هزيمة إيطاليا‪.‬‬
‫المترجمان‬
‫‪93‬‬
‫الشتاء البارد تولا الذي ال تصل رارته إلى درجة االتجماد‪ .‬ومع أته ال‬
‫يوجد إقليم وا د تتوافر فيه هذه الشرائط‪ ,‬فقد ذهب «هنتنجتن» إلى أن‬
‫مناح إتكلترا والق م األكبر من قارة أوروبا وّمال الواليات المتحدة‬
‫وسا لها المطل للى المحيط الهادي وتيوزيالتد وجنوب ّرقي أستراليا‬
‫وأجزاء من ّيلي واألرجنتين تمثل أصلح األجواء كلها‪ ,‬وخلص من بحثه‬
‫هذا إلى أن أصلح جهات العالم كلها وأكثرها مالءمة إلظهار كامن‬
‫النشاط اإلت اتي‪ ,‬هي تلك التي تقع في م الك ألاصير المنطقة‬
‫المعتدلة الشمالية‪ ,‬وليس لهذه تظير في النصف الجنوبي من الكرة‬
‫األرضية إال في ّقة صغيرة ج ندا‪ ,‬وذلك لصغر م ا ة اليابس فيه‪.‬‬

‫والتاريخ‪ ,‬قديمه و ديثه‪ ,‬ملئ بالشواهد للى أهمية الدور الذي‬


‫لعبته األ وال الجوية في الحمالت البرية والبحرية‪ .‬فالقيادة األلماتية مثال‬
‫التمادا منها فيما يبدو‪ ,‬للى المعلومات التي استقتها من معهد ميوتخ‬
‫‪ -‬ن‬
‫للجيوبولتيكا‪ -‬كاتا للى بينة من أن غزو بوالتد يجب أن يتم في األيام‬
‫األولى من ّهر سبتمبر‪ ,‬إذا ما أرادت أن تتجنب األو ال التي يمكن أن‬
‫تتعرض لها دباباتها ‪ Panzer Divislons-‬بعد هذا التاريخ‪ .‬كذلك‬
‫اختارت ّهر أبريل لغزو بالد النرويج ألن في هذا الشهر يشتد هبوب‬
‫ستارا لتغطية الو دات النازية الصغيرة‪ .‬أما‬
‫العواصف التي يمكن أن تتخذ ن‬
‫غزوهم لورسيا فثد تخيروا ّهر يوتية للبدء به‪ ,‬ألن األرض الروسية تكون‬
‫إذ ذاج‪ ,‬بفضل تماسكها‪ ,‬أكثر مالءمة لز ف الدبابات األلماتية‪ .‬وهناج‬
‫أمثلة أخرى كثيرة يمكن إيرادها لبيان أهمية األ وال المناخية في سير‬

‫‪94‬‬
‫الحرب الحالية(‪ ,)1‬منها‪ :‬اختيار الياباتيين للفترة من مارا إلى مايو ‪-‬فترة‬
‫الرياح الموسمية الخارجة من القارة‪ -‬إلرسال ملتهم الع كرية للى‬
‫بورما‪ ,‬ومنها ما كان للضباب من فائدة في تغطية ركة االت حاب من‬
‫دتكرج‪ ,‬ثم العواصف الرملية وما كان لها من أثر في ملة ّمال إفريقية‪,‬‬
‫واختيار ّهر يوتية ‪-‬وهو أقل أّهر ال نة ضبابنا‪ -‬لغزو جزائر‬
‫«ألوّيان» ‪ ,‬ثم معركة بحر ب مارج التي تغير اتجاه الرياح في خاللها‪,‬‬
‫فكاتا فرصة مواتية‪ ,‬استعاتا بها القاذفات األمريكية للى إغراق الق م‬
‫األكبر من القافلة البحرية الياباتية التي كاتا في طريقها من «رابول» إلى‬
‫ضا من‬
‫ألئي‪( Rabout to Lae-‬في مجمولة جزائر ب مارج)‪ .‬وإليك بع ن‬
‫المعارج التاريخية التي كان لأل وال الجوية القول الفصل في سيرها‪ :‬في‬
‫سنة ‪ 1889‬كاتا ال فن الحربية األمريكية واأللماتية للى أهبة االلتحام‬
‫في معركة بحرية في مياه جزائر «ساموا» ينما هبا لاصفة مدارية هو‬
‫جاء من النوع المعروف في المحيط الهادي‪ ,‬أغرقا سفن األسطولين‪,‬‬
‫ولم ينشب القتال‪ .‬وفي سنة ‪ 1757‬كاتا معركة «بالسي» للى أّدها‬
‫وإذا بعاصفة مطرية ّديدة تنفجر‪ ,‬فاضطر المتحاربون إلى وقف القتال‪.‬‬
‫ولم يفا «كليف» خالل هذه الفترة أن يغطى مدافعه خشية البلل‪ ,‬وهو‬
‫ما لم يتنبه إليه القائد الهندي‪ .‬فلما اتقطعا األمطار استطاع «كليف»‬
‫أن يتابع القتال فك ب المعركة‪ .‬وهناج معركة «األرمادا»‪ Armada‬في‬
‫سنة ‪ 1588‬التي قضا العواصف وأمواج المد المرتفعة في تهايتها للى‬
‫ما كان قد تبقى من سفن األسطول اإلسباتي‪ .‬هذا وت مى المعركة التي‬

‫(‪ )1‬بقصد الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬


‫‪95‬‬
‫هزم فيها ‪ Hooker‬جنود االتحاد واستولى في تهايتها للى جبل لوج‬
‫أوت‪ »Lookout« .‬في سنة ‪« :1863‬معركة ما فوق ال حاب»‬
‫«‪ .)1(»Battle above the clouds‬ومن المعارج‪ :‬المشهورة معركة‬
‫«واترلو» سنة ‪ 1815‬التي أف دت األمطار في أثناءها للى تابليون‬
‫الخطة التي وضعها لها‪ .‬كذلك سالد ضباب بحر الشمال األسطول‬
‫األلماتي للى الت ل ل والنجاة من الدمار المحقل في أثناء معركة‬
‫وأخيرا ترى موسوليني يتخير لحملته‬
‫«جتلند» في الحرب العالمية األولى‪ .‬ن‬
‫للى بالد الحبشة في سنة ‪ 1935‬الفترة التي ت بل موسم األمطار‬
‫مباّرة‪.‬‬

‫السـكان‬

‫هذا هو رابع األمس الهامة التي تقوم لليها جيوبولتيكا الدولة (ّكل‬
‫‪ .)5‬والمال ظ أن ثالثة أرباع األلفي ألف مليون أو أكثر الذين ي كنون‬
‫اآلن للى سطح الكرة األرضية يعيشون في جنوب ّرقي آسيا وغرب‬
‫ووسط أوروبا وفي ّرق ووسط الواليات المتحدة وكندا‪ .‬ويبلغ تركز‬
‫ال كان غايته في النصف الشرقي للكرة األرضية‪ ,‬يث يعيش ما يقرب‬
‫من تصف سكان العالم كله‪ .‬وهذا بعكس قلتهم الملحوظة في النصف‬
‫الغربي‪ .‬أما الجهات الجافة‪ ,‬فتكاد تكون خالية من ال كان‪ ,‬ومثلها في‬
‫ذلك الجهات المطلة للى سوا ل المحيط المتجمد الشمالي وبعض‬

‫(‪ ) 1‬اإلّــارة هنــا إلــى إ ــدى المعــارج التــي قامــا بــين الجنــوبيين والشــماليين فــي الحــرب‬
‫(المترجمان)‬ ‫األهلية األمريكية‪.‬‬
‫‪96‬‬
‫الجهات المدارية واالستوائية الغزيرة األمطار‪ .‬وي تثنى من هذه األخيرة‬
‫جزيرة جلوة‪.‬‬

‫هذا إلى أن النصر في أوقات الحروب مرهون بعدد من يمكن‬


‫شدهم من الرجال في ميدان القتال‪ ,‬وبعدد الرجال والن اء الذين‬
‫يمكن االستعاتة بهم في الجبهة الداخلية‪ .‬وما كان لدولة أن تنال ق طها‬
‫من العزة والمنعة إذا هي لم تهيئ العدد الالزم من أبنائها إلسكان وإّغال‬
‫جميع أراضيها‪ .‬وإن ما تشاهده من فارق كبير بين لدد سكان كل من‬
‫ألماتيا وفرت ا لهو من أهم أسباب تفوق األولى للى الثاتية من النا ية‬
‫الجيوبولتيكية‪ ,‬فعلى ين كان لدد سكان فرت ا ‪ 43‬مليون ت مة في‬
‫سنة ‪ ,1930‬تجد أن سكان ألماتيا كاتوا قد قاربوا ‪ 65‬مليوتنا‪ .‬وإذا تحن‬
‫رجعنا إلى لصر تابليون ترى أن لدد سكان الدولتين كان أكثر تقاربنا من‬
‫هذا‪ ,‬وكاتا فرت ا تمتاز بو دتها وتماسكها‪ ,‬أما ألماتيا‪ ,‬فلم تكن إذ‬
‫ذاج سوى «تعبير جغرافي»‪ .‬وإن ما تشاهده اآلن في دول المحور من‬
‫العمل للى رفع ت بة المواليد‪ ,‬بفرض الضرائب للى غير المتزوجين‪,‬‬
‫ومنح اإللالتات ألصحاب األسر‪ ,‬لدليل للى ما تقوم به ألماتيا النازية‬
‫وإيطاليا الفاّ تية من العمل للى زيادة لدد سكاتها‪ .‬ولهذا كان موضوع‬
‫ضغط ال كان‪ ,‬وما ال قه من طلب توسيع المجال الجغرافي‬
‫‪ Lebensraum‬من المواضع المحببة لدى الكتاب المحوريين في‬
‫موضوع الجيوبولتيكا‪ ,‬كذلك كاتا الحال في بالد اليابان‪ ,‬فقد تجح‬
‫كتابهم وقادتهم في إقناع األهلين بأن البالد قد ضاقا ب اكنيها‪,‬‬
‫ولكنهم في الوقا تف ه كاتوا يعارضون أّد المعارضة في تحديد الن ل‪,‬‬
‫‪97‬‬
‫تلك الفكرة التي أخذت تعم وتشيع في الدول األتجلوسك وتية‪ .‬وللى‬
‫ين تراهم ينعون للى الواليات المتحدة ودول الكومنولث البريطاتية‬
‫وجمهوريات أمريكا الالتينية سياستهم «البيضاء» وإيصاد بالدهم في وجه‬
‫منا جرى اليابان‪ ,‬ترى هؤالء يحجمون لن الذهاب إلى منشوكو وّمال‬
‫الصين محتجين ببرودة مناخهما واتخفاض م توى المعيشة فيهما‪.‬‬
‫ويدلى ال اسة الياباتيون‪ ,‬فوق ذلك‪ ,‬أن توسعهم الصنالي يتأثر‪ ,‬إلى‬
‫درجة كبيرة‪ ,‬بالتعريفة الجمركية التي تفرضها الدول العربية في األسواق‬
‫التي يمكن أن يكون لهم فيها مجال تجاري‪ .‬لهذا كله لم تكن هناج‬
‫مندو ة‪ ,‬في زلمهم‪ ,‬من أن التوسع لن طريل الغزو والفتح هو الوسيلة‬
‫الو يدة لتنفيذ رسالتهم المقدسة‪ ,‬وسياسة تأسيس تظام جديد‬
‫‪ NewOrder‬في ّرق آسيا األكبر‪.‬‬

‫وإذا تحن رجعنا إلى اللواء «هوسهوفر» تجد أته لم يعتقد‪ ,‬في أي‬
‫وقا من األوقات‪ ,‬بأن بالد اليابان قد ضاقا ب اكنيها‪ ,‬ولكنه كان يرى‪,‬‬
‫مع ذلك‪ ,‬أن هناج فائدة كبرى يمكن تحقيقها من وراء إقناع الشعب‬
‫الياباتي بأن بالدهم قد أصبحا ال تت ع ألهليها‪ ,‬ومن ثم كان هؤالء‬
‫الماليين من ال كان الم تعبدين الذين ي اقون اآلن في كل من أوربا‬
‫وّرق آسيا األكبر‪ ,‬إلدارة لجلة الحرب التي تحركها كل من برلين‬
‫وطوكيو‪ ,‬ولكن يجب أال يغيب لنا أن الثالثمائة مليون ت مة القاطنين في‬
‫الشرق األقصى والذين يخضعون اآلن لحكومة الشمس المشرقة (اليابان)‬
‫هم أكثر خنولنا ومذلة من سكان النظام األوربي الجديد‪ .‬هذا ويبدو لنا‬
‫تقصا في القوة العددية للرجال بدليل ما‬
‫أن ألماتيا أخذت تعاتي اآلن ن‬
‫‪98‬‬
‫تبذله من ماا ّديد في إرسال القادرين من الفرت يين إلى المؤس ات‬
‫الصنالية في داخل ألماتيا تف ها‪.‬‬

‫ومجرد القوة العددية لل كان ليس في د ذاته من العوامل‬


‫األساسية التي لها قوة جيوبولتيكية‪ .‬ففي الهند مثال ‪ 380‬مليون ت مة‪,‬‬
‫وفي الصين ‪ 422‬مليوتنا(‪ ,)1‬ولكن ال هذه وال تلك يمكن التبارها دولة‬
‫من الدول الكبرى‪ .‬ويبلغ لدد سكان الواليات المتحدة ‪ 132‬مليوتنا من‬
‫األتفس‪ ,‬وسكان الجمهوريات ال وفيتية االّتراكية الروسية ‪ 193‬مليوتنا‪,‬‬
‫أي أتهم يزيدون للى األمريكيين بوا د وستين مليوتنا‪ ,‬وهذا لدا ما هو‬
‫معروف لن الزيادة العظيمة في ت بة المواليد لند الروا‪ .‬وألمريكا جيش‬
‫ضخم يبلغ العشرة ماليين أو أكثر‪ ,‬وهو لدد يقرب من مجموع سكان‬
‫كندا كلها‪ .‬وما كان لدولة أن تجند مثل هذا العدد‪ ,‬إذا لم يكن لها‬
‫ا تياطي كبير من ال كان‪.‬‬

‫هذا‪ ,‬وكان لدد من دلى للقتال في الحرب العالمية األولى ستين‬


‫مليوتنا‪ .‬أما في الحرب الثاتية فال بد أن يكون العدد أكثر من هذا بكثير‪.‬‬

‫ومن الخطر أن تعتمد للى مجرد اإل صائيات العددية لل كان من‬
‫غير فهم وتحليل دقيقين لهذه األلداد‪ُ .‬خذ سكان إمبراطورية الكومنولث‬
‫البريطاتية مثال‪ ,‬تجد أتهم يبلغون الخم مائة مليون‪ ,‬ولكن من بين هؤالء‬
‫‪1‬‬
‫( ) كان لدد سكان جمهورية الصين الشـعبية بموجـب إ صـاء سـنة ‪ 602 :1953‬مليـون‬
‫ت ـمة‪ .‬أمـا الهنـد ومعهـا باك ـتان‪ ,‬فحـوالي ‪ 380‬مليـون األولـى‪ 80 ,‬مليوتـا للثاتيـة)‬
‫‪ 460‬مليون ت مة‪.‬‬
‫‪99‬‬
‫‪ 380‬مليون هم سكان الهند‪ ,‬أما المواطنون البريطاتيون المنتشرون في‬
‫مختلف أتحاء الكومنولث ف بعون مليوتنا فقط‪.‬‬

‫والبا ث في موضوع ال كان‪ ,‬يجب لليه أن يتناول توا ي لدة‬


‫أهمها كلها أربع هي‪ :‬الجنس وال اللة‪ ,‬و ياة الشعوب والتطورات التي‬
‫دخلا لليها‪ ,‬ثم اللغة‪ ,‬والدين‪.‬‬

‫والجنس اصطالح للمي غير محدود‪ ,‬يمكن إطالقه للى كل‬


‫مجمولة من الناا لهم صفاتهم الطبيعية الخاصة التي تميزهم لن غيرهم‬
‫من المجمولات األخرى‪ .‬والرجل العادي‪ ,‬إذا ما ذكر «الجنس»‪ ,‬ال‬
‫ينصرف تفكيره إال إلى لون البشرة‪ ,‬أما رجل العلم فينظر إليه من لدة‬
‫تواح‪ ,‬منها طبيعة الشعر ومقاييس الرأا وما إلى ذلك من العوامل الكثيرة‬
‫أساسا لتصنيف المجمولة البشرية إلى‬
‫ن‬ ‫التي يتخذها للماء األجناا‬
‫أجناا وسالالت‪ ,‬وأهمها «القوقازي» و«المغولي» و«الزتجي»‪ .‬وقد‬
‫يكون من المفيد بهذه المناسبة أن تورد ّيئنا لما يراه بعضهم في هذا‬
‫الشأن‪ :‬فهتلر مثال كان من المؤمنين بأسطورة الجنس اآلري وما اّتملا‬
‫لليه من تفوق النورديين للى كل من لداهم‪ ,‬من النا يتين العقلية‬
‫والبدتية‪ ,‬وقد كان لهذا االلتقاد تتائجه الخطيرة‪ .‬فهو و ده الذي يف ر‬
‫لنا الطريقة التي سار لليها الرايخ الثالث في معاملته لألجناا األوربية‬
‫«المنحطة» ‪-‬في تظره‪ ,-‬وما أتزله بها من ألوان االضطهاد والتعذيب‪,‬‬
‫كذلك لم يترج سادة اليابان فرصةن إال وأكدوا فيها وجوب تقديس‬
‫إمبراطورهم والرسالة المقدسة التي تقوم بها كومته‪ ,‬مما جعل الكثيرين‬

‫‪100‬‬
‫من الجنود الياباتيين يؤمنون إيماتنا راس نخا بأتهم رسل اإلمبراطور في إبالغ‬
‫رسالته المقدسة إلى ّعوب الباسيفيك والشرق األقصى‪.‬‬

‫أما اللواء هوسهوفر فلم يكن من المشايعين لهتلر في تظريته‬


‫الخاصة باألجناا‪ .‬ولما كاتا زوجته غير آرية‪ ,‬تراه فقد أهليته لعضوية‬
‫الحزب النازي‪ ,‬ولهذا صرف كل اهتمامه إلى دراسة المجال األرضي‬
‫وترج الكثيرين من م تشاري هتلر يهتمون بموضوع األجناا‬
‫وال الالت‪.‬‬

‫وإذا تحن ابتعدتا لن دول المحور‪ ,‬رأينا وجهات تظر مختلفة في‬
‫موضوع األجناا‪ .‬ففي الواليات المتحدة تجد أن الثالثة لشر مليوتا من‬
‫الزتوج النازلين فيها قد أوجدوا ندا واضحا يفصل بين اللوتين وخاصة في‬
‫الواليات الجنوبية‪ ,‬ويأخذ هذا الفاصل اللوتي في التضاؤل إذا ما وصلنا‬
‫إلى أمريكا الالتينية‪ ,‬فيصبح زتوج البرازيل متمتعين بحقوق وامتيازات‬
‫يح دهم لليها زتوج الواليات المتحدة‪ .‬وفي جنوب إفريقية يعمل‬
‫الحكام البريطاتيون والهولنديون جاهدين للى اال تفاظ بإدارة البالد تى‬
‫ال تفلا من أيديهم إلى الملوتين‪ ,‬وهذا لكس الحال في بالد الهند التي‬
‫ال تقيم وزتا لالختالفات الجن ية‪ .‬أما االضطهاد الواقع للى اليهود في‬
‫جهات لدة فهو اقتصادي أكثر منه جن ي‪ ,‬إذ من المشكوج فيه كل‬
‫الشك وجود جنس بشري يمكن أن ت ميه «الجنس اليهودي»‪.‬‬

‫ويرالى لند تق يم المجمولة البشرية إلى ّعوب ما قد يكون بين‬


‫جمالة وأخرى من تباين في النا يتين االجتمالية والثقافية‪ ,‬كما أن للدين‬
‫‪101‬‬
‫واللغة أثرهما في بناء الشعوب وتكوينها‪ ,‬وقد ظهرت أهمية هذه العوامل‬
‫في تهاية الحرب العالمية األولى‪ ,‬لندما أريد تنفيذ مبدأ من أهم المبادئ‬
‫التي تادى بها الرئيس وودرو ول ن هو مبدأ تقرير المصير‪ ,‬فقد استحال‬
‫لليهم ذلك ب بب ما وجدوه من اختالط ّعوب لدة ببعضها البعض في‬
‫بقعة وا دة‪ ,‬وتعذر بذلك تعيين الحدود ال ياسية بينها‪ .‬كذلك ال ظوا‬
‫أن وجود أقليات خارج دود الدولة التي تضم الشعب األصلي من ّأته‬
‫أن يدلو إلى لدم االستقرار ال ياسي‪ .‬ومن هنا كاتا أولى األماتي التي‬
‫لمل أودلف هتلر للى تحقيقها‪ ,‬هي جمع كل األلماتيين تحا راية رايخ‬
‫وا د‪ .‬إذ كاتا معاهدة باريس قد تركا سبعة ماليين من المتكلمين‬
‫باللغة األلماتية داخل دود النم ا وثالثة ماليين وتصف مليون غيرهم‬
‫في تشيكو سلوفاكيا‪ ,‬لدا أقليات أخرى في بولندا وفرت ا و«ممل»‪,‬‬
‫يضاف إلى هذا كله الممر البولندي الذي أوجدته هذه المعاهدة والذي‬
‫خلل أقلية ألماتية أخرى وقضى للى و دة البالد بفصل بروسيا الشرقية‬
‫لن بقية أرض الوطن‪ .‬ولقد استطاع هتلر‪ ,‬دون االلتجاء إلى القتال‪ ,‬أن‬
‫يضم إلى ألماتيا جميع سكان النم ا‪ ,‬وبالد ال وديا‪ ,‬ومنطقة «ممل»‪,‬‬
‫ولكن «داتتزج» والممر البولندي كاتتا الزتاد الذي اتدلعا منه الشرارة‬
‫التي أّعلا الحرب العظمى الثاتية‪.‬‬

‫والتاريخ مليء بذكر العداء الم تحكم بين مجمولتين متباينتين أو‬
‫أكثر من الشعوب‪ .‬فالنزاع بين األلمان والفرت يين قائم منذ مئات‬
‫كثيرا ما قاما الحرب بين ال الفيين واأللمان‪ .‬وهناج العداء‬
‫ال نين‪ ,‬و ن‬
‫الم تحكم بين اليوتان والبلغار‪ .‬وما الحرب األهلية في يوجوسالفيا‪,‬‬
‫‪102‬‬
‫مظهرا من مظاهر‬
‫تلك الحرب التي بلغا أّدها في سنة ‪ ,1943‬إال ن‬
‫الخالف القائم بين ّعوبها الثالث‪ :‬الصرب والكروات وال لوفيين الذين‬
‫لم يندمجوا بعد االتدماج الكافي الذي يمكن أن تتولد لنه القومية‬
‫والدولة المو دة‪ .‬ولهذا لم يكن غريبنا أن ترى بين الدول الموالية للمحور‬
‫دولتي كرواتيا التي اقتطعها النازيون من يوجوسالفيا‪ ,‬وسلوفاكيا التي‬
‫ين أن كال من يوجوسالفيا‬ ‫اقتطعوها من تشيكوسلوفاكيا‪ ,‬للى‬
‫وتشيكوسلوفاكيا‪ ,‬كما هو معروف‪ ,‬لضوان في مع كر الدول المتحدة‪.‬‬

‫وليس من ّك أن ما قام به األلمان من إرغام الكثيرين من سكان‬


‫القارة األوربية للى الهجرة من جهة إلى أخرى‪ ,‬سوف يزيد تعقيد مشكلة‬
‫تعيين الحدود ال ياسية بعد الحرب الحالية‪ .‬بل إن إلادة رسم الدول‬
‫ال ياسية لهذه القارة للى أسس جن ية وقومية سوف يثير في مؤتمر‬
‫الصلح القادم تفس المشكالت التي أثارها في سنة ‪.1919‬‬

‫ولكن إلى جاتب هذه الصورة المضطربة الكثيرة التعقيد‪ ,‬هناج صورة‬
‫أخرى‪ ,‬هي صورة سوي رة‪ ,‬تلك الدولة التي للى ما فيها من ّعوب لدة‬
‫‪-‬ألمان‪ ,‬وفرت يين‪ ,‬وإيطاليين‪ ,‬ورايتو رمان ‪-Rhaeto Roman‬‬
‫استطالا أن توجد بينها كلها وتخلل منها دولة موفقة هنيئة‪.‬‬

‫أثرا في تمييز ّعب لن‬


‫أما اللغة فهي من أفضل الوسائل وأظهرها ن‬
‫ّعب‪ .‬وطبيعي أن يكون اتفاق اللغة لامال من لوامل تو يد الجمالات‪,‬‬
‫كما أن اختالفها ال بد أن ينتهي بها إلى التفرقة‪ .‬وتمتاز كل من أوروبا‬
‫وآسيا بتعدد لغاتهما وتباينها‪ ,‬وهو لكس ما تشاهده في كل من أمريكا‬
‫‪103‬‬
‫وأستراليا‪ ,‬يث تعتبر مشكلة اللغات أب ط المشكالت كلها وأي رها‪.‬‬
‫فاإلتكليزية واإلسباتية والبرتغالية هي اللغات الرئي ية في األمريكتين‪ ,‬مع‬
‫قليل من الفرت ية ‪-‬في والية كويك‪ ,‬والهولندية في بعض جزائر الهند‬
‫الغربية وم تعمرة غينيا‪ .‬أما أستراليا فلها لغة وا دة هي اإلتكليزية‪.‬‬
‫واآلن‪ ,‬قارن هذا بما هو ادث في الهند مثال يث توجد مئتا لغة‬
‫معترف بها ‪-‬لدا اللهجات العديدة‪ -‬ومن هاتين المئتين‪ ,‬لشر ال يقل‬
‫لدد من يتكلم كال منها لن الت عة ماليين من األتفس‪ ,‬ولن تجد في‬
‫أوربا دولتين يتحد سكاتهما في اللغة لدا ألماتيا والنم ا‪ ,‬وهذا ال يحول‬
‫دون وجود أقليات تعيش في دول مختلفة ومع ذلك قد تتكلم لغة‬
‫ن من هذا اال‪ ,‬فالزتوج الخاضعون‬ ‫وا دة‪ .‬ولي ا إفريقية بأ‬
‫لبريطاتيا و دها يتكلمون والي المائتي لغة‪ ,‬وفي اتحاد جنوب إفريقية‬
‫يتكلم الم تعمرون البيض اللغتين اإلتكليزية واألفريكاتية(‪.)1‬‬

‫والدين لامل آخر من لوامل تمييز المجمولات البشرية بعضها لن‬


‫قديما من األسباب التي تثار من أجلها‬
‫بعض‪ .‬وليس الدين اآلن كما كان ن‬
‫المنازلات‪ .‬فالحروب الدامية التي يتصل ذكرها بظهور اإلسالم‬
‫وبالحمالت الصليبية في الشرق األدتى وبحركة اإلصالح البروت تاتتية‬
‫والحركة المضادة لها التي قام بها الكاثوليك‪ ,‬أصبحا كلها اآلن في ذمة‬
‫التاريخ ‪-‬والهند الحديثة هي المثل الو يد الذي يتخذ فيه النزاع بين‬

‫(‪ )1‬وهــي لغــة ال ــالالت الهولنديــة التــي اســتعمرت جنــوب إفريقيــة؛ فهــي لغــة هولنديــة مــع‬
‫قليل من بعض اللهجات الوطنية اإلفريقية وبعض اإلتكليزية‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫مظهرا دينينا(‪ .)1‬أما الكفاح القائم في فل طين بين‬
‫الهندوا والم لمين ن‬
‫اليهود والعرب فمرجعه األول العامل االقتصادي‪.‬‬

‫والم يحية بمذاهبها الثالثة ‪-‬البروت تاتتية والكثلكة والكني ة‬


‫اليوتاتية األرثوذك ية‪ -‬هي الدياتة الغالبة في األمريكتين وأستراليا وأروبا‬
‫وجنوب إفريقية‪.‬‬

‫واإلسالم ينتشر من جزائر الهند الشرقية ّرقنا تى ّمال إفريقية‬


‫غربنا‪ ,‬بما في ذلك الشرق األدتى وأجزاء من بالد الهند وغرب الصين‪,‬‬
‫وبعض جهات في جزائر الفليبين‪ .‬وتمتد الدياتة البوذية من منغوليا تى‬
‫جنوب ّرقي آسيا بما في ذلك بالد اليابان‪ ,‬أما دياتة الهندوكيين‬
‫كبيرا‬
‫فمركزها بالد الهند‪ ,‬وإن كاتا هذه البالد تنتظم في داخلها خليطنا ن‬
‫من الدياتات‪ ,‬ويدين معظم الصينيين بمذهب كوتفشيوا‪ ,‬وهناج الوثنيون‬
‫وأكثر ما يكون هؤالء في المناطل االستوائية كوسط إفريقية وجزيرة غينا‪,‬‬
‫وتعيش فئة منهم في الجهات القطبية‪ .‬ويقدر لدد الم يحيين بحوالي‬
‫‪ 683‬مليون ت مة‪ ,‬أما غير الم يحين فيبلغ لددهم تحو ‪1169‬‬
‫مليون ت مة‪.‬‬

‫هذا وتختلف العالقة بين الكني ة والحكومة من دولة إلى أخرى‪.‬‬


‫فهناج كومات ت ير للى مبدأ الحرية الدينية التامة‪ ,‬ومثلها الواليات‬

‫(‪ )1‬لم يكن الم لمون الهنود قد أس وا ينذاج دولة «الباك تان»‪.‬‬
‫المترجمان‬
‫‪105‬‬
‫المتحدة‪ ,‬وأخرى ينص دستورها للى وجود دين رسمي للدولة‪ ,‬كبعض‬
‫جمهوريات أمريكا الالتينية‪ .‬ومن األمثلة التي يمكن إيرادها للى بيان ما‬
‫قد يكون للدين من أثر في لرقلة ّئون الدولة‪ ,‬ظهور لبادة‬
‫ّنتو(‪ Shinto)1‬في اليابان‪ .‬والمشاهد أن اتصال روسيا بدول الحلفاء‬
‫خالل الحرب العالمية الثاتية كان له أثره في مل كومتها للى اتتهاج‬
‫(‪)2‬‬
‫امحا لن ذي قبل في الم ائل الدينية‪.‬‬
‫سياسة أكثر ت ن‬

‫املوارد الطبيعية‪ ،‬والقدرة الصناعية‬

‫يكوتان الدلامة الخام ة التي تقوم لليها «الجيوبولتيكا»‬


‫وهما ِّ‬
‫الدولة ذلك ألتهما مظهر قوتها االقتصادية‪ ,‬كما أن تجاح العمليات‬
‫الحربية مرهون ‪-‬إلى درجة كبيرة‪ -‬بتفوق الدولة في تجهيزاتها الع كرية‬
‫من طائرات‪ ,‬ودبابات وسفن ومدافع‪ ,‬وهذه كلها تتيجة مباّرة لقدرة‬
‫الدولة للى اإلتتاج الصنالي (ّكل ‪.)6‬‬

‫هذا‪ ,‬وال تصل الدولة إلى مرتبة الدول العظمى إال إذا توافر لديها‬
‫القدر الكافي من الموارد الطبيعية األساسية في داخل دودها‪ ,‬أو كان‬
‫لها في القوة ما يضمن لها الوصول إلى هذه المواد في مواطنها األصلية‬
‫(ّكل ‪ .)7‬ومثل هذا الشرط من ّأته «أن يحول دون بلوغ الكثير من‬
‫الدول مثل هذه المرتبة»‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫( )‪ :Shintoism‬هــو دي ــن ســواد ال ــكان فــي الياب ــان‪ ,‬وأساســه تق ــديس األجــداد وبع ــض‬
‫مظاهر الطبيعة‪.‬‬
‫(‪ )2‬كان ذلك الت امح ضرورة من ضرورات الحرب ب بب اتضمام روسيا إلى الحلفاء‪.‬‬
‫‪106‬‬
‫والمواد األولية ال تُك ب الدولة القوة والمنالة‪ ,‬إن هي لم ت تغل‬
‫وت تثمر‪ :‬فروسيا القيصرية كاتا غنية بمواردها الطبيعية‪ ,‬ولكن الم تغل‬
‫قليال ج ندا‪ ,‬فلم يكن لها ‪-‬والحالة هذه‪ -‬األثر‬
‫منها إذ ذاج كان ن‬
‫المطلوب في الحرب العالمية األولى‪ .‬ولهذا اتهارت الجيوش الروسية‬
‫أمام قوات قيصر ألماتيا في سنة ‪ .1917‬أما اآلن‪ ,‬وفي سنة ‪,1943‬‬
‫فقد تغيرت الحال وأصبحنا ترى القوات ال وفيتية‪ ,‬تضغط للى جيوش‬
‫الفوهرر وتجليها لن أراضيها‪.‬‬

‫وهناج سبل المواصالت من يث سهولتها وكفايتها‪ ,‬وذلك تى‬


‫يت نى للدولة إيصال المواد األولية إلى المراكز التي تحول فيها إلى‬
‫معدات الحرب وال لم؛ وهذه للى أتواع‪ :‬الطرق البرية‪ ,‬وال كك‬
‫الحديدية‪ ,‬والطرق المائية الداخلية‪ ,‬ثم المال ة البحرية‪ ,‬والنقل الجوي‪.‬‬

‫هذا وقد قام المحوريون‪ ,‬كما ذكرتا‪ ,‬بتق يم العالم إلى مناطل لكل‬
‫كفايتها االقتصادية‪ .‬غير أن كل محاولة من هذا النوع تحتاج إلى تحديد‬
‫وتدقيل كبيرين‪ ,‬إذ أتنا ال تعرف دولة وا دة تكفي تف ها بنف ها من غير‬
‫أن ت تعين بغيرها‪ .‬وقد كاتا الدول الكبرى ‪-‬لند بدء الحرب العالمية‬
‫الثاتية‪ -‬للى درجات متفاوتة في هذه الكفاية‪ :‬فالواليات المتحدة وروسيا‬
‫ال وفيتية واإلمبراطورية البريطاتية كاتا تتزلمها كلها‪ .‬وتمتاز الدولتان‬
‫األوليان باتدماج رقعتها الجغرافية وتماسكهما‪ .‬أما اإلمبراطورية البريطاتية‬
‫فمكوتة من أجزاء متناثرة تشغل ربع م ا ة اليابس كله‪ .‬وتأتي فرت ا في‬
‫المرتبة الثاتية من يث هذه الكفاية‪ .‬أما ألماتيا وإيطاليا واليابان فكاتا‬

‫‪107‬‬
‫تى سنة ‪ 1938‬دون بقية الدول الكبرى بكثير‪ ,‬ومن ثم جاء التعبير‬
‫الذي ّاع استعماله فيما ول سنة ‪« :1930‬دول لها‪ ,‬ودول ليس‬
‫لها»‪.)Haves and have – nost( .‬‬

‫وتقاا قوة الدولة ومالها من وزن‪ ,‬في وقتنا الحاضر‪ ,‬بقدرتها للى‬
‫التصنيع‪ ,‬ألته هو الذي يحدد المظاهر المختلفة لتلك القوة من يث‬
‫ات اع رقعتها ولدد سكاتها ورصيدها من الذهب ولتادها‪ ,‬ال بل وجيشها‬
‫تف ه‪ .‬لهذا أصبحا الدول المتحالفة تعلل أمال كبيرا في النصر النهائي‬
‫للى تفوق إمكاتياتها الصنالية‪ ,‬وخاصة ما يوجد منها في الواليات‬
‫المتحدة واإلمبراطورية البريطاتية واالتحاد ال وفيتي‪ .‬وإذا كاتا ألماتيا‬
‫واليابان قد ك بتا الجولة األولى في الصراع القائم اآلن‪ ,‬فما ذلك إال‬
‫لقربهما من مواطن القتال من جهة‪ ,‬وما كان لهما من سبل في صنع‬
‫المهمات الحربية الحديثة‪ ,‬من جهة أخرى‪ .‬وإن ربنا تكون الغلبة فيها‬
‫لمن يصمد صنالينا تى النهاية‪ ,‬ال بد أن تبوء دول المحور فيها بالفشل‪.‬‬

‫وقدرة الدولة للى التصنيع مرهوتة ‪-‬إلى د كبير‪ -‬بوجود المواد‬


‫األولية التي تحتاج إليها الصنالات المتنولة‪ .‬والحصول للى هذه المواد‬
‫له تا يتان‪ :‬إ داهما دولية ب بب الوضع الحالي للحدود ال ياسية‪,‬‬
‫والثاتية طبيعية؛ ذلك ألن التوزيع الجغرافي لتلك المواد ال يخضع ألية‬
‫قالدة أو تظام‪.‬‬

‫هذا‪ ,‬وقد قاما لجنة الذخيرة للجيش واألسطول األمريكي بنشر‬


‫قوائم بأهم المواد التي تحتاج إليها الواليات المتحدة وق متها إلى فئات‬
‫‪108‬‬
‫ثالث‪ :‬االستراتيجية‪ ,‬والخطرة‪ ,‬والحيوية‪:‬‬

‫ولرفا المواد االستراتيجية بأتها تلك التي «ال غنى لنها في الدفاع‬
‫لن الوطن والتي يعتمد في إتتاجها كلها أو جزء منها‪ ,‬خالل فترة الحرب‪,‬‬
‫للى مصادر واقعة خارج الحدود القارية للبالد‪ ,‬ولهذا وجبا المحافظة‬
‫لليها وفرض الرقابة الشديدة للى توزيعها» وغالبية هذه القائمة من‬
‫المملكة المعدتية‪ :‬فالواليات المتحدة ت تهلك تصف محصول العالم‬
‫من مادة االتنيموتي‪( .‬التوتيا أو جر الكحل)‪ .‬ومعلوم أن بوليفيا‬
‫والمك يك تنتجان هذا المعدن‪ .‬ولكن تصف اإلتتاج العالمي يأتي من‬
‫الصين‪ .‬أما الكروم ‪ chrominum‬فتوجد أغنى مناجمه في روسيا الجنوبية‬
‫ويليها في ذلك االتحاد ال وفيتي فتركيا فجنوب إفريقية‪ .‬وت تهلك‬
‫الواليات المتحدة من ثلث إلى ثلثي إتتاج العالم كله‪ .‬وهناج المنجنيز‪,‬‬
‫وهو مادة لها أهميتها في صنالة بعض أتواع الفوالذ‪ ,‬وتبلغ «مقطولية»‬
‫الواليات المتحدة منه ثلث اإلتتاج العالمي‪ ,‬وت تورده من الروسيا والهند‬
‫مؤخرا إلى هذه القائمة‪ .‬وأكبر الدول‬
‫وجنوب إفريقية‪ .‬وقد أضافوا الزئبل ن‬
‫المصدرة له أسباتيا وإيطاليا ومنهما ت تورد الواليات المتحدة تصف‬
‫الكمية التي ت تخدمها في صنالاتها‪ .‬كما أضافوا «الميكا» وتدخل في‬
‫صنالة األجهزة الكهربائية ومصدرها األكبر هو الهند‪.‬‬

‫أما «النيكل» فتوجد أكبر قوله في كندا وتنتج ‪ %85‬منه للى‬


‫ين ال تنتج تيوكليدوينا سوى ‪ %5‬منه وت تورد الواليات المتحدة‬
‫تصف تيكل العالم كله‪ .‬والبرازيل أكبر م تودع للبلورات «الكوارتز»‪,‬‬

‫‪109‬‬
‫كما أن بالصين ‪ %74‬من «التنج تن» العالمي‪ :‬أما القصدير‪ ,‬وهو‬
‫المعدن الو يد الذي لم يعثر لليه في الواليات المتحدة إال بكميات‬
‫قليلة ج ندا ال قيمة لها من النا ية الصنالية‪ ,‬فكاتا تصهر أكثر من‬
‫تصف الكمية الم تعملة منه في األغراض التجارية للى مقربة من مدينة‬
‫سنغافورة؛ وتحصل الواليات المتحدة للى هذا المعدن من مصادر ثالثة‬
‫وهي واليات الماليو وت تورد منها ‪ ,%37‬وجزائر الهند الشرقية‬
‫وت تورد منها ‪ ,%19‬ثم بوليفيا ‪ ·%12‬ومن المواد االستراتيجية‬
‫األخرى فحم قشور جوز الهند(‪ ,)1‬وخيوط ماتيلال‪ ,‬والكينين‪ ,‬ثم الحرير‪,‬‬
‫والمطاط ‪ .‬وكاتا الواليات المتحدة ت تمد غالبية المطاط الالزم‬
‫لصنالاتها من ّبه جزيرة الماليو وجزائر الهند الهولندية‪ .‬أما البرازيل‪,‬‬
‫وكاتا من قبل أهم مصدر للمطاط‪ ,‬ففيها إمكاتيات كبيرة إلتشاء مزارع‬
‫لهذا النبات يمكن أن تأتي ثمارها بعد سبع أو ثماتي سنوات من زرلها‪.‬‬
‫كذلك ت تطيع الواليات المتحدة أن ت تغنى بإتتاجكل من «بيرو» و«بوليفيا» من‬
‫الكينين لماكاتا ت تورده من جزائر الهند الشرقية‪ .‬أما الحرير الخام فكان جل التمادها‬
‫فيه للى اليابان‪ .‬وجزائر الفيلبين هي أكبر مصدر لخيوط ماتيلال‪,‬كما يأتيها فحم جوز الهند‬
‫من جزائر المحيط الهادي الجنوبي معكميات قليلة من أمريكا الجنوبية‪.‬‬

‫تأتي بعد ذلك قائمة المواد خطيرة الشأن كما ذكرتها لجنة الذخيرة‬
‫األمريكية للجيش واألسطول‪ .‬وهي تلك التي ال غنى لنها في الدفاع لن‬
‫‪1‬‬
‫( ) وهــو تــوع مــن الفحــم النبــاتي‪ ,‬ينشــأ لــن ــرق قشــور جــوز الهنــد بمعــزل لــن الهــواء‪,‬‬
‫ـورا كمــا يصــنع الفحــم البلــدي‪ ,‬رمتــه تؤخــذ المــادة التــي ت ــتعمل فــي ترّــح الهــواء‬
‫مطمـ ن‬
‫الترجمان‬ ‫لند لمل الكمامات المضادة للغازات ال امة‪.‬‬
‫‪110‬‬
‫الوطن‪ ,‬ولكن الحصول لليها أقل خطورة من المواد االستراتيجية‪.‬‬
‫فاأللومنيوم الذي التبر من قبل مادة استراتيجية يوجد في الواليات‬
‫المتحدة تف ها وفي كندا‪ .‬ثم األسب تس‪ ,‬ويوجد في ّرق كندا‪,‬‬
‫والجرافيا ويؤتي به من مدغشقر وإن كان من الممكن االستعاضة لنه‬
‫بمواد أخرى محلية‪ .‬ثم اليود في والية كاليفورتيا‪ .‬كما استطالا الواليات‬
‫المتحدة أن تجد بديال للزجاج األلماتي الذي ي تخدم في صنالة‬
‫البصريات‪ .‬وهناج مادة ‪ .Vanadium‬وتدخل في صنالة بعض أتواع‬
‫الفوالذ الالزم لعمل الطائرات‪ ,‬وتوجد مناطل تعدينها في بيرو وفي‬
‫الواليات المتحدة تف ها‪ .‬والحكومة األمريكية واثقة من أتها لن تجد‬
‫صعوبة‪ ,‬خالل الحرب الحالية‪ ,‬في الحصول للى المواد التي أدرجا في‬
‫قائمة الضروريات‪ .‬وكل ما تتوخاه اللجنة من إفرادها في قائمة خاصة بها‬
‫هو ضمان تنظيم لمليات الصهر والصنع والتوزيع‪ ,‬ومن هذه المواد‬
‫الكلورين والنحاا األ مر والهليوم والحديد والفوالذ والرصاص‬
‫والمغن يوم ‪ Molybdenum‬أ د أتواع الكروم النادرة ‪-‬ومركبات‬
‫ا لنيتروجين والبترول والفوسفات والبوتاا و امض الكبريتيك واليوراتيوم‬
‫والزتك‪Zirconium ,‬؛ هذه كلها ت تعمل في صنالة األتوار الوضاءة‪.‬‬
‫ب مقتضيات الحاجة‪ ,‬ألن‬ ‫وهذه القائمة لرضة للتبديل والتغيير‬
‫أمريكا ‪-‬إلى جاتب أتها أكبر منتجة للمواد المعدتية‪ -‬فهي أيضا أكثر‬
‫بالد العالم استهالكا وتوزيعا لهذه المعادن ومنتجاتها‪.‬‬

‫ورغم ما لرف لن الواليات المتحدة من أتها أكثر بالد العالم كله‬


‫كفاية اقتصادية‪ ,‬فإن هذا ال يمنعنا من تقرير الحقيقة اآلتية‪ ,‬وهي أته‬
‫‪111‬‬
‫تى هذه البالد ال يمكن أن تعيش في لزلة لن العالم الخارجي‪ ,‬فما‬
‫بالك بدول المحور ‪-‬ألماتيا وإيطاليا واليابان؟ وماذا يا ترى يكون ترتيبها‬
‫بين الدول ذات الكفاية االقتصادية؟ هناج اثنتان ولشرون مادة صنالية‬
‫ال غنى لنها الستكمال هذه الكفاية وهي‪ :‬الفحم‪ ,‬الحديد الخام‪,‬‬
‫البترول‪ ,‬النحاا األ مر‪ ,‬الرصاص‪ ,‬النترات‪ ,‬الكبريا‪ ,‬القطن‪,‬‬
‫األلومنيوم‪ ,‬الزتك‪ ,‬المطاط‪ ,‬المنجنيز‪ ,‬النيكل‪ ,‬الكروم‪ ,‬الثنج تن‬
‫الصوف‪ ,‬البوتاا‪ ,‬الفوسفات‪ ,‬األتثومني (التوتيا) ثم القصدير والزئبل‬
‫والميكا‪.‬‬

‫وكاتا ألماتيا في سنة ‪ 1939‬تعتمد إلى درجة كبيرة‪ ,‬وفي بعض‬


‫التمادا كلينا‪ ,‬للى المصادر الخارجية لتغذيتها بهذه االثنتين‬
‫ن‬ ‫الحاالت‬
‫والعشرين مادة‪ ,‬ي تثنى منها الفحم والنترات والبوتاا‪ ,‬أما كفايتها من‬
‫الحديد في فترة الحرب فمرجعها الكميات التي ت تمدها من المناجم‬
‫ال ويدية ‪-‬وإيطاليا قد تنتج الكبريا والزئبل‪ ,‬كما قد ت تطيع الحصول‬
‫للى بعض الموارد اإلضافية من الحديد والرصاص والنترات واأللمنيوم‬
‫مما تنتجه المناجم المحلية ذات الن ب الواطئة في هذه العناصر‪,‬‬
‫ولكنها تعتمد إلى درجة كبيرة ج ندا للى األسواق األجنبية التي تموتها‬
‫بالفحم والبترول والنحاا األ مر والقطن والكثير من المركبات المعدتية‬
‫التي ال غنى لها لنها‪ .‬أما ثالثة دول المحور وهي اليابان ومعها منشوكو‬
‫فلديها من مواطن الفحم والحديد والكبريا والكروم والثنج تن والنترات‬
‫والميكا‪ ,‬ما يكفي اجاتها الضرورية‪ ,‬ولكنها كاتا فيما قبل اليوم ال ابع‬
‫من ّهر دي مبر سنة ‪ 1941‬مفتقرة إلى بعض المواد الضرورية كالمطاط‬
‫‪112‬‬
‫والقصدير والبترول‪ ,‬كاتا تحصل لليها من األسواق الخارجية‪.‬‬

‫وكاتا فرت ا تنتج ‪-‬في داخل بالدها‪ -‬الحديد واأللومنيوم‬


‫والبوتاا‪ ,‬وتأخذ النيكل والكروم و«التوتيا» والميكا من م تعمراتها‪ .‬أما‬
‫االتحاد ال وفيتي فكان أهم ما يعوزه المطاط والنيكل والثنج تن‬
‫و«التوتيا»‪ .‬وهناج اإلمبراطورية البريطاتية‪ ,‬وهي مفتقرة إلى البوتاا‬
‫والفوسفات و«التوتيا» والبترول‪ .‬و تى الواليات المتحدة يعوزها المطاط‬
‫والكروم والقصدير والمغني يوم‪.‬‬

‫وجملة إتتاج الواليات المتحدة ومعها اإلمبراطورية البريطاتية‬


‫واالتحاد ال وفيتي تحو ‪ 133‬مليون طن من الفوالذ سنوينا‪ .‬أما أوربا‬
‫النازية ومعها اليابان‪ ,‬فال يزيد إتتاجهما للى الت عة وأربعين مليون طن من‬
‫هذه المادة‪.‬‬

‫هذه ولم يكن في وسع الو دات األسيوية التي كاتا تحتلها اليابان‬
‫قبل ‪ 7‬دي مبر سنة ‪ ,1941‬أن ت اير التوسع الصنالي الذي أوجبته‬
‫المجهودات الحربية‪ ,‬مما اضطرها إلى البحث ‪-‬خارج مناطل تفوذها‪-‬‬
‫لن البترول والمطاط والحديد والفوالذ القديم (الخردة) والكثير من‬
‫المركبات المعدتية‪ .‬ولكنها‪ ,‬بعد غزوها لجنوب ّرقي آسيا‪ ,‬تغلبا للى‬
‫الكثير من الصعاب التي كاتا تجابهها في الحصول للى المواد األولية‪,‬‬
‫كثيرا للى اجاتها من البترول والقصدير‬
‫بل أصبحا تملك ما يزيد ن‬
‫والمطاط وإن كان استغاللها لها لم يتم مباّرة ب بب سياسة رق‬
‫األراضي التي اتبعها الحلفاء قبل تقهقرهم لن تلك البالد‪ .‬ومن المواد‬
‫‪113‬‬
‫األخرى التي تهيأت للياباتيين ب بب هذه الفتو ات‪ :‬الحديد الخام‪,‬‬
‫والحديد القديم (الخردة) والبك يا ثم الكروم والمنجنيز والنحاا‬
‫األ مر والنيكل‪ .‬ولكن للى الرغم من هذا كله فإن ّرق آسيا األكبر ال‬
‫يزال دون د الكفاية االقتصادية الكاملة‪ ,‬فهو مفتقر إلى الزئبل والنترات‬
‫والرصاص‪ .‬وهذا لكس ما هو اصل في المواد الغذائية‪ ,‬فالمال ظ أن‬
‫البالد الداخلة في تطاق هذا الق م ‪ّ-‬رق آسيا األكبر‪ -‬تكمل بعضها‬
‫البعض إلى درجة الرخاء؛ ألن الكمية الزائدة من األرز لن اجة االستهالج‬
‫المحلى في الصين الهندية الفرت ية وفي بالد تايالتد لها قيمتها الكبرى في‬
‫تغذية جيوش الشمس المشرقة (اليابان) النازلين في البحار الجنوبية‪.‬‬

‫هذا ولطالما أللن النازيون أن القارة األوربية و دة اقتصادية قائمة‬


‫بذاتها؛ ومنذ أن بدأت الحرب العالمية الثاتية وألماتيا للى اتصال مباّر‬
‫بمناجم الحديد الفرت ية وال ويدية ت تمد منها اجتها‪ ,‬كما وجدت في‬
‫أوكراتيا م تودلات للمنجنيز والفحم والحديد‪ .‬أما الكروم فتحصل لليه‬
‫من كل من اليوتان ويوغوسالفيا‪ ,‬وهناج كميات‪ ,‬وإن كاتا قليلة‪ ,‬من‬
‫ضا من الثنج تن‬
‫النيكل في النرويج وفنلندا‪ ,‬ومقادير أخرى محدودة أي ن‬
‫في أسباتيا والبرتغال‪ ,‬وكميات قليلة ج ندا من «التوتيا» في فرت ا وتشيكو‬
‫سلوفا كيا والنم ا ويوغوسالفيا‪ ,‬أما الزئبل فتوجد أكبر م تودلاته في‬
‫مقدارا ال بأا به من البترول‪ ,‬كما تغل‬
‫ن‬ ‫أسباتيا وإيطاليا‪ .‬وتنتج روماتيا‬
‫مقدارا آخر وإن كان قليال‪ .‬هذا ولو تم أللماتيا فتح‬
‫ن‬ ‫اآلبار البوالتدية‬
‫الشرق األدتى وّمال إفريقية‪ ,‬وأمكنها ضم جميع أراضي القارة األوربية‬
‫إلى الغرب من جبل أورال ألصبحا تملك الق م األكبر من إتتاج العالم‬
‫‪114‬‬
‫في الكروم والزئبل والمنجنيز والبك يا والبوتاا‪ ,‬وتصف ما في العالم‬
‫كله من ديد وفاتديم ‪ Vanadium‬وماغن يوم وكبريا وفوسفات‬
‫ولجينة الخشب وخيوط الن يج‪ ,‬ولكنها رغم هذا كله تظل وهي دون‬
‫الكفاية في بعض المواد التي ال يمكن االستغناء لنها‪ ,‬ومنها «التوتيا»‬
‫والقصدير والمطاط‪ ,‬بل وربما البترول تف ه(‪.)1‬‬

‫وإذا تحن اتتقلنا إلى الموارد الغذائية‪ ,‬تجد أن ألماتيا كاتا في سنة‬
‫‪ 1939‬تعتمد في غذائها ‪-‬إلى د كبير‪ -‬للى الواردات األجنبية‬
‫وخاصة ما كان يأتيها من بالد البلقان‪ .‬وتتباين آراء الخبراء في قدرة أوربا‬
‫للى كفاية تف ها بنف ها من النا ية الغذائية‪ .‬فوا د منهم وهو ‪Brooks‬‬
‫‪ Emery‬يقرر أته إذا أمكن االستمرار في تشديد الحصار للى الطرق‬
‫البحرية المؤدية إلى أوربا فال مندو ة من دوث المجالة تدريجينا في‬
‫البالد التي ي يطر لليها النازيون‪ .‬غير أن هذا ال يتفل مع ما يقرره‬
‫جمالة الكتاب الذين ينتمون إلى جمعية ال ياسة الخارجية ‪Foreign‬‬
‫‪ Policy Association‬والذين يرون أن إخضاع ألماتيا لن طريل تجويعها‬
‫ضعيف اال تمال ج ندا‪.‬‬

‫ضا أن تصف الكرة الغربي ال يكون و دة‬ ‫هذا ومن الراجح أي ن‬


‫اقتصادية كاملة‪ .‬قيقة أن المواد الطبيعية في كل من كندا وأمريكا‬

‫‪1‬‬
‫( ) مــن الواضــح أن المــؤلفين فرغــا مــن كتابهمــا قبــل إلــالن النتــائج العظيمــة التــي صــلا‬
‫لليها ّركات البترول التي تعمل في بـالد العـرب ال ـعودية وفـي إمـارة الكويـا وجزيـرة‬
‫البحرين وغيرها من بالد الشرق األدتى‪ ,‬وهي تعتبر اآلن أغنى قول العالم كله‪.‬‬
‫‪115‬‬
‫الالتينية قد تكمل موارد الواليات المتحدة‪ ,‬ولكن يجب أال يفوتنا أتها‬
‫تناف ها في الوقا‪ ,‬ولهذا فكل اتحاد جمركي بين الواليات المتحدة‬
‫والدول األمريكية األخرى يجب‪ ,‬إذا ما أردتا أن تجنبه المشكالت التي‬
‫تتعرض لها مثل هذه االتحادات‪ ,‬أال يشمل غير االثنتي لشرة دولة‬
‫القائمة للى سوا ل البحر الكاريبي‪ ,‬والدول الثالث القائمة للى جواتب‬
‫جبال األتديز‪ .‬أما النصف الجنوبي من أمريكا الالتينية وكذا األجزاء‬
‫خطيرا للواليات المتحدة في‬
‫القريبة من كندا فإن منتجاتها تشكل مناف ن ا ن‬
‫معا تنتجان كفايتهما من المواد‬
‫األسواق العالمية‪ .‬ومع ذلك فاألمريكتان ن‬
‫كبيرا من المواد األولية‪ ,‬وهو ما يتضح من األرقام‬
‫قدرا ن‬
‫الغذائية وتحويان ن‬
‫اآلتية التي تمثل الن بة المئوية لإلتتاج األمريكي بالن بة إلى جملة اإلتتاج‬
‫العالمي في الفترة من ‪- :1939 -1934‬‬

‫‪%53‬‬ ‫الزتك‬ ‫‪%35‬‬ ‫األلومنيوم‬


‫‪%37‬‬ ‫الفحم‬ ‫‪%53‬‬ ‫القطن‬
‫‪%35‬‬ ‫الحديد الخام‬ ‫‪%40‬‬ ‫الفوالذ‬
‫‪%78‬‬ ‫البترول‬ ‫‪%28‬‬ ‫الصوف‬
‫‪%64‬‬ ‫النحاا األ مر‬ ‫‪%49‬‬ ‫األتتومني (التوتيا)‬
‫‪%53‬‬ ‫الرصاص‬ ‫‪%28‬‬ ‫الذهب‬
‫‪%35‬‬ ‫ديد الصلب‬ ‫‪%84‬‬ ‫النيكل‬
‫‪%24‬‬ ‫القمح‬ ‫‪%20‬‬ ‫القصدير‬
‫‪%37‬‬ ‫الـ ‪Vanadium‬‬ ‫‪%96‬‬ ‫الـ ‪Molybdenum‬‬

‫‪116‬‬
‫وهي قائمة ‪-‬كما ترى‪ -‬لامرة‪ .‬ومع ذلك فنصف الكرة الغربي ال‬
‫يقوى للى إتتاج القدر الكافي من بعض المواد التي ال غنى له لنها في‬
‫التي ال لم والحرب‪ ,‬ومنها الكروم والماغن يوم والمنجنيز وخيوط‬
‫الفاتيال والزئبل والبوتاا والكينين والمطاط والقصدير والتنج تن‬
‫والزيوت النباتية‪.‬‬

‫والخالصة أته ال ّرق آسيا األكبر‪ ,‬وال أوربا الجديدة‪ ,‬وال تصف‬
‫الكرة الغربي ي تطيع أن يفاخر بأته و دة إقليمية تقوى للى الحياة‬
‫بنف ها دون معاوتة الو دات األخرى لها‪.‬‬

‫وقد يكون من المفيد أن تشير هنا بصفة خاصة إلى البترول‪ ,‬وهو‬
‫مادة الحياة في الحروب الحديثة‪ ,‬وذلك ألن العمليات الحربية الحديثة‬
‫‪-‬البرية والبحرية والجوية‪ -‬تعتمد‪ ,‬في الدرجة األولى‪ ,‬للى الغازولين‬
‫وزيوت التشحيم والوقود‪ ,‬ال في ميادين القتال فقط بل وإلى درجة كبيرة‬
‫ضا يث تكون لامال أساسينا في تشغيل‬ ‫ج ندا في الجبهة الداخلية أي ن‬
‫المصاتع وتحريك وسائل النقل وفي العمليات الزرالية‪ .‬وقد كاتا الدول‬
‫المتحالفة ت يطر قبل قيام الحرب العالمية الثاتية للى ما يقرب من ت عة‬
‫ألشار إتتاج العالم كله من البترول‪ ,‬ورغم ما ك بته اليابان من آبار الزيا‬
‫في جزائر الهند الهولندية‪ ,‬وفي وض األيرواوي ببورما‪ ,‬وفي بورتيو‬
‫البريطاتية فإن مضالفة الدول المتحالفة إلتتاجها في تصف الكرة الغربي‬
‫يمكنها من أن تظل م يطرة للى هذه الن بة أو أكثر‪ .‬وال تنتج اليابان‬
‫في زمن ال لم سوى ‪ %10‬من استهالكها المحلى‪ ,‬ولكنها أصبحا‬

‫‪117‬‬
‫(‪)1‬‬
‫تتحكم في كفايتها من هذه المادة‪ ,‬وذلك بعد أن يتم لها أوال‬ ‫اآلن‬
‫إصالح التلف الذي أ دثه الحلفاء لتلك اآلبار باتبالهم سياسة رق‬
‫األراضي التي جلوا لنها‪ ,‬ثم التغلب للى مشكالت النقل وإلداد وسائل‬
‫التصفية والتكرير‪ .‬هذا ولو تجح الحلفاء في اال تفاظ بجزائر الهند‬
‫الهولندية ألمكنهم تجهيز جيوش الجنرال ماج آرثر بالبترول الالزم لها من‬
‫تلك الجزائر بدال من تقله إليها لبر المحيط الهندي من إيران أو لبر‬
‫المحيط الهادي من كاليفورتيا‪ .‬كما أن اال تفاظ بآبار وض اإليرواوي‬
‫كان من ّأته أن ي الد للى تموين الطائرات األمريكية التي تعمل في‬
‫الصين بدال من التمادها للى بترول الشرق األوسط‪ .‬هذا لن اليابان‪.‬‬
‫أما في أوربا فإن ألماتيا كاتا تنتج والي ‪ %10‬فقط مما ت تهلكه في‬
‫زمن الحرب؛ للى ين أن إيطاليا ال تنتج سوى ‪ %1‬من استهالكها‪.‬‬
‫وفيما قبل سنة ‪ 1939‬كاتا ألماتيا ت د ما يقرب من ثلث اجتها من‬
‫الب ترول التركيبي (الصنالي) ولكن هذا النوع تنقصه بعض الخصائص‬
‫القيمة التي يحتوي لليها لادة غازولين الطائرات وزيوت التشحيم‪ .‬ورغم‬
‫استيالء الجيوش األلماتية للى آبار «بلوي تي» في روماتيا فإتها لم تفد‬
‫منها الفائدة المرجوة ب بب ت ف الطائرات األمريكية لها‪ .‬ومن هنا كان‬
‫اتدفاع الجيوش النازية صوب القوقاز أمال في الحصول للى بترول تلك‬
‫البالد‪ .‬كما لمدت الغواصات األلماتية إلى مهاجمة تاقالت البترول‬
‫األمريكية ومعامل التكرير القائمة للى سوا ل فنزويال في كل من أرابا‬
‫‪ Aruba‬وكورا كاو ‪ .Curacao‬وفي الوقا تف ه خرجا قاذفات القنابل‬

‫(‪ )1‬أي وقا الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬


‫‪118‬‬
‫اإلي طالية من قوالدها في ّرق إفريقية وأغارت للى جزائر البحرين‪ ,‬وقد‬
‫تجم لن رفض بالد األرجنتين أن تقطع لالقتها بدول المحور‪ ,‬أن‬
‫أ جما الواليات المتحدة لن تزويدها بالماكينات واآلالت الالزمة‬
‫الستغالل آبار البترول فيها‪.‬‬

‫أما لن التوزيع الجغرافي للبترول‪ ,‬فالمال ظ أته واسع االتتشار في‬


‫األمم المتحالفة والدول الموالية لها‪ ,‬ولكن كميته تختلف من جهة إلى‬
‫أخرى‪ :‬فهناج في المرتبة األولى الواليات المتحدة واالتحاد ال وفيتي‬
‫وفنزويال وإيران والمك يك والعراق‪ ,‬ثم تأتي من بعدها كولومبياو ترينداد‬
‫(‪)1‬‬
‫وأكبر ما‬ ‫واألرجنتين وبيرو‪ ,‬واإلقليم المصري وبالد العرب والبحرين‬
‫تواجهه هذه الدول من المشكالت هو لملية تنظيم اإلتتاج والتوزيع‪ .‬وليس‬
‫من ّك في أن المناف ة الشديدة القائمة بين الدول للى إتتاج البترول خالل‬
‫الحرب وال لم تكون في د ذاتها تا ية خاصة من توا ي الجيوبولتيكا‪.‬‬

‫ومن األمور الجديرة بكل التبار قدرة الدولة للى اإلتتاج الغذائي‪.‬‬
‫وذلك لما لهذا العامل من األهمية الحيوية في سالمة البالد‪ ,‬إذا ما‬
‫اتقطعا لنها الموارد األجنبية‪ .‬ولكل من الواليات المتحدة واالتحاد‬
‫ال وفيتي واليابان األصلية من إتتاجها الغذائي ما يمكن أن ت تغنى به لن‬
‫الواردات األجنبية‪ .‬وكاتا روسيا في تهاية سنة ‪ 1943‬هي الو يدة من‬

‫‪1‬‬
‫( ) تعـود فنــذكر القــارئ بــأن المــؤلفين كتبــا كتابهمـا خــالل الحــرب العالميــة الثاتيــة؛ ومــن ثــم‬
‫ج ــاء الترتي ــب المتق ــدم لل ــدول المنتج ــة للبت ــرول‪ .‬أم ــا اآلن‪ ,‬ف ــبالد الع ــرب ال ــعودية‬
‫المترجمان‬ ‫والكويا والبحرين في مقدمة الدول المنتجة له‪.‬‬
‫‪119‬‬
‫جزءا من أراضيها التي تعتمد لليها‬
‫بين هذه الدول الثالث‪ .‬التي فقدت ن‬
‫في إتتاج الغذاء‪ ,‬وذلك ب بب استيالء الجيوش األلماتية في سنة‬
‫‪ 1941‬للى والية أوكراتيا أو «سلة الخبز» كما ي موتها‪ ,‬ومع ذلك‬
‫فقد بدأت الروسيا في األّهر األخيرة من سنة ‪ 1943‬تعمل للى‬
‫استردادها‪ .‬وللرجل الياباتي غذاؤه الشعبي ‪-‬وبخاصة من يث األرز‬
‫تاما لن غذاء األمريكي أو الروسي‪.‬‬
‫وال مك‪ -‬الذي يختلف اختالفنا ن‬
‫هذا ومهما تكن كفاية الدولة من المواد الغذائية فإتها ال ت تطيع‬
‫إيجاد التوازن في غذاء ساكنيها من غير استراد بعض المواد من األسواق‬
‫الخارجية‪ :‬ومثال ذلك الواليات المتحدة وهي أولى الدول المنتجة‬
‫للغذاء‪ .‬فهي مضطرة‪ ,‬إّبالا ألذواق ساكنيها‪ ,‬أن ت تورد ال كر والموز‬
‫والكاكاو والشاي والبن‪ .‬ثم هناج فرت ا التي تكاد تنتج كل اجاتها‬
‫الغذائية؛ فإتها ت تكمل ما ينقصها من ّمال إفريقية‪ ,‬وأصبحا بذلك‬
‫في غير اجة إلى المصادر األجنبية‪ .‬وكاتا إيطاليا كذلك تكاد تكتفي‬
‫بإتتاجها‪ .‬وقد أفاض الدوتشي في ترديده لهذه الحقيقة بعد تجفيفه‬
‫لم تنقعات بوتتين ‪ .Pontine Marshes‬أما ألماتيا فهي مضطرة في‬
‫زمن ال لم إلى االلتماد للى الدول األجنبية ل د النقص في مواردها‬
‫كثيرا‪ ,‬وإن كان التمادها ‪-‬‬
‫الغذائية‪ .‬وتزيد بريطاتيا (العظمى) في ذلك ن‬
‫كبيرا‪ .‬ولقد‬
‫بالدرجة األولى‪ -‬للى م تعمراتها التي قد تبعد لنها بع ندا ن‬
‫قدروا أن ما تنتجه بريطاتيا من المواد الغذائية ال يكفي ساكنيها في‬
‫األ وال العادية سوى ستة أّهر من كل لام‪ .‬أما ألماتيا فت تطيع أن‬
‫تعتمد للى مواردها لمدة ثماتية أّهر كل لام‪.‬‬
‫‪120‬‬
‫هذا إلى أن اإلمكاتية الصنالية مفتاح النصر في الحروب الحديثة‪.‬‬
‫وأهم المراكز الصنالية في العالم اآلن ثالثة‪ :‬الق م األوسط من ّرق‬
‫وأخيرا جنوب ّرقي آسيا‪.‬‬
‫ن‬ ‫أمريكا الشمالية‪ ,‬ثم وسط وغرب أوربا‪,‬‬
‫وتشمل المنطقة األولى ‪ %85‬من صنالات الواليات المتحدة كلها‬
‫و‪ %90‬من الصنالات الكندية‪ .‬كما يشمل الق م الثاتي المراكز‬
‫الصنالية الكبرى في بريطاتيا وفرت ا وّمال إيطاليا‪ .‬أما جنوب ّرقي‬
‫آسيا‪ ,‬ففيه مراكز الصنالة الياباتية والصنالات الصينية المتركزة في وض‬
‫ياتج ت ي كياتج األدتي‪ ,‬وصنالات الهند التي تمتد من كلكتا تى بومباي‬
‫ومن المراكز الصنالية األخرى الق م الغربي من أمريكا الشمالية‪ ,‬وّرق‬
‫أمريكا الجنوبية بما فيه جنوب البرازيل وّمال األرجنتين وأوراجواي‪ .‬ثم‬
‫هناج جنوب إفريقية‪ ,‬وجنوب ّرقي أستراليا‪ ,‬ووسط سيلي‪ ..‬وفي االتحاد‬
‫ال وفيتي مناطل صنالية تاهضة ت ير بخطى واسعة تحو التقدم‪ ,‬منها‬
‫وض كوزتت ك ‪ Kuznetsk Basin‬في سيبريا الغربية‪ ,‬ومنطقة جنوب‬
‫األورال ومدينة موسكو وما ولها‪ ,‬وكريفوي روج ‪ Kirvoi Rog‬في‬
‫(‪)1‬‬
‫أوكراتيا وسوف تعود كلها إلى الروسيا ثاتية بعد طرد النازيين منها‪.‬‬

‫وما من دولة ت تطيع استغالل مواردها الطبيعية إذا هي لم تعمل‬


‫للى إيجاد ت هيالت خاصة في وسائل النقل‪ ,‬ومن ثم كان الترابط الكبير‬
‫بين المراكز الصنالية العالمية وخطوط المال ة المحيطية الهامة‪ ,‬كطريل‬
‫المحيط األطلنطي الشمالي‪ ,‬وطريل البحر المتوسط وامتداده إلى آسيا‬

‫(‪ )1‬دث ذلك بالفعل بمجرد اتتهاء الحرب العالمية الثاتية لهزيمة المحور‪.‬‬
‫‪121‬‬
‫وأستراليا‪ ,‬ثم طريل الكاب‪ ,‬والطرق األوروبية المؤدية إلى ّرق أمريكا‬
‫الجنوبية‪ ,‬والطريل بين ّرق األمريكتين وغريبهما‪ ,‬ثم طريل المحيط‬
‫الهادي الشمالي‪ ,‬والطرق التي تربط األمريكتين بأستراليا وما ولها من‬
‫جزائر‪ .‬هذا وقد اضطربا المال ة في بعض من هذه الطرق خالل‬
‫الحرب الحالية(‪ )1‬كما زادت أهمية بعضها زيادة كبرى‪ ,‬ومن هذه األخيرة‪:‬‬
‫طريل ّمال المحيط األطلنطي الذي أصبح أكثر يوية من ذي قبل‪,‬‬
‫استعدادا للهجوم‬
‫ن‬ ‫ب بب إرسال اإلمدادات الحربية إلى الجزائر البريطاتية‬
‫للى ألماتيا‪ .‬أما طريل البحر المتوسط‪ ,‬فقد أوصدته اإلميرالية البريطاتية‬
‫في وجه ال فن التجارية‪ ,‬قبيل دخول إيطاليا الحرب‪ .‬ولم يفتح ثاتية إال‬
‫بعد طرد «روميل» من ّمال إفريقية‪ .‬وللى العكس من هذا زادت أهمية‬
‫طريل الكاب ولظما قيمته في تموين كل من روسيا وإيران في الفترة‬
‫التي كاتا دول المحور تهدد بتحويل البحر المتوسط إلى بحيرة تازية‪.‬‬
‫كذلك لمدت الدول المتحالفة إلى راسة القوافل الم افرة للى الطريل‬
‫بين ّمال أمريكا وّرق أمريكا الجنوبية‪ ,‬وذلك للى إثر ما قاما به‬
‫الغواصات األلماتية من هجمات موفقة لليها في صيف سنة ‪ .1942‬أما‬
‫الطريل بين غرب األمريكتين‪ ,‬فقد ظل مفتو ن ا للمال ة بفضل ما قاما‬
‫به الواليات المتحدة من تدابير قصد بها سالمة قناة بنما‪ .‬هذا وقد أقفل‬
‫طريل المحيط الهادي الشمالي بعد ادث «بيرل هاربر» في وجه جميع‬
‫ال فن لدا الروسية التي ظلا تى صيف سنة ‪ 1943‬ت ير فيه املة‬
‫اإلمدادات إلى تلك البالد‪ .‬أما طريل أمريكا الشمالية وأستراليشيا‪ ,‬فقد‬

‫(‪ )1‬يقصد الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬


‫‪122‬‬
‫ظل مفتو ن ا وال فن تبحر فيه آمنة بفضل ماية أمريكا للمحطات الواقعة‬
‫بين هاواي وأستراليا وا تالل قواتها للجزائر اإلتكليزية والفرت ية ذات‬
‫القيمة االستراتيجية في المحيط الهادي الجنوبي‪ :‬وهي تيوكليدوتيا‪,‬‬
‫وتيوهبريدة وفيجي‪ .‬ومن الطرق التي كاتا لها قيمتها في تموين الروسيا‬
‫خالل فترة الحرب طريل أقصى ّمال المحيط األطلنطي الموصل إلى مينائي‬
‫ميرمن ك وأركاتجل ‪ ...‬ومرمن ك هذه ميناء مفتو ة للمال ة للى مدار‬
‫ال نة بتأثير تيار المحيط األطلنطي الشمالي الذي يلطف من برودة مياهها‪.‬‬

‫وللنقل للى اليابس وسائل ثالث‪ :‬الطرق المائية‪ ,‬والطرق البرية‪,‬‬


‫كثيرا ما ي مون البحيرات الخمس الكبرى «بحر‬
‫وال كك الحديدية‪ .‬و ن‬
‫الواليات المتحدة وكندا المتوسط»(‪ )1‬مع فارق وا د جوهري بينهما‪ ,‬هو‬
‫تجمد مياه هذه البحيرات ثالثة أّهر في كل سنة‪ .‬ومع هذا‪ ,‬فإن جم‬
‫التجارة التي تمر في فترة ال لم بقناة سو ‪-‬الموصلة بين بحيرتي سو‬
‫كثيرا للى جم التجارة التي تجتاز قناة ال ويس أو‬
‫بدير وهورن‪ -‬يزيد ن‬
‫قناة بنما‪ ,‬وأهم ركن في هذه التجارة هو الحديد الخام المنقول من منطقة‬
‫بحيرة «سو بدير» بوالية ميني وتا إلى المواتئ الواقعة في الق م األدتى‬
‫من منطقة البحيرات‪ ,‬يث تقوم أهم مراكز للصنالة األمريكية‪ .‬أما تهر‬
‫بي ‪-‬ويجري من الشمال إلى الجنوب‪ -‬في ير في لكس االتجاه‬ ‫الم‬

‫(‪ )1‬أي أن هذه البحيرات تشبه البحر األبيض المتوسط بالن بة ألمريكا وكندا‪.‬‬
‫‪123‬‬
‫التاريخي لنمو الواليات المتحدة‪ ,‬الذي اتجه من الشرق إلى الغرب(‪.)1‬‬
‫ن مجمولة من الطرق المائية في العالم‬ ‫وتوجد في ّمال غربي أوربا أ‬
‫وهي أكثرها كلها استخداما في األغراض المال ية والتجارية‪ .‬لهذا‬
‫لمدت الحكومات األوربية إلى تأميم الق م األكبر منها ومنحتها‬
‫اإللاتات المالية‪ .‬ومن الممكن اآلن بفضل القنوات العديدة المنتشرة في‬
‫هذا الق م ال ير بالبواخر الصغيرة من تهر الرين إلى اإللب وإلى‬
‫مجمولة الرون وال ادرن ثم إلى ال ين والداتوب‪ .‬هذا وقد قاما‬
‫مؤخرا بإتشاء ّبكة من القنوات المال ية تربط مدينة موسكو‬
‫ن‬ ‫الروسيا‬
‫بكل من البحر األبيض الروسي وبحر البلطيل والبحرين األسود وقزوين‪,‬‬
‫كما كاتا قائمة لند بدء الغزو األلماتي بحفر قناة بين تهري دون‬
‫والفولجا‪ .‬هذا في أوربا‪ ,‬أما في آسيا فيصلح تهر ياتج ت ي كياتج ل ير‬
‫ال فن المحيطية تى مدينة هاتكاو القائمة للى م افة ‪ 600‬ميل من‬
‫سا ل المحيط الهادي‪ ,‬وت تطيع ال فن النهرية متابعة سيرها في هذا‬
‫النهر لم افة ‪ 400‬ميل أخرى‪ .‬ثم هناج أيضا النهر األصفر‪ ,‬وهو ال يصلح‬
‫للمال ة إال لم افة صغيرة ج ندا من مصبه‪ .‬وهناج القناة الكبرى التي تربط‬
‫بين هاتكاو وتيت ين‪ ,‬وهي تصلح ل ير ال فن المال ية الصغيرة‪.‬‬

‫أما لن ال كك الحديدية‪ ,‬ففي الواليات المتحدة منها ‪235.000‬‬


‫ميل أو ما يقرب من ثلث الخطوط الحديدية الموجودة في العالم كله‪.‬‬
‫‪1‬‬
‫ـبي يجـري مـن الشـمال إلـى الجنـوب‪ ,‬للـى ـين أن تمـو‬ ‫( ) المقصود بهذا أن تهـر الم‬
‫الواليــات المتحــدة ‪-‬كدولــة‪ -‬قــد بــدأ مــن الشــرق ثــم اتجــه إلــى الغــرب‪ .‬فــالهجرة إلــى‬
‫الغرب هي التي أدت إلى توسيع رقعة الواليات المتحدة وتموها العمراتي‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫ويمتد الق م األكبر منها إلى الشرق من خط طول‪100º‬غرب جرينتش‪,‬‬
‫ومن هذه لشرة خطوط تمتد لبر القارة األمريكية من المحيط األطلنطي‬
‫إلى سا ل الباسيفيك‪ .‬كذلك تتكاثف وتزد م الخطوط الحديدية‬
‫األوربية فيما ول سوا ل بحر الشمال‪ ,‬ثم تقل وتتفرع كلما اتجهنا‬
‫ّرقا أو جنوبنا‪ .‬أما في الصين‪ ,‬فت ير الخطوط الحديدية غالبنا في اتجاه‬
‫ال هول النهرية‪ ,‬وتقوم باستغاللها ّركات ذات رؤوا أموال أجنبية‪,‬‬
‫وهذا لكس الحال في بالد اليابان والهند وجاوة يث توجد مناطل‬
‫تتركز فيها الخطوط الحديدية وتزد م‪ .‬وإذا تحن تظرتا إلى إفريقية‬
‫وأستراليا وأمريكا الجنوبية‪ ,‬تجد أته ليس بها تى اآلن سوى خطوط‬
‫قليلة الطول من الخطوط الحديدية إلى د ال تقارن معه هذه الخطوط‬
‫بما في الواليات المتحدة أو في القارة األوربية‪.‬‬

‫كذلك يال ظ في الطرق البرية جملة أن للواليات المتحدة وكندا‬


‫مركزهما الممتاز؛ ويأتي بعدهما في ذلك ّمال غربي أوربا يث يوجد‬
‫كثير من الطرق الهامة‪ .‬ولكن لما كاتا هذه القارة فقيرة في البنزين‬
‫وزيوت الوقود األخرى‪ ,‬فقد تشطا إلى اإلفادة من الطرق المائية للى‬
‫اب الطرق البرية‪ .‬وفي آسيا وإفريقية وأمريكا الجنوبية‪ ,‬الشيء القليل‬
‫ج ندا من الطرق البرية الرئي ية‪ .‬هذا‪ ,‬وقد لظما األهمية االستراتيجية‬
‫لفئة من هذه الطرق منذ قيام الحرب الحالية(‪ .)1‬ومن هذه‪ :‬طريل أالسكا‬
‫الذي تم إتشاؤه في أكتوبر سنة ‪ 1943‬وبلغا تكاليفه ‪ 115‬مليون‬

‫(‪ )1‬يقصد الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬


‫‪125‬‬
‫دوالر‪ ,‬وهو يمتد من مدينة إدمنتون ‪ Edmonton‬في «ألبرتا» إلى‬
‫«فيرباتكس» ‪ Fairbanks‬في أالسكا وهناج مشروع لتوصليه إلى «توم»‬
‫‪ Nome‬في ّبه جزيرة سيوارد ‪ .Seward Perin‬وكان الغرض من‬
‫إتشائه تجهيز هذه الوالية األمريكية بطريل بري يكمل الطريل البحري‬
‫الذي يجتاز الممر الداخلي ‪ Inside Passage‬ومن الطرق األمريكية‬
‫األخرى ذات القيمة االستراتيجية‪ :‬طريل بأن أمريكان (األمريكتين‬
‫المتحدتين) ‪ ,Pan American‬وهو المقترح مدة من مدينة تيويورج إلى‬
‫مدينة «بيوتس أيرا» لاصمة األرجنتين(‪ .)1‬وقد تم ق م كبير منه‪,‬‬
‫وتع تمد كثرة من جمهوريات أمريكا الالتينية في إتشاء األجزاء الخاصة بها‬
‫للى األموال التي ت لمتها من الحكومة األمريكية بموجب قاتون اإللارة‬
‫والتأجير؛ إذ يهم الواليات المتحدة ج ندا أن يتم في أقرب وقا ممكن‬
‫إتشاء الطريل البري إلى قناة بنما ليكمل الطريل البحري إليها‪ .‬وال تزال‬
‫هناج ثغرات في هذا الطريل لم يتم إتشاؤها بعد‪ ,‬وهي توجد في جنوب‬
‫المك يك وفي أمريكا الوسطى وفي جمهوريتي كولومبيا وأكوادور‪ .‬وثمة‬
‫طريل آخر من الطرق البرية ذات القيمة الحربية‪ ,‬وهو الطريل الذي يعبر‬
‫يث «دارون» إلى الجنوب في‬ ‫الصحراء األسترالية من الشمال‬
‫«أديليد»‪ ,‬وت تخدم ال يارات في ق مه األوسط ألن القطارات التي‬
‫ت ير لليه تنتهي إلى الشمال من «أديليد» وإلى الجنوب من «دارون»‪.‬‬
‫ثم هناج الطريل الحديدي المأمول إقامته بين الكاب والقاهرة‪ .‬وقد وضع‬
‫تصميمه «سي ل ردوا» أ د بناة اإلمبراطورية البريطاتية في إفريقية‪,‬‬

‫(‪ )1‬تم إتشاء هذا الطريل منذ وقا غير قصير‪.‬‬


‫‪126‬‬
‫وقد ت ما أجزاء منه‪ ,‬ولكن بقيا مرا ل كثيرة سوف يصعب تحقيل هذا‬
‫الحلم فيها‪ .‬وقبل سقوط دا كار في أيدي الحلفاء‪ ,‬قام تقاش جدي ول‬
‫(‪)1‬‬
‫إمكان إتشاء خط ديدي يربط أمالج فرت ا في ّمال إفريقية‬
‫بأمالكها في غرب هذه القارة‪ ,‬وينتهي لند المدينة المذكورة‪.‬‬

‫مؤخرا إلى تثنية خط ديد‬


‫ن‬ ‫هذا‪ ,‬وقد لمدت الحكومة الروسية‬
‫سيبريا الممتد من ليننجراد لبر سهول سيبريا الف يحة إلى ميناء‬
‫فالديف تك‪ ,‬وليس من ّك أن أهمية هذا الخط سوف تعظم إذا ما‬
‫تشبا الحرب بين روسيا واليابان‪ .‬وهناج الخط الحديدي لبر الهضبة‬
‫ميال‪ ,‬وهو الذي أطلقوا لليه اسم « ماقة الشاة»‬
‫اإليراتية‪ ,‬وطوله ‪ 870‬ن‬
‫‪ ,Shah's Folly‬وقد أدى خدمات جليلة في الحرب الحالية(‪ )2‬غير أته‬
‫تظرا الرتفاع موجة المد في «بندر ّهبور» وهي تهايته للى الخليج‬
‫ن‬
‫(‪)3‬‬
‫قدما‪ ,‬ولوقوع بندر ّاه وهي تهايته للى بحر‬
‫الفارسي‪ ,‬إلى الثالثين ن‬
‫قزوين في تقطة ترتفع لن م توى الماء ب بب كثرة البخر هناج‪ ,‬اضطر‬
‫والة األمور إلى اإلسراع في إقامة ت هيالت مرفئية في هاتين النهايتين‪ .‬ثم‬
‫هناج خط برلين ‪-‬بغداد الحديدي‪ ,‬ويمر في أقطار لدة‪ ,‬وقد تم مده‬
‫قبل الحرب الثاتية مباّرة‪ ,‬ويلتقي به اآلن الخط الممتد من اإلسكندرية‬
‫في اإلقليم المصري لبر فل طين ولبنان فاإلقليم ال وري‪.‬‬

‫(‪ )1‬لــم يعــد لفرت ــا ممتلكــات فــي ّــمال إفريقيــة ســوى «الجزائــر» التــي تجاهــد مــن أجــل‬
‫االستقالل‪.‬‬
‫(‪ )2‬المقصود الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬
‫(‪ )3‬ي مى اآلن الخليج العربي‪.‬‬
‫‪127‬‬
‫ومن أهم الطرق ذات القيمة االستراتيجية‪ :‬طريل بورما البري الممتد‬
‫مجتازا مدينة كنمنج‬
‫ن‬ ‫من تشنجكنج (‪ )Chungking‬إلى الّيو ‪Lashio‬‬
‫‪ ,Kunming‬وهي م افة تبلغ تحو ‪ 712‬ميال‪ ,‬قاما بتعبيدها الحكومة‬
‫الصينية فيما بين يولية سنة ‪ 1937‬ودي مبر سنة ‪ ,1938‬ويتصل بهذا‬
‫الطريل –لند الّيو‪ -‬الخط الحديدي القادم من مندالي وراتجون‪ .‬وقد‬
‫كان استيالء الياباتيين للى هذا الشريان الهام ضربة أليمة للصينيين‪ .‬ثم‬
‫هناج الطريل القاري بين الصين والروسيا‪ ,‬وقد ظلا له أهميته الكبرى طالما‬
‫كاتا الصين تعتمد للى اإلمدادات التي تأتيها من روسيا‪ .‬ال بل إن أهميته‬
‫كثيرا للى‬
‫كاتا تفوق تلك التي لطريل بورما‪ ,‬ولكن هذه األهمية قلا ن‬
‫إثر غزو النازيين لتلك البالد واتقطاع اإلمدادات التي كاتا ترسلها إليهم‪.‬‬

‫وللطرق الجوية ميزتها للى كل من البرية والبحرية‪ ,‬ذلك ألتها ت ير‬


‫كثيرا ما ت تخدم الطائرة اآلن بمثابة‬
‫فوق اليابس والماء للى د سواء‪ .‬و ن‬
‫الرائد في فتح الطرق الموصلة إلى مجاهل الجهات القطبية واالستوائية‬
‫(‪)1‬‬
‫خطوط منتظمة‬ ‫سواء ب واء‪ .‬وكاتا هناج فيما قبل الحرب الحالية‬
‫تخرج من الواليات المتحدة قاصدة أمريكا الجنوبية‪ ,‬وأوربا‪ ,‬وال وا ل‬
‫الغربية للمحيط الهادي‪ .‬وفي سنة ‪ 1939‬بلغا الخطوط الجوية غاية‬
‫ازد امها بالعمل في إقليم وسط أوربا‪ .‬كذلك أتشأ االتحاد ال وفيتي‬
‫خطوطنا منتظمة للمواصالت الجوية من لينينجراد تى فالديف تك‪ ,‬كما‬
‫أتشأت كندا خطنا يربط سا لي المحيط األطلنطي والمحيط الهادي‬

‫(‪ )1‬الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬


‫‪128‬‬
‫بعضهما ببعض‪ .‬وامتازت هذه الفترة بنشاط المال ة الجوية التي كاتا‬
‫ت يرها كل من ألماتيا وإيطاليا إلى أمريكا الجنوبية‪ ,‬وكاتا لهما بمثابة‬
‫« صان طروادة»(‪ )1‬ت تران تحا أجنحته مؤامراتهما في تلك القارة‪.‬‬

‫أما الخطوط الجوية التي تملكها الدول ذات اإلمبراطوريات‪ ,‬فكان‬


‫أهمها في سنة ‪ 1939‬تلك التي تمتد من بريطاتيا (العظمى) إلى الهند‬
‫وسنغافورة وأستراليا‪ ,‬ومن القاهرة إلى مدينة الكاب‪ ,‬ومن هوالتدة إلى جزائرها‬
‫في جنوب ّرقي آسيا‪ ,‬ومن فرت ا إلى ّمال إفريقية وإلى الهند الصينية‪.‬‬

‫وقد جاءت بعد ذلك الحرب العالمية الثاتية‪ ,‬فنشطا للى إثرها‬
‫المال ة الجوية في مناطل معينة‪ ,‬وأصبح الطيران لبر المحيط األطلنطي‬
‫أمرا لادينا‪ ,‬كما صار الخط الخارج من الواليات المتحدة إلى‬
‫الشمالي ن‬
‫تقطة البروز في سا ل البرازيل‪ ,‬ومن هناج لبر المحيط األطلنطي إلى‬
‫سا ل إفريقية الغربي ‪ ...‬صار خطنا رئي ينا له قيمته‪ .‬كذلك اضطرت‬
‫قاذفات القنابل األمريكية إلى تعديل خط سيرها للى إثر سقوط ميناء‬
‫بيرل هاربر فأصبحا تخرج من ميامي إلى البرازيل ومنها إلى إفريقية االستوائية‬
‫فالهند وسومطرة وجاوة وتنتهي في أستراليا‪ .‬كما افتتحا أمريكا في سنة‬
‫‪ 1942‬خطنا جدي ندا إلى هذه القارة‪ ,‬وذلك لن طريل جزيرة كري ماا‬
‫‪ Christmas Island‬وجزيرة كاتتون فجزائر فيجي وتيوكليدوتيا‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫( ) « صـان طــروادة» هــو الحصـان الــذي قيــل فــي األسـاطير اإلغريقيــة القديمــة إن خصــما‬
‫من لخصوم التجار بين في رب طـروادة قـد أخفـى الجنـود داخلـه وبـذلك اقـتحم بـالد‬
‫لدوه‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫هذا‪ ,‬ومن المؤكد أن المال ة الجوية سوف تتقدم بخطى واسعة‬
‫(‪)1‬‬
‫سريعة في جميع أتحاء العالم لندما تنتهي هذه الحرب‪.‬‬

‫التنظيم السياسي واالجتماعي‬

‫وهو سادا الدلامات التي تقوم لليها جيوبولتيكا الدولة‪ ,‬ذلك ألته‬
‫مظهر قوتها ال ياسية‪ .‬ومن المعروف أته كان لكل دولة من دول العالم‬
‫الكبرى في سنة ‪ 1939‬تظامها ال ياسي واالجتمالي الذي تتبعه‪ ,‬وإذا‬
‫ما اتتها هذه الحرب(‪ )2‬ف وف تعمل الجمالة المنتصرة للى اال تفاظ‬
‫بتنظيماتها تلك‪ ,‬أما الدول المنهزمة ف وف تضطر إلى قلب األوضاع‬
‫ال ياسية فيها والتخلص من كوماتها‪ ,‬فلو أته تم لأللمان مثال هزيمة‬
‫الروا لما أبقوا للى النظام ال وفيتي‪ .‬ومن تا ية أخرى‪ ,‬فإن الهدف‬
‫األول لألمم المتحالفة هو القضاء للى النظام النازي‪ .‬وقد دث هذا‬
‫فعال في إيطاليا‪ ,‬إذ اتهار النظام الفاّ تي‪ ,‬واضطر الملرّال بادوليو أن‬
‫يعد الشعب اإليطالي بإقامة كومة ديموقراطية‪.‬‬

‫ويجمل بنا أن تقدم المامة مختصرة لن األتظمة ال ياسية‬


‫واالجتمالية‪ ,‬التي كاتا قائمة في الدول الكبرى تى سنة ‪,1939‬‬
‫فالواليات المتحدة لبارة لن اتحاد فيدرالي تص لليه دستور سنة‬
‫‪ ,1787‬وقد أيدت الحرب األهلية (‪ )1865 -1861‬التي تشبا بين‬

‫(‪ )1‬المقصود بذلك الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬


‫(‪)2‬المقصود بذلك الحرب العالمية الثاتية‪.‬‬
‫‪130‬‬
‫الواليات التي يتكون منها هذا االتحاد ‪-‬بصفة قاطعة‪ -‬ال لطة العليا‬
‫التي للحكومة الفيدرالية للى سائر الواليات‪ .‬وللى العكس من هذا ترى‬
‫تظاما سياسينا كثير التعقيد‪ ,‬بل يكاد‬
‫إمبراطورية الكومنولث البريطاتية تتبع ن‬
‫يكون ألقد األتظمة ال ياسية في العالم كله‪ :‬فهناج الكومنولث وهو‬
‫لبارة لن الدول ذات الحكومات الم تقلة وتشمل بريطاتيا وأير (إيرلندا)‬
‫وأستراليا‪ ,‬وتيوزيالتدا‪ ,‬واتحاد جنوب إفريقية(‪ ,)1‬ثم اإلمبراطورية وهي‬
‫الدول والواليات التي تخضع في كمها لبريطاتيا (العظمى) تف ها‪ .‬وقد‬
‫دلا التجارب للى أن ما قاما به بريطاتيا من منح الحكم الذاتي‬
‫للممتلكات الواقعة في المنطقة المعتدلة والتي يعيش فيها جمالة من‬
‫الجنس األبيض كان لامال من لوامل قوة هذه اإلمبراطورية وتماسكها‪.‬‬
‫ولقد بدأ هذا االتحاد في أجلى مظاهره أمام العالم كله خالل تلك األيام‬
‫(‪)2‬‬
‫وإن اختلفتا في‬ ‫ال وداء التي ألقبا محنة دتكرج‪ .‬والدولتان‬
‫تنظيمهما ال ياسي‪ ,‬إال أن الحكم فيهما ديموقراطي‪ ,‬مع فارق وا د‪ ,‬هو‬
‫قيام تظام الكابينا ‪( Cabinet‬مجلس الوزراء) في بريطاتيا وتظام الرياسة‬
‫(رياسة الجمهورية) في أمريكا‪ .‬ويال ظ كذلك أن كليهما من الدول‬
‫الرأسمالية‪ ,‬ولكن فيهما من القواتين ما يقيد الفردية الغاّمة التي قد‬
‫تنجم لن اتباع سياسة الحرية المطلقة إبان الحرب وال لم‪.‬‬

‫(‪ )1‬وقد ضم إليها فيما بعد الحرب الثاتية الهنـد وباك ـتان وبورمـا وسـيالن وغاتـه والماليـو‪,‬‬
‫وقد أصبح لكل كومتها الم تقلة‪.‬‬
‫المترجمان‬
‫(‪ )2‬أي الواليات المتحدة األمريكية‪ ,‬وبريطاتيا‪.‬‬
‫‪131‬‬
‫أما تظام الحكم في الجمهوريات ال وفيتية االّتراكية الروسية‬
‫(‪ )U.S.S.R‬فهو ذلك الذي دده دستور سنة ‪1936‬؛ أي النظام‬
‫الفيدرالي للجمهوريات ال ا لشر التي تتكون منها هذه البالد في‬
‫الوقا الحاضر‪ ,‬وقد تص فيه للى أن لكل منها‪ ,‬من الوجهة النظرية‪,‬‬
‫ل االتفصال لن االتحاد متى ّاءت‪ .‬وإلى جاتب هذه الجمهوريات‬
‫توجد جمهوريات أخرى تتمتع بالحكم الذاتي‪ ,‬وو دات لها كوماتها‬
‫الذاتية‪ ,‬ومناطل لها مظاهرها القومية الخاصة‪ .‬وتنص قواتين البالد للى أن‬
‫الثروة في كافة أّكالها ومظاهرها‪ ,‬من أرض زرالية ومعادن وغابات ومصاتع‬
‫وسكك ديدية ووسائل للنقل المائي والجوي‪ ,‬ومصارف مالية و قول‬
‫كومية ووسائل اإلسكان التي تدبرها البلديات ‪ ...‬كل هذه ملك للشعب‪.‬‬
‫وإن ما تبديه الجمهوريات ال وفيتية االّتراكية اآلن(‪ )1‬من مقاومة ولناد أمام‬
‫الغزو النازي لهو الدليل للى ما وصلا إليه هذه البالد من قوة وبأا‪.‬‬

‫أما الحكومة القائمة في فرت ا اآلن(‪ ,)2‬فهي كومة الجمهورية‬


‫الثالثة التي أللنا في سنة ‪ ,1870‬وأساسها الدولة المو دة المكوتة‬
‫من واليات ومديريات ومراكز‪Departments, Anondissement & :‬‬
‫‪ .Cantons‬وت ير الحكومة هناج وفل قوالد الديمقراطية متبعة تظام‬
‫«مجلس الوزراء» ‪ ,‬غير أن هذه البالد أبعد ما تكون لن االتحاد بدليل‬
‫كثرة األ زاب ال ياسية فيها ولدم تجا ها في االتفاق للى سياسة قومية‬

‫(‪ )1‬المقصود‪ :‬أثناء الحرب العالمية الثاتية‪ .‬ومعروف أن هذه األوضاع قد تغيرت‪.‬‬
‫(‪ )2‬المقصود‪ :‬أثناء الحرب العالمية الثاتية‪ .‬ومعروف أن هذه األوضاع قد تغيرت‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫مو دة‪ .‬وقد كان هذا االختالف من أهم أسباب اتهيار الجمهورية الثالثة‬
‫في سنة ‪ .1940‬أما االقتصاد الفرت ي‪ ,‬فكان أساسه الرأسمالية‪ ,‬غير أن‬
‫التشريعات المقيدة له كاتا آخذة في الزيادة سنة بعد أخرى‪.‬‬

‫أما تظام الحكم في اليابان‪ ,‬فهو النظام اإلمبراطوري(‪ ,)1‬ولإلمبراطور‬


‫هناج صفات وخصائص يقدسها الشعب بكل إجالل‪ .‬وت ير البالد وفل‬
‫أ كام الدستور الذي منح لها من اإلمبراطور موت وهيتو ‪ Mutsuhito‬في‬
‫سنة ‪ ,1888‬كما أن تظام «مجلس الوزراء» هو النظام المعمول به‬
‫تظرينا‪ .‬فهناج رئيس للوزارة ومجلس تيابي ‪ .Diet‬وقد بدا لفترة وجيزة فيما‬
‫ول سنة ‪ 1920‬ما يشعر بتغلب الروح الديمقراطية‪ ,‬وكره الياباتيين‬
‫للشيولية‪ ,‬التي هي في تظرهم «تفكير ضار خطر» أمر معروف للقاصي‬
‫والداتي‪ .‬وللبالد كياتها االقتصادي الذي يرتكز تظرينا للى الرأسمالية‪.‬‬

‫ويال ظ للى تظام الحكم في ألماتيا أن دستور «فيمر» ‪Weimar‬‬


‫(‪)2‬‬
‫ت ينا‬ ‫الذي قبلته البالد بعد الحرب العالمية األولى قد صار اآلن‬
‫من ينا‪ ,‬وذلك بعد أن ألغيا أ كامه من النا ية العملية إثر قيام الرايخ‬
‫الثالث للى أيدي أدولف هتلر‪.‬‬
‫(‪)3‬‬
‫هو رئيس ألماتيا وم تشارها‪ ,‬وهو فوهرر الحزب‬ ‫فهتلر اآلن‬
‫النازي‪ .‬كما أن الريشتاغ األلماتي مكون في جوهره من فئة من ألضاء‬
‫‪1‬‬
‫( ) المقصود بذلك‪ :‬أثناء الحرب العالمية الثاتية‪ .‬ومعروف أن هذه األوضاع قد تغيرت‪.‬‬
‫(‪)2‬المقصود بذلك‪ :‬أثناء الحرب العالمية الثاتية‪ .‬ومعروف أن هذه األوضاع قد تغيرت‪.‬‬
‫(‪ )3‬المقصود بذلك‪ :‬أثناء الحرب العالمية الثاتية‪ .‬ومعروف أن هذه األوضاع قد تغيرت‪.‬‬
‫‪133‬‬
‫هذا الحزب‪ ,‬وظيفتهم األولى واألخيرة الموافقة للى القرارات التي‬
‫يتخذها أدولف هتلر‪ .‬ولقد قضى الرايخ الثالث للى الواليات التي كان‬
‫قد أتشأها دستور «فيمر»‪ .‬والواقع أن النازية والديمقراطية ضدان ال‬
‫يتالقيان ولكن النازية لم تمس الرأسمالية في أي ّكل من أّكالها‪.‬‬

‫هذا في ألماتيا الهتلرية‪ ,‬أما إيطاليا الموسيلينية‪ ,‬فكاتا تى مجيء‬


‫الحزب الفاّ تي في سنة ‪ 1922‬ت ير وفل أ كام الدستور القديم‬
‫الذي منحها إياه ّارل ألبرت سنة ‪ .1848‬ولكن تعديالت كثيرة‬
‫أدخلا لليه منذ ذلك التاريخ‪ ,‬وأصبح الدوتشي دكتاتور الدولة‪ ,‬أما‬
‫فكتور لماتوئيل الثالث‪ ,‬سليل بيا سافوي فلم يكن سوى رمز للملكية‪.‬‬
‫قائما للى أساا الحكومة التعاوتية‪..‬‬
‫وقد كان التنظيم ال ياسي للبالد ن‬
‫فالمهن والحرف األساسية تكون اتحادات تخضع لرقابة دقيقة من جاتب‬
‫تظاما بالينا‪ .‬والواقع أن دول‬
‫الحكومة‪ .‬وكاتا الديمقراطية في تظرها ن‬
‫المحور الثالث كاتا تدين بالمبدأ القائل بأن الفرد ما وجد إال إللالء‬
‫ن تعريف للفاّ تية هو «الجمالية الرأسمالية»‪:‬‬ ‫ّأن الدولة‪ .‬وأ‬
‫‪ Capitalistic Collectivism‬هذا وقد برهنا وادث الحرب العالمية‬
‫الثاتية للى أن الفاّ تية لم تكن قد تمكنا من تفوا الشعب اإليطالي‬
‫تمكن النازية من األلماتيين‪ ,‬أو االّتراكية من الروا‪.‬‬

‫ومن مظاهر سلطان الدولة وقوتها ما قد يطرأ للى دودها ال ياسية‬


‫من تغير‪ ,‬وما ي تبع ذلك من ات اع رقعتها أو اتكماّها في فترة معينة‪.‬‬
‫والحدود إما طبيعية‪ ,‬كتلك التي تفصل بين األرجنتين وّيلي‪ ,‬للى طول‬

‫‪134‬‬
‫امتداد جبال األتديز‪ ,‬أو كنهر ريوجر اتدي‪ ,‬الذي يفصل بين الواليات‬
‫المتحدة وبالد المك يك‪ ,‬وإما أثنوغرافية كالحدود بين أستوتيا‪ ,‬والتفيا‪,‬‬
‫أو فلكية كالخط الفاصل بين كرافوتو ‪( -‬جنوب سخالين) التابع لليابان‪,‬‬
‫وّمال سخالين التابع لروسيا(‪ .)1‬أو دود استراتيجية وهو ما فعلته‬
‫روسيا باستيالئها للى واليات بحر البلطيل‪ .‬أو اقتصادية ومن أمثلتها‬
‫الممر البولندي‪ .‬ومن الحدود ما تجيء به الفتو ات‪ ,‬مثل استيالء روماتيا‬
‫للى إقليم دبروجا‪ .‬والخالصة أن الحدود ال ياسية خطوط ترسمها‬
‫الدول لتعين مدى تفوذها‪ .‬أما الحدود الطبيعية فهي مناطل تفصل بين‬
‫دولة وجارتها‪ .‬هذا وقد اقتصرتا للى تحليل التغيرات التي طرأت للى‬
‫الحدود منذ سنة ‪( 1870‬أتظر ذيل هذا الكتاب) للى الدول ال بع‬
‫الكبرى التي كاتا قائمة في سنة ‪ ,1939‬وللى دول أمريكا الالتينية‪,‬‬
‫وتظمناها في صورة مجمولات جيوبولتيكية بقدر الم تطاع‪ ,‬تى ال تبدو‬
‫وكأتها قائل منفصلة لن بعضها البعض‪ ,‬وإتما لتظهر مدى تمو الدولة‬
‫وتوسعها في مختلف أتحاء العالم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫( ) أو كالح ــدود الت ــي وض ــعها اإلتكلي ــز ف ــي معاه ــدة س ــنة ‪ 1898‬المفص ــل ب ــين اإلقل ــيم‬
‫المص ــري وجمهوري ــة ال ــودان؛ فإته ــا تتب ــع خ ــط ل ــرض ‪ ّ 22º‬ــمال خ ــط االس ــتواء‪.‬‬
‫المترجمان‬
‫‪135‬‬
‫اجلزء الثاني‬

‫الناحية التطبيقية للجيوبولتيكا‬

‫‪136‬‬
‫الفصل الرابع‬

‫اجليوبولتيكا يف طورها العملي‬


‫الرايخ الثالث‬

‫كان أدولف هتلر يؤمن إيماتنا صادقنا بأن القدر قد هيأه لت يير دفة‬
‫هذا العالم في الربع الثاتي من القرن العشرين (ّكل ‪ .)8‬وبقدر ما كان‬
‫مبغوضا لند الدول المتحالفة‪ ,‬كان ألظم من يتمتع‬
‫ن‬ ‫هذا الرجل ممقوتنا‬
‫بالحظوة والتقدير بين ألضاء الصفوة الممتازة في الحزب النازي في‬
‫الرايخ كله‪ ,‬بل إتنا ال تغالي إذا قلنا إته و ده الم ئول إلى د كبير‪ ,‬لن‬
‫ذلك الجهاز الحربي القائم في ألماتيا ينذاج‪ ,‬وهو و ده الذي اتخذ‬
‫وال يزال يتخذ القرارات المتصلة بزمن ومكان استخدام هذا الجهاز‪ ,‬بل‬
‫هو و ده ال لطة التنفيذية الم يرة لتلك الروح الع كرية األلماتية‪ ,‬وكل‬
‫ما أ رزته ألماتيا من اتتصارات وفتو ات إقليمية‪ ,‬ومن الطبيعي أن يحملنا‬
‫هذا المركز الممتاز الذي يتمتع به هتلر للى لقد مقارتة بين الجاويش‬
‫الصغير الذي ظهر في القرن التاسع لشر (يقصد تابليون) وجاويش‬
‫الحرب العالمية األولى الذي طلع للينا في القرن العشرين‪ ,‬فكالهما‬
‫وليد ثورة‪ ,‬الثورة الفرت ية التي تمخضا لن قوق اإلت ان والثورة‬
‫األلماتية التي قضا لليها‪ ,‬وكالهما تشأن من بين طبقات الشعب الفقيرة‬
‫ثم ارتقى وأصبح له من الحلول والقوة ماال يداتيه فيهما أ د‪ ,‬ولم يكن‬
‫أي منهما من أبناء الدولة التي ولى زلامتها‪ :‬فقد ولد هتلر في النم ا‪,‬‬
‫‪137‬‬
‫وخرج تابليون إلى ضوء هذا العالم في جزيرة كورسيكا‪ ,‬وهما يتفقان‬
‫كذلك في أن كال منهما كان واقعينا في سياسته‪ ,‬فعماد إلى تنظيم أوربا‬
‫وفل خطة وسياسة تتفل وفل فتها‪ .‬للى أته إذا كاتا اتكلترا والروسيا قد‬
‫لاما يحاول فيها تنظيم أوربا‪ ,‬فمن الراجح أن‬
‫منحتا تابليون خم ة لشر ن‬
‫األمم المتحالفة سوف ال تمنح هتلر مثل هذه الفترة الطويلة لتنفيذ آرائه‬
‫أو تحقيل مبادئه‪ ,‬ألن كل من يحاول أن ي ير للى تهج تابليون البد له‬
‫أن يلقى النهاية المحتومة التي تنتظر «رجل األقدار»‪.‬‬

‫هذان الزليمان وإن تشابها في ياتهما العامة فإن لكل منهما‬


‫كبيرا لن ّخصية اآلخر‪ :‬فإذا تحن رجعنا‬
‫ّخصيته التي تختلف اختالفنا ن‬
‫إلى الحقبة األولى من ياة هتلر ترى أمامنا قصة رجل لادي خالية من‬
‫المالب ات والظروف التي تحيط بحياة األبطال‪.‬‬

‫ولد هتلر في مدينة ‪ Braunau-am-Inn‬النم اوية في العشرين في‬


‫ّهر أبريل سنة ‪ ,1889‬وكان أبوه‪ ,‬وهو من موظفي الجمارج‪ ,‬ابننا غير‬
‫ّرلي المرأة تدلى ‪ Maria Schicklgruber‬ولم ين ب إلى الشخص‬
‫الذي كان يظن أته أبوه إال في سن متأخرة‪ ,‬وقد تزوج هذا الرجل ثالثنا‪,‬‬
‫كثيرا ما كان خصوم هتلر‬ ‫أتجبا األخيرة منهن له أودلف‪ ,‬ولهذا ن‬
‫ال ياسيون فيما والي سنة ‪ 1920‬يجدون لذة في تحيته بقولهم « ‪Heil‬‬
‫‪ .»Schicklgruber‬مات والده سنة ‪ .1903‬ولحقا به الوالدة بعد‬
‫أربع سنوات ف افر هتلر وهو في ال ابعة لشرة إلى فيينا‪ ,‬وهناج ألوزه‬
‫االستعداد الطبيعي فلم يحرز ما كان يصبوا إليه من تجاح في الفن‬

‫‪138‬‬
‫وهندسة المعمار‪ ,‬واضطر إلى ا تراف البناء‪ .‬وكان لما أصابه من خيبة‬
‫في األمل‪ ,‬وما القاه من جفاء في مدينة فيينا‪ ,‬كما صرح بذلك أمام‬
‫محكمة ميوتخ في سنة ‪ ,1924‬أثرهما في تكوين الكثير من اآلراء التي‬
‫التنقها فيما بعد‪ ,‬فقد قال‪« :‬لقد جئا إلى فيينا وأتا في ال ابعة لشرة‬
‫من لمري‪ ,‬وفي هذه المدينة بدأت أدرا وأرقب لن كثب مشكالت‬
‫ثالثنا للى جاتب كبير من األهمية‪ :‬المشكلة االجتمالية والمشكلة‬
‫أخيرا الحركة المرك ية‪ ,‬ثم تركا فيينا وأتا مؤمن كل اإليمان‬
‫العنصرية ثم ن‬
‫بضرورة مناهضة ال اميين (اليهود)‪ ,‬ومحاربة المرك ية وتظرة المرك يين‬
‫وأخيرا بضرورة العمل للى تحقيل الجامعة ال ياسية‬
‫ن‬ ‫إلى العالم جملة‪,‬‬
‫األلماتية»‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 1912‬قصد هتلر إلى مدينة ميوتخ وأخذ يك ب ليشه‬


‫هناج لن طريل رسم وتصوير التذاكر البريدية‪ .‬ثم كاتا الحرب العالمية‬
‫األولى فاستقبلها بكل تر اب ألته رأى فيما منحة رباتية تخلصه مما كان‬
‫فيه‪ ,‬واتضم إلى الجيش البافاري وأظهر من ضروب الشجالة واإلقدام ما‬
‫أك به الصليب الحديدي‪ ,‬ولكن يال ظ أته طوال المدة التي قضاها في‬
‫الجيش لم يت لم هدية وا دة من أهله وأقاربه الذين كاتوا هناج في أرض‬
‫الوطن‪.‬‬

‫اتتها الحرب في سنة ‪ 1918‬وترج هتلر صفوف المحاربين‬


‫ليندمج في زمرة المهيجين ال ياسيين وأصبحا له بينهم كلمة م مولة‬
‫فوقع لليه االختيار في يوتية سنة ‪ 1919‬ألته يكون العضو ال ابغ في‬

‫‪139‬‬
‫زب العمال األلماتي وهو الحزب الذي كان تواة «للحزب االّتراكي‬
‫الوطني األلماتي للعمال» (‪ ,)N. S. D. A‬ومع ذلك فإته لم يتقدم‬
‫للحصول للى الرلوية األلماتية إال لندما دخل مناف ن ا لهندتبرج في‬
‫اتتخابات الرياسة سنة ‪ .1932‬ظل هتلر خالل هذه الفترة دائبنا للى‬
‫تشر رسالته التي تقوم للى تخليص ألماتيا من اليهود ومن الديمقراطيين‬
‫االّتراكيين ومن األ رار والشيوليين‪« .‬المواطنين العالميين»‪ .‬وتراه في‬
‫سنة ‪ 1923‬يقوم هو و» ولودتدورف» للى رأا ثورة من العامة واألهالي‬
‫محاولين اتتزاع ال لطة من الحكومة القائمة إذ ذاج ولكن ركتهم هذه‬
‫تنتهي بفشل الحزب االّتراكي الوطني‪ .‬وقد اول الحزب النازي فيما‬
‫بعد أن يعلل اتبطاح هتلر للى األرض لند سماله أول طلقة من طلقات‬
‫الجنود في أثناء هذه الثورة بأن لمله هذا كان ركة اتعكاسية لحياته‬
‫درسا له قيمته‪ ,‬إذ تراه‬
‫الع كرية‪ .‬غير أن الفوهرر تعلم من هذه الحركة ن‬
‫في سنة ‪ 1933‬ال يقاوم بنادق الجنود األلماتيين وإتما يعمل متعاوتنا‬
‫معها‪.‬‬

‫ثم كاتا فترة الك اد العالمي‪ ,‬وفي خاللها تما الحزب االّتراكي‬
‫الوطني وازدهر‪ ,‬ذلك ألن رجال الصنالات واإلقطاليين الزراليين كاتوا‬
‫يحبذون كل التحبيذ الخطة التي سار لليها النازيون في مناهضتهم‬
‫للشيولية والشيوليين‪ ,‬ومن األمثلة للى ذلك ما قام به «فرتزتي ين ‪Fritz‬‬
‫‪ »Thyssen‬من كبار رجال الصنالات في إقليم الروهر‪ ,‬فهو يقرر في كل‬
‫تواضع أته قد تبرع بمليون مارج لهذا الحزب‪ ,‬ومن ثم كان النصر الذي‬
‫أ رزه النازيون في االتتخابات األلماتية التي تما في ‪ 14‬سبتمبر سنة‬
‫‪140‬‬
‫‪ .1930‬فقد خرجوا منها ولهم ‪ 107‬ألضاء في الريشتاغ بعد أن كان‬
‫لضوا فقط‪ .‬وللى ين كان أصحاب المصالح واأللمال‬
‫لهم اثنا لشر ن‬
‫‪ kleinburgertum‬ي ارلون إلى االتضمام إلى هتلر و زبه كان النزاع‬
‫الذي دب بين صفوف العمال يمزق ّملهم ويشل من تشاطهم‪ .‬ثم‬
‫كاتا اتتخابات الرياسة في ‪ 13‬مارا سنة ‪ 1932‬وتقدم لها كان من‬
‫هتلر وهندتبرج‪ ,‬ولكن أ ندا منهما لم يحرز األغلبية القاتوتية‪ ,‬فلما أن‬
‫أليد االتتخابات في أبريل من تفس ال نة اتتخب هندتبرج للمرة الثاتية‬
‫وأ رز في هذه المرة األغلبية التي تؤهله لمركز الرياسة إذ صل للى‬
‫‪ 19.360.000‬صوت يقابلها ‪ 13.400.000‬صوت تالها هتلر‪.‬‬
‫وأجريا بعد ذلك بأّهر قليلة االتتخابات العامة فكان لدد األلضاء‬
‫لضوا‪ ,‬فأصبحوا وهم يكوتون أكثر أ زاب الريشتاغ‬
‫ن‬ ‫النازيين ‪230‬‬
‫لددا‪ ,‬وقد يكون من الطريف أن تال ظ أن هتلر بلغ ذروة مجده‬
‫ن‬
‫االتتخابي في الفترة التي وصل فيها الك اد االقتصادي غايته القصوى‪,‬‬
‫ففي االتتخابات التالية التي أجريا في تفس ال نة فقد النازيون مليوتي‬
‫صوت وهبط لدد توابهم إلى ‪ 196‬تائبنا‪ ,‬وهذا يتفل مع التح ن‬
‫الطفيف الذي طرأ للى الحالة االقتصادية فيما بين اتتخابي يوليه‬
‫وتوفمبر‪.‬‬

‫وكان هتلر قد أللن من قبل أته لن يقبل من وظائف الدولة وظيفة‬


‫دون الم تشارية‪ ,‬ولقد من أجل هذا في أوائل يناير سنة ‪ 1933‬اتفاقنا‬
‫مع كل من «تي ين‪ ,‬وبابن‪ ,‬وهيوجنبرج ‪Thyssen- Papen-‬‬
‫‪ , »Hugenberg‬وتم له ما أراد‪ .‬ففي الثالثين من هذا الشهر لين هتلر‬
‫‪141‬‬
‫تشارا للرايخ األلماتي وبابن تائبنا له وهيوجنبرج وز نيرا لالقتصاد‪ .‬وكان‬
‫ن‬ ‫م‬
‫من بين ألضاء الوزارة الجديدة ثالثة من النازيين وت عة من غير النازيين‪,‬‬
‫ولما أن تقدموا إلى الرئيس هندتبرج قال لهم في كل ورع وخشوع‪« :‬إلى‬
‫األمام في رلاية اهلل»‪ .‬وبهذا بدأ الرايخ الثالث‪.‬‬

‫وإذا تحن رجعنا إلى فل فة «أدولف هتلر» ال ياسية تجد أتها‬


‫م تمدة من تعاليم جمالة من أساطين الكتاب األوربيين‪ -‬من «كارل‬
‫هوسهوفر» صا ب المدرسة األلماتية في الجيوبولتيكا إلى «ريتشارد‬
‫فاتجر» مؤلف األوبرات المشهور و» جورج هيجل» صا ب الرأي‬
‫القائل بأن الشعب القوى ي تطيع أن يفرض إرادته للى ثقافة الجيل‬
‫الذي يعيش فيه‪ ,‬وإن كان «هيجل» هذا لم يذكر للى وجه التحديد أن‬
‫ضا «هينرش فون‬ ‫ألماتيا قد كتب لها أن تقوم بهذا الدور‪ ,‬وهناج أي ن‬
‫فريتشك» ‪ Heinrich von frietachke‬الذي يرى أن الدولة هي أهم‬
‫قدرا‪ ,‬والحرب لنده لمل مشروع‬
‫ألضاء المجتمع البشري وألالها كلها ن‬
‫وهي في الوقا تف ه من األلمال األخالقية‪ ,‬أما مثالية ال الم الدائم‬
‫فهي لي ا مثالية م تحيلة فح ب بل إتها فوق مثالية هادمة لألخالق‪.‬‬
‫و» فريتشك» هذا هو الكاتب األلماتي الذي تعته الرئيس «هندتبرج»‬
‫في أ د أ اديثه مع ال فير األمريكي» دود»‪« Dodd‬بالعظيم»‪ ,‬ولم‬
‫يفا ال فير أن ي جل في مذكراته اليومية إذ ذاج أته لن يوافل‬
‫«هندتبرج» للى مثل هذا النعا ألن األمريكيين الذين لاصروا الحرب‬
‫العالمية األولى يرون في «فون فريتشك» هذا خبر مثال للعقلية األلماتية‬
‫التي تمجد الدم والحديد‪.‬‬
‫‪142‬‬
‫‪Frdrick w.‬‬ ‫والتاريخ األوربي في رأي «فردريك تتشة»‬
‫‪ Nietzsche‬ليس سوى سجل للكفاح الذي قام بين الجنس الذي له‬
‫ال يادة والشعوب المقهورة‪ .‬و«تتشه» هذا هو الذي لمد إلى تحريف‬
‫تظرية التطور الداروتية للى أتها مظهر لنزلة ال يطرة وال يادة لند‬
‫اإلت ان‪ ,‬ولهذا تراه يدلو إلى قيام جمالة يفوق أفرادها كل من لداهم‬
‫بما لهم من كمال يوي ورو ي‪ .‬فهو والحالة هذه وا دة من أولئك‬
‫الفالسفة األلماتيين الذين يؤكدون النا ية المادية للحياة‪ .‬وهناج من‬
‫الكتاب اآلخرين «أوزولد ّبنجلر» ‪ Ozwald Spingler‬الذي تنبأ‬
‫بمجيء لصر تزدهر فيه العدد واآلالت وتذبل الفنون االبتكارية ويقضى‬
‫فيه للى الديمقراطية‪.‬‬

‫ومن الكتاب الذين تأثرت الفل فة الهتلرية بآرائهم «الفرد‬


‫روزتبرج»‪ ,Alfred Rosenberg ..‬وهو في الواقع الحبر األللى للمثالية‬
‫النازية‪ ,‬ولد هذا الرجل في مدينة «ريفال» من أبوين ينتميان إلى أ د‬
‫األسر األلماتية التي هاجرت إلى سوا ل بحر البلطيل‪ ,‬وكان من‬
‫المناهضين للبالّفة لندما قاموا بثورتهم واضطر للفرار إلى ميوتخ وهناج‬
‫اتضم في سنة ‪ 1919‬إلى الحزب النازي وكان لما أبداه «روزتبرج» من‬
‫آراء في ال الالت البشرية والعقائد الدينية وفي روسيا بصفة لامة أثره‬
‫البالغ في الفوهرر‪ .‬فهو يقول لن الروا‪:‬‬

‫«إن لبارة الغرب إلى الشرق ‪ From west to East‬والتي يقصد‬


‫بها «من الراين إلى الف توال» يجب أن يعدل مدلولها بحيث يصبح «من‬

‫‪143‬‬
‫موسكو إلى تم ك» إن الروسي الذي وجد في سياسة التوسع تحو‬
‫الغرب التي سار لليها كل من «بطرا األكبر» و«كاثرين»‪ ,‬ما ي توجب‬
‫لعنهما‪ ,‬لهو الروسي الحقيقي الجدير بهذا االسم‪ ,‬إذا ما كان يجب أن‬
‫يزج بهذا الشعب بأية ال من أ وال في القارة األوربية‪ .‬ومع ذلك‬
‫ف وف يأتي الوقا‪ ,‬الذي ينتقل فيه مركز ثقل هذه البالد إلى القارة‬
‫اآلسيوية وذلك لندما ت لخ لنها الواليات الغريبة غير الروسية (وهي‬
‫أوكراتيا والقوقاز)‪ .‬إن أوربا الغريبة لليه والتي يمقتها ليس فيها بعد اليوم‬
‫مجال للرجل الروسي»(‪.)1‬‬

‫هذا‪ ,‬ويحاول النازيون ومؤلفوهم أن يرجعوا فل فتهم إلى أصولها‬


‫الموجودة في األساطير األلماتية وهي التي ت يطر لليها روح القضاء‬
‫والقدر والتي ت ودها لقيدة راسخة بأن هناج قوة خفية تدفع بالفرد إلى‬
‫البحث لن مواطن التهلكة لن طريل خوض المخاطر بكل ّجالة‬
‫وإقدام‪ ,‬ويتمثل هذا في الموضولات الفل فية التي اتخذ منها «ريتشارد‬
‫‪ Richard Wagner‬مادة لتمثيلياته الغنائية‪ :‬ففي أوبرا‬ ‫فاجنر»‬
‫‪ Gotterdammerung‬وهي إ دى األوبرات األربع المعروفة باسم ‪Ring‬‬
‫‪ des Nibelunger‬يصف لنا «فالهاال» ‪ Valhalla‬وهو ي قط في‬
‫النيران التي أوقدت لحرق جثة بطل هذه القصة‪ .‬فهل كان «فاجنر» وهو‬
‫يكتب هذه القصة يتنبأ بالمصير الذي ينتظر هتلر تف ه؟ إن هذا ليذكرتا‬
‫بما قاله الفوهرر في سنة ‪« :1932‬قد يصيبنا الهالج والدمار‪ ,‬ولكنهما‬
‫‪1‬‬
‫‪Allred Rosenberg: Der Mytchus des Zwanezigsten. Jahrhum derts‬‬
‫‪(Munich 1936) P. 576 .‬‬
‫‪144‬‬
‫إذا أصاباتا ف وف تجد العالم كله من ورائنا يهلك معنا في النار التي‬
‫ستشتعل في العالم كله»‪.‬‬

‫تلك هي األفكار التي كاتا تجول بخاطر «هتلر» يوم ألف كتابه‬
‫«كفا ي» في سنة ‪ 1924‬وهو في لزلته بمدينة ‪Landsberg am‬‬
‫‪ lech‬وكان «هيس» ‪ Hesse‬معه بدون كل ما يمليه لليه‪ ,‬ثم لاد في‬
‫مشددا فيه للى كل ما‬
‫ن‬ ‫سنة ‪ 1926‬في ‪ Berchtesgaden‬فألاد كتابته‬
‫يتطلبه الكفاح من قوة ولزم‪ .‬هذا‪ ,‬ولن ي تطيع إت ان أن يفقه النظرية‬
‫التي يقوم لليها النظام األوربي الجديد من غير أن يلقي تظرة –ولو‬
‫لاجلة‪ -‬للى تلك الفقرات الهامة من إتجيل «الشعب األلماتي» ذلك‬
‫اإلتجيل الذي يجد فيه القارئ في أكثر من موضع أثر القائد «هوسهوفر»‬
‫والذي ي تبين من بين لباراته آراء «هتلر» في الشئون الدولية‪ .‬اتظر قوله‬
‫مثال‪:‬‬
‫ن‬

‫«ول وف يأتي الوقا الذي تصبح فيه ألماتيا دولة من الدول‬


‫الكبرى أو يقضي لليها بالزوال والفناء‪ .‬والدولة التي تصبو إلى مرتبة‬
‫الدول العظمى البد لها –في وقتنا الحاضر‪ -‬من رقعة تتالءم وتلك‬
‫العظمة‪ ,‬ي تمد منها أبناؤها يويتهم‪ .‬إن الحدود ال ياسية من لمل‬
‫اإلت ان‪ ,‬واإلت ان قادر للى تعديلها وتغييرها‪ .‬وليس لدولة قدر لها أن‬
‫جزءا من أمالج غيرها أن تنظر من هذا الغير أن يعترف لها بهذا‬ ‫تنتزع ن‬
‫الحل الترافنا أبدينا‪ ,‬ألن هذا إن دل للى ّيء‪ ,‬إتما يدل للى قوة الفاتح‬
‫وضعف المغلوب‪ ,‬كما يدل قبل كل ّيء للى أن القوة و دها هي‬

‫‪145‬‬
‫مصدر الحل‪ .‬وإذا كان الشعب األلماتي‪ ,‬وقد قضى لليه أن يعيش‬
‫سجيننا في رقعة ت تحيل فيها الحياة‪ ,‬ال يرى في م تقبل أيامه سوى‬
‫البؤا والشقاء‪ ,‬فإن هذه ال ليس للقدر فيها ّأن وليس في العمل‬
‫للى التخلص منها ما يضير القدر في ّيء»‪.‬‬

‫ولم يحاول «هتلر» في جميع كتاباته إخفاء الطرق والوسائل التي‬


‫ينوي اتتهاجها لتحقيل أغراضه‪ .‬خذ قوله‪:‬‬

‫«إن اال تياجات مهما بلغا ّدتها لن تنجح في إلادة البالد‬


‫المضطهدة إلى أ ضان رايخ مو د‪ ,‬وال سبيل إلى ذلك إال بحد سيف‬
‫ماض يكون صهره من لمل الزلامة ال ياسية الداخلية‪ ,‬للى أن تكون‬
‫راسة هذا المظهر وجمع األخوة المحاربين بيد من تعقد له الزلامة‬
‫الخارجية‪ .‬وثمة قيقة أخرى يجب أال تغيب لن تاظرتا وهي أن استعادة‬
‫األقاليم التي اقتطعا من الرايخ لن يتم بالتوسالت واالبتهاالت إلى العلى‬
‫القدير‪ ,‬ولن تتم لن طريل اآلمال العريضة التي وضعناها في لصبة األمم‪,‬‬
‫وإتما يتم بقوة ال الح‪ ..‬وقوة ال الح فقط»‪.‬‬

‫هذا وقد أورد «هتلر» في كتابه «كفا ي» جميع األسس والمبادئ‬


‫التي سار لليها لتحقيل الو دة األلماتية تى مارا سنة ‪:1939‬‬

‫» إن مصير هذه الدولة «النم ا» مرتبط كل االرتباط بقيام وتطور‬


‫القومية األلماتية الشاملة‪ ,‬وإته لمن المتعذر نقا أن يتصور اإلت ان‬
‫إمكان تق يم تاريخ هذه القومية إلى ّعبتين إ داهما ألماتية واألخرى‬

‫‪146‬‬
‫تم اوية‪ ...‬وليس أمام النم ا األلماتية اآلن من طريل ت لكه إال أن تعود‬
‫إلى الوطن األلماتي الكبير‪ ,‬وليس هذا لمجرد االلتبارات االقتصادية‬
‫فح ب‪ ,‬ال‪ ,‬ال‪ ,‬إتي أؤكد أته تى إذا كان هذا االتحاد قليل القيمة من‬
‫وضارا من بعض توا يه‪ ,‬فإته يجب أن يتم‪ ,‬ألن‬
‫ن‬ ‫النا ية االقتصادية‪ ,‬بل‬
‫الدم الوا د يجب أن يعيش تحا لواء رايخ وا د مشترج»‬

‫«وليس لهذه الدولة البائ ة «ألماتيا» أن تطمع في االستيالء للى‬


‫أراض وممتلكات أجنبية إال بعد أن تدخل في دائرة دودها آخر رجل‬
‫ألماتي‪ ..‬وواجب الرايخ األلماتي بالتباره دولة و كومة أن يعمل للى‬
‫ن‬ ‫إدخال جميع األلماتيين إلى ظيرته‪ ,‬ال لمجرد الحصول للى أ‬
‫ال الالت واال تفاظ بها‪ ,‬وإتما لكي يتزلمهم ويقودهم آمنين روي ندا‬
‫روي ندا إلى يث تعقد لهم الزلامة وال يادة‪».‬‬

‫كذلك تراه يعلن في صرا ة تامة لن لزمه للى استعادة ما كان‬


‫أللماتيا من ممتلكات وما ينويه من فتو ات جديدة فيقول‪:‬‬

‫«إن الحصول للى أراض وممتلكات جديدة إلسكان الزائدين من‬


‫األهلين له فوائد التي ال صر لها‪ ,‬لن تدركها للى قيقتها إلى إذا تحن‬
‫أّحنا بنظرتا من الح اضر إلى الم تقبل‪ ...‬وإتي اليوم لعلى بينة من أن‬
‫اإلت ان لن يأتي له أن ي تعيد ما فقده من أمالج بمجرد ألفاظ تلوكها‬
‫أل نة البرلماتيين مهما كاتا دتها‪ ,‬وإتما لليه أن يجرد في سبيل ذلك‬
‫لوال وبذلك ي تعيدها لن طريل الصراع الدموي‪ ....‬إن العودة‬ ‫سي نفا م ن‬
‫بنا إلى دود سنة ‪ 1914‬ال قيمة لها إطالقنا لم تقبل األمة األلماتية‪,‬‬
‫‪147‬‬
‫إذ أية فائدة يمكن أن ترجى من دود قصرت لن ماية هذه األمة في‬
‫الماضي وكاتا في الوقا تف ه خالية من كل مصدر من مصادر القوة‬
‫الم تقلة؟‪ ...‬إن واجبنا‪ ,‬معشر االّتراكيين الوطنيين‪ ,‬هو أن تتم ك‬
‫باألهداف التي وضعناها ل ياستنا وأال تحيد لنها قيد أتملة‪ ,‬وبذلك‬
‫تضمن للشعب األلماتي ما ت تهله له من ل طبيعي في رقعة هذا‬
‫الكون‪ ,‬إذ بغير هذا لن ت تطيع أن تبرر أمام الخالل سبحاته وتعالى وأمام‬
‫األجيال األلماتية المقبلة ما اتفقناه وما استثمرتاه من دماء في هذا‬
‫ال بيل‪ ...‬إن لنا اليوم ثماتين مليوتنا من أوربا‪ ,‬فإذا ما أمكن بعد مرور‬
‫قرن وا د أن تجعل منهم مائتين وخم ين مليوتنا تكون قد وفقنا في‬
‫سياستنا الخارجية (سياسة التوسع)‪».‬‬

‫هكذا ألمح هتلر في تعليقاته للى توع ال ياسة التي يجب أن تتبع‬
‫مع كل دولة من الدول األوربية‪ ,‬إلى بعض النوا ي التي يمكن أن‬
‫ت تشف منها تواياه الحقيقية‪ ,‬وتتلخص هذه في هزيمة كل من فرت ا‬
‫والروسيا ل كرينا ومصادقة إيطاليا وبريطاتيا‪ ,‬وفي هذا يقول‪:‬‬

‫«إن كل تحالف ال يكون من بين أغراضه العمل للى تنفيذ خطة‬


‫ربية معينة‪ ,‬لهو تحالف ال معنى له وال فائدة منه‪ .‬إتنا ال تحارب اآلن‬
‫من أجل استعادة مركزتا كدولة من الدول الكبرى‪ ,‬وإتما تكافح من أجل‬
‫المحافظة للى كيان دولتنا وسالمة و دتها‪ ,‬ومن أجل الحصول للى‬
‫قوات أطفالنا اليومي‪ .‬وإذا ما أردتا أن تختار من بين الدول األوربية لفاء‬
‫لنا ي الدوتنا للى تحقيل هذه األهداف فليس أمامنا ما تختاره سوى‬

‫‪148‬‬
‫«إتكلترا» و«إيطاليا»‪.‬‬

‫«‪ ...‬إن كل تضحية كاتا تبذل إذ ذاج (في سنة ‪ )1919‬في‬


‫سبيل الحصول للى ود «إتكلترا» ومناصرتها‪ ,‬كاتا تبدو صغيرة‪ ,‬ال بل‬
‫إن اإلت ان كان ي تهين بالنزول لن الم تعمرات تف ها إذا كان في‬
‫ذلك ما يؤمن صنالاتنا من مناف ة «إتكلترا» لها ‪ ....‬وهناج دولة (هي‬
‫إيطاليا الفاّتية) وصل تظام الحكم فيها اليوم إلى درجة من القوة‬
‫خالصا للى خدمة المصالح القومية‪ ,‬تى‬
‫ن‬ ‫واالستقرار وأضحى وق نفا‬
‫أصبح وال خوف لليه بعد اآلن من تدخل الصهيوتية الدولية لتعطيل‬
‫مرافقة ال ياسية‪.»...‬‬

‫«وثمة أمر آخر أال يغيب لحظة وا دة لن أذهاتنا‪ ,‬وذلك أن لدو‬


‫الشعب األلماتي اللدود‪ ,‬والذي ال أمل لنا في مهادتته‪ ,‬كان وسوف يظل‬
‫فرت ا‪ ...‬تلك الدولة التي توجه كل تشاطها ال ياسي إلى اتخاذ تهر‬
‫الراين ندا طبيعينا لها‪ ,‬والتي ال أمل لها في اال تفاظ به إال ببقاء ألماتيا‬
‫دولة ممزقة األوصال‪ .‬فكل دولة تناهض األماتي الفرت ية في ال يطرة‬
‫للى القارة األوربية‪ ,‬هي في الواقع ليفة لنا‪ ,‬ويجب أن ت ت هل كل‬
‫صعب في الوصول إلى مصادقتها‪ ,‬وأن ت تهين بكل ما يطلب منا التنازل‬
‫لنه إن كان في هذا أو ذاج‪ ,‬إخضاع لعدوتا اللدود‪»...‬‬

‫«لن تتحقل رية البقاء ألمة من األمم ما لم تكن لها رقعة ف يحة‬
‫من سطح الكرة األرضية تكفي ل د مطالبها‪ .‬إتنا تبدأ اآلن من يث‬
‫توقفنا منذ ستمائة سنة مضا‪ .‬لقد وصلنا إلى النقطة التي يجب أن ينتهي‬
‫‪149‬‬
‫لندها الز ف األلماتي المتواصل في االتجاهين الجنوبي والغربي‪ ,‬وللينا‬
‫اآلن أ ن توجه أتظارتا صوب الشرق‪ ....‬وإذا ما تحدثنا اليوم لن توسعنا‬
‫في القارة األوربية فإن الفكر ينصرف أول ما ينصرف إلى «روسيا»‬
‫والدول التابعة لها‪»,‬‬

‫هذا ولم يفا الفوهرر الدور الذي قاما به كل من روسيا وفرت ا‬


‫في بدء الحرب العالمية األولى‪ ,‬ففي هذا يقول‪- :‬‬

‫«يجب أال ت مح بقيام دولتين كبيرتين في أوروبا القارية‪ ,‬ال بل من‬


‫واجبن ا أن تنظر إلى كل محاولة لتنظيم ظهور أية قوة ل كرية للى أ د‬
‫دود ألماتيا للى أته لمل يهدد سالمة بالدتا‪ ,‬وفي هذه الحال يصبح‬
‫من قنا‪ ,‬ال بل ومن الواجب للينا‪ ,‬مناهضة قيام مثل هذه الدولة‪ ,‬تى‬
‫ولو أدى األمر بنا إلى امتشاق الح ام‪ .‬أما إذا كاتا هذه الدولة قائمة‬
‫فع نال‪ ,‬فليس أمامنا إال إخضالها والقضاء لليها‪».‬‬

‫ولهتلر في ال لم العالمي آراؤه الخاصة فيقول‪:‬‬

‫«للى كل من يريد صادقنا اتتصار فكرة ال الم لالمي‪ ,‬أن يناصر‬


‫الشعب األلماتي‪ ,‬وي الده بكل ما لديه‪ ,‬للى غزو هذا العالم‪ .‬أما إذا‬
‫دث العكس فبشر هؤالء الم المين بأن آخر من يموت من أفراد هذا‬
‫الشعب سوف ال ينزل إلى قبره إال ومعه آخر الدالين إلى هذا ال الم‪.‬‬
‫نة في د‬ ‫أتا ال أتكر أن فكرة ال الم اإلت اتي فكرة قد تكوتا‬
‫ن ّعوب األرض وأرقاها‬ ‫ذاتها‪ ,‬ولكن يشترط لقيامها أن يكون أ‬

‫‪150‬‬
‫م توى قد تم له فتح هذا العالم وإخضاله إلى درجة ال ت مح لغيره‬
‫أوال‪ ,‬ثم تتدبر من بعد ذلك ما‬
‫بال يادة فيه‪ ...‬فعلينا إذن أن تحارب ن‬
‫يمكن لمله‪ ..‬ولو أن الشعب األلماتي كاتا قد تهيأت له خالل‬
‫التطورات التاريخية التي مرت بها الو دة التي تهيأت لغيره من الشعوب‪,‬‬
‫لكان من المحتمل ج ندا أن تعقد اآلن للرايخ األلماتي سيادة هذا‬
‫العالم‪ ...‬أجل لو كان هذا تم لقام سلم له أتصاره الحقيقيون‪ ,‬ال من‬
‫أولئك النائحات المأجورات اللواتي يحملن سعف النخل‪ ,‬ولكن من‬
‫األبطال األفذاذ الذين يحملون في أيديهم سيوفنا مظفرة والذين في‬
‫استطالتهم أن يوجهوا سكان هذا العالم إلى خدمة ضارة أرقى وثقافة‬
‫أللى من ثقافته الحالية‪»...‬‬

‫واآلن ترى ما هي الفكرة أو األفكار التي كوتها كل من الفوهرر‬


‫والدوتشى لن تظام الحكم وتوع الحياة التي أرادا أن تحياها أوربا؟ لقد‬
‫أللن لناموسوليني لن رأيه في هذه النا ية بقوله‪:‬‬

‫«إن األمة ممثلة في الحكومة التي تدبر أمورها‪ ,‬وهي و دة ّعورية‬


‫ية طالما هي متقدمة إلى األمام‪ ,‬ألن التوقف معناه الموت‪ ,‬ومن ثم‬
‫فالدولة لي ا مجرد ال لطة التي تقوم بالحكم بين األفراد وت بغ‬
‫الصبغة القاتوتية والرو ية للى أفعالهم وإرادتهم‪ ,‬وإتما هي ال لطة التي‬
‫ت تطيع أن تمد إرادتها إلى خارج دودها وتجعل الغير يشعرون بها‬
‫ويحترموتها‪ ,‬مقدمة بذلك الدليل العملي للى م ايرة كل ما تصدره من‬
‫قرارات لقوالد النمو والتقدم المعترف بهما من الجميع‪».‬‬

‫‪151‬‬
‫أما أدولف هتلر فيقرر‪:‬‬

‫«وما الدولة إلى وسيلة لتحقيل غاية‪ ,‬وهذه الغاية هي المحافظة للى‬
‫مجتمع بشرى تماثل من النا يتين الجثماتية والنف ية والعمل للى رفعته‪,‬‬
‫وللمحافظة للى هذه المجمولة البشرية يجب أن تعنى أول ما تعنى‬
‫بال اللة البشرية المنحدرة منها‪ ,‬والعمل للى تنمية جميع العوامل الكامنة‬
‫فيها‪ ,‬وإته لمن ال هل للينا إذن معشر األوربيين أن تصور الدولة للى‬
‫أتها الخلية الحية التي تولد منها القومية‪».‬‬

‫وال يادة المطلقة للدولة ركن من أهم األركان التي يقوم النظام‬
‫الفاّتي للحكم‪ ,‬أم الفرد فليس له أدتى وزن‪ ,‬ومن ثم كاتا تظرة‬
‫الدوتشي إلى إيطاليا للى أتها فكرة رو ية‪ ,‬متمشينا في ذلك مع‬
‫األسطورة التي سارت لليها «روما» في لصر اإلمبراطورية يم تم لها‬
‫االستيالء للى جميع البالد المحيطة بالبحر المتوسط وسموه بحر‬
‫قياصرة التالل ال بع‪ .‬وللفوهرر رأي يخالف ذلك فهو يقيم دولته للى‬
‫أساا ال اللة البشرية‪ .‬ولكنهما مع ذلك يتفقان اتفاقنا للى ضرورة‬
‫إغفال المنازلات الطبقية التي يمكن أن تثيرها الشيولية وللى لدم‬
‫التعرض إللغاء تظام الرأسمالية‪ ,‬تاظرين إلى الحرب للى أتها أسمى مظهر‬
‫من مظاهر الرجولة‪ ,‬ومن هنا توارت الديمقراطية في كل من إيطاليا‬
‫وألماتيا و لا محلها الرياسة المقدسة وال لطة والنظام‪ .‬فقد كان ّعار‬
‫اإليطاليين‪« :‬صدق وأطلع و ارب»‪ ,‬أما الصيحة األلماتية فكاتا‬
‫«ّعب وا د واريخ وا د فورهرر وا د‪».‬‬

‫‪152‬‬
‫والخال صة أته من الممكن إجمال النظرية الجمالية التي سارت‬
‫لليها كل من «روما وبرلين» في كلمتين هما «الرأسمالية الجمالية»‬

‫هذا ويقوم الرايخ الذي أس ه أودلف هتلر للى لمد ثالثة‪ :‬أولها‬
‫الدولة وثاتيها الحزب النازي (‪ - )N. S. D. A. P.‬الحزب االّتراكي‬
‫الوطني للعمال األلماتيين‪ -‬وثالثها الشعب‪ ,‬والفوهرر بين ثالثتها بمثابة‬
‫العروة التي تشد الوا د منها إلى اآلخر‪ .‬والشعب في التباره هو‬
‫مجمولة من الناا تجمع بينهم و دة الثقافة والتاريخ والروابط الجن ية‪,‬‬
‫أفردا ممن يعيشون خارج الحدود‬‫وهو تعريف كما يبدو قد يشمل ن‬
‫ادا من القاطنين داخل الدولة‬
‫ال ياسية للدولة‪ ,‬كما أته قد ي تثنى أفر ن‬
‫خاص‪:‬‬ ‫اسم‬ ‫الرايخ‬ ‫خارج‬ ‫في‬ ‫األلمان‬ ‫وللرلايا‬ ‫تف ها‪,‬‬
‫‪ Auslandeutsche‬وترجمتها «المجمولة األلماتية في الخارج»‪ ,‬ولهم‬
‫تنظيم خاص يطلل لليه اسم ‪ ,Gua‬وتتولى إدارته الشعبة األجنبية للحزب‬
‫النازي (‪ )N. S. F. O.‬ورئي ها إرت ا بوهل ‪ Ernest Bohle‬الذي‬
‫يشرف إلى جاتب ذلك للى الق م األجنبي بوزارة الخارجية وهو الذي‬
‫يتولى ّئون ‪ volkodeutsche‬أي أولئك المنحدرون من سالالت ألماتية‬
‫ثم اكت بوا جن يات أجنبية‪ ,‬ولهؤالء في ألماتيا منظمة خاصة يطلل لليها‬
‫‪Volkobund (V.D.A) Fur das Deutschtum im‬‬ ‫اسم‬
‫‪ Ausland‬وترجمتها الجمعية األهلية لأللمان خارج الحدود‪ .‬وتعمل‬
‫هاتان المنظمتان بالتعاون التام مع بعضهما البعض ومع معهد األلمان‬
‫األجاتب ومقره مدينة اّتتجارت وله مكتبة لامرة بالكتب والمجالت‬
‫والجرائد لخدمة األلمان الموجودين خارج دود الرايخ‪.‬‬
‫‪153‬‬
‫وي ير الحزب النازي في قوميته العنصرية ‪Racial Nationalism‬‬
‫للى مبدأ «الدم واألرض» ‪ Blut und Boden‬وهو يتفل مع ما يذهب‬
‫إليه النازيون من تمجيدهم للجنس األلماتي القديم وا ترامهم القدسي‬
‫للوطن األلماتي‪ ,‬ومن ثم كان االصطالح األلماتي (‪)Weltanschauung‬‬
‫ومعناه «النظرة العالمية»‪ .‬وو دة القياا هنا هي االلتبارات ال اللية‬
‫البحتة‪ :‬فخيرة العناصر البشرية كلها في التبارهم النورديون‪ ,‬يليهم في‬
‫ذلك ال الفيون واألمم الشرقية‪ ,‬وهم في مرتبة دون مرتبة البشر ‪sub-‬‬
‫‪ , human‬ثم الزتوج وهم أتصاف ت اتيس‪ ,‬أما اليهود فجمالة طفيلية‬
‫تحتل الدرج األسفل في ال لم االجتمالي‪ .‬وهذه النظرة العالمية‬
‫‪ weltanschauung‬كما يفهمها النازيون تتعارض مع الفكر وأصحابه‪,‬‬
‫وتناهض اليهود والمرك ية وكل ما هو أجنبي؛ ومحبي ال الم‪.‬‬

‫وما إن تولى هتلر مركز االستشارة في الرايخ األلماتي في الثالثين‬


‫من ّهر يناير سنة ‪ 1933‬تى لمد إلى إلادة تنظيم ألماتيا للى أسس‬
‫فاّ تيه فاتخذ من موسوليني قدوة له واقتبس الكثير من مظاهر الحكم‬
‫في إيطاليا الواقعة لبر جبال األلب‪ .‬ولما أن اتهارت فرت ا في يوتية سنة‬
‫‪ 1940‬أخذت الجيوش القائمة تنقل إليها أهم مظاهر الحكم في الرايخ‬
‫الثالث تحا ّعار جديد أسمته «النظام الجديد» ‪.The New Order‬‬

‫كذلك أدخل كثير من التعديالت للى التنظيم العام للحكومة‬


‫األلماتية كان أهمها كلها ما تم بعد موت هندتبرج في سنة ‪ 1934‬إذ‬
‫أدمجا ال لطات المخولة لرئيس الجمهورية وسلطات الم تشار في يد‬

‫‪154‬‬
‫وا دة‪ ,‬كما ألغى مجلس البوتدزرات (المجلس األللى) واتتقضا كثير‬
‫من ال لطات المخولة لمجلس الريشتاغ تى أصبح وال لمل له سوى‬
‫الهتاف والتصفيل للفوهرر كلما ألقى خطابنا‪ ,‬أو االستماع ألوبرات رتشارد‬
‫فاجنر العظيمة‪ .‬كذلك أصبحا لملية االتتخاب لهذا المجلس قاصرة‬
‫للى مجرد قبول أو رفض قوائم الترّيحات التي يعدها الحزب النازي‪,‬‬
‫وكثرت لمليات االستفتاء للبا في كبرى الم ائل‪ ,‬وكاتا النتائج في‬
‫جميع الحاالت مقررة من قبل‪ ,‬أما ال لطات المخولة للواليات الداخلة‬
‫في االتحاد األلماتي فقد اقتصرت للى مجرد وظائف إدارية ينفذها‬
‫كام تازيون تعيهم برلين‪ .‬والخالصة أن جميع الحريات التي كفلها‬
‫دستور «فايمار» جثم لليها سبات لميل منذ فبراير سنة ‪ .1933‬ومن‬
‫مظاهر الحكم الجديد تأليف محاكم الشعب ‪ peoples Courts‬وقد‬
‫لين لها قضاة من رجال القاتون ومن الع كريين ومن رجال البوليس‬
‫وموظفي الحزب النازي؛ وكاتا تعقد جل اتها سرينا لمحاكمة المتهمين‬
‫بالخياتة العظمى‪ ,‬وفي جميع هذه المحاكمات كان رجال الج تابو‬
‫وموظفو مع كرات االلتقال للى مقربة من دور هذه المحاكم‪.‬‬

‫وي ير الحزب النازي في تنظيماته وفل الترتيب ال لمي‪ ,‬فهو مق م‬


‫إلى مراكز ودوائر ومنظمات محلية وخاليا موزلة للى الشوارع الرئي ية‪,‬‬
‫وهناج را (‪ )Schutzstaffel‬وهو بمثابة الحرا القنصلي (البريتوري)‬
‫في لهد الدولة الروماتية‪ ,‬ثم جنود الصالقة (‪)Stôrm Troops S,A‬‬
‫وكان لددهم سنة ‪ 2.500.000 1934‬جندي‪ ,‬والشباب الهتلري‬
‫وهو مكون من الصبية الذين تتراوح ألمارهم ما بين العاّرة والثامنة‬
‫‪155‬‬
‫لشرة ومن الفتيات فيما بين العاّرة والحادية والعشرين‪ .‬وللنشء‬
‫األلماتي فيما بعد الرابعة لشرة أن ينضم إما إلى الشباب الهتلري أو إلى‬
‫اتحاد البنات األلماتيات‪ ,‬وإذا ما بلغ الشبان الثامنة لشرة اتخرطوا في‬
‫الخدمة العمالية لمدة ستة أّهر تتبعها سنتان يقضوتها في التدريب‬
‫الع كري‪ ,‬وفي كل سنة يختار ألف من الرجال الذين تتراوح ألمارهم بين‬
‫الثامنة والعشرين والثالثين ليدربوا أربع سنوات للى الزلامة ومهامها‪.‬‬

‫كذلك أقام النازيون سياستهم التعليمية للى المبادئ الع كرية‬


‫وتمجيد الحرب‪ .‬وفي كتاب «التهجي النازي» ‪ Nazy Primer‬الذي‬
‫يوزع للى الشباب الهتلري ما يرّدتا إلى توع التعليم الذي يلقن النشء‬
‫األلماتي‪ .‬وهناج الفرقة القومية للثقافة‪ ,‬التي يرأسها الدكتور «جوزيف‬
‫جوبلز» ‪ ,‬وزير الدلاية واإلرّاد‪ ,‬وهو أت ب من يتولى هذه المهمة‪,‬‬
‫وتتكون من سبع غرف‪ :‬الصحافة والم رح‪ ,‬وال ينما ثم النحا‪,‬‬
‫والتصوير‪ ,‬والموسيقى‪ ,‬واألدب‪.‬‬

‫ولقد لمد النازيون‪ ,‬لذلك‪ ,‬إلى اإلكثار من الن ل والتبروا هذا من‬
‫أقدا الواجبات المفروضة للى كل ألماتي بوردي‪ .‬وتحقي نقا لهذه الغاية‬
‫فرضوا الضرائب للى غير المتزوجين من الرجال ومنحوا اإللاتات المالية‬
‫خاصا بتح ين الجنس لن‬
‫اهتماما ن‬
‫ن‬ ‫ألصحاب األسر الكبيرة‪ ,‬كما اهتموا‬
‫طريل الدراسات التناسلية وأس وا لهذا الغرض محاكم خاصة وظيفتها‬
‫العمل للى الحد من الن ل غير المرغوب فيه في الرايخ الثالث‪ ,‬ويتصل‬
‫بهذا ما تناقلته أخبار برلين الموثوق بها من وقوع كثير من أتواع القتل‬

‫‪156‬‬
‫الذي يتوخى فيه الر مة بصا به‪ ,‬كما كان ينظر إلى زواج الرجل األلماتي‬
‫من إ دى بنات أي جنس أجنبي وخاصة من المرأة اليهودية للى أته‬
‫جريمة ضد الدولة ثم صدرت قواتين «تورتبرج» (سبتمبر سنة ‪)1935‬‬
‫وما تبعها من أوامر أخرى وقد قضا بإبعاد اليهود لن الحياة العامة‬
‫و رما لليهم مزاولة المهن الحرة‪ ,‬ف دت في وجههم كل وسيلة من‬
‫وسائل ك ب العيش‪ ,‬وكان غرضها األول تعريض هذه الفئة لإلذالل‬
‫والقطيعة االجتمالية‪ .‬ولكن يقابل هذا من النا ية األخرى لجز النازيين‬
‫لن التغلب أو االتتصار التام للى الكنائس األلماتية رغم ما قاموا به من‬
‫مجهودات كبيرة لتحقيل هذا‪ ,‬ومنها ما اوله «روزتبرج» لن تأسيس دين‬
‫أو د ال منافس له قوامه الدم والتربة‪ ,‬وما صرح له بعض المتحم ين‬
‫للنازية من أن «اهلل هو ألماتيا‪ ,‬والم يح هو هتلر‪ ,‬واإلتجيل هو كتاب‪.‬‬
‫كفا ي»‪ .‬البل إن هتلر يرسم لنا الخالل سبحاته وتعالى في صورة‬
‫الم جل األلظم غير المتحيز الذي يدون النتائج في كتاب الموت‬
‫والحياة‪ .‬وقام رجال الكني ة اللوثرية يعارضون األوامر الكنائ ية التي‬
‫أصدرها لهم ‪ Reichsbischof Muller‬النازي‪ ,‬وال يزال «مارتن تيمولر»‬
‫‪ Martin Niemoelle‬يعاتي األمرين في أ د مع كرات االلتقال ب بب‬
‫ثبوته للى مبدئه‪ :‬أجل‪ ,‬لقد صمد زلماء الكثلكة في وجه جميع‬
‫المحاوالت التي قام بها النازيون إلف اد منظمات الشباب الكاثوليكي‬
‫وال يطرة للى معاهد التعليم الكن ية وقد كاتا لالقة البابا بالفوهرد من‬
‫أجل ذلك كله أبعد ما تكون لن المودة والصداقة‪.‬‬

‫أما ّئون الصنالة والزرالة والعمل‪ .‬فقد جمعا كلها في خمس‬


‫‪157‬‬
‫منظمات تشرف لليها الحكومة وتوجه سياستها‪ :‬جبهة العمل وتشمل كل‬
‫ما يتصل بشئون العمال ورؤوا األموال‪ ,‬ووظيفتها تنظم العالقة التي‬
‫تربط بينهما‪ ,‬وتشرف في الوقا تف ه للى تلك الحركة التي يطلقون‬
‫لليها اسم «القوة لن طريل المرح واالتشراح» والتي من أهم أغراضها‬
‫تحديد أوقات فراغ الجماهير وتهيئة وسائل رياضتهم‪ ..‬ثمن منظمة‬
‫التجارة والصنالة وتدخل في دائرتها جميع المشرولات الصنالية‬
‫والتجارية ومختلف أتواع الحرف‪ ,‬وهذا لدا الخاص الذي له ل‬
‫اإلّراف للى اتحادات أصحاب الحرف وغرفهم‪ ...‬وهناج منظمة‬
‫الزرالة ووظيفتها اإلّراف للى كل ما يتصل بنظام الت ويل؛ واألساا‬
‫فيها يثبا األسعار وتعيين األسواق‪ ,‬وتحديد الحصص قبل ظهور‬
‫المحصول‪ ...‬أما المنظمة الخام ة فهي منظمة الثقافة‪ ,‬وهذه تختلف‬
‫اختالفنا جوهرينا لما لداها من المنظمات األخرى‪.‬‬

‫التمدت ألماتيا في سنة ‪ 1933‬أول مشروع لل نوات األربع‬


‫وأللنا أن الغرض منه هو القضاء للى البطالة وإلادة توزيع الزرالة‬
‫فعال في القضاء للى البطالة بفضل ما‬
‫األلماتية وتنظيمها‪ ,‬وقد تجحا ن‬
‫قاما به الحكومة من ألمال لامة وما ّيدته من م اكن وما أتشأته فيما‬
‫بعد من مصاتع لعمل األسلحة والذخائر‪ .‬كذلك سنا في تفس الوقا‬
‫قاتون «الحقل الوراثي»‪ ,‬وهو القاتون الذي يحمي المزارع من الحجز‬
‫للى أرضه أو اتتزالها منه‪ ,‬ولكن المزارع كان مطالبنا في مقابل ذ لك‬
‫بتوريثها لوريث وا د‪ .‬ثم كاتا سنة ‪ 1934‬وهي ال نة التي قام الحزب‬
‫خاللها بعملية التطهير الدموية للتخلص من فئة من ألضائه أرادوا تحقيل‬
‫‪158‬‬
‫بعض المبادئ االّتراكية في زب أطلل للى تف ه اسم الحزب‬
‫االّتراكي القومي‪.‬‬

‫وألقب ذلك مشروع ال نوات األربع الثاتي وكان من أهم أغراضه‬


‫التوسع في إتتاج البضائع التركيبية ‪ synthetic‬التي يمكن أن ت تغني بها‬
‫ألماتيا لن المصادر األجنبية لبعض المواد األولية األساسية‪ .‬وما إن تولى‬
‫جورتج مركز دكتاتور ألماتيا االقتصادي تى ّالا في الرايخ الثالث‬
‫كله تلك الصيحة التي أخذ الجميع يرددوتها وهي «المدفع قبل الزيد»‪,‬‬
‫ولي س من ينكر أن التنظيم االقتصادي الذي اتبعته ألماتيا في الفترة التي‬
‫سبقا الحرب كاتا له فائدته خالل هذه المحنة‪.‬‬

‫وفي الثالثين من ّهر أغ طس سنة ‪ 1939‬لين جورتح رئي ن ا‬


‫للجنة الوزارية الجديدة التي لهد إليها بتنظيم ّئون الدفاع لن الرايخ‪.‬‬

‫وفي رأى جوفري كروثرز ‪ Geoffery Growthers‬رئيس تحرير‬


‫مجلة اإليكوتوم ا أن أهم فارق بين النظامين‪ :‬األلماتي والروسي هو‬
‫قائما في‬
‫محافظة ألماتيا للى مبدأ الملكية الفردية لرأا المال الذي ظل ن‬
‫هذه البالد‪ .‬أما فيما لدا ذلك فإن الرايخ تحا كم الحزب االّتراكي‬
‫القومي كان أقرب إلى البلشفية مما كان لليه في لهد دستور «فيمار»‪.‬‬

‫والخالصة أن الحزب النازي استطاع خالل ال نوات ال بع التي‬


‫تولى فيها كومة ألماتيا قبل قيام الحرب العالمية الثاتية‪ ,‬أن يعد جميع‬
‫المشرولات والخطط التي كان ينوي تنفيذها في الق م األكبر من القارة‬

‫‪159‬‬
‫األوربية مع تعديلها بما يطابل الظروف الخاصة بكل دولة‪.‬‬

‫هذا‪ ,‬ولقد تأثرت ال ياسة الخارجية للرايخ إلى درجة كبيرة بآراء‬
‫وتعاليم اللواء هوسهوفر‪ ,‬إذا ما كاد أدولف هتلر يتولى الزلامة في سنة‬
‫‪ 1923‬تى لمل للى إ ياء لم التوسع األلماتي لند أصحاب هذا‬
‫الرأي‪ .‬لقد اتبع الفوهرر في سبيل ب ط سيادته للى القارة األوربية‬
‫خطوات خمس‪ ,‬وكان ينتقل من الوا دة منها إلى التي تليها‪ ,‬بطريقة‬
‫منطقية محكمة‪.‬‬

‫أوال إلى المطالبة بتحقيل مبدأ الم اواة في الحقوق بين ألماتيا وما‬
‫فعمد ن‬
‫باأللماتية‬ ‫لليه‬ ‫يطلل‬ ‫ما‬ ‫الكبرى وهو‬ ‫الدول‬ ‫من‬ ‫لداها‬
‫«‪ »Gleiehberechtigung‬وكان يقصد من وراء هذا تحطيم «معاهدة فرساى‬
‫اإلجرامية»‪ .‬والواقع أن الشعب األلماتي كان قد ول كل اهتمامه إلى هذه‬
‫المعاهدة الممقوتة وت ى أو تناسى النتائج التي اتتها بها الحرب تف ها‪.‬‬

‫جاهر هتلر بعد ذلك ب ياسة الو دة األلماتية ولمل جاه ندا للى تنفيذها‪,‬‬
‫وقد تجح في ذلك إلى درجة كبيرة‪ .‬وتم له ضم ألمان النم ا وتشيكوسلوفاكيا‬
‫وممل إلى الرايخ دون أن يلجأ إلى رب أو قتال‪.‬‬

‫ينما تقدم بفكرة المجال الحيوي‬ ‫ثم كاتا الخطوة الثالثة‬


‫‪ ,Lebensraum‬تلك النظرية التي أخذت تنمو وتكبر تى أصبحا قيقة‬
‫واقعية اتخذت منها ألماتيا سن ندا لب ط مايتها في سنة ‪ 1939‬للى كل من‬
‫بوهيميا وموارفيا‪ .‬وجاء من بعد ذلك غزو بوالتد وتشوب الحرب العالمية الثاتية‬

‫‪160‬‬
‫والقضاء للى الجمهورية البوالتدية ومضالفة الجهد االقتصادي لتحقيل‬
‫المجال الحيوي النازي في القارة األوربية‪.‬‬

‫أما الخطوة الرابعة التي خطاها هتلر في سبيل تحقيل مشرولاته في‬
‫أوربا فهي ما يطلل لليها في األلماتية «‪»Drang nang Osten‬‬
‫ومعناها «االتدفاع تحو الشرق»‪ ,‬ويبدو أن مدينة كييف (‪ )Kiev‬الواقعة‬
‫في والية أوكراتيا الروسية‪ ,‬ال بغداد في منطقة الجزيرة‪ ,‬أصبحا الهدف‬
‫فعال‪ ,‬إذ‬
‫الذي يرجي تحقيقه من وراء هذه ال ياسة‪ ,‬وهذا ما دث ن‬
‫غزوا‬
‫استطالا ألماتيا‪ ,‬بعد أن تم لها غزو كل من المجر وروماتيا وبلغاريا ن‬
‫اقتصادينا‪ ,‬وبعد أن فرغا من غزو اليوتان ويوغوسالفيا وا تاللها‬
‫ل كرينا‪ ,‬استطالا أن تصل في ز فها ّرقنا تى أبواب البوغازين وأن‬
‫تحتل أوكراتيا‪.‬‬

‫وقد أمكنها تحقيل المر لة الخام ة من مرا ل توسعها في القارة‬


‫األوربية للى أثر اتهيار فرت ا‪ ,‬وذلك بتحقيل النظرية التي يطلقون لليها‬
‫اسم االقتصاد القاري أو ‪ ,Grosraumwirtschaft‬وهي النظرية التي‬
‫ابتكرها أصحاب النظام األوربي الجديد والعاملون للى خلل النظام‬
‫الجديد لشرق آسيا الكبرى‪ ,‬والتي تقوم للى تق يم العالم إلى أقاليم‬
‫قارية كبرى تتولى ال يادة في كل منها دولة وا دة للى التبار أته منطقة‬
‫تفوذها الخاص‪.‬‬

‫والخالصة أن هذه الخطوات الخمس –الم اواة في الحقوق‪,‬‬


‫والو دة األلماتية‪ ,‬والمجال الحيوي‪ ,‬واالتدفاع تحو الشرق‪ ,‬واالقتصاد‬
‫‪161‬‬
‫القاري‪ -‬رغم وضوح الهدف الذي قصدت إليه جميعها ال يمكن التبارها‬
‫و دات قائمة بذاتها‪ ,‬كما أته من ال هل للى كل دارا للتاريخ‬
‫األلماتي‪ ,‬أال يرى جدي ندا فيما رسمه و ققه الحزب النازي من خطط‬
‫ومناهج‪.‬‬

‫هذا ولقد تجلا لبقرية «هتلر» بصفة خاصة في إلداد الخطوات‬


‫الدبلوماسية التي قضى بها للى معاهدة فرساي واختيار أت ب األوقات‬
‫لتنفيذ كل خطوة منها‪ :‬فقد بدأ في الرابع لشر من ّهر أكتوبر سنة‬
‫‪ 1933‬باالت حاب من مؤتمر تزع ال الح ومن لصبة األمم‪ ,‬ثم كان‬
‫االستفتاء في منطقة «ال ار» وتجاح النازيين في الت لط للى مجلس‬
‫إدارة ميناء «داتزج»‪ ,‬مما كان له ألظم األثر في ب الشعب األلماتي‬
‫له وزيادة تعلقه به‪ .‬وفي ال ابع من ّهر مارا سنة ‪ 1935‬تجح في‬
‫إتهاء العمل بالمواد من معاهدة «فرساي» التي تنص للى لدم ت ليح‬
‫الجيش األلماتي وإن كان االتفاق الذي لقد بين الرايخ و«بريطاتيا» في‬
‫ّهر يوتية من ال نة تف ها قد دد األسطول األلماتي بما ال يزيد للى‬
‫‪ %35‬من األسطول البريطاتي مع الت ليم بمبدأ الم اواة في لدد‬
‫أثرا من النا ية‬
‫الغواصات‪ .‬وقد تكون أهم هذه الخطوات كلها وألظمها ن‬
‫ال ياسية لدم الترافه باتفاقات «لوكارتو» وما أقدم لليه في ‪ 16‬مارا‬
‫سنة ‪ 1936‬من إلادة تحصين بالد الرين (ّكل ‪ .)9‬وقد برهنا‬
‫الحوادث للى أن «هتلر» كان مصيبنا كل اإلصابة لندما قدر أن‬
‫«إيطاليا» لن تتعاون مع «إتكلترا» و«فرت ا» في إلادة هذا التحصين‬
‫ب بب العقوبات التي كان قد فرضها لليها مجلس لصبة األمم إبان‬
‫‪162‬‬
‫ربها مع «الحبشة»‪ ,‬وأن «إتكلترا» لن تقدم للى اتخاذ خطوات‬
‫إيجابية في هذا الشأن‪ ,‬فتصبح «فرت ا» و«بلجيكا» وال سند لها‪ .‬ولكن‬
‫ليس من ّك أن أي لمل جازم كاتا تقوم به «فرت ا» في هذه اللحظة‬
‫الحاسمة كان من ّأته أن يحمل النازيين للى سحب جيوّهم من منطقة‬
‫الراين‪ ,‬ألن «ألماتيا» لم تكن قد استعدت لخوض القتال بعد‪ .‬أما وقد‬
‫أليد تشييد الحصون للى ّواطئ «الراين» فقد قضى للى كل معوتة‬
‫ل كرية فعالة يمكن أن تقدمها «فرت ا» أو «إتكلترا» لدول ّرق أوربا‪.‬‬
‫ثم جاء ّهر يوليه وفيه اتدلعا الحرب األهلية في «أسباتيا»‪ ,‬فوجد فيها‬
‫النازيون والفاّي تيون الفرصة ساتحة لتثبيا كومة ذات ميول فاّتية‬
‫في تلك البالد‪ ,‬وفي الخامس والعشرين من ّهر توفمبر من ال نة تف ها‬
‫(‪ )1936‬لقد اتفاق بين الحكومتين األلماتية والياباتية لمناهضة‬
‫الشيولية وقد اتضما إليهما «إيطاليا» في توفمبر من ال نة التالية‪.‬‬

‫ولما أن فرغ هتلر من إلادة ت ليح الرايخ في إقليم الراين لمد إلى‬
‫تنفيذ النقطة الثاتية في برتامجه ال ياسي وهي تحقيل و دة األلمان‪.‬‬
‫والمتأمل في تاريخ ألماتيا الحديث يجد أن هذه الو دة التي تبناها‬
‫النازيون هي وليدة الفكرة التي كاتا سائدة في العهد القيصري‪ ,‬ذلك أته‬
‫للى أثر إبرام «معاهدة هليبمولند» في سنة ‪ ,1890‬وهي المعاهدة‬
‫التي تنازلا فيها ألماتيا لن بعض قوقها في القارة اإلفريقية‪ ,,‬تأسس‬
‫اتحاد أطلل لليه اسم االتحاد األلماتي ‪,General German League‬‬
‫وقد أليد تنظيمه في سنة ‪ 1894‬وسمى اتحاد دلاة الو دة األلماتية‬
‫‪ Pan Germaun League‬وجل ألضائه من األساتذة والمدرسين‬
‫‪163‬‬
‫ورجال األلمال والموظفين وأصحاب المهن الحرة‪ ,‬وكاتوا يعملون‬
‫متضامنين مع كل من الجمعية االستعمارية واالتحاد البحري من أجل‬
‫تأسيس اتحاد جمركي تشترج فيه هوالتدا وسوي را والنم ا والدول‬
‫اإلسكندتاوية للى التبار أتها و دات تتكون منها إمبراطورية ألماتية‪ ,‬ومع‬
‫ذلك ورغم التصريحات التي أدلى بها قادة الرأي من الدلاة للو دة‬
‫األلماتية من أته ال غاية لهم إال تحقيل المثالية األلماتية بالطرق ال ليمة‪,‬‬
‫فإن الو دات غير األلماتية رفضا قبول هذه الفكرة البريئة‪ ,‬إذ التقد‬
‫الكثيرون أن ألماتيا إتما ترمى من وراء دلوتها هذه إلى ب ط تفوذها للى‬
‫أوال‪ ,‬ثم للى العالم كله بعد ذلك‪ ,‬ومن األدلة التي بني لليها‬
‫أوربا ن‬
‫تف يراتهم هذه ذلك الكتاب الذائع الصيا الذي تشره الفائد فردريك‬
‫فون برتهاردي ‪ Friedrjch von Bernhardi‬بعنوان «ألماتيا والحرب‬
‫كثيرا بين ال ياسة‬
‫التالية» ‪ Germany & The Next War‬فقد بالد ن‬
‫األلماتية واألغراض ال لمية‪ .‬للى أن هذه الدلوة لم تذهب سدى‪ .‬فقد‬
‫كان لها أتصارها رغم قلتهم في داخل ألماتيا تف ها‪.‬‬

‫أما النازيون فقد لمدوا في تنفيذ فكرة الو دة األلماتية إلى االهتمام‬
‫ضا قائمتين أيام الريخ األول‪ ,‬وهما فكرة ال اللة النوردية‬
‫بنا يتين كاتتا أي ن‬
‫وفكرة جمع األلمان كلهم في رايخ وا د‪ ,‬ذلك ألن معاهدة فرساي‬
‫كاتا قد أتقصا لدد سكان ألماتيا من ‪ 67.812.000‬إلى ‪60‬‬
‫ميال مر نبعا إلى‬
‫مليون فقط‪ ,‬وأتقصا م ا تها من ‪ 208.780‬ن‬
‫‪ 181.500‬ميل فقط‪ .‬غير أن هتلر استطاع قبيل تشوب الحرب الثاتية‬
‫إلى زيادة لدد سكان الرايخ إلى ‪ 88‬مليوتنا‪ ,‬والم ا ة إلى ‪258.683‬‬
‫‪164‬‬
‫ميال مر نبعا‪ .‬وكاتا أهم البالد التي ي توطنها ألماتيون خارج الرايخ الثاتي‬
‫ن‬
‫هي الم ار والنم ا وال وديا وممل وغرب بوالتد والتيرول الجنوبي‪.‬‬
‫وقد استعان الفوهرر بهذه األقليات للى إثارة القالقل في جهات لدة من‬
‫القارة األوربية‪ .‬وما إن اتتهى من غزو بوالتدا تى كان قد أرجع إلى‬
‫ظيرة الرايخ جميع أولئك األلمان لدا من كان يعيش منهم في التيرول‬
‫الجنوبي ‪ ,‬وبلغ لدد سكان البالد التي تم له ضمها وفتحها‬
‫‪ 41.314.000‬ت مة‪ .‬ومعنى ذلك أن لدد سان ألماتيا الكبرى كان‬
‫قد بلغ قبيل غزو أسكندتاوة ‪ 110.000.000‬من النفوا‪.‬‬

‫ولم يدع هتلر فرصة تمر به دون أن يؤكد فيها أن و دة الدم هي‬
‫قوام و دة الرايخ‪ ...‬ذكر هذا في كتاب «كفا ي»‪ ,‬كما لمد إلى ترديده‬
‫في الخطب التي ألقاها بعد أن أصبح دكتاتور ألماتيا‪ ,‬ومن ذلك ما قاله‬
‫في ‪ 20‬فبراير سنة ‪ 1938‬مخاطبنا الريشتاغ‪:‬‬

‫«وإلى جاتب هذه األمور التي هي موضع لناية الرايخ األلماتي‬


‫يجب أن تضيف موضوع ماية أولئك األلماتيين النازلين للى دود‬
‫بالدتا‪ ,‬والذين ليس لهم من ي الدهم للى تحقيل فل فتهم أو تيل‬
‫رياتهم ال ياسية»‪.‬‬

‫وقد بلغا خطبة في هذا الشأن ذروتها في الثاتي لشر من ّهر‬


‫مدافعا لن ألماتي‬
‫ن‬ ‫سبتمبر سنة ‪ 1938‬يوم قام في مؤتمر توريج الشهير‬
‫ال وديا بتلك العبارات التي كان لها دوى الرلد‪.‬‬

‫‪165‬‬
‫«إتي أقولها وأكررها أته إذا لم يقدر لهذه الفئة المعذبة أن تأخذ‬
‫قوقها و رياتها‪ ,‬فإن لها أن تعتمد للينا في الحصول لليها‪ .‬إن األلمان‬
‫ال يطلبون سوى تقرير مصيرهم‪ ,‬وهو ل مقدر لكل أمة غيرهم‪ ,‬إن الهر‬
‫«بينش» ‪ Benês‬ال يقف من ألماتي ال ويا موقف الواهب الماتح‪ ,‬ألن‬
‫لهم كل الحل في المطالبة بتعيين وتحديد توع الحياة التي يريدون أن‬
‫يحيوها ّأتهم في ذلك ّان أي قوم غيرهم»‪.‬‬

‫وكاتا النم ا أول هدف وجه إليه أصحاب تظرية التوسع سهمهم‪,‬‬
‫وذلك ألن في هذه البالد ينزل سبعة من العشرة ماليين ألماتي الذين‬
‫يطالب هتلر بردهم إلى ظيرة الوطن‪ .‬بدأت الدلاية النازية ملتها سنة‬
‫كومة ّبه فاّتية في فيينا برئاسة‬ ‫‪ , 1933‬وتجحا في إقامة‬
‫الم تشار «دولفس» ‪ Dollfuss‬وإرّاد موسوليني‪ .‬وقد تجم لن قتل‬
‫الم تشار النم اوي في الخامس والعشرين من ّهر يوليه سنة ‪1934‬‬
‫خالل إ دى االضطرابات التي تظمها النازيون أن سارلا إيطاليا بإرسال‬
‫جنودها إلى ممر «برتر» ‪ ,‬وظلا الحال للى ما هي لليه من توتر تى‬
‫‪ 21‬يوليه سنة ‪ 1936‬ين لقد اتفاق بين النم ا وألماتيا تعهد فيه هتلر‬
‫با ترام استقالل هذه الدولة –النم ا‪ -‬وبهذا لادت ركة التجارة‬
‫واالتتقال بين القطرين إلى ما كاتتا لليه‪ ,‬ولكن في أبريل من ال نة التالية‬
‫أخذ موسوليني يتحلل من كل لهد كان قد قطعه لم الدة كومة‬
‫الم تشار ‪ Schuschnigg‬في فيينا‪ ,‬وهي الحكومة المناهضة للنفوذ‬
‫النازي في النم ا‪ ,‬ال بل إتنا ترى هذا الم تشار وقد ذهب بنف ه إلى‬
‫إتذارا من الحكومة األلماتية‪,‬‬
‫برّت جادن ‪ Brechtesgaden‬ليت لم ن‬
‫‪166‬‬
‫يطلب إليه فيه إخالء سبيل جميع المقبوض لليهم من النازيين في النم ا‬
‫وتعيين وزبرين من الحزب النازي النم اوي في وزارته‪ ,‬ومنح كامل‬
‫الحقوق ال ياسية أللضاء هذا الحزب‪ ,‬ولم ير ‪ Schuschnigg‬أمام هذه‬
‫المطالب مندو ة من استفتاء الشعب النم اوي في أمر استقالله وأصدر‬
‫قر نارا بذلك يوم ‪ 9‬مارا‪ ,‬ولكن قبل أن ينقضي للى إصدار هذا القرار‬
‫يومان‪ ,‬قدما إليه برلين إتذارين‪ ,‬تطلب منه في أولهما إلغاء قرار‬
‫االستفتاء وفي ثاتيهما تخليه لن الحكم‪ .‬وكاتا فرت ا في هذه الفترة‬
‫تعاتي أزمة وزارية ادة و» رينتروب» يالعج األمور بلباقة في لندن‪,‬‬
‫وموسوليني يقضي أجازة قصيرة في التز لل للى الجليد‪ .‬ورغم استجابة‬
‫ّشنج للمطالب األلماتية واستقالته من الحكم‪ ,‬فقد ز فا الجنود‬
‫األلماتية للى النم ا متذرلة أمام الجميع بالدلوة التي أرسلها ‪Seyss-‬‬
‫‪ Inquart‬الم تشار الجديد‪ ,‬ولمد هؤالء الجنود إلى مؤازرة مرّحي‬
‫الهر هتلر الذين لم يكن لهم من سند سوى الحراب النازية‪ ,‬وبهذا زالا‬
‫من الوجود دولة النم ا التي ظلا قروتنا لديدة وهي تنشر الثقافة‬
‫األلماتية وتحافظ للى الروح األلماتية مما جعلها موضع تقدير وإلجاب‬
‫العالم كله‪.‬‬

‫تماما‪ ,‬أي في‬


‫وقف هتلر في مدينة لنز ‪ Linz‬في اليوم التالي لذلك ن‬
‫‪ 12‬مارا سنة ‪ 1938‬يخطب فقال‪:‬‬

‫«إن تأسيس هذه اللو ة األلماتية الجديدة لم يأت وليد رغبة أبدتها‬
‫فئة قليلة وإتما هي تحقيل إلرادة الشعب األلماتي تف ه»‪ ,‬كما أبرق من‬

‫‪167‬‬
‫تفس المدينة إلى الدوتشي يقول‪« :‬موسوليني‪ ..‬لن أت ى لك ما قما‬
‫به»‪.‬‬

‫سارت لملية االتدماج بين النم ا وألماتيا بخطى سريعة ج ندا‪,‬‬


‫وجاءت تتيجة االستفتاء الذي لمل للى العاّر من ّهر أبريل مؤيدة كل‬
‫التأييد التحاد الدولتين ‪ Ansuchluss‬الذي لمل في العاّر من ّهر‬
‫أبريل مؤيدة كل التأييد التحاد الدولتين ‪( Anschluss‬إذ أقره‬
‫‪ ,)%99.08‬وسرلان ما تغلغلا الروح النازية والتنظيمات النازية في‬
‫‪ Ostmark‬كما أدخل تظام الج تابو‬ ‫جميع مرافل «االستمارج»‬
‫ضا تدريجينا بين البلدين‪ ,‬و ل المارج‬
‫وخفضا الرسوم الجمركية تخفي ن‬
‫األلماتي محل الشلن النم اوي‪ ,‬ووضعا دور األوبرا والتمثيل والجرائد‬
‫والمدارا تحا سلطة النازيين وتفوذهم‪ .‬وطهرت المكتبات والمتا ف‬
‫ومعارض الصور من كل ما هو ليس آرينا‪ .‬ولم يشأ هتلر أن يتمهل تى‬
‫تتبلور اتتصاراته قبل إ داث مثل هذا االتقالب العظيم ألته كان يخشى‬
‫أن تنقلب مهادتة الدول له إلى مقاومة إذا ما أتما فرت ا وإتجلترا‬
‫ت ليحهما‪.‬‬

‫إن اتهيار النم ا كان يحمل في ثناياه القضاء المحتوم الذي كان‬
‫ينتظر تشيكوسلوفاكيا إذ كان يعيش في هذه الجمهورية ‪ 3 4/3‬مليون‬
‫ألماتي‪ ,‬وهذا الرقم م تمد من اإل صاء العام الذي أصدرته الحكومة‬
‫التشيكية تف ها في سنة ‪ .1930‬كان لدد سكان هذه البالد في تلك‬
‫ال نة ‪ 14.729.536‬ت مة‪ %66.92 :‬مهم من التشيك‬

‫‪168‬‬
‫وال لوفاج‪ %22.32 ,‬من األلمان‪ %4.78 ,‬مجريون‪%3.79 ,‬‬
‫رؤيثنيون‪ %0.56 ,‬بولنديون‪ .‬ومنشأ هذا التباين الكبير هو ما أوجبته‬
‫العوامل االقتصادية واالستراتيجية التي سار لليها مؤتمر الصلح في سنة‬
‫‪ 1919‬من ضرورة الجمع بين بوهيميا وبالد ال وديا في دولة وا دة‪.‬‬
‫ومهما قيل في إمبراطورية النم ا والمجر القديمة‪ ,‬ووجه إلى تكوينها من‬
‫اتتقادات فإت نا ال ت تطيع أن تنكر أتها كاتا و دة اقتصادية متماسكة‬
‫يربط وض الطوتة بين ّتات أجزائها‪ .‬فبالد ال وديا كاتا منذ القدم‬
‫خاضعة لبيا «هب برج» وليس ليا «هوهنزلرن»‪ ,‬ومع ذلك كان من‬
‫رأى الكثيرين من األلضاء األمريكيين في مؤتمر «فرساي» أن تضم‬
‫أجزاء من هذه البالد –بعد استفتاء سكاتها‪ -‬إلى ألماتيا‪ ,‬ولكن األلضاء‬
‫الفرت يين لارضوا في ذلك أّد المعارضة‪ ,‬وكاتا جة العضو الفرت ي‬
‫في لجنة تشيكوسلوفاكيا أن التوسع في تطبيل مبدأ االستفتاء في المناطل‬
‫األلماتية معناه االتتقاص من رقعة هذه الدولة وتقلصها‪ .‬والواقع أن‬
‫الم ألة كلها كاتا ّديدة التعقيد ج ندا‪ ,‬الن سلخ الواليات التي يغلب‬
‫فيها العنصر األلماتي وضمها إلى كومة الرايخ معناه في الواقع ت لط‬
‫هذه الحكومة للى جميع أوربا الوسطى‪.‬‬

‫ومع ما كاتا تتمتع به األقليات األلماتية في تشيكوسلوفاكيا من‬


‫معاملة ممتازة كفلا لها الحرية التامة في ّئون التعليم والتمثيل النيابي‪,‬‬
‫وهو ما لم يتهيأ لغيرهم من األقليات األوربية األخرى‪ ,‬فإتهم كاتوا‬
‫يشكون من قصر الوظائف العامة كلها للى التشيك وزاد من تذمرهم سوء‬
‫الحالة االقتصادية التي ألقبا الك اد العالمي والتي اّتدت وطأتها بين‬
‫‪169‬‬
‫طبقة العمال من األلماتيين‪ .‬و دث في سنة ‪ 1935‬أن فاز رئيس‬
‫الحزب ال وديتي ‪ Konmd Henlein‬ب تين في المائة من األصوات‬
‫األلماتية‪ ,‬فما كان منه إال أن طلب أن يكون لأللماتيين كامل الحرية في‬
‫اإللالن لن ألماتيتهم‪ ,‬كما طالب الحكومة الشبكية بنض تحالفها مع كل‬
‫من الروسيا وفرت ا‪.‬‬

‫اضطرب الجو ال ياسي في مايو سنة ‪ ,1938‬وبات الجميع‪ ,‬للى‬


‫أثر ما ّوهد من تجمع الجيوش األلماتية والتشيكية للى الحدود‪,‬‬
‫وأخيرا اضطر هتلر‪ ,‬إزاء ما أللنته‬
‫ن‬ ‫يتوقعون تشوب رب بين البلدين‪,‬‬
‫فرت ا لن لزمها للى الوقوف إلى جاتب تشيكوسلوفاكيا‪ ,‬وما رآه من‬
‫معرفة بريطاتيا والروسيا لكل توسع ألماتي‪ ,‬إلى سحب جيوّه‪ ,‬وقد‬
‫وافقا الحكومة التشيكية‪ ,‬بناء للى اقتراح لورد «رات مان» ‪Lord‬‬
‫‪ , Runciman‬مندوب إتكلترا الخاص في مدينة براغ‪ ,‬للى تق يم البالد‬
‫إلى واليات (‪ ) Cantons‬ت ير في إدارتها وفل النظام المعمول به في‬
‫سوي را‪ .‬ولكن الفوهرر لاد في ‪ 12‬سبتمبر من تفس ال نة وطالب في‬
‫خطاب له بمدينة تورمبرج بضرورة منح ألماتي ال وديا‪« ,‬تلك الفئة‬
‫المعذبة» ‪ ,‬تى تقرير مصيرهم‪ ,‬وقد أدى هذا التصريح إلى وقوع ّغب‬
‫واضطراب بين هذه «الجمالات المعذبة» اضطرت إزاءه الحكومة‬
‫التشيكية إلى إلالن األ كام العرفية في اليوم التالي مباّرة‪ ,‬كما أللن‬
‫تيفل تشمبرلين رئيس الوزارة البريطاتية لزمه للى الطيران إلى‬
‫برّن جادن لمقابلة الفوهرر والتحدث إليه في األمر‪ ,‬ولكن الفوهرر‬
‫أصر للى ضرورة اإلسراع بضم ألماتي ال وديا إلى الرايخ الثالث‪ ,‬تى‬
‫‪170‬‬
‫ولو أدى هذا إلى تشوب رب لالمية‪.‬‬

‫اجتمع الم ئولون في إتكلترا وفرت ا للتشاور في األمر‪ ,‬وأجمعوا‬


‫فيما بينهم للى إصدار تصيحتهم إلى الرئيس بينش –ولم يكن قد سمع‬
‫له رأى بعد‪ -‬بضرورة ت ليم جميع المناطل التي يغلب فيها ألماتي‬
‫ال وديا إلى الريخ‪ ,‬واضطرت تشيكوسلوفاكيا أن ترضخ لهذا القرار‪,‬‬
‫للى أن تتعهد كل من إتكلترا وفرت ا بالمحافظة للى استقالل ما تبقى‬
‫من هذه الجمهورية‪ ,‬وأال تحتل الجنود األلماتية الجزء المتنازل لنه قبل‬
‫أن يتم تحديد التخوم بين الدولتين‪.‬‬

‫طار تشمبرلن قاص ندا ألماتيا للمرة الثاتية‪ ,‬والتقى بالفوهرر في مدينة‬
‫جودسبرج «‪ »Godesberg‬وأللن له تنازل تشيكوسلوفاكيا لن المناطل‬
‫ذات األكثرية األلماتية وما اّترطته لهذا التنازل‪ .‬وما إن سمع هتلر هذا‬
‫تى قال لبارته المشئومة «إتي آسف نقا‪ .‬ولكن هذه ال ال يمكن أن‬
‫ت تمر للى هذا الوضع « ‪Es tut mir furchtbar leid aber des‬‬
‫‪ .»geht nicht mehr‬وأصر للى ضرورة ا تالله للمناطل المتنازل لنها‬
‫من غير إبطاء‪ ,‬وللى ضم جميع الواليات المختلفة اللغة أو التي هناج‬
‫ّك في لغتها‪ ,‬ال بل أته ذهب في خطبته التي ألقاها في برلين في‬
‫ال ادا والعشرين من ّهر سبتمبر سنة ‪ 1938‬إلى أبعد من ذلك إذ‬
‫قال‪:‬‬

‫«ولليه –بنبش‪ -‬أن ي لم إلينا في اليوم األول من ّهر أكتوبر هذه‬


‫البقعة‪ -‬لقد أكدت له في ال ابل‪ ,‬وهأتذا أكرر له هذا التأكيد‪ ,‬أته إذا ما‬
‫‪171‬‬
‫تما ت وية هذه المشكلة ف وف ال تتبقى أللماتيا أية مشكالت إقليمية‬
‫ّخصا وا ندا من التشيك‬
‫ن‬ ‫أخرى في القارة األوربية‪ .‬إتنا ال تريد أن تضم‬
‫إلينا»‪.‬‬

‫ورفضا براغ الرضوخ إلتذار جودسبرج‪ ,‬فتحرج الموقف ال ياسي‬


‫ولبأت بريطاتيا أساطيلها وفرت ا جيوّها وأللنا الروسيا لن لزمها للى‬
‫تقديم الم الدات التي يتطلبها الموقف‪ ,‬وأصبحا الحرب وال مناص‬
‫منها‪ ,‬لو لم يقبل هتلر‪ ,‬بناء للى وساطة موسوليني‪ ,‬أن يؤجل التعبئة‬
‫األلماتية أربعة ولشرين سالة‪ ,‬ويدلو كال من دالدييه وتشمبرلين‬
‫لالجتماع به وبموسوليني في مدينة ميوتخ‪.‬‬

‫وقد تمخض هذا االجتماع لن اتفاقية ميوتخ في ‪ 29‬سبتمبر سنة‬


‫بما‬ ‫‪ ,1938‬تلك االتفاقية التي قطعا فيها أوصال تشيكوسلوفاكيا‬
‫أراد صا ب إتذار جودسبرج‪ .‬فعينا مناطل أربع تقرر أن تحتلها الجنود‬
‫بدال من دفعة وا دة‪ ,‬ومنطقة خام ة يترج‬
‫األلماتية للى أربع دفعات ن‬
‫مصيرها معل نقا تتيجة االستفتاء الذي تقرر أن يجري فيها‪ ,‬وبهذا استولى‬
‫النازيون للى كل ما يبغون االستيالء لليه بما فيه من استحكامات‬
‫ميال من براغ‬
‫وصنالات كبرى‪ .‬وامتد ز فهم تى وصلوا إلى أربعين ن‬
‫لاصمة البالد التشيكية وأصبح الرايخ الثالث بعد ذلك يضم‬
‫‪ 800.000‬من األقليات التشيكية‪.‬‬

‫وما إن اتقض النمر األلماتي للى فري ته تى ظهر الضبع وابن‬


‫آوى في ألقابه يبحثان لن تصيبهما من الفري ة‪ ,‬فوضعا بوالتدا يدها‬
‫‪172‬‬
‫للى منطقة ت نتشن «‪ »Teschen‬واستولا المجر للى مدينة برات الفا‬
‫واألراضي المحيطة بها‪.‬‬

‫لظيما في‬
‫ن‬ ‫فوزا‬
‫وليس هناج أدتى ّك في أن هتلر أ رز ن‬
‫تشيكوسلوفاكيا مما أظهره خمن مهارة فائقة في المناورات ال ياسية التي‬
‫تغال في ذلك إ جام كل من فرت ا وإتكلترا لن المخاطر‬ ‫قام بها م ن‬
‫وأخيرا بالموقع‬
‫ن‬ ‫بحرب لالمية‪ ,‬وما قدمته له إيطاليا من م الدة ومعوتة‬
‫الجغرافي في أللماتيا الكبرى‪ .‬ولم يغب لن الدول المطلة للى سوا ل‬
‫األطلنطي أن اتفاقية ميوتخ إن هي إال هدتة مؤقتة وأتها أبعد ما تكون لن‬
‫صلح له صفة الدوام واالستمرار‪.‬‬

‫قاما فيما تختلف من تشكوسلوفاكيا دويلة ّبه فاّتية خاضعة في‬


‫كل ّيء لنفوذ الرايخ الثالث‪ ,‬وأصبح الحلف الفرت ي والحلف الروسي‬
‫والحلف الصغير وكأتها كلها لم تكن‪ ,‬ال بل إن إيطاليا تف ها اضطرت‬
‫قليال في القارة األوربية وأن توجه جل تشاطها إلى‬
‫بعد ميوتخ‪ ,‬أن تنزوي ن‬
‫المجال اإلفريقي وإلى سوا ل البحر المتوسط يث كاتا تأمل تحقيل‬
‫بعض األطماع اإلقليمية التي لها هناج‪ .‬وفي الثالثين من ّهر توفمبر‬
‫اتتخب الدكتور «إميل هاّا ‪ »Emil Hacha‬رئي ن ا لجمهورية‬
‫بدال من الدكتور بنيش الذي آثر االستقالة‪ ,‬وطلبا‬ ‫تشيكوسلوفاكيا ن‬
‫ممرا ل كرينا لبر هذه البالد ألتها أصبحا المهيمنة للى‬
‫ألماتيا منحها ن‬
‫ّئون روثينيا وسلوفاكيا‪ ,‬و دث من بعد ذلك أن ا تدم النزاع بين‬
‫الدكتور هاّا والدكتور ت و «‪ ,»D. Tiss‬ورئيس وزراء سلوفاكيا مما لم‬

‫‪173‬‬
‫ير معه «هاّا» ب ندا من لزله‪ .‬ولكنه ما كاد يفعل هذا تى أمره الفوهرر‬
‫بالحضور لمقابلته في برلين‪ ,‬وقبل أن يصل رئيس التشيك إلى العاصمة‬
‫األلماتية‪ ,‬كاتا الجيوش النازية في طريقها صوب الجنوب‪ ,‬وما إن وقع‬
‫الرئيس هاّا صك التنازل لن استقالل بالده تى دخلا الجنود‬
‫األلماتية مدينة براغ وأصبحا كل من «بوهيميا» «ومورافيا» محميتين‬
‫ألماتيتين‪ ,‬أما سلوفاكيا فنودى بها دولة م تقلة‪ .‬كما تقرر ضم «روثينيا»‬
‫إلى المجر‪ .‬ومن تا ية أخرى من القارة‪ ,‬اتتزلا «ممل» من لتواتيا‪,‬‬
‫ورأت إيطاليا الفرصة ساتحة فدخلا جيوّها ألباتيا في ّهر أبريل من‬
‫ال نة التالية وأللنا ضمها إليها‪.‬‬

‫ويعتبر دخول الجيوش األلماتية مدينة براغ في الخامس لشر من‬


‫ّهر سبتمبر تقطة التحول في التوسع األلماتي‪ .‬ال بل وفي ال ياسة‬
‫الخارجية للدول األوربية جملة‪ .‬ويرى «تيفل هندرسون»‪ ,‬سفير بريطاتيا‬
‫في برلين إذ ذاج‪ ,‬أن ألماتيا بعملها هذا ارتكبا «خطأ ج يما ج ندا»‪.‬‬
‫أما الم تر تشمبرلين رئيس الوزارة البريطاتية فيت اءل في إ دى خطبه‬
‫بمدينة برمنجهام قائال‪:‬‬

‫« هل لنا يا ترى أن تعتبر هذا كله تهاية لمحاولة قديمة أم هو بداية‬


‫ألخرى جديدة؟ وهل لنا أن تنظر إليه للى أته آخر هجوم يمكن أن‬
‫تتعرض له إ دى الدول الصغيرة‪ ,‬أم أته هجوم سوف يتلوه ثان وثالث‬
‫وهكذا؟ أم أن هذا في الواقع خطوة أولى في سبيل الت لط للى العالم‬
‫كله بالقوة والقهر؟»‪.‬‬

‫‪174‬‬
‫كذلك أّارت جريدة تيويورج تيمس إلى هذا الحادث في إ دى‬
‫افتتا ياتها إّارة لها قيمتها ومغزاها‪ ,‬وكان مما قالته‪:‬‬

‫«لقد دخل هتلر مدينة براغ دخول الفاتح لبالد أجنبية‪ ,‬وسمع العالم‬
‫أصوات المدافع وهي تدوي في ّوارع هذه المدينة التي تخلى لنها‬
‫الجميع‪ ,‬وكأتها تقول لهم‪« :‬إن ألماتيا تز ف صوب الشرق»‪ ..‬أجل لقد‬
‫لرف العالم كله‪ ,‬لندما سمع هذا الدوي‪ ,‬قيمة الولود النازية‪ ,‬ولمس‬
‫األهداف الحقيقية التي يصبو إليها الرايخ الثالث»‪.‬‬

‫وقد جاء في المرسوم الذي أصدره الفوهرر إلى بالد بوهيميا‬


‫ومورافيا معلننا الحماية لليهما التصريح اآلتي‪:‬‬

‫جزءا من‬
‫«لقد مضى للى بوهيميا ومورافيا ألف سنة وهما يكوتان ن‬
‫المجال الحيوي للشعب األلماتي‪ ,‬ولما كاتا ألماتيا بحكم ظروفها‬
‫الجغرافية والتاريخية‪ ,‬وبحكم ّدة ارتباطها بهاتين الواليتين‪ ,‬قد قرر لها‬
‫إن لاجال أو آجال‪ ,‬أن تتأثر بالنتائج الخطيرة المترتبة للى مجرى‬
‫الحوادث فيهما‪ ,‬فإن الرايخ ‪-‬يدفعه في ذلك قاتون المحافظة للى كياته‬
‫وبقائه‪ -‬مصمم كل التصميم للى التدخل مرة أخرى لوضع األسس‬
‫الال زمة إلقامة تظام مقبول ت ير لليه األمور في أوربا الوسطى‪ ,‬وسوف‬
‫تذاع المراسيم المنظمة لذلك»‪.‬‬

‫كذلك يعتبر ا تالل األلماتيين لمدينة براغ تقطة تحول ملحوظ في‬
‫فل فة الفكر األلماتي‪ ,‬فبعد أن كاتوا يعملون للى تكوين رايخ وا د‬

‫‪175‬‬
‫يضم ّتات األلماتيين‪ ,‬أصبحوا وهم ينادون بفكرة المجال الحيوي‬
‫األلماتي‪ .‬والمجال الحيوي في تظر النازيين معناه توسيع رقعة الو دة‬
‫األلماتية‪ ,‬بعد إدخال جميع األلماتيين في ظيرتها‪ ,‬بحيث تتفل إلى‬
‫درجة كبيرة مع فكرة أوربا الوسطى «‪ »Mittel Europa‬التي كاتا قائمة‬
‫قبل الحرب العالمية األولى‪ ,‬والتي تشمل الجزء من خريطة أوربا الذي‬
‫تماما ما قرره‬
‫ينزل فيه الدالون إلى مبدأ القومية األلماتية‪ .‬وهذا يطابل ن‬
‫فردريخ تيومان «‪ »Friedrick Nawmann‬في مؤلفه الشهير ‪-‬أوربا‬
‫الوسطى‪ -‬المنشور في سنة ‪ .1915‬فقد ذكر فيه أن لصر الدول‬
‫الصغرى قد زال وأال سبيل في البقاء لغير الو دات الكبرى‪ ,‬ولهذا فهو‬
‫ينصح أن تظل ألماتيا للى اتحادها الع كري مع النم ا‪ .‬ويرى في‬
‫دائما مع‬
‫الوقا تف ه أن تضيف إليه بالد البلقان‪ ,‬وأن تعقد تحال نفا ن‬
‫تركيا‪ .‬غير أن الدولتين الثنائيتين ‪-‬النم ا والمجر‪ -‬كاتتا إذ ذاج أقل‬
‫تحم ا في ألماتيا لفكرة أوربا الوسطى‪ ,‬وذلك ب بب المعارضة الشديدة‬
‫التي أثارتها الشعوب غير األلماتية لها‪ .‬ومع كل‪ ,‬ففكرة «لتيومان» هذه‬
‫لم تلبث أن طمرتها األتربة المتخلفة من اتهيار ألماتيا و ليفاتها في سنة‬
‫‪.1918‬‬

‫وإذا تحن لدتا إلى المجال الحيوي ومفهومه لند النازيين لوجدتا‬
‫أن القائمين للى ّئون الدلاية األلماتية يرسمون له في أبريل سنة‬
‫‪ , 1940‬أي قبل اتهيار فرت ا‪ ,‬صورة خالبة تبين بكل جالء ووضوح‬
‫توا يه االقتصادية واالستراتيجية وال ياسية‪:‬‬

‫‪176‬‬
‫«فالمجال الحيوي من النا ية االقتصادية هو تلك الو دة‬
‫الجغرافية التي لها من االت اع في رقعتها والتنوع في تكوينها االقتصادي‬
‫ما يهيئ للنازلين فيها م توى مقبوال من الحياة‪ .‬ولما كان تحقيل مثل هذا‬
‫االطمئنان االقتصادي مرهوتنا بقيام التعاون المنظم الذي ال غنى لنه‬
‫لتحقيل األهداف المشتركة ل اكني هذه الو دة‪ ,‬وجب أن تكون‬
‫م ا تها بالقدر الذي ي الد القوميات المتعاوتة مع بعضها البعض في‬
‫سياسة اقتصادية وا دة‪ ,‬للى االستغناء به لن الدول المتحكمة في‬
‫مصادر المواد األولية‪».‬‬

‫«والمجال الحيوي من النا ية االستراتيجية هو رقعة من األرض لها‬


‫من ات الها وبما فيها من مصادر الطاقة ال ريعة المنال‪ ,‬سواء ما يتصل‬
‫منها بالغذاء أو بالمواد األولية ما يهيئ ل اكنيها وسائل الحماية ضد أي‬
‫ت لط يمكن أن تعترضه لليهم أية و دة بحرية متجات ة‪ ,‬وبمعنى آخر‬
‫هو اتحاد تعاوتي ي تطيع المشتركون فيه الحصول للى مطالبهم الحيوية‬
‫من غير اجة إلى الم اومة مع أية قوة بحرية كبرى‪ ,‬وبذلك ي تطيعون‬
‫الوقوف مع الغير للى قدم الم اواة‪».‬‬

‫ن‬ ‫«أما النا ية ال ياسية فهو إقليم يمكن أن تؤدى سياسة «‬


‫الجوار» فيه إلى قيام الثقة المتبادلة بين الدول التي ترتبط مع بعضها‬
‫البعض برباط التعاون والتآخي‪ ,‬في ود التفاهم بينها وتقدم كل منها إلى‬
‫األخرى ّتى الضماتات للى دوام صداقتها‪ ,‬كما تتعهد كل منها بعدم‬
‫لقد االتفاقات أو المعاهدات الضارة بمصالح اآلخرين‪ ,‬وخاصة تلك‬

‫‪177‬‬
‫المحالفات التي تكون فيها هذه الدولة طرفنا ثاتينا مع دولة خارجة لن هذا‬
‫التعاون أو تكون لدة لها للى جاراتها‪ .‬ذلك ألته ال سبيل إلى قيام سلم‬
‫دائم وتبادل ر للتجارة العالمية إال بتنفيذ المناهج اإلتشائية للتكتالت‬
‫اإلقليمية تنفي نذا تدريجينا‪ .‬والضمان اإلقليمي هو األساا الو يد الذي‬
‫يمكن أن تقوم لليه دلائم ال الم العالمي والحرية الكاملة لدول العالم‬
‫(‪)1‬‬
‫كلها‪».‬‬

‫وقد صرح أدولف هتلر في إ دى زياراته لمدينة روما‪ ,‬وكان ذلك‬


‫منوها بصالت الصداقة القائمة‬
‫في ال ابع من ّهر مايو سنة ‪ ,1938‬ن‬
‫بين الدولتين فقال‪:‬‬

‫«وبهذا أمكننا أن تجمع في كتلة وا دة ماال يقل لن مائة ولشرين‬


‫مليوتنا من البشر‪ ,‬صحا لزيمتهم للى الدفاع لن جميع قوقهم‬
‫الداخلية وللى الذود لن أتف هم أمام تلك القوى التي قد تحدثها تف ها‬
‫بالوقوف في طريل رقيهم الطبيعي ‪ ...‬ول وف تعمل تلك الحدود للى‬
‫تهيئة أسباب الهناءة المرجوة من وراء هذا التعاون الدائم بين الشعبين‪,‬‬
‫وهو تعاون سلمي مأمون ب بب ما بين مجاليهما الحيويين من دود‪ ,‬قد‬
‫تكون فاصلة‪ ,‬ولكنها سوف تصبح قنطرة إليصال كل ما يحتاجان إليه من‬
‫لون وم الدة‪».‬‬

‫هذا ولم يخامر الفوهرر أدتى لبس فيما يقصده هو من المجال‬

‫(‪ )1‬تقـال لـن‪«Lebensraum» Facts in Review German Library of :‬‬


‫‪Information ll (April 15, 1940) P. 196.‬‬
‫‪178‬‬
‫الحيوي‪ ,‬فقد قال في ‪ 24‬فبراير سنة ‪:1940‬‬

‫«إتنا معشر األلمان ال مطمع لنا إطالقنا في الت لط للى هذا العالم‪,‬‬
‫وكل ما ترجوه هو أن تترج لنا الحرية الكاملة في مجالنا الحيوي‪ ,‬ذلك‬
‫المجال الذي سوف ال ت مح لكائن من كان أن يتدخل فيه‪».‬‬

‫والواقع أن الفكرة األساسية التي يقوم لليها كل بحث في ّأن‬


‫المجال الحيوي هي ذلك الترابط بين فئة من الشكان ودرجة تزايدهم من‬
‫تا ية وبين سعة الرقعة التي يعيشون فيها وقيمة أرضها من تا ية أخرى‪,‬‬
‫وفي هذا يقول هتلر في إ دى خطبه بمدينة «وليامز هافن»‪:‬‬

‫«لقد ظلا إتكلترا هذه ثالثمائة لام وهي تشير في ألمالها مجردة‬
‫من كل مظهر من مظاهر الفضيلة‪ ,‬واآلن وقد استكملا تضجها تراها‬
‫تحدثنا لن الفضيلة‪ ,‬لقد استطاع ال تة واألربعون مليوتنا من اإلتكليز‪ ,‬في‬
‫الفترة التي لاّوا فيها مجردين من كل معنى من معاتي العادلة‪ ,‬أن‬
‫يخضعوا ل لطاتهم ما يقرب من ربع م ا ة العالم كله‪ ,‬للى ين أن‬
‫الثماتين مليوتنا من األلمان قد كتب لليهم أن يعيشوا‪ ,‬من أجل فضيلتهم‬
‫مكدسين‪ ,‬كل مائة وأربعين منهم‪ ,‬في كيلو متر مربع وا د‪».‬‬

‫والمجال الحيوي في تظر هتلر ليس مجرد رقعة من األرض ت مح‬


‫ل اكنيها أن يعيشوا لليها متمتعين بكامل الحرية في تبادل ال لع وإتما‬
‫هي منطقة ّاملة يمارا الرايخ فيها كامل الحرية في كل ما يريد‪.‬‬

‫هذا ويتكون المجال الحيوي في رأي النازيين من مرا ل ثالث‪:‬‬


‫‪179‬‬
‫األولى وهي ذلك االرتباط العضوي بين اإلت ان وبيئته الطبيعية كتلك‬
‫الرابطة التي تقوم بين فالح األرض والتربة‪ ,‬ثم تلك القوة الكامنة التي‬
‫تو د بين ساللة بشرية واألرض التي تعيش لليها كتلك التي تقوم بين‬
‫وأخيرا الو دة الثقافية‪ ,‬وقد تتجاوز‬
‫ن‬ ‫الجنس األلماتي والتربة األلماتية‪.‬‬
‫الحدود االقتصادية للمجال الحيوي‪.‬‬

‫ويقوم المجال الحيوي في تظر النازيين للى أسس ثالثة‪ :‬أولها‬


‫االلتقاد الراسخ بتفوق ال اللة األلماتية للى كل من لداها بالتبارها‬
‫املة مشعل الحضارة اآلرية‪ ,‬وثاتيها قوة الجيش األلماتي في لالم‪,‬‬
‫الحل فيه للقوة‪ ,‬وثالثها ضيل رقعة الدولة األلماتية إذا ما قورتا بم ا ة‬
‫غيرها من الدول العظمى‪ .‬والمجال األلماتي في الواقع مجال مطاط ج ندا‬
‫ب فنون القتال الحديثة‪ ,‬وال غرو في هذا‬ ‫ينكمش ويت ع‬
‫فاأليدولوجية النازية لها فل فتها الخاصة التي تقوم للى إف اح الطريل‬
‫أمام كل ما هو واقعي ملموا من النا ية الع كرية‪ ,‬فتراهم مثال في‬
‫الكتب التي يقدموتها ألطفالهم يشيرون إلى أوربا الوسطى للى أتها‬
‫مؤخرا تى‬
‫ن‬ ‫مجالهم الحيوي‪ ,‬ولكن هذه الفكرة أخذت تنمو وتت ع‬
‫أصبح هذا المجال يشمل ّرق وجنوب ّرق وّمال ّرق القارة‬
‫األوربية‪ ,‬أي أن بالد أوكراتيا والبلقان وواليات بحر البلطيل أصبحا‬
‫داخلة ضمن دوده‪ ,‬ال بل سرلان ما أصبح االتدفاع إلى الشرق ‪Drang‬‬
‫‪ nach Osten‬لامال أساسينا في األيدولوجية النازية‪.‬‬

‫والواقع أن كل ما يتصل بفكرة المجال الحيوي لند الدول‬

‫‪180‬‬
‫المحورية ال يزال محوطنا بالشك والغموض‪ .‬لمن هذا المجال؟ إن ّعوب‬
‫أوربا المقهورة تنظر إليه للى أته مجال موتها ‪ .Todesraum‬وفي هذا‬
‫يقول «أّعيا بومان» الجغرافي الذائع الصيا‪:‬‬

‫«إن ما ت ميه الحدود العضوية (البشرية) أمر ال يمكن الت ليم به‬
‫من النا ية اإلقليمية‪ ,‬ولهذا كاتا فل فة المجال الحيوي فل فة مطعوتا‬
‫فيها كتلك التي ترتكز للى األساتيد التاريخية أو الضرورات الحربية‪ ,‬وإن‬
‫دودا ترسم بقصد ت وية المطالب القومية وإيجاد التوازن في المنافع‬
‫ن‬
‫االقتصادية لكل دولة‪ ,‬لهي دود لارضة مقضى لليها بالزوال ال ريع‪.‬‬
‫إن قوة األمم‪ ,‬كقوة األفراد‪ ,‬تتكون‪ ,‬إلى درجة كبيرة‪ ,‬من أّياء غير‬
‫(‪)1‬‬
‫ملموسة ال يمكن إخضالها للمعايير اإل صائية»‪.‬‬

‫تجم لن ا تالل «ألماتيا» لكل من «بوهيميا» و«مورافيا» أن‬


‫اتحدت الدول التي كاتا تشعر بالخوف من الغزو األلماتي في «جبهة‬
‫سلمية» وا دة‪ .‬كذلك قطعا كل من «فرت ا» و«إتكلترا» له ندا بتقديم‬
‫الم الدة المتبادلة لكل من «بولندا» و«تركيا» مع ضمان الم الدة‬
‫الفردية «لليوتان» و«روماتيا»‪ .‬وكاتا لالقة «ألماتيا» «ببولندا» في هذه‬
‫األثناء ت ير من سيء إلى أسوأ‪ ,‬ذلك ألن «الفوهرر» لمد إثر ا تالله‬
‫لمدينة «براغ» إلى المطالبة بإرجاع مدينة «داتزج»‪ ,‬وإلى ال ماح‬
‫«أللماتيا» بإتشاء خطوط مواصالت منتظمة لبر الدهليز البولندي‪ ,‬لربط‬
‫«ألماتيا» ببروسيا الشرقية‪ ,‬وكاتا هناج مشكلة أخرى هي مشكلة‬

‫‪(1) Isaiah Bowman: The New World (New York 1928) P. 226.‬‬
‫‪181‬‬
‫األلمان النازلين في «بوالتدا» ولددهم الحقيقي والي المليون موزلين‬
‫في الواليات المختلفة وخاصة في «يوزن ‪ ,»Posen‬و«بومرز‬
‫‪ ,»Pomorze‬و«سيليزيا ‪ .»Silesis‬ولكن األلمان ادلوا أتهم يبلغون‬
‫‪ 1.700.000‬للى ين قرر البولنديون أتهم ‪ 800.000‬فقط‪ .‬أما‬
‫«داتزج» وغالبية سكاتها من األلمان فكاتا قد سلخا من «الرايخ»‬
‫وألطيا «لبوالتد» لتكون منف نذا بحرينا لها إلى بحر البلطيل‪.‬‬

‫أللن «هتلر» في الثامن والعشرين من ّهر أبريل سنة ‪,1939‬‬


‫إلغاء معاهدة لدم االلتداء التي كاتا بينه وبين «بوالتدا»‪ ,‬كما أللن‬
‫ضا إلغاء المعاهدة البحرية اإلتكليزية األلماتية‪ .‬وفي الثامن والعشرين‬
‫أي ن‬
‫من ّهر مايو من تفس ال نة أبرما في «برلين»‪ ,‬بين «إيطاليا»‬
‫و«ألماتيا» ‪ ,‬معاهدة هجومية دفالية الغرض منها إلادة بناء الحضارة‬
‫األوربية للى أسس من «العدالة» وإيجاد «المجال الحيوي» لكل من‬
‫الحليفتين‪ .‬وفي الثالث والعشرين من أغ طس أبرما «ألماتيا» مع‬
‫«الروسيا» معاهدة لدم االلتداء‪ ,‬وفيها يتعهد الطرفان المتعاقدان‬
‫باالمتناع لن القيام بأي لمل لدواتي تحو بعضهما وبالتشاور في كل ما‬
‫م كل تزاع قد ينشأ بينهما‬ ‫يمس مصالحهما المشتركة والعمل للى‬
‫بالطرق ال لمية‪.‬‬

‫وكاتا المفاوضات الدائرة بين «بريطاتيا» و«ألماتيا» بشأن‬


‫«بولندا» قد قاربا النهاية‪ ,‬ولكن الدالئل كاتا تشير كلها إلى أن‬
‫«هتلر» قد وطد العزم للى تحقيل أهدافه في «بوالتدا» مهما كاتا‬

‫‪182‬‬
‫الظروف‪ ,‬و تى لو أدى به األمر إلى الدخول في رب لالمية‪ .‬وفعال‬
‫اول أن يحمل إتكلترا للى إقناع بوالتدا بقبول ميوتخ أخرى؛ وذلك بأن‬
‫ترسل (بوالتدا) مندوبنا لنها إلى برلين لعقد اتفاق مع ألماتيا‪ ,‬وكان‬
‫«ريبنتروب» قد أ كد لهتلر أن إتكلترا سوف ال تحارب مهما كاتا‬
‫الظروف‪.‬‬

‫وفي الثالثين من ّهر أغ طس سنة ‪ 1939‬رأينا «ريبنتروب» وزير‬


‫الخارجية األلماتية يذهب إلى ال ير «تيفيل هندرسون»‪ ,‬ال فير‬
‫البريطاتي‪ ,‬ويقرأ لليه ب رلة فائقة مذكرة باللغة األلماتية تحتوي للى‬
‫سا لشرة تقطة ثم يرفض في تهايتها أن ي لمه ت خة منها بحجة أن‬
‫المولد المقرر قد اتقضى‪ ,‬وأن الليل قد اتتصف ولم يحضر المفاوض‬
‫البولندي إلى برلين بعد‪ .‬وألقبا ألماتيا هذا بأن أذالا في اليوم التالي‬
‫‪ 31-‬أغ طس‪ -‬تص المذكرة ذات ال ا لشرة تقطة والتي لم يكن‬
‫لبوالتدا للم بها‪ .‬إن المذكرة في د ذاتها كاتا كريمة في بعض‬
‫ّروطها‪ ,‬فهي وإن كاتا قد طلبا إلى بوالتدا ت ليم ميناء داتزج‪ ,‬فقد‬
‫سمحا لها باال تفاظ بميناء «جدينا ‪ ,Gydnia‬واقتر ا لمل استفتاء‬
‫في الممر البولندي للى أن تمنح الدولة التي يأتي االستفتاء في غير‬
‫مصلحتها جميع الت هيالت التي قد تحتاج إليها مواصالتها لبر هذا‬
‫الممر‪ ,‬غير أن الظروف التي أ اطا بعرض وتشر هذه المذكرة تحمل‬
‫كلها للى الشك في إخالص ألماتيا و ن تواياها‪ ,‬ذلك ألته ما كادت‬
‫دقات ال الة الخام ة من يوم أول سبتمبر سنة ‪ 1939‬تنتهي‪ ,‬تى‬
‫كاتا الجيوش األلماتية قد تحركا زا فة للى بوالتدا‪ ,‬كما سارلا كل‬
‫‪183‬‬
‫من إتكلترا وفرت ا في اليوم الثالث منه بإلالن الحرب للى ألماتيا‪.‬‬

‫وكاتا بوالتدا لند رسم سياستها الخارجية قد لمدت إلى تحقيل‬


‫هدفين‪ :‬أولهما المحافظة للى إقامة «التوازن»‪ ,‬وذلك بالوقوف س ندا‬
‫ائالن بين كل من ألماتيا والروسيا‪ ,‬وثاتيهما الحصول للى العون الخارجي‬
‫إ ذا ما قاما إ دى هاتين الدولتين بمهاجمتها‪ ,‬ولم يغب لنها في أي‬
‫وقا من األوقات أن ربنا تنشب بين هاتين الدولتين‪ ,‬أو ل نفا يعقداته‪,‬‬
‫سوف استقاللها للضياع‪ .‬وقد دث ما توقعته‪ ,‬ففي أقل من ثالثة أسابيع‬
‫غزوا كامالن‪.‬‬
‫كاتا قاذفات القنابل األلماتية قد مهدت الطريل لغزو البالد ن‬
‫وكاتا الجيوش الروسية قد بدأت تجتاح المناطل الشرقية منذ ال ابع‬
‫لشر من ّهر سبتمبر‪ .‬وقبل أن ينتهي هذا الشهر‪ ,‬وفي الثامن والعشرين‬
‫منه للى وجه التحديد‪ ,‬أبرما المعاهدة األلماتية الروسية التي لين‬
‫بموجبها الحد الفاصل بين أمالج هاتين الدولتين في األراضي البولندية‪,‬‬
‫فأصبحا ألماتيا مالكة للق م الغربي –وغالبية سكاته من البولنديين‪-‬‬
‫للى ين أن الق م الشرقي الذي ضمته الروسيا إلى أمالكها كان سواد‬
‫ال كان فيه من الروا البيض واألوكراتيين‪ ,‬وبلغا جملة من ضمتهم‬
‫ألماتيا إليها ‪ 21‬مليوتنا من النفوا‪ ,‬ومن ضمتهم الروسيا ‪ 14‬مليوتنا‪ ,‬لدا‬
‫تصف مليون كان ينزل في المنطقة الواقعة ول مدينة «فلنا» التي‬
‫استولا لليها «لتواتيا»‪.‬‬

‫هذا ولقد وجدت كل من الروسيا وألماتيا في هذا التق يم الرابع لبوالتدا‬


‫الفرصة المناسبة لتحقيل سياستهما التقليدية إزاء البولنديين‪ ,‬وهي سياسة‬

‫‪184‬‬
‫«الضم فالت لط» من جاتب روسيا‪ ,‬وسياسة «الت لط فاإلبادة» من جاتب‬
‫ألماتيا‪ ,‬إذ أن هذه األخيرة ما كادت تتولى للى األراضي البولندية تى‬
‫تابعا لها قبل الحرب العالمية‬
‫ق متها ق مين‪ :‬الق م الغربي وهو الذي كان ن‬
‫األولى‪ ,‬وقد ألادته مع مدينة داتزج الحرة إلى ظيرة الرايخ‪ ,‬ثم الق م‬
‫الشرقي وقد تظما له إدارة خاصة أطلل لليها اسم « كومة بولندا العامة»‬
‫وألطيا رئاستها للدكتور «هاتز فراتك» ‪.Dr. Hans Frank‬‬

‫اتتها الحرب الخاطفة ‪ Blitzrieg‬في بوالتدا وألقبتها في الثامن‬


‫والعشرين من سبتمبر سنة ‪ 1939‬فترة الحرب ال اكنة ‪ Sitzkrieg‬التي‬
‫استمرت من هذا التاريخ تى ‪ 9‬أبريل سنة ‪ ,1940‬وكاتا إتكلترا‬
‫وفرت ا خالل هذه الفترة مطمئنتين إلى منعه خط «ماجينو»‪ ,‬وإلى‬
‫الحصار البحري الذي ضربتاه للى الرايخ وزادهما اطمئناتنا تلويح هتلر‬
‫في ال ادا من ّهر أكتوبر بالصلح أمام الريش تاغ كما تراه في الثامن‬
‫من ّهر توفمبر وهو ينجو بألجوبة من االتفجار الذي دث في أ د‬
‫مشارب البيرة بمدينة ميوتخ‪.‬وا تلا الروسيا المركز الرئي ي في م رح‬
‫الحوادث األوربية في الفترة من ‪ 30‬توفمبر سنة ‪ 1939‬تى ‪ 12‬مارا‬
‫سنة ‪ 1940‬ب بب ربها مع فلندا‪ .‬وكان أثر سياسة الضم والت لط‬
‫التي سارت لليها الروسيا في بولندا‪ ,‬وما قاما به من ضم واليات‬
‫البلطيل و ربها مع فنلدا‪ ,‬أن بدأ الناا يتحدثون لن «االستعمار‬
‫ال وفيتي»‪.‬‬

‫وفي التاسع من ّهر أبريل سنة ‪ ,1940‬أتها ألماتيا هذه الحرب‬

‫‪185‬‬
‫ال اكنة تهاية فجائية‪ ,‬فقد بدأت تتطلع إلى ما في مناجم ّمال ال ويد‬
‫من ديد خام ممتاز‪ ,‬كان الرايخ في م يس الحاجة إليه‪ ,‬كما أراد‬
‫الفوهرز في الوقا تف ه أن يحكم الدائرة للى أ د جنا ي إتكلترا‬
‫با تالله لشبه جزيرة اسكندتاوة‪ ,‬التي إلى جاتب ما فيها من مناجم‬
‫للحديد الخام سوف تحدث بعد ا تالله لها ثغرة في تطاق الحصار‬
‫الذي ينوى الحلفاء ضربه الرايخ‪ .‬وكان الحلفاء في الوقا تف ه يعدون‬
‫لدتهم إل كام هذا الحصار‪ ,‬وفعالن بدأت إتكلترا منذ ّهر أبريل تثبا‬
‫األلغام في لدة مواقع للى طول ال ا ل النرويجي لتحول دون كل‬
‫اتصال بحري بينها (النرويج) وبين ألماتيا‪ .‬ولكن الحملة الع كرية التي‬
‫ألدها النازيون لغزو البالد اإلسكندتافية كاتا إذ ذاج في طريقها إليها‪,‬‬
‫ففي ال الة الخام ة والربع من صباح ‪ 9‬أبريل سنة ‪ 1940‬دخلا‬
‫الجيوش األلماتية بالد الداتمرج غازية‪ ,‬واضطر الملك كرستيان –أمام‬
‫هذه القوات الكاسحة‪ -‬أن ي لم بالدهن وفي ال الة الرابعة من بعد‬
‫ظهر تفس اليوم‪ ,‬سقطا مدينة أوسلو لاصمة النرويج في أيديهم وفر‬
‫الملك هاكون إلى همار ‪ ,Hamar‬وإذ ذاج لبأت ال ويد جيوّها معلنة‬
‫في الوقا تف ه لزمها للى التزام سياسة الحياد‪ ,‬وسارلا القوات‬
‫اإلتكليزية للى أثر هذا إلى ا تالل جزائر فارو كما أللنا كل من‬
‫أي لند وجرينالتد قطع كل صلة لهما بالدتمرج –وكاتتا تابعتين لها‪-‬‬
‫وأدلى «وت تن تشرّل» وزير البحرية البريطاتية إذ ذاج بالتصريح اآلتي‬
‫«في التقادي أن هتلر بغزوه بالد اسكندتاوة ارتكب خطأ سياسينا‬
‫واستراتيجينا ال يقل في ج امته هما ارتكبه تابليون في سنة ‪1807‬‬

‫‪186‬‬
‫لندما غزا أسباتيا»‪.‬‬

‫ولما كاتا ألماتيا قد أتزلا قواتها في تارفيك ‪ ,NarvikK‬وترتدهيم‬


‫‪ Trondheim‬وبرجن ‪ ,Bergen‬وستافنجر ‪ ,Stavanger‬وكرستيان ساتد‬
‫‪ Kristiansand‬فقد سارلا إتكلترا هي األخرى بإتزال جنودها في‬
‫تام وا ‪ Namsos‬وأتدال نز ‪ Aandalsnes,‬وللى مقربة من «تارفك»‬
‫تف ها‪ .‬هذا المناطل ال ا لية‪ ,‬أما في الداخل فقد استمرت القوة‬
‫القادمة من أوسلو في ز فها ّماالن‪ ,‬والقوات المحتلة للمواتئ الغربية في‬
‫ز فها صوب الشرق تى تالقا القوتان في الثالثين من ّهر أبريل‬
‫‪Aandalsnes,‬‬ ‫فاضطر اإلتكليز في أول مايو إلى إخالء كل من‬
‫‪ , Namsos‬كما فر الملك هاكون إلى إتكلترا واست لم الجيش النرويجي‬
‫زليما للنرويجيين‬
‫لن آخره‪ ,‬وأقام الماجور «كوتبرلنج» من تف ه ن‬
‫ومتحدثنا باسمهم‪.‬‬

‫ويعزى فشل الحلفاء في الحملة النرويجية إلى لوامل لدة‪ :‬منها‬


‫التفوق الجوي لأللمان‪ ,‬وتشاط الطابور الخامس‪ ,‬وإ جام الحلفاء لن‬
‫وأخيرا‬
‫المخاطرة بقواتهم البحرية في مضايل أسكاجواج وفيورد تورتدهيم‪ ,‬ن‬
‫إلى الخطة الباهرة التي ألدها األلمان لهذه الحملة‪ .‬وكاتا تشمبرلن إذ‬
‫ذاج تتأرجح‪ ,‬ولند طرح الثقة بها لم تحصل إال للى ‪318‬صوتنا للى‬
‫ين بلغ لدد األصوات المعارضة لها ‪ 200‬صوت‪ ,‬ومن ثم أ ذفا‬
‫المحافل ال ياسية تردد اسم وت تن تشرّل للى أته ّخصية ذات‬
‫صفات تنفيذية وقوة كامنة هائلة‪.‬‬

‫‪187‬‬
‫وكان اتتصار النازيين في اسكندتاوة فاتحة ل ل لة متوالية من‬
‫االتتصارات في مختلف الميادين‪ :‬ففي العاّر من ّهر مايو أذاع هتلر‬
‫للى جيوّه أمره اليومي التالي‪:‬‬

‫(لقد كان هدف الحكومتين الفرت ية واإلتكليزية في الثالثمائة سنة‬


‫األخيرة منع كل اتحاد وتماسك بين الو دات التي تتكون منها القارة‬
‫األوربية مع اإلبقاء –قبل كل ّيء‪ -‬للى الة الضعف والعقم التي‬
‫وصلا إليها ألماتيا‪ ..‬أجل لقد كان كل همها تمزيل أوصال ألماتيا‬
‫وتحويلها إلى إمارات صغيرة‪ ,‬إذ في هذا و ده يكون القضاء للى كل‬
‫تفوذ سياسي للرايخ‪ ..‬إن القتال الذي يبدأ اليوم سيقرر و ده أقدار‬
‫الشعب األلماتي في األلف سنة القادمة)‪.‬‬

‫وفي فجر هذا اليوم بالذات دخلا جيوّه غازية في لك مبرج‬


‫واألراضي الواطئة وبلجيكا‪ .‬ولم تبد لك مبرج أدتى مقاومة واكتفا‬
‫دوقتها «ّارلوت» بالهرب إلى فرت ا‪ .‬كذلك تمكنا جنود المظالت‬
‫التي هبطا قبل مطلع الفجر في كل من هولندا وبلجيكا من ا تالل‬
‫جميع المطارات‪ ,‬وتقدما الفرق المدرلة لبر الحدود تكت ح كل ما في‬
‫طريقها‪ .‬وفي الوقا تف ه كاتا جمالات الطابور الخامس تعمل للى‬
‫تشر الرلب في تفوا األهلين‪ ,‬وسارع ‪ Van Kleffens‬وزير خارجية‬
‫هوالتدا فأرسل إلى سفيري بالده في كل من لندن وباريس بفض أختام‬
‫التعليمات ال رية التي كاتا يحتفظان بها لمثل هذه الظروف الحرجة والتي‬
‫أّير فيها إلى الغز األلماتي بلفظة ‪ Schreckhchkeit‬ومعناها المفزع‬

‫‪188‬‬
‫المخيف وهي أدق ما كان ينعا به‪ .‬لقد تأخر ت ليم مدينة روتردام بعض‬
‫الوقا ولكن ما أصابها من التدمير والتخريب يفوق كل وصف‪ ,‬فقد‬
‫استمرت الطائرات تمطرها بقنابلها مدة سالتين وتصف سالة‪ ,‬تحول‬
‫بعدها أكثر من ربع هذه المدينة العظيمة إلى خرائب وأتربة تركا من‬
‫ورائها لشرين أل نفا من جثث أهليها لتلتهمهم النيران التي اتدلعا فيما‬
‫تبقى من مباتيها‪ ..‬وقبل أن تغيب ّمس ‪ 14‬مايو أصدر الجنرال‬
‫‪ Winkelman‬قائد الجيوش الهولندية‪ ,‬أمره إلى جنوده بالتوقف لن‬
‫القتال‪ ,‬وهربا األسرة المالكة والوزارة إلى لندن‪ ,‬ومن هذه المدينة‬
‫أذالا الملكة بعد أيام قليلة للى ّعبها بياتنا تدلوهم فيه إلى الوالء‬
‫لشعار بيا أوراتج‪ ,‬وّعار هولندة‪ ,‬بل وّعار تلك الكتلة العظيمة من‬
‫دول العالم التي امتشقا الح ام لتدافع لما هو أثمن من الحياة تف ها‪:‬‬
‫أال وهو سأظل محافظنا ‪( I Shall maintain‬تص الشعار الهولندي)‪.‬‬

‫وفي خالل هذه األيام القليلة كاتا الجيوش األلماتية تتقدم في‬
‫األراضي الفرت ية والبلجيكية مكت حة كل ما يصادفها‪ ,‬ف قطا‬
‫بروك ل في ‪ 17‬مايو وأتفرا في اليوم التالي‪ ,‬ثم‪ :‬ارآسن وأمين‪ ,‬واينيل‪,‬‬
‫في الحادي والعشرين واتشطرت قوات الحلفاء ّطرين‪ ,‬أ دهما ّمال‬
‫تهر ال وم وهو الحملة البريطاتية ومعها الجيش البلجيكي وبعض الفرق‬
‫الفرت ية‪ ,‬والثاتي جنوبه ويتكون من بقية جيش فرت ا‪ .‬وقد اضطررت‬
‫الوزارة البلجيكية إلى الفرار من البالد فذهبا أوالن إلى دتكرج ومنها إلى‬
‫لندن ثم لادت إلى باريس‪ .‬وأصدر الملك ليوبولد –رغم معارضة الوزارة‬
‫له‪ -‬أمره إلى الجيش البلجيكي بالكف لن القتال والت ليم للعدو‪ .‬وكان‬
‫‪189‬‬
‫ذلك يوم ‪ 28‬مايو‪ ,‬واتتها معركة فالتدرز بات حاب اإلتكليز إلى ميناء‬
‫دتكرج خالل الفترة من ‪ 29‬مايو إلى ‪ 3‬يوتية‪.‬‬

‫رجا من سالة إلى التي تليها‪,‬‬


‫أما في فرت ا فكاتا األ وال تزداد ن‬
‫ذلك ألن األلمان وجهوا إليها أضخم مصفحاتهم قادمة لبر «لك مبرج»‬
‫وجنوب بلجيكا وهضبة األردن‪ ,‬ف قطا سيدان في ‪ 14‬مايو ولين‬
‫يبتان تائبنا لرئيس الوزارة في ‪ 18‬منه؛ كما لين «فيجان ‪ »Weygand‬في‬
‫اليوم التالي محل جاميالن قائ ندا لجيوش فرت ا فأقام خطنا للدفاع‪ ,‬لرف‬
‫باسمه في جنوبي تهر ال وم‪ .‬ثم بدأت معركة فرت ا في الخامس من‬
‫ّهر يوتية‪ ,‬يدافع فيها أربعون فيل نقا فرت ينا لن بالدهم ضد مائة فيلل‬
‫ألماتي‪ .‬وكان طبيعينا أن تنهار صون فرت ا ومدتها الوا دة تلو األخرى‬
‫أما هذه القوات الهائلة ف قطا روان وسواسون وكمبين؛ وهربا‬
‫الحكومة الفرت ية إلى تور ومنها بوردو؛ ثم استققر بها في المقام في‬
‫فيشي‪ .‬كذلك تمكن األلمان من اختراق خط ماجينو فيما جنوب مدينة‬
‫وأخيرا سقطا باريس في أيديهم في ال ادا‬ ‫ن‬ ‫ساريروكن جبال الفوج‪,‬‬
‫لشر من ّهر يوتية‪ ,‬وفي تفس اليوم قررت الوزارة أن تتقدم إلى األلمان‬
‫طالبة الصلح‪ ,‬وأن يتولى بيتان الرئاسة بدالن من رينو‪ .‬وفعالن تقدما الوزارة‬
‫في الم اء طالبة الهدتة‪ ,‬واجتمع هتلر وموسوليني من أجل ذلك في‬
‫مدينة ميوتخ في ‪ 18‬يوتية‪ .‬وفي العشرين منه سلما إلى فرت ا الشروط‬
‫التي فرضتها ألماتيا لقبول الهدتة‪ ,‬وكان ت ليمها في لربة الطعام‬
‫الموجودة في كمبين وهي تفس العربة التي سلم فيها المارّال فوش‬
‫الفرت ي ّروط الحلفاء لعقد الهدتة مع ألماتيا المهزومة في سنة‬
‫‪190‬‬
‫‪ . 1918‬ال بل وللى بعد خطوات قليلة من هذه العربة كاتا تقوم لو ة‬
‫تذكارية فرت لليها العبارة اآلتية‪:‬‬

‫«هنا وفي الحادي لشر من ّهر توفمبر سنة ‪ 1918‬قضى للى‬


‫ذلك الكبرياء اإلجرامي الذي كان للرايخ األلماتي وإمبراطورتيه‪ ,‬بعد أن‬
‫هزمته الشعوب التي اول استعبادها»‪.‬‬

‫قصدت ألماتيا من وراء الشروط التي فرضتها لعقد الهدتة أن تحول‬


‫بين فرت ا وبين استئناف القتال‪ ,‬وأن تهيئ للرايخ الضماتات الكافية‬
‫وأخيرا «وضع األسس التي تمكنها من‬
‫ن‬ ‫لمتابعة الحرب ضد اإلتكليز‪,‬‬
‫لقد صلح يرمي في الدرجة األولى إلى تعويض ألماتيا لما لحقها من‬
‫أضرار ب ب تعنا الخلفاء معها في الحرب األولى»‪ .‬وقبلا فرت ا هذه‬
‫الشروط ووقعا الهدتة في ‪ 22‬يوتية للى أن يتوقف القتال بعد مضي‬
‫سا سالات من توقيع هدتتها مع إيطاليا‪ ,‬ولما كاتا هذه لم توقع إال‬
‫في الربع والعشرين‪ ,‬فال لم لم يعد إليها (أي فرت ا) والحالة هذه إال في‬
‫الخامس والعشرين من يوتية ‪.1940‬‬

‫ددت الهدتة األراضي التي يحل أللماتيا ا تاللها‪ ,‬كما تصا للى‬
‫ت ليم جميع األسلحة ومهمات القتال التي كاتا ال تزال في وزة فرت ا‬
‫وللى ت ريح كل القوات المحاربة وت ليم جميع أسرى الحرب‬
‫وأخيرا للى أن تصدر فرت ا أمرها إلى جميع سفنها الحربية‬
‫ن‬ ‫األلماتيين؛‬
‫«بااللتجاء إلى المواتئ التي تحدد لها‪ ,‬وأن تظل هناج خاضعة للرقابة‬
‫األلماتية واإليطالية بعد تجريدها من سال ها وتعطيل آالتها‪ ,‬وذلك‬
‫‪191‬‬
‫باستثناء الو دات التي قد ي مح للحكومة الفرت ية باستخدامها في‬
‫ماية مصالحها فيما وراء البحار»‪ .‬وتعهدت ألماتيا في مقابل هذا أال‬
‫ت تخدم األسطول الفرت ي في أغراضها الحربية وأال ت تولي لليه لند‬
‫إبرام الصلح‪.‬‬

‫أما الهدتة التي لقدت ها مع إيطاليا‪ ,‬فقد تص فيها للى إرجاع خط‬
‫مترا داخل رقعة فرت ا في‬
‫الحدود بين الدولتين بمقدار خم ين كيلو ن‬
‫أوربا وفي كل من توتس والجزائر في متاخمة ليبيا وللى طول سا ل‬
‫الصومال الفرت ي‪ ,‬وأن تتنازل فرت ا إليطاليا لن سكة ديد جيبوتي‪-‬‬
‫أديس بابا‪ ,‬وأن تزيل جميع التحصينات القائمة في مواتئ طولون وبيزرته‬
‫وأجاك يو ووهران‪.‬‬

‫ويعلل البا ثون اتهيار فرت ا بعدة أسباب‪ :‬فهناج التفكك في داخل‬
‫واضحا في مناواة ديالدييه رئيس الوزارة‬
‫ن‬ ‫الحكومة الفرت ية تف ها مما بدا‬
‫لرينو (رئيس الجمهورية)‪ ,‬وقد ظهر هذا االتحالل لند التصويا للى‬
‫قبول الهدتة أو رفضها‪ ,‬فقد وافل للى القبول ثالثة لشر من بينهم بيتان‪,‬‬
‫لضوا بما فيهم ربنو للى الرفض‪ .‬هذا إلى أن الطبقات‬
‫وأصر أ د لشر ن‬
‫التي يمثلها الفال كاتا خائفة وجلة من الشيولية أكثر من خوفها من‬
‫الفاّ تية‪ .‬وثمة لامل ثالث‪ ,‬وهو ما أدخله قواد فرت ا في تفوا‬
‫الشعب من منعة خ ط ماجينو الذي لم يلبث أن اتهار تى اتهارت معه‬
‫وأخيرا كاتا هناج الدلاية التي ظلا ألماتيا تنشرها‬
‫ن‬ ‫جميع الضماتات‪,‬‬
‫بين طبقات الشعب تى كان لها في النهاية ما أرادت من خوار في‬

‫‪192‬‬
‫رب‬ ‫األلصاب وبلبلة في األفكار أو ما ي ميه بعض الكتاب‬
‫األلصاب‪ ,‬وي ميه الحربيون «إستراتيجية الهلع والفزع» ‪Strategy of‬‬
‫‪ .Terror‬فما كادت تغير الطائرات األلماتية للى مدن فرت ا تى خرج‬
‫سكاتها هلعين يحاولون الفرار‪ ,‬وتكدسا جمولهم في الطرق والم الك‬
‫فالترضوا رية تنقل الجنود ومهمات القتال‪ ,‬وإلى جاتب هذه العوامل‬
‫كلها كاتا برالة األلمان في فنون القتال وأساليبه‪ ,‬فمن تجمعات هائلة‬
‫للطائرات المغيرة؛ إلى إتزال جنود المظالت وراء خطوط القتال‪ ,‬ومن‬
‫فيالل خاصة مجهزة بالمصفحات الضخمة إلى فرق للمشاة مزودة‬
‫بال يارات وكافة مهمات القتال الميكاتيكية ومن وراء هذه كلها تنظيمات‬
‫صنالية بلغا د الكمال‪ ,‬وتن يقات ل كرية دقيقة تقوم بها كومة‬
‫مركزية قوية في مدينة برلين‪.‬‬

‫اتتهزتن إيطاليا فرصة الهزائم المتوالية التي منيا بها كل من إتكلترا‬


‫وفرت ا فدخلا الحرب في ‪ 10‬يوتية سنة ‪ 1940‬إلى جاتب ألماتيا‪,‬‬
‫تبغي تحقيل ما طالما تاقا إليه تحقيقه من مصالح لها في توتس وفي‬
‫قنال ال ويس والمضايل‪ ,‬وكان النواب اإليطاليون قد أظهروا‪ ,‬من قبل‪,‬‬
‫ماسا‬
‫ن‬ ‫في إ دى جل ات مجل هم النيابي (‪ 30‬توفمبر سنة ‪)1939‬‬
‫ّدي ندا في المطالبة بتوتس‪ ,‬وكورسيكا‪ ,‬وتيس‪ ,‬وسافوى‪ ,‬وذلك للى‬
‫م مع من الم يو أتدريه فرات و بوت يه ‪André François Poincet‬‬
‫اضرا تلك الجل ة‪.‬‬
‫ن‬ ‫ال فير الفرت ي الذي كان‬

‫ومع أن إيطاليا أبرما اتفاقها مع ألماتيا في الثاتي والعشرين من‬

‫‪193‬‬
‫ّهر مايو سنة ‪ ,1939‬فقد ظل م لكها في الفترة التي سبقا دخولها‬
‫الحرب محاطنا بالشيء الكثير من الغموض‪ ,‬وإن كان مما ال ّك فيه أن‬
‫كثيرا في الفترة التي تخلقا فيها إيطاليا لن دخول‬
‫روما وبرلين استفادتا ن‬
‫الحرب‪ .‬ولقد تشب إذ ذاج خالف بين إتكلترا وإيطاليا ب بب ما قاما‬
‫به األولى من جز ثالث لشرة سفينة إيطالية كاتا تحمل ‪100.000‬‬
‫طن من الفحم في طريقها إلى ألماتيا‪ ,‬ومع أن هذا الخالف سوى في‬
‫ينه فإن إيطاليا لم ت تطع إخفاء ميولها طويالن‪ ,‬ففي ّهر أبريل قوبلا‬
‫أخبار االتتصارات األلماتية في ّبه جزيرة إسكندوتاة بفرح لظيم في‬
‫مدينة روما‪ .‬ورأت إتكلترا قبل تهاية هذا الشهر أن تغير طريل سير أكبر‬
‫لدد من سفنها التي التادت المال ة في البحر األبيض المتوسط متخذة‬
‫لها م الك أخرى ولقد بذل الرئيس روزفلا تف ه م عاه في إقناع‬
‫الدوتشي بعدم دخول الحرب‪ ,‬ولو ا له كل من إتكلترا وفرت ا ببعض‬
‫العروض للى سبيل الرّوة‪ ,‬ولكنه‪ ,‬وقد رأى أن هزيمة الحلفاء أصبحا‬
‫محققة‪ ,‬أصر للى النزول إلى لبة النزاع‪.‬‬

‫اتجها أتظار العالم كله ينذاج إلى إتكلترا‪ ,‬وفي الثامن لشر من‬
‫ّهر يوتية وجه تشرّل تداءه إلى جميع ّعوب اإلمبراطورية‪ ,‬وفيه يقول‪:‬‬

‫«إن المعركة التي سماها الجنرال فيجان معركة فرت ا قد اتتها‪,‬‬


‫ولما قريب تبدأ معركة بريطاتيا‪ ,‬وهي المعركة التي تتوقف لليها ياتنا‬
‫تحن البريطاتيين إذا كان من الممكن اال تفاظ بأتظمتنا وإمبراطوريتنا‬
‫طويالن‪ .‬إن العدو سوف يوجه إلينا كل ما أوتي من قوة وسوف يمطرتا‬

‫‪194‬‬
‫بجام غضبه‪ ,‬وليس أمامنا اآلن إال أن تعد أتف نا ألداء واجبنا بكل ما‬
‫أوتينا من ّجالة وأن تظهر بالمظهر الجديد بنا‪ ,‬تى إذا ما قدر‬
‫لمجمولة األمم البريطاتية وإمبراطوريتها أن تظل قائمة ألف سنة أخرى‬
‫ف وف يذكر أبناؤها هذه ال الة للى أتها ألظم سالة في سجل‬
‫تاريخهم‪».‬‬

‫وكان لإلتكليز لندما بدأت معركة بريطاتيا أكبر أسطول بحري في‬
‫العالم كله‪ ,‬وكان هذا األسطول قد هزم األسطول األلماتي في بحر‬
‫الشمال كما ضيل الخناق للى الطراد «جراف سبا» تى اضطره إلى‬
‫إغراق تف ه في مياه موتا فيديو‪ ,‬كذلك أمكنه إضعاف األسطول‬
‫الفرت ي بما أسره أو اتضم إليه من و داته وخاصة ما كان منها في ميناء‬
‫وهران‪ ,‬وكان قد أتزل بعض الضربات القاصمة باألسطول اإليطالي في‬
‫خليج تورتتو وفي الق م الشرقي من البحر المتوسط‪ .‬هذا ولم تنج‬
‫البحرية البريطاتية من بعض الخ ائر فقد خ رت املة الطائرات‬
‫‪ Courageous‬في ‪ 17‬سبتمبر سنة ‪1939‬ن والمدرلة رويال أوج‬
‫‪ Royal Oak‬في ‪ 14‬أكتوبر من تفس ال نة؛ ومع ذلك ظلا فرق‬
‫بريطاتيا البحرية سليمة وزادها قوة تنازل الواليات المتحدة لها لن‬
‫خم ين مدمرة في مقابل القوالد التي كاتا لإلتكليز في المياه‬
‫األمريكية‪ ,‬كما استفاد أسطولها التجاري بما اتضم إليه من سفن النرويج‬
‫وهولندا وبلجيكا‪ .‬والواقع أن البحرية اإلتكليزية أمكنها تى ّهر أكتوبر‬
‫سنة ‪ 1940‬أن توازن خ ائرها بما صلا لليه من و دات لن طريل‬
‫الشراء أو االستيالء أو البناء‪.‬‬
‫‪195‬‬
‫بدأ هتلر هجومه للى بريطاتيا بما وجهه إليها من غارات جوية‬
‫لنيفة‪ ,‬كان أولها في التاسع والعشرين من ّهر يوليه‪ ,‬ثم تعاقبا هذه‬
‫الغارات تى كان ال ابع من ّهر سبتمبر فأخذ يغير للى لندن من غير‬
‫تفرقة بين األهداف الع كرية وغير الع كرية‪ ,‬وما إن وافى ّهر توفمبر‬
‫تى بلغ الضحايا من المدتيين و دهم ‪ 15.000‬قتيل‪20.000 ,‬‬
‫جريح أكثرهم من مدينة لندن وما جاورها‪ ,‬ورغم هذا كله لجز النازيون‬
‫لن إضعاف روح المقاومة اإلتكليزية‪ .‬والراجح أن فشل األلمان في غزو‬
‫إتكلترا بعد اتهيار فرت ا مباّرة كان ال بب في هزيمتهم في هذه‬
‫الحرب‪.‬‬

‫وللى ين كاتا معركة بريطاتيا في الميدان الغربي الشغل الشاغل‬


‫لقوات ألماتيا البحرية والجوية‪ ,‬كان االتدفاع تحو الشرق ‪Drang nach‬‬
‫‪ Osten‬أهم ما يوجه إليه ساسة األلمان واقتصاديوهم تشاطهم في‬
‫الميدان الشرقي‪ .‬والبا ث في ال ياسة األلماتية ال ي تطيع أن يعين للى‬
‫وجه التحديد المدى اإلقليمي للمجال الحيوي كما تصوره النازيون وال‬
‫النقطة التي ينتهي لندها اتدفالهم صوب الشرق‪ ,‬ألن هذه األفكار ظلا‬
‫مطاطة تنب ط يننا وتنكمش أخرى وف نقا للظروف ال ياسية والع كرية‬
‫التي تكون قائمة لند التحدث لنها‪ .‬فإذا تحن أخذتا المجال الحيوي‬
‫تجد أن الفكرة التي يدور ولها كاتا ترتكز في بادئ األمر ول‬
‫ا تالل مدينة «براغ» للى التبار أتها اإلسفين األول في أوربا الوسطى‪.‬‬
‫أما سياسة االتدفاع صوب الشرق فكاتا ترمى في جميع أّكالها إلى‬
‫التوسع اإلقليمي في هذا االتجاه‪ ,‬سواء أكاتا مدينة «بغداد» ‪-‬كما‬
‫‪196‬‬
‫كاتا سياسة القيصر‪ -‬هب الهدف‪ ,‬أم مدينة «كييف» ‪-‬كما كان‬
‫الحال أيام الفوهرر‪ -‬والراجح أن النازيين في سنة ‪ 1942‬كاتوا يودون لو‬
‫أن «كييف وبغداد» أصبحتا تقطتي االرتكاز في هذه ال ياسة الشرقية‪,‬‬
‫وهذا يطابل –إلى د ما‪ -‬التقرير الذي أرسله كوالتدر ‪Coulandre‬‬
‫ال فير الفرت ي في برلين إلى كومته في ‪ 15‬سبتمبر ‪1938‬؛ ففيه‬
‫يقول‪:‬‬

‫«يبدو لي أن الفكرة التي أجمع لليها زلماء النازي‪ ,‬وللى رأسهم‬


‫من غير ّك «هتلر» تف ه‪ ,‬هي ب ط سيادة ألماتيا للى أوربا الوسطى‬
‫وذلك لن طريل إخضاع كل من تشيكوسلوفا كيا والمجر وجعلهما‬
‫تابعتين لها‪ ,‬ثم خلل «أوكراتيا» كبرى تحا الرقابة األلماتية‪».‬‬

‫وفكرة االتدفاع النازي تحو الشرق ‪ Drang nach Osten‬لي ا‬


‫من النظريات الم تحدثة وإن كاتوا في تنفيذهم لها قد اتبعوا قوالد‬
‫منظمة الهوادة فيها‪ .‬ففي لهد القيصر ولهلم الثاتي كان هذا االتدفاع‬
‫معناه خط ديد «برلين‪-‬بغداد» (ّكل ‪ )10‬ذلك الخط الذي بدأ للى‬
‫أته مشروع اقتصادي بحا تموله جمالة من الرأسماليين‪ ,‬ولكن سرلان‬
‫ما ألب ته الدول العظمى صبغة دولية ورتبا لليه من النتائج ال ياسية ما‬
‫كان لها بعض األثر في تهيئة جو القارة األوربية لقيام الحرب العالمية‬
‫األولى‪ .‬أجل لقد اول «جورج فون سيمنس» مدير البنك األلماتي‬
‫جاه ندا أال يثير لداء الدول الكبرى لمشروله‪ ,‬بل إته كان يأمل في‬
‫الحصول للى معاوتة بريطاتيا له‪ ,‬ولكن اإلقبال العظيم الذي أظهره‬

‫‪197‬‬
‫أصحاب رءوا األموال األلماتيون للى هذا المشروع أثار ّيئنا من القلل‬
‫لدى بعض الدول العظمى فكشفا لن رغبتها واهتمامها بالمحافظة للى‬
‫سالمة الدولة العثماتية وكاتا سياسة «ب مارج» في ذلك الحين قائمة‬
‫للى مناصرة كل مشروع ألماتي في تركيا يكون قد تبناه وأيده القيصر‬
‫ولهلم الثاتي تأيي ندا فعلينا‪ ,‬ومن ثم أصبحا قلوب األلماتيين والنم اويين‬
‫جميعا وهي ‪Unser Baghdad‬‬
‫ن‬ ‫مفعمة بصيحة وا دة محببة إليهم‬
‫ومعناها «إلى بغداد»‪.‬‬

‫ومع أن الدول العظمى استطالا فيما قبيل الحرب العالمية األولى‬


‫أن ت وي ما قام بينهما من خالف في هذا الشأن‪ ,‬فقد ظل موضوع هذا‬
‫الخلط لقة االتصال بين الرايخ األول واإلمبراطورية العثماتية‪ ,‬ذلك‬
‫االتصال الذي اتتهى باتهيار تلك اإلمبراطورية‪.‬‬

‫واآلن هاجم جمالة النازي يرددون تفس الصيحة في سياسة‬


‫جزءا من العقلية‬
‫االتدفاع تحو الشرق‪ ,‬تلك ال ياسة التي أصبحا ن‬
‫تحويرا‪ .‬وكاتا الخطوة‬
‫ن‬ ‫األلماتية وكأتها قواتين الجاذبية ال تقبل تعديالن وال‬
‫األولى التي خطوها في هذا ال بيل هي التغلغل االقتصادي في ّبه‬
‫جزيرة البلقان‪ ,‬ثم أتبعوها بخطوة ثاتية وهي سياسة «فرق ت حد»‬
‫منتهزين فرصة النزالين ال ياسي واإلقليمي اللذين اتتشرا هناج خالل‬
‫ضما فعلينا‪ ,‬إما لن طريل‬
‫تلك الفترة واللذين اتتهيا إلى ضم هذه الدول ن‬
‫اال تالل ال لمي كما كان الحال في المجر وروماتيا وبلغاريا‪ ,‬وإما لن‬
‫طريل الغزو الع كري كما دث في كل من يوغوسالفيا وبالد اليوتان‪.‬‬

‫‪198‬‬
‫ولم يكن في منتصف سنة ‪ 1941‬من بين هذه البقعة ما هو خارج لن‬
‫الفلك األلماتي سوى تركيا‪ ,‬ولتركيا في تظر القائد هوسهوفر قيمتها‬
‫اإلستراتيجية الفذة ألتها تتحكم في كل من أوربا وإفريقية وآسيا؛ وكل‬
‫ضربة توجه إلى إتكلترا في ّخص تركيا هي في الواقع ضربة موجهة إليها‬
‫في العراق ومصر وبالد الهند‪ .‬ولم يفا األتراج خطورة مركزهم هذا‪ ,‬يوم‬
‫أللنوا في سنة ‪ 1943‬أتهم لفاء لبريطاتيا‪ ,‬ولكنهم لفاء غير‬
‫محاربين‪.‬‬

‫والبلقان بالد تقرب في م ا تها من والية تك اا األمريكية؛‬


‫يعيش فيها ستون مليوتنا من النفوا يدينون ب ا دياتات وينتمون إلى‬
‫خمس لشرة ساللة بشرية وقومية‪ ,‬وتضم البالد داخل دودها سبع‬
‫و دات سياسية‪ :‬روماتيا‪ ,‬وبلغاريا‪ ,‬ويوغوسالفيا‪ ,‬وألباتيا‪ ,‬واليوتان‪,‬‬
‫والق م األوربي من تركيا‪ ,‬ثم المجر‪ .‬والمجر وإن كاتا جغرافينا خارج‬
‫جزءا‬
‫دود البلقان‪ ,‬إال أن األقدار ال ياسة رمتها في أ ضاتها فالتبرت ن‬
‫منها‪ .‬وهذا وتحول دون اتحاد هذه البالد لقبات كثيرة منها‪ :‬مشكلة‬
‫الحدود ال ياسة‪ ,‬واألقليات ذات األلداد الكبيرة‪ ,‬والقومية االقتصادية‪,‬‬
‫وتشبع الدول الناّئة باآلراء ال ياسية‪ ,‬ثم الدور ال ياسي الذي تقوم به‬
‫دائما إلى‬
‫الدول الكبرى في هذا اإلقليم‪ ...‬فالصنالة األلماتية مثالن تنظر ن‬
‫هذه البالد للى أتها جزء من مجالها الحيوي‪.‬‬

‫والبلقان من يث توجيهها االقتصادي‪ ,‬بالد زرالية‪ .‬وغالبية سكاتها‬


‫يحترفون هذه المهنة؛ وقليلون ج ندا منهم هم الذين يشتغلون بالصنالة‬

‫‪199‬‬
‫فيما خارج بالد المجر‪ .‬والبالد في جملتها غنية بمواردها االقتصادية‪:‬‬
‫ففيها الحبوب وتوجد في يوغوسالفيا وبلغاريا وروماتيا والمجر‪ ,‬وهناج‬
‫األخشاب النامية للى سفوح جبال الكربات والبلقان‪ ,‬ثم الخنازير‬
‫والماّية واألغنام في مرالى روماتيا ويوغوسالفيا والمجر‪ .‬وذلك‬
‫باإلضافة إلى مقادير قليلة من النحاا والرصاص والزتك واألتثومتي‬
‫(التوتيا) والنيكل في كل من بلغاريا واليوتان ويوغوسالفيا‪ .‬وبالمجر‬
‫م تودلات كبيرة لمعدن البوك يا (لصنالة األلومنيوم) وهناج بترول‬
‫روماتيا‪ .‬وهذه كلها من المواد التي ت يل لعاب النازيين وتدفعهم إلى‬
‫الحصول لليها في مقابل ما يمكن أن يصدروه إلى تلك األقطار من لدد‬
‫وآالت وقاطرات وسيارات وطائرات وأجهزة كهربائية ومواد كيماوية‬
‫ومن وجات‪ .‬ومن ثم كان الترابط االقتصادي الحقيقي بين الرايخ وجنوب‬
‫ّرق أوربا‪ .‬ولكن هذا الق م من القارة األوربية بما فيه آسيا الصغرى ال‬
‫ي تطيع‪ ,‬كما كان يقول الدكتور فنك «‪ ,»Dr. Funk‬أن يمد ألماتيا بكل‬
‫ما تحتاج إليه‪.‬‬

‫تشطا ركة التجارة النازية مع بالد البلقان وزاد جمها زيادة‬


‫كبيرة‪ ,‬وقاما بينهما صالت تشبه إلى د ما تلك التي تقوم بين الدول‬
‫التمادا يكاد يكون كلينا‬
‫ن‬ ‫الكبرى وم تعمراتها فأصبحا البلقان تعتمد‬
‫للى ألماتيا‪ .‬أما التماد ألماتيا للى البلقان فلم يكن بهذا القدر‪ :‬ففي‬
‫سنة ‪ 1938‬استمدت كل من ألماتيا والنم ا وتشيكوسلوفا كيا‬
‫‪ %12.3‬من واردتها من جنوب ّرقي أوربا‪ ,‬وبعثا بـ ‪ %11.7‬من‬
‫صادراتها إلى هذا اإلقليم‪ ,‬أما البلقان فقد أرسلا ‪ %46.6‬من‬
‫‪200‬‬
‫صادراتها إلى هذه الدول الثالث واّترت منها ‪ %45.9‬من وارداتها‪.‬‬

‫وكاتا ألماتيا تصر في جميع الحاالت للى دفع ثمن ما تشتريه من‬
‫البلقان في ّكل بضائع لينية‪ ,‬وقد أمكنها بإتباع طريقة المقايضة في‬
‫اباتها مع تلك البالد‪ ,‬أن تشتري هذه ال لع بما يزيد في‬ ‫تصفية‬
‫غالبية األ يان بن بة ‪ %60-20‬من األثمان المعروضة في األسواق‬
‫العالمية‪ ,‬وأصبحا ألماتيا مدينة مزمنة للبلقان؛ مما كان يضطر هذه‬
‫البالد أ ياتنا إلى ّراء سلع يتعذر للى ألماتيا تصريفها في األسواق‬
‫األخرى‪ :‬منها آالت التصوير واألسبرين وأجهزة الراديو وّفرات الحالقة‬
‫وأدوات الزينة وبعض اآلالت الموسيقية‪ .‬وكان طبيعينا أن يكون معظم‬
‫التماد البلقان للى ألماتيا‪ ,‬بعد قيام الحرب في سنة ‪ 1939‬واتهيار‬
‫فرت ا واّتراج إيطاليا في القتال‪.‬‬

‫وثمة لامالن كان لهما أثرهما الفعال فيما قام به النازيون من تغلغل‬
‫سياسي في بالد البلقان‪ :‬أولهما وجود أقليات ألماتية في مناطل متعددة‪,‬‬
‫وثاتيهما النزاع الم تمر بين دول البلقان تف ها‪ .‬وكاتا المجر أولى‬
‫البالد التي وجه إليها النازيون تشاطهم وخاصة بعد إتمام االتحاد‬
‫النم اوي األلماتي‪ ,‬ففي هذه الملكة التي بغير ملك‪ ,‬ينزل تصف مليون‬
‫ألماتي‪ ,‬للى ين أن الحرب العالمية األولى تركا أقليات مجرية خاضعة‬
‫لكل من يوغوسالفيا وروماتيا وتشيكوسلوفا كيا‪ ,‬وكان األلمان قد استغلوا‬
‫امتداد تفوذهم االقتصادي في داخل البلقان فأدخلوا المجر في دائرة‬
‫مجالهم الحيوي وأصبحا معتمدة لليهم كل االلتماد‪ ,‬وأللنا‬

‫‪201‬‬
‫اتضمامها إلى الحلف الثالثي المعقود في ‪ 27‬سبتمبر سنة ‪,1940‬‬
‫وإلى لف مناهضة الشيولية المعقود في ‪25‬توفمبر سنة ‪ ,1936‬وكان‬
‫تصيب المجر فيينا ‪ Vienna Award‬أن وافل الكوتا تشياتو وزير‬
‫خارجية إيطاليا وفون رينتروب وزير خارجة ألماتيا للى اقتطاع جزء من‬
‫والية ترات لفاتيا الروماتية وإلطائه لها‪ .‬كذلك كان للمجر تصيبها من‬
‫الغنيمة لند فرض التق يم األول للى تشيكوسلوفا كيا وتصيب آخر‬
‫لندما قرر هتلر القضاء للى يوغوسالفيا‪ .‬وما كان للمجر بعد هذه‬
‫المغاتم الكثيرة إال أن تعلن الحرب للى الروا في يوتية سنة ‪1941‬‬
‫وللى الواليات المتحدة في دي مبر من ال نة تف ها‪.‬‬

‫كذلك كان من الطبيعي أن ي تهوي بترول روماتيا النازيين‪ ,‬ولهذا‬


‫ّعرت هذه البالد‪ ,‬رغم هذه الضماتات التي كاتا قد قطعتها لها كل من‬
‫إتجلترا وفرت ا منفردتين‪ ,‬بالخطر يهددها وخاصة بعد سقوط براغ‪.‬‬
‫فكيف لها أن تطمئن واألقليات األلماتية مبعثرة في ّتى بقالها‪,‬‬
‫والمجربون والبلغار يتطلعون إلى تملك أجزاء من أراضيها في واليتي‬
‫ترات لفاتيا ودبروجا؟ وهناج في داخل بالدها زب فاّ تي يزداد قوة‬
‫من يوم إلى يليه‪ .‬ثم جاء من بعد اتهيار فرت ا وغزو األلمان للبلقان كلها‬
‫اقتصادينا‪ .‬وإزاء هذا كله‪ ,‬لم تجد روماتيا لها من مخرج سوى االتضواء‬
‫تحا جنا ي ألماتيا والدخول في مع كرها؛ وفعالن أللن الملك كارول‬
‫في الحادي والعشرين من ّهر يوتيه سنة ‪ 1940‬أته اكم مطلل –‬
‫جمالي‪ Totalitarian -‬ولكن لم تمض للى هذا اإللالن سوى أيام‬
‫قليلة تى كاتا لملية التق يم قد بدأت‪ ,‬فأللنا الروسيا في ‪ 26‬يوتيه‬
‫‪202‬‬
‫ضم والية ب اربيا والق م الشمالي من والية سلوفينيا‪ ,‬وتنازلا روماتيا‬
‫مختارة في ‪ 30‬أغ طس لن جزء من والية ترات لفاتيا تقرر ضمه إلى‬
‫المجر واستولى البلغار في ‪ 7‬سبتمبر للى الق م الجنوبي من والية‬
‫دبروجا وأوصلوا دودهم إلى ما كاتا لليه في سنة ‪ ,1912‬وكان أن‬
‫ولى رئاسة الوزارة في الخامس من ّهر سبتمبر الجنرال أتطو تي كو‪,‬‬
‫الصديل الحميم للحرا الحديدي الفاستشي ف ارع الملك كارول إلى‬
‫التنازل لن العرش البنه ميشيل‪ ,‬ودخلا الجيوش األلماتية البالد بحجة‬
‫المحتفظة للى سالمة آبار الزيا وأللنا روماتيا في ‪ 23‬توفمبر‬
‫اتضمامها للحلف الثالثي‪ ,‬وقابلا إتجلترا هذا بإلالن الحرب للى‬
‫روماتيا في دي مبر سنة ‪ ,1941‬وكاتا كومة الملك ميشيل قد‬
‫أللنا من قبل ذلك –وفي ّهر يوتيه من تفس ال نة الحرب للى‬
‫الروسيا وأتبعته في ّهر سبتمبر بإلالتها للى الواليات المتحدة‪.‬‬

‫أما بلغاريا فقد قدر لها أن تدخل الحرب العالمية الثاتية مع الطرف‬
‫الخاسر كما فعلا في الحرب األولى‪ ,‬وكأتها قد كتب لليها مناصرة‬
‫المنهزم‪ ,‬ولهذا أصبحا ولها مطالب إقليمية لدى من روماتيا‬
‫ويوغوسالفيا واليوتان‪ ,‬وكان النفوذ االقتصادي للنازيين في بالد البلغار‬
‫بالغنا أقصاه فيما قبل قيام الحرب‪ ,‬بدليل أتها بالا في سنة ‪:1938‬‬
‫‪ %80‬من صادراتها إلى ألماتيا‪ ,‬ورغم إلالن الملك بوريس )‪(Boris‬‬
‫اتضمامه للحلف الثالثي فقد غزت الجيوش األلماتية بالده ورابطا للى‬
‫‪ 65‬ميالن من مدينة سالوتيكا و‪ 45‬ميالن من الحدود التركية في والية‬
‫تراقيا ‪ .‬وقد كافأت ألماتيا بلغاريا للى تعاوتها هذا بتعديل دودها‬
‫‪203‬‬
‫المتاخمة ليوغوسالفيا وذلك للى أثر اتهيار هذه الدولة في أبريل سنة‬
‫‪ , 1941‬كما كاتا قد ألادت إليها الق م الجنوبي من والية دبروجا‬
‫الروماتية في سبتمبر من ال نة ال ابقة‪.‬‬

‫وهكذا تم لأللمان ا تالل كل من المجر وروماتيا وبلغاريا من غير‬


‫أن تراق قطرة دم وا دة‪ .‬أما اليوتان ويوغوسالفيا فكاتا لهما قصة‬
‫التمادا منها للى ما كاتا قد قطعته لها إتكلترا في ‪13‬‬
‫ن‬ ‫أخرى‪ .‬فاليوتان‬
‫أبريل سنة ‪ 1939‬من تعهد بضمان استقاللها‪ ,‬رفضا اإلتذار الذي‬
‫وجهته إليها إيطاليا في ‪ 28‬أكتوبر طالبة فيه ا تالل بعض المراكز‬
‫اإلستراتيجية «وإال اضطرت إلى القضاء للى كل مقاومة تعترضها»‪ .‬وكان‬
‫الرد الطبيعي لرفض هذا اإلتذار هو غزو الجيوش اإليطالية لبالد اليوتان‪,‬‬
‫ولقد بدأ هذا الغزو في ال الة الخام ة والنصف صبا ن ا‪ .‬واستب ل‬
‫اليوتاتيون في الدفاع لن بالدهم‪ ,‬ولكنهم اضطروا أمام ضغط لفاء روما‬
‫إلى التقهقر داخل األراضي األلباتية‪.‬‬

‫أما يوغوسالفيا‪ ,‬أو مملكة الضرب والكروات وال لوفين‪ ,‬وهي‬


‫وا دة من الدول األوربية الجديدة التي قاما في ألقاب الحرب العالمية‬
‫األولى‪ ,‬فكاتا تحوي إلى جاتب هذه العناصر الثالثة‪ ,‬خليطنا ال مثيل له‬
‫من األقل يات‪ ,‬فكان فيها ألمان وروماتيون ومقدوتيون‪ ,‬وبلغار‪ ,‬وألباتيون‪,‬‬
‫ومجريون‪ .‬ولم يفتأ الكروات منذ تأسيس هذه الدولة يطالبون بالحكم‬
‫الذاتي واالستقالل لن الصرب مع بقائهم خاضعين لحكومة يوغوسالفيا‬
‫دائما في‬
‫المركزية‪ .‬أما اإليطاليون والهنغاريون والبلغار فكاتوا يفكرون ن‬
‫‪204‬‬
‫اليوم الذي سوف تصبح فيه يوغوسالفيا غنيمة باردة لهم‪ .‬ولكن االتحاد‬
‫النم اوي األلماتي قضى للى هذه األ الم كلها إذ أصبحا هذه البالد‬
‫الا‪ :‬ففي ‪ 25‬مارا‬
‫كلها خاضعة ل لطان هتلر‪ .‬وتتابعا الحوادث سر ن‬
‫سنة ‪ 1941‬أللن األمير بول الوصي للى العرش ورئيس وزرائه‬
‫)‪ (Cvetkovitch‬اتضمام البالد إلى الحلف الثالثي‪ ,‬للى أن تتعهد‬
‫« دول المحور طوال فترة الحرب بعدم المطالبة بال ماح لجيوّها‬
‫بالز ف في داخل أراضيها أو التنقل لبرها»‪.‬‬

‫ولكن دث بعد ذلك بيومين أن سقطا الحكومة اليوغوسالفية‬


‫واتتقلا قوق الملك إلى بطرا الثاتي‪ ,‬يعاوته في رئاسة الوزارة دوسان‬
‫سيموفتش ‪.Dusan Simovitch‬‬

‫وفي ال ادا من ّهر أبريل سنة ‪ 1941‬غزا هتلر كال من‬


‫يوغوسالفيا واليوتان‪ .‬وكان «الدافع األول» للنازيين في لملهم هذا هو‬
‫المحافظة للى هيبتهم وسمعتهم في هذا الق م من القارة كما أللن ذلك‬
‫وزير خارجيتهم رينتروب‪« :‬ليس لنا من مـأرب في هذه البالد‬
‫(يوغوسالفيا) غير ما تأمله من والئها في التعاون مع دول المحور للى‬
‫تنفيذ النظام الجديد للقارة األوربية؛ وغاية ما ت عى إليه ألماتيا إتما هو‬
‫إلداد المكان الالئل الذي يجب أن تشغله يوغوسالفيا في هذا النظام‬
‫بما يتفل وخير مصالحها»‪ .‬كذلك جاء في المذكرة الموجهة إلى‬
‫الحكومة اليوتاتية‪:‬‬

‫«إن كومة الريح تعود فتؤكد أن الجيوش األلماتية إذ تدخل‬


‫‪205‬‬
‫األراضي اليوتاتية ال تضمر لداء للشعب اليوتاتي‪ ,‬وليس في تية الشعب‬
‫األلماتي أن يحارب اليوتاتيين أو يقضى لليهم بأي ال‪ ,‬وأن كل ضربة‬
‫قد تضطر ألماتيا إلى توجيهها إليهم‪ ,‬هي في الواقع ضربة مصوبة تحو‬
‫إتكلترا»‪.‬‬

‫استطاع النازيون –بفضل غاراتهم الجوية التي وجهوها للى بالد‬


‫البلقان‪ -‬القضاء ب رلة فائقة للى كل مقاومة للحلفاء في تلك البالد‬
‫وأتزلوا خ ائر فاد ة بالقوات التي كاتا لهم فيها‪ .‬وفي العاّر من ّهر‬
‫أبريل سنة ‪ 1941‬تم تنصيب أتتي بافيلتش ‪ Ante Pavelitch‬رئي ن ا‬
‫لدولة الكروات التي وافل هتلر للى قيامها‪ ,‬وفي الثاتي لشر من تفس‬
‫الشهر دخلا الجيوش المجرية يوغوسالفيا فاتحة وتبعتها الجيوش‬
‫البلغارية بعد ذلك بأيام ثالثة‪ ,‬وفي التاسع لشر من ّهر أبريل تمكنا‬
‫القوات األلماتية واإليطالية من القضاء للى كل مقاومة منظمة في هذا‬
‫الميدان‪ ,‬ولم يبل هناج من أثر للقتال إال ما كاتا تقوم به العصابات التي‬
‫أخذت تعيد ذكرى غاراتها المخيفة في القرتين التاسع والعشرين‪ ,‬ولكنها‬
‫في هذه المرة كاتا تنازل القوات األلماتية‪.‬‬

‫وكان أن بدئ للى الفور بتق يم يوغوسالفيا وتوزيع األتصبة للى‬


‫(الفاتحين) وفي ‪ 23‬أبريل سنة ‪ 1941‬است لم الجيش اليوتاتي في‬
‫أبيروا»‪ «Epirus‬ومقدوتيا‪ ,‬وكان ذلك بعد اتتقال العاصمة إلى كريا‪,‬‬
‫وفي ال ابع والعشرين من تفس الشهر دخلا القوات األلماتية مدينة‬
‫أثينا‪ ,‬وأقام الجنرال )‪ ,(Tsolakogion‬بعد أيام قليلة‪ ,‬أقام من تف ه‬

‫‪206‬‬
‫رئي ن ا لحكوم ةكاتا ألعوبة في أيدي الغزاة‪ .‬وب قوطها جزيرة كريا في‬
‫الثاتي من ّهر يوتية اتتقلا الحكومة اليوتاتية الشرلية إلى مدينة القاهرة‬
‫لاصمة الديار المصرية‪.‬‬

‫وقف هتلر مرة أخرى في مجلس الريش تاغ يوم ‪ 4‬مايو وقفة الفاتح‬
‫المنتصر يشرح وجهة النظر النازية إزاء بالد البلقان فقال‪:‬‬

‫«إن الرياخ‪ ,‬جرينا للى سياسته الماضية‪ ,‬لم تكن له أطماع إقليمية‬
‫أو مطامع سياسية ي عى إلى تحقيقها في بالد البلقان‪ ..‬ال بل إته للى‬
‫العكس من ذلك لم يدخر جه ندا في إتماء ما بينه وبين هذه الدول بصفة‬
‫خاصة‪ ,‬من لالقات اقتصادية والعمل للى تقويتها‪ ,‬ألته إذا كان هناج‬
‫تظامان اقتصاديان يكمالن بعضهما البعض تكملة قيقية فهما النظامان‬
‫البلقاتي واأللماتي‪ ,‬ذلك ألن ألماتيا‪ ,‬وهي دولة صنالية‪ ,‬محتاجة إلى ما‬
‫تنتجه البلقان من أغذية ومواد أولية‪ ,‬أما دول البلقان فبالد زرالية وال‬
‫تعوزها هذه المواد األولية ولكنها في تفس الوقا تحتاج إلى منتجات‬
‫صنالية»‪.‬‬

‫بهذا اتتهى فتح النازيين لشبه جزيرة البلقان ولم يفا برلين أن تقدم‬
‫بعض فتات هذه المائدة الدسمة إلى روما وبوداب ا وصوفيا‪ ,‬ولكن‬
‫الصليب المعقوف كان من النا ية الفعلية هو الذي يرفرف للى إيطاليا‬
‫والمجر وبلغاريا‪ ,‬ال فارق بينه هناج وبينه في يوغوسالفيا أو اليوتان‪.‬‬
‫وكاتا الخطة األلماتية في جميع الحاالت سهلة ب يطة‪ ,‬فهي تبدأ‬
‫بالتغلغل االقتصادي ثم التآمر ال ياسي فاال تالل الع كري سواء أكان‬
‫‪207‬‬
‫ن طالع جمهوريات أمريكا الجنوبية نقا‬ ‫سلمينا أم ربينا‪ .‬وقد كان من‬
‫أن فصلا بينها وبين الرايخ آالف من أميال مياه المحيط‪.‬‬

‫بدأت ألماتيا غزوها لالتحاد ال وفيتي في الثاتي والعشرين من ّهر‬


‫يوتية سنة ‪ ,1941‬وكان النزاع قد استحكم بين جمالة النازي من‬
‫ألضاء الرايخ الهتلري وبين ّيولي روسيا الموالين ل تالين‪ ,‬وكان أدولف‬
‫هتلر تى غزوه لروسيا ي ترّد في سياسته الخارجية جملة بالخطوط‬
‫ال تي رسمتها له مدرسة ميوتخ للجيوبولتيكا‪ .‬فهوسهوفر هو القائل في سنة‬
‫‪– 1938‬إبان أزمة تشيكوسلوفا كيا‪ -‬إن فرت ا سوف ال ت تطيع بل‬
‫ضا‬
‫ولن ترضى أن تحرج ساكننا إذا ما غزت ألماتيا تشكوسلوفاكيا‪ ,‬وهو أي ن‬
‫الذي أوصى بأن يكون غزو ألماتيا للجمهورية الفرت ية من الداخل ال من‬
‫الخارج أو ما أسماه بالحرب التجويفية »‪ «Bore War‬وتنبأ كذلك بأن‬
‫فتح بالد النرويج لن تقوم في وجهه أدتى لقبة أو تعترضه أية صعوبة‪,‬‬
‫وظل زمننا طويالن وهو يشيد باتحاد ألماتيا مع اليابان‪ ,‬ولكنه –للى ما‬
‫يبدو‪ -‬كان في ّك كبير من أمر غزو الروسيان وكان من رأيه أن تعمل‬
‫ألماتيا للى التغلغل في تلك البالد لن طريل الغزو االقتصادي ال‬
‫الع كري‪ ,‬ألن ما ل بنابليون في أثناء ملته الروسية كان للى الدوام‬
‫‪Zetischrift fur‬‬ ‫ماثالن أمام لينيه‪ ,‬ومع ذلك تشرت له مجلة‬
‫‪ Geopolitik‬مقاالن في سبتمبر سنة ‪ 1941‬يشيد فيه بالغزو النازي لبالد‬
‫الروسيا‪ ,‬مما يدل إما للى أته يرى الموافقة للى الخطوة التي خطتها‬
‫ال ياسة األلماتية إذ ذاج‪ ,‬وإما للى أته كان يمالئ الفوهرر‪ .‬وقد وضح‬
‫اآلن أن غزو الروسيا كان من أكبر األخطاء التي وقع فيها أدولف هتلر‪.‬‬
‫‪208‬‬
‫وهتلر لندما يتحدث لن «النظام الجديد» في أوربا‪ ,‬إتما ي تعمل‬
‫تفس المصطلحات التي ابتكرها الياباتيون وأطلقوها للى «النظام‬
‫الجديد» في ّرق آسيا‪ .‬والفكرة في جوهرها ألماتية‪ ,‬أخذت تتبلور‬
‫وتظهر إلى لالم الوجود فيما بعد ّهر يوتية سنة ‪1940‬؛ لندما ّعر‬
‫النازيون المنتصرون أن التحدث لن مناهضة معاهدة فرساي‪ ,‬ولن جمع‬
‫ّمل األلمان كلهم تحا راية وا دة‪ ,‬ولن المجال الحيوي واالتدفاع‬
‫إلى الشرق‪ ,‬أصبحا كلها وليس لها في تفوا الغزاة من النازيين ذلك‬
‫التأثير العظيم الذي كان لها من قبل‪ .‬وكان اتهيار فرت ا هو الذي دلا‬
‫إلى طرح النظام األوربي الجديد‪ ,‬للى هذه القارة إلى لالم الوجود‪.‬‬
‫والنا ية االقتصادية التي يدور ولها‪ ,‬هي االلتقاد األلماتي في و دة‬
‫القارة األوربية من النا ية االقتصادية أو ما يطلقون لليه في اللغة‬
‫األلماتية ‪ Grossraumwirtschaft‬ولكن النازيين لم يحاولوا أن يعينوا لنا‬
‫بصفة رسمية مدلول هذا النظام‪ ,‬جرينا في ذلك للى لادة التعميم لندهم‬
‫بقولهم قبول األمور الواقعية في أوربا‪ ,‬و «العصر الذهبي» و «تضافر‬
‫الجهود» من أجل تبادل الخير والرفاهية‪ .‬ال بل إن كل ما يمكن أن‬
‫ت تشفه من خطب هتلر تف ه وخاصة في أواخر سنة ‪ ,1940‬ومن‬
‫تصريحات معاوتيه والمجندين لهذا النظام‪ ,‬أمثال الدكتور جوبلز‪,‬‬
‫والدكتور ‪ ,Dr. Ley‬وهاتس فراتك‪ ,‬وآرتر جريزر ‪ Arthur Greiser‬ال‬
‫يعدو صورة لامة خالية من كل تفصيل أو تحديد‪ ,‬فالفوهرر يشير مثالن في‬
‫رسالته التي وجهها للى الشعب األلماتي بمناسبة لول العام الجديد في‬
‫سنة ‪ 1940‬إلى أن بناء «أوربا جديدة» يجب أن يعهد به إلى ّعب فتى‬

‫‪209‬‬
‫منتج‪ ,‬ويصرح في مناسبة أخرى‪:‬‬

‫«إتها لحرب بين لالمين متناقضين‪ ...‬وإتي ألترف بأن أ دهما‬


‫سوف يخور ويهوى»‪ .‬ثم لاد في ّهر توفمبر سنة ‪ ,1940‬بعد أن وثل‬
‫من قوته في القارة‪ ,‬فقال‪« :‬لقد أصبحنا اليوم في مركز يمكننا من تجنيد‬
‫كل ما في أوربا كلها تقريبنا من قوى‪ ,‬وأرجو أال يخالجكم أدتى ّك في‬
‫أتي فالل هذا في المجال الصنالي»‪.‬‬

‫وإذا تحن لدتا إلى الحلف الثالثي الذي لقدته دول المحور‬
‫تاما فيما‬
‫األوربية واآلسيوية في ‪ 27‬سبتمبر سنة ‪ 1940‬تجد هناج اتفاقنا ن‬
‫بينهما للى استعمال تفس المصطلحات اللفظية‪ ,‬فقد جاء فيه‪:‬‬

‫«تعترف اليابان وتتعهد با ترام الزلامة التي لكل من ألماتيا وإيطاليا‬


‫في إقامة تظام جديد في القارة األوربية‪ ,‬وهما من جاتبهما يعترفان‬
‫ويتعهدان با ترام الزلامة التي لليابان في إقامة تظام جديد في ّرق آسيا‬
‫األكبر»‪.‬‬

‫وقد ألرب الكثير من النازيين لما يجب أن تكون لليه أوربا بعد‬
‫‪Joseph‬‬ ‫إتباع النظام الجديد‪ ,‬فمن هذا ما ذكره جوزيف هارش‬
‫‪Harsch‬؛ وهو مراسل ديث الجريدة ‪Ghristian Science Monitor‬‬
‫خصيصا لهذا‬
‫ن‬ ‫في برلين‪ ,‬بعد اطالله للى الكثير من الخرائط التي لملا‬
‫الغرض؛ فهو يقول إن تنظيم «أوربا الجديدة» يقوم ول تواة كبيرة تتكون‬
‫من الرايخ بعد توسيع دوده الحالية‪ ,‬تحيط بها م تعمرات ألماتية في‬

‫‪210‬‬
‫كل من أوربا وإفريقية والشرق األدتى‪ ,‬وإلى جاتبها دول خاضعة لوالية‬
‫ألماتيا لليها‪ .‬ومن المقرر أن يضم هذا الرايخ األكبر واليتي اإللزاا‬
‫واللورين ثم النم ا‪ ,‬وبوهيميا‪ ,‬ومورافيا‪ ,‬والق م الغربي من بولندا وجبل‬
‫طارق وال ويس‪ .‬أما الم تعمرات األلماتية في أوربا‪ ,‬ف وف تمتد من‬
‫الداتوب تى البحر األسود‪ ,‬ومن منطقة البلطيل تى ليننجراد‪ ,‬للى أن‬
‫ي تمر االتدفاع األلماتي جهة الشرق تى ينتهي بإدخال كل من أوكراتيا‬
‫والشرق األدتى ضمن تطاق هذا االستعمار‪ ,‬وأن تصبح كل إفريقية –فيما‬
‫لدا الممتلكات اإليطالية واإلسباتية والشقة الفرت ية الممتدة للى سا ا‬
‫البحر المتوسط‪ -‬م تعمرة ألماتية وا دة كبيرة‪ .‬أما الدول التي أللماتيا‬
‫ل الوالية ف وف ال تكون كلها في مرتبة وا دة‪ ,‬فدول‬ ‫لليها‬
‫اسكندتاوة‪ ,‬وسكاتها من اآلريين‪ ,‬تكون لها منزلتها الخاصة‪ ,‬أما فنالتدة‬
‫في تفاد منها –بعد توسيع رقعتها‪ -‬في صد الهجوم الروسي‪ .‬ومن المقرر‬
‫أن تحتفظ كل من إيطاليا وإسباتيا باستقاللهما‪ ,‬للى أن تكون ال ويس‬
‫وجبل طارق تازيتين‪ ,‬وأن تضم األجزاء من بلجيكا وسوي را التي يتكلم‬
‫سكاتها الفرت ية إلى فرت ا ت هيالن إلدارتهما‪ .‬أما المصير النهائي لفرت ا‬
‫والبرتغال وتركيا وبريطاتيا‪ ,‬فيظل معل نقا تقرره أ داث الم تقبل‪ .‬هذا‬
‫ويكون الحد الغربي الجديد لروسيا في هذا النظام متف نقا والخط الحديدي‬
‫فيما بين لينجراد وموسكو؛ ومن هذه المدينة األخيرة ينحرف جنوبنا‬
‫بشرق تى بحر قزوين؛ للى أن تنشأ في روسيا البيضاء وأوكراتيا دويالت‬
‫صورية‪ ,‬وأن يخضع الق م الباقي من روسيا –ّأته في ذلك ّأن فرت ا‪-‬‬
‫للنفوذ األلماتي‪ .‬والواقع أن معاهدة كهذه سوف تهون أمامها معاهدة‬

‫‪211‬‬
‫برستلينوف ك‪ ,‬تلك المعاهدة التي سلبا روسيا ‪ %34‬من مجموع‬
‫سكاتها‪ ,‬و‪ %32‬من أراضيها الزرالية‪ %85 ,‬من مناطل البنجر فيها‪,‬‬
‫و‪ %54‬من منظماتها الصنالية‪ ,‬و‪ %89‬من مناجم فحمها»‪.‬‬

‫ويروى لنا الكاتب ‪ Hermann Rauschning‬ما ذكره له هتلر في‬


‫محادثة جرت بينهما في سنة ‪1934‬ن فهو يقول‪:‬‬

‫«إتنا في اجة إلى توسيع رقعتنا تى تصبح م تقلين لن كل تكتل‬


‫وتحالف سياسي‪ .‬ف يادتنا ّرقنا يجب أن تمتد تى جبال القوقاز‬
‫وإيران‪ ,‬وغربنا تى ال ا ل الفرت ي‪ .‬وال غنى لنا لن كل الفالتدرز‬
‫وهولندة‪ ,‬كما أتنا في اجة ماسة إلى بالد ال ويد‪ ,‬ومن الضروري أن‬
‫تصبح ألماتيا دولة لها م تعمراتها‪ ,‬ولها من القوة البحرية ما يعادل تلك‬
‫التي لبريطاتيا‪...‬‬

‫«وسأجعل لهذه الرقعة قواتها الصلبة القوية المكوتة من ألماتيا‬


‫التحاما ال اتفصام فيه‪ ,‬وبإضافة النم ا‬
‫ن‬ ‫الكبرى ذات األوصال الملتحمة‬
‫وبوهيميا ومورافيا وغرب بولندا‪ ,‬سوف تصبح كتلة متراصة مكوتة من مائة‬
‫مليون ت مة‪ ,‬خالية من كل ّائبة‪ ,‬غير قابلة للتدمير‪ ,‬وليس بها لنصر‬
‫وا د غريب لنها وهكذا يكون األساا المتين الذي تقيم لليه صرح‬
‫قوتنا‪ .‬ثم هناج االتحاد الشرقي المكون من بوالتدا وواليات البلطيل‬
‫والمجر ودول البلقان وأوكراتيا و وض الفولجا وجيورجيا‪.‬‬

‫اتحادا غير متكافئ األلضاء‪ ,‬إال أن دولة ستكون‬


‫ن‬ ‫وهو إن كان‬

‫‪212‬‬
‫خاضعة لوصاية ألماتيا لليها‪ ,‬فلن يكون لها جيش ولن ي مح لها باتتهاج‬
‫سياسة م تقلة أو االتفراد بتدبير ّئون اقتصادياتها‪ .‬وسألمل للى‬
‫تأسيس لف غربي يضم فالتدرز وهولندا وّمال فرت ا ومعها االتحاد‬
‫(‪)1‬‬
‫الشمالي لدول الداتمرج وال ويد والنرويج‪».‬‬

‫ضا «ألفرد روز تبرج» وله رأيه الخاص في م تقبل أوربا‪,‬‬


‫وهناج أي ن‬
‫وتتلخص خطته في ضم جميع العناصر األلماتية تحا زلامة وا دة‪,‬‬
‫ومعنى هذا القضاء للى النم ا وتصفية سوي را تصفية تهائية وتفتيا‬
‫تشيكوسلوفا كيا واالستيالء للى األجزاء األلماتية الخاضعة لبولندا وإزالة‬
‫بلجيكا من خريطة أوربا وإدخال هولندا في ظيرة هذه اإلمبراطورية‬
‫العنصرية مع فرض واليتها للى بالد اسكندتاوة وضم واليات البلطيل‬
‫أخيرا بغزو روسيا فتصبح «أوربا الجديدة» هذه مكوتة‬
‫تى ينتهي األمر ن‬
‫من ق م ألماتي مركزي يقوم فيما ول مدينة برلين‪ ,‬ومن ق م ألماتي‬
‫قديما إمبراطورية هاب بورج‪,‬‬
‫جنوبي‪ ,‬ومقره المنطقة التي كاتا تشغلها ن‬
‫ومن اتحاد ّمالي يضم الدول االسكندتاوية ومن منطقة تفوذ وسيادة في‬
‫كل من أوكراتيا الكبرى وواليات البلطيل مع فرض الحماية للى البلقان‪.‬‬
‫و «ألفرد روزتبرج» هو القائل للى أثر االتتصارات التي أ رزتها ألماتيا‬
‫في سنة ‪« :1940‬لقد أصبحا الثورة االّتراكية القومية وما يترتب‬
‫لليها من تتائج سياسية قاتوتنا تخضع له القارة األوربية‪».‬‬

‫)‪(1‬‬
‫)‪Hermanh Rauschning: Voice of Destruction (New York 1940‬‬
‫‪p.p 122. 124.‬‬
‫‪213‬‬
‫هذا‪ ,‬وقد ال ظ مراسلو الصحف األمريكية في ألماتيا في الفترة من‬
‫‪ 1938‬إلى ‪ 1941‬زيادة مضطردة فيما تكتبه الصحافة األلماتية لن‬
‫المطالب النازية‪ ,‬فكاتا في فبراير سنة ‪ 1938‬تنادى بضرورة تطبيل‬
‫«مبدأ منرو» للى أوربا الوسطى وخاصة في بالد النم ا؛ فلما أن تم‬
‫االتحاد األلماتي النم اوي أخذت أبواق الدلابة النازية توسع مجال‬
‫مطالبها تى أصبحا تتناول ال يادة التامة للى أوربا الوسطى بأكملها‪,‬‬
‫والتحكم االقتصادي في جنوب ّرقي القارة وإلادة الم تعمرات‬
‫وأخيرا إطالق يدهم في والية أوكراتيا‪ .‬وما إن ل ّهر سبتمبر‬
‫ن‬ ‫األلماتية‬
‫تى كاتا فكرة االتدفاع صوب الشرق قد أصبحا للى أل نة الجميع‪,‬‬
‫مع تعديل في الهدف وجعله كييف ‪ Kiev‬بدالن من بغداد‪ .‬هذا ولقد مهد‬
‫تق يم تشيكوسلوفاكيا األول إلى وضع بوهيميا تحا سلطة النازيين‪,‬‬
‫وهنا بدأ الخبراء يتذكرون لبارة ب مارج المشهورة‪« .‬إن من يتحكم في‬
‫بوهيميا يتحكم في القارة كلها»‪.‬‬

‫وكاتا الدلاية األلماتية قد أللنا في م تهل صيف سنة ‪1939‬‬


‫تطبيل «مبدأ منرو» للى المنطقة من بحر الشمال تى البحر األسود‪,‬‬
‫فما إن اتتصف الصيف تى أخذ دلاتها يطلبون مجاالن يوينا يتراوح لدد‬
‫سكاته بين المائتين والمائتين وخم ين مليوتنا ويمتد من الراين وبحر‬
‫الشمال غربنا تى االتحاد ال وفيتي والبحر األسود ّرقنا مع ا تمال‬
‫إضافة تركيا وأوكراتيا إليه‪ .‬ولما أن ل ّهر فبراير سنة ‪ 1940‬بدءوا‬
‫يتحدثون لن «لصر أدولف هتلر» وما امتاز به من قيام «اّتراكية‬
‫األمم» وذلك للى أساا ما بدا من ا تمال خضوع القارة كلها للفوهرر‪.‬‬
‫‪214‬‬
‫ال بل إتهم كاتوا يأملون أن يتجاوز سلطاتهم أوربا إلى إفريقية‪ .‬وفي ّهر‬
‫يوليه من تفس ال نة أخذوا يقيمون تظامهم للى أساا جديد وهو قيام‬
‫قارة «متحدة» في وجه البريطاتيين‪ .‬فلما أن جاء الشتاء أللنوا في‬
‫صرا ة لن لزمهم للى تق يم العالم إلى أربعة أقاليم كبرى‪ :‬أوربا‬
‫وإفريقيا –اتحاد الجمهوريات ال وفيتية‪ -‬ثم أمريكا فشرق آسيا األكبر‪,‬‬
‫غير أن دود هذه األقاليم لم تكن واضحة معينة وال تى لدى النازيين‬
‫والفاّ تيين أتف هم‪.‬‬

‫هذا والمتتبع لتطور أهداف النازيين وما طرأ لليها من توسع م تمر‬
‫بما بدا من الدلاية التي قاما بها صحفهم فيما بين ‪-1938‬‬
‫‪ 1941‬يرى ارتباطنا وثي نقا بين القائمين بأمر هذه الدلاية وبين الع كريين‬
‫في العاصمة األلماتية‪.‬‬

‫اتبعا ألماتيا في كمها ألوربا في سنة ‪ ,1942‬وهي ال نة التي‬


‫بلغا فيه هذه الدولة أوج لظمتها؛ أربعة أتظمة‪:‬‬

‫(‪ )1‬تظام الضم المباّر إلى الرايخ‪ ,‬وهو ما دث مع النم ا وبالد‬


‫ال وديا وغرب بولندا ولك مبرج واألزاا واللورين وملميدي (‪Malmé‬‬
‫‪ ,)dy‬ويوبن )‪ (Eupen‬أو االتدماج فقط كما دث في بوهيميا ومورافيا‬
‫وبولندا الوسطى وواليات البلطيل‪.‬‬

‫(‪ )2‬قيام ا تالل ل كري غير واضح‪ ,‬كما كاتا الحال في‬
‫األراضي الواطئة وبالد النرويج والصرب واليوتان وغالبية بلجيكا قبل‬

‫‪215‬‬
‫الح رب وداتمارج والجزء المحتل من فرت ا واألجزاء التي تم فتحها في‬
‫روسيا‪.‬‬

‫(‪ ) 3‬بالد لها استقاللها ولكن للرايخ فيها بعض النقود ب بب‬
‫«الصداقة» القائمة بين البلدين وهو ما دث في إيطاليا وفي كومة‬
‫فيشي الفرت ية وفي أسباتيا والمجر وروماتيا وبلغاريا وسلوفاكيا وكرواتيا‬
‫وفنلنده‪.‬‬

‫(‪ )4‬مناطل تفوذ‪ ,‬ومثلها ال ويد وسوي را والبرتغال‪.‬‬

‫أما الطريقة التي سارت لليها ألماتيا في كمها للمناطل التي‬


‫تبعا لدرجة قرابتها‬
‫خضعا ل لطاتها فكاتا تختلف من جهة إلى أخرى ن‬
‫من النازيين ووف نقا لمدى تعاوتها أو مقاومتها للنظام الجديد‪ :‬فأرسل الرايخ‬
‫–مثالن‪ -‬مفوضين إلى كل من بالد النرويج واألراضي الوطيئة ولكنه أرسل‬
‫كاما ل كريين إلى بلجيكا وفرت ا المحتلة ومورافيا‪ ,‬وبعث بحاكم لام‬
‫ن‬
‫كما‬
‫إلى بولندا‪ .‬وكاتا بولندا هي الدولة الو يدة التي كمها األلمان ن‬
‫مباّرا أي أن الحاكم األلماتي كان يصدر أوامر مباّرة إلى الشعب‬
‫ن‬
‫البولندي‪ .‬والحكم غير المباّر له من غير ّك فائدته ألن في استخدام‬
‫جمالة «الكوزلنج» ما ي الد للى تطبيل المبدأ الروماتي القديم‪« ,‬فرق‬
‫ت د»‪.‬‬

‫هذا وقد سار األلمان في لالقاتهم بالبالد التي فتحوها للى‬


‫تق يمها إلى أربع مجمولات كبرى هي‪:‬‬

‫‪216‬‬
‫وض البحر‬ ‫األلمان‪ ,‬ثم سكان ّمال وغرب أوربا‪ ,‬فكان‬
‫المتوسط‪ ,‬ثم ال الفيون‪ .‬وكاتوا قفي معاملتهم للنورديين –سكان‬
‫اسكندتاوة‪ -‬ألين جاتبنا مما كاتوا مع ال الفيين؛ وذلك لما بين أهل‬
‫الشمال واأللمان من تشابه وصلة في الدم‪ .‬أما ال الفيون فلهم لند‬
‫األلمان مرتبة اجتمالية دتيا‪ ,‬وذلك كما يبدو ل رلة تزايدهم‪ ,‬ويرى‬
‫دفالا لن الرايخ‪ .‬ويطلقون‬
‫النازيون أن اليهود غير أهل لحمل ال الح ن‬
‫للى أتف هم اسم »‪ «Herrenvolk‬ومعناها ّعب ال ادة؛ أما الشعوب‬
‫غير األلماتية فيطلقون لليها اسم »‪ «Hilfenvolk‬ومعناها‪ :‬الفعلة‪ .‬فالنظام‬
‫ب درجة‬ ‫الجديد إذن هو تظام طبقي أساسه ترتيب الشعوب األوربية‬
‫تقاوة دمها في تظر األلمان‪ .‬وبذلك أصبحا أوربا مكوتة من مجمولة‬
‫من الشعوب مرتبة ترتيبنا طبقينا يدين كل باال ترام لمن يعلوه‪ ,‬ويدين‬
‫الجميع بالطالة لحكومة برلين‪.‬‬

‫وكان األلمان لند تق يمهم لتشيكوسلوفاكيا كاتوا يفتنون ذرة إلى‬


‫لناصرها المختلفة‪ ,‬فنراهم يحررون الكروات ويثيروتهم للى التشيك‪ ,‬ثم‬
‫يناصرون المجريين للى ضم مجمولة الروثينيين النازلين في تلك‬
‫الجمهورية (تشيكوسلوفاكيا) ويقيمون في سلوفاكيا دولة م تقلة برئاسة‬
‫األب ت و ‪ , Tiso‬ولكنها متعاوتة مع الهر هتلر في ربه ضد الروا‪ .‬أما‬
‫واليتا بوهيميا ومورافيا فقد وضعتا تحا الحماية األلماتية وأزيل كل ما‬
‫كان بينهما وبين الرايخ من فواصل جمركية‪ ,‬وأتشئا فيهما محاكم تازية‬
‫إلى جاتب المحاكم التشيكية‪ ,‬وكان لألولى ل تقض أي كم تصدره‬
‫الثاتية تى ولو كان فقي صميم الم ائل القومية‪ .‬ثم لمدت ألماتيا إلى‬
‫‪217‬‬
‫الجامعات التشيكية فأغلقتها كلها‪ ,‬كما أغلقا غالبية المدارا العالية‪.‬‬
‫ولما أن بدأ لصر اإلرهاب رأت الحكومة األلماتية في خريف سنة‬
‫‪ 1941‬أن تقيم «رينهاد هيدرخ»‪ (Reinhard Heydrich) ,‬وهو‬
‫اكما للى هاتين الواليتين بدالن من اكمهما ‪«Baron‬‬
‫ج تابو إرهابي‪ ,‬ن‬
‫»‪ ,von Neurath‬كما أللنا الة الطوارئ في البالد المحمية وأداتا‬
‫«ألواا إلياا» )‪ ,(Alois Elias‬رئيس الوزارة بتهمة «اإللداد للخياتة‬
‫العظمى»‪.‬‬

‫تال بولندا من صنوف الق وة والو شية ما لم تنله بالد أخرى‪ ,‬فقد‬
‫بدأ األلماتي كمهم بأن تعمدوا تر يل البولنديين واليهود إلى ما أطلقوا‬
‫لليه اسم « كومة بولندا العامة» وهي المنطقة القائمة بين بولندا الروسية‬
‫وبومورزي )‪ ,(pomorze‬ثم أخذوا من بعد ذلك ينزلون األلمان من‬
‫سكان واليات البلطيل في المناطل البولندية التي تقرر ضمها إلى الرايخ‬
‫وملكوهم األراضي التي أجلوا البوالتديين لنها‪ .‬وما إن اتتها سنة‬
‫‪ 1940‬تى كان قد أجلى ‪ 1.500.000‬بولندي لن بالدهم وتزح‬
‫إليها ‪ 500.000‬ألماتي لإلقامة واالستقرار فيها‪ .‬ومن الظريف أن تلحظ‬
‫هنا االختالف البين بين سياسة الدلوة األلماتية التي سارت لليها‬
‫الحكومة القيصرية وتلك التي اتبعتها كومة هتلر‪ ,‬فاألولى كاتا تعمد‬
‫للى وسائل الق ر والقهر‪ ,‬أما الثاتية فكاتا ت ير للى مبدأ الوراثة‪.‬‬
‫ووضعا ال لطات األلماتية البولنديين فيما بين الرابعة لشرة وال تين من‬
‫لمرهم تحا طلبها للعمل إجبارينا في بولندا أو في ألماتيا‪ .‬كذلك أمرت‬
‫بإغالق الجامعات والمدارا العالية في مختلف أتحاء البالد‪ .‬ويقدرون‬
‫‪218‬‬
‫أته منذ ذلك اليوم المشئوم‪ ,‬يوم أول سبتمبر سنة ‪ ,1939‬تى اآلن قد‬
‫هلك فيما بين مع كرات االلتقال األلماتية والنفي ال يبيري‪ ,‬أو ب بب‬
‫التشريعات النازية‪ ,‬ما ال يقل لن ‪ 3.000.000‬بوالتدي‪ ,‬وهذا لدا‬
‫مليوتين آخرين هلكوا أو أسروا أو فروا لبر الجبال خالل فترة الغزوين‬
‫للروسي واأللماتي‪ ,‬وقد كشف الكردينال «هلند ‪ »Hlond‬في ديث‬
‫جرى معه في روما في ‪ 29‬يناير سنة ‪ 1940‬لما كان يجري في بولندا‬
‫فقال‪:‬‬

‫«إن هتلر يقوم اآلن بتنفيذ كل ما كتبه في «كفا ي» لن بولندا‬


‫تنفي نذا رفينا‪ .‬وتقوم سياسته هناج للى إبادة الشعب إبادة تامة وذلك‬
‫بإجالء ‪ 700.000‬بولندي لن أراضيهم في بولندا الغربية وإ الل‬
‫ألماتيين محلهم‪ .‬لقد جاء في كتابه هذا أن البولنديين قوم ال يمكن‬
‫تحويلهم إلى ألماتيين وال سبيل إلى التخلص منهم إال باقتاللهم من‬
‫جذورهم من هذه األصقاع‪ ,‬وهذا ما يفعله اآلن»‪.‬‬

‫اتبع األلمان في كمهم لبالد االسكندتاوية طرقنا متعددة‪ :‬ففي‬


‫الداتمرج يث يتولى الملك «كرستيان» الحكم باالّتراج مع وزارة‬
‫ذات رئيس‪ ,‬اكتفوا بإرسال مفوض‪ ,‬يقوم من وراء ال تار بالرقابة للى‬
‫ألمال الحكومة‪ ,‬ولم يغب لنهم أن ينبهوا هذه البالد إلى أن الحياة‬
‫المثالية التي يمكن أن تحياها‪ ,‬هي تلك التي تكون داخل المجال‬
‫مؤخرا البد أن تكون‬
‫الحيوي األلماتي‪ .‬ومع ذلك فالثورة التي قاما هناج ن‬
‫قد أ دثا تعديالن في هذا الوضع‪ .‬أما في النرويج فيقوم المفوض‬

‫‪219‬‬
‫كما فعلينا وذلك ألن‬
‫األلماتي »‪ «Josef Terboven‬بحكم البالد ن‬
‫ملكها «هاكون ‪ »Haakon‬قد فر إلى اتكلتران وليس هنا من األ زاب‬
‫ال ياسية إال زب وا د يرأسه »‪( «Vidkun Quisling‬الموالي لهم)‬
‫وليس له من المناصرين سوى ‪ %5‬من مجموع ال كان‪ .‬هذا وقد ألغى‬
‫البرلمان النرويجي واستغنى لن المجلس اإلداري وألضائه‪ ,‬ولهد‬
‫بالحكومة إلى ‪ 13‬وز نيرا كلهم من زب كوزلنج ولكل سلطات واسعة في‬
‫دائرة لمله‪ ,‬كذلك رم للى العمال االتتقال من جهة إلى أخرى‪ ,‬ولينا‬
‫لهم ال لطات األلماتية األلمال التي يمكن أن يزاولوها و ددت لهم‬
‫األجور‪ .‬أما الوضع ال ياسي الحقيقي لبالد النرويج في هذا النظام‬
‫األوربي فغير معروف للى وجه التحديد‪ ,‬وإن كان بقاء الجنود األلماتية‬
‫أمرا ال مفر منه‪ ,‬وللى كل فالرقابة وتوزيع الحاجات‬ ‫في أراضيها ن‬
‫بالبطاقات وتظام الج تابو‪ ,‬كلها ّواهد قائمة للى استقرار هذا النظام‬
‫في بالد النرويج‪.‬‬

‫وتدل جميع الدالئل في ال ويد للى أن هذه البالد قد لقدت‬


‫لزمها للى مقاومة كل تدخل سياسي من جاتب النازيين في ّئوتها‪,‬‬
‫ويظهر ال ويديون في النزاع القائم بين األلمان والنرويج لط نفا للى‬
‫إخواتهم وجيراتهم‪ ,‬ولكنهم للى العكس من ذلك يظهرون استعدادهم‬
‫لمناصرة األلمان في أي تزاع قد ينشأ بينهم وبين الروا‪ .‬هذا وقد فعل‬
‫الملك «جوستاف» ورئيس وزرائه «هاتس» ووزير خارجيته «جنتر» كل‬
‫ما في وسعهم للمحافظة للى استقالل بالدهم واإلبقاء للى يادهم‪,‬‬
‫محدودا مع النازيين‪ ,‬فنراهم في بادئ األمر قد سمحوا‬
‫ن‬ ‫وتعاوتهم تعاوتنا‬
‫‪220‬‬
‫للجنود األلماتية باجتياز بالدهم في طريقها إلى النرويج جيئة وذهابنا ثم‬
‫تراهم ال يماتعون في إرسال كل ما تنتجه بالدهم من ديد خام وخشب‬
‫ولجينة للورق ومواد غذائية إلى الرايخ أو إلى البالد التي يحتلها‪ .‬والواقع‬
‫جزءا مكمالن للمجال الحيوي‬
‫أن ال ويد تكون من النا ية االقتصادية ن‬
‫األلماتي‪.‬‬

‫وفي األراضي الواطئة‪ ,‬يقوم الهر «سيس إتكوارت ‪Seyss-‬‬


‫‪ »Inquart‬بوظيفة قوم يبر الرايخ‪ .‬أما الملكة «ولهلمينا» فتعيش في‬
‫منفاها بمدينة لندن‪ ,‬ويعاون هذا القوم يبر في إدارته للبالد مجلس‬
‫استشاري كل ألضائه من األخصائيين األلمان‪ ,‬ويقوم إلى جاتب هاتين‬
‫الهيئتين ويعاوتهما في الحكم مجلس إداري هولندي مكون من‬
‫ال كرتاريين العامين لمختلف المصالح الحكومية‪ .‬هذا ولقد لمدت‬
‫ال لطات األلماتية هناج إلى االتتقام ألسرى الحرب األلماتيين في‬
‫الممتلكات الهولندية األسيوية لمل لحقهم هناج من معاملة «غير‬
‫كريمة»‪ ,‬كما لمدت إلى إقصاء كل من رئيس بلدية الهاي والحاكم‬
‫الع كري لمدينة أم تردام لن وظيفتها ب بب المظاهرات المناهضة‬
‫للفاّ تية التي قاما في منطقة تفوذهما‪ .‬أما التغلغل االقتصادي‬
‫األلماتي في ير في هولندا وفل خطوط وتنظيمات أدق‪ ,‬في جملتها‪ ,‬مما‬
‫اتبع في أية جهة من الجهات التي فتحها األلمان في أوربا‪.‬‬

‫وليس لأللمان في بلجيكا كومة وطنية من أي توع كان‪ ,‬فقد‬


‫اكما صورينا‪ ,‬ولكنه أبى ذلك‪,‬‬
‫اولوا أن يجعلوا من «الملك ليويولد» ن‬
‫‪221‬‬
‫فعمدوا باألمر فيها إلى اكم ل كري ألماتي‪ .‬والحكومة الشرلية مقرها‬
‫اآلن لندن‪ ,‬وتشرف من هذه المدينة للى الحكم في م تعمرة الكنغو‪.‬‬
‫ولما كاتا بلجيكا من البالد التي تشكو من زيادة لمالها الصناليين لن‬
‫مؤخرا مشكلة البطالة لتعذر الحصول‬
‫اجة مصاتعها‪ ,‬فقد اّتدت فيها ن‬
‫للى المواد األولية‪ ,‬إذ أن ما يصل إليها من هذه المواد ال يكفي لتشغيل‬
‫إال ثلث المصاتع التي تملكها في الظروف العادية‪ .‬وتخضع اإلدارة في‬
‫جامعة بروكل اآلن إلى الدكتور جراب )‪ (Dr.Grab‬البلجيكي وإلى‬
‫‪(Staf‬‬ ‫ضابط من الحربية األلماتية‪ ,‬ويقوم بوظيفة الكوزلنج البلجيكي‬
‫)‪ De Clereg‬وهو مدرا فلمنكي‪ ,‬و )‪ (Léon Degrelle‬وهو رجل‬
‫والوتي‪ ,‬وإن كان النازيون لم يعهدوا إليهما بأية سلطة سياسية‪.‬‬

‫ولفرت ا مركزها الخاص في النظام األوربي الجديد‪ ,‬ذلك لما تملكه‬


‫من م تعمرات ولما فيها من قوالد ربية ولما لها من أسطول ربي‬
‫كبير‪ .‬كاتا هذه الدولة في الواقع ق مين‪ :‬أ دهما محتل يحكم من‬
‫برلين‪ ,‬واآلخر غير محتل يشرف للى إدارته المارّال «بيتان» الذي كان‬
‫ي تمد النصح واإلرّاد من لجنة الهدتة األلماتية أو من «الفون أوتوأبتز‬
‫‪ ,»Von Otto Abetz‬المندوب األلماتي في باريس‪ .‬ولقد منحا‬
‫الجمعية الوطنية في العاّر من ّهر يوليه سنة ‪ 1940‬بيتان سلطة وضع‬
‫دستور جديد للبالد مع اال تفاظ بحل لرضه فيما بعد لالستفتاء العام‪,‬‬
‫وللى هذا أصدر المارّال بعد أيام قليلة ما يعرف باسم «القواتين‬
‫الدستورية» وصدرها بالعبارة اآلتية‪« :‬تحن فيلب بيتان مارّال فرت ا‪»..‬‬
‫وهي قواتين الغرض منها منح المارّال سلطات دكتاتورية واسعة‪,‬‬
‫‪222‬‬
‫استعيض فيها لن األلفاظ الثالثة المشهورة‪« :‬الحرية والم اواة واإلخاء»‬
‫بألفاظ ثالثة جديدة هي‪:‬‬

‫«العمل واألسرة والوطن»‪ ,‬وقد سار في تنظيماته االقتصادية للى‬


‫تشجيع الحركة التعاوتية‪ ,‬وأمر بإلغاء االتحادات العمالية ومنظمات‬
‫أصحاب العمل جالالن من كل صنالة منظمة مو دة تخضع لوزارة من‬
‫الوزارات‪ .‬أما من النا ية ال ياسية فقد لمد يبتان إلى قطع العالقات‬
‫الدبلوماسية مع إتكلترا بعد قيامها بمهاجمة األسطول الفرت ي‪ ,‬واتتقلا‬
‫الهند الصينية الفرت ية من النا ية الفعلية إلى أيدي الياباتيين‪ ,‬واستولا‬
‫قوات فرت ا الحرة والقوات البريطاتية بعد قتال مرير للى سوريا‪ .‬كذلك‬
‫أمر «يبتان» بتشكيل محكمة لليا لمحاكمة الم ئولين لن إلالن‬
‫الحرب وإدارتها أمثال ‪(Daladier-Mandel-Gamelin-Reynaud-‬‬
‫)‪.Blum‬‬

‫كاتا ألماتيا خالل هذا كله في مركز يمكنها من الضغط للى بيتان‬
‫و كومته ذلك ألته كان لفرت ا في األراضي األلماتية ما ال يقل لن‬
‫مليوتين وتصف مليون من األسرى‪ ,‬لدا ماليين أخرى من المدتيين‬
‫يعيشون في ظالل اال تالل األلماتي في الق م المحتل من البالد فضالن‬
‫لن أن الهدتة التي وقعتها فرت ا تصا للى تجريدها من كل سالح وما‬
‫إن أتزل الحلفاء قواتهم في ّمال إفريقية تى تغلغل النازيون في البقية‬
‫الباقية من فرت ا‪ ,‬وقد قابل الفرت يون هذا بإغراق أسطولهم في ميناء‬
‫طولون‪.‬‬

‫‪223‬‬
‫لمد النازيون في أثناء ا تاللهم ليوغوسالفيا إلى ال ير للى‬
‫ضا إلى‬
‫طريقتهم المعهودة في معاملة ال الالت ال الفية‪ ,‬كما لمدوا أي ن‬
‫إتباع سياسة «التفتيا الذري» التي ساروا لليها في تشيكوسلوفا كيا‪.‬‬
‫وقد بدءوا كمهم بإثارة تار البغضاء بين الكروات والصرب‪ ,‬كما‬
‫اختصا ألماتيا تف ها بنصف والية سلوفاكيا وأقاما للى يالد الصرب‬
‫مقرا له‪ ,‬وأرسلا الحاميات الع كرية‬
‫اكما ل كرينا ألماتيا اتخذ بلغراد ن‬
‫ن‬
‫إلى كرواتيا الحرة وواليتي بوسنه وهرسوكوفنيا‪ ,‬وسمح للهنغاريين با تالل‬
‫األجزاء المتاخمة لهم كما سمح للبلغاريين با تالل الق م اليوغوسالفي‬
‫من والية مقدوتيا‪ .‬أما كرواتيا وهي تلك الدولة الم تقلة التي أقاموها‪,‬‬
‫فقد لقدوا رئاستها للى ‪ Ante Pavelitch‬ذلك الزليم الكرواتي الذي‬
‫كاتا قد وجها إلى منطقة التهمة بتدبير مؤامرة الغتيال الملك‬
‫ألك ندر اليوغوسالفي‪.‬‬

‫وتعهدت إيطاليا بضمان استقالل هذه الدولة الجديدة ورّحا‬


‫دوق سبوليتو ‪ Duke of Soleto‬مل نكا لها‪ ,‬وقاما بتنفيذ ما أمرت به‪,‬‬
‫فأللنا في سنة ‪ 1941‬الحرب للى كل من روسيا والواليات المتحدة‪,‬‬
‫أما ما تشيك ‪ Matchek‬الزليم الكرواتي فقد ظل للى والئه لبالده‬
‫ورفض التعاون مع كومتها الجديدة‪.‬‬

‫وكان تصيب إيطاليا من الممتلكات اليوغوسالفية‪ ,‬باإلضافة إلى‬


‫تفوذها في ملكة الكروات‪ ,‬النصف الجنوبي من «سلوفينيا» و «دكاّيا»‬
‫وغالبية جزائر بحر األدرياتيك‪ ,‬وا تلا جنودها الجبل األسود تى‬

‫‪224‬‬
‫الحدود األلباتية‪ ,‬ولكن سرلان ما تأس ا هناج جمعية وطنية أللنا‬
‫استقالل هذه البالد وف نقا لألسس التي أللن بموجبها استقالل ألباتيا من‬
‫قبل‪.‬‬

‫هذا وقد كان لغزو ألماتيا لروسيا صداه في يوغوسالفيا‪ ,‬إذ سرلان‬
‫ما قاما جمالتا ‪Shetnik‬و ‪ Partisa‬بتنظيم العصابات‪ ,‬التي تعمل في‬
‫البالد سلبنا وتهبنا‪ ,‬وتشن الغارات للى المحتلين آوتة‪ ,‬وللى بعضها‬
‫البعض آوتة أخرى تى تعذر للى كل من األلمان واإليطاليين المحافظة‬
‫للى األمن والنظام في بالد الصرب والكروات وال لوفيين التي لمتها‬
‫الفوضى واالضطراب‪.‬‬

‫ورضخ ال كان في بالد اليوتان لل يطرة األلماتية للى مضض وكره‬


‫ّديدين‪ ,‬وتشب القتال بينهم وبين البلغاريين الذين كاتوا يحتلون‬
‫مقدوتيا‪ ,‬وقد لهد األلمان إلى القوات اإليطالية با تالل أجزاء كبيرة من‬
‫هذه البالد التي أصبحا الحالة الغذائية فيها تنذر بخطر ّديد‪ ,‬وكان‬
‫كويزلنج اليوتان رجالن يدلى ‪ M. Tsolakoglov‬ورأى بليتاا ‪Plitas‬‬
‫لمدة أثينا أن يغير اسم طريل فرتكلين روزفلا إلى طريل أدولف هتلر‪,‬‬
‫وأكبر النازيون في اليوتاتيين ّجالتهم واستماتتهم في الذود لن بالدهم‬
‫فألادوا إليهم جميع أسراهم الترافنا منهم بتلك الصفات‪.‬‬

‫كبيرا في إلادة تعمير وتنظيم األجزاء الروسية التي‬


‫وجد األلمان لناء ن‬
‫تم لهم غزوها‪ ,‬وذلك ب بب سياسة « رق األراضي» التي سار لليها‬
‫ال وفييا‪ .‬فعلى ين كاتوا يتركون األ ياء ال كنية في المدن التي‬
‫‪225‬‬
‫يتخلون لنها قائمة ال تمتد إليها يد التدمير بأي ّكل من األّكال‪,‬‬
‫تاما قبل إخالئها‪.‬‬
‫تراهم يعمدون إلى دج المناطل الصنالية فيها دكا ن‬
‫وي ير األلمان في معامالتهم التجارية مع األهالي للى تظام المبادلة ألن‬
‫كثيرا‪ ,‬بل وقد يحجمون في بعض الحاالت لن قبول‬
‫الروا يترددون ن‬
‫العملة األلماتية‪ ,‬كذلك فشل األلمان في إيجاد الرجل الروسي الذي‬
‫اكما صوريا للى البالد التي فتحوها‪ ,‬ذلك ألن‬‫ن‬ ‫يمكن أن يقيموه‬
‫الشعب الروسي ظل للى والئه ل تالين‪.‬‬

‫هذا وقد ّمل اال تالل األلماتي في اليوم األول من ّهر يناير سنة‬
‫‪ 1942‬كال من أوكراتيا‪ ,‬و وض تهر دوتتس وبهما ‪ %60‬من جملة‬
‫فحم الروسيا‪ ,‬و‪ %48‬من فوالذها‪ ,‬و‪ %61‬من الحديد الزهر فيها‪,‬‬
‫و‪ %72‬من األلومنيوم الذي بها‪.‬‬

‫لم يبل في سنة ‪ 1943‬من الدول األوربية ما هو خارج تطاق‬


‫الحرب سوى خمس هي‪ :‬ال ويد‪ ,‬وسوي را‪ ,‬وإسباتيا‪ ,‬والبرتغال‪ ,‬وتركيا‪,‬‬
‫وهذه إن ظلا كلها محايدة فإن األربع األولى منها كاتا طوال سنة‬
‫‪ 1942‬داخلة في دائرة النفوذ األلماتي‪:‬‬

‫فهناج سوي را‪ ,‬وق م كبير من سكاتها من األلمان واإليطاليين‪,‬‬


‫تحيط بها الدول المتحاربة من كل جاتب إال يث تتاخم كومة فيشى‬
‫الفرت ية؛ ولها اآلن جيش كبير قوامه ‪ 300‬ألف مقاتل‪ ,‬وهو قوة ال‬
‫ي تهان بها إذا ما أضيفا إليها الحماية الطبيعية التي توليها إياها جبال‬
‫كثيرا خالل فترة الحرب ب بب‬
‫األلب‪ .‬وتأثر االقتصاد ال وي ري ن‬
‫‪226‬‬
‫رماتها من األسواق األجنبية‪ ,‬وأصبحا تجارتها قاصرة في ق مها‬
‫ا ألكبر للى ما يمكن أن تتبادله مع دول المحور‪ .‬فكاتا من النا ية‬
‫االقتصادية إذن داخلة في دائرة النفوذ األلماتي‪ .‬هذا ولقد لهدت إليها‬
‫كومة واّنجطون بعد دخولها الحرب باإلّراف للى المصالح‬
‫األمريكية في مختلف العواصم المحورية‪ ,‬واختيار سوي را لهذه المهمة‬
‫بدالن من ال ويد أو البرتغال أو أسباتيا أو تركيا‪ ,‬دليل كاف للى أن‬
‫«برن» كاتا تتمتع في سنة ‪ 1941‬بق ط من االستقالل ال ياسي‬
‫يفوق ما كاتا تتمتع به غيرها من العواصم المحايدة‪.‬‬

‫كذلك أصبحا بالد البرتغال ب بب موقعها الجغرافي داخلة في‬


‫دائرة النفوذ النازي‪ .‬ومن العوامل التي كان لها أثرها في تحرج الموقف‬
‫ال ياسي في العاصمة البرتغالية‪ ,‬تلك الميول النازية التي ات ما بها‬
‫ال ياسة اإلسباتية‪ ,‬وإن كان ال يفوتنا في الوقا تف ه أن تشير إلى‬
‫التحالف القائم بين البرتغال وإتكلترا منذ سنة ‪ .1372‬لقد تظرت‬
‫البرتغال صوب الشمال فرأت جيوش هتلر ترقبها من وراء جبال البراتس‪,‬‬
‫ثم اتا منها التفاتة تحو المحيط األطل ي‪ ,‬وإذا األسطول البريطاتي‬
‫يرابط للى دود مياهها اإلقليمية‪ ,‬فال غرو إذن أن رأيناها تتخذ لنف ها‬
‫موقف الحذر والتيقظ طول ال نوات األربع األولى للحرب‪ ,‬ولكنها‬
‫لادت في الثاتي لشر من ّهر أكتوبر سنة ‪ 1943‬وتفضا لنها هذا‬
‫الرداء‪ .‬وأجرت للبريطاتيين القوالد والمحطات البحرية والجوية التي لها‬
‫في جزائر «آزور»‪ .‬وكاتا سياسة البرتغال فيما قبل ‪ 18‬يوليه سنة‬
‫دائما إلى‬
‫‪– 1936‬وهو بدء الحرب األهلية اإلسباتية‪ -‬تهدف ن‬
‫‪227‬‬
‫المحافظة للى سالمة م تعمراتها‪ ,‬أما فيما بعد ذلك التاريخ فقد صار‬
‫همها األكبر العمل للى صياتة استقاللها في القارة األوربية تف ها‪ ,‬ثم‬
‫لادت في تهاية سنة ‪ 1743‬فأيقنا أن هتلر فاّل وال محالة‪.‬‬

‫وليس من ّك في أن الجنرال فراتكو مدين بال لطة التي له في‬


‫أسباتيا اآلن إلى كل من هتلر وموسوليني‪ ,‬وما قدماه له من م الدات‬
‫إبان الحرب األ هلية‪ .‬وكان أللماتيا من وراء ذلك هدفان‪ :‬أولهما إضعاف‬
‫فرت ا من الخلف‪ ,‬وثاتيهما الوصول إلى ما في أسباتيا من ديد وتحاا‬
‫وكبريا وزئبل‪ .‬أما إيطاليا‪ ,‬فكاتا تتطلع من وراء هذه الم الدات إلى‬
‫ما يمكن أن يعود لليها من تفع في جزائر «البليار» اإلسباتية وفي النهاية‬
‫الشم الية لبالد مراكش‪ .‬خرجا أسباتيا من ربها األهلية وهي في الة‬
‫اضطراب ّديد من النا يتين ال ياسية واالقتصادية‪ ,‬وكان ما يرب من‬
‫‪ % 5‬من ملة سكاتها قد هلك خالل هذا الكفاح المرير‪ ,‬ولهاذ ترى‬
‫فراتكو‪ ,‬لندما بدأ هتلر غزوه لبولندا‪ ,‬يعلن ياد بالده‪ ,‬ولكنه يعود‬
‫لندما دخلا إيطاليا الحرب‪ ,‬فيعلن أن أسباتيا «دولة غير محاربة»‪.‬‬
‫كذلك قاما أسباتيا في الرابع لشر من ّهر يوتية با تالل مدينة طنجة‬
‫وبدأت الصحافة اإلسباتية تطالب بجبل طارق‪ ,‬و «أتدورا» ‪Andora‬‬
‫ومراكش الفرت ية وذهب فراتكو إلى أبعد من ذلك فأرسل «فيل نقا أزرق»‬
‫ليحارب في الروسيا معلننا في الوقا تف ه «لدم اّتراج دولته في رب‬
‫الباسيفيك»‪ .‬ورغم ما أظهرته أسباتيا من والء لهتلر في كفا ه ضد‬
‫مجمولة الدول الشيولية‪ ,‬فقد أ جم فراتكو لن االتضمام إلى دول‬
‫الحلف الثالثي أو الدخول في الحرب إلى جاتبها‪ ,‬وذلك لما كاتا لليه‬
‫‪228‬‬
‫بالده من اضطراب اقتصادي ولما كان يعوزها من غذاء ووقود ما كاتا‬
‫لتحصل لليهما لوال ترفل األسطول البريطاتي بحالها‪ ,‬يضاف إلى هذا ما‬
‫كاتا لليه البالد من اتق ام سياسي وما كان يخشى أن تقوم به إتكلترا‬
‫من استخدام المواتئ اإلسباتية في لملية إتزال الجنود لغزو القارة‬
‫األوربية‪.‬‬

‫وفي تركيا والبرتغال كان التنافس بين دول الحلفاء والمحور للى‬
‫أّده‪ ,‬كل ي عى لالستحواذ للى أسواقها ومنتجاتها‪ .‬أما دول الشرق‬
‫األدتى بما فيها الدول العربية فكاتا موالية للحلفاء رغم ما كاتا تصبو‬
‫إليه من تحقيل استقاللها كامالن وما كاتا تخشاه في الوقا تف ه من‬
‫ضياع الحقوق التي كاتا قد كتبتها‪ .‬ومن ثم كاتا المعاهدة التي لقدتها‬
‫تركيا في ‪ 191‬أكتوبر سنة ‪ 1939‬مع كل من إتكلترا وفرت ا والتي‬
‫تعهدت فيها هذه الدول الثالث بتبادل الم الدة في الة قيام أي من‬
‫الدول األوربية بالتداء قد يؤدي إلى تشوب الحرب في وض البحر‬
‫المتوسط‪ .‬كذلك تعهدت تركيا بتقديم الم الدة للحلفاء في الة دخول‬
‫إيطاليا الحرب ولكنها ّرطا هذه الم الدة بضمان الحلفاء الستقالل‬
‫كل من اليوتان وروماتيا وباال تجرها إلى الدخول في تزاع مع الروسيا‪ .‬غير‬
‫أته لما كان دخول إيطاليا الحرب قد جاء متف نقا واتهيار فرت ا ومتف نقا‬
‫ضا مع الوقا الذي أللنا فيه روماتيا رفضها لكل الضماتات التي‬ ‫أي ن‬
‫قطعتها لها إتكلترا بشأن استقاللها‪ ,‬فإن تركيا لم تر ما يحملها للى‬
‫الخروج لن يادها‪ ,‬بل إتها أخذت في التبالد خطوة بعد خطوة من‬
‫المشكالت البلقاتية‪ ,‬اللهم إال ما قدمته من م الدات اليوتان لند غزو‬
‫‪229‬‬
‫إيطاليا لها وهي م الدات كادت تنزلل ب ببها إلى الدخول في الحرب‪.‬‬
‫كذلك قاما بعقد معاهدة لدم االلتداء مع بلغاريا ومثلها مع ألماتيا‬
‫قبيل قيامها بغزو ألراضي ال وفيتية‪ ,‬تاركة يوغوسالفيا واليوتان تواجهان‬
‫ما خبأه لهما القدر في أثناء الغارات الجوية األلماتية‪ .‬و رصا تركيا للى‬
‫لدم االّتراج في ّئون الدول القائمة للى دودها األسيوية‪ ,‬فلم‬
‫تتدخل بـأي ّكل من األّكال في الثورة التي قاما في العراق وال في‬
‫دائرا في سوريا وال في اال تالل الروسي البريطاتي‬ ‫القتال الذي كان ن‬
‫إليران‪ ,‬وكما أتها ظلا للى والئها لبريطاتيا بموجب المعاهدة التي بينهما‬
‫فإتها بقيا للى ا ترامها لمعاهدة لدم االلتداء التي بينها وبين ألماتيا‪,‬‬
‫ومن ثم رأيناها في سنة ‪ 1943‬واقفة ترقب الحوادث وتشاهد لن كثب‬
‫معاول الهدم والتخريب تدج البالد المحيطة بها من غير أن تصيبها‬
‫ب وء‪ .‬أما اآلن وللى أثر المؤتمر الذي لقد في مدينة القاهرة في‬
‫دي مبر سنة ‪ 1943‬والذي اجتمع فيه الرئيس إينوتو بكل من روزفلا‬
‫واضحا أن تركيا سوف تعدل لن موقفها ال ابل‬
‫ن‬ ‫وتشرّل فقد أصبح‬
‫وتمد يد المعوتة إلى الدول المتحدة(‪.)1‬‬

‫وهكذا أخذت برلين تصدر في هوادة التصميمات النهائية لهذا‬


‫النظام األوربي الجديد في ّتى مظاهره ال ياسية واالقتصادية والثقافية‬
‫وألب ته الكثير من زخرف القرن العشرين‪ ,‬فبدا براقنا خالبنا ولكنه كان‬

‫(‪)1‬الواقع أن تركيا لم تعدل لن موقف الحياد الذي وقفته منذ بـدء الحـرب وظلـا محافظـة‬
‫لليها تى تهايتها‪ .‬المترجمان‬
‫‪230‬‬
‫لدى الشعوب التي خضعا للحكم النازي مرادفنا لكل معنى من معاتي‬
‫ال خط وم توجبنا لجميع اللعنات‪.‬‬

‫والخالصة أن مدرسة ميوتخ للجيوبولتيكا قد رأت الشيء الكثير من‬


‫المبادئ التي أو ا إلى الرايخ الثالث بإتبالها –في كل سياسته الداخلية‬
‫والخارجية‪ -‬بوضع موضع التنفيذ‪.‬‬

‫‪231‬‬
‫الفصل اخلامس‬

‫الواليات املتحدة وقوتها اجليوبولتيكية‬

‫لندما تعقد الهدتة الثاتية(‪ )1‬ستكون الواليات المتحدة قد بلغا من‬


‫القوة ما لم تبلغه دولة أخرى من قبلها‪ ,‬وسيكون لها تفوذها الذي ال‬
‫يداتي وخاصة في جمهوريات أمريكا الالتينية وفي المحيط الهادي وفي‬
‫الق م الشمالي من المحيط األطل ي؛ وستكون الو دة بين الدول‬
‫العظمى التي لم تتأثر أرضها بغزوات العدو وال بغاراته الجوية المدمرة‪,‬‬
‫وسيصبح أسطولها البحري أقوى أسطول لرفه التاريخ‪ ,‬فتتولى سفنه‬
‫الحربية راسة مياه الباسفيك والق م الغربي من المحيط األطل ي‪,‬‬
‫وتأمين سوا لها‪ ,‬تاركة المحيط الهندي وسوا ل المحيط األطلنطي‬
‫الشرقية في راسة ال فن البريطاتية؛ كذلك سوف تصبح لها الزلامة‬
‫الفنية الجوية‪ ,‬وإن كاتا ستظل إذا ما بقيا الحال للى ما كاتا لليه‬
‫قبل الحرب‪ ,‬وهي مفتقرة إلى القوالد الجوية التي تتناسب و اجتها‪ .‬وإذا‬
‫كاتا هذه الجمهورية قد سارت للى تقليدها في مناهضة فكرة‬
‫اال تفاظ بجيش قائم كبير‪ ,‬فقد ترى تف ها مضطرة إلى فرض الخدمة‬
‫الع كرية للى فتياتها إذا ما بلغوا الثامنة لشرة من لمرهم‪.‬‬

‫(‪)1‬كاتا ألماتيا لند كتابة هذا الفصل ال تزال في الميدان‪ .‬واإلّارة هنا إلـى الهدتـة األولـى‬
‫التي لقدها الخلفاء مع إيطاليا في سنة ‪ ,1943‬وكان من المتوقع أن تتقدم ألماتيـا مـن‬
‫المترجمان‬ ‫بعدها طالبة لقد الهدتة ووقف القتال‪.‬‬
‫‪232‬‬
‫قد ت تطيع الواليات المتحدة أن تحتفظ بهذه المنزلة الهامة التي‬
‫ستكون لها وقد ال ت تطيع ذلك‪ ,‬ألن هذا وذاج مرهوتان بالقوة الكامنة‬
‫في هذه الدولة‪ ,‬وبال ياسة التي سوف تنتهجها في لالقاتها بالدول‬
‫الكبرى‪.‬‬

‫وإذا تحن ألقينا تظرة ّاملة للى التوسع اإلقليمي الذي أ رزته هذه‬
‫البالد فيما بين ‪ 1853 ,1783‬لوجدتا أته كان تتيجة طبيعية لتفالل‬
‫العوامل الجغرافية مع بعضها البعض بدأ هذا بالكفاح من أجل اتخاذ إما‬
‫الم ي بي وإما جبال الليجاتي ندا طبيعينا لهذه الدولة الجديدة‪ ,‬واتتهى‬
‫األمر بأن أصبح الم ي بي ذلك الحد‪ ,‬وكان اإلسبان والفرت يون يتوقون‬
‫إلى قصر رقعة هذه الجمهورية الجديدة للى الم ا ة التي كاتا تشغلها‬
‫الم تعمرات القديمة التي اتحدرت منها‪ ,‬أي فيما بين المحيط وجبال‬
‫الليجاتي‪.‬‬

‫وكان ّراء الواليات المتحدة لم تعمرة لويزياتا الفرت ية بمثابة‬


‫مضالفة لم ا ة البالد‪ ,‬ثم امتدت دودها الغربية فيما وراء الم ي بي‬
‫تى جبال روكي‪ ,‬وأصبحا الواليات المتحدة تمتد من كندا ّماالن تى‬
‫سوا ل خليج المك يك جنوبنا‪ ,‬وبذلك تحرر مصب الم ي بي من كل‬
‫تفوذ أو سيطرة أوربية لليه‪ .‬وقد تأس ا للى رقعة هذه الصفقة الجديدة‬
‫ثالث لشرة والية‪ ,‬بعضها واليات كاملة وبعضها أجزاء من واليات‪ .‬وتقوم‬
‫ن التجارب التي تجريها في تظام‬ ‫كل منها اآلن بإدارة ّئوتها وفل أ‬
‫الحكم‪ .‬وكان لدد سكان هذه الم تعمرة الكبيرة في سنة ‪1804‬‬

‫‪233‬‬
‫خم ين ألفان فح ب فأصبحوا في سنة ‪ ,1940‬والي ‪ 22‬مليوتنا‪ ,‬وهي‬
‫اآلن مصدر ثروة ورخاء لظيمين للبالد‪ :‬فهناج الرصاص والزتك اللذان‬
‫تحويهما واليات مي وري وأركن اا‪ ,‬والماّية واألخشاب في موتتاتا‪,‬‬
‫والقمح في كن اا وداكوتا‪ ,‬والذرة في أيوا ومني وتا‪ ,‬والبك يا في‬
‫أركن اا‪ ,‬وقصب ال كر والقطن في لويزياتا‪ ,‬وزيا البترول في‬
‫أوكالهوما‪.‬‬

‫ثم كاتا الخطوة الثاتية واألوسع في سنة ‪ 1819‬لندما تم‬


‫االستيالء للى فلوري ندا‪ ,‬ورسخا أقدام الجمهورية األمريكية للى سوا ل‬
‫خليج المك يك‪.‬‬

‫وخليج المك يك هو منتهى األتهر األمريكية‪ ,‬ولهذا فهو «الحد‬


‫الطبيعي» لهذه البالد جنوب الجنوب‪ ,‬كما أته المنفذ الذي كان يصدر‬
‫منه قطن واليتي م ي بي وألباما‪ ,‬ولم يكن قد تم تكوينهما بعد‪ .‬وكان‬
‫اإلتكليز قد استخدموا هذه الشقة من ال ا ل األمريكي قالدة لعملياتهم‬
‫الحربية التي قاموا بها لمناهضة التجارة األمريكية في ربهم ضد هذه‬
‫البالد في سنة ‪.1812‬‬

‫وفي سنة ‪ 1845‬تما الخطوة الثالثة من خطوات التوسع‬


‫اإلقليمي‪ ,‬وذلك بضم والية تك اا‪ ,‬وقد تجم لن إضافة ‪267.000‬‬
‫ميل مربع جديد إلى م ا ة البالد‪ .‬وكان لدد األمريكيين في هذه الوالية‬
‫المك يكية في سنة ‪ 1830‬لشرين أل نفا‪ ,‬للى ين أن لدد الم تعمرين‬
‫البيض الذين استطالوا أسباتيا اجتذابهم إليها لم يرد في المائة سنة التي‬
‫‪234‬‬
‫ظلا تحا كمها‪ ,‬للى ‪ 3000‬م تعمر‪ .‬وهذه الوالية وإن ظلا‬
‫تى ذلك الحين إسباتية أو باأل رى مك يكية من يث تبعيتها‬
‫ال ياسية‪ ,‬إال أن ال يادة الفعلية فيها كاتا لألمريكيين‪ ,‬وهو ما قرره‬
‫الكاتب الفرت ي الشهير ‪ Alexis de Tocoqueville‬الذي زار‬
‫الواليات المتحدة بعد سنة ‪ ,1830‬إذ كتب يقول‪:‬‬

‫«لقد استطاع العنصر األمريكي اإلتكليزي أن يتغلغل في هذه الوالية‬


‫(تك اا) التي ال تزال قليلة ال كان‪ ...‬ومن ال هل للى اإلت ان أن‬
‫يرى أته إذا لم تتدارج المك يك األمر وتعمل للى تغيير الوضع القائم‬
‫هنا ف وف تئول ملكية هذه الوالية إلى أيد غير أيديها»‪.‬‬

‫وهذا ما دث فعالن‪ .‬ففي ّهر فبراير سنة ‪ 1845‬أصدر مجلس‬


‫الكوتجرا قرار بضم «جمهورية النجم األو د» ‪Lone Star‬‬
‫‪( Republic‬تك اا) إلى االتحاد‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 1846‬استطالا كل من لندن وواّنجطون ت وية ما‬


‫كان بينهما من خالف للى تعيين خط الحدود في والية «أرجون» كما‬
‫ضا تهدئة الخواطر الثائرة والتي كاتا تطالب باتخاذ خط‬
‫استطالتا أي ن‬
‫‪5‬‬
‫ندا فاصالن بين الدولتين أو امتشاق الح ام ‪«Fifty‬‬ ‫لرض ‪4৹ 40‬‬
‫»‪ Four Forty. Orfisht‬وذلك باالتفاق فيما بينهما للى أن يكون‬
‫الحد الفاصل بين الممتلكات البريطاتية واألمريكية من جبال روكي تى‬

‫‪235‬‬
‫سا ل المحيط الهادي هو خط لرض ‪ّ ৹ 49‬ماالن –وكان استقرار ألف‬
‫من الم تعمرين األمريكيين األّداء في هذه الوالية‪ ,‬من أقوى األسباب‬
‫التي التمدت لليها الواليات المتحدة في المطالبة بها‪.‬‬

‫‪Guadaluoe‬‬ ‫ثم كاتا سنة ‪ ,1848‬وفيها لقدت معاهدة‬


‫‪ Hidalego‬التي اتتها بها الحرب المك يكية‪ ,‬والتي تنازلا المك يك‬
‫بموجبها لن كليفورتيا العليا وتيومك يكو‪ .‬كما الترفا بحل تملك‬
‫الواليات المتحدة لوالية تك اا‪ ,‬وبهذا اتصلا الجمهورية األمريكية‬
‫إلى تهاية دودها المنطقية صوب الغرب أي إلى سوا ل المحيط‬
‫الهادي‪ .‬والواقع أن والية كليفورتيا كاتا‪ ,‬من النا ية العملية‪ ,‬والية‬
‫أمريكية قبل قيام الحرب المك يكية‪ ,‬وذلك لكثرة من ت رب إليها من‬
‫الم تعمرين األمريكيين‪ ,‬ففي سنة ‪ 1845-1844‬و دها دخلها بضع‬
‫مئين ممن لبروا القارة متتبعين طريل أيجون تى تقطة قريبة من فورت‬
‫هل ‪ Fort Hill‬في الق م الجنوبي من والية إيداهو‪ ,‬وكاتا التعليمات‬
‫قد صدرت من واّنجطون إلى القنصل األمريكي في مدينة موتتري‬
‫‪ Monterey‬بالعمل للى إيقاظ روح « ب الحرية واالستقالل‪ ,‬هاتين‬
‫الصفتين اللتين اختصا بهما القارة األمريكية»‪ ,‬في تفوا الكاليفورتيين‪.‬‬

‫وصلا الواليات المتحدة إلى دودها الجنوبية لن طريل الفتح‪,‬‬


‫فقد ظلا العالقات ال ياسية بينهما وبين المك يك مضطربة غير‬
‫تغيرا‬
‫م تقرة تى الربع الثاتي من القرن العشرين ينما تغيرت الحال ن‬
‫‪236‬‬
‫كلينا ورأينا المك يك‪ ,‬ألول مرة في التاريخ‪ ,‬تقف إلى جاتب الواليات‬
‫المتحدة ص نفا وا ندا في الحرب‪.‬‬

‫وفي سنة ‪ 1853‬أتجزت الواليات المتحدة أخر خطوة من‬


‫الخطوات التي قاما بها لتوسيع رقعتها بشراء منطقة ‪ Gadsden‬من‬
‫المك يك‪ ,‬وتبلغ م ا تها ‪ 36.211‬ميالن مر نبعا‪ ,‬وهي واقعة جنوبي تهر‬
‫‪ Gila‬وتصلح ألن يمد فيها خط ديدي من جنوب جبال روكي تى‬
‫سا ل المحيط الهادي‪.‬‬

‫بهذا بلغا م ا ة الواليات المتحدة ‪ 3.022.387‬ميالن مر نبعا‪,‬‬


‫ولم تمكن في أول تكوينها سوى ‪ 868.000‬ميل مربع فقط‪ .‬وبهذا‬
‫التوسع المكاتي العظيم تمكنا هذه الدولة من إقامة صرح لظمتها‬
‫اإلقليمية‪.‬‬

‫ضا من زلماء أمريكا وقادتها كاتوا –بالغريزة‪-‬‬


‫وال ّك في أن بع ن‬
‫بعيدي النظر ويعملون وكأتهم للى بينة من األسس التي يقوم لليها للم‬
‫الجيوبولتيكا‪ ,‬بل يمكن التبارهم من المنقذين لمبادئ هذا العلم‪ .‬ومن‬
‫بين هؤالء توماا جفرسون الذي قام بشراء لويزياتا‪ ,‬ولم يدر بخلده إذ‬
‫ذاج أن ال واليات المتحدة سوف ت تطيع االتتفاع بجميع هذه المنطقة‪:‬‬
‫اتحادا‬
‫ن‬ ‫فقد كتب في سنة ‪ 1804‬يقول‪« :‬وسواء ظلا هذه البالد‬
‫وا ندا‪ .‬أو اتق ما إل اتحادين أ دهما أطلنطي واآلخر م ي بي‪ ,‬فإن‬
‫هذا لن يؤثر في سعادة ورخاء أي من هذين الق مين»‪ ,‬أما اآلن فإن‬
‫تجما‪ -‬هو‬
‫للما وا ندا –رسم لليه ثالثة لشر ّريطنا وثماتية وأربعون ن‬
‫ن‬
‫‪237‬‬
‫الذي يرفرف من فوق دار الحكومة في أوج تا لاصمة والية مين‬
‫‪Maine‬ليشرف منها للى مياه المحيط األطلنطي؛ ومن فوق دار الحكومة‬
‫في «جفرسون ستي» لاصمة والية مي وري ليشرف منها للى أمواج هذا‬
‫النهر‪.‬‬

‫ويرى أساتذة معهد ميوتخ في جيمس منرو‪ ,‬صا ب «مبدأ منرو»‬


‫للما من ألالم الجيوبولتيكا‪ ,‬والواقع أن الرئيس «منرو» إتما‬
‫الشهير‪ ,‬ن‬
‫لمل باقتراح «جون كوت ي آدمس ‪ ,John Quincy Adams‬ولم‬
‫يقصد من وراء هذا المبدأ سوى الحيلولة بين دول العالم القديم العظمى‬
‫وتق يم العالم الجديد فيما بينها‪ .‬وقد جاء النازيون والياباتيون اآلن‬
‫يدلون أتهم ال يهدفون من وراء تنفيذ تظاميهما الجديدين سوى تطبيل‬
‫مبدأ منرو للى كل من أوربا وّرق آسيا األكبر‪ .‬ولكن تاريخ هذه‬
‫القارات الثالث –إفريقيا وآسيا وأوربا‪ -‬فيما بين العقدين الثالث والرابع‬
‫من القرن العشرين‪ ,‬فيهما الدليل القاطع للى كذب الدلاية المحورية في‬
‫هذه النا ية‪.‬‬

‫تقدم الرئيس «منرو» في الثاتي من ّهر دي مبر سنة ‪ 1823‬إلى‬


‫مجلس الكوتجرا برسالته المكتوبة الشهيرة معربنا فيها لن أن قارتي‬
‫تصف الكرة الغربي «سوف ال ت محان منذ اليوم ألي من الدول األوربية‬
‫العظمى أن تتخذ منهما مجاالن لنشاطها االستعماري في الم تقبل»‪ ,‬وأن‬
‫كومة الواليات المتحدة سوف تعتبر «أية محاولة من جاتب هذه الدول‬
‫لتطبيل منهجها (الحلف المقدا) للى أي ق م من أق ام هذا النصف‬

‫‪238‬‬
‫خطيرا يهدد أمن وسالمة بالدها‪ ,‬كما قررت من جاتبها‬
‫من الكرة لمالن ن‬
‫أال تتدخل في األتظمة التي ت ير لليها الحكومات األوربية‪ ,‬وأال تعمل‬
‫ّيئنا قد يؤدي إلى زلزلة الحالة الراهنة في الممتلكات التي للدول‬
‫األوربية في العالم الجديد‪».‬‬

‫وكان وليام سيوارد ‪ Wiliam Seward‬قد أوصى بضرورة االستيالء‬


‫استعدادا لم تقبل تكون ال يادة فيه‬
‫ن‬ ‫للى أالسكاوجرينالتد وآي التدا‬
‫للمال ة الجوية‪ .‬ولهذه التوصيات أهميتها الحقيقية من النا ية‬
‫الجيوبولتيكية‪ ,‬وقد جاءت الحرب فبرهنا ألول مرة للى ماألل كا من‬
‫قيمة كبيرة‪ ,‬ال بل إن الجنرال بيلي ميتشل ‪ Billy Mitchel‬ذهب في أ د‬
‫تصريحاته إلى د القول بأن أالسكا «أهم تقطة إستراتيجية للى سطح‬
‫الكرة األرضية»‪.‬‬

‫ويعتبر كل من األميرال (الفريدت‪ .‬ماهان ‪)Alfred T.Mahan‬‬


‫والرئيس روزفلا في فترة تولية رئاسة الجمهورية األمريكية‪ ,‬يرجع الفضل‬
‫في تنفيذ الكثير من آراء األميرال ماهان‪ ...‬والفريد ماهان ألظم من‬
‫ي تشهد به الجيوبولتيون في كل ماله م اا بالقوة البحرية‪ .‬وكان أستاذنا‬
‫لتاريخ البحرية بالكلية البحرية األمريكية بمدينة تيوبورت في «رود أيلند»‬
‫وقد لنى في جميع مؤلفاته وخاصة في كتابه‪« :‬أثر القوة البحرية في‬
‫التاريخ من ‪of Sea power « »The Influence 1763-1660‬‬
‫»‪ on History; 1660-1763‬والمنشور في سنة ‪ 1890‬باألسس‬
‫والمبادئ البحرية التي سارت لليها اإلمبرالية البريطاتية منذ لهد بعيد‪,‬‬

‫‪239‬‬
‫وخلص من دراساته إلى أن رخاء أي قوم ومصيرهم مرهوتان بما يعدوته‬
‫من خطط لب ط سيادتهم البحرية التجارية‪ ,‬وأن أسطوالن تجارينا ترفرف‬
‫لليه األّرطة والنجوم سوف ال تقتصر فائدته للى تنشيط تجارة البالد‬
‫فح ب‪ ,‬بل إته يكون بمثابة الدرع لقوتها البحرية‪ ,‬وال فن التجارية‪,‬‬
‫ينما سارت‪ ,‬ال غنى لها لن الشعور بالطمأتينة في المواتئ التي تقصدها‬
‫وبالحماية في الطرق التي ت لكها‪ ,‬وكالهما يتطلب قيام إمبراطورية فيما‬
‫وراء البحار وبناء أسطول قوي‪ .‬ولماهان آراؤه في اإلستراتيجية البحرية‬
‫ا ووسائل الدفاع القومي وهي أراء معروفة مدروسة في الواليات‬
‫المتحدة والعالم كله‪ .‬فمن رأيه مثالن أن الدفاع لن الواليات المتحدة ال‬
‫يكون بمحاولة منع وصول سفن العدو إلى سوا لها وإتما يكون بإلداد‬
‫أسطول من الو دات البحرية الضخمة التي تحول دون ضرب أي صار‬
‫للى البالد‪ ,‬والتي تعمل للى بقاء المواتئ األمريكية مفتو ة وم تعدة‬
‫الستقبال ال فن المحايدة التي قد تأتيها خالل فترة الحرب‪ .‬والطرادات‬
‫في تظر ماهان ال تكون األسطول ألتها ال تقوى للى منع الحصار‪ ,‬وإتما‬
‫األسطول هو المدرلات والقطع البحرية الضخمة التي يمكنها أن تحكم‬
‫في المياه المحيطة بالواليات المتحدة وإلى م افة كبيرة من سوا لها‪.‬‬

‫هذا وقد جاءت الحوادث العالمية مؤيدة لما تادى به ماهان من‬
‫ضرورة االلتماد للى ال فن الكبرى لند بناء األساطيل‪ ,‬فقد خرجا‬
‫ّيلي من رب الباسفيك ولها أسطول قوى منيع‪ ,‬للى ين أغرقا‬
‫لواصف التيفون التي هبا للى ‪ Apia‬في جزائر ساموا في سنة ‪,1889‬‬
‫الق م األكبر من األسطولين األمريكي واأللماتي‪ .‬ولهذا وافل مجلس‬
‫‪240‬‬
‫الكوتجرا للبحرية األمريكية في سنة ‪ 1890‬للى االلتمادات الالزمة‬
‫لبناء ثالث مدرلات (تزيد مولتها قليالن للى لشرة آالف طن) وكاتا‬
‫إ داهما المدرلة أوريجن الشهيرة‪ .‬وظل ماهان طوال العقد األخير من‬
‫القرن التاسع لشر وهو يلح للى ضرورة بناء ال فن الكبرى وتوسع‬
‫يوما ما‬
‫أمريكا فيما وراء البحار‪ ,‬فكان من رأيه أن جزائر هاواي قد تصبح ن‬
‫موقعا أمامينا» له قيمته اإلستراتيجية الخطيرة‪ ,‬إذا ما هبا للى البالد‬
‫« ن‬
‫ضا ضرورة ّل‬ ‫(موجة زا فة من الغزو) من الشرق األقصى‪ .‬كما أكد أي ن‬
‫منبها في الوقا تف ه إلى أته لن يتأتى للواليات‬
‫قناة بين األمريكتين‪ ,‬ن‬
‫المتحدة المحافظة للى سالمة هذه القناة من غير أن يكون لها التفوق‬
‫التام في البحر الكاريبي وفي الق م الشرقي من المحيط الهادي‪.‬‬
‫وجاءت من بعد ذلك الحرب األمريكية اإلسباتية فأينا الشيء الكثير‬
‫مما ذهب إليه ماهان‪ ,‬ولمس الجميع الحاجة إلى تلك الفتاة ولرفوا‬
‫قيمتها لندما اضطررت المدرلة أريجون إلى قطع الم افة من سان‬
‫يوما اجتازت فيها‬
‫فرات ي كو إلى كي وسا‪ ,‬فقد قضا ثالثة وستين ن‬
‫‪ 13000‬ميل يجرى في ر لتها لن طريل مضيل ماجالن‪ ,‬وكان أسطول‬
‫المحيط األطل نطي ي وده القلل إذ ذاج ب بب جهله بموقع األسطول‬
‫اإلسباتي‪ ,‬وبلغ هذا القلل ندا دفع الحكومة األمريكية إلى تقل رصيدها‬
‫من الذهب من مدينة بوسطون القائمة للى ال ا ل إلى مدينة وستر‬
‫الواقعة في الداخل‪.‬‬

‫كذلك أيدت هذه الحرب اجة الواليات المتحدة إلى االستيالء‬


‫للى قوالد بحرية في مختلف البحار‪ ,‬وقد رأت فيها فرصة ساتحة‬
‫‪241‬‬
‫لتحقيل ما أوصى به ماهان‪ ,‬ذلك أن األميرال ديوي –وكان راسينا بأسطوله‬
‫في ميناء هنج كنج‪ -‬اضطر ب بب ياد بريطاتيا إلى الر يل لن مياه هذه‬
‫الم تعمرة اإلتكليزية‪ .‬ولما كان تيودوز روزفلا‪ ,‬في أثناء توليه وكالة‬
‫تاما لينقض به‬
‫إلدادا ن‬
‫ن‬ ‫البحرية األمريكية‪ ,‬قد لقد لديوي لواء أسطول ألد‬
‫للى جزائر الفيليبين إذا ما أللنا الحرب للى أسباتيا‪ ,‬فقد خرج‬
‫أسطول ديوى من فوره من هنج كنج في ال ابع والعشرين من ّهر أبريل‬
‫سنة ‪ 1898‬قاص ندا خليج ماتيال واّتبك هناج في أول مايو مع‬
‫األسطول اإلسباتي الضعيف في معركة بحرية كاتا هي القاضية لليه‪.‬‬
‫ضا للى أن المدافع الطافية والمثبتة للى‬ ‫وقد برهنا هذه الحرب أي ن‬
‫مذكورا إذا ما قورتا بتلك التي ترتكز للى البر‬
‫ن‬ ‫ظهور ال فن لي ا ّيئنا‬
‫وكاتا هذه آخر لهد الواليات المتحدة باستخدام سفن الدفاع أمثال‬
‫موتيتور ‪ Monitor‬وغيرها في الذود لن مرافئها‪.‬‬

‫خرجا الواليات المتحدة من هذه الحرب وهي مالكة لجزائر جوام‬


‫والفيلبين‪ .‬وبورتوريكو‪ .‬كما أللنا مايتها للى جزيرة كوبا‪ ,‬وأصدر‬
‫مجلس الكوتجرا قر نارا منفصالن بضم جزائر هاواي‪ .‬والخالصة أته لم‬
‫تنقض رياسة تيودور روزفلا تى كان الشيء الكثير من آراء األميرال‬
‫ماهان قد أصبح قائل ملموسة‪ .‬ومن أبرز هذه كلها منطقة قناة بما‬
‫ولرضها لشرة أميال لبر البرزخ‪ ,‬فقد تم االستيالء لليها وتم فر القناة‬
‫تف ها وفتحا للمال ة في سنة ‪ ,1914‬كما أمكن بفضل روزفلا‬
‫تنفيذ ال ياسة التي تادى بها ماهان وهي بناء أسطول من ال فن الكبرى‬
‫وأرسل هذا األسطول في ر لة ول العالم في سنة (‪)1909-1907‬‬
‫‪242‬‬
‫رمزا للى هذه القوة الجديدة التي أصبحا للواليات المتحدة‪.‬‬ ‫ليكون ن‬
‫وقد جاءت هذه الر لة بمناسبة إتذار وجهة روزفلا إلى اليابان ب بب ما‬
‫مؤخرا من خالف بين واّنجطون وطوكيو للى أثر القرار‬
‫كان قد قام ن‬
‫الذي أصدره –وقتئذ‪ -‬مجلس التعليم في والية كليفورتيا من ضرورة‬
‫تخصيص مدارا لتعليم أبناء الصينيين والياباتيين والكوريين غير تلك‬
‫التي يتعلم فيها األطفال األمريكيون‪ .‬وأقل ما يمكن أن يقال لن تتائج‬
‫هذه الر لة أن ضباط األسطول األمريكي وبحارته قوبلوا بكل فاوة تى‬
‫في طوكيو ويوكوهوما‪.‬‬

‫وليس من ّك أن القوة الحقيقية للواليات المتحدة هي تتيجة‬


‫مباّرة للعوامل الطبيعية التي ترتكز لليها جيوبولتيكتها‪ ,‬والتي أخذت‬
‫تظهر آثارها اآلن فيما أ رزته هذه البالد من منزلة رفيعة في الميداتين‬
‫الحربي وال ياسي‪ :‬فهي ذات موقع جغرافي يفضل ما لغيرها من الدول‬
‫العظمى‪ ,‬ألن المحيط األطلنطي ولرضه ثالثة آالف ميل يفصل بينها‬
‫وبين القارة األوربية‪ ,‬ويفصل بينها وبين آسيا خم ة آالف ميل من مياه‬
‫المحيط الهادي (ّكل ‪ )12‬وتقوم للى دودها الشمالية م تعمرة كندا‬
‫الم تقلة‪ ,‬وللى دودها الجنوبية المك يك‪ ,‬وهما دولتان صديقتان‪,‬‬
‫كما أتهما في الوقا تف ه‪ ,‬إذا ما قي تا بالواليات المتحدة أضعف منها‬
‫بكثير‪ .‬وبالد لها مثل هذا الموقع‪ ,‬إذا ما تعرضا لحرب في جبهتين‬
‫مختلفتين‪ ,‬البد أن يأتيها الهجوم في إ داهما من البحر‪ ,‬وهو لكس‬
‫تماما لما يحدث في بالد كالروسيا‪ ,‬إذا ما اضطرت لمنازلة لدوها‬
‫الحال ن‬
‫ف ي جبهتين‪ .‬غير أن التح ينات المتوالية التي أدخلا للى سبل‬
‫‪243‬‬
‫كثيرا –إن لم تكن قد‬
‫المواصالت البرية والبحرية والجوية‪ ,‬قد قللا ن‬
‫تماما‪ -‬للى ما كاتا تتمتع به هذه البالد من لزلة جغرافية‪ ,‬لن‬
‫قضا ن‬
‫أقصى ما يفصل بين بقعة وأخرى للى سطح الكرة األرضية –مهما بعدتا‬
‫لن بعضهما البعض‪ -‬ال يزيد للى ستين سالة جوية‪ ,‬ال بل إن التحول‬
‫الذي ينتظر أن يطرأ للى المحيط المتجمد الشمالي تى يصبح بمثابة‬
‫بحر متوسط للمال ة الجوية سوف يقضى للى العزلة التي تتمتع بها‬
‫أمريكا من النا ية الع كرية‪ ,‬كذلك يال ظ أن قناة بما –ولها مالها من‬
‫ضا من المواقع الحربية‬
‫أهمية في تأمين سالمة الواليات المتحدة‪ -‬هي أي ن‬
‫التي يمكن النيل منها ب هولة‪ ,‬طالما أن سياسة تخصيص أسطول‬
‫للمحيط الهادي وآخر للمحيط األطل ي‪ ,‬ال تزال قيد التنفيذ‪ّ( ,‬كل‬
‫‪ .)13‬والواقع أن هذه البالد كاتا للى ّفا هاوية لو قدر للعدو في سنة‬
‫قائما إذ ذاج للى راسة‬‫‪ 1940‬تدمير األسطول البريطاتي الذي كان ن‬
‫اتصاالتنا مع مواتئ المحيط األطلنطي‪ .‬هذا وسوف تظل لقناة بما قيمتها‬
‫في تقصير الم افات تى بعد إتمام بناء أسطول لكل من المحيطين‬
‫(سنة ‪ )1946‬ألن الدور الذي تقوم به الواليات المتحدة كدولة من دول‬
‫المحيط الهادي ال يمكن أداؤه للى الوجه األكمل من غير االلتماد للى‬
‫هذه القناة‪ ,‬ذلك ألن قلب الصنالة األمريكية قائم في ق مها الشرقي‬
‫الذي تفصل ال هول األمريكية الشاسعة وجبال روكي الشاهقة بينه وبين‬
‫سوا ل المحيط الهادي ولن يتأتى لل كك الحديدية الممتدة لبر هذه‬
‫القارة الف يحة أن تنقل ما تنقله ال فن اآلن من المواد الضخمة لبر‬
‫القناة‪.‬‬

‫‪244‬‬
‫ولموقع الواليات المتحدة من البحر الكاريبي أهميته الكبرى‪ ,‬فهذا‬
‫البحر إلى جاتب قيمته الدفالية بالتباره منتهى قناة بما‪ ,‬ذلك الشريان‬
‫الحيوي الذي يربط بين المحيطين األطلنطي والهادي‪ ,‬له مركزه الخاص‬
‫في تجارة البالد‪ ,‬إذ يتم فيه تبادل منتجات المناطل الحارة بالصنالات‬
‫األمريكية –وهي تجارة لها قيمتها‪ -‬كما يبدو من المركز البارز الممتاز‬
‫الذي تتبوأه الواليات المتحدة اآلن في كل من بالد المك يك وأمريكا‬
‫الوسطى والجمهوريات الشمالية ألمريكا الجنوبية وجزائر الهند الغربية‪,‬‬
‫وقد وقفا كلها كتلة وا دة إلى جاتب الواليات المتحدة فيما بعد «يبرل‬
‫هاربر» وأللنا الجمهوريات الت ع التي تتكون منها أمريكا الوسطى‬
‫والهند الغربية الحرب للى دول المحور‪ ,‬وقطعا كل من كولومبيا‬
‫وفنزويال لالقتهما ال ياسية بها‪ .‬كذلك قطعا المك يك لالقتها بتلك‬
‫الدول وألقبا ذلك بإلالن الحرب لليها لندما أغرقا الغواصات‬
‫األلماتية بعض تاقالت البترول المك يكية‪ .‬وقبل أن تنتهي سنة ‪1943‬‬
‫كاتا كولومبيا قد الترفا بقيام الة الحرب بينها وبين ألماتيا‪.‬‬

‫هذا وتعتمد الواليات المتحدة في تجارتها مع لرب أمريكا الجنوبية‬


‫للى طريل بنما‪ ,‬كما تعتمد في تجارتها مع ّرق هذه القارة للى جزيرة‬
‫ترتداد التي ترسو فيها ال فن األمريكية لتتزود فيها بما تحتاج إليه‪ .‬وقد‬
‫كاتا لمنتجات أمريكا الجنوبية ومواردها االقتصادية فائدتها العظيمة في‬
‫تمكين كل من الواليات المتحدة والدول المتحالفة من مواصلة مجهوداتها‬
‫الحربية‪ ,‬وخاصة بعد أن رما من المنتجات االستوائية أمثال المطاط‬
‫والصفيح والكينا وغيرها مما كان يأتيها من الشرق األقصى‪.‬‬
‫‪245‬‬
‫وفي النهاية يطل الق م الشمالي الشرقي للواليات المتحدة للى‬
‫طريل المحيط األطلنطي الشمالي وهو أهم طريل تجاري في العالم كما‬
‫يصل ق مها الشمالي الغربي للى طريل ّمال المحيط الهادي‪ ,‬ولو أن‬
‫أهميته التجارية تقل لن سابقه‪.‬‬

‫ومن المظاهر التي لها أهميتها في جيوبولتيكا الواليات المتحدة‬


‫لظم ات اع رقعتها وّكلها الجغرافي العام‪ ,‬إذ من الثابا أن جميع‬
‫الدول الكبرى يجب أن تكون م تقبالن –للى درجة من االت اع ت تطيع‬
‫معها تنظيم دفالها وف نقا للقالدة التي أطلقنا لليها اسم الدفاع في العمل‬
‫‪ ,Defance in Depth‬وهي قالدة قام الدليل للى صحتها في الحرب‬
‫األوربية الثاتية خالل الغزو النازي لألراضي الروسية وغزو اليابان لبالد‬
‫الصين‪ .‬والواليات المتحدة‪ ,‬وإن كاتا من البالد التي لم تحطأها أقدام‬
‫الغزاة منذ سنة ‪ ,1813‬صالحة من كافة توا يها لتطبيل هذا المبدأ‪,‬‬
‫فم ا تها التي تزيد قليالن للى ثالثة ماليين ميل مربع تجعلها متقاربة من‬
‫أوربا‪ ,‬ومن ال هل ج ندا أن تن حب بعدوها تى جبال األبالش إذا ما‬
‫جاءها الغزو من الشرق‪ ,‬و تى جبال روكي إذا ما جاءها من الغرب‪ .‬أما‬
‫صالحا‬
‫ن‬ ‫إذا جاءها الغزاة من المناطل القطبية ف وف تجد في كندا محاالن‬
‫لتطبيل هذا المبدأ‪ ,‬للى ين تقوم بالد المك يك بدور الدفاع لنها إذا‬
‫جاءها الغزو من الجنوب‪.‬‬

‫ويتركز قلب الصنالات األمريكية والكندية في القطاع الشرقي من‬


‫اإلقليم األوسط‪ ,‬وتقوم قناة «صو»‪ -‬التي تصل بين بحيرتي سوبيرير‬

‫‪246‬‬
‫ومتشجان‪ -‬بنقل الحديد الخام من مناجمه في ّمال غربي والية مني وتا‬
‫إلى المراكز الصنالية جنوبي هذا اإلقليم‪ ,‬وهذه القناة من األهداف‬
‫الع كرية الخطرة الشأن التي قد تقصدها الطائرات المغيرة‪ ,‬وقد أّار‬
‫أبراهام لنكولن في إ دى رسائله إلى الكوتجرا سنة ‪ 1862‬إلى‬
‫ال منطقة الممتدة بين جبال الليجاتي وجبال روكي وبين دود كندا من‬
‫الشمال تى الخط الذي يفصل بين منطقتي الذرة والقطن جنوبنا ف ماها‬
‫«مصر أمريكا» ‪ ,‬ولهذا فقد يصبح من الضروري إذا ما تعرضا البالد‬
‫م تقبالن لحرب أن تعمل الحكومة للى تقل المراكز الصنالية من‬
‫مناطقها الحالية‪ ,‬متشبهة في ذلك بما فعلته روسيا قبيل الغزو النازي‬
‫لبالدها‪ ,‬ينما تقلا صنالاتها إلى منطقة األورال‪.‬‬

‫وللواليات المتحدة ميزة أخرى‪ ,‬وتقصد بذلك تماسك أجزائها‬


‫واتدماج ّكلها العام‪ .‬فقد تجم لن لظم ات اع رقعتها أن طالا‬
‫دودها البحرية والبرية‪ ,‬فخط الحدود فيما بينها وبين كندا‪ ,‬لدا الق م‬
‫المار بأالسكا يبلغ تحو ‪ 3987‬ميالن ويبلغ خط الحدود بينها وبين‬
‫المك يك ‪ 2013‬ميالن‪ ,‬وال تقوم للى أيهما صون من أي توع كان‪,‬‬
‫وتظرا لما بين هاتين‬
‫وهو مثال بذا لو أخذت به غيرها من األمم‪ .‬ن‬
‫الجارتين والواليات المتحدة من تفاوت لظيم في القوة‪ ,‬ولما قطعته‬
‫الدول الثالث من لهود للدفاع لن هذا النصف من الكرة األرضية‪,‬‬
‫فالحكومة األمريكية ال ترى في أيهما ما يمكن أن يهدد سالمتها‪.‬‬

‫ومقاطعة سمث ‪ Smith‬في والية كن اا هي القلب الجغرافي‬

‫‪247‬‬
‫للبالد‪ ,‬لند تقطة تقاطع ‪ ৹ 39.50‬من درجات العرض الشمالية بخط‬

‫طول ‪ ৹ 98.35‬غربنا‪ .‬أما قيام العاصمة في مركز كولومبيا للى سا ل‬


‫المحيط األطلنطي فكان دثنا تاريخينا‪ ,‬والغرض منه التوفيل بين‬
‫الشماليين والجنوبيين‪.‬‬

‫ولمناخ الواليات المتحدة أثره فيما أ رزته هذه البالد من مكاتة بين‬
‫دول العالم العظمى‪ ,‬ذلك ألن قيامها في خطوط لرض متوسطة تمتاز‬
‫بكثرة التغيرات الجوية الناّئة لن األلاصير التي ت ود منطقة الرياح‬
‫الع كرية‪ ,‬أك ب سكاتها صحة وتشاطنا لظيمين‪ ,‬فتعاقب الشتاء الذي‬
‫تتدرج فيه الحرارة من البرودة الشديدة إلى االلتدال‪ ,‬والصيف الذي‬
‫يتدرج من الدفء إلى الحار‪ ,‬من ّأته أن يمنح ال كان تشاطنا ي تعينون‬
‫به في مجهوداتهم الصنالية والعقلية‪ .‬ولهذا المناخ‪ ,‬فوق ذلك‪ ,‬فائدة‬
‫أخرى‪ ,‬فهو من العوامل المهيئة إلتتاج المحصوالت التي ت الد للى بناء‬
‫الج م‪ .‬وقوة أية أمة‪ ,‬وخاصة في زمن الحرب‪ ,‬مرهوتة إلى د كبير‪,‬‬
‫بمقدرتها للى إتتاج القدر الكافي من األغذية التي يمكن أن يتكون منها‬
‫الطعام المتكامل وإتتاج األغذية التي يطلقون لليها اسم «أغذية‬
‫المقاومة» ‪ ,‬وهي مما ال غنى لنها لكل من المحاربين والعاملين وراء‬
‫خطوط القتال‪.‬‬

‫ظلا الواليات المتحدة طوال القرن التاسع لشر‪ ,‬دولة زرالية من‬
‫الدرجة األولى‪ ,‬أما اآلن فإن لدد الذين يتعيشون من فلح األرض‪ .‬ال يزيد‬
‫‪248‬‬
‫للى ‪ % 25‬من مجموع ال كان‪ .‬ومع أن ثلث م ا ة البالد أو ما‬
‫يقرب من الثلث‪ ,‬صالح إلتتاج المحصوالت الزرالية‪ ,‬فإن الم تغل‪,‬‬
‫منها استغالالن فعلينا‪ ,‬ال يزيد في أيام ال لم‪ ,‬للى ‪ %18‬من جملة‬
‫الم ا ة‪ .‬هذا وتنتج الواليات المتحدة اجتها من المواد الغذائية‪ ,‬فيما‬
‫لدا الحاصالت المدارية‪ .‬وهي ما يمكن الحصول لليها من بالد البحر‬
‫الكاريبي‪ ,‬فهي تغل مقادير كبيرة ج ندا من القمح والذرة‪ ,‬ومن اللحوم‬
‫كثيرا‬
‫والفاكهة؛ غير أن ت بة المصدر منها إلى جملة الصادرات قد قل ن‬
‫لن ذي قبل‪ ,‬ففي سنة ‪ 1890‬بلغا قيمة المنتجات الزرالية ‪%75‬‬
‫من مجموع الصادرات‪ ,‬ولكن هذه الن بة اتخفضا لند بدء الحرب‬
‫العالمية الثاتية إلى ما يقرب من ‪ %20‬فقط‪ ,‬ومع ذلك فال تزال‬
‫للواليات المتحدة منزلتها التي ال تباري في إتتاج بعض المواد األولية‬
‫الزرالية كالقطن مثالن الذي تنتج منه تحو ‪ %50‬من المحصول العالمي‪.‬‬
‫أما الصوف فعلى الرغم من أتها ال تنتج كل اجتها منه فإته ي هل لليها‬
‫استكمال ما ينقصها منه بما ت تورده من األرجنتين وأوراجواي‪ .‬ثم هناج‬
‫المطاط‪ ,‬وهو من غير تزاع‪ ,‬أهم المواد األولية الزرالية التي تعوزها‪ ,‬ويزيد‬
‫هذا النقص خطورة أن الواليات المتحدة ت تهلك في أيام ال لم ما‬
‫يقرب من ‪ %45‬من اإلتتاج العالمي كله من المطاط‪.‬‬

‫تبعا لتنوع األ وال‬


‫هذا وتتنوع رف ال كان في هذه البالد ن‬
‫المناخية فهناج منطقة القطن مثالن‪ ,‬التي تعتبر أكبر مراكز هذه الزرالة في‬
‫العالم كله‪ ,‬فإن األ وال المناخية فيها تالئم زرالة هذا المحصول العظيم‬
‫القيمة كل المالءمة‪ ,‬كذلك للمناخ ال ائد في منطقة الذرة أثره في العمل‬
‫‪249‬‬
‫للى خلل أكبر منطقة في العالم كله لتربية الماّية‪ .‬وقد أصبحا واليات‬
‫فلوريدا وتك اا‪ ,‬وكليفورتيا بفضل مناخها ّبه المداري قوالن طبيعية‬
‫إلتتاج الثمار الحمضية الغنية بالفيتامينات‪ ,‬وهناج منطقة إتتاج األلبان في‬
‫الق م الوسط الشمالي‪ ,‬وقد أك بتها أمطارها الوفيرة وصيفها المائل إلى‬
‫البرودة‪ ,‬مقدرة فائقة في إتتاج مقادير كبيرة من اللبن والزبد والجبن وما‬
‫إليها من أغذية المقاومة‪ .‬وفي هذه البالد لدا ما ذكر م ا ات كبيرة‬
‫ت الد ظروفها المناخية للى إتتاج المواد الغنية بالعناصر البروتينية‬
‫كالفاصوليا وفول الصويا أما ال كر فااللتماد فيع بالدرجة األولى للى ما‬
‫تتجه جزيرة كوبا‪ ,‬ومع ذلك فليس من الع ير للى الواليات المتحدة‪ ,‬إذا‬
‫كثيرا للى ما تنتجه‬
‫ما ألوزتها الحاجة‪ ,‬أن تنتج كميات من البنجر تزيد ن‬
‫في الوقا الحاضر‪ .‬هذا ويقدر استهالج الفرد األمريكي من ال كر‪,‬‬
‫تلك المادة المحددة للنشاط البشري‪ ,‬بمائة رطل تقريبنا في ال نة‪.‬‬

‫وللى ين تكاد تتبادل الزرالة والصنالة في الواليات الوسطى –‬


‫فيما بين أوهايو وال هول الغربية‪ -‬تجد أن خم ة في المائة فقط من‬
‫سكان ال هول الوسطى‪ ,‬تلك المنطقة الف يحة التي تشغل ربع م ا ة‬
‫البالد كلها‪ ,‬يع يشون للى إتتاج الحبوب وتربية الماّية والتعدين‪.‬‬
‫والحرفتان الشائعتان في الق م الجنوبي الغربي هما الرلي والتعدين؛‬
‫ويقابلهما في الشمال الغربي قطع األخشاب وزرالة القمح والتفاح‪.‬‬

‫هذا والعامل المكاتي في د ذاته ال قيمة له من النا ية ال ياسية‬


‫إذا لم يكن آهالن بال كان‪ ,‬ألن الدولة إذا خاضا غمار رب‪ ,‬ال غنى‬

‫‪250‬‬
‫لها من لدتها من الرجال تبعث بهم إلى ميدان القتال‪ ,‬ولن لدتها من‬
‫الرجال والن اء‪ .‬تجهز بهم جبهاتها المختلفة في داخلية البالد‪ .‬وّتان‬
‫بين سكان الواليات المتحدة الذين يقربون اآلن من ‪ 132‬مليون‬
‫ت مة(‪ ,)1‬وبين تلك الحفنة الصغيرة التي كاتا ت كن الواليات الثالث‬
‫لشرة والتي لم يزد لددها في أيام جورج واّنجطون للى‬
‫‪ 3.800.000‬من النفوا‪ .‬ومن ال هل للى بالد لها مثل ذلك العدد‬
‫الغفير من ال كان أن تعد جي نشا قوامه ‪ 12‬مليون جندي أو أكثر‪ ,‬مع‬
‫اال تفاظ بقدرتها للى إتتاج كل ما يتطلبه الجهاز الحربي‪.‬‬

‫وتبلغ كثافة ال كان في الواليات المتحدة ‪ 43.6‬ت مة للميل‬


‫المربع الوا د‪ .‬ويميل البعض إلى االلتقاد بأته إذا استمرت األ وال‬
‫ال ائدة اآلن فإن سكان هذه البالد سيطلون بعد ثالثين أو أربعين سنة‬
‫إلى مر لة يتوقفون لندها لن النمو أو قد يأخذون بعدها في التناقض‪,‬‬
‫(‪)2‬‬
‫كما أتهم يقدرون في الوقا تف ه أن لددهم سيبلغ في سنة ‪1950‬‬
‫مائة وخم ين مليوتنا‪ .‬والمشاهد أن مركز الدائرة ال كاتية آخذ في‬
‫التراجع صوب الغرب في تفس اتجاه التوسع األمريكي‪ ,‬وقد بلغ هذا‬
‫التراجع منذ سنة ‪ 1790‬تى اآلن ‪ 502‬ميل‪ :‬ففي تلك ال نة كاتا‬

‫(‪)1‬كــان ذلــك ســنة ‪ ,1942‬أمــا اآلن فــإن لــدد ال ــكان األم ـريكيين ــوالي ‪ 170‬مليــون‬
‫ت مة‬
‫(‪)2‬تعود فنذكر للقارئ أن هذا الكتاب كتب الل الحرب العالمية الثاتية في سـنة ‪.1942‬‬
‫وقــد صــح تقــدير المــؤلفين‪ ,‬فكــان لــدد ســكان الواليــات المتحــدة فــي ســنة ‪:1950‬‬
‫‪ 150.698.361‬ت مة‪.‬‬
‫‪251‬‬
‫هذه النقطة للى م افة ‪ 23‬ميالن إلى الغرب من مدينة بلتيمور‪ ,‬فأصبحا‬
‫في سنة ‪ 1780‬للى م افة ‪ 48‬ميالن إلى الشمال بشرق من مدينة‬
‫سن ناتي‪ ,‬ثم تراجعا تى وصلا في سنة ‪ 1910‬إلى مدينة‬
‫‪ Bloomington‬في والية إتدياتا‪ ,‬وبلغا في سنة ‪ 1940‬تقطة تقع للى‬
‫بعد ميلين إلى الشرق من جنوب ّرقي مدينة كاريل بمقاطعة ‪Sulliavan‬‬
‫ضا‪.‬‬
‫من ألمال والية إتدياتا أي ن‬

‫وإذا تحن تظرتا إلى سكان الواليات المتحدة للى ضوء الظروف‬
‫ال ائدة فيها اآلن‪ ,‬تجد أتهم وصلوا من يث كثرتهم العددية إلى الة‬
‫قدما في ميادين‬
‫مرضية للغاية‪ ,‬كما أتهم بتكوينهم الحالي يدفعون بالدهم ن‬
‫التقدم والرقي؛ ذلك ألن ت بة كبيرة من األمريكيين ينحدرون من سالالت‬
‫أتجلوسك وتية‪ ,‬وإن ما لرف لن هذه البالد من أتها بوتقة صهرت فيها‬
‫ضا لامل له قيمته في تكوين الحياة‬
‫مختلف ال الالت البشرية لهو أي ن‬
‫لنصرا آخر يجب أن يؤخذ بعين االلتبار لند‬
‫ن‬ ‫األمريكية‪ .‬للى أن هناج‬
‫الكالم لند التكوي ن الجن ي للبالد؛ وهو وجود لدد كبير من الزتوج‬
‫الذين يكثرون بصفة خاصة في الواليات الجنوبية‪.‬‬

‫وثمة ظاهرة لها قيمتها لند البحث في موضوع سكان الواليات‬


‫المتحدة‪ ,‬وذلك من يث توزيعهم بين الحضر والريف‪ ,‬وقصة التاريخ‬
‫األمريكي لي ا في الواقع سوى االتتقال بهذه البالد من مجتمع ريفي‬
‫بحا إلى أمة صنالية لظيمة‪ :‬ففي سنة ‪ 1790‬لم يكن هناج من سكان‬
‫الحضر سوى ‪ %5.1‬من مجموع ال كان وكاتا البعثة الباقية من‬

‫‪252‬‬
‫ال كان تنزل في المواطن الريفية‪ ,‬غير أن تتائج اإل صاء الذي لمل في‬
‫سنة ‪ 1940‬دلا للى أن ‪ %56.5‬من مجموع ال كان ضريون‪ ,‬و‬
‫‪ %22.9‬منهم ريفيون يعيشون في الضياع والمزارع الكبرى؛ و‬
‫‪ %20.5‬ريفيون من غير أهل الضياع؛ فالعالقة بين الحضر والريف ليس‬
‫فيها إذن أي مظهر من مظاهر لدم التكافؤ‪ ,‬كما أته ليس هناج ليس أي‬
‫خطر من تغلب الحضر‪ ,‬ذلك التغلب الذي تبه إليه اللواء «هوسهوفر»‬
‫و ذر منه للى التبار أته المقياا الذي ت تعين به الجيوبولتيكا لند‬
‫تقديرها لمدى الضعف في دولة من الدول‪.‬‬

‫والناظر في خريطة توزيع ال كان في الواليات المتحدة يشاهد تبايننا‬


‫ملحوظنا بين جزء وآخر‪ :‬ففي المناطل ال هلية لغالبية الواليات الوسطى‬
‫منتظما‪ ,‬للى ين أتهم يتركزون في بقاع معينة في‬
‫ن‬ ‫اتتشارا‬
‫ن‬ ‫ينتشر ال كان‬
‫المنطقة الممتدة إلى الشمال من تهر «أوهايو» وكذلك إلى الشرق من‬
‫تهر الم ي بي وكالهما من المناطل الصنالية الكبرى التي يكثر فيها‬
‫سكان الحضر‪ .‬أما إلى الغرب من جبال األبالش فتبلغ كثافة ال كان‬
‫ألالها في المنطقة الصنالية القائمة جنوبي بحيرة إيرى وفي ألالي تهر‬
‫أوهايو (أكبر مركز لها هنا هو مدينة بت بوره)‪ ,‬وكذلك للى ال وا ل‬
‫الجنوبية‪ ,‬والجنوبية الغربية لبحيرة متشجان‪ ,‬وللى خافتي وادي موهوج‬
‫و ول ّواطئ بحيرة أوتتاريو‪ .‬ويال ظ أن ت بة الكثافة تأخذ في القلة‬
‫في وادي الم ي بي الرطب‪ ,‬فهي في المتوسط ما بين الخم ين‬
‫والخم ة والعشرين ت مة للميل المربع الوا د‪ ,‬ولكن ال كان هناج‬
‫منتظما‪ ,‬للى لكس الحال إلى الغرب من خط‬
‫ن‬ ‫موزلون توز نيعا‬
‫‪253‬‬
‫‪৹ 100‬غربنا يث تقل الكثافة وينزل ال كان مبعثرين هنا وهناج للى‬
‫غير قالدة منتظمة‪ .‬ويمتاز ال كان في الواليات المطلة للى سوا ل‬
‫المحيط الهادي بتركزهم في بقاع معينة‪ :‬أهمها وادي كاليفورتيا العظيم‬
‫ومنطقة الخليج سان فراتي كو والمراكز األخرى الواقعة إلى الجنوب من‬
‫هذه المدينة‪ ,‬كوديان لوا أتجلوا وسان ديجو أو في منطقة بيوجا‬
‫سوتد‪-‬ويالما ‪ Puget Sound Williamette‬إلى الشمال منها‪.‬‬
‫ن في جملته‬ ‫والخالصة أن الوضع الحالي ل كان الواليات المتحدة‬
‫من يث لدده وتوزيعه وتركيبه‪.‬‬

‫ومن الم لم به أته لن يتأتى لدولة ما أن تصل إلى مرتبة الدول‬


‫العظمى ما لم تكن مالكة ألهم أتواع المواد األولية أو مت لطة للى ما‬
‫يمكنها من الوصول إليها‪ ,‬فالصنالات الحديدية والفوالذية‪ ,‬وهي األساا‬
‫الذي تق وم لليه لظمة الدول الكبرى في لصر الحديد الذي تعيش فيه‪,‬‬
‫ال سبيل إلى قيامها إال إذا توفرت للدولة مقادير كبيرة من الفحم والحديد‬
‫الخام‪ ,‬وهناج البترول وله اآلن أهميته القصوى في الحروب الحديثة ألته‬
‫الطاقة المحركة التي تدفع بالطائرات وال فن والدبابات في ميادين‬
‫الحرب والقتال‪.‬‬

‫وفي الواليات المتحدة الشيء الكثير من مصادر القوى المحركة –‬


‫الفحم والبترول والطاقة الكهربائية المولدة من قوة اتحدار المياه‪ -‬مما‬
‫تح دها لليها غيرها من الدول‪ ,‬فيها من الفحم ما يزيد قليالن للى‬

‫‪254‬‬
‫‪ % 50‬من مجموع رصيد العالم كله من هذه المادة‪ ,‬وإذا تحن أضفنا‬
‫إلى هذه موارد باقي دول أمريكا الشمالية الرتفعا الن بة إلى ‪%69‬‬
‫وفي ّمال ّرقي والية بن لفاتيا توجد أكبر مناجم العالم كله في فحم‬
‫االتثراسيا‪ ,‬كما تحتوي المنطقة الممتدة من غرب بن لفاتيا تى ّمال‬
‫ألباما للى أكبر مناجم الفحم الحجري في الواليات المتحدة‪ .‬وتتزلم‬
‫هذه البالد اآلن جميع دول العالم في استغالل الكهرباء المولدة من قوى‬
‫اتحدار المياه‪ ,‬وال تزال بها مقادير هائلة من هذه القوى مدخرة لم ت تغل‬
‫بعد‪ .‬والواليات المتحدة أكبر منتج وفي الوقا تف ه ألظم م تهلك‬
‫قوله الحقل األوسط الممتد في تك اا‬ ‫لزيا البترول‪ ,‬وأكبر‬
‫وأوكالهوما وكن اا‪ .‬وهناج آبار والية كاليفورتيا التي تنتج ‪ %20‬من‬
‫جملة إتتاج الجمهورية األمريكية كلها‪ ..‬ومع ذلك فمركز البترول في‬
‫الواليات المتحدة يثير اآلن قل نقا ّدي ندا‪ ,‬ذلك ألن الخبراء في جيولوجيا‬
‫البترول يقدرون أته إذا استمرت هذه البالد في سحب لشرين بيلون‬
‫برمي ل من ا تياطيها دون الكشف لن موارد جديدة فإته لن يمضى اثنتا‬
‫لشرة إلى لشرين سنة تى ينضب هذا المعين(‪ .)1‬وقد دث فعالن في‬
‫سنة ‪ 1942‬أن تقصا كمية البترول المكتشف‪ ,‬لن البترول الم تخرج‬
‫من الحقول القائمة بأكثر من خم مائة مليون برميل‪ .‬للى أن هناج ما‬
‫يبعث للى األمل في إمكان استخراج البترول من التكوينات الطفيلية‪,‬‬
‫كما يحاول العلماء في الوقا تف ه إتتاج أتواع من الوقود التركيبي رغم‬

‫(‪)1‬أص ــبحا الطاق ــة الذري ــة ب ــديالن لظ ــيم الق ــدر للبت ــرول‪ ,‬ك ــذلك أمك ــن اس ــتخالص بت ــرول‬
‫المترجمان‬ ‫"صنالي"‬
‫‪255‬‬
‫قلة جودتها وهم يعللون النفس باستخدام الطاقة الذرية‪ ,‬ولكن البترول ال‬
‫تزال له الصدارة لليها كلها‪ .‬وللى العكس من هذه الصورة القاتمة التي‬
‫للبترول األمريكي؛ ترى البترول ال وفيتي يعرض لنا صورة باسمة مشرقة‬
‫من يث إتتاجه وا تياطيه‪ .‬ولربما كاتا أخطر النتائج التي يمكن أن‬
‫تنتهي بها الحرب الحالية تضوب موارد البترول األمريكي مما ال يمكن‬
‫تعويضه‪.‬‬

‫والواليات المتحدة من أهم البالد المنتجة لغالبية المعادن الصنالية؛‬


‫فهي تتزلم دول العالم كله في إتتاج واستهالج ال لع الحديدية‬
‫والفوالذية؛ و‪ %80‬من تلك الكميات الهائلة من الحديد الخام الذي‬
‫يدخل في تلك الصنالات م تمد من المناجم الواقعة في ألالي إقليم‬
‫البحيرات العظمى –وروسيا ال وفيتية هي الو يدة بين دول العالم التي‬
‫لها من م وارد الحديد ما يمكن أن يقارن بثروة الواليات المتحدة من هذا‬
‫ضا ‪ %82‬من معدن موليبدتم‬
‫المعدن‪ -‬وتنتج الواليات المتحدة أي ن‬
‫‪( molybdenum‬من أجود أتواع الكروم)‪ ,‬كما أتها تنتج من النحاا أكثر‬
‫مما تنتجه أية دولة أخرى منفردة‪ .‬وأكثر ما يوجد ها المعدن األخير في‬
‫واليات أريزوتا ويوتا وموتتاتا‪ .‬وتنتج أمريكا ‪ %85‬من الكبريا الطبيعي‪,‬‬
‫وأغنى الواليات به تك اا ولويزتا‪ .‬وهناج في جنوب ّرقي والية‬
‫ضا في‬
‫مي وري توجد أغنى بقعى الستخراج الرصاص الذي يوجد أي ن‬
‫أوكالهوما وكن اا وجنوب غربي مي وري يث يوجد كذلك معدن‬
‫الزتك‪ .‬والواليات المتحدة للى اتصال سهل بالمواطن الكندية الغنية‬
‫بمعدتي النيكل والبالتين‪ .‬ولكن يال ظ من النا ية األخرى أن هناج‬
‫‪256‬‬
‫واضحا في المعادن التي تدخل في لمل ال بائك الحديدية‬‫ن‬ ‫تقصا‬
‫ن‬
‫كالمنجنيز والكروم والتنج تن‪ ,‬وكذلك الحال في معدن البك يا الذي‬
‫ال غنى لنه في صنالة األلومنيوم‪ ,‬وقد يصل النقص في هذه المادة‬
‫األخيرة إلى درجة الحرج‪ .‬وتعتبر أركن اا أغنى الواليات األمريكية بهذا‬
‫المعدن‪ .‬ولكن البد من استكمال اجة البالد بما ي تورد من جياتا‬
‫الهولندية وجياتا البريطاتية (‪ .)Surinam‬ولما كاتا اليابان تتحكم‬
‫(‪)1‬‬
‫في ‪ %67‬من مادة القصدير‪ ,‬أي تلك الم تودلات الكبيرة‬ ‫الينا‬
‫التي توجد في جنوب ّرقي آسيا‪ ,‬فقد اضطرت الواليات المتحدة أن‬
‫تولى وجهها ّطر بوليفيا‪ -‬وقد أصبح من الضروري لكل من أمريكا‬
‫واليابان أن تقيم المصاهر الخاصة للصفيح‪ ...‬ومن المواد المعدتية‬
‫ملموسا فيها مادتا الزئبل‬
‫ن‬ ‫تقصا‬
‫األخرى التي تعاتي الواليات المتحدة ن‬
‫والتوتيا (األتثومي)‪ ,‬وتنتج المك يك ‪ %6‬مما ينتجه العالم من المعدن‬
‫األول‪ ,‬كما تنتج الصين الحرة تصف إتتاج العالم من المعدن الثاتي‪ .‬وهي‬
‫ت تمد من كندا «الميكا» الخام كما تمدها البرازيل ببلورات الكوارتز‬
‫الالزمة لضبط الذبذبات الالسلكية‪.‬‬

‫ولقد كان من أثر الحرب الحالية أن فقدت الواليات المتحدة بعض‬


‫المصادر التي كاتا تعتمد لليها في تموينها بأتواع خاصة من األلياف‪,‬‬

‫(‪)1‬تعـود فنـذكر القـارئ أن هـذا الكتـاب وضـع خـالل ال ـنوات األخيـرة مـن الحـرب العالميــة‬
‫الثاتية يوم أن كاتا اليابان تحتل الق م الشرقي والجنوبي الشرقي من قارة آسـيا‪ ,‬وكـذا‬
‫جزار المحيط الهادي باستثناء استراليا وتيوزيلندا‪.‬‬
‫المترجمان‬
‫‪257‬‬
‫فقدت في جزائر الفيلبين «قنب منيال» وفي جزائر الهند الهولندية مادة‬
‫الكابوج –القطن الشجري‪ -‬وفي اليابان والصين خيوط الحرير‪ .‬أما من‬
‫تا ية المواد الخشبية ولجينة الورق فإن الحال ال تزال –ولو للى األقل‬
‫في الوقا الحاضر‪ -‬تدلو إلى االطمئنان‪ ,‬وإن كان قد أصبح لز ناما للى‬
‫الواليات المتحدة إذا ما أرادت اال تفاظ بالوضع القائم أن تعمل جاهدة‬
‫للى ماية غاباتها والمحافظة لليها‪ .‬كذلك فقدت أمريكا من جراء‬
‫استيالء اليابان للى جزائر الهند الهولندية وّبه جزيرة الماليو‪ ,‬فحم جوز‬
‫الهند كما فقدت ‪ %95-90‬من مادة «الشنكوتا» التي تدخل في‬
‫صنالة الكينا الطبية‪ ,‬وكاتا تحصل لليها من الجزائر الهولندية‪ ,‬ولنفس‬
‫ال بب تحرج مركزها بالن بة للمطاط‪ ,‬ألن جنوب ّرقي آسيا كان ينتج‬
‫‪ %98‬من المطاط التجاري‪ ,‬وقد اتتقل كله اآلن إلى ال لطات الياباتية‪,‬‬
‫وإن كان التقدم الذي دث في صنالة المطاط التركيبي (الصنالي)‪ ,‬وما‬
‫كثيرا من دة هذه‬
‫يرجى من تجاح لمزارع المطاط في البرازيل قد خففا ن‬
‫األزمة‪.‬‬

‫أما لن األثر الفعلي الذي تحدثه الموارد الطبيعية في قوة الدولة‪,‬‬


‫فأمره مرهون بمدى استغالل هذه الدولة لتلك الموارد وبدرجة تقدمها‬
‫جملة‪ ,‬فالروسيا مثالن لم تتوسع في استغالل مواردها إال منذ ‪ 15‬أو ‪16‬‬
‫سنة فقط(‪ , )1‬للى ين ظلا الواليات المتحدة طوال القرتين التاسع‬
‫لشر والعشرين دائبة للى استغالل مواردها والعمل للى تح ينها سنة‬

‫(‪)1‬كان في ذلك سنة ‪.1942‬‬


‫‪258‬‬
‫بعد أخرى‪ ,‬ومن العوامل التي كان لها أثرها في تقدم الصنالات األمريكية‬
‫ورواجها وجود سوق محلية كبيرة قوامها مائة وثالثون مليوتنا من النفوا‬
‫جميعا للم وا د هو العلم األمريكي‪ ,‬مع سهولة تامة في‬‫يرفرف لليهم ن‬
‫الحصول للى رءوا األموال الضخمة التي كاتا تتدفل باتتظام سعينا‬
‫وراء المشرولات التي يمكن أن ت تثمر فيها‪ ,‬ثم هناج المؤس ات‬
‫األمريكية الكبرى التي لها من الموارد ما يمكنها من رصد مبالغ طائلة‬
‫للى ألمال البحث والتنقيب‪.‬‬

‫كذلك لن يتأتى للموارد الطبيعية أن يكون لها أثرها في قوة الدولة‬


‫ما لم تقم إلى جاتبها الوسائل الكفيلة ب هولة تقلها من جهة إلى أخرى‪.‬‬
‫وللواليات المتحدة ال بل للى غيرها في هذه النا ية‪ ,‬فقد بدأ فيها‬
‫لصر بناء ال كك الحديدية واتتهى قبل م تهل القرن الحالي‪ ,‬وتم ربط‬
‫خط االتحاد الباسيفيكي بخط الوسط الباسيفيكي لند مدينة أوجدن‬
‫‪ Ogden‬بوالية يوتاه‪ ,‬فاتصل ّرق الواليات المتحدة بغربها بالخطوط‬
‫الحديدية منذ سنة ‪ .1869‬هذا وتعظم ركة تقل الم افرين وتبلغ‬
‫ذروتها في المنطقة الممتدة للى طوال سا ل المحيط األطل ي بين‬
‫مدينة بوسطون والعاصمة واّنجطون‪ ,‬للى ين تبلغ ركة تقل البضائع‬
‫غايتها بين الوسط الغربي ومواتئ األطلنطي‪ .‬وهناج ّبكة الطرق المعدة‬
‫لل يارات والتي تمثل لصر البترول بأجلى صوره‪ ,‬ذلك العصر الذي هيأ‬
‫لكل ‪ 4.3‬ت مة من األمريكيين أن تكون لهم في أيام ال لم سيارتهم‬
‫الخاصة‪ .‬وقد جاء وقا كاتا فيه المال ة النهرية الداخلية وسيلة من‬
‫أهم وسائل النقل في البالد‪ .‬ولكن هذه فقدت اآلن قيمتها إال في منطقة‬
‫‪259‬‬
‫كثيرا بعد‬
‫البحيرات العظمى‪ ,‬أما النقل الجوي ف وف تعظم أهميته ن‬
‫التح ينات العديدة التي أدخلا للي في اآلوتة األخيرة سواء في ذلك‬
‫ما يتصل منه بنقل الم افرين أو بنقل البضائع‪.‬‬

‫ومن العوامل التي كان لها أثرها فيما وصلا إليه هذه البالد من‬
‫منزلة لالية بين الدول العظمى‪ ,‬ذلك النظام ال ياسي واالجتمالي الذي‬
‫ت ير لليه‪ .‬وإذا تحن استعرضنا تاريخ الواليات المتحدة تجد أته قد‬
‫كبيرا‪ ,‬فقد كان االتفاق‪ ,‬الذي لقد‬
‫تخللته فترات بلغ فيها التوتر ندا ن‬
‫بموجبه االتحاد بين الواليات الثائرة‪ ,‬في سنة ‪ ,1781‬للى درجة من‬
‫التفكك كادت تنتهي بهم إلى الفوضى واالضطراب‪ ,‬ولم ت تقر أمورهم‬
‫وي ودهم النظام إال بعد وضع دستور سنة ‪ ,1787‬وهو من أقدم‬
‫الدساتير القائمة اآلن‪ ,‬وبالد كالواليات المتحدة لظيمة االت اع‪ ,‬مترامية‬
‫األطراف‪ ,‬البد لها من دستور يفرق بين ال لطات التي تمنح للحكومة‬
‫الفيدرالية المركزية القائمة للى تصريف الشئون العامة للدولة وتلك التي‬
‫يجب أن تترج الحكومات الواليات منفردة لتنصرف بواسطتها إلى‬
‫االضطالع بالم ائل ذات الصبغة المحلية‪ .‬وفي ظل هذا الدستور‬
‫الفيدرالي أخذت تجوم العلم األمريكي (الواليات) تتزايد سنة بعد أخرى‬
‫تجما(‪ ,)1‬أما األّرطة الثالثة لشر فقد ظلا ثابتة تحتل‬
‫تى بلغا ‪ 48‬ن‬
‫الواليات األصلية (التي ثارت في وجه كامها اإلتكليز) وقد تعرضا‬

‫(‪)1‬أصــبحا هــذه النجــوم ‪ 50‬تجمــة فــي الوقــا الحــالي ب ــبب ضــم أالســكا وهــاواي إلــى‬
‫المترجمان‬ ‫االتحاد األمريكي‪.‬‬
‫‪260‬‬
‫سيادة هذه الحكومة القومية لتجربة قاسية في فترة الحرب األهلية التي‬
‫استمرت من سنة ‪ 1861‬تى سنة ‪ 1865‬ولكنها خرجا منها سليمة‪,‬‬
‫وقاما للى الخرائب التي خلفتها في الجنوب كومة فيدرالية ال منازع‬
‫ل لطاتها‪ ,‬كما أخذت ذكريات موقعة جيت برج ‪ )1(Gettysburg‬المؤلمة‬
‫تتالّى بتقادم الزمن لليها وبتوالي االتتصارات التي أ رزها الجيش‬
‫األمريكي في معركة أرجون ‪( Argonne‬الحرب العالمية األولى) وفي‬
‫جنوب غربي الباسيفيك (الحرب الثاتية)‪.‬‬

‫وتتمثل ياة الشعب األمريكي في الديمقراطية التي ت ير لليها‬


‫كومته‪ ,‬تلك الديمقراطية التي لناها إبراهام لنكولن في خطابه التاريخي‬
‫الذي وجهه إلى الشعب األمريكي بعد موقعة جت برج ‪Gettysburg‬‬
‫والذي يصف فيه كومته بأتها « كومة الشعب‪ ,‬يقوم بها الشعب‪ ,‬من‬
‫أجل الشعب»‪ .‬وقد اضطرت هذه الجمهورية الغربية العظيمة إزاء ما‬
‫تعرض له العالم من ربين متتاليتين خالل الخم ة والعشرين سنة األخيرة‬
‫إلى خوض غمارهما للذود لن توع الحياة التي هيأتها لبنيها‪ .‬وأمريكا بالد‬
‫ال تزال تدين بمبدأ تكافؤ الفرص وإف اح المجال أمام جميع األفراد‪,‬‬
‫وإن كاتا بعض المالب ات القاسية التي أ اطا بالفردية الغاّمة في‬

‫(‪)1‬وهــي المعركــة التــي اتتصــر فيهــا الشــماليون للــى الجنــوبيين فــي بوليــة ســنة ‪ ,1863‬وقــد‬
‫داما ثالثة ايام واتتها بهزيمة الجنرال ‪ Lee‬قائد الجنوب وفيها فقد قصف رجالـه مـا‬
‫بــين قتيــل وج ـريح وأســير‪ ,‬وهــي فــي تظــر المــؤرخين المعركــة التــي قــررت مصــير ه ــذه‬
‫الحرب األهلية الطا نة‪.‬‬
‫(المترجمان)‬
‫‪261‬‬
‫الماضي قد اضطر كومتها إلى اإلكثار من األوامر واللوائح المنظمة‬
‫لهذه الفردية‪.‬‬

‫ومن المظاهر األخرى لتلك القوة الخارقة التي بلغتها الواليات‬


‫المتحدة تتيجة لجيوبولتيكتها الخاصة‪ ,‬ذلك التوسع أإلقليمي العظيم‬
‫الذي أ رزته فيما وراء دودها القارية‪ :‬فاستولا سنة ‪ 1898‬في‬
‫المحيط األطلنطي وبطريل الضم‪ ,‬للى إثر ربها مع أسباتيا‪ ,‬للى جزيرة‬
‫بورتوريكو‪ ,‬بطريل التأجير في سنة ‪ 1903‬للى منطقة جواتتنامو‬
‫ضا في تفس‬ ‫‪ ,Guantanamo‬في جنوب ّرقي جزيرة كوبا‪ ,‬وتمكنا أي ن‬
‫ال نة –منتهزة فرصة الثورة التي قاما في جمهورية بنما‪ -‬من االستيالء‬
‫للى منطقة القناة‪ .‬وفي سنة ‪ 1917‬اّترت من الداتمركيين جزائر‬
‫فيرجن ‪ ,Virgin‬كما استولا للى جزيرة تافاسا ‪ ,Navassa‬إلى الجنوب‬
‫من كوبا‪ ,‬وإلى الشرق من جاميكا‪ .‬أما جزيرتا كورن ‪Great and Little‬‬
‫‪( Corn‬الكبرى والصغرى) فقد صلا لليهما بطريل التأجير من‬
‫جمهورية تيكاجورا‪ .‬والمال ظ أن سياسة التوسع التي سارت لليها‬
‫غرضا وا ندا‬
‫الواليات المتحدة في المحيط األطلنطي كاتا ت تهدف ن‬
‫هو الدفاع لن قناة بنما‪ .‬أما في المحيط الهادي فلم يكن لها غرض‬
‫ثابا أو سياسة محددة‪ ,‬فآلا إليها مداوي ‪ midway‬في سنة ‪,1859‬‬
‫واّترت أالسكا من الروسيا في سمة ‪ 1867‬وضما إليها في سنة‬
‫‪– 1898‬بقرار من الكوتجرا‪ -‬جزائر هاواي‪ ,‬وبذلك تم لها االستيالء‬
‫للى مفتاح الدفاع لن الق م الشرقي لهذا المحيط‪ ,‬كما أجبرت أسباتيا‬
‫في تفس ال نة للى التنازل لها لن جزائر الفيليبين‪ ,‬وجزيرة جوام‬
‫‪262‬‬
‫‪ ,Guam‬ثم استولا في ال نة التالية للى جزيرة ساموا ‪Samoa‬‬
‫األمريكية‪ ,‬وللى القالدة البحرية الهامة باجو باجو ‪Pago Pago‬‬
‫القائمة للى الجزيرة البركاتية تتويال ‪ ,Tutuila‬وكذلك للى جزيرة ويك‬
‫‪ Wake‬وإن كاتا لم تحتل هذه األخيرة ا تالالن فعلينا إال في سنة‬
‫‪ .1935‬ثم كاتا ثورة «البوك رز ‪ »Boxers‬في الصين سنة ‪,1900‬‬
‫فاتخذت منها الواليات المتحدة ذريعة إلتزال جنودها في كل من يبكين‬
‫)‪ (Peking‬وتيت ن و )‪ (Tientsin‬كما استولا في الوقا تف ه للى‬
‫لدد كبير من الجزائر الصغرى في المحيط الهادي‪ ,‬منها‪:‬‬

‫‪Howland,‬‬ ‫‪Baker,‬‬ ‫‪Johnstons, Palmyra, Tarvis,‬‬


‫‪.Kingman, Reef and Swain’ s‬‬

‫وفي سنة ‪ 1937‬كان العلمان األمريكي والبريطاتي يرفرفان للى كا‬


‫من كاتتون‪ ,‬وإتديربري ‪.Canton and Enderbury‬‬

‫هذا وقد استطالا الحكومة األمريكية خالل ال نتين اللتين‬


‫قصتهما في ياد مضطرب –منذ بدء الحرب الثاتية في سنة ‪1939‬‬
‫تى دخولها هذه الحرب سنة ‪ -1941‬أن تضيف إلى الجزائر التي لها‬
‫في المحيط األطلنطي محطات جديدة فحصلا‪ ,‬تتيجة لصفقة‬
‫المدمرات التي لقدتها مع إتكلترا في سبتمبر سنة ‪ ,1940‬للى ل‬
‫تأجير جميع الت هيالت للقوالد األمريكية القائمة في الجهات اآلتية‬
‫لمدة ت عة وت عين سنة‪:‬‬

‫‪New foundIaud, Bermuda,The Bahamas, Antigua,‬‬


‫‪263‬‬
‫‪St.Lucia, Jamaica, Trinidad, and British Guiana.‬‬
‫كما ا تلا في أبريل سنة ‪ 1941‬جزيرة جرينالتد‪ ,‬و صلا في‬
‫ّهر يولية الذي تاله من اإلي التديين للى ل إتزال الجنود األمريكيين‬
‫في جزيرتهم‪ ,‬ولمدت في أواخر سنة ‪ 1941‬إلى إرسال قواتها إلى‬
‫‪ Surinam‬لحماية مناجم البك يا وإلى كل من & ‪CuraçaoAruba‬‬
‫لحراسة معامل تكرير البترول‪.‬‬

‫وما إن وقع االلتداء للى بيرل هاربر ‪ Pearl Harbour‬في ال ابع‬


‫من ّهر دي مبر سنة ‪ 1941‬تى سارلا الحكومة األمريكية بإرسال‬
‫قواتها إلى مختلف بقاع األرض (ّكل ‪ )13‬ولم تنته سنة ‪ 1943‬تى‬
‫كان لها جنود في الجهات اآلتية –وهذا لدا البقاع التي سبل ذكرها‪:-‬‬
‫في أوربا‪ :‬في إيرلندا الشمالية‪ ,‬وفي إتكلترا وصقلية وإيطاليا‪ .‬وفي إفريقية‪:‬‬
‫في‪ :‬مراكش والجزائر وتوتس وغرب إفريقية الفرت ي (دكار) وإفريقية‬
‫الفرت ية االستوائية وليبريا وسياراليون وسا ل الذهب (غاته) والكوتغو‬
‫البلجيكي وال ودان وأرتريا ومصر وليبيا وتيجريا وجزائر أسنشون‪ .‬وفي‬
‫القارة اآلسيوية‪ :‬في اإلقليم ال وري وفل طين والعراق وإيران والهند‬
‫وسيالن والصين والكويا‪ .‬وفي استراليشيا‪ :‬في استراليا وتيوزيلندا‬
‫وتيوغينيا وجزائر سليمان وتيوهبريدة وجزائر فيجي‪ ,‬وإليس ‪Ellieas‬‬
‫وجلبرت‪.‬‬

‫وفي األمريكتين‪ :‬في جواتيماال وتيكارجوا وكوستاريكا وبنما‬


‫وجلباجوا (‪ )Galapagos‬وإكوادور والبرازيل وهايتي وكوبا وبيرو‬

‫‪264‬‬
‫وّيلي وكندا‪.‬‬

‫واآلن يحل لإلت ان أن يت اءل لن الخطوط التي يمكن أن ت ير‬


‫فيها ال ياسة الخارجية لدولة كالواليات المتحدة لها مثل هذه القوة‬
‫الهائلة داخل دودها القارية‪ ,‬وتمتلك مثل هذا العدد الغفير من‬
‫المحطات اإلستراتيجية في كل من المحيطين األطلنطي والهادي‪.‬‬
‫ولإلجابة لن هذا ال ؤال يجب أن تنظر أوالن إلى العوامل التي يمكن أن‬
‫تتأثر بها ال ياسة األمريكية الخارجية‪ :‬فإدارة العالقات الخارجية من‬
‫المهام التي يوكل أمرها إلى رئيس الجمهورية ويقوم بتنفيذها بواسطة وزير‬
‫خارجيته‪ .‬ومع أن سلطات الرئيس واسعة ّاملة‪ ,‬فإته من الممكن تقييدها‬
‫لملينا لن طريل إصدار التشريعات أو لدم إصدارها‪ :‬فكل معاهدة تبرمها‬
‫الواليات المتحدة ال تكون تافذة إال إذا أقرها مجلس الشيوخ بأغلبية‬
‫الثلثين‪ ,‬وللى الرئيس فوق هذا أن يرقب لن كثب اآلراء ال ائدة في‬
‫البالد وأن يوليها ما ت تحقه من التبار وتقدير‪ .‬ففيما بين سنة ‪-1931‬‬
‫‪ 1941‬مثالن كان رئيس الجمهورية ووزير خارجيته للى بينة تامة من أن‬
‫دول المحور تنوي –إذا ما تجحا ال ياسة التي اتتهجتها في أوربا‪ّ -‬ن‬
‫هجومها في النهاية للى الواليات المتحدة‪ .‬أما غالبية الشعب األمريكي‬
‫هجوما من هذا النوع سوف يوجه إلى بالده‪.‬‬
‫ن‬ ‫فلم يدر بخلده إطالقنا أن‬
‫هذا ومن الم لم به بداهة أن كل سياسة خارجية ت ير لليها البالد‪,‬‬
‫يجب أن تتكيف وف نقا ل ياسة الحكومات األخرى ومدى تأثر أمريكا بها‪.‬‬

‫وإذا تحن تظرتا إلى ال ياسة األمريكية في جملتها تجد أتها قائمة‬

‫‪265‬‬
‫للى أسس جغرافية ثابتة‪ ,‬وهي في جميع أدوارها ذات ّقين‪ :‬أولهما‬
‫ويت م بالطابع العالمي‪ ,‬أي من يث لالقتها بكل و دة من الو دات‬
‫العالمية للى دة‪ :‬ومن مظاهر الشل األول المحافظة للى ال الم‬
‫العالمي وتنشيط التجارة و ماية األقليات ولدم التدخل في ّئون الدول‬
‫األخرى و م المنازلات بالوسائل النظامية وما يشبهها‪ .‬أما سياستها‬
‫اإلقليمية فلها اتجاهات ثالثة‪ :‬أوربا وأمريكا الالتينية والشرق األقصى‪:‬‬
‫فأما لن سياستها األوربية‪ ,‬فقد اولا االبتعاد لن مشكالت القارة ما‬
‫لاما‬
‫أمكنها ذلك‪ ,‬ولكن قيام ربين لالميتين خالل خم ة ولشرين ن‬
‫أوضح لها بجالء أن كل اضطراب يصيب ال ياسة األوربية البد أن ينتهي‬
‫إلى رب يتلظى العالم كله بها‪ .‬قيقة أن الواليات المتحدة ليس لها‬
‫مصلحة يوية في مقتل أرّيدوق تم اوي‪ ,‬وال يمكن أن تتأثر بنزاع قد‬
‫يقوم بشأن مدينة رة أو دهليز أرضي‪ ,‬ولكن إذا اتتها هذه المنازلات‬
‫وأمثالها باتدالع تار امية فالبد أن تتأثر بها المصالح األمريكية‪ .‬ولهذا‬
‫أصبح من الع ير ج ندا للى ال اسة األمريكيين أن يرسموا خطنا يفصل‬
‫بين ما يجوز وما ال يجوز التدخل فيه‪ .‬وفي أمريكا الالتينية سارت‬
‫الواليات المتحدة في سياستها وف نقا للقوالد التي أقرها مبدأ «منرو»‪,‬‬
‫ذلك المبدأ الذي اتجه ساسة أمريكا في تف يره منذ سنة ‪1823‬‬
‫اتجاهات لدة تتدرج من سياسة التدخل «بالعصا الغليظة» التي اتبعها‬
‫تيودور رزفلا إلى سياسة لدم التدخل لمالن بمبدأ «الجوار الح ن»‬
‫التي اتتهجها فراتكلن روزفلا‪ .‬ال بل إن هذا المبدأ تف ه قد تطور من‬
‫مجرد إلالن صادر من جهة وا دة إلى اتفاق ملزم لجهات لدة‪ ,‬إذ‬

‫‪266‬‬
‫بموجبه يتعهد اتحاد الجمهوريات األمريكية برد كل التداء قد يأتيها من‬
‫‪Pan‬‬ ‫خارج تصف الكرة األمريكي‪ .‬والدلوة إلى الرابطة األمريكية‬
‫‪ Americanism‬هي في الواقع أهم مظهر اتحاد الدول األمريكية‪ ,‬ذلك‬
‫االتحاد الذي أصبح اآلن قيقة ملموسة بدليل أته في اليوم األول من‬
‫ّهر توفمبر سنة ‪ 1943‬لم يكن هناج من اإل دى ولشرين وجمهورية‬
‫التي يتكون منها اتحاد الدول األمريكية من هي باقية للى الحياد سوى‬
‫جمهورية وا دة –األرجنتين‪ -‬وأن ثالث لشرة منها كاتا في رب مع‬
‫الدول المحورية‪ ,‬وال بع الباقية كاتا قد قطعا كل لالقة لها بتلك‬
‫الدول‪.‬‬

‫أما في الشرق األقصى فتقوم ال ياسة األمريكية للى تنفيذ مبدأ‬


‫الباب المفتوح في الصين مع المحافظة للى سالمة أراضيها (الصين) من‬
‫كل التداء(‪ .)1‬وقد ألح الوزير هاي ‪ Hay‬في سنة ‪ 1899‬للى ضرورة‬
‫اتت هاج الشل األول من هذه ال ياسة ثم أردف ذلك في ال نة التالية‬
‫بالدلوة إلى المحافظة للى سالمة األراضي الصينية‪ ,‬وقبلا األمم‬
‫الموقعة للى اتفاق الدول الت ع »‪ ,«Nine-Power Pact‬في اجتمالها‬
‫الذي لقد بعد مؤتمر واّنجتن (‪ ,)1922-1921‬بما فيها اليابان‬
‫تف ها‪ ,‬ذينك المبدأين اللذين قررتهما أمريكا بالن بة للصين‪ ,‬ولكن جاء‬
‫صارخا لمبدأ‬
‫ن‬ ‫من بعد ذلك النظام الجديد لشرق آسيا األكبر فكان خرقنا‬
‫الباب المفتوح وسالمة األراضي الصينية للى ال واء‪ ,‬وكان هذا ساب نقا‬

‫(‪)1‬كان ذلك قبل تشوب الثورة الشيولية في الصين‪.‬‬


‫‪267‬‬
‫للهجوم الياباتي للى «بيرل هاربر» تف ها بزمن طويل‪.‬‬

‫هذا ومن الصعب التكهن بالخطوط الرئي ية التي سوف ت ير فيها‬


‫سياسة أمريكا م تقبالن‪ .‬فاللواء هوسهرفر يرى أن األسس التي اتتهجتها‬
‫الواليات المتحدة في سياستها الخارجية كاتا متمشية مع جيوبولتيكتها‬
‫تى سنة ‪ , 1900‬وهو التاريخ الذي اتحرفا فيه لنها ب بب مناصرتها‬
‫لإلمبراطورية البريطاتية‪ ,‬تلك المناصرة التي فوتا للى أمريكا بعض‬
‫مصالحها‪ .‬والواقع أن من أهم األسباب التي دت بها إلى الدخول في‬
‫الحرب العالمية الثاتية هو االلتقاد الراسخ لند الكثيرين من األمريكيين‬
‫الذين يعتد برأيهم من أن اتهيار الجمهورية الصينية في الشرق األقصى‪,‬‬
‫واسعا‬
‫والقضاء للى كل من بريطاتيا وروسيا في أوربا سوف يفتح الباب ن‬
‫أمام النازيين والياباتيين للضغط للى الواليات المتحدة تف ها‪ ,‬لن طريل‬
‫المحيط األطلنطي الشمالي آوتة‪ ,‬والمحيط الهادي الشمالي آوتة أخرى‪,‬‬
‫ولن طريل أمريكا الالتينية آوتة ثالثة‪.‬‬

‫واآلن‪ ,‬ترى هل توجه الواليات المتحدة سياستها الخارجية إلى‬


‫تأسيس إمبراطورية متجات ة ذات أجزاء ات يابية وبخاصة في أمريكا‬
‫تظاما لالمينا للضمان‬
‫الالتينية والمحيط الهادي‪ ,‬أم هل تنشئ واّنجتن ن‬
‫الجمالي تقيمه للى تفس القوالد التي أرساها «ودرو ول ون» يوم أسس‬
‫لصبة األمم؟ أم هل تكتفي بالعمل للى فظ التوازن الدولي م تعينة‬
‫للى ذلك بحلف قوي في أوربا وأخر في ّرق آسيا وثالث في أمريكا‬
‫الجنوبية؟ أم تنبذ هذا وذاج وتلجأ ثاتية إلى سياسة العزلة كما فعلا في‬

‫‪268‬‬
‫تهاية الحرب العالمية األولى؟ إتها قد ترفض كل هذا وتعمد إلى دلم‬
‫ال الم اإلقليمي بتأسيس منظمة له في المحيط الهادي وأخرى في تصف‬
‫الكرة الغربي تكون لها فيهما الزلامة التامة‪.‬‬

‫والخالصة أته ال مندو ة للواليات المتحدة‪ّ ,‬عبنا و كومة‪ ,‬من أن‬


‫تتخذ قرارات اسمة فعليها أن تقرر منذ اآلن ما إذا كاتا ستعود بعد‬
‫هزيمة اليابان إلى االكتفاء بمثلث الدفاع الباسيفيكي –أالسكا‪ ,‬هاواي‬
‫ومنطقة قناة بنما‪ -‬أم ست مر في ماية جزائر الفيلبين م تعينة للى‬
‫ذلك بب ط تفوذها للى الجزائر التي كاتا تحا االتتداب الياباتي؟‬
‫وهل ست مح بعد اآلن باإلبقاء في أمريكا الالتينية للى تلك الحكومات‬
‫التي قاما للى ت ل الفاّ تيه؟ وهل ستمد كومتها يد المعوتة إلى‬
‫االتحاد ال وفيتي فتفتح له االلتمادات المالية وتعيره من يحتاج إليهم ن‬
‫للما منها‬
‫الفنيين لي تعين بهم للى إصالح ما خربته الحرب من أراضيه‪ ,‬ن‬
‫أن الجمهوريات ال وفيتية الروسية المتحدة قد تصبح بعد ذلك م يطرة‬
‫للى أوربا كلها؟‬

‫إن قبور األلوف من جنود أمريكا‪ ,‬المبعثرة في كل ركن من أركان‬


‫العالم‪ ,‬سوف ال تفتأ تنبه الشعب األمريكي إلى الدور الذي يجب أن‬
‫يقوم به في م تقبل هذا العالم‪ ,‬فلقد للمتهم الحوادث أن الحرب إذا‬
‫هبا أصبحا لالمية‪ ,‬ولليهم أن يعرفوا منذ اآلن أته لن يقوم سالم إال‬
‫إذا أجمعا الدول كلها لليه‪.‬‬

‫‪269‬‬
270
‫الفهرس‬

‫تنـــــــويه ‪5 ................. ................................‬‬


‫الجزء األول‬
‫الجيوبولتيكا من النا ية النظرية‬
‫الفصل األول ‪ :‬تعريف ال جيوبولتيكا ومجالها ‪8 .................‬‬
‫الفصل الثاتي ‪ :‬تطور للم الجيوبولتيكا ‪24 ...................‬‬
‫الفصل الثالث ‪ :‬العوامل الرئي ية للجيوبولتيكا ‪68 ............‬‬
‫الجزء الثاتي‬
‫النا ية التطبيقية للجيوبولتيكا‬
‫الفصل الرابع ‪ :‬الجي وبولتيكا في طورها العملي ‪ ..‬الرايخ الثالث ‪137‬‬
‫الفصل الخامس ‪ :‬الواليات المتحدة وقوتها الجيوبولتيكية ‪232 .‬‬

‫‪271‬‬

You might also like