الجدار العازل الاسرائیلی؛ دراسه فی السیاسه الدیمغرافیه و التطهیر العرقی (2002-2014)

Copyright © 2015. . All rights reserved.
ved. May not be reproduced in any form without permission from the publisher, except fair uses permitted under U.S. or
applicable copyright law.
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
1
EBSCO Publishing : eBook Collection (EBSCOhost) - printed on 12/17/2018 7:31 AM via NAJRAN
Copyright © 2015. . All rights reserved. May not be reproduced in any form without permission from the publisher, except fair uses permitted under U.S. or
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
2
‫‪. All rights reserved. May not be reproduced in any form without permission from the publisher, except fair uses permitted under U.S. or‬‬
‫‪applicable copyright law.‬‬
‫(*) في األصل أطروحة قدّ مت بعنوان‪« :‬الجدار العازل اإلسرائيلي‪ :‬دراسة في السياسة الديمغرافية والتطهير‬
‫‪Copyright © 2015.‬‬
‫العرقي (‪ ،»)2007 - 2002‬وذلك الستكمال متطلبات الحصول على درجة دكتوراه الفلسفة في العلوم السياسية‪،‬‬
‫جامعة القاهرة‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬قسم العلوم السياسية‪ ،‬الــدراســات العليا‪ ،‬عام ‪ ،2011‬بإشراف‬
‫د‪ .‬نورهان الشيخ‪ ،‬وقد أجرى الباحث تعديالت محددة على النص األصلي لتشمل حتى عام ‪.2014‬‬
‫‪3‬‬
‫‪EBSCO Publishing : eBook Collection (EBSCOhost) - printed on 12/17/2018 7:31 AM via NAJRAN‬‬
‫‪UNIVERSITY‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪Account: ns153310‬‬
‫ال ـ ـ ـف ـ ـ ـهـ ـ ــرسـ ـ ــة أثـ ـ ـ ـ ـن ـ ـ ـ ــاء ال ـ ـ ـن ـ ـ ـشـ ـ ــر ـ إعـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــداد مـ ـ ـ ــركـ ـ ـ ــز دراس ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــات ال ـ ـ ـ ـ ــوح ـ ـ ـ ـ ــدة الـ ـ ـع ـ ــربـ ـ ـي ـ ــة‬
‫يقين‪ ،‬سعيد‬
‫الجدار العازل اإلسرائيلي‪ :‬دراســة في السياسة الديمغرافية والتطهير العرقي (‪- 2002‬‬
‫‪/)2014‬سعيد يقين‪.‬‬
‫‪ 399‬ص‪( .‬سلسلة أطــروحــات الــدك ـتــوراه؛ ‪ .112‬وقفية عبد المحسن الـقـطــان للقضية‬
‫الفلسطينية)‬
‫ببليوغرافية‪ :‬ص ‪ 349‬ـ ‪.387‬‬
‫يشتمل على فهرس‪.‬‬
‫‪ISBN 978-9953-82-692-9‬‬
‫‪ .1‬جدار الفصل (الضفة‪/‬إسرائيل)‪ .2 .‬القضية الفلسطينية‪.‬‬
‫‪ .3‬النزاع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‪ .4 .‬التفرقة العنصرية‪.‬‬
‫‪ .5‬التطهير العرقي‪ .‬أ‪ .‬العنوان‪ .‬ب‪ .‬السلسلة‪.‬‬
‫‪956.953044‬‬
‫العنوان باإلنكليزية‬
‫‪Israeli Separation Wall‬‬
‫)‪Study in Demographic and Ethnic Cleansing (2002-2014‬‬
‫‪By Said Yaqin‬‬
‫اآلراء ال ـ ـ ـ ـ ـ ـ ــواردة فـ ـ ــي هـ ـ ـ ــذا ال ـ ـك ـ ـتـ ــاب ال ت ـ ـع ـ ـ ّبـ ــر بـ ــال ـ ـضـ ــرورة‬
‫عـ ــن ات ـ ـجـ ــاهـ ــات ي ـت ـب ـن ــاه ــا م ــرك ــز دراسـ ـ ـ ـ ــات ال ـ ــوح ـ ــدة ال ـع ــرب ـي ــة‬
‫بناية «بيت النهضة»‪ ،‬شارع البصرة‪ ،‬ص‪.‬ب‪ 6001 :‬ـ ‪113‬‬

‫الحمراء ـ بيروت ‪ 2034 2407‬ـ لبنان‬
‫تلفون‪ 750084 :‬ـ ‪ 750085‬ـ ‪ 750086‬ـ ‪)+9611( 750087‬‬
‫برقي ًا‪« :‬مرعربي» ـ بيروت‬
‫فاكس‪)+9611( 750088 :‬‬
‫‪email: info@caus.org.lb‬‬
‫>‪Web Site: <http://www.caus.org.lb‬‬
‫حقوق الطبع والنشر والتوزيع محفوظة للمركز‬

‫الطبعة األولى‬
‫بيروت‪ ،‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪2015‬‬
‫‪EBSCO Publishing : eBook Collection (EBSCOhost) - printed on 12/17/2018 7:31 AM via NAJRAN‬‬ ‫‪4‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إهــــداء‬
‫إلى إخوتي طالئع شهداء المقاومة الشعبية المتصاعدة‬
‫محمد ريان‬
‫محمد بدوان‬
‫زكريا محمود عيد‬
‫ضياء أبو عيد‬
‫الذين ارتقوا إلى العال خالل مقاومة جدار الفصل العنصري في‬
‫القدس‪ .‬فكانوا منارات ألهمت العمل الشعبي المقاوم للجدار في فلسطين‪.‬‬
‫الذين رووا بدمائهم أزهار شقائق النعمان‪ ،‬وصانوا ذكرياتنا الجميلة في‬
‫كرومنا العتيقة‪ ،‬حافظين عهدنا‪:‬‬
‫«أن ال يمر هذا الجدار إال على صدورنا»‪.‬‬
‫«سنظل نحلم بأرض ال يع ّلقها من عنقها الطغاة»‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
6
‫شكر وعرفان‬
‫بخالص من الشكر والتقدير أتقدم من األستاذة الدكتورة المشرفة نورهان الشيخ‬

‫التي كان لسعة قلبها وصواب توجيهاتها ما مكنني من إنجاز هذا البحث‪ ،‬كما أتقدم من‬
‫األستاذ الدكتور واألب الفاضل السيد غانم الذي أحاطني وأمدني بأسباب الصبر ومعاينة‬
‫اآلراء ببصيرة نافذة‪ .‬شاكر ًا له تفضله بقبول عضوية ورئاسة لجنة النقاش والحكم‪ .‬كما‬
‫يشرفني أن أتقدم بالشكر الجزيل إلى سعادة سفير فلسطين في القاهرة الدكتور بركات‬
‫الفرا الذي آثر رغم انشغاله الدائم وتفضل مشكور ًا بالقبول عضو ًا من الخارج في اللجنة‪.‬‬
‫وأود أن أعرب باسمي واسم عائلتي عن شكرنا وتقديرنا إلى كافة األساتذة األجالء‬
‫والعاملين في مختلف دوائر كلية السياسة واالقتصاد ‪ -‬جامعة القاهرة‪ ،‬الذين احتضنوا‬
‫وجودنا على أرض مصر الخالدة وأحاطونا بالرعاية والدعم مما كان له أعظم األثر في‬
‫مواصلة الدراسة ومواجهة آثار االبتعاد عن األهل والوطن‪.‬‬
‫موصول إلى األستاذ غــازي فخري مــرار المستشار الثقافي السابق الذي‬ ‫ٌ‬ ‫والشكر‬
‫أخــذ بيدنا منذ دخولنا أرض مصر الـعــزيــزة‪ ،‬وكــافــة العاملين فــي سـفــارة فلسطين الذين‬
‫يسروا لنا سبل الدعم والمساندة‪.‬‬
‫وأتقدم بالشكر إلــى كل من آزرنــي‪ ،‬وأدعــو الله أن يجزيهم خير الـجــزاء‪ .‬وأخص‬
‫بالذكر المفكر المرحوم األستاذ الدكتور عبد الوهاب المسيري الذي أنحني له في هذه‬
‫اللحظة احترام ًا‪.‬‬
‫الباحث‬
‫‪7‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
8
‫خالصة الكتاب ‪13 ...........................................................‬‬

‫مـ ـ ـق ـ ــدم ـ ــة ‪33 ...........................................................‬‬
‫‪ :‬أنماط االقتالع واإلبادة العرقية للشعب الفلسطيني ‪43 .......‬‬ ‫تمهيد‬
‫بمفهومي «التطهير‬
‫َ‬ ‫‪.:‬اإلطار النظري للدراسة‪ :‬التعريف‬ ‫الفصل األول‬
‫العرقي» و«الفصل العنصري» وأبعادهما التطبيقية ‪53 ........‬‬
‫‪ :‬األسس النظرية لالفتراضات العنصرية ‪55 ..................‬‬ ‫أوالً‬
‫‪ :‬األبعاد التطبيقية للفكر العنصري ‪74 ........................‬‬ ‫ثاني ًا‬
‫‪.:‬العنصرية في األيديولوجيا الصهيونية‪:‬‬ ‫ثالث ًا‬
‫«اإلطار الثيوقراطي كمرجعية أيديولوجية» ‪89 ..............‬‬
‫‪.:‬المرجع ّية الدينية والتاريخية والفكرية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لجدار الفصل العنصري ‪109 .................................‬‬

‫‪.:‬األبعاد الدينية لجدار الفصل العنصري‪ :‬الالهوت في‬ ‫أوالً‬

‫األعالي يدير الحياة السياسية على هذه األرض ‪112 ..........‬‬
‫‪9‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪ :‬السياق التاريخي االنعزالي الحديث ‪116 .....................‬‬ ‫ثاني ًا‬
‫‪ :‬األصول الفكرية‪ :‬نظرية الجدار الممتد ‪128 ..................‬‬ ‫ثالث ًا‬
‫‪.:‬خطوات تمهيدية عازلة على طريق جدار‬ ‫رابع ًا‬

‫العزل األكبر ‪135 ............................................‬‬
‫‪.:‬األبعاد االستراتيجية للجدار العنصري‬ ‫الفصل الثالث‬

‫في الرؤية اإلسرائيلية ‪153 ....................................‬‬
‫‪ :‬مرتكزات السياسة اإلسرائيلية في الضفة الغربية ‪155 .........‬‬ ‫أوالً‬
‫‪.:‬من روبرتو باكي إلى أرنون سوفير الخطاب الديمغرافي‬ ‫ثاني ًا‬
‫اإلسرائيلي كمادة أساسية لالنعزال والفصل ‪170 .............‬‬
‫‪.:‬األبعاد الثقافية للجدار‪ :‬اإلطار الثقافي العام‬ ‫ثالث ًا‬
‫لجدار العزل العنصري ‪184 ..................................‬‬
‫‪.:‬تداعيات الجدار على مشروع الدولة الفلسطينية‬ ‫الفصل الرابع‬

‫والشعب الفلسطيني ‪191 .....................................‬‬
‫‪ :‬تقويض مشروع الدولة الفلسطينية ‪193 .......................‬‬ ‫أوالً‬
‫‪.:‬اعتراض (إفشال) رؤية الدولة الثنائية القومية‬ ‫ثاني ًا‬
‫أو الدولة العلمانية ‪217 ......................................‬‬
‫‪ :‬آثار الجدار الكارثية في النظام االجتماعي ‪-‬‬ ‫ثالث ًا‬
‫االقتصادي للشعب الفلسطيني ‪227 ..........................‬‬
‫‪.:‬استكمال مشروع اإلبادة والتطهير العرقي‬ ‫رابع ًا‬
‫والعزل العنصري ‪237 .......................................‬‬
‫الفصل الخامـس ‪ :‬في زمن الجدار‪ :‬جغرافيا الكارثة وآفاق االنعتاق ‪263 .........‬‬
‫‪.:‬إثنوقراطية النظام السياسي في إسرائيل‬ ‫أوالً‬
‫والتخطيط القومي ‪265 .......................................‬‬

‫‪.:‬الحركة‪/‬التنظيم الفاشي للمستوطنين في الضفة الغربية‬ ‫ثاني ًا‬

‫(جباية الثمن ‪ -‬تاج محيير) ‪283 .............................‬‬
‫‪10‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تصاعد المقاومة الشعبية وتنامي حملة المقاطعة‬.: ‫ثالث ًا‬
292 ....................................... ‫العالمية إلسرائيل‬
313 .......................... ‫ خيارات وبدائل وآفاق سياسية‬: ‫رابع ًا‬
. All rights reserved. May not be reproduced in any form without permission from the publisher, except fair uses permitted under U.S. or
343 ........................................................... ‫خـ ــات ـ ـمـ ــة‬

349 ........................................................... ‫ال ـمــراجـ ــع‬
389 ........................................................... ‫ف ـ ـهـ ـ ــرس‬
Copyright © 2015.
11
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
12
‫الجدار!!! تلك المفردة األبشع في تاريخ الصراع العربي ‪ -‬الصهيوني في فلسطين‪،‬‬

‫وتلك اللفظة األعمق داللــة على عنف الظاهرة االستعمارية في فلسطين كعالمة فارقة‬
‫صهيونية في سجل الحركات االستعمارية التي أفرغت حمولتها التدميرية على الشعوب‬
‫واألقاليم التي وقعت تحت وطأة العنف االستعماري‪.‬‬
‫في فلسطين‪ :‬استندت الحركة االستعمارية الصهيونية بوصفها ظاهرة كولونيالية‬

‫إحاللية‪ ،‬ومشروع ًا استيطاني ًا عنصري ًا إلى دعامتين متداخلتين هما‪ ،‬األرض والسكان‬
‫األصليون المقيمون فيها‪ .‬ولما كان الهدف الصهيوني هو إقامة دولة يهودية في الحيز‬
‫االنتدابي االستعماري البريطاني ألرض فلسطين التاريخية‪ ،‬فقد أصبح التطهير العرقي‬
‫هو األداة الم ْثلى لتنظيف السكان األصليين من هذا الحيز الجغرافي المستهدف لبناء‬
‫دولــة يهودية‪/‬عنصرية‪ ،‬ليس بحكم المفهوم األيديولوجي‪ ،‬وإنما أيض ًا بحكم االسم‬
‫الــديـنــي وال ـعــرقــي ل ـهــذه ال ــدول ــة الـمــرتـجــاة ل ــدى صــاحــب نـظــريـتـهــا الـتــأسـيـسـيــة (ث ـيــودور‬
‫هيرتزل)‪.‬‬
‫صحيح أن المشروع االستعماري اإلنكليزي في فلسطين هو من أطلق التسمية‬

‫بنصها الــرسـمــي «الــوطــن الـقــومــي الـيـهــودي» لكن هــذه التسمية هــي أيـضـ ًا ج ــاءت نتاج ًا‬
‫للمقترحات الصهيونية الـتــي تبنتها الـسـيــاســة االسـتـعـمــاريــة الـبــريـطــانـيــة فــي مستعمرتها‬
‫«فلسطين»‪ ،‬والتي ظهرت بشكل أكثر عنف ًا من وعد بلفور‪ ،‬عندما تضمن صك االنتداب‬
‫(‪ )1922‬بـنــد ًا صريح ًا يقضي بإنفاذ وعــد بلفور القائل بتمكين إقــامــة دولــة يهودية في‬
‫فلسطين‪.‬‬
‫‪13‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ك ــان ال ــوط ــن ال ـقــومــي يـعـنــي بــالـنـسـبــة لـلـصـهـيــونـيــة‪ ،‬وبــالـتــأكـيــد بــالـنـسـبــة لــاسـتـعـمــار‬
‫البريطاني‪ ،‬أن تكون فلسطين يهودية تمام ًا كما هي إنكلترا إنكليزية وفرنسا فرنسية‪ .‬إن‬
‫هــذا الترتيب االستعماري أوحــى للصهيونية بإنشاء الوكالة اليهودية‪ ،‬كمؤسسة يهودية‬
‫تحظى بالتفويض الشامل والتام من قبل الحركة الصهيونية للتأسيس للدولة اليهودية‪،‬‬
‫وتحظى في ذات الوقت بالدعم «المطلق» من سلطات االستعمار البريطاني بتخويلها‬
‫بـنــاء مجتمع المستوطنين الـمـهــاجــريــن إل ــى ال ـبــاد وقـيــادتـهــم مــن خ ــال بـنــاء مؤسسات‬
‫الــدولــة اليهودية لتغدو هــذه الوكالة اليهودية (كسلطة) بمثابة دولــة داخــل دولــة تمتلك‬
‫من المقدرات والموارد والقوة‪ ،‬ما مكَّنها الحق ًا من أن ترث المشروع االستعماري في‬
‫فلسطين باإلعالن عن الدولة (اليهودية «إسرائيل») عند لحظة فراغ االنتداب البريطاني‬
‫من مهمته االستعمارية في ‪.1948/5/15‬‬
‫تحت الرعاية والدعم المباشر لسلطات االنتداب البريطاني‪ ،‬ومن خالل النشاط‬
‫الكثيف والمعقد والمتواصل للمنظمة الصهيونية وأداتها التنفيذية (الوكالة اليهودية)‪،‬‬
‫وم ــن خ ــال م ــوج ــات ال ـه ـجــرة الـمـتــاحـقــة والـمـنـظـمــة‪ ،‬فـقــد ارت ـف ـعــت نـسـبــة الـمـهــاجــريــن‬
‫المستوطنين اليهود إلى ‪ 30‬بالمئة من إجمالي سكان البالد‪ ،‬الذي قدر بنحو ‪ 1.9‬مليون‬
‫نسمة عــام ‪ ،1948‬فــي حين لــم تتمكن الــوكــالــة اليهودية رغــم كــل الــوســائــل والـقــدرات‬
‫والموارد المالية‪ ،‬وكل التسهيالت القانونية والعسكرية اإلنكليزية المباشرة من اإلخالء‪،‬‬
‫فلم يستطع المستعمرون (البيض‪/‬اليهود) السيطرة ّإل على أقل من ‪ 7‬بالمئة فقط من‬
‫المساحة الكل ّية لفلسطين حتى لحظة ‪ 15‬أيار‪/‬مايو ‪.1948‬‬
‫وعند هــذه اللحظة التي ملكت فيها الــوكــالــة اليهودية كـ ّـل أسـبــاب وعــوامــل القوة‬
‫العسكرية والمجتمع اليهودي المنظم وميلشيات ووح ــدات عسكرية مدربة ومتحفزة‬
‫للقتال‪ ،‬بما فيها ميليشيا الهاغاناه الرسمية التي تضم عناصر قتالية مختارة بعناية‪ ،‬تمكَّنت‬
‫ان تهاجم وفق مخطط عسكري (الخطة دالت) مجتمع ًا عربي ًا في فلسطين‪ ،‬أرهقته سنوات‬
‫العناء والتدمير‪ ،‬والمواجهة اليومية مع سلطات الجيش البريطاني‪ ،‬الذي أدار البالد ونظم‬
‫ٍ‬
‫اقتصاد‬ ‫عمل مؤسساتها لصالح الــوكــالــة الـيـهــوديــة‪ ،‬ومـكــن المجتمع الـيـهــودي مــن بـنــاء‬
‫قادر على أن يؤسس لدولة يهودية على أنقاض الشعب الفلسطيني‪ ،‬الذي‬ ‫متطور ٍ‬
‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫حديث‬
‫فقد قيادته سواء بالطرد أو االعتقال أو القتل على مدى ثالثة عقود من التدمير المنظم‬
‫لقوى الشعب الفلسطيني‪ ،‬وقــواه البشرية وم ــوارده الطبيعية وعالقاته العربية‪ .‬لقد كان‬
‫مجتمع ًا أسير ًا للسياسات البريطانية المنحازة لليوشوف العبري‪ ،‬والذي فقد بضعة آالف‬
‫‪14‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫من العناصر الشابة في المواجهات الدامية مع الجيش البريطاني‪ ،‬والمليشيات اليهودية‬
‫المقاتلة إلى جانب قوات االنتداب البريطاني‪.‬‬
‫هاجمت العصابات الصهيونية هــذا المجتمع‪ ،‬وهــي تحمل فــي أعـمــاق نفسها‬
‫ثقافة انعزالية عن األغيار‪ ،‬وتتبنَّى أيديولوجيا التفوق والنبوغ واالستعالء العنصري‪،‬‬
‫ال ـتــي سـ َّـوغــت لـهــا ال ـجــرائــم وال ـمــذابــح وال ـم ـجــازر ال ـتــي ارتـكـبـتـهــا بـنـيــة قـصــديــة هدفها‬
‫إجــاء السكان األصليين عــن أرضـهــم‪ ،‬ومــركــز نشوئهم اإلنـســانــي‪ ،‬وتكونهم القيمي‬
‫واألخالقي‪.‬‬
‫فــي هــذه الـحــرب تمكَّنت الحركة الصهيونية مــن تدمير البلد والسيطرة على ‪78‬‬
‫بالمئة من مساحته التاريخية‪ ،‬وإجالء ‪ 750‬ألف فلسطيني تحولوا إلى الجئين‪ ،‬وإسكان‬
‫فلسطين بنفس ه ــذا ال ـعــدد تـقــريـبـ ًا مــن الـمـهــاجــريــن الـيـهــود الــذيــن أصـبـحــوا بـعــد الـحــرب‬
‫مواطنين في دولة إسرائيل‪ ،‬التي تضمنت أيض ًا نحو (‪ )156‬ألف عربي استمر وجودهم‬
‫في وطنهم إلى جانب األغلبية اليهودية‪.‬‬
‫إن هــذه السياسة الديموغرافية وه ــذا الـتـحــول الــديـمــوغــرافــي الـقـســري الـنــاتــج عن‬
‫التجميع والـتـشـتـيــت‪ ،‬واإلفـ ــراغ واإلس ـك ــان‪ ،‬وال ـطــرد والـجـلــب وال ـم ـصــادرة‪ ،‬والتفكيك‬
‫والتركيب والبناء والهدم‪ ،‬والوصل والقطع‪ ،‬إن هذه السياسة ما زالت هي اإلطار الحاكم‬
‫للسياسة اإلسرائيلية التي طورت مع الزمن منظومة إجراءات تستهدف في الرؤيا النهائية‬
‫السيطرة على النسبة العظمى من األرض وتفريغ البالد من النسبة العظمى من السكان‬
‫األصليين ألجــل ترسيخ وج ــود الــدولــة اليهودية كحالة مـعــدة خصيص ًا لحفظ الساللة‬
‫والدين للشعب الذي «حظي باختيار ورعاية الرب»‪.‬‬
‫‪-1-‬‬
‫أتقن المستعمرون الصهاينة صناعة المأساة العربية للشعب الفلسطيني‪ ،‬ويأتي بناء‬
‫الجدار العازل‪ ،‬أو الجدار العنصري كشكل احترافي متقن البناء لصياغة نظام هندسي‬
‫ديموغرافي في الـبــاد‪ ،‬ال يستهدف اقتسام الحيز الجغرافي‪ ،‬وإنما أيض ًا تفكيك البناء‬
‫االجـتـمــاعــي للشعب الفلسطيني‪ ،‬ولـيــس بقصد وضــع حــد نهائي لحلم تقرير المصير‬
‫عند الفلسطينيين‪ ،‬وإنـمــا أيـضـ ًا لضمان إج ــراء سياسي أمني فعال قــادر دائـمـ ًا على دفع‬
‫الفلسطينيين إلى مغادرة البالد والهجرة منها‪ ،‬وضمان إحداث الطرد المتدرج والمستدام‬
‫‪15‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫للسكان بعد الفشل الذي اعترى مشروع الهندسة الديموغرافية بواسطة التطهير العرقي‪،‬‬
‫الذي لجأت إليه الحركة الصهيونية عام ‪.1948‬‬
‫تسعى الــدراســة إلــى تأطير الـظــاهــرة االستعمارية «ال ـجــدار ال ـعــازل» ضمن اإلطــار‬
‫الثقافي والديني للمجموعة اليهودية المهاجرة لفلسطين‪ ،‬وتحاول أن تكشف األبعاد‬
‫االستراتيجية لفعل الجدار لدى العقل السياسي اإلسرائيلي‪ ،‬وتداعيات هذا المشروع‬
‫االقتالعي على الشعب الفلسطيني في ضوء الجيوبولتيك الهندسي الجديد‪ ،‬المرسوم‬
‫على األرض بألوان إثن َّية حادة الزوايا‪ .‬ثم بعد ذلك تستدعي صدمة الجدار السؤال القائل‬
‫بآفاق االنعتاق عند الذين صارت حياتهم مسيجة بالموت‪.‬‬
‫األسس النظرية للفكر العنصري‬

‫إن الفكر العنصري‪ ،‬الــذي يقوم على عقدة التفوق ال يــرى فــي البشر جميع ًا ّإل‬
‫مادة استعمالية‪ ،‬وليس قيمة إنسانية ذات سمو أخالقي‪ ،‬ومن هنا تبرز أهمية االختالفات‬
‫العرقية كلون الجلد وحجم الرأس وشكل األنف‪ ،‬وال ترجع العنصرية إلى مجرد التفسير‬
‫بمرجعية العنصر او العرق‪ ،‬وإنما بتحول هذه المرجعية إلى معتقد تمييزي من الطرف‬
‫األقوى ضد الطرف األضعف لتحقيق احتياجات ذات قيمة اقتصادية واجتماعية‪.‬‬
‫كمقاربة استنتاجية عامة‪ ،‬فإن العنصرية‪ :‬هي الشعور بالسمو والتمييز واالستثنائية‪،‬‬
‫وأساس هذا الشعور يكمن في االدعاء المتخيل باالنتماء إلى أصل عرقي محدد وتوكيل‬
‫إلهي خاص‪ ،‬يحمل في ثناياه على وجه تلقائي صفات القوة واألصالة‪ ،‬والذكاء والقدرة‬
‫والنبوغ والسمو‪ ،‬ويــؤصــل ويــؤهــل إليه وراثـيـ ًا لكل مستويات القيادة والــريــادة األبــديــة‪.‬‬
‫وتأسيس ًا على ما سلف‪ ،‬فإن يوتوبيا االعتقاد العنصري تتجسد في ثالث مقوالت أساسية‬
‫هي‪:‬‬
‫‪ - 1‬عراقة الساللة ونقاء وطهارة الدم‪ :‬فكلما أيقظ الفكر العنصري تمركز ًا عرقي ًا‪،‬‬
‫ال نحو االدعاء بأنهم خير البشر المفترضين في دائرة السمو‬ ‫فإن معتنقيه يصبحون أكثر مي ً‬
‫الــواسـعــة‪ ،‬وأرف ــع األجـنــاس فــي دائ ــرة األجـنــاس الرفيعة‪ ،‬ونخبة الخاصة بين األجـنــاس‬
‫المخصوصة بطهر دمها‪ ،‬وعنصريتها الجينية وكفاءتها الساللية‪ .‬وضمن هــذا المعتقد‬
‫التفضيلي ذهبت الصهيونية إلــى مــا هــو أكثر تـشــدد ًا فــي تبني هــذه األفضلية‪ ،‬إذ جعلوا‬
‫من أنفسهم الصفوة من نسل يعقوب وصفوة الصفوة‪ ،‬فهم من نسل وساللة إسرائيل‬
‫بن يعقوب‪ .‬وضمن هــذا اإلطــار الفكري جــاءت نظرية داروي ــن (البقاء لألفضل)‪ ،‬التي‬
‫‪16‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫جرى توظيفها سياسي ًا‪ .‬فــإذا كان قانون التطور الطبيعي يفضي إلى اختيار األنــواع ذات‬
‫المؤهالت القابلة للبقاء والـسـيــادة‪ ،‬فــإن نظرية الــرجــل األبـيــض والصهيونية قــد طــورت‬
‫المفهوم الدارويني باستخدام أدوات سياسية إلبــادة وعزل وطرد المجموعات البشرية‬
‫الـتــي ال تـقــوى بحكم طبيعتها «الــوضـيـعــة» عـلــى مـنــافـســة ال ـمــؤهــات الطبيعية السامية‬
‫والحلول في حيزهم الجغرافي األصلي‪ ،‬باعتبارهم أجناس ًا بشرية ال ترقى إلى مستوى‬
‫الجنس البشري ذي الساللة والجينات األرقى‪.‬‬
‫وتندرج نظرية التفوقية والسمو العرقي عند أدولف هتلر ضمن هذه الدائرة الفكرية‪،‬‬
‫التي انسابت في ظالل التمركز األوروبي حول الذات المصطفاة لقرون طويلة من الزمن‪.‬‬
‫الـنـظــريــة الـتــي صــاغـهــا هتلر لعظمة الـجـنــس اآلري تــؤســس بــداهــة عـلــى مــدخــات‬
‫القوانين الطبيعية‪ ،‬فالنبوغ والعنصرية هما نتاج الجينات الوراثية‪ ،‬وليس كثمرة ناتجة‬
‫لفعل المعطيات االجتماعية‪ .‬وعلى ذلك أسس هتلر مقوالته السياسية بالقول‪« :‬إن غاية‬
‫الدولة هي الحفاظ على العنصر اآلري‪ ،‬وعلى مميزات العرق الجوهرية‪ ،‬والدولة تفقد‬
‫مبرر وجودها حين تصبح عاجزة عن حماية مضمونها الجوهري‪ ،‬وهو عرقيتها»‪ .‬وعليها‬
‫(أي على الدولة) أن تجعل العرق محور حياة الجماعة بعزل اآلخرين بكل القوة الممكنة‬
‫عن دائرة الجنس المتحضر والمصطفى بفعل قانون الطبيعة‪.‬‬
‫‪ - 2‬الـتــوكـيــل أو االخ ـت ـيــار اإلل ـهــي‪ :‬اسـتـثـنــائـيــة الـســالــة الـعــرقـيــة ارتـبـطــت تــاريـخـيـ ًا‬
‫باستثنائية مطلقة للشعب المقدس‪ ،‬فكانت االستثنائية العرقية في حالة تشابك جدلي‬
‫دائــم مع االختيار اإللهي لجنس معين‪ ،‬اصطفاه الــرب كوكيل حصري كامل التفويض‬
‫السماوي في األرض‪ .‬الكبرياء العرقي يتماهى مع الكبرياء الديني‪ ،‬واالستثنائيتان العرقية‬
‫والدينية تالزمتا داخــل قــوى تاريخية مـحــددة‪ ،‬أنتجت العنصرية فــي الـتــاريــخ اإلنساني‬
‫وأدامتها عبر مراحل تطور االستعمار األوروبــي األبيض في أمريكا الشمالية‪ ،‬واستراليا‬
‫وأفريقيا‪ ،‬وكذلك في الحالة الفلسطينية الراهنة بفلسفة وصائ ّية مؤطرة دين ًا ودم ًا‪ ،‬وهؤالء‬
‫الذين مارسوا فعل اإلبــادة والفصل العنصري كانوا دائم ًا واثقين بــأن الــرب قد فضلهم‬
‫واصطفاهم على اآلخرين وأعطاهم األرض وحق تقرير الحياة والموت لكل من يعيش‬
‫فوق هذه األرض‪.‬‬

‫‪ - 3‬السمو القيمي واالستعالء الثقافي واألخــاقــي‪ :‬أسست القوى االستعمارية‬

‫الدع ـ ــاءات ويــوتــوبـيــا الـتـفــوق األخــاقــي بــركـيــزتـيــن دوغـمــائـيـتـيــن هـمــا نـقــاء ال ــدم وارت ـقــاء‬
‫‪17‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫العرق من زاوية‪ ،‬والعالقة االستثنائية الخاصة مع اإلله من زاوية أخرى‪ .‬السمو القيمي‬
‫واالستعالء الثقافي واألخــاقــي يندرجان ضمن خطاب االستثنائية السامية والثنائيات‬
‫الكالسيكية‪ :‬الخير والشر‪ ،‬الحضارة والظالم‪ ،‬اإليمانية والوثنية‪ ،‬اإلنسانية والتوحشية‪،‬‬
‫السيد والعبد‪...‬‬
‫كانت الجرائم التي مارسها المستعمرون والموصوفة اليوم بجرائم الحرب والمع َّبر‬
‫عنها بالتطهير العرقي أو اإلبــادات الجماعية‪ ،‬أو الفصل العنصري نتاج ًا لهذه النظريات‬
‫الـعـنـصــريــة ال ـتــي أف ـســدت عـلــى ال ـش ـعــوب الـمـنـكــوبــة قـيـمــة ال ـح ـيــاة اإلن ـســان ـيــة‪ .‬استلهمت‬
‫األيديولوجيا الصهيونية هذه الخبرات التاريخية االستعمارية سواء من حيث تبنّي هذه‬
‫الـخـبــرات أو مــن حيث الـمـمــارســات الفعلية لسياسة الــدولــة فــي إســرائـيــل تـجــاه الشعب‬
‫الفلسطيني‪.‬وهكذا فإن أسطورة الشعب المختار تشكل الطبقة األعمق لبناء الدولة في‬
‫إسرائيل‪ ،‬وعلى هذه الطبقة قام البناء المادي للحالة االستعمارية اإلسرائيلية التي مارست‬
‫التطهير العرقي ضد الشعب الفلسطيني كحاجة إلهية ورغبة يهودية‪.‬‬
‫إن بنية الــدولــة اإلســرائـيـلـيــة تعتمد أســاس ـ ًا عـلــى الـتـســويـغــات وال ـم ـقــوالت الدينية‬
‫التوراتية‪ ،‬فالقيمة العهدية التوراتية التي عقدت بين اليهودي و(اإلله) قد اختزلت (اإلله)‬
‫في هذا اليهودي ليصبح على شاكلة (اإللــه)‪ ،‬وهذا الذي على شاكلة (اإللــه) عليه تنفيذ‬
‫أمر (اإللــه) بجعل المكان أو الحيز العام الــذي يحكم فيه (االلــه) نظيف ًا ممن هم ليسوا‬
‫على شاكلة (اإلله)‪ .‬إن فكرة االختيار اإللهي على وجه العموم قد أكدت فكرة االنعزال‬
‫عن األغيار كتعبير عن القداسة الناجمة عن الحلول اإللهي في الشعب المقدس‪.‬‬
‫وهكذا تحولت العبارة التوراتية القائلة باالنعزال «شعب يسكن وحده وباألغيار ال‬
‫يكترث» إلى مثل أعلى لليهود كمجموعة دينية وعرقية‪ ،‬ولم يكن هيرتزل وهو الشخصية‬
‫العلمانية القيادية إال توراتي ًا في تعريفه لألمة باالستناد إلى الثابت األســاس فيها‪ ،‬وهو‬
‫دينها اليهودي القائم على ثقافة االنـعــزال والتمايز عن اآلخــر لتبرير شرعية دولــة األمة‬
‫اليهودية‪ .‬ولم تخرج غولدا مائير عن معينها التوراتي كمرجعية ثقافية حاكمة لصهيونيتها‬
‫العلمانية‪ ،‬فقد اعتبرت أن وطنها «إسرائيل» جاء إنجاز ًا لوعد قطعه الله لليهود على نفسه‪،‬‬
‫وهكذا كــان التزام قيم الغيتو المنعزل عن األغيار يشكل حالة ٍ‬

‫تماه وانــدمــاج تامين مع‬
‫القيم التوراتية‪ ،‬وعليه‪ :‬فإن إسرائيل هي أكثر األمكنــة‪ ،‬ربما في العالم‪ ،‬التي يستثمر الدين‬
‫فيها كوسيلة وطريقة لتفسير وتبرير األحداث التاريخية‪ ،‬والحركة الصهيونية كحركة بعث‬
‫‪18‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫للديانة اليهودية عملت على عقلنة األساطير الدينية وجعلت منها األســاس لمنطلقاتها‬
‫السياسية االستعمارية‪.‬‬
‫كذلك يمكن رد عقدة التفوق واالنعزال عن اآلخرين إلى أسطورة ومقوالت النقاء‬
‫العرقي عند اليهود‪ ،‬حيث تبدأ العرقية اليهودية المتخيلة كسمة انحيازية حــادة ومعمقة‬
‫مــن اللحظة الـتــي يتم فيها التمييز داخ ــل النسل الــواحــد (أبـنــاء إبــراهـيــم) وذل ــك بإقصاء‬
‫االسماعيليين «العرب» من هذه الذرية اإلبراهيمية التي ألصقت بها منظومة ال حصر لها‬
‫من الصور والتشبيهات التي تحط من األخالق اإلنسانية‪ .‬وال بدّ من التنويه هنا أن المفكر‬
‫ـرواد الــذيــن طــرحــوا مفهوم ًا لليهودية باالستناد إلى‬ ‫الصهيوني موشيه هــس كــان مــن ال ـ ّ‬
‫األساس البيولوجي قائالً‪ :‬إن العرق اليهودي من األعراق الرئيسية في الجنس البشري‪،‬‬
‫جدير‬
‫ٌ‬ ‫وهو حافظ على وحدته وسالمته وثقافته على مر العصور‪ ،‬وعليه فإن هذا العرق‬
‫بكيان سياسي انعزالي مستقل‪ .‬ولذلك فــإن النظام اإلثنوقراطي المتشكل في إسرائيل‬
‫طبيعي لمنظومة الفكر العنصري المتراكم في المجتمع اإلسرائيلي الذي‬ ‫ٌ‬ ‫نتاج‬
‫اليوم‪ ،‬هو ٌ‬
‫تعبر عنه األيديولوجيا الصهيونية‪.‬‬
‫‪-2-‬‬
‫الـ ـج ــدار ال ـم ـعــد خـصـيـصـ ًا لـحـفــظ الـمـجـتـمــع ال ـي ـه ــودي م ــن االخـ ـت ــاط بــاآلخــريــن‬
‫«الفلسطينيين» هو نفس الجدار وبذات المهمة الوظيفية التي تمكن الدولة «اليهودية» من‬
‫أداء وظيفتها المتمثلة بحفظ النوع البيولوجي العرقي للمهاجرين اليهود الذين أصبحوا‬
‫وفق قانون العودة اإلسرائيلي العنصري مواطنين فيها‪.‬‬
‫جــرى التأسيس لـهــذه الــدراســة الـتــي اعـتـمــدت مـقــاربــة الثقافة السياسية للجماعة‬
‫الدينية اليهودية كمنهج تحليلي للوصول إلى قاعدة متسقة وذات قدرة تفسيرية لمشروع‬
‫الـجــدار كظاهرة سياسية‪ ،‬قيل عنها إنها أهــم مـشــروع استراتيجي إلســرائـيــل بعد العام‬
‫‪.1948‬‬
‫الثقافة بما تنطوي عليه من قيم ورموز ومعتقدات هي ذات دور ووظيفة محورية‬
‫في خلق النظام االجتماعي وطريقة الحياة في المجتمع والمحافظة عليهما‪ .‬وإن أي نظام‬
‫سياسي إنما يتشكل وفق ًا لمرجعياته الثقافية‪ ،‬وعلى ذلك جرى التأسيس لهذه الدراسة‬
‫بالكشف عــن الثقافة الدينية للمجتمع الـيـهــودي كمرجعية عميقة للنظام السياسي في‬
‫‪19‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إسرائيل‪ .‬فهذه المرجعية كانت بمثابة الركيزة األساسية التي ساعدت على فهم سلوك‬
‫األفراد والجماعة والنظام السياسي الذي مكَّن إسرائيل من إقامة هذا المشروع‪.‬‬
‫لقد وجدت هذا المرجعية‪،‬ومن خالل مقاربة الثقافة السياسية‪ ،‬ضالتها بمنظومة ال‬
‫سوغت بناء الجدار العازل اإلسرائيلي في فلسطين‪،‬‬ ‫حصر لها من النصوص الدينية التي َّ‬
‫وأسست للحالة االنعزالية الصهيونية الحديثة ولخطاب االنغالق العلماني اإلسرائيلي‬
‫الراهن‪.‬‬
‫إن ظاهرة الجدار ال يمكن فهمها ّإل من خالل فهم خط التتابع التاريخي اليهودي‪،‬‬
‫فالجدار المرتبط بجذور دينية توراتية عميقة كقيمة انعزالية ورمزية ذات طابع مقدس‪،‬‬
‫استمر في إنتاج قي ٍم انعزالية تراكمت طبقاتها األحفورية في السياق التاريخي للجماعة‬
‫اليهودية كسياق انعزالي لما أصبح يعرف بالغيتو الذي ضمن وظيفتين أدائيتين‪ :‬األولى‪،‬‬
‫على مستوى العالقة مع الدولة القومية التي يعيش فيها اليهود‪ ،‬وتمثلت بحماية اليهود‬
‫كجماعة وظيفية وسيطةـ وتحصيل جمع الضرائب منها بشكل جماعي‪ ،‬وتشديد الرقابة‬
‫والسيطرة عليها وفصلها عن الجماعة المسيحية التي تشكل مــادة الــدولــة القومية‪ .‬أما‬
‫الثانية فهي الوظيفة الداخلية‪ ،‬وهــي بمثابة اإلط ــار الجمعي الــذي ابتغى صيانة الهوية‬
‫الدينية اليهودية وتعميق الــوالء العقيدي لرموزها الطقوسية االنعزالية العرقية‪ ،‬إذ تمتّع‬
‫الغيتو بقسط واف ــر مــن اإلدارة الــذاتـيــة كما تمتّع الـيــوشــوف الـعـبــري فــي فلسطين بــذات‬
‫الوفرة اإلدارية الذاتية في سنوات االنتداب البريطاني‪ .‬وعند هذه اللحظة التي جرى فيها‬
‫التأسيس للبيت القومي «هبايت هلئومي» بــدأت جــدران الغيتو في البروز وهــذه المرة‬
‫باأليدي والهندسة اليهودية الذاتية‪.‬‬
‫وعلى خط التتابع التاريخي ومنذ العام ‪ 1879‬حيث ظهر مفهوم معاداة السامية‪،‬‬
‫بــدأ توظيف المفهوم من أجــل تعميق المضمون االنعزالي ورفــض االنــدمــاج من جهة‪،‬‬
‫والتأسيس لحل المسألة اليهودية في بناء الوطن القومي من جهة أخــرى‪ .‬وعلى نفس‬
‫الخط كانت الصدمة اليهودية األخرى التي تمثلت بالهلوكوست النازي لليهود في ألمانيا‬
‫وبولندا‪ ،‬إذ أصبحت المحطة «المحرقة» النقطة األهم على المحور التاريخي اإلدراكي‬
‫الـيـهــودي ال ــذي رأى بنفسه كـمــن يـقــف فــي مــواجـهــة دائ ـمــة مــع الـعــالــم‪ ،‬حـيــث أصبحت‬
‫المحرقة جــزء ًا أساسي ًا من سفر الخلود الــذي بــدا يصوغ طريقة تفكير اإلسرائيليين في‬
‫األوضــاع والظروف المختلفة ويعزز باستمرار حالة الحرب ضد الفلسطينيين والقضاء‬

‫عليهم بالموت خلف السياج‪ .‬إن عزل الفلسطينيين واالنعزال عنهم هو صدى لما حدث‬
‫‪20‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫في أوشفيتس بيركانا وتريبلينكا ومايدناك في بولندا‪ ،‬وهنا في فلسطين يعاد استحضار‬
‫النازي المتحفز للقتل‪.‬‬
‫الجدار كظاهرة احتجازية أو عزلوية‪ ،‬شكل في التاريخ اليهودي قيمة ذات طابع‬
‫مركزي‪ ،‬وأصبح لكل الصهيونية كحجر الــزاويــة في التفكير والتنظير والممارسة كونه‬
‫الـحــالــة المثلى الـتــي تتحقق فــي داخـلــه القيم العلوية للنظرية الميثولوجية الـتــي كانت‬
‫األساس الثقافي للحركة الصهيونية‪ .‬وعلى خط التراكم التاريخي المتجذر في اإلدراك‬
‫اليهودي‪ ،‬فــإن رائ ــدَ ي الصهيونية‪ :‬هيرتزل وجابوتنسكي أرادا لدولة «حفظ الـنــوع» من‬
‫حيث المبدأ‪ ،‬كدولة يهودية أن تكون مسورة بالجدار‪/‬الحائط‪ .‬الفكرة األســاس التي‬
‫شكلت محور الــوعــي الهرتزلي فــي الــدولــة اليهودية أن تكون ج ــزء ًا مــن الـســور الواقي‬
‫ألوروبـ ــا‪ ،‬وحــائــط صــدٍّ أمــامــي للحضارة مقابل الـبــربــريــة اآلسـيــويــة الشرقية المتوحشة‪.‬‬
‫وإذا كــان هيرتزل متأثر ًا مباشرة بالمدرسة األلمانية (عراقة الجنس اآلري) والمدرسة‬
‫اإلنكليزية (الرجل األبيض المتحضر) فإن فالديمير جابوتنسكي كان فاشي ًا تمام ًا ليس‬
‫باأليدولوجيا فقط وإنما بالعضوية أيض ًا‪.‬‬
‫أدرك جابوتنسكي أنــه مــن المستحيل أن يسلم الـعــرب بــوجــود دول ــة يـهــوديــة في‬
‫«أن ال أحد من السكان األصليين في أي زمان وأي مكان يستطيع القبول‬ ‫فلسطين‪ ،‬بقوله‪ْ :‬‬
‫بأي شكل من أشكال االستيطان‪ .‬وأن كل شعب سيحارب المستوطنين طالما بقي لديه‬
‫بصيص أمــل في التخلص من االستيطان والمستوطنين»‪ ،‬وهــو يقرر بوضوح أن قبول‬
‫الفلسطينيين للصهيونية هو نوع من المستحيل‪ ،‬وأن التوصل إلى اتفاق معهم هو من قبيل‬
‫الوهم غير القابل للتحقق‪ ،‬لذلك طــرح جابوتنسكي نظرية الجدار الحديدي الــذي لن‬
‫يكون بمقدور العرب الفلسطينيين تحقيق أي اختراق له لوجود الحراب اليهودية التي‬
‫تدعمها القوى العظمى «بريطانيا»‪.‬‬
‫الدولة اليهودية المنشودة‪ ،‬افترضت سياج ًا حول البناء اليهودي المفترض‪ ،‬فقبل‬
‫بناء المستوطنة يجري تسييجها باألسالك الشائكة ليصبح الحيز الجغرافي المسيج حكر ًا‬
‫عرقي ًا لليهود فقط‪ .‬وهكذا بدأت العمليات األولــى لالستيطان العبري في فلسطين قبل‬
‫الحرب العالمية األولى وأثناء فترة االنتداب البريطاني حيث شاع هذا النمط االستيطاني‬
‫المسيج بالبرج والسور‪ .‬لم يكن األمن هو الذي دفع هيليل كوهين إلى تأسيس مدينة تل‬
‫أبيب عام ‪ ،1906‬واالنتقال الجماعي اليهودي إليها‪ .‬يقول (غيل ايــال) في كتاب نزع‬
‫السحر عن الشرق‪ « :‬لم يكن مؤسسو تل أبيب كأول مدينة عبرية‪ ،‬يريدون الهروب من‬
‫‪21‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫خطر عربي محتمل‪،‬بل يريدون الهروب من وجه اللغة والثقافة والقيم العربية التي ِ‬
‫تس ُم‬
‫وجه المكان العربي في مدينة يافا»‪.‬‬
‫إن قصة بناء الدولة العبرية هي قصة سياج‪ ،‬فالسياج‪/‬الجدار هو المادة المعقلنة‬
‫القادرة على تبرير كل الرواية الصهيونية والتوراتية‪ .‬كان سياج يافا‪ ،‬واللد تالي ًا بعد حرب‬
‫‪ 48‬مباشرة‪ ،‬الذي أقامته الدولة العبرية سعي ًا إلى تشكيل بنية ديموغرافية منفصلة ذات‬
‫حدود هندسية إثنية حادة اللون مقدمة عملية على طريق العزل األكبر الذي اتضح الحق ًا‬
‫في ترسيم الخط األخضر حول حدود الكيان السياسي اإلسرائيلي الوليد‪.‬‬
‫وبعد أن تمكَّنت الحركة الصهيونية مــن اسـتــاب كامل فلسطين بــدأت مقدمات‬
‫أخــرى عملية لبناء القفص السياجي الـجــداري الحالي‪ .‬أصبحت الضفة الغربية مجاالً‬
‫وفضا ًء رحب ًا لممارسة طقوس االنعزال عن الفلسطينيين وعزلهم‪ ،‬وأصبح قائد المنطقة‬
‫الوسطى في الجيش اإلسرائيلي هو سيد المكان الذي يقرر الحياة والموت‪ ،‬فمن خالل‬
‫طاقم الخبراء والحاخامات بدأت سياسة المناطق العسكرية المغلقة والطرق االستيطانية‬
‫والطرق االلتفافية ذات الصفة الحصرية للمسافرين اليهود في الضفة الغربية هي النمط‬
‫السائد الذي أسس فعلي ًا لبناء الجدار العنصري األكبر عام ‪.2002‬‬
‫‪-3-‬‬
‫اح ـت ـشــدت أمـ ــام ص ـنــاع ال ـق ــرار ف ــي الـحـكــومــة اإلســرائ ـي ـل ـيــة مـنـظــومــة م ــن األهـ ــداف‬
‫االستراتيجية العليا‪ ،‬ينبغي تسويتها منذ اللحظة األولى المتالك باقي فلسطين التاريخية‬
‫عام ‪ .1967‬كان امتالك األرض وضم مدينة القدس واسـتــزراع المستوطنات في تالل‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬كأهداف عليا تحظى باإلجماع القومي اليهودي ‪ -‬كانت ‪ -‬أهداف ًا مركزية‬
‫عليا للحالة االستعمارية الصهيونية في هــذا اإلقليم الــذي جــرى السيطرة عليه من قبل‬
‫الجيش اإلسرائيلي‪ .‬كانت المشكلة السكانية والمتمثلة في الوجود العربي الكثيف في‬
‫تالل فلسطين الوسطى (الضفة الغربية) هي العامل األبرز الذي حال حتى اللحظة دون‬
‫ضــم الضفة الغربية لسيادة الــدولــة فــي إســرائـيــل‪ ،‬وعملت الــدولــة العبرية بكل الوسائل‬
‫الممكنة إلحـ ــداث الـتــرانـسـفـيــر عـبــر مـجـمــوعــة مــن اإلجـ ـ ــراءات العنيفة المختلفة لدفع‬
‫المواطنين الفلسطينيين للرحيل عن بالدهم وحققت هذه السياسة طرد حوالى ‪ 400‬ألف‬
‫فلسطيني خالل الحرب والسنوات القليلة التي أعقبت العدوان عام ‪.1967‬‬
‫‪22‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫استمرت إجــراءات الترانسفير المتدرج حاضرة في كل سلوك سياسي إسرائيلي‪،‬‬
‫وعندما يشار إلى أن المشروع الصهيوني كحالة استعمار كولونيالي إحاللي فإن ذلك‬
‫يعني جوهري ًا اعتماد سياسة االستيطان في تالل الضفة الغربية والقدس للسيطرة على‬
‫الحيز الجغرافي وتفكيك بنيته الجغرافية لإلجهاز على كل أسباب حياة الفلسطينيين في‬
‫هذا الحيز الجغرافي المستهدف‪.‬‬
‫المدى والفضاء الجغرافي المفتوح أمام دولة االحتالل‪ ،‬وعلى مدى زمن االحتالل‬
‫‪ ،2002 - 1967‬أتاح إلسرائيل بناء بضع مئات من المستوطنات والمواقع العسكرية‪،‬‬
‫وحظر الدخول إلى ما يسمى بالمناطق العسكرية المغلقة‪ .‬وهذا إضافة إلى الشروع فعلي ًا‬
‫بإغالق مدينة القدس منذ العام ‪.1991‬‬
‫الـمـسـتــوطـنــات لـيـســت عـبـئـ ًا أم ـن ـي ـ ًا يـسـتــوجــب الـحـمــايــة إن ـمــا ه ــي ذخ ـ ٌـر اسـتــراتـيـجـ ًـي‬
‫يستوجب البقاء‪ .‬كانت هذه الفكرة هي الدالة االستراتيجية التي أفشلت مشروع التسوية‬
‫السياسية الذي انطلق عملي ًا عام ‪ .1993‬وهنا بدأت حكومة االحتالل الذي قادها رابين‬
‫قبل اغتياله التخطيط لالنفصال عن الفلسطينيين الذين اعتقدوا أن مشروع التسوية سوف‬
‫يقود إلى تقرير المصير في أراضــي الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس‪ّ .‬إل أن مشروع‬
‫االنفصال الذي بدأ يترسم على األرض بالطرق التي سميت (التفافية) لربط التجمعات‬
‫االستيطانية بالمركز االستعماري (الــدولــة) داخــل الخط األخـضــر‪ ،‬كانت هــذه الطرق‬
‫االلتفافية بمثابة السكين الــذي قطع اإلقليم الجغرافي‪ ،‬وأصبحت الكتل االستيطانية‬
‫الكبرى والـبــؤر االستيطانية العشوائية الصغرى مرتبطة بمركز الــدولــة العبرية‪ .‬استثنت‬
‫مـفــاوضــات أوس ـلــو واالت ـف ــاق الـمــرحـلــي فــي واشـنـطــن الـقـضــايــا الـكـبــرى وج ــرى تأجيلها‬
‫لمفاوضات الحل النهائي (قضايا الالجئين‪ ،‬القدس‪ ،‬الحدود‪ ،‬االستيطان‪ ،‬المياه)‪ّ ،‬إل أن‬
‫عجلة االستيطان قد شهدت نشاط ًا كثيف ًا ومتسارع ًا وبشكل غير مسبوق إ ْذ تضاعف عدد‬
‫المستوطنين‪ ،‬وانتشرت عشرات المستوطنات الجديدة بتعليمات شــارون الــذي تولى‬
‫رئاسة الحكومة في العام ‪.2003‬‬
‫كانت اللحظة التي دخــل فيها ش ــارون للمسجد األقـصــى بتاريخ ‪2000/9/28‬‬
‫هي الشرارة التي أدت إلى اندالع االنتفاضة الثانية التي عرفت بانتفاضة األقصى‪ ،‬وهي‬
‫ٌ‬
‫صارخ عن رفض السياسة اإلسرائيلية والتحرر من االلتزامات األمنية مع الجانب‬ ‫تعبير‬
‫ٌ‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬وتعبير عن اإلحباط الشديد لدى الفلسطينيين الذين اعتقدوا للوهلة األولى‬
‫‪23‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أن مشروع التسوية سوف يؤدي إلى وقف الزحف االستيطاني‪ ،‬والضم الفعلي لمعظم‬
‫أراضي الضفة الغربية الواقعة ضمن المنطقة المسماة وفق اتفاقيات أوسلو بالمنطقة )‪.(c‬‬
‫فــي حــزيــران‪/‬يــونـيــو ‪ 2002‬أخ ــذ المجلس ال ـ ــوزاري المصغر (الـكــابـيـنــت) ق ــرار ًا‬
‫بالشروع في بناء الجدار العازل الذي يشكل الكارثة األعمق للفلسطينيين بعد االحتالل‬
‫األول عام (‪ )48‬الذي استولى على (‪ 78‬بالمئة) من مساحة فلسطين واالحتالل الثاني‬
‫الذي ألحق البقية الباقية من األراضي الفلسطينية بقبضة االحتالل العسكري اإلسرائيلي‪.‬‬
‫شكل الجدار ذروة النشاط االستيطاني في البالد وذروة السياسة اإلسرائيلية في‬
‫ضم القدس نهائي ًا وعزلها عن محيطها اإلنساني والوطني‪ ،‬والحضاري والعربي‪ .‬وشكل‬
‫أيض ًا برهان ًا ساطع ًا على عنصرية هذا االحتالل ومشروعه االستعماري األبــدي للضفة‬
‫الغربية‪ ،‬ال مدينة القدس العربية فقط‪.‬‬
‫حقق الـجــدار اإلسرائيلي ضـ َّـم النسبة العظمى مــن المستوطنين والنسبة العظمى‬
‫للمستوطنات وهــذا يعني عملي ًا االستيالء فعلي ًا على الضفة الغربية كاملة‪ ،‬وليس على‬
‫األراضي التي أقيمت عليها المستوطنات‪ .‬ألن المستوطنات التي توزعت هندسي ًا على‬
‫امتداد الضفة الغربية‪ ،‬قد أدت إلى السيطرة على الحيز الجغرافي كامالً‪ ،‬وتفكيك هذا‬
‫اإلقليم بشكل يستحيل بعده إقامة كيان سياسي فلسطيني مستقر وآمــن‪ ،‬وهذا يعني من‬
‫الناحية الفعلية القضاء الـتــام والنهائي على حلم تقرير المصير للفلسطينيين‪ ،‬وإرغــام‬
‫الفلسطينيين على التسليم بــالــوجــود االستيطاني فــي أراض ــي الضفة الغربية وبمشروع‬
‫الفصل األحادي كمشروع وحيد لتحقيق تسوية سياسية ممكنة إسرائيلي ًا‪.‬‬
‫كان نظام تخطيط الجدار العازل ونظام التخطيط المكاني لمدينة القدس كمشروع‬
‫جيوسياسي‪ ،‬األداة األشــد وقـعـ ًا وإيــام ـ ًا وعنف ًا فــي السيطرة على األراض ــي وتطهير ما‬
‫يمكن من السكان العرب المقيمين فيها تاريخي ًا لضمان تحقيق األكثرية اليهودية لحدود‬
‫البلدية وضمان مصادرة الحيز الجغرافي ليحول دون التوسع العمراني للسكان العرب‬
‫في المدينة‪ .‬وكان من نتيجة ذلك أن السكان العرب في المدينة ال يسيطرون عملي ًا ّإل‬
‫على ‪ 7‬بالمئة من المساحة الكلية لبلدية القدس التي أصبحت مسورة من حدود بلدية‬
‫البيرة شماالً حتى مدينة بيت لحم جنوب ًا‪.‬‬

‫جدار الطرد‪ ،‬أو جدار العزل أو جدار التطهير المكاني كمفاهيم وسياسات‪ُ ،‬يعدُّ‬
‫بنية دائمة لإلزالة واالحتجاز والتهجير‪ ،‬وطرد السكان الفلسطينيين‪.‬‬
‫‪24‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مشروع التخطيط المكاني في القدس الــذي يشكل جوهر السياسة الديموغرافية‬
‫الصهيونية‪ ،‬ال يستهدف تحويل القدس إلى مدينة كثيرة الجثث الملقاة في الشوارع‪ ،‬فهو‬
‫تدبير ال ينتج الكثير من الموت‪ ،‬ولكنه بدأ في إنتاج الكثير من المهاجرين إلى المعازل‬
‫العنصرية فــي الضفة الغربية بحث ًا عــن الـمــأوى والعمل‪ .‬جــاء الـجــدار فــي صلب عملية‬
‫تطهير المكان‪ ،‬وفي صلب السياسات التهويدية للمدينة العربية المقدسة بعزل العديد‬
‫وبضم كامل المستوطنات لحدود البلدية كثقل‬‫ِّ‬ ‫من األحياء والقرى العربية عن المدينة‪،‬‬
‫ديموغرافي يهودي ضامن للتفوق العددي العرقي اليهودي فيها‪.‬‬
‫في إطــار سياسة الفصل العنصري المستدام‪ ،‬وفــي إطــار سياسة تخطيط المكان‪،‬‬
‫وفي إطار أيديولوجيا الدولة اليهودية‪ ،‬احتل الخطاب الديموغرافي في إسرائيل مكانة‬
‫مركزية للتأسيس للمشروع الصهيوني في فلسطين‪ ،‬أي إن البحث األكاديمي اإلسرائيلي‬
‫يشكل األح ــداث بقدر مــا يتشكل بها‪ .‬كانت الــدراســة التي قدمها أرن ــون سوفير أستاذ‬
‫الـجـغــرافـيــا فــي جــامـعــة حيفا بـعـنــوان‪ :‬إســرائـيــل‪ :‬ديـمــوغــرافـيــا‪ 2020 - 2000 ،‬مخاطر‬
‫واحتماالت‪ ،‬بمثابة قنبلة في األوساط السياسية واألمنية‪ ،‬والفكرية اإلسرائيلية»‪ .‬ارتكزت‬
‫الــدراســة على افتراض أســاس يقول‪ :‬إن الخطر الــوجــودي على إسرائيل إنما يكمن في‬
‫أرحام األمهات الفلسطينيات‪ ،‬إذ إنه في العام ‪ ،2020‬سيكون في أرض إسرائيل الغربية‬
‫بين البحر المتوسط ونهر األردن (‪ )15.2‬مليون إنسان‪ ،‬ونسبة (‪ 42‬بالمئة) فقط منهم‬
‫يهود‪ ،‬مقابل (‪ 58‬بالمئة) عرب‪ ،‬واستنتجت دراســة سوفير خالصة مفادها‪ :‬أن الوجود‬
‫الصهيوني سوف ينتهي بشكل طبيعي إذا لم تتخذ خطوات قاطعة وسريعة تتمثل بالفصل‬
‫القطعي التام والناجز عن مناطق الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وإذا لم تبادر إسرائيل بنفسها‬
‫إلى تقرير حدودها الحيوية باالنفصال عن هذه المناطق من خالل بناء جدران وأسيجة‬
‫مكهربة من ذلك النوع القائم فعلي ًا بين إسرائيل ولبنان وسوريا‪ .‬وذلك من أجل ضمان‬
‫استمرار وجود دولة يهودية وصهيونية في أرض إسرائيل‪ ،‬وكذلك إحداث هجرة طوعية‬
‫للسكان في الضفة الغربية والقدس نحو الشرق باتجاه العالم العربي المحيط والقريب‪،‬‬
‫ولكن بعيد ًا عن إسرائيل‪.‬‬
‫وألهمية الخطاب الديموغرافي الــذي جــاء به سوفير‪ ،‬فقد شكلت دراسته معلم ًا‬
‫ب ــارز ًا بــدأ فــي تنفيذها ش ــارون عــام ‪ ،2001‬وذل ــك مــن أجــل تجسيد التجانس الثقافي‬
‫المسيج مادي ًا وأيديولوجي ًا كوحدة تصنيف عليا لتخوم المجتمع اإلسرائيلي بعالقته مع‬
‫الشعب األصالني (العرب)‪ .‬تحول الجدار إلى سياج حديدي ضاغط للمركزية اإلثنية‬
‫‪25‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫اليهودية التي تتجلى فــي مفاهيم مــن نــوع‪ :‬دولــة يـهــوديــة‪ ،‬مدينة يـهــوديــة‪ ،‬حــارة يهودية‪،‬‬
‫عمل يهودي‪ ،‬طعام يهودي‪ ،‬زواج يهودي‪ ،‬شاطئ يهودي‪ ...‬تهيمن عليه ثقافة اسبارطة‬
‫اليهودية التي تقدس العنف والقوة كعالمة ثقافية يهودية فارقة يحملها جيل يتجرع تربي ًة‬
‫تقوم على فكرة‪« :‬عرق عبقري وشديد البأس»‪.‬‬
‫ليست الـحــالــة الــرهـيـبــة فــي الـبـحــث وتجسيد الــدولــة الـيـهــوديــة كـحــالــة ديـنـيــة عرقية‬
‫مخصوصة بالسمو واالصطفاء اإللهي هي الحالة المبتغاة من وراء بناء جــدار الفصل‪،‬‬
‫وإنما أيض ًا تدمير الجماعة اإلنسانية العربية الثقافية األخ ــرى‪ ،‬وهــذا ليس خــروجـ ًا عن‬
‫النسق االستعماري بقدر ما هو استمرار للفلسفات والحركات االستعمارية العنصرية‬
‫األخرى‪ .‬أليست تقنيات المركزية العرقية والسمو األخالقي وقدسية الحياة وغيرها هي‬
‫ذاتها ثقافة كل المستعمرين إزاء الضحايا من الشعوب المختلفة ثقافة؟‬
‫‪-4-‬‬
‫قوض مشروع الجدار العنصري المشروع السياسي الدولي القائل بحل الدولتين‬
‫الذي حظي باقتراب دولي وعربي وفلسطيني يقوم على أساس دولة فلسطين ذات سيادة‬
‫في المناطق التي احتلت في ‪ 5‬حزيران‪/‬يونيو ‪.1967‬‬
‫التطهير الـعــرقــي ال ــذي تــم عــام ‪ 1948‬للشعب الفلسطيني‪ ،‬كــان الـمــدخــل إلقامة‬
‫دولة إسرائيل‪ ،‬واإلبــادة السياسية )‪ (politicid‬وفق مفهوم (باروخ كيمرلينغ) الذي يشير‬
‫إلى التدمير المنهجي للبنى التحتية والبشرية للشعب الفلسطيني‪ ،‬كي يتوقف عن كونه‬
‫مجتمع ًا سياسي ًا يرى أن من حقه تقرير المصير‪ .‬إنه نشاط عسكري‪ ،‬سياسي اقتصادي‪،‬‬
‫ونفسي بالغ اإلحكام من أجل تحقيق اإلبادة السياسية‪ .‬أحيان ًا يرافق تلك العملية تطهير‬
‫عرقي‪ ،‬وأحيان ًا يتم ذلك طواعية عندما تنهار القدرة االحتمالية للسكان فتدفعهم مشقة‬
‫الحياة المحفوفة باألخطار إلى النزوح لمكان آخــر‪ .‬وهــذا هو الهدف األعلى للسياسة‬
‫الكولونيالية اإلسرائيلية‪.‬‬
‫ً‬
‫مدخال إلقامة الدولة العبرية فإن اإلبادة السياسية للشعب‬ ‫وإذا كان التطهير العرقي‬
‫الفلسطيني وفــق هــذا المفهوم كــانــت الـمــدخــل االستراتيجي لتقويض الـحــل السياسي‬
‫المطروح إلقامة الدولة الفلسطينية على ‪ 22‬بالمئة من مساحة البالد التاريخية‪ .‬األرض‬
‫الفلسطينية أصبحت اليوم بفعل هذا الجدار مقطعة األوصال وهذا ليس تفكيك ًا للمساحة‬
‫‪26‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تضمها إسرائيل لسيادتها بفعل الــوجــود العربي الكثيف فيها‪ .‬إن هذه‬
‫ّ‬ ‫األخـيــرة التي لم‬
‫السياسة االحتجازية التدميرية تغتال المستقبل الفعلي للفلسطينيين وآمالهم لتحقيق‬
‫استقالل وطني سيادي ناجز‪.‬‬
‫استنفدت إسرائيل إذ ًا جهدها االستعماري بتحطيم البناء الجغرافي والديموغرافي‬

‫الفلسطيني كهدف أعلى كــي تبقى الحالة االستعمارية (إســرائـيــل) هــي سيدة المكان‬
‫في فلسطين التاريخية‪ .‬في هــذا المكان أو (الــامـكــان) بتعبير إدوارد سعيد‪ ،‬أو دولة‬
‫البقايا أو الشظايا بتعبير علي الجرباوي‪ ،‬في هــذا الالمكان أو كيان البقايا (الشظايا)‬
‫تقول إسرائيل إنها تقبل بوجود كيان سياسي فلسطيني مستقل على تلك األجزاء التي‬
‫يستحيل فيها التواصل الجغرافي كشرط لوحدة اإلقليم الــذي تشاد عليه ال ــدول‪ .‬إن‬
‫صارخ كظاهرة جيوسياسية‪ ،‬أريد له‬ ‫ٌ‬ ‫ترسيم الجدار بالشكل الذي يراه العالم َم َث ٌل ٌ‬
‫نافر‪،‬‬
‫أن يؤ ِّبد االحتالل‪ ،‬ويديم حالة السيطرة الصهيونية العنيفة على الفلسطينيين من جهة‪،‬‬
‫جهة أخرى ويمكّن إسرائيل من أن تدعي في هذه‬ ‫ويرفع عنها المسؤولية التاريخية من ٍ‬
‫الحالة بأنّها استجابت لإلجماع الدولي المتمثل بالدعوة إلى قيام دولة فلسطينية قابلة‬
‫للحياة إلى جانب إسرائيل السيادية التي يجب على الفلسطينيين أن يعترفوا بسيادتها‬
‫ويهوديتها‪.‬‬
‫ال ـن ـمــوذج أو ال ـمــوديــل اإلســرائـيـلــي لـلـكـيــان الـسـيــاســي الفلسطيني الـمـقـتــرح الــذي‬

‫يحظى بإجماع شبه قومي إسرائيلي للتخلص التام من سكان الضفة الغربية والسيطرة‬
‫ال ومعنى‪ ،‬فمن حيث الشكل ال يوجد‬ ‫كيان متفر ٌد شك ً‬ ‫على معظم الحيز الجغرافي‪ ،‬هو ٌ‬
‫كيان سياسي في العالم بهذه الرقع‪/‬المعازل‪ ،‬ومن حيث المعنى‪ ،‬ال يوجد كيان تنطبق‬
‫عليه صفة السيادة واالستقاللية في الوقت الــذي يبقى فيه هــذا الكيان خاضع ًا ألقصى‬
‫حاالت السيطرة والقوة العسكرية الرسمية للجيش ولعنف ميلشيات المستوطنين الذين‬
‫يؤدون وظيفة أشد فظاعة من قوات الجيش من خالل التنظيمات اإلرهابية التي أصبحت‬
‫تمارس عنفها المباشر ضد الفلسطينيين بشكل منظم‪ ،‬قتالً‪ ،‬وحرق ًا‪ ،‬وسرقة‪...‬‬
‫المتتبع للسياسة اإلسرائيلية في الضفة الغربية والقدس يعي تمام ًا أن ثقل الفعل‬
‫الـسـيــاســي اإلســرائ ـي ـلــي الـمـنـتـظــم وال ـم ـتــراكــم والـعـنـيــف ك ــان مـنـصـبـ ًا عـلــى خـلــق الــوقــائــع‬
‫الجيوسياسية التي تحول دون بروز كيان سياسي فلسطيني مستقل آني ًا أو في المستقبل‪.‬‬
‫لذلك فإن وصول المفاوضات السياسية بين الجانب الفلسطيني والحكومات اإلسرائيلية‬
‫المتعاقبة إلى اإلخفاق التام إن هو ّإل نتيجة حتمية لإلجماع القومي اإلسرائيلي بشقيه‬
‫‪27‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫العلماني والديني‪ ،‬الذي جرى التقرير فيه منذ لحظة االحتالل األولى والقاضي بأن تالل‬
‫الضفة الغربية ستبقى إلى األبد تحت السيادة اليهودية الحصرية‪.‬‬
‫وقد ع َّبر عن ذلك بشكل ال لبس فيه العقيد المتقاعد في الجيش اإلسرائيلي وعضو‬
‫مجلس السالم واألمن بالقول‪« :‬الترسيم الذي اختارته الجهات األمنية لمسار الجدار‪ ،‬لم‬
‫يكن في أية لحظة وفق ًا العتبارات أمنية بل جاء بناؤه لتلبية حاجات سياسية واستيطانية‬
‫ال فقد وضعت في ذيل‬ ‫وقومية وحزبية‪ ،‬أما االعتبارات األمنية إذا أخذت بالحسبان أص ً‬
‫القائمة‪.‬‬
‫ال شك في أن الكارثة التي أصابت المجتمع الفلسطيني نتيجة بناء الجدار العازل‬
‫والنظام التشغيلي له هي التي جعلت أعلى هيئة قضائية في العالم تدين هذا البناء وتطالب‬
‫قل نظيرها في حياة محكمة العدل الدولية‪ .‬جاءت‬ ‫تم إنجازها بأغلبية َّ‬
‫بإزالة المقاطع التي َّ‬
‫الفتوى التي صدرت من محكمة العدل الدولية في ‪ 9‬تموز‪/‬يوليو ‪ ،2004‬قاطعة اإلدانة‬
‫عمل غير شرعي وإجراء تدميري‬ ‫وقاطعة الوصف باعتبار أن الجدار والنظام المرتبط به ٌ‬
‫لحياة الفلسطينيين ومستقبلهم السياسي ووجودهم اإلنساني‪ .‬وفي الوقت الذي صادقت‬
‫فيه الجمعية العامة في قرارها بتاريخ ‪ 2004/8/2‬على فتوى محكمة العدل الدولية‬
‫فإنها صادقت في الوقت نفسه على إنشاء دائــرة خاصة ُس ِّميت بسجل حصر األضــرار‬
‫الناتجة عن إقامة هذا المشروع الصهيوني والتي جرى تصنيفها إلى تسعة عشر نمط ًا من‬
‫األضرار الخاصة والعامة‪ .‬هذه األضرار ال يمكن ضبط تفاعلها وتناسلها اليومي على كل‬
‫المستويات االجتماعية واالقتصادية والنفسية‪.‬‬
‫كان هذا البناء الذي من وجهة نظرنا ال يمكن حصر أضراره وتنميطها وفق تصنيف‬
‫األمم المتحدة‪ ،‬ألن هذا السياج المسمى جدار ًا‪ ،‬أو سور ًا‪ ،‬هو من أبشع أجهزة التحكم‬
‫الـتــي وصــل إليها الـطـغــاة‪ ،‬مــزق حـيــاة اإلن ـســان الفلسطيني تـمــامـ ًا كما مــزقــت الـجــرافــات‬
‫اإلسرائيلية أغصان األشجار والمعالم األثرية والطبيعية للبيئة الطبيعية في فلسطين‪ .‬إن‬
‫ضبط الحركة والسيطرة على الموارد الطبيعية وحشر الناس في المعازل والسطو على‬
‫المسمى فلسطين سلب المعنى القيمي‬ ‫َّ‬ ‫كــل مــا يشكل حـيــاة اإلن ـســان‪ ،‬فــي هــذا المكان‬
‫للحياة اإلنسانية‪.‬‬
‫الـجــدار‪ ،‬السياج‪ ،‬القفص هو الترجمة الحرفية لسياسة اإلذالل السادية والبطش‬

‫واالره ــاب‪ ،‬وفــرض الــوقــائــع‪ .‬إنــه الوصفة األشــد عنف ًا وتــدمـيــر ًا منذ الـعــام ‪ 1967‬ضمن‬
‫‪28‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الجيل الجديد من أساليب اإلرهاب االستعمارية الحديثة التي تأتي استمرار ًا لحرب عام‬
‫‪ 1948‬على الوجود اإلنساني العربي في هذه البالد‪.‬‬
‫كثيرة هي أوجــه التشابه بين إسرائيل وجنوب أفريقيا‪ ،‬وكثيرة هي أنماط التشابه‬
‫إلى حد التطابق‪ّ ،‬إل أن أحد الفروق الجوهرية التي وصمت الحالة اإلسرائيلية بلونها‬
‫الصهيوني الخاص هي أن إسرائيل لم تكن بحاجة إلــى الفلسطينيين كي تعيش‪ ،‬بينما‬
‫كــان السود كمادة استعمالية استغاللية ضرورية لألقلية البيضاء كي تستمر‪ .‬كانت لغة‬
‫اإلبــادة والتهجير ظهرت لدى الصهيونية قبل قيام الدولة‪ ،‬بل إن قيام الدولة اإلسرائيلية‬
‫واسـتـقــرارهــا اش ـتــرط بــداهــة إزال ــة الفلسطينيين مــن المشهد ال ـعــام للمستعمرة البيضاء‬
‫الصهيونية‪ .‬بينما في جنوب أفريقيا‪ ،‬فإن المستعمرة اشترطت قوة عمل كثيفة من الشعب‬
‫األصلي كي تعيش‪.‬‬
‫لقد ُحـشــر الفلسطينيون فــي الـمـعــازل الـتــي أنتجها نـظــام الـجــدار كنمط مــن أنماط‬
‫تنظيم إدارة أساليب القوة القهرية‪ .‬ويمكن النظر إلى فلسطين كوحدة جغرافية واحدة‬
‫تعيش فيها فئات سكانية مختلفة‪ ،‬تدار بشكل تفضيلي لصالح العرق اليهودي‪ ،‬ويمكن‬
‫مقابلتهم بسبب الحقوق التي يتمتعون بها مع فئة الملونين تحت نظام األبارتهايد‪ ،‬فيما‬
‫يتموضع الفلسطينيون في األراضي المحتلة عام ‪ 1967‬في مكانة حقوقية تقابل وتماثِ ُل‬
‫إلــى حد بعيد فئة السود الذين عاشوا ضمن معازل عنصرية محاصرة في بانتوستانات‬
‫عسكري في‬
‫ٍّ‬ ‫نظام الفصل العنصري‪ ،‬حيث يقيم العرب في الضفة الغربية تحت حك ٍم‬
‫هذه المعازل إلى جوار مستعمرات يهودية نقية‪ ،‬ولكنهما يخضعان لمرجعيتين قانونيتين‬
‫مختلفتين‪ .‬إن النتيجة النهائية لألبارتهايد اإلسرائيلي ومثيله في جنوب أفريقيا العنصرية‬
‫ُسخر فئ ٌة عرقية معينة عبر أدوات‬ ‫البائدة تبدو متشابهة إلــى حــد بعيد‪ ،‬ففي الحالتين ت َّ‬
‫ضبط سياسية وتشريعية وعسكرية من أجل ضمان حياة أفضل لفئة سكانية أخرى تدعي‬
‫السمو والـقــداســة‪ .‬وفــي الحالتين يجد تفضيل فئة معينة وقمع أخــرى تعبيره فــي إفــراز‬
‫شبكة مواصالت وأماكن سكن وحياة موازية للفئتين منع ًا لالختالط وإقامة الحواجز‬
‫واألسيجة والجدران من أجل تأكيد هذا الفصل‪ .‬إن التفاضلية تنتج وتعيد إنتاج تفاضلية‬
‫هرمية‪ ،‬على رأسها مواطنة كاملة وفي القاع فيها فئة سكانية تعاني حرمان ًا بشع ًا من أبسط‬
‫االحتياجات اإلنسانية‪.‬‬
‫وفي الحالة العيانية الفلسطينية التي حشرت في المعازل‪ ،‬فقد خضع الفلسطينيون‬
‫لنظام سيطرة عسكرية قل مثيله في حالة جنوب أفريقيا‪ ،‬ولقانون فصل عنصري ضمن‬
‫‪29‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫جــدار لــم تشيده األقلية البيضاء ولــم يخطر لها على بــال‪ ،‬وإن كانت الحالة العنصرية‬
‫الصهيونية قد استلهمت كل وسائل وإجــراءات التمييز والفصل العنصري وخاصة تلك‬
‫المتعلقة بالعزل وضبط الحركة وتحديد مكان اإلقامة ونظام التصاريح وقوانين ولوائح‬
‫وضع اليد على الممتلكات وغيرها ِم َن اإلجراءات الحرمانية‪.‬‬
‫بعد سنوات عشر من بناء هذا القفص الذي انعدمت فيه كل أسباب الحياة اإلنسانية‬
‫كنتاج لنظام تخطيطي عرقي مهيمن انحاز منذ البداية لمجموعة إثنية عرقية‪ ،‬واستهدف‬
‫صرف العرب من المشهد الديموغرافي والطبيعي الجغرافي لفلسطين‪ ،‬أحدث الجدار‬
‫صدمة عنيفة وحادة في النفس اإلنسانية‪ .‬خلف الجدار‪ :‬حيث يقيم الفلسطينيون وخلف‬
‫الزمن المنصرف منذ العام ‪ ،2002‬صــارت إج ــراءات الضبط والتحكم أكثر عنف ًا منذ‬
‫سـنــوات االحـتــال األول ــى‪ ،‬أدرك الفلسطينيون استحالة إح ــداث تسوية سياسية مقنعة‬
‫يمكن أن تــؤدي إلــى كيان فلسطيني آمــن ومستقر‪ .‬وبعد عشر سنوات من تشغيل نظام‬
‫الجدار‪ ،‬أصبح هذا النظام بشموليته وعنفه ومهنيته االستعمارية العنصرية العالية يشكل‬
‫حياة الفلسطينيين على مستوى العمل والتعليم والحركة والتنقل وحتى دفــن الموتى‪.‬‬
‫وفي الوقت نفسه أتاح الجدار لمجتمع القلعة االستيطاني تجانس ًا عرقي ًا خالص ًا للمشروع‬
‫االستيطاني‪.‬‬
‫كان ظهور النشاط اإلرهابي لحركة التنظيم الفاشي للمستوطنين في الضفة الغربية‬
‫(جباية الثمن) أبلغ داللة على ارتفاع نسبة المستوطنين في الضفة الغربية الذين تجاوز‬
‫عددهم ‪ 650‬ألــف مستوطن يتراصون خلف ثقافة دينية عنصرية يغذيها جهاز الدولة‬
‫الرسمي بالمال والعتاد والحماية‪،‬إضافة إلى أن االطمئنان لعدم االنسحاب من األراضي‬
‫ضم معظم الكتل االستيطانية لمركز الدولة‪ ،‬دفع بعنف المستوطنين إلى‬ ‫المحتلة بعد ِّ‬
‫أقـصــى درج ــات ال ـع ــدوان واإلره ـ ــاب تـجــاه الـمــواطـنـيــن والـمـمـتـلـكــات الـخــاصــة والـعــامــة‬
‫للفلسطينيين‪ ،‬لــدرجــة أن كـثـيــر ًا مــن الـكـتــاب (غـيــر الـصـهــايـنــة مــن الـيـهــود) وص ـفــوا هــذه‬
‫التشكيالت االستيطانية بالنازية نظر ًا للسلوك الطغياني العدواني العرقي الجارف الذي‬
‫تمارسه هذه العصابات‪.‬‬
‫في ظالل هذه الصدمة األشــد وقع ًا بعد كارثة فلسطين عام ‪ ،1948‬وألن النفس‬
‫أج ــج هــذا ال ـعــدوان الرسمي‬

‫البشرية تــأبــى التمييز والـظـلــم والــدونـيــة واالض ـط ـهــاد‪ ،‬فقد َّ‬
‫والميليشاوي االستيطاني المقاومة الشعبية‪ ،‬التي أصبحت تشكل حالة اشتباك يومي‬
‫مع قوات االحتالل ومستوطنيه وإجراءاته العنصرية‪ .‬وارتبط هذا الفعل الشعبي مباشرة‬
‫‪30‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بالجدار العنصري‪ ،‬وعرفت هذه المقاومة باسم‪ :‬المقاومة الشعبية للجدار واالستيطان‪،‬‬
‫كما حظي هــذا العمل الـمـقــاوم‪ ،‬عبر الـعــديــد مــن الــوســائــل‪ ،‬بــإجـمــاع ودع ــم كــل فصائل‬
‫وتنظيمات العمل الــوطـنــي الفلسطيني‪ ،‬مــع اإلش ــارة إلــى أن هــذه الـمـقــاومــة الموصوفة‬
‫بالسلمية حظيت أيض ًا بدعم مباشر من القيادة الفلسطينية الرسمية كتعبير عن شعور هذه‬
‫القيادة وهذه التنظيمات ورسوخ قناعتهم باستحالة التوصل إلى تسوية سياسية يمكن من‬
‫خاللها إخالء الضفة الغربية من الجيش والمستوطنين‪ ،‬ووقف عملية تهويد القدس التي‬
‫شهدت مستوى غير مسبوق من البناء االستيطاني والتدمير والطرد الزاحف للفلسطينيين‬
‫المقيمين في إطار ما يسمى بلدية القدس‪.‬‬
‫كذلك القت هذه المقاومة دعم ًا من قوى السالم الدولية وبعض قطاعات يهودية‬
‫غـيــر صهيونية أصـبــح وجــودهــا بـيــن المتظاهرين الفلسطينيين تـعـبـيــر ًا عــن تـصــاعــد هــذه‬
‫المقاومة من جهة وتعبير ًا أيض ًا عن تنامي حالة التضامن مع الشعب الفلسطيني الذي‬
‫أصبحت روايته الوطنية أكثر اقناع ًا من ذي قبل‪.‬‬
‫تــزامــن تـنــامــي الـمـقــاومــة الشعبية مــع تـصــاعــد حملة المقاطعة العالمية إلســرائـيــل‬
‫)‪ (B.D.S‬التي شهدت اتساع ًا وتأثير ًا جراء سفور الحالة االستيطانية وانتهاكها للقانون‬
‫ال ــدول ــي وتـجــاهـلـهــا ألبـســط مـعــايـيــر حـقــوق اإلن ـس ــان‪ ،‬واس ـت ـمــرارهــا فــي مـمــارســة سياسة‬
‫االستيطان والـعــدوان واإلره ــاب‪ .‬وتوصل المجتمع الــدولــي وخاصة الــدول األوروبـيــة‬
‫ومنظمات المجتمع المدني إلى قناعة أكيدة تقول بأن إسرائيل قد دمرت مشروع التسوية‬
‫السياسية القائم على حل الدولتين‪.‬‬
‫والمقتنعون بجدوى المقاطعة كموقف أخالقي من االستعمار‪ ،‬رأوا أن الهدف‬

‫من إطالقها هو ممارسة ضغط اقتصادي وسياسي وثقافي على إسرائيل إلجبارها على‬
‫االسـتـجــابــة لحقوق الفلسطينيين الـتــي لــم يعد ممكن ًا تـجــاوزهــا‪ .‬وأم ــام حــالــة استعصاء‬
‫التسوية السياسية وفـشــل حــل الدولتين ج ــراء مــا أحدثته إســرائـيــل مــن وقــائــع استيطانية‬
‫على األراضي‪ ،‬ظهر توجه سياسي جديد لدى نخبة من الفلسطينيين‪ ،‬وإن كان قد طرح‬
‫سابق ًا‪ ،‬وهو الحركة الشعبية للدولة الديموقراطية الواحدة على ارض فلسطين التاريخية‬
‫عادل وأخالقي للقضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )1948/5/15‬كمنظور سياسي‬

‫ك ــان السـتـحــالــة وق ــف االسـتـيـطــان‪ ،‬والسـتـحــالــة ال ـتــزام إســرائـيــل بالقيم واألخ ــاق‬
‫اإلنسانية والقانون الدولي‪ ،‬ولتداعيات ذلك‪ ،‬وما تقترفه إسرائيل من عدوان يرتقي إلى‬
‫‪31‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ٍ‬
‫مسلك سياسي لدى القيادة الفلسطينية تم َّثل في‬ ‫مستوى جرائم الحرب‪ ،‬أثـ ٌـر في تنامي‬
‫التوجه لألمم المتحدة في ‪ 2012/11/29‬لنيل فلسطين مكانة دولة غير عضو في األمم‬
‫المتحدة‪ ،‬وتحقق للفلسطينيين ذلك وفق القرار (‪ )67/19‬الصادر عن الجمعية العامة‬
‫إ ْذ صوتت ‪ 138‬دولة لصالح الفلسطينيين‪ ،‬وقد أضيف هذا االعتراف لسجل اإلنجازات‬
‫السياسية للفلسطينيين على طريق نــزع الشرعية عن االحتالل أوالً‪ ،‬ونــزع الشرعية عن‬
‫الحالة االستعمارية الصهيونية ثاني ًا وأخير ًا‪.‬‬
‫‪32‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫«الجدار»‪ ...‬قد تكون هذه الكلمة من أبشع كلمات ومفردات التاريخ الفلسطيني‬
‫الحديث بعد النكبة‪ .‬وقد اعتبر الفلسطينيون مشروع الجدار اإلسرائيلي كارثة إنسانية‬
‫ثالثة تلحق بهم‪ ،‬فالجدار ككارثة رسم على األرض شكل المستقبل للفلسطينيين‪ .‬لذا‬
‫فــإن الجيل الــذي لــم يعايش الكارثت ْين األول ــى والثانية الحـتــال الـبــاد‪ ،‬يعتبر أن كلمة‬
‫«ال ـجــدار» هــي أكثر كلمة جــارحــة‪ ،‬فــي حين أن جي َلي النكبة والنكسة قــالــوا فــي الجدار‬
‫إنه نكبتهم الثالثة التي تأتي تتويج ًا للمشروع الصهيوني القاضي بتطهير البالد ممن بقي‬
‫يعيش تحت سمائها من العرب‪.‬‬
‫تشكّلت فكرة مشروع هذا البحث منذ عام ‪ ،2003‬واستمرت حاضرة وأصبحت‬
‫أكثر إلحاح ًا عند اكتمال مقطع الـجــدار األول في شمال الضفة الغربية‪ ،‬وفــي ما ّ‬
‫سمي‬
‫بغالف القدس‪ .‬وقد أوحى الجدار ونظام عمله منذ لحظته األولى بالهدف الكامن فيه‪،‬‬
‫وهو تحديث جهاز الطرد الصهيوني كمشروع فاعل في العقل اإلسرائيلي‪.‬‬
‫ويــأتــي هــذا البحث‪ :‬الـجــدار الـعــازل اإلسرائيلي؛ دراس ــة فــي السياسة الديمغرافية‬
‫والتطهير الـعــرقــي‪ ،‬ليقترب مــن اإلجــابــة عــن ال ـســؤال حــول اإلع ــان المع ّلق عــن سياج‬
‫يعرض‬
‫الجدار والقائل بالعبرية والعربية‪« :‬خطر الموت؛ كل من يقترب أو يلمس الجدار ّ‬
‫نفسه للخطر»‪ ،‬إذ يطالع الفلسطينيون هذا اإلعالن بلوحاته الحمراء صباح مساء‪.‬‬
‫فــالــدراســة تـسـعــى إل ــى الـبـحــث فــي مــاهـيــة ه ــذه ال ـظــاهــرة الـمـسـ ّـمــاة «جـ ـ ــدار ًا» التي‬
‫وضعت الفلسطينيين في أتون ولظى نار مستدامة‪ .‬وفي إسرائيل قالت قيادة الدولة عن‬
‫‪33‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫هذا المشروع بأنه أهم المشاريع االستراتيجية بعد مشروع إقامة الدولة ذاتها بعد عام‬
‫‪.1948‬‬
‫البحث في الجدار كحالة إمبيريقية هو بحث في الصهيونية كحالة فكرية ومنظومة‬

‫أيديولوجية وقيمية انطوت على سمو وقداسة الشعب المؤسطر والمؤلهن الذي تبنّاها‪.‬‬
‫فالجدار ما هو إال امتداد طبيعي لطبقات ثقافية متراكمة ومتك ّلسة‪ ،‬جرح المشهد الطبيعي‬
‫في فلسطين بالعمق الجارح نفسه الذي خلفه في نفوس الفلسطينيين‪ .‬وهذا االفتراض‬
‫استوجب البحث في أركيولوجيا الظاهرة وفق فلسفة ميشيل فوكو‪.‬‬
‫ب ـع ـبــارة أخـ ــرى‪ ،‬ك ــان مــن غـيــر الـمـمـكــن دراسـ ــة ه ــذه ال ـظــاهــرة االس ـت ـع ـمــاريــة إال‬
‫بالبحث في جــذورهــا ومرجعيتها الدينية والفكرية في سياقات تاريخية ممتدة‪ ،‬في‬
‫أمكنة وأزمـنــة مختلفة حكمت مستويات البنية االجتماعية لهذا التشكيل السياسي‬
‫اإلسرائيلي‪.‬‬
‫ول ـل ــوص ــول إل ــى ق ــاع ــدة تـفـسـيــريــة ل ـل ـج ــدار‪ ،‬ف ـقــد ق ــام ال ـب ـنــاء الـبـحـثــي ع ـلــى خمسة‬
‫لخص هــذا المفتتح أنماط االقـتــاع واإلب ــادة العرقية للشعب‬ ‫فصول ومفتتح تمهيدي‪ّ .‬‬
‫الفلسطيني التي حققت جمع ًا يهودي ًا في مجتمع القلعة االنعزالي عن األغيار (العرب‬
‫«اإلسماعيليين»)‪ ،‬وذلك لتبيان أن الهدف الكولونيالي االحتاللي إنما هو هدف صهيوني‬
‫راسخ متسم بالثبات وإن تغيرت اآلليات‪.‬‬
‫قامت هذه الدراسة في الفصل األول على إطار نظري استهدف دراسة «المفاهيم‬
‫األساسية للدراسة وعالقاتها الجدلية وقيمها المعيارية»‪ ،‬وذلــك من خالل البحث في‬
‫األصــول النظرية لالفتراضات العنصرية المختلفة وحقول اختبارها في تجربتين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫إب ــادة الـسـكــان فــي أمــريـكــا الـشـمــالـيــة‪ .‬والـفـصــل الـعـنـصــري فــي جـنــوب أفــريـقـيــا‪ ،‬كحالتين‬
‫نموذجيت ْين‪ .‬وفــي المستوى الـثــانــي مــن هــذا الـفـصــل‪ ،‬تــم االق ـتــراب مــن أص ــول النظرية‬
‫مهدت دراسة هذه األصول‬ ‫العنصرية الصهيونية في مستواها الثيوقراطي والعرقي‪ .‬فقد ّ‬
‫العنصرية العامة لـ الفصل الثاني الذي حمل عنوان «المرجعية الدينية والتاريخية والفكرية‬
‫لجدار الفصل العنصري»‪ ،‬وذلك بقراءة تحليلية للخطاب التوراتي والفكري للمدرستين‬
‫الهيرتزلية والجابوتنسكية ضمن إطار تاريخي تطابق فيه الخطاب ْين الديني والفكري في‬
‫الممارسة اليومية اليهودية‪ ،‬ســواء فــي الشتات الـيـهــودي أم الـيــوشــوف (مجتمع مــا قبل‬
‫الدولة في إسرائيل) أو الدولة بعد إنشائها‪.‬‬
‫‪34‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫في الفصل الثالث‪ ،‬ناقش البحث المركب الجغرافي والديمغرافي والثقافي الذي‬
‫جــاء تحت ع ـنــوان‪« :‬األب ـعــاد االستراتيجية لـلـجــدار العنصري فــي الــرؤيــة اإلسرائيلية»‪.‬‬
‫ضمن هذا السياق كانت مرتكزات السياسة اإلسرائيلية في الضفة الغربية هي اإلضــاءة‬
‫بالمكون الجغرافي‬
‫ّ‬ ‫وجهت البحث نحو الخطاب الديمغرافي اإلسرائيلي وعالقته‬ ‫التي ّ‬
‫لتحقيق الرؤيا والمثال لحالة الدولة النقية من األغيار ضمن مقولة‪ :‬أرض أكثر‪ ،‬عرب‬
‫أقــل‪ .‬وكل ذلك في إطــار الرؤيا الثقافية الصهيونية الكلية التي ال تحقق ذاتها إال ضمن‬
‫مجتمع متجانس ديني ًا وثقافي ًا‪.‬‬
‫انتهت الــدراســة فــي الفصل الــرابــع عند «تــداعـيــات الـجــدار على مـشــروع الــدولــة‬
‫الفلسطينية والشعب الفلسطيني» لتحلل النتائج الكارثية التي يرمي إليها هذا المشروع‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬الهادف إلى تقويض مشروع الدولة الفلسطينية كبرنامج سياسي للشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬وتكثيف يهودية مدينة القدس المرتبط بيهودية إسرائيل‪ ،‬ووأد خيار الدولة‬
‫الــواحــدة‪ ،‬ســواء فــي بنائها العلماني أم الثنائي القومية‪ .‬أمــا على المستوى الــوجــودي‬
‫لـلـشـعــب الـفـلـسـطـيـنــي وب ـنــائــه االج ـت ـمــاعــي‪ ،‬ف ـقــد أولـ ــى ال ـب ـحــث ع ـنــايــة خــاصــة بــالـنـتــائــج‬
‫الـكــارثـيــة الـتــي تستهدف تحقيق الترانسفير الـمـتــدرج كنتيجة طبيعية لحياة األقـفــاص‬
‫والبانتوستانات التي أثبتت الدراسة أنها أشد قسوة من مثيالتها التي كانت سائدة يوم ًا‬
‫في جنوب أفريقيا‪.‬‬
‫ويأتي الفصل الخامس الــذي حمل عنوان «فــي زمــن الـجــدار‪ :‬جغرافيا الكارثة‬
‫وآف ــاق االن ـع ـتــاق» مــن ه ــذه ال ــدراس ــة بـعــد ث ــاث س ـنــوات مــن إن ـجــازهــا ليشكل إضــافــة‬
‫تــراكـمـيــة مــوصــولــة لـمــا تــم رص ــده وتـحـلـيـلــه فــي الـفـصــول األرب ـع ــة الـســابـقــة‪ .‬اسـتـهــدف‬
‫ه ــذا الـفـصــل مـتــابـعــة الـنـتــائــج ال ـكــارث ـيــة ال ـتــي خـلـقـهــا ه ــذا ال ـم ـشــروع االس ـت ـع ـمــاري في‬
‫فلسطين‪ ،‬وما ترتب عليها من صدى وتحوالت كفاحية وسياسية عند الفلسطينيين‪.‬‬
‫فعلى المستوى األول تابع هــذا المحور مــن الــدراســة تصاعد حــدّ ة العنف المرتبطة‬
‫بــال ـت ـكــويــن األث ـن ــوق ــراط ــي ل ــدول ــة االحـ ـت ــال‪ ،‬وم ــا أن ـت ــج ه ــذا ال ـت ـكــويــن ال ـع ـن ـصــري مــن‬
‫سـيــاســات تخطيطية تـسـتـهــدف اإلج ـهــاز عـلــى الـضـحـيــة الـعــربـيــة الفلسطينية بــاإلقـصــاء‬
‫وال ـح ـصــار واإلفـ ـق ــار‪ ،‬والـتـغـيـيــب واإلذالل واالح ـت ـج ــاز واإلرهـ ـ ــاب‪ .‬وف ــي الـمـسـتــوى‬
‫المتعلق بالمواجهة الفلسطينية‪ ،‬شعبي ًا ورسمي ًا‪ ،‬تابعت الدراسة منظومة من الوسائل‬
‫الكفاحية والدبلوماسية المتداخلة مع ًا كتعبير عن استحالة التسليم من قبل الضحايا‬

‫الفلسطينيين لسطوة العنف االستعماري‪.‬‬
‫‪35‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وبعد‪ ،‬تأمل هذه الدراسة أن تكون مرجع ًا للباحثين ومطلع ًا لدراسات أخرى من‬
‫شأنها أن تعمق فهم ًا متجدد ًا للمشروع الصهيوني في فلسطين كحالة استعمارية إحاللية‬
‫من جهة‪ ،‬وتكون زاد ًا معرفي ًا للقوى الشعبية الناشطة في مقاومة جدار الفصل العنصري‬
‫في فلسطين‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬المشكلة البحثية‬

‫اعتبر الجدار في إسرائيل في األوســاط األمنية والسياسية واألكاديمية أنــه يشكل‬
‫أهــم مـشــروع استراتيجي للدولة العبرية بعد عــام ‪1948‬؛ ألنــه محاولة لفرض يهودية‬
‫الدولة بعد أن أصبح البعد الديموغرافي العربي يشكل هاجس ًا مرعب ًا جراء ارتفاع نسبة‬
‫المواطنين العرب داخل فلسطين التاريخية‪ ،‬وهو ما أصبح يشكك في يهودية هذه الدولة‬
‫ونقائها العرقي والديني‪.‬‬
‫والـجــدار كنمط آخــر مــن أنـمــاط التطهير العرقي والهندسة الديمغرافية ينظر إليه‬
‫إسرائيلي ًا بأنه األداة المثلى إلفساد مشروع دولــة فلسطين ذات السيادة على األراضــي‬
‫المحتلة عــام ‪ ،1967‬وحــرمــان الشعب الفلسطيني فــي الضفة الغربية وقـطــاع غــزة من‬
‫الـتــاقــي اإلنـســانــي واالجـتـمــاعــي والـحـضــاري والـتــاريـخــي مــع إخــوانـهــم داخ ــل األراض ــي‬
‫العربية المحتلة عام ‪ ،1948‬ومع إخوانهم في القدس أيض ًا‪.‬‬
‫كما ينظر له استراتيجي ًا على أنه الوسيلة الوحيدة للحيلولة دون فرض وقائع دولة‬
‫ثنائية القومية التي تضع المشروع الصهيوني والغربي كله أمام عالمة استفهام كبرى‪ ،‬مع‬
‫عدم إغفال الوسائل العنيفة األخــرى التي لم تغب يوم ًا عن عقل المؤسسة الصهيونية‪،‬‬
‫وخاصة تلك المتعلقة باإلبادة أو الترانسفير القسري‪ .‬وفي إطار هذه األبعاد االستراتيجية‬
‫لهذا الـجــدار الـعــازل‪ ،‬فــإن الـقــدس تقع فــي قلب هــذا الـمـشــروع‪ ،‬أو ً‬
‫ال ألنها تشكل بــؤرة‬
‫االهتمام الصهيوني وتسويغاته الدينية المرتبطة بأساطير أرض الميعاد والشعب المختار‪،‬‬
‫وبــالـتــالــي ف ــإن الـحـفــاظ عـلــى يـهــوديـتـهــا الـسـكــانـيــة يعني حــرمــان الـشـعــب الفلسطيني من‬
‫الوصول إليها أو اإلقامة فيها وترسيخ يهوديتها الدينية بالحيلولة دون سيطرة العرب على‬
‫مقدساتهم اإلسالمية أو المسيحية‪.‬‬

‫ضمن هــذا الـسـيــاق فــإن الـجــدار شكل محنة إنسانية قاسية للفلسطينيين على‬
‫كــل الـمـسـتــويــات؛ فـهــو إن ك ــان سـيــدمــر حــق الـشـعــب الـفـلـسـطـيـنــي فــي تـقــريــر المصير‬
‫‪36‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بتفتيت البنية والــوحــدة اإلقليمية للضفة الـغــربـيــة بتغلغله إلــى عـمــق هــذه األراض ــي‬
‫مـشـكـ ً‬
‫ا مـعــازل فعلية بـيــن الـسـكــان فــي شـمــال ووســط وجـنــوب الـضـفــة الـغــربـيــة‪ ،‬فإنه‬
‫كذلك أيضا سيضم أكثر من (‪ )150‬مستوطنة ضمن ثالثة جيوب كبرى هي أرئيل‬
‫فــي شـمــال الـضـفــة‪ ،‬وتـجـمــع مـسـتــوطـنــات منطقة كـفــارعـتـصـيــون فــي جـنــوبـهــا‪ ،‬وتجمع‬
‫مستوطنات معاليه أدوميم في وسطها الشرقي‪ .‬فهذه الجيوب استولت عملي ًا على‬
‫أكثر من ‪ 40‬بالمئة من مساحة الضفة الغربية‪ ،‬إذا أضفنا إليها تجمع المستوطنات‬
‫المحيطة بالقدس مثل بزجات زئيف وجبعات زئيف ورمــوت وعطروت وهــارادار‬
‫والتلة الفرنسية‪.‬‬
‫في ذات الوقت‪ ،‬فإن الجدار الذي استهدف عزل القدس عن محيطها العربي‬
‫في الضفة الغربية‪ ،‬فإنه سيعمل على تعزيز يهودية المدينة كما عــزز يهودية الدولة‬
‫تــاركـ ًا أكثر من (‪ )70‬ألــف مواطن فلسطيني ممن يحملون هوية القدس والمواطنة‬
‫فيها خارج الجدار‪ ،‬أي خارج غالف القدس‪ .‬وبهذا العزل للمدينة المقدسة ‪ -‬التي‬
‫تشكل روح الفلسطينيين مسلمين ومسيحيين ‪ -‬سوف يحرم الشعب الفلسطيني من‬
‫حقه في العبادة في المسجد األقصى وكنائس القدس لمختلف الطوائف المسيحية‬
‫في البالد‪.‬‬
‫والـجــدار كمحنة إنسانية أدى إلــى تدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني بتدمير‬
‫قـطــاعــات اإلن ـتــاج االقـتـصــاديــة المختلفة‪ ،‬بــإلـحــاق األراض ــي الــزراعـيــة إلــى داخ ــل حــدود‬
‫إسرائيل‪ ،‬والسيطرة على أكثر من ‪ 70‬بالمئة من المياه الجوفية وتدمير األراضي الزراعية‬
‫وتقطيع سبل المواصالت داخل األراضي العربية المحتلة‪ .‬وقد أدت كل هذه اإلجراءات‬
‫إلى ارتفاع مستوى الفقر داخل الشعب الفلسطيني ليصل إلى حدود الخطر الفعلي على‬
‫مستقبل السكان في هذه األراضي‪ .‬إضافة إلى اآلثار النفسية المدمرة التي يتركها الجدار‬
‫جراء شعور اإلنسان بأنه يعيش وسط سجون فعلية‪ ،‬تحيطها األسالك الشائكة والجدران‬
‫اإلسمنتية ونقاط المراقبة األمنية لقوى األمن اإلسرائيلية‪ ،‬التي أحالت الحياة إلى جحيم‬
‫ال تطيقه النفس اإلنسانية‪.‬‬
‫لهذا‪ ،‬فــإن الـجــدار كمشكلة بحث‪ ،‬يشكل مــادة بحثية جديرة بالدراسة والتحليل‬
‫لوضعها في إطــار البحث األكاديمي‪ .‬وتتمثل المشكلة في ســؤال أســاســي‪ :‬لماذا تعتبر‬
‫إسرائيل أن الجدار العازل يشكل أحد أهم مشاريعها السياسية الكبرى منذ إعالن قيامها‬
‫عام ‪ .1948‬وينبثق من هذا السؤال أربعة أسئلة فرعية‪.‬‬
‫‪37‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬األسئلة البحثية‬
‫تسعى هذه الدراسة إلى اإلجابة على أربعة أسئلة فرعية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪ - 1‬ما هي الجذور والمرجعية الدينية والفكرية واالستراتيجية التي انطلق منها‬

‫الجدار العازل؟‬
‫‪ - 2‬ما هي األبعاد االستراتيجية للجدار في الرؤيا اإلسرائيلية؟‬
‫‪ - 3‬ما هي تداعيات الجدار العازل على الدولة الفلسطينية؟‬
‫‪ - 4‬ما هي تداعيات الجدار العازل على الشعب الفلسطيني؟‬
‫ثالث ًا‪ :‬أهمية الدراسة‬

‫‪ - 1‬األهمية النظرية العلمية‪ :‬يهدف هذا البحث إلى الوصول إلى نموذج تفسيري‬
‫قد يشكل منطلق ًا للدراسات التي تعالج النموذج الصهيوني كحالة استعمارية ليس من‬
‫زاوي ــة تحالفاته وتعاقداته الباطنية مــن قــوى االستعمار الـغــربــي‪ ،‬وإنـمــا كحالة عنصرية‬
‫صارخة تجرى لها عمليات تسويغ وتبرير من الفاعلين الدوليين لضمان شرعية وجودها‬
‫بالقبول العربي بها قانونيا وتطبيع ًا‪ ،‬بعد أن عجزت إسرائيل نفسها عن فرض هذا القبول‬
‫بالقوة المادية المعروفة‪ .‬في حين أن التسويغ اإلسرائيلي «األمني» أخذ يجد آذانا صاغية‬
‫خــاصــة فــي هــذا الـمـنــاخ الــدولــي ال ــذي يشهد تــأطـيــر ًا دول ـي ـ ًا غير مسبوق فيما يطلق عليه‬
‫مقاومة اإلرهاب‪ .‬لذا فإن الدراسة ‪ -‬إن قدر لها أن ترى النور ‪ -‬قد تكون بداية لمشروع‬
‫بحثي على المستويين القومي العربي والوطني الفلسطيني لتعزيز وتخليق فه ٍم تجديدي‬
‫لمعالجة العنصرية اإلسرائيلية‪ ،‬بعد أن تمكنت إسرائيل من اإلفــات ولــو مرحلي ًا من‬
‫وصمة العنصرية مع نهاية الحرب الباردة‪.‬‬
‫لــذلــك‪ ،‬ف ــإن ه ــذه ال ــدراس ــة س ــوف تــرتـكــز بصفة أســاسـيــة عـلــى ال ـم ــوروث النظري‬
‫لأليدولوجيا العنصرية بكل تجلياتها المعروفة بالتطهير واإلبــادة وعــزل ونقل السكان‪،‬‬
‫واإلفقار المنظم للسكان األصليين‪ ،‬وطمس ثقافتهم وإلغاء وجودهم من المشهد الطبيعي‬
‫لألرض المقيمين فيها‪ .‬وكذلك ستقدم إطارا نظري ًا تجديدي ًا في تحديث أساليب التطهير‬
‫العرقي لالستعمار‪ ،‬إذ إن األساليب التقليدية كاإلبادة أو الترانسفير أصبحت تشكل محط ًا‬
‫لرفض المجتمع الدولي والقوى الديموقراطية‪ .‬من هنا ستعالج هذه الدراسة األنماط‬
‫الحديثة لإلبادة العرقية كالحرب النفسية المنظمة تجاه السكان األصليين والترانسفير‬
‫البطيء‪ ،‬واإلفقار المنظم‪ ،‬وإلحاق األذى الدائم بالسكان األصليين كالحرمان من حق‬
‫‪38‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫التنقل وحق العمل وحق استغالل الموارد الطبيعية الخاصة والعامة‪ ،‬وإعاقة الحق في‬
‫التعليم والعالج‪ ،‬بل ووقف عجلة التطور وشل قدرة المجتمع على التقدم بإغراقه الدائم‬
‫في بحر من الهموم كالعطش والفقر وانعدام فرصة الحركة‪ ..‬وانتشار األمراض واألوبئة‬
‫الناتجة عن التلوث والتكدس وسوء التغذية كل ذلك يؤدي إلى ارتفاع مستوى الجريمة‬
‫داخل المجتمع جراء التنافس الشديد على الموارد والمساكن وفرص العمل‪...‬‬
‫من هنا فإن هذه الدراسة سوف تقدم تحليالً لسياسة التمييز العنصري الحديثة التي‬
‫تلجأ لها قوى االستعمار الجديد كوسائل أقل إثارة للمجتمع الدولي وللضمير اإلنساني‬
‫والمؤسسات الديموقراطية واإلعــامـيــة‪ ،‬ولكنها فــي ذات الــوقــت تعدّ أخطر بكثير من‬
‫الــوســائــل التقليدية‪ ،‬ألنـهــا سـتــؤدي إلــى النتائج نفسها الـتــي حققتها أساليب االستعمار‬
‫العنصرية القديمة بالتدمير واإلبادة والتطهير العرقي البطيء الذي هو أشد إيالم ًا للنفس‪.‬‬
‫‪ - 2‬األهمية العملية‪ :‬إن االهتمام بهذا الموضوع بدأ منذ أن شرعت قوات االحتالل‬
‫في بناء الجدار‪ ،‬وبالذات عندما أكملت مشروعها حول مدينة قلقيلية وقــرى طولكرم‪،‬‬
‫حيث ظهرت هذه المناطق كمقابر لألحياء تحمل مدلوالت عنصرية صارخة‪ ،‬وباستمرار‬
‫وبدت مالمح العزل أكثر وضوح ًا؛ حيث بدأت‬ ‫ْ‬ ‫تقدم الجدار جنوب ًا نحو رام الله والقدس‬
‫عمليات المقاومة الشعبية عبر تشكيل اللجان الشعبية لمقاومة جدار الفصل العنصري‪.‬‬
‫وهنا بدأ االلتحام بالظاهرة من أجل مقاومتها‪ .‬وبالتالي فإن هذه الدراسة تأمل أن تكون‬
‫مادة معرفية منهجية متكاملة لتوظيفها كإطار مرجعي نظري لكل القوى الحية المناهضة‬
‫للفصل العنصري‪ .‬في ذات اإلطار فإن هذا البحث ربما يكون هو األول من نوعه على‬
‫المستوى الفلسطيني‪ ،‬إذا تجاوزنا الدراسات الوصفية والتقارير القانونية والوثائق الدولية‬
‫والبيانات السياسية لقوى العمل الوطني الفلسطيني والمقاالت المختلفة سواء المنشور‬
‫في الصحف أم الــدوريــات‪ .‬أي أن هذه الدراسة تمثل مشروع ًا تأصيلي ًا ومرجعي ًا بحثي ًا‬
‫للمكتبة الفلسطينية والعربية‪.‬‬
‫رابع ًا‪ :‬منهجية البحث‬

‫رغــم أن طبيعة الظاهرة السياسية تقبل النظر إليها من زوايــا مختلفة‪ ،‬إال أن هذه‬
‫الدراسة تعتمد بشكل أساسي اقتراب الثقافة السياسية للجماعة كاستراتيجية بحثية عامة‬
‫وكإطار تحليلي للوصول إلي قاعدة معرفية متسقة وذات قدرة تفسيرية لظاهرة‪/‬مشروع‬
‫الجدار العازل اإلسرائيلي في األراضي العربية المحتلة‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تشير الدراسات أن مصطلح الثقافة السياسية قد جري تأطيره في العلوم السياسية‬
‫والعلوم االجتماعية بشكل عام من قبل عالم السياسة األمريكي غابرييل ألموند‪ ،‬كأداة‬
‫تحليلية واقتراب منهجي‪ ،‬وذلك كردة فعل لقصور األطر التحليلية البنائية بمفردها في‬
‫دراسة الظاهرة السياسية أو النظام السياسي الخاضع للبحث العلمي‪ .‬وقد حدد «الموند»‬
‫مفهوم الثقافة السياسية بأنها نسق القيم واالتجاهات والمعتقدات السياسية التي تعتقدها‬
‫وتتمثلها أيــة جماعة سياسية‪ .‬ومــن حيث هــذا التحديد فــإن أي نـظــام سياسي‪/‬جماعة‬
‫سياسية فإنها تعيش في إطار ثقافة سياسية تساعد معرفة مكوناتها ومرجعياتها الثقافية في‬
‫تفسير كيف تتشكل الظاهرة وكيف يعمل نظامها الداخلي‪.‬‬
‫فالثقافة‪ ،‬بما تنطوي عليه من قيم ورموز ومعتقدات‪ ،‬ذات دور وذات وظيفة محورية‬
‫في خلق والمحافظة على النظام االجتماعي وطريقة الحياة في المجتمع‪ .‬وإن أي نظام‬
‫سياسي يتشكل وفق ًا لمرجعياته الثقافية‪ .‬فالمرجعية الثقافية هي نافذة هامة تسمح بفهم‬
‫سلوك األف ــراد والجماعات الذين يتشكل منهم هــذا المجتمع الــذي يشكل أســاس بناء‬
‫الدولة‪ .‬بناء على هذا االفتراض‪ ،‬فإنه يمكن القول‪ ،‬أو االدعــاء بأنه من الصعب بل من‬
‫المستحيل أحيان ًا‪ ،‬تفسير سلوك سياسي ما بدون تقدير تأثير البيئة االجتماعية على ذلك‬
‫السلوك الخاضع للبحث والدراسة النقدية‪ .‬وتجد الثقافة السياسية مصادرها وجذورها‬
‫في الـمــورث التاريخي والديني المتراكم ألي حالة اجتماعية إنسانية‪ ،‬وكذلك الخبرة‬
‫التاريخية واالقتصادية واالجتماعية والسياسية لهذا المجتمع‪.‬‬
‫الدراسات المنهجية التي تتبعت تطور هذا االقتراب كانت قد أشارت‪ ،‬بأنه رغم أن‬
‫غابرييل ألموند هو من صك مفهوم الثقافة السياسية كاقتراب منهاجي في دراسة السلوك‬
‫السياسي عام ‪ ،1956‬واعتبر تقديمه لهذا المفهوم إسهاما حقيقي ًا نظري ًا في هذا الميدان‪،‬‬
‫إال أن ذلك ال ينفي القول بوجود محاوالت سابقة في أواخــر القرن الثامن عشر كانت‬
‫قد اقتصرت على التعرف على منظومة القيم والرموز والعواطف الوجدانية ودورها في‬
‫صياغة العملية السياسية في كل من بريطانيا وفرنسا وأمريكا‪ ،‬وذلك من خالل مجموعة‬
‫من العلماء أمثال باجوت ودي توكفيل‪ .‬وفي مطلع الستينيات من القرن الماضي استطاع‬
‫كــل مــن سيدني فيربا (‪ )1963‬ولــوسـيــان بــاي (‪ )1965‬مــن توظيف هــذا االق ـتــراب في‬
‫دراسة الثقافة السياسية كمرجعية لعمليات التنمية السياسية داخل اإلطار الغربي‪.‬‬
‫تـعــد الـثـقــافــة السياسية مــن المفاهيم االسـتــراتـيـجـيــة فــي عـلــم االجـتـمــاع السياسي‪،‬‬
‫وألنه مفهوم كثيف اإلدراك‪ ،‬فإن ذلك قد أدى إلى اختالف المفكرين حول حدود هذا‬
‫‪40‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المفهوم‪ ،‬ولكن ذلــك االخـتــاف لم يمنع من االتـفــاق على وجــود أســس أولية اعتبرت‬
‫بمنزلة عناصر أولية في تعريف الثقافة السياسية‪ ،‬بأنها‪ :‬منظومة االتجاهات والمعتقدات‬
‫والقيم التي تتصل بعمل نظام سياسي مـحــدد‪ ،‬وتعد بمنزلة معرفة متضمنة ومـهــارات‬
‫مكتسبة عــن عمل هــذا النظام وإص ــدار أحـكــام تقيمية بشأنه‪ .‬وفــي حالة هــذه الــدراســة‪،‬‬
‫«الجدار العازل اإلسرائيلي» التي تتوجه لقراءة وتحليل ظاهرة‪/‬مشروع الجدار العازل‬
‫ضمن النسق السياسي اإلسرائيلي العام؛ فإن هذا االقتراب سيكون أداة مثلى في تحليل‬
‫الموجه الجمعي أو اإلطار الثقافي المرجعي للنسق السياسي اإلسرائيلي الذي استولد‬
‫هــذه الـظــاهــرة‪ ،‬وأنـتــج نظام ًا لتسويغ وعــزل األغـيــار واالن ـعــزال عنهم فــي مجتمع القلعة‬
‫المسور بالجدار كحالة تاريخية ممتدة ومتأصلة في قيم الجماعة اليهودية(((‪.‬‬
‫خامس ًا‪ :‬أدوات جمع البيانات‬

‫إن عملية جمع البيانات ال يمكن أن يكون مصدرها إال واحد من أحد مصدرين‪:‬‬
‫إما توثيق وإما ميدان‪ .‬فاألول وهو يعني اللجوء إلى خبرة اآلخرين في شكل مؤلفات أو‬
‫مقاالت أو مقابالت أو ما في حكمها‪ .‬والثاني يعني عدم االعتماد على خبرة اآلخرين‬
‫ومخاطبة الظاهرة أو الموضوع مباشرة ودون وسيط‪ .‬واالفتراض أن أي من المصدرين‬
‫ال يغني عن اآلخر فكالهما يؤدي إلى وظيفة مستقلة‪ .‬األول يسمح في عملية بناء اإلطار‬
‫النظري للتحليل وكذلك مقارنة الحالة مع نماذج أخرى عنصرية في ذات الوقت‪ ،‬وهذا‬
‫ما أعتقد أننا حققناه حتى اللحظة‪ .‬أمــا الثاني فهو وحــده الــذي يصبغ التحليل بالصبغة‬
‫العلمية ويعطي البحث صفة اختبارية قائمة على أساس المالحظة والمشاهدة الحسية‬
‫المباشرة وهذا ما سنسعى له في المراحل القادمة من خالل‪:‬‬
‫‪ - 1‬المقابلة مــع عــدد مــن المهتمين والـمـســؤولـيــن واألكــاديـمـيـيــن الـعــرب خاصة‬

‫المقيمين داخ ــل األرض المحتلة‪ ،‬وكــذلــك مقابلة عــدد مــن أعـضــاء الكنيست الـعــرب‪.‬‬
‫وعدد من المفكرين العرب خارج فلسطين‪ ،‬وقد نجحنا حتى اللحظة في الوصول إلى‬
‫((( فــاروق يوسف أحمد‪ ،‬قواعد المنهج العلمي‪ :‬المناهج واالقترابات واألدوات المنهجية (القاهرة‪ :‬مكتبة‬
‫عين شمس‪ ،)1988 ،‬ص ‪79 - 73‬؛ معجم المصطلحات السياسية‪ ،‬إشراف علي الدين هالل؛ تحرير وتقديم نيفين‬
‫مسعد (القاهرة‪ :‬جامعة القاهرة‪ ،‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪ ،)1994 ،‬ص ‪115 - 113‬؛ محمد محمود‬
‫محرران‪ ،‬موسوعة العلوم السياسية (الكويت‪ :‬جامعة الكويت‪ ،)1994 ،‬ص ‪،482 - 479‬‬ ‫ربيع وإسماعيل مقلد‪ّ ،‬‬
‫ونشأت إدوار أديب‪ ،‬الثقافة السياسية للشباب الجامعي المصري‪ :‬دراسة للروافد الرئيسية لتشكيل الثقافة السياسية‬
‫(القاهرة‪ :‬الهيئة العامة المصرية للكتاب‪ ،)2009 ،‬ص ‪.19 - 13‬‬
‫‪41‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بعض منهم‪ .‬وكــذلــك مقابلة عناصر مــن قــوى الـســام اليهودية مــن حركة الـســام اآلن‪،‬‬
‫وحركة هناك حدود‪ ،‬والمنظمة اليهودية لمراقبة الحواجز‪ ،‬وحاخامات من أجل السالم‪،‬‬
‫وجميعها تشترك في النشاطات المناهضة للجدار في األراضي المحتلة‪.‬‬
‫‪ - 2‬ستعتمد هذه الدراسة أيض ًا على مبدأ المالحظة بالمشاركة من خالل زيارات‬
‫ميدانية للعديد مــن التجمعات الفلسطينية فــي محافظات الضفة الغربية لغرض حصر‬
‫وتصنيف المعازل وترتيبها وفق موقعها في هذه المحافظات‪ .‬إضافة إلى مقابلة بعض‬
‫المواطنين مــن محافظات مختلفة‪ ،‬ممن يــامـســون بشكل يــومــي م ــرارة الــوقــوع خلف‬
‫الجدار‪.‬‬
‫‪42‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أنماط االقتالع واإلبادة العرقية‬

‫للشعب الفلسطيني‬
‫أو ًال‪ :‬المذابح والتهجير‬

‫واجهت الجيوب االستيطانية تاريخي ًا مشكلة ديمغرافية دائمة‪ ،‬ســواء في مرحلة‬
‫االسـتـعــداد‪ ،‬أم في مرحلة التشكل‪ ،‬أم مرحلة االستقرار والنضوج‪ .‬ولــذا فــإن كل حالة‬
‫استيطانية متعينة تبدأ بعملية إزاحة وإقصاء (إفناء إبادي أو طرد جماعي) لتحقيق الحالة‬
‫الغائية‪ ،‬وهي اإلبدال‪ .‬وهذه العملية (اإلبدال‪ ،‬واإلحالل) تطلبت تاريخي ًا قدر ًا كبير ًا من‬
‫الفظائع بهدف اإلبادة أو الطرد أو التطويع واالسترقاق‪.‬‬
‫بــدأت الفظائع اإلرهــابـيــة فــي فلسطين بالمذابح الجماعية‪ ،‬وهــي جــرائــم ارتكبت‬
‫تصل إلى حدّ الوصف القضائي بـ «جرائم بحق اإلنسانية»‪ .‬فهذه الجرائم أسست لدولة‬
‫يهودية نقية حصر ًا باليهود‪ ،‬في الفترة الممتدة بين الشهر األخير من سنة ‪ 1947‬والشهور‬
‫الخمسة األولــى من سنة ‪ .1948‬لقد ك ّفت المجموعة العربية الفلسطينية عن الوجود‬
‫وحي مدني غدت أثر ًا بعد عين‪ .‬وأبيدت‬ ‫ٍّ‬ ‫ككيان اجتماعي وسياسي‪ ،‬فأكثر من ‪ 530‬قرية‬
‫ال‪ ،‬التي كان يسكنها‬ ‫الحياة المدينية في مدن الساحل بصورة شبه نهائية‪ .‬مدينة حيفا‪ ،‬مث ً‬
‫محصلة الجرائم‬
‫ّ‬ ‫أكثر من ‪ 80‬ألف فلسطيني‪ ،‬لم يبق فيها إال ثالثة آالف مواطن فقط‪ .‬وفي‬
‫المخطط لها بعناية فائقة‪« :‬من أصل مليون وأربعمئة ألف فلسطيني عربي كانوا مواطنين‬
‫‪43‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وتحولوا إلــى الجئين في‬
‫ّ‬ ‫في فلسطين‪ ،‬جــرى اقتالع ‪ 750‬ألــف فلسطيني من أماكنهم‪،‬‬
‫أماكن مختلفة من العالم(((‪.‬‬
‫سمت نفسها عصابات (شتيرن)‪ ،‬إضافة إلى الجيش‬ ‫استولت القوات اليهودية التي ّ‬
‫اإلســرائـيـلــي شبه الرسمي (الـهــاغــانــاه) ال ــذي جــرى إع ــداده وتـطــويــره وتــدريـبــه فــي مرحلة‬
‫اليوشوف (المجتمع اليهودي قبل الدولة)‪ ،‬على ‪ 78‬بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية‪.‬‬
‫المتفوقة عدد ًا وعد ًة من تطبيق نظام هندسة ديمغرافية فظيعة‪ ،‬إذ‬ ‫ّ‬ ‫فقد تمكّنت هذه القوات‬
‫إنه على هذه المساحة التي أعلنت فيها دولة إسرائيل اليهودية جرى ترسيم الحدود العرقية‬
‫بمستوى فائق الدقة‪ ،‬فوفق هذه الحدود القومية‪/‬العرقية افترض الكيان السياسي اليهودي‬
‫المرتجى مستعمرة االستيطان الطاهر التي أرادت ـهــا الحركة الصهيونية بشكل هندسي‬
‫مـحــدد؛ جميع سـكــان هــذه المستعمرة أو النسبة العظمى منهم هــم مــن األص ــل النقي‪/‬‬
‫الطاهر للمهاجرين اليهود‪ ،‬بعد أن أصبح شرط هذا الوضع الهندسي طرد الفلسطينيين من‬
‫المشهد الجغرافي بكل الوسائل الممكنة‪ .‬وقد أتاح هذا النموذج للمهاجرين اليهود الذين‬
‫جرت أ ْدلجتهم بالصهيونية أن يحتفظوا ثانية بشروط التجانس الثقافي المحسوب على‬
‫القومية األوروبية‪ .‬وسنتناول في اإلطار النظري النموذج األمريكي كمستعمرة استيطان‬
‫تمت فيه اإلبادة العرقية للسكان األصليين(((‪.‬‬ ‫طاهرة (إنكليزية) الذي ّ‬
‫‪ - 1‬الحل الديمغرافي‪ ،‬الحل النهائي‪ :‬طرد الفلسطينيين ونقلهم‬

‫أدى الـكـشــف ع ــن وث ــائ ــق ال ـهــاغــانــاه وال ـع ـصــابــات الـصـهـيــونـيــة األخـ ــرى ف ــي نهاية‬
‫تسعينيات القرن العشرين‪ ،‬ليس فقط عن فظائع المذابح ووســائــل التهجير‪ ،‬وإنما عن‬
‫الـقــرار السياسي الصهيوني في المذابح والتهجير لضمان الــدولــة اليهودية النقية‪ .‬وقد‬
‫أدت عملية الكشف عن هذه الوثائق إلى ظهور ما أصبح يعرف الحق ًا بظاهرة المؤرخين‬
‫الجدد وعلماء االجتماع الذين يأتي في طليعتهم‪ :‬آفي شاليم؛ إيالن بابيه؛ توم سيجف؛‬
‫دان ياهف وبيني موريس‪ .‬إال أن هذا األخير (بيني موريس) بعد أن كان له دور ريادي في‬
‫الكشف عن قرار المجازر والتهجير ووقائعها التفصيلية في كتابه الشهير تصحيح الخطأ‬
‫((( باروخ كمرلنغ ويوئيل شموئيل مغدال‪ ،‬الفلسطينيون صيرورة شعب‪ ،‬ترجمة محمد حمزة غنايم (رام الله‪:‬‬
‫المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2001 ،‬ص ‪ ،173‬وديفيد جيلمور‪ ،‬المطرودون‪ :‬محنة فلسطين‪،‬‬
‫ترجمة شاكر إبراهيم (القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪ ،)1993 ،‬ص ‪.82 - 73‬‬
‫((( غــرشــون شفير‪ ،‬فــي‪ :‬أنـطــوان شلحت‪ ،‬ذاكــرة دولــة وهــويــة‪ :‬دراس ــات انتقادية حــول الصهيونية وإسرائيل‬
‫(رام الـ ـل ــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني ل ـلــدراســات اإلســرائـيـلـيــة (م ـ ــدار)‪ ،)2002 ،‬ص ‪ ،153 - 148‬ويــورغــن أوسـتــر‪،‬‬
‫االستعمار‪ :‬مراجعة نظرية عامة‪ ،‬ترجمة أبو بكر أحمد باقادر (الرياض‪ :‬مؤسسة اليمامة‪ ،)1999 ،‬ص ‪.21 - 20‬‬
‫‪44‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫(‪ ،)2000‬عاد إلى صهيونيته الكالسيكية‪ ،‬معتبر ًا تلك المجازر والفظائع ضرورة أخالقية‬
‫لبناء الدولة اليهودية‪.‬‬
‫‪ - 2‬القرار الصهيوني بالتطهير العرقي في الخطة «أ ‪ -‬د ‪ -‬دالت»‬

‫(((‬
‫أع ــدت الـهــاغــانــاه ثــاث خطط منذ عــام ‪ 1937‬لترحيل الـعــرب واالسـتـيــاء على‬
‫فلسطين االنتدابية؛ ُأعــدّ ت الخ ّطة األولــى سنة ‪ ،1937‬أما الخ ّطتان الثانية والثالثة فقد‬
‫وجربتهما وط ّبقتهما في عام ‪ 1946‬الهيئة االستشارية لبن غوريون‪ ،‬وهي هيئة‬ ‫أعدّ تهما ّ‬
‫األحــد عشر (هيئة التطهير الـعــرقــي)(((‪ .‬وقــد ناقشت الهيئة االستشارية أول مــرة مسودة‬
‫الخطة «دال ــت» في النصف الثاني من شباط‪/‬فبراير ‪ ،1948‬وكــان االســم الرسمي لها‬
‫هو «خطة يهوشع»‪ .‬وفي ‪ 31‬آذار‪/‬مــارس ‪ 1948‬اجتمعت الهيئة االستشارية في منزل‬
‫الموجهة إلى الوحدات الصهيونية‬ ‫ّ‬ ‫بن غوريون لوضع اللمسات األخيرة على التعليمات‬
‫المؤلفة من اثني عشر لواء(((‪.‬‬
‫تمت طباعة الخطة نهائي ًا‪ ،‬وزعــت على قــادة األلوية‪،‬‬ ‫والجدير بالذكر أنــه بعد أن ّ‬
‫إذ إنها قسمت البلد إلى مناطق عسكرية وفق عدد األلوية العسكرية‪ .‬وقد تلقى كل قائد‬
‫لــواء قائمة بالقرى واألحـيــاء المدينية التي يجب احتاللها وتدميرها وطــرد سكانها‪ ،‬مع‬
‫جــدول زمني للقيام بذلك‪ .‬كانت المنطقة األولــى التي وضعت موضع التطبيق الفعلي‬
‫للخطة «دال ــت» هــي تــال الـقــدس الغربية‪ .‬فــي «عملية نـخـشــون» الـتــي كــان فيها الـقــرار‬
‫واضـحـ ًا ج ــد ًا‪ ،‬وقــد تضمن عــدم اإلبـقــاء ولــو على قرية عربية واح ــدة‪ .‬وكــانــت قرية دير‬
‫ال إلى ما يطلق عليه‬ ‫ياسين من أوائل القرى التي شرع فيها بتنفيذ الخطة‪ ،‬إذ تعرضت فع ً‬
‫قضائي ًا بـ «الجرائم ضد اإلنسانية»‪ ،‬حيث تم ذبح ‪ 250‬مواطن ًا ذبح ًا سادي ًا فظيع ًا‪ ،‬وتم‬
‫(((‬
‫التنكيل بجثثهم وتعذيبهم قبل اإلعدام‪ .‬يستشهد دان ياهف (في كتاب‪ :‬طهارة السالح)‬
‫بشهادات فظيعة لوقائع المجزرة من ضباط ومشاركين في الحرب‪ ،‬وهذه شهادة جديرة‬
‫المطول لما فيها من طبع مستنسخ ألنماط الجرائم السادية ذات المضمون‬ ‫ّ‬ ‫باالقتباس‬
‫((( دالت‪ :‬هي لفظ الحرف (د) بالعبرية‪.‬‬

‫تكونت من أعلى رتب وخبراء الهاغاناه أمثال‪ :‬يغال ألون‪ ،‬يغئيل يادين‪ ،‬إسحاق رابين‪،‬‬‫((( الهيئة االستشارية ّ‬
‫موشيه كرمل‪ ،‬يتسحاق ساديه‪ ،‬ايتسر هرئيل‪ ،‬رحبعام زئيفي‪ ،‬وشمعون أفيدان‪.‬‬
‫((( إيــان بابيه‪ ،‬التطهير العرقي في فلسطين‪ ،‬ترجمة أحمد خليفة (بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪،‬‬
‫‪ ،)2007‬ص ‪.95 - 91‬‬

‫((( دان ياهف‪ ،‬طهارة السالح‪ ،‬ترجمة جوني منصور (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية‬
‫(مدار)‪ ،)2004 ،‬ص ‪.136‬‬
‫‪45‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫االحتفالي بحق التضحية باآلخر‪ .‬وفــي شهادة يقول مئير باعيل (ضابط استخبارات)‪:‬‬
‫ـت خاليا من رجــال اإليتسل والليحي تنتقل من بيت إلــى آخــر‪ ،‬وتطلق النيران من‬ ‫«رأيـ ُ‬
‫أسلحة رشاشة نحو كل من تجده في طريقها‪ ،‬لم أر عرب ًا؛ أعتقد أن معظمهم قد هرب‬
‫ال وشيوخ ًا قتلوا في مجموعات جمعوها في‬ ‫ـت نسا ًء وأطفا ً‬‫في بداية المعركة‪ ،‬إنما رأيـ ُ‬
‫زوايــا الغرف‪ ،‬وأطلقوا النار عليها‪ ،‬وألقوا القبض في ساعات الظهر على خمسة عشر‬
‫أو عشرين عربي ًا‪ ،‬وحملوهم في شاحنة وسافروا باتجاه القدس‪ .‬سمعت بعد مدة أنهم‬
‫تجولوا بهم في أحياء القدس بما يشبه مهرجانات النصر‪ .‬كانت تنبعث أصوات الفرح‪،‬‬ ‫ّ‬
‫وسمعت أصوات ًا من الجمهور تنادي‪« :‬خذ عشر ليرات واجعلني أقتل واحد ًا»‪ ،‬ثم أعادوا‬
‫هؤالء األسرى إلى القرية وقتلوهم في الكسارة بين «جفعات شاؤول» والقرية‪ ،‬رأيتهم‬
‫ـت وجــوه رجــال اإليتسل والليحي تبدو‬ ‫بعيني مقتولين بعد الظهر‪ .‬وأثـنــاء مغادرتي رأيـ ُ‬
‫عليها عالمات اإلجــرام‪ .‬يخرجون من القرية مع دجاج وخــراف وغنائم كبرى»(((‪ .‬لعل‬
‫هــذه الشهادة لضابط كبير من االستخبارات العسكرية للهاغاناه ما يشير إلــى النموذج‬
‫االحتفالي اإلنكليزي في عمليات االحتفال بذبح الهنود الحمر‪ ،‬والتي ستتناولها الدراسة‬
‫في الفصل األول‪.‬‬
‫تحمل عملية ديــر ياسين‪ ،‬والـمــذابــح األخ ــرى المشابهة لـهــا‪ ،‬هــدفـ ًا يتجاوز البعد‬
‫اإلقصائي‪/‬اإلبادي‪ ،‬وهو ما يتعلق بالبعد الثقافي‪ .‬فقد كتب قائد إحــدى الكتائب التي‬
‫شــاركــت فــي هــذه العملية‪ ،‬وهــو «أوري بــن آري» فــي مــذ ّكــراتــه‪« :‬إن صهر الشتات كان‬
‫واحــد ًا من األهــداف المهمة لعملية نحشون‪ .‬فقد كانت هذه أول عملية يتحد فيها يهود‬
‫أوروبا الشرقيون القدامى الذين كانوا بحكم الطبيعة مهيمنين على المشهد العسكري مع‬
‫المجموعات اإلثنية األخرى مع القادمين الجدد من العالم العربي ومن أوروبا»(((‪ .‬وهنا‬
‫تبدو وفق هذه الشهادة‪ ،‬أن أهداف كل عمليات اإلبادة والترحيل تتمثل باستعادة الشعور‬
‫بالتجانس الثقافي واإلثني في دولة المستوطنة الطاهرة‪.‬‬
‫استهدف مشروع الترانسفير تحقيق هدف مركزي أعلى للحركة الصهيونية‪ ،‬وهو‬
‫المتمثل بدولة يهودية من دون أقلية عربية كبيرة‪ .‬وقــد اعتنقت القيادة الصهيونية مبدأ‬
‫هندسة التفريغ الجماعي لـلـعــرب‪ ،‬ال ــذي لــم يكن ممكن ًا مــن دون ارت ـكــاب عــدد هائل‬
‫((( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،138 - 137‬وموسى الــدويــك‪ ،‬الجرائم ضد اإلنسانية‪ :‬الحماية الدولية للشعب‬
‫الفلسطيني والقانون الدولي (اإلسكندرية‪ :‬منشأة المعارف‪ ،)2004 ،‬ص ‪.39 - 38‬‬
‫((( بابيه‪ ،‬التطهير العرقي في فلسطين‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪46‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ال‪ .‬إن‬ ‫من المجازر بشكل يجعل البقاء العربي في المشهد العام لفلسطين أمــر ًا مستحي ً‬
‫ممت بعناية إلرهــاب السكان وإجبارهم على الرحيل‬ ‫مجموعة كبيرة من المجازر ُص ّ‬
‫الـقـســري‪ ،‬وقــد كشف «الـمــؤرخــون ال ـجــدد» الــذيــن اطـ ّلـعــوا على وثــائــق مــا أصـبــح يعرف‬
‫بحرب االستقالل‪ ،‬عن عشرات الفظائع في مئات القرى العربية (صفصف‪ ،‬والجش‪،‬‬
‫وسـعـســع‪ ،‬والـصــالـحــة‪ ،‬وعـيـلـبــون‪ ،‬ومـجــد ال ـكــروم‪ ،‬ودي ــر األس ــد‪ ،‬وأم ال ـشــوف‪ ،‬وحــولــه‪،‬‬
‫وناصر الدين‪ ،‬وأبو زريق‪ ،‬وعين الزيتون‪ ،‬وخصاص‪ ،‬وقيساريه‪ ،‬والكابري‪ ،‬وأبو شوشة‪،‬‬
‫والدوايمه‪ ...‬إلخ)(((‪.‬‬
‫ما كان لمستعمرة االستيطان اليهودي أن تتطور ككيان سياسي لوال اعتماد تهويد‬
‫توجه ًا مركزي ًا‪ ،‬وقد توصل سلمان أبو ستة باالعتماد على عدد كبير من المراجع‬
‫األرض ّ‬
‫(‪((1‬‬
‫والوثائق إلى خالصة يــورد فيها أسماء ‪ 531‬قرية وتجمع فلسطيني قد تم تهجيرها‬
‫لتحقيق الهدف والمثال األعلى للمستوطنة الطاهرة‪.‬‬
‫ومن الجدير بالذكر أن فكرة الترانسفير هي ذات جذور عميقة في الفكر الصهيوني‬
‫منذ تأسيس الحركة الصهيونية‪ .‬على سبيل المثال‪ ،‬كتب هيرتزل في يومياته منذ سنة‬
‫‪ 1895‬اآلتي‪« :‬لدى امتالك البالد‪ ،‬فإن األراضي الخاصة ينبغي علينا أن نخلصها رويد ًا‬
‫من أيدي أصحابها‪ ،‬ونقل األراضي وإخراج أصحابها منها يجب أن يسيرا مع ًا بحذر»(‪.((1‬‬
‫وعلى المستوى العلني‪ ،‬بــدأت تطرح فكرة طرد السكان األصليين على جــدول أعمال‬
‫الحركة الصهيونية عــام ‪ 1937‬عندما أضفت عليها اللجنة الملكية البريطانية برئاسة‬
‫حل‬ ‫اللورد بيل شرعية رسمية من خالل اقتراحها تقسيم فلسطين إلى دولتين‪ .‬وفي إطار ّ‬
‫الدولتين كمقترح استعماري بريطاني‪ ،‬اقترح بيل نقل ‪ 300 - 200‬ألف عربي (طوع ًا أو‬
‫قسر ًا)‪ ،‬وهم القاطنون في الجزء المعدّ للدولة اليهودية‪ .‬وتطور مقترح بيل إلى برنامج‬
‫رسـمــي لـحــزب الـعـمــال البريطاني فــي الـفـتــرة ‪ .1945 - 1944‬ويـبــدو بشكل جلي أن‬
‫ثقافة الترحيل القسري قد تطابقت عند الدولة االستعمارية األم (بريطانيا) وأنبياء ورسل‬
‫االستيطان الوظيفي الصهيوني (بتعبير المسيري)‪ ،‬حيث أصبح طغيان الترحيل القسري‬
‫يشكّل المادة األســاس لكل المؤتمرات الصهيونية منذ عام ‪ 1937‬والحق ًا‪ .‬ولم يتوان‬
‫((( نـ ــور الــديــن مـصــالـحــة‪ ،‬إســرائـيــل وسـيــاســة الـنـفــي‪ ،‬تــرجـمــة ع ــزت ال ـغ ــزاوي (رام ال ـل ــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني‬
‫للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2003 ،‬ص ‪.54 - 38‬‬

‫)‪Salman Abu Sitta, Palestinian Right to Return: Scared, Legal and Possible (London: The (10‬‬
‫‪Palestinian Return Center, 1999), p. 12.‬‬

‫(‪ ((1‬بيني موريس‪ ،‬تصحيح خطأ‪ :‬يهود وعرب في أرض إسرائيل‪ ،1956 - 1936 ،‬ترجمة وتقديم أنطوان‬
‫شلحت (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2003 ،‬ص ‪.51‬‬
‫‪47‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أي من القادة الزعماء للحركة الصهيونية عن التعبير عن هذا الهدف في كل مؤتمراتهم‬
‫ومذكّراتهم‪ .‬وفي جلسة إدارة الوكالة اليهودية في ‪ 12‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،1938‬وهي األكثر‬
‫سرية من المؤتمرات الصهيونية‪ ،‬ع ّبر بن غوريون عن هدف الترانسفير بالقول‪« :‬أنا أساند‬
‫الترانسفير القسري‪ ،‬وال أرى في ذلك ما ينافي األخالق»(‪.((1‬‬
‫تشكّل عملية االقتالع للسكان العرب ّ‬

‫الحل المركزي للمسألة العربية‪ ،‬وفق ما قاله‬
‫يوسف فايتس‪ ،‬أحد أعمدة لجنة الترانسفير‪ ،‬لبن غوريون‪« :‬يجب اعتبار اقتالع العرب‬
‫ال للمسألة العربية في دولة إسرائيل»‪ .‬وباالستناد إلى تعليمات الخطة المركزية الرسمية‬ ‫ح ً‬
‫(خطة يـهــوشــع‪/‬دالــت)‪ ،‬فقد جــاء فــي بندها الثالث تحت عـنــوان‪ :‬تطهير الـقــرى العربية‬
‫اآلتي‪« :‬التطهير يجب أن يتم بثالث درجات من الشدّ ة على النحو التالي‪ :‬درجة معتدلة‬
‫(تطهير بوليسي وإدخ ــال حامية)‪ ،‬ودرجــة متوسطة (عملية اجتثاث وسيطرة)‪ ،‬ودرجــة‬
‫عالية من الشدة (حــرق ونسف وتدمير)»‪ .‬وقد بدأ رئيس قسم العمليات في الهاغاناه‪،‬‬
‫ويوسف فايتس رئيس لجنة الترانسفير‪ ،‬بتطبيق الخطة عملي ًا بالمستوى الثالث (عالي‬
‫الشدة)‪ ،‬ومنذ ذلك الحين‪ ،‬وعلى مدى أكثر من مئة وثالثين عام ًا من بداية االستيطان‬
‫اليهودي‪ ،‬تستمر عملية طرد العرب من أراضيهم بكل الوسائل التي أمكن تنفيذها والتي‬
‫أصبح نمطها األخير هو الجدار الفاصل(‪.((1‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬مصادرة الثروات والموارد الطبيعية واإلفقار المن ّظم‬

‫إن إف ــراغ فلسطين مــن سكانها كـهــدف صهيوني‪ ،‬واإلفـ ــراغ التطهيري كـضــرورة‪،‬‬
‫جعل منطق األسطورة والعنف اإلدراكي الصهيوني مسألة حتمية‪ .‬فقد سيطرت القوات‬
‫الصهيونية على ‪ 78‬بالمئة من فلسطين االنتدابية‪ ،‬وأصبح الجزء األعظم من فلسطين‬
‫خالي ًا من السكان األصليين‪ ،‬إال من ‪ 156‬ألــف عربي استمروا في البقاء كأقلية قومية‬
‫تصرف مطلق للمؤسسة السياسية اليهودية الناشئة‪ .‬وما إن تمكّنت هذه القوات‬ ‫تحت ّ‬
‫اليهودية مــن تحقيق نبوءتها العنصرية العرقية بجعل المكان المستهدف مـهـ ّـود ًا بنسبة‬
‫عظمى‪ ،‬حتى بدأت المؤسسة التشريعية العنصرية في إسرائيل بإصدار عشرات القوانين‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬

‫(‪ ((1‬دان ياهف‪« ،‬مئة وعشرون عام ًا من الصراع الصهيوني‪/‬الفلسطيني‪ :‬األرض الترانسفير‪ ،‬طهارة السالح‬
‫والــروايــة الـتــي لــم ت ــدرس‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬ال ـعــددان ‪( 12 - 11‬صـيــف ‪ -‬خــريــف ‪ ،)2003‬ص ‪ ،115‬و‪Walid‬‬
‫‪Khalidi, «Plan Dalet: Master Plan for the Conquest of Palestine,» Palestine Studies, vol. 18, no. 1‬‬
‫‪(Autumn 1988), pp. 4-19.‬‬
‫‪48‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫واللوائح التي تمكّن المهاجرين اليهود والمؤسسات الصهيونية المختلفة من «وضع‬
‫اليد» االستيطانية المطلقة على األرض الفلسطينية بكل ما فيها من موارد طبيعية‪ ،‬وبكل‬
‫ما عليها من نتاجات اقتصادية ومادية‪ ،‬أثمرها جهد إنساني ممتدّ عبر آالف السنين‪ .‬وبعد‬
‫كف الشعب الفلسطيني عن الوجود اجتماعي ًا وثقافي ًا‬ ‫نهاية الحرب االقتالعية الصهيونية‪ّ ،‬‬
‫التجمعات العربية أثــر ًا بعد عين‪ ،‬وحـ َّـل فيها ‪ 620.000‬مهاجر‬ ‫ّ‬ ‫وسياسي ًا‪ ،‬وأصبحت‬
‫يـهــودي‪ .‬وتـطــور فــي إسرائيل منذ الـيــوم األول على إقامتها الرسمية فــي ‪ 15‬أيار‪/‬مايو‬
‫‪ 1948‬نظامان منفصالن‪ :‬نظام يهودي سيطرت عليه مشاعر التماثل والملكية االستثنائية‬
‫للموارد والمؤسسات‪ ،‬ونظام لألقلية العربية المتبقية مجرد ًا من كل الحقوق السياسية‬
‫والـمــدنـيــة الـمـعــروفــة بـهــدف إنـهــاكــه (وه ــو المنهك أص ـ ًـا) بفعل الـجــرائــم الـتــي شاهدها‬
‫وعــايـشـهــا‪ ،‬محكوم ًا بنظام عسكري كالسيكي استمر حتى عــام ‪ .1966‬وضـمــن هذه‬
‫المجموعة‪ ،‬وداخل هذا النظام‪ ،‬ومن ضمن األقلية العربية القومية الباقية في وطنها‪ ،‬كان‬
‫وتجمعاتهم الريفية‪ ،‬واستقروا‬ ‫ّ‬ ‫هجروا من أماكنهم األصلية‬ ‫هناك أكثر من ‪ 40‬ألف الجئ ّ‬
‫في أوساط إخوانهم‪ ،‬سواء في القرى أم المدن العربية التي نجت من التدمير ‪.‬‬
‫(‪((1‬‬
‫وحتى سنة ‪ - 1948‬لم يكن اليوشوف العبري (المجتمع اليهودي تحت االنتداب‬
‫البريطاني قبل إع ــان الــدولــة) يسيطر إال على أقــل مــن ‪ 6‬بالمئة مــن مساحة فلسطين‬
‫اإلجمالية البالغة ‪ 27.027‬كلم‪ ،2‬رغم المحاوالت المحمومة في السيطرة واالمتالك‬
‫الـمــدعــوم مــن قبل ق ــوات االن ـتــداب الـبــريـطــانــي‪ .‬ونتيجة العمليات االقـتــاعـيــة‪ ،‬تمكّنت‬
‫القوات المستعمرة االحتاللية من السيطرة على ‪ 21.000‬كلم‪ .2‬وقد انتقلت األمــوال‬
‫الفلسطينية غير المنقولة ‪ -‬المراكز التجارية‪ ،‬واإلحياء السكنية‪ ،‬والمدارس‪ ،‬والمصارف‪،‬‬
‫والمستشفيات‪ ،‬والـعـيــادات‪ ،‬والمساجد‪ ،‬والكنائس‪ ،‬والمصانع الصغيرة‪ ،‬والدكاكين‬
‫الحرفية‪ ،‬وغيرها مــن المباني الـعــامــة‪ ،‬كمكاتب الـبــريــد‪ ،‬ودوائ ــر الـبـلــديــات‪ ،‬والــدواويــن‬
‫الريفية‪ ،‬والحدائق‪ ،‬والمحميات الطبيعية‪ ،‬ومعدات الصيد‪ ،‬وطواحين الحبوب‪ ،‬ومعاصر‬
‫الزيت‪ ،‬والمحاجر‪ ،‬والكسارات‪ ...‬إلخ‪ ،‬جملة واحدة إلى حيازة دولة إسرائيل الناشئة‪.‬‬
‫كما استولى اإلسرائيليون‪ ،‬كمواطنين مدنيين وأف ــراد الهاغاناه والمليشيات األخــرى‪،‬‬
‫على ما سلم من األمــوال المنقولة‪ ،‬مثل األثــاث المنزلي واألوانــي الفضية والخشبية أو‬
‫التجمعات‬
‫ّ‬ ‫التراثية ذات الطابع الفولكلوري‪ .‬لقد تمت عمليات النهب مباشرة مع رحيل‬
‫(‪ ((1‬ان ـظــر‪ :‬هليل كوهين‪ ،‬الغائبون الحاضرون‪ ،‬ترجمة نسرين مغربي (الـقــدس‪ :‬مركز دراس ــات المجتمع‬
‫العربي في إسرائيل‪.)2003 ،‬‬
‫‪49‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫العربية‪ ،‬سواء تلك التي رحلت بالمجزرة المباشرة أو التي رحلت بنتائجها الفعلية‪ .‬كما‬
‫نهبت العصابات الصهيونية واستولت على آالف قطعان الماشية ودواب النقل والخيل‬
‫تجف بعد‪ .‬فقد وجدت المقتنيات العربية المنزلية‬
‫ّ‬ ‫والدواجن مباشرة‪ ،‬ودماء أصحابها لم‬
‫والزراعية طريقها إلــى صالونات ومــزارع الجنود والضباط كتذكارات حــرب‪ ،‬وكذلك‬
‫وجدت في بيوت قادة كبار أمثال موشيه ديان الذي كان من هواة جمع هذه التذكارات‪.‬‬
‫ويقدر د‪ .‬وليد الخالدي في مشروعه البحثي كي ال ننسى مساحة أراضي ‪ 418‬قرية‬

‫فلسطينية مد ّمرة قام بتوثيقها‪ ،‬بستة ماليين دونم‪ ،‬وقد تم تقاسمها سريع ًا بين المستعمرات‬
‫اليهودية(‪.((1‬‬
‫إن عبارة «إفقار الفلسطينيين» تبقى عديمة الداللة أمــام وحشية االقتالع الرهيب‬
‫الــذي وقــع على الفلسطينيين اآلمنين‪ .‬كما أن عملية التجريد من كل شــيء تبقى أيض ًا‬
‫عاجزة عن تمثيل المشهد الذي وجد فيه الالجئون أنفسهم تحت السماء والطارق‪ .‬وفقط‬
‫للداللة على سوء بشاعة الحال وفظاعة المشهد الذي خلفه االحتالل‪ ،‬نورد مقتطف ًا من‬
‫تقرير لموظف كبير في الصليب األحمر األمريكي (ر‪ .‬ط‪ .‬شيفر) يقول فيه‪« :‬إن آالف ًا‬
‫مــن الالجئين الفلسطينيين سقطوا أمــوات ـ ًا مــن الـجــوع‪ ،‬ومعظم الباقين على قيد الحياة‬
‫مصابون بأمراض وأوبئة خطيرة‪ ،‬ويقدر عدد األمــوات من الالجئين في قطاع غزة فقط‬
‫بـ ‪ 120‬شخص ًا في الليلة الواحدة»(‪ .((1‬وحتى اللحظة‪ ،‬وكنتيجة مباشرة لفعل مستوطنة‬
‫«االستيطان الطاهر» تقدم المؤسسات الــدولـيــة‪ ،‬مثل منظمة الصحة العالمية‪ ،‬ووكالة‬
‫الـغــوث الــدولـيــة‪ ،‬وبعد أكثر مــن ستة عقود مــن االقـتــاع مــا يعرف فــي م ــدارس فلسطين‬
‫بحبة الفيتامين الصباحية لمعالجة فقر الدم الناتج من سوء التغذية‪ ،‬جراء سياسة الحصار‬
‫واحتالل العمل العبري‪ .‬وفي اإلدراك الصهيوني‪ ،‬فإن األرض التي ال يسكنها اليهود‪،‬‬
‫ويقيم فيها العرب الذين نجوا من كارثة الترانسفير‪ ،‬توصف بأنها مناطق غير مأهولة أو‬
‫خالية تستوجب استيطان ًا يهودي ًا‪ ،‬وهي متاحة لكل يهودي مهاجر إلى البالد‪.‬‬
‫في التخطيط الوطني لتوزيع السكان في إسرائيل توزيع ًا جديد ًا‪ ،‬ولبناء مدن جديدة‬
‫الصادر سنة ‪ ،1950‬فتح مشروع الهندسة الديمغرافية حدود ًا النهائية في مصادرة أراضي‬
‫(‪ ((1‬وليد الخالدي‪ ،‬كي ال ننسى‪ :‬قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة ‪( 1948‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬
‫الفلسطينية‪.)1997 ،‬‬
‫(‪ ((1‬بيني موريس‪ ،‬طرد الفلسطينيين ووالدة مشكلة الالجئين الفلسطينيين‪ ،‬ترجمة دار الجليل ّ‬
‫(عمان‪ :‬دار‬
‫الجليل‪ ،)1993 ،‬ص ‪.291 - 290‬‬
‫‪50‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫القرى العربية التي بقيت قائمة في مكانها‪ ،‬سواء في المثلث أو النقب والجليل‪ .‬فعلى‬
‫هذا المشروع المؤسس على عشرات القوانين‪ ،‬جرت عملية سلب‪/‬سطو أخــرى على‬
‫التجمعات العربية لتنفيذ مهمة «وضع األرض» تحت التصرف‪ ،‬ولتغيير الواقع‬ ‫ّ‬ ‫أراضي‬
‫الديمغرافي في المناطق العربية الثالث السابقة بزرع المستوطنات على أراضيها(‪.((1‬‬

‫وقد أدت قوانين «المستعمرة الطاهرة» الصادرة عن القيادة األشكنازية للمستعمرة‬
‫(قــانــون أم ــاك الغائبين‪ ،‬وقــانــون مـصــادرة األرض‪ ،‬وقــانــون استمالك األرض‪ ،‬وقــانــون‬
‫االستقرار) وغيرها‪ ،‬التي جاءت جميعها في عقد الخمسينيات من القرن العشرين إلى‬
‫تهديد وجودي لألقلية القومية العربية‪ .‬فخالل سنتين (‪ )1950 - 1948‬كانت سلطات‬
‫الدولة األشكنازية قد نهبت من ‪ 50‬إلى ‪ 80‬بالمئة من أراضي هذه القرى(‪.((1‬‬
‫ومــع كل إج ــراءات التهويد النهبوية ذات المضمون اإلقصائي التفكيكي‪ ،‬يستمر‬
‫الـخـطــاب الـعـنـصــري فــي تـصــاعــده ضــد ه ــذه األقـلـيــة الـعــربـيــة‪ ،‬فـقــد وص ــف الــوزيــر (إيـفــي‬
‫إيتام) البلدات العربية في الجليل بـ «الخاليا السرطانية في جسم الدولة اليهودية»(‪.((1‬‬
‫وهــذه الرؤية التي تشيطن العرب بقيت دائم ًا اإلطــار األخالقي ذا المضمون العنصري‬
‫واإلقصائي تجاه األقلية العربية في داخــل إسرائيل‪ .‬وتبقى نزعة التمركز حــول الــذات‬
‫العرقية أيـضـ ًا األس ــاس السياسي واالقـتـصــادي الــذي يقوم عليه البناء االجتماعي العام‬
‫فــي إســرائـيــل‪ ،‬وال ــذي يستثني هــذه األقلية مــن كــل الحقوق المدنية المتعلقة بالمواطنة‬
‫والمساواة(‪.((2‬‬
‫(‪ ((1‬فكتوريا والتر ويوخايم شيشا‪ ،‬لقد اغتصبوا أرضنا‪ :‬سياسة االستيطان الصهيوني في فلسطين في مئة عام‪،‬‬
‫نصار (الرباط‪ :‬المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم‪ ،)1997 ،‬الفصل الثالث‪.‬‬ ‫ترجمة م‪ّ .‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.136‬‬
‫(‪ ((1‬ع ـلــي حـيــدر‪« ،‬الـكــراهـيــة والعنصرية تـجــاه الـعــرب فــي إســرائ ـيــل‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬الـعــدد ‪( 2‬خريف‬
‫‪ ،)2002‬ص ‪.16‬‬
‫جمال‪« ،‬أنماط تشكل الالمساواة القومية في إسرائيل‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد‬ ‫ّ‬ ‫أمل‬ ‫اإلطار‪:‬‬ ‫هذا‬ ‫في‬ ‫(‪ ((2‬انظر‬
‫‪ ،)2006( 24‬ص ‪ ،70 - 57‬ونمر سلطاني‪« ،‬المساواة والمواطنة في إسرائيل‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 13‬شتاء‬
‫‪ ،)2004‬ص ‪.111 - 105‬‬
‫‪51‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
52
‫لفص‬
‫ا ل األول‬
:‫اإلطار النظري للدراسة‬

»‫التعريف بمفهو َمي «التطهير العرقي‬
‫و«الفصل العنصري» وأبعادهما التطبيقية‬
Copyright © 2015.
53
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
54
‫أوالً‪ :‬األسس النظرية لالفتراضات العنصرية‬

‫من زاويــة لغوية‪ ،‬تتفق المعاجم العربية المختلفة على أن مصطلح «العنصرية»‬
‫قد اشتق من كلمة «العنصر»‪ ،‬ففي المعجم الوسيط فــإن «العنصر» يشير إلــى األصل‬
‫ـصــب ال ـفــرد أو الـجـمــاعــة لـجـنـسـهــا‪ ،‬أو أص ـل ـهــا‪ .‬وفــي‬
‫الـبـيــولــوجــي‪ ،‬والـعـنـصــريــة هــي تـعـ ّ‬
‫الكيمياء‪ ،‬فــإن «العنصر» هو المادة األولية التي ال يمكن تحليلها كيميائي ًا إلــى ما هو‬
‫أبسط منها(((‪.‬‬
‫أما المعجم العربي المعاصر‪ ،‬فقد أورد «العنصر» بمعنى «العرق»‪ .‬و«العرق»‬
‫هــو مجموعة بشرية تشترك فــي خصائص تشريحية متماثلة‪ ،‬وبــذلــك تصبح العرقية‬
‫ـصــب لـعــرقــه ضــد األع ــراق‬
‫هــي ال ـم ــرادف الــدقـيــق لـلـعـنـصــريــة‪ .‬والـعـنـصــري‪ ،‬هــو الـمـتـعـ ّ‬
‫األخرى(((‪.‬‬
‫وجــاء في قاموس المورد المعنى نفسه الــوارد آنفا‪ ،‬من حيث الترادف بين العرق‬
‫والعنصر‪ .‬فـ «العرق» هو األصــل أو الجذر‪ ،‬وهو أيض ًا يعني الوريد أو الوعاء الدموي‪،‬‬
‫و«الـعــرقـيــة» هــي «الـعـنـصــريــة»‪ .‬وقــد جــاء فــي اإلنكليزية بمعنى »‪ ،«Race‬و»‪،«Stock‬‬
‫و»‪ ،«Ethnic Group‬والعرقية والعنصرية هما التمركز الحا ّد حول اإلثنية ذات الوعاء‬
‫الدموي الخاص )‪.((((Ethnocentrism‬‬
‫مــن زاوي ــة يندمج فيها الـبـعــدان الـلـغــوي واالصـطــاحــي‪ ،‬يمكن النظر إلــى مــا يــراه‬
‫المفكر العربي عبد الوهاب المسيري‪ ،‬بأن العنصرية أو الفكر العنصري بر ّمته إنما يقوم‬
‫التفوق الذي يرى البشر جميعا «مادة»‪ ،‬وليس قيمة إنسانية ذات سمو أخالقي؛‬ ‫على عقدة ّ‬
‫((( المعجم الوسيط (بيروت‪ :‬دار أمواج‪.)1987 ،‬‬

‫((( هادي العلوي‪ ،‬سلسلة المعجم العربي المعاصر (دمشق‪ :‬دار الكنوز‪.)1997 ،‬‬
‫((( روح ــي بعلبكي‪ ،‬الـمــورد الثالثي‪ :‬قاموس ثالثي اللغات‪ :‬عربي ‪ -‬إنكليزي ‪ -‬فرنسي مع طريقة اللفظ‬
‫(بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪.)2004 ،‬‬
‫‪55‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫فالفكر العنصري يطرح االخـتــافــات بين البشر بأنها تقوم على أســس مــاديــة كامنة في‬
‫خصائصهم العرقية والتشريحية‪ .‬كما أن البشر‪ ،‬كمادة‪ ،‬يمكن أن توظف‪ ،‬فتكون نافعة‪،‬‬
‫ويمكن أال يكون لها نفع‪ .‬ومن هنا تبرز أهمية االختالفات العرقية كلون الجلد‪ ،‬وحجم‬
‫الرأس‪ ،‬وشكل األنف‪ ،‬وغيرها‪ ،‬كمعيار للتفرقة العنصرية داخل النوع البشري‪ .‬وتصبح‬
‫الخصائص واألنماط الحضارية العامة‪ ،‬ورقي شعب ما أو تخ ّلفه‪ ،‬ما هي إال نتيجة صفاته‬
‫العرقية والتشريحية‪ .‬ومــن ثــم‪ ،‬فــإن تقدم جماعة إنسانية مــا أو تخ ّلفها‪ ،‬محكوم عليها‬
‫ومرتبط بأصلها العرقي المتوارث(((‪.‬‬
‫ال ترجع العنصرية إلى مجرد التفسير بمرجعية العنصر أو العرق‪ ،‬وإنما بتحول هذه‬
‫المرجعية إلى معتقد تمييزي‪ ،‬وخصوص ًا من طرف قوي ضد اآلخر األضعف‪ ،‬لتحقيق‬
‫احتياجات اقتصادية اجتماعية‪ .‬ومن هنا يتشكّل بعدها األيديولوجي‪ ،‬إذ بدأت مخاطر‬
‫تمس مساحة إنسانية أكبر من األعــراق المحلية‪ ،‬عندما ارتبطت بنظم‬‫هــذه المعتقدات ّ‬
‫فتحولت إلى أيديولوجيات هيمنة تارة‪ ،‬أو تفريعات لها‬
‫ّ‬ ‫إمبراطوربة‪ ،‬ثم إمبريالية عالمية‪.‬‬
‫ومصالح في إطارها تارة أخرى (األبارتهايد‪ ،‬والصهيونية‪ ،‬والواليات المتحدة) ‪.‬‬
‫(((‬
‫في قاموس السياسة الحديثة‪ ،‬نجد أن «العنصرية» )‪ (Racism‬هي أي معتقد سياسي‬

‫أو اجتماع ـ ــي يعتمد التمــييز في معاملة األفــراد أو الجــماعات وفق ًا ألصولهم العرق ــية‬
‫أو الـســالـيــة(((‪ .‬وفــي الموسوعة الــدولـيــة للعلوم االجتماعية نجد أن تعبير «الـعــاقــات‬
‫العنصرية» )‪ (Race-Relations‬يشير إلــى األنـمــاط السلوكية الناجمة عــن التفاعل بين‬
‫األفراد الذين يتباينون جسمي ًا وثقافي ًا‪ .‬كذلك‪ ،‬فإن المفهوم يشير إلى كل العالقات التي‬
‫يمكن أن تــؤدي إلــى صــراع عنصري وشعور أو وعــي عنصري يحدد مكانة الجماعات‬
‫المختلفة في المجتمع(((‪.‬‬
‫أمــا فــي قاموس أكسفورد‪ ،‬فــإن لفظ »‪ «Race‬يعني المجموعة البشرية ‪(Ethnic‬‬
‫)‪ Group‬التي ترتبط في ما بينها بأصل أو ساللة عرقية عامة‪ ،‬أو تعني المتحدرين من‬
‫((( عبد الوهاب المسيري‪ ،‬موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ :‬نموذج تفسيري جديد‪ 8 ،‬ج (القاهرة‪ :‬دار‬
‫الشروق‪ ،)1999 ،‬ج ‪ ،7‬ص ‪.117‬‬
‫((( حلمي شعراوي‪« ،‬رياح العنصرية تعصف ببلدان الجنوب‪ :‬قراءة في الوثائق التحضيرية للمؤتمر العالمي‬
‫ضد العنصرية‪ »،‬المستقبل العربي‪ ،‬السنة ‪ ،27‬العدد ‪( 270‬آب‪/‬أغسطس ‪ ،)2001‬ص ‪.20‬‬

‫)‪David Robertson, Dictionary of Modern Politics, 3rd ed. (London: Europa Publications Ltd., (6‬‬
‫‪2002), p. 279.‬‬
‫‪David L. Sillis, ed., International Encyclopedia of Social Sciences, 18 vols. (New York: The‬‬ ‫)‪(7‬‬
‫‪Macmillan co., 1986), vol. 13, p. 269.‬‬
‫‪56‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أصل ساللي مع ّين‪ ،‬أو مجموعة من األفــراد أو القبائل التي تشكّل مالمح عرقية وراثية‬
‫متم ّيزة‪ .‬والعنصرية في إطارها السياسي االجتماعي‪ ،‬ما هي جوهري ًا إال رؤيــة واعتقاد‬
‫سياسي أساسها أن الدم يفسر التفوق والسمو في صفات مع ّينة‪ ،‬وبالتالي يعطي حقوق ًا‬
‫مـعـ ّيـنــة‪ ،‬وي ـفــرض وظــائــف معينة ال يسمح بـهــا كـلـيـ ًا أو جــزئـيـ ًا لغير مــن ال يتصف بتلك‬
‫الصفات أو الخصائص التي مردها فقط عنصر الميالد واألصل العنصري(((‪.‬‬
‫كبير من االجتهادات النظرية‪ ،‬فإن العنصرية‪« :‬هي شعور‬ ‫لكم ٍ‬ ‫وكمقاربة استنتاجية ٍّ‬
‫بالسمو والتم ّيز واالستثنائية‪ ،‬أساسه االدعــاء المتخ ّيل باالنتماء إلى أصل عرقي محدد‬
‫وتوكيل إلهي خــاص‪ ،‬يحمل فــي ثناياه على وجــه تلقائي كافة صفات الـقــوة واألصــالــة‬
‫والــذكــاء وال ـقــدرة والـنـبــوغ والـسـمــو‪ ،‬ويــؤهــل المنتمين إلـيــه وراث ـي ـ ًا لكافة أشـكــال القيادة‬
‫والريادة األبدية‪ ،‬مقترن ًا ذلك بدرجة ما من درجات التطبيق والتنفيذ (السلوك اإلنكليزي‬
‫في أمريكا الشمالية‪ ،‬والسلوك اإلنكليزي‪/‬الهولندي في الجنوب األفريقي‪ ،‬والسلوك‬
‫األمريكي في الشرق األوسط‪ ،‬والسلوك الصهيوني في فلسطين)(((‪.‬‬
‫وتأسيس ًا على ما تقدم‪ ،‬فإن يوتوبيا النظرية العنصرية تكاد تتجسد في ثالث مقوالت‬
‫أساسية‪ ،‬تتمثل بـ‪:‬‬
‫‪ - 1‬عراقة الساللة ونقاء وطهارة الدم‬

‫قبل أن يؤسس أدولــف هتلر ببضع مئات من السنين لنظرية تفوق الجنس‪/‬العرق‬
‫اآلري‪ ،‬ويضعها موضع التطبيق الفعلي‪ .‬كان الغزو األبيض اإلنكليزي ألمريكا الشمالية‬
‫فــي مطلع الـقــرن ال ـســادس عشر يـقــدم لـلـمــوروث العنصري أهــم نـمــاذج الـعــالــم النظرية‬
‫والتطبيقية لفعل أيديولوجيا العرق األفضل تجاه اآلخر األصلي من السكان األصليين‪.‬‬
‫وقبل أن تصبح نظرية العرق اآلري نظرية شمولية عنصرية ذات فعالية كبرى في فكر‬
‫القرن العشرين‪ ،‬كان األرستقراطي الفرنسي جوزف آرثر دي جوبينو (‪)1882 - 1816‬‬
‫قــد ن ّظر ليوتوبيا الجنس األفـضــل والعنصر األع ــرق‪ ،‬بــادعــاء أن كــل مــا هــو عظيم ونبيل‬
‫ومفيد من أعمال اإلنسان في هذه األرض إنما يعود إلى جنس واحد هو الجنس اآلري‪.‬‬
‫الذي يضم اإلغريق والرومان ومعظم شعوب شمال أوروبــا وغربها‪ ،‬وأسمى من يمثل‬
‫((( حامد ربيع‪ ،‬العنصرية الصهيونية ومنطق التعامل السياسي في التقاليد الغربية (بيروت‪ :‬الطالئع الفلسطينية‪،‬‬
‫‪ ،)1979‬ص ‪.71‬‬
‫((( عبد الناصر حريز‪ ،‬النظام السياسي اإلرهابي اإلسرائيلي (القاهرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪ ،)1997 ،‬ص ‪.78 - 76‬‬
‫‪57‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫هذا الجنس هم التيتون‪ ،‬مفترض ًا تعدد أصول النوع البشري التي تتسم بأبدية ثبات خاصة‬
‫لــم تستطع العوامل الخارجية (جغرافية‪ ،‬ومناخية‪ ،‬واقـتـصــاديــة) أن تمحوها‪ ،‬فالزنوج‬
‫وحوش فردية فوضوية‪ ،‬والعرق األبيض له ميول كامنة متأصلة في عرقه الساللي نحو‬
‫التحررية والبرلمانية واإلمبريالية الخ ّيرة‪ .‬وقد سبق هتلر في االدعــاء االفتراضي الذي‬
‫يذهب إلى أن اختالط دماء الجنس األرقى بدماء المهزومين يشكّل العامل األساسي في‬
‫االنحدار القومي‪ .‬وتلقى المفكر العنصري اإلنكليزي ستيورات شامبرالين نظرية دي‬
‫وحولها إلى إنجيل التيتونية‪ ،‬ونسب كل عبقريات العالم في األلفي سنة الماضية‬ ‫جوبينو ّ‬
‫حتى عهده إلى أصول تيتونية‪ ،‬مقدم ًا وصف ًا نمطي ًا للتيتوني المثالي بأنه ذو عينين ّبراقتين‬
‫زرقاوين وجمجمة مستطيلة نتيجة للذهن والعقل النشط(‪.((1‬‬
‫ويبدو أن نظرية ستيورات الــذي وضعها في كتاب أسس القرن التاسع عشر كان‬
‫لها تأثير كبير وجــوهــري فــي انتشار النظرية العنصرية لــدى الـبــرلـمــان‪ ،‬وذلــك باعتماد‬
‫القيصر الثاني لهذه النظرية من خالل العناية بهذا الكتاب وطبعه وتوزيعه على أوسع‬
‫دائرة ممكنة‪.‬‬
‫وبالنظر إلى مؤلفات القرن التاسع عشر‪ ،‬نجد أن التمركز حول الذات االستثنائية‬
‫العرقية في أوروبا أصبح يجد الكثير من المن ّظرين والنظريات‪ .‬فقد اعتبر دافيد جوردان‬
‫ا‪« :‬إن‬ ‫(‪ )1913 - 1851‬دم ــاء األم ــة الـعــامــل األول فــي تكوين تــاريـخـهــا‪ ،‬وكـتــب قــائ ـ ً‬
‫االختالفات الجوهرية في حياة أي شعب ليست مسألة تربوية‪ ،‬بل إمكانات وراثية‪ ،‬وإن‬
‫السمات الفعلية تــورث حقيقة مثل لون الجلد‪ .‬ولكل جنس سماته الفكرية التي تم ّيزه‬
‫كساللة منفصلة‪ .‬وبمعرفتك لطبيعة أي جنس‪ ،‬فإنه يمكن التنبؤ بإنجازاته‪ ،‬فالساكسوني‬
‫يصنع تاريخا ساكسوني ًا‪ ،‬والـيـهــودي يصنع تاريخ ًا يـهــوديـ ًا‪ .‬وكــان ج ــوردان يؤمن إيمان ًا‬
‫متفوقة‪ ،‬وأخرى دنيا‪ .‬وقد اعتبر صفات‬ ‫علوي ًا بـ «أن الشعوب يمكن تقسيمها إلى أنماط ّ‬
‫العنصرية والكفاية وضبط النفس ذات أصــول عنصرية تامة»‪ .‬وقد ضم ألبرت بفريدج‬
‫(‪ )1927 - 1862‬جميع العنصر التيتيوني إلى الشعب المختار‪ ،‬ومنح فكره العنصري‬
‫ديباجه دينية‪« :‬الـلــه‪ ،‬وليس الـقــدر‪ ،‬هــو الــذي اخـتــار هــذا الشعب»‪ .‬إن الله جعل جميع‬
‫الشعوب التيتونية ســادة تنظيم هــذه الدنيا إلقامة نظام إلهي‪ ،‬وجعل الله هــذه الشعوب‬
‫خبيرة في الحكم بكفاية لتتمكّن من السيطرة على الشعوب الهمجية والضعيفة عقلي ًا‪.‬‬
‫(‪ ((1‬إدوارد بيرنز‪ ،‬النظريات السياسية في العالم المعاصر‪ ،‬ترجمة عبد الكريم أحمد (بيروت‪ :‬دار اآلداب‪،‬‬
‫‪ ،)1988‬ص ‪.363‬‬
‫‪58‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫واختار الرب من الجنس التيتوني الشعب األمريكي‪ ،‬وجعله أمة مختارة من أجل تحديث‬
‫العالم‪ .‬وهذه رسالة أمريكا السامية‪ ،‬فـ «الرب ع ّين أمريكا أمين ًا على تقدم العالم»(‪.((1‬‬
‫وهكذا‪ ،‬كنظرية‪ ،‬كلما أيقظ الفكر العنصري تمركز ًا عرقي ًا‪ ،‬فإن معتنقيه يصبحون‬
‫أكثر حدّ ة بادعاء أنهم خير األخيار المفترضين في دائرة السمو الواسعة‪ ،‬وأرفع األجناس‬
‫فــي دائ ــرة األج ـنــاس الــرفـيـعــة‪ ،‬ونخبة الـخــاصــة بين األ‪-‬ج ـنــاس المخصوصة بطهر دمها‬
‫وعبقريتها الجينية وكفاءتها الساللية‪ .‬ولهذا نجد أنه حيث يسود الفكر العنصري‪ ،‬هناك‬
‫من يدّ عي األفضلية االستثنائية بروح تنافسية لدى الشعوب البيضاء (إنكلترا‪ ،‬وألمانيا‪،‬‬
‫وأمريكا‪ ،‬وإسرائيل)‪ .‬وضمن هذا المعتقد التفضيلي ذهب اليهود إلى ما هو أكثر تشدّ د ًا‬
‫في تبنّي هذه األفضلية‪ ،‬إذ جعلوا أنفسهم الصفوة من نسل يعقوب‪ ،‬وصفوة الصفوة هم‬
‫نسل وساللة إسرائيل ابن يعقوب(‪.((1‬‬
‫أ ‪ -‬نظرية داروين ‪ -‬أصل األنواع «البقاء لألفضل»‬

‫تذهب النظرية العنصرية‪ ،‬وتستمد قوتها التنظيرية من االفتراضات الطبيعية التي‬
‫أسهم بها داروين في أصل األنواع‪ ،‬والتي تقوم على أساس افتراضي هو البقاء لألقوى‪،‬‬
‫تتزود من بنائها البيولوجي الداخلي بقوة أوفى‬ ‫والذي مؤداه أن المجموعة البشرية التي ّ‬
‫من غيرها‪ ،‬أو حيلة أرقــى‪ ،‬ستكون أكثر قــدرة على مقاومة األفاعيل الطبيعية‪ ،‬وبالتالي‬
‫تكون أكثر قابلية للبقاء(‪ .((1‬ويقع مفهوم «الصراع» في نظرية دارويــن في مكانة أساسية‬
‫في نظريته‪ ،‬وعملية االنتخاب الطبيعي تؤول إلى انتخاب أفضل األنواع التي تكون أكثر‬
‫تك ّيف ًا مع حاالت البيئة المحيطة باألحياء‪ ،‬والنوع الذي امتلك القدرة على التكيف تكون‬
‫الطبيعة قد أمدته بقدرات أكثر منافسة في البيئة نفسها(‪ .((1‬والتحوالت اإليجابية التي‬
‫تطرأ على النوع مهما كانت ضئيلة تُعد هذا الكائن «النوع» لظروف حياة متغايرة ومع ّقدة‪.‬‬
‫وبهذا فإنه يصبح أوفر حظ ًا وأعظم نصيب ًا من بقية األفراد‪ .‬فتم ّيزه الطبيعة وتخصه بالبقاء‬
‫فــي دائ ــرة االنـتـخــاب نفسها‪ .‬وه ــذه الـتـحــوالت ت ــؤدي حتم ًا إلــى انـقــراض صــور األحـيــاء‬
‫المتخ ّلفة عن عملية االرتقاء والبقاء‪ .‬االفتراض األســاس‪ ،‬بتعبير دارويــن «أن الكائنات‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.368 - 366‬‬

‫(‪ ((1‬ع ـلــي حسن طــه‪ ،‬العنصرية الصهيونية اليهودية والـ ُبـعــد األيــديــولــوجــي الــديـنــي (ب ـيــروت‪ :‬دار الـهــادي‪،‬‬
‫‪ ،)2005‬ص ‪.36 - 34‬‬

‫(‪ ((1‬تشارلز داروين‪ ،‬أصل األنواع‪ ،‬ترجمة إسماعيل مظهر (بيروت‪ :‬مكتبة النهضة‪ ،)1971 ،‬ص ‪.39‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪59‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫األقل قدرة على االرتقاء قد هوجمت بالكائنات األكثر حظ ًا في التكيف‪ ،‬وأخلت السبيل‬
‫ألنواع أجنبية استوطنت مواطنها األصلية‪ ،‬ألنها عاجزة عن مقاومة الدخالء الجدد»(‪.((1‬‬
‫ويصل داروين إلى قاعدة طبيعية عامة و ّظفت سياسي ًا‪ ،‬وهي أن التنافس والصراع‬
‫أشــد مــا يـكــونــان بـيــن الـصــور الـمـتـقــاربــة األن ـس ــاب‪ ،‬أو أن ــواع جـنــس بعينه‪ ،‬وذل ــك لتشابه‬
‫أشكالها وتراكيبها وعاداتها واشتباك مصالحها‪ .‬والذي يتهيأ لالرتقاء يصبح جاهز ًا إلزالة‬
‫المعممة في واقع‬
‫ّ‬ ‫كل أثر للفصائل المستضعفة من النوع نفسه‪ ،‬ويفوز وحده في السيادة‬
‫الحياة(‪.((1‬‬
‫وبنا ًء على هذه النظرية‪ ،‬فإذا كان قانون التطور الطبيعي يفضي إلى اختيار األنواع‬
‫ذات المؤهالت القابلة للبقاء والـسـيــادة‪ ،‬فــإن النظريات السياسية (النظرية العنصرية‪،‬‬
‫والــرجــل األبـيــض‪ ،‬والصهيونية) قــد طــورت المفهوم الــدارويـنــي مستخدمة أدوات غير‬
‫طبيعية‪ ،‬وإنـمــا أدوات سياسية اصطناعية إلب ــادة وع ــزل أو طــرد المجموعات البشرية‬
‫التي ال تقوى على منافسة المؤهالت الطبيعية السامية والحلول في ح ّيزهم الجغرافي‬
‫األصـلــي‪ .‬وهـنــاك قــدر كبير مــن المعنى فــي الفكرة القائلة‪« :‬إنــه إذا كانت هناك كائنات‬
‫التعرف إليهم هم آخــرون‬
‫ّ‬ ‫متفوقة (أمــم‪ ،‬شعوب)‪ ،‬فــإن الوحيدين الذين يمكنهم‬ ‫بشرية ّ‬
‫يماثلونهم في التفوق» ‪.‬‬
‫(‪((1‬‬
‫تفوق اليهود‪ ،‬حتى إن لم يكونوا‬

‫وألن هناك اعتقاد راســخ في العقل الغربي في ّ‬
‫من الجنس نفسه‪ ،‬فقد تمكّنت هذه القوى األوروبية ذات الساللة األفضل واألرقى من‬
‫اكتشاف هذه المناعة الساللية النقية األسمى لدى اليهود‪ .‬وأصبحت هذه القوى ملتزمة‬
‫التزام ًا مطلق ًا بالصهيونية‪،‬ليصبح هذا االلتزام العنصري أهم بكثير من رغبات وحاجات‬
‫الشعب الفلسطيني الذي بقي مستهدف ًا بالتطهير العرقي منذ نشوء هذه الحركة‪.‬‬
‫وبمنطق ال ـصــراع الــدارويـنــي نفسه‪ ،‬يـسـ ّـوغ ال ـمــؤرخ والفيلسوف األلـمــانــي هاينرخ‬
‫تنمي أساطير العظمة لديها‪ ،‬وأن تضخم‬ ‫فون ترتشكه لألمة المختارة لعراقة ساللتها أن ّ‬
‫إنجازاتها وتــزورهــا أيـضـ ًا‪ ،‬مضيف ًا‪« :‬إن لكل شعب عريق الحق فــي االعتقاد بــأن بعض‬
‫السمات المعينة في العقل اإللهي تتمثل فيه بأكمل صورها»‪ .‬وذهب إلى أن األمم ال تزدهر‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.217‬‬

‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.254‬‬

‫(‪ ((1‬جيلين تندر‪ ،‬الفكر السياسي‪ :‬األسئلة األبدية‪ ،‬ترجمة محمد غنيم (القاهرة‪ :‬الجمعية المصرية لنشر‬
‫الثقافة العالمية‪ ،)1993 ،‬ص ‪.97‬‬
‫‪60‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إال من خالل الصراع من أجل ضمان خروج العرق األفضل إلى ساحة الحياة السياسية‪:‬‬
‫«بالسيف والعنف تتغلب الشعوب المتمدنة والمختارة على الهمجية والالعقل»(‪.((1‬‬
‫كمبدأ عــام‪ ،‬فــإن تخ ّيل التفوقية كهندسة مبرمجة على شيفرة العرقية‪ ،‬تمنح حقوق ًا‬
‫سياسية‪ ،‬وتشكّل القاعدة التي استند إليها المستعمرون في خلق هندسة التبرير لعقلنه‬
‫األط ـم ــاع االسـتـعـمــاريــة وشــرعـنـتـهــا‪ .‬ي ـبــدو ذل ــك واض ـح ـ ًا ل ــدى الــداع ـيــة الـفــرنـســي المن ّظر‬
‫لالستعمار جول هارمان عام ‪ 1910‬عندما افترض حقيقة التراتبية بين األعــراق البشرية‬
‫التفوق يمنحنا‬
‫والحضارات اإلنسانية‪« :‬وإننا ننتمي إلى العرق والحضارة المتفوقتين‪ ،‬وهذا ّ‬
‫مقرين مع ذلك أن التفوقية تفرض في المقابل علينا واجبات صارمة‪ .‬إن المشروعية‬ ‫حقوق ًا‪ّ ،‬‬
‫في الفتح والغلبة على شعوب أصالنية تكمن في قوتنا األخالقية أيض ًا‪ ،‬وإن كرامتنا وعزتنا‬
‫لترتكزان على هذه الخصيصة التي تجعل من حقنا توجيه بقية البشر وقيادتهم»(‪.((1‬‬
‫إن منطق العنصرية الذي أصبح يشبه الميثولوجيا الدينية هو‪ :‬إن جنس ًا يتمتع بتفوق‬
‫على األجناس األخــرى هو الــذي يجب أن يسود‪ .‬فـ «بالرغم من التمايزات بين القوى‬
‫المتفوقة ذاتها (وهــي قــوى استعمارية بــالـضــرورة) من حيث حجمها وأهدافها وقوتها‬
‫وحجم نفوذها‪ ،‬إال أن هناك نمط ًا اجتماعي ًا لدى كل المستوطنين‪ ،‬تمثل بالنظرة الدونية‬
‫العنصرية لسكان الـبــاد األصليين والمعاملة القاسية واالسـتـعـبــاد‪ ،‬بحكم أنهم أعــراق‬
‫منحطة ال تصلح إال للحمل كــالــدواب‪ ،‬وهــي بالتالي ســاالت ال يمكن لها أن تتقدم‬
‫وتقترب من مستوى الجنس األبيض الذي يجب أن يتمتع بالسيادة(‪.((2‬‬
‫ب ‪ -‬التفوقية والسمو العرقي عند أدولف هتلر‬

‫تعدّ نظرية أدولــف هتلر من أهم النظريات السياسية الكبرى في القرن العشرين‪،‬‬
‫وهي رغم أهميتها في فهم الفكر والنظرية العنصرية بشكل عام‪ ،‬فإنها ال يمكن أن توصف‬
‫بأنها منشئة أو مؤسسة للفكر الـعــرقــي‪ ،‬بـقــدر مــا هــي امـتــداد لقيم الـتـفـ ّـوق العرقي الــذي‬
‫انساب في ظالل التمركز األوروبي حول الذات المصطفاة لقرون طويلة من الزمن‪ .‬إن‬
‫النظرية التي ابتغاها هتلر لعظمة ألمانيا وللجنس اآلري‪ ،‬على وجه الخصوص‪ ،‬ت َُؤسس‬
‫يطل على‬‫بداهة على مدخالت القوانين الطبيعية‪ ،‬فـ «شرارة النبوغ تجيء مع النابغة يوم ّ‬
‫(‪ ((1‬بيرنز‪ ،‬النظريات السياسية في العالم المعاصر‪ ،‬ص ‪.350‬‬

‫(‪ ((1‬إدوارد سعيد‪ ،‬الثقافة واإلمبريالية‪ ،‬ترجمة كمال أبو ديب (بيروت‪ :‬دار اآلداب‪ ،)1997 ،‬ص ‪.87‬‬
‫(‪ ((2‬محمد عبد الرحيم عنبر‪ ،‬التمييز العنصري في أفريقيا (القاهرة‪ :‬الدار القومية‪ ،)1960 ،‬ص ‪.57‬‬
‫‪61‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫العالم‪ ،‬وليست العبقرية ثمرة التربية والدرس»(‪ .((2‬الطبيعة هي المعطي األساسي للنبوغ‬
‫ـصــت أجـنــاس بشرية دون غيرها بطابع الـحـضــارة والـقــدرة‬ ‫والـتـفـ ّـوق‪ ،‬والطبيعة ذاتـهــا خـ ّ‬
‫والـسـمــو‪ .‬فــالـقــادر وال ـح ـضــاري والـســامــي والـنــابــغ مــدعــو إل ــى الـسـيـطــرة عـلــى الضعيف‪،‬‬
‫ال إلى الذوبان واالختالط البيولوجي فيه‪ .‬والطبيعة في حرصها على بقاء األعراق الراقية‬
‫والسامية‪ ،‬ال تهدف إلى الحفاظ على السمات الخارجية فحسب‪ ،‬بل تهدف إلى الحفاظ‬
‫على الطابع المتم ّيز لها‪ ،‬وهو طابع السمو‪ .‬والطبيعة تتدخل‪ ،‬بافتراض هتلر‪ ،‬بإخضاعها‬
‫الضعفاء لشروط قاسية للحدّ من تكاثرهم‪ ،‬وال تسمح (اللغة الداروينية) بالتكاثر إال‬
‫للذين قــد انتخبتهم هــي مــن حيث الـمـبــدأ‪ .‬وألن الطبيعة تــرفــض ال ـتــزاوج بين األقــويــاء‬
‫والضعفاء‪ ،‬فإنها تـحــارب اخـتــاط الـعــرق المتفوق بالوضيع‪ ،‬ألن هــذا االخـتــاط يد ّمر‬
‫ال على صحة مقولته بالنموذج الجرماني الذي‬ ‫األقوياء ويخرب الحضارة‪ .‬ويقدم هتلر دلي ً‬
‫حافظ على دمه نقي ًا‪ ،‬فقد أضحى سيد القارة األمريكية بعد أن أفنى الشعب األصلي(‪.((2‬‬
‫هذا يوجب نظري ًا وعملي ًا الحفاظ على دم العرق المتفوق نقي ًا طاهر ًا‪ ،‬ذلك أن ضياع دم‬
‫الشعب القائد في دماء الشعوب الوضيعة الخاضعة للسيطرة بحكم القابلية البيولوجية‬
‫للخضوع‪ ،‬يفضي حتم ًا إلى ضياع المادة القابلة لالحتراق (الساللة اآلريــة)‪ ،‬والتي منها‬
‫تأتي الشعلة التي تنير السبيل أمام الحضارة البشرية‪.‬‬
‫وهتلر إذ يفترض النبوغ الطبيعي لدى العرق اآلري‪ ،‬فإنه يفترض كذلك (الوضاعة‬
‫واالن ـح ـطــاط) الطبيعي ل ــدى مــن هــم لـيـســوا مــن ه ــذه الـســالــة الـخــاقــة‪ .‬وال ـتــي ي ــرى في‬
‫انحطاطها شرط ًا طبيعي ًا أساسي ًا لتأسيس الحضارات‪ .‬فقد قامت األجناس الوضيعة مقام‬
‫الموارد الطبيعة التي ال تقوم من دونها الحضارة‪ ،‬معتبر ًا أن خدمات األمم الوضيعة هي‬
‫ذاتها خدمات الحيوانات األليفة‪ .‬وكــان على اآلري أن يحافظ على وضعه بصفة كونه‬
‫ليظل سـيــد ًا مهيمن ًا على الـحـضــارة الـتــي أنشأها وطـ ّـورهــا‪ .‬ألن بـقــاء هذه‬ ‫السيد المطاع ّ‬
‫الحضارة وتقدمها هما رهن بقاء العرق اآلري(‪.((2‬‬
‫غــايــة الــدولــة عند هتلر هــي الـحـفــاظ على العنصر اآلري‪ ،‬وعـلــى مـمـيــزات العرق‬
‫ال ـجــوهــريــة‪ .‬وال ــدول ــة تـفـقــد سـبــب وج ــوده ــا ي ــوم تـصـبــح ع ــاج ــزة ع ــن حـمــايــة مضمونها‬
‫الجوهري‪ ،‬وهو عرقيتها‪ .‬وعليها أن تجعل العرق محور حياة الجماعة‪ ،‬وتربية الفرد بأن‬
‫(‪ ((2‬أدولف هتلر‪ ،‬كفاحي‪ ،‬ترجمة علي عبد الغني (القاهرة‪ :‬الدولية للنشر والتوزيع‪ ،)2006 ،‬ص ‪.180‬‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.175‬‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.182‬‬
‫‪62‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫نقاء الدم وسمو العرق هو ضرورة حيوية(‪ .((2‬بهذا المنطق تصبح مهمة إسرائيل كدولة‬
‫الحفاظ على يهوديتها ونقائها العرقي الساللي‪.‬‬
‫‪ - 2‬التوكيل أو االختيار اإللهي‬

‫لـقــد نجحت ال ـقــوى االسـتـيـطــانـيــة ‪ -‬االسـتـعـمــاريــة فــي اج ـتــراح م ـقــوالت االخـتـيــار‬
‫اإللهي لتسويغ طموحاتها الكولونيالية بديباجات دينية‪ .‬وكنظرية عامة‪ ،‬فإن مجتمعات‬
‫االستيطان العنصري دائم ًا كانت بحاجة إلى إيجاد ذهنية قضائية تس ّلم بنوع من التفويض‬
‫السماوي أو اإللهي لشرعنة وجودهم‪ ،‬وفرض هذا الوجود المشرعن على أهل األرض‬
‫األصليين‪ .‬وهذا التفويض السماوي يستهدف في العادة اإلجهاز على مطالب قومية في‬
‫األرض المغتصبة‪ ،‬أو االستقالل من جانب السكان األصليين‪ .‬في الوقت نفسه‪ ،‬فإن‬
‫التفويض السماوي يرمي أيض ًا إلى إعادة خلق لقصة الكتاب المقدس عن هوية الشعب‬
‫المختار الميثاقية(‪.((2‬‬
‫لقد ارتبطت استثنائية الساللة العرقية‪ ،‬تاريخي ًا‪ ،‬باستثنائية مطلقة للشعب المقدس‪.‬‬
‫فكانت االستثنائية العرقية في حالة تشابك جدلي دائم مع االختيار اإللهي لجنس مع ّين‪،‬‬
‫اصطفاه الرب كوكيل حصري للسماء في األرض‪ .‬الكبرياء العرقي يتماهى مع الكبرياء‬
‫الديني‪ ،‬واالستثنائيتين‪ ،‬العرقية والدينية‪ ،‬تالزمتا داخــل قــوى تاريخية مـحــدّ دة أنتجت‬
‫العنصرية في التاريخ اإلنساني الحديث‪ ،‬وأدامتها عبر مراحل تطور االستعمار األوروبي‬
‫األبيض في أمريكا الشمالية‪ ،‬وفي أفريقيا‪ ،‬وكذلك في الحالة الفلسطينية الراهنة بفلسفة‬
‫وصائية مؤطرة دين ًا ودم ًا‪.‬‬
‫يصور تاريخ األسطورة األمريكية البيضاء أن األرض قبل أن يدخلها اإلنكليز كانت‬ ‫ّ‬
‫ويعمرها بالحياة‪ ،‬وأن‬‫ّ‬ ‫خالية من البشر تنتظر من اإلله أن ُيهبط فيها آدمه ليؤنس وحشتها‬
‫التاريخ اإلنساني لم يبدأ في مجاهل التاريخ األمريكي ّإل مع وصول اإلنسان األبيض في‬
‫أواخر القرن السادس عشر (كذلك رأت الحركة الصهيونية األرض العربية في فلسطين‬
‫خالية تنتظر إعمارها من أبناء الــرب)‪ .‬أطلق على الغزاة األوائــل الذين اجتاحوا الشمال‬
‫األمــريـكــي الـحـجــاج أو القديسين‪ ،‬واعـتـبــروا هــذا الـعــالــم الـجــديــد بــديـ ً‬
‫ا مــن «أورشـلـيــم»‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.254‬‬

‫(‪ ((2‬ستيفن ساليطة‪ ،‬العنصرية المعادية للعرب في الواليات المتحدة األمريكية‪ :‬منشؤها وما تعانيه اليوم‪،‬‬
‫ترجمة فاضل جتكر (الرياض‪ :‬مكتبة العبيكان‪ ،)2007 ،‬ص ‪.129‬‬
‫‪63‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫سموه بكل األسماء التي أطلقها العبرانيون على بالد‬
‫واألراض ــي المقدسة‪ .‬ولهذا فقد ّ‬
‫كنعان‪ .‬وما يزال التاريخ األمريكي حتى الوقت الحاضر يضفي على هؤالء المستعمرون‬
‫الموصوفون بالحجاج قداسة طوباوية‪ ،‬ويعتبرهم أول نموذج لالستثناء األمريكي الذي‬
‫فضله الله على العالمين‪ ،‬وأورثهم ما أورث بني إسرائيل من قبل(‪.((2‬‬

‫ّ‬
‫وجعل العهد الــذي عقدوه مع اإللــه على متن سفينتهم األسطورية «مــاي فــاور»‬ ‫ُ‬
‫)‪ (May Flower‬من اللحظات النادرة الخالدة في التاريخ اإلنساني‪ ،‬كما يقول الرئيس‬
‫ـب عـهــد اإلســرائـيـلـيـيــن ال ـقــدامــى‪ ،‬وتأسيس‬
‫األمــري ـكــي ج ــون آدم ــز‪ ،‬فعهدهم مــع الـلــه ج ـ ّ‬
‫مستعمرتهم على صخرة بليموث ضاهى تأسيس الكنيسة على صخرة بطرس‪ .‬لقد أسبغ‬
‫هــؤالء الحجاج على أنفسهم مصطلح رســل العناية اإللهية إلــى أرض كنعان الفارغة‪،‬‬
‫وأك ــدوا أن الله قد وعــد شعبه المختار اإلنكليزي بــأرض كنعان التي ال يوجد فيها إال‬
‫القليل من البشر‪ ،‬مع أنه في الحقيقة قد وجد فيها الماليين الذين اقتضت العناية اإللهية‬
‫إبادتهم في ما بعد(‪.((2‬‬
‫لم يكن هؤالء الذين جرت إبادتهم من وجه الحضارة الربانية‪ ،‬والذين لم يشاركوا‬
‫اإلنكليز (الذين باركتهم السماء) في اللون واللسان والدين‪ ،‬واثقين إال من شيء واحد‬
‫فضلهم واصطفاهم على العالمين وأعطاهم األرض وحــق تقرير الحياة‬ ‫هو أن الله قد ّ‬
‫والموت لكل من يعيش فوق هذه األرض‪ .‬هكذا حمل شعب الله سيف الجالد المقدس‪،‬‬
‫ولم يساوره الشك في أن اإلبادات لم تكن إال تدبير ًا إلهي ًا مبارك ًا‪ ،‬ورسالة في المجاهل‬
‫عهدها الله إليهم‪ ،‬وأن اصطيادهم في الغابات مهمة أخالقية الزمــة لكي يبقى اإلنسان‬
‫ال على صورة الله(‪ .((2‬بهذا السيف المقدس الذي حمله اإلله اإلنكليزي أصبحت كل‬ ‫فع ً‬
‫الفظائع (ضد اآلخــر) ليست عسيرة‪ ،‬بل ضــرورة إلنجاز عمل الــرب بإبادتها‪ .‬استمرت‬
‫هــذه النظرية اإلبــاديــة متنامية حتى اللحظة‪ ،‬وليس قيام الرئيس بــوش (االب ــن) المتكرر‬
‫باستحضار الرب ليساعده على سحق الشر في العالم إال جزء ًا من هذا التكوين الديني‪.‬‬
‫مــن ه ــذه ال ـم ــادة (الـشـيـفــرة الــديـنـيــة) نفسها ال ـتــي ج ــرت بــديـبــاجــاتـهــا كــل عمليات‬
‫االسـتـعـمــار األبـيــض لـلـقــارة األفــريـقـيــة‪ ،‬نجد دفــاع ـ ًا فلسفي ًا عــن العظمة اإلنكليزية لدى‬
‫مؤرخ بارز هو جون آدم كرامب الذي ساوى بين اإلنكليز واإلله‪ ،‬اذ وصف موت جندي‬
‫(‪ ((2‬منير العكش‪ ،‬أميركا واإلبادات الجماعية‪ :‬حق التضحية باآلخر (بيروت‪ :‬دار الريس‪ ،)2002 ،‬ص ‪.38‬‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.59‬‬
‫‪64‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بريطاني فــي أرض معركة استعمارية بــأنــه تضحية مــن أجــل تلك الـقــوة الـتــي ال تموت‬
‫وتسعى قدم ًا باستمرار (التي قد يطلق عليها «الله») ‪ -‬ولكن اسمها إنكلترا‪ .‬وعن فكرة‬
‫التقديس‪ ،‬يرى أن األمتين اإلنكليزية واأللمانية قد وهبتا عقلية اإلمبراطورية‪ ،‬ألن الدم‬
‫البطولي نفسه يجري في عروق الشعبين الذين هم أبناء اإلله المفضلين(‪.((2‬‬
‫وأوحت النظرية العنصرية دائم ًا ألنبياء االستعمار برسم الخط الحدودي الفاصل‬
‫الممتد بين العنصر األبيض المخلوق على شاكلة الرب واآلخرين من أبناء كل الشعوب‬
‫(الوثنية) المخلوقة على شاكلة الشيطان‪ .‬وهي عينها الشعوب التي غزاها جنود الرب‬
‫إلتمام شرط إزاحتها كهدف إلهي نهائي‪ .‬وباقتباس (إدوارد سعيد عن أنور عبد الملك)‪:‬‬
‫المسمى سياسي ًا بتسلط األقليات المالكة‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إن هذا الفهم المتمركز حول الــذات الغربية‬
‫والتمركزية اإلنسانية متحالفة مع التمركزية األوروبية ‪«:‬إن غربي ًا أبيض آمن بأن له امتياز ًا‬
‫طبيعي ًا إلهي ًا‪ ،‬ال أن يدير العالم غير األبـيــض فحسب‪ ،‬بــل أن يمتلكه كذلك لمجرد أن‬
‫العالم الوثني ليس بالضبط إنساني ًا تمام ًا بقدر ما نحن كذلك»(‪.((3‬‬
‫وكان هتلر قد ا ّدعى في نظريته أن الحضارة البشرية إنما هي صناعة العرق اآلري‬
‫الذي يمثل اإلنسان الحقيقي‪ ،‬وأن هذا اإلنسان هو المشعل اإللهي الذي أضاء السبيل‬
‫أمام البشر‪ .‬فشرارة العبقرية اإللهية انبعثت دائم ًا من جبينه المشرق‪ ،‬وهو الذي قاد البشر‬
‫إلى دروب المعرفة‪ ،‬ود ّلها على السبيل التي تجعل منه سيد الكائنات الح ّية على وجه‬
‫األرض‪« :‬وعلى الدولة العنصرية أن تنهض بالتزاوج من داخل الدائرة اآلريــة من أجل‬
‫خلق كائنات على صورة الله»(‪.((3‬‬
‫وشكّلت أسطورة الشعب المختار الثقافة األنغلو ‪ -‬ساكسونية‪ ،‬فالرب تولى حماية‬
‫اإلنكليز الذين باركوا أمريكا بدخولهم إليها ألنهم الشعب المختار المبارك‪ ،‬وأولئك‬
‫الذين قاوموا هذا الفتح إنما يقاومون إرادة الرب‪ ،‬و«تحقيق هدف الرب الذي هو واجبنا‪،‬‬
‫وواجبنا يتحقق عند إزاحتهم أو إبادتهم»(‪ .((3‬وقد شكّلت الرؤيا الدينية منذ البداية الهوية‬
‫األمريكية‪ ،‬وهــي التي أفاضت على معتنقيها اعتقاد ًا شبه راســخ بــأن الرعاية الربانية أو‬
‫(‪ ((2‬بيرنز‪ ،‬النظريات السياسية في العالم المعاصر‪ ،‬ص ‪.354‬‬

‫(‪ ((3‬إدوارد سعيد‪ ،‬االستشراق‪ :‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء (بـيــروت‪ :‬مؤسسة األبـحــاث العربية‪،)1995 ،‬‬
‫ص ‪.131‬‬
‫(‪ ((3‬هتلر‪ ،‬كفاحي‪ ،‬ص ‪.177‬‬

‫(‪ ((3‬ك ـل ـي ـفــورد لــونـجـلــي‪ ،‬الشعب الـمـخـتــار‪ :‬األس ـطــورة الـتــي شكلت إنكلترا وأمــريـكــا‪ ،‬تــرجـمــة قــاســم عبده‬
‫(القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،)2003 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪65‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ومجد أمريكا ‪ .‬وأصبحت عملية إزاحة‪ ،‬ثم إبادة‪ ،‬الهنود‬
‫التدخل اإللهي هو الذي صنع ّ‬
‫الحمر جزء ًا من الخطة اإللهية‪ .‬كذلك كانت اإلبادة الصهيونية للسكان األصليين عم ً‬
‫ال‬
‫مبارك ًا من الرب‪.‬‬
‫تبدو االستثنائية األمريكية ذات المهابة القدسية عند أول حكومة في الواليات‬
‫المتحدة التي كانت مقتنعة بأن الرفاهية العامة في أي مجتمع تعتمد على حيوية ديانته‬
‫(خصوصيتها)‪« ،‬وال شــيء ســوى روح اإلص ــاح الكوني بين كــل طبقات ودرجــات‬
‫مــواط ـن ـي ـنــا‪ ،‬حـسـبـمــا أع ـلــن ال ـكــون ـغــرس لـلـشـعــب األم ــري ـك ــي‪ ،‬س ــوف يـجـعــل م ـنــا ال ــرب‬
‫شعب ًا مقدس ًا بحيث قــد نصبح س ـعــداء»(‪ ((3‬هنا يبدو إلــى أي مــدى استلهم الفاتحون‬
‫المستعمرون اإلنكليز الــروايــة التوراتية (العهد القديم) فــي خلق التاريخ األمريكي‬
‫وتسويغ سياساتهم اإلبــاديــة للشعوب األصلية التي تــواجــدت في المشهد الجغرافي‬
‫ألمريكا الشمالية‪.‬‬
‫كانت القوة الدافعة في حملة الغزو الكبرى هذه وموجة االستيطان الكبرى التي‬
‫صاحبتها‪ ،‬هي بالضبط االعتقاد اإلنكليزي بــأن أمتهم قد اختارها الــرب وحدها لدور‬
‫فريد في تاريخ العالم‪ .‬وكان دور هذه األمة المختارة التي ورثت مهمة إسرائيل القديمة‬
‫هي نشر الحضارة اإلنكليزية‪ ،‬أي الحضارة البروتستانتية في أركان الدنيا األربعة‪ .‬وكان‬
‫االفتراض هو أن التاريخ اإلنكليزي سوف يحدث في خطوط موازية لتاريخ بني إسرائيل‬
‫القديم‪ ،‬بحيث إن ما كان حقيقي ًا وصحيح ًا في تاريخ بني إسرائيل سيكون أيض ًا بمعنى‬
‫مــا صحيح ًا فــي تــاريــخ اإلن ـك ـل ـيــز(‪ .((3‬ثــم يـجــري الـتــأويــل الـمـقــدس للنصوص المقدسة‬
‫والخصخصة اإللهية (اختيار الصفوة المخصوصة من اإلنكليز) بسيادة أمريكا‪ .‬ومنذ‬
‫عــام ‪ ،1774‬أي منذ افـتـتــاح الكونغرس األول فـصــاعــد ًا‪ ،‬لــم يـ ُعــد الشعب المختار هم‬
‫اليهود‪ ،‬وال الكاثوليك‪ ،‬وال اإلنكليز‪ ،‬ولكن كل األمريكيين المستوطنين الذين حباهم‬
‫الرب باالختيار من بين الشعب اإلنكليزي المختار(‪ .((3‬وهذا الشعور بالمصير السيادي‬
‫يسمى باالستثنائية األمريكية الـتــي ليست‬ ‫واإلح ـســاس بالخصوصية المقدسة‪ ،‬هــو مــا ّ‬
‫سوى فكرة االختيار التي ترجع إلى القرن الثامن عشر‪ .‬والتي تعني أن الشعب المختار‬
‫سيبقى تـحــت حـمــايــة خــاصــة مــن ال ــرب ورعــاي ـتــه الـمـخـصــوصــة‪ .‬ونـجــد فــي سـفــر التثنية‬
‫(‪ ((3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.34‬‬

‫(‪ ((3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬
‫(‪ ((3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.82‬‬
‫‪66‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫اخت ََار َك الـ َّـر ُّب لِك َْي َتك َ‬
‫ُون َل ُه َش ْعب ًا َخ ّ‬
‫اص ًا َف ْو َق‬ ‫له َك‪َ ،‬و َقـ ِـد ْ‬
‫ب ُم َقدَّ ٌس لِ َّلر ِّب إِ ِ‬ ‫«ألَ َّنـ َ‬
‫ـك َش ْع ٌ‬
‫ض»(‪.((3‬‬ ‫وب ا َّل ِذي َن َع َلى َو ْج ِه األَ ْر ِ‬ ‫َج ِمي ِع ُّ‬
‫الش ُع ِ‬
‫كانت أمريكا إذ ًا أرض الميعاد إلنشاء مملكة الله عليها‪ ،‬وقــد جــرى تسويغ هذه‬
‫المهمة اإللهية لتسويغ إبــادة الشعوب األصلية‪ ،‬وعندئذ أصبحت أرض الميعاد أرض‬
‫غزو‪ .‬ولم تتعارض ممارسة الطرد والتدمير مع المفهوم الديني‪ ،‬ذلك أن الغنائم والثروات‬
‫كالنصر‪ ،‬تعتبران بالنسبة إليهم دليالً على مباركة إلهية‪ .‬ونجد في قول منسوب إلى جون‬
‫أكف عن االعتقاد بأن تأسيس‬ ‫آدمز‪ ،‬خليفة جورج واشنطن‪ ،‬الذي كتب عام ‪« :1765‬لن ّ‬
‫أمريكا ليس إال إرادة العناية اإللهية لتحرير قطاع كبير من البشرية‪ ،‬التي ما زالت خاضعة‬
‫للرق»‪ .‬كتب أحد أنبياء االستعمار اإللهي (هيرمان ميلفيل)‪« :‬نحن األمريكيون شعب‬
‫خــاص‪ ،‬شعب مختار‪ ،‬إسرائيل عصرنا‪ ،‬نقود سفينة الحريات»‪ .‬واستمر من ّظرو الدولة‬
‫األمريكية الناشئة في اإلشارة إلى هذا النسب اإللهي للدولة الجديدة‪ ،‬حيث نجد اآلتي‪:‬‬
‫«إن شكل الدولة الوحيد الذي أقامته الرعاية اإللهية بشكل ظاهر هو دولة العبرانيين؛ إنها‬
‫جمهورية اتحادية مع اإلله «يهوه» في قمة مجده»(‪.((3‬‬
‫‪ - 3‬السمو القيمي واالستعالء الثقافي واألخالقي‬

‫أس ـســت ال ـق ــوى االس ـت ـع ـمــاريــة الدع ـ ـ ــاءات ويــوتــوب ـيــا ال ـت ـفــوق األخ ــاق ــي لركيزتين‬
‫دوغماتيتين‪ ،‬هما (كما أوضحنا سالف ًا)‪ :‬نقاء الدم وارتقاء العرق من زاويــة‪ ،‬والعالقة مع‬
‫الحقيقة المقدسة (الرب)‪ ،‬أي الصلة باإلله‪ ،‬جعلتهم آلهة من زاوية أخرى‪ .‬هذا الخطاب‬
‫العنصري الذي خلق تاريخ ًا أسطوري ًا قام على أدلجة السبب‪ ،‬أي تسويغه بمظهره ونتيجته‪.‬‬
‫يـنــدرج السمو القيمي واالسـتـعــاء الثقافي واألخــاقــي ضمن خطاب االستثنائية‬

‫الـســامـيــة والـثـنــائـيــة الكالسيكية‪ ،‬بـحــدّ يـهــا الـخـيــر مـقــابــل ال ـشــر‪ :‬الـحـضــارة مـقــابــل الـظــام‪،‬‬
‫العلم والجهل‪ ،‬اإليمانية والوثنية‪ ،‬اإلنسانية والتوحشية‪ ،‬العقالنية والتأملية‪ ،‬العيش في‬
‫المستقبل مقابل السكون في التاريخ‪ ،‬األبيض واألسود‪ ،‬ثقافة السالم مقابل ثقافة العنف‪،‬‬
‫االرتـقــاء والتطور مقابل السكون والجمود األب ــدي‪ ،‬الديمقراطية واالسـتـبــداد‪ ،‬اإلعمار‬
‫مقابل التخريب‪ ،‬السيد والعبد‪ ،‬العبقرية مقابل الغباء‪...‬‬
‫(‪ ((3‬الكتاب المقدّ س‪« ،‬سفر التثنية‪ »،‬اإلصحاح ‪ ،26‬اآليات ‪.19 - 18‬‬
‫(‪ ((3‬روج ـيــه ج ــارودي‪ ،‬اإلره ــاب الغربي‪ :‬الجزء األول‪ ،‬تعريب دالـيــا الطوخي‪ ،‬ناهد عبد الحميد وسامي‬
‫مندور‪ 2 ،‬ج (القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪ ،)2004 ،‬ص ‪.69 - 67‬‬
‫‪67‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫«إن المقولب كصورة تخطيطية و«مفتقرة» و«ســاذجــة» هو تبسيط وتشويه مفرط‬
‫للحقيقة‪ ،‬وهــو مــؤشــر على رأي أح ــادي على ثقافة فــي طــريــق الـتــوقــف‪ .‬ولــو تأملنا في‬
‫ال‪ ،‬لرأينا أنه يخضع لعملية تصنيع بسيطة‪ :‬إن‬ ‫إنتاج المقولب (خطاب االستشراق)‪ ،‬مث ً‬
‫الخلط بين الصفة والجوهر يؤدي إلى جعل الخاص عام ًا‪ .‬وعلى المستوى االجتماعي‬
‫يجعل الفردي جماعي ًا‪ ،‬وهكذا فإن الخطاب االستعالئي المقولب يطلق الحد األدنى‬
‫ال لتعريف اآلخر‪،‬‬ ‫من المعلومات في اتصال واسع أكثر ما أمكن‪ .‬والمقولب بصفته حام ً‬
‫فهو إعالن عن معرفة جماعية بو ّدها أن تكون صالحة في كل ظرف تاريخي‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن‬
‫خطاب الدوغما المقولب ليس مؤشر ًا على ثقافة متوقفة‪ ،‬بل إنه يكشف عن ثقافة وآراء‬
‫مسبقة‪ُ ،‬يستبعد منها كل تحليل نقدي لمصلحة بعض التعريفات الجوهرانية‪ ،‬كالقول‬
‫العنصري بوجود شعوب تميل إلى العنف والعبودية بحكم جوهرها(‪.((3‬‬
‫● نظرية االسـتـشــراق (إدوارد سعيد)‪ :‬مــع نهاية الـحــرب العالمية األول ــى كانت‬
‫القوى الغربية األنغلو‪/‬ساكسون قد استعمرت ما يعادل ‪ 85‬بالمئة من سطح األرض‪،‬‬
‫وأن يدّ عي المرء أو يقول إن االستشراق قد شكّل جانب ًا مهم ًا من جوانب اإلمبريالية‬
‫واالستيطان العنصري الكولونيالي‪ ،‬فإنه يكون قد أصاب الحقيقة‪.‬‬
‫تــأتــي نـظــريــة إدوارد سعيد فــي تفكيك خـطــاب االس ـت ـشــراق‪ ،‬أو مــا يسميه الـســرد‬
‫االس ـت ـشــراقــي‪ ،‬لـتـقــدم أخ ـطــر اإلضـ ـ ــاءات فــي تفكيك ه ــذا ال ـخ ـطــاب ال ـغــربــي الـمـتـعــالــي‪.‬‬
‫فاالستشراق المؤطر خلق األسطورة الرائدية مقابل الدرجة التابعية (الجوهرانية) ذات‬
‫االختالف العرقي‪ ،‬وهي كنظرية نتاج شحنات طويلة المدى خلقت شيفرة ذات داللة‬
‫طغيانية في الثقافة والقيم تجاه اآلخر‪.‬‬
‫ونحن إذ نستحضر إدوارد سعيد في هذا اإلطار‪ ،‬إنما ألن قدرته التفكيكية لخطاب‬
‫المسمى شرقي ًا)‬
‫ّ‬ ‫االستشراق قدمت إطار ًا تفسيري ًا نقدي ًا لتحليل الصور النمطية (لإلنسان‬
‫وما يعتريها من أوصاف دونية نمطية مقولبة استهدفت بداهة تسكين وجوده في ما قبل‬
‫التاريخ لتسويغ وتبرير الكولونيالية واالستثنائية الغربية اإليمانية السامية والبيضاء‪ .‬لننظر‬
‫إلى قول «جيمس بلفور‪ ،‬وزيــر الخارجية البريطانية‪« :‬إن األمــم الغربية فور انبثاقها في‬
‫التاريخ تظهر تباشير المقدرة على حكم الذات‪ ،‬ألنها تمتلك مزايا خاصة بها‪ .‬ويمكنك‬
‫أن تنظر إلــى تاريخ الشرقيين بأكمله‪ ،‬فلن تجد أثــر ًا لحكم الــذات على اإلط ــاق‪ ،‬ففي‬
‫(‪ ((3‬بشارة خضر‪ ،‬أوروبا والوطن العربي‪ :‬القرابة والجوار‪ ،‬نقله إلى العربية جوزف عبد الله (بيروت‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪ ،)1995 ،‬ص ‪.22‬‬
‫‪68‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫القرون الماضية عاشت في ظل الحكم المطلق‪ ...‬أليس من الخير أن نقوم نحن بممارسة‬
‫الحكم المطلق‪ ....‬نحن في مصر لسنا من أجل المصريين وحسب‪ ،‬نحن هناك من أجل‬
‫أوروبا كلها»(‪.((3‬‬
‫لن نبحر كثير ًا في تحليل هذا الخطاب البلفوري‪ ،‬ألننا نود اإلشارة إلى الجوهرانية‬
‫المتمركزة حــول ال ــذات فــور انبثاقها فــي الـتــاريــخ‪ ،‬ويصبح االحـتــال األجنبي األســاس‬
‫الفعلي للحضارة المصرية‪ ،‬والتاريخ المصري ينشأ من لحظة دخول اإلنكليز إليها‪ ،‬كما‬
‫نشأ تاريخ المكان في أمريكا الشمالية منذ لحظة دخول الحجاج القديسين إليها‪ .‬وكذلك‬
‫الحال كما نشأ تاريخ األرض المقدسة من لحظة إعــان دولــة إسرائيل‪ .‬فمصر في هذا‬
‫النص ذات المكانة الدونية «تتطلب» االحتالل البريطاني‪ ،‬بل إنها تبدو كأنها في الواقع‬ ‫ّ‬
‫لتصر عليه!‬
‫ّ‬
‫فـحـيــن ي ـقــول ال ـقــائــد اإلنـكـلـيــزي الـشـهـيــر ك ــروم ــر‪« :‬ال ــدق ــة كــريـهــة للعقل الـشــرقــي‪،‬‬
‫واالفـتـقــار إلــى الــدقــة يتحلل بسرعة وسـهــولــة ليصبح انـعــدامـ ًا للحقيقة‪ .‬فهو فــي الــواقــع‬
‫الخصيصة الرئيسية للعقل الشرقي‪ .‬األوروبي ذو محاكمة عقلية دقيقة وتقديره للحقائق‬
‫خال من أي التباس‪ ،‬وهو منطقي مطبوع‪ ،‬وهو بطبعه شكاك‪ ،‬ويتطلب البرهان قبل أن‬
‫يستطيع قبول أية مقولة‪ ،‬أما عقل الشرقي فهو عقل صوري يفتقر إلى التناظر‪ .‬ومحاكمته‬
‫العقلية من طبيعة مهلهلة إلى أقصى درجة‪ .‬وغالب ًا ما يعجز الشرقيون عن استخراج أكثر‬
‫االستنتاجات وضوح ًا من أبسط المقدمات التي يعترفون بصحتها بدء ًا‪ .‬ومنذ اآلن يظهر‬
‫الشرقيون والـعــرب سذج ًا غافلين ال حيوية فيهم‪ ،‬وال يمتلكون الـقــدرة على المبادرة‪،‬‬
‫مجبولين عـلــى حــب اإلطـ ــراء ال ـبــاذخ والــدسـيـســة وال ــده ــاء‪ ،‬والـقـســوة عـلــى الـحـيــوانــات‪،‬‬
‫والشرقيون ال يستطيعون السير على الرصيف والطرق‪ ،‬وعقولهم الفوضوية تعجز عن‬
‫فهم مــا يــدركــه األوروب ــي الـبــارع بـصــورة فــوريــة‪ .‬الشرقيون عريقون فــي الـكــذب‪ ،‬وسيئو‬
‫الظن‪ ،‬وهم في كل شيء على طرف نقيض من العرق األنغلو‪/‬ساكسوني في وضوحه‬
‫ومباشرته ونبله»(‪.((4‬‬
‫نحن إذ نقتبس هذه المقوالت المطولة نسبي ًا‪ ،‬فإننا نفعل ذلك ألجل تبيان أن هذا‬
‫ومسوغة للحكم‬
‫ّ‬ ‫النموذج الخطابي‪ ،‬بحسب إدوارد سعيد‪« :‬كــان إضفا ًء لعقلية من ّظرة‬
‫االسـتـعـمــاري‪ ،‬وه ــذا الحكم االسـتـعـمــاري قــد س ـ ّـوغ وب ـ ّـرر مــن قبل االسـتـشــراق بصورة‬
‫(‪ ((3‬سعيد‪ ،‬االستشراق‪ :‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء‪ ،‬ص ‪.65‬‬

‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.70‬‬
‫‪69‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مسبقة‪ ،‬وجوهر االستشراق هو التم ّيز الذي يستحيل اجتثاثه بين الفوقية الغربية والدونية‬
‫الشرقية‪ ،‬بمعنى أن هذا الخطاب الشديد التمركز العرقي قد أنتج كافة الصور النمطية‬
‫وعزز في الوقت ذاته لدى الغرب كل قيم االستعالء والتمركز‬ ‫الدونية لإلنسان العربي‪ّ ،‬‬
‫العرقي حول الذات الغربية العليا المختارة ‪.‬‬

‫(‪((4‬‬
‫وهكذا خضع االستشراق لإلمبريالية والوضعية والمنطقية والطوباوية والتاريخانية‬

‫روجت‬ ‫والداروينية والعرقية‪ ،‬والذي كان في نهاية المطاف رؤيا سياسية للواقع؛ «رؤيا» ّ‬
‫بنيتها الفرق بين المألوف (أوروبــا‪ ،‬والغرب) والغريب المتوحش (الشرق‪ ،‬والمشرق)‪،‬‬
‫ال‪ ،‬ثم خدمت بعد ذلــك وأسهمت في تكوين الصورة‬ ‫وبمعنى ما خلقت هــذا الرؤيا أو ً‬
‫الكلية الشمولية االستعالئية تجاه اآلخر الذي قد يكون آسيوي ًا‪ ،‬أو أفريقي ًا‪ ،‬أو عربي ًا‪ ،‬أو‬
‫مسلم ًا(‪.((4‬‬
‫ويفكّك إدوارد سعيد هذا الخطاب بالقول‪« :‬إن تقسيمات كهذه (شرقي‪ ،‬غربي)‬
‫في الثنائية الكالسيكية هي تعميمات استخدمت تاريخي ًا وفعلي ًا لتأكيد أهمية التمييز بين‬
‫البشر وبعضهم اآلخــر لتسويغ حكم األقــوى بالمعنى الــدارويـنــي‪ .‬وحين تجري عملية‬
‫استخدام «فصالت»‪ ،‬مثل شرقي وغربي كنقاط بداية ونهاية للتحليل والبحث والسياسة‪،‬‬
‫فإن النتيجة عــادة هي استقطاب ونحت التمييز وتعميمه‪ ،‬إذ يصبح الشرقي أكثر شرقية‬
‫(دون ـي ــة)‪ ،‬والـغــربــي أكـثــر(غــربـيــة)‪ ،‬وف ــرض ح ــدود على التعامل اإلنـســانــي بين الثقافات‬
‫والمجتمعات(‪.((4‬‬
‫تشير الصور النمطية المقولبة التي قررها السرد االستشراقي إلــى «أن المجتمع‬
‫الـعــربــي مـبـنـ ٌـى وظ ــل عـبــر تــاريـخــه مـبـنـيـ ًا عـلــى ن ـظــام الـعــاقــة الــوالئ ـيــة بـيــن الـتــابــع والــولـ ّـي‬
‫«المستعمر‪/‬السيد»‪ ،‬كما هو التحايل في الحياة العربية نام ٍ نمو ًا كبير ًا‪ ،‬ومتأصل بشكل‬
‫جوهراني‪ ،‬كما في اإلسالم ذاته‪ ،‬كما أن عقلية االنتقام تبقى طاغية على غيرها من المثل‬
‫القيمية‪ .‬وهنا يستخلص سعيد‪ :‬أن اإلسالم صار رمز ًا للرعب والدمار الشيطاني‪ ،‬وكذا‬
‫تصوري‬ ‫المسلمون يصبحون أفواج ًا من البرابرة المكروهين بصوره اعتباطية‪ ،‬وهو نمط ّ‬
‫ال تسويغي ًا لعقلنة السيطرة‬ ‫متعال تحول إلى التعالي االمتالكي‪ ،‬وكــان ذلك دائم ًا مدخ ً‬
‫وامتالك هذا الشرق العربي‪.‬‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.73‬‬

‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.74‬‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.76‬‬
‫‪70‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ـصــي إلــى مــوضــع التنفيذ الفعلي في‬
‫كــانــت عملية االنـتـقــال مــن مـجــرد اإلدراك الـنـ ّ‬
‫ال بافتراض شرق المتغير محنط مختلف إطالق ًا عن هذا الغرب‪.‬‬ ‫الشرق قد حدثت فع ً‬
‫وهــذا ما أجــاز نظريا استعماره وإعــادة هندسته بالمعنى الجغرافي السياسي واستغالله‪.‬‬
‫ومن حيث الموضوع الواقع تحت الفحص االمتالكي‪ ،‬أنتج االستشراق شك ً‬

‫ال عالئقي ًا‬
‫هو عالقة السيد بالعبد‪ ،‬عالقة غير قابلة للتحول ضمن خصوصية التطورية(‪ .((4‬وهكذا‪،‬‬
‫بحسب إدوارد سعيد‪ ،‬أصبح الفاعل المستشرق الذي هو الغرب في عالقته بالمدروس‬
‫(الشرق) متسامي ًا فائق ًا منتمي ًا إلى التاريخ ضمن تمركزية أوروبية حادة‪ .‬وهناك ضد آخر‪،‬‬
‫يعاد اكتشافه كحالة إنسانية بدائية توحشية‪ ،‬أو مجموعات صحراوية إرهابية تعيش مع‬
‫اإلبل ذات صفات وقيم ظالمية‪ ،‬تمثل ثروتهم غير المستحقة إهانة للحضارة الحقيقية‬
‫(في إشارة إلى الثروة النفطية في بالد العرب)‪.‬‬
‫يصل سعيد في تفكيك خطاب االستشراق إلى نتيجة مؤداها اآلتي‪ :‬إن االستشراق‬
‫من حيث هو جهاز ثقافي إمبريالي عرقي التمركز‪ ،‬يمثل نشاط ًا عدواني ًا‪ ،‬عنصري ًا‪ ،‬متعالي ًا‪،‬‬
‫امتالكي ًا‪ ،‬خلق شرق ًا جغرافي ًا من أجل فضاء وسعة غربية‪ .‬ويبدو فيه اإلنسان العربي إما‬
‫عبد ًا قميئ ًا أو إنسان ًا عابث ًا‪ ،‬فظ ًا‪ ،‬قاسي ًا‪ .‬وإذا كانت المقدمة المنطقية هنا هي أنه ما دام‬
‫الشرقيون جهلة بحكم الجوهر الجيني‪ ،‬فإن األفضل لمصلحتهم أن يستمروا على ما هم‬
‫عليه تحت السيطرة األبوية الرعوية الغربية ‪ .‬أما األبيض فهو سيد الموقف التاريخي الذي‬
‫يرى اإلنسان شيئ ًا‪ ،‬مجرد شيء‪ ،‬فإن هذا الشيء الذي يمثل نتوء ًا في المشهد الجغرافي‬
‫المستهدف أو جسم ًا غريب ًا في الح ّيز المبتغى‪ ،‬أو حالة وحشية‪ ،‬فإن إزالته أو تنظيفه من‬
‫المكان الذي أراده هذا المستعمر األبيض‪ ،‬يصبح تنفيذ ًا ألمر رباني كي يستقيم ملكوت‬
‫السماء‪ .‬بــالـضــرورة‪ ،‬فــإن النمطية األحــاديــة لمقولة‪/‬يوتوبيا السمو القيمي واالستعالء‬
‫الثقافي األخــاقــي‪ ،‬كافتراض دوغمائي فـ ّـج تنسحب من حيث الجوهر على كل األمم‬
‫والشعوب المختلفة‪ ،‬لغة وثقافة وقيم ًا‪ ،‬عــن األجـنــاس المختارة األنغلو ‪ -‬ساكسونية‬
‫صاحبة الرسالة المتخيلة بالوصاية على كل آخر ليس من الدائرة الغربية ذاتها‪ .‬ولعل تلك‬
‫األمم (المتوحشة) والكائنة في أفريقيا أو آسيا‪ ،‬بما فيها فلسطين‪ ،‬قد نالها تمام ًا ما نال‬
‫السكان األصليين في أمريكا من عدوان وإفناء وعزل واستعالء ثقافي‪ ،‬ورؤيا دونية ذات‬
‫معنى انحطاطي لعوامل كثيرة متداخلة‪.‬‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.121‬‬
‫‪71‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫شكّلت اإلجراءات الغربية االستعالئية تجاه أفريقيا‪ ،‬التي تمثلت بسرقة قارة وديننة‬
‫أهلها بديانة المستعمر‪ ،‬أفظع الشواهد على قيم التمركز حول العنصر العلوي األعلى‪،‬‬
‫من حيث نقاء الدم واالرتباط باإلله‪ .‬إن ما نسب للسود في أفريقيا من صور نمطية ذات‬
‫معنى من الدونية والوحشية‪ ،‬جعلت منهم لوحة مظلمة ال تدخل فيها أية فضيلة أخالقية‪.‬‬
‫لقد جاء االستعمار العنصري بالتحقير‪ ،‬فإثبات تفوق الغرب استلزم إنكار إنسانية اآلخر‬
‫(الذي هو أسود‪ ،‬وال يدين بديانة المستعمر)‪ .‬لقد أنكر المستعمر أي إحساس ديني لدى‬
‫الشعوب التي ال تدين بديانة العنصر األبيض‪ .‬والمركزية الكارهة ّبررت بشكل عام ثقافة‬
‫الهيمنة والنفوذ‪ .‬واإلحساس‪/‬االدعاء بالتفوق جعل كل العالم غير الغربي‪ ،‬خاصة في‬
‫ال إلى مستوى كوميدي‬ ‫أفريقيا‪ ،‬بال قيمة إنسانية ومجرد ًا من الكرامة التاريخية‪ ،‬ومتحو ً‬
‫وفولكلوري(‪.((4‬‬
‫أجـمــع الـمـسـتـعـمــرون ال ـخــارجــون لـمــا وراء الـبـحــار عـلــى أن «أفــريـقـيــا ق ــارة وثنية‬
‫بــا ح ـض ــارة»‪ ،‬والـمـقـيـمــون فـيـهــا بـشـكــل بــدائــي ع ـشــوائــي ع ـبــارة عــن ج ـمــاعــات همجية‬
‫بدائية متوحشة ذات روائــح نتنة‪ ،‬وهــؤالء (المتوحشون) ال يستطيعون العيش أحــرار ًا‪،‬‬
‫وعبوديتهم مسألة طبيعة‪ ،‬بل هي حالة أفريقية فطرية جوهرية راسـخــة‪ ...‬وهــم أشياء‪،‬‬
‫مـجــرد أشـيــاء‪ ،‬ومــن حــق ممثل الـحـضــارة (صــاحــب رســالــة الــرجــل األبـيــض) أن ينقلهم‬
‫ويشغلهم ويديننهم بسبب كفرهم ووثنيتهم بديانته‪ ،‬فهم مخلوقون لخدمة هذا السيد‬
‫األبيض‪.‬‬
‫لجأ أسياد البالد من المستوطنين في إفريقيا إلى فلسفة سادية لتأبيد هذه العبودية‬
‫المتخيلة عنصري ًا‪ ،‬والمؤسطرة إلهي ًا‪ ،‬وذلــك من خــال أساليب الترويض القائمة على‬
‫الـقـتــل والـتـعــذيــب ال ـس ــادي‪« :‬إن الـعـبــد األس ــود بـعــد أن يـتـشــرب ه ــذه الـمـشــاعــر الــدونـيــة‪،‬‬
‫ويغذيها ذاتي ًا‪ ،‬وسيولدها في نفسه لمئات السنين»‪ .‬إن عملية الترويض تصبح‬ ‫ّ‬ ‫فسيحملها‬
‫ستروض أبنائها‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫روضت الزنجية فإنها‬ ‫هي ذاتها اآلن لكل من الحصان والزنجي‪« ،‬وإذا ّ‬
‫مروضين»‪« .‬امسك بسوط واضرب الزنوج إلى حد الموت أمام النساء‬ ‫وبالتالي نملكهم ّ‬
‫واألط ـف ــال‪ ...‬ال تجعلهم يـمــوتــون ألنـهــم يمكن أن يـكــونــوا مفيدين فــي إنـجــاب أطفال‬
‫مروضين بعد ذلــك‪ ،‬ضعيفين من الناحية المعنوية‪ ،‬وتابعين مطواعين وأقــويــاء جسدي ًا‬ ‫ّ‬
‫لممارسة أشــد األعـمــال قـســوة وإج ـه ــاد ًا‪ .‬الضعف مــن الناحية المعنوية يخلق الزنجي‬
‫(‪ ((4‬انظر‪ :‬خضر‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.40 - 21‬‬
‫‪72‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المغفل كــإحــدى الصفات األســاسـيــة الستبقاء النظام الـعـبــودي‪ ،‬ويجعله قــابـ ً‬
‫ا وراضـيـ ًا‬
‫ومستعد ًا للربط مع الحصان أو مع الخنازير في نفس الحظائر»(‪.((4‬‬
‫وصف توماس جيفرسون األفارقة الزنوج بأنهم ليسوا من طينة البشر‪ ،‬وذوو رائحة‬
‫كريهة‪ ،‬وهم من دون قلوب‪ ،‬ومن دون قدرات عقلية قياس ًا بالجنس القوقازي‪ .‬ويصبح‬
‫هدف تحضير وتمدين األماكن السوداء‪ ،‬وإدخال النور إليها (بديانتهم بدين المستعمر)‬
‫على عالقة مطابقة ومعادلة منطقية في الوقت نفسه مع نهايته الفعالة‪ ،‬وهو الرغبة في إبادة‬
‫المتوحشين الذين قد ال يكونون متعاونين (مروضين)‪ .‬فالرؤيا األوروبـيــة تجعل حياة‬
‫السكان األصليين وموتهم أمر ًا ممكن ًا في الوقت ذاته‪ .‬لكن السكان األصليين ال يمكن‬
‫أن ُيــزالــوا جميع ًا من الــوجــود إزالــة فعلية‪ .‬ومــا يتلو هو خطط لفصل السكان األصليين‬
‫(أفارقة‪ ،‬عرب ًا‪ ،‬هنود ًا) عن البيض‪ ،‬وفق أسس وخطوط عرقية‪/‬دينية‪ .‬ثم (ألنهم ليسوا من‬
‫طينة البشر)‪ ،‬فإن إعــادة تكوينهم بشر ًا (بالترويض)‪ ،‬فإن ذلك يتطلب حضور ًا أوروبي ًا‪،‬‬
‫ســواء اتخذ هــذا الحضور شكل مستوطنة استعمارية يمكن أن يحشروا فيها‪ ،‬ويجبروا‬
‫على العمل الـشــاق‪ ،‬أو مــن خــال القلعة العسكرية الـتــي تبقى فــوهــة البندقية والـســوط‬
‫مرفوع ًا دائم ًا فوق الرقاب(‪.((4‬‬
‫وبعد أن استقرت فئات كبيرة من األفارقة السود في أمريكا الشمالية بعد (نقلهم‪/‬‬
‫شحنهم إليها) استمرت لعنة المطاردة األبدية الالمتناهية نحوهم كصيغة لصيقة بسبب‬
‫عــرقـهــم‪ ،‬رغــم اعتناقهم لــديــانــة السيد األب ـيــض‪ ،‬عبر سياسة حــرمــانـيــة‪ ،‬فيها مــن الفظائع‬
‫الـســاديــة مــا يثير القشعريرة واالشـمـئــزاز مــن خــال تحريم مشاركة الجنس الزنجي في‬
‫المواصالت العامة‪ ،‬وارتياد الفنادق والمطاعم والنوادي والمشافي والشواطئ والمعابد‪،‬‬
‫وفــي كــل األمــاكــن التي يرتادها «األسـيــاد البيض»‪ .‬وقــد وجــدت الفـتــات حملت عبارة‪:‬‬
‫«ممنوع دخول الزنوج والكالب»‪ ،‬ومن هذه األنماط التحذيرية عبارة‪ :‬خطر!! أيها الهنود‬
‫الملونون‪ ،‬إذا دخلتم هذه األماكن في الليل‪ ،‬فلن يجدكم أحد في الصباح‪ ،‬إن الحراس‬ ‫ّ‬
‫المسلحين سيطلقون النار عليكم فور ظهوركم‪ .‬الكالب سوف تلتهم أجسادكم‪ ...‬لقد‬
‫أنذرناكم»(‪.((4‬‬
‫(‪ ((4‬عايدة العزب موسى‪ ،‬العبودية في أفريقيا والتاريخ المفقود (القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪،)2004 ،‬‬
‫ص ‪.20 - 16‬‬
‫(‪ ((4‬سعيد‪ ،‬الثقافة واإلمبريالية‪ ،‬ص ‪.228‬‬
‫(‪ ((4‬عنبر‪ ،‬التمييز العنصري في أفريقيا‪ ،‬ص ‪.44‬‬
‫‪73‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وك ــذا تستخدم إســرائـيــل الفـتــات حــول الـجــدار كتب عليها بالعربية‪« :‬ال تقترب‪،‬‬
‫منطقة موت‪.((4(»...‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬األبعاد التطبيقية للفكر العنصري‬
‫‪ - 1‬اإلبادة والتطهير العرقي‬

‫إذا كانت مختلف العلوم االجتماعية قد أكدت في منظومتها المعرفية أن «السلوك»‬
‫أو الظاهرة ال تتولد‪/‬تنشأ في الفراغ‪ ،‬فإن إبادة الجنس كجريمة الجرائم‪ ،‬ال يمكن فهمها‬
‫المدونات التاريخية غير‬
‫ّ‬ ‫إال في إطارها الثقافي‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن هذه الظاهرة التي اكت ّظت بها‬
‫معزولة (إطالق ًا) عن يوتوبيا االفتراضات العنصرية (عراقة الساللة‪ ،‬والتوكيل واالختيار‬
‫اإللهي‪ ،‬والسمو الثقافي)‪ ،‬وهي بتداخلها ألهمت‪ ،‬وما زالت تلهم معتنقيها أو المؤدلجين‬
‫بها بممارسة هذا الفعل اإلجرامي ضد اإلنسانية‪.‬‬
‫يقرر الدارسون والمفكّرون أن مفهوم اإلبادة الذي تبنته األمم المتحدة في ‪ 9‬كانون‬ ‫ّ‬
‫األول‪/‬ديسمبر ‪ ،1948‬مفهوم إشكالي من حيث المبدأ‪ ،‬ألنه صيغ أساس ًا متأثر ًا فقط‬
‫بالهولوكوست النازي بشكل خــاص‪ ،‬ولكنه مع كل هــذه اإلشكاليات بحاجة إلــى هذه‬
‫الدراسة‪ .‬وفي التاريخ المذكور آنف ًا‪ ،‬أقرت الجمعية العامة لألمم المتحدة بموجب القرار‬
‫الرقم ‪ 26‬اتفاقية منع إبادة الجنس‪ ،‬والعقاب على اقترافها (اتفاقية اإلبادة)‪ ،‬سواء وقعت‬
‫عرفت االتفاقية هذه الجريمة في مادتها الثانية بأنها أي من‬ ‫في زمن السلم أم الحرب‪ّ .‬‬
‫األفعال المقترفة بنية التدمير كلي ًا أو جزئي ًا‪ ،‬لجماعة قومية أو إثنية أو جنسية أو دينية‪،‬‬
‫وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬قتل أعضاء جماعة بشرية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إلحاق أضرار جسدية ومعنوية بالغة بأعضاء جماعة بشرية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬اإلساءة إلى ظروف حياة جماعة بشرية عن عمد‪ ،‬ومنها التخريب الفيسيولوجي‬
‫الكلي أو الجزئي‪.‬‬
‫د ‪ -‬فرض التدابير التي تؤدي إلى منع التكاثر في جماعة بشرية(‪.((5‬‬

‫(‪ ((4‬الفتات وضعت على طول الجدار العنصري‪ّ ،‬‬

‫تحذر الفلسطيني من االقتراب أو لمس الجدار بالموت؟‬
‫‪«Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of the Genocide,» United‬‬ ‫)‪(50‬‬
‫‪Nations (9 December 1948).‬‬
‫‪74‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يتألف مفهوم »‪( «Genocide‬إبادة الجنس) من مقطعين‪ :‬األول يوناني »‪«Genas‬‬
‫(الجنس)‪ ،‬والثاني ال ‪ -‬تيني »‪( «Cide‬القتل)‪ ،‬وكــان للمفكر اليهودي دور رائــد‪ ،‬بل‬
‫حصري في صياغة المفهوم‪ ،‬حيث قال هو‪« :‬تدمير أمة أو أية جماعة إثنية بوجود خطة‬ ‫ٌ‬
‫منظمة ترمي إلــى إفـنــاء جماعة مستهدفة كلي ًا أو جــزئـيـ ًا»‪ .‬وعـ ّـرفــت اإلب ــادة الثقافية بأنها‬
‫تدمير المؤسسات الحيوية في حياة جماعة ما بغية منع أعضاء الجماعة من استخدام‬
‫لغتهم ومـمــارســة طقوسهم الدينية‪ ،‬ومـمــارســة حياتهم ورمــوزهــم وطقوسهم الثقافية‪.‬‬
‫وكذلك أشار إلى اإلبادة االقتصادية بأنها اقتراف أفعال ترمي إلى تحطيم أو تدمير النظام‬
‫االقتصادي في منطقة ما بوساطة الهجوم على البيئة(‪.((5‬‬
‫وتنص المادة الثالثة في وثيقة األمم المتحدة (اتفاقية اإلبادة) على معاقبة األفعال‬
‫ّ‬
‫اآلتية باعتبارها جزء ًا جوهري ًا من أعمال اإلبادة‪ ،‬وهي‪ :‬التآمر على اقترافها‪ ،‬والشروع في‬
‫اقترافها أو االشتراك فيها‪ .‬وقد بقي المفهوم ضمن هذه االتفاقية األممية ساري المفعول‬
‫منذ التصديق عليه عام ‪ 1951‬من دون أية تعديالت‪.‬‬
‫ومهما يكن من أمــر‪ ،‬فحتى الوقت الحاضر‪ ،‬رغــم حــدوث عــدد ال يستهان به من‬
‫أفـعــال إبــاديــة مختلفة‪ ،‬فــإن فعل اإلب ــادة يتشكل مــن أربـعــة أرك ــان محورية (فعل جنائي‪،‬‬
‫وتعمد التدمير بشكل جزئي أو كلي‪ ،‬وجماعة إثنية قومية أو دينية مستهدفة)‪.‬‬
‫قدمت ورقة د‪ .‬اإلمــام (السياسة الدولية) مفاهيم بديلة تتواءم بشكل جوهري مع‬
‫التطورات الجديدة ألشكال الصراعات‪ ،‬وشملت هذه المفاهيم عناصر مختلفة‪ ،‬منها ‪:‬نية‬
‫المقترف‪ ،‬واألعمال التي يمكن أن تدخل في إطار الفعل اإلبــادي‪ ،‬وطبيعة الجماعات‬
‫المستهدفة‪ ،‬ودور الدولة أو المليشيات التابعة لها فيها‪ .‬ومثل هذه الجماعات يحدّ دها‬
‫المقترف ويتع ّقبها أينما كــانــت‪ .‬وضـمــن منطق احـتـكــار اإلب ــادة الصهيوني‪ ،‬فقد قوبل‬
‫التعريف السابق بالنقد الشديد على اعتبار أن «نية» التدمير الكلي لم تتضح بجالء إال في‬
‫حالة «الهولوكوست» اليهودي كحالة اإلبادة الوحيدة التي ينطبق عليها هذه االصطالح‪،‬‬
‫وكــأن ما اقترفته العصابات «المليشيات اليهودية»‪ ،‬ثم الدولة اإلسرائيلية والمليشيات‬
‫التابعة لها (المستوطنون) من عمليات إبادة ال تدخل ضمن «النية الهادفة»(‪.((5‬‬
‫(‪ ((5‬محمد رفعت اإلمام‪« ،‬إبادة الجنس‪ :‬نشأة المفهوم ومعضالت التطبيق‪ »،‬السياسة الدولية‪ ،‬العدد ‪151‬‬
‫(كانون الثاني‪/‬يناير ‪ ،)2003‬ص ‪.55 - 54‬‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.58‬‬
‫‪75‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ويطرح «هيرفي سافون» تصنيف ًا لجريمة إبادة الجنس يرتكز على األهداف الكامنة‬
‫وراء الجريمة‪ ،‬وهي‪ :‬اإلبدال الذي يقوم على إبادة شعب‪ ،‬بالسماح لجماعة أخرى من‬
‫الغزاة بأن ّ‬
‫تحل محله‪ ،‬واإلقامة على أراضيه‪ ،‬وامتالكها عنصري ًا وحصري ًا (هنود أمريكا‬
‫الشمالية‪ ،‬والشعب األصلي في أستراليا‪ ،‬وقبائل البوشمن في جنوب أفريقيا)؛ واإلخالء‬

‫الــذي يقوم على تــرك المنطقة الــذي كــان يعيش فيها شعب ما مهجورة بعد تصفية هذه‬
‫الجماعة ليشغلها شعب آخر (األرمــن في األناضول)‪ .‬ورغم أهمية هذا التصنيف‪ ،‬فإن‬
‫ما يدعو إلى األســف‪ ،‬أنه ال يأتي على وضع الفلسطينيين في هذا اإلطــار‪ ،‬رغم انطباق‬
‫ظاهرتي اإلبدال واإلخالء تمام ًا عليهم‪ .‬وتستخدم بعض المراجع عبارة «الحل النهائي»‬
‫لإلشارة إلى المخ ّطط الذي وضعه النازيون لحل المسألة اليهودية بشكل جذري ونهائي‬
‫ومنهجي وشامل عن طريق اإلبادة التامة لليهود بتصفيتهم جسدي ًا‪ .‬ومن سخرية القدر أن‬
‫تستخدم العصابات الصهيونية (اليهودية) المفهوم واألسلوب ذاتهما في إقامة إسرائيل‬
‫كحل نهائي لتنظيف البالد من سكانها األصليين من أمــام المستوطنين المهاجرين إلى‬‫ّ‬
‫فلسطين؟‬
‫يميل د‪ .‬المسيري إلى استخدام مصطلح «اإلبادة النازية ليهود أوروبا»‪ ،‬ألن مفهوم‬
‫«الهولوكوست»‪ ،‬برأيه يحمل إيحا ًء ديني ًا‪ ،‬وألن اصطالح اإلبــادة النازية حــدّ د الظاهرة‬
‫النازية من حيث هي ظاهرة أوروبية داخل سياق التاريخ األلماني واألوروبي‪ ،‬كما يضمر‬
‫اإلش ــارة بــاإلبــادة النازية ألقليات وشعوب أخــرى‪ ،‬كالغجر‪ .‬ويــرى المسيري أن مفهوم‬
‫«اإلب ــادة» ال يتضمن فقط التصفية الجسدية‪ ،‬وإنما أيض ًا التهجير والتجويع واالستبعاد‬
‫وأعمال السخرة المختلفة(‪.((5‬‬
‫تحققت اإلبــادة لليهود في اللحظة النازية النموذجية التي تشكّل نتاج ًا لعقود من‬
‫أيديولوجيا التمركز حول الذات‪ ،‬وقد ساهمت كأيديولوجيا في خلق االستعداد الكامن‬
‫والتربة الخصبة لهذه اإلبادة‪ .‬فاإلبادة هي نتاج طبيعي لإلمبريالية والداروينية والعنصرية‬
‫الـتــي ح ــررت التشكيالت السياسية الغربية مــن أيــة مفاهيم وقـيــم أخــاقـيــة‪ ،‬مثل مفهوم‬
‫ككل» أو «صالح اإلنسانية»‪ ،‬كما حررت هذه التشكيالت السياسية من القيم‬ ‫«اإلنسان ّ‬
‫المطلقة‪ ،‬مثل «مستقبل البشرية» «والـمـســاواة» «والـعــدل»‪ ،‬وأصبح اإلنسان الغربي هو‬
‫نفسه المركز والمطلق المنفصل تمام ًا عن كل القيم اإلنسانية العامة‪ ،‬كما أصبح هو نفسه‬
‫تجسيد ًا لقانون الطبيعة‪ ،‬وتحول إلــى مرجعية ذاتــه‪ ،‬وقانون ذاتــه‪ ،‬ومعيارية ذاتــه‪ ،‬وغاية‬
‫(‪ ((5‬المسيري‪ ،‬موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ :‬نموذج تفسيري جديد‪ ،‬ج ‪ ،2‬ص ‪.396‬‬
‫‪76‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ذات ــه‪ ،‬ومــن ثــم أصبح مــن حقه أن يمنح الحياة والـمــوت لشعوب األرض األخ ــرى غير‬
‫البيضاء(‪.((5‬‬
‫حينما ظهرت شخصية من هذا النوع الغربي (المؤمن بالسمو والمفعم بالقداسة‬
‫والـنـبــوغ واالس ـت ـعــاء‪ ،‬وبــاالخـتـيــار والـتــوكـيــل الــربــانــي) أصـبــح طبيعي ًا أن تـقــرر الــدولــة‬
‫والـنـخــب (صـفــوة الـصـفــوة) إب ــادة عناصر غير نافعة بالمنطق الــدارويـنــي فــي المجتمع‬
‫المحلي (حالة اليهود في المجتمع األلماني) أو في وطن آخر أو قارة بأسرها (أفريقيا‬
‫ال حيوي ًا للدولة صاحبة قرار اإلبادة‪ .‬ثم يصدر «األمر»‬ ‫وأمريكيا الشمالية)‪ ،‬تشكّل مجا ً‬
‫في نهاية األمر ال بالقتل أو التصفية الجسدية‪ ،‬وإنما بعمليات التطهير العرقي أو الحل‬
‫النهائي أو خدمة لمصلحة الدولة العليا أو الدين المعيق أو العرق األسمى‪ .‬ثم يقسم‬
‫القرار إلــى مئات المهمات التي يقوم بها آالف الجنود الذين لم يشعروا بهذا الطفل‬
‫الــذي سيقتل فــي أمريكا الشمالية أو فــي ألمانيا أو غــابــات فييتنام أو فــي فلسطين أو‬
‫العراق(‪.((5‬‬
‫ال القداسة عن اإلنسان بحدة وشراسة‪ ،‬وأسقطت‬ ‫وهذه الرؤيا تكون قد نزعت أص ً‬
‫تمام ًا فكرة المحرمات بتأكيدها فكرة البقاء باعتبارها القيمة المطلقة‪ ،‬والصراع باعتباره‬
‫اآللية الوحيدة للبقاء‪ .‬والبقاء في هذه الغابة الداروينية التي ال تعرف الرحمة أو العدل‪،‬‬
‫ليس مــن نصيب األرق قلب ًا أو األرق ــى خلق ًا أو األكـثــر تــراحـمـ ًا‪ ،‬وإنـمــا هــو مــن نصيب‬
‫األصلح واألقوى مادي ًا‪ .‬فالقوة هي المطلق النهائي‪ ،‬واألقوى هو الذي ال تعرف الرحمة‬
‫طريق ًا إلى قلبه‪ .‬وإذا كان فكر هتلر وممارسته هو نتاج للحضارة الغربية‪ ،‬خصوص ًا في‬
‫القرن التاسع عشر‪ ،‬التي تدور داخل اإلطار العرقي اإلمبريالي الدارويني‪ ،‬فال بد من أن‬
‫تكون هناك نقاط اتفاق بين هذا الفكر الصهيوني الذي هو أيض ًا نتاج المعطيات الفكرية‬
‫نفسها(‪.((5‬‬
‫أ ‪ -‬إب ــادة الـشـعــوب األصــانـيــة فــي أمــريـكــا الشمالية (حــق التضحية بــاآلخــر)‪ :‬إن‬
‫هندسة التاريخ بالمداورة العنصرية لها تاريخ استعماري طويل‪ ،‬منذ أسميت عمليات‬
‫سمي االستعمار «حماية»‪ ،‬والهيمنة‬ ‫اإلبــادة للشعوب بـ «رسالة الرجل األبيض»‪ ،‬ومنذ ّ‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.398‬‬

‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.403 - 402‬‬
‫(‪ ((5‬ال ـم ـصــدر نـفـســه‪ ،‬ص ‪ ،413‬ولـمــزيــد مــن الـمـعـلــومــات ح ــول اإلبـ ــادة ان ـظــر‪ :‬مـحـمــود أب ــو العينين‪ ،‬إدارة‬
‫وحـ ّـل الـصــراعــات العرقية فــي أفريقيا (الـقــاهــرة‪ :‬جامعة الـقــاهــرة‪ ،‬معهد البحوث والــدراســات األفريقية‪،)2008 ،‬‬
‫ص ‪.37 - 27‬‬
‫‪77‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫«انتداب»‪ ،‬وكان المنشأ األول للممارسة القائمة على أصول عرقية تمييزية‪ ،‬هو بشكل‬
‫أولي أساسي في المستعمرات التي اجتاحتها قوى عنصرية استعالئية(‪ ،((5‬حاولت ترسيم‬
‫حدود هندسية عنصرية ديمغرافية باإلبادة إذا أمكن إنجازها‪ ،‬أو بالعزل‪ ،‬أو كال العمليتين‬
‫«الوحشيتين» مع ًا‪.‬‬
‫في إطار هذه الدراسة‪ ،‬نلجأ إلى استحضار إبادة السكان األصليين كفعل تاريخي‬
‫مقومات ومقوالت الفكر‬ ‫غربي‪ ،‬والذي يأتي في سياق ما ينطوي عليه هذا الفعل من كل ّ‬
‫العنصري‪ ،‬وذل ــك لما تضمن هــذا الفعل اإلب ــادي مــن رؤى سياسية ذات بعد شمولي‬
‫اجترحها أنبياء وقديسون االستعمار في أماكن مختلفة‪ ،‬ومنها الحالة الفلسطينية‪ .‬فقد‬
‫استلهم «الحجاج اإلنكليز» قيم اإلبادة العرقية من الميثولوجيا الدينية‪ ،‬فكانت «إسرائيل»‬
‫هي االسم الذي أطلقه هؤالء «الحجاج» على مستعمراتهم األمريكية‪ ،‬ومن المنطلقات‬
‫الميثولوجية نفسها أطلق على هذه المستعمرات «كنعان الجديدة اإلنكليزية»‪ ،‬و«أرض‬
‫الـمـيـعــاد»‪ ،‬و«صـهـيــون»‪ ،‬و«إســرائـيــل الـلــه الـجــديــدة»‪ ،‬مستمدين كــل أخ ــاق إب ــادة الهنود‬
‫من هذا التقمص التاريخي الجتياح العبرانيين أرض كنعان‪ .‬قتلوا هذه الشعوب‪ ،‬وهم‬
‫على اقتناع بأنهم عبرانيون‪ ،‬فضلهم الله على العالمين‪ ،‬وأعطاهم تفويض ًا بإبادة هؤالء‬
‫الكنعانيين‪ .‬وكــانــت تلك اإلب ــادة األكـبــر واألط ــول فــي التاريخ اإلنـســانــي‪ ،‬وهــي الخطوة‬
‫األولـ ــى عـلــى ال ـطــريــق إل ــى هـيــروشـيـمــا وفـيـيـتـنــام‪ ،‬ثــم إل ــى ال ـشــرق األوس ـ ــط‪ ،‬عـبــر الــدعــم‬
‫الالمحدود إلسرائيل‪ ،‬ثم عبر هذه اإلبــادة في العراق التي قتلت حتى اللحظة أكثر من‬
‫مليون ونصف من الشعب العراقي‪.‬‬
‫إن فكرة استبدال شعب بشعب‪ ،‬وثقافة بثقافة‪ ،‬في أرض وصفت باألرض الفراغ‪،‬‬
‫ومــا وجــد فيها مــن أشـبــاه البشر مــن المتوحشين يجري إبادتهم بفعل إلهي هــي الفكرة‬
‫النمطية ذاتها التي على أساسها‪ ،‬وفــي إطــارهــا‪ ،‬جــرت‪ ،‬ومــا زالــت تجري‪ ،‬كل عمليات‬
‫االستعمار واإلب ــادة والتطهير العرقي‪ .‬فمن دون اإلب ــادة والتطهير العرقي ألمريكا من‬
‫شعوبها الطبيعية األصلية‪ ،‬ومن دون األسلوب نفسه في فلسطين‪ ،‬ما كان للدولتين أن‬
‫تقوما‪ ،‬ثم أن تتحالفا ‪.‬فالمعنى اإلسرائيلي ألمريكا هو المعنى األمريكي ذاته إلسرائيل‪.‬‬
‫إنها اإلبادة المقدسة؛ أنها الشيفرة الدينية العرقية(‪.((5‬‬
‫(‪ ((5‬حــول القوى العرقية انظر‪ :‬جياتري تشاكرا‪« ،‬العرق قبل العرقية‪ :‬اختفاء األمريكي‪ »،‬في‪ :‬بول فوبيه‪،‬‬
‫الحق يخاطب القوة‪ ،‬ترجمة فاطمة نصر (القاهرة‪ :‬سطور‪.)2001 ،‬‬
‫(‪ ((5‬العكش‪ ،‬أميركا واإلبادات الجماعية‪ :‬حق التضحية باآلخر‪ ،‬ص ‪.10‬‬
‫‪78‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يستعرض منير العكش في كتابه أمريكا واإلب ــادات الجماعية شتى وسائل اإلبــادة‬
‫التي تقشعر لها األب ــدان؛ هــذه اإلب ــادة التي ّأرخ لها الـمــؤرخــون البيض بأنها عـبــارة عن‬
‫«أضــرار هامشية تواكب الحضارة»‪ .‬وفسر جورج واشنطن المفهوم األمريكي لألضرار‬
‫ا‪« :‬إن طــرد الهنود مــن أوطــانـهــم‪ ،‬وإلـغــاء وجــودهــم الـمــادي مــن األرض‪،‬‬ ‫الهامشية قــائـ ً‬
‫ال يختلف عن طرد الوحوش من غاباتها»(‪.((5‬‬
‫لقد رصدت السلطات االستعمارية مكافأة لمن يقتل هندي ًا‪ ،‬ويأتي برأسه‪ ،‬ثم اكتفت‬
‫بسلخ فروة الرأس إال في بعض المناسبات التي تريد فيها التأكد من هوية الضحية‪ .‬ولعل‬
‫ال من كامل الجمجمة تعود إلى عام ‪،1694‬‬ ‫أقدم مكافأة إنكليزية على فروة الــرأس بد ً‬
‫حيث رصدت المحكمة العامة في مستعمرة مساشوستس مكافآت لكل من يأتي بفروة‬
‫رأس هندي‪ ،‬مهما كان عمره أو جنسه‪ ،‬بلغت قيمتها مئة جنيه عام ‪ .1704‬لقد اكتشف‬
‫شعب الله نفطه في دماء الهنود(‪.((6‬‬
‫كان «الموصولون بالرب» ينظمون حفالت خاصة لالستمتاع الشهواني السادي‬

‫بهذه المشاهد المثيرة‪ ،‬حتى إن الكولونيل جورج روجرز‪ ،‬أحد القادة العظام في حرب‬
‫االسـتـقــال‪ ،‬وفــي حفلة أقامها لسلخ ‪ 16‬مــن األس ــرى األحـيــاء أثـنــاء حـصــاره االحتفالي‬
‫يتمهلوا فــي األداء‪ ،‬وأن يـعـطــوا كــل تفصيل‬‫لـبـلــدة (فــانـسـيــن)‪ ،‬طـلــب مــن ال ـجــزاريــن أن ّ‬
‫تشريحي حقه ليستمتع الجميع بهذه المشاهد‪ .‬وال يزال جورج روجرز كالرك إلى اآلن‬
‫رمــز ًا وطني ًا أمريكي ًا‪ ،‬وال يــزال من ملهمي القوات الخاصة في الجيش األمريكي‪ .‬وفي‬
‫كوالرادو تو ّلت الشركات الخاصة بتعاقد مع الدولة مهمات الذبح والسلخ والقضاء على‬
‫الوجود البشري الهندي‪ .‬ومع تأسيس الجيش األمريكي‪ ،‬أصبح السلخ والتمثيل بالجثث‬
‫تقليد ًا مؤسساتي ًا رسمي ًا‪ .‬وفي أحد االستعراضات العسكرية أمام وليام هاريسون الذي‬
‫أصبح رئيس ًا أمريكي ًا الحق ًا بعد انتصار عام ‪ 1811‬على الهنود‪ ،‬تم التمثيل في الضحايا‬
‫كرمز سادي طقوسي عسكري سيادي‪ .‬واحتفل الرئيس جاكسون باالنتصار على هنود‬
‫الكريك‪ ،‬وتولى جنوده التمثيل بجثث الضحايا من األطفال والنساء والرجال‪ ،‬فقطعوا‬
‫أنوفهم إلحصاء عددهم‪ ،‬وسلخوا جلودهم لدبغها واستخدامها في صناعة أعنّة مجدولة‬
‫للخيول(‪ .((6‬وقد وصف ثيودور روزفلت مذبحة سانت كريك بالقول‪« :‬إن مذبحة سانت‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.44‬‬

‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫(‪ ((6‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.96 - 57‬‬
‫‪79‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫كريك كانت عم ً‬
‫ال أخالقي ًا ومفيد ًا‪ ،‬ذلــك ألن إبــادة األع ــراق المنح ّطة حتمية ضرورية‬
‫ال مفر منها»(‪.((6‬‬
‫وكخالصة‪ :‬في الغرب األمريكي‪ ،‬وحيثما شاء «القدر المتجلي» لم يتخ ّلوا لحظة‬
‫واحــدة‪ ،‬وفي كل خطواتهم التوسعية‪ ،‬عن السياق التاريخي والعنصري والدموي‪ .‬لقد‬
‫تحكّمت عقدة االخـتـيــار والـتـفــوق بسلوكهم وبنادقهم‪ ،‬فأوهمتهم بأنهم يملكون حق‬
‫تقرير الحياة والـمــوت لكل من قــال‪« :‬ال» لهم‪ ،‬وأنهم في حـ ّـل أخالقي تجاه الشعوب‬
‫التي يستعمرونها‪ ،‬ال باعتبار أنهم أعراق منحطة فحسب‪ ،‬بل ألنهم في الغالب مخلوقات‬
‫متوحشة‪ ،‬ال تنتمي إلى النوع اإلنساني‪ .‬لقد استحكمت ميتافيزياء كراهية الهنود وغيرهم‬
‫لدى هذا الجنس العريق بحق التضحية باآلخر‪ .‬هذا ما جعل أمريكا تعيش بضحاياها‪،‬‬
‫وال يمكن فـهــم حــروبـهــا وعــاقــاتـهــا الــدولـيــة إال بالبحث عــن ينابيع طقوسها الخاصة‬
‫بالتضحية باآلخر‪.‬‬
‫بالمنطق واألس ـلــوب اإلب ــادي نفسهما نظمت المليشيات الصهيونية‪ ،‬وبــالــذات‬
‫عصابتا «إيتسل» و«ليحي» المدعومتان رسمي ًا من الهاغاناه (الجيش اإلسرائيلي الرسمي)‬
‫بعد مذبحة ديــر ياسين فــي ‪ 9‬نيسان‪/‬أبريل ‪ 1948‬مسيرة احتفالية فــي ش ــوارع القدس‬
‫الغربية بـهــذه المناسبة‪ ،‬تضمن تحميل عـشــرات األس ــرى مــن ديــر ياسين فــي شاحنات‬
‫مكشوفة جالت بهم الطرق العامة‪ ،‬كاستعراض احتفالي‪ ،‬إمعان ًا بالشعور بالفرح‪ .‬ثم أعيد‬
‫هؤالء األسرى إلى القرية‪ ،‬حيث تم ذبحهم في مهرجان احتفالي أيض ًا في إحدى مقالع‬
‫القرية (الكسارات)(‪.((6‬‬
‫ب ‪ -‬العزل العنصري (األبارتهايد) ‪ -‬جنوب أفريقيا نموذج ًا‪ :‬شكّلت الثقافة ذات‬
‫المكون االنعزالي عن «اآلخ ــر»‪ ،‬وفــي المجتمع الوطني بالضرورة‪ ،‬دائـمـ ًا‪ ،‬وفــي معظم‬
‫ّ‬
‫حاالت االستعمار‪ ،‬النمط السياسي كالزمة طبيعية ووصلة قيمية أخالقية تفوقية آثرتها‬
‫القوى التاريخية االستعمارية‪ ،‬بل تجوهرت بها تاريخي ًا ألنها متجوهرة فيها أصـاً‪ .‬إن‬
‫هناك استحالة لالندماج بين القوى الغازية والسكان من الشعوب المتوطنة طبيعي ًا في أي‬
‫مشهد جغرافي جرت استباحته في الظاهرة التاريخية السائدة‪ .‬وضمن هذه الظاهرة تبقى‬
‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.96 - 57‬‬

‫ي ـبــدو أن الـتـجــربــة الـتــاريـخـيــة االسـتـعـمــاريــة لـلـقــوى ال ـغــازيــة ألمــريـكــا الـشـمــالـيــة قــد تــركــت تــأث ـيــر ًا فــي سياستها‬
‫االستعمارية‪ .‬فشركة مثل »‪ «Black Water‬في العراق تقوم بالدور اإلبادي نفسه في الوقت الحاضر‪.‬‬
‫(‪ ((6‬دان ياهف‪ ،‬طهارة السالح‪ ،‬ترجمة جوني منصور (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية‬
‫(مدار)‪ ،)2004 ،‬ص ‪.138 - 137‬‬
‫‪80‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫عمليات اإلخضاع العسكري والسياسي والثقافي واالجتماعي والنفسي هي السياسة‬
‫االستراتيجية للقوى الغازية‪ .‬والعزل كما اإلبــادة‪ ،‬واإلبــادة كما التهجير‪ ،‬والتهجير كما‬
‫اإلفقار‪ ،‬تبقى دائما األسس التي انتهجتها القوى البيضاء السامية الموصولة بالرب تجاه‬
‫السكان األصليين‪.‬‬
‫استمر العزل العنصري‪ ،‬كإحدى تجليات المنظومة القيمية للنظرية العنصرية‬ ‫ّ‬ ‫لقد‬
‫بشموليتها‪ ،‬متمأسس ًا فــي معظم ال ــدول والمجتمعات األفريقية‪ ،‬ســواء مــن وقــع منها‬
‫فريسة االستعمار اإلنكليزي أم الفرنسي أم البلجيكي أم اإليطالي أم األلماني وغيرها‪.‬‬
‫ل ـهــذا‪ ،‬فــإنـنــا حـيــن نـخـتــار ه ــذا ال ـن ـمــوذج كـ ـ «ح ــال ــة» دراس ـي ــة‪ ،‬فــإنـنــا نــذهــب إل ـيــه وعيوننا‬
‫ال تكاد تفارق كل الحاالت التي ابتالها طغيان العزل العنصري‪ .‬وحين يقع االختيار‬
‫على الحالة الجنوب ‪ -‬أفريقية‪ ،‬فــإن هــذا االختيار إنما يؤخذ فقط اللتقاط المقاربة‬
‫الجوهرية مع نظام الفصل العنصري الصهيوني في فلسطين‪ ،‬الذي يكاد يشكل تماث ً‬
‫ال‬
‫ح ـي ـ ًا مــن حـيــث الـجــوهــر والـشـكــل مــع اإلج ـ ــراءات الـعـنـصــريــة الـصـهـيــونـيــة‪ ،‬وخـصــوصـ ًا‬
‫منذ بــروز ظاهرة التقطيع الجغرافي واالجتماعي لفلسطين بعد مشروع جــدار العزل‬
‫العنصري‪ ،‬الــذي يشكّل ام ـتــداد ًا حداثي ًا لفعل اإلب ــادة الكالسيكي الــذي مــورس بحق‬
‫الفلسطينيين (‪.((6‬‬
‫‪ -‬مدخل تاريخي‪ :‬بنظرة دونية مسبقة‪ ،‬نظرت القوى الصناعية الناهضة إلــى كل‬
‫األراضي التي ينطق سكانها باللغات غير األوروبية‪ ،‬وال يدينون بما تدين به هذه القوى‪،‬‬
‫وال يملكون لون البشرة الخاصة بها‪ .‬نظروا إلى هذه األراضي كأرض «خالء» بال سكان‪،‬‬
‫أو غابات يسكنها وحوش أو وحوش على أشكال آدمية‪ .‬وتاريخي ًا‪ ،‬كان التنافس مرير ًا‬
‫أو شديد ًا بين هذه القوى حول الحصة األكبر التي يستوجب الحصول عليها‪ .‬وكانت‬
‫ال لهذا التجاذب التنافسي لهذه القوى االستعمارية‪ ،‬بحيث آلت أقاليم‬‫جنوب أفريقيا مثا ً‬
‫الكيب والناتال إلى السيادة اإلنكليزية‪ ،‬في حين تمركزت هولندا في إقليمي الترانسفال‬
‫واألورنج‪ ،‬وهو ما عرف باسم جمهوريات البوير عام ‪.1836‬‬
‫وفي ما بين عامي ‪ ،1907 - 1904‬أسفرت المفاوضات بعد حرب ضارية بين‬
‫قطبي االستعمار األبيض عن خلق اتحاد واندماج األقاليم‪/‬المستعمرات األربع‪ ،‬كحاجة‬
‫اقتصادية مصلحية مشتركة لتسهيل عمليات نهب الموارد الطبيعية‪ ،‬خاصة بعد أن أظهرت‬
‫(‪ ((6‬أحمد يوسف‪« ،‬األبارتهايد في فلسطين‪ :‬العنصرية المتمأسسة‪ »،‬شؤون األوسط‪ ،‬العدد ‪( 107‬صيف‬
‫‪ ،)2002‬ص ‪.121 - 119‬‬
‫‪81‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الكشوفات العلمية حجم الثروة المعدنية الهائلة في هذه األراضــي‪ .‬ومن جهة أخرى‪،‬‬
‫كان هذا االندماج االستقوائي مرتبط ًا بتفوق القوة والنفوذ اإلنكليزي الذي استطاع بالقوة‬
‫واالستئثار أن يضع حد ًا لنفوذ الوجود الهولندي (البوير) في جنوب أفريقيا‪ .‬وفي عام‬
‫أقرت وحدة كل المستعمرات‬ ‫‪ ،1909‬صدرت تشريعات جنوب أفريقيا‪ ،‬وهي تشريعات ّ‬

‫البيضاء األرب ــع‪ ،‬إذ ولــد مــا أصبح يعرف الحـقـ ًا باسم اتـحــاد جنوب أفريقيا الــذي أنشأ‬
‫برلمان ًا مــوحــد ًا‪ ،‬ومنح وضع ًا حقوقي ًا متساوي ًا للبيض من اإلنكليز والبوير الهولنديين‪،‬‬
‫مع االستثناء التام أليــة حقوق من حقوق المواطنة لـ «الـســود»‪ ،‬وبعد الحرب العالمية‬
‫األولى اعترفت المنظمة الدولية الناشئة حديث ًا (عصبة األمم) بهذه الدولة‪ ،‬وأوكلتها حق‬
‫االنتداب على جارتها ناميبيا(‪.((6‬‬
‫ج ‪ -‬األبارتهايد (الـعــزل الـعـنـصــري)(‪ :((6‬فــي محاضرة للدكتور عزمي بـشــارة في‬

‫مؤتمر ديربن ضد العنصرية في ‪ 30 - 26‬آب‪/‬أغسطس ‪ 2001‬بعنوان‪« :‬أنماط جديدة‬
‫من األبــارتـهــايــد»‪ ،‬استعرض األســس التي قــام عليها نظام الفصل العنصري في جنوب‬
‫أفريقيا بالتحليل التاريخي‪ :‬قام نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بتأسيس مفهوم‬
‫الدولة أو السيادة تاريخي ًا وأيديولوجي ًا على‪:‬‬
‫(‪ )1‬ن ـش ــاط اسـتـيـطــانــي ضـمــن م ـشــروع كــولــونـيــالــي انـفـصــل عــن ال ــدول ــة أو ال ــدول‬
‫االستعمارية األم بحث ًا عن استقالله السياسي‪.‬‬
‫(‪ )2‬تشكّل جماعة قومية من خالل هذا االستيطان‪ ،‬بحيث تؤكد تم ّيزها العرقي‬
‫األرقـ ــى م ــن ال ـس ـكــان األص ـل ـي ـيــن‪ ،‬وت ـع ـ ّبــر ال ــدول ــة ع ــن سـعــي ه ــذه الـجـمــاعــة إل ــى الـحــريــة‬
‫واالستقالل‪ ،‬على الرغم من أنها تشكّل أقلية من ضمن سكان هذه الدولة‪.‬‬
‫(‪ ((6‬ح ــول هــذا اإلطــار التاريخي‪ ،‬انظر‪ :‬أحمد عبد الــدايــم‪« ،‬الفقر والـمــرض في المجتمع األفريقي تحت‬
‫الحكم العنصري فــي جـنــوب أفريقيا‪( »،1976 - 1948 ،‬أطــروحــة دك ـتــوراه‪ ،‬معهد البحوث األفــريـقـيــة‪ ،‬جامعة‬
‫القاهرة‪ ،)2004 ،‬وأحمد الهاللي‪« ،‬المجتمعات األفريقية الحضرية تحت الحكم العنصري في جنوب أفريقيا‪،‬‬
‫‪( »،1976 - 1923‬رسالة ماجستير‪ ،‬معهد البحوث والدراسات األفريقية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.)2007 ،‬‬
‫وتضمن المفهوم معنى‬ ‫ّ‬ ‫(‪ ((6‬األبارتهيد‪ :‬مصلطلح أفريكاني شاع في لغة المستوطنين الهولنديين (البوير)‬
‫الـعــزل أو الفصل بين الجنسين األبـيــض واألسـ ــود‪ .‬وظـهــر المفهوم فــي لغة السياسة فــي نهاية األربـعـيـنـيــات حين‬
‫استخدمها الحزب الوطني الحاكم في حملته االنتخابية كبرنامج سياسي له قام على الفصل بين الجنسين (جغرافي ًا‬
‫وسياسي ًا واجتماعي ًا واقتصادي ًا) وينطق األفريكانز الكلمة )‪/(Aparthate‬أبارتهيت‪ .‬وقــد انتقلت الكلمة لحدّ تها‬
‫إلى قاموس السياسة العالمي دون تحريف لها‪ ،‬بل رفضت المعاجم أية ترجمة لها‪ .‬وتبنّتها األمم المتّحدة بلغتها‬
‫األصلية دون أي تحريف‪ ،‬وقد جرى عولمة الكلمة وإدخالها إلى القاموس السياسي الدولي نظر ًا إلى حدّ تها النفسية‬
‫والسياسية واألخالقية‪.‬‬
‫‪82‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫(‪ )3‬ن ـظــام حقوقي مــن الفصل العنصري يبقى الـعــرق األدن ــى فــي نـطــاق الــدولــة‪،‬‬
‫ولكنه يحرمه من حرية التنقل واالقتراع‪ .‬فأبناء العرق األدنى هم نظري ًا مواطنون‪ ،‬ولكنهم‬
‫في الواقع رعايا مستبعدون خاضعون لها‪ ،‬والدولة ليست تعبير ًا عن تطلعاتهم وثقافتهم‪،‬‬
‫بل هي أداة لسيطرة العرق األرقى عليهم‪.‬‬

‫(‪ )4‬سيطرة نخب العرق األرقى على مقدرات البالد االقتصادية وثرواتها‪ ،‬بما في‬
‫ذلك األرض‪ ،‬أثمن الثروات إطالق ًا‪.‬‬
‫(‪ )5‬ث ـقــافــة سـيــاسـيــة وديـنـيــة مـنـتـشــرة‪ ،‬تــرتـكــز عـلــى نـظــريــات عــرقـيــة تتبناها الــدولــة‬
‫وكنيستها‪ ،‬وتشكّل تسويغ ًا نظري ًا وأخالقي ًا لنظام الفصل العنصري(‪.((6‬‬
‫قامت هــذه الحالة االجتماعية‪ ،‬الثقافية‪ ،‬السياسية فــي جنوب أفريقيا‪ ،‬وانـفــردت‬
‫بتسمية ذاتها «أبارتهايد» (فصل) منذ عام ‪ ،1948‬وهي حالة منفردة من العنصرية الرسمية‬
‫الصريحة‪ ،‬المترجمة حقوقي ًا بالنصوص الرسمية الصادرة والمتبنّاة من النظام العنصري‪،‬‬
‫تنوع‬‫التي منها‪« :‬إن واحد ًا من أبرز المظاهر الالفتة للنظر في العالم الذي نعيش فيه هو ّ‬
‫األجناس البشرية‪ .‬لقد خلقت منفصلة‪ ،‬وال بدّ من اإلبقاء على هذا االنفصال‪ ،‬حتى لو‬
‫أدت الظروف االقتصادية أو غيرها إلى قدر من االختالط بين مئات األجناس‪ .‬وتحقيق ًا‬
‫لهذا الهدف يجب تدعيم اإلحساس باللون من أجل المحافظة على نقاء العنصر»‪ .‬وفي‬
‫المطول‪« :‬إن‬
‫ّ‬ ‫وثيقة رسمية أخرى صدرت عن النظام العنصري‪ ،‬تعتبر جديرة باالقتباس‬
‫على الجنس األبيض في جنوب أفريقيا‪ ،‬بوصفه وريث الحضارة المسيحية الغربية إنجاز‬
‫مهمة ذات شقين‪:‬‬
‫األول‪ :‬يتعلق ببقية أعضاء األمم ذات الحضارة المسيحية الغربية‪.‬‬
‫الملونة والـســوداء التي فرضت األح ــداث االتـصــال بها‪،‬‬
‫ّ‬ ‫الثاني‪ :‬يتعلق باألجناس‬
‫والتي تعيش في بدائية شديدة‪ ،‬أو في مرحلة متخ ّلفة جد ًا عن الحضارة‪.‬‬
‫وبالنسبة إلــى الجماعة األولــى‪ :‬يدين الجنس األبيض في جنوب أفريقيا بواجب‬
‫المحافظة التامة على طبيعته كشريك في الحضارة المسيحية الغربية وصيانتها‪ .‬ويقع‬
‫على عاتق العنصر األبيض حماية تلك الحضارة من هجمات الجنس البدائي‪ .‬وبالرغم‬
‫من أن الجنس األبيض يمثل أقلية من ناحية عددية‪ ،‬إال أنــه يجب على هــذا الجنس أن‬
‫(‪ ((6‬عزمي بشارة‪ ،‬لئال يفقد المعنى‪ :‬مقاالت من سنة االنتفاضة األولى (رام الله‪ :‬المؤسسة الفلسطينية لدراسة‬
‫الديمقراطية (مواطن)‪ ،)2002 ،‬ص ‪ .165‬كما ن ُِش َرت هذه المقالة في جريدة السفير بتاريخ ‪.2001/5/25‬‬
‫‪83‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الملونة‪ .‬وبالتالي فإنه من الطبيعي‬
‫ّ‬ ‫يحافظ بأي ثمن على وضعه المسيطر على األجناس‬
‫أن ينظر الجنس األبيض بارتياب إلى أي مبدأ للمساواة المدنية‪ ،‬وبنا ًء عليه‪« :‬فإن أفضل‬
‫الملونة األخرى‪ ،‬هي‬
‫ّ‬ ‫خدمة يمكن للبيض تأديتها لغير البيض (السود) وبعض األجناس‬
‫عزلهم في البانتوستانات بعيد ًا من دون تماس مع السكان البيض‪ ،‬ألن الوضع المسيطر‬
‫يفرض واجب ًا صارم ًا تجاه «العدالة» و«الوصاية» المسيحية نحو غير البيض»(‪.((6‬‬
‫يشار هنا إلــى أن األغلبية قد جــرى تنصيرها‪ .‬ومــع ذلــك أقـ ّـرت الكنيسة البيضاء‪،‬‬
‫وتبنّت‪ ،‬كل الوثائق العنصرية تجاه رعاياها المفترضين من المسيحيين السود‪ .‬وليس‬
‫ال صارخ ًا على عمق ما تستظهره وتستبطنه العقلية الغربية من كراهية وإرهاب‬ ‫ذلك إال دلي ً‬
‫لكل سكان المستعمرات‪ ،‬حتى إن تد ّينت بدين المستعمر‪.‬‬
‫نظن أن النصوص السابقة ليست بحاجة إلى تحليل‪ .‬فهي تحلل نفسها بنفسها من‬
‫دون أية مواربة لغوية إيحائية أو رمزية تُذكر‪ .‬وهي كنصوص وثائقية صادرة عن الحزب‬
‫الوطني العنصري‪ ،‬نقلها المقرر الخاص للجنة حقوق اإلنسان في األمم المتحدة‪ ،‬إنما‬
‫تشير فــي كــل كلماتها وعباراتها إلــى عقلية الـتـفـ ّـوق واالسـتـعــاء والتمركز الغربي التي‬
‫ســادت لــدى أنبياء الـحــداثــة المستعمرين فــي معظم جنبات األرض التي داستها أقــدام‬
‫هؤالء الحجاج والقديسين األنبياء‪.‬‬
‫(‪((6‬‬
‫‪ - 2‬قوننة الفصل (التمييز العنصري)‬
‫متفردة في‬
‫سبق أن أشرنا إلى أن الحالة العنصرية في جنوب أفريقيا كانت حالة ّ‬
‫عنصريتها الرسمية الصريحة المترجمة حقوقي ًا بالنصوص الرسمية الصادرة والمتبنّاة‬
‫من النظام االستعماري‪ .‬وقد اقتبسنا آنف ًا بعض ًا من هذه النصوص الحقوقية العنصرية‪،‬‬
‫كإطار عام جرت فيه كافة أشكال التمييز العنصري‪ .‬وكانت أهم هذه القوانين هي ما‬
‫يتعلق بـ‪:‬‬
‫المقرر الخاص للجنة‬

‫ّ‬ ‫(‪ ((6‬األمم المتحدة‪ ،‬االضطهاد والتمييز العنصري في أفريقيا الجنوبية‪ :‬ملخّ ص لتقرير‬
‫حقوق اإلنسان (القاهرة‪ :‬مطبعة أطلس‪ ،)1967 ،‬ص ‪.9‬‬
‫(‪ ((6‬إن مفهوم التمييز العنصري وفــق االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري التي‬
‫أصبحت نافذة منذ عام ‪ 1969‬يشير إلى أي تمييز أو استثناء أو تقييد أو تفضيل يقوم على العرق أو اللون أو النسب‬
‫أو األصل القومي أو اإلثني‪ .‬ويستهدف تعطيل أو عرقلة االعتراف بحقوق اإلنسان والحريات األساسية‪ ،‬أو التمتّع‬
‫بها أو ممارستها‪ ،‬على قدم المساواة في الميدان السياسي أو االقتصادي أو االجتماعي أو الثقافي أو في أي ميدان‬
‫آخر من ميادين الحياة العامة‪.‬‬
‫‪84‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أ ‪ -‬قانون تقسيم األهالي (السكان)‪ :‬أصــدرت هذه الحالة (اتحاد جنوب أفريقيا)‬
‫ال للشعب كله (قانون تسجيل األهالي عام ‪،)1950‬‬ ‫تضمنت تصنيف ًا شام ً‬
‫ّ‬ ‫الئحة قانونية‬
‫وبموجب هذا القانون انقسم األهالي إلى فئات ثالث‪ ،‬تم تعريفها على النحو اآلتي‪:‬‬
‫● الشخص األب ـيــض‪ :‬هــو ال ــذي يتضح مــن مـظـهــره أن ــه أبـيــض الـبـشــرة‪ ،‬ويصنّف‬
‫كشخص أبيض‪ ،‬وال يبدو من مظهره أنه شخص غير أبيض‪.‬‬
‫● الشخص األسود (البانتو)‪ :‬هو الشخص الذي ينتمي في الواقع إلى أصل عرقي‬
‫أفريقي أو إلى أي قبيلة أفريقية أو المقبول عام ًة كعضو فيها‪.‬‬
‫الملون‬
‫ّ‬ ‫الملون‪ :‬هو الشخص الذي ليس من نوع أبيض أو أسود‪ ،‬وهذا‬ ‫ّ‬ ‫● الشخص‬
‫قد يتحدر من أصــول صينية‪ ،‬أو هندية‪ ،‬أو مالوية‪ ،‬وطبق ًا لقانون تسجيل األهالي‪ ،‬فإنه‬
‫يتحتم تصنيف كل فرد في جنوب أفريقيا وإدخاله في سجالت السكان بحسب ساللته‬
‫التصنيفية‪ .‬ويعتبر هذا التصنيف أساس ًا لكل القضايا الحقوقية المختلفة‪ ،‬من بينها أين‬
‫يمكن للفرد أن يعيش‪ ،‬وكيف يمكن أن يعيش‪ ،‬وأي عمل يمكن أن يؤديه‪ ،‬ونوع التعليم‬
‫الــذي يمكن أن يتلقاه‪ ،‬وكذلك دائــرة زواجــه المتاحة‪ ،‬ونــوع الخدمات والمرافق العامة‬
‫الممكنة والمحظورة‪ ،‬ومدى حريته في اإلقامة والتنقل والعمل‪ .‬وبشكل أعم يبنى على‬
‫هذا التصنيف تطبيق عملي لسياسة االضطهاد العنصري‪ ،‬التي من أهمها تطبيق درجة من‬
‫العزل التام الموضعي أو المكاني‪ ،‬وذلك بالنسبة إلى المناطق السكنية والمرافق العامة‪،‬‬
‫والتعليم ووســائــل الـنـقــل‪ ...‬وإج ــراءات خاصة بالحقوق السياسية‪ ،‬كالمجالس النيابية‬
‫المنفصلة(‪.((7‬‬
‫ب ‪ -‬قانون تقسيم األراضي‪ :‬بما أن األرض هي أثمن الثروات إطالق ًا‪ ،‬ومن دون‬
‫أدنى شك‪ ،‬فإن االعتبارات االقتصادية التي شكّلت الغاية األساس للنزوع االستعماري‬
‫نحو المستعمرات‪ ،‬وســوغــت فــي الــوقــت ذات ــه كــل سـيــاســات االسـتـعـمــار‪ ،‬فــإن االعتبار‬
‫االق ـت ـصــادي يبقى األس ــاس أي ـض ـ ًا فــي فـهــم ال ـصــراع الـسـيــاســي فــي جـنــوب أفــريـقـيــا‪ ،‬وكــل‬
‫المستعمرات األخرى التي خضعت للنفوذ الغربي‪ .‬وبهذا‪ ،‬فإن قانون األرض وتقسيمها‪،‬‬
‫كان أساسه توفير الحماية الذاتية للمصالح االقتصادية البيضاء‪ .‬وفي هذا اإلطــار‪ ،‬يذكر‬
‫أن المساحة الكلية لجنوب أفريقيا تصل إلى ‪ 472.000‬ميل مربع‪ ،‬ووفق قانون تقسيم‬
‫األراضي هذا فقد خصص هذا التشريع نحو ‪ 13‬بالمئة فقط من المساحة الكلية كمعازل‬
‫(‪ ((7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪85‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫للسكان األفريقيين‪ .‬وأطلق على بقية األرض التي تعادل أكثر من ‪ 80‬بالمئة من المساحة‬
‫الكلية‪ ،‬اسم المنطقة البيضاء‪ ،‬أو المنطقة األوروبية‪ ،‬وهي المنطقة المحتجزة لرفاه العرق‬
‫يسمي نفسه أبيض»‪ ،‬وسيكون لكل أفريقي من مواطني جنوب أفريقيا وطن قومي‬ ‫«الذي ّ‬
‫ال(‪ ،((7‬ضمن ثماني وحــدات‬ ‫معزول عن بقية األوط ــان األفريقية التي بلغت ‪ 264‬م ـعــز ً‬
‫قومية كـبــرى‪ .‬وذل ــك وفـقـ ًا لنظام البانتو ال ـصــادر عــام ‪ .1959‬وبــذلــك أصـبــح المواطن‬
‫األفريقي داخل المناطق األوروبية موصوف ًا بأنه عامل أجنبي مهاجر(‪ .((7‬وقد اعتبر قانون‬
‫عام ‪ 1959‬امتداد ًا وتطوير ًا لقانون وضع اليد عام ‪1951‬‏(‪ ((7‬الذي أخلى كافة المناطق‬
‫حول أراضــي البيض ومدنهم‪ ،‬وقانون إعــادة توطين البانتو عام ‪ 1954‬الذي كان له أثر‬
‫كبير في حملة ترانسفير واسعة شملت نقل آالف السود من المناطق الحضرية للحيلولة‬
‫دون امتالكهم أية أراض أو عقارات داخل المدن األوروبية(‪.((7‬‬
‫وبـصـفــة عــامــة‪ ،‬ف ــإن مـنـظــومــة ه ــذه الـقــوانـيــن قــد اسـتـهــدفــت الـحـيـلــولــة دون انــدمــاج‬
‫الجماعات السكانية اقتصادي ًا وثقافي ًا‪ ،‬وكي تبقى الجماعة البيضاء سيدة البالد نتيجة لضآلة‬
‫ظل قوانين األرض والملكية وتعديالتها‬ ‫عددها مقارنة بحجم السكان األصليين‪ .‬وفي ّ‬
‫المختلفة‪ ،‬تمكّنت األقلية البيضاء الحاكمة مــن تحقيق ترانسفير مماثل مــن المناطق‬
‫البيضاء الريفية لحشرها في البانتوستانات السوداء‪ .‬ففي الفترة (‪ )1973 - 1963‬جرى‬
‫ترحيل أكثر من مليون أفريقي من المناطق الريفية البيضاء إلى هذه المعازل(‪ .((7‬وتتسم‬
‫األراض ــي المتروكة لعيش السود بأنها أكثر األراض ــي جفاف ًا‪ ،‬وأشــدهــا ح ــرارة‪ ،‬وأفقرها‬
‫تربة‪ ،‬وهي لهذه األسباب وغيرها ال تناسب إقامة واستيطان المستوطنين البيض الذين‬
‫بالضرورة استهدفوا األراضي الخصبة ذات المياه الوفيرة‪ ،‬سواء للزراعة أم تربية الماشية‪.‬‬
‫ال من ظــروف الحالة العنصرية في جنوب أفريقيا‪ ،‬ويذكر أن‬ ‫(‪ ((7‬لــم تكن روديسيا (زمبابوي) بأحسن حــا ً‬
‫زمبابوي كانت قد احت ّلت بواسطة شركة جنوب أفريقيا البريطانية التي يملكها رجل األعمال اإلنكليزي «رودس»‪،‬‬
‫والتي نسبت زمبابوي كمستعمرة إليه بعد تحويل اسمها التاريخي إلى روديسيا كإقطاعية‪/‬مزرعة خاصة بصاحب‬
‫مؤسس مشروع الدولة اليهودية قد طرح فكرة الشركة اليهودية الستعمار‬ ‫الشركة‪ ،‬لذا ليس غريب ًا أن يكون هرتزل ّ‬
‫فلسطين‪ .‬مارست حكومة شركة رودس سياسة األبارتهايد نفسها بتقسيم زمبابوي إلى ‪ 104‬معازل مورست فيها‬
‫جملة النظم العنصرية في جنوب أفريقيا‪.‬‬
‫(‪ ((7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.13‬‬
‫(‪ ((7‬سوف نرى الحق ًا كيف استخدمت إسرائيل قانون وضع اليد في كل عمليات مصادرة األراضي لعزلها‬
‫خلف الجدار‪.‬‬
‫(‪ ((7‬ع ـب ــد ال ــداي ــم‪« ،‬الـفـقــر وال ـمــرض فــي المجتمع األفــريـقــي تـحــت الـحـكــم الـعـنـصــري فــي جـنــوب أفريقيا‪،‬‬
‫‪ »،1976 - 1948‬ص ‪.71‬‬
‫(‪ ((7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫‪86‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ثــم بعد اكتشاف الـثــروة المعدنية (الــذهــب‪ ،‬والـنـحــاس‪ ،‬والفحم الحجري) عملوا على‬
‫اقتطاع أجــزاء أخرى كبيرة من أراضــي المعازل الخاصة باألفارقة بعد هذه المكتشفات‬
‫االقتصادية الحيوية جد ًا لعمليات االستغالل المختلفة(‪.((7‬‬
‫ج ‪ -‬قــانــون اإلق ــام ــة والـتـنـقــل (ضـبــط ال ـحــركــة)‪ :‬بــاالسـتـنــاد إل ــى مـنـظــومــة الـقــوانـيــن‬
‫واللوائح المرفقة التي أصدرتها الحكومات البيضاء المتعاقبة‪ ،‬يتضح أن هــذا اإلجــراء‬
‫(ضبط الحركة) استهدف تمزيق النسيج االجتماعي للمجتمع األفريقي‪ ،‬وهو في اعتقادنا‬
‫ـآس إنسانية رهيبة‪.‬‬ ‫نمط إب ــادي )‪ (Modern‬خلق على مــدى سـنــوات الفصل الطويلة مـ ٍ‬
‫وفــي نظرة مقارنة سريعة يتضح أيض ًا أن هــذه القوانين التي تمارس اليوم في إسرائيل‬
‫تجاه العرب‪ ،‬سواء في الضفة الغربية وقطاع غزة والقدس‪ ،‬أم في األرض المحتلة عام‬
‫‪ ،1948‬كأنها حالة استنساخ تامة عن القوانين العنصرية األم في جنوب أفريقيا‪ .‬فقانون‬
‫(مناطق الفئات الساللية) قصر حقوق اإلقامة داخل أوطان الجماعات (البانتوستانات)‬
‫خصصت المنطقة لها‪ .‬وبالتالي‪ ،‬ال يمكن ألي فرد أو جماعة من‬ ‫على أفــراد الفئة التي ّ‬
‫هــذه الفئة الساللية أن تعيش إال في المناطق التي جــرت هندستها جغرافي ًا لها (قانون‬
‫المناطق الحضرية عام ‪ .)1945‬وقد فرضت القيود القانونية على اإلقامة في المعازل‪،‬‬
‫وبموجبها ال يحق ألفريقي غير مقيم إقامة دائمة قانونية في المعازل أن يقيم فيها من دون‬
‫موافقة كتابية (تصريح) من مفوض شــؤون البانتو‪ .‬ثم بموجب قانون إدارة البانتو عام‬
‫‪ ،1927‬يجوز لرئيس الدولة «كلما رأى ذلك ضروري ًا للمصلحة العامة»‪ ،‬أن يأمر قبيلة‬
‫كاملة أو جــزء ًا منها باالنتقال إلى مكان آخر يحدده هو‪ .‬ويتع ّين عليهم في هذه الحالة‬
‫ظل األمــر ساري ًا‪ ،‬وال يجوز لهم العودة إلى موطنهم‬ ‫أن يقيموا في ذلك المكان طالما ّ‬
‫األصلي (البانتو) أو االنتقال إلى أي مكان آخر من دون تصريح كتابي‪ .‬كما منع القانون‬
‫اإلنسان األفريقي داخل المناطق الحضرية البيضاء من التواجد أثناء الليل إال بتصريح‬
‫كتابي من جهة أمنية(‪ .((7‬وقد حدّ دت هذه التصاريح بدقة المكان والزمان الذي يجب أن‬
‫يتواجد فيه هذا الكائن األسود‪ .‬وكانت تصاريح المرور األداة التي تضمن تفعيل قانون‬
‫المناطق الحضرية البيضاء‪ ،‬باعتباره أداة الضبط القسرية التي يتوجب االنصياع لها‪ .‬وهذه‬
‫التصاريح تمنح بشرط حصول المواطن األسود على بطاقة الهوية الشخصية ذات اللون‬
‫(‪ ((7‬ديـ ــاب نـصــر‪« ،‬مشكلة األرض فــي روديـسـيــا الجنوبية‪( »،1980 - 1890 ،‬أطــروحــة دك ـتــوراه‪ ،‬معهد‬
‫البحوث والدراسات األفريقية‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،)2008 ،‬ص ‪.88‬‬

‫المقرر الخاص للجنة‬‫ّ‬ ‫(‪ ((7‬األمم المتحدة‪ ،‬االضطهاد والتمييز العنصري في أفريقيا الجنوبية‪ :‬ملخّ ص لتقرير‬
‫حقوق اإلنسان‪ ،‬ص ‪.15‬‬
‫‪87‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تعرض آالف األفارقة‬
‫األخضر المختلفة في لونها عن لون بطاقة الرجل األبيض‪ .‬وقد ّ‬
‫للتعذيب واالعتقال بسبب هذه التصاريح(‪.((7‬‬
‫أو ّد اإلش ــارة هنا فقط إلــى أن هناك منظومة ال حصر لها مــن القوانين العنصرية‪،‬‬
‫مـثــل قــانــون الـعـمــل والـتـعـلـيــم‪ ،‬والـ ــزواج والـحـيــاة االجـتـمــاعـيــة وغـيــرهــا‪ ،‬عالجتها الكثير‬
‫مــن الـمـصــادر‪ ،‬وك ــان مــن نتائجها المباشرة إلـحــاق األذى والــدمــار بالحياة االقتصادية‬
‫بغض النظر عن‬‫واالجتماعية والصحية للشعب األصلي‪ .‬وقد طالت كل الفئات السوداء ّ‬
‫جنسها ومكان إقامتها وعمرها(‪.((7‬‬
‫إذا كانت القوى االستعمارية تريد دائم ًا االستئثار بالمكان المستهدف‪ ،‬فال يمكن‬
‫تحقيق االستئثار بالمكان تاريخي ًا إال بتحقيق السيادة الكولونيالية عليه (بكل الوسائل‬
‫المعروفة تــاريـخـيـ ًا)‪ .‬وعـلـيــه‪ ،‬فــإن الـسـيــادة فــي الـمـكــان استوجبت دائ ـم ـ ًا إقـصــاء السكان‬
‫الوطنيين‪ ،‬ليس من المشاركة في فعل السيادة‪ ،‬وإنما التفكير أو االقتراب منه‪ .‬ولهذا‪ ،‬فإننا‬
‫ال نضيف شيئ ًا مهم ًا إذا قلنا إن الحكم األبيض العنصري في الجنوب األفريقي قد عمل‬
‫حط أول الغزاة أقدامهم على األرض‪ ،‬على تجريد السكان من أية مسؤولية‬ ‫جاهد ًا‪ ،‬منذ ّ‬
‫في إدارة شؤون بالدهم‪ .‬وليس ذلك فقط‪ ،‬وإنما تدمير كل البنى السياسية التقليدية التي‬
‫كانت سائدة لدى هذه الشعوب‪ .‬وإمعان ًا في سياسة اإلقصاء السريع والترويض المتدرج‬
‫على الطاعة لهذا السيد األبيض‪ ،‬جرى إصدار منظومة قانونية معقدة (ودائمة التجديد)‬
‫(‪ ((7‬تشير الوثائق إلى عدد كبير من أنواع التصاريح التي كان على األفريقي الحصول عليها عند ّ‬
‫كل عملية‬
‫انتقال‪ ،‬سواء بين المعازل أو بين هذه المعازل والمناطق الحضرية أو األفريقية أو الريفية البيضاء‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ - 1‬تصريح السفر‪ :‬من البانتو إلى المدينة وهو يعرف باسم »‪.«Trek Pass‬‬
‫‪ - 2‬تصريح الحصول على تذكرة قطار عن السفر يعرف باسم »‪.«Traveling Pass‬‬
‫‪ - 3‬تصريح خــاص لـمــدة ستة أي ــام لـلــذهــاب إلــى منطقة حضرية للبحث عــن عمل يـعــرف بــاســم ‪«Six Days‬‬
‫‪Special Pass».‬‬
‫‪ - 4‬تصريح هوية )‪.(Identification Pass‬‬
‫‪ - 5‬تصريح شـهــري‪ :‬يحصل عليه بمساعدة صــاحــب العمل األبـيــض يفيد بــأن األفــريـقــي مــا زال يعمل لديه‬
‫)‪.(Monthly Pass‬‬
‫‪ - 6‬تصريح يومي‪ :‬لالنتقال من موقع حضري إلى آخر لمدة يوم واحد )‪.(Day Special Pass‬‬
‫ال )‪.(Night Special Pass‬‬‫‪ - 7‬تصريح للخروج لي ً‬
‫‪ - 8‬تصريح لزيارة موقع حضري )‪.(Location Visitors Pass‬‬
‫انظر‪ :‬الهاللي‪« ،‬المجتمعات األفريقية الحضرية تحت الحكم العنصري في جنوب أفريقيا‪»،1976 - 1923 ،‬‬
‫ص ‪.178 - 170‬‬
‫(‪ ((7‬انظر‪ :‬محمد عبد الغني سعودي‪ ،‬قضايا إفريقيا‪ ،‬عالم المعرفة؛ ‪( 34‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة‬
‫والفنون واآلداب‪)1980 ،‬؛ أحمد طاهر‪ ،‬فصول من الماضي والحاضر (القاهرة‪ :‬دار المعارف‪ ،)1975 ،‬ونعيم‬
‫قداح‪ ،‬التميز العنصري وحركة التحرير في جنوب أفريقيا (الجزائر‪ :‬الوطنية للنشر والتوزيع‪.)1975 ،‬‬
‫‪88‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بالتعديل الدائم لمواجهة أي محاوالت وطنية للتدخل في الشأن السياسي العام‪ .‬وضمن‬
‫هذا االفتراض‪ ،‬فقد أصدرت سلطات االستعمار األبيض في الجنوب األفريقي‪ ،‬شأنها‬
‫في ذلــك شــأن كل قــوى االستعمار عشرات‪ ،‬بل مئات‪ ،‬القوانين العنصرية التي تحتكر‬
‫السيادة في المكان‪ ،‬من أجل احتكار موارد المكان‪ ،‬بما فيها قوة العمل البشرية‪ .‬ولذلك‪،‬‬
‫فإن منظومة قوانين االستعمار أتت بشكل تام على احتكار السلطة بشكل مطلق وحصري‬
‫في جنسها «السامي» من أجل ضمان أبدية تفوق وسمو وخلود واستقرار مصالح ونفوذ‬
‫هذا الجنس األسمى ديني ًا وعرقي ًا وقيمي ًا‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬العنصرية في األيديولوجيا الصهيونية‪:‬‬

‫«اإلطار الثيوقراطي كمرجعية أيديولوجية»‬
‫‪ - 1‬أسطورة الشعب المختار‬

‫ي ـقــوم ه ــذا الـمـبـحــث عـلــى فــرضـيــة أســاسـيــة ت ـقــول‪ :‬إن أي مـحــاولــة لـفـهــم السياسة‬
‫اإلسرائيلية تجاه الفلسطينيين في األراضــي العربية المحتلة‪ ،‬بما فيها سياسة «العزل»‪،‬‬
‫ال تنطلق مــن كــون إســرائـيــل الــدولــة ‪ -‬ككيان سياسي ‪ -‬هــي دول ــة يهودية‪/‬دينية‪ ،‬يبقى‬
‫ال غائم ًا ومـبـتـســر ًا‪ .‬وتشكّل الـمـقــوالت الكبرى فــي الــديــن الـيـهــودي‪ ،‬مثل الشعب‬ ‫تحلي ً‬
‫المختار‪ ،‬الطبقة األعمق للبناء السياسي اإلسرائيلي‪ .‬فعلى هذه الطبقة قام المبنى المادي‬
‫المتجذر القائم على أن التطهير العرقي حاجة‬ ‫ّ‬ ‫واأليديولوجي إلسرائيل‪ .‬تجسيد ًا لالعتقاد‬
‫إلهية ورغبة يهودية‪.‬‬
‫تغذي بعضها بعض ًا هي التي أ ّلفت تاريخي ًا‬ ‫إن منظومة الحصريات الثيوقراطية التي ّ‬
‫هذا االستيطان اإلحاللي الذي سعى ويسعى إلى بناء مستوطنة كبرى طاهرة (نظيفة من‬
‫اآلخ ــر)‪ .‬وقــد بــدأت منظومة الحصريات التوراتية هــذه بالحصرية االختيارية «الشعب‬
‫المختار» من إلــه (ألوهيم)‪ ،‬وهــو اإللــه الحصري بالشعب المقدس المختار‪ ،‬الــذي هو‬
‫في ذاتــه المقدسة كإله ليس إال «إلـهـ ًا» لبني إسرائيل دون غيرهم‪ .‬وهــو في ذاتــه اإللهية‬
‫يع َه ِذ ِه‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫الحصرية قد م ّلك شعبه المقدس أرض الله المقدسة « ُأ ْعطي َل َك َول ُذ ِّر َّيت َك َجم َ‬
‫ض»(‪ .((8‬ثم بعد هذا االختيار االصطفائي والتمليك األبدي لألرض‪ ،‬يأخذ الغرض‬ ‫األَ ْر ِ‬
‫منحى آخــر يتمثل بتركّز الـغــرض اإللـهــي فــي هــذا الشعب بشكل حـصــري‪ .‬فقد‬ ‫ً‬ ‫اإللـهــي‬
‫(‪ ((8‬الكتاب المقدس‪« ،‬سفر التكوين‪ »،‬األصحاح ‪ ،26‬اآلية ‪.3‬‬
‫‪89‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يتعمق االتجاه الحلولي «حلول الله في‬
‫اختير ليكون المستودع الخاص لعطف يهوه‪ .‬ثم ّ‬
‫فتعمق القداسة في الحاخامات‬
‫الشعب اليهودي» مع ظهور اليهودية التلمودية الحاخامية‪ّ ،‬‬
‫مــن خــال الشريعة الشفوية‪ ،‬حيث يتساوى الــوحــي اإللـهــي باالجتهاد البشري‪ ،‬بحيث‬
‫ال يصبح هناك فارق بين الجوهر اإللهي والجوهر اليهودي‪ ،‬ويصبح الفارق األساسي هو‬
‫بين الجوهر اليهودي وجوهر بقية البشر الوضيعيين المتوحشين(‪.((8‬‬
‫ترتّب على االختيار والحصرية التمليكية والحلولية اإللهية في اليهود من بين بقية‬
‫الخلق اإلنساني طلب إلهي مــن جماعة إسرائيل أن يصنعوا لــه (ال ــرب) مكان ًا ليسكن‬
‫ـون لِــي َمـ ْقـ ِـدسـ ًا ألَ ْس ـ ُك ـ َن فِــي َو َس ــطِ ـ ِـه ـ ْـم»(‪ .((8‬لــذا‪ ،‬فهو يأمر شعبه المختار‬
‫ـصـنَـ ُعـ َ‬
‫بينهم « َفـ َيـ ْ‬
‫بتنظيف هذا المجلس من سكانه الغرباء الدنسين من اإلسماعيليين (ذريــة إسماعيل)‪،‬‬
‫سواء أكانوا ذكور ًا أم إناث ًا‪ ،‬كبار ًا أم صغار ًا‪ ،‬ليطال التنظيف اإلبادي األراضي البعيدة عن‬
‫أرض الميعاد(‪ .((8‬هكذا‪ ،‬إذ ًا‪ ،‬جرى تنظيف سيناء المصرية والجوالن السوري من معظم‬
‫السكان العرب‪ ،‬لتهيئة سكن اإلله بين اليهود‪.‬‬
‫تستند إسرائيل‪ ،‬الدولة‪ ،‬إلى بنية تحتية تعتمد على القيم اليهودية‪ ،‬والقيم اليهودية‬
‫الكبرى تميزت أص ً‬
‫ال في فكرة العهد‪ ،‬واستقت وحيها منها‪ .‬فالقيمة العهدية التوراتية التي‬
‫عقدت بين اليهودي واإلله‪ ،‬اختزلت اإلله في هذا اليهودي ليختفي جزء من هذا اإلله في‬
‫هذا اليهودي الذي يصبح على شاكلة الله‪ .‬وهذا الذي على شاكلة الله‪ ،‬عليه تنفيذ أمر‬
‫اإلله بجعل المكان أو الح ّيز العام الذي يقيم فيه اإلله حكر ًا على من هم على شاكلة هذا‬
‫مهد إلسرائيل الدولة «دولة اإلله» أن‬ ‫اإلله‪ .‬كان هذا االفتراض الديني هو األساس الذي ّ‬
‫تمارس فظائع التطهير العرقي لبناء مستعمرة االستيطان الطاهر‪ ،‬حيث يجب أن يحل فيها‬
‫اإلله وسط اليهود(‪.((8‬‬
‫إن فكرة االختيار‪ ،‬على وجه العموم‪ ،‬قد أكدت فكرة االنعزال عن اآلخرين كتعبير‬
‫رسخ التلمود المكتوب‬
‫عن القداسة الناجمة عن الحلول اإللهي في الشعب المقدس‪ .‬ثم ّ‬
‫كتعاليم وشروحات دينية للتوراة قيمة التمايز واالنعزال بتشبيه الشعب المقدس بالزيت‬
‫(‪ ((8‬الكتاب المقدس‪« ،‬سفر الخروج‪ »،‬األصحاح ‪ ،8‬اآلية ‪.25‬‬

‫(‪ ((8‬المصدر نفسه‪« ،‬سفر التثنية‪ »،‬األصحاح ‪ ،20‬اآليات ‪.18 - 10‬‬
‫(‪ ((8‬دانيئيل أليعازر‪« ،‬قيم يهودية في الدولة اليهودية‪ »،‬فــي‪ :‬إسرائيل ‪ :2020‬خطتها التفصيلية لمستقبل‬
‫الدولة والمجتمع‪ ،‬راجع الترجمة عن العبرية الياس شوفاني وهاني عبد الله؛ تقديم سلمان أبو ستة‪ 6 ،‬ج (بيروت‪:‬‬
‫مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،)2005 - 2004 ،‬ج ‪ ،6‬ص ‪.298 - 273‬‬
‫‪90‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الــذي ال يمكن خلطه مع الـمــواد األخ ــرى‪ .‬وكذلك شعب إسرائيل ال يمكن أن يندمج‬
‫أو يختلط بالجماعات األخ ــرى‪ .‬وكلما ازداد االعتقاد بمنطق الحلول اإللـهــي بشعب‬
‫تعمق اتجاه العزلة واالنعزال‪ ،‬وازداد رسوخ ًا مع الزمن‪ .‬وهنا‪ ،‬فإن الدولة العبرية‬
‫الله‪ّ ،‬‬
‫قد رسخت تاريخي ًا هذا الفهم بجعل العزل العنصري سمتها المركزية‪ ،‬وقد تمثل ببناء‬
‫الجدار العازل‪.‬‬
‫ترى الباحثة اإلسرائيلية ياعيل يوتان أن اليهودية هي محل جوهراني في التمييز‬

‫والـتـمــايــز واالن ـع ــزال‪ ،‬ألنــه بالنسبة إلــى مــن يم ّيز بين الـطــاهــر والـنـجــس‪ ،‬الـمـقــدس وغير‬
‫ال عنهم حـتــى إن‬ ‫ال لــآخــريــن إن تـمـ ّكــن‪ ،‬ومـنـعــز ً‬
‫الـمـقــدس‪ ،‬ال يمكن إال أن يـكــون ع ــاز ً‬
‫أقــام بينهم‪ ،‬وفــي كلتا الحالتين قــدّ س اليهود فعل االنـعــزال ومــارســوه إن كــان فــي إطــار‬
‫الغيتو المفروض «المحبب»‪ ،‬أو إن كان في الجيب االستيطاني كغيتو انعزالي بالجدار‬
‫واألسالك الشائكة في إسرائيل(‪.((8‬‬
‫‪ - 2‬أسس التمييز والتمايز‬

‫تحولت الـعـبــارة التوراتية «شعب يسكن وحــده غير آبــه بــاألغـيــار» إلــى مثل أعلى‬
‫لليهود‪ ،‬ليس فقط كمجموعة دينية لها عقيدة دينية مختلفة عن باقي الشعوب‪ ،‬وإنما هم‬
‫أيض ًا كمجموعة مجبولة من طينة أخرى أكثر طهارة ال يجوز تلويثها وتدنيسها بالزواج‬
‫المختلط‪ .‬والتمييز بين بني إسرائيل واألغيار‪ ،‬هي تلك القاعدة التي حظر بموجبها (عزرا‬
‫ونحميا) ال ــزواج مــن شعب الـبــاد‪ .‬وكــان كتاب ال ـتــوراة أص ـ ً‬
‫ا قــد عــرف أسـمــاء إلــه بني‬
‫إسرائيل سلف ًا كمفاهيم مطلقة «الله ليس إله أقوام أخرى»‪ ،‬واإلله الخاص ببني إسرائيل‬
‫قــد طالب المؤمنين بــه بــأن يم ّيزوا أنفسهم مــن المحيطين بهم ممن هــم غير مشمولين‬
‫بالحلول والحظوة العهدية اإللهية بعالمات معينة‪ ،‬كتحريم إشـعــال الـنــار والعمل في‬
‫السبت‪ .‬وحــدّ دت التوراة قواعد فصل مختلفة‪ ،‬وأضاف إليها التلمود قواعد أخرى تقع‬
‫تحت طائلة التمييز بين الطاهر والنجس‪ ،‬المقدس والدنيوي‪ ،‬مثل الكَاشيير والطريف(‪.((8‬‬
‫من هنا كانت اليهودية بوصفها الديني ضد االنــدمــاج‪ ،‬إذ ال يمكن الذوبان وسط‬
‫الناس الذين ال تستطيع أن تأكل أو تشرب معهم‪ ،‬أو تمضي في صحبتهم أوقات الفراغ‪،‬‬
‫(‪ ((8‬يــاعـيــل يــوتــان‪« ،‬الصهيونية كــاسـتـمــرار لليهودية بــوســائــل أخ ــرى‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬الـعــدد ‪( 13‬شتاء‬
‫‪ ،)2004‬ص ‪.23‬‬
‫(‪ ((8‬الكاشير هو الطعام اليهودي الــذي يباركه الحاخام‪ ،‬أما الطريف فهو الطعام الــذي ال يباركه الحاخام‬
‫وغير المسموح به شرع ًا‪.‬‬
‫‪91‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ناهيك عن االختالط بالزواج(‪ .((8‬لذلك ليس مستغرب ًا أن تستمر الصهيونية كحالة دينية‬
‫بعثية للدين اليهودي‪ ،‬وفي ذروة قيم التنوير والمواطنة القانونية‪ ،‬أن تستمر في دفع اليهود‬
‫إلى اإلبقاء على حالتهم الرفضوية في االندماج والتمايز الديني والعرقي أيض ًا‪.‬‬
‫يذهب المفكّر روجيه غارودي إلى تبنّي فكرة ناتان فاينستوك القائلة‪« :‬إن اإليمان‬
‫الصهيوني ال يعرف التماسك والـتــرابــط إال بالرجوع إلــى الديانة الموسوية؛ جـ ّـرب أن‬
‫تحذف مفاهيم الشعب المختار واألرض الموعودة‪ ،‬فسرعان ما ينهار األســاس الذي‬
‫قامت عليه الصهيونية»(‪.((8‬‬
‫لـهــذا‪ ،‬فــإن كــل األح ــزاب الصهيونية «الـعـلـمــانـيــة» تعتمد ال ـتــوراة مــرجـعـ ًا لتأسيس‬
‫صهيوني بموجب صك إلهي لبني إسرائيل في الملكية‬ ‫ّ‬ ‫سياسة تقول‪« :‬إن فلسطين ٌ‬
‫ملك‬
‫األب ــدي ــة»‪ .‬واستخلص غ ــارودي أســس االن ـعــزال الـيـهــودي عــن األغ ـيــار بــالـقــول‪« :‬هكذا‬
‫كان رفض الصهاينة االندماج بالشعوب واالنعزال عنها قد استمدّ دعمه من س ّلم القيم‬
‫الذي حدّ دته التوراة ورسخته طبقة الكهنوت التلمودية‪ ،‬حينما عزلت التاريخ اليهودي‬
‫عن السياق التطوري اإلنساني العام‪ ،‬ورسمت له خط سير يهودي مخصوص ومحدد‬
‫ومـعــزول‪ .‬فالعصر الذهبي لليهودية كــان عصر العزلة القبلية المنغلقة على ذاتها‪ ،‬وهو‬
‫عصر النقاء والصفاء‪ ،‬واالصطفاء(‪.((8‬‬
‫وكــان الحاخام سعاديا هـجــاؤون‪ ،‬حكيم الـقــرن العاشر الميالدي الــذي تــرك أثــر ًا‬
‫مـعـ ّـمـقـ ًا فــي الـفـكــر الـثـيــولــوجــي ال ـي ـهــودي‪ ،‬قــد اعـتـبــر أن أس ــاس األم ــة الـيـهــوديــة هــو الــديــن‬
‫اليهودي‪« :‬أمتنا‪ ،‬أمة بفضل شريعتها الدينية»‪ ،‬وهي شريعة وفق رؤيــة المفكّر إسرائيل‬
‫شــاحــاك لــم تتحكم فــي كــل أوجــه الحياة العامة والـخــاصــة لليهود فحسب‪ ،‬بــل فرضت‬
‫ال صــارمـ ًا بينهم وبين غير اليهود؛ هــذا االنفصال الــذي امتلكت ناصيته المنظمة‬ ‫انفصا ً‬
‫الصهيونية لتبني ليهوديتها ح ّيز ًا سيادي ًا جغرافي ًا انعزالي ًا كأنجع حل للمسألة اليهودية‪،‬‬
‫بالعودة إلى عصر العزلة القبلية المنغلقة على ذاتها(‪ .((9‬وقد م ّثلت الدولة المنغلقة على‬
‫ذاتها‪ ،‬ذات الطابع اليهودي الصرف قاعدة الكيان الجماعي لليهود كعرق وديــن‪ .‬هذه‬
‫الدولة بهذا الطابع «المم ّيز» جعلت الدين األساس الوحيد الذي حدّ د قوميتها‪.‬‬
‫(‪ ((8‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.25‬‬

‫(‪ ((8‬روجيه جارودي‪ ،‬فلسطين أرض الرساالت السماوية‪ ،‬ترجمة قصي األتاسي ومشيل واكيم (دمشق‪ :‬دار‬
‫طالس‪ ،)1991 ،‬ص ‪.154‬‬

‫(‪ ((8‬جارودي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.173‬‬
‫(‪ ((9‬إسرائيل شاحاك‪« ،‬الالهوت اليهودي والقدس‪ »،‬الكرمل‪ ،‬العدد ‪( 65‬خريف ‪ ،)2000‬ص ‪.218‬‬
‫‪92‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫لم يكن هيرتزل‪ ،‬وهو العلماني في المنطق اليهودي إال توراتي ًا في تعريفه لألمة‬
‫بــاالسـتـنــاد إل ــى الـثــابــت األس ــاس فـيـهــا‪ ،‬وه ــو ديـنـهــا الـيـهــودي الـقــائــم عـلــى ثـقــافــة االن ـعــزال‬
‫والتمايز مــن اآلخ ــر‪ ،‬لتسويغ شرعية دولــة األمــة اليهودية‪ .‬ولــم تخرج غــولــدا مائير عن‬
‫معينها التوراتي لحظة واحدة‪ ،‬فقد تمثلت تمام ًا األساس الديني كإطار حاكم لصهيونيتها‬
‫العلمانية‪ ،‬واعتبرت أن وطنها «إسرائيل» قد قام إنجاز ًا لوعد قطعه الله لنا على نفسه(‪.((9‬‬
‫إن التزام قيم الغيتو المنعزل يشكل حالة ٍ‬
‫تماه تام مع القيم التوراتية‪ ،‬ويرى المؤرخ‬
‫الشهير هنري فــورد أن هــذا االلـتــزام العفوي يشكل حالة متأصلة فــي العقل اليهودي‪.‬‬
‫وقــد فتحت الليبرالية والقومية‪ ،‬كإطار ْين أخالقي ْين إنساني ْين‪ ،‬أبــواب الغيتوهات على‬
‫مصراعيها‪ ،‬وقدمتا حـقــوق مواطنة مساواتية لليهود‪ .‬وقــد انتقل الـيـهــودي‪ ،‬بفعل تلك‬
‫الـتـحــوالت الفكرية والقيمية‪ ،‬إلــى داخ ــل الـعــالــم الـغــربــي‪ ،‬لكنه بعد ذل ــك‪ ،‬ولعمق قيم‬
‫االنعزال‪ ،‬رفض العروض التكوينية للمجتمعات الغربية الحديثة‪ .‬و«فــي عالم المناطق‬
‫ذات السيادة محكمة التنظيم»‪ ،‬فإن اليهودي لديه خياران يستطيع أن يلجأ إليهما‪ :‬فإما أن‬
‫يهدم أسس نظام الدولة القومية التي منحته المواطنة القانونية واألخالقية‪ ،‬وإما أن يخلق‬
‫أرض ًا ذات سيادة خاصة به‪ .‬وهنا يكمن تفسير الصهيونية داخل التكوين القومي الغربي‪:‬‬
‫اليهودي ضد مشروع األغيار‪ ،‬فهو جمهوري ضد الملكية‪ ،‬واشتراكي ضد الجمهورية‪،‬‬
‫وشيوعي ضد االشتراكية‪ ،‬أي أنه ضد اآلخر دائما(‪.((9‬‬
‫في إسرائيل‪ ،‬وهي أكثر مكان في العالم يستثمر فيه الدين كوسيلة‪ ،‬وكطريقة‪ ،‬لتفسير‬
‫وتعليل األحداث التاريخية‪ .‬والحركة الصهيونية‪ ،‬كحركة بعث للديانة اليهودية‪ ،‬عملت‬
‫على عقلنة األساطير الدينية‪ ،‬وجعلت منها األســاس والقاعدة لكل منطلقاتها السياسة‬
‫االستعمارية‪ .‬وكنتيجة‪ ،‬فإن سلطة اإلكراه العارية في األساطير الدينية أصبحت هي ذاتها‬
‫سلطة اإلكراه الوحيدة لدى الحركة الصهيونية‪ .‬فالمفكر اليهودي إسرائيل شاحاك‪ ،‬الذي‬
‫رواد تفكيك اليهودية والصهيونية‪ ،‬اعتبر أن أي تحليل دقيق لالستراتيجيات‬ ‫يعتبر أهم ّ‬
‫اإلسرائيلية الكبرى والمبادئ الفعلية للسياسات اإلسرائيلية‪ ،‬يوضح أن األيدولوجيا‬
‫اليهودية هي التي تحدد أكثر من أي عامل آخر السياسة اإلسرائيلية الفعلية(‪.((9‬‬
‫(‪ ((9‬جارودي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.154‬‬

‫(‪ ((9‬ه ـنــري ف ــورد‪ ،‬اليهودي العالمي‪ :‬المملكة اليهودية‪ ..‬نظرة أمريكية‪ ،‬ترجمة أميمة عبد اللطيف وعبد‬
‫اللطيف الورداني‪ 4 ،‬ج (القاهرة‪ :‬دار الشروق الدولية‪ ،)2003 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.55‬‬
‫(‪ ((9‬انظر‪ :‬إسرائيل شاحاك‪ ،‬الديانة اليهودية وتاريخ اليهود‪ :‬وطأة ‪ 3000‬عام‪ ،‬ترجمة أميمة عبد اللطيف‪2 ،‬‬
‫ج (القاهرة‪ :‬دار الشروق الدولية‪ ،)2003 ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪.55‬‬
‫‪93‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ويـعـتـقــد شــاحــاك «أن أي شـكــل مــن أش ـكــال الـعـنـصــريــة والـتـمـيـيــز وكــراه ـيــة الغير‬
‫يصبح أقــوى وأكثر نـفــوذ ًا سياسي ًا إذا اعتبره المجتمع الــذي يتعاطاه أمــر ًا رباني ًا مسلم ًا‬
‫ب ـ ــه»(‪ ،((9‬وتـصـبــح بــالـتــالــي عمليات سـلــب األرض واحـتـكــار تــاريـخـهــا‪ ،‬وتـجــريــد الـنــاس‬
‫«االسماعيليين» من كل ما يملكون‪ ،‬واالنعزال عنهم أو عزلهم في رقع تشبه المعتقالت‬

‫ال موصى بها في التوراة‪ ،‬وفي شروحاتها‬ ‫محاطة باألسالك الشائكة أو الجدران‪ .‬أعما ً‬
‫التلمودية‪ ،‬ألن هذه السياسة تسوغ إما عن طريق استخدام الدين‪ ،‬أو ما هو أســوأ‪ ،‬أي‬
‫عن طريق استخدام المبادئ الدينية المعلمنة التي تحتفظ بشرعية مطلقة‪ .‬ويقول شاحاك‬
‫في هذا اإلطار‪« :‬إذا استبدلنا كلمة «حاخام» بكلمة «ضابط» سيكون لدنيا صورة كاملة‬
‫لليهودية الكالسيكية‪ ،‬وهذه اليهودية الكالسيكية ما زالت تؤثر تأثير ًا عميق ًا في المجتمع‬
‫اليهودي في إسرائيل‪ ،‬وتعين إلى حد بعيد السياسات اإلسرائيلية تجاه الشعب األصلي‬
‫في ح ّيزها الجغرافي»‪.‬‬
‫وينتهي شاحاك إلى فهم الموقف الصهيوني تجاه األغيار باالنفتاح أو االنعزال‪،‬‬
‫باالعتقاد بأن اليهودية التاريخية‪ ،‬وخليفتيها األرثوذكسية والصهيونية‪ ،‬هي بمنزلة األعداء‬
‫األلــداء لمفهوم المجتمع المفتوح‪ ،‬كما هو مطبق في إسرائيل‪ .‬فالدولة اليهودية‪ ،‬سواء‬
‫كانت قائمة على أيديولوجيتها اليهودية الحالية أم أصبحت أكثر يهودية في طابعها العام‬
‫مما هي عليه اآلن‪ ،‬مستندة إلــى مبادئ األرثوذكسية اليهودية‪ ،‬ال يمكنها أبــد ًا أن تضم‬
‫مجتمع ًا مفتوح ًا‪ ،‬أي ال يمكن لها أن تضم أغيار ًا أو تفي بمتطلبات «اآلخرين» الحقوقية‬
‫الحل الصهيوني للمسألة اليهودية قد أنتج دولة القلعة؛ القلعة‬‫القانونية(‪ ،((9‬وهكذا يكون ّ‬
‫المنعزلة‪ ،‬كما كانت في زمــن الـتــوراة الذهبي‪ ،‬وهــي اآلن الغيتو المولع بالقتال‪ ،‬القلعة‬
‫التي كما كانت في زمن التوراة الذهبي‪ ،‬هي اآلن القلعة التي تحترف الفصل العنصري‬
‫والمغلقة تمام ًا‪ ،‬وقد أصبحت هذه الدولة إسبارطة اليهودية‪.‬‬
‫في السياق الصهيوني‪ ،‬وفي األساطير المؤسسة إلسرائيل‪ ،‬يؤكد المؤرخ النقدي‬
‫زئيف شتيرنهل‪ ،‬أنه تم تعزيز العامل الديني من خالل وسيط غاية في األهمية‪ .‬فبالنسبة‬
‫إل ــى الـمــؤسـسـيــن‪ ،‬كــانــت ال ـت ــوراة أكـثــر مــن أداة لتصليب وح ــدة الـمـجـتـمــع‪ ،‬فـهــي ســاح‬
‫ال يقهر في الصراع من أجل األرض‪ .‬لقد أوجــدت الصهيونية مقولة «اإلنسان مخلوق‬
‫على ص ــورة الـلــه»‪ ،‬وه ــذه الجملة ص ــارت ج ــزء ًا مــن حـيــاة البشرية‪ ،‬وبـهــا تــم خلق آخــر‪،‬‬
‫(‪ ((9‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫(‪ ((9‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.34‬‬
‫‪94‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وبها كسبت الصهيونية حقها في األرض‪ ،‬وهو حق لن يلغى ما دامت التوراة وما تبعها‬
‫غير ملغاة‪ .‬وفــي التحليل النهائي‪ ،‬كــان الدين بمعناه األشمل‪ ،‬وبكل تضميناته القومية‬
‫والتاريخية‪ ،‬هو الــذي سوغ احتالل البلد «فلسطين»‪ ،‬وأعطى شرعية لعودة اليهود إلى‬
‫األراضي المقدسة(‪.((9‬‬
‫بما أن جوهر الفكر الصهيوني يلتزم مبدأ عام ًا يقوم على مقولة فصل اليهود عن‬
‫األغيار (األغيار لفظ تــوراتــي)‪ ،‬فقد وصف ديفيد بن غوريون (عــام ‪ ،)1921‬أحد أهم‬
‫وأبرز أعمدة الفكر الصهيوني‪ ،‬اإلطار الرؤيوي وأنماط السلوك التي رآها ضرورية لبقاء‬
‫األم ــة اليهودية فــي عــالــم المستقبل المفتوح والعلماني بــالـقــول‪ :‬إذا لــم تتخذ خطوات‬
‫لضمان وجودنا‪ ،‬فإن الذوبان سوف يسيطر أوتوماتيكيا نتيجة ألفــول الدين في زماننا‪،‬‬
‫خــاصــة إذا حـصــل تـحـســن لــوضــع ال ـي ـهــود ف ــي أم ــاك ــن ال ـش ـتــات‪ .‬وم ــن هـنــا يـصـبــح الـحــل‬
‫الصهيوني في الدولة اليهودية هو المالذ الوحيد إلعاقة اندماج اليهود في الدولة القومية‬
‫األوروبية الحديثة‪ .‬ويشدّ د بن غوريون على الدين كأهم‪ ،‬إن لم يكن العامل الوحيد في‬
‫تجديد البعث اليهودي بواسطة الصهيونية بالقول‪« :‬إن ديننا ليس مثل ديــن الشعوب‬
‫األوروبية ذي المصدر الغريب‪ ،‬بل هو إبداع روحنا القومية‪ ،‬والصهيونية ستثبت‪ ،‬وهي‬
‫موحد متجانس‬ ‫ال‪ ،‬أنها ما هي إال حركة انبعاث وبعث ديني تام‪ ،‬إلقامة مجتمع ّ‬ ‫كذلك فع ً‬
‫ديني ًا وعرقي ًا»(‪ ،((9‬فالصهيونية في جوهرها حالة مسيانية معلمنة‪.‬‬
‫والتفوق‬
‫ّ‬ ‫‪ - 3‬النقاء العرقي‪ :‬أسطورة نقاء الدم‬
‫يستوجب الـســؤال الديني إجــابــة دينية‪ ،‬ويشكّل س ــؤال‪ :‬مــن هــو الـيـهــودي؟‪ ،‬حتى‬
‫الـيــوم‪ ،‬حالة تساؤلية مستدامة انشغل فيها نخبة الحاخامات وصـفــوة العلمانيين‪ .‬وفي‬
‫إسرائيل الدولة ومجتمعها‪ ،‬هناك حالة اقتراب كبيرة وإجماعية على أن يهودية اليهودي‬
‫كامنة في ساللته العرقية‪ ،‬و«هــو من ولــد ألم يهودية»‪ ،‬وهــذه كافية كشرط ثـ ٍ‬
‫ـان العتناقه‬
‫للديانة اليهودية(‪.((9‬‬
‫(‪ ((9‬زئيف شتيرنهل‪ ،‬األساطير المؤسسة إلسرائيل‪ :‬القومية واالشتراكية وإقامة الدولة اليهودية‪ ،‬ترجمة عزّ ت‬
‫الغزاوي (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2001 ،‬ص ‪.70‬‬
‫(‪ ((9‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.70 - 67‬‬
‫(‪ ((9‬أس ـعــد غــانــم‪« ،‬الـيـهــود والـعــرب فــي الـصــراع حــول طبيعة الــدولــة‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬الـعــدد ‪( 4‬خريف‬
‫‪ ،)2001‬ص ‪ ،13 - 8‬وحــول العرق والقومية اليهودية‪ ،‬انظر‪ :‬جــودت السعد‪ ،‬أوهــام التاريخ اليهودي ّ‬
‫(عمان‪:‬‬
‫األهلية للنشر‪ ،)1998 ،‬ص ‪.265 - 260‬‬
‫‪95‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ظـهــر ال ـس ــؤال‪ :‬مــن هــو ال ـي ـهــودي؟ بــإلـحــاح أكـثــر عـنــدمــا ُطــرحــت الــدولــة الـيـهــوديــة‪،‬‬
‫فتحديد يهودية الدولة اقتضى تعريف يهودية الشخص‪ ،‬التي بدورها ث ّبتت مسألتي العرق‬
‫الساللي والكهنوتي المطلق‪ ،‬والصفة العرقية تتضمن صفة كهنوتية‪ ،‬بمعنى أن الصفتين‬
‫بقيتا متالزمتين دائم ًا‪.‬‬
‫كــان ظـهــور الـعــرق بـهــذه ال ـحــدّ ة مــن الـهــوس على ال ــدوام على عــاقــة مــع ال ــوارث‬
‫الحصري لألرض المقدسة التي وعد الرب إبراهيم بها‪ .‬واصطفى الرب من أبناء إبراهيم‬
‫إسحاق‪ ،‬أما إسماعيل «ابن الجارية»‪ ،‬فال يدخل ضمن التمليك الوراثي‪ ،‬ثم ولد إلسحاق‬
‫يعقوب وعيسو‪ ،‬وينحصر الميراث لالبن األفضل ساللي ًا‪ ،‬وهو يعقوب‪ ،‬أما عيسو فيخرج‬
‫من دائــرة القداسة الساللية‪ ،‬ويــرث أوالد يعقوب األرض المقدسة ليصبحوا أبناء الله‬
‫المقدسين‪ .‬هذه هي الخالصة العرقية لـ العهد القديم‪ .‬كما جاء في سفر التكوين‪« :‬ليكن‬
‫كنعان ابــن نــوح ملعون ًا‪ ،‬وليكن عبد ًا إلخوته يافث وســام ‪ -‬تبارك الله إلــه ســام‪ .‬وليكن‬
‫كنعان عبد ًا له‪ ،‬ثم ليوسع الرب ليافث‪ ،‬وليكن كنعان عبد ًا له»(‪.((9‬‬
‫ومعمقة من اللحظة‬‫ّ‬ ‫تبدأ العرقية اليهودية المتخ ّيلة‪ ،‬وهي ذات سمة انحيازية عالية‬
‫التي يتم فيها تمييز داخــل النسل الواحد (أبناء إبراهيم)‪ .‬وتبدأ األسطورة المتخيلة في‬
‫اكتساء طبقات الهوتية مع تقدم التاريخ اإلنساني‪ .‬واألهم من ذلك أن العرق المتخيل‬
‫الوضيع الــذي جرى إقصاؤه بداهة‪ ،‬ومنذ البداية (اإلسماعيليون)‪ ،‬قد ألصقت به شتى‬
‫الصور الجارحة للقيمة اإلنسانية‪ ،‬فقد جاء في التوراة‪« :‬أن إسماعيل ونسله يكون إنسان ًا‬
‫وحشي ًا»(‪ .((10‬وهذه الوحشية أو الوحوشية تصبح صفة الزمة وأصيلة متأصلة في العرب‪،‬‬
‫فهم ول ــدوا بها‪ ،‬وهــي جــزء مــن طبيعتهم التي خلقهم بها ال ــرب‪ ،‬وستبقى مستدامة في‬
‫نسل إسماعيل وعرقه‪ .‬ويذهب القصص التوراتي وشروحاته التلمودية إلى أن وحشية‬
‫إسماعيل تفوق في حدتها وبشاعتها كل البشر «المتوحشون»‪ ،‬وذلك ألن أبناء الصحراء‬
‫والبرية ينهبون المال واألمــاك‪ ،‬أما إسماعيل فينهب المال واألمــاك ويسلب األرواح‬
‫أيض ًا‪ ،‬وأن أصوله الوحشية ستبقى على ذريته بالتوحش كالبهائم الوحشية التي ال يمكن‬
‫ترويضها(‪ .((10‬بشكل عام‪ ،‬فإن كل القوميات المتعصبة كانت بحاجة دائم ًا إلى خلع طابع‬
‫القداسة على مزاعمها الشوفينية‪ .‬والحركة الصهيونية بطابعها الديني‪ ،‬ومن أجل ترسيخ‬
‫(‪ ((9‬الكتاب المقدس‪« ،‬سفر التكوين‪ »،‬األصحاح ‪ ،9‬اآليات ‪.27 - 20‬‬

‫(‪ ((10‬المصدر نفسه‪« ،‬سفر التكوين‪ »،‬األصحاح ‪ ،16‬اآلية ‪.12‬‬

‫(‪ ((10‬ن ـب ـيــه بـشـيــر‪ ،‬جدلية الــديـنــي والـسـيــاســي فــي إســرائـيــل‪ :‬حــركــة شــاس كحالة دراس ـيــة (رام ال ـل ــه‪ :‬المركز‬
‫الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2006 ،‬ص ‪.86‬‬
‫‪96‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫شرعيتها‪ ،‬رسخت اتـجــاهـ ًا فكري ًا يقول بحتمية بيولوجية عرقية‪ ،‬بــأن ثمة عــرقـ ًا يهودي ًا‬
‫مستق ً‬
‫ال نابغ ًا يشكل أســاسـ ًا وحـيــد ًا للهوية واالنـتـمــاء العرقي‪ .‬وكــان المفكّر الصهيوني‬
‫ال‪« :‬إن العرق اليهودي‬ ‫موسى هس أول من طرح تعريف ًا لليهود على أساس بيولوجي قائ ً‬
‫من األعراق الرئيسية في الجنس البشري‪ ،‬وإن هذا العرق قد حافظ على وحدته وسالمته‬
‫ونقائه عبر العصور»(‪ .((10‬وعليه‪ ،‬فإن هذا العرق المستقل جدير بكيان سياسي مستقل‪،‬‬
‫بحسب اإلطار المعرفي الذي ساد أوروبا مع رسوخ الدولة القومية األوروبية‪.‬‬
‫يتبنّى أحاد هعام الفكرة الداروينية لترسيخ القومية العرقية اليهودية للتأسيس للدولة‬
‫اليهودية بقوله‪« :‬نحن نعلم أن هناك درجــات متفاوتة في ُس ّلم الخلق‪ :‬المادة العضوية‬
‫ال‪ ،‬ويليها النبات‪ ،‬ثم المملكة الحيوانية‪ ،‬ثم الكائنات الناطقة وعلى رأس ذلك يأتي‬ ‫أو ً‬
‫اليهود»‪ .‬أمــا ماكس نــوردو‪ ،‬فإنه يفترض «أن اليهود يتصفون بــروح المبادرة وبمواهب‬
‫التفرد واالستثناء العرقي‬
‫وقــدرات استثنائية بيولوجية أكثر مما لدى األغـيــار» ‪ .‬هذا ّ‬
‫(‪((10‬‬
‫المتمركز حــول الــدم والنبوغ والعراقة والــذكــاء الــذي رسخته القيم الكهنوتية المرتبطة‬
‫بيولوجي ًا باألجداد (سام ويافث) ينادي به الحاخام األعظم كوك في إسرائيل‪ ،‬وهو األب‬
‫الروحي للنزعة المشيحانية في األصول اليهودية في إسرائيل‪ ،‬إذ يقول‪« :‬إن الفرق بين‬
‫روح اليهود وأرواح غير اليهود أكبر وأعمق مما هي بين روح اإلنسان وأرواح البهائم»‪.‬‬
‫وهذه هي إحدى العقائد األساسية في القيم اليهودية التي تفترض السمو المطلق للروح‬
‫اليهودية‪ ،‬وللجسد اليهودي‪ ،‬على الروح والجسد غير اليهوديين‪ ،‬وأن العالم خلق فقط‬
‫من أجل اليهود‪ ،‬ووجود غير اليهود يعدّ أمر ًا ثانوي ًا(‪.((10‬‬
‫اتجهت النظرة الدونية والتسلطية العرقية على األغـيــار بشكل صــارم منذ ظهور‬
‫ونص النظرية الدينية‬
‫حركة البعث الديني التي تجسدت في الصهيونية التي التزمت روح ّ‬
‫اليهودية تجاه األغيار‪ ،‬وال سيما العرب الذين أصبح وجودهم مهدد ًا في وطنهم منذ ّ‬
‫خط‬
‫هيرتزل مسودة كتابه الدولة اليهودية الذي جاء فيه‪« :‬إذا كنا نرغب في تأسيس دولة اآلن‪،‬‬
‫فلسنا مضطرين إلى فعل ذلك بالطريقة نفسها التي سادت قبل ألف عام (إشــارة إلى ما‬
‫أحدثه اليهود في أريحا)‪ ،‬فمن الحماقة أن نعود إلى مراحل قديمة من الحضارة‪ .‬لنفترض‬
‫أننا على سبيل المثال أرغمنا على تطهير الدولة من الوحوش البرية (اإلسماعيليين)‪،‬‬
‫(‪ ((10‬جارودي‪ ،‬فلسطين أرض الرساالت السماوية‪ ،‬ص ‪.170 - 168‬‬
‫(‪ ((10‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.170 - 168‬‬
‫‪97‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫فيجب أال نقوم بالمهمة باألسلوب األوروبــي‪ ،‬لن نحمل حرب ًة ورمح ًا‪ ،‬ونخرج فرادى‬
‫لنطارد الوحوش‪ ،‬بل سنقوم بتنظيم فريق كبير ونشط‪ ،‬ونسوق الحيوانات مع ًا‪ ،‬ونلقي‬
‫قنبلة متفجرة بين هذه الحيوانات»(‪ .((10‬وفي التطبيق العملي‪ ،‬فإن الجيش اإلسرائيلي‬
‫الذي تأسس بعد قيام الدولة‪ ،‬أو المليشيات اليهودية المسلحة التي ظهرت في اليوشوف‬
‫العبري قبل الــدولــة‪ ،‬وحتى اللحظة الــراهـنــة‪ ،‬فــإن هــذه التشكيالت العسكرية وأذرعـهــا‬
‫األمنية تستخدم أرفع وسائل التكنولوجيا الحديثة لتنظيف البالد من سكانها األصليين‪،‬‬
‫لبناء المجتمع اليهودي المتجانس‪ ،‬عرقي ًا وديني ًا‪.‬‬
‫يسمى «الماشيحانية‬
‫تجد األصولية الدينية في إسرائيل اليوم أشد تعبيراتها قوة في ما ّ‬
‫المسيسة» في ظل الجناح الديني القومي األرثوذكسي المحدث من الحركة الصهيونية‬ ‫ّ‬
‫الذي يتبنّى فلسفة الحاخام األكبر كوك‪ ،‬وفلسفة الحاخام غنيسبرغ الذي يعتقد بوجود‬
‫حامض نووي )‪ (D.N.A.‬خاص باليهود مختلف عن األغيار‪ .‬ألنه حامض إلهي أودعه‬
‫الله في كل خلية من خاليا اإلنسان اليهودي ليكون على شاكلة الله‪ .‬وإذا كان الرب قد‬
‫أعطى شعبه المقدس أرض ًا مقدسة‪ ،‬فمن الكفر أن يبقى أحد فيها من األغيار‪ ،‬فطبيعتها‬
‫المقدسة تستوجب تطهيرها من األجسام المنحطة لتبقى على صورة الرب(‪.((10‬‬
‫سوغ االعتقاد باالستثنائية العرقية لليهودية‪ ،‬وللصهيونية‪ ،‬بشيطنة كافة األغيار‪،‬‬ ‫لقد ّ‬
‫وخصوص ًا فــي الحيز الــذي أصبح يشكل المكان الـسـيــادي‪ .‬فــي المكان الـسـيــادي‪« :‬إن‬
‫قواتنا مأمورة بتعاليم «الهالخاه» بقتل حتى المدنيين الذين يبدون أنهم طيبون‪ ،‬وأفضل‬
‫األغ ـيــار اقـتـلــه‪ ،‬كـمــا تقتل أفـضــل األف ــاع ــي»‪ ،‬ه ــذا هــو ن ـمــوذج لتعاليم أح ــد الـحــاخــامــات‬
‫للجندي اإلسرائيلي‪ ،‬وهذه الوصية تتطابق تمام ًا مع المبدأ التلمودي الذي يقول بعدم‬
‫إنقاذ حياة أحد األغيار‪« :‬إذا شارف على الموت‪ ،‬فإذا وقع في بئر أو شارف على الموت‪،‬‬
‫اتركه يموت»‪ .‬وبتأكيد صريح تكتسب وصية دينية في الهالخاه من نوع‪« :‬ولن تبقي حي ًا‬
‫أي شيء يتنفس»(‪ ((10‬أهمية كبرى في فهم الفظائع الصهيونية تجاه العرب في فلسطين‪،‬‬
‫وتحقيق مبدأ االنعزال بعد إفناء كل شيء كان يتنفس في فلسطين يوم ًا ما(‪.((10‬‬
‫(‪ ((10‬ث ـي ــودور هــرتــزل‪ ،‬الــدولــة اليهودية‪ ،‬ترجمة محمد فاضل (الـقــاهــرة‪ :‬دار الـشــروق‪ ،)2007 ،‬ص ‪،64‬‬
‫وحول الدولة اليهودية‪ ،‬انظر‪ :‬لوكاس غروللنبرغ‪ ،‬فلسطين أوالً‪ ،‬ترجمة المركز الجغرافي (دمشق‪ :‬مؤسسة النبراس‬
‫للدراسات‪ ،)1981 ،‬ص ‪.44 - 35‬‬

‫(‪ ((10‬نهاد علي‪« ،‬األصولية الدينية اليهودية واسقاطاتها المحلية واإلقليمية‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪25‬‬
‫(‪ ،)2007‬ص ‪.14 - 13‬‬

‫(‪ ((10‬الكتاب المقدس‪« ،‬سفر التثنية‪ »،‬األصحاح ‪ ،20‬اآلية ‪.16‬‬
‫(‪ ((10‬شاحاك‪ ،‬الديانة اليهودية وتاريخ اليهود‪ :‬وطأة ‪ 3000‬عام‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫‪98‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بنا ًء على هــذا الفهم «الديني والعرقي» كإطار للقيم الصهيونية والحريدية‪ ،‬يأتي‬
‫محم ً‬
‫ال بكل هــذه اإلدراك الــذي يــرى العربي وحشي ًا‬ ‫ّ‬ ‫السلوك اإلسرائيلي تجاه الـعــرب‬
‫بطبيعته التي ال يمكن تغييرها‪ .‬وعليه‪ ،‬ال بدّ من التعامل معه على غرار طبيعته الحيوانية‬
‫هــذه بحبسه في أقـفــاص‪ ،‬كما طــرح الـمــؤرخ اإلسرائيلي (بني مــوريــس)‪ ،‬وهــو ما سيأتي‬
‫الحق ًا‪.‬‬
‫سوف أنهي هذا الجزء من المبحث بخالصة مهمة ومع ّبرة ألستاذ تاريخ النازية في‬
‫الجامعة العبرية (زيمرمان) حول البرامج المدرسية ودورها في مسخ إنسانية اآلخر‪ .‬نقرأ‬
‫في البرامج التي تنهل من الوعاء العنصري بشقيه الديني والعرقي‪ ،‬كإطار نظري حاكم‬
‫للمناهج العبرية في إسرائيل‪« :‬فــي داخــل كل منا وحــش‪ ،‬فــإذا استمر التأكيد بأننا دائم ًا‬
‫على حق‪ ،‬فإن هذا الوحش سوف ينمو باستمرار‪ .‬ثمة شطر من اليهود يشكل نسخة طبق‬
‫األصل على النازيين األلمان‪ ،‬انظروا إلى أبناء المستوطنين في الخليل‪ ...‬إنهم يشبهون‬
‫الشبيبة الهتلرية شبه ًا تــامـ ًا‪ .‬نــزرع في رؤوسـهــم منذ ال ــوالدة أن كل عربي سيئ وشرير‪،‬‬
‫وأن كل غير يهودي هو ضدنا‪ .‬إننا نزرع فيهم جنون العظمة وعصاب الهوس‪ ،‬نجعلهم‬
‫يخالون أنهم عرق متفوق تمام ًا‪ ،‬كما كانت تخال نفسها الشبيبة الهتلرية(‪.((10‬‬
‫‪ - 4‬الدولة اإلثنوقراطية‪« :‬يهودية الدولة»‬

‫إذا كانت غاية الدولة عند أدولف هتلر في النظرية النازية هي الحفاظ على العنصر‬
‫اآلري‪ ،‬وعلى مميزات العرق الجوهرية من أجل قيادة الحضارة‪ ،‬وأن الدولة لديه تفقد‬
‫سبب وجودها يوم تصبح عاجزة عن حماية مضمونها الجوهري‪ ،‬وهو سالمة عرقيتها‪،‬‬
‫فإن غاية الدولة السيادية لدى قيادة الحركة الصهيونية‪ ،‬وقــادة الدولة في إسرائيل‪ ،‬هي‬
‫الحفاظ على جوهرها الثنائي المتمثل بيهوديتها الدينية وعرقيتها الساللية‪.‬‬
‫المكون الديني للدولة األلمانية‪ ،‬كأساس جوهري لوجودها‬ ‫ّ‬ ‫لم يطرح أدولف هتلر‬
‫السيادي‪ ،‬كما طرحت الصهيونية‪ ،‬وعند هذه اللحظة تفترق الصهيونية عن النازية في حدة‬
‫وشمول عنصريتها من حيث تمركز دولتها على عنصري السمو الديني والعرقي‪ .‬كما أن‬
‫الدولة في إسرائيل تفقد شرعية وجودها إذا كفت عن حماية مضمونها العرقي والديني‪.‬‬
‫وإذا كانت عملية «إعادة التنظيم والبناء» أللمانيا قائمة على أساس الرؤية النازية لجماعة‬
‫(‪ ((10‬روجيه جاردوي‪ ،‬محاكمة الصهيونية اإلسرائيلية‪ ،‬ترجمة حسين قبيسي (بيروت‪ :‬دار الجيل‪،)1998 ،‬‬
‫ص ‪ ،230‬وسناء عبد اللطيف‪ ،‬هكذا يربي اليهود أطفالهم (دمشق‪ :‬دار القلم‪.)1997 ،‬‬
‫‪99‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ألمانية‪ ،‬متجانسة اجتماعي ًا‪ ،‬نقية عرقي ًا‪ ،‬فإن المشهد السيادي اإلسرائيلي وإعادة التنظيم‬
‫لبناء الدولة العبرية‪ ،‬كان‪ ،‬وما زال‪ ،‬قائم ًا على أساس الرؤية الصهيونية لجماعة يهودية‬
‫الحي المعدّ لحفظ العرق‬
‫ّ‬ ‫متجانسة ديني ًا ونقية عرقي ًا أيض ًا‪ .‬بمعنى أن إسرائيل هي الجهاز‬
‫وإنمائه‪ ،‬والمتمثل بإصرارها على يهوديتها كدولة‪.‬‬

‫ّ‬
‫وإنمائه‪/‬الحل‬ ‫الحي المعدّ لحفظ العرق‬‫ّ‬ ‫أ ‪ -‬إسرائيل‪ ،‬الدولة اليهودية‪ :‬الجهاز‬
‫الصهيوني‪ ،‬الفصل واالنـعــزال اإلقليمي‪ :‬تأسس المشروع الهرتزلي (الــدولــة اليهودية)‬
‫على فيض كبير ومتراكم من الموروث التاريخي السياسي والديني‪ ،‬حتى يمكن القول إن‬
‫ثيودور هيرتزل لم يكن هو من سجل النبوغ التأملي األول للمشروعية الدينية والسياسية‬
‫ال دعاوى ورؤى أوروبية مختلفة‬ ‫للدولة اليهودية‪ ،‬بل إن الثابت تاريخي ًا أنه قد استلهم فع ً‬
‫المصادر القومية (إنكليزية‪ ،‬وألمانية) ذات صبغة مسيانية وسياسية‪ .‬فقد تراكمت قبل‬
‫المدرسة الهيرتزلية دعوات استعمارية صهيونية ذات أصول غير يهودية تنادي بتأسيس‬
‫دولة يهودية في فلسطين(‪.((11‬‬
‫كانت الــدولــة المتخ ّيلة لــدى هيرتزل وبــاقــي ال ــرواد األوائ ــل «حـيــز ًا جغرافي ًا نظيف ًا‬
‫من األغـيــار»‪ ،‬وقــد تم ّثل االقـتــراح الــذي قدمته الصهيونية بمواصلة العزلة اليهودية عبر‬
‫االنعزال المادي الجسدي عن باقي األجناس البشرية‪ .‬وفي الدولة اليهودية كان االعتقاد‬
‫السائد لدى الحركة الصهيونية هو الحفاظ على العرق القومي الديني من دون الحاجة‬
‫إلى خوض صــراع دائــم ضد الذوبان أو االنــدمــاج‪ .‬وبهذه الطريقة يمكن تطبيع الشعب‬
‫اليهودي وتجريده من كل أمــراض الدياسبورا (الـشـتــات)(‪ ((11‬ليصبح كباقي الشعوب‪،‬‬
‫وق ــد تـعـهــدت الصهيونية بـحــل مشكلة الـتـمـيــز ال ـي ـهــودي ح ـ ًـا إقـلـيـمـيـ ًا‪ .‬وق ــد أث ــار وجــود‬
‫الشعب الفلسطيني فــي المشهد ال ــذي وصفته الصهيونية بأنهم نـفـ ٌـر مــن الـبــدو الرحل‬
‫(اإلسماعيليين)‪ ،‬هذا الوضع الديمغرافي العربي‪ ،‬أثــار الغضب عند بن غوريون لحظة‬
‫نزوله من الباخرة عــام ‪ 1906‬في ميناء يافا‪ ،‬عندما شاهد العرب ألول مــرة‪ ،‬وتساءل‪:‬‬
‫ما الــذي يفعله هــؤالء العرب في بــادي؟ وكــذا الحال تساءل المهاجرون الــرواد عندما‬
‫(‪ ((11‬حــول الصهيونية غير اليهودية‪ ،‬انظر‪ :‬ريجينا الشريف‪ ،‬الصهيونية غير اليهودية‪ :‬جذورها في التاريخ‬
‫الغربي‪ ،‬ترجمة أحمد عبد الله عبد العزيز‪ ،‬عالم المعرفة؛ ‪( 96‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫‪ ،)1985‬وبيان نويهض الحوت‪ ،‬فلسطين‪ :‬القضية والشعب والتاريخ السياسي من عهد الكنعانيون حتى عام ‪1917‬‬
‫(بيروت‪ :‬دار االستقالل‪.)1991 ،‬‬
‫(‪ ((11‬سعيد يقين‪« ،‬فلسفة تطبيع اليهود في النظرية الصهيونية‪ »،‬مجلة الشعراء‪ ،‬العدد ‪( 14‬خريف ‪،)2001‬‬
‫ص ‪ ،83 - 73‬و‪John R. Gee, Unequal Conflict: The Palestinians and Israel (New York: Olive Pranch‬‬
‫‪Press, 1998), pp. 58-61.‬‬
‫‪100‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وج ــدوا عـمــا ً‬
‫ال عــربـ ًا يعملون فــي منشآت يهودية زراعـيــة‪ :‬مــا جــدوى الهجرة إلــى أرض‬
‫إسرائيل إذا كان اليهود هنا أيض ًا يحتكون باألغيار؟(‪.((11‬‬
‫جــرت فــي الـيــوشــوف العبري (المجتمع الـيـهــودي ال ــذي تشكّل فــي فلسطين قبل‬
‫إعالن الدولة) عملية عزل اليهود في سوق العمل عبر ما أطلق عليه عبرنة العمل‪ .‬فقد‬
‫كــان هــذا اإلجــراء الصهيوني إحــدى آليات االنـعــزال اليهودي عن األغـيــار‪ .‬وعندما كان‬
‫الهدف المركزي للحركة الصهيونية والمتمثل بتصفية الشتات اليهودي (الدياسبورا) عن‬
‫طريق هجرة اليهود إلى فلسطين لخلق أغلبية يهودية في البلد‪ .‬فإن هذا الهدف ما كان‬
‫ليتحقق إال بعملية التطهير العرقي المشار إليها في المبحث السابق‪ .‬وتم تحقيق الهدف‬
‫المركزي المتمثل بتحقيق األغلبية بترحيل ‪ 750‬ألــف عربي مــن وطنهم فلسطين من‬
‫أصل ‪ 900‬ألف عربي‪ ،‬وبقي في المنطقة المحتلة التي شكّلت ‪ 78‬بالمئة من المساحة‬
‫التاريخية‪ 150 ،‬ألف عربي فقط مقابل ‪ 521‬ألف مهاجر يهودي‪ ،‬أصبحوا وفق قانون‬
‫العودة مواطنين في الدولة اليهودية(‪.((11‬‬
‫ب ‪ -‬النظام اإلثنوقراطي‪ :‬بقيت األقلية العربية التي استمرت في البقاء على أرضها‪،‬‬
‫تشكل في منظور الصهيونية خطر ًا وجودي ًا على يهودية الدولة‪ .‬ولذلك بقيت هذه األقلية‬
‫مثار اهتمام كافة األوســاط السيادية في الدولة إلربــاك وجودها وضمان إخضاعها أمني ًا‬
‫ونفسي ًا وسياسي ًا واجتماعي ًا‪ .‬وقد انعكس تعريف إسرائيل لكيانها كدولة يهودية سلب ًا على‬
‫مجمل السياسات العامة المتعلقة بالعرب في داخل إسرائيل‪ .‬وقامت هذه السياسات من‬
‫حيث المبدأ على عــدم االعـتــراف بالعرب كأقلية قومية‪ ،‬بل كمجموعات دينية متعددة‬
‫(مسيحية‪ ،‬ومسلمة‪ ،‬و ُدرزيــة‪ ،‬وشركسية‪ ،‬وبدوية‪ ...‬إلخ)‪ ،‬ثم قطع التواصل االجتماعي‬
‫على كافة المستويات مع باقي أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة والمهاجر‪،‬‬
‫إذ تشكّل فــي إســرائـيــل نظام سياسي يسعى‪ ،‬وال ي ــزال‪ ،‬إلــى حفظ نسق التفوق العرقي‬
‫لليهود‪ ،‬يـقــوم على أس ــاس مــن التفضيل الــواضــح للمبنى والـطــابــع والـمـضـمــون اإلثني‬
‫اليهودي(‪.((11‬‬
‫(‪ ((11‬يوتان‪« ،‬الصهيونية كاستمرار لليهودية بوسائل أخرى‪ »،‬ص ‪.27‬‬

‫(‪ ((11‬يوسف كامل إبراهيم‪ ،‬التحول الديموغرافي القسري في فلسطين‪ ،‬سلسلة أوراق باحث (بيروت‪ :‬مركز‬
‫باحث للدراسات‪.)2004 ،‬‬

‫(‪ ((11‬أس ـع ــد غــانــم ومهند مصطفى‪ ،‬الفلسطينيون فــي إســرائـيــل‪ :‬سياسة األقلية األصلية فــي الــدولــة اإلثنية‬
‫(رام ال ـل ــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني لـلــدراســات اإلسرائيلية (م ــدار)‪ ،)2009 ،‬ص ‪ ،110 - 108‬و‪Gershon Shafir,‬‬
‫‪«Zionismand Colonilism,» in: Ilan Pappé, ed., The Israel/Palestine Question: A Reader, Rewriting‬‬
‫‪Histories (London: Routledge, 2007), pp. 81-84.‬‬
‫‪101‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ط ـ ّـورت إســرائـيــل بسبب حالتها الجوهرانية اليهودية استراتيجية إثنوقراطية في‬
‫محاور النظام المركزية‪ .‬وعلى سبيل المثال‪ ،‬فإن سياسة الهجرة التي تستند إلى قانون‬
‫ال ـعــودة ال ــذي يمكن كــل يـهــودي وعائلته القريبة مــن دخ ــول إســرائـيــل والـحـصــول على‬
‫مواطنتها بشكل فوري‪ ،‬في حين تضع السياسة اإلسرائيلية إجراءات حرمانية مطلقة أمام‬
‫الهجرة والتجنس للعرب‪ ،‬حتى إن الذين ولدوا في البالد وحصلوا على هويتها المدنية‪،‬‬
‫يتعرضون لفقدان هوياتهم ومواطنتهم‬ ‫وغــادروهــا لفترة زمنية قصيرة (قــانــون ‪ّ )2003‬‬
‫ال وفق هذا القانون‪ .‬وتستخدم إسرائيل استراتيجيا أخرى لضمان طابعها‬ ‫المنقوصة أص ً‬
‫اإلثني اليهودي‪ ،‬يتمثل بسياسة تطوير البالد التي فضلت رأس المال اليهودي‪ ،‬وتهميش‬
‫االقتصاد العربي‪ .‬وضمن هذه االستراتيجيا‪ ،‬فإن أجهزة السلطة المختلفة تخضع لسيطرة‬
‫حـصــريــة ي ـهــوديــة‪ ،‬بـمــا فــي ذل ــك مــؤسـســات التشغيل والـتـعـلـيــم واس ـتـع ـمــاالت األراض ــي‬
‫وإمكانيات الوصول إلى محاور القوة في الدولة‪ .‬كما تشكّل الثقافة اليهودية‪ ،‬وبالذات‬
‫األشكنازية منها‪ ،‬القوة األساسية في بناء الح ّيز العام في الدولة(‪.((11‬‬
‫يشكّل النظام اإلثنوقراطي (دولــة يهودية) غاية صهيونية وركيزة استراتيجية عليا‬
‫للكيان السيادي اإلسرائيلي‪ .‬ومن أجل الحفاظ على هذا النظام‪ ،‬اتبعت سلطة المهاجرين‬
‫اإلحــالـيــة فــي إســرائـيــل منظومة قــواعــد إزاء األقلية العربية فــي حيزها الـسـيــادي‪ ،‬منها‪:‬‬
‫التلويح الدائم بالترانسفير إلــى خــارج حــدود الــدولــة‪ ،‬واالحتجاز العمراني والحضري‬
‫التجمعات العربية‪ ،‬والمالحقة األمنية الدائمة بحجة أن‬ ‫ّ‬ ‫بعدم السماح بتوسيع حــدود‬
‫العرب داخــل إسرائيل قد يشكّلون حالة إرهابية جماعية قابلة لممارسة نشاطات من‬
‫شأنها إلـحــاق الـضــرر بإسرائيل‪ ،‬وهــدم المنازل والمالحقة الدائمة للعرب فــي النقب‪،‬‬
‫تجمعات محظور فيها استخدام‬ ‫وحرمانهم من الفضاء الجغرافي الممتد باحتجازهم في ّ‬
‫األراضــي ألية أغــراض اقتصادية‪ ،‬واالستمرار في عدم االعتراف بالعشرات من القرى‬
‫البدوية‪ ،‬األمر الذي يعني حرمانها من أبسط الحقوق الخدماتية المعمول بها في القرى‬
‫والتجمعات الزراعية اليهودية(‪ ،((11‬وإجبار العرب على القبول القسري بتوزيع موارد‬
‫الــدولــة بحسب المفتاح اإلث ـنــي‪ ،‬ولـيــس بحسب المواطنة المدنية حتى يتسنّى للدولة‬
‫الحفاظ على التفوق اإلثني اليهودي‪ ،‬ووضع تنظيم الفلسطينيين في إسرائيل خارج إطار‬
‫ما تريده األكثرية والــدولــة من حيث التنظيم البرلماني‪ ،‬وضمن هــذه السياسات (وهــذا‬
‫(‪ ((11‬دان ياهف‪« ،‬هل دولة إسرائيل ديموقراطية؟‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،)2006( 24‬ص ‪.12 - 10‬‬
‫(‪ ((11‬ف ــي ‪ ،2010/7/28‬أقــدمــت قــوات االحـتــال على هــدم كامل قرية العراقيب البدوية التي يسكنها‬
‫حوالى ‪ 400‬مواطن في النقب يعيشون في خمسين بيت ًا‪( .‬قناة الجزيرة الفضائية‪.)2010/7/28 ،‬‬
‫‪102‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫غيض مــن فـيــض) تعمل سلطات المجتمع الـيـهــودي على المالحقة الــدائـمــة للقيادات‬
‫العربية التي تحاول تنظيم العرب وتزويدهم برؤية مناهضة لتكريس وضــع األقلية في‬
‫الدولة اليهودية(‪.((11‬‬
‫وت ــرى أس ـتــاذة الـحـقــوق فــي الجامعة العبرية ورئـيـســة جمعية حـقــوق اإلن ـســان في‬
‫إســرائـيــل (روت غــابـيــزون) أن ــه‪« :‬يـمـكــن (أخــاقـيـ ًا وقــانــونـيـ ًا) تـســويــغ الـمـســاس برفاهية‬
‫المواطنين العرب ألن إلغاء هذا المساس سيفضي على الفور إلى مساس خطير بحقوق‬
‫ال حاخامي ًا‪ ،‬وليس أيض ًا نزعة مهووسة‬ ‫مهمة يتمتع بها اليهود»(‪ ،((11‬وليس هذا القول قو ً‬
‫لمستوطن في الضفة الغربية‪ ،‬بل هو رأي قانوني علماني ألستاذة حقوق في الجامعة‬
‫العبرية ورئيسة لجمعية حقوق اإلنسان في دولة تقول إنها حالة علمانية ديمقراطية في‬
‫الشرق األوسط‪.‬‬
‫وتبرر أستاذة القانون حتمية يهودية دولتها بمنطق يتطابق تمام ًا مع منطق الهالخاه‬
‫الـيـهــوديــة (الـشــريـعـيــة ال ـي ـهــوديــة)‪« :‬ال ـح ـيــاة الـيـهــوديــة فــي إط ــار يـهــوديــة الــدول ـيــة لـهــا مــزايــا‬
‫وأفضليات واضحة من حيث إن اليهودي في الدولة اليهودية يتمتع بحق تأدية الفرض‬
‫الديني المتمثل باالستيطان في البالد‪ .‬وبالنسبة إلى اليهودي العلماني فإنه فقط في إطار‬
‫الدولة اليهودية يمكنه الحفاظ على هويته القومية‪ .‬والدولة اليهودية هي اإلطار الوحيد‬
‫الــذي يكبح عملية الــذوبــان التي كــان يمكن أن تكون حتمية لو عــاش هــؤالء اليهود في‬
‫بيئة غـيــر يـهــوديــة‪ .‬ويـهــوديــة الــدولــة عـنــد غــابـيــزون لـيــس هــي ال ـشــرط الــوحـيــد ال ــذي يمنع‬
‫ذوبــان اليهود في المجتمعات التي يعيشون فيها‪ ،‬وإنما أيض ًا ألنها المكان الوحيد في‬
‫العالم الذي يعطى فيه اليهود اإلمكانية إلقامة حياة يهودية كاملة‪ .‬فهي المكان الوحيد‬
‫في العالم الذي ال يشكّل فيه اليهود أقلية‪ .‬ومن دون يهودية الدولة‪ ،‬ال يمكن لليهود أن‬
‫يمتلكوا السلطة والسيطرة على األرض‪ ،‬وعلى الهجرة إليها‪ .‬وهنا وفق منطق القانون‬
‫لدى غابيزون يصبح المساس برفاهية األقلية العربية شرط ًا ضروري ًا للتأسيس لالستيطان‬
‫كفرض ديني‪ ،‬وللتأسيس للنظام اإلثنوقراطي كشرط علماني وديني يحول دون االندماج‬
‫والذوبان لليهود‪ ،‬ويمنح اليهود أفضلية عرقية وحقوقية ودينية في السيطرة على األرض‪،‬‬
‫(‪ ((11‬يــاهــف‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،114 - 110‬و‪Osama Halabi, «The Impact of the Jewishness of‬‬
‫‪the State of Israil on the Status and Rights of The Arab Citizens in Irrael,» in: Nur Masalha, ed., The‬‬
‫‪Palestinians in Israel: Is Israel the State of all its Citizens and Absentes? ([Ramallah]: Nazareth Jalilee‬‬
‫‪Center for Social Reserch, 1993), pp. 7-8.‬‬

‫(‪ ((11‬روت غابيزون‪« ،‬المسوغ المبدئي والصورة المرغوبة‪ :‬هل يمكن تبرير وجود دولة يهودية؟‪ »،‬قضايا‬
‫إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 9‬شتاء ‪ ،)2003‬ص ‪.58‬‬
‫‪103‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ـس بشكل جــوهــري حـقــوق اإلن ـســان الـعــربــي فيها‪.‬‬
‫مهما كــانــت نـتــائــج ه ــذه الـسـيـطــرة تـمـ ّ‬
‫وعليه‪ ،‬فثقافة الــدولــة وأعـيــادهــا ولغتها وشريعتها ورمــوزهــا وقانونها ومواطنتها يجب‬
‫أن تبقى بالضرورة يهودية حصر ًا‪ ،‬ألنه فقط بهذه الحصرية يمكن للصهيونية أن تحقق‬
‫أهدافها(‪.((11‬‬
‫اســم الــدولــة (إســرائ ـيــل) يحتّم يهوديتها ويتطابق تـمــامـ ًا مــع عرقيتها وأسطورتها‬
‫الساللية‪ ،‬وكل منطلقات التهويد واليهودية ذات جذور توراتية (شعب إسرائيل‪ ،‬وأرض‬
‫إسرائيل)‪ ،‬ويمكن أن تشكل خالصات عزمي بشارة في كتابه يهودية الدولة حالة فهم‬
‫وقدرة تفسيرية عالية لمفهوم الدولة اليهودية(‪.((12‬‬
‫إن العالقة المميزة بين الدين الدولة مرجعها األساس هو التطابق الكامل بين الدين‬
‫والقومية‪ ،‬كما عرفتها الصهيونية‪ ،‬بوصفها حالة دينية أو حركة انبعاث ديني‪ .‬فالصهيونية‪،‬‬
‫وليست المواطنة‪ ،‬هي وعاء الديمقراطية اليهودية‪ .‬ويرى د‪ .‬بشارة أنه ليس باإلمكان‪ ،‬بل‬
‫من العبث التفكير بفصل الدين عن الدولة في إسرائيل‪ .‬فرئيس وزرائها األول يؤكد ذلك‬
‫بالقول‪« :‬دولة إسرائيل ليست كباقي التشكيالت السياسية‪ ،‬بل إنها تنهل من ينابيع دينية‬
‫توراتية قديمة‪ ،‬ونظامها ينحصر في سكانها‪ ،‬وأبوابها مشرعة لكل يهودي بما هو يهودي‪،‬‬
‫وليست هذه الدولة يهودية من ناحية كون اليهود غالبية سكانها‪ .‬إنها دولة اليهود حيثما‬
‫كانوا‪ ،‬وهي لكل يهودي يريدها(‪.((12‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬ال يوجد أدنى شك في أن يهودية الدولة قررتها سلف ًا يهودية اليهودي بما هو‬
‫وقررتها وفرة األغلبية اليهودية كشرط مستدام وأساسي لتشكيل الدولة‪،‬‬‫يهودي حصر ًا‪ّ ،‬‬
‫وهذا ما جعل عزمي بشارة يقول في تحليله‪« :‬إذا لم تكن هناك أغلبية يهودية لن تكون‬
‫دولة يهودية‪ ،‬وإذا لم تكن دولة يهودية لن تكون صهيونية»‪.‬‬
‫ثــم تأتي يهودية الــدولــة بعد أن يتم حسم اسمها تــوراتـيـ ًا لتقرر القيادة الصهيونية‬
‫الجوهر اليهودي لدولتها في وثيقة االستقالل المنشئة نظري ًا وعملي ًا إلسرائيل السيادية‪:‬‬
‫«فــي الوثيقة المنشئة للدولة» تتناوب المصطلحات‪ :‬دولــة يهودية‪ ،‬ودولــة اليهود؛ وفي‬
‫فقرتها األولى بين الرابطة الدينية والحقوق السيادية والقومية جمع ال ينفصم‪ :‬في أرض‬
‫(‪ ((11‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.56 - 53‬‬

‫(‪ ((12‬عــزمــي بشارة‪ ،‬من يهودية الدولة حتى شــارون‪ :‬دراســة في تناقص الديمقراطية اإلسرائيلية (رام الله‪:‬‬
‫المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)‪ ،)2005 ،‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ ((12‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ .31‬وانظر أيض ًا وثيقة االستقالل اإلسرائيلي‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إسرائيل قام الشعب اليهودي الذي أورث العالم كتاب الكتب األبدي‪ ...‬نعلن بهذا عن‬
‫إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل هي دولة إسرائيل(‪.((12‬‬
‫ج ‪ -‬ظــال القيم التوراتية واأليديولوجيا الصهيونية في القضاء اإلسرائيلي على‬

‫المواطنين العرب في إسرائيل‪ :‬الطابع اليهودي للدولة ينفي تمام ًا أي صلة بين يهودية‬
‫الدولة وديمقراطيتها‪ ،‬ويلغي جوهري ًا االدعاء اإلسرائيلي المساواتي المدني‪ .‬وفي الدولة‬
‫تسمي نفسها يهودية‪ ،‬فإن منطق المساواة بالضرورة ال يكون متضمن ًا في أهدافها‬ ‫التي ّ‬
‫العليا‪ .‬فالدولة الدينية اليهودية ليست محايدة من حيث المبدأ تجاه مواطنيها‪ ،‬وخصوص ًا‬
‫أن الحياد يمثل الفرضية األساس التي تقوم عليها الليبرالية‪.‬‬
‫لقد م ّثل النظام القضائي في إسرائيل على الدوام إحدى أدوات الحركة الصهيونية‬
‫معمقة‪ ،‬لتحقيق طموحات األغلبية اليهودية‪ ،‬ليس‬‫والدولة ألسباب استيطانية وديمغرافية ّ‬
‫فقط من أجل تمرير مصادرة األراضي وطرد أصحابها‪ ،‬وإنما أيض ًا من أجل اإلبقاء على‬
‫حالة االنعزال اليهودية عن األغيار‪ .‬إن تنفيذ هذه الرغبات يتطلب نظام ًا ذا طابع عسكري‬
‫ديني ال يخضع لألحكام القضائية الليبرالية المتعارف عليها في الدول الديمقراطية(‪.((12‬‬
‫ال تستند محكمة الـعــدل العليا (الـمــو ّقــرة) إسرائيلي ًا إلــى منظومة الفكر القانوني‬
‫الـلـيـبــرالــي فــي مــا يتعلق بقضايا ال ـعــرب‪ ،‬وخـصــوصـ ًا ذاك الـجــانــب ال ــوج ــودي ذا الصلة‬
‫بالحقوق الجماعية وامـتــاك األرض واستعماالتها‪ .‬إن النشاط العام للمحكمة العليا‬
‫اإلسرائيلية هــو عمل قضائي قيمي يـهــودي أســاسـ ًا‪ .‬القضاء اإلسرائيلي ال يلتزم النص‬
‫واألحكام القانونية الليبرالية‪ ،‬وإنما بالقيم األيديولوجية المهيمنة (قيم األغلبية اليهودية)‪.‬‬
‫لــم يخف الـقــاضــي العلماني المشهور أغ ــران ــات‪ ،‬رئـيــس المحكمة العليا األس ـبــق‪ ،‬من‬
‫وجود منظومة قيمية أيديولوجية تعلو القضاء اإلسرائيلي وتغطيه وتدعمه‪ .‬ففي محاضرة‬
‫نشرت عام ‪ 1978‬حول انعكاس المركب اليهودي في قــرارات المحاكم اإلسرائيلية‪،‬‬
‫قال القاضي أغرانات بصريح العبارة‪« :‬أعتقد أن انعكاس جوهر المركب اليهودي في‬
‫قــرارات المحاكم اإلسرائيلية يتعلق في مسألة اإلطــار الفكري األيديولوجي الــذي يعدّ‬
‫(‪ ((12‬انـظــر وثيقة االستقالل اإلسرائيلي‪ ،‬ومحمد خليفة حسن‪ ،‬العنصرية اإلسرائيلية في انتفاضة األقصى‬
‫(أبــو ظبي‪ :‬مركز زايــد للدراسات والبحوث‪ ،)2002 ،‬ص ‪ .46 - 40‬انظر أيض ًا‪Said Zeedani, «Democratic :‬‬
‫‪Citizenship and the Arabs of Israel,» in: Masalha, ed., The Palestinians in Israel: Is Israel the State of‬‬
‫‪all its Citizens and Absentes?, pp. 66-67.‬‬

‫(‪ ((12‬نور الدين مصالحة‪ ،‬أرض أكثر وعرب أقل‪ :‬سياسة الترانسفير اإلسرائيلية في التطبيق‪1996 - 1949 ،‬‬
‫(بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،)1997 ،‬ص ‪.16 - 3‬‬
‫‪105‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مــرشــد ًا للمحكمة العليا ومـصــدر إلهامها الـمـتــواصــل‪ ،‬وفــي القضايا الكبيرة‪ ،‬حيث لم‬
‫يكن لها جواب واضح في القانون‪ ،‬وما هو هذا اإلطــار الفكري األيديولوجي؟ يتسائل‬
‫أغرانات‪ ،‬ويجيب بأن هذا اإلطار هو‪« :‬الفكر الصهيوني بكل وضوح»(‪.((12‬‬
‫لقد شكّل الخطاب الديمغرافي اإلسرائيلي‪ ،‬وادعاء الخطر الوجودي على يهودية‬
‫الدولة من الناحية الديمغرافية‪ ،‬دائم ًا‪ ،‬األرضية التي منحت القوانين اإلسرائيلية سحرها‬
‫اليهودي للحفاظ على طابعها العام ووظيفتها التاريخية‪ .‬فمنذ عام ‪ 1948‬وحتى اللحظة‬
‫(أيار‪/‬مايو ‪ ،)2009‬أصدرت المؤسسة التشريعية والقضائية اإلسرائيلية مئات األحكام‬
‫والـقــرارات المتعلقة بالترانسفير «الطرد الجماعي والـفــردي» ذات االرتباط بالمصادرة‬
‫الدائمة بشتى اإلجــراءات والتبريرات لألراضي والموارد الطبيعية‪ ،‬إن كان في األرض‬
‫المحتلة عام ‪ 1948‬أو في المناطق المحتلة عام ‪ ،1967‬مثل‪ :‬قانون وضع اليد‪ ،‬وقانون‬
‫أمالك الغائبين‪ ،‬وقانون سلطة التطوير‪ ،‬وقانون أمالك الدولة‪ ،‬وقانون استمالك األراضي‪،‬‬
‫وقانون صندوق األراض ــي‪ ،‬وقانون التقادم الزمني‪ ،‬وقانون الغابات‪ ،‬وقوانين اإلعمار‬
‫الـحـضــري‪ ،‬وقــانــون لـ ّـم الـشـمــل‪ ،‬وقــوانـيــن سحب الـهــويــات‪ ،‬وأح ـكــام وتــراخـيــص البناء‪،‬‬
‫وأحكام اإلنشاءات العامة كالطرق والموانئ والمطارات والمناطق العسكرية‪ ،‬وأخير ًا‬
‫شروط المواطنة‪ ،‬والمشاركة في االنتخابات‪ ،‬وسحب الجنسية‪ ،‬وكذلك قوانين األحكام‬
‫العسكرية في الضفة الغربية(‪.((12‬‬
‫هذه القوانين واألحكام هي نتاج الهوس والهاجس الديمغرافي الذي تصاعد في‬
‫السنوات العشر الماضية التي شهدت نزوع ًا أكثر حدّ ة تجاه مركزية إثنية يهودية‪ ،‬تؤكد‬
‫بشكل متجدد وبتشديد أكبر يهودية الدولة‪ .‬فمنذ أن بوشر بإقامة الجدار العازل‪ ،‬تحاول‬
‫السلطة اإلسرائيلية الـحـصــول على اع ـتــراف الفلسطينيين بيهودية الــدولــة مقابل إقــرار‬
‫إسرائيل ببعض الحقوق السيادية في الضفة الغربية(‪.((12‬‬
‫ضمن هــذا الـهــوس الــديـمـغــرافــي‪ ،‬ع ــدّ ل قــانــون المواطنة فــي عــام ‪ 2003‬مــن أجل‬
‫لم شمل مواطن عربي لزوجته غير المواطنة‪ ،‬أو جمع‬ ‫الحيلولة دون تحقيق أو إمكانية ّ‬
‫(‪ ((12‬م ــروان دالل‪ ،‬قضاء إسرائيلي‪ :‬تاريخ ‪ -‬سجالت ‪ -‬حــدود (رام الـلــه‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات‬
‫اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2008 ،‬ص ‪.40 - 39‬‬

‫(‪ ((12‬غ ــان ــم‪« ،‬اليهود والـعــرب فــي الـصــراع حــول طبيعة الــدولــة‪ »،‬ص ‪ ،115‬وقوانين المحاكم العسكرية‬
‫اإلسرائيلية (رام الله‪ :‬اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في إسرائيل‪ ،‬جمعية نادي األسير الفلسطيني‪.)2008 ،‬‬
‫(‪ ((12‬انظر‪« :‬خطاب نتنياهو في جامعة بار إيالن‪ »،‬القدس‪ .2009/6/15 ،‬وانظر أيض ًا خطاب نتنياهو في‬
‫قمة واشنطن (أيلول‪/‬سبتمبر ‪.)2010‬‬
‫‪106‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫شمل مواطنة لزوجها غير المواطن‪ .‬وقد استهدف القانون‪ ،‬بصفة خاصة‪ ،‬تقليص نمو‬
‫العرب في الداخل‪ ،‬واستثنى من مفعوله المستوطنين الذين يعيشون في األماكن نفسها‬
‫التي يعيش فيها العرب في الضفة الغربية‪.‬‬
‫وعن هذا القانون وتعديالته‪ ،‬قال عدد من الوزراء النافذين في إسرائيل إن الدافع‬
‫المركزي لتعديل قــانــون المواطنة هــو ديمغرافي أســاسـ ًا‪ ،‬لمواجهة النمو السكاني عند‬
‫العرب في إسرائيل(‪.((12‬‬
‫وفي تحليل د‪ .‬بشارة لمنظومة األحكام القضائية‪ ،‬وخصوص ًا تلك التي بدأت تغزو‬
‫بشكل غير مسبوق النظام القضائي اإلسرائيلي منذ عام ‪« :2000‬التشريع القضائي يعتمد‬
‫الرؤيا المسيانية في الصهيونية‪ ،‬ويؤكد أن الرابط الصهيوني هو في الواقع ديني سياسي‪،‬‬
‫وأن ال فرق لدى القضاء بين تعابير دولة يهودية‪ ،‬ودولة صهيونية‪ ،‬ودولة اليهود»‪ .‬بهذا‬
‫الـمـعـنــى‪ ،‬ف ــإن المحكمة العليا ليست إســرائـيـلـيــة فـحـســب‪ ،‬بــل هــي فــي شقيها الليبرالي‬
‫والمحافظ تحسم مــوقـفـ ًا أيــديــولــوجـيـ ًا لصالح الصهيونية‪ ،‬لضمان تهويد مــا يمكن من‬
‫األرض‪ ،‬واستبعاد ما يمكن من العرب‪ ،‬وبتعبير نور الدين مصالحة‪« :‬أرض أكثر‪ ،‬وعرب‬
‫أقل»(‪.((12‬‬
‫وبنتيجة هذه التشريعات القضائية‪ ،‬فإن تقليص األقلية العربية في الداخل‪ ،‬والتهويد‬
‫الحاصل في األرض المحتلة‪ ،‬يجريان تحت سيف القضاء التوراتي الصهيوني‪ ،‬الذي‬
‫أدى في النهاية‪ ،‬وفق خالصة نمر سلطاني‪ ،‬إلى أن يصبح‪« :‬الفلسطينيون في إسرائيل هم‬
‫جزء من مجموعة المواطنين‪ ،‬لكنهم في الوقت ذاته ليسوا جزء ًا من المجموعة القومية‬
‫التي تحتكر الهيمنة وال ـمــوارد والـنـفــوذ فــي الــدولــة؛ إنهم ليسوا ج ــزء ًا مــن الحيز العام‪،‬‬
‫وليسوا شركاء في بلورته وتحديد مضامينه‪ ،‬وليسوا جزء ًا من صناعة القرار في الدولة‪ .‬إن‬
‫الدولة الشمولية تكتسب صفة الدولة المستبدة واألداة القهرية عند تحولها من أداة في يد‬
‫القانون إلى أداة في يد القومية(‪.((12‬‬
‫(‪ ((12‬دالل‪ ،‬قضاء إسرائيلي‪ :‬تاريخ ‪ -‬سجالت ‪ -‬حــدود‪ ،‬ص ‪ ،41‬وانـظــر حــول هــذه القوانين وتبعياتها‬
‫العنصرية‪ ،‬عزمي بشارة خالل مقابلة معه على قناة الجزيرة الفضائية بتاريخ ‪.2009/5/27‬‬
‫(‪ ((12‬بشارة‪ ،‬من يهودية الدولة حتى شارون‪ :‬دراسة في تناقص الديمقراطية اإلسرائيلية‪ ،‬ص ‪.29‬‬
‫(‪ ((12‬ن ـم ــر سـلـطــانــي‪« ،‬ال ـم ـســاواة والـمــواطـنــة فــي إســرائ ـيــل‪ »،‬قضايا إســرائـيـلـيــة‪ ،‬الـعــدد ‪( 13‬ش ـتــاء ‪،)2004‬‬
‫ص ‪ ،106‬وم ــروان دوي ــدي‪« ،‬الديموقراطية ويهودية الــدولــة‪ :‬أيــن التناقض؟‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 10‬ربيع‬
‫‪.)2003‬‬
‫‪107‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
108
‫المرجع ّية الدينية والتاريخية‬

‫والفكرية لجدار الفصل العنصري‬
Copyright © 2015.
109
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
110
‫مدخل‪ :‬مقاربة في النظرية االجتماعية‪/‬نظرية التشكيل‬
‫إذا ّأولنا المفهوم الماركسي الخاص بجدلية العالقة بين البنية التحتية والفوقية‪،‬‬
‫يصبح الجدار كفعل متشكّل والعزل واالنعزال‪ ،‬وكغائية مرتبطة في المبنى العام للنظرية‬
‫الصهيونية‪ ،‬حالة تتمتع بقدر معرفي يقترب من تفسير الفعل اإلسرائيلي‪ .‬كما ينتج البناء‬
‫مبرر ًا‬
‫التحتي (البنية التحتية) للثقافة القيمية والمعيارية الصهيونية سلوك ًا وعنف ًا مستدام ًا ّ‬
‫ومذوت ًا إسرائيلي ًا بتسويغات أمنية في معظم الحاالت‪.‬‬
‫ّ‬
‫المذوت داخلي ًا كمجموعة‬
‫ّ‬ ‫وفي حين يجادل فيبر بافتراض أن الفعل االجتماعي‬
‫من الوسائل لتحقيق غايات عملية‪ ،‬أو لتحقيق بعض من القيم العليا الجماعية‪ ،‬يجب أن‬
‫يفهم في إطار المعاني التي يخلعها األفراد‪/‬المجتمع عليها‪ .‬وهذا يقودنا إلى فهم الغاية‬
‫الخالصية‪« :‬االنـعــزال عن األغـيــار وتحقيق معنى الـفــرادة اليهودية الكامنة في اليهودية‬
‫ذاتها»(((‪.‬‬
‫ويكاد بارسونز يتقاطع مع فيبر في االدعــاء القائل إن الحياة االجتماعية‪ ،‬بما فيها‬
‫الفعل السياسي «الـسـيـطــرة والـضـبــط»‪ ،‬ال يمكن رؤيـتـهــا إال مــن خــال المعايير والقيم‬
‫الحاكمة التي تتمثلها الجماعة‪ .‬وفــي الحالة اإلسرائيلية‪ ،‬فــإن منظومة القيم والمعايير‬
‫تتناسل مــن طبقة دينية هــي أســاس التشكيل السياسي الفاعل فــي الــدولــة العبرية‪ .‬هذه‬
‫والمتفردة والمقدسة التي‬
‫ّ‬ ‫الدولة تمتلك شرعيتها من ا ّدعاء يهوديتها السامية والخالصية‬
‫تقوم مقام الرب في أداء المهمات اليومية‪ .‬وهنا يصبح الجدار مؤسس ًا‪ ،‬ليس على طبقات‬
‫من الباطون والخرسانة‪ ،‬وإنما على طبقات عميقة من القيم والرموز المعيارية التي يسعى‬
‫إليها المواطن الملتزم مع دولة الرب بعقد ديني مقرر سلف ًا(((‪.‬‬
‫محمد حسين غلوم؛ مراجعة محمد‬

‫ّ‬ ‫((( إيــان كريب‪ ،‬النظرية االجتماعية‪ :‬من بارسونز إلى هبرماس‪ ،‬ترجمة‬
‫عصفور‪ ،‬عالم المعرفة؛ ‪( 244‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،)1990 ،‬ص ‪.66‬‬
‫((( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.67‬‬
‫‪111‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إذا كان العالم الذي نراه من حولنا هو نتاج أفكارنا بمنطق «كانط»‪ ،‬وهو المنطق‬
‫الــذي يمثل الفرضية الرئيس ّية للبنيوية التي تن ّظر لمقولة‪« :‬البشر هم صنائع أفكارهم»‪،‬‬
‫وإن فعلهم ال يتحدّ د بواسطة اختياراتهم وقراراتهم‪ ،‬بل نتيجة البنية الكامنة في أفكارهم‪.‬‬
‫ال‪ ،‬التي أصبح حضورها في العقل‬ ‫وباالتكاء على هذا الفهم البنيوي‪ ،‬فإن المحرقة‪ ،‬مث ً‬
‫اإلسرائيلي كحضور اإلل ــه‪ ،‬فــإن مــا ينشأ عــن هــذا الحضور الطاغي يفضي إلــى منظومة‬
‫الخ ُلق اإلنساني ّ‬
‫بحق اآلخر‬ ‫سلوكية سياسية ستكون مفتقرة دائم ًا إلى الحدّ األدنــى من ُ‬
‫العربي الذي لم يكن في مشهدها عند لحظة وقوعها‪.‬‬
‫ال يقبل دوركـهــايــم تت ّبع تــاريــخ عمل ما‪/‬فعل مــا‪ ،‬ظــاهــرة مــا‪ ،‬لفهم طريقة عمله‪،‬‬
‫بل يتع ّين (واالفتراض لدوركهايم) أن ُينظر في عالقة أجــزاء هذا الفعل بعضها ببعض‪،‬‬
‫وهو ما سنتناوله في المبحث األول من هذه الدراسة‪ .‬ولكن قبل أن أنهي هذا المدخل‬
‫يستوقفني التحليل الماركسي مرة أخــرى‪ :‬الح ّيز الجغرافي الــذي أصبح مسلوب ًا بشكل‬
‫فعلي في أراضــي الضفة الغربية بفعل الجدار‪ ،‬يستوفي شــروط الفهم الماركسي القائل‬
‫إن الهدف الكامن في سلوك النظام السياسي هو غاية اقتصادية بحدّ ذاتها مهما جرى‬
‫تبريرها بأبعاد أمنية(((‪ .‬فاألراضي المسلوبة بالجدار تعادل قيمتها بالمنطق الرأسمالي‬
‫لمن سلبها وجعلها حكر ًا عرقي ًا وديني ًا له‪ ،‬ما ال يمكن تثمينه ربحي ًا‪ .‬وكخالصة استنتاجية‬
‫لهذا اإلطار النظري‪ ،‬فإنه يمكن االدعاء بأن الكراهية والعدوانية وتحقير اآلخر‪ ،‬هي قيم‬
‫فاعلة في مجتمع المهاجرين تجاه السكان األصليين بشكل عــام‪ .‬وفــي الحالة العربية‬
‫إزاء االستيطان الصهيوني ألراضـيـهــا‪ ،‬فــإن الكراهية تكون أعظم وأعـمــق النبثاقها عن‬
‫أيدولوجيا تبرر هذا العنف الذي يستهدف تفريغ المكان من أهله الفلسطينيين(((‪.‬‬
‫أوالً‪ :‬األبعاد الدينية لجدار الفصل العنصري‪:‬‬

‫الالهوت في األعالي يدير الحياة السياسية على هذه األرض‬
‫‪ - 1‬األصول الدينية للجدار العازل‬

‫لـيــس ال ـجــدار ال ــذي اكـتـمــل فــي عـمــق فلسطين ‪ -‬الـتــي يـجــري اخـتـصــارهــا بالضفة‬
‫الغربية الـتــي يـقــال إنـهــا ستكون (ربـمــا) أحــد اإلقليمين الـتــي ستقام فيهما سـيــادة وطنية‬
‫((( سورين بياللي‪« ،‬قناع العنصرية فيما بعد التمييز العنصري‪ ،Godesria »،‬العدد ‪ ،)2005( 460‬ص ‪.6‬‬
‫((( أولك نتسر‪« ،‬فيروس الكراهية‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 80‬آب‪/‬أغسطس ‪ ،)2001‬ص ‪.85‬‬
‫‪112‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫فلسطينية ‪ -‬إال امتداد ًا عميق ًا لطبقات أحفورية معمقة للعقل اليهودي(((‪ .‬لقد و ّفر األديب‬
‫كل الباحثين في حقيقة الجدار عناء الــدرس والبحث‪،‬‬ ‫اليهودي «إسرائيل شامير» على ّ‬
‫فـ ـ «ال ـجــدار هــو أقـصــى تجليات ال ــروح الـيـهــوديــة‪ ،‬وه ــو مــا يـنــاســب الــدولــة الـيـهــوديــة‪ .‬إن‬
‫عشرات الكلمات تعني الـجــدار في اللغات اليهودية‪ ،‬ربما بقدر ما في لغة اإلسكيمو‬
‫من كلمات تعني الثلج‪ .‬كما أن أقــدس رمــوز اليهود هو حائط المبكى (الحائط الغربي‬
‫للمسجد األق ـص ــى)‪ ،‬وشــارعـهــم المفضل هــو وول سـتــريــت )‪ .(Wall Street‬لـقــد بنى‬
‫المصريون والبابليون والمسيحيون والمسلمون صروح ًا عمودية‪ ،‬مثل األهرام والبروج‪،‬‬
‫لربط السماء باألرض‪ ،‬لكن اليهود يؤلهون ذواتهم‪ ،‬وهم لذلك ال حاجة لهم إلى سماء‬
‫أو أرض‪ ،‬وأول ما يبنونه من لندن إلى منيسوتا هو جدار لفصلهم عن غير اليهود‪ .‬ومن‬
‫المعروف أن الكتابة الوحيدة الباقية حتّى اآلن من المعبد اليهودي الذي د ّمر بعد أربعين‬
‫عام ًا من ظهور السيد المسيح‪ ،‬ليست الوصايا العشر أو التعاليم األخالقية‪ ،‬بل قطعة من‬
‫غير اليهودي‪ ،‬إن اجتزت هذا الجدار‪ ،‬فال تلومن إال‬ ‫جدار كتب عليها تحذير يقول‪« :‬يا َ‬
‫نفسك من موتك المؤلم»!!(((‪ .‬ال يمكن فهم فعل ما إال بفهم الفاعل‪ ،‬وألن الفعل هو‬
‫انعكاس لعقل الفاعل‪ ،‬فإن فعل الجدار صادر عن العقل واإلدراك الكامنين في جذوره‬
‫التحتية العميقة التي ش ّيد عليها‪ .‬إن أهم جزء من التعاليم اليهودية هو موعظة‪ِ :‬‬
‫«ابن جدار ًا‬
‫حــول الـتــوراة»‪ .‬لقد ارتبط الجدار الــذي يمتد إلــى أكثر من ‪ 750‬كم في أرض فلسطين‬
‫بنظام يقوم على التحذير نفسه الذي وجد في المعبد الذي دمر قبل أكثر من ثالثة آالف‬
‫عام‪ ،‬وذلك من خالل يافطات ألصقها الجيش اإلسرائيلي على طول امتداد الجدار تقول‬
‫كل من يعبر أو‬ ‫باللغات العربية والعبرية واإلنكليزية‪« :‬خطر الموت ‪ -‬منطقة عسكرية‪ّ .‬‬
‫يعرض نفسه للخطر»‪.‬‬ ‫يلمس الجدار ّ‬
‫‪ - 2‬الصوت الذي أصدر أمر الجدار كان لنبي‬

‫إن رؤي ــة ال ـجــدار‪ ،‬كـحــدث‪ ،‬هــي ظــاهــرة أو حــالــة على خـ ّ‬
‫ـط تتابع تــاريـخــي‪ ،‬وتأثير‬
‫المدوية في تشريع الطرد الزاحف للفلسطينيين من ح ّيزهم الجغرافي‪ ،‬وهي أمر‬ ‫ّ‬ ‫إسقاطاته‬
‫قد صدر من أنبياء حملوا صفة الرب‪ ،‬فالسياق األخالقي واالجتماعي والتاريخي للجدار‬
‫إنّما يتأسس على تعاليم األنبياء‪ .‬وهنا‪ ،‬وفي هذا المبحث من الدراسة‪ ،‬ال ُبــدَّ من تأمل‬
‫انظر الجذور الدينية للسياسة اإلسرائيلية في‪Israel Shahak, Jewish History, Jweish Religion: The :‬‬ ‫(((‬
‫‪Weight of Three Thousand Years (Virginia; London: Pluto Press, 1994).‬‬
‫((( إسرائيل شامير‪ ،‬أزهار الجليل‪ ،‬ترجمة ناصر السعدون (دمشق‪ :‬دار كنعان‪ ،)2007 ،‬ص ‪.127 - 126‬‬
‫‪113‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫منظومة ال حصر لها من النصوص التوراتية التي جــاءت على ذكــر الـجــدار والحصون‬
‫والقالع‪ ،‬ألنها أسست للحالة االنعزالية الصهيونية الحديثة ولخطاب االنغالق العلماني‬
‫اإلسرائيلي الراهن‪.‬‬
‫األول مــن ال ـت ــوراة‪ ،‬وهــو سفر‬

‫ب ــدأت فـكــرة الـخــاص األول ــى بــالـجــدار فــي السفر ّ‬
‫التكوين‪ ،‬ثالث مــرات‪ ،‬وفي السفر الثاني (الـخــروج) أيض ًا‪ ،‬بل يمكن القول إن التوراة‬
‫هي كتاب الجدار األكبر‪« :‬ابن جدار ًا حول التوراة»‪ .‬وقد ورد في سفر ناحوم‪« :‬أصبحت‬
‫المياه أســوار ًا منيعة‪ ،‬هل أنت أفضل من طيبة الجاثمة إلى جــوار النيل المحاطة بالمياه‬
‫الممتنعة بالبحر وبأسوار من المياه؟»(((‪ .‬كما ورد على لسان داوود الــذي جعل الرب‬
‫حصن ًا‪« :‬الــرب صخرتي وحصني ومنقذي وركــن خالصي وقلعتي الحصينة»(((‪ .‬وفي‬
‫المزمور الثامن عشر أيض ًا ورد اآلتي‪« :‬يا إلهي‪ ،‬بك أقتحم الحصون وأتسلق األسوار»‪.‬‬
‫رب الجنود «اإلل ــه» بالحصن خمس ًا وعشرين م ــرة(((‪.‬‬ ‫وفــي سفر المزامير جــاء وصــف ّ‬
‫الخ ُلق الـجــداري وتأثيره في‬ ‫و ُيستشف من العدد الهائل للتعاليم الدينية مــدى مركزية ُ‬
‫األول‪:‬‬
‫العقل السياسي اإلسرائيلي في شقية العلماني والديني‪ .‬نقرأ في سفر الملوك ّ‬
‫«تزوج سليمان ابنة فرعون ملك مصر‪ ،‬وأحضرها إلى مدينة داوود ريثما يتم إكمال قصره‬
‫وبيت الرب والسور المحيط بأورشليم»(‪.((1‬‬
‫لــم ُينشأ الـجــدار والحصن والقلعة لتحول بينهم وبين األغـيــار‪ ،‬وإنـمــا بين اليهود‬
‫أنفسهم‪ .‬لقد جاء في سفر «أخبار اليوم الثاني» الــذي وصف الصراع بين مملكة يهودا‬
‫والسامرة بعد موت سليمان‪ ،‬وانقسام المملكة‪ ،‬وتولي يربعام عرش المملكة الشمالية‬
‫(يهودا)‪« :‬وأقــام رحبعام في أورشليم وبنى حصون ًا في مدن يهوذا‪ .‬فبنى في بيت لحم‬
‫وعيطام وتقوع وبيت صور وسوكو وعــدالم‪ .‬وجت ومريشه وزيف‪ .‬وأدورايــم ولخيش‬
‫وعزيقة‪ .‬وصــرعــة وأيـلــون وحـبــرون التي فــي يـهــودا وبنيامين‪ ،‬وجعلها مــدنـ ًا منيعة ذات‬
‫وخزن فيها مؤن ًا وخمر ًا وأتراس ًا ورماح ًا‪ ،‬وجعلها ذات‬‫حصون قوية‪ ،‬وع ّين عليها قادة‪ّ ،‬‬
‫مناعة عظيمة»(‪.((1‬‬
‫((( الكتاب المقدس‪« ،‬سفر ناحوم‪ »،‬األصحاح ‪ ،1‬اآليتان ‪.8 - 7‬‬

‫((( المصدر نفسه‪« ،‬المزمور ‪ »،18‬اآليتان ‪.2 - 1‬‬

‫((( وسام الباش‪ ،‬الجدار‪ :‬بين نبوءات القرآن ونبوءات التوراة (دمشق‪ :‬صفحات للدراسات والنشر‪،)2009 ،‬‬
‫ص ‪.42 - 41‬‬
‫(‪ ((1‬الكتاب المقدس‪« ،‬سفر الملوك األول‪ »،‬األصحاح ‪ ،9‬اآلية ‪.24‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪« ،‬سفر أخبار األيام الثاني‪ »،‬األصحاح ‪ ،11‬اآليات ‪12 - 5‬‬
‫‪114‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الالفت للنظر أن الجدران لم تُبن في وجه غريب غاز محتمل أو في أثناء صراع‬
‫مستعر‪ ،‬وإنما أيض ًا في أثناء استراحة األرض من الـحــروب‪ :‬يصبح الملك آسا‬ ‫ّ‬ ‫داخلي‬
‫ملك ًا على إسرائيل بعد وفاة أبيه الملك أبيا‪ ،‬حيث ساد االستقرار في فترة حكمه‪ ،‬وعلى‬
‫لسان الملك آســا النبي‪« :‬لنبن هــذه الـمــدن ونقيم حولها أس ــوار ًا وأبــراج ـ ًا مــا دمنا على‬
‫األرض»(‪ .((1‬وتبدأ بهذا األمر النبوي حالة واسعة من بناء القالع واألسوار‪« :‬وبنى مدن ًا‬
‫إن الــرب أراحــه من الـحــروب‪ .‬وقال‬ ‫حصينة في يهودا ألن األمــن كــان يسود الـبــاد‪ ،‬إذ َّ‬
‫ليهوذا‪ :‬لنبن هــذه الـمــدن ونقيم حولها أس ــوار ًا وأبــراج ـ ًا وأبــواب ـ ًا مــا دمنا مسيطرين على‬
‫األرض(‪.((1‬‬
‫تعلقت الـقـلــوب بــاألســوار ولـيــس بخالق الـقـلــوب‪ ،‬فــاألســوار بــالـتــراكــم التاريخي‬

‫أصبحت محفورة على جدران القلب اليهودي أكثر مما هي القلوب متسامية نحو وجه‬
‫الرب الذي خلق‪ .‬وفي أنشودة ابتهاج ير ّدد أبناء مملكة يهودا‪ ،‬بحسب سفر إشعياء بعض‬
‫االبتهاالت التي تؤكد أن خالص بني إسرائيل في أسوارهم وحصونهم‪« :‬في ذلك اليوم‬
‫يتر ّدد هــذا النشيد في أرض يهودا‪ ،‬لنا مدينة منيعة يجعل الــرب الخالص أس ــوار ًا»(‪.((1‬‬
‫هكذا يصبح للمدن المنيعة واألس ــوار أناشيد وتسابيح في أرض يهودا‪ ،‬يتهلل الشعب‬
‫ويتغنّى بـهــا‪ .‬وفــي مقطع آخــر مــن سفر إشـعـيــاء‪ ،‬نجد أن الـخــاص كــامــن فــي األس ــوار‪:‬‬
‫«وال ُيسمع بظلم في أرضك وتدعين أسوارك خالص ًا وبواباتك تسابيح»(‪.((1‬‬
‫يتحول النبي ذاته إلى جدار‪ ،‬يقول الرب إلرميا‪« :‬أجعلك المتحدث بفمي فيقبلون‬
‫عليك مسترشدين وأنت ال تلجأ إليهم طالب ًا نصيحة‪ ،‬وأجعلك سور ًا منيع ًا لهذا الشعب‬
‫فيحاربونك ولكنهم يخفقون»(‪ ،((1‬والنبي الذي جعله الرب جدار ًا كما في ّ‬
‫النص السابق‬
‫ينادي قومه‪« :‬فه ّيا نبني سور أورشليم فال نقاسي بعد من العار»(‪.((1‬‬
‫بحسب الدراسات التوراتية‪ ،‬فإن سفر «نحميا» يشكل الحلقة األهم في مسيرة بناء‬
‫األسوار واالتكاء عليها وتذويتها‪ ،‬ومدى تعلق اليهود بها كواقع‪ ،‬وداللتها كرمز مقدس‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪« ،‬سفر أخبار األيام الثاني‪ »،‬األصحاح ‪ ،14‬اآلية ‪.7‬‬
‫(‪ ((1‬الباش‪ ،‬الجدار‪ :‬بين نبوءات القرآن ونبوءات التوراة‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫(‪ ((1‬الكتاب المقدس‪« ،‬سفر إشعياء‪ »،‬األصحاح ‪ ،26‬اآلية ‪.1‬‬

‫(‪ ((1‬الـمـصــدر نفسه‪« ،‬سفر إشعياء‪ »،‬األصـحــاح ‪ ،60‬اآليــة ‪ ،18‬وعمر مصالحة‪« ،‬الخصوصية اليهودية‪»،‬‬
‫المشهد اإلسرائيلي‪.2005/5/17 ،‬‬

‫(‪ ((1‬الكتاب المقدس‪« ،‬سفر إرميا‪ »،‬األصحاح ‪ ،1‬اآليات ‪.19 - 15‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪« ،‬سفر نحميا‪ »،‬األصحاح ‪ ،2‬اآلية ‪.17‬‬
‫‪115‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مفعم بالمعاني الطقوسية اإليمانية‪ .‬فسفر «نحميا» هو آخر األسفار التاريخية في العهد‬
‫القديم‪ ،‬حتّى يمكن القول إنــه سفر الـجــدار‪ .‬فمث ً‬
‫ال على لسان نحميا‪ ،‬نجد األمــر اآلتي‬
‫عما رعاني به إلهي من عناية‬‫لرفع العار عن بني إسرائيل فقط بإقامة السور‪« :‬اطلعتم ّ‬
‫صالحة‪ ...‬لنقم السور‪ ،‬وتضافروا جميع ًا للقيام بالعمل الصالح حول أورشليم» ‪.‬‬
‫(‪((1‬‬
‫ال ـتــوراة الـمـســورة بــالـجــدار «اب ـ ِـن ج ــدار ًا حــول ال ـت ــوراة» جعلت العقل اإلسرائيلي‬
‫الحديث‪ ،‬كما القديم‪ ،‬يستلهمها سلوك ًا ومعنى‪ .‬ويستبطنها ويــذوت دعاواها االنعزالية‬
‫«جمع منعزل وباألغيار ال يـكـتــرث»(‪« ،((1‬أنتم أوالد الــرب إلـهـكــم»(‪ .((2‬فالجدار كخط‬
‫تصح الفرادة من دونه‪ ،‬ولهذا فإن الجدار هو قصة حياة الفرادة والخصوصية‬ ‫ّ‬ ‫انعزال ال‬
‫واالصـطـفــاء واالن ـع ــزال عــن اآلخـ ــر‪ ...‬وبــاألغـيــار ال يـكـتــرث‪ .‬وعـلــى هــذا األس ــاس‪ ،‬فإن‬
‫دولــة إسرائيل المعاصرة مــا هــي إال إع ــادة بناء )‪ (Re-establishment‬لما كــان متخي ً‬
‫ال‬
‫في الماضي(‪ .((2‬وهذا يشي مباشرة أنه ك ّلما اشتدّ ألم الفلسطينيين يكون االقتراب من‬
‫الحلولية اإللهية أكبر‪ ،‬بل يصبح ألم الواقعيين في «قفص بني موريس» داخــل األســوار‬
‫مؤشر ًا لصدقية األنبياء(‪.((2‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬السياق التاريخي االنعزالي الحديث‬
‫‪ - 1‬وعي المنفى (الغيتو)‬

‫يعود أصل المفهوم إلى الكلمة اإليطالية (بورغيتو) التي تعني القسم الصغير من‬
‫المدينة‪ ،‬ومن أسماء الغيتو في المدن األوروبية الكبيرة التي أقام فيها اليهود‪ :‬في ألمانيا‬
‫(يــوديــن ش ـت ــراوس)‪ ،‬أي ح ــارة الـيـهــود‪ ،‬وفــي الـبــرتـغــال أطـلــق عـلــى حـ ّـي الـيـهــود الـخــاص‬
‫وسمي باإلنكليزية (غــوري)‪ .‬وكلها كلمات تصف اليهود بأنهم أقلية عرقية‪/‬‬ ‫ّ‬ ‫(غوديا)‪،‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪« ،‬سفر نحميا‪ »،‬األصحاح ‪ ،18 - 17 ،2‬و مصالحة‪ ،‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪« ،‬سفر يوشع‪ »،‬األصحاح ‪ ،23‬اآلية ‪.8‬‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪« ،‬سفر التثنية‪ »،‬األصحاح ‪ ،4‬اآلية ‪.2‬‬
‫(‪ ((2‬كيث وايتالم‪ ،‬اختالق إسرائيل القديمة‪ :‬إسكان التاريخ الفلسطيني‪ ،‬ترجمة سحر الهنيدي؛ مراجعة فؤاد‬
‫زكريا‪ ،‬عالم المعرفة؛ ‪( 249‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة واآلداب‪ ،)1999 ،‬ص ‪.203‬‬
‫(‪ ((2‬انـظــر‪ :‬بيني موريس‪« ،‬في ظــروف معينة الطرد ال يشكل جريمة حــرب‪ »،‬في‪ :‬مجموعة باحثين‪ ،‬ما بعد‬
‫الصهيونية‪ :‬بين الحياة والموت‪ ،‬ترجمة سعيد ع ّياش وحلمي موسى؛ تقديم أنطوان شلحت‪ ،‬أوراق إسرائيلية؛ ‪21‬‬
‫(رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2004 ،‬ص ‪.39‬‬
‫اقترح المؤرخ اإلسرائيلي بني موريس أن يقام للفلسطينيين شيء مثل القفص‪ ،‬وهذا ما ستأتيه الحق ًا‪.‬‬
‫‪116‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مسورة معزولة‬‫دينية منعزلة‪ .‬وفي المشرق العربي كان التجمع اليهودي ليس في حارة ّ‬
‫ومنعزلة‪ ،‬كما فــي ال ـغــرب‪ ،‬وإنـمــا أق ــام الـيـهــود فــي تجمعات طائفية خــاصــة (ال ـحــارات)‬
‫مفتوحة على غيرها من الحارات من دون أي فصل قسري‪ ،‬ومثلها حــارات اليهود في‬
‫القدس والقاهرة والمغرب(‪.((2‬‬
‫الواقع االقتصادي االجتماعي اإلقطاعي في الغرب هو السياق العام الــذي أدى‬

‫لنشوء هــذا الغيتو المعزول‪ .‬وألن الحالة والـمــزاج والتركيب النفسي والبناء التاريخي‬
‫للشخصية الـيـهــوديــة كــانــت عـلــى أعـلــى قابلية لتقبل ه ــذا الــواقــع ال ـم ـفــروض‪ ،‬فـقــد كــان‬
‫المجتمع قائم ًا على الفصل بين الطبقات وفــق مسافة اجتماعية حــادة بينها‪ ،‬وكــان هذا‬
‫الفصل هو إحــدى سمات التنظيم االجتماعي اإلقطاعي في العصور الوسطى‪ .‬وبدت‬
‫مالمح هذا الفصل بعدم السماح للغرباء بالبقاء الدائم في المدن الناشئة‪ ،‬وتع ّين على‬
‫الغرباء دفع ضريبة للحصول على بقاء محدد لفترة زمنية‪.‬‬
‫وفــي اإلطــار ذاتــه‪ ،‬اختار أعضاء كـ ّـل حرفة أو مهنة معينة ركن ًا أو ح ّي ًا خاص ًا بهم‪.‬‬
‫ال من أشكال تقسيم العمل‪ ،‬كتأكيد المسافة االجتماعية الالزمة ألداء‬ ‫وكان الفصل شك ً‬
‫النسق وضمان أن يظل االحتكاك بين الطبقات واألقليات والجماعات اإلثنية المختلفة‬
‫تحت السيطرة لتحاشي الصدام أو االحتكاك اليومي‪.‬‬
‫المهنة األساس التي غلبت على الطائفة‪/‬الجماعة اليهودية كانت التجارة وبعض‬
‫الـحــرف الحيوية للمدن فــي العصور الــوسـطــى‪ .‬فقد اعتبرت هــذه الـمــدن بمنزلة تجمع‬
‫تجاري‪/‬حرفي تابع للملك أو النبيل اإلقطاعي باعتبارها حالة نفعية ومـصــدر ًا للدخل‬
‫لــدى هــؤالء النبالء‪ .‬واليهودي‪ ،‬ناظر ًا أو منظور ًا إليه‪ ،‬هو الغريب‪ ،‬المغترب دوم ـ ًا عن‬
‫محيطة االجـتـمــاعــي‪ .‬فهو غــريــب بالنسبة إلــى أبـنــاء المدينة الـتــي يقيم فيها‪ .‬لــذلــك كان‬
‫تحت خطر المالحقة والحقد الدائم‪ .‬وكلما كان مستوى التجار الوطنيين يتقدم‪ ،‬كان‬
‫الخطر عليهم يتعاظم‪ .‬لذا كان الغيتو هو الطريقة المثلي لحماية أعضاء الجماعة وضمان‬
‫بنيوي يدور في المجتمع اإلقطاعي الغربي‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫أمنهم‪ ،‬أي أن الغيتو كان تعبير ًا عن صــرا ٍع‬
‫وهو الصراع بين البرجوازية الوطنية الناهضة وأمراء اإلقطاع ومن يقع في دائرة حمايتهم‬
‫وتبعيتهم‪ ،‬وخاصة من اليهود‪.‬‬

‫(‪ ((2‬عبد الوهاب المسيري‪ ،‬موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ :‬نموذج تفسيري جديد‪ 8 ،‬ج (القاهرة‪:‬‬
‫دار الشروق‪ ،)1999 ،‬ج ‪ ،4‬ص ‪.294 - 288‬‬
‫‪117‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ومن الحقائق أو الوقائع التاريخية التي رسخت وأنضجت الغيتو الخاص بالجماعة‬
‫اليهودية‪ :‬أن الجماعة اليهودية هي من ناحية بنيوية تعيش الحالة االنغالقية «جمع منعزل»‬
‫ال يحقق ذاتــه الفردية والعضوية والجماعية إال بحالة االنـعــزال التي تعتبر شرط ًا ألداء‬
‫الطقوس الدينية والعمل بمقتضاها لضمان بقائه ومكانته وهويته‪ ،‬مثل شعائر السبت‪،‬‬
‫وقوانين الطعام واألعياد والمناسبات الدينية الكثيرة‪ ،‬وقوانين الطعام (كوشير)‪ ،‬والزواج‬
‫الــداخـلــي‪ ،‬والـنـصــاب ال ــازم ألداء الـصــاة الجماعية‪ ،‬وخـتــان الــذكــور وطـقــوس البلوغ‬
‫وشعائر الموت والدفن‪ ،‬وكذلك شكل الزي الديني(‪.((2‬‬
‫وبرغم أهمية الغيتو كجزء من عملية إدارة المجتمع المتحول من التشكيل الزراعي‬
‫العزلوي ساهم في تعميق‬ ‫إلــى الصناعي الحرفي البسيط‪ ،‬إال أن هــذا الشكل المعيشي ْ‬
‫الشعور بالعزلة لدى اليهود وتحويلهم إلى مجرد عنصر نفعي للمجتمع الذي يعيشون‬
‫فيه‪ ،‬مجرد ًا من القيمة اإلنسانية‪ .‬وقد ساهمت العزلة خارج المدينة أو في ٍ‬
‫ركن ما داخلها‬
‫بجعل عالقتهم مع باقي أفــراد المجتمع الواسع عالقة تعاقدية ميثاقية مكتوبة‪ ،‬ونفعية‬
‫مالية صرفة في ترسيخ تمظهرات الغيتو ورسوخ أسواره‪.‬‬
‫كانت التحوالت االقتصادية التي شهدها المجتمع الغربي‪ ،‬وظهور طبقات محلية‬
‫تجارية مسيحية وطنية بسبب تراكم رأس المال وانفتاح التجارة‪ ،‬أن فقد اليهود كثير ًا‬
‫من وظائفهم الحصرية التجارية أو الوسائطية‪ ،‬وشرعوا في االنتقال نحو المهن المالية‬
‫حسنت‬ ‫التي أسست لفكرة البنوك في ما بعد‪ ،‬كالقروض «الموصوفة بالربا» التي وإن ّ‬
‫محط األنظار الغاضبة‪ ،‬وخصوص ًا من الفئات التي‬ ‫ّ‬ ‫مستواهم االقتصادي‪ ،‬إال أنها جعلتهم‬
‫اضطرت إلى االقتراض بنسبة ربحية معينة‪ .‬كان منتصف القرن الخامس عشر بمنزلة لعنة‬
‫على الجماعات اليهودية‪ ،‬وأدت هذه اللعنة الواقعية إلى مزيد من تجريد اليهود وعزلهم‪.‬‬
‫ومرة أخرى يصبح الغيتو هو المالذ اآلمن لحمايتهم وضمان بقائهم واستمرار هويتهم‪،‬‬
‫مع ازدياد هامشية اليهود وفقدانهم ألهم وظائفهم التي عرفوا بها‪.‬‬
‫ب ــدأت الـتـحــوالت االقـتـصــاديــة فــي الـتـســارع مــع نهاية الـقــرن الــرابــع عـشــر‪ ،‬وبــدأت‬
‫هامشيتهم والنظرة الدونية لهم تأخذ أبعاد ًا حادة‪ ،‬وخصوص ًا مع ظهور الدول القومية‪.‬‬
‫وهنا ظهر أول غيتو قسري في ألمانيا‪ ،‬ومع إطاللة تباشير عصر النهضة كان الغيتو هو‬
‫الشكل الشائع في أوروبــا‪ .‬وفي إسبانيا‪ ،‬أصدر الملك عام ‪ 1840‬قــرار ًا بإحاطة أحياء‬
‫(‪ ((2‬انظر تحليل آينشتاين في منشأ الغيتو‪ ،‬في‪ :‬عفيف ّفراج‪ ،‬رؤية آينشتاين لليهودية ودولة اليهود (بيروت‪:‬‬
‫دار اآلداب‪ ،)2003 ،‬ص ‪.79 - 75‬‬
‫‪118‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫اليهود بالجدران‪ ،‬وكذلك طبقت قرارات مماثلة في البرتغال وبولندا‪ ،‬تضمنت احتجاز‬
‫الجماعات اليهودية فــي مـجــال جغرافي مـحــاط بـســور لــه بــوابــة أو أكـثــر تغلق عــادة في‬
‫المساء‪.‬‬
‫تضمن الغيتو تاريخي ًا وظيفتين أدائيتين‪ :‬األولــى‪ ،‬على مستوى العالقة مع الدولة‬
‫التي تحوي الغيتو‪ ،‬وتمثلت بحماية اليهود كجماعة وظيفية وسيطة‪ ،‬وسهولة تحصيل‬
‫الـضــرائــب منهم بشكل جماعي‪ ،‬وتشديد المراقبة والسيطرة عليهم‪ ،‬وفصلهم كيهود‬
‫عن الجماعة المسيحية التي تشكل مــادة الدولة القومية‪ .‬أما الوظيفة الداخلية‪ ،‬فكانت‬
‫بمنزلة الضمير الجمعي الــذي يصون الهوية اليهودية وتعميق الــوالء العقيدي لرموزها‬
‫وقيمها الروحية والطقوسية‪ ...‬تمتع الغيتو بقسط وافر من اإلدارة الذاتية‪ ،‬قامت فيه إدارة‬
‫خاصة‪ ،‬امتكلت ضمن صالحياتها قوة تنفيذية تأتمر بأمرها‪ .‬هذه اإلدارة‪ ،‬وهي تتألف‬
‫في الغالب من مجلس الحاخامات والمساعدين التنفيذيين‪ ،‬هم من خريجي المدارس‬
‫الدينية التي كانت هي النظام التعليمي السائد‪ .‬وقد تركزت مهام هذه اإلدارة تحديد ًا على‬
‫كل ما يتعلق بالحياة اليومية‪ ،‬كالزواج والختان ومراسم البلوغ‬ ‫تنفيذ الشرائع اليهودية في ّ‬
‫وطقوس الزواج واألعياد والصيام وحرمة السبت(‪.((2‬‬
‫يتبع المجموعة اإلداري ــة مجموعة مــن الموظفين بقيادة «الـبــرنــاس»‪ ،‬وهــو رئيس‬
‫المحصل الــذي كــان يقوم بجمع الضرائب وتحصيلها لصالح‬ ‫ّ‬ ‫الجماعة‪ ،‬ثـ ّـم الجابي أو‬
‫السلطات الحاكمة‪ ،‬ويليه في األهمية الشوحيط (الذابح الشرعي)‪ ،‬والموهيل الذي يقوم‬
‫بعملية الختان‪ ،‬والشماس أو حامي المعبد الذي كان ين ّفذ أحكام القضاء‪ .‬امتلك الغيتو‬
‫العديد من المؤسسات الداخلية التي تكاملت وظائفها‪ ،‬وخلقت شبكة من العالقات‬
‫اإلنسانية اليهودية الدافئة القوية التي كانت ت ــزداد قــوة ك ّلما ازدادت حــدة الـصــراع مع‬
‫األغيار‪.‬‬
‫تلقى اليهودي داخــل أســوار الغيتو التنشئة الدينية الخالصة التي تستند إلى انتماء‬
‫اليهود إلى شعب مقدس اختاره الــرب ليكون نــور ًا للبشرية كشعب مختار وعــرق سام‪،‬‬
‫وهــو كشعب مـقــدس يبقى فــي هــذا الغيتو أو فــي هــذا المنفي الغيتوي إلــى حين ظهور‬
‫المخ ّلص‪ .‬فالعقلية االنعزالية‪ ،‬وكذلك االنتظارية‪ ،‬لتدخل السماء تبقى هي القيم المع ّبرة‬
‫عن تجليات الغيتو‪.‬‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.292‬‬
‫‪119‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪ - 2‬االنعزال اليهودي الديني في أسوار الدولة الحديثة‬
‫الصهيونية‪ ،‬ودول ــة إســرائـيــل فــي مــا بعد‪ ،‬لــم تدعيا أيــة نية لهدم أس ــوار الغيتو‪ ،‬بل‬
‫تحديث هذا الغيتو باستبدال انعزال اليهود التقليدي إزاء محيطهم العربي بأسوار الدولة‬
‫الحديثة‪ ،‬وهــذه المرة داخــل قلعة مس ّلحة في الشرق األوســط وفــق منطق جابوتنسكي‬
‫(السور الحديدي)‪ .‬وقد هدفت التيارات المركزية داخل الصهيونية‪ ،‬سواء بصيغة العمل‬
‫االشتراكية أم بصيغة التصحيحيين‪ ،‬إلــى بناء دولــة قومية إثنية نظيفة من األغـيــار ضمن‬
‫غيتو عصري وسيادي(‪ .((2‬ومنذ بداية االستيطان الصهيوني جرى توظيف مبدأ االنفصال‬
‫ال بفصل المهاجرين عــن الـسـكــان األصليين‬ ‫وال ـعــزل لبناء مجتمع مـسـ ّـور ومـنـعــزل‪ ،‬أو ً‬
‫العرب‪ ،‬وتجريد المهاجرين اليهود من الشرق (السفارديم) من أي مكونات رمزية وقيمة‬
‫تعرف نفسها على‬ ‫من هويتهم الشرقية السابقة‪ .‬النتيجة ليست مفاجئة‪ :‬أمة الغيتو التي ّ‬
‫أساس يهوديتها فقط‪ ،‬تقيم عالقات استعمارية مع الشعب األصلي‪ ،‬وتنظر باحتقار إلى‬
‫كل قيم العنصرية وتقديس الذات وكراهية األغيار‪.‬‬ ‫المحيط العربي‪ ،‬وتستلهم ّ‬
‫تحولت الغربة في الوسط الغربي األوروب ــي والشعور بها إلــى حالة بنيوية «ثقافة‬ ‫ّ‬
‫المنفي الجيوتية»‪ ،‬وهذه الحالة استدعت تمكين الغيتو ورفع أســواره وتحصين أبراجه‬
‫في إطار دولة إثنوقراطية تتجوهر على قيم غيتوية منفوية في إطار الدولة المشدد على‬
‫يهوديتها الحصرية‪« .‬فــالــدولــة الـعــابــرة للتاريخ تقلدت (القيم الدينية والقيم الغيتوية)‬
‫كأسمى رموز الحالة اإلسرائيلية العلمانية الناشئة»(‪.((2‬‬
‫وت ـج ــدر اإلش ـ ــارة هـنــا إل ــى أن الـغـيـتــو ك ــان مـحــط نـقــد الذع لـلـحــركــة الـصـهـيــونـيــة‪،‬‬
‫وخصوص ًا ما تعلق به من قيم انتظار الماشيح المخلص‪ .‬ومن هنا ظهر منطق إعادة تطبيع‬
‫أن بدأت عملية االستيطان تأخذ شكلها‬ ‫اليهود‪ ،‬أي عالجهم من أدران المنفي‪ .‬ولكن بعد ْ‬
‫األيديولوجي المن ّظم عادت األشواق مرة أخرى إلى حارة الغيتو بصفتها الح ّيز المناسب‬
‫لمركزة االستيطان الطاهر على الشاطئ الشرقي للبحر المتوسط هذه المرة‪ ،‬وفي غرب‬
‫آسيا‪ ،‬وليس في غرب أوروبا(‪.((2‬‬
‫(‪ ((2‬غــادي الغازي وهشام نفاع‪« ،‬الصهيونية ودولة إسرائيل‪ :‬االنعزال في أسوار الدولة الحديثة‪ »،‬المشهد‬
‫اإلسرائيلي‪.2005/4/25 ،‬‬
‫(‪ ((2‬غابريل بيتربيرغ‪ ،‬المفاهيم الصهيونية للعودة‪ :‬أساطير وسياسات ودراسات إسرائيلية (رام الله‪ :‬المركز‬
‫الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.)2009 ،‬‬

‫(‪ ((2‬يجال سيرينا‪« ،‬االستيطان عبء على المجتمع اإلسرائيلي‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 88‬نيسان‪/‬‬
‫أبريل ‪ ،)2002‬ص ‪.100 - 99‬‬
‫‪120‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ومع تشكّل اليوشوف العبري في فلسطين‪ ،‬ونشوء الوكالة اليهودية إلدارته ‪ -‬وهو‬
‫يسمى بالبيت الـقــومــي (هـبــايــت هلئومي) (مجتمع مــا قبل الــدولــة)‪ ،‬وف ــرت فــي هذا‬‫مــا ّ‬
‫المجتمع الديانة اليهودية في منظومتها القيمية والمعيارية السياق السياسي العام للدولة‬
‫اليهودية المنتظرة التي أعلن عنها رسمي ًا عام ‪ .1948‬ولم تنظر القيادة الصهيونية في هذا‬
‫البيت القومي (اليوشوف العبري) إلى العربي في الح ّيز الجغرافي كإنسان يملك إنسانية‬
‫جوهرية‪ ،‬بــل جــرى موضعته خــارج الـحــدود األخالقية اإلنسانية‪ .‬وفــي انتقادها الــاذع‬
‫للقيادة الصهيونية‪ ،‬تقول سارة روي (باحثة في العلوم السياسية)‪ ،‬وهي من أبناء ضحايا‬
‫ال ثمة حاجة إلى االحتفاظ بأدنى صلة ح ّية مع الناس‬ ‫المحرقة النازية‪« :‬إنه لم يكن أص ً‬
‫الذين نقهرهم‪ .‬أو ألن نضفي عليهم طابع ًا إنساني ًا»(‪.((2‬‬
‫نحن فــي هــذه الــدولــة (الـمـكــان) بـعـيــدون عــن الـعــالــم الـشـعــوري‪ ،‬أصـحــاب رؤيــة‬
‫بصورة عمياء‪ ،‬عاجزون‪ ،‬خاوون من السواء والنمو‪ .‬إننا مفرغون من اآلخر‪ .‬هنا نعيش‬
‫أخ ــاق الغيتو وقـيــم الغيتو‪ ،‬لكنه خــافـ ًا لما كــان مــن قـبــل‪ ،‬هــو غيتو مــن صنع أيادينا‬
‫وفكرنا(‪.((3‬‬
‫‪ - 3‬احتكار محاكم التفتيش والتسخين الدائم لمعاداة السامية‬

‫تشكّل مسألة محاكم التفتيش في إسبانيا‪ ،‬التي اكتسبت صفة قانونية عام ‪،1478‬‬
‫محاولة لالقتراب أكثر من فكرة تحويل جميع اليهود‪ ،‬وفي جميع األزمنة‪ ،‬إلى ضحية‬
‫معممة‪ ،‬وهي دعامة حاسمة في األيديولوجيا الرسمية اإلسرائيلية‪.‬‬
‫متماثلة ّ‬
‫ال في الذكرى المئوية الخامسة لالنطالق‬‫كانت المفكرة إيال شوحت قد كتبت مقا ً‬
‫تضمنت‬
‫ّ‬ ‫الفعلي لما عرف تاريخي ًا بمحاكم التفتيش اإلسبانية‪ .‬وكما هو معروف‪ ،‬فقد‬
‫هذه السياسات منظومة واسعة من اإلجــراءات التعسفية ضدّ العرب واليهود بالمستوى‬
‫نفسه من االستهداف والممارسات‪ .‬بكلمات أخرى‪ :‬كانت إجــراءات التفتيش المتخذة‬
‫ضدّ اليهود الذين يضبطون وهم يمارسون العبادة سر ًا‪ ،‬هي اإلجراءات ذاتها ضدّ العرب‬
‫الذين يمارسون العبادات اإلسالمية(‪.((3‬‬
‫(‪ ((2‬سـ ــارا روي‪« ،‬إســرائ ـيــل‪ :‬شعب ال ش ـعــوري‪ »،‬المستقبل الـعــربــي‪ ،‬السنة ‪ ،30‬الـعــدد ‪( 339‬أيــار‪/‬مــايــو‬
‫‪ ،)2007‬ص ‪.52 - 51‬‬
‫(‪ ((3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.55‬‬

‫(‪ ((3‬إيــا شوحط‪« ،‬كولومبس‪ ،‬فلسطين‪ ،‬الهيود‪ ،‬العرب‪ :‬نحو مقاربة عالئية لهوية المجموعة‪ »،‬الكرمل‪،‬‬
‫العدد ‪( 52‬صيف ‪.)1997‬‬
‫‪121‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تـقــول إيــا شــوحــت‪« :‬إن الـكـتــابــات التاريخية الصهيونية تتألف دائ ـم ـ ًا مــن عملية‬
‫انتقائية عريقة في نبش التفاصيل التي تستهدف اإلبقاء على حالة المطاردة الدائمة بشكل‬
‫حصري تجاه اليهود‪ ،‬وتجريد اليهودي الشرقي من تجربته الشرقية وهويته المشرقية‪،‬‬
‫وتــازم تاريخه مع تاريخ األمــم التي عــاش في سياقها الـعــام‪ .‬وقــد تجاهلت الصهيونية‬
‫حقيقة وجود جاليات يهودية مزدهرة متوافقة في معظم أرجــاء الشرق األوســط وشمال‬
‫أفريقيا‪ ،‬وهو زمن طرد اليهود السفارديم بالذات من إسبانيا‪ .‬وهي محاولة صهيونية واعية‬
‫للضغط على السفارديم كي يعيدوا اصطفاف هويتهم وفق ًا لنماذج الصهيونية األشكازية‬
‫المستوردة من أوروبا إلى فلسطين»‪.‬‬
‫لقد كانت الحكاية الكبرى لفكرة الضحية اليهودية الكونية حاسمة لشرعنة مشروع‬
‫قوموي غير سوي‪ ،‬يستهدف تصفية شتات الدياسبورا من جنبات األرض وموضعتهم في‬
‫إطار ح ّيز منعزل عن األغيار‪ .‬كذلك كانت الحكاية حاسمة في الزعم بأن األمة اليهودية‬
‫تجابه عــدو ًا تاريخي ًا مشترك ًا هو العربي الــذي يفترض بداهة تخفيف معنى وجــوده في‬
‫الح ّيز «فلسطين»‪ ،‬ســواء بــاإلبــادة أو الطرد أو بالعزل ليصبح غير مرئي وراء الخرسانة‬
‫المس ّلحة في الجدار(‪.((3‬‬
‫‪ - 4‬معاداة اليهود (الالسامية)‬

‫السكون في التاريخ والركون االنتقائي إليه كمادة مؤسطرة لشرعنة االنعزال عن‬
‫األغيار هي ملكوت صهيوني مستدام من أجل االستحواذ على النصب التذكاري الرمزي‬
‫للمعاناة واالضطهاد ضدّ اليهود كونهم كذلك‪ .‬وكان الصحفي اليهودي األلماني ولهم‬
‫مار قد نحت المفهوم ألول مرة عام ‪ .1879‬إال أن الداللة الطاغية له أخذت عمق ًا وحدّ ة‬
‫بعد المحرقة النازية لليهود (الهولوكوست)‪ .‬ما يبتغيه هذا المبحث من الدراسة هو فهم‬
‫التوظيف العام والخاص لمفهوم ضدّ السامية )‪ ،(Anti Semite‬أي ضدّ ساللة سام بن‬
‫نوح‪ .‬في إطار ّ‬
‫حل المسألة اليهودية في شكل دوالني إثنوقراطي ‪ -‬غيتوي(‪.((3‬‬
‫وألن الـ ـس ــؤال واإلج ــاب ــة ال ـم ـف ـتــرضــة‪ ،‬وك ــذل ــك الـمـصـطـلــح وال ـم ــدل ــول وال ـتــأويــل‬
‫والتوظيف‪ ،‬ينطلق مــن الــروايــة التوراتية بــأن تلك الــروايــة هــي التي ح ــدّ دت وأخرجت‬
‫(‪ ((3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.49‬‬

‫(‪ ((3‬ف ــي هــذا اإلط ــار‪ ،‬انظر‪ :‬إسرائيل شــاحــاك‪« ،‬الصهيونية شـ ّـر وال إمكانية لتطبيع إسرائيل مع وجــودهــا‪»،‬‬
‫الكرمل‪ ،‬العدد ‪( 62‬شتاء ‪.)2002‬‬
‫‪122‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الكنعانيين الساميين مــن هــذا الجنس المتخيل‪ ،‬وذل ــك لغضب مــن ال ــرب لـعــدم تهود‬
‫الكنعانيين‪ ،‬فقد كان ذلك منطلق ًا تاريخي ًا النعزال اليهود عن السكان األصليين الذين لم‬
‫النص التوراتي هو الــذي يب ّين سبب خــروج الكنعانيين‬
‫يعتنقوا هذا الدين الوافد إليهم‪ّ .‬‬
‫هكذا‪ ...‬فقط‪ ،‬بغضب من الرب (إله اليهود الحصري)‪ .‬لقد نقل هؤالء البشر إلى الجنس‬
‫الحامي الــذي يشترك مع ساللة يافث في عــداء اليهود (ساللة سام حصر ًا) التي عدّ تها‬
‫التوراة الذرية األعرق واألفضل في أبناء نوح(‪.((3‬‬
‫األول دافـيــد بــن غــوريــون قــولــه‪« :‬إذا لم‬

‫ينسب إلــى رئـيــس الحكومة اإلســرائـيـلـيــة ّ‬
‫يوجد هذا العداء‪ ،‬فال ُبدَّ من أن يولد ويستثار»‪ ،‬فإن أدنى لمحة من الكراهية أو التمييز‬
‫ضدّ اليهود ينبغي أن يجري تضخيمها وتأجيجها حتّى ليبدو األمــر وكــأن هناك مطاردة‬
‫واضـطـهــاد ًا دائـمـ ًا فــي خ ــارج إســرائـيــل ضــدّ الـيـهــود‪ .‬وهـنــا يـبــدو أن التوظيف الــدائــم لهذا‬
‫الـمـفـهــوم‪ ،‬ولـهــذه اللعنة‪ ،‬إ ّنـمــا يستهدف تسهيل ودع ــم وتشجيع الـهـجــرة الـيـهــوديــة إلى‬
‫إسرائيل من جانب‪ .‬ومــن جانب آخــر‪ ،‬الحيلولة‪ ،‬أو التخفيف من قضية اندماج اليهود‬
‫وأنصارهم في إطار القوميات الكبرى من أجل المحافظة على العنصر (المؤلهن) كحالة‬
‫متفردة في ذاتها‪ ،‬لتكون متفردة في ح ّيزها السياسي «إسرائيل» الخالية من‬ ‫دينية وعرقية ّ‬
‫األغيار‪ .‬أو على األقل االنعزال عن بقايا اإلسماعيليين إن وجدوا في الح ّيز العام ‪.‬‬
‫(‪((3‬‬
‫‪ - 5‬خطاب المحرقة‬
‫ينسب إلى الحاخام ياكوف بيرون القول إن «حياة مئة شخص غير يهودي ال تعادل‬
‫قالمة ظفر يهودي واحد‪ .‬قد تكون هذه المقولة مؤشر ًا على الحاضنة الدينية التي أنتجت‬
‫هــذا الـجــدار الــذي أقدمت عليه حكومة االحـتــال في مطلع هــذه األلفية‪ ،‬والموصوف‬
‫بعدد من التسميات ذات المصادر الرسمية وغير الرسمية‪ ،‬إسرائيلي ًا وفلسطيني ًا‪ ،‬عربي ًا‬
‫أو دول ـي ـ ًا‪ ...‬مــا يصعب اإلحــاطــة بها نـظــر ًا إلــى كثافتها‪ ،‬ونـظــر ًا إلــى مـحــاوالت أصحابها‬
‫(‪ ((3‬المنظمة العربية لمناهضة التمييز‪« ،‬معاداة السامية واالستثناء اليهودي‪ »،‬إعداد أحمد ذياب‪ ،‬ضدّ التميز‬
‫(كانون الثاني‪/‬يناير ‪ ،)2005‬ص ‪ ،11 - 9‬ويوآف غيلبر‪« ،‬إسرائيل لن تحل مشكلة الالجئين‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪،‬‬
‫العدد ‪( 15‬صيف ‪ ،)2004‬ص ‪.65‬‬
‫(‪ ((3‬يـســري عــزبــاوي‪« ،‬الـعــداء للسامية ســاح في وجــه األغـيــار‪ »،‬ضــدّ التميز (كانون الثاني‪/‬يناير ‪،)2005‬‬
‫ص ‪18 - 12‬؛ ريجينا الـشــريــف‪ ،‬الصهيونية غير اليهودية‪ :‬جــذورهــا فــي التاريخ الغربي‪ ،‬ترجمة أحمد عبد الله‬
‫عبد العزيز‪ ،‬عالم المعرفة؛ ‪( 96‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،)1985 ،‬ص ‪،75 - 17‬‬
‫محررة‪ ،‬مفهوم معاداة السامية بين األيدولوجيا والسياسة والقانون (القاهرة‪ :‬دار السالم‪،‬‬ ‫وناديا محمود مصطفى‪ّ ،‬‬
‫‪.)2005‬‬
‫‪123‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المسمى في البداية «جدار»‪ ،‬وما‬
‫ّ‬ ‫والقائلين بها لالقتراب من توصيف عميق لهذا الشيء‬
‫األول من توصيفات من نوع‪ :‬العنصري‪ ،‬العازل‪ ،‬الضم والتوسع‪ ،‬الطرد‪،‬‬ ‫يلحق باالسم ّ‬
‫األســود‪ ...‬أو جدار القتل‪ ،‬الموت‪ ،‬الكريه‪ ،‬الدمار‪ ،‬اإلفقار‪ ،‬التهويد ‪ ...،‬ولعل اإليحاء‬
‫الرمزي العفوي الذي أبداه أحد المواطنين الفلسطينيين في ساحة محكمة العدل العليا‪،‬‬
‫وظهر على شاشة إحــدى الفضائيات عندما سأله المراسل عن الـجــدار‪ :‬لم يجب ذاك‬
‫الكهل باللغة المنفعلة‪ ،‬وإنما أخذ بكوفيته وشدّ ها حول عنقه وقــال للمراسل‪ :‬هذا هو‬
‫الجدار؟(‪.((3‬‬
‫اح ـت ـشــدت خ ــال فـظــائــع ال ـج ــدار آالف األس ـئ ـلــة عـلــى ش ـفــاه وف ــي وجـ ــوه وعـيــون‬
‫المنكوبين بفظائع الـجــدار من «ليش» (ل ـمــاذا)؟‪ ،‬وكانت ال ـ «لـمــاذا» أو «الليش» باللغة‬
‫الفلسطينية العامية تقطر دمـ ًا وألم ًا وقهر ًا وحزن ًا وأس ــى‪ ...‬وال ـ «لـمــاذا» كانت توجه في‬
‫اتجاهين‪ :‬إما إلى أفراد الجيش وضباطه ومسؤوليه‪ ،‬وإما أن يكون السؤال اليومي في لغة‬
‫الحوار اليومية بين المواطنين العرب في فلسطين‪ .‬مثل‪ :‬لماذا هذا الجدار؟‪ ،‬ومنه تتناسل‬
‫عشرات األسئلة الجارحة‪ :‬لماذا تصادرون (تأخذون) أراضينا؟‪ ،‬لماذا تقطعون أشجار‬
‫الزيتون هذه؟‪ ،‬لماذا تضعوننا في سجن؟‪ ،‬لماذا تمنعونا من البناء؟‪ ،‬لماذا تهدمون بيوتنا؟‪،‬‬
‫تخربون أراضينا الزراعية؟‪ ،‬لماذا تحتجزوننا خلف الجدار؟‪ ،‬لماذا توقفوننا طوي ً‬
‫ال‬ ‫لماذا ّ‬
‫أمام البوابات الزراعية؟‪ ،‬لماذا تمنعونا من جمع محاصيلنا؟‪ ،‬لماذا صادرتم عين الماء؟‪،‬‬
‫لماذا أغلقتم هذه المنطقة؟‪ ،‬لماذا تمنعون هذا الشيخ الجليل من الوصول إلى المسجد‬
‫األقصى؟‪ ،‬لماذا منعتم سيارة اإلسعاف من الوصول إلى هذا المريض حتّى مــات؟‪...‬‬
‫ول ـمــاذا؟‪ ...‬ولـمــاذا؟‪ .‬وهكذا تتوالى األسئلة وتتناسل من بعضها البعض‪ ...‬وكــل يوم‬
‫يشتعل في الرأس سؤال آخر عندما تتالى تفاعالت األهداف وتنكشف حقائق جديدة في‬
‫حياة هذا اإلنسان الذي وضعه الجدار في أتون مشتعل‪.‬‬
‫األول‪ :‬لماذا حياة مئة شخص غير يهودي ال تعادل قالمة ظفر‬
‫وعودة إلى السؤال ّ‬
‫يهودي واحد؟‬
‫لقد كــان كتاب لننتصر على هتلر أحــد أهــم الكتب التي صــدرت في إسرائيل في‬
‫العقد األخير لرئيس الوكالة اليهودية ورئيس الكنيست األسبق أبراهام بــورغ‪ .‬أثــار هذا‬
‫محمد أحمد منصور (أبو أحمد) قارب السبعين عام ًا من بلدة بدو في محافظة‬
‫(‪ ((3‬المواطن الفلسطيني هو ّ‬
‫محمد دحله الذي تمكّن من استصدار ّأول قرار من محكمة العدل العليا بتغيير مسار‬
‫ّ‬ ‫القدس‪ ،‬كان برفقة المحامي‬
‫الجدار في مقطع طوله ‪ 30‬كلم في شمال غرب القدس في القضية التي ُس ِّم َيت في ما بعد بقضية بيت = سوريك‪..‬‬
‫‪124‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الكتاب صخب ًا وجــد ً‬
‫ال ونقاش ًا حــاد ًا في المجتمع والدولة في إسرائيل‪ ،‬نظر ًا إلى حجم‬
‫بحق اليهود في ألمانيا وبولندا؛‬
‫اآلثار التي كشفها وحللها الكاتب للهولوكوست النازي ّ‬
‫هذه اآلثار التي تسم السلوك السياسي للدولة والقيادة الصهيونية‪ .‬كان كتاب لننتصر على‬
‫هتلر وثيقة صارخة وأبلغ إجابة عن سؤال الـ «لماذا؟» الفلسطيني‪ ،‬وعن السلوك السياسي‬
‫اإلسرائيلي في األراضي المحتلة بشكل عام‪ ،‬وعن الفعل السياسي اإلسرائيلي المتعلق‬
‫ببناء الجدار بشكل خاص على امتداد الزمن اإلسرائيلي الدوالني؟‪.‬‬
‫تحول حضور المحرقة الطاغي في حياة اليهود أكثر من حضور الله في حياتهم‪،‬‬ ‫لقد ّ‬
‫وفــق قــول ب ــورغ‪ ،‬لتصبح التجربة المؤسسية للوعي الـقــومــي ال ـي ـه ــودي(‪ .((3‬يــأتــي بــورغ‬
‫ِ‬
‫طالب‬ ‫بدراسة تشير إلى أن ‪ 90‬بالمئة من المشاركين في استطالع للرأي‪ ،‬جرى على‬
‫إحدى كليات التربية المرموقة في تل أبيب قبل بضع سنوات‪ ،‬قد أفادوا بأن المحرقة هي‬
‫التجربة والحدث األهم في تاريخ الشعب اليهودي‪ ،‬أكثر من خلق العالم‪ ،‬ومن الخروج‬
‫من مصر‪ ،‬ومن نــزول الـتــوراة‪ ،‬ومن خــراب الهيكلين‪ ،‬ومن والدة الصهيونية‪ ،‬ومن قيام‬
‫الدولة ذاتها‪.‬‬
‫ويؤكّد بورغ أن تداعيات المحرقة‪ ،‬والخطاب المحرقي الذي ما زال يالزم لحظتها‪،‬‬
‫حل قضية الناجين السبب المباشر لنشوء قضية الالجئين الفلسطينيين‪ ،‬وهو‬‫قد جعل من ّ‬
‫يؤكّد بصورة واضحة «أنه ما كان إلسرائيل أن تقوم لوال المحرقة التي بلورت االستعداد‬
‫تحولوا ليشكلوا القاعدة البشرية التي‬
‫لحل قضية جموع الناجين اليهود الذين ّ‬ ‫العالمي ّ‬
‫حولتنا من ييشوف إلى دولة(‪.((3‬‬
‫ّ‬
‫إن المحرقة هي االدعاء الصهيوني المركزي الذي شكّل الوعي واإلدراك اليهودي‬
‫الصهيوني‪ .‬والبطولة اإلسرائيلية المستندة إلــى قــوة وحشية التي رافقت نشوء الدولة‬
‫هي جــزء ال يتجزأ من الوعي واإلدراك الصهيوني ْين للمحرقة‪ ،‬وهــي كحجة أو كفوبيا‬
‫وجودية أنتجت األساطير اإلسرائيلية والتكوين االنعزالي وتعذيب اآلخر لئال يتحول‬
‫اليهودي مرة أخرى لضحية أخرى (هو العربي اآلن)‪ .‬ويستخلص بورغ من توجيهات‬
‫الناخبين اليهود لقياداتهم قيمة وسلوك نمطي مؤسطر بفوبيا محرقية‪« :‬أننا ننتخب قيادة‬
‫بأثر رجعي‪ ،‬ألن معظم حياتنا ومخزون طاقتنا تأتي من الماضي الذي نعود إليه مرار ًا‬
‫(‪ ((3‬أبرهام بورغ‪ ،‬لننتصر على هتلر‪ ،‬ترجمة بالل سالمة؛ مراجعة وتقديم أنطوان شلحت (رام الله‪ :‬المركز‬
‫الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪ ،)2010 ،‬ص ‪.42‬‬
‫(‪ ((3‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.135‬‬
‫‪125‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وتكرار ًا‪ .‬قيادة تمتهن وتحترف بناء األسوار الحصينة لئال تتكرر «مساداه»(‪ ((3‬والمحرقة‬
‫مرة أخرى(‪.((4‬‬
‫ذوت ــت المحرقة إســرائـيــل بوتائر انـعــدام الثقة بالنفس‪ ،‬وهــو أمــر طبيعي جــد ًا‬
‫لقد ّ‬
‫بالنسبة إلى ضحايا الصدمة النفسية‪« .‬ومنذئذ نعيش في توتر متواصل وتناقض وتقوقع‬
‫داخ ـلــي‪ ،‬بـهــدف التغطية والتكفير عــن عجز بنيوي ووه ــن وخ ــوف وج ــودي دائ ــم ألمة‬
‫الضحايا‪ ،‬ودين الصدمة التي تسير وكأن الطريق هي طريقها األخيرة»(‪.((4‬‬
‫إن الضحية المتمركزة حول ذاتها التي يسكنها خوف من األغيار ترى في المحيط‬
‫يذوتون الجدار‬ ‫العادي واآلمن خطر ًا كامن ًا متربص ًا بها‪ .‬كما أن مجموع الضحايا الذين ّ‬
‫ويستعذبون ارتفاعه الشاهق وامـتــداده الالنهائي هم نتاج تنشئة اجتماعية لقيم مجتمع‬
‫الصدمة‪« :‬فــي نظرنا ما زلنا مقاتلين في غابة‪ ،‬متمردين في الغيتوات‪ .‬ظــال بشرية في‬
‫معسكرات‪ ،‬رغم الشعب والدولة والجيش والناتج القومي والمكانة الدولية‪ ،‬فالمحرقة‬
‫هي حياتنا؛ هي حاضرة في حياتنا أكثر من الرب‪ .‬أخرجنا المحرقة من سياقها التاريخي‬
‫كل شيء‬‫كل شيء تتم مساواته بالمحرقة‪ ،‬تلقائي ًا ّ‬
‫لكل عمل‪ّ .‬‬ ‫وحولناها إلى حجة ومسبب ّ‬ ‫ّ‬
‫يتقزم ويتالشى‪ .‬ولــذلــك‪ ،‬فــإن كـ ّـل شــيء مسموح‪ :‬ج ــدران‪ ،‬إغــاقــات‪ ،‬أط ــواق‪ ،‬حصار‪،‬‬
‫كل شيء يهون‪ ،‬إذ إننا كنا في المحرقة‪.‬‬ ‫تجويع‪ ،‬تعطيش‪ ،‬أعمال قتل غير مفسرة‪ّ .‬‬
‫ويبدو التناقض الكبير لمجتمع الصدمة اإلسرائيلي جلي ًا في قول بــورغ ورؤيته‬
‫النقدية‪« :‬غفرنا بسرعة أكثر من الالزم أللمانيا‪ ...‬لكننا لن نصفح للعرب أبد ًا‪ ،‬ألنهم‬
‫تمام ًا مثل النازيين وأســوأ من األلـمــان؟ لقد نسخنا الغضب والرغبة في االنتقام من‬
‫شعب إلى آخر‪ ،‬من عدو قديم إلى خصم جديد‪ ،‬وهكذا نسمح ألنفسنا بالعيش براحة‬
‫مــع ألمانيا‪ ،‬وفــي الــوقــت ذاتــه التمتع بالفلسطينيين ككيس ضــربــات لتنفيس شحنات‬
‫العدوانية والغضب المخزون فينا‪ .‬لقد نقلنا براحة الــروح النازية إلــى داخــل الجسد‬
‫العربي»(‪.((4‬‬
‫التمرد اليهودي‬ ‫(‪ ((3‬مساداه‪ :‬كلمة آرامية تعني القلعة‪ ،‬وهي آخر قلعة يهودية سقطت في أيدي الرومان أثناء ّ‬
‫األول ضــدّ اإلمـبــراطــوريــة الــرومــانـيــة‪ .‬وهــي تقع على مرتفع صـخــري جـنــوب البحر الميت‪ .‬ويـقــال إن قــائــد القلعة‬
‫ّ‬
‫ال من الوقوع أسرى في أيدي‬ ‫اليهودي إليعازر بن يائير تمكّن من إقناع رفاقه المحاصرين بممارسة انتحار جماعي بد ً‬
‫الجنود الرومان‪.‬‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.172‬‬

‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.124‬‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.128‬‬
‫‪126‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أيقظ خطاب المحرقة هابيل مــن الـمــوت فــي دولــة أتقنت النطق باسم األم ــوات‪.‬‬
‫«لقد جعلت إسرائيل نفسها من مجرد وجودها في حدّ ذاته‪ ،‬وفي نهجها وسلوكها‪ ،‬نصب ًا‬
‫ال للذكرى والــذاكــرة‪ ،‬وهكذا ضمن األبعاد المحرقية تصبح قالمة أظافر‬ ‫«تذكاري ًا» فعا ً‬
‫يهودي أفضل من حياة مئة آخرين غير يهود‪.‬‬
‫وتتلخص خالصة أبراهام بورغ المريعة باآلتي‪ :‬كانت المحرقة النقطة األهم على‬ ‫ّ‬
‫المحور التاريخي واإلدراكــي والنفسي للشعب اليهودي الذي رأى نفسه كمن يقف في‬
‫مواجهة دائمة مع العالم‪ .‬منذ لحظتنا األولــى (لحظة المحرقة) وحتّى ساعتنا األخيرة‬
‫نحن من جهة‪ ،‬وكل العالم من جهة أخرى(‪ .((4‬واألبشع أن مجتمع الصدمة ودولة هابيل‬
‫ال ترى في مآسي ومذابح اآلخرين سوى قالمة أظافر‪« .‬حتّى إننا اشترينا تذاكر‪ ،‬أحيان ًا‪،‬‬
‫لنصفق لمن يقوم بفعل إبادة»‪.‬‬
‫ي ـسـ ّـمــي أ‪ .‬جــاكــي ف ـي ـلــدمــان م ــن جــام ـعــة ب ــن غ ــوري ــون ه ــذا ال ـهــولــوكــوســت ال ـنــازي‬
‫(المحرقة)‪ ،‬ويدعوها بالدين المدني‪ ،‬فهو يقول فيها‪« :‬دور المحرقة في الذاكرة الجماعية‬
‫هو ما أدعــوة بالدين المدني‪ ،‬فقد أضحت جــزء ًا من سفر الخلود‪ ،‬وهــو األســاس الذي‬
‫يصوغ طريقة تفكير اإلسرائيليين وسلوكهم في األوضــاع والـظــروف المختلفة‪ ،‬ويعزز‬
‫استمرار حالة الحرب والعزلة عن الفلسطينيين»(‪ .((4‬إن عزل الفلسطينيين واالنعزال عنهم‬
‫يجري كعملية صدى لما حدث في أوشفيتس بيركانا وتريبلينكا ومايدانك في بولندا‪ .‬هنا‬
‫في فلسطين يعاد استحضار ما يشبه النازي المتحفز للقتل‪ .‬وألن المحرقة أصبحت الدين‬
‫المدني للدولة العلمانية‪ ،‬فإن معتنقي هذا الدين المدني بحاجة إلى طقوس تنسجم مع‬
‫هذا الدين‪ .‬لذا فإن إسرائيل تبعث سنوي ًا آالف الطلبة في رحلة حج مقدسة إلى مواقع‬
‫الموت اليهودية في بولندا لتعميق هذا الدين الجديد في سفر الخلود العصري الذي لم‬
‫تحتوه الهالخاه الدينية(‪.((4‬‬
‫بــروح نـقــد يــة‪ ،‬يـقــول جــد عــون سـبـيــرو أن ا لـمـحــر قــة ا لـعـنـصــر يــة حــو لــت إ ســرا ئـيــل‬
‫ذا ت ـهــا إ ل ــى حــا لــة عـنـصــر يــة ن ـمــوذ ج ـيــة‪ ،‬وإ ل ــى ن ـظــام قـمــع و ح ـشــي ت ـجــاه ا لـفـلـسـطـيـنـيـيــن‬
‫فــي ا لـمـنــا طــق ا لـمـحـتـلــة‪ .‬لـكــن قــا ئـمــة ا لـضـحــا يــا أ خ ــذت تـكـبــر و تـ ــزداد دا خ ــل مـنــا طــق‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.170‬‬

‫(‪ ((4‬جاكي فيلدمان‪« ،‬في أعقاب االستغالل اإلسرائيلي للمحرقة‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪،)2009( 36‬‬
‫ص ‪.7‬‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.25 - 14‬‬
‫‪127‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ـط األ خ ـضــر أ ي ـض ـ ًا فــي ص ــورة قــوا ن ـيــن عـنـصــر يــة ض ــدّ األ ق ـل ـيــة ا لـعــر بـيــة فــي دا خــل‬
‫ا ل ـخـ ّ‬
‫إسرائيل ( ‪.((4‬‬
‫إن خـلــق ميثولوجيا ح ــول ال ـحــدث اإلبـ ــادي اسـتــوجــب فـعـ ً‬

‫ا خـطــابـ ًا كــونـيـ ًا تجري‬
‫فـيــه عملية تــوظـيــف سياسية غــامــرة ح ــول الضحية الـتــاريـخـيــة لــأغـيــار‪ ،‬وح ــول العدائية‬
‫المستدامة لليهود‪ ،‬ومــا المحرقة إال شاهد كبير على ضخامة هــذا الـعــداء‪ .‬والصهيونية‬
‫الـتــي تبنّت النهج االنتقائي لــإبــادة‪ ،‬نزعتها مــن سياقها التاريخي الـعــام‪ ،‬وأدخلتها في‬
‫يستمر الــرفــض المطلق لقبول‬ ‫ّ‬ ‫السياق التاريخي الـيـهــودي الـخــاص‪ .‬وفــي الــوقــت ذات ــه‪،‬‬
‫أو تقبل أيــة مذبحة أو عملية إبــادة أخــرى في العالم من أجــل احتكار المأساة الخاصة‬
‫لشعب مخصوص بالقداسة‪ ،‬لتكريس وعــي االختيار اإللهي‪ ،‬وإبــراز مسألة استمرارية‬
‫وجود شبح اإلبــادة الرابض على أبــواب إسرائيل‪ ،‬لتبرير الفظائع التي ارتكبتها إسرائيل‬
‫ضدّ العرب الفلسطينيين في المكان الجغرافي من جهة‪ ،‬واالنعزال (موضعه حالة القفص‬
‫للفلسطينيين) لضمان أمن مجتمع القلعة الخاص والحصري بالشعب المقدس(‪.((4‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬األصول الفكرية‪ :‬نظرية الجدار الممتد‬
‫‪ - 1‬من هيرتزل إلى جابوتنسكي حتّى شارون‪ ،‬إلى آخر التالميذ‬

‫أصـبــح ال ـجــدار كـصـيــرورة مــركــزيــة مــؤثــرة فــي الـتــاريــخ الـيـهــودي‪ ،‬وقيمة حيوية في‬
‫الــذاكــرة الجماعية عند الجماعات اليهودية‪ ،‬لــدى الصهيونية كحجر زاويــة في التفكير‬
‫المثلى التي تتحقق فيها القيم العليوية للنظرية الميثولوجية‬ ‫والممارسة‪ ،‬لكونه الحالة ُ‬
‫الـتــي كــانــت األسـ ــاس الـثـقــافــي لـلـحــركــة الـصـهـيــونـيــة‪ .‬إن الـسـيــاســة اإلســرائـيـلـيــة ب ـنــا ًء على‬
‫نصوص هيرتزل وجابوتنسكي التي سنأتي إليها‪ ،‬ما هي إال انعكاس لرؤية صهيونية‪،‬‬
‫سواء ط ّبقها حزب العمل أو حزب الليكود لفرض تسوية الصراع بالقوة‪ ،‬وبالتالي محو‬
‫مفهوم فلسطين من الذاكرة التاريخية ألمة العرب‪ ،‬ومن الواقع الجيوسياسي‪ ،‬واستبدالها‬
‫باالسم الديني «أرض إسرائيل»‪ .‬إن الجدار الممتد والمرتفع اآلن‪ ،‬ليس فوق األرض‬
‫(‪ ((4‬ج ــدع ــون سـبـيــرو‪« ،‬الـمـحــرقــة كـ ــأداة تجنيد نــاجـعــة ج ــد ًا للجيش اإلســرائ ـي ـلــي‪ »،‬المشهد اإلســرائـيـلــي‪،‬‬
‫محمد حافظ يعقوب‪ ،‬بيان ضــدّ اآلبارتهايد‪:‬‬ ‫ّ‬ ‫‪ ،2010/5/4‬وحــول توظيف المحرقة والالسامية وم ـســاداه فــي‪:‬‬
‫الالجئون الفلسطينيون والسالم (دمشق‪ :‬دار كنعان‪ ،)2000 ،‬ص ‪.133 - 132‬‬
‫(‪ ((4‬جوني منصور‪« ،‬الهولوكوست من الواقع التاريخي والذاكرة الجماعية إلى توظيفها‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪،‬‬
‫العدد ‪( 3‬صيف ‪ ،)2001‬ص ‪.68 - 64‬‬
‫‪128‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫في فلسطين‪ ،‬وإنما أيض ًا فوق أجساد البشر من الفلسطينيين‪ .‬وقد جاء في إطار الحملة‬
‫العسكرية الواسعة للضفة الغربية التي سميت في الخطاب العسكري اإلسرائيلي «حملة‬
‫السور الواقي» في آذار‪/‬مارس ‪2002‬‏ ‪ ،‬وهو االسم الذي أطلق على هذه الحملة ِّ‬
‫لكي‬ ‫(‪((4‬‬
‫وعي الفلسطينيين‪ ،‬أن بناء الجدار هو استمرار لتقاليد توراتية قديمة ونتاج أيديولوجيا‬
‫عرقية حديثة‪ ،‬ب ــدء ًا بسور هيرتزل الــذي سيحمي أوروب ــا مــن آسـيــا‪ .‬م ــرور ًا بقالع البرج‬
‫والسور لدى حركة العمل االشتراكية‪ ،‬والجدار الحديدي لدى جابوتنسكي كي ال يبقى‬
‫للفلسطينيين بصيص أمل في مقاومة االستيطان‪ .‬وليس انتها ًء بأقوال بن غوريون الذي‬
‫وصف توطين المهاجرين الجدد في المناطق الحدودية بأنه إقامة لسور بشري ال تزيده‬
‫الضغوط الخارجية إال تماسك ًا وبروز ًا(‪ .((4‬من هنا ظهرت ثقافة السيطرة على التالل وبناء‬
‫المسورة‪ ،‬وبالتزامن المتتالي من الجدار الحدودي إلى‬ ‫ّ‬ ‫القالع والحصون والمستوطنات‬
‫الشريط األمني شمال فلسطين‪ ،‬ومن اإلغالق إلى الطوق‪ ،‬وفي داخل هذه كلها ‪ -‬صياغة‬
‫المجتمع اإلسرائيلي كدولة داخل أسوار(‪.((5‬‬
‫المسورة بالجدران‬
‫ّ‬ ‫ينطلق رائــدا الصهيونية هيرتزل وجابوتنسكي في رؤية الدولة‬
‫من نظرية األجناس (العراقة والوضاعة)‪ ،‬فبينما يقول هيرتزل‪« :‬إن يهود اليوم هم ألمان‬
‫في الدرجة األولــى‪ ،‬وال س ّيما في ثقافتهم‪ ،‬وإن األغلبية الغالبة من اليهود هم جزء من‬
‫الثقافة األلمانية»(‪ ،((5‬فقد ع ّبر جابوتنسكي عن المنظومة األخالقية نفسها لدى هيرتزل‪،‬‬
‫باالنتماء إلــى األجناس البيضاء وازدراء اإلنسان العربي والقيم الشرقية‪« :‬نحن اليهود‬
‫ال صلة لنا بالشرق‪ ،‬ويجب كنس الروح العربية خارج أرض إسرائيل»(‪.((5‬‬
‫وفي مكان آخر‪ ،‬قال بالروحية ذاتها‪ ،‬ولكن مع التشديد أكثر على التباعد النفسي‬
‫إلي‪ ،‬وكذلك ّ‬
‫كل ما‬ ‫الروحاني والثقافي بين اليهود والشرق‪ :‬إن «الشرق غريب بالنسبة ّ‬
‫)‪Anis Al-Qassem, The Wall of Ideology: The Wall of Theology in The Apartheid Wall in (48‬‬
‫‪Palestine (Amman: The Jordanian National Campaign Against the Apartheid Wall, 2009), pp. 88-90.‬‬
‫(‪ ((4‬دافيد بن غوريون‪ ،‬أقــوال عن أمن إسرائيل‪ :‬جيش للحماية والبناء (تل أبيب‪ :‬وزارة الدفاع‪،)1971 ،‬‬
‫ص ‪[ .51‬بالعبرية]‪.‬‬
‫(‪ ((5‬غ ــادي الغازي وخـيــراردو ال يبذر‪« ،‬تعايش في بالد المحاسيم‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العددان ‪27 - 26‬‬
‫(ربيع ‪ -‬صيف ‪ ،)2002‬ص ‪.37‬‬
‫(‪ ((5‬أن ـيــس صــايــغ‪ ،‬يوميات هــرتــزل‪ ،‬ترجمة هيلدا شعبان صــايــغ‪ ،‬كتب فلسطينية (بـيــروت‪ :‬منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية ‪ -‬مركز األبحاث‪ ،)1973 ،‬ص ‪.105‬‬
‫(‪ ((5‬آفــي شاليم‪ ،‬الجدار الحديدي‪ :‬إسرائيل والعالم العربي‪ ،‬ترجمة ناصر عفيفي (القاهرة‪ :‬روز اليوسف‪،‬‬
‫‪ ،)2001‬ص ‪ ،19‬و‪Joseph Schechtman, The Jabotinsky Story: Fighter and Prophet, 1923-1940 (New‬‬
‫‪York: Thomas Yoseloff, 1965), p. 324.‬‬
‫‪129‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يرتبط بهذا المصطلح‪ ،‬أنا ال أفهم تقاليده‪ ،‬وال أفهم جماله‪ ...‬إذنــي ال تستسيغ أنغامه‪،‬‬
‫وأف ـكــاره ال تثير اهـتـمــامــي‪ ،‬ولــو قـ ّيــض لــي أن أزور قبيلة اإلسكيمو فــي أقـصــى القطب‬
‫الشمالي‪ ،‬لكنت قد شعرت بأنّني واحد منهم أكثر مما هو هنا»(‪.((5‬‬
‫وفي المقابل‪ ،‬يشير جابوتنسكي‪ ،‬من جهة أخرى‪ ،‬إلى البعد األوروبي لديه ولدى‬
‫اليهود بشكل عام‪ ،‬بقوله‪« :‬نحن اليهود ننتمي إلى الغرب‪ ،‬أوروبا لنا‪ ،‬نحن من بين ُبناتها‬
‫ويحق لنا أن نقول إن الثقافة الغربية هي‬
‫ّ‬ ‫ورواده ــا األوائ ــل‪ ...‬أكثر من أي شعب آخــر‪،‬‬
‫دم من دمنا‪ ،‬لحم من لحمنا‪ ،‬وروح من روحـنــا‪ .‬لذلك فــإن االقـتــراب من الشرق يعني‬
‫بالنسبة إلينا التنكر ألنفسنا» وبحسب وجهة نظره‪ ،‬فإن العودة إلى الشرق ليس لها من‬
‫ناحية اليهود سوى مغزى جغرافي‪ ،‬ولكن ليس لها أي مغزى ثقافي وروحــي‪ .‬ويقول‪:‬‬
‫ال من أجل راحتنا القومية‪ ،‬وثاني ًا من أجل توسيع‬ ‫«نحن ذاهبون إلى أرض إسرائيل أو ً‬
‫حدود أوروبا حتّى نهر الفرات»(‪.((5‬‬
‫هذه المهمة أو الرسالة الثقافية التي ينسبها جابوتنسكي إلى الصهيونية‪ ،‬إضافة إلى‬
‫المهمة القومية في نشر ثقافة الغرب وقيمة‪ ،‬تعني من ناحية عملية‪ ،‬يحسب قوله‪« :‬كنس‬
‫وإزالــة آثــار الــروح الشرقية بصورة جذرية من أرض إسرائيل‪ ،‬أي تطهير البالد من شرقية‬
‫الشعب القاطن فيها‪ ،‬وتحويلها إلى بلد غربي عن طريق توطينها باليهود األوروبيين الذين‬
‫سيجلبون معهم ثقافة الغرب وقيمة إلى الشرق‪ .‬ولكن في عملية تحويل فلسطين إلى بلد‬
‫يخف جابوتنسكي خشيته من أن الصهيونية ذاتها‬ ‫ِ‬ ‫غربي أوروبــي بواسطة الصهيونية‪ ،‬لم‬
‫قد تتلوث في أثناء عملية كنس الروح الشرقية العربية التي تعاني تخلف ًا ثقافي ًا واجتماعي ًا‪،‬‬
‫أي بمعنى أنه يخشى في البيئة العربية التي سيعيش فيها المهاجرون اليهود من تأثيرها في‬
‫قيمهم وثقافتهم الغربية‪ .‬لذلك فهو يحذر الصهاينة ويح ّثهم على اتخاذ الوسائل الالزمة كي‬
‫ال يتأثروا بالبيئة الشرقية‪ .‬ويقول في هذا الصدد‪« :‬خالل الفترة االنتقالية‪ ،‬أو بعدها‪ ،‬سنضطر‬
‫كل واحد منا‬ ‫إلى العيش في أرض إسرائيل وسط بيئة مشبعة برائحة الشرق‪ ،‬ونحن ننصح ّ‬
‫حين يسير مرتدي ًا معطف ًا في الشوارع الشرقية في القاهرة أو القدس أو إسطنبول‪ ،‬أن يثني‬
‫أطراف معطفه كي ال تلمسه الغبار بأي شكل كان‪ ،‬وأن ينظر جيد ًا قبل أن يضع قدمه‪ ،‬ليس‬
‫ألننا يهود‪ ،‬وحتّى ليس ألننا من أوروبا‪ ،‬وإنما ببساطة ألننا أناس متحضرون(‪.((5‬‬
‫(‪ ((5‬مـحـ ّـمــد أبــو سـمــرة‪« ،‬زئـيــف جابوتنسكي والقضية الفلسطينية‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬ال ـعــددان ‪38 - 37‬‬
‫(‪ ،)2010‬ص ‪.17‬‬

‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.18‬‬
‫‪130‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ال تكشف هذه الرؤية عن التالقي بين هيرتزل وجابوتنسكي إزاء الرؤيا الخاصة‬
‫بالغرب والشرق فقط‪ ،‬ولكنها تكشف المنطق الكامن وراء السياسة اإلسرائيلية الخاصة‬
‫بـعــزل الفلسطينيين الشرقيين عــن تباشير الـحـضــارة الغربية ‪ -‬الصهيونية الـتــي ينسبون‬
‫صهيونيتهم وثقافتهم إليها‪.‬‬
‫‪ - 2‬سور هيرتزل‪ :‬إسرائيل كجدار ٍ‬

‫واق للحضارة األوروبية‬
‫ضدّ البربرية في الشرق‬
‫إن مـشــروع الــدولــة الـيـهــوديــة ال ــذي نـشــره هـيــرتــزل فــي فيينا فــي عــام ‪ 1896‬باللغة‬
‫األول في سويسرا ‪ -‬بازل في عام ‪.1897‬‬ ‫األلمانية‪ ،‬وذهب به إلى المؤتمر الصهيوني ّ‬
‫يشكل الـتــوراة العلمانية لليهودية والصهيونية‪ .‬وهــو يندرج وفــق كـ ّـل المعايير العقالنية‬
‫واألخالقية ضمن إطار النظرية االستعمارية بأوضح معانيها وتجلياتها‪ .‬وهو إذ يؤسس‬
‫لنظريته بمجموعة مــن األطــر العنصرية واالستعمارية كمحدد لماهية الــدولــة اليهودية‬
‫ذات الطابع الوظيفي للقوى االستعمارية الغربية‪ ،‬فإنه من منطلق رفض االندماج بهذه‬
‫ا وظيفي ًا لها‬ ‫القوميات التي يقيم بين ظهرانيها فــي الـغــرب‪ ،‬والـتــي يريد أن يكون وكـيـ ً‬
‫يحب أن يهلك‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫فــي الـشــرق‪ ،‬يقول لليهود فــي الشتات‪« :‬كـ ّـل مــن يستطيع أو يرغب أو‬
‫فليهلك»‪ .‬فهو يرى االندماج هالك ًا للساللة التي يقول إنه أحد أعضائها‪ ،‬معتقد ًا وداعي ًا‬
‫إلى الدولة اليهودية التي هي األداة الوحيدة القادرة على حماية الساللة العريقة من خطر‬
‫االن ــدم ــاج(‪ ،((5‬وهــي الفكرة األساسية التي تشكّل محور المشروع الهيرتزلي في إقامة‬
‫الدولة اليهودية‪ ،‬بواسطة الشركة اليهودية(‪ ،((5‬التي يتعين عليها كدولة يهودية أن تكون‬
‫هناك في فلسطين‪ ،‬جــزء ًا من السور الواقي ألوروبــا ضــدّ آسيا‪ ،‬أي «حائط» صــدّ أمامي‬
‫للحضارة مقابل البربرية‪« .‬وبصفتنا كدولة يهودية ذات طابع غربي في الشرق‪ ،‬يتع ّين‬
‫علينا أن نبقى على اتصال بــأوروبــا بأكملها‪ .‬األمــر الــذي سيؤمن وجــودنــا‪ ،‬وهناك ستتم‬
‫حماية مقدسات النصرانية» (دور وظيفي الطابع)‪ ،‬ويجب علينا أن نشكل حارس ًا شرفي ًا‬
‫ال عن الوفاء بهذا الواجب في وجودنا(‪.((5‬‬ ‫حول هذه المقدسات يكون مسؤو ً‬
‫(‪ ((5‬ثيودور هرتزل‪ ،‬الدول اليهودية‪ ،‬ترجمة ّ‬

‫محمد فاضل (القاهرة‪ :‬دار الشروق‪.)2007 ،‬‬
‫(‪ ((5‬حول الشركة اليهودية التي ستقيم الدولة اليهودية‪ ،‬انظر‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬الفصل الثالث‪ ،‬ص ‪.90 - 71‬‬
‫هنا يبدو هرتزل متأثر ًا بالسياق االستعماري اإلنكليزي في غزو القارة األفريقية‪ ،‬وخاصة اقتحام شركة رودس‬
‫عبر جنوب أفريقيا لزمبابوي واستعمارها ومحو اسمها التاريخي وتسميتها على اسم صاحب الشركة روديسيا‪ ،‬نسبة‬
‫إلى رودس‪.‬‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.66‬‬
‫‪131‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬تفترض الدولة اليهودية المتخيلة في فلسطين لدى هيرتزل بداهة االنعزال عن‬
‫القبائل البربرية المتوحشة المقيمة فيها من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى أوكلت لنفسها مبكر ًا‬
‫مهمة يعتبرها هيرتزل ذات طابع أخــاقــي حـضــاري‪ ،‬وذلــك بــأن تكون س ــور ًا أو حائط ًا‬
‫أمامي ًا لحماية الحضارة األوروبـيــة مقابل البربرية‪ .‬وأن تكون «حــارسـ ًا» بمهمة وظيفية‬
‫للموروث المسيحي الغربي‪ ،‬الكائن في الشرق‪ ،‬وكأن هذا الموروث عرضة للزوال أو‬
‫التهديد‪ ،‬األمر الذي أطلق عليه الحالة البربرية للسكان األصليين‪.‬‬
‫لـئــن ك ــان ث ـي ــودور ه ـيــرتــزل م ـتــأثــر ًا م ـبــاشــر ًة بــال ـمــدرســة األل ـمــان ـيــة (ع ــراق ــة الجنس‬
‫اآلري وال ـم ــدرس ــة االس ـت ـع ـمــاريــة اإلن ـك ـل ـيــزيــة‪ ،‬وخ ـصــوص ـ ًا مـشــروعـهــا الـكــولــونـيــالــي في‬
‫القارة األفريقية)‪ ،‬فإن فالدمير جابوتنسكي (‪ )1940 - 1880‬كان فاشي ًا تمام ًا‪ :‬اعتبر‬
‫موسوليني الحركة التنقيحية (التصحيحية) حركة فاشية حقيقية‪ .‬وبنا ًء على طلب هذا‬
‫التلميذ الفاشي (جابوتنسكي) من موسوليني مباشرةً‪ ،‬جرى تدريب فرقة كاملة من البيتار‬
‫(أعضاء الحركة التصحيحية الصهيونية)(‪ ((5‬في المدرسة البحرية سفيتيافيشا التي أدلجت‬
‫البيتاريين لحملهم على التطابق الكامل مع نظام موسوليني‪ .‬لقد أنشد هؤالء البيتاريون‬
‫نشيد الحزب الفاشي (جيوفينيزيا)(‪.((6‬‬
‫أضف إلى ذلــك‪ ،‬فإن فالدمير جابوتنسكي‪ ،‬الضابط في الجيش البريطاني ضمن‬
‫الوحدة الملكية الثامنة والثالثين للقناصة‪ ،‬قد تو ّلي قيادة الحملة العسكرية اإلنكليزية‬
‫الـتــي دخـلــت نهر األردن إلــى فلسطين فــي ‪ .1918/11/2‬كما قــاد الـهــاغــانــاه فــي عام‬
‫‪ 1920‬لقمع المظاهرات العربية في القدس التي اندلعت ضدّ السياسة البريطانية‪ ،‬وضد‬
‫الهجرة اليهودية‪ ،‬وضد وعد بلفور الذي بدأ يأخذ أبعاد ًا تطبيقية على األرض(‪.((6‬‬
‫أسسها جابوتنسكي عــام ‪ ،1925‬وعــرفــت بــاســم اتـحــاد الصهاينة‬ ‫(‪ ((5‬ال ـحــركــة التصحيحية أو التنقيحية‪ّ :‬‬
‫التصحيحيين (هــاتــزوهــا)‪ .‬وقــد جــاءت هــذه الحركة كــر ّدة فعل مباشرة على السياسة البريطانية التي فصلت شرق‬
‫األردن عــن فلسطين ولــم تشمله ضمن االنـتــداب البريطاني على فلسطين‪ .‬الــذي كــان يعتقد فيه جابوتنسكي بأن‬
‫إن هــذا االتـحــاد أيض ًا جــاء ر ّدة فعل على حركة العمل‬
‫الــدولــة اليهودية يجب أن تتضمن ضفتي نهر األردن‪ .‬كما َّ‬
‫االشتراكية (بن غوريون) التي تماهت مع السياسة البريطانية وبــدا أنها قبلت بالدولة اليهودية غرب األردن‪ ،‬وأال‬
‫يكون األردن جــزء ًا منها‪ .‬لذا فإن أتباع جابوتنسكي مارسوا العنف ضدّ المصالح البريطانية لفترة قصيرة رد ًا على‬
‫السياسة البريطانية‪ ،‬وقــد بــرز من هــؤالء مناحيم بيغن وإسـحــاق شامير الــذي اتهم بتفجير فندق الملك داوود في‬
‫القدس‪ .‬وكذلك اغتيال الوسيط الدولي برنادوت‪ .‬وليس غريب ًا أن قادة من الليكود ما زالوا يعتبرون األردن هو دولة‬
‫الفلسطينيين بعد تطهير فلسطين منهم‪.‬‬
‫‪-‬‬ ‫‪90‬‬ ‫ص‬ ‫‪،)2002‬‬ ‫الثقافية‪،‬‬ ‫الشؤون‬ ‫دار‬ ‫(بغداد‪:‬‬ ‫الصهيونية‬ ‫للعنصرية‬ ‫التوراتية‬ ‫(‪ ((6‬بديعة أمين‪ ،‬الجذور‬
‫‪.91‬‬
‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.84 - 82‬‬
‫‪132‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬ليس غريب ًا لرجل تشكّل من الموروث والقيم االستعالئية اإلنكليزية القاهرة‬
‫للشعوب غير البيضاء‪ ،‬ومن الموروث الفاشي العرقي‪ ،‬أن يأتي بنظرية الجدار الحديدي‪.‬‬
‫‪ - 3‬المدرسة الجابوتنسك ّية‪ :‬الجدار الحديدي‪« ،‬نظرية األخالق العنصرية»‬

‫نشر جابوتنسكي مقاله «الجدار الحديدي» عام ‪ 1923‬باللغة الروسية ألول مرة‪،‬‬
‫ثم ترجم هذا المقال إلى العبرية‪ ،‬وإلى العديد من اللغات األخرى‪ .‬ونظر ًا إلى أهميته‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فـقــد جعلته كــام ـ ً‬
‫ا فــي مــاحــق ال ــدراس ــة‪ ،‬ألن ــه ب ــرأي الــدارس ـيــن لـلـمـشــروع االستيطاني‬
‫الصهيوني‪ ،‬ثـ ّـم لمنطق الـجــدار‪ ،‬يشكّل هــذا المقال نص ًا حي ًا تأسيسي ًا صــارخـ ًا للجذور‬
‫الصهيونية لمشروع الـجــدار العنصري فــي فلسطين‪ .‬وتـطــويــر ًا نوعي ًا لقيم الـجــدار عند‬
‫هيرتزل‪.‬‬
‫أدرك جابوتنسكي من خالل تالمسه المباشر مع الفلسطينيين‪ ،‬كما ذكرنا آنف ًا‪ ،‬ومن‬
‫خالل تجارب حركة االستعمار الكولونيالي اإلنكليزي واإليطالي‪ ،‬أنه من غير الممكن‬
‫الحصول على موافقة طوعية لعرب فلسطين لتحويلها إلــى بــاد ذات أغلبية يهودية‪.‬‬
‫وتقوم نظريته على أنه ال أحد من السكان األصليين في أي مكان‪ ،‬وأي زمــان‪ ،‬يستطيع‬
‫القبول بــأي شكل من أشكال االستيطان‪ .‬وهكذا هي الحال بالنسبة إلــى العرب أيض ًا‪.‬‬
‫وكل شعب سيحارب المستوطنين طالما بقي لديه بصيص أمل في التخلص من خطر‬
‫االستيطان‪ .‬هكذا فعل عرب فلسطين‪ ،‬وهكذا سيفعلون طالما بقي لديهم بصيص أمل‬
‫في دحر المشروع االستيطاني الصهيوني‪ .‬وهو يقرر بوضوح أن قبول الصهيونية لدى‬
‫عرب فلسطين هو نوع من المستحيل‪ ،‬ألن فلسطين هي وطنهم الوحيد‪ ،‬وأساس وركيزة‬
‫وجودهم القومي الذاتي‪ .‬وعليه‪ ،‬يكون من الواجب االستمرار في االستيطان ضدّ إرادة‬
‫عــرب فلسطين‪ ،‬ألن التوصل إلــى اتفاق معهم هو من قبيل الوهم غير القابل للتحقق‪.‬‬
‫وبمقدور هذا االستيطان أن يتواصل ويتطور بحماية قوة مدافعة عن المستوطنين بواسطة‬
‫الجدار الحديدي الذي لن يكون بمقدور العرب في فلسطين اختراقه‪ .‬الجدار الحديدي‬
‫هو الحراب اليهودية التي تدعمها قوة عظمى هي بريطانيا التي قطعت على نفسها التزام ًا‬
‫(وعد بلفور) بأن تحقق في هذه البالد نظام ًا إداريـ ًا وأمني ًا لن يتمكن السكان األصليون‬
‫من خالله إعاقة االستيطان(‪.((6‬‬

‫شاليم‪ ،‬الجدار الحديدي‪ :‬إسرائيل والعالم العربي‪ ،‬ص ‪ ،19‬و‪Avi Shlim, The Iron Wall: Israel and‬‬ ‫(‪((6‬‬
‫‪the Arab World (New York: Penguin Book’s, 2001), pp. 11-13.‬‬
‫‪133‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وحول الحوار السياسي مع زعامات عربية نافذة في اإلقليم العربي‪ ،‬سواء في الشام‬
‫أم مصر أم الحجاز أم العراق‪ ،‬أم في داخل فلسطين‪ ،‬فإنه يعتقد أن مثل هذا الحوار أو‬
‫االتفاق سيلحق الضرر بالمشروع الصهيوني‪ .‬ولذلك‪ ،‬فإن مهمة تحقير خطاب االتفاق‬
‫مع العرب وانـعــدام نزاهته هي بمنزلة واجــب مقدس‪ ،‬ألنــه باعتقاد جابوتنسكي أنــه إذا‬
‫كانت الصهيونية أخالقية فإن عليها تحقيق مشروعها من دون األخذ بعين االعتبار موافقة‬
‫أو عدم موافقة أي شخص أو أية جهة كانت‪.‬‬
‫وهنا يصبح عند جابوتنسكي من الواجب األخالقي التضييق والقسوة والعنف على‬
‫الفلسطينيين؛ هــذه هي نظرية األخ ــاق‪ ،‬وليست ثمة أخــاق أخــرى‪ .‬الـجــدار الحديدي‬
‫الذي يع ّبر عن سطوة العنف القاتل المرهق الذي ُيفقد الشعب الفلسطيني حيويته ومناعته‬
‫شق في الجدار الحديدي‪ ،‬سيوافق هذا الشعب على‬ ‫ويفقدهم األمل‪ .‬وعندما ال يظهر أي ّ‬
‫تقديم تنازالت للمشروع الصهيوني‪ .‬بمعنى أنه ال يمكن الحصول على قبول المشروع‬
‫الصهيوني إال بالحراب اليهودية ‪ -‬بالجدار الحديدي‪.‬‬
‫وبرأي أحمد سعدي (أستاذ علم االجتماع في جامعة بن غريون)‪ ،‬أنه يمكن فهم‬
‫وإدراك الجدار الذي يشكل مشروع الصهيونية األعظم في العقد األخير من خالل عدة‬
‫أطر نظرية‪ ،‬أهمها نظرية ما بعد االستعمار )‪ ،(Post Colonialism‬وأنه يمكن تأطير أفكار‬
‫األول واألهم يعود إلى األهمية‬
‫هيرتزل وجابوتنسكي من المنظور نفسه‪ ،‬وذلك لسببين‪ّ :‬‬
‫التي حملتها الحدود والجدران واألسيجة خالل المواجهات بين المستوطنين والسكان‬
‫األصليين خالل القرنين األخيرين‪ .‬والثاني هو أن بناء الجدار يتم برض ًا الدول الغربية‪،‬‬
‫وخصوص ًا أمريكا‪ ،‬إن لم يكن بدعمها الصريح(‪.((6‬‬
‫إن الـ ـج ــدران واألس ـي ـجــة والـ ـح ــدود الــداخ ـل ـيــة ف ــي ال ـس ـيــاق الـفـلـسـطـيـنــي‪ ،‬كحقائق‬
‫موضوعية أو كرموز قديمة قدم الصهيونية ذاتها‪ .‬ولدى الرجوع إلى النصوص السابقة‪،‬‬
‫فإن قيادة الحركة الصهيونية ومن ّظريها‪ ،‬رأوا الدولة المنتظرة محاطة باألسوار‪ .‬أما القادة‬
‫الالحقين (رابين‪ ،‬باراك‪ ،‬أولمرت‪ ،‬شارون‪ ،‬نتنياهو)‪ ،‬فقد حققوا بالتجسيد الفعلي هذه‬
‫الدولة المتخيلة المس ّيجة من أجل جعل المشروع االستيطاني ممكن ًا وآمن ًا ومستقر ًا‪ .‬ففي‬
‫الوقت الذي كان السور لدى هيرتزل حالة رمزية انعزالية وظيفية‪ ،‬فإن جابوتنسكي جعل‬
‫من الـجــدار ضــرورة ال خيار فيها إلجبار الفلسطينيين على الخضوع والتسليم بالواقع‬
‫(‪ ((6‬أحمد السعدي‪« ،‬الحدود في الواجهة اإلمبريالية‪ :‬نموذج الجدار اإلسرائيلي‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،)2009( 35‬ص ‪.54‬‬
‫‪134‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫االستيطاني‪ .‬ومــن هــذه اللحظة الجابوتنسكية تناسل مـشــروع ش ــارون «الفصل أحــادي‬
‫الجانب» دون أدنــى اتفاق مع الفلسطينيين أيض ًا إلجبارهم على الخضوع واالستسالم‬
‫لوقائع االستيطان‪.‬‬
‫وفــي الـسـيــاق االسـتـعـمــاري‪ ،‬تجسد ال ـحــدود االجتماعية والنفسية والثقافية التي‬

‫المستعمر معاني عــديــدة‪ :‬إنها تـحــدّ د الحقوق والفرضيات التي‬ ‫ِ‬
‫المستعمر عــن‬ ‫تفصل‬
‫َ‬
‫تتع ّلق بطبيعة اآلخــر‪ ،‬وعالقات القوة‪ .‬فالحدود االستعمارية لم يتم تثبيتها قط‪ ،‬وعلى‬
‫ظل المشروع االستعماري عملية مستمرة في تحويل األرض إلى ح ّيز‬ ‫العكس من ذلك ّ‬
‫ِ‬
‫مــن وجهة نظر المستعمر؛ األراض ــي الــزراعـيــة ذات الـمــوارد الطبيعية‪ ،‬واألراض ــي التي‬
‫يمكن االستيطان الحضري فيها يتم تحويلها إلى مناطق تخضع لسيطرة األمم المتمدنة‪.‬‬
‫وما إن يبدأ النضال ضدّ االستعمار كالحال في جنوب أفريقيا وفلسطين‪ ،‬فإن الحدود‬
‫تصبح أكثر قسوة وعنف ًا (بانتوستانات جنوب أفريقيا‪ ،‬وحدود «القبور» في فلسطين) ليس‬
‫للمستعمرين‪ ،‬وإنما لمنع عبور وشل حركة السكان األصليين‪ .‬والجدار ال يهدف إلى‬
‫تحرك الفلسطينيين(‪.((6‬‬
‫تحديد حركة المستوطنين وقوات الجيش‪ ،‬وإنما إلى ضبط ّ‬
‫رابع ًا‪ :‬خطوات تمهيدية عازلة على طريق جدار العزل األكبر‬
‫ليست هي الفوبيا التي دفعت رواد الهجرات اليهودية األولى إلى فلسطين لتركيب‬
‫السلك الشائك حول موقع مستوطنة بتاح تيكفا عام ‪ 1882‬قبل أن يبنى فيها حجر واحد‪.‬‬
‫فلم يكن العرب في فلسطين قد أدركوا بعد األبعاد الفعلية للهجرة الكولونيالية‪ ،‬وبالتالي‬
‫لم يكن هناك توتر لدى العرب إلقامة هذه التجمعات اليهودية األولــى‪ .‬وسيبقى مشهد‬
‫استزراع المستوطنين األوائل في فلسطين مرتبط ًا دائم ًا بمجموعة من اليهود الشقر ذوي‬
‫العيون الزرقاء معتمرين للطاقية‪ ،‬ال يفارقهم شاكوش الحديد الذي يزن من ‪ 8 - 6‬كغم‪،‬‬
‫ولفات األسالك الشائكة وقضبان الحديد لزرعها حول األرض من أجل تسييجها لتصبح‬
‫دق أول زاوي ــة حــديــد‪ ،‬ومــن أول سلك شائك مش ّفر ومــد ّبــب‪ ،‬ملك ًا حصري ًا‬
‫مــن لحظة ّ‬
‫لليهود فقط‪ ،‬وفقط لليهود(‪.((6‬‬
‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.61 - 54‬‬

‫(‪ ((6‬مــن وقائع التاريخ الشفوي في فلسطين تحت االنتداب البريطاني‪ ،‬روايــات كثيرة لوالدي يقين ذياب‪،‬‬
‫بنا ًء على مشاهداته في مطلع أربعينيات القرن الماضي‪ ،‬وتحديد ًا في قرية القباب القريبة من قريتنا المحت ّلة َس ْلبيت‬
‫استمر هذا الفعل بعد عام ‪ ،1967‬وقد شاهد الباحث في مناطق مختلفة في محافظة‬ ‫ّ‬ ‫القريبة من مدينة الرملة‪ .‬وقد‬
‫القدس وقائع تسييج األراضي قبل أن يباشر فيها عملية االستيطان الفعلي‪.‬‬
‫‪135‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫األول لالستيطان كان الح ّيز النظيف الذي يفترض التسييج السريع للشروع‬ ‫الشرط ّ‬
‫في البناء في المرحلة الثانية‪ .‬ثـ ّـم لم تكن أيض ًا الفوبيا الوجودية (األمــن) هي المحرك‬
‫الذي دفع هيليل هاكوهين‪ ،‬أحد مؤسسي مدينة تل أبيب (شمال مدينة يافا العربية) إلى‬
‫االنتقال من يافا إلى موقع تل أبيب عام ‪ ،1906‬إذ عاش اليهود حتّى تلك اللحظات‪،‬‬
‫وحتّى مطلع ثالثينيات القرن العشرين‪ ،‬مع األغلبية العربية من دون توترات تذكر‪ ،‬ولم‬
‫بحق اليهود‪ ،‬كيهود‪ ،‬على عكس‬ ‫تشهد يافا وغيرها من المدن حاالت اضطهاد أو تمييز ّ‬
‫ما ألفه اليهود من تجارب مريرة في المجتمعات الغربية‪ .‬ألن الصهيونية حالة استعمارية‬
‫كولونيالية‪ ،‬فهي حالة انعزالية بالضرورة‪.‬‬
‫يقول مؤ ّلف كتاب نزع السحر عن الشرق غيل أيال‪« :‬إن نشوء تل أبيب كأول مدينة‬
‫عبرية‪ ،‬ألن مؤسسيها أرادوا الهرب ليس من وجه اضطهاد أو خطر عربي محتمل‪ ،‬وإنما‬
‫تسم وجه المكان في يافا‪،‬‬
‫كان الهروب من اللغة والثقافة والقيم والرموز العربية التي ّ‬
‫ومــن أجــل بناء مدينة غيتوية يهودية توراتية‪ .‬لقد جسدت تل أبيب بصورة تكاد تكون‬
‫مثالية يوتوبيا الصهيونية الساعية إلى ابتكار وتخليق هوية وثقافة جديدتين‪ ،‬مدينة تعيش‬
‫في الشرق الواقف على تخومها‪ ،‬كمصدر تهديد وإفساد دائم لها(‪ .((6‬لذلك كان مشروع‬
‫اجتثاث هذا الشرق هو الهدف األعلى للمشروع الصهيوني في ما بعد عندما جرى تدمير‬
‫المدينة العربية وتشريد أهلها عام ‪.1948‬‬
‫ومــن الـمـعــروف أنــه بعد احـتــال المدينة العربية يــافــا فــي ‪ 14‬أيــار‪/‬مــايــو ‪،1948‬‬
‫أن جرى تطهير المدينة من مواطنيها البالغين ‪80‬‬ ‫واستقرار األمــر للهاغاناه فيها‪ ،‬وبعد ْ‬
‫ألف عربي‪ ،‬لجأت حكومة الدولة العبرية الناشئة إلى عزل البقية الباقية (‪ )400‬فلسطيني‬
‫حي العجمي الذي أحيط بسلك شائك (سياج)‪ ،‬وهذه المرة ليس لالنعزال عن‬ ‫فقط في ّ‬
‫األغلبية‪ ،‬بل لعزل األقلية العربية الباقية في وطنها عن األغلبية اليهودية المهاجرة الوافدة‬
‫إلى مدينة يافا‪.‬‬
‫لم يكن يدرك الفلسطينيون‪ ،‬وقلة قليلة التي تعرف أن مشهد المستوطنة المسورة‬
‫حسي‪ .‬في سفر‬‫نص توراتي جنسي ّ‬ ‫بالسور واألبــراج‪ ،‬أنه يمكن ر ّد هذا األمر فع ً‬
‫ال إلى ّ‬
‫«نشيد األنشاد» الذي يصور حــوار ًا بين سليمان وعشيقته شلوميت‪ ،‬يربط مباشرة‪ ،‬ومن‬
‫(‪ ((6‬غ ـي ــل إي ــال‪ ،‬نــزع السحر عــن ال ـشــرق‪ ،‬تــرجـمــة حـســن خـضــر (رام ال ـلــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني لـلــدراســات‬
‫اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪ ،)2009 ،‬ص ‪ ،53‬وميخائيل فايجه‪« ،‬نظرة أخرى على التأرخة اإلسرائيلية‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪،‬‬
‫العدد ‪( 20‬خريف ‪ ،)2005‬ص ‪.87 - 82‬‬
‫‪136‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫دون مــواربــة‪ ،‬بين الـســور والجنس‪ ،‬الجسد والـســور‪ ،‬وأب ــراج الـســور ونـهــدي المحبوبة‪.‬‬
‫وتخاطب شلوميت عشيقها سليمان‪« :‬أنا كسور ونهداي كبرجين‪ ،‬حينئذ صرت في عينيه‬
‫كاملة»(‪.((6‬‬
‫‪ -‬صرت في عينيه كاملة! هل هي كمال المستوطنة المتوضعة في فلسطين التي‬

‫بلغت كمالها بنظافتها من الغرباء‪ ،‬مع تصاعد حركة االستيطان‪ ،‬وتتابع موجات الهجرة‬
‫المنظمة‪ ،‬واشتداد عضد الحركة الصهيونية تحت االنتداب البريطاني؟‪ .‬لقد بدأت تترسم‬
‫مالمح الصراع الفعلي بين مشروع كولونيالي فتي اتضحت أهدافه ّ‬
‫لكل فلسطيني في‬
‫ثالثينيات القرن الماضي من جهة‪ ،‬والحركة الوطنية الفلسطينية من جهة أخرى‪ .‬لذلك‬
‫بــدأت موجة استيطانية تنشط في األراض ــي الفلسطينية‪ ،‬وال س ّيما في النقب‪ ،‬إذ طلب‬
‫بن غوريون من عدد من النشطاء التوجه سريع ًا إلى النقب لخلق أمر استيطاني واقعي‬
‫فيها قبل وصول لجنة التقسيم بزرع هذه المستوطنات بسرعة‪ ،‬وقد صممت على شكل‬
‫معسكرات محصنة ‪ -‬سور يحيط بالنقطة‪/‬البؤرة االستيطانية يعلوه برج مراقبة ليتوضع‬
‫فيه عــدد مــن أف ــراد الهاغاناه المس ّلحة للمراقبة والــدفــاع عــن هــذا التشكيل االستيطاني‬
‫الجديد(‪.((6‬‬
‫ال‪ ،‬فقد ضمت لجنة التقسيم األممية النقب إلى الدولة اليهودية في قرار األمم‬ ‫وفع ً‬
‫المتحدة عام ‪ 1947‬بنا ًء على هذه الوقائع االستيطانية الصورية‪ .‬هكذا نسجت األشياك‬
‫واألسيجة ثنائية الشرق‪/‬الغرب في طبعتها الصهيونية االستشراقية‪ .‬في موازاة هذا الفصل‬
‫واالنعزال المبكر‪ ،‬وبسبب الطبيعة اإلقصائية أو االنعزالية للليبرالية البيضاء التي تشكّل‬
‫الصهيونية أحد أجناسها الفعلية‪ ،‬فقد جرى تأسيس اقتصاد مؤسس على العمل اليهودي‬
‫فقط (عـبــرنــة الـعـمــل)‪ ،‬وذل ــك مــن أجــل اسـتـعــادة اإلح ـســاس بالتجانس الــديـنــي والعرقي‬
‫المتوافق مع المفهوم األوروبي للقومية في لحظتها االستعمارية(‪.((6‬‬
‫ورد ًا على محاوالت بريطانيا احتواء حركة المقاومة العربية بين عامي ‪1936‬‬
‫و‪ 1939‬بــوضــع قـيــود على حــركــة االسـتـيـطــان والـهـجــرة الـيـهــوديــة إلــى فلسطين‪ ،‬كان‬
‫ال ــرد الـصـهـيــونــي م ـ ّت ـسـم ـ ًا ب ـســرعــة فــائـقــة ف ــي ب ـنــاء ه ــذه ال ـتـجـ ّـمـعــات الـمـحــاطــة بــالـســور‬
‫والنص‬
‫ّ‬ ‫(‪ ((6‬نــزيــه الحسن‪ ،‬الجذور التوراتية للفرويدية (دمشق‪ :‬دار الحلبي للطباعة‪ ،)1988 ،‬ص ‪409‬‬
‫التوراتي من‪ :‬الكتاب المقدس‪« ،‬سفر نشيد األناشيد»‪ ،‬اإلصحاح الثامن‪ ،‬اآلية ‪.10‬‬
‫(‪ ((6‬باروخ كيمرلنج‪ ،‬نهاية الهيمنة األشكنازية‪ ،‬ترجمة نواف عثامنة (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات‬
‫اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪ ،)2002 ،‬ص ‪.62‬‬
‫(‪ ((6‬بيتربيرغ‪ ،‬المفاهيم الصهيونية للعودة‪ :‬أساطير وسياسات ودراسات إسرائيلية‪ ،‬ص ‪.81‬‬
‫‪137‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫والبرج‪ ،‬لتصبح المستوطنة أمر ًا كياني ًا واقعي ًا ومشروع ًا بحسب القوانين االنتدابية‪،‬‬
‫وتمت إقــامــة ‪ 52‬مستوطنة بهذه الطريقة‪ ،‬كانت األولــى فيها كيبوتس تــل عمل في‬
‫بيسان (‪.((7‬‬
‫نموذجي يافا واللد‬

‫َ‬ ‫األول‪:‬‬
‫‪ - 1‬السياج ّ‬
‫لقد كــانــت ثقافة الـعــزلــة واالن ـع ــزال‪ ،‬والـسـيــاج والتسييج‪ ،‬ال ـجــدار والـتـجــديــر التي‬
‫انحفرت عميق ًا في تضاعيف العقل اليهودي‪ ،‬وهي المادة المعقلنة القادرة على تسويغ‬
‫كل الرواية الصهيونية‪ ،‬قد تمظهرت وع ّبرت عن ذاتها في المواقع التي بقيت في‬ ‫وتبرير ّ‬
‫مشهدها العام بقايا من عرب فلسطين‪ .‬وكما ذكرنا سابق ًا حول احتجاز البقية الباقية من‬
‫عرب يافا‪ ،‬فإن المشهد السلكي الشائك كان أشد بروز ًا في احتجاز البقية من عرب اللد‪.‬‬
‫وبعد اقتراب مشروع التهجير إلى اكتماله بعد عام ‪ 1948‬قامت على الفور أجهزة الدولة‬
‫برسم الخطوط واإلحــداثـيــات الهندسية فــي المنطقة (الـمـجــال) سعي ًا إلــى تشكيل بنية‬
‫ديمغرافية منفصلة يعيش اليهود بموجبها بشكل منفصل عن الفلسطينيين كي ال يقتحم‬
‫(الـغــريــب) العربي الـحــدود الثقافية ‪ -‬القومية الـتــي رسمتها الـقـيــادة الصهيونية للدولة‬
‫الوليدة(‪.((7‬‬
‫إن الدراسة القيمة التي قدمها نوريئيلي (أستاذ األنثروبولوجيا في جامعة تل أبيب)‬
‫عن لحظة اللقاء بين «الغرباء العرب» ومواطني الدولة اليهود‪ ،‬استهدفت تبيان وتحليل‬
‫قضيتين جوهريتين متالزمتين‪ ،‬هما عــزل الـغــربــاء (الـعــرب الفلسطينيين)‪ ،‬وتخليص‪/‬‬
‫تجريد اليهود المهاجرين من البالد العربية من آية مالمح وأخالق شرقية عربية‪ ،‬إكراه ًا‬
‫وقـســر ًا‪ .‬وانتهى احتالل مدينة اللد العربية في تموز‪/‬يوليو ‪ 1948‬بطرد ‪ 95‬بالمئة من‬
‫سكانها العرب‪ ،‬ولظروف ذاتية وموضوعية متداخلة بقي في المدنية (المذبوحة) حوالى‬
‫‪ 700 - 600‬عربي أصبحوا خاضعين لنظام عسكري شديد السيطرة‪ ،‬وأرغـمــت هذه‬
‫البقية على التجمع في حارتين (ح َّي ْين) في شرق المدينة وغربها‪ ،‬وتمت إحاطتهما بسور‬
‫من األسالك الشائكة‪ ،‬ليتحوال بذلك إلى غيتوات مغلقة بإحكام‪.‬‬
‫حق من امرأة يهودية (بيروت‪ :‬شركة المطبوعات للنشر‬ ‫(‪ ((7‬ســوزان نايثن‪ ،‬الوجه اآلخر إلسرائيل‪ :‬شهادة ّ‬
‫والتوزيع‪.)2006 ،‬‬
‫(‪ ((7‬بيني نوريئيلي‪« ،‬كيف أصبح اليهود العرب غرباء في الحيز القومي في إسرائيل؟‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪،‬‬
‫العدد ‪( 21‬شتاء ‪ ،)2006‬ص ‪.56‬‬

‫وفي هذا الموضوع‪ ،‬حول إغــاق وتسييج قرية عين حوض في سفوح الكرمل‪ ،‬انظر‪ :‬نايثن‪ ،‬المصدر نفسه‪،‬‬
‫ص ‪.160 - 159‬‬
‫‪138‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المثير في هذه اللحظة الهستريوغرافية‪ ،‬أن الدولة أرادت توطين يهود مهاجرين‬
‫جدد من بولندا ورومانيا (أشكناز بالطبع) في أحياء عربية مهجورة في اللد قريبة نسبي ًا‬
‫من غيتوات العرب المغلقة‪ .‬إال أن هؤالء المهاجرين الغربيين رفضوا مجرد االقتراب‬
‫من هؤالء العرب اآلسيويين‪ .‬والمثير المهم اآلخر في هذه الدراسة المهمة التي تؤرخ‬
‫لمرحلة دقيقة كانت مقدماتها التكوينية أساس ًا بليغ ًا للبناء اإلثنوقراطي للدولة اليهودية‬
‫في ما بعد‪ .‬هذا المثير هو أن اليهود العرب (المهاجرين اليهود من البلدان العربية) الذين‬
‫هربوا من المعبراه (المخ ّيمات المؤقتة التي أقامتها الدولة للمهاجرين اليهود تمهيد ًا‬
‫إلسكانهم في منازل أخــرى قيد اإلع ــداد)‪ ،‬ونـظــر ًا إلــى ســوء األوض ــاع التي كابدوها في‬
‫هــذه المخيمات‪ ،‬هربوا لإلقامة في بيوت العرب التي ما زالــت شاغرة بعد طــرد أهلها‬
‫منها في هذين الح ّيين العربيين المغلقين‪ ،‬وقــد تعرضوا لعنف وقسوة بالغين من قبل‬
‫الحكم العسكري‪ .‬فقد ش ّن الجيش حملة عسكرية في حزيران‪/‬يونيو ‪ 1949‬على هذه‬
‫األحياء استمرت لثالثة أيام النتزاع اليهود العرب من األماكن التي اختاروا اإلقامة فيها‬
‫إلى جانب العرب األصليين في المكان‪ .‬إن هذا الحادث المبكر يشكل إشارة بليغة على‬
‫المشروع الصهيوني القاضي بغربنة اليهود الشرقيين وتطهيرهم مما علق بهم من أخالق‬
‫سمي إسرائيلي ًا بمجتمع الصهر الجديد‪ .‬وتفترض عملية‬ ‫الشرق‪ ،‬وإعادة تهويدهم في ما ّ‬
‫إعادة تهويدهم أوالً إبعادهم عن العرب إلى األبد‪ ،‬وثاني ًا محو موروثهم الثقافي وحنينهم‬
‫الدائم إلى المعين الثقافي واإلطار األخالقي الذي شكلهم في البالد العربية(‪.((7‬‬
‫ومعمق ًا جد ًا‪ ،‬وكاره ًا جد ًا‪ ،‬وانعزالي ًا‬

‫ّ‬ ‫وإمعان ًا في فصلهم فص ً‬
‫ال عنصري ًا متطرف ًا جد ًا‬
‫فظ ًا‪ُ ،‬دمغ المكان باللوثة العربية‪ ،‬وعلق على مداخله يافطات كبيرة كتب عليها «ممنوع‬
‫الــدخــول»‪ .‬صحيح أن الصهيونية ولــدت لتقيم دولــة يهودية‪ ،‬وهنا‪ ،‬بلغة عزمي بشارة‪،‬‬
‫جرت وما زالت تجري عملية تكثيف يهودية هذه الدولة‪.‬‬
‫ّ‬
‫الخط األخضر‬ ‫‪ - 2‬بروز الدولة اليهودية كحالة سيادية بترسيم‬
‫مع نهاية حــرب ‪ 1948‬التي جــاءت نتائجها مختلفة اختالف ًا كبير ًا عما كــان قرار‬
‫التقسيم (الجائر) قد أعطاه إلسرائيل قبل والدتها واإلعالن عنها رسمي ًا‪ ،‬سيطرت قوات‬
‫(‪ ((7‬نوريئيلي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،77 - 59‬وانظر أحد أهم المراجع التأسيسية لهذا الموضوع في‪ :‬يهودا‬
‫شنهاف‪ ،‬اليهود العرب‪ :‬القصة بكاملها (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪ ،)2002 ،‬وانظر‬
‫المقابلة المطولة لشنهاف في صحيفة هارتس بتاريخ ‪ 2003/10/31‬التي ترجمتها صحيفة المشهد اإلسرائيلي‬
‫كامل ًة في ‪.2003/11/4‬‬
‫‪139‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫االحـتــال اإلسرائيلية على ‪ 78‬بالمئة من مساحة فلسطين التاريخية‪ ،‬وهــذا مقابل ‪56‬‬
‫خصصت لها‪ ،‬بحسب قــرار التقسيم‪ ،‬لتقام في هــذا الح ّيز الــدولــة التي‬
‫بالمئة كانت قد ّ‬
‫أعلنها بن غوريون في ‪1948/5/15‬‏(‪ .((7‬وانشطر القسم الباقي إلــى إقليمين‪ :‬الضفة‬
‫الغربية (‪ 550‬كم‪ )2‬ضمت إلى السيادة األردنية‪ ،‬وقطاع غزة (‪ 360‬كم)‪ ،‬وبفعل الجوار‬
‫الجغرافي أصبح تحت السيادة المصرية حتّى عام ‪.1967‬‬
‫ف ــي ‪ 3‬ن ـي ـس ــان‪/‬أب ــر ي ــل ‪ ،1949‬ت ـم ـ ّكــن ال ــوس ـي ــط ال ــدول ــي «رال ـ ــف ب ــات ــش» مــن‬
‫التوصل إلــى مــا عــرف باتفاقيات الهدنة مــع الــدول العربية المحيطة الـتــي اعتبرت‬
‫فــي حـيـنـهــا فــي حــالــة ح ــرب مــع إســرائ ـيــل‪ :‬مــع مـصــر فــي ‪ 24‬ش ـبــاط‪ /‬ف ـبــرايــر ‪1949‬‬
‫ف ــي رودس‪ ،‬وب ـيــن س ــوري ــة وإس ــرائ ـي ــل ف ــي ‪ 20‬ت ـمــوز‪/‬يــول ـيــو ‪ 1949‬ع ـلــى ال ـحــدود‬
‫ال ـســوريــة ‪ -‬الـفـلـسـطـيـنـيــة‪ ،‬وبـيــن لـبـنــان وإســرائ ـيــل فــي مـنـطـقــة رأس ال ـنــاقــورة فــي ‪23‬‬
‫خط الهدنة‬‫آذار‪/‬مارس ‪ ،1949‬وبين األردن وإسرائيل في رودس‪ .‬وجرت تسمية ّ‬
‫بالخط األخـضــر‪ ،‬ألنــه رســم بقلم أخـضــر على خــرائــط الـمـحــاد ثــات الـتــي جرت‬ ‫ّ‬ ‫هــذا‬
‫في نطاق اتفاقيات رودس ‪.‬‬
‫(‪((7‬‬
‫ـط األخ ـض ــر الـمـمـتــد ع ـلــى الـ ـح ــدود الـشــرقـيــة‬ ‫ـط األخـ ـض ــر‪ :‬ب ـلــغ ط ــول ال ـخ ـ ّ‬ ‫‪ -‬ال ـخ ـ ّ‬
‫(اإلسرائيلية ‪ -‬األردنية) ‪ 360‬كلم‪ .‬وتشكل مسألة الحدود في النظرية السياسية القضية‬
‫األساس في تعريف الدولة جغرافي ًا ودستوري ًا‪ ،‬وهي إحدى أهم العوامل التي يتم البناء‬
‫عليها في تعريف الدولة الحديثة على اعتبار أن الحدود تحدّ د اإلقليم الــذي تقام عليه‬
‫الوحدة السياسية السيادية التي تصبح في ما بعد دولــة‪ .‬وال تعتبر عملية ترسيم الحدود‬
‫ال جغرافي ًا فقط‪ ،‬بل هي ذات أبعاد سياسية وثقافية على الهوية الجماعية المرتبطة‬ ‫عم ً‬
‫بــاإلقـلـيــم‪ .‬وإذا ك ــان ه ــذا هــو مــوقــع ال ـح ــدود فــي الـتـجــربــة الـتــاريـخـيــة الــدول ـيــة‪ ،‬ف ــإن لهذا‬
‫الـمــوضــوع مكانة مركزية كـبــرى فــي الحالة اإلسرائيلية المنطلقة نحو الـسـيــادة بحدّ يها‬
‫ـط األخ ـضــر يـشـ ّكــل إح ــدى أه ــم مـعـطـيــات وأرك ــان‬ ‫الـجـغــرافــي وال ـث ـقــافــي‪ .‬وق ــد بـقــي ال ـخـ ّ‬
‫الجغرافية السياسية إلسرائيل حتّى عام ‪1967‬‏(‪.((7‬‬
‫(‪ ((7‬أن ـ ــور عـبــد ال ـه ــادي‪ ،‬ديـمــوغــرافـيــة الـلـجــوء الفلسطيني وحــق ال ـعــودة (أب ــو ظـبــي‪ :‬مــركــز زاي ــد لـلــدراســات‬
‫والبحوث‪ ،)2002 ،‬ص ‪.62 - 58‬‬

‫(عمان‪ :‬دار الجليل‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫‪1985‬‬ ‫‪-‬‬ ‫‪1947‬‬ ‫الفلسطينية‪،‬‬ ‫للقضية‬ ‫التسوية‬ ‫مشاريع‬ ‫الموسى‪،‬‬ ‫(‪ ((7‬منير الهور وطارق‬
‫‪ ،)1986‬ص ‪.30‬‬
‫محمد اشتيه‪ ،‬موسوعة المصطلحات والمفاهيم‬ ‫الخط األخضر‪ ،‬انظر‪ّ :‬‬ ‫ّ‬ ‫(‪ ((7‬لمزيد من التفاصيل الهامة حول‬
‫الفلسطينية (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلقليمية‪ ،)2009 ،‬ص ‪.303 - 299‬‬
‫‪140‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ّ‬
‫الخط‬ ‫إذا كانت الحدود في لغة الجغرافيا تعني حافة اإلقليم السياسي للدولة‪ ،‬فإن‬
‫األخضر كحافة حدودية قد حقق إلسرائيل تكريس اإلنجازات العسكرية التي حققتها في‬
‫الخط األخضر كان نموذج ًا للتداخل بين‬‫ّ‬ ‫الحرب عام ‪1948‬‏(‪ .((7‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬فإن‬
‫الحدود السياسية الجغرافية والحدود الثقافية الدينية‪ ،‬حيث تنعكس األولى على الثانية‪،‬‬
‫وعلى هوية الــدولــة عـمــومـ ًا‪ .‬واالف ـتــراض هنا‪« :‬أن إســرائـيــل قــد قامت بتحديد حدودها‬
‫اإلثنية قبل حدودها السياسية الجغرافية»(‪.((7‬‬
‫وفــي تلك اللحظة‪ ،‬لم يستشر الفلسطينيون‪ ،‬ولــم يسألوا نهائي ًا‪ ،‬حــول مسار هذه‬
‫ـط األخـضــر صــاغ حياتهم وغ ّيرها بشكل عميق‪ .‬وفي‬ ‫الـحــدود‪ ،‬على الــرغــم مــن أن الـخـ ّ‬
‫الخط األخضر لم يكن الفلسطينيون (السكان األصليون) معترف ًا بهم كمجموعة‬ ‫ّ‬ ‫لحظة‬
‫قــومـيــة مــن قـبــل ال ـقــوى الـفــاعـلــة فــي اإلطـ ــار اإلقـلـيـمــي أو مــن قـبــل الـمــؤسـســات الــدولـيــة‬
‫الخط األخضر حد ًا تعسفي ًا تجاهل وجود‬ ‫ّ‬ ‫الكبرى التي رعت ترسيم هذه الحدود‪« :‬كان‬
‫مجتمع فلسطيني‪ ،‬وتجاهل بنيته السياسية الحضرية واالجتماعية‪ ،‬وقطع أوصال الكثير‬
‫من القرى والبلدات الباقية في المنطقة األردنية بصورة ف ّظة (برطعة‪ ،‬بيت صفافا‪ ،‬باقة‬
‫الغربية‪ ،‬وغيرها) ومزق النسيج العائلي‪ ،‬وحكم بالنسيان على تاريخ الحرب التي قضت‬
‫بغض النظر عن مكان‬ ‫الخط األخضر‪ّ ،‬‬ ‫ّ‬ ‫بتهجير ‪ 750‬ألف عربي أصبحوا الجئين خلف‬
‫تموضعهم»(‪.((7‬‬
‫سمي في ما بعد‬ ‫الخط األخضر قد ُحدد عام ‪ ،1949‬إال أنه ّ‬ ‫ّ‬ ‫على الرغم أن مسار‬
‫حــدود ‪ ،1967‬وتـحـ ّـول إلــى مؤشر إسرائيل القانونية التي أطلق عليها الحق ًا «يهودية»‬
‫الخط األخضر إلى أسطورة‬‫ّ‬ ‫تحول‬
‫بنص إعالن الدولة‪ .‬وبمرور السنوات‪ّ ،‬‬ ‫و«ديمقراطية» ّ‬
‫حدودية مقدسة‪ ،‬ومــن مؤشر إقليمي مــادي إلــى نموذج ثقافي سياسي مفعم بالمعاني‪.‬‬
‫وبلغة شنهاف‪« :‬إن ّ‬
‫كل هيمنة سياسية اجتماعية تختار تاريخ ًا‪ ،‬أو زمن ًا تتعامل معه بوصفه‬
‫الخط المبدأ األساسي الثقافي‬‫ّ‬ ‫بداية‪ ،‬وتعزو له معاني ثقافية أسطورية»(‪ ،((7‬وأصبح هذا‬
‫ـط األخـضــر كنقطة بداية‬‫ك ــأداة حــادة للعزل بين اليهود والفلسطينيين‪ ،‬أي أن زمــن الـخـ ّ‬
‫أصبح محدد ًا لنظرية أخالقية مؤداها أن إسرائيل قامت كديمقراطية أخالقية ومشروعة‪،‬‬
‫(‪ ((7‬مهند مصطفى‪« ،‬إسرائيل من الحدود اإليدولوجية إلى الحدود اإلثنية‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪26‬‬
‫(‪ ،)2007‬ص ‪.18‬‬
‫(‪ ((7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.19‬‬

‫ّ‬
‫الخط األخضر‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،)2009( 34‬ص ‪.13‬‬ ‫(‪ ((7‬يهودا شنهاف‪« ،‬زمن‬
‫(‪ ((7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.14‬‬
‫‪141‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫متموضعة في هذا المجال الذي استحوذت عليه بالقوة العسكرية‪ ،‬ورفع عنها مسؤوليتها‬
‫المباشرة عن آالف الالجئين والمجتمع المدمر الذي قامت على أنقاضه‪.‬‬
‫ـط األخـضــر واللحظة التاريخية التي َأسـســت لترسيمه جــرى قطع‬ ‫منذ لحظة الـخـ ّ‬
‫الـحــركــة الـبـشــريــة الطبيعية ومــوضـعـتـهــا فــي إط ــار مـقـيــد‪ ،‬مـسـ ّيــج ومـلـغــم‪ .‬وج ــرى تغييب‬
‫الفلسطيني عن فضاء المشهد الجغرافي الذي تشكّل به‪ .‬وفي اإلطار المعرفي للجغرافيا‬
‫الـسـيــاسـيــة‪ ،‬ف ــإن عــاقــات اإلن ـســان بالمساحة واإلقـلـيــم تخضع لـقــوانـيــن معينة‪ ،‬وباللغة‬
‫مذوتة صهيوني ًا‬
‫الداروينية فإن إقصاء الضعفاء من قبل األقوياء هو فعل طبيعي‪ ،‬وهي لغة ّ‬
‫ومعمول بمفعولها منذ لحظتها التأملية الهيرتزلية األولى(‪.((8‬‬
‫‪ - 3‬أوالد الرب في الجمع المنعزل‬

‫حققت الحرب للحركة الكولونيالية الرومانسية االستشراقية (الصهيونية) هدفها‬
‫بالجمع الـمـنـعــزل ألوالد ال ــرب‪« :‬جـمــع مـنـعــزل وبــاألغ ـيــار ال يـكـتــرث» (سـفــر «يــوشــع»‬
‫‪ ،)8 - 23‬و«أنتم أوالد الــرب إلهكم» (سفر «التثنية» ‪ .)2 - 4‬وقد وقف جيش الرب‬
‫ليحمي هذا التحقق االستعماري المنعزل‪ ،‬وليحول دون عودة أحد من الالجئين الحفاة‬
‫العراة‪ ،‬الواقفين ليس بعيد ًا عن هذا الجمع المتجانس ثقافي ًا‪ .‬ولم تتوقف محاوالت عودة‬
‫الالجئين إلى أماكنهم األولــى‪ ،‬فقد وثق جيش االحتالل اإلسرائيلي ‪ 16.000‬محاولة‬
‫تسلل عام ‪ 1952‬لبشر دفعهم الحنين‪ ،‬أو جمع بعض الثمار ألطفالهم الجياع‪ ،‬أو الرعي‬
‫أو زيارة األقارب‪ ...‬وقد قدر عدد القتلى المتسللين بأكثر من ‪ 3000‬حالة بفعل الوحدة‬
‫(‪ ((8()101‬التي قــادهــا ش ــارون فــي هــذه ال ـف ـتــرة(‪ .((8‬فعلى جانبي الـحــدّ الثقافي‪ ،‬أصبح‬
‫(‪ ((8‬ألكساندر دوفاي‪ ،‬الجغرافية السياسية‪ :‬جيوبوليتيك‪ ،‬تعريب حسين حيدر (بيروت‪ :‬دار عويدات للنشر‬
‫والطباعة‪ ،)2007 ،‬ص ‪.12‬‬
‫ّ‬ ‫(‪ ((8‬الــوحــدة (‪ :)101‬هــي وحــدة مراقبة خـ ّ‬
‫ـط الهدنة (وح ــدة إع ــدام المتسللين إلــى بــادهــم) أوصــى آرييل‬
‫شارون بإقامتها وباشرت أعمالها الفعلية في آب‪/‬أغسطس ‪ ،1953‬قادها شارون منذ تأسيسها كوحدة خاصة في‬
‫عملياتها االنتقامية ضدّ القرى الفلسطينية على طول الحدود األردنية‪ ،‬وضدّ أهداف مدنية في قطاع غزة‪ ،‬وعلى طول‬
‫خطوط وقف النار مع سورية‪ .‬وكان شارون قبل تشكيل هذه الفرقة رسمي ًا قد َقت ََل‪ ،‬وهو برتبة رائد‪ ،‬أول ثالث نساء‬
‫فلسطينيات بعد قيام الدولة من قرية قطنة‪ ،‬وه ّن ذاهبات إلحضار الماء من بئر قريب من ّ‬
‫خط الهدنة‪ .‬انظر‪ :‬عزمي‬
‫بشارة‪ ،‬من يهودية الدولة حتّى شــارون‪ :‬دراســة في تناقص الديمقراطية اإلسرائيلية (رام الله‪ :‬المؤسسة الفلسطينية‬
‫لدراسة الديمقراطية (مواطن)‪ ،)2005 ،‬ص ‪.288 - 287‬‬
‫(‪ ((8‬ميرون بنفيستي‪ ،‬المشهد المقدس‪ :‬طمس تاريخ األرض المقدسة منذ عام ‪ ،1948‬ترجمة سامي مسلم‬
‫(رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مــدار‪ ،)2001 ،‬ص ‪ ،288‬وإيــال‪ ،‬نزع السحر عن الشرق‪،‬‬
‫ص ‪.148‬‬
‫‪142‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الشغل الشاغل للجيش اإلسرائيلي المتشكل حديث ًا استراتيجية عمل متمثلة بحماية‬
‫المعزل السياسي‪/‬الثقافي والحفاظ عليه من أية لوثات عربية من متسللي بني إسماعيل‬
‫من العرب إلى الجمع المنعزل لبني إسرائيل‪.‬‬
‫الخط األخضر قد ضمن إلسرائيل‬ ‫ّ‬ ‫ومن الجدير بالذكر‪ ،‬هنا‪ ،‬أنه على الرغم من أن‬
‫كافة اإلنجازات العسكرية التي تحققت باالعتراف الفعلي السيادي لها على ‪ 78‬بالمئة‬
‫مــن األراضـ ــي الـعــربـيــة فــي فلسطين‪ ،‬إال أن إســرائـيــل وح ـ ّتــى اللحظة لــم تنشئ دس ـتــور ًا‬
‫الخط األخضر‪ ،‬ذلك ألن إسرائيل وقيادتها‬ ‫ّ‬ ‫رسمي ًا يع ّين حدودها الفعلية وفق ترسيمات‬
‫الخط األخضر ما هو إال لحظة زمنية المتالك سيادة شرعية أسست‬ ‫ّ‬ ‫الصهيونية اعتبرت أن‬
‫عملي ًا لالندفاع إلى باقي األجزاء (الضفة وغزة) عند لحظة االحتالل عام ‪1967‬‏(‪.((8‬‬
‫ّ‬
‫الخط األخضر‬ ‫‪ - 4‬احتالل الضفة الغربية‪ ،‬محو‬
‫انطالق شرارة االستيطان (أرض أكثر عرب أقل)‬

‫جاء احتالل باقي فلسطين لحظة ‪ 1967‬مفعم ًا بمعاني رمزية ال يمكن تلخيصها‬
‫في هذه الدراسة‪ ،‬ألن عملية تجريدها من معناها القيمي يفقدها الكثير من حمولة معانيها‬
‫الدينية والسياسية والعسكرية والتاريخية‪ ،‬ومــا تحمله هــذه المعاني من استحقاقات ما‬
‫يسمى في‬
‫زالت قيد التفاعل على األرض حتّى اليوم‪ .‬وبعد لحظة االحتالل لما أصبح ّ‬
‫إسرائيل «بالمناطق»‪ ،‬أي الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬انفتح النقاش والجدل عميق ًا حول‬
‫مستقبل هذه الغنيمة الجغرافية الكبرى‪.‬‬
‫وقــد تـكــون أق ــوال بــن غــوريــون ومــوشـيــه دي ــان إط ــار ًا نـظــريـ ًا للسياسة الفعلية التي‬
‫مارستها قوة االحتالل في هذه المناطق‪ ،‬إذ كانت استعارة موشيه د ّيان لقول بن غوريون‬
‫فــي ح ــواره مــع شمعون بيريز فــي أيلول‪/‬سبتمبر ‪ 1967‬كما يـلــي‪« :‬إن مــن يتعامل مع‬
‫الصهيونية من منظور أخالقي‪ ،‬فهو غير صهيوني»؛ هذا قول نبيهم المدني بن غوريون!‬
‫وأضــاف وزيــر الدفاع ديــان قــوالً يعدّ من جنس مقولة بن غوريون التي استند إليها إزاء‬
‫السياسة فــي المناطق المحتملة حــديـثـ ًا‪« :‬إذا أراد السكان الـعــرب العيش هـنــا‪ ،‬فعليهم‬
‫العيش مثل الكالب‪ ،‬ومن يريد أن يرحل‪ ...‬فليرحل! وبهذه الطريقة‪ ،‬يقل عدد الالجئين‬
‫(‪ ((8‬جونثان كوك‪« ،‬دستور ‪ -‬بإجماع يهودي‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪ ،2004/12/28 ،‬وسلمان أبو ستة‪،‬‬
‫«حدود فلسطين مدخ ً‬
‫ال لالستعمار‪ »،‬عالم الفكر‪ ،‬العدد ‪.)2006( 4‬‬
‫‪143‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وهــذا بالنسبة إلـ ّـي أمــر عـظـيــم»(‪ .((8‬يقرر بن غــوريــون إذ ًا بما يشبه المطلق‪« :‬ال أخالقية‬
‫للصهيونية»‪ ،‬وأم ــا تلميذه النجيب د ّي ــان‪ ،‬فهو يستند إلــى أقــوالــه‪ ،‬كما يستند الحاخام‬
‫النص التوراتي المطلق‪ .‬إن هذه‬ ‫كوك‪ ،‬زعيم االستيطان في أرض إسرائيل الكاملة إلى ّ‬
‫األق ــوال كــانــت‪ ،‬ومــا زال ــت‪ ،‬تشكّل الخلفية الفعلية لمجمل السياسات اإلسرائيلية في‬
‫الضفة الغربية وقطاع غزة‪ .‬وتشكل مقولة نور الدين مصالحة‪« :‬أرض أكثر‪ ،‬عرب أقل»‪،‬‬
‫في مداخلته الق ّيمة التي شكلت المقولة األساسية لكتاب‪ :‬سياسة الترانسفير اإلسرائيلية‬
‫(‪ ،)1996 - 1949‬تكثيف ًا دقيق ًا جد ًا للمشروع الصهيوني في فلسطين التاريخية‪ ،‬سواء ما‬
‫تم احتالله الحق ًا عام ‪1967‬‏(‪ .((8‬فقد خضعت الضفة الغربية‬ ‫احتل منها عام ‪ 1948‬أو ما ّ‬
‫لنظام حكم عسكري عنيف عبر سلسلة من األنظمة واللوائح والقوانين التي بدأت تصدر‬
‫تباع ًا من وزير الدفاع ديان عبر قائد المنطقة الوسطى‪ .‬وكان الوصول إلى مدينة القدس‬
‫هو أهم تجليات تلك الحرب التي سارعت حكومة إسرائيل باإلعالن عن ضمها بتاريخ‬
‫‪ 18‬حزيران‪/‬يونيو ‪ 1967‬كباكورة أعمالها االحتاللية بــإصــدار مرسوم أنظمة السلطة‬
‫والقضاء الرقم (‪ )1967/5727( ،)1‬لتصبح القدس من هذه اللحظة جــزء ًا ال يتجزأ‬
‫من النظام اإلداري والقانوني السائد في إسرائيل السيادية‪ .‬كمقدمة لإلعالن عنها عاصمة‬
‫رسمية عام ‪1980‬‏(‪.((8‬‬
‫وكان القرار الذي ال يقل أهمية هو القرار رقم (‪ ،)1967/839‬إذ قررت الحكومة‬
‫التي قادها ليفي أشكول الشروع في إقامة أول مستوطنة في الضفة الغربية‪ ،‬هي مستوطنة‬
‫«كـفــار عتصيون» على طــريــق الخليل ‪ -‬بيت لحم بتاريخ ‪ 24‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪.1967‬‬
‫حي الشرف في باب المغاربة‪ ،‬فإن اللحظة‬
‫وكما اللحظة األولى في القدس‪ ،‬بدأت بهدم ّ‬
‫التي مهدت لبناء كفار عتصيون كانت عبارة عن قرار بمصادرة أراض لبناء المستوطنة‬
‫المذكورة وشــق طريق بطول ‪ 15‬كم حتّى منطقة لخيش داخــل األرض المحتلة لربط‬
‫عتصيون بمركز الدولة(‪.((8‬‬
‫(‪ ((8‬عقيبا إلدار وعوديت زرطال‪ ،‬أسياد البالد المستوطنون ودولة إسرائيل‪ ،2004 - 1967 ،‬ترجمة عليان‬
‫الهندي (رام الله‪ :‬مؤسسة باب الواد‪ ،)2006 ،‬ص ‪.44‬‬
‫(‪ ((8‬انـ ـظ ــر‪ :‬ن ــور ال ــدي ــن مـصــالـحــة‪ ،‬أرض أك ـثــر وع ــرب أق ــل‪ :‬سـيــاســة الـتــرانـسـفـيــر اإلســرائـيـلـيــة فــي التطبيق‪،‬‬
‫‪( 1996 - 1949‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،)1997 ،‬و?‪Colin Chapman, Whose Promised Land‬‬
‫‪(England: Lion Publishing Right, 2002), p. 33-37.‬‬
‫(‪ ((8‬أسامة حلبي‪ ،‬حدود المكان ووجود اإلنسان‪ :‬البعدان الجغرافي والديموغرافي في سياسة إسرائيل في‬
‫القدس (القدس‪ :‬مركز القدس للمساعدة القانونية‪ ،)2001 ،‬ص ‪.10‬‬
‫(‪ ((8‬إلدار زرطال‪ ،‬أسياد البالد المستوطنون ودولة إسرائيل‪ ،2004 - 1967 ،‬ص ‪.41‬‬
‫‪144‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫من هذه النقطة ذات الدالالت المستمرة‪ ،‬بدأ مشروع تفكيك وتهويد الضفة الغربية‪:‬‬
‫شق طريق استيطاني أطلق عليه في ما بعد اسم «طريق التفافي»‪.‬‬ ‫قرار مصادرة‪ ،‬قرار بناء‪ّ ،‬‬
‫بكل ثقلها لجعل مدينة القدس يهودية‪ ،‬كما هي‬ ‫ومــن هــذه اللحظة بــدأت الدولة ترمي ّ‬
‫بكل اإلمكانات المتاحة أمــام الدولة‪ ،‬وهي إمكانيات كبرى بالضرورة‪ .‬وكل‬ ‫تل أبيب‪ّ ،‬‬
‫ذلك في إطار مقولة بن غوريون السالفة الذكر‪ .‬وضمن هذه الحملة التي بدأت مالمحها‬
‫في التشكل‪ ،‬كان السؤال المهم في إسرائيل هو ليس من أهمية الضفة الغربية بما فيها‬
‫القدس‪ ،‬وإنما ما هو األفضل إلسرائيل؛ أكبر قدر ممكن من األرض أم أقل قدر ممكن‬
‫من العرب؟ وتحت ضغط هذا السؤال‪ ،‬تشكّلت السياسة اإلسرائيلية إزاء هذا الفضاء‬
‫الجديد‪ .‬وبنيت البرامج السياسية لــأحــزاب‪ .‬وعلى أرضية االقـتــراب من هــذا السؤال‪،‬‬
‫ظهرت حركات دينية متطرفة تنادي بأرض التوراة الكاملة‪ ،‬وظهرت حكومات ائتالف‪،‬‬
‫ثم توجهاتها‬‫وسقطت حكومات أخرى باالستناد إلى توجهاتها الجغرافية والديمغرافية ّ‬
‫السياسية‪ ...‬الديموغرافيا والجغرافيا هما محور هذه السياسة‪ ،‬وهما محور االقتراب من‬
‫اإلجــابــة عن الـســؤال السابق‪ ،‬وهما محور الـصــراع‪ ،‬ومحور االنفصال األح ــادي‪ ،‬وهما‬
‫أساس بناء الجدار‪...‬‬
‫الخط األخضر‪ ،‬ذات مــرة بالجرافات‪ ،‬ففي كـ ّـل مــرة يندّ د‬
‫ّ‬ ‫لقد جــرى محو‪/‬طمس‬
‫المجتمع الدولي بسياسة إسرائيل تتقدّ م آالف الجرافات‪ .‬الفضاء هو عكس الحدود‪،‬‬
‫الخط األخضر‪« :‬الفضاء مفتوح والنهائي‪ ،‬مضامينه السياسية واالجتماعية‬ ‫ّ‬ ‫أي عكس‬
‫واالقـتـصــاديــة مــأخــوذة عــن األس ـطــورة البيضاء للغرب األمــريـكــي المنفلت ال ــذي اعتبر‬
‫مجمع ًا كبير ًا لألرض المباحة التي يمكن خصخصة امتالكها يهودي ًا وعرقي ًا»(‪.((8‬‬
‫‪ - 5‬الجدران المحدودة واألسالك الشائكة والمناطق المغلقة والطرق‬

‫االلتفافية كمقدمات لبناء الجدار العنصري‬
‫بقيت العالقة العضوية بين األرض والدولة خاضعة دائم ًا لنظرية المجال الحيوي‬
‫إلسرائيل الذي يفترض بداهة السيطرة على ما يمكن من األرض (المجال)‪ ،‬وتبهيت‪/‬‬
‫إضعاف البناءات البشرية في المكان المستهدف‪ .‬ودراستنا هنا تقول اآلتي‪ :‬ليس السعي‬
‫اإلسرائيلي الــدائــم إلــى االستيالء‪/‬السيطرة على األرض وتوسيع رقعتها المهودة هي‬
‫ّ‬
‫الخط األخضر في الضفة الغربية بين األردن وإسرائيل وآثاره الكارثية‪ ،‬انظر‪ :‬موشية برافر‪،‬‬ ‫(‪ ((8‬حول ترسيم‬
‫(عمان‪ :‬دار‬ ‫ّ‬
‫الخط األخضر في الضفة الغربية بين األردن وإسرائيل وآثاره الكارثية‪ ،‬ترجمة بدر عقيلي ّ‬ ‫حول ترسيم‬
‫الجليل‪ ،)1982 ،‬ص ‪ ،148 - 144‬وانظر‪ :‬باروخ كيمرلينج‪ ،‬في‪ :‬هآرتس‪.2006/1/23 ،‬‬
‫‪145‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫حاجات موضوعية مصلحية عائدة إلى حاجات حيوية ذاتية إسرائيلية فقط‪ ،‬وإنما أيض ًا‪،‬‬
‫وأســاسـ ًا‪ ،‬من أجــل حشر الفلسطينيين في أضيق رقعة أرضية ممكنة‪ ،‬تمهيد ًا إلحــداث‬
‫الترانسفير الطوعي لهذا الشعب‪ ،‬وللحيلولة دون تحقيق عناصر التحقق الكياني‪.‬‬
‫يعتمد هــذا الـجــزء مــن مبحث الــدراســة بشكل أســاســي على الـمـشــاهــدات اليومية‬
‫والتماس المباشر مع السياسة اإلسرائيلية على األرض‪ ،‬ومالحظة تطوراتها ونتائجها‬
‫الفعلية على الحياة اليومية‪ .‬ويستهدف هذا العنوان تبيان إلى أي مدى كان الجدار العازل‬
‫أهــم المشاريع االستراتيجية الكبرى بعد إنشاء الدولة عــام ‪ ،1948‬قد جــرت ممارسته‬
‫بشكل جزئي ومتقطع ومتنوع قبل ظهور الكلمة المعبرة عنه التي تعارف عليها الناس‪،‬‬
‫بمن فيهم أصحابه الفعليون الذين أطلقوا عليه بالعبرية «غــديــر» )‪ ،(Gadeir‬أي جدار‬
‫بالعربية‪ .‬وبمقوالت الجغرافية السياسية‪ ،‬فإن الممارسة تسبق المفهوم وتؤسس العتماد‬
‫تداوله(‪.((8‬‬
‫استهدف المغزى الكامن والعميق والبعيد الـمــدى ال ــذي تمثل بــأي إج ــراء على‬
‫فكل عملية استيالء على أية قطعة من ح ّيز‬ ‫األرض تهويد ًا زاحف ًا وطرد ًا متزحزح ًا طوعي ًا‪ّ .‬‬
‫الضفة‪ ،‬بما فيها القدس أو إغالقها الجزئي أو التام في وجه المجتمع‪ ،‬أفراد ًا وجماعات‪،‬‬
‫تمكّن القوة المحتلة عبر مستوطنيها من التمتع بالفضاء العام‪ ،‬وتسلب المواطنين العرب‬
‫الحق‪ ،‬ولن تعدم الدولة المسيطرة أبد ًا أن تأتي بمئات الذرائع األمنية‪ ،‬وأحيان ًا من‬ ‫ّ‬ ‫هذا‬
‫دون أية ذرائع‪.‬‬
‫‪ - 6‬ارتدادات اللغة الكولونيالية المرافقة لالنعزال‬

‫واالستحواذ واالحتجاز والحجز‬
‫قد ال يوجد فلسطيني ال تجرحه منظومة الكلمات التي ينتجها الفعل االقتالعي‬
‫كي الوعي (بلغة شارون) وكبار‬ ‫اإلسرائيلي‪ ،‬وقد ال يوجد فلسطيني لم يخضع لعملية ّ‬
‫الـمـســؤولـيــن الــذيــن مــارســوهــا‪ .‬وم ــن ه ــذه الـكـلـمــات الـعـبــريــة الـمـتــداولــة‪ ،‬وال ـتــي لكثافة‬
‫تداولها وسماعها من أفــراد الجيش ومؤسسات الحكم العسكري المختلفة‪ ،‬بما فيها‬
‫المحاكم العسكرية‪ ،‬أصبحت شائعة االستخدام كأنها ألفاظ عربية ليست بحاجة إلى‬
‫تفسير‪.‬‬
‫(‪ ((8‬دوفاي‪ ،‬الجغرافية السياسية‪ :‬جيوبوليتيك‪ ،‬ص ‪.11‬‬
‫‪146‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أتسفاه ‪ -‬الجيش‪.‬‬ ‫●‬
‫زيهوت ‪ -‬هوية‪.‬‬ ‫●‬

‫آشور ‪ -‬تصريح‪.‬‬ ‫●‬
‫لو كنيس ‪ -‬ممنوع الدخول‪.‬‬ ‫●‬
‫أين ديرخ ‪ -‬ال يوجد طريق‪.‬‬ ‫●‬
‫مخسوم ‪ -‬حاجز‪.‬‬ ‫●‬
‫سيجر ‪ -‬إغالق‪.‬‬ ‫●‬
‫عوتسر ‪ -‬مغلق‪.‬‬ ‫●‬
‫شتاحيم ‪ -‬المناطق‪.‬‬ ‫●‬
‫جدير ‪ -‬جدار‪.‬‬ ‫●‬
‫ليخ ميبو ‪ -‬روح من هان(‪.((9‬‬ ‫●‬
‫في الوقت الذي تمنع فيه هذه الكلمات اآلمرة والمانعة الفلسطيني‪ ،‬فرد ًا أو جماعة‬
‫من الحركة‪ ،‬أو البناء أو الــزراعــة أو العمل أو الــزيــارة أو الفسحة العائلية أو الرعي أو‬
‫المشي أو نقل المياه‪ ،‬أو دفن الموتى‪ ...‬فإنها في المقابل غير موجودة بتات ًا‪ ،‬وال يسمعها‬
‫المستوطن المتموضع في المكان ذاته‪.‬‬
‫كل موارده واحتجازه في بقع ضيقة‪،‬‬‫وكذلك االنعزال عن اآلخر واالستحواذ على ّ‬

‫وحجز هــذه الـمــوارد الطبيعية حصر ًا لجنس معين‪ ،‬وفــي أحيان كثيرة يجري حجز هذه‬
‫األراض ــي أو الـمــوارد الطبيعية قبل أن يأتي هــذا الجنس لإلقامة فــي الح ّيز المستهدف‬
‫بالحجز تمهيد ًا لقدومه‪ .‬ولهذا ا ّدعــي أن إسرائيل‪ ،‬رغم صغر مساحتها‪ ،‬فإنها قد تكون‬
‫ربما من أكثر دول العالم إنتاج ًا واستهالك ًا لألسالك الشائكة‪ .‬وقلما ّ‬
‫يمر اإلنسان في أي‬
‫مكان في الضفة الغربية من دون أن ينجرح مداه البصري بلفائف هذا األسالك الجارحة‬
‫للبصر قبل الجسد‪.‬‬
‫استهدفت عملية األحزمة السلكية الشائكة التي تمنع دخول الفلسطينيين مجموعة‬
‫ال حصر لها من المواقع والمناطق الجغرافية واألثرية والطبيعية وينابيع المياه ومقابر‬
‫(‪ ((9‬مـقــابـلــة مــع الــدكـتــور شــريــف كنعانة‪ ،‬أسـتــاذ األنثربولوجيا الثقافية فــي جامعة بـيــرزيــت ‪ -‬رام الـلــه‪ ،‬في‬
‫‪.2008/1/26‬‬
‫‪147‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تاريخية ومقامات تراثية ثقافية ودينية‪ .‬كما أحيطت أنقاض القرى المدمرة عام ‪،1967‬‬
‫مـثــل‪ :‬يــالــو‪ ،‬وبـيــت نــوبــا‪ ،‬وع ـمــواس‪ ،‬بـعــوائــق مــن هــذه األس ــاك‪ .‬وفــي الـسـيــاق ذات ــه‪ ،‬فإن‬
‫مساحات كبيرة وممتدة متاخمة للخط األخضر‪ ،‬والمناطق المسماة «المناطق الحرام»‬
‫الخط األخضر‪ ،‬واألضرحة والمزارات‪ ،‬وقمم الجبال‪ ،‬سواء في وسط الضفة‬ ‫ّ‬ ‫والقريبة من‬
‫الغربية أو في المنحدرات الشرقية‪ ،‬وأجزاء كبيرة من منطقة جنوب الخليل‪ ،‬وريف بيت‬
‫لحم الغربي‪ ،‬وقــرى األغــوار ومراعيها وأراضيها الزراعية‪ ،‬وحــارات بكاملها في مدينة‬
‫الخليل‪ .‬وجرى تسييج مخيمات الدهيشة وقلنديا والجلزون وبالطة لسنوات طويلة‪ .‬كما‬
‫أطلقت الدولة العبرية أذرعها العسكرية ومحاكمها العسكرية لهندسة الح ّيز الجغرافي‪،‬‬
‫حتّى أصبح المشهد العام للبناء الطبيعي للضفة كبنية فسيفسائية كثيفة التفكيك‪ .‬وأصبح‬
‫لكل قائد عسكري أو خبير مياه أو أي توراتي من دائرة اآلثار‪ ،‬إضافة‬ ‫الفضاء العام متاح ًا ّ‬
‫إلى المجالس اإلقليمية للمستوطنات في الضفة الغربية‪ ،‬وأجهزة األمن‪ ،‬وقوات الجيش‪،‬‬
‫وخبراء البيئة والــزراعــة‪ ،‬وأصبح كل من له عالقة في أي جانب من الجوانب الحياتية‬
‫قــادر ًا على التقرير في شأن المناطق التي يجب أن تغلق في وجه الفلسطينيين‪ ،‬ولتكون‬
‫لكل المهاجرين والمستوطنين‪ ،‬في الح ّيز‬ ‫لكل المنافع على اختالف أنواعها ّ‬ ‫متاحة تمام ًا ّ‬
‫الجغرافي المستهدف بالحجز الحصري لليهود(‪.((9‬‬
‫لعل من أهــم المناطق المغلقة في الضفة الغربية هي منطقة األغ ــوار التي تشكل‬
‫‪ 30‬بالمئة من مساحة الضفة الغربية التي خضعت لنظام عسكري‪ ،‬تصبح بمقتضاه كامل‬
‫منطقة األغ ــوار‪ ،‬باستثناء مدينة أريحا وبعض القرى الريفية المحيطة‪ ،‬منطقة عسكرية‬
‫مغلقة‪ ،‬يمنع دخول الفلسطينيين إليها إال بنظام تصاريح مقيد جد ًا(‪ .((9‬فمنذ عام ‪1967‬‬
‫احـتـلــت منطقة األغـ ــوار مـكــانــة مــركــزيــة فــي الـمـشــروع الـسـيــاســي واالسـتـيـطــانــي واألمـنــي‬
‫اإلســرائـيـلــي‪ .‬وك ــان أبـلــغ تعبير عــن ذلــك مـشــروع أل ــون عــام ‪ 1967‬ال ــذي أصـبــح الـمــادة‬
‫األســاس للسياسة اإلسرائيلية فــي األراض ــي المحتلة‪ .‬بمقتضى هــذه السياسة‪ ،‬اعتبرت‬
‫(‪ ((9‬لمعرفة اآلليات التي جرى من خاللها تفكيك الضفة الغربية وتخريب بنائها الجغرافي والديمغرافي‪،‬‬
‫(عمان‪ :‬المؤ ّلف‪ ،)1984 ،‬وهو مرجع من أربعة أجزاء‬ ‫انظر‪ :‬عبد الجواد صالح‪ ،‬األوامر العسكرية اإلسرائيلية‪ 4 ،‬ج ّ‬
‫األول‪/‬ديسمبر ‪.1983‬‬ ‫ّ‬ ‫كانون‬ ‫ّى‬‫ت‬ ‫يشتمل على ‪ 1078‬أمر عسكري منذ ‪ 7‬حزيران‪/‬يونيو ‪ 1967‬ح‬
‫وانـظــر أيـضـ ًا‪ :‬جيفري أرون ـســون‪ ،‬سياسة األمــر الــواقــع فــي الضفة الغربية‪ :‬إســرائـيــل والفلسطينيون مــن حرب‬
‫‪ 1967‬إلى االنتفاضة (بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،)1999 ،‬وغــازي حسين‪« ،‬العنصرية في القوانين‬
‫اإلسرائيلية‪ »،‬المستقبل العربي‪ ،‬السنة ‪ ،20‬العدد ‪( 222‬آب‪/‬أغسطس ‪ ،)1997‬ص ‪.91 - 73‬‬
‫(‪ ((9‬انـظــر األوامــر العسكرية «‪ »151‬بشأن إغــاق غــور األردن العام ‪ ،1967‬واألمــر العسكري ‪95 ،233‬‬
‫بشأن منع التجول في الغور في‪ :‬صالح‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ 395‬و ‪ .1441‬ومقابلة مع السيد كامل حميد محافظ‬
‫أريحا واألغوار‪ ،‬في مكتب المحافظة بأريحا في ‪2010/5/28‬م‪.‬‬
‫‪148‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫منطقة واد األردن واألغوار الفلسطينية جزء ًا من خططها األمنية واالستيطانية التوسعية‪.‬‬
‫وقد حصرت إسرائيل لنفسها منطقة األغوار وشرعت بتشييد المستوطنات التي بلغت ‪27‬‬
‫تجمع ًا استيطاني ًا كركيزة أساسية من ركائز السيطرة والتحكم‪ ،‬ليس لألغوار فقط‪ ،‬وإنما‬
‫لمجمل الضفة الغربية‪ .‬وقد أدت هذه السياسات إلى تقليص عدد السكان في المحافظة‪،‬‬
‫وهي األقل سكان ًا بين المحافظات‪ ،‬رغم أنها األوسع مساحة‪ .‬وبحسب إحصاءات مركز‬
‫اإلحصاء الفلسطيني‪ ،‬فإن عدد الفلسطينيين في هذه المناطق ال يزيد على األربعين ألف‬
‫مواطن إال قليالً(‪ .((9‬وذلك كنتيجة مباشرة لسياسة الترانسفير الطوعي والحرمان التام من‬
‫أية استثمارات زراعية في المنطقة‪ .‬وكان آخر قرار عسكري باإلغالق قد صدر في تشرين‬
‫تسمى «سمزون» )‪ (Semzone‬أو‬ ‫األول‪/‬أكتوبر ‪ 2003‬يشير إلى المنطقة التي أصبحت َّ‬ ‫ّ‬
‫المنطقة المعزولة(‪.((9‬‬
‫يعرف الفلسطينيون بشكل جيد‪ ،‬وخصوص ًا في منطقة وسط الضفة الغربية‪ ،‬أحد‬
‫ضـبــاط األراض ــي المشهورين (مـيـخــا)‪ ،‬وهــو الـمـعــروف بضابط الـهــدم واإلغ ــاق الــذي‬
‫ٍ‬
‫أراض أو‬ ‫تو ّلي عملية المراقبة الدائمة والتفتيش شبه اليومي ألية عملية بناء أو استصالح‬
‫بناء بئر جمع‪ .. .‬فمع نهاية عام ‪ 2001‬شرع الجيش اإلسرائيلي في منطقة شمال غرب‬
‫القدس بواسطة هذا الضابط في اإلعالن عن مناطق مختلفة من مناطق الضفة بأنها مناطق‬
‫عسكرية مغلقة‪ ،‬واضع ًا الفتات حمراء على روافع حديدية تشير بإغالق هذه المناطق‪،‬‬
‫ومــا هي إال شهور حتّى تبين للمواطنين في بيت سوريك وبيت عنان وبــدو‪ ،‬مث ً‬
‫ال‪ ،‬أن‬
‫الغرض من هذه األوامر العسكرية كان التمهيد لبناء الجدار(‪.((9‬‬
‫‪ - 7‬الطرق االلتفافية كنظام سيطرة وتحكم‬

‫نظر ًا إلى أن المستوطنات هي أبلغ تعبير عن سياسة إسرائيل التي تدعوها‪ :‬فرض‬
‫الحقائق على أرض الواقع‪ ،‬فقد عمدت منذ توقيع اتفاقيات أوسلو عام ‪ ،1993‬وأوسلو‬
‫الثاني عــام ‪ ،1995‬بربط هــذه المستوطنات بشبكات مــن الـطــرق التي سميت بالطرق‬
‫االلـتـفــافـيــة‪ .‬وهــي الـتــي جــرى شقها بين عــامــي ‪ 1995‬و‪ 1997‬بـطــول ‪ 1270‬كــم على‬
‫(‪ ((9‬مركز اإلحصاء الفلسطيني (رام الله) (‪.)2009‬‬

‫ـص الـقــرار وإج ــراءات اإلغ ــاق فــي‪ :‬الحملة الشعبية لمقاومة الـجــدار‪ ،‬وقــائــع الــورشــة الخاصة‬
‫(‪ ((9‬ان ـظــر نـ ّ‬
‫بالعمل الشعبي لمقاومة الجدار‪ ،‬مركز العمل التنموي (‪ ،)2006‬ص ‪.29 - 27‬‬
‫ومحمد قنديل اللذين عمال في محافظة القدس ‪ -‬مكتب بدو ‪ -‬مكتب‬ ‫ّ‬ ‫محمد خالد الفقيه‬
‫ّ‬ ‫(‪ ((9‬مقابلة مع‬
‫المحافظة في تموز‪/‬يوليو ‪.2008‬‬
‫‪149‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مساحة أرضية تصل إلى ‪ 100‬كم‪ 2‬تقريب ًا‪ ،‬أي ما يعادل ‪ 1.6‬بالمئة من المساحة الكلية‬
‫للضفة الغربية(‪.((9‬‬
‫ووفق رؤية ديان الذي صاغ السياسة اإلسرائيلية في مناطق الضفة‪« :‬ليس ألن هذه‬
‫المستوطنات يمكن أن تضمن األمن أكثر من الجيش‪ ،‬بل ألنه من دونها لن نتمكن من‬
‫االحتفاظ بالجيش في تلك المناطق»(‪ .((9‬لقد أدت هذه الطرق وظيفتها الفعلية‪ ،‬وهي‬
‫ليست المتع ّلقة بأمن المستوطنين المارين فيها‪ ،‬وإنما تفكيك الضفة الغربية بشكل يعيق‬
‫قيام كيان فلسطيني قابل للحياة‪ .‬هــذه الطرق العنكبوتية التي أسست للنظام الهندسي‬
‫الــديـمـغــرافــي‪ ،‬والـتــي تــاشــت ال ـمــرور بالتجمعات الـعــربـيــة‪ ،‬قطعت األراض ــي الــزراعـيــة‪،‬‬
‫وفرضت ما يشبه أطواق مس ّيجة يستحيل بعدها التوسع في المعمار الحضري الفلسطيني‪.‬‬
‫البري) تصبح هذه الطرق‬ ‫وإذا ما أضيفت لموضعتها المكانية مداها البصري (حاضنها ّ‬
‫بمنزلة سكاكين فعلية ليس في األرض‪ ،‬وإنما في رقــاب الفالحين الفلسطينيين‪ .‬وهنا‬
‫يصبح لقول‪/‬تصريح مئير هار تسيون‪ ،‬أحد كبار ضباط الجيش اإلسرائيلي عام ‪،1979‬‬
‫معنى فعلي ًا‪« :‬أنا ال أقول إنه يجب أن نضع العرب في شاحنات لترحيلهم أو قتلهم‪ ،‬وإنما‬
‫يجب أن نستحدث وضـعـ ًا‪ ،‬بحيث ال يكون مــن المجدي لهم أن يعيشوا هنا‪ ،‬إ ّنـمــا أن‬
‫يرحلوا إلى أي دولة عربية أخرى»(‪.((9‬‬
‫‪ - 8‬دراسة ليف غرينبرغ حول الطرق االلتفافية‬

‫يعدّ الكتاب (الوثيقة) الذي كتبه ليف غرينبرغ (سالم متخيل) المادة التأسيسية لفهم‬
‫المدلول العام والدقيق لقراءة نقدية لهذا المشروع (الطرق االلتفافية) الذي شكل الخطوة‬
‫المركزية والحاسمة لبناء الجدار الفاصل عام ‪2002‬‏(‪ .((9‬وتقوم دراسته على مقولة‪ :‬أن‬
‫التجربة التاريخية لنشوء إسرائيل وتحديد حيزاتها اليهودية تميل دائم ًا إلى حسم شؤونها‬
‫بوسائل عنيفة‪ .‬وهذا يجعل من عملية الفصل التقطيعية بين العرب واليهود أشد عنف ًا من‬
‫تلك التي سادت في جنوب أفريقيا ضمن نظام الفصل العنصري‪ .‬لكن الفارق األساسي‬
‫بين التجربتين‪ ،‬أنه كان للبيض والسود في جنوب أفريقيا إطار أرضي طبيعي واحد حوى‬
‫(‪ ((9‬داوود حمودة‪ ،‬الرؤيا الصهيونية القتصاد الضفة الغربية (رام الله‪ :‬الحملة الشعبية لمقاومة جدار الفصل‬
‫العنصري‪ ،)2009 ،‬ص ‪.5 - 1‬‬

‫(‪ ((9‬نتسر‪« ،‬فيروس الكراهية‪ »،‬ص ‪.68‬‬
‫(‪ ((9‬مصالحة‪ ،‬أرض أكثر وعرب أقل‪ :‬سياسة الترانسفير اإلسرائيلية في التطبيق‪ ،1996 - 1949 ،‬ص ‪.83‬‬
‫(‪ ((9‬ليف غرينبرغ‪ ،‬سالم متخيل حول الخطاب‪ :‬الحدود‪ ،‬السياسة والعنف‪ ،‬ترجمة جواد الجعبري (رام الله‪:‬‬
‫المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.)2007 ،‬‬
‫‪150‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫العرقيين‪ .‬في المقابل‪ ،‬فإنه في الحالة القائمة في الضفة الغربية ال يوجد إطار واحد ٍ‬
‫حاو‬
‫يسمح بتخيل اليهود والعرب كجزء منه‪ .‬هنا يصبح الفصل العنصري أكثر عمق ًا وعنف ًا من‬
‫ذاك الذي ساد يوم ًا في النظام العنصري المنهار‪ ،‬ألنه هنا يوجد فصل قانوني وجغرافي‬
‫ال يسمح بالتالقي(‪.((10‬‬
‫ظهرت الطرق االلتفافية عندما وضع اتفاق أوسلو موضع التنفيذ‪ :‬كان السؤال في‬
‫إسرائيل‪ :‬كيف يمكن سحب الجيش وإعادة االنتشار مع ضمان أمن المستوطنين؟ وهنا‬
‫بدأ التسويف يأخذ مداه الذي ستظهر نتائجه بانتفاضة الفلسطينيين في مطلع عام ‪.2000‬‬
‫قالت المؤسسة األمنية المسؤولة الفعلية عن «المناطق» على لسان باراك‪« :‬إن أي أمر لن‬
‫يجبرنا‪ ،‬بما فيها هذه االتفاقيات‪ ،‬عن التخلي عن مسؤولية أمن اليهود في المستوطنات»‪،‬‬
‫أي أن المشكلة التي عرضها الجيش هي أنه ليس باإلمكان تخفيف قيود السيطرة على‬
‫الفلسطينيين مع ضمان أمــن المستوطنين‪ ،‬إذ إ َّنــه حتّى تلك اللحظة كانت أغلب طرق‬
‫المستوطنات تمر بمحاذاة المدن والقرى العربية‪ ،‬والخطر (اال ّدعاء اإلسرائيلي طبع ًا) هو‬
‫ما الذي سيحدث إذا كان الجيش غير موجود في هذه المدن العربية أو قريب ًا منها‪ .‬وعليه‪،‬‬
‫مع نهاية ‪ ،1995‬بدأ مشروع الطرق االلتفافية بأخذ مداه الجيوسياسي على األرض من‬
‫دون أن يؤخذ بعين االعتبار أدنــى مصلحة للطرف الفلسطيني في المكان‪ .‬وقــد أصبح‬
‫مدخل الطرق االلتفافية كوسيلة لحماية أمن المستوطنين وسيلة أكبر لمواصلة السيطرة‬
‫على الفلسطينيين‪ ،‬ولكن بتطور أكثر خنق ًا وعنف ًا(‪.((10‬‬
‫كان للمجالس اإلقليمية للمستوطنات في الضفة (أليشع‪ ،‬كارني‪ ،‬شمرون‪ ،‬ماطيه‪،‬‬

‫أفرايم‪ ،‬بنيامين‪ ،‬وغيرها) دور مركزي في ترسيم شبكات الطرق هذه التي القت قبو ً‬
‫ال‬
‫لدى رئيس الحكومة رابين‪ ،‬كوسيلة لضمان عدم تمردهم على التسوية التي ذهب إليها‬
‫حزب العمل‪ .‬وينعدم في الطرق هذه‪ ،‬التي قطعت الضفة إلى جيوب منفصلة‪ ،‬التواصل‬
‫اإلقليمي الذي خلق هرمية واضحة بين نوعين من السكان‪ ،‬بحيث يحظى المستوطنون‬
‫بأفضليات حياتية واضحة‪ ،‬مرتبطين ومدمجين بالمركز في الدولة العبرية‪ ،‬بثمن حشر‬
‫الفلسطينيين في هذه الجيوب الحرمانية‪.‬‬
‫ويحلل غرينبرغ هذا المشروع أيض ًا من زاوية أن خلق الكتل االستيطانية المرتبطة‬
‫بإسرائيل السيادية كان له مدلول سياسي‪ ،‬ليس للفلسطينيين فقط (تأبيد االستعمار)‪ ،‬وإنما‬
‫(‪ ((10‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.45‬‬

‫(‪ ((10‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.222‬‬
‫‪151‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أيض ًا للمجتمع اإلسرائيلي‪ .‬ويذهب هذا المدلول‪ ،‬بأنه على الرغم من خروج إسرائيل‬
‫من التجمعات السكانية العربية‪ ،‬وعلى الرغم من التوقف النسبي عن السيطرة المباشرة‬
‫على الفلسطينيين‪ ،‬إال أن إسرائيل لن تقوم عملي ًا باالنسحاب من هذه التجمعات العربية‪.‬‬
‫وف ــي اإلط ــار ال ـعــام لـهــذه ال ـط ــرق‪ ،‬وف ــي حاضنتها ال ـمــاديــة واألم ـن ـيــة‪ ،‬فــإنـهــا أم ــدّ ت‬
‫المستوطنات بفائض ضخم من األراضي لتوسيعها في نطاق الح ّيزات األرضية الواقعة‬
‫في نطاق هذه الطرق‪ ،‬وبصفة خاصة تلك المستوطنات المتاخمة للخط األخضر‪ ،‬بهدف‬
‫الخط نهائي ًا(‪ ،((10‬مع ضمان الحدّ األعلى من األرض‪ ،‬والحدّ األقصى من‬ ‫ّ‬ ‫طمس هذا‬
‫المستوطنين‪ ،‬وبــالـحــدّ األدن ــى مــن السكان الـعــرب ضمن الـصــورة المشهدية للمشروع‬
‫االستيطاني(‪.((10‬‬
‫ومن المفيد فقط أن نشير إلى أن هذه الطرق التي في العادة تحمل تسميات رقمية‪،‬‬
‫المسمى اآلن‬
‫ّ‬ ‫مثل شــارع عابر الضفة الغربية (عابر السامرة)‪ ،‬وطريق اللطرون القديم‬
‫«شارع ‪ ،»443‬وشارع القدس ‪ -‬تل أبيب‪ ،‬والشارع رقم ‪ 35‬الذي يربط بين كتلة غوش‬
‫عتصيون وغــور األردن‪ ،‬والـطــريــق الــرقــم ‪ ،60‬وال ـشــارع الــرقــم ‪ ،90‬وطــريــق ألــون شرق‬
‫نابلس(‪.((10‬‬
‫اعتقد الخبير الهندسي في البنية التحتية وإعمار المدن (األستاذ في جامعة حيفا) أن‬
‫وسهلت‬
‫مشروع الطرق االلتفافية شكّل اللبنة األساس والخطوة االستراتيجية التي قادت ّ‬
‫بناء الجدار‪ ،‬بعد ربط غالبية المستوطنات بداخل إسرائيل‪ .‬وفي الوقت ذاته‪ ،‬نتيجة حالة‬
‫التشظية التي أحدثتها في أرض الضفة‪ ،‬فإنها منعت إقامة دولة فلسطينية ذات سيادة غرب‬
‫نهر األردن في فلسطين االنتدابية‪ ،‬ووضعت حد ًا لخلق غالبية غير يهودية كبيرة في أي‬
‫ح ّيز من فلسطين المحتلة‪ ،‬ومنعت خلق تواصل جغرافي وقومي إثني غير يهودي يمكنه‬
‫من المطالبة باالنفصال الجيوسياسي عن إسرائيل(‪.((10‬‬
‫(‪ ((10‬شموئيل أمير‪« ،‬انفصال لتعميق االحتالل‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/1/11 ،‬‬

‫(‪ ((10‬عوزي بنزيان‪ ،‬في‪ :‬هآرتس‪.2004/2/27 ،‬‬

‫(‪ ((10‬بيسان عــدوان‪« ،‬خ ّطة الفصل ليست جديدة‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 277‬أيار‪/‬مايو ‪،)2001‬‬
‫ص ‪.85‬‬
‫(‪ ((10‬راســم خمايسي‪« ،‬شبكة الطرق في خدمة السيطرة اإلسرائيلية على األرض‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد‬
‫‪( 4‬خريف ‪ ،)2001‬ص ‪.77‬‬
‫‪152‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ص‬ ‫لف‬
‫ل‬
‫ا ل الثا ث‬
‫األبعاد االستراتيجية للجدار‬

‫العنصري في الرؤية اإلسرائيلية‬
Copyright © 2015.
153
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
154
‫أوالً‪ :‬مرتكزات السياسة اإلسرائيلية في الضفة الغربية‬

‫تتداخل الجغرافية بالديمغرافيا في السياسة اإلسرائيلية إزاء األرض المحتلة في‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬بحيث ال يمكن التعاطي مــع إحداهما دون األخ ــرى‪ .‬فمنذ أن أخــذت‬
‫الجرافات اإلسرائيلية بإزالة قرى اللطرون الثالث (بيت نوبا‪ ،‬ويالو‪ ،‬وعمواس) الواقعة‬
‫غــربــي مدينة رام الـلــه والمتاخمة للخط األخـضــر‪ ،‬وإزال ــة حــي بــاب المغاربة فــي مدينة‬
‫الـقــدس‪ ،‬وكــذلــك اتـخــاذ حكومة ليفي أشـكــول (ح ــزب العمل) ق ــرار ًا بــالـشــروع فــي بناء‬
‫مستوطنة كفار عتصيون‪ ،‬واإلعــان عن ضم مدينة القدس؛ منذ تلك اللحظة ارتسمت‬
‫بشكل واضح السياسة اإلسرائيلية في هذه األرض التي اعتبر احتاللها بمنزلة تطابق بين‬
‫إسرائيل السيادية وإسرائيل التوراتية‪ .‬وبالمعنى الدقيق‪ ،‬لقد و ّلــى زمــن الخط األخضر‬
‫لتصبح الضفة الغربية بما فيها القدس فضا ًء رحب ًا لكل طقوس االستيطان الكولونيالي‬
‫اإلحاللي المعروف(((‪.‬‬
‫(((‬
‫«الالهوت في األعالي يدير الحياة السياسية على هذه األرض»‬ ‫●‬
‫اعتبرت التشكيالت اإلسرائيلية المختلفة‪ ،‬سواء في إطارها العلماني أو الديني‪ ،‬أن‬

‫اكتمال السيادة اإلسرائيلية على فلسطين التاريخية‪ ،‬ودخول «اليهود» إلى القدس‪ ،‬كان‬
‫بغض النظر عن مضمونها‬ ‫إصالح ًا لخطأ تاريخي حدث عام ‪ .1948‬تحت هذه السيادة‪ّ ،‬‬
‫المدني‪ ،‬أو العلماني أو العسكري‪ ،‬فقد شكّلت المرجعية الدينية (الهالخاه) ركن ًا بنيوي ًا‬
‫معمق ًا جــد ًا لمشروع الضم الزاحف لألراضي والترانسفير (الـطــرد) المتزحزح للعرب‬ ‫ّ‬
‫من فلسطين‪ .‬وفي هذه الحاضنة العسكرية انطلقت العديد من المنظمات االستيطانية‬
‫‪Nicholas Guyatt, The Absence of Peace: Understanding the Israeli-Palestinian Conflict‬‬ ‫)‪(1‬‬
‫‪(London: Zed Books, 2001), pp. 127-130.‬‬
‫((( العبارة التي اقتبست كعنوان‪ ،‬هي من كتاب األديب الفلسطيني مريد البرغوثي الذي عاد إلى البالد بعد‬
‫عملية أوسلو وهاله ما رأى من تخريب للمشهد الطبيعي الفلسطيني‪ .‬انظر‪ :‬مريد البرغوثي‪ ،‬رأيت رام الله (بيروت؛‬
‫الدار البيضاء‪ :‬المركز الثقافي العربي‪ ،)1997 ،‬ص ‪.187‬‬
‫‪155‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الدينية‪ ،‬وكان من أهمها حركة غوش إيمونيم‪ ،‬التي بتعاليم حاخامها تسفى يهودا كوك‬
‫دارت طاحونة االستيطان‪« :‬لخالق العالم سياسته الخاصة التي تــدار بواسطة سياسة‬
‫أرضية‪ ،‬ومطلوب من السياسة األرضية احتالل البالد واالستيطان فيها كجزء من عملية‬
‫ال ـخــاص‪ ،‬ونـفــذت السياسة األرض ـيــة بـنــاء على ق ــرار ص ــادر عــن السياسة الــربــانـيــة التي‬
‫ال تقدر عليها أية سياسة أرضية»(((‪.‬‬
‫كان الربط المحكم بين القيم الصهيونية والتعاليم الدينية اإللهية هو اإلطار العام‬
‫الـحــاكــم لـلـمـشــروع االسـتـيـطــانــي ال ــذي حـظــي بــإجـمــاع شـبــه ت ــام عـنــد األوسـ ــاط السياسية‬
‫الفاعلة في إسرائيل‪ ،‬فــأول المستوطنات بنيت في عهد حكومة المعراخ (العمل)‪ ،‬أما‬
‫ازده ــاره ــا وانـتـشــارهــا فـتـ ّـم فــي عهد حـكــومــات الليكود (‪ .)1977‬وأم ــا المسؤولية عن‬
‫تسمينها وترسيخها‪ ،‬ثم إحاطتها بالجدار وربطها مع الدولة‪ ،‬فقد أخذته على عاتقها كل‬
‫بغض النظر عمن كان فيها‪ ،‬الحزب الحاكم أو المؤتلف مع غيره(((‪.‬‬ ‫الحكومات‪ّ ،‬‬
‫‪ - 1‬األهداف العليا للسياسة االستيطانية في الضفة العربية‬

‫كانت منظومة أهــداف المشروع االستيطاني في الضفة الغربية مختمرة في العقل‬
‫الصهيوني قبل وضع أول لبنة في أول وحدة سكنية في الضفة الغربية‪:‬‬
‫أ ‪ -‬جعل القدس عاصمة أبدية إلسرائيل‪ ،‬وجزء ًا ال يتجزأ من السيادة اإلسرائيلية‪،‬‬

‫وتحقيق تفوق سكاني يهودي فيها‪ ،‬مع ما يتضمن ذلك من خلخلة المجتمع الفلسطيني‬
‫في المدينة بكل الوسائل التي سنستعرض إطارها العام في الصفحات التالية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إلـغــاء اتفاقيات الـهــدنــة‪ ،‬وعملي ًا بعد االحـتــال أصبحت االتفاقيات منتهية‬

‫الصالحية‪ ،‬أي محو الخط األخضر كحدود شبه سيادية للدولة العبرية‪ ،‬وعدم العودة إلى‬
‫هذه الحدود ضمن أي شكل من أشكال التسوية التي قد تتحقق في المستقبل‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تخفيض عــدد الـسـكــان الـعــرب فــي هــذه الـمـنــاطــق‪ ،‬والحيلولة دون أيــة حالة‬
‫استقرار مجتمعي‪ ،‬عبر سلسلة المتناهية من الوسائل القمعية واإلج ــراءات التهجيرية‪،‬‬
‫((( عقيبا إلدار وعوديت زرطال‪ ،‬أسياد البالد المستوطنون ودولة إسرائيل‪ ،2004 - 1967 ،‬ترجمة عليان‬
‫الهندي (رام الله‪ :‬مؤسسة باب الواد‪ ،)2006 ،‬ص ‪ ،268‬وجمعة رجب طنطش‪ ،‬دراسات في جغرافية االستيطان‬
‫الصهيوني في فلسطين وتهويد القدس (بنغازي‪ :‬دار الشموع الثقافة‪ ،)2003 ،‬ص ‪.140 - 135‬‬
‫)‪Arab Studies Society, The Segregation Wall and Israeli Settlements in Hebron (Jerusalem: Land (4‬‬
‫‪Reserch Center, 2006), pp. 5-7.‬‬
‫‪156‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مــع العلم أنــه قــد غ ــادر خــال حــرب ‪ 1967‬أكـثــر مــن ‪ 350‬ألــف مــواطــن‪ .‬وبسبب هذه‬
‫اإلجــراءات‪ ،‬استمرت عمليات التهجير الفردي والجماعي‪ ،‬ويقدر عدد الذين هاجروا‬
‫من الضفة الغربية خالل الفترة (‪ )1993 - 1967‬أكثر من ‪ 500‬ألف آخرين‪ ،‬غير أولئك‬
‫الذين هاجروا بنتيجة الحرب المباشرة‪.‬‬
‫د ‪ -‬تفكيك البناء الجغرافي بزرع المستوطنات كفيل بوضع حدّ نهائي لقيام كيان‬
‫فلسطيني غربي النهر(((‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬خلق حاجز مادي استيطاني في منطقة المنحدرات الغربية والشمالية والجنوبية‬
‫يحول بشكل نهائي دون التالقي‪ ،‬أو أي تماس بين «سكان المناطق» والعرب في األرض‬
‫المحتلة‪ ،‬لضمان عدم خلق كتل عربية كبرى في شمال إسرائيل ووسطها وجنوبها‪.‬‬
‫‪ - 2‬خالصة السياسة اإلسرائيلية‪« :‬الوقائع على األرض»‬

‫حط الجيش اإلسرائيلي أولى قواعده في الضفة الغربية‪ ،‬انفتحت األرض‬ ‫منذ أن ّ‬
‫أمام خبراء اإلسكان واألمن والمياه والبيئة واآلثار والطرق والبنية التحتية‪ .‬كما انفتحت‬
‫األرض أم ــام خـبــراء التهجير (يــوســف فايتس) وعلماء ال ـتــوارة واألنـثــروبــولــوجـيــا وعلم‬
‫االجتماع والسياسة‪ ،‬وعلم النفس وخبراء التحقيق‪ ،‬وخبراء الحكم العسكري والقانون‪.‬‬
‫ومنذ لحظة االحتالل‪ ،‬أصبحت الضفة مشاع ًا لكل رجال األعمال والمستثمرين وخبراء‬
‫العقارات والمقاولين والمهندسين وخبراء الخرائط والمساحات والمناطق االستراتيجية‪،‬‬
‫تمام ًا كأنها الغرب األمريكي أو الجنوب األفريقي‪ ،‬كل من حيث يليه ويعنيه‪ ،‬وكل يتقابل‬
‫مع اآلخر حتى عندما يتعلق األمر بالتزوير والسرقة واالستيالء غير المشروع‪ ،‬فإن الدولة‬
‫جاهزة للتغطية واختالق القوانين أو إحياء قوانين عثمانية أو إنكليزية أو أردنية وإلهية‬
‫أيض ًا لتبرير أي فعل على األرض(((‪.‬‬
‫لم تأبه إسرائيل لكل االنتقادات واإلدانات الدولية األممية أو اإلقليمية التي جر ّمت‬
‫أعمالها وانتهاكاتها ألبسط حقوق اإلنسان‪ ،‬والتفاقيات جنيف الرابعة المتعلقة باألرض‬
‫((( أح ـيــل الباحثين وال ـقـ ّـراء إلــى أهــم ثــاثــة مــراجــع مو ّثقة بشكل دقـيــق لمشروع االستيطان وأهــدافــه العليا‬
‫المتداخلة‪ .‬انظر‪ :‬إلدار وزرطــال‪ ،‬أسياد البالد المستوطنون ودولة إسرائيل‪2004 - 1967 ،‬؛ نور الدين مصالحة‪،‬‬
‫إسرائيل الكبرى والفلسطينيون‪ :‬سياسة التوسع‪( 2006 - 1967 ،‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪،)2001 ،‬‬
‫وشلومو غــازيــت‪ ،‬الطعم في المصيدة‪ :‬السياسة اإلسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غــزة‪ :‬من ‪،1997 - 1967‬‬
‫ترجمة عليان الهندي (رام الله‪ :‬مؤسسة باب الواد‪.)2001 ،‬‬
‫((( انظر‪ :‬رجا شحادة وجوناثان كتاب‪ ،‬الضفة الغربية وحكم القانون (بيروت‪ :‬دار الكلمة‪.)1982 ،‬‬
‫‪157‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الفلسطينية المحتلة‪ .‬وقد أحصت اللجنة الخاصة المكلفة من فلسطين بخصوص فتوى‬
‫الجدار العازل ضمن المرافعة أمام المحكمة الدولية بخصوص الجدار‪ 40 ،‬قرار إدانة‬
‫إلسرائيل منذ عام ‪ ،1967‬وكذلك ‪ 26‬قرار ًا من مجلس األمن يطالب إسرائيل باالمتثال‬
‫التفاقية جنيف الرابعة التي توجب عليها عدم العبث بجغرافية المكان أو نقل مواطنيها‬
‫إليه أو أي شكل من أشكال القمع أو االضطهاد للسكان الواقعين تحت االحتالل(((‪.‬‬
‫لم تتوقف إسرائيل‪ ،‬جراء الموقف الدولي العام‪ ،‬إزاء هذه السياسات االقتالعية‪،‬‬
‫بل على العكس‪ ،‬كلما اقتربت إسرائيل من إتمام مشروعها التهويدي للمكان‪ ،‬ازدادت‬
‫بغض النظر عن‬ ‫جرافاتها سرعة في التنفيذ‪ ،‬وازداد مشروعها تسارع ًا نحو االكتمال‪ّ ،‬‬
‫وبغض النظر عن االتفاقيات الموقعة مع الجانب الفلسطيني‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إدانــة المجتمع الدولي‪،‬‬
‫مثل أوسلو وما تاله‪ .‬فبعد توقيع اتفاق أوسلو وملحقاته (‪ ،)1995 - 1993‬وتسارعه‬
‫بشكل خاص بعد مذكّرة واي ريفر (‪ ،)1998‬تضاعف العمل االقتالعي بكل الوسائل‬
‫التي اختبرها الفلسطينيون جيد ًا قبل هذه المرحلة‪.‬‬
‫‪ - 3‬سؤال األرض والسكان في الضفة الغربية‬

‫كانت المشكلة ال ـكــأداء التي واجهتها إســرائـيــل فــي األراض ــي المحتلة هــي الثقل‬
‫السكاني العربي فيها الذي جاوز المليون إنسان‪ .‬لذلك كان الوجود البشري الفلسطيني‬
‫هــو الـعــامــل األب ــرز لـعــدم ضـمـهــا‪ ،‬باستثناء ال ـقــدس (لخصوصيتها الـمـعــروفــة فــي العقل‬
‫الـصـهـيــونــي)‪ .‬وح ــول مستقبل ه ــذه الـمـنــاطــق ال ــذي صــاغــه ح ــزب الـعـمــل‪ ،‬فـقــد عــارض‬
‫وزيــر الدفاع موشيه ديــان بشدّ ة كل حل يحمل في طياته ضم مليون ومئتي ألــف عربي‬
‫إلى حــدود إسرائيل السيادية‪« :‬إذا طلب من إسرائيل االختيار بين استيعاب العرب في‬
‫أفضل ضياعها»(((‪ .‬وهنا تواكبت‬ ‫إسرائيل مقابل ضمان السيطرة على الضفة الغربية‪ ،‬فإني ّ‬
‫مجموعة من الرؤى‪ ،‬كان أهمها مشروع يغال ألون الذي يفترض السيطرة االستراتيجية‬
‫العسكرية الطويلة األم ــد‪ ،‬مــع حــريــة االسـتـيـطــان‪ ،‬وضــم غــور األردن وال ـقــدس والـتــال‬
‫((( إج ــراءات اإلفتاء بشأن اآلثــار القانونية لبناء الجدار في األرض المحتلة (القدس‪ :‬المجلس االقتصادي‬
‫الفلسطيني ‪ -‬بـكــدار‪ ،)2004 ،‬ص ‪ .903‬وانظر أهــم مراجع األوامــر العسكرية اإلسرائيلية‪ :‬عبد الـجــواد صالح‪،‬‬
‫(عمان‪ :‬المؤلف‪ ،)1984 ،‬ودافيد هيرست‪ ،‬البندقية وغصن الزيتون‪ :‬جذور‬ ‫األوامــر العسكرية اإلسرائيلية‪ 4 ،‬ج ّ‬
‫العنف في الشرق األوســط‪ ،‬ترجمة عبد الرحمن إيــاس (بـيــروت‪ :‬ريــاض الريس للكتب والنشر‪ ،)2003 ،‬الفصل‬
‫السادس‪ :‬اغتصاب الضفة الغربية‪.‬‬

‫((( غــازيــت‪ ،‬الطعم في المصيدة‪ :‬السياسة اإلسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غــزة‪ :‬من ‪،1997 - 1967‬‬
‫‪Henry Cattan, The Palestine Question (London: Saqi Books, 2000), pp. 208-211.‬‬ ‫ص ‪ ،163‬و‬
‫‪158‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الغربية والشمالية من الضفة‪ ،‬تمهيد ًا ألية تسوية مستقبلية‪ ،‬تنطوي في جوهرها على ما‬
‫يقضي باستحالة العودة إلى حدود خط الهدنة‪ ،‬أو أن يكون القرار الرقم (‪ )242‬مرجعية‬
‫وحيده للتسوية السياسية‪ ،‬سواء مع األردن كخيار استمر مطروح ًا حتى عام ‪ ،1988‬أو‬
‫مع الجانب الفلسطيني من خالل منظمة التحرير الفلسطينية(((‪ .‬وجاء حزب الليكود (عام‬
‫‪ )1977‬إلــى السلطة ليؤسس حالة اقـتــراب كبرى مــن حــزب العمل قامت على أســاس‬
‫السيطرة الدائمة على األرض‪ ،‬مع منح الفلسطينيين ما أطلق عليه نظام أتونوميا (حكم‬
‫ذاتي)‪ ،‬بحسب قول مناحيم بيغن‪ ،‬تحت السيطرة الكلية األبدية إلسرائيل‪.‬‬
‫لقد أتاح المدى والفضاء المفتوح في الضفة الغربية والقدس إلسرائيل استزراع أكثر‬
‫من ‪ 180‬موقع ًا استيطاني ًا منذ الفترة (‪ .)1993 - 1967‬كما أن حق التضحية باآلخر‪،‬‬
‫جعل إسرائيل تنقل حتى تلك اللحظة أكثر من ‪ 120‬ألف مستوطن‪ .‬وجاءت لحظة أوسلو‬
‫وسياقها الدولي المعروف بانتهاء الحرب الباردة‪ ،‬واختفاء النظام الثنائي القطبية‪ ،‬بالتوازي‬
‫مع ضعف النظام اإلقليمي العربي‪ ،‬وحاجة الواليات المتحدة االستراتيجية إلى لتحقيق‬
‫اختراق سياسي كبير في الشرق األوسط في ضوء الموقف العربي الذي دعم أمريكا في‬
‫حربها في الخليج (عام ‪ ،)1990‬لتؤسس لمشروع تسوية يمكّن للواليات المتحدة من‬
‫تعميق شرعيتها الدولية كقوة دولية أحادية قادرة ومقتدرة على إحداث ترتيبات سياسية في‬
‫منطقة الشرق األوسط(‪ ،((1‬األمر الذي جعل إسرائيل (حكومة شامير) تأتي على مضض‪،‬‬
‫بعد ضغوط هائلة من وزير الخارجية بيكر‪ ،‬والرئيس األمريكي بوش (األب)‪ ،‬إلى مؤتمر‬
‫مدريد‪ ،‬الذي كان مقدمة لتحقيق انطالقة أوسلو عام ‪ ،1993‬ثم اتفاق المرحلة االنتقالية‬
‫(أيلول‪/‬سبتمبر ‪ )1995‬بعد تولي رابين (العمل) الحكومة عام ‪.1993‬‬
‫((( دان شفتان‪ ،‬الفصل اإلجباري بين إسرائيل والكيان الفلسطيني‪ ،‬ترجمة أحمد أبو هدبة (بيروت‪ :‬مركز‬
‫باحث للدراسات‪ ،)2004 ،‬ص ‪.21 - 18‬‬
‫(‪ ((1‬انـظــر‪ :‬محمود عباس (أبــو م ــازن)‪ ،‬طريق أوسلو‪ :‬موقع االتفاق يــروي األســرار الحقيقية للمفاوضات‬
‫(بيروت‪ :‬شركة المطبوعات للنشر‪.)1994 ،‬‬
‫قسمت اتفاقية ترتيبات الحكومة الذاتية االنتقالية (واشنطن) ‪ 28‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪ ،1995‬المناطق المحت ّلة في‬ ‫ّ‬
‫الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬باستثناء القدس‪ ،‬التي ستكون ضمن قضايا المرحلة النهائية‪ ،‬إلى ثالث مناطق جغرافية‬
‫التجمعات الفلسطينية الكبرى (الـمــدن والـبـلــدات الـكـبـيــرة)‪ ،‬وتـتــو ّلــى السلطة‬
‫ّ‬ ‫هــي‪ :‬المنطقة (أ)‪ :‬الـتــي تتركّز فيها‬
‫الفلسطينية فيها كامل صالحيات األمن الداخلي‪ ،‬وتتمتّع بصالحيات مدن ّية واسعة وتشكل ما نسبته ‪ 17‬بالمئة من‬
‫مساحة الضفة الغربية‪ ،‬دون تواصل جغرافي سيادي فيما بينها‪ ،‬وهي خاضعة ومحاطة من مداخلها بالحواجز األمنية‬
‫اإلسرائيلية‪ .‬المنطقة (ب)‪ :‬تكون السيطرة فيها مشتركة (حيث تتو ّلى السلطة الوطنية الفلسطينية المسؤولية المدنية‪،‬‬
‫وتتو ّلى إسرائيل المسؤولية األمنية)؛ المنطقة (ج)‪ :‬تبقى السيطرة فيها إلسرائيل وتشمل المستوطنات اإلسرائيلية في‬
‫الضفة الغربية‪.‬‬
‫‪159‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ولــم تــؤد انطالقة أوسلو واتفاق المرحلة االنتقالية إلــى أي مظهر جــدّ ي لوقف‬
‫االستيطان فــي الضفة أو تهويد الـقــدس‪ ،‬مــع أن الـمــادة الثانية مــن االتـفــاق االنتقالي‬
‫ـصــت ع ـلــى اآلتـ ــي‪« :‬ال ي ـقــدم أي م ــن ال ـطــرف ـيــن ع ـلــى أي ــة إجـ ـ ــراءات تــؤثــر ف ــي نتيجة‬
‫نـ ّ‬
‫م ـفــاوضــات ال ــوض ــع الـنـهــائــي ال ـتــي سـتـعـتـمــد قـ ــراري مـجـلــس األم ــن الــرقـمـيــن (‪)242‬‬
‫و(‪ )338‬كمرجعية لهذه المفاوضات‪ ،‬واللذين يـشــدّ دان على عــدم جــواز االستيالء‬
‫على األرض بالقوة(‪.((1‬‬
‫‪ - 4‬أسطورة ليس هناك شريك فلسطيني‬

‫قبل أن ينتهي مؤتمر كامب ديفيد (عام ‪ )2000‬إلى ما انتهى إليه‪ ،‬أدمنت إسرائيل‬
‫تــرديــد ش ـعــار‪« :‬ال يــوجــد ش ــري ــك»‪ .‬وم ــن حـيــث الـجــوهــر (اإلس ــرائ ـي ـل ــي)‪ ،‬فــإنــه ال يوجد‬
‫شريك فلسطيني‪ ،‬ألن هذا الفلسطيني بقي غير مرئي في المشهد الجغرافي وفي العمل‬
‫الصهيوني من حيث المبدأ‪ .‬فمنذ توقيع إعالن المبادئ حتى عام ‪ 2000‬ارتفعت نسبة‬
‫المستوطنين في الضفة والقدس بمعدل ‪ 35‬بالمئة‪ .‬فقد ارتفع الرقم من ‪ 268.000‬إلى‬
‫‪ 360.000‬مستوطن‪ .‬وسجلت نسبة النمو السكاني في المستوطنات ‪ 7‬بالمئة قياس ًا‬
‫بمعدل النمو السكاني في إسرائيل الــذي تــراوح بين ‪ 3 - 2‬بالمئة‪ .‬وفــي اإلطــار نفسه‪،‬‬
‫ارتفعت حصيلة مصادرة األراضي بشكل غير مسبوق‪ ،‬فقد تم اإلعالن في هذه المرحلة‬
‫عن مصادرة ‪ 25.000‬دونــم‪ ،‬وجــرى هــدم مئات المنازل واقتالع آالف األشـجــار‪ ،‬في‬
‫ال غير مسبوق‪ ،‬بحيث جرى‬ ‫حين شهد مستوى التهويد لمدينة القدس حدة وعمق ًا وشمو ً‬
‫إغالق المدينة أمام حملة هوية الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ،‬تمهيد ًا للفصل النهائي والتام‬
‫الذي سنتناوله في المباحث التالية من الدراسة(‪.((1‬‬
‫‪ -‬االنـتـقــال مــن تـســويــة «ال ـن ــزاع» إل ــى إدارتـ ــه‪ :‬تـشـ ّكــل مـقــولــة «ال يــوجــد شــريــك»‬
‫الـشـيـفــرة ال ـتــي ُب ـنَــي عـلـيـهــا م ــوض ــوع الـفـصــل األح ـ ــادي (الـ ـج ــدار) ف ــي الـضـفــة وإخ ــاء‬
‫المستوطنات في قطاع غــزة عــام ‪ ،2005‬بعد إغالقها بإحكام بواسطة جــدار تجاوز‬
‫طوله ‪ 80‬كلم كان قد انتهى العمل به في مطلع التسعينيات من القرن العشرين‪ .‬ويعدّ‬
‫(‪ ((1‬اتفاق المرحلة االنتقالية‪ ،‬المواد ‪ 3 ،2 ،1‬حول ترتيبات الحكم الذاتي االنتقالي‪ ،‬وتقرير دائرة شؤون‬
‫المفاوضات (رام الله) (‪.)2008‬‬

‫(‪ ((1‬تـقــريــر دائ ــرة شــؤون المفاوضات (رام الـلــه‪ :‬منظمة التحرير الفلسطينية ‪ -‬وحــدة دعــم المفاوضات‪،‬‬
‫‪ ،)2008‬ص ‪ ،9 - 8‬وي ـع ـقــوب بــارس ـي ـم ـن ـطــوف وك ــوب ــي مـيـخــائـيــل‪ ،‬االن ـت ـقــال م ــن ت ـســويــة الـ ـص ــراع إل ــى إدارت ـ ــه‪،‬‬
‫‪ ،2004 - 2000‬تقديم وترجمة أنطوان شلحت (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مــدار‪،‬‬
‫‪ ،)2005‬ص ‪.24 - 22‬‬
‫‪160‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫هذا الفعل مقدمة منطقية أخرى إلدارة الصراع من جانب واحد‪ .‬وقد جاءت المقولة‬
‫هذه نتيجة عدم إحراز تسوية بالشروط اإلسرائيلية التي رفضها عرفات‪ .‬واعتبر رفض‬
‫عــرفــات لـلــرؤيــة اإلســرائـيـلـيــة الـمـطــروحــة إزاء الــاجـئـيــن‪ ،‬والـمـسـتــوطـنــات‪ ،‬وال ـقــدس‪،‬‬
‫والـمـيــاه‪ ،‬إثـبــاتـ ًا وإدان ــة للفلسطينيين لـعــدم القبول بتسوية تــؤدي إلــى إح ــراز حـ ّـل على‬
‫أساس دولتين لشعبين(‪.((1‬‬
‫وقد أدى تغ ّير النظام السياسي في شباط‪/‬فبراير ‪ ،2003‬وصعود شارون إلى رأس‬
‫الدولة في إسرائيل‪ ،‬إلى التحول في ُأطر ومستويات وأبعاد العالقة التي بدأت منذ مطلع‬
‫التسعينيات من القرن العشرين‪ .‬فقد ورث شارون تقييمات حزب العمل (باراك) بالنسبة‬
‫إلى عدم نضوج الفلسطينيين لتسوية النزاع ومسؤوليتهم عن فشل العملية السياسية‪ .‬وعن‬
‫غياب شريك فلسطيني الئق لهذه العملية السياسية‪ ،‬جرى تحديد الهدف المتمثل بتغيير‬
‫مبنى تفكير الفلسطينيين الذين رفضوا اإلمالءات اإلسرائيلية من جانب‪ ،‬ومن جانب ٍ‬
‫ثان‪،‬‬
‫سمي بلغة الخطاب األمني والسياسي إلى «العنف» الذي تمثل‬ ‫عودة الفلسطينيين إلى ما ّ‬
‫باندالع االنتفاضة في ‪ 28‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪.2000‬‬
‫سمى‬ ‫لقد أطلق على عملية االنتقال من تسوية النزاع إلى إدارتــه في إسرائيل ما ُي ّ‬
‫بـ «كي وعي الفلسطينيين»‪ ،‬وكانت عملية كي الوعي التي أصابت بلسعتها الحارقة كل‬
‫فلسطيني في المشهد العام‪ ،‬الدعامة األولــى واالستراتيجية لسياسة شــارون التي بدأت‬
‫باجتياح المدن‪ ،‬وتقويض السلطة‪ ،‬وتدمير البنية التحتية للشعب الفلسطيني وللسلطة‬
‫الفلسطينية التي اعتبرت شريكة في اإلرهاب‪ .‬جاء شارون إلى رأس الدولة في إسرائيل‪،‬‬
‫ليقوضها بفعل ما أطلق عليه‪:‬‬ ‫وهو الذي كان من حيث المبدأ ضد كل العملية السياسية ّ‬
‫«االنفصال من جانب واحــد»‪ .‬جاء ولديه محفظة تاريخية تبدأ من مقولة بالعنف وحده‬
‫يمكن تحقيق حدود إسرائيل‪ ،‬وبالعمل األحادي الجانب يمكن ضم الكتل االستيطانية‬
‫إلى الدولة‪ .‬وهي كتل المستوطنات التي كان مهندسها األبرز منذ عام ‪ 1977‬عندما ع ّين‬
‫من قبل مناحيم بيغن مستشار ًا لرئاسة الوزراء لشؤون االستيطان(‪.((1‬‬
‫‪Ahmed Qurie (Abu Ala’), Beyond OSLO: The Struggle for Palestine: Inside the Middle East‬‬ ‫)‪(13‬‬
‫‪Peace Process from Rabin’s Death to Camp David (London: IB Tauris, 2008), pp. 161-176.‬‬
‫(‪ ((1‬عاموس هرئيل وآفي يسخروف‪ ،‬الحرب السابعة‪ ،‬ص ‪ ،326 - 325‬ونادية محمود مصطفى وأمجد‬
‫محرران‪ ،‬التسوية اإلسرائيلية الفلسطينية‪ :‬من خبرة كامب ديفيد ‪ 2‬إلى خبرة خطة شارون أحادية الجانب وما‬
‫جبريل‪ّ ،‬‬
‫بعد عرفات‪ :‬المسارات والدالالت واآلفاق‪ ،‬سلسلة شؤون إسرائيلية وفلسطينية؛ ‪( 8‬القاهرة‪ :‬جامعة القاهرة‪ ،‬مركز‬
‫البحوث والدراسات السياسية‪ ،)2005 ،‬ص ‪.116 - 115‬‬
‫‪161‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪ - 5‬القبضة الحديدية وتصاعد العنف اإلسرائيلي‬
‫اعتمدت األسطورة األمنية التي ش ّيد عليها مشروع الجدار‪ ،‬بصفة أساسية‪ ،‬العملية‬
‫الفدائية في مفرق كفاريونا (بيت ليد) في عام ‪ ،1995‬ليبدأ تاريخ مشروع الجدار من‬
‫لحظتها‪ .‬وقــد طبعت المؤسسة اإلسرائيلية في ذهــن العالم أن مشروعها االستراتيجي‬
‫األض ـخــم قــد ج ــاء عـلــى خلفية مــا وص ــف بالعمليات الـمـسـ ّـمــاة وف ــق م ـصــادر تسمياتها‬
‫المختلفة‪« :‬التخريبية»‪ ،‬و«التفجيرية»‪ ،‬و«االنتحارية»‪ ،‬و«اإلرهابية»‪ ،‬و«االستشهادية»‪،‬‬
‫أو الفدائية‪ .‬ورغم أن الجدار عملي ًا‪ ،‬كحالة إغالق‪ ،‬بدأ قبل أن تشهد إسرائيل أية تهديد‬
‫لمنظومتها األمـنـيــة‪ ،‬فــالـجــدار بــوشــر بــه كمنعطف استراتيجي مــن لحظة اإلغ ــاق التام‬
‫للقدس منذ عــام ‪ ،1991‬ثــم مــن خــال مـشــروع الـطــرق االلتفافية قبل مــا سـ ّـمــي بــإعــادة‬
‫االنتشار منذ عام ‪1994‬‏(‪.((1‬‬
‫قــال رئـيــس إدارة الفصل فــي الجيش اإلســرائـيـلــي الـســابــق عيبال جـلـعــادي‪ ،‬الــذي‬
‫شكّل مع آخرين من كبار الضباط في الجيش (دانــي تريزا‪ ،‬وموشي شاحل‪ ،‬وآخــرون)‬
‫أعمد ًة لمشروع الجدار‪ ،‬في حــوار مع صحيفة معاريف‪« :‬ولــدت خطة الجدار‪/‬الفصل‬
‫من نظرية‪ :‬يجب أن نشكل الواقع الجغرافي والديمغرافي واألمني بأنفسنا»(‪ .((1‬وعرض‬
‫المشروع على الوسيط األمريكي أنطوني زيني في أواخــر عــام ‪ ،2001‬على اعتبار أن‬
‫الخطة األحادية هي وحدها الوسيلة الكفيلة بتحقيق تسوية سياسية ممكنة‪ .‬وتم عرض‬
‫المشروع على الجانب األمريكي بعد أن كــان قد وصــل إلــى ذروة المخ ّططات النهائية‬
‫والبدائل المختلفة‪ ،‬وذروة التبني الكامل للحزبين الفاعلين في إسرائيل‪« :‬عملت مع‬
‫اللواء دانــي تريزا تحت إمــرة وقيادة وزيــر الدفاع بنيامين إليعازر‪ ،‬على وضع مسار هذا‬
‫الجدار‪ .‬وضعنا خطة الجدار بناء على معطيات ديمغرافية وطبغرافية وافــق عليها وزير‬
‫الــدفــاع‪ ،‬وقاضي محكمة العدل العليا أه ــارون ب ــاراك‪ .‬وأطلقنا على هــذه الخطة «خطة‬
‫عـيــدان»‪ ،‬وهــي اختصار لألحرف األولــى من أسمائنا الشخصية (عيبال ودان ــي)‪ .‬وهذه‬
‫الخطة أعدت بالمتابعة الدائمة والدقيقة واليومية مع جيورا آيالند‪ ،‬رئيس شعبة التخطيط‬
‫في الجيش‪ .‬وقدمناها إلى وزير الدفاع‪ ،‬وإلى رئيس الحكومة (شــارون)‪ ،‬بواسطة اللواء‬
‫موشيه كافلينسكي‪ ،‬السكرتير العسكري لشارون‪ ،‬وبشكل مباشر‪ ،‬ومن دون أدنى مواربة‬
‫(‪ ((1‬رامـ ــي نصر الـلــه وراس ــم خمايسي‪ ،‬الـقــدس‪ :‬مدينة الـســام المفقود (ال ـقــدس‪ :‬مــركــز الـتـعــاون والـســام‬
‫الدولي‪ ،)2006 ،‬ص ‪.67 - 65‬‬

‫ِ‬
‫(‪ ((1‬معاريف‪ ،2005/7/16 ،‬وقد نُش َرت المقابلة في‪ :‬بن كسبيت‪« ،‬حوار مع العميد جلعادي رئيس إدارة‬
‫الفصل‪ :‬هكذا ولدت خطة فك االرتباط‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 128‬آب‪/‬أغسطس ‪ ،)2005‬ص ‪.45‬‬
‫‪162‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أو تمويه بشأن المنطق الــذي أســس للجدار‪ .‬يقول جلعادي‪« :‬صحيح أن الجدار يقوم‬
‫على المنطق األمني‪ ،‬إال أن تبعاته تفوق ذلك كثير ًا‪ .‬إن مسار الجدار هو تجسيد صريح‬
‫لمناعة الدولة السياسية والديمغرافية‪ .‬وعندما يكون هناك شريك فلسطيني بعد سنتين‬
‫أو أكـثــر‪ ،‬سيبدأ النقاش السياسي والتفاوضي مــن مسار الـجــدار‪ ،‬الــذي سيكون النقطة‬
‫المحورية لـبــدء الـنـقــاش‪ ،‬ولـيــس ح ــدود ‪ ،1967‬ألنـنــا أقمنا الـخــط ال ــذي نعتبره منعطف ًا‬
‫استراتيجي ًا وتاريخي ًا في بناء الدولة»(‪.((1‬‬
‫استند التوجه والـمـشــروع االنفصالي السابق‪ ،‬بشكل أصـيــل‪ ،‬إلــى م ــوروث حزب‬
‫العمل االنفصالي‪ ،‬ســواء في عهد حكومة رابين أم في عهد حكومة ب ــاراك‪ ،‬بمعنى أن‬
‫مخططات وجوهر مشروع االنفصال كان هو ال ُعهدة الفعلية التي تركها العمل لليمين‬
‫(الليكود‪ ،‬أو اليمين الوسط في ما بعد‪ ،‬كاديما)‪ .‬وفــي عهد رابين (كانون الثاني‪/‬يناير‬
‫‪ )1995‬جرى تكليف وزير األمن الداخلي موشيه شاحال مع لجنة خاصة شارك فيها قائد‬
‫الشرطة ورئيس جهاز المخابرات (الشين بيت)‪ ،‬ورئيس جهاز المخابرات العسكرية‪،‬‬
‫ومنسق شؤون المناطق في وزارة الدفاع‪ ،‬وقائد الجبهة الداخلية‪ ،‬بإعداد ترتيبات هندسية‬
‫سمي باالنفصال عن المناطق (الضفة الغربية)‪ .‬ولكن مقتل رابين‬ ‫تخطيطية لتحقيق ما ّ‬
‫البت‬
‫أجـلــت ّ‬ ‫والـتــوتــرات فــي الساحة السياسية اإلسرائيلية‪ ،‬وفــي داخ ــل حــزب العمل‪ّ ،‬‬
‫في مشروع شــاحــال‪ .‬إال أن الحواجز‪ ،‬والـطــرق االلتفافية‪ ،‬وإغــاق المدن الفلسطينية‪،‬‬
‫والعوائق األسمنتية وغيرها‪ ،‬كانت جزء ًا ال يتجزأ من تجليات اإلغالق والعزل األولية‬
‫التمهيدية التي قادت نحو الجدار(‪.((1‬‬
‫ومــع عــودة حــزب العمل إلــى الحكومة برئاسة ب ــاراك (‪ )2001 - 2000‬أمــدّ ت‬
‫االنتفاضة الجهات المتن ّفذة في إسرائيل‪ ،‬بمادة دافعة أخرى‪ ،‬تمثلت هذه المرة باللوبي‬
‫الذي قاده حاييم رامون‪ ،‬أحد أبرز قيادات حزب العمل‪ ،‬إلى إعادة إحياء مشروع الفصل‬
‫ال (من منطلق شعاره المعروف‪« :‬نحن هنا‪ ،‬وهم هناك»‪ ،‬ليصبح‬ ‫الذي آمن به باراك أص ً‬
‫مشروع الفصل أحد أهم االستراتيجيات الكبرى في إسرائيل‪ ،‬بعد أن أدرجته حكومة‬
‫ب ــاراك على جــدول أعمالها‪ .‬ولكن تقديم موعد االنتخابات العامة عــام ‪ ،2001‬أجل‬
‫الشروع في التنفيذ إلى لحظة تولي شارون رئاسة الحكومة‪ ،‬ليجد مشروع ًا جاهز ًا يحظى‬
‫بإجماع جهات النفوذ في الدولة‪ ،‬وما عليه إال أن يفتح خريطته الشهيرة التي لم تغادر‬
‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.46‬‬

‫(‪ ((1‬موشيه شاحال‪« ،‬الفصل ليس مجرد سور‪ »،‬هآرتس‪.2001/1/24 ،‬‬
‫‪163‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫(‪((1‬‬
‫يديه أو مكتبه في أي منصب تواله‪ ،‬وهي خريطة االستيطان والضم والتفكيك الكبرى‬
‫التي سنأتي إليها الحق ًا‪.‬‬
‫‪ - 6‬مناعة العاصمة‪ ،‬القدس‪ ،‬كمدينة يهودية مغلقة‪:‬‬

‫الجدار‪ ،‬ذروة مشروع التهويد والضم الزاحف إلى القدس‬
‫عندما أخذ المجلس الــوزاري المص ّغر القرار النهائي واألخير لمسار الجدار في‬
‫حزيران‪/‬يونيو ‪ ،2002‬وأعطيت الموافقة على المرحلة األولى (أ)‪ ،‬التي اشتملت على‬
‫القطاع الممتد من قرية سالم شمال مدينة جنين‪ ،‬حتى مستوطنة ألكناه بطول ‪ 110‬كلم‪،‬‬
‫المسمى «حاضن‬
‫ّ‬ ‫ُأخــذ في الجلسة نفسها قــرار ببناء المرحلة األولــى من جــدار القدس‬
‫القدس» بمقطع طوله ‪ 22‬كلم شمال وجنوب المدينة من أصل ‪ 180‬كلم هو االمتداد‬
‫الـمـتــوقــع لـهــذا ال ـج ــدار‪ ،‬كــي تغلق الـمــديـنــة بــإحـكــام نـهــائــي بـعـيــد ًا عــن محيطها اإلنـســانــي‬
‫والجغرافي واالجتماعي والثقافي التاريخي العربي(‪.((2‬‬
‫سمي بحاضن القدس (الجدار) ُذروة المشروع التهويدي والتفريغي‬ ‫لقد شكّل ما ّ‬
‫لسكانها العرب عبر االستيطان‪ .‬فهناك أقيمت ثالثة أطواق من المستوطنات حول المدينة‬
‫جعلت من الجدار تحصيل حاصل للفعل االستيطاني‪ ،‬الــذي بــدأ منذ لحظة االحتالل‬
‫األولى‪ .‬وال بأس في هذا المبحث من الدراسة من تبيان هذه األطواق لفهم حالة التطابق‬
‫بين األطواق الثالثة وترسيم الجدار(‪.((2‬‬
‫يـمـتــدّ الـطــوق االسـتـيـطــانــي األول‪ ،‬وهــو داخ ــل الـبـلــدة الـقــديـمــة‪ ،‬مــن ح ــارة اليهود‬
‫جنوب ًا حتى الحديقة الوطنية المحيطة بسور البلدة من الشرق والجنوب‪( ،‬الحوض‬
‫المقدس)‪.‬‬
‫وأقـيــم الـطــوق االستيطاني الثاني على ح ــدود محافظة الـقــدس العربية‪ ،‬وبـنــي في‬
‫صــورة أحياء سكنية على شكل قوس إلحاطة المدينة من الجهات الجنوبية والشمالية‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬تقرير مدار االستراتيجي ‪ :2005‬المشهد اإلسرائيلي عام ‪ ،2004‬تحرير أسعد‬
‫غانم (رام الله‪ :‬الوكالة الكندية للتنمية الدولية‪ ،)2004 ،‬ص ‪.56 - 55‬‬
‫)‪Geopolitical Status in Jerusalem Governorate (Jerusalem: Applied Research Institute- (20‬‬

‫‪Jerusalem, 2006), pp. 27-28.‬‬
‫(‪ ((2‬ان ـ ـظـ ــر‪ :‬ه ـن ــادي الــزغ ـيــر‪ ،‬م ـع ــدّ ة‪ ،‬الـتـهـجـيــر ال ـصــامــت‪ :‬إل ـغــاء اإلق ــام ــة الفلسطينية مــن ال ـقــدس (ال ـق ــدس‪:‬‬
‫الملتقى الفكري العربي‪ ،)2007 ،‬ص ‪ ،8 - 6‬و‪Building Walls Breaking Communities: The Impact of the‬‬
‫‪Annexation Wall on East Jerusalem Palestinians (Ramallah: ALHAQ, 2005).‬‬
‫‪164‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫والشرقية‪ ،‬ليفصل المدينة عن التجمعات الفلسطينية في هذه المناطق‪ .‬وفي الوقت نفسه‪،‬‬
‫منع أي توسع طبيعي للمدينة العربية‪ ،‬فأقيم أحد عشر حي ًا سكني ًا مديني ًا‪ ،‬هي‪ :‬حي راموت‬
‫أشكول‪ ،‬وحي معلوت دفنا‪ ،‬وحي سانهدريا‪ ،‬وحي النبي يعقوب‪ ،‬وحي التلة الفرنسية‪،‬‬
‫وحي الجامعة العبرية‪ ،‬وحي تلبيوت‪ ،‬وحي راموت‪ ،‬وحي جيلو‪ ،‬وحي جفعات همفتار‪،‬‬
‫وحي عطاروت‪ ،‬وحي بزغات زئيف‪.‬‬
‫ويـمـتــدّ ال ـطــوق االسـتـيـطــانــي الـثــالــث ال ــذي نـ ّفــذ فــي إط ــار م ـشــروع ال ـقــدس الكبرى‬
‫ال‪ ،‬ومن معاليه أدوميم‬ ‫(ميتروبول العاصمة) من كفار عتصيون جنوب ًا حتى عوفرة شما ً‬
‫شرق ًا حتى جفعات هــاردار غرب ًا‪ ،‬ويضم كفار عتصيون‪ ،‬وكندا بــارك‪ ،‬وروش تسوريم‪،‬‬
‫وأليعاز‪ ،‬وأفــرات‪ ،‬وتكواع‪ ،‬وجفعون‪ ،‬وجفعون هاحدشاه‪ ،‬وهــاأردار‪ ،‬وجبعات زئيف‪،‬‬
‫وبيت حورون‪ ،‬وجيلو‪ ،‬وجفعات همتوس‪ ،‬وهارحوماه‪ ،‬وهذه التجمعات يقيم فيها أكثر‬
‫من ‪ 250‬ألف مستوطن(‪.((2‬‬
‫أ ‪ -‬يهودية العاصمة‪ :‬استولت إسرائيل على المدينة التي كانت مساحة بلديتها‬
‫‪ 6000‬دونــم‪ ،‬واستتبع مشروع ضم المدينة إلى سيادة الدولة اليهودية ‪ 640.00‬ألف‬
‫دونــم أخــرى‪ ،‬تعود ملكيتها إلــى ‪ 28‬قرية فلسطينية‪ ،‬ليصبح نفوذ البلدية أكثر اآلن من‬
‫‪ 70.000‬ألف دونم(‪.((2‬‬
‫يشكّل نظام التخطيط المكاني في القدس‪ ،‬بوجه خــاص‪ ،‬أداة مهمة في السيطرة‬
‫على األراضي وتفريغ ما يمكن من السكان العرب‪ .‬ولم يحدِّ د مسار حدود نفوذ البلدية‬
‫من خــال مخ ّططي المدن‪ ،‬وإنما من خــال لجنة عسكرية تحت إشــراف موشيه ديــان‪،‬‬
‫قادها رحبعام زئيفي الذي شغل رئيس قسم العمليات في األركان العامة‪ .‬وبما أن سياسة‬
‫التخطيط تقوم على مبدأ السيطرة على أوسع مساحات ممكنة‪ ،‬وأقل عدد من المواطنين‬
‫الـعــرب‪ ،‬مــن أجــل خلق أكثرية يهودية فــي المدينة قابلة للزيادة فــي المستقبل‪ ،‬لمنحها‬
‫(‪ ((2‬حـ ــول مــا أحــدثـتــه الـحــركــة الصهيونية مــن تغيير ديـمـغــرافــي ج ــذري فــي ال ـقــدس‪ ،‬ان ـظــر‪ :‬منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية‪ ،‬اللجنة التنفيذية‪ ،‬م ـســارات وإج ـ ــراءات االح ـتــال اإلســرائـيـلــي منذ حــزيــران‪/‬يــونـيــو ‪2009 - 1967‬‬
‫(القدس‪ :‬دائرة شؤون القدس‪ ،)2010 ،‬ص ‪26 - 21‬؛ محمد مطر النخال‪ ،‬متروبوليت القدس الشرقية (القدس‪:‬‬
‫جمعية الدراسات العربية‪ ،)1993 ،‬ص ‪35 - 30‬؛ داني روبن شتاين‪« ،‬االستيطان اليهودي في المناطق المحتلة‬
‫عــام ‪ 1 :1967‬من كل ‪ 10‬يهود يسكن في المناطق‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 5‬شتاء ‪ ،)2002‬ص ‪،54 - 37‬‬
‫و‍‪Walid Mustfa, Population and Urbonization from 1850-2000 (Jerusalem: Media and Communictation‬‬
‫‪Center 2000).‬‬
‫(‪ ((2‬الخطة الهيكلية المحلية‪ :‬أورشليم القدس ‪ -‬قسم تخطيط المدينة (القدس‪ :‬بلدية القدس‪،)2000 ،‬‬
‫‪The Occupied Jerusalem (Jerusalem: Palestinian Authority, 1998), pp. 13-16.‬‬ ‫ص ‪ ،23 - 20‬و‬
‫‪165‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الطابع اليهودي‪ ،‬فإن ترسيم حدود البلدية‪ ،‬كما هو قائم اليوم‪ ،‬أدى إلى تمزيق التجمعات‬
‫الفلسطينية‪ ،‬ووضع حد نهائي للتطور العضوي الطبيعي لها(‪.((2‬‬
‫كــان الـهـ ّـم األســاســي لهيئات التخطيط اإلســرائـيـلـيــة‪ ،‬ضـمــان محيط يـهــودي واســع‬
‫للمدينة (العاصمة)‪ ،‬ألن مركز أية مدينة متروبولية يعتمد على حجم محيطها السكاني‪.‬‬
‫فإذا ما تت ّبعنا مسار الجدار يتب ّين أن وظيفة الجدار في القدس هي ضم المنطقة التي جرى‬
‫استيطانها لتشكل المحيط الـيـهــودي للمدينة‪ ،‬بــاإلضــافــة إلــى ق ــدرة هــذه المنطقة (وفــق‬
‫رؤيــة نزيه بريك كمهندس تخطيط مــدن) على استيعاب مستوطنات يهودية جديدة في‬
‫ال عمق ًا احتياطي ًا لزيادة الحجم اليهودي في محيط المدينة‪.‬‬ ‫المستقبل‪ ،‬لتشكل مستقب ً‬
‫ومــن هنا جــرى احـتــواء جبعات زئيف وكتلتها التي تمتد بين بيتونيا وبيت عــور الفوقا‬
‫حتى رم ــوت‪ .‬وكــذلــك‪ ،‬وهــو األه ــم‪ ،‬احـتــواء معاليه أدومـيــم الممتدة مــن مـشــارف الغور‬
‫ال‪ ،‬تمثل بتقوية دور المدينة كعاصمة‬ ‫حتى القدس‪ .‬إن الهدف الضاغط الذي تحقق فع ً‬
‫إلسرائيل‪ ،‬ومركز للشعب اليهودي‪ ،‬والوصول إلى أغلبية يهودية مطلقة‪ .‬جاء هذا الهدف‬
‫تعرف نفسها‬ ‫في أولـيــات جهاز التخطيط الرتباطه العميق بمفهوم دولــة إسرائيل التي ّ‬
‫كدولة يهودية‪ ،‬أي دولة العرق اليهودي‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن عاصمة الدولة اليهودية يجب أن‬
‫تشكل انعكاس ًا واضح ًا ومرآة لصورة هذه الدولة؛ الدولة القائمة على األساس العرقي‬
‫ال تقبل أن تكون األغلبية السكانية في عاصمتها ممن ال ينتمون إلى هذا العرق‪ .‬باإلضافة‬
‫إلــى أن هــذا التعريف يحمل رســالــة عنصرية واضـحــة بــأن األفضلية واألولــويــة فــي هذه‬
‫الدولة وفي جميع المجاالت تبقى دائم ًَا لألفراد الذين ينتمون إلى هذا العرق(‪.((2‬‬
‫ال من الجثث‪ ،‬كثير ًا من المهاجرين‪ :‬طـ ّـور الباحث ســاري حنفي إطــار ًا‬
‫ب ‪ -‬قلي ً‬
‫نظري ًا لفهم المشروع السياسي في األراضي الفلسطينية المحتلة بشكل عام‪ ،‬وفي القدس‬
‫التي تقول فيها إسرائيل بأنها العاصمة اليهودية للدولة اليهودية‪ .‬يقوم هذا اإلطار النظري‬
‫على مفهوم التطهير المكاني كتمييز له عن مفهوم التطهير العرقي‪.‬‬
‫يذهب حنفي إلى القول إن فعل التطهير المكاني يستهدف األرض أساس ًا‪ ،‬من أجل‬
‫تسهيل الترانسفير الطوعي للشعب الفلسطيني‪ ،‬وجعله أمر ًا حتمي ًا‪ ،‬وذلك‪ ،‬عبر استهداف‬
‫(‪ ((2‬نزيه بريك‪« ،‬نظام التخطيط في خدمة السياسة اإلسرائيلية‪ :‬القدس نموذج ًا‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪22‬‬
‫(‪ ،)2006‬ص ‪.70‬‬

‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،84 - 82‬و‪Adnan Abdelrazek and Khalil Tofakji, Israeli Colonial Policies‬‬
‫‪and Practices De-Arabization of East Jerusalem (Jerusalem: Arab Studies Society, 2008).‬‬
‫‪166‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الفضاء الــذي يعيش فيه الفلسطينيون(‪ .((2‬ففي الوقت الــذي ُبنيت فيه آالف الوحدات‬
‫السكنية للمهاجرين اليهود‪ ،‬جرى فيه في اللحظة ذاتها هدم بضع آالف من الوحدات‬
‫العربية‪ ،‬و ُع ّطل بناء اآلالف لعدم القدرة على استخراج رخــص الـبـنــاء(‪ .((2‬وفــي الوقت‬
‫الذي َمنحت فيه إسرائيل ماليين الدوالرات كقروض سكن طويلة األجل لليهود‪ ،‬جرى‬
‫استالب ماليين الشواقل من الفلسطينيين كغرامات للبناء غير المرخص‪ .‬وال يسيطر‬
‫الفلسطينيون على الحيزات الحضرية العمرانية سوى على ‪ 13‬بالمئة من مساحة البلدية‪،‬‬
‫بمعنى أن هذا الح ّيز أصبح غير قادر على استيعاب أية زيادة طبيعية‪ ،‬وهذا الواقع يدفع‬
‫نحو الهجرة الطوعية إلى رام الله والرام وغيرها(‪.((2‬‬
‫وتـعــدّ سياسة التطهير المكاني بنية دائـمــة لــإزالــة والتهجير السياسي والقانوني‪،‬‬
‫وت ــرم ــي إل ــى ط ــرد ال ـس ـكــان الفلسطينيين داخ ـل ـي ـ ًا أو خـ ــارج ال ـح ــدود الـمـتـغـيــرة لـلــدولــة‬
‫اإلســرائـيـلـيــة‪ .‬ويـعــدّ مفهوم التطهير المكاني‪ ،‬إط ــار ًا مفاهيمي ًا لفهم ديناميكية السيطرة‬
‫اإلسرائيلية على األرض الفلسطينية بطريقة يتم فيها فصل السكان عن األرض بشكل‬
‫دؤوب‪ ،‬في المستويات الجماعية والفردية‪ ،‬واستهداف األماكن التي يعيش فيها الناس‪.‬‬
‫وال يستهدف المشروع اإلسرائيلي تحويل القدس إلى مدينة جثث‪ ،‬فهو تدمير ال ُينتج‬
‫الكثير من الموت‪ ،‬ولكنه ينتج الكثير من المهاجرين‪ .‬ويأتي الجدار في صلب عملية‬
‫تطهير المكان‪ ،‬فهو يخلق حالة حرمان وقطع اقتصادي بين القدس ومحيطها العربي‪،‬‬
‫وتطهير سياسي بمنع أي نشاط سياسي فلسطيني في المدينة‪ .‬وقد أدى في ترسيمه األول‬
‫إلى إحداث اقتالع ‪ 70.000‬من السكان المقدسيين الذين أصبحوا خارج حدود المدينة‬
‫خلف الجدار‪ .‬وهم ال ينتمون اآلن‪ ،‬ال إلى األراضــي الفلسطينية‪ ،‬وال اإلسرائيلية‪ ،‬بل‬
‫إنهم واقعي ًا بال دولة وال مكان(‪ .((2‬إنهم في (الالمكان)‪ ،‬بتعبير إدوارد سعيد‪.‬‬
‫(‪ ((2‬س ــاري حنفي‪« ،‬التطهير المكاني‪ :‬محاولة لفهم استراتيجيات الـمـشــروع الكولونيالي اإلسرائيلي‪»،‬‬
‫المستقبل العربي‪ ،‬السنة ‪ ،31‬العدد ‪( 360‬شباط‪/‬فبراير ‪.)2003‬‬
‫(‪ ((2‬هدم المنازل في القدس‪( 2007 - 1967 :‬القدس‪ :‬االئتالف األهلي للدفاع عن حقوق الفلسطينيين في‬
‫القدس‪ ،)2007 ،‬ووثائق مؤتمر هرتزليا الثامن‪ :‬القدس مسألة مركزية في مناعة إسرائيل القومية‪ ،‬قدّ مها مركز القدس‬
‫للدراسات اإلسرائيلية‪ ،‬في كانون الثاني‪/‬يناير ‪ ،2008‬وقد ن ُِش َر مقتطفات منها في‪ :‬المشهد‪.2008/3/24 ،‬‬
‫(‪ ((2‬انظر‪ :‬راسم خمايسي‪ ،‬صراع على السكن‪ :‬قطاع اإلسكان في القدس (القدس‪ :‬مركز التعاون الدولي‪،‬‬
‫‪ ،)2006‬ص ‪.51 - 47‬‬

‫(‪ ((2‬ن ـظ ـمــي الـجـعـبــة‪ ،‬اإلس ـكــان فــي الـقــدس بين مطرقة االسـتـيـطــان واإلمـكــانـيــات المتاحة (رام ال ـلــه‪ :‬معهد‬
‫الـسـيــاســات الـعــامــة‪ ،)2009 ،‬ص ‪32 - 29‬؛ حنفي‪« ،‬التطهير الـمـكــانــي‪ :‬مـحــاولــة لفهم استراتيجيات المشروع‬
‫الكولونيالي اإلسرائيلي‪ »،‬ص ‪ ،84 - 71‬و«مسؤول في البلدية‪ :‬إسرائيل والبلدية تنازلتا عن األحياء العربية خارج‬
‫جدار الفصل‪ »،‬القدس‪.2010/1/9 ،‬‬
‫‪167‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أطلق الباحث الفلسطيني عليان الهندي على الجدار الذي خلق انقطاع ًا في التكامل‬
‫النفسي واالجتماعي واالقتصادي والثقافي للفرد والمجموعة‪« ،‬جدار الطرد»‪ ،‬نظر ًا إلى‬
‫وظيفته في إخراج األحياء العربية‪ ،‬مثل المنطقة الممتدة من حاجز قلنديا إلى المطار حتى‬
‫مدخل مدينة البيرة‪ ،‬وكذلك كل المقدسيين الذين يسكنون في بيرنباال‪ ،‬والرام‪ ،‬وضاحية‬
‫البريد‪ ،‬وضاحية السالم‪ ،‬وراس خميس‪ ،‬ومخيم شعفاط‪ ،‬وكذلك كل المقدسيين الذين‬
‫يقيمون في أبو ديس والعيزرية والسواحرة وبيت لحم؛ وهؤالء هم السبعين ألف مقدسي‬
‫(على أقل تقدير) الذين أشرنا إليهم آنف ًا‪.‬‬
‫لم يقتل الجدار القدس ويغلقها‪ ،‬إنما أغلق في الواقع ست مدن عربية كبيرة‪ ،‬هي‬
‫ال‪ ،‬وبيت لحم وبيت ساحور وبيت جاال جنوب ًا‪ ،‬إضافة‬ ‫مدن رام الله والبيرة وبيتونيا شما ً‬
‫إلى أربعين قرية فلسطينية في المحيط المباشر‪ ،‬وستكون كل براري القدس الشرقية تحت‬
‫السيطرة والعنف المباشر‪ ،‬باإلغالق واقتطاع األراضي واحتجاز البشر‪ ،‬وسلبهم مواردهم‪.‬‬
‫وهنا‪ ،‬يقدر الجغرافيون أن المساحة الكلية التي ستصبح ضمن السيادة الخاضعة لمتروبول‬
‫القدس حوالى ‪ 800‬كلم مربع‪ ،‬أي ما نسبته ‪ 30‬بالمئة من مساحة الضفة الغربية(‪.((3‬‬
‫كان عزل القدس المحكم بالجدار كارثة فعلية لالقتصاد الفلسطيني بشكل عام‪،‬‬
‫والقـتـصــاد المدينة بشكل خــاص‪ ،‬فالمدينة بحكم ماهيتها الدينية الــروحـيــة ومركزيتها‬
‫االقتصادية والخدماتية‪ ،‬شكلت على الدوام مركز الحياة لفلسطين‪ .‬أما اآلن‪ ،‬فقد أغلق‬
‫الكثير من المحال التجارية والمراكز والخدمات السياحية أبوابها‪ ،‬وما زالت الجمعيات‬
‫والـمــراكــز الثقافية والنقابية فــي حــالــة إغ ــاق إلضـعــاف البعد السياسي لـلـقــدس‪ ،‬الــذي‬
‫مارسته منذ أيام االحتالل األولى حتى مطلع التسعينيات من القرن العشرين(‪ .((3‬تضمن‬
‫اإلغالق المحكم في جوهره قطع كل أشكال النقل بين القدس وباقي مناطق فلسطين‪،‬‬
‫كون القدس شكلت القلب بالنسبة إلى شرايين المواصالت لكل أنحاء فلسطين‪ ،‬وليس‬
‫بين القدس والضفة الغربية(‪.((3‬‬
‫(‪ ((3‬عليان الهندي‪ ،‬جدار الطرد في القدس‪ :‬الواقع العملي لفرض حل إسرائيلي نهائي (رام الله‪ :‬هيئة التوجيه‬
‫الوطني‪ ،)2009 ،‬ص ‪ ،18 - 9‬ومائير مرغليت‪« ،‬هدم المنازل في القدس‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2008/8/5 ،‬‬
‫(‪ ((3‬تقرير رؤســاء بعثات االتحاد األوروبــي عن القدس الشرقية (بـيــروت‪ :‬مؤسسة الــدراســات الفلسطينية‪،‬‬
‫‪ ،)2009‬وعزام أبو السعود‪ ،‬أثر الجدار العنصري على القطاعات االقتصادية المختلفة في القدس الشرقية (القدس‪:‬‬
‫االئتالف األهلي‪ ،)2007 ،‬ص ‪.20 - 5‬‬
‫(‪ ((3‬حول اآلثار الكارثية على النظام االقتصادي والبناء االجتماعي إلغالق القدس انظر‪Kate B. Ruhana, :‬‬
‫‪The Reality of Jerusalem’s Palestinians Today (Jerusalem: Jerusalem Media and Communication‬‬
‫‪Center, 2001).‬‬
‫‪168‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ج ‪ -‬توحيد وربــط مستوطنة معاليه أدومـيــم بالقدس‪ ،‬و«إدع ــاء» دولــة فلسطينية‬
‫مترابطة وقــابـلــة للحياة‪ :‬مـنــذ عــام ‪ 1975‬وحـتــى هــذه الـلـحـظــة‪ ،‬لــم يـتــوقــف الـعـمــل في‬
‫بناء مستوطنة معاليه أدوميم التي أضيف إلى منطقتها اإلقليمية المستوطنة الصناعية‬
‫الـمـسـ ّـمــاة مـيـشــور أدوم ـي ــم‪ ،‬ومـسـتــوطـنــة ك ـيــدار إل ــى الـجـنــوب مـنـهــا‪ .‬مـعــالـيــه أدوم ـيــم هي‬
‫المستوطنة األكـبــر فــي مساحتها ومنطقة نـفــوذهــا فــي الضفة الـغــربـيــة‪ ،‬فهي تمتد على‬
‫‪ 65.461‬دونـمـ ًا‪ .‬ومنطقة النفوذ هــذه‪ ،‬تعتبر كبيرة قياس ًا بالمراكز الحضرية الكبرى‬
‫ا الـتــي يقطنها ‪393.200‬‬ ‫داخ ــل الـخــط األخ ـضــر‪ .‬فمنطقة نـفــوذ تــل أبـيــب ‪ -‬يــافــا مـثـ ً‬
‫نسمة (‪ 11‬ضعف ًا وأكثر من سكان معاليه أدوميم التي ال يزيد السكان فيها على ‪30‬‬
‫ألــف مستوطن) ال تــزيــد مساحتها على ‪ 51.800‬دون ــم‪ ،‬ومنطقة نـفــوذ بيت شيمش‬
‫(‪ 77.300‬نسمة) تصل إلــى ‪ 34.320‬دونــم تقريب ًا‪ .‬ومــع هــذا‪ ،‬أوصــت لجنة تغيير‬
‫الحدود التي ع ّينتها وزارة الداخلية في آذار‪/‬مارس ‪ 2009‬بتوسيع منطقة نفوذ معاليه‬
‫أدوميم بحوالى ‪ 11.500‬دونم(‪.((3‬‬
‫هذا الواقع يجسد كل التحليل الــذي يقول إن ضم الجدار إلى هذه المستوطنات‬
‫سيدعم التوسع االستيطاني الستيعاب الهجرة أو الزيادة الطبيعية‪ .‬ولكن األهم في حالة‬
‫معاليه أدوميم كامتداد للقدس‪ ،‬هو أنها ستقطع الضفة الغربية إلى جزأين قطع ًا فعلي ًا‪ ،‬ولن‬
‫يكون الرابط بينهما إال نفق ال يتسع إال لمركبتين‪.‬‬
‫المس‬‫ّ‬ ‫ونتيجة لموقعها في قلب الح ّيز المكاني‪ ،‬فــإن معاليه أدوميم مسؤولة عن‬
‫بالحق الجمعي للشعب الفلسطيني في تقرير المصير‪ ،‬في إطار دولة طبيعية ذات امتداد‬
‫جـغــرافــي طبيعي‪ .‬فالمنطقة الـتــي أقـيـمــت عليها المستوطنة تعكس الــرؤيــة الصهيونية‬
‫االستيطانية إزاء نفي وجــود دولــة فلسطينية إلــى الـغــرب مــن نهر األردن‪ .‬ومنطقة نفوذ‬
‫المستوطنة هي أضيق جزء في الضفة الغربية‪ .‬فالبعد الهوائي بين الحدود األردنية شرق ًا‬
‫والخط األخضر غرب ًا‪ ،‬هي ‪ 28‬كلم فقط‪ ،‬وتصل منطقة نفوذ معاليه أدوميم حتى ‪ 13‬كلم‬
‫فقط من الحدود األردنية‪ .‬إن المساحة المبنية والمأهولة في المستوطنة كائنة على بعد‬
‫‪ 20‬كلم فقط من الحدود‪ ،‬كما إن المنطقة الصناعية ميشور أدوميم تبعد قرابة ‪ 17‬كلم‬
‫عن الحدود‪ ،‬إذ تحتل معاليه أدوميم ما يقرب من نصف العرض الشامل للضفة الغربية‬
‫في هذه المنطقة‪.‬‬

‫بتسيلم (مركز المعلومات اإلسرائيلي لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة)‪<http://www.btselem. ،‬‬‫(‪((3‬‬

‫األول‪/‬ديسمبر ‪<http:// ،)2009‬‬ ‫>‪ ،org/arabic‬وبمكوم (مخططون من أجل حقوق التخطيط) (القدس) (كانون‬
‫‪bimkom.org/ar/>.‬‬
‫‪169‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وإضــافــة إل ــى إف ـشــال‪/‬إح ـبــاط إمـكــانـيــة إقــامــة دول ــة طبيعية للفلسطينيين‪ ،‬ف ــإن بناء‬
‫األح ـيــاء السكنية فــي المنطقة الـعــروفــة )‪ (E1‬سيزيد مــن االنـقـطــاع الفيزيائي (ال ـمــادي)‬
‫والوظيفي بين البلدات الفلسطينية في المنطقة من جهة‪ ،‬ومدينة القدس من جهة أخرى‪.‬‬
‫وسيؤدي البناء االستيطاني في منطقة )‪ (E1‬إلى إحاطة القدس الشرقية باألحياء اليهودية‬
‫مــن الـشـمــال وال ـشــرق وال ـغــرب والـجـنــوب‪ ،‬وبـهــذا سيجري استكمال فصلها عــن سائر‬
‫أجــزاء الضفة الغربية‪ .‬وهــي عملية جارية ومستمرة منذ منتصف السبعينيات من القرن‬
‫العشرين‪ ،‬تسارعت وتعاظمت مع بدء بناء جــدار الفصل حول المدينة‪ .‬وفي أثناء هذه‬
‫العملية االستيطانية اإلحاللية جــرى تشريدٌ وط ــر ٌد بالقوة المسلحة آلالف المواطنين‬
‫من القبائل البدوية التي كانت تقيم في براري القدس‪ ،‬قبل أن يتخذ حزب العمل قرار ًا‬
‫بإنشائها عام ‪ .1975‬وليواصل اللكيود وكل الحكومات التالية تضخيمها نظر ًا إلى بعدها‬
‫االستراتيجي(‪.((3‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬من روبرتو باكي إلى أرنون سوفير‬

‫الخطاب الديمغرافي اإلسرائيلي‬
‫كمادة أساسية لالنعزال والفصل‬
‫قبل الحديث فــي الخطاب الديمغرافي اإلسرائيلي‪ ،‬ال بــد مــن إلـقــاء إضــاءة على‬
‫تطور النمو السكاني في فلسطين‪ ،‬حيث بلغ عدد اليهود عشية الحرب العالمية األولى‬
‫فــي فلسطين الـعـثـمــانـيــة (‪ 56 ،)1919 - 1916‬أل ــف ي ـه ــودي‪ .‬وم ــع وق ــوع فلسطين‬
‫تحت االستعمار البريطاني‪ ،‬ثــم فــرض االن ـتــداب وتــداعـيــات وعــد بلفور وال ـصــراع مع‬
‫فرنسا حول تركة آل عثمان‪ ،‬ومع خبرة بريطانيا التاريخية في إنشاء المستعمرات وبناء‬
‫الدولة‪ .‬استخدمت بريطانيا كل أدوات االستيطان المعروفة لتهويد فلسطين‪ ،‬واضعة‬
‫إمكانات الدولة العظمى تحت تصرف المنظمة الصهيونية والوكالة اليهودية‪ .‬وأهم هذه‬
‫اإلجــراءات كانت دعم مشروع الهجرة الصهيوني إلى فلسطين‪ ،‬فمنذ عام ‪ 1919‬حتى‬
‫‪ 15‬أيار‪/‬مايو ‪ 1948‬ارتفع عدد اليهود المهاجرين إلى ‪ 650‬ألف ًا‪ ،‬أي أن العدد تضاعف‬
‫‪ 12‬مرة(‪.((3‬‬
‫ضمها للقدس‪ »،‬قضايا‬

‫(‪« ((3‬وقائع ضم معلن‪ :‬نوايا الحكومة اإلسرائيلية من إقامة معاليه أدوميم ومشروع ّ‬
‫إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،)2009( 36‬ص ‪.155‬‬

‫(‪ ((3‬واصــف عبوشي‪ ،‬فلسطين قبل الضياع‪ ،‬ترجمة علي الجرباوي (لندن‪ :‬رياض الريس للكتب والنشر‪،‬‬
‫‪ ،)1987‬ص ‪.98 - 81‬‬
‫‪170‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بلغ إجمالي سكان فلسطين قبل كارثة فلسطين األولى عام ‪ 1948‬مباشرة مليونين‬
‫و‪ 42.6‬شخص‪ ،‬منهم مليون و‪ 393‬ألف ًا‪ ،‬أي ‪ 68.2‬بالمئة‪ ،‬من العرب‪ ،‬و‪ 31‬بالمئة‬
‫من اليهود‪ .‬وكانت أولــى النتائج السكانية للحرب االقتالعية انقالب ًا ديمغرافي ًا فاق كل‬
‫التصورات‪ ،‬إذ أصبحت نسبة السكان العرب ال تزيد على ‪ 19‬بالمئة (‪ 156‬ألف عربي)‬
‫هم من تبقى من العرب في المنطقة التي احتلت وصارت تعرف الحق ًا باسم إسرائيل‪.‬‬
‫وبين عامي ‪ 1948‬و‪ 1950‬تضاعف عــدد السكان اليهود بسبب النمو الناتج بصورة‬
‫أساسية عن الهجرة وفق ما عرف بقانون العودة(‪.((3‬‬
‫أما نمو األقلية العربية الباقية في موطنها األصلي فقد استند إلى النمو الطبيعي‪ ،‬فقد‬
‫وصل إلى ‪ 4.4‬بالمئة سنة ‪ .1950‬ثم انخفض تدريجي ًا إلى ‪ 3.1‬بالمئة سنة ‪،1956‬‬
‫وعــاد إلى االرتفاع ليصل إلى ‪ 5‬بالمئة سنة ‪ ،1961‬وليستقر بحسب غالبية الدراسات‬
‫عند حــدود ‪ 3.5‬بالمئة فــي الــوقــت الــراهــن‪ ،‬نتيجة لهذه الـتـطــورات مجتمعة (الهجرة‪،‬‬
‫والزيادة الطبيعية)‪ ،‬بلغ عدد سكان إسرائيل‪ ،‬بما فيها القدس الشرقية‪ ،‬بحسب إحصاءات‬
‫إسرائيل ‪ 7‬ماليين و‪ 243‬ألف ًا موزعين بواقع‪ 5 :‬ماليين و‪ 478.2‬ألف من اليهود بنسبة‬
‫‪ 75.6‬بالمئة‪ ،‬ومليون و‪ 450‬ألف ًا من العرب‪ ،‬أي ‪ 20‬بالمئة من السكان‪ ،‬و‪ 315‬ألف ًا من‬
‫فئة اآلخرين (عمال أجانب‪ ،‬أو مسيحيين مشكوك بيهوديتهم‪ ،‬بحسب الهالخاه «الشريعة‬
‫اليهودية»)(‪.((3‬‬
‫قادت فوبيا الديمغرافية والهوس المستحكم إلى ظهور مقولة إن «هناك عرب ًا أكثر‬
‫مما ينبغي» منذ األيام األولى للدولة‪ ،‬وبقي وجود العرب في إسرائيل هاجس ًا مرعب ًا لكافة‬
‫األوســاط الرسمية العلمانية والدينية واألمنية‪ .‬وقد دفعت هذه الفوبيا‪ ،‬رئيس الحكومة‬
‫بن غوريون‪ ،‬إلى تخصيص جائزة لكل أم تلد طفلها العاشر‪ ،‬وعاد وألغى الجائزة عندما‬
‫تبين أن اللواتي فزن بجائزة رئيس الحكومة كانت غالبيتهن من النساء العربيات‪ ،‬ليشكل‬
‫بعدها المجلس الديمغرافي في نيسان‪/‬أبريل ‪ 1962‬برئاسة االختصاصي الديمغرافي‬
‫روبرتو باكي الذي اقترح ترحيل العرب بسبب هذه الزيادة الطبيعية(‪.((3‬‬
‫(‪ ((3‬حسين أبــو النمل‪« ،‬النمو السكاني والـتــوازن الديمغرافي بين العرب واليهود في إسرائيل وفلسطين‬
‫التاريخية‪ »،‬المستقبل العربي‪ ،‬السنة ‪ ،32‬العدد ‪( 370‬كانون األول‪/‬ديسمبر ‪ ،)2009‬ص ‪ ،76 - 74‬وعماد جاد‪،‬‬
‫«التوازن السكاني بين العرب واليهود في إسرائيل واألراضي الفلسطينية المحتلة‪( »،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪،‬‬
‫كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪.)1992 ،‬‬
‫(‪ ((3‬أبو النمل‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.85‬‬

‫(‪ ((3‬نور الدين مصالحة‪ ،‬أرض أكثر وعرب أقل‪ :‬سياسة الترانسفير اإلسرائيلية في التطبيق‪1996 - 1949 ،‬‬
‫(بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،)1997 ،‬ص ‪.163 - 161‬‬
‫‪171‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪ - 1‬الخطاب الديمغرافي المؤسس للفصل واالنعزال‪:‬‬
‫خطاب‪/‬وثيقة أرنون سوفير‬
‫يشكّل البحث األكــاديـمــي فــي إسرائيل األح ــداث بمقدار مــا يتشكّل بها‪ .‬وجــاء‬
‫البحث األكاديمي في إسرائيل في عــام ‪ 2000‬بأهم الــدراســات التي طغت على كل‬
‫مــا سبقها مــن دراس ــات فــي ال ـشــأن الــديـمـغــرافــي‪ ،‬وه ــي ألس ـتــاذ الـجـغــرافـيــة فــي جامعة‬
‫حـيـفــا أرن ـ ــون ســوف ـيــر‪ ،‬ب ـع ـن ــوان‪ :‬إســرائ ـيــل دي ـم ـغــراف ـي ـ ًا‪ :)2020 - 2000( :‬مـخــاطــر‬
‫واحتماالت(‪.((3‬‬
‫وق ــد ارت ـكــزت ال ــدراس ــة عـلــى اف ـتــراض أســاســي ي ـقــول‪ :‬إن الـخـطــر ال ــوج ــودي على‬
‫إسرائيل يكمن في أرحام األمهات الفلسطينيات‪ ،‬إذ إنه في عام ‪ 2020‬سيكون في أرض‬
‫إسرائيل الغربية بين البحر والنهر ‪ 15.2‬مليون إنسان‪ 42 ،‬بالمئة فقط منهم يهود ًا‪ ،‬مقابل‬
‫‪ 58‬بالمئة من العرب‪ .‬وإن هذا الوجود الصهيوني اليهودي سوف ينتهي بشكل طبيعي‬
‫إذا لم تتخذ خطوات قاطعة وسريعة وآنية‪ ،‬أي بالفصل القطعي التام والناجز والحديدي‬
‫عن المناطق في الضفة وغــزة‪ .‬وقد شكّلت هذه الدراسة المادة االستراتيجية األساسية‬
‫لسياسة الفصل التي بدأت تحظى بإجماع قومي في إسرائيل‪ ،‬سواء على مستوى النخبة‬
‫السياسية أم في قواعد المجتمع اليهودي‪ .‬وقد تلقفت المؤسسات اإلسرائيلية والصهيونية‬
‫هذا الخطاب كأنه سفر توراتي جديد لنبي‪ ،‬وليس ألستاذ أكاديمي‪ ،‬إذ استمع له مؤتمر‬
‫هيرتزليا لبحث ميزان المناعة واألمن القومي‪ ،‬ثم طرحها في مجلس األمن القومي‪ ،‬وفي‬
‫إدارة الوكالة اليهودية‪ ،‬وفي المجلس الصهيوني‪...‬‬
‫ونظر ًا إلى الطابع التأسيسي لهذه الدراسة التي اعتمد عليها غالة التطرف‪ ،‬وحمائم‬
‫اليسار‪ ،‬والحاخامات والضباط‪ ،‬والهيئات والمنظمات غير الحكومية‪ ،‬للدفع نحو الفصل‬
‫السريع القاطع بالجدار‪ ،‬فإننا سنعرض في دراستنا مقاطع منها‪ ،‬في اعتقادنا أنه يجب أن‬
‫والقراء‪:‬‬
‫ّ‬ ‫يعيها الباحثون والمهتمون من األكاديميين‬
‫«سيشكّل يهود إسرائيل أقلية منذ اآلن بسبب األغلبية البارزة لألطفال العرب»‪،‬‬
‫وتقدر نسبة النمو الطبيعي للفلسطينيين في المناطق بـ ‪ 4 - 3.5‬بالمئة مقارنة بالزيادة‬
‫(‪ ((3‬أرن ــون سوفير‪ ،‬إسرائيل ديموغرافي ًا (‪ :)2020 - 2000‬مخاطر واحـتـمــاالت‪ ،‬ترجمة وتقديم محمد‬
‫حمزة غنايم (رام الـلــه‪ :‬المركز الفلسطيني لـلــدراســات اإلسرائيلية ‪ -‬م ــدار‪ ،)2001 ،‬و‪Jerusalem (Jerusalem:‬‬
‫‪Palestinian Academic Society (PASSIA), 1993), pp. 20-26.‬‬
‫‪172‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الطبيعية الـيـهــوديــة ال ـم ـقــدّ رة ب ـ ‪ 1‬بــالـمـئــة‪ ،‬ويـمـكــن أن تـصــل إل ــى ‪ 2‬بالمئة بفعل الهجرة‬
‫الخارجية‪ ،‬فاالفتراض هنا أن العرب في أرض إسرائيل الغربية سيتضاعف نموهم خالل‬
‫عشرين سنة(‪.((4‬‬
‫وفي عام ‪ 2020‬سيكون عدد السكان‪ ،‬يهود ًا وعرب ًا‪ ،‬بين البحر والنهر ‪16 - 15‬‬
‫مليون ًا في أرض صغيرة ضيقة‪ ،‬وستؤدي هذه الكثافة إلى تدهور بيئي خطير سيدفع ثمنها‬
‫التجمع الـيـهــودي الـغــربــي فــي خــط الـشــاطــئ‪ .‬ومــن المحتمل ح ــدوث تــوتــر وص ــدام بين‬
‫المجتمعين‪ ،‬جراء زحف عرب يهودا والسامرة وغزة إلى داخل األفق اليهودي‪ ،‬وسيدفع‬
‫هذا التزاحم في المكان إلى هجرة يهودية نحو المناطق األكثر رفا ًه في أمريكا وأوروبا‬
‫وكندا(‪.((4‬‬
‫وع ــن األخ ـط ــار الـمـنـتـظــرة مــن تــاقــي ع ــرب ال ــداخ ــل (ع ــرب إســرائ ـيــل) مــع عــرب‬
‫(المناطق) يؤسس لهذا الخطر بالقول‪ :‬اآلن (عام ‪ )2000‬يبلغ عدد السكان العرب في‬
‫إسرائيل السيادية ‪ 1.300‬مليون نسمة يشكلون ‪ 20‬بالمئة من السكان‪ .‬وتشير التوقعات‬
‫إلى أن هذه األقلية ستنمو في عام ‪ 2020‬إلى ‪ 2.1‬مليون إنسان عربي تقريب ًا‪ ،‬وفي غزة‬
‫سيرتفع العدد من ‪ 1.2‬إلى ‪ 2.2‬مليون‪ ،‬وفي الضفة سيكون الوضع مشابه ًا‪ ،‬وكل ذلك‬
‫من دون تطبيق حق العودة‪.‬‬
‫وس ــوف ي ــؤدي ازدي ــاد الـعــرب إلــى الشعور باالستقاللية وال ـقــوة‪ ،‬ويصعب تطبيق‬
‫القانون اإلسرائيلي في التجمعات السكنية العربية‪ ،‬ويشجع االنفصال التعليمي والديني‬
‫والقانوني واالجتماعي والسياسي‪ .‬وهــذا كله يدفع نحو التماثل مــع الغايات القومية‬
‫للشعب الفلسطيني مع إخوانهم وراء الخط األخضر‪« :‬إن عــرب إسرائيل هم قبل كل‬
‫أس َر َلت َُهم واجهة‬
‫شيء فلسطينيون وأصحاب عالقة ال لبس فيها مع الوطن العربي‪ ،‬وإن ْ‬
‫خارجية سطحية مضللة»‪ .‬وتوجد بين أفراد الشعب الفلسطيني على جانبي الحد عالقات‬
‫نسب وثقافة وعــاقــات اقتصادية ودينية وقومية وجغرافية‪ ،‬كما أن عــرب المثلث (أم‬
‫الفحم‪ ،‬برطعة‪ ،‬الطيبة‪ ،‬كفر قــاســم‪ ،‬كفر بــرا) وعــرب الجنوب فــي بير السبع يالمسون‬
‫إخوانهم جنوب الخليل بتواصل جغرافي عالئقي يومي‪ ،‬وتعتبر جنين عاصمة اقتصادية‬
‫ثانية لعرب شمال إسرائيل(‪.((4‬‬
‫(‪ ((4‬سوفير‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.29‬‬

‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.32‬‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.36 - 34‬‬
‫‪173‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بناء على هذا اإلدراك‪ ،‬يقول سوفير إنه في حالة عدم اتخاذ أي إجراء عازل‪ ،‬فمن‬
‫الممكن االف ـتــراض أنــه فــي المستقبل الـقــريــب سنحصل على خريطة واضـحــة لتقسيم‬
‫البالد‪« :‬يعلمنا تاريخ األقليات أن تلك األقلية التي تشكل غالبية في منطقتها اإلقليمية‬
‫ولديها وعي قومي‪ ،‬وتملك قيادة قومية‪ ،‬سوف تعمل ما في وسعها لتحقيق كل مطامحها‬
‫القومية‪ ،‬عن طريق الحكم الذاتي أو االنسالخ (االنفصال) واالنضمام إلى دولة من وراء‬
‫الحدود‪ ،‬أو هدم الدولة من الداخل‪ .‬في وضعنا الخاص‪ ،‬هناك خطر يهدد بهدم إسرائيل‬
‫وإقامة دولة فلسطين في جميع أنحاء إسرائيل»(‪.((4‬‬
‫ويضيف أن الحدود المفتوحة سمحت بالتزاوج وبهجرة عربية من المناطق إلى‬

‫إســرائـيــل تقدر بحوالى ‪ 80‬ألــف عربي لديهم حــق البقاء فــي إســرائـيــل‪ .‬لقد استنتجت‬
‫ال ــدول ــة مــن دراس ـت ــه أن ه ــذا الـخـطــر ال ــداه ــم ال يـمـكــن ال ـحــد مــن تــدرجــه إال بــالـفـصــل‪،‬‬
‫وبالفصل فقط‪.‬‬
‫‪ - 2‬االنعكاسات الجيوسياسية للواقع الديمغرافي‬

‫ي ــؤس ــس ســوف ـيــر دراسـ ـت ــه ع ـلــى الـبـنـيــة ال ـج ـغــراف ـيــة ل ـل ـم ـكــان‪ .‬ف ــإض ــاف ـ ًة إل ــى الـفـضــاء‬
‫الصحراوي الجاف الذي من الصعب إقامة منشآت إسكانية في ظله‪ ،‬فهو يعتمد نسبة ‪42‬‬
‫بالمئة من األرض التي يقول عنها إنها مناطق عسكرية للجيش واألجهزة األمنية (وأظن‬
‫أن هذه النسبة‪ ،‬مبالغ فيها‪ ،‬ألنه يضيف إليها هضبة الجوالن السورية المحتلة)‪ ،‬وهو في‬
‫الحالة هذه‪ ،‬ال يضاهي إسرائيل في هذه النسبة من األراضي العسكرية أحد‪ .‬وعليه‪ ،‬فإن‬
‫المساحة الصغيرة المتبقية يجب حفظها لقدوم اليهود فقط‪ .‬إن أوضاع ًا تكون فيها البالد‬
‫مفتوحة قد تشهد زحف ًا سكانيا عربي ًا من المناطق بحيث ال يمكن ضبطه والتحكم في‬
‫نتائجه‪« :‬حدود مخترقة بين إسرائيل ويهودا والسامرة ومجتمع فلسطيني يتماثل مع إخوته‬
‫في الشرق‪ ،‬وطلب إسرائيل لأليدي العاملة الرخيصة‪ ،‬ورغبة الفلسطينيين في تطبيق حق‬
‫ولم شمل العائالت‪ .‬والنتيجة هي أنه من المحتمل أن تُغمر إسرائيل بالعرب‪ ،‬إال‬ ‫العودة‪ّ ،‬‬
‫إذا اتخذت خطوات دراماتيكية جد ًا وحازمة وسريعة إليقاف هذا التوجه» ‪.‬‬
‫(‪((4‬‬
‫وعلى إسرائيل أن تقرر بنفسها حدودها الحيوية‪ ،‬وعليها أن تبادر بشكل أحادي‬
‫الجانب إلى االنفصال عن باقي مساحات أرض إسرائيل من خالل الجدار‪« :‬يجب إقامة‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.37‬‬

‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.52‬‬
‫‪174‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مكونة مــن أس ــوار وج ــدران مكهربة مــن ذلك‬
‫شبكة حــدود بين إســرائـيــل والفلسطينيين ّ‬
‫النوع الموجود على حدود إسرائيل وسورية ولبنان‪ .‬ويشمل هذا الفصل عالقات البنى‬
‫التحتية التي نتجت بين إسرائيل والفلسطينيين خالل ‪ 33‬سنة (مياه‪ ،‬مجار‪ ،‬مواصالت‪،‬‬
‫كهرباء‪ ،‬بنوك)‪ .‬إن المكسب األكبر للفصل األحــادي الجانب هو استمرار وجــود دولة‬
‫يهودية وصهيونية في أرض إسرائيل‪ ،‬من خالل وقف التغلغل العربي المكثف إلى داخل‬
‫إسرائيل‪ .‬والمكسب اإلضافي هو تشجيع الهجرة من مناطق السلطة الفلسطينية باتجاه‬
‫الشرق إلــى الوطن العربي‪ ،‬كما حصل في السنوات التي سبقت‪ ،‬إذ هاجر ‪ 450‬ألف‬
‫فلسطيني شرق ًا(‪.((4‬‬
‫‪ - 3‬الخريطة‪ :‬تطابق الرؤية األكاديمية واألمنية (شارون وسوفير)‬

‫ليس من الصعب أن تتطابق خريطة أ‪« .‬سوفير» المفعم بالرومانسية االستعمارية‪،‬‬
‫والضابط الملهم لحركة االستيطان (شارون) الذي أصبح رئيس حكومة الدولة اليهودية‪.‬‬
‫وال ينفي أ‪ .‬سوفير في مقابلة معه في جامعة حيفا نشرتها قضايا إسرائيلية دعوته إلى‬
‫تحديد نسل الـعــرب‪ ،‬وال ينكر أنــه يتمنى أن يستيقظ وال يجد عربي ًا واح ــد ًا فــي البالد‪،‬‬
‫وال ينكر أنه مقتنع بنظرية مالتوس‪ ،‬ويدعو بكل ثقة إلى ترحيل مناطق المثلث وضمها‬
‫إلى السلطة‪ ،‬مقابل المستوطنات المبعثرة والتكتالت الكبرى التي ستضم إلسرائيل التي‬
‫تبلغ مساحتها ‪ 13‬بالمئة من مساحة الضفة الغربية(‪.((4‬‬
‫عندما دخلت الواليات المتحدة الحرب العالمية الثانية غداة بيرل هاربور‪ ،‬طلب‬
‫روزفـلــت فــي كــانــون الثاني‪/‬يناير ‪ 1942‬مــن الشعب األمريكي إخ ــراج خرائطهم‪« :‬آن‬
‫األوان لالنكباب على الخرائط‪ ،‬لذلك أطلب إلى الشعب األمريكي إخراج خرائطه»(‪.((4‬‬
‫وقــد ُعــرف شــارون بخريطته المشهورة التي ال تفارقه في كل اجتماع‪ ،‬وقبل أن يصبح‬
‫رئيس حكومة‪ ،‬وفي كل جولة ميدانية في البالد كانت حاضرة دائم ًا معه وكانت خريطته‬
‫تضمنت هذه الخريطة‬
‫معروفة بتفاصيلها لدى كل من عمل معه‪ ،‬ومن لم يعمل معه‪ .‬وقد ّ‬
‫وأد أية فرصة للتسوية تتيح للفلسطينيين كيان موحد غربي النهر‪ ،‬عبر تقطيع الضفة إلى‬
‫كانتونات منعزلة‪ ،‬والضم التهويدي للقدس‪ ،‬ومحو الخط األخضر‪ ،‬وضم المستوطنات‬
‫(‪ ((4‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.68 - 67‬‬

‫(‪ ((4‬فراس الخطيب‪« ،‬البروفسور سوفير‪ :‬ال حل بيننا‪ »،‬قضايا إسرائيلية (خريف ‪ ،)2002‬ص ‪.38 - 33‬‬
‫(‪ ((4‬ألكساندر دوفاي‪ ،‬الجغرافية السياسية‪ :‬جيوبوليتيك‪ ،‬تعريب حسين حيدر (بيروت‪ :‬دار عويدات للنشر‬
‫والطباعة‪ ،)2007 ،‬ص ‪.35‬‬
‫‪175‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إلــى داخــل الــدولــة‪ ،‬وفــرض الوقائع االستيطانية التي تبنّاها الرئيس بــوش في ما بعد في‬
‫رسالته الشهيرة إلى شارون(‪.((4‬‬
‫ونطر ًا إلى أهمية الحضور الطاغي لخطاب سوفير‪ ،‬أصبح خطابه مرجع ًا ومعلم ًا‬
‫لكبير القوم في االستيطان (شارون)‪ .‬فقد اتصل مكتب شارون باألستاذ سوفير فور فوزه‬
‫في االنتخابات على خصمه باراك عام ‪ 2001‬طالب ًا إليه الحضور لمقابلة شارون‪ ،‬ويقال‬
‫إن هذا اللقاء كان من أولى اللقاءات المهمة التي أجراها شارون بصفته رئيس ًا للوزراء‪:‬‬
‫«هــات خريطتك يا سوفير»‪ .‬لقد تطابقت الخريطتان بشكل شبه تــام مع تفوق لخريطة‬
‫سوفير بالتفاف الجدار حول تجمعين استيطانيين قرب نابلس‪ ،‬أدخلهما األستاذ داخل‬
‫الجدار وتبناهما الضابط شارون(‪.((4‬‬
‫وق ــد انـتـقـلــت فــوبـيــا الــديـمـغــرافـيــة ب ـعــدواهــا مــن الــديـمـغــرافــي إل ــى الـهـسـتــريــوغــرافــي‬
‫(الـمــؤرخ) اإلسرائيلي المشهور يوئاف غيلبر الــذي يتبنّى أخــاقـ ًا فاشية بتحديد النسل‬
‫ا‪« :‬فــي الصين فعلوا ه ــذا»‪ .‬ســألــه الـمـحــاور‪« :‬فــي الصين يفعلونه من‬ ‫عند الـعــرب قــائ ـ ً‬
‫أجل حاجات صينية قومية خاصة‪ ،‬وليس للمحافظة على طابع الدولة‪ ،‬ومن المؤكد أن‬
‫إسرائيل ال تفعل هذا من أجل الهدف نفسه‪ .‬فهي ما زالت تستقطب الكثير من المهاجرين‬
‫اليهود»‪ .‬يجيب المؤرخ وبدقة الكلمات‪« :‬هذه الدولة قامت من أجل هذا الهدف»(‪.((5‬‬
‫األبـشــع مــن دع ــوى تحديد النسل عند الـعــرب‪ ،‬هــو الــدعــوة إلــى خصي ذكــورهــم‪.‬‬
‫ال يدعو إلــى خصي العرب‪،‬‬ ‫فقد جــاء في صحيفة نوفوستي الناطقة باللغة الروسية مقا ً‬
‫واإلعالن عن جائزة مالية لمن يوافق على هذا األمر بشكل طوعي‪ .‬ويدعو المقال الذي‬
‫كتبه مرياوبلينكي‪ ،‬أحد أبرز كتّاب الصحيفة المذكورة إلى تعقير السجناء العرب‪ ،‬وتطبيق‬
‫الحل الصيني بمعاقبة األهــل الذين ينجبون أكثر من مولود واحــد‪ ،‬وتوزيع وسائل منع‬
‫تبن خــاص بهدف‬‫الحمل على الـعــرب مجان ًا‪ ،‬وش ــراء األطـفــال الـعــرب مــن خــال نظام ِ‬
‫نقلهم إلى األقطار العربية(‪.((5‬‬
‫(‪ ((4‬انظر الرواية الهامة حول جدار الفاصل لشاؤول آرئيلي ولخريطة شارون في‪ :‬شاؤول أرئيلي وميخائيل‬
‫سفارد‪ ،‬الجدار الفاصل أمن أم طمع (تل أبيب‪ :‬يديعوت أحرنوت للتوزيع والنشر‪ ،)2008 ،‬ص ‪.68 - 67‬‬
‫(‪ ((4‬الخطيب‪« ،‬البروفسور سوفير‪ :‬ال حل بيننا‪ »،‬ص ‪.39‬‬

‫(‪ ((5‬يوآف غيلبر‪« ،‬من المتوقع تحديد النسل عند العرب في إسرائيل‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 10‬صيف‬
‫‪ ،)2004‬ص ‪.65‬‬
‫(‪ ((5‬علي حيدر‪« ،‬الكراهية والعنصرية تجاه المواطنين العرب‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 8‬خريف ‪،)2002‬‬
‫ص ‪.18 - 17‬‬
‫‪176‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وتعكس مثل هذه الدعاوى المباشرة في فاشيتها ووحشيتها اإلناء العرقي العنصري‬
‫ـال إزاء الموقف من االنعزال عن‬ ‫التي رشحت منه‪ .‬وهي تعكس حالة إجماع عرقي عـ ٍ‬
‫هــذا العربي الــذي مــا زال حــاضــر ًا فــي الـمـكــان‪ .‬وقــد جــاء فــي صحيفة هــآرتــس استطالع‬
‫للرأي اإلسرائيلي يشير إلى أن ‪ 84‬بالمئة من المستطلعة آراؤهم تؤيد إقامة هذا الجدار‬
‫ال ـعــازل‪ ،‬و‪ 64‬بالمئة منهم رأوا أن الـمــس بحياة ه ــؤالء الـعــرب يعتبر مسألة هامشية‪.‬‬
‫فــاألَ ْولــى هو مستقبل الــدولــة اليهودية‪ ،‬وليس مستقبل العرب القاطنين ليس بعيد ًا عن‬
‫المجتمع اإلسرائيلي‪ .‬وهكذا أدلت غولدا مائير‪ ،‬رئيسة الحكومة اإلسرائيلية‪ ،‬برأيها يوم ًا‬
‫ال»‪ .‬إن مسألة كل هــؤالء األطفال العرب الذين يولدون في‬ ‫قائل ًة‪« :‬ال أستطيع النوم لي ً‬
‫أرض إسرائيل تبقيني يقظة(‪.((5‬‬
‫ٌ‬
‫شرط للتخلص من العرب‬ ‫‪ - 4‬التخلص من بقايا الضفة الغربية‬
‫استخدمنا هنا تعبير «بقايا الضفة الغربية»‪ ،‬ألن الوقائع االستيطانية على األرض‬
‫وفــق أكـثــر الــدراســات والـتـقــاريــر تشير إلــى أن إســرائـيــل قــد اقتطعت عملي ًا أكـثــر مــن ‪42‬‬
‫بالمئة من الح ّيز الجغرافي لمدار البحث (الضفة)‪ .‬فقد قدرت منظمة بتسليم اإلسرائيلية‬
‫لحقوق اإلنسان أن المساحة التي تسيطر عليها المستوطنات تصل إلــى ‪ 42‬بالمئة من‬
‫مساحة الضفة‪ .‬وهذا الرقم ال يتضمن مساحات القواعد العسكرية والمناطق المغلقة(‪،((5‬‬
‫وهــذه المساحة المقتطعة من الضفة أقيمت عليها ‪ 225‬مستوطنة‪ ،‬منها ‪ 123‬مستوطنة‬
‫كبيرة ومتوسطة‪ ،‬والباقي بــؤر استيطانية صغيرة‪ .‬كما أن المساحات التي تسيطر عليها‬
‫ال تتناسب مع عدد المستوطنين المقيمين فيها‪ ،‬إضافة إلى ‪ 150‬موقع ًا عسكري ًا ومحطة‬
‫مراقبة أمنية‪ .‬وإذا ما أضيف إلــى ذلــك الكتل االستيطانية في القدس التي تصل إلــى ‪4‬‬
‫بالمئة من الضفة العربية‪ ،‬فإن الرقم ‪ 42‬بالمئة سيقفز إلى حدود نصف الضفة الغربية(‪.((5‬‬
‫وف ــي كــل األب ـعــاد والـمـفــاهـيــم والـلـغــات والـنـظــريــات‪ ،‬ف ــإن مـقــولــة‪« :‬االسـتـيـطــان هو‬
‫كتاب الصهيونية األول واألب ــدي» تلخص الوقائع الكولونيالية على األرض‪ .‬فقد نشر‬
‫(‪« ((5‬مقياس السالم لشهر فبراير ‪ »،2004‬هآرتس‪ ،2004/3/9 ،‬و«مقياس السالم لشهر فبراير ‪»،2004‬‬
‫مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 112‬نيسان‪/‬أبريل ‪ ،)2004‬ص ‪.100 - 99‬‬
‫(‪ ((5‬ندافي شرجائي‪« ،‬المستوطنات تحتل ‪ %42‬من مساحة الضفة الغربية‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪90‬‬
‫(تموز‪/‬يوليو ‪ ،)2002‬ص ‪ ،43‬وتقرير بتسليم لحقوق اإلنسان في الضفة الغربية (التقرير السنوي لعام ‪.)2001‬‬
‫)‪«LAND GRAB- Israeli’s Settlements Policy in the West Bank,» B’TSELEM Report to the (54‬‬
‫‪Human Right’s (May 2002), pp. 68-69, and Khalil Tufakji, The Situation of the Land and Housing Sector‬‬
‫‪in Light of the Construction of the Apartheid Wall (Jerusalem: Coalition for Defending Human Rights,‬‬
‫‪2006).‬‬
‫‪177‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مكتب اإلحـصــاءات المركزي اإلسرائيلي تقرير ًا حديث ًا يفيد بــأن عــدد المستوطنين في‬
‫الضفة الغربية قــد ارتـفــع بنسبة ‪ 4.9‬بالمئة خــال عــام ‪ ،2009‬وأن الــزيــادة السكانية‬
‫لدى المستوطنين في الضفة الغربية فاقت بثالثة أضعاف مثيلتها داخل الخط األخضر‪.‬‬
‫ووفق ًا لهذه المعطيات‪ ،‬فقد ارتفع عدد المستوطنين في الضفة عدا القدس الشرقية من‬
‫‪ 290.400‬عام ‪ 2008‬إلى ‪ 301.200‬أواخر عام ‪ .2009‬وهذا العدد يشكل ما نسبته‬
‫‪ 4.1‬من مجموع سكان إسرائيل(‪.((5‬‬
‫وإذا ما أضيف إلــى ذلــك عــدد المستوطنين في محيط القدس من كفار عتصيون‬
‫ال‪ ،‬ومعاليه أدومـيــم شــرقـ ًا‪ ،‬إلــى جبعون ورمــوت‬ ‫جنوب ًا إلــى عوفرة وجبعات زئيف شـمــا ً‬
‫وهار أدار غرب ًا‪ ،‬التي يتموضع بها ما ال يقل عن ‪ 220‬ألف مستوطن‪ .‬فإن الضفة الغربية‬
‫ال‪ .‬ومن هنا يصبح االستيطان‬ ‫تصبح دولة مستوطنين أكثر من كونها دولة فلسطينية مستقب ً‬
‫في حالة مالحقة دائمة للجغرافيا الفلسطينية والديمغرافيا العربية‪ ،‬وذلك لتحديد الشكل‬
‫الجغرافي لــدولــة إســرائـيــل‪ .‬هــذه هــي الــوقــائــع الـتــي وضــع لمساتها األخـيــرة هــذا الـجــدار‬
‫لتخليد االستعمار من جهة‪ ،‬وضمان وجود فضاء ومتسع لالستيطان الدائم في األرض‬
‫التي قالوا عنها بأنها أراضي خالء‪ ،‬أو أراضي دولة‪ ،‬مع أن معظمها كان يشكل حتى إقامة‬
‫الجدار مصدر ًا لحياة وغذاء الفلسطينيين من جهة أخرى‪.‬‬
‫لـقــد ضــم م ـســار ال ـج ــدار الـمـمـتــد إل ــى أك ـثــر مــن ‪ 750‬كـلــم كـفـبــركــة هـنــدسـيــة آالف‬
‫الدونمات من أخصب األراضي‪ .‬ومسار الجدار الذي حشر الناس في ما يشبه القبور من‬
‫ال‪ ،‬إلى عمليات نزوح نحو مناطق أخرى أكثر سعة بشكل‬ ‫شأنه أن يؤدي‪ ،‬وهو قد أدى فع ً‬
‫نسبي من المناطق المنكوبة‪ .‬لقد أنتجت الدولة‪ ،‬التي تستبطن نظرية التفوق وأيديولوجيا‬
‫ال ـقــوة‪ ،‬أج ـهــزة أيــدولــوجـيــة لــاسـتـحــواذ عـلــى مــا يمكن مــن الـحـ ّيــز الـجـغــرافــي‪ .‬وإذا كــان‬
‫االستيطان‪ ،‬بحد ذاتــه‪ ،‬جهاز ًا‪ ،‬فإن هذا الجهاز قد أدى دوره الوظيفي باالستحواذ على‬
‫ما يمكن من الح ّيز الجغرافي‪ ،‬ألن تلك األجهزة‪ ،‬وأهمها جهاز االستيطان‪ ،‬قائمة أص ً‬
‫ال‬
‫لضمان سير النسق السياسي اإلسرائيلي‪/‬الصهيوني‪.‬‬
‫لقد حسمت الديمغرافيا إخالء قطاع غزة لعاملين أساسيين‪ :‬أولهما أنه اتضح بعد‬
‫السنوات الطويلة لالحتالل أنه ال يوجد مستقبل لالستيطان في المكان الذي يشكّل‪ ،‬كما‬
‫هو معروف‪ ،‬أعلى كثافة سكانية في العالم‪ .‬وثاني ًا‪ ،‬وهذا هو األهم‪ ،‬تحقيق حالة القطع‬
‫‪«Statistical Abstract of Israel 2009,» Central Bureau of Statistics (Israel) (2009), <http://‬‬ ‫)‪(55‬‬
‫‪www1.cbs.gov.il/reader/shnaton/shnatone_new.htm?cyear=2009&vol=60&csubject=30>.‬‬
‫‪178‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مع ‪ 1.400‬مليون من الالجئين والفقراء الفلسطينيين الذي ألقى بهم االحتالل في هذا‬
‫الركن المعزول(‪ ،((5‬وهذا ما قالته هآرتس في افتتاحيتها أيض ًا‪« ،‬على أن إخالء القطاع‪،‬‬
‫رغــم أنــه كــان عملية درامـيــة ومؤلمة‪ ،‬إال أن ذلــك سيؤدي إلــى تعافي إسرائيل كمجتمع‬
‫ودولة»(‪ .((5‬إن عافية إسرائيل وصحتها إذ ًا ترتبط مباشرة بإزاحة ما يمكن من الفلسطينيين‬
‫عــن ال ـمــدى الـبـصــري االسـتـعـمــاري‪ ،‬وف ــي الــوقــت ال ــذي ت ــؤدي فـيــه إزاح ــة الفلسطينيين‬
‫لتعافي الدولة العبرية‪ ،‬فإنها في الوقت ذاته تضعهم في ظروف ال يحتملها البشر لتحقيق‬
‫الترانسفير المتزحزح‪ ،‬وهو دائم ًا نحو الشرق‪.‬‬
‫لقد أصاب تسفي شيلواح‪ ،‬وهو عضو قديم في حزب الماباي‪ ،‬ومن أشهر أعضاء‬
‫الحزب في تلك الفترة (‪ ،)1968 - 1967‬كبد الحقيقة السياسية التي ما زالت في حالة‬
‫تفاعل‪« :‬إن آالف السكان الموجودين في المنطقة المحررة (يعني الضفة الغربية) ما هم‬
‫إال قنبلة موقوتة في قلب الــدولــة‪ ،»...‬مضيف ًا إلــى دعوته إلــى ترحيل هــؤالء‪« :‬إن كامل‬
‫تاريخ الصهيونية ما هو إال نضال متواصل لتغيير الديمغرافيا في هذه البالد»(‪ .((5‬وبعد ما‬
‫يقارب أربعة عقود‪ ،‬نجد داني تريزا الضابط المكلف من شارون لقيادة هيئة بناء الجدار‬
‫«يقاتل» لتغيير الطابع الديمغرافي فــي هــذه الـبــاد‪« .‬ال يمكن (إلـحــاق) أو (ضــم) بلدة‬
‫عــزون عتمة تحت أي ظــروف بإسرائيل‪ ،‬ألننا ال نريد أن نجلب ألنفسنا حق عــودة من‬
‫البوابة الخلفية‪ .‬لذلك‪ ،‬لقد رسمنا مسار الجدار‪ ،‬بحيث ينفي وجود أي فلسطيني عربي‬
‫خلف هذا الحدّ »(‪.((5‬‬
‫إن سياسة توزيع السكان ما هي إال أهــم السياسات واالستراتيجيات في تصميم‬

‫شكل إسرائيل جغرافي ًا وديمغرافي ًا‪ .‬إضافة إلى ذلك‪ ،‬فإن سياسة توزيع السكان ما هي إال‬
‫تتويج لعملية مصادرة األراضي‪ ،‬وهي األداة األشد مضا ًء لترسيخ السيطرة على األرض‪.‬‬
‫هذه المقولة هي خالصة التجربة التاريخية للحركة الصهيونية في فلسطين التي اعتمدتها‬
‫في كل السياسات واإلجراءات‪ .‬التي هي بالضرورة دائم ًا إجراءات أحادية‪ ،‬وليس الجدار‬
‫فقط أو االن ـطــواء أو الفصل هــو ال ـحــاالت األحــاديــة‪ ،‬إذ لــم يـحــدث فــي تــاريــخ حركات‬
‫االستيطان الكولونيالية أن استشارت هــذه الحركات ضحاياها حتى تستشير إسرائيل‬
‫ضحاياها! إن تخطيط المجال المتّبع في إسرائيل هو الذي بحثه يوسف جبارين‪ ،‬والذي‬
‫إلوف بن‪« ،‬الديموغرافيا حسمت إخالء القطاع‪ »،‬هآرتس‪.2008/8/23 ،‬‬ ‫(‪((5‬‬

‫هآرتس‪.2005/8/25 ،‬‬ ‫(‪((5‬‬

‫دافار‪.1967/7/3 ،‬‬ ‫(‪((5‬‬
‫«خفايا وخلفيات وهواجس وراء جدار الفصل العنصري‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2003/7/29 ،‬‬ ‫(‪((5‬‬
‫‪179‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يقول فيه‪« :‬إن تخطيط المجال محاولة للسيطرة على المستقبل‪ .‬وهذا الفهم مالئم جد ًا‬
‫للحالة اإلسرائيلية‪ ،‬فهو أداة لتغيير الجغرافيا والديمغرافيا»(‪ .((6‬وهو أداة لترسيم مستقبل‬
‫الشعب الفلسطيني‪ ،‬كما هو األداة لتعميق يهودية الدولة‪ .‬هنا يصبح الجدار كمشروع‬
‫مخطط‪ ،‬األداة األشــد مضا ًء لتحقيق الغرضين‪ :‬تغييب الشعب الفلسطيني وإنهاكه من‬
‫جهة‪ ،‬وضـمــان نقاء الــدولــة بيهوديتها مــن جهة أخ ــرى‪ .‬أليست الصهيونية فعل حضور‬
‫ناتج من إقصاء اآلخر من حدود الوحدة الجيوسياسية؟ وإذا كان الحضور تناظر ًا جدلي ًا‬
‫للغياب‪ ،‬فال حضور إذ ًا إال بالغياب(‪!((6‬‬
‫الكمي الذي ال بد من أن ينتصر بصورة قدرية‪:‬‬

‫‪ - 5‬فوبيا التفوق ّ‬
‫الديمغرافيا كفوبيا وجودية‬
‫ُك ـتــب فــي إســرائ ـيــل ب ـشــأن الـفــوبـيــا الــديـمـغــرافـيــة كـتـهــديــد وجـ ــودي إلســرائ ـيــل أكثر‬
‫مـمــا كـتــب فــي أي ش ــأن آخ ــر‪ .‬وق ــد تـكـثـفــت ه ــذه الـكـتــابــات وتــاح ـقــت حـتــى أصبحت‬
‫الشغل الشاغل واألب ــرز فــي جــدول األعـمــال الـقــومــي‪ .‬وال ــذي يتت ّبع خــط تـطــور مؤتمر‬
‫هرتزليا ‪ -‬ميزان المناعة واألمن القومي السنوي‪ ،‬الذي يجمع صفوة النخبة اإلسرائيلية‬
‫والـيـهــوديــة والـصـهـيــونـيــة‪ ،‬سـيـجــد إل ــى أي مـسـتــوى تـحـضــر الــديـمـغــرافـيــا فــي أوراق هــذا‬
‫الـمــؤتـمــر(‪ .((6‬نستطيع فــي هــذا الـجــزء مــن المبحث أن نــؤطــر مــا كتب وقـيــل حــول هذه‬
‫الفوبيا الوجودية التي أسست لكل المشروع الصهيوني بشكل عام‪ ،‬ولكل ما قيل حول‬
‫مشروع التسوية مع الفلسطينيين الذي كانت دالته شيفرة الديمغرافية التي و ّلدت مشروع‬
‫الجدار بشكل خاص‪.‬‬
‫كان الحفاظ على الطابع العرقي‪/‬الديني للدولة في كل ما قيل حول الموضوع يدفع‬
‫نحو الفصل القطعي‪ .‬وكــان اإلطــار الحاكم لترسيم الحدود بين إسرائيل والفلسطينيين‬
‫يجب أن يكون مــرآة للواقع الديمغرافي‪ .‬وقــد أصبح الـجــدار قيمة أساسية فــي جــدول‬
‫أعمال الحركة الصهيونية لحماية ُطهر المجتمع اليهودي مهما كان الثمن‪ ،‬ألن إسرائيل‬
‫(‪ ((6‬يوسف جبارين‪« ،‬الجغرافيا والديموغرافيا في سياسة السيطرة على المكان‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪3‬‬
‫(صيف ‪ ،)2001‬ص ‪.50‬‬
‫(‪ ((6‬حول تحويل الترانسفير إلي مؤسسة ذات فعالية دائمة‪ ،‬انظر‪ :‬محجوب عمر‪ ،‬تقديم‪ ،‬الترانسفير‪ :‬األبعاد‬
‫الجماعي في العقيدة الصهيونية‪ ،‬ترجمات مختارة من العبرية (القاهرة‪ :‬دار البيادر‪.)1990 ،‬‬
‫(‪ ((6‬انظر وثائق مؤتمر هرتزليا التي ن ُِش َرت في معظمها على شبكة اإلنترنت‪ ،‬وانظر أيض ًا الترجمات الكاملة‬
‫لوثائق المؤتمر في‪ :‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬ميزان المناعة واألمن القومي في إسرائيل‪ :‬وثائق مؤتمر هرتزليا‪ ،‬اعرف ّ‬
‫عدوك‬
‫(بيروت‪ :‬مركز باحث للدراسات‪.)2007 ،2006 ،2005 ،2004 ،‬‬
‫‪180‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫كحالة وظيفية (تعبير المسيري) هي الجهاز الحي المعدّ لحفظ النوع‪/‬العرق وإنمائه‬
‫(وظيفة الدولة عند أدولف هتلر)‪.‬‬
‫الكمي للفلسطينيين الذي يعتقده اإلسرائيليون‪ ،‬والذي ال بد من أن‬

‫إن فوبيا التفوق ّ‬
‫ينتصر بصورة قدرية‪ ،‬هي التي جعلت من الجدار ضرورة استراتيجية كي تنأى إسرائيل‬
‫يعرضون الوطن القومي المتخيل‬ ‫بنفسها عن ثالثة ماليين ونصف فلسطيني‪ ،‬أصبحوا ّ‬
‫للشعب اليهودي لخطر وجودي‪.‬‬
‫كان دان شفتان أحد المن ّظرين األوائل الذين صاغوا نظرية الفصل من خالل خلفيته‬
‫الفكرية كمستشرق‪ .‬وأظــن أن نظريته في الفصل اإلجباري التي سنعرض بعض جوانبها‬
‫تخصصه في القضايا االستراتيجية واألمنية‪ ،‬وأستاذيته في التاريخ‬
‫ألهميتها‪ ،‬إضافة إلى حقل ّ‬
‫في جامعة حيفا‪ ،‬جعلته مستشار ًا لرئيس الحكومة األسبق باراك لشؤون خطة الفصل‪.‬‬
‫‪ - 6‬دان شفتان‪ :‬نظرية الفصل اإلجباري بين إسرائيل والفلسطينيين‬

‫(نظرية الجدار)‬
‫يدّ عي دان شفتان أن أكبر خطر يواجه إسرائيل من استمرار تطور ومأسسة الحدود‬
‫المفتوحة وحرية الحركة بينها وبين الفلسطينيين يكمن في المجال الديمغرافي وتداعياته‬
‫القومية والسياسية‪ .‬ينتج هذا الخطر من تداخل الحاجات الشخصية لألفراد الفلسطينيين‬
‫الذين يدخلون إسرائيل لتحسين مستوى المعيشة وسبل الحياة‪ ،‬مع األهــداف الوطنية‬
‫الفلسطينية العليا الـتــي تخدمها تلك االعـتـبــارات الشخصية (حــق ال ـعــودة)‪ .‬ولتوضيح‬
‫ذلــك‪ ،‬يفترض داعية الفصل أن التحاق عدد كبير (عــدة آالف) من العمال الفلسطينيين‬
‫بسوق العمل في إسرائيل‪ ،‬والتقاءهم مع العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل‪ ،‬أدت إلى‬
‫لم‬
‫ظهور مئات حــاالت الـتــزاوج بين هــؤالء العمال ونساء عربيات‪ ،‬نتج منه وفــق نظام ّ‬
‫الشمل (الــذي توقف حالي ًا)‪ ،‬استقرار بضعة آالف من العرب من المناطق اإلسرائيلية‬
‫بشكل قانوني‪ .‬كما أن استغالل نتائج هــذه الظاهرة المؤكدة فــي إطــار المركب الثاني‬
‫(حــق ال ـعــودة) سيجعل منها ظــاهــرة خطيرة وجــارفــة على قــاعــدة الحفاظ على إسرائيل‬
‫بطابعها اليهودي(‪ .((6‬زيــرى شفتان أن ظاهرة الهجرة من المناطق الفقيرة إلى األخرى‬
‫(‪ ((6‬شفتان‪ ،‬الفصل اإلجباري بين إسرائيل والكيان الفلسطيني‪ ،‬ص ‪.95 - 94‬‬
‫‪Neve Gordon, Israel’s‬‬ ‫وح ــول نظرية الفصل وال ـعــزل‪ ،‬انـظــر‪Occupation (California: University of :‬‬
‫‪Califonia Press, 2008), Chapter 8: «The Separation Principle,» pp. 197-218.‬‬
‫‪181‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ذات المستوى االقتصادي الجيد‪ ،‬هي ظاهرة تاريخية‪ ،‬ولكن إسرائيل ال تستطيع احتمال‬
‫هذه الهجرة‪ ،‬ألنه ال يوجد لديها مجال امتصاص أو عمق استراتيجي يمكّنها من احتمال‬
‫هجرة دائمة عبر حدود مفتوحة‪ ،‬وعبورها ال يحتاج إال دقائق معدودة سير ًا على األقدام‬
‫ال‪ ،‬أو من طولكرم إلى ناتانيا‪ .‬وفي إطار المركب القومي‪،‬‬ ‫من قلقيلية إلى كفار سابا‪ ،‬مث ً‬
‫فــإن العمال الفلسطينيين الــذيــن يدخلون إســرائـيــل‪ ،‬ال يعتبرون أنفسهم مهاجرين غير‬
‫شرعيين‪ ،‬وإنما أصحاب حق في المكان الذي طرد منه آباؤهم وأجدادهم‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن‬
‫هذا الشعور من شأنه أن يجعل العالقة بين هــؤالء الفلسطينيين وأرض إسرائيل عالقة‬
‫تقوي لديهم الطموح القومي بحق العودة إلى هذه الديار التي طردوا منها يوم ًا‪.‬‬ ‫روحية‪ّ ،‬‬
‫«وإذا لــم يتم وقــف مثل هــذه العملية على وجــه الـســرعــة‪ ،‬فإنها ستغ ّير الطابع اليهودي‬
‫وستعرضها لخطر وجودي محدق من كل حدب وصوب‪ .‬وكلما تم وقف هذه‬ ‫ّ‬ ‫للدولة‪،‬‬
‫العملية متأخر ًا‪ ،‬كــان الثمن باهظ ًا جــد ًا بمصطلحات التغ ّيرات الديمغرافية غير القابلة‬
‫للتأويل‪ ،‬وكذلك فإن وسائل إيقافها ستكون راديكالية‪ ،‬وتنطوي على ثمن سياسي أكبر»‪.‬‬
‫وعلى جانبي الخط األخضر‪ ،‬يعيش الشعب نفسه في إطــار عائالت كبيرة تنسج‬
‫خاللها عالقات زواج‪ ،‬وقد توقفت بعد عام ‪ ،1948‬لكنها اآلن تتجدد‪ .‬وهناك الماليين‬
‫مــن الفلسطينيين الالجئين ونسلهم الــذيــن يمكن أن تشكّل لهم المصالح االقتصادية‬
‫وعــاقــات المصاهرة والعمل شك ً‬
‫ال مــن أشـكــال الـعــودة النسبية أو الكاملة إلــى مسقط‬
‫رأسهم داخل البالد وفي المناطق التي طردوا منها قبل ستة عقود(‪.((6‬‬
‫ويعتقد شفتان أن تراجع إمكانات الهجرة اليهودية إلى إسرائيل (نضوب مخازنها)‬
‫بفعل وجود أكثر من ‪ 95‬بالمئة من يهود الشتات في دول ذات مستوى اقتصادي وأمني‬
‫ورفاه اجتماعي أفضل من إسرائيل‪ ،‬سيحول دون موجات هجرة كثيفة كتلك التي عرفتها‬
‫إسرائيل في الماضي‪ ،‬والتي كان آخرها هجرة اليهود الروس في مطلع تسعينيات القرن‬
‫الماضي‪ .‬وإذا تزامن ذلك مع نمو سكاني طبيعي لليهود في إسرائيل أقل كثير ًا من مثيله‬
‫العربي‪ ،‬فــإن دخــول أي نسبة عربية إلــى إسرائيل من شأنها أن تضاعف هــذه األخطار‪،‬‬
‫وترفع نسبة وجــودهــم‪ ،‬ليس من ناحية عــدديــة‪ ،‬وإنما من ناحية اعتبارية‪ ،‬وتعزز ثقتهم‬
‫بإمكانياتهم وقدراتهم وميولهم نحو دولــة المواطنة‪ ،‬أو الحكم الذاتي أو تدفع باتجاه‬
‫االنفصال(‪.((6‬‬
‫(‪ ((6‬شفتان‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.98‬‬

‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.99‬‬
‫‪182‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تتغذى سياسي ًا من جانب زعماء الجمهور العربي‪،‬‬ ‫إن جانب الثقة بالنفس التي ّ‬
‫جعل العرب داخــل إسرائيل في موقع مساومة ذي أهمية خطرة تؤثر في مناعة الدولة‬
‫في إسرائيل‪ .‬فقد شكّلت المكانة الحاسمة للناخبين العرب في الكنيست وممثليهم‪،‬‬
‫أســاس موقع المساومة بين الكتلتين السياسيتين الكبيرتين‪ .‬فمث ً‬

‫ال لــوال الــدعــم الــذي‬
‫قدمه أعضاء الكنيست العرب‪ ،‬لما استطاعت اتفاقية أوسلو والقاهرة وطابا أن تمر‪ .‬إن‬
‫وزن أصوات الناخبين العرب ذات أهمية كبيرة‪ ،‬وحتى حاسمة في بعض األحيان‪ ،‬في‬
‫الميزان السياسي اإلسرائيلي‪ .‬لقد كان ألهمية الصوت العربي بالنسبة إلى اليسار دور‬
‫مضاعف في دفع الليكود نحو احتضان الناخبين «الحريديم» المتد ّينين لتحسين القدرة‬
‫التنافسية مع اليسار‪ .‬إن تضخيم قوة الحريديم في دولة إسرائيل التي من المفترض أن‬
‫تكون علمانية‪ ،‬هو حالة نتجت مباشرة بسبب قوة الحسم والمساومة للصوت العربي‬
‫األخذ إلى التضخم‪ .‬ومن هنا يصبح من المحظور أن ينضم أي عربي آخر من المناطق‬
‫إلــى هــذا التكتل الـعــربــي كمجموعة ضـغــط قــومـيــة كـبــرى‪ .‬ولــن يتحقق هــذا الـحـظــر إال‬
‫بالفصل مع سكان المناطق‪ ،‬حتى القطع التام بين طرفي المجموعة الفلسطينية القومية‬
‫الواحدة(‪.((6‬‬
‫ويجد دان شفتان أن هناك أبـعــاد ًا ضاغطة توجب سرعة إنجاز الفصل بالجدار‪،‬‬
‫وتتمثل بـ‪:‬‬
‫● أن الدالالت القاتلة للتعاظم الدراماتي لقوة الفلسطينيين وزيادة أعدادهم بهجرة‬

‫فلسطينيي المناطق إليهم‪ ،‬وتعاظم قوة الحريديم لتبني اليمين العلماني لمطالبهم الدينية‬
‫الثقافية والرفاة والتعليم الخاص‪ ،‬إليجاد ثقل ناخبين يــوازي ثقل الصوت العربي لدى‬
‫اليسار‪ ،‬له داللة قاتلة على الطابع الصهيوني للدولة‪ ،‬وعلى مقدرة االقتصاد اإلسرائيلي‬
‫وقدرتها الوجودية‪ ،‬وعلى مغزى وجودها نفسه كدولة يهودية‪ .‬فالوضع الذي تعتمد فيه‬
‫الكتلتان الكبيرتان (العمل والليكود) في بقائهما السياسي على عناصر مضادة للصهيونية‬
‫(العرب والحريديم)‪ ،‬وبالذات عندما يتم اتخاذ قرارات حاسمة وتاريخية‪ ،‬يتعلق بطابع‬
‫وشكل إسرائيل وعالقاتها بالجوار والمنطقة سلم ًا أو حرب ًا‪ .‬فمثل هذا الوضع هو مدمر‪،‬‬
‫تمس بأهلية الوجود االستراتيجي‬
‫بحدّ ذاته‪ ،‬وفي ظل مثل هذه الظروف قد تتخذ قرارات ّ‬
‫لدولة إسرائيل(‪.((6‬‬
‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.101‬‬

‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.102‬‬
‫‪183‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫● تالمس ال ـعــرب الفلسطينيين عـلــى جــانـبــي ال ـخــط األخ ـضــر (الـكـتــل السكانية‬
‫المانعة)‪ ،‬هو الداللة القاتلة األخرى التي يدعيها دان شفتان جراء حرية الحركة واألرض‬
‫المفتوحة‪ ،‬والـتــي تنطوي على خطر جيوغرافي ‪ -‬ديمغرافي‪ :‬هــذه الــداللــة القاتلة هي‬
‫التالقي بين طرفي المجموعة العربية‪ .‬فقد ضربت جذورها في األرض كتلة سكانية عربية‬
‫متدرج‪ ،‬يهدد بخلق منطقة عربية‬ ‫في المنطقة الواقعة بين قطاع غزة وجبل الخليل بشكل ّ‬
‫ديمغرافية صافية متواصلة ومأهولة بين الطرفين‪ ،‬وهذا من شأنه أن يقود إلى إقامة ممر‬
‫عربي (حاجز عربي) استراتيجي بين شمال دولــة إسرائيل ووسطها من جهة‪ ،‬وجنوبها‬
‫من جهة أخرى‪ .‬وكما هو الحال في الجنوب‪ ،‬فإن الشمال أكثر خطورة نتيجة التالمس‬
‫اليومي واالقتراب الكثيف بين قرى شمال الضفة الغربية‪ ،‬وقــرى المثلث العربية‪ ،‬التي‬
‫تداخلت مع ًا بشكل يوجب القطع السريع بالجدار بين عــرب إسرائيل وسكان الضفة‬
‫الغربية(‪.((6‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬األبعاد الثقافية للجدار‪:‬‬

‫اإلطار الثقافي العام لجدار العزل العنصري‬
‫سعت المجتمعات االستيطانية دائم ًا إلى تحقيق األبعاد الثقافية للجدار عبر تحقيق‬
‫تجانسها الثقافي‪ .‬ولكن الحالة اإلسرائيلية ال تختلف عن المجتمعات االستيطانية في‬
‫هــذا الشأن‪ ،‬إال أن تكوينها األولــي‪ ،‬بداية‪ ،‬قد تأسس على قيمة التجانس الثقافي قبل‬
‫وص ــول الـمـهــاجــريــن إل ــى فلسطين‪ .‬فالمجتمع اإلســرائـيـلــي المعيش يتميز بـكــونــه ُبني‬
‫بعد تأسيس نظام سياسي‪ ،‬بعكس كثير من المجتمعات الحديثة التي أفــرزت أنظمتها‬
‫االجتماعية أنظم ًة سياسية محدّ دة‪ .‬فتاريخي ًا تم إنشاء المؤسسات السياسية الصهيونية‬
‫ال (التي أصبحت مؤسسات دولــة) في فلسطين‪ ،‬ومــن ثم تمت عملية تعبئة خانات‬ ‫أو ً‬
‫المجتمع بــاألفــراد والجماعات التي تستوفي شــروط المؤسسة السياسية التي اكتمل‬
‫إعدادها‪.‬‬
‫وق ــد ح ــدّ دت ه ــذه الـمــؤسـســات الصهيونية األول ــى للمهاجرين الـيـهــود‪ ،‬وبشكل‬
‫هندسي مكان السكن وطريقة الحياة‪ ،‬كما لو أنها كانت تعبئ الخانات المعدة المرسومة‬
‫هندسي ًا بدقة مسبق ًا بأفراد وجماعات عرقية تم تصنيفها وتنقيتها وتقعيدها في الخانات‬
‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.105 - 102‬‬
‫‪184‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المعدّ ة حصر ًا لهم(‪ .((6‬لقد أرادت الصهيونية لهذه الخانات (الح ّيزات المقفلة) أن تكون‬
‫ال للتوسع والسيطرة على‬ ‫مجتمع ًا متجانس ًا ثقافي ًا يتمتع بمستوى جودة حياتية عالية‪ ،‬وقاب ً‬
‫ال لالنتشار التدريجي لتغيير الواقع الديمغرافي لصالح الوجود الصهيوني‬ ‫األرض‪ ،‬وقاب ً‬
‫الحق ًا‪ .‬وقد اتصفت هذه العمليات األولى بقوقعة الذات الفردية والجمعية داخل أسيجة‬
‫فعلية أمبيريقية مادية‪ ،‬وفي اللحظة ذاتها قوقعة الذات الجمعية المتجانسة ثقافي ًا بأسيجة‬
‫أيديولوجية صارمة»(‪.((7‬‬
‫لقد بقي التجانس الثقافي المسيج مادي ًا وأيديولوجي ًا دائم ًا وحدة التصنيف العليا‬
‫لتخوم المجتمع اإلســرائـيـلــي بعالقته مــع الشعب األصـلــي (ال ـع ــرب)‪ ،‬وبـقــي الخطاب‬
‫الحدودي (خطاب السياج) متواتر ًا ومتسع ًا وكثيف ًا‪ ،‬حتى أصبح العالمة المميزة للوجود‬
‫االستيطاني في فلسطين عبر كل المراحل التي مر بها مجتمع السياج قبل الوصول إلى‬
‫مجتمع القلعة المعيش حالي ًا في إسرائيل‪.‬‬
‫ليس أدل على هــذه الـحــدود الثقافية الـصــارمــة الـتــي يتش َّي ُـؤها الـجــدار مــن تعريف‬
‫أحــد أهــم األدب ــاء فــي إســرائـيــل‪ ،‬وهــو أ‪ .‬ب‪ .‬يهوشع‪« :‬إذا قــدّ ر لــي أن أع ـ ّـرف الصهيونية‬
‫بكلمة واحــدة‪ ،‬فإنني سأختار كلمة «الـحــدود»»(‪ ،((7‬وكلمة «الحدود» المفعمة بالمعاني‬
‫تستحضر بكثافة معانيها ومضامينها األخالقية والرمزية كل التاريخ (والعالم الذي انشقت‬
‫المعرفة بصهيونيتها‪ ،‬فإنها أبد ًا‬
‫ّ‬ ‫عنه اليهودية)‪ ،‬بتعبير حنة آرندت‪ .‬وطالما بقيت إسرائيل‬
‫لن تصبح دولة طبيعية‪ ،‬وهذه الخالصة مستمدة من طبيعة الصهيونية التي بنت مجتمع‬
‫الخانات المس ّيج العتقادها بكراهية اآلخــريــن لمادتها البشرية المستجلبة لفلسطين‪.‬‬
‫لذلك يصبح االنعزال سنّتها األبدية عن محيطها العربي تحديد ًا(‪.((7‬‬
‫تتضح الحالة الثقافية ذات البعد الواحد لــدى كل البنى االستيطانية‪ ،‬إال أنها في‬ ‫ّ‬
‫الحالة اإلسرائيلية تأخذ َمــديــات بعيدة في االنـعــزال والتوحد الــذاتــي كغاية بحدّ ذاتها‪،‬‬
‫ليس لحماية النوع فقط‪ ،‬وإنما لحماية الرموز الثقافية التي ال بد من الحفاظ على لفائفها‬
‫(‪ ((6‬إسـمــاعـيــل الناشف‪ ،‬فــك الصهيونية‪ :‬الفضاء واإليــدولــوجـيــا فــي المدينة اإلسرائيلية (بـيــرزيــت‪ :‬جامعة‬
‫بيرزيت‪ ،)2005 ،‬ص ‪.13 - 10‬‬
‫(‪ ((7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.31‬‬

‫(‪ ((7‬عليان الهندي‪ ،‬وجهات نظر إسرائيلية في الفصل أحــادي الجانب (رام الله‪ :‬الحملة الشعبية للسالم‬
‫والديموقراطية‪ ،)2004 ،‬ص ‪.42‬‬

‫(‪ ((7‬إسرائيل شاحاك‪« ،‬الصهيونية شر وال إمكانية لتطبيع إسرائيل مع وجودها‪ »،‬الكرمل‪ ،‬العدد ‪( 62‬شتاء‬
‫‪ ،)2002‬ص ‪.85‬‬
‫‪185‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بشقيها الديني والزماني والعلماني‪ ،‬في إطار مجتمع القلعة المتشكّل اآلن للدولة العبرية‪.‬‬
‫ويــؤكــد الكاتب اإلسرائيلي المعروف بنيامين بيت هالحمي هــذه الـضــرورة بالقول إن‬
‫االستعمار االستيطاني يعمل بشكل آلــي على إزاح ــة السكان األصليين لخلق مساحة‬
‫خاصة تتحقق فيها حكايات التجانس الثقافي المستعلي في المكان‪ .‬فهو يملك مبررات‬
‫أيديولوجية‪ ،‬سواء على هيئة خطة سياسية علمانية أم خطة إلهية»‪ .‬والنموذج الذي يقوم‬
‫عليه االستيطان الصهيوني يتمثل بمنطقة أو مناطق معينة جرى حصرها بالجدار كحيز‬
‫ديـنــي‪/‬عــرقــي خــاص تُمنح فيه أعـضــاء جماعة تـعـ ّـرف فــي الـقــانــون اإلســرائـيـلــي بالشعب‬
‫ومتفوقة على الشعب الفلسطيني لضمان تــوالــد قيم‬ ‫ّ‬ ‫الـيـهــودي حقوق ًا سياسية حصرية‬
‫التفوق والعزلة الثقافية(‪.((7‬‬
‫لـقــد جـعــل ال ـجــدار ال ــذي اسـتـعــاض عــن كــامــل فلسطين الـتــاريـخـيــة حـكــر ًا حصري ًا‬
‫للشعب المختار‪ ،‬بفعل الفشل التاريخي الذي تمثل بعدم النجاح التام بتفريغ األرض‬
‫مــن سـكــانـهــا كـحــل نـهــائــي‪ ،‬مــن االسـتـيـطــان الـمـنـعــزل الـمــرتـبــط م ـع ـ ًا ب ــوح ــدات وخـطــوط‬
‫ال‪ .‬ففي هذه الوحدات تتحقق وحدة‬ ‫مواصالت‪ ،‬مادة تعويضية عن امتالك المكان كام ً‬
‫المهاجرين الثقافية‪ ،‬ولكن شرط تحققها هو ضمان انعزالها‪ ،‬وضمان انعزالها ال يتحقق‬
‫إال ب ـ «الـســور»‪ ،‬بتعبير جابوتنسكي‪ .‬وعلى حــدّ تعبير المفكر الصهيوني تفنكين (عــام‬
‫‪« :)1944‬إن التبلور القومي قائم على االستيطان‪ ،‬فــاألمــة هــي ظــاهــرة ثقافية تبدأ مع‬
‫االستيطان‪ ،‬وليس هناك فرصة لنصبح أمــة إال باالستيطان‪ ،‬أمــا األصــل العرقي فيأتي‬
‫دوره في مرحلة الحقة»(‪.((7‬‬
‫تعج به منحنيات وزوايــا الجدار الفظة التي تجرح ظاهر‬ ‫إن الخط الهندسي الذي ّ‬
‫وجمع وأتى بالمستوطنات البعيدة نسبي ًا عن المركز اليهودي‪ ،‬الحتوائها‬ ‫ّ‬ ‫الخريطة‪ّ ،‬قرب‬
‫ضمن المجموع اليهودي كمربعات لتصفيفها وفق خط ثقافي حاد القطع‪ .‬ففي الوقت‬
‫الذي يتم فيه احتواء التكوينات االستيطانية اليهودية كجزء من الحالة العرقية التي صنعها‬
‫االسـتـيـطــان‪ ،‬فــإنــه أيـضـ ًا جــرى لفظ التجمعات العربية األصــانـيــة خ ــارج هــذا المجموع‬
‫الثقافي اليهودي والعرقي المتخيل إلى المكان‪.‬‬
‫(‪ ((7‬بـنـيــامـيــن بين هالحمي‪« ،‬الـتــاريــخ يـطــارد الصهيونية ويلحق بـهــا‪ »،‬الـكــرمــل‪ ،‬ال ـعــددان ‪( 56 - 55‬ربيع‬
‫‪ ،)1998‬ص ‪.79 - 78‬‬

‫(‪ ((7‬آريــه نيئور‪« ،‬مفهوم أرض إسرائيل الكاملة‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 106‬تشرين األول‪/‬أكتوبر‬
‫‪ ،)2003‬ص ‪.21‬‬
‫‪186‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫قد يكون ليبرمان (وزير خارجية إسرائيل‪ ،‬ورئيس حزب إسرائيل بيتنا ذي األغلبية‬
‫الروسية)‪ ،‬هو حالة نموذجية لنظرية الدولة المتجانسة‪ .‬ورغم أنه من أنصار حالة التطرف‬
‫المطهرة‪،‬‬
‫ّ‬ ‫اليمينية التي تقول بكامل أرض إسرائيل‪ ،‬إال أنه سريع ًا ما ارتدّ إلى نظرية األمة‬
‫في دراسته المقدمة إلى مؤتمر هرتزليا الخامس للمناعة واألمن القومي‪ ،‬إذ ّبرر «تنازله»‬
‫عن أرض إسرائيل الكاملة‪« :‬أنا أعــارض من دون أي لبس مبدأ األرض مقابل السالم‪.‬‬
‫إن فكرتي تــدور حول مبدأ آخــر‪ ،‬هو مبادلة األرض بالسكان‪ .‬أنا أريــد أن أرى إسرائيل‬
‫مطهرة من األقليات‪ ،‬ولذلك فإن هدفي هو‬ ‫دولة متجانسة كبولندا وهنغاريا‪ ،‬حيث األمة ّ‬
‫أن تكون لنا دولة يهودية صهيونية بحتة‪ ،‬متجانسة‪ .‬ولذلك ال أجد مانع ًا يحول دون نقل‬
‫الحدود وجعل بلدة مثل أم الفحم داخل المنطقة العربية‪ ،‬وليس جزء ًا من إسرائيل»(‪.((7‬‬
‫إن السعي الدائم إلى تطابق الحدّ الثقافي مع الحدّ السياسي جعل تقرير هذه الحدود‬
‫منحنى عنيف ًا‪ ،‬سواء بتقرير الحدّ األول (خط الهدنة عام ‪ ،)1949‬أم بتوسيع‬
‫ً‬ ‫يأخذ دائم ًا‬
‫هذا الحدّ الذي يجب أن يلتحق بالدولة العبرية بعد عام ‪ .1967‬ثم‪ ،‬ونتيجة نضال العرب‬
‫المطالب بدولة كل مواطنيها‪ ،‬وتعاظم الطموحات الفلسطينية الوطنية نحو‬ ‫في الداخل ُ‬
‫كيانية سيادية في مناطق ‪ 1967‬بما فيها القدس العربية‪ ،‬تطور في إسرائيل جيل جديد من‬
‫القوانين والنظم العنصرية القامعة للهوية العربية في داخل األرض المحتلة‪ ،‬بشكل أشد‬
‫سفور ًا من سنوات االحتالل األولى‪ .‬وعلى الجانب الشرقي‪ ،‬كان الجدار هو المشروع‬
‫األبرز لحماية هوية الدولة اليهودية من المجموعتين العربيتين الشرقية والغربية‪ ،‬وذلك‬
‫بترسيخ مبدأ الفصل بينهما(‪.((7‬‬
‫ويـبــدو أن إسرائيل التي ولــدت مــن شعور بقلق الـمــوت لــم يعرفه شعب آخــر منذ‬
‫بــدايــاتــه‪ ،‬وف ــق مــا قــالــه روب ـيــر بــادنـتـيــر فــي صحيفة لــومــونــد(‪ ،((7‬فـقــد اعـتـبــر معهد تخطيط‬
‫سياسات الشعب اليهودي أن أهم تحدّ يواجه المشروع الصهيوني يتمثل بضعف الهوية‬
‫اليهودية‪ ،‬ليس لدى يهود الشتات فقط‪ ،‬الذي يتمثل بتضاؤل عناية الجيل الشاب بحياة‬
‫الجماعة اليهودية‪ ،‬والنـزوع نحو الزواج المختلط‪ ،‬وعدم الميل إلى الهجرة نحو الدولة‪،‬‬
‫(‪ ((7‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬ميزان المناعة واألمن القومي في إسرائيل‪ :‬وثائق مؤتمر هرتزليا الخامس (‪،)2005‬‬
‫ص ‪.481‬‬
‫(‪ ((7‬إي ـه ــودا شيرينتك‪« ،‬مسألة الـعــرب فــي إســرائـيــل مــن حـ ّـل المشكلة إلــى إدارت ـهــا»‪ ،‬المشهد اإلسرائيلي‪،‬‬
‫‪.2004/1/27‬‬
‫(‪ ((7‬باسكال بونيفاس‪ ،‬من يجرؤ على نقد إسرائيل‪ ،‬ترجمة أحمد الشيخ (بيروت‪ :‬المركز العربي للدراسات‬
‫الغربية‪ ،)2004 ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪187‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وإنما أيض ًا لدى فئات مختلفة داخل هذه الدولة التي بدأت تقترب من نقاش دولة كل‬
‫مواطنيها لتحويلها إلى دولة طبيعية‪ .‬إن هذا الخوف وقلق الذبول والموت‪ ،‬جعل القيادة‬
‫اإلسرائيلية فــي حــالــة تــوتــر‪ ،‬تمظهر فــي مستوى العنف ال ــذي تمثل بــرفــع أس ــوار الغيتو‬
‫وتحصينها وتبويبها ومدها إلى ما النهاية(‪.((7‬‬
‫تساءل إيــان بابيه‪ :‬ما الــذي يجري خلف األســوار التي أصبحت شاهقة جــد ًا في‬
‫الجيب الـ «ما بعد كولونيالي»؟‪ .‬أوالً جرت تاريخي ًا عملية ديننة للصهيونية‪ ،‬أو هي ديننة‬ ‫َ‬
‫ا هي متدينة‪ .‬وهــذه الصهيونية المتدينة تقوم بعملية تبييض دائم‬ ‫نفسها‪ ،‬أو ألنها أص ـ ً‬
‫لليهود الشرقيين الــذيــن يعيشون فــي الجيب األشـكـنــازي األبـيــض‪ .‬وثــانـيـ ًا‪ ،‬هناك عملية‬
‫تبييض أخرى أكثر عنف ًا في المناطق التي أصبحت محرر ًة بعد عام ‪ ،1967‬تتمثل بمحو‬
‫العربي الذي يمثل نتوء ًا في المدى البصري للمستوطنين البيض أو الذين جرى َغسلهم‬
‫من شرقيتهم‪ ،‬وهم اليهود ذوو األصــول العربية(‪ .((7‬لقد أصبح التجانس المشدّ د عليه‬
‫في الدولة المتطهرة من األقليات (الجوييم) الذين هم السكان األصليين‪ ،‬دين ًا صهيوني ًا‬
‫مدني ًا حداثي ًا‪ .‬وضمن أسفار هذا الدين المدني وجــدت الصهيونية لغة مشتركة لهؤالء‬
‫المستوطنين تقوم على دمغ الفلسطينيين بالتخ ّلف والتوحش والجهل والعنف‪ ...‬لتسويغ‬
‫سلب األرض والطرد واالحتجاز ومصادرة الموارد‪ ...‬والتسييج بالقفص‪ ،‬بحسب تعبير‬
‫ودعوة بيني مورس(‪.((8‬‬
‫لقد تزامن التسييج والتشييك بالجدار مع إلحاح إسرائيلي غير معهود في التشديد‬
‫على يـهــوديــة الــدولــة عبر عـشــرات الـقــوانـيــن العنصرية الـتــي سنّتها الكنيست فــي العقد‬
‫األخير‪ .‬إن مسألة تحديد طابع أي دولة هو شأن داخلي من شؤون السيادة‪ ،‬إذ لم يسبق‬
‫لدولة أن تدخلت لتحديد طبيعة دولــة أخــرى‪ .‬فكيف إذا كان األمــر يتعلق بقيام دولــة ما‬
‫«هي إسرائيل» بالطلب من اآلخرين (الفلسطينيين) تحديد ًا‪ ،‬والعرب عموم ًا‪ ،‬باالعتراف‬
‫بطابعها اليهودي‪ ،‬وليس فقط بحدودها وسيادتها وأمنها ووجودها في المنطقة اإلقليمية‬
‫المتْخم بالشروط‬ ‫العربية‪ ،‬كشرط أولــي واستراتيجي لتحقيق تقدم في مشروع التسوية ُ‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬واحتياجاتها وأولوياتها(‪.((8‬‬
‫(‪ ((7‬نتان غوتمان‪« ،‬الهوية اليهودية في أزمة‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/6/14 ،‬‬

‫(‪ ((7‬إيالن بابيه‪« ،‬عن العودة والعنصرية‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/5/3 ،‬‬
‫(‪ ((8‬شموئيل أمير‪« ،‬الصهيونية كلونيالية أم دين‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/4/19 ،‬‬

‫(‪ ((8‬مــاجــد كيالي‪« ،‬مغزى الجدل حــول طبيعة إسرائيل‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪ ،2003/6/17 ،‬وأنطوان‬
‫شلحت‪« ،‬تذكير بجوهر إسرائيل‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2003/7/29 ،‬‬
‫‪188‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫طبع ًا‪ ،‬ال يخفى على أحد ما لهذا المطلب من نتائج كارثية على العرب داخل البالد‬
‫(عام ‪ )1948‬من جهة‪ ،‬ولوضع حدّ أبدي ونهائي لمسألة حق عودة الالجئين الفلسطينيين‬
‫إلى ديارهم التي أخرجوا منها‪ .‬ولعل ذلك يكون مقدمة لطلب إسرائيل بإبطال هذا الحق‪،‬‬
‫كما جرت عملية إبطال قرار الجمعية العامة الذي اعتبر الصهيونية حالة عنصرية في ‪10‬‬
‫تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪ ،1975‬والــذي جرى إبطاله عملي ًا عام ‪ 1991‬من قبل الجمعية‬
‫العامة بالقرار الرقم ‪.46/86‬‬
‫هـكــذا يتحول ال ـجــدار إلــى إط ــار حــديــدي ضــاغــط للمركزية اإلثـنـيــة الـيـهــوديــة التي‬
‫تتجلى في مفاهيم من نــوع‪ :‬دولــة يهودية‪ ،‬مدينة يهودية‪ ،‬شــارع يـهــودي‪ ،‬حــارة يهودية‪،‬‬
‫عمل يهودي‪ ،‬سوق يهودي‪ ،‬طعام يهودي‪ ،‬زواج يهودي‪ ،‬فضاء يهودي‪ ،‬ح ّيز يهودي‪،‬‬
‫مسرح يهودي‪ ،‬شاطئ يهودي‪ ...‬تهيمن عليه ثقافة إسبارطه اليهودية التي تقدس العنف‬
‫يتجرع تربية تقوم على فكرة‪« :‬عرق‬ ‫ّ‬ ‫والـقــوة كعالمة يهودية ثقافية فارقة يحملها جيل‬
‫عبقري سخي وشديد البأس»(‪.((8‬‬
‫إن الفصل عند هذه اللحظة هو شرط مسبق لممارسة التمييز تجاه الفلسطينيين‪،‬‬
‫وهــو أهــم جهاز سيطرة يخدم استمرارية عالقات التسلط واالستحواذ وادع ــاء السمو‪،‬‬
‫ويـسـمــح بـتـجــديــد الـعـمـلـيــات الـكــولــونـيــالـيــة داخ ــل فلسطين الـمـحـتـلــة‪ .‬وت ـحــدد ال ـجــدران‬
‫واألسيجة جيد ًا المجموع القومي ‪ -‬اإلثني‪ ،‬وتوحد ساكني القالع وتغربهم عن ساكني‬
‫المكان الذين يتحولون إلى محيط عدائي‪ .‬وهي‪ ،‬أي الجدران واألسيجة‪ ،‬ترسم خطوط‬
‫المجابهة بين اليهود والعرب‪ .‬ومن دون األسوار واألسيجة الفاصلة‪ ،‬قد تلتبس األمور‬
‫على الـ «نحن» والـ «هم»(‪.((8‬‬
‫هذا الواقع يعيدنا إلى خالصة عزمي بشارة في كتابه من يهودية الدولة حتى شارون‪:‬‬
‫«ال يجوز رؤية المشاريع السياسية اإلسرائيلية بمعزل عن الثقافة السياسية المساندة لها‪،‬‬
‫وهي ثقافة عنصرية‪ ،‬ال شك في ذلــك‪ .‬هذه العنصرية اإلسرائيلية ليست مسألة جانبية‪،‬‬
‫وال هي ظاهرة مرافقة أو عارض من عوارض المواجهة‪ ،‬بل هي مسألة بنيوية»(‪.((8‬‬
‫(‪ ((8‬إيالن زئيف‪ ،‬جدلية الوطن والمنفى‪ :‬التربية اإلسرائيلية والتربية المنفوية في عهد ما بعد الحداثة‪ ،‬ترجمة‬
‫فريق مدار (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.)2006 ،‬‬
‫(‪ ((8‬غ ــادي الغازي وخـيــراردو اليبذر‪« ،‬تعايش في بــاد المحاسيم‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬الـعــددان ‪27 - 26‬‬
‫(ربيع ‪ -‬صيف ‪ ،)2002‬ص ‪.39 - 38‬‬

‫(‪ ((8‬عــزمــي بـشــارة‪ ،‬من يهودية الــدولــة حتى ش ــارون‪ :‬دراســة في تناقص الديمقراطية اإلسرائيلية (رام الله‪:‬‬
‫‪189‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫هـ ــذه ال ـع ـن ـصــريــة ال ـب ـن ـي ــوي ــة‪ ،‬ج ـع ـلــت م ــن ال ـص ـه ــاي ـن ــة‪ ،‬ال بــوص ـف ـهــم ي ـ ـهـ ــود ًا‪ ،‬وإن ـم ــا‬
‫بوصفهم الجوهري كمستعمرين يــرتــدّ ون إلــى معطيات ثقافية أوروبـيــة من جنس ثنائية‬
‫الشرق ‪ -‬الغرب التي جعلت من رئيس الدولة السابق موشيه كتساف نموذج ًا حي ًا لتمثيل‬
‫هذه الثنائية الصارخة الجارحة‪« :‬ثمة هوة كبيرة بيننا وبين أعدائنا‪ ،‬ليس فقط على صعيد‬
‫القابلية‪ ،‬بل في مجاالت األخالق والثقافة‪ ،‬قدسية الحياة والضمير‪ .‬الفلسطينيون أناس‬
‫مجرة أخرى مختلفة بالفعل»(‪.((8‬‬ ‫ال ينتمون إلى قارتنا أو إلى عالمنا‪ ،‬بل هم من ّ‬
‫فــإذا كــان العرب أصــل الشر‪ ،‬فــإن النقيض هنا (إسرائيل) تبقى متمتعة باالحتكار‬
‫اإللهي للخير‪ .‬أليس تقنيات المركزية العرقية والسمو األخالقي والضمير وقدسية الحياة‬
‫وغيرها هي ذاتها ثقافة كل المستعمرين إزاء اآلخر؟ أليست فضيلة الرجل األبيض هي‬
‫التي أسست لحق التضحية بــاآلخــر الـمــوصــوف مــن قبل قــوى االستعمار‪ ،‬الوحوشي‪،‬‬
‫المتوحش‪ ،‬الـبــدائــي‪ ،‬المفترس األس ــود؟ لــم يـغـ ّـرد كتساف أب ــد ًا خ ــارج الـســرب الثقافي‬
‫األب ـيــض‪ ،‬بــل هــو اللحن الـقــديــم نفسه المتجدد مــع كــل حــالــة استعمار فــي هــذا العالم‪.‬‬
‫ليست حالة الشطط الرهيبة فــي البحث‪ ،‬وتجسيد الــدولــة اليهودية كحالة دينية عرقية‬
‫مخصوصة بالسمو واالصطفاء‪ ،‬هي الحالة المبتغاة من وراء الجدار‪ ،‬وإنما أيض ًا طمس‬
‫حرية الجماعة اإلنسانية األخرى‪ ،‬وهذا ليس خروج ًا عن النسق االستعماري بقدر ما هو‬
‫استمرار للفلسفات والحركات السياسية العنصرية‪ ،‬وهــم يــدّ عــون الــدفــاع عن الهويات‬
‫الدينية والعرقية الخاصة(‪.((8‬‬
‫(‪ ((8‬موشيه كتساف‪« ،‬وحشية الفلسطينيين‪ »،‬جيروسالم بوست‪.2005/5/11 ،‬‬

‫(‪ ((8‬إيمانويل رينو‪« ،‬التصورات األرولية للتهويد‪ »،‬في‪ :‬عزيز العظمة‪ ،‬مفاهيم عالمية ‪ -‬الهوية‪ :‬من أجل حوار‬
‫بين الثقافات‪ ،‬ترجمة عبد القادر قنيني (بيروت؛ الدار البيضاء‪ :‬المركز الثقافي العربي‪ ،)2005 ،‬ص ‪.146 - 145‬‬
‫‪190‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تداعيات الجدار على مشروع الدولة‬

‫الفلسطينية والشعب الفلسطيني‬
Copyright © 2015.
191
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
192
‫أوالً‪ :‬تقويض مشروع الدولة الفلسطينية‬

‫يبدو أنه ال توجد دولة في العالم في حالة عبادة مرضية لألعداد والنسب المئوية‬
‫وسعة المساحات وتناسبها‪ ،‬كما هي في إسرائيل! ونحاجج بأن سؤال األرض والسكان‬
‫(المركب الجغرافي ‪ -‬الديمغرافي)‪ ،‬كان دائم ًا وأبد ًا المركب الثابت المتداخل‪ ،‬المترابط‬
‫في كل الصياغات الهندسية الصهيونية لبناء الدولة اليهودية الخالصة التي يتطابق فيها‬
‫الدين مع القومية‪ .‬هنا تبدو العالقة بين رياضيات التزمت الديني ورياضيات الهندسة‬
‫الديمغرافية والمساحات الجغرافية الخاطفة لألبصار‪ ،‬في سياق الصيرورة التاريخية على‬
‫المدى الزمني لالحتالل عــام ‪ ،1967‬وقــد أعيدت صياغة البناء الطبيعي لتالل الضفة‬
‫الغربية لخلق ما يبدو وكأنه مدى يهودي كامل مؤسطر بهستيروغرافيا صهيونية توراتية‬
‫كاملة‪ .‬هل هناك في العالم من أحدث تغييرات في طوبوغرافية المكان وجغرافيته‪ ،‬كما‬
‫أحــدثــت إســرائـيــل فــي الضفة الغربية؟ أزعــم أنــه لــم يـحــدث‪ ،‬إلــى درجــة أنــه فــي كثير من‬
‫المواقع الطبيعية في جغرافية فلسطين أصبح اإلنسان يصاب بالدوار والغربة عن ذاكرته‬
‫البصرية الـتــي نهضت على ص ــورة المشهد منذ الطفولة‪ ،‬إذا غــاب عــن المكان لبضعة‬
‫شهور‪ ،‬وأحيان ًا أليام‪ .‬إن صورة المكان (الذاكرة البصرية) مسختها معدات الحفر‪ ،‬وتغيير‬
‫الطرقات التاريخية‪ ،‬أو حجبتها عن البصر بألواح الباطون‪ ،‬معدات الحفر والتجريف التي‬
‫لم يتوقف صرير جنازيرها‪ ،‬ووقع دق حفاراتها للصخور الجيرية لتالل هذه المنطقة من‬
‫فلسطين‪ ،‬منذ الخامس من حزيران‪/‬يونيو ‪ 1967‬وحتى اللحظة(((‪.‬‬
‫سوف نؤسس لهذه الوحدة بقول لمارتن بوبر‪ ،‬أحد أبرز الفالسفة الصهاينة‪ ،‬الذي‬
‫رأينا فيه من البالغة العنصرية‪ ،‬ما يسمح باالدعاء في هذه الدراسة أن كل ما حدث في‬
‫ال‪ ،‬إن هو إال صــدى لرؤية بوبر‪« :‬ال حياة من بدون‬‫البالد ويـحــدث‪ ،‬وسيحدث مستقب ً‬
‫((( أري ـيــه نيئور‪« ،‬مفهوم أرض إسرائيل الكاملة‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬الـعــدد ‪( 101‬أيــار‪/‬مــايــو ‪،)2003‬‬
‫ص ‪.29 - 27‬‬
‫‪193‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تدمير حياة اآلخرين‪ ،‬فإذا أمعنا النظر نجد أن كل واحد منا يسلب في كل لحظة شخص ًا‬
‫آخر ح ّيز حياته‪ ،‬وبما أننا جئنا لنؤمن مكان ًا ألجيالنا المقبلة‪ ،‬فقد كنا مضطرين إلى تقليص‬
‫ح ّيز األجيال المقبلة من الشعب العربي»(((‪.‬‬
‫إن كثير ًا من الرسومات الكاريكاتورية التي تحيل التراجيديا إلــى كوميديا ُيتبعها‬
‫صاحبها بالقول‪ :‬ال تعليق!! ففي كثير من األحيان يفسد التعليق أو شرح النص‪ ،‬في حال‬
‫من اكتوى بنار تدمير الحياة‪ ،‬وسلب الوجود‪ ،‬وذبح النفس‪ .‬وللضرورة األكاديمية‪ ،‬فإني‬
‫سأترك التعليق لشموئيل أمير‪« :‬أعتقد أن أي إنسان متنور سيصدم عند قراءة أقوال بوبر‬
‫التي تنطوي في جوهرها على سمات فاشية‪ ،‬بمعنى تسويغ ظلم األقوياء تجاه الضعفاء‪.‬‬
‫إنها تسويغ فلسفي لممارسة القوة والظلم‪ ،‬إذ يرسم بوبر هنا صورة لغاية بشرية بقوله‪:‬‬
‫«ال حياة من دون تدمير حياة اآلخرين»‪ .‬إن أقوال بوبر تكشف بوضوح ما هي الصهيونية‬
‫المتمثلة باحتالل الـبــاد‪ ،‬ولعل أكثر مــا تقشعر لــه األب ــدان هــو حديثه عــن احـتــال ح ّيز‬
‫الحياة‪ .‬ألم يكن بوبر يعي أنه يستخدم تعبير ًا أيديولوجي ًا نازي ًا؟(((‪ ،‬وفق منطق «ال حياة‬
‫من دون تدمير حياة اآلخرين»‪ ،‬ووفق أخالق «تقليص ح ّيز األجيال المقبلة» من الشعب‬
‫العربي‪ ،‬فإن هذا المنطق األخالقي قد اقتلع ذبح ًا وتهجير ًا أكثر من ‪ 750‬ألف عربي من‬
‫المكان‪ .‬وفي السنوات الثالث األولى لالحتالل األول‪ ،‬جرى استزراع ‪ 750‬ألف مهاجر‬
‫يهودي آخرين في المكان نفسه‪ .‬واليوم‪ ،‬داخل األرض المحتلة عام ‪ ،1948‬ورغم أن‬
‫العرب يشكلون ‪ 20‬بالمئة من سكان الدولة العبرية‪ ،‬فإنهم ال يملكون سوى ‪ 2.1‬بالمئة‬
‫من المساحة العامة إلسرائيل السيادية(((‪.‬‬
‫وبنقل هــذه السياسة (ال حـيــاة إال بتدمير حـيــاة اآلخــريــن‪ ،‬وتقليص حـ ّيــز األجـيــال‬
‫هجر منها االحتالل بوسائل مختلفة ومتداخلة‬ ‫المقبلة من العرب) إلى الضفة الغربية التي ّ‬
‫ومتدحرجة منذ عام ‪ 1967‬أكثر من ‪ 600‬ألف فلسطيني(((‪ ،‬جرى االستيالء على أكثر‬
‫من نصف المساحة اإلجمالية للضفة البالغة ‪ 5661‬كلم‪.2‬‬
‫((( شموئيل أمير‪« ،‬سيطرة الوعي الصهيوني واستحواذه بصورة تامة على جميع مناحي الحياة‪ »،‬المشهد‬
‫اإلسرائيلي‪.2010/5/18 ،‬‬
‫((( المصدر نفسه‪.‬‬

‫((( يوسف جبارين‪« ،‬الجغرافيا والديموغرافيا في سياسة السيطرة على المكان‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪3‬‬
‫(صيف ‪ ،)2001‬ص ‪.51‬‬

‫((( انـ ـظ ــر‪ :‬ن ــور ال ــدي ــن م ـصــال ـحــة‪ ،‬أرض أك ـثــر وعـ ــرب أقـ ــل‪ :‬سـيــاســة الـتــرانـسـفـيــر اإلســرائ ـي ـل ـيــة ف ــي التطبيق‪،‬‬
‫‪( 1996 - 1949‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،)1997 ،‬ص ‪.230 - 191‬‬
‫‪194‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫في دراســة لوحدة نظم المعلومات واالستشعار عن بعد‪ ،‬أعــدّ هــا مركز األبحاث‬
‫التطبيقية (أريــج) ‪ -‬الـقــدس(((‪ ،‬لمقارنة المساحات العمرانية الفلسطينية واإلسرائيلية‪،‬‬
‫تب ّين أن هناك ‪ 5‬محافظات من أصل ‪ 11‬محافظة تزيد فيها المساحة العمرانية اإلسرائيلية‬
‫عـلــى الفلسطينية‪ .‬وتـبـ ّيــن أن مـحــافـظــات ال ـقــدس وأري ـحــا واألغـ ــوار وقلقيلية وسلفيت‬
‫وطوباس تزيد فيها المساحة العمرانية اإلسرائيلية على الفلسطينية‪ .‬وفي حال أخذ بعين‬
‫االعتبار حدود المخطط الهيكلي التوسعي للمستوطنات‪ ،‬فإن عدد المحافظات سيرتفع‬
‫إلى ثمان من أصل ‪ ،11‬تزيد فيها المساحة العمرانية اإلسرائيلية على الفلسطينية بدخول‬
‫محافظات بيت لحم ورام الله ونابلس على القائمة(((‪.‬‬
‫يقيم فــي ه ــذه ال ـح ـ ّيــزات االسـتـيـطــانـيــة بـمــا فيها ال ـق ــدس‪ ،‬مــا ي ـقــارب نـصــف مليون‬
‫مستوطن((( مقابل مليونين ونصف فلسطيني موزعين على محافظات الضفة الغربية‪.‬‬
‫وكما هو معروف‪ ،‬فإن التقسيم الجغرافي وفق اتفاق أوسلو االنتقالي الثاني عام ‪،1995‬‬
‫‪ ،(((C‬وبحسب‬ ‫قد جعل أكثر من ‪ 60‬بالمئة من األراضي ضمن المنطقة المسماة منطقة ‏‬
‫أغلب الــدراســات والتقارير‪ ،‬فــإن ‪ 13‬بالمئة من أراضــي الضفة الغربية ستصبح معزولة‬
‫خلف الجدار‪ .‬وأما النسبة الباقية‪ ،‬فهي موزعة في أكثر من ‪ 80‬بالمئة من منطقة األغوار‬
‫والمناطق اإلقليمية للمستوطنات‪.‬‬
‫ولكن نسبة ‪ 13‬بالمئة التي أصبحت مقولة دائـمــة على ألسنة الخطباء والساسة‬
‫هي مقولة مضللة وخطرة‪ ،‬ألن الحقائق على األرض هي أكثر من ضعفي هذه النسبة‪.‬‬
‫فعملي ًا عندما يتحدث االحتالل عن احتجاز ‪ 13‬بالمئة من المساحة خلف الجدار‪ ،‬فإنها‬
‫تترجم بمصادرة فعلية ألكثر من ‪ 46‬بالمئة من كامل مساحة الضفة الغربية‪ .‬وهذه النسبة‬
‫تمثل مجاميع األراضي المعزولة من الجدار بنسبة ‪ 14 - 13‬بالمئة‪ ،‬والمناطق العسكرية‬
‫((( أشكر الدكتور جاد إسحاق الذي أمدّ ني بهذه الدراسة الثمينة لدى مقابلتي له في مدينة بيت لحم التي ُت َعدُّ‬
‫من أحدث وأخطر الدراسات التي يعتدُّ بها‪ ،‬والتي تُشير بشكل واضح وصريح إلى انعدام فرصة الدولتين على أرض‬
‫الواقع‪.‬‬
‫((( «مقارنة المساحات العمرانية الفلسطينية واإلسرائيلية‪ »،‬مركز األبحاث التطبيقية (أريج ‪ -‬القدس ‪ -‬بيت‬
‫لحم) (‪ ،)2010‬ص ‪.3‬‬
‫((( الــرقــم المتداول‪ ،‬وبنا ًء على اإلحـصــاءات اإلسرائيلية‪ ،‬فإن عدد المستوطنين في غالف القدس الشرقية‬
‫الذين أصبحوا جميع ًا ضمن حدود الجدار ‪ -‬أي ضمن متروبول المدينة ‪ -‬هو ‪ 200‬ألف مستوطن بما فيها معاليه‬
‫أدوميم وكفار عتصيون‪ّ .‬إل أن أ‪ .‬خليل التفكجي يضيف ‪ 30‬ألف مستوطن آخرين ليصبح العدد ‪ 230‬ألف مستوطن‬
‫على األراضي المحتلة عام ‪ 1967‬في حدود القدس‪.‬‬
‫((( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.3‬‬
‫‪195‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المغلقة بنسبة ‪ 30‬بالمئة‪ ،‬وشوارع المستوطنين والطرق اإلقليمية العابرة للضفة بنسبة ‪2‬‬
‫بالمئة‪.‬‬
‫ويجب أن نشير هنا إلــى أن النظرية األمنية السياسية لشارون وغيره من الساسة‪،‬‬
‫اعتبرت التخوم الشرقية (األغوار) بالقيمة االستراتيجية نفسها للتخوم الغربية التي كانت‬
‫ضمن مـشــروع اإلغ ــاق بــالـجــدار‪ ،‬إال أن الضغوط الــدولـيــة واألمــريـكـيــة أرج ــأت عملية‬
‫الجدار الشرقي‪ ،‬األمر الذي جعل إسرائيل تعلنها منطقة مغلقة‪ ،‬كما أسلفنا لاللتفاف على‬
‫هذه الضغوط‪.‬‬
‫‪ - 1‬اإلبادة السياسية للشعب الفلسطيني‬

‫ك ــان مصطلح «اإلب ـ ــادة الـسـيــاسـيــة» )‪ ،(Politicised‬ال ــذي خ ـ ّطــه عــالــم االجـتـمــاع‬
‫اإلســرائـيـلــي ب ــاروخ كيمرلينغ قبل وفــاتــه‪ ،‬مثير ًا للمجتمع والــدولــة فــي إســرائـيــل‪ ،‬وحتى‬
‫ألكثر الناس تطرف ًا في اليسار‪ .‬فمفهوم اإلب ــادة يجب أن ال ينزاح نحو أيــة حالة أخرى‬
‫غير يهودية‪ ،‬فكيف إذا ارتــدّ نحو الفلسطينيين الذين جرى عرضهم كجزء من الظاهرة‬
‫التاريخية لمالحقة اليهود؟‬
‫إن التدمير الــدائــم‪ ،‬أو «الـهــدم» الــدائــم‪ ،‬بتعبير هنيدة غــانــم(‪ ،((1‬كمشروع جماعي‬
‫صهيوني فكري‪ ،‬أكاديمي وسياسي‪ ،‬مترابط مع ًا ال يتجزأ‪ .‬وتشير هذه اإلبادة السياسية‪،‬‬
‫وفق مفهوم كيمرلينع‪ ،‬إلى التدمير المنهجي للبنى التحتية والبشرية للشعب الفلسطيني‬
‫لكي يتوقف عن كونه مجتمع ًا سياسي ًا يرى أن من حقه تقرير المصير‪ .‬إنه نشاط عسكري‪،‬‬
‫وس ـيــاســي‪ ،‬واق ـت ـص ــادي‪ ،‬ودب ـلــومــاســي‪ ،‬ونـفـســي بــالــغ اإلح ـك ــام مــن أج ــل تحقيق اإلب ــادة‬
‫السياسية‪ .‬ويترافق مع تلك العمليات‪ ،‬أحيان ًا‪ ،‬لكن ليس بالضرورة‪ ،‬تطهير عرقي‪ ،‬ويتم‬
‫ذلك في أحيان أخــرى طواعية عندما تنهار القدرة االحتمالية للسكان‪ ،‬فتدفعهم مشقة‬
‫الحياة إلى النزوح إلى مكان آخر‪ ،‬وهذا هو الهدف األعلى لشارون(‪.((1‬‬
‫(‪ ((1‬مـقــابـلــة مــع هنيدة غانم حــول مفهوم «الـهــدم الــدائــم»‪ ،‬الــذي استخدمته‪ .‬يعني حالة العمل الصهيوني‬
‫المك ّثف والمستدام التي تستهدف فكرة الوجود الفلسطيني ‪ -‬بالمالحقة الدائمة‪ ،‬والتعذيب المنظم بكل الوسائل‬
‫المتاحة‪ .‬إن تدمير الذات الفلسطينية وحبسها في مستواها الفردي والجماعي وهدم قوى اإلنتاج والحيلولة دون أي‬
‫لحظة استقرار هي عملية هدم دائم‪.‬‬
‫وحــول تعذيب الفلسطينيين‪ ،‬انظر روايــة المحامية اليهودية الشهيرة‪ :‬فيليتسيا النغر‪ ،‬الغضب واألمــل‪ :‬مسيرة‬
‫الشعب الفلسطيني تحت االحتالل‪ ،‬ترجمة أحمد خليفة (بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪.)1993 ،‬‬
‫(‪ ((1‬باروخ كيمرلينع‪« ،‬شارون يسعى لتحقيق بوليتسايد للفلسطينيين‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2004/4/13 ،‬‬
‫‪196‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وقد اقترب د‪ .‬شريف كناعنة‪ ،‬أستاذ األنثروبولوجيا الثقافية في جامعة بير زيت‪،‬‬
‫ونبيل علقم‪ ،‬من المفهوم السابق (اإلبــادة السياسية)‪ ،‬إذ أطلقا على السياسة اإلسرائيلية‬
‫المتعلقة بالحواجز وإغ ــاق الـطــرق واحـتـجــاز المواطنين وتعذيبهم بالسيطرة المانعة‬
‫لـلـحــركــة والـتـنـقــل‪« :‬سـيــاســة الـتـحـطـيــم ال ـج ـمــاعــي»‪ ،‬وه ــي الـسـيــاســة ال ـتــي ال تـسـمــح ألي‬
‫فلسطيني بــالـنـجــاة مــن ه ــذه اإلج ـ ــراءات ال ـمــد ّمــرة‪ ،‬وم ــن أشـكــالـهــا التحطيم الجسماني‬
‫والمعنوي لإلنسان المستهدف بها(‪.((1‬‬
‫معمق لدى دولة االحتالل‪ ،‬أن كل إطالة زمنية لواقع االحتالل المباشر‬ ‫وهناك إدراك ّ‬
‫في الضفة الغربية من شأنها أن تؤدي إلى إبادة سياسية‪ .‬وحتى أكثر الذين يعتقدون بحل‬
‫الدولتين يؤمنون في الوقت ذاته بأن هذا الكيان سيبقى تحت الرقابة‪/‬السيادة‪/‬السيطرة‬
‫األبدية للدولة في إسرائيل‪ .‬إن تحويل المكان الفلسطيني إلى جهنم هو هدف بحدّ ذاته‪،‬‬
‫وهــذا مــا يــؤكــده ليف غرينبرغ‪ ،‬الــذي تحدث فــي مقال نشرته صحيفة بلجيكية ونشرته‬
‫المشهد‪« :‬إن حكومة الــدولــة اليهودية تن ّفذ اآلن إب ــادة رمــزيــة للشعب الفلسطيني‪ ،‬ألن‬
‫العالم المتحضر ال يسمح‪ ،‬بمنطق اإلبادة الكالسيكية الكاملة‪ ،‬وال يقبل به‪ .‬إن ما يجري‬
‫في المناطق هو إبادة رمزية‪ ،‬ألن أرض فلسطين مسلوبة من قبل المستوطنات ومقسمة‬
‫يسمونه بلغة البيروقراطية‬
‫نتيجة الحواجز‪ .‬واليوم هذه األرض مقطعة األوصال بفعل ما ّ‬
‫اإلسرائيلية «الجدار األمني»‪ ،‬وهو ليس إال تفكيك ًا للمساحة األخيرة التي بقيت للشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬كي يتوقف هذا الشعب عن الحلم بها كقاعدة إقليمية لقيام دولة فلسطين‪.‬‬
‫إن هذه السياسة تغتال المستقبل الفعلي للفلسطينيين وآمالهم بنيل استقالل فعلي»(‪.((1‬‬
‫لـقــد أصـبـحــت الكيانية الفلسطينية الـتــي اخـتـلــف فــي شــأنـهــا الفلسطينيون كـثـيــر ًا‪،‬‬
‫ول ـع ـقــود‪ ،‬تـشـ ّكــل حــالــة إج ـمــاع وط ـنــي كـبـيــر مـنــذ ع ــام ‪ ،1988‬وخ ـصــوص ـ ًا ل ــدى الـقــوى‬
‫السياسية الـفــاعـلــة المنضوية فــي إط ــار منظمة الـتـحــريــر الفلسطينية‪ ،‬ول ــم تلبث حركة‬
‫المقاومة اإلسالمية (حماس) أن تبنّت مبدأ الكيانية السيادية على األراضي التي احتلت‬
‫عام ‪1967‬‏(‪ .((1‬وكان الوطن العربي مستعد ًا دائم ًا من خالل جامعة الدول العربية التي‬
‫(‪ ((1‬ش ــري ــف كـنــاعـنــة ونـبـيــل عـلـقــم‪ ،‬ال ـحــواجــز العسكرية اإلســرائـيـلـيــة‪ :‬دراسـ ــة تحليلية ل ــدور ال ـحــواجــز في‬
‫اإلخضاع واالقتالع (رام الله‪ :‬مركز فلسطين للدراسات والنشر‪ ،)2003 ،‬ص ‪ ،226 - 225‬وعــزام أبو السعود‪،‬‬
‫أثر الجدار العنصري على القطاعات االقتصادية المختلفة في القدس الشرقية (القدس‪ :‬االئتالف األهلي‪،)2007 ،‬‬
‫ص ‪.20 - 5‬‬
‫(‪ ((1‬ليف غرينبرغ‪« ،‬إبادة شعب رمزية‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2004/4/20 ،‬‬

‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬إعالن االستقالل الفلسطيني الصادر عن الدورة التاسعة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في‬
‫الجزائر عام ‪.1988‬‬
‫‪197‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تمثل المؤسسة الوظيفية للنظام اإلقليمي العربي لتبنّي وجهة النظر الفلسطينية القائلة‬
‫بتسوية على أساس قراري األمم المتحدة الرقمين (‪ )242‬و(‪ .)338‬وبعد مؤتمر مدريد‬
‫عام ‪ 1991‬وما تاله من أوسلو وطابا وواي ريفر‪ ،‬أصبحت الدول الغربية بنتيجة الحراك‬
‫السياسي الدولي‪ ،‬وتطورات األوضاع الخطرة التي عصفت في منطقة الشرق األوسط‪،‬‬
‫على قناعة بأن الحل السياسي في المنطقة مشروط بدولة فلسطينية وفق قرارات ومبادئ‬
‫الشرعية الدولية(‪.((1‬‬
‫لقد كانت هناك تداعيات لألحداث الخطرة (قيم الشرق األوســط الجديد) على‬
‫النظام الرسمي العربي‪ ،‬وكذلك أحداث ‪ 11‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪ ،2001‬وانتفاضة األقصى‪،‬‬
‫واحتالل العراق وأفغانستان‪ ،‬وضعف النظام اإلقليمي العربي‪ ،‬وعزل القيادة الفلسطينية‬
‫ممثلة بـيــاســر عــرفــات وح ـص ــاره‪ ،‬ومـحــاربــة اإلرهـ ــاب‪ ،‬والتثقيف بالديمقراطية كشعار‬
‫أمريكي للوطن العربي؛ كــل هــذه الوقائع المتداخلة أصبح مركزها األول هــو الصراع‬
‫العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‪ .‬وفي هذا المناخ‪ُ ،‬عقدت قمة بيروت في آذار‪/‬مارس ‪ 2002‬التي‬
‫أسست للصراع منذ تطورات عام ‪ ،1967‬إذ لم يكن هذا الصراع من نتائج حرب ‪1948‬‬
‫وأسبابها‪ .‬وكان إعالن بيروت أشدّ وضوح ًا من كل حاالت االقتراب العربية السابقة نحو‬
‫التسوية مع إسرائيل‪« :‬االنسحاب الكامل من أراضي ‪ ،1967‬بما فيها الجوالن واألراضي‬
‫اللبنانية المحتلة مقابل السالم والتطبيع الكامل‪ ،‬واعتبار الـنــزاع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‬
‫منتهي ًا إذا قبلت إسرائيل قيام دولة فلسطينية مستقلة في الضفة وغزة وعاصمتها القدس‬
‫الشرقية»(‪.((1‬‬
‫عمل النظام العربي الرسمي من خالل األقطار العربية الفاعلة‪ ،‬وخصوص ًا مصر‬
‫والـسـعــوديــة واألردن‪ ،‬عـلــى تـســويــق ال ـم ـشــروع الـعــربــي ال ــذي الق ــى تــرحـيـبـ ًا ل ــدى األمــم‬
‫األوروب ـيــة والــواليــات المتحدة‪ ،‬الـتــي وج ــدت نفسها أم ــام خـيــار واح ــد ووحـيــد لحماية‬
‫الموجهة‬
‫ّ‬ ‫شرعيتها الدولية وترتيب أوراقها بعد مرحلة الفوضى الخالقة‪ ،‬ورفــع التهمة‬
‫جراء سياستها‬ ‫إليها‪ ،‬وهي «الكيل بمكيالين» وغيرها من الوصمات التي لصقت بأمريكا ّ‬
‫الـخــارجـيــة‪ ،‬خـصــوصـ ًا على المستوى الشعبي الـعــربــي‪ .‬وفــي هــذا الـمـنــاخ‪ ،‬جــاء مشروع‬
‫(‪ ((1‬ان ـظــر‪ :‬إعــان االتـحــاد األوروب ــي‪ ،‬االجتماع الــرابــع لمجلس الرابطة‪( EU-Israel ،‬بروكسيل) (تشرين‬
‫الثاني‪/‬نوفمبر ‪.)2003‬‬
‫وحول تبلور فكرة الكيانية الفلسطينية‪ ،‬انظر‪ :‬ممدوح نوفل‪ ،‬البحث عن الدولة (رام الله‪ :‬المؤسسة الفلسطينية‬
‫لدراسة الديمقراطية (مواطن)‪ ،)2000 ،‬ص ‪.26 - 17‬‬
‫القمة العربية الرابعة عشرة في بيروت (آذار‪/‬مارس ‪.)2002‬‬
‫أقرتها ّ‬
‫(‪ ((1‬انظر‪ :‬المبادرة العربية للسالم التي ّ‬
‫‪198‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫السالم األمريكي «الرؤيا األمريكية للسالم في الشرق األوسط» و«خريطة الطريق» (‪24‬‬
‫حزيران‪/‬يونيو ‪.((1()2002‬‬
‫ورغم أن مشروع «خطة الطريق» قد جاء على شكل موعظة للفلسطينيين‪ ،‬وعلى‬
‫نص ًا صريح ًا‬
‫طريقة الترهيب والترغيب وعلى طريقة «إذا كان فــإن‪ ،»...‬إال أنها حملت ّ‬
‫وواضح ًا على لسان الرئيس جورج بوش (االبن) الذي قال‪« :‬رؤيتي هي دولتان تعيشان‬
‫جنب ًا إلــى جنب في ســام وأم ــن‪ ...‬وإن الـحــدود النهائية والعاصمة وغيرها من الرموز‬
‫السيادية لدولة فلسطين‪ ،‬سيتم التفاوض حولها بين الطرفين كجزء من التسوية»(‪.((1‬‬
‫ولــم تقل اإلدارة األمريكية إن قــرار األمــم المتحدة الــرقــم (‪ )242‬هــو المرجعية‬
‫األســاس‪ ،‬وإن حدود ‪ 1967‬هي األســاس الذي تنطلق منه أية مفاوضات مستقبلية بعد‬
‫توقفها عند كــامــب ديفيد ‪ .2000‬ومــع ذلــك‪ ،‬عمل ش ــارون بإيمان على تحويل وثيقة‬
‫بيروت‪ ،‬رغم أهميتها ومباشرتها وحالة اإلجماع العربي عليها‪ ،‬إلى وثيقة تاريخية مهملة‪.‬‬
‫وفــي الــوقــت نفسه‪ ،‬جعل خطة خريطة الطريق التي اشـتــرط قبولها بأربعة عشر تحفظ ًا‬
‫سوقها لــدى اإلدارة األمريكية‬
‫من وراء ظهره‪ ،‬مقدمة على خطته الوحيدة‪ ،‬وهــي التي ّ‬
‫باعتبارها جــزء ًا من خريطة الطريق‪ .‬فقد أزاح شــارون هذه الضغوط بسيره نحو الجدار‬
‫(الفصل) الــذي عملي ًا قـ ّـوض إلــى األبــد حـ ّـل الدولتين‪ .‬كــان إعــان االنفصال من جانب‬
‫واحد بمنزلة الهدية التي تلقتها اإلدارة األمريكية من أجل الموافقة النهائية على ترسيم‬
‫أقر عام ‪ .2003‬كما تمتّع وضع مبادرة إسرائيلية (ليست عربية‪ ،‬أو أمريكية)‬ ‫الجدار‪ ،‬كما ّ‬
‫على جدول األعمال العام في إسرائيل بدعم دولي (التضحية بغوش قطيف في قطاع غزة‬
‫مقابل سلب الضفة الغربية)(‪.((1‬‬
‫سمي بالتنازالت المؤلمة في القاموس السياسي اإلسرائيلي‬

‫‪ - 2‬ما ّ‬
‫قبضت إســرائـيــل‪ ،‬كما قبض ش ــارون ثمن الجهد االستيطاني الممتد فــي الضفة‬
‫الغربية والـقــدس‪ ،‬باعتراف اإلدارة األمريكية بالوقائع االستيطانية على أرض الواقع‪.‬‬
‫(‪ ((1‬انـظــر‪ :‬خطاب للرئيس جــورج بوش عن رؤيته للسالم في الشرق األوســط (‪ ،)2002/6/24‬وخليل‬
‫الشقاقي وعائشة أحمد‪ ،‬مالحظات أولية على خطة خريطة الطريق (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للبحوث السياسية‬
‫والمسح ّية‪ ،)2003 ،‬ص ‪.17 - 15‬‬
‫(‪ ((1‬انظر خريطة الطريق‪.‬‬

‫(‪ ((1‬شــاؤول أرئيلي وميخائيل سفارد‪ ،‬الجدار الفاصل أمن أم طمع؟ (تل أبيب‪ :‬يديعوت أحرنوت للتوزيع‬
‫والنشر‪ ،)2008 ،‬ص ‪.85 - 84‬‬
‫‪199‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وقبض ش ــارون ثمن االنـفـصــال األح ــادي مــن الــواليــات المتحدة األمريكية برسالة من‬
‫جورج بوش (االبــن) إلى شــارون (قال عنها الفلسطينيون إنها وعد بلفور الثاني)‪ ،‬التي‬
‫جــاء فيها وألول مــرة منذ عــام ‪« :1967‬فــي ضــوء الحقائق الجديدة على األرض‪ ،‬ومن‬
‫تجمعات إسرائيلية كبيرة‪ ،‬من غير المتوقع أن تنتهي المفاوضات بعودة‬ ‫ضمنها وجــود ّ‬
‫كاملة إلى خطوط الهدنة عام ‪ .((2(»1949‬فقد استبدل بوش المفهوم االستيطاني الذي‬
‫كان جزء ًا من الخطاب السياسي األمريكي حتى اللحظة بمفهوم «التجمعات السكانية»‪،‬‬
‫والتجمعات السكانية التي أصبحت جزء ًا من الدولة العبرية بفعل خطة الفصل (الجدار)‬
‫الـتــي أخ ــذت منذ ذلــك الحين فـصــاعــد ًا شـهــادة الشرعية األمــريـكـيــة‪ ،‬بعد أن كــانــت هذه‬
‫ال بمركز الــدولــة وسيادتها وقطعها على باقي‬ ‫التجمعات (المستوطنات) قد ُربطت فع ً‬
‫أراضي الضفة الغربية‪.‬‬
‫لقد كانت التنازالت المؤلمة التي تحدّ ث عنها شــارون في مؤتمر هرتزليا هي‬
‫تحولت إلــى ما‬‫بــالــذات باقي الرقع من األرض التي يقيم عليها الفلسطينيون‪ ،‬والتي ّ‬
‫يشبه الجيوب (البانتوستانات) الموصوفة عند عامة الناس في فلسطين بـ «القبور»‪.‬‬
‫وقد واجــه شــارون ضغوط ًا من قيادات يمينية ودينية كبيرة في الليكود بشكل خاص‪،‬‬
‫ومــن االئـتــاف الحاكم بشكل عــام‪ ،‬جــراء القبول المشروط بخريطة الطريق‪ ،‬وصرح‬
‫في معرض ر ّده على المتشدّ دين منهم الذين ال يستوعبون إخــراج أي شبر من أرض‬
‫إســرائـيــل الغربية بــاآلتــي‪« :‬الـتــوصــل إلــى تسوية سياسية مسألة استراتيجية إلسرائيل‪،‬‬
‫واألف ـك ــار الــذاه ـبــة إل ــى أن ــه م ــن الـمـمـكــن أن ن ــواص ــل اإلم ـس ــاك بـثــاثــة ون ـصــف مـلـيــون‬
‫فلسطيني (تحت االحتالل)‪ ،‬فمن الممكن أننا ال نحب الكلمة‪ .‬ولكن هذا ما يحدث!!‬
‫وإذا كنتم تريدون أن تبقوا بشكل دائم في جنين ونابلس ورام الله وبيت لحم دائم ًا‪،‬‬
‫ال أعتقد أن هذا صحيح»(‪.((2‬‬
‫وهو في هذا التصريح‪ ،‬في الحقيقة‪ ،‬لم يأت بجديد‪ ،‬وإنما كان ذلك امتداد ًا لقيم‬
‫وخطة حزب العمل التي م ّثلها ديان ويغال ألــون‪ ،‬والتي طورها بيغن في اقتراح الحكم‬
‫الذاتي في كامب ديفيد (‪.((2()1979 - 1977‬‬
‫(‪ ((2‬انظر‪ :‬رسالة (وثيقة جورج بوش إلى شارون) أو ما عرف بكتاب الضمانات (‪ 14‬نيسان‪/‬أبريل ‪.)2001‬‬
‫(‪ ((2‬عــزمــي بـشــارة‪ ،‬من يهودية الــدولــة حتى ش ــارون‪ :‬دراســة في تناقص الديمقراطية اإلسرائيلية (رام الله‪:‬‬

‫نص الرسائل المرفقة باالتفاقية‪ ،‬حول الضفة الغربية وغــزة (‪ 26‬آذار‪/‬‬ ‫(‪ ((2‬انـظــر‪ :‬اتفاقيات كامب ديفيد‪ّ :‬‬
‫مارس ‪.)1979‬‬
‫‪200‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وفي الجلسة ذاتها مع كتلة الليكود التي ُعقدت في ‪ 26‬أيار‪/‬مايو ‪ ،2003‬والتي‬
‫ـوجـهـ ًا إلــى عضو‬
‫اقتبسنا منها التصريح الـســابــق‪ ،‬ن ــورد اقتباس ًا لـشــارون أش ــدّ وضــوحـ ًا مـ ّ‬
‫الكنيست يحئيل ح ــازان‪« :‬إن قبول خطة الطريق ال يمنع البناء فــي المستوطنات‪ ،‬بل‬
‫باإلمكان البناء من دون تحديد ألبنائك وأحفادك‪ ،‬وآمل أن يصح ذلك ألبناء أحفادك»‪.‬‬
‫موجه ًا كالمه إلــى الــوزراء‪:‬‬
‫وبعد مــرور أقــل من شهر على هــذا التصريح‪ ،‬قــال شــارون‪ّ ،‬‬
‫«ابنوا وال تتك ّلموا‪ ...‬ال يتوجب أن نخرج راقصين كلما أعطينا إذن ًا في البناء» ‪.‬‬
‫(‪((2‬‬
‫إن موقف شــارون بقبول الــدولــة الفلسطينية ال يع ّبر عن موقف أخالقي إلحقاق‬
‫العدالة النسبية أو اإلنـصــاف‪ .‬فقد استنتج‪ ،‬رغــم كل إج ــراءات الترانسفير المختلفة أنه‬
‫ال توجد إمكانية إلح ــداث عملية ترانسفير تامة لعرب (الـمـنــاطــق)‪ ،‬وفــي الــوقــت نفسه‬
‫ال يمكن ضم الفلسطينيين إلى إسرائيل‪ .‬والنتيجة لدى شارون هي اقتسام الجزء المتب ّقي‬
‫للفلسطينيين في الضفة بعد أن يتم زرعه بنصف مليون مستوطن‪ .‬ويقول عزمي بشارة‪:‬‬
‫«وما المشكلة أن يصل شارون إلى مثل هذه النتيجة رغم ًا عنه من دون موقف أخالقي؟‬
‫فالمهم هو النتيجة‪ ،‬وليس الدافع‪ ،‬ألن النتيجة كيان سياسي فلسطيني يشمل أكبر عدد‬
‫ممكن من الفلسطينيين على أصغر رقعة مفكّكة من األرض(‪.((2‬‬
‫لـقــد ت ـ ّـم وص ــف الـكـيــان الفلسطيني الـمـقـ ّطــع عـلــى تـلــك األجـ ــزاء الـتــي يـنـعــدم فيها‬
‫التواصل كشرط لوحدة اإلقليم الــذي تُشاد عليه الــدول بـ «دولــة البقايا» (بحسب تعبير‬
‫علي الـجــربــاوي)(‪ .((2‬إن ترسيم الجدار بالشكل الــذي يتوغل داخــل مناطق الضفة إلى‬
‫أكثر من عشرين كلم‪ ،‬والذي يضم معاليه أدوميم وأرئيل وكفار عتصيون وجبعات زئيف‬
‫وآدم وغيرها‪ ،‬إنما أريــد له أن يرسم واقع ًا سياسي ًا يؤ ّبد االحتالل من جهة‪ ،‬ويرفع عنه‬
‫المسؤولية‪ ،‬ويمكّن إسرائيل من أن تدّ عي أنها استجابت لنداء التسوية السياسية المطروح‬
‫في المنطقة‪.‬‬
‫‪ - 3‬دولة البقايا وأسطورة التواصل الجغرافي‬

‫تضمنت رســالــة الـضـمــانــات (وع ــد ب ــوش) إل ــى ش ــارون ع ـبــارة‪« :‬وك ـمــا تـعـلــم‪ ،‬فــإن‬
‫ّ‬
‫الواليات المتحدة تؤيد إقامة دولة فلسطينية «قابلة للحياة وذات تواصل إقليمي»‪ ،‬وذات‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.343‬‬

‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.334‬‬

‫(‪ ((2‬مقابلة مع الدكتور علي الـجــربــاوي‪ ،‬وقــد اعتاد الجرباوي وصــف الكيان الفلسطيني المقطع بـ «دولــة‬
‫البقايا» التي ال يوجد لها مستقبل بسبب غياب وحدة إقليمها وتجزئة السيادة عليها (رام الله) (شباط‪/‬فبراير‪.)2010‬‬
‫‪201‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫سيادة ومستقلة‪ .»...‬وجاء تشديد الرئيس األمريكي على عبارة‪« :‬دولة قابلة للحياة وذات‬
‫تواصل إقليمي»‪ ،‬ألن أمريكا تــدرك تمام ًا ما أحدثته السياسة اإلسرائيلية على األرض‪،‬‬
‫بقول وزيرة خارجيتها كونداليزا رايس في زيارة قامت بها إلسرائيل في حزيران‪/‬يونيو‬
‫‪« :2003‬إذا كــانــت الـنــوايــا لبناء الـجــدار هــي نــوايــا أمنية‪ ،‬فــإن النتائج على األرض هي‬
‫سياسية»(‪.((2‬‬
‫منذ ذلــك التاريخ وحتى اللحظة الراهنة‪ ،‬دخــل المفهوم «دولــة قابلة للحياة» إلى‬
‫الـخـطــاب السياسي المتعلق بالتسوية السياسية‪ ،‬وأصـبــح كثيف االسـتـخــدام‪ ،‬حتى في‬
‫الجانب الفلسطيني‪ ،‬رغم أن أبسط القواعد السياسية في كل السياقات التاريخية لنشوء‬
‫مقومات تواصل جغرافي ومقومات وجودية قابلية للحياة‬ ‫الــدول كانت تفترض بداهة ّ‬
‫المستدامة‪ .‬هــذا الربط العجيب لم يــأت بشكل عفوي‪ ،‬بل له دالئــل سياسية عميقة‪ ،‬إذ‬
‫إن اإلصرار على استخدام المصطلحين الملحقين بالدولة («مترابطة»‪ ،‬و«قابلة للحياة»)‬
‫يؤدي بشكل تلقائي إلى االعتراف بالواقع الميداني االستيطاني للجدار وتبنّيه‪ ،‬وهو األمر‬
‫الذي أوجدته سياسة االحتالل ومنحها الشرعية‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬يؤدي إلى الهروب‬
‫من المطالبة بإزالة الواقع االستيطاني غير الشرعي‪ ،‬أو إزالة الجدار‪ ،‬وتقبل واقع المعازل‬
‫التي خلقها الجدار‪.‬‬
‫وكذلك‪ ،‬فإن هذا المفهوم «قابلة للحياة ومتواصلة إقليمي ًا» ال يعني بسط السيادة‬
‫ال‪ ،‬والـعــودة إلــى التواصل الطبيعي بين‬ ‫الفلسطينية على المناطق المصنّفة (ج) مستقب ً‬
‫المناطق الفلسطينية المختلفة‪ ،‬بــل إقــامــة معابر وأنـفــاق فــي أسفل ش ــوارع المستوطنين‬
‫اإلقليمية تربط بين هذه المعازل‪ ،‬من دون تواصل جغرافي حقيقي على األرض‪ ،‬مثل‬
‫نفق حبلة‪ ،‬ونـفــق ب ــدو‪ ،‬ونـفــق بيت لـحــم‪ ،‬ونـفــق بيت عــور ‪ -‬الـطـيــرة‪ .‬وت ــزداد أع ــداد هذه‬
‫األنفاق باتساع تمدد المستوطنات‪ ،‬وباتساع أعمال البنية التحتية لمجتمع المستوطنين‪.‬‬
‫فبينما كان عدد األنفاق قبل عام ‪ 2005‬اثنين وعشرين نفق ًا‪ ،‬تم رفع هذا الرقم إلى ‪42‬‬
‫نفق ًا مع نهاية عام ‪2009‬‏(‪.((2‬‬
‫إن النموذج اإلسرائيلي للكيان السياسي الفلسطيني المقترح‪ ،‬إذ ًا‪ ،‬هو حالة متفردة‬
‫ال ومعنى‪ .‬فمن حيث الشكل‪ ،‬ال يوجد كيان سياسي في العالم بهذه الرقع (المعازل)‪،‬‬ ‫شك ً‬
‫(‪ ((2‬أرئيلي وسفارد‪ ،‬الجدار الفاصل أمن أم طمع‪ ،‬ص ‪.113‬‬

‫(‪ ((2‬داوود حمودة‪ ،‬مفهوم التواصل الجغرافي والقابلية للحياة (رام الله‪ :‬الحملة الشعبية لمقاومة الجدار‪،‬‬
‫‪ ،)2009‬ص ‪.6 - 5‬‬
‫‪202‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يسمى مستق ً‬
‫ال‪ ،‬في حين أنه خاضع من حيث‬ ‫ومن حيث المعنى ال يوجد كيان سياسي ّ‬
‫المبدأ ألقسى حاالت السيطرة والقوة العسكرية(‪.((2‬‬
‫ما الــذي سعت إليه إسرائيل؟ إن كانت اإلبــادة السياسية تغتال مستقبل الشعب‬
‫الفلسطيني في «دولــة األنـفــاق» أو «دولــة البقايا» أو «دولــة القبور»‪ ،‬كما يسميها عامة‬
‫المسمى «دولة» هو كيان ليس من جنس الدول‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫الشعب الفلسطيني‪ ،‬فإن هذا المكان‬
‫بــل حــالــة مـشـ ّـوهــة غــريـبــة سـتـكــون عـقــابـ ًا للشعب الفلسطيني‪ ،‬ولـيـســت نـتــاجـ ًا لكفاحه‬
‫الطويل نحو حياة آمنة كباقي شعوب األرض‪ .‬ويــؤكــد يـهــودا شنهاف أن الــذي تخيل‬
‫يوم ًا بأن إسرائيل ستعطي شيئ ًا له معنى للشعب الفلسطيني‪ ،‬فقد كان واهم ًا‪« :‬إسرائيل‬
‫وليسموه ما أرادوا‪ :‬دولــة‪ ،‬إمبراطورية‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫مستعدة لقبول صيغة كيان سياسي فلسطيني‪،‬‬
‫مـمـلـكــة‪ .»...‬ولكنها حالة سياسية خانعة‪ ،‬واهـيــة‪ ،‬مهانة‪ ،‬مقطعة‪ ،‬طالما هــي خاضعة‬
‫بشكل مباشر أو غير مباشر لسيطرة إسرائيل خضوع ًا شبه تام‪ .‬إن أحد األمثلة البارزة‬
‫على هذا الموقف‪ ،‬هو االدعــاء اإلسرائيلي بأنها انسحبت من قطاع غزة عام ‪.2005‬‬
‫وكما يعلمنا التاريخ الكولونيالي‪ ،‬فإن االحتالل يمكن أن يــدار بواسطة جهاز تحكّم‬
‫عــن ُبـعــد مــن دون تــواجــد عـسـكــري ومـسـتــوطـنـيــن‪ .‬فـمــا بــالـكــم بــوجــود جـيـشـيــن‪ :‬جيش‬
‫الدفاع بكل قواه وعتاده وأفراده‪ ،‬وجيش المستوطنين ذوي الميول الفاشية‪ .‬ففي غزة‪:‬‬
‫إسرائيل ما زالت تدير نظام احتالل ألنها صاحبة السلطة الشرعية هناك‪ ،‬فهي تسيطر‬
‫على الحدود البرية والبحرية والغالف الجوي ومصادر المياه‪ .‬إن خطة االنفصال وما‬
‫ال على إنهاء االحتالل‪ ،‬وإنما على مواصلته‬ ‫أوحت به من إنهاء لالحتالل‪ ،‬ال تشكل دلي ً‬
‫األبدية وبوسائل أشد وحشية وشدة(‪.((2‬‬
‫في «دولــة البقايا» أو «دولــة القبور» التي هي بالضرورة ليست حالة قابلة للحياة‪،‬‬
‫ليس فقط بسبب تجزئة بنيتها‪ ،‬وإنما أيض ًا بسبب تفكيك البناءين النفسي واالجتماعي‬
‫للمجتمع القائم فيها‪ ،‬قطع الجدار الضفة إلى أربعة معازل كبرى‪ :‬معزل شمال الضفة‬
‫الغربية ووسـطـهــا‪ ،‬ومـعــزل الـقــدس والـجـنــوب‪ ،‬ومـعــزل أري ـحــا‪ ،‬ومـعــزل األغ ــوار‪ .‬ضمن‬
‫هــذه الـمـعــازل الـكـبــرى‪ ،‬هناك الـمـعــازل الصغرى التي تتموضع ضمن الـمـعــازل األكبر‪،‬‬
‫ال في القدس‪ ،‬إضافة إلى‬ ‫وهناك ضمن المعازل األصغر معازل أصغر أخ ــرى(‪ .((3‬فمث ً‬
‫(‪ ((2‬نـعــوم تشومسكي‪ ،‬مداخالت‪ :‬آراء حرة في السياسة األمريكية‪ ،‬ترجمة محمد عناني (القاهرة‪ :‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪ ،)2007 ،‬ص ‪.90 - 89‬‬

‫(‪ ((2‬انظر‪ :‬يهودا شنهاف‪« ،‬زمن الخط األخضر‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،)2009( 34‬ص ‪.26‬‬
‫لمرة واحدة ‪ -‬بيت لحم)‪ ،‬ص ‪.27 - 26‬‬ ‫(‪« ((3‬جدار عنصري يلتهم األرض‪ »،‬قضايا جمعية (نشرة ّ‬
‫‪203‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫جيب المدينة المغلق بالجدار‪ ،‬هناك جيب (بانتوستان) العيزرية ‪ -‬أبو ديس والسواحرة‬
‫والشيخ سعد وعــرب الجهالين‪ ،‬وجيب عناتا وحزما ومخيم عناتا‪ ،‬وفــي شمال غرب‬
‫المدينة هناك جيبان (بانتوستانان)‪ :‬جيب بدو ‪ -‬بيت عنان ويضم ثماني قــرى‪ ،‬وجيب‬
‫بير نباال‪ ،‬والجيب والجديرة‪ .‬وداخــل هذه المنطقة‪ ،‬هناك قرى أخرى أصبحت معزولة‬
‫تمام ًا‪ ،‬انقطع التواصل معها كحالة بيت إكسا والنبي صموئيل وحي الخاليلة(‪.((3‬‬
‫وضمن هــذا المشهد المتقطع‪ :‬انشطرت بيت حنينا إلــى شطرين‪ :‬شرقي وغربي‪.‬‬
‫وكــذلــك فعل الـجــدار بقرية عــرب الـســواحــرة‪ .‬وقــد «أع ــدم» الـجــدار قرية قلنديا (شمال‬
‫القدس) بتغييبها عن األنظار‪ ،‬وقطعها عن بيئتها الطبيعية‪ ،‬وحصرها ضمن رقعة ال تكاد‬
‫تسمح ببناء بيت إضــافــي واح ـ ــد(‪ .((3‬وبصفة عــامــة‪ ،‬تـتــوزع مـســاحــات الـجـيــوب األربـعــة‬
‫كاآلتي‪:‬‬
‫‪ -‬القدس‪ :‬تشكل ‪ 4‬بالمئة من مساحة الضفة الغربية‪ ،‬وهي مغلقة تمام ًا أمام سكان‬
‫الضفة وغزة‪.‬‬
‫‪ -‬كانتون الشمال‪ :‬يتألف من نابلس وجنين وطولكرم وقلقيلية‪ ،‬ويرتبط مع رام الله‬
‫بمعبر قرب مستوطنة أرئيل‪ ،‬وتبلغ مساحته ‪ 710‬كلم مربع‪.‬‬
‫‪ -‬كانتون أريحا الذي ال تزيد مساحته على ‪ 60‬كلم مربع(‪.((3‬‬
‫لم تظهر حالة اإلجماع الصهيوني‪ ،‬خصوص ًا بين طرفيها الرئيسيين‪ ،‬التي مثلتها‬
‫حركة العمل االشتراكية (الماباي) والصهيونية التصحيحية التي يعتبر الليكود الحالي‬
‫امتداد ًا لها‪ ،‬منذ عشرينيات القرن الماضي‪ ،‬كما ظهرت بعد أوسلو عام ‪ .1993‬وقد تم‬
‫تجسيد اللقاء الصهيوني في اتفاق أوسلو‪ ،‬أو بالتحديد القراءة اإلسرائيلية التفاق أوسلو‪،‬‬
‫وكان الجزء األول من هذه الرؤية المشتركة هو القول إن إسرائيل قبل عام ‪ 1967‬هي‬
‫أمر منته غير قابل للتفاوض بشأنه‪ ،‬وكذلك مسؤولية إسرائيل عن خلق قضية الالجئين‬
‫هــو أمــر مستبعد تـمــامـ ًا مــن طــاولــة الـمـفــاوضــات بشكل ع ــام‪ .‬وأم ــا الـجــزء الـثــانــي‪ ،‬فكان‬
‫اعتبار الـقــدس كعاصمة إلسرائيل أم ــر ًا مفروغ ًا منه‪ ،‬واستثناء األراض ــي المقامة عليها‬
‫(‪ ((3‬انظر‪ :‬أرشيف الحملة الشعبية ووثائق محافظة القدس‪ ،‬زيارة ميدانية لقرية بيت إكسا‪.‬‬
‫(‪ ((3‬زيارة ميدانية للقرية‪ ،‬ومقابلة السيد يوسف عوض الله‪ ،‬رئيس المجلس المح ّلي للقرية‪.‬‬
‫(‪ ((3‬انـظــر وثائق‪ ،‬أرشيف الحملة الشعبية لمقاومة الجدار (رام الله)‪ ،‬ودراســة هــذه األرقــام اإلحصائية مع‬
‫رئيس الحملة السيد جمال جمعة‪ ،‬و‪Noam Chomsky, Middle East Illusions: Including Peace in the Middle‬‬
‫‪East? Reflections on Justice and Nationhood (New York: National Book Network, 2003), pp. 8-9.‬‬
‫‪204‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المستوطنات‪ .‬ويلتقي الحزبان على هذا الموقف‪ ،‬ويطرحان في الواقع كيان ًا فلسطيني ًا هو‬
‫أبعد ما يكون عن نسق الدولة المتعارف عليه(‪.((3‬‬
‫يستخدم المفكّر الـيـهــودي آفــي شــايــم‪ ،‬مفهوم كيمرلنغ نفسه فــي وصــف الفعل‬
‫اإلســرائـيـلــي فــي الضفة الـغــربـيــة‪ .‬فهو يصف عملية حــرمــان الفلسطينيين مــن أي وجــود‬
‫سياسي ت ــام»‪ .‬كما أن‬‫ٌ‬ ‫ـادي‬
‫سياسي مستقل وفــق مبدأ حــق تقرير المصير‪ ،‬بأنه فعل‪« ،‬إب ـ ٌ‬
‫الـسـيــاســة اإلســرائـيـلـيــة ل ـشــارون فــي الـضـفــة الـغــربـيــة مــا هــي إال ح ــرب ض ــروس عـلــى كل‬
‫وتجمعات الفلسطينيين‪ ،‬ويــدخــل فــي نطاق ذلــك تخريب المكان‬ ‫ّ‬ ‫مناحي وتشكيالت‬
‫ومصادرة األراضي‪ ،‬وإزالة الغطاء النباتي وإقامة مئات الحواجز التي ال تقوم إال بوظيفة‬
‫إذالل مـبــرمــج(‪ .((3‬ولــم تبتعد اليسارية اإلسرائيلية التي كانت وزيــرة عن حــزب ميرتس‬
‫قبل سنوات (شلوميت ألوني) عن آفي شاليم بقولها‪« :‬الضفة تحولت بعد االنسحاب‬
‫(ال ـك ــاذب) مــن غ ــزة إل ــى جحيم مستحيل‪ ،‬ونـحــن نـقــوم بـجــرائــم ح ــرب ضــد اإلنـســانـيــة‪،‬‬
‫وآمل أن يقدّ م شارون إلى المحاكمة»‪ .‬وتضيف ألوني‪« :‬وبحجة األمن الكاذبة ما زالت‬
‫إسرائيل تستخدم قوانين الطوارئ االنتدابية لتدمير مستقبل الفلسطينيين‪ .‬هذه القوانين‬
‫التي وصفها بن غوريون‪ ،‬مرة‪ ،‬بأنها قوانين نازية‪ .‬إسرائيل من أجل يهوديتها تدمر حياة‬
‫السكان الفلسطينيين»(‪.((3‬‬
‫ويضيف رئيس قسم الجغرافيا في جامعة بن غوريون أورون يفتاحئيل‪ ،‬ومن موقعه‬
‫األكاديمي في حقل الجغرافيا‪ ،‬إلى منظومة التحليالت السابقة‪ ،‬بأن األرقام والنسب التي‬
‫تعلنها إسرائيل عن مساحات األراض ــي الـمـصــادرة‪ ،‬هي أرقــام غير دقيقة ومس ّيسة بكل‬
‫تأكيد‪ .‬فهي أكبر من ذلــك بكثير‪ ،‬وهــي عــادة ما تستثني القدس من حساباتها‪ ،‬وكذلك‬
‫ربع مساحة البحر الميت‪ ،‬التي هي مناطق تابعة للضفة الغربية‪ .‬وقد أطلق على الجدار‬
‫المسمى «غ ــاف ال ـقــدس»‪« ،‬ج ــدار مــوت ال ـقــدس»‪ .‬كما أن عملية نزعها عــن محيطها‬ ‫ّ‬
‫الفلسطيني واس ـت ـقــواء الــدولــة عــن الـمــواطـنـيــن ال ـعــرب فـيـهــا‪ ،‬ال يمكن وصـفــه إال بنظام‬
‫أبارتهايد‪ ،‬وبجريمة حرب(‪ .((3‬وكان أستاذ الجغرافيا (يفتاحئيل) قد كتب في هآرتس أن‬
‫(‪ ((3‬إيالن بابيه‪« ،‬تحديات ما بعد الصهيونية‪ »،‬إعداد وترجمة أحمد ثابت‪ ،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪119‬‬
‫(تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪ ،)2004‬ص ‪.32 - 22‬‬
‫(‪ ((3‬آفي شاليم‪« ،‬هل الصهيونية هي العدو الحقيقي لليهود؟‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/2/22 ،‬‬
‫(‪ ((3‬شـلــومـيــت ألــونــي‪« ،‬المجتمع اإلسرائيلي فــي وضــع انـحــال أخــاقــي‪ »،‬المشهد اإلســرائـيـلــي‪/7/26 ،‬‬
‫‪ ،2005‬و‪«General and Annual Reports 2004,» Al-Haq (June 2005), <http://www.alhaq.org/publications/‬‬

‫‪publications-index/item/waiting-for-justice-al-haq-s-25th-anniversary-report?category_id=>.‬‬
‫(‪ ((3‬أورون يفتاحئيل‪« ،‬بناء الجدار يظل جريمة حرب‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/2/22 ،‬‬
‫‪205‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫جدار الفصل والخطة المرتبطة به‪ ،‬هي مشروع أبارتهايد زاحــف‪ .‬فعملية ضم ما يمكن‬
‫من مساحات‪ ،‬وخنق الفلسطينيين في جيوب‪ ،‬ومنح الفرصة المستقبلية للمستوطنات‬
‫بالتوسع‪ ،‬ال يعني ذلــك إال تكريس ًا لجغرافيا األبارتهايد‪ .‬والنتيجة المترتبة على ذلك‬
‫هي رسم حدود لكانتونات على مساحة ال تزيد على نصف مساحة الضفة تقريب ًا‪ ،‬وهذه‬
‫المناطق‪ ،‬ربما‪ ،‬تحظى بوصف دولة تحت مظلة خارطة الطريق وخطة الفصل‪ .‬غير أن‬
‫المضمون الفعلي لهذه الــدولــة التي ستمتد على نحو ‪ُ ( 10/1‬عـشــر) مساحة فلسطين‬
‫التاريخية‪ ،‬ستبقى أبعد كثير ًا عن الحديث عن دولة ذات سيادة(‪.((3‬‬
‫مخصص لغرض‬ ‫ّ‬ ‫كان يمكن إلسرائيل أن تدّ عي وتعلن آالف المرات بأن الجدار‬
‫أمني‪ ،‬فهذه الرواية المسيطرة لألمة المستوطنة‪ ،‬هي رواية ضاغطة مهيمنة قومي ًا ودولي ًا‪.‬‬
‫وقد نفت دائم ًا وأبد ًا أن يكون هدف هجرتها إلى فلسطين هي إقامة مستوطنة نظيفة من‬
‫السكان األصليين‪ ،‬تمام ًا كما هي الــروايــة الصهيونية التي نفت فعل اإلب ــادة واالقتالع‬
‫لبناء مستوطنة طاهرة‪ .‬وتمام ًا أيض ًا‪ ،‬وبالقدر نفسه ترفض الرواية الرسمية اإلسرائيلية‬
‫المهيمنة أن يكون هدفها من وراء الجدار إزاحــة السكان من المشهد العام لفلسطين‪،‬‬
‫وإلحاق اإلبادة السياسية بهم‪ .‬فإنكار وجود مثل هذه النيات المسبقة‪ ،‬سواء في مستوى‬
‫بـنــاء المستوطنة الـطــاهــرة أم الـجــدار ال ــذي يشكل ذروة العمل التطهيري‪ ،‬يعني التمتع‬
‫باالستقامة األخالقية أثناء تفعيل عملية التطهير‪ .‬إن أساس حكاية المستوطنين المهيمنة‪:‬‬
‫فرادة كل أمة استيطانية‪ ،‬واألولوية المطلقة لذاتية المستوطنين‪ ،‬وإنكار حقيقة أن وجود‬
‫الخاضعين لالستعمار كان هو العامل األهم والوحيد في تقرير شكل وطبيعة المجتمع‬
‫االستيطاني(‪.((3‬‬
‫‪ - 4‬في نقض األسطورة األمنية للجدار بين‪« :‬نحن هنا وهم هناك»‬
‫(و) «نحن هنا وأيض ًا هناك»؟‬
‫ال‪ ،‬وبشكل كثيف‪ ،‬على‬‫«نحن هنا وهم هناك» هو الشعار (النظرية) الذي شاع طوي ً‬
‫جدول األعمال العام في إسرائيل‪ ،‬والمنسوب إلى رئيس الحكومة األسبق باراك‪ ،‬رغم‬
‫(‪ ((3‬أورون يـفـتــاحـئـيــل‪« ،‬جـ ــدار الـفـصــل وال ـخ ـطــة الـمــرتـبـطــة ب ــه تـعـمـقــان األبــارت ـهــايــد ال ــزاح ــف‪ »،‬هــآرتــس‪،‬‬
‫‪ ،2003/4/21‬وأعادت نشرها جريدة المشهد اإلسرائيلي بتاريخ ‪.2003/4/29‬‬

‫(‪ ((3‬ح ــول هــذا الموضوع الـهــام‪ ،‬انـظــر‪ :‬غابريل بيتربيرغ‪ ،‬المفاهيم الصهيونية للعودة‪ :‬أساطير وسياسات‬
‫ودراســات إسرائيلية (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مــدار)‪ ،)2009 ،‬ص ‪ ،88 - 80‬و‪Eyal‬‬
‫‪Weizman, Hollow Land: Israel's Architicture of Occupation (London; New York: Verso Books, 2007),‬‬
‫‪pp. 161-163.‬‬
‫‪206‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أن رابين كان قد استخدمه منذ أواسط التسعينيات‪ .‬وقد شكّل هذا الشعار شيفرة عملية‬
‫االنفصال الذي أسس لها رابين‪ ،‬كما ذكرنا آنف ًا‪ .‬ولكن «هناك» لم تكن إال تضلي ً‬
‫ال ملتبس ًا‬
‫أيما التباس‪ .‬فأين «هناك»؟ أليس المستوطنات والنصف مليون مستوطن هم «هناك» (أي‬ ‫ّ‬
‫في الضفة الغربية والقدس)‪.‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬ومــن دون جــدل طــويــل‪ ،‬فــإن النظرية السياسية‪/‬األمنية ‪ -‬الدينية هــي أيض ًا‪:‬‬
‫«نحن هنا وأيض ًا هناك»‪ .‬لقد أدرك عامة الفلسطينيين‪ ،‬وليس النخبة السياسة فقط‪ ،‬أن‬
‫التسوية المطروحة إسرائيلي ًا تؤشر‪ ،‬بما ال تخطئه عين فالح فلسطيني أو طفل فلسطيني‪،‬‬
‫أن إســرائـيــل تستهدف تجويف الضفة الغربية والـحــط مــن كــرامــة كــل فلسطيني‪ ،‬ونهب‬
‫ما يمكن نهبه‪ ،‬ولفظ ما ال يرتجى منه نفع ًا لتوسيع آفــاق االستيطان‪ ،‬ووأد فكرة تقرير‬
‫المصير في مهدها من حيث المبدأ الذي يمثل حالة إجماع صهيوني‪ .‬ولم يوارب أحد‬
‫في الليكود منذ عام ‪ ،1977‬من بيغن (الحكم الذاتي) إلى شامير (نفاوض مئة عام ونبني‬
‫كأنه ال يوجد مـفــاوضــات)‪ ،‬إلــى نتنياهو (أرض إسرائيل الغربية)‪ ،‬إلــى أولـمــرت (ملك‬
‫تهويد القدس واالستيطان)‪ ،‬إلى شارون (راعي المشروع االستيطاني من دون منازع)‪،‬‬
‫وإلى نتنياهو مرة أخــرى؛ لم يــوارب أحد في الموقف من األراضــي واالستيطان والبقاء‬
‫في الضفة إلى األبد(‪.((4‬‬
‫لــذلــك‪ ،‬كــان ش ــارون بصفته ش ــارون‪ ،‬ســواء كــان فــي لباس الجيش أم فــي اللباس‬
‫الـمــدنــي كرئيس للحكومة أم فــي الـمـعــارضــة‪ ،‬واض ـح ـ ًا ج ــد ًا فــي لـقــاء مــع هــآرتــس (‪13‬‬
‫نيسان‪/‬أبريل ‪ )2001‬إذ يقول‪« :‬إن حرب ‪ 1948‬لم تنته أبد ًا‪ ،‬ولم تكن هذه الحرب إال‬
‫مجرد فصل من الحرب الممتدة‪ ،‬فقد شيدنا ‪ 1400‬مدينة وقرية وموشاف وكيبوتس‪،‬‬
‫واليد األخــرى تمسك بالسيف‪ .‬السيف جــزء من حياتنا‪ ،‬والخريطة التي رسمتها منذ‬
‫س ـنــوات طــويـلــة وجـســدتـهــا عـلــى األرض بــالـمــواقــع االسـتـيـطــانـيــة هــي الـتـســويــة المقبولة‬
‫وال شــيء غيرها‪ .‬ال يمكن الـتـنــازل عــن خ ــزان المياه الجوفي ال ــذي يمدنا بثلث كمية‬
‫حاجاتنا مــن الـمـيــاه‪ ،‬وال يمكن الـتـنــازل عــن المنطقة الـعــازلــة فــي غــور األردن‪ ،‬كما أن‬
‫موقع المستوطنات ليست من قبيل الصدفة‪ .‬إنها تمنحنا العمق االستراتيجي الحيوي‪.‬‬
‫يجب أن نحتفظ بكل األراضي المتاخمة للخط األخضر‪ ،‬والقدس موضوع خارج إطار‬
‫النقاش‪ ،‬وبالطبع الخزان المائي الجبلي الجوفي‪ .‬أنــا ال أؤمــن بنظرية «نحن هنا وهم‬
‫‪Ilan Pappe, A History of Modern Palestine: One Land, Two Peoples (New York: Cambridge‬‬ ‫)‪(40‬‬
‫‪University, 2006), pp. 287-290.‬‬
‫‪207‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫هناك»‪ ،‬وفي اعتقادي أن هذا األمر غير قائم بشكل عملي‪ ،‬فنحن هنا وأيض ًا هناك‪ .‬هذه‬
‫هي رؤيتنا»(‪.((4‬‬
‫إذ ًا‪ ،‬هذه هي حالة اإلجماع الصهيونية‪ :‬هنا‪ ،‬حيث ال نقاش في «هنا» أبد ًا وال نقاش‬
‫في ما حدث هنا (اقتالع ‪ 750‬ألف فلسطيني)‪ ،‬أي إسرائيل السيادية في حدود ما كان‬
‫يعرف بالخط األخـضــر‪ .‬وهناك أيـضـ ًا‪ ،‬بالسيف نبني ونؤكد حضورنا بالوقائع اليهودية‬
‫تمهيد ًا لترانسفير متزحزح للعرب الذين ما زالوا متشب ّثين في أرض بالدهم‪ .‬فالموضوع‬
‫بر ّمته إدارة للصراع‪ ،‬وليس أبد ًا مشروع ًا لالقتراب من تسوية تضمن حق تقرير المصير‬
‫للفلسطينيين مع ضمان حق العودة‪ ،‬أو على األقل‪ ،‬بحسب اللغة التي سادت بعد مؤتمر‬
‫كامب ديفيد‪ ،‬االعتراف بمسؤولية إسرائيل األخالقية عن مأساة الالجئين الذين أخرجوا‬
‫من ديارهم ليسكنها مهاجرون من ‪ 102‬دولة(‪.((4‬‬
‫أ ‪ -‬األه ــداف السياسية تـعــرض بمصطلحات أمنية‪ :‬لقد كــان البرنامج السياسي‬
‫لحكومة ش ــارون الثانية الــذي يمثل حالة إجـمــاع صهيونية واسـعــة‪ ،‬إضــافــة إلــى الليكود‬
‫(شينوي المفدال‪ ،‬واالتحاد القومي)‪ ،‬برنامج ًا لحكومة الجدار‪« :‬الحكومة ستناضل لبقاء‬
‫إسرائيل يهودية وصهيونية‪ ،‬باذلة أقصى الجهد لتشجيع الهجرة إلى إسرائيل‪ ،‬وتدعيم‬
‫البناء االستيطاني في أنحاء البالد وتوسيعه وتنميته‪ ،‬وترى فيه الحكومة مشروع ًا ذا قيم‬
‫اجتماعية وقومية‪ .‬وستعمل الحكومة على إقامة فاصل أمني عن طريق التسريع في إقامة‬
‫الجدران‪ ،‬وهي أداة أمنية‪ ،‬وال يحمل بناؤه داللة سياسية»(‪.((4‬‬
‫إن الجدار الذي أخذ يشق البالد هو المشروع الوطني األبرز على مدار تاريخها‪:‬‬
‫«هو يماثل مفاعل ديمونا‪ ،‬وخط المياه القطري‪ ،‬وتجفيف بحيرة الحولة‪ .‬وهو المشروع‬
‫الذي فاقت ميزانيته كل ميزانيات المشاريع الكبرى»‪ُ .‬عرض الجدار بمصطلحات أمنية‪،‬‬
‫ولكن الحقيقة التي تسطع من كل جــزء في الـجــدار تقول بصريح العبارة التي يؤكدها‬
‫(‪ ((4‬آري شفيط‪« ،‬حوار مع شارون‪ »،‬ملحق هآرتس‪ ،2001/4/13 ،‬وقد نشرته مجلة مختارات إسرائيلية‪،‬‬
‫العدد ‪( 79‬تموز‪/‬يوليو ‪ ،)2001‬ص ‪.79 - 75‬‬
‫وحول االدعــاء األمني اإلسرائيلي لبناء الجدار‪ ،‬انظر‪ :‬جوني منصور‪ ،‬االستيطان اإلسرائيلي‪ :‬التاريخ والواقع‬
‫والتحديات الفلسطينية (عكا‪ :‬دار األسوار‪ ،)2005 ،‬ص ‪.191 - 190‬‬
‫(‪ ((4‬شـفـيــط‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬وحــول الترانسفير المتزحزح‪ ،‬انـظــر‪Alnu'man Village: A Case Study of :‬‬
‫‪Indirect Forcible Transfer (Ramallah: Al-Haq, 2010).‬‬
‫(‪ ((4‬الخطوط العريضة لحكومة شارون الثانية (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪،‬‬
‫‪ ،)2003‬ص ‪ ،14 - 9‬ومحمود سويد‪« ،‬خطة شــارون إللغاء فلسطين‪ »،‬مجلة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪32‬‬
‫(خريف ‪ ،)2002‬ص ‪.34 - 32‬‬
‫‪208‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أحد أبرز الضباط والخبراء في الجيش الذين اشتغلوا في هذا الشأن (شــاؤول أرئيلي)‪:‬‬
‫«الترسيم الذي اختارته الجهات األمنية لم يكن وفق اعتبارات أمنية‪ ،‬بل جاء بناؤه لتلبية‬
‫احتياجات سياسية واستيطانية وحزبية‪ ،‬أما االعتبارات األمنية إذا أخذت بالحسبان أص ً‬
‫ال‪،‬‬
‫فقد وضعت في ذيل القائمة(‪.((4‬‬
‫قد تكون الرواية التي يقدمها شــاؤول أرئيلي(‪ ((4‬مع شريكه في الكتاب المحامي‬
‫ميخائيل سفارد‪ ،‬أدق رواية صدرت عن الجدار في إسرائيل (ونقلها إلينا مشكور ًا عليان‬
‫الهندي)‪ .‬والمؤلف أرئيلي (للتوضيح)‪ ،‬كضابط وخبير وسياسي‪ ،‬ليس ضد الجدار‪،‬‬
‫وإنما ضد الطريقة التي جرى ترسيمه بها‪ ،‬والتي ال تؤدي وظيفتها األمنية بحكم موقعه‬
‫أحيان ًا في أسفل منحدرات الجبال أو امـتــداده المسهب جــد ًا وتكاليفه الباهظة‪ .‬وكان‬
‫يجب بالنسبة إلى أرئيلي ومجلس السالم واألمن(‪ ،((4‬بشكل عام‪ ،‬أن يحقق نتائج سياسية‬
‫وأمنية أفضل وأقل تكلفة لو تم ترسيمه بطريقة أفضل‪.‬‬
‫ب ‪ -‬نماذج بيت سوريك‪ ،‬وعزون‪ ،‬وبلعين‬

‫● رواية أرئيلي‪ :‬تؤكد أن شارون كان يريد جسم ًا تنفيذي ًا صغير ًا وفعا ً‬
‫ال‪ ،‬خاضع ًا‬
‫له خضوع ًا تام ًا‪ ،‬وقــادر ًا على أن يحرك بسرعة خطوات البلدوزر لتعميق السيطرة على‬
‫الضفة‪ ،‬وترسيم الحدود النهائية للدولة بعيد ًا عن االتفاق مع الفلسطينيين أو أي تدخل‬
‫دولي في الحل النهائي‪ .‬وقد أوكلت مهمة هذا الجسم إلى المقدم داني تريزا الذي يسكن‬

‫(‪ ((4‬شــاؤول أرئيلي‪ :‬عقيد احتياط في سالح المشاة‪ ،‬عمل في السابق قائد اللواء الشمالي في قطاع غزة‪،‬‬
‫تــرأس إدارة (كيشت تسفاعيم) التي عملت على تخطيط وتنفيذ اتفاق أوسلو‪ ،‬ثم مساعد ًا لوزير الدفاع إسحاق‬
‫انضم‬
‫ّ‬ ‫مردخاي في وزارة نتنياهو األولــى‪ .‬ترأس إدارة المفاوضات في مكتب رئيس الحكومة ‪.2000 - 1999‬‬
‫إلــى مجلس السالم واألمــن برئاسة دانــي روتشيلد الــذي عمل فيه منسق ًا لعمل المجلس في كـ ّـل ما يتع ّلق بجدار‬
‫الفصل‪.‬‬
‫ِ‬
‫تأسس هذا المجلس عام ‪ 1988‬من ق َبل مجموعة من ض ّباط االحتياط برئاسة‬ ‫(‪ ((4‬مجلس السالم واألمن‪ّ :‬‬
‫ماض أمني وسياسي غني‪،‬‬ ‫ٍ‬ ‫وضم في حينه ألف شخصية ذات‬ ‫ّ‬ ‫تطوعي غير حزبي‪،‬‬ ‫الجنرال أهارون ياريف‪ ،‬كجسم ّ‬
‫جميعهم ض ّباط في الجيش اإلسرائيلي‪ ،‬من رتبة مقدّ م فما فــوق‪ .‬ويــرى أعضاء المجلس أن عملية السالم عنصر‬
‫حيوي لألمن القومي اإلسرائيلي‪ .‬كان لهذا المجلس الذي قاده خالل ترسيم وبناء الجدار الجنرال داني روتشيلد‬
‫أهمها ما‬
‫دور مهم في إعادة ترسيم بعض المقاطع‪ .‬وقدّ م التماسات ضدّ سير الجدار في محكمة العدل العليا‪ ،‬كان ّ‬
‫ف بقضية بيت سوريك الذي ترافع فيها المحامي محمد الدحلة‪ .‬وكانت أن استجابت المحكمة إلعادة ترسيم‬ ‫ع ُِر َ‬
‫الجدار في غالف القدس في المنطقة الممتدّ ة من مستوطنة مكابيم إلى جبعات زئيف‪ .‬من بين أعضاء هذا المجلس‪:‬‬
‫عاموس لفيدوت (قائد ســاح الـجــو)؛ نتاي شــارونــي (رئيس قسم التخطيط)؛ زئيف ليفني (السكرتير العسكري‬
‫لرئيس الحكومة وقائد سالح الميدان)؛ آفيعزر يعاري (قائد الكليات العسكرية)؛ نحمان طال (من كبار ضباط جهاز‬
‫المخابرات)‪ ،‬وغادي زوهر (رئيس اإلدارية المدنية)‪ ،‬وغيرهم‪...‬‬
‫‪209‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مستوطنة معاليه أدومـيــم‪ .‬فقد أصبح الجيش‪ ،‬خــارج الـصــورة وخــارج مهمته األســاس‪،‬‬
‫ال فرعي ًا لبناء الـجــدار‪ ،‬كما أن الجيش ال يــرى في الـجــدار مشروع ًا خاص ًا بــه‪ ،‬أي‬ ‫مـقــاو ً‬
‫ال فرعي ًا في‬‫أن المشروع هو موضوع سياسي تــام‪ ،‬ومــا على الجيش إال أن يكون مـقــاو ً‬
‫إتـمــام الـمـشــروع‪ .‬ومــن الناحية العملية‪ ،‬رســم ش ــارون ومــوفــاز الـجــدار وفــق وجـهــة نظر‬
‫شــارون بواسطة تريزا الــذي أصبح من األشخاص القالئل جــد ًا الذين تمتعوا بجلسات‬
‫ثنائية ومطولة مع شارون(‪ .((4‬لقد فضحت االلتماسات التي رفعها المواطنون والمجالس‬
‫المحلية في الضفة الغربية ضد قــرارات المصادرة‪ ،‬وضد الجدار‪ ،‬حتى لدى المحكمة‬
‫العليا‪ ،‬الــدافــع السياسي وراء الـجــدار‪ .‬وهـنــاك بعض االلتماسات األخ ــرى‪ ،‬على سبيل‬
‫المثال‪ :‬التماس بيت سوريك والقرى المحيطة في شمال غرب القدس‪ ،‬وكذلك التماس‬
‫قرية نعلين القريبة مــن مستوطنات حشمونائيم ومستوطنة مودعين عيليت‪ ،‬والتماس‬
‫قرية بلعين‪ .‬ففي هــذه الـمــواقــع‪ ،‬توغل فيها الـجــدار شــرقـ ًا إلــى أكثر مــن ‪ 20 - 15‬كلم‬
‫لضم المستوطنات‪ ،‬وضمان مدها بعمق احتياطي من األراضــي يسمح لها بالتوسع إلى‬
‫عشرات السنين في المستقبل(‪.((4‬‬
‫نتيجة هذه االلتماسات التي أثبتت بالوقائع والمواد القانونية والصور والخرائط‬
‫التي قدمها المحامون‪ ،‬ومنهم المحامي ميخائيل سفارد المشارك في الكتاب مع أرئيلي‪،‬‬
‫تب ّين أن البعد األمني للترسيم غير حاضر في ادعاءات الجيش الذي مثله أمام المحكمة‬
‫داني تريزا‪ ،‬األمر الذي اضطر رئيس محكمة العدل العليا إلى أن يكتب أمــور ًا لم يسبق‬
‫أن كتبها من قبل‪« :‬تبين في االلتماسات التي عرضت أمامنا أن هناك ظاهرة خطيرة تتمثل‬
‫بعدم عرض الصورة بشكل دقيق وكامل للمحكمة‪ ،‬وبحسب المعلومات المقدمة إلى‬
‫(‪ ((4‬أرئيلي وسفارد‪ ،‬الجدار الفاصل أمن أم طمع‪ ،‬ص ‪.130 - 125‬‬
‫(‪ ((4‬ان ـظــر تفاصيل هــذه االلتماسات فــي‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،135 - 130‬ويــذكــر هنا‪ :‬أن الباحث كان‬
‫ال على تفاصيل عمليات نهب‬ ‫من ضمن المجموعة التي قدّ مت االلتماس في ما عرف بقضية بيت سوريك‪ ،‬ومط ً‬
‫األراضي ومشارك ًا في العمل الشعبي المقاوم للجدار في الفترة (‪ .)2004 - 2003‬ولكن للحقيقة التاريخية‪ :‬إن‬
‫دماء الشباب الذين سقطوا في معركة مقاومة الجدار الفاصل في المنطقة (محمد بدوان‪ ،‬محمد ريان‪ ،‬زكريا عيد‪،‬‬
‫ضياء أبو عيد) قد أمــدّ ت المحامي محمد الدحلة بما ّدة عرضها أمــام المحكمة مظهر ًا صور الشهداء‪ ،‬إضافة إلى‬
‫المواد القانونية التي تنفي ال ُبعد األمني‪ .‬فكان لدماء هؤالء األخوان الذين عرفوا بالكوكبة األولى في شهداء المقاومة‬
‫الشعبية في فلسطين أثر بالغ وكبير‪ ،‬في إعادة ترسيم الجدار على األقل بالحدّ الممكن من األضــرار الكارثية على‬
‫منطقة شمال غرب القدس‪ .‬وأعتقد أن الهبة الجماهيرية في المنطقة المذكورة كان لها أثر كبير جد ًا في إعادة النظر‬
‫من قبل الجيش في ترسيم كثير من المقاطع في ما بعد‪ .‬إذ أصبح سير الجرافات ليس بال ُيسر الــذي توقعه الجهاز‬
‫األمني اإلسرائيلي‪ ،‬وهذا ما انطبق الحق ًا على بلعين ونعلين وقبل ذلك بدرس وغيرها‪.‬‬
‫انظر‪ :‬أرشيف مجلس محلي بدو‪ ،‬بيت سوريك‪ ،‬بيت عنان‪ ،‬بيت أجزا‪ ،‬بيت دقو التي تحتفظ بها هذه المجالس‬
‫بالقرارات العسكرية التي تس ّلمتها من قيادة الجيش عبر ما يعرف باإلدارة المدنية‪.‬‬
‫‪210‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المحكمة قال أهــارون بــاراك رئيس المحكمة إن هذه المعلومات التي عرضها الجيش‬
‫ال تع ّبر عن االعتبارات األمنية المعروضة»(‪.((4‬‬
‫وعن الحجة األمنية (الكاذبة) التي تتوارى خلف الطموح السياسي‪ ،‬يقول الكاتبان‪:‬‬
‫ال توجد أية ميزة أمنية في حرف الجدار بعيد ًا عن الخط األخضر‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬من‬
‫الناحية الطوبوغرافية‪ ،‬وبسبب القرب من المنطقة الفلسطينية المكتظة‪ ،‬وبسبب مشاكل‬
‫البوابات الزراعية‪ ،‬هناك عيوب خطرة في مواضع ترسيم الجدار‪ .‬وعلى سبيل المثال‪:‬‬
‫طول الخط األخضر ‪ 313‬كلم‪ ،‬أما الجدار الــذي أقرته الحكومة في عام ‪ 2003‬فيبلغ‬
‫‪ 790‬كلم‪ ،‬أي أن الخط امتد وأصبح التفافي ًا‪ .‬وعلى عكس المبادئ األمنية‪ ،‬وبهدف‬
‫المحافظة على مصالح المستوطنات في الجانب الغربي‪ ،‬وإخراج كل فلسطيني من هذه‬
‫المنطقة تقريب ًا‪ ،‬ومن أجل ضم أرئيل وكدوميم‪ ،‬ازداد طول الجدار ‪ 165‬كلم‪ ،‬وأضيفت‬
‫خمسة كيلومترات إضافية لضم كيدار إلى معالية أدوميم‪ ،‬وبني جدار دائري على طول‬
‫‪ 9‬كلم بهدف إخراج بير نباال والجيب والجديرة شمال القدس من حدود منطقة التخوم‪،‬‬
‫وكذلك أضيف ‪ 30‬كلم من أجل ضم المستوطنة الصغيرة بيت حــورون شمال القدس‬
‫وتلة بيتونيا(‪.((5‬‬
‫وي ـعــرض الـمـحــامــي ميخائيل س ـفــارد ن ـمــوذج ـ ًا آخ ــر ال يـقــل وحـشـيــة عــن الـنـمــاذج‬
‫السابقة‪ ،‬ولكن في هذا النموذج تبنّت محكمة العدل العليا وجهة نظر الجهات األمنية‬
‫وإدعــاء عام الدولة‪ .‬ويقول المحامي أنه نتيجة لهذا القرار أصبحت مصادرة األراضــي‬
‫(‪ ((4‬أرئيلي وسفارد‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.133‬‬

‫أو ّد اإلشارة هنا إلى أن المحامي محمد الدحلة‪ ،‬بعد أن أخذت المحكمة قرار ًا بإعادة ترسيم الجدار في المقطع‬
‫الممتدّ من مكابييم إلى جبعات زئيف بطول ‪ 35‬كلم‪ ،‬قد التقى مع المواطنين في بلدة بيت عنان إلطالع المواطنين‬
‫وجه كالمه‬
‫ال عن رئيس المحكمة الذي ّ‬ ‫على سير القضية أمام محكمة العدل العليا (أيار‪/‬مايو ‪ )2004‬وقد قال نق ً‬
‫حولتم القرى الفلسطينية إلــى حظائر مغلقة‪ ،‬وال بــدّ من إعــادة ربــط هــذه القرى التي قطعها‬ ‫لممثلي الجيش‪ :‬لقد ّ‬
‫ُ‬
‫الجدار‪ .‬ومن هنا جاء قرار أطلق عليه (إعــادة نسيج الحياة)‪ ،‬أي إعــادة ربط القرى التي فصلها الجدار عن بعضها‬
‫البعض‪ ،‬وفصلها أيض ًا عن مراكز المدن والخدمات بواسطة طرق جديدة اضطر الجيش إلى أن يش ّقها‪ .‬إضافة إلى‬ ‫ً‬
‫تم تقطيعها‪.‬‬‫ّ‬ ‫التي‬ ‫التجمعات‬ ‫هذه‬ ‫لربط‬ ‫األنفاق‬ ‫بناء‬ ‫عملية‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.152‬‬
‫تلة بيتونيا‪ :‬من التالل الجميلة جد ًا في جبال فلسطين الوسطى‪ ،‬ترتفع عن مستوى سطح البحر حوالى ‪800‬م‬
‫ويطل هذا الجبل الشامخ على مدينتي القدس ورام الله ومعسكر الجيش‬ ‫ّ‬ ‫تقريب ًا‪ .‬وهي في أغلبها من أراضي بيتونيا‪،‬‬
‫اإلسرائيلي المسمى «عوفر» شمال القدس‪ .‬وقد جرت السيطرة عليها منذ العام ‪ 1995‬في ضوء ما عرف بحرب‬
‫التالل الذي رعاه شــارون عندما دعا شبيبة المستوطنين (جماعة غوش إيمونيم) إلى اعتالء هذه التالل والسيطرة‬
‫عليها‪ .‬وتُعرف التلة لدى المواطنين بأبو زيتون‪ ،‬ومثلها تلة حرشه غرب مدينة رام الله التي أقيمت عليها مستوطنة‬
‫في تلك الفترة (الباحث)‪.‬‬
‫‪211‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫لبناء الجدار مسألة قانونية‪ .‬ويشير هذا النموذج إلى ضم ‪ 1200‬دونم‪ .‬هنا فصل الجدار‬
‫ال من أن يحيطها من الشمال‪ ،‬توجه شرق ًا إلى‬ ‫بين مدينة قلقيلية ومستوطنة تسوفين‪ .‬وبد ً‬
‫عمق الضفة الغربية‪ ،‬وعلى بعد أربعة كيلومترات توجه شما ً‬
‫ال مخلف ًا كانتون ًا ضخم ًا حول‬
‫مستوطنة تسوفين‪ ،‬لم يكن فيه بيوت فلسطينية‪ ،‬بل حقول وكــروم زيتون لقرى عزون‬
‫والنبي الياس‪ .‬وبلغ البعد بين بيوت المستوطنة والجدار أربعة كيلومترات‪ ،‬أي أكثر عشر‬
‫مــرات من المساحة المطلوبة لمرمى السالح الخفيف كي يحدث إصابة‪ ،‬وهو تعريف‬
‫تحديدي وضعه خبراء الجدار كبعد مطلوب لالحتياجات األمنية(‪.((5‬‬
‫عن هذا النموذج الــذي انحازت فيه المحكمة إلى أقــوال الجيش‪ ،‬بعكس نموذج‬
‫بيت ســوريــك‪ ،‬ال يعني على اإلط ــاق أن نـمــوذج بيت ســوريــك هــو الـقــاعــدة‪ ،‬بــل على‬
‫العكس من ذلــك تمام ًا‪ .‬فقد كانت المحكمة العليا دائـمـ ًا مظلة قضائية لمنح األحكام‬
‫والقرارات العسكرية في موضوع الجدار واالستيطان‪ ،‬الشرعية القانونية التي تحتاجها‬
‫ضد االلتماسات التي قدمها المواطنون منذ عام ‪ 1967‬وحتى اليوم(‪.((5‬‬
‫● نموذج بلعين‪ :‬لقد كان من أحد نماذج االستيطان الزاحف‪ ،‬الذي هو ترانسفير‬
‫زاحف من حيث المضمون والنتائج الذي ابتليت به األرض واإلنسان في معظم مناطق‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬مستوطنة مودعين عيليت التي حملت هذا االسم عام ‪ 1996‬بعد توحيد‬
‫عدد من األحياء االستيطانية المختلفة التي كانت بؤرتها األولــى الحي المعروف باسم‬
‫كريات سيفر‪ ،‬والذي بوشر في بنائه منذ أواسط الثمانينات(‪.((5‬‬
‫لقد اجتاحت المستوطنة المذكورة (مودعين عيلت) أراضي قرى‪ :‬نعلين‪ ،‬وخربثا‪،‬‬
‫وصفا‪ ،‬وبلعين‪ ،‬وديــر قديس‪ ،‬مستولية على معظم أراضــي هــذه الـقــرى‪ ،‬خانقة وطــاردة‬
‫لها نتيجة زحفها الـســريــع‪ ،‬وهــي مستوطنة نموذجية للمتدينين الـحــرديــم‪ .‬ومــن المقرر‬
‫للمستوطنة التي يقطن فيها اليوم أكثر من ‪ 30‬ألــف مستوطن حريدي متد ّين‪ ،‬أن يصل‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.169‬‬

‫(‪ ((5‬مـسـعــود أغبارية‪« ،‬القوانين اإلسرائيلية هل تحميهم من القانون الــدولــي‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪9‬‬
‫(صيف ‪ ،)2005‬ص ‪ ،9 - 6‬وأحمد ثابت‪« ،‬القضاء اإلسرائيلي يدعم العنصرية والمذابح‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪،‬‬
‫العدد ‪( 90‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،)2002‬ص ‪.120 - 118‬‬
‫(‪ ((5‬م ـق ــاب ـل ــة م ــع مـحـمــد ال ـخ ـط ـيــب‪ ،‬أح ــد أع ـض ــاء ال ـل ـجــان الـشـعـبـيــة الـنــاشـطـيــن ف ــي ال ـم ـقــاومــة الـشـعـبـيــة ضــدّ‬
‫ج ــدار االسـتـيـطــان ‪ .2007/5/15‬والـسـيــد محمد إل ـيــاس‪ ،‬رئـيــس اللجنة الوطنية للمقاومة الشعبية (رام الـلــه)‪،‬‬
‫‪ .2007/5/15‬وزي ــارات مختلفة للباحث للمنطقة الـمــذكــورة فــي إطــار العمل الشعبي المقاوم للجدار‪ .‬انظر‪:‬‬
‫محمد منصور (أبو عالء منصور)‪ ،‬بلعين في المقاومة الشعبية (رام الله‪ :‬مكتب الشؤون الفكرية والدراسات (فتح)‪،‬‬
‫‪ ،)2007‬ص ‪.68 - 60‬‬
‫‪212‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫عــدد سكانها فــي عــام ‪ 2020‬إلــى ‪ 150‬ألــف نسمة وفــق مــا تخطط لــه وزارة اإلسـكــان‬
‫اإلسرائيلية‪ .‬ومن المقرر أن تنال مودعين عليت مكانة المدينة‪ ،‬كمستوطنة أرئيل ومعاليه‬
‫أدوميم التي حصلت على هذه المكانة الرسمية(‪.((5‬‬
‫وفي منتصف عام ‪ ،2003‬تلقت هذه القرى‪ ،‬ومن ضمنها قرية بلعين‪ ،‬أوامر عسكرية‬
‫تقضي بإغالق آالف الدونمات تمهيد ًا لبناء الـجــدار(‪ .((5‬وقد ادعى المستشار القضائي‬
‫للحكم العسكري في قيادة المنطقة الوسطى بأن ترسيم الجدار في هذا المقطع ومصادرة‬
‫ما تبقى من هذه الحيزات التي تبقت لهذه القرى بعد عام ‪ ،1948‬جاءت العتبارات أمنية‬
‫وطوبوغرافية بطريقة تمكّن قوات الجيش من حماية المستوطنات الموجودة‪ ،‬وخصوص ًا‬
‫مستوطنة مودعين عليت وأحيائها المختلفة‪ .‬ولكن في حقيقة األمر‪ ،‬كما ثبت بالوقائع‬
‫والمخططات التي كشفها المواطنون والمحامون‪ ،‬ومنهم ميخائيل سفارد صاحب هذه‬
‫الــروايــة‪ ،‬فــإن غالبية هــذه األراض ــي التي أصبحت تحت «وضــع الـيــد» وممنوع الدخول‬
‫إليها‪ ،‬سيقام عليها حي يحمل اسم «متتياهو مزراح» على مساحة ‪ 908‬دونمات سيشاد‬
‫عليها ‪ 3000‬وحدة سكنية للسكان الحرديم(‪.((5‬‬
‫ويقول سفارد بلغة واضحة‪« :‬إن الضابط اإلسرائيلي لم يوضح في رسالته وأقواله‬
‫أنه ليس أمن الناس (المستوطنين) هو الموجود على المحك‪ ،‬بل هو حي لم يبن بعد‪،‬‬
‫والساكنون المفترضون لم يشتروا هذه الشقق التي لم تبن بعد‪ ،‬وبكلمات أخرى‪ ،‬ليس‬
‫أمن مستوطنة مودعين عيليت هو الموجه إلى ترسيم الجدار‪ ،‬بل الرغبة في توسيعها على‬
‫حساب أراضي بلعين والقرى المجاورة»(‪.((5‬‬
‫لقد كانت الدراسة القيمة‪ ،‬التي تعتبر إضافة نوعية إلى ما كتب عن الجدار‪ ،‬ألستاذ‬
‫التاريخ في جامعة تل أبيب (البروفسور غادي الغازي)‪ ،‬وخصوص ًا في ما يتعلق بسرقة‬
‫األراضــي جهار ًا نهار ًا‪ .‬فقد أقيم الجدار على أراضي بلعين لضمان التوسيع المستقبلي‬
‫(‪ ((5‬لقاء مع عبد الله أبو رحمة في مدينة رام الله في تموز‪/‬يوليو ‪ .2008‬وهو من نشطاء المقاومة الشعبية‬
‫في بلعين‪.‬‬
‫(‪ ((5‬ال ـقــرى الـحــدوديــة مــع إســرائـيــل التي أصبحت على تماس مــع الخط األخـضــر فقدت أج ــزاء كبيرة من‬
‫أراضـيـهــا عــام ‪ 1948‬وفــي بعض الـقــرى فـقــدت معظم أراضـيـهــا‪ ،‬مثل قــريــة رنـتـيــس‪ ،‬قطنة‪ ،‬ب ــدرس‪ ،‬بيت ســوريــك‪،‬‬
‫محرمة على أصحابها‪،‬‬ ‫أراض صارت ّ‬ ‫ٍ‬ ‫وأصبحت هذه األراضي واقعة في ما أطلق عليه المنطقة الحرام ‪ -‬وهي فع ً‬
‫ال‬
‫ال خالص ًا من السماء للحركة االستيطانية التي اجتاحت الضفة بعد عام ‪.1967‬‬ ‫ولكنها أصبحت حال ً‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.365‬‬
‫‪213‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫للمستوطنة‪ .‬وبطبيعة الـحــال‪ ،‬فإنه في ظل سياسة األمــر الــواقــع تـ ّـم بناء آالف الوحدات‬
‫السكنية من دون إصدار تراخيص بناء أو خطط هيكلية معتمدة‪ .‬لكن الشيء المهم هنا‬
‫هو أن مودعين عيليت ليست مشروع ًا تابع ًا لمجلس المستوطنات اليهودية أو لشبيبة‬
‫ال ـت ــال‪ .‬إال أن الـتـحــالــف الـسـيــاســي ‪ -‬االجـتـمــاعــي ال ــذي يـقــف خـلــف ه ــذه المستوطنة‬
‫يضم مستثمرين في قطاع العقارات‪ ،‬وأصحاب رؤوس أموال يتلهفون إلى الكسب من‬
‫سلب األراضي والمساعدات الحكومية‪ ،‬إضافة إلى الدعم السياسي الذي يقود التوجه‬
‫التوسعي إلى الشرق من الخط األخضر‪ ،‬ويدفعون نحو تسريع االستيطان والتوسع تحت‬
‫غطاء االنفصال‪.‬‬
‫وتقوم األحياء الجديدة التي ستنشأ‪ ،‬مثل‪ :‬نيؤت هفيسغا‪ ،‬ومتتياهو مــزراح‪ ،‬وفق‬
‫مشروع وضعته كبرى شركات العقارات في إسرائيل (شركة أفريقيا ‪ -‬إسرائيل‪ ،‬وشركة‬
‫تسيفحا)‪ .‬وهنا في جدار بلعين يلتقي االقتصاد القديم الذي تمثله شركات بناء ومقاولون‬
‫يضعون مقدّ رات الدولة تحت تصرفهم‪ ،‬من موارد وعقارات‪ ،‬بثمن بخس‪ ،‬مع االقتصاد‬
‫الـجــديــد المتمثل بـشــركــات الـهــاي تيك الـتــي أقــامــت لها مصنع ًا ضخم ًا لتشغيل النساء‬
‫الـحــريــديــات فــي أراض ــي بلعين‪ ،‬وكــاهـمــا‪ ،‬أي االقـتـصــادان القديم والـجــديــد‪ ،‬مرتبطان‬
‫يتغذيان على حد‬‫أشد االرتباط بالدولة ومساعداتها‪ .‬فالمقاولون وشركات الهاي تيك ّ‬
‫أراض مسلوبة وموارد حكومية‬ ‫ٍ‬ ‫سواء من العملية الكولونيالية التي تضع تحت تصرفهم‬
‫وحماية من قوات الجيش(‪.((5‬‬
‫فــي الـبــدايــة‪ ،‬كانت الحركة االستيطانية بقياداتها وجمعياتها ومؤسساتها‪ ،‬وعلى‬

‫رأسـهــا المجالس اإلقليمية للمستوطنات وحــركــة غــوش إيمونيم والـقــوى الدينية‪ ،‬ضد‬
‫الجدار من حيث المبدأ‪ ،‬على اعتبار أن الجدار يقسم أراضي إسرائيل التوراتية‪ .‬ولكن‬
‫عندما جرى ضم غالبية المستوطنات مع ضمانات على األرض لتوسعها في المستقبل‬
‫وربطها مباشرة بمركز الدولة‪ ،‬أصبحت هذه القوى أهم عامل إسناد لشارون في مشروعه‬
‫السياسي‪.‬‬
‫ج ‪ -‬و َّلى عهد الدولتين إذ ًا!‪ :‬لم تستوعب األوســاط السياسية اإلسرائيلية الفاعلة‬
‫وتلك المرتبطة بها‪ ،‬أن تكون هناك دولـتــان بين البحر المتوسط ونهر األردن‪ .‬لذلك‬
‫كان ثقل الدولة العبرية‪ ،‬منذ البداية‪ ،‬منصب ًا‪ ،‬وكـ ّـل منهم في حــدود مسؤولياته‪ ،‬وبتناغم‬
‫(‪ ((5‬غ ــادي الـغــازي‪« ،‬ماتريكس وبلعين وحكاية رأس المال الكولونيالي في إسرائيل‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪،‬‬
‫العدد ‪( 21‬شتاء ‪ ،)2006‬ص ‪.50 - 46‬‬
‫‪214‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يكاد يصل إلى حد التطابق‪ ،‬على خلق الوقائع الجيوسياسية التي تحول دون بروز هذا‬
‫أسس لمشروع البقاء‬ ‫الكيان إلى ح ّيز الوجود‪ ،‬آني ًا أو في المستقبل‪ .‬فقد كان ديان الذي ّ‬
‫األبــدي في «المناطق» تبع ًا للسياسة التي درس أصولها المبكرة‪ ،‬يذهب إلى أن فرصة‬
‫الفلسطينيين التاريخية التي منحت لهم في قرار التقسيم الرقم (‪ ،)1947/181‬قد و ّلت‬
‫إلى غير رجعة‪ .‬ففي تصريح له أمام معهد التخنيون عام ‪ 1973‬قال‪« :‬إنه ال وجود لكيان‬
‫يسمى «فلسطين»‪ ...‬فلسطين انتهت سياسي ًا»(‪.((5‬‬ ‫َّ‬
‫لقد جعلت الدولة العبرية بحزبيها الرائدين (العمل والليكود)‪ ،‬والحركات الدينية‬
‫وال ـقــوى والـشــركــات االقـتـصــاديــة‪ ،‬مــن االسـتـيـطــان الـيـهــودي فــي أرض إســرائـيــل الغربية‬
‫مصدر ًا لشرعيتها‪ ،‬أي ال شرعية لحزب سياسي من دون مشروع استيطاني‪ .‬ولهذا يقول‬
‫أرونسون‪« :‬ليس من الصحيح أو المنطقي أن ينسب إلى رجل واحد سياسات االحتالل‪،‬‬
‫إن كان ديان أو بيغن أو شارون‪ ،‬أو غيرهم‪ .‬فعملية سلب األراضي والممتلكات اعتمدتها‬
‫أمة بكاملها‪ .‬ولئن كان مناحيم بيغن الناطق باسم إسرائيل الكبرى والنصير المتحمس‬
‫لها‪ ،‬وكــان ديــان مرشدها الفكري‪ ،‬فــإن شــارون سيظل يذكر بأنه هو الــذي حـ ّـول الفكرة‬
‫إلى واقع؛ الواقع المرتجى الذي تحقق فعلي ًا بتحويل إسرائيل من حالة احتالل إلى دولة‬
‫لها حقوق شرعية ومعترف بها في أراضي الضفة والقدس‪ ،‬وهو الشغل األساسي الذي‬
‫حظي باإلجماع القومي اإلسرائيلي على مــدار سنوات االحتالل‪ ،‬ومن ضمنها سنوات‬
‫أوسلو وما تالها»(‪.((6‬‬
‫ويعتقد أرونسون في كتابه المهم «أن الهدف الصهيوني في المناطق المحتلة قد‬
‫تحقق‪ .‬فقد سبق خلق الوقائع كل الخيارات األخرى غير تلك المقبولة لدى إسرائيل‪ .‬إن‬
‫قطع التواصل الجغرافي بين مراكز السكن الحضري والريفي العربي‪ ،‬وتفتيت التجمعات‬
‫لتوسعها‪،‬‬
‫السكانية الفلسطينية وموضعتها في جيوب مغلقة متناهية الصغر‪ ،‬ال مستقبل ّ‬
‫إذ تقطعها وتس ّيجها مستوطنات متنامية‪ ،‬لديها مساحات كبيرة من األراض ــي للتوسع‪،‬‬
‫ويحشرها جدار حديدي أو إسمنتي أو كهربائي كان الهدف منه ضرب األساس اإلقليمي‬
‫ألي أمل فلسطيني بالسيادة وتقرير المصير»(‪.((6‬‬
‫(‪ ((5‬جيفري أرونسون‪ ،‬سياسة األمر الواقع في الضفة الغربية‪ :‬إسرائيل والفلسطينيون من حرب ‪ 1967‬إلى‬
‫االنتفاضة (بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪ ،)1999 ،‬ص ‪.40‬‬
‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.103‬‬

‫(‪ ((6‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪ ،118 - 113‬و‪Constance Hilliard, Does Israel Have a Future: The Case‬‬
‫‪for a Post-Zionist State (Washington, DC: Potomac Books Inc., 2009).‬‬
‫‪215‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وفي مقالة للكاتب نفسه‪ ،‬نشرتها مختارات إسرائيلية‪ ،‬ب ّين فيها مدى خطورة انتزاع‬
‫أية نسبة من أرض إقليم سيادي على مستقبله السياسي‪ .‬ففي الواليات المتحدة‪ ،‬مث ً‬
‫ال‪،‬‬
‫تشكّل المناطق الحضرية الرئيسية ‪ 4‬بالمئة فقط مــن مساحتها‪ .‬ورغ ــم ضــآلــة النسبة‪،‬‬
‫فالواليات المتحدة (وهــي قــارة) لن تبقى الــواليــات المتحدة إذا انتزعت منها شيكاغو‬
‫أو نيويورك أو كليفالند‪ .‬إن أية محاولة لقطع ‪ 2‬بالمئة من مساحة الواليات المتحدة‪،‬‬
‫ستؤدي إلى منع انتقال السكان من أحد جانبي نهر المسيسبي إلى الجانب اآلخر‪ ،‬فهل‬
‫تبقى ساعتها الواليات المتحدة؟»(‪.((6‬‬
‫إذا كان هذا هو شأن دولة ذات سيادة (على قارة)‪ ،‬فكيف الحال إذا كان المشروع‬
‫في الضفة الغربية التي عملت إسرائيل على قطع ‪ 13‬بالمئة منها؟ فهل تبقى هناك فرصة‬
‫لسيادة أو تقرير مصير فعلي؟‪.‬‬
‫إن مـبــدأ «إب ـعــاد الفلسطينيين لـيــس عــن ح ــدودن ــا‪ ،‬وإن ـمــا عــن وعـيـنــا»‪ ،‬هــو التطلع‬
‫الوحيد الذي يجمع األطياف السياسية اإلسرائيلية‪ ،‬أي ًا كانت طريقة هذا اإلبعاد‪ ،‬سواء‬
‫بالترانسفير أو الجدار أو االنطواء أو غيرها من السياسات‪ ،‬التي جعلت الفلسطينيين‬
‫مختبر ًا لصنوف التعذيب والمالحقة الــدائـمــة‪ ،‬لتعطيل توصلهم إلــى حقهم فــي دولــة‬
‫ذات سيادة كباقي شعوب األرض‪ .‬إن ناخبي هــذه األحــزاب التي تبرر كل هــذا األذى‬
‫للفلسطينيين‪ ،‬جـعـلــت الـعـنـصــريــة هــي الـقــاســم الـمـشـتــرك الحقيقي ال ــذي يـجـمــع شمل‬
‫إسرائيل(‪.((6‬‬
‫وليس من المبالغة االعتقاد والقول إن حضور فكرة الدولة الفلسطينية في ضبابيتها‬

‫داخل السجال اإلسرائيلي‪ ،‬قد ارتبط في األعــوام القليلة الماضية أكثر من أي أمر آخر‪،‬‬
‫بفكرة الحفاظ على الدولة اليهودية من جهة‪ ،‬وبفكرة خلق جسم فلسطيني‪ ،‬فسيفسائي‪،‬‬
‫ركيك‪ ،‬مخترق السيادة‪ ،‬مبعثر جغرافي ًا ومجتمعي ًا؛ جسم يقال عنه دولــة‪ ،‬ولكنه جسم‬
‫معتقل‪ ،‬هـ ّـش ال يل ّبي طموحات شعب‪ ،‬وال يمكّن مواطن واحــد من الحياة اآلمنة في‬
‫بالده‪.‬‬
‫(‪ ((6‬جيفري أرونسون‪« ،‬تجميد المستوطنات مقابل النمو الطبيعي‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 80‬آب‪/‬‬
‫أغسطس ‪ ،)2001‬ص ‪ ،22‬وأنطوان شلحت‪« ،‬هل كان هناك شريك‪ »،‬أوراق إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 32‬آذار‪/‬مــارس‬
‫‪ ،)2006‬ص ‪.11 - 7‬‬
‫(‪ ((6‬جدعون ليفي‪ ،‬في‪ :‬هآرتس‪.2006/3/26 ،‬‬
‫‪216‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬اعتراض (إفشال) رؤية الدولة‬
‫الثنائية القومية أو الدولة العلمانية‬
‫‪ - 1‬العربي هو العربي!‬
‫ال يم ّيز الخطاب الديمغرافي في إسرائيل بين الفلسطيني المقيم في نابلس‪ ،‬وذاك‬
‫الــذي ما زال هناك في الناصرة‪ .‬أو بين ذاك المقيم في عنبتا‪ ،‬وبين الــذي ما زال قائم ًا‬
‫في عرابة ودير حنّا‪ .‬وحتى الفئة الشاذة القليلة جد ًا‪ ،‬من بقايا جيش لبنان الجنوبي الذي‬
‫تعاون مع إسرائيل‪ ،‬والمتعاونين من الفلسطينيين الذين هربوا لالستقرار في إسرائيل‪،‬‬
‫يعيشون ظروف ًا مخزية ال تتواءم مع الخدمات الباهظة التي قدموها إلى هذه الدولة‪ ،‬سواء‬
‫في حالة احتاللها لجنوب لبنان أم الضفة الغربية وقطاع غــزة‪ .‬وهــي ظــروف وضــع بها‬
‫هؤالء المتعاونون‪ ،‬حتى تتخلص الدولة من نسلهم مبكر ًا‪ ،‬وحتى ال يضيفوا لها أعداد ًا‬
‫أخرى مهما بدت هذه األعداد صغيرة في المرحلة األولى‪.‬‬
‫وتـتــداخــل هـنــا األقـلـيــة الـعــربـيــة فــي إســرائـيــل مــع إخــوانـهــا فــي ال ـشــرق‪ ،‬فــي مستوى‬
‫االستهداف‪ ،‬فسيف الترحيل لم يرفع لحظة واحدة عن عرب الداخل‪ .‬لقد استمع العالم‬
‫إلى تصريح تسيبي ليفني‪ ،‬وزيرة الخارجية (زعيمة حزب كاديما)‪ ،‬في أواسط شهر كانون‬
‫األول‪/‬ديسمبر ‪ 2008‬تقول‪« :‬بعد أن تقوم دولة للفلسطينيين (بالصيغة المعروفة برؤية‬
‫إسرائيل)‪ ،‬سيكون باإلمكان التوجه إلــى عــرب إسرائيل والقول لهم‪ :‬إن الحل القومي‬
‫بالنسبة إليهم (العرب) هو في مكان آخر غير إسرائيل»‪ .‬فبماذا تختلف إذ ًا السيدة العلمانية‬
‫التي تنافست على رئاسة الحكومة األخيرة مع نتنياهو عن الحاخام عوفاديا يوسف‪ ،‬زعيم‬
‫حزب شاس‪ ،‬أو تسفي يهودا كوك‪ ،‬زعيم حركة غوش إيمونيم الدينية االستيطانية؟ في‬
‫الخط نفسه‪ ،‬وعلى المنوال ذاتــه‪ ،‬ومن المنطلقات العرقية ‪ -‬الدينية نفسها‪ ،‬إن أكثر ما‬
‫يؤرق أبرهام هليفي (رئيس الموساد األسبق) هو‪ ،‬بحسب قوله‪« :‬أنا قلق أكثر وأكثر من‬
‫موضوع عرب إسرائيل‪ ،‬أكثر من كل األخطار االستراتيجية اإلقليمية المحيطة‪ .‬أعتقد أن‬
‫قضية العرب في إسرائيل هي أخطر قضية تقف عند أبوابنا»(‪.((6‬‬
‫لــذا‪ ،‬ليس غريب ًا على هــذه الدولة أن توظف برلمانها (الكنيست) لتمرير منظومة‬
‫قوانين ولوائح تمييزية عنصرية؛ ففي تقرير أعده مركز «مساواة» لمكافحة العنصرية في‬
‫(‪ ((6‬أفــرايــم هاليفي‪ ،‬رئيس الموساد في‪ :‬هآرتس‪ ،2003/9/5 ،‬وانظر أيض ًا مقابلة آري شفيط مع أفرايم‬
‫هليفي‪ ،‬في‪ :‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 106‬تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،)2003‬ص ‪.80 - 75‬‬
‫‪217‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إسرائيل‪ ،‬يوثق التقرير ‪ 21‬قانون ًا عنصري ًا ضد العرب في الداخل خالل عام واحد‪ .‬ويقول‬
‫التقرير إن الكنيست الثامن عشر هو األكثر تمييز ًا وعنصرية منذ قيام الدولة‪ .‬وتهدف هذه‬
‫القوانين إلى موضعة العرب في خانة التهديد الديمغرافي األمني‪ ،‬وتقويض مكانتهم‪،‬‬
‫واالنتقاص من حقوقهم‪ ،‬وتهدد شرعية مواطنتهم من دون كلل(‪.((6‬‬

‫وك ــان ــت جـمـعـيــة ح ـق ــوق ال ـم ــواط ــن ف ــي إس ــرائ ـي ــل ق ــد أقـ ــرت ب ــأن وزارة الــداخـلـيــة‬
‫اإلسرائيلية تنتهج سياسة تمييز بشعة مــع كــل مــن هــو غير يـهــودي‪ ،‬إزاء قضايا تسجيل‬
‫السكان وطلبات اإلقــامــة وال ــزواج ولـ ّـم الشمل وغـيــرهــا‪ .‬ويـقــول هــذا التقرير‪ ،‬إن دائــرة‬
‫تسجيل السكان تعتبر نفسها حامية األس ــوار اليهودية للدولة‪ ،‬وأن سياسة هــذه الدائرة‬
‫ال تتغ ّير بتغ ّير وزراء الداخلية(‪ .((6‬وقد لخص تقرير «مــدار» االستراتيجي هذه السياسة‬
‫العنصرية تجاه المواطنين العرب باعتبارهم يشكلون تهديد ًا ديمغرافي ًا للدولة‪ :‬هناك عمل‬
‫صهيوني ورسمي إسرائيلي يرتكز على دعامتين‪:‬‬
‫األول ــى‪ :‬الـحـفــاظ على الـتـفــوق ال ـعــددي لليهود عــن طــريــق الـتـعــديــات فــي قوانين‬
‫المواطنة ودخول إسرائيل‪.‬‬
‫والثانية‪ :‬اشتراط العمل السياسي المن ّظم باالعتراف بيهودية الدولة‪.‬‬
‫لقد هدفت تلك التعديالت إلــى فــرض قواعد جديدة للمشاركة الديمقراطية في‬
‫إسرائيل بتنازل العرب عن هويتهم القومية‪ ،‬وذاكرتهم الجماعية‪ ،‬والكف عن المطالبة‬
‫بالحقوق الجماعية لألقلية العربية‪ .‬لقد ُمنح وزير الداخلية صالحيات لنزع المواطنة عن‬
‫العرب ألسباب سياسية أو موقف أيديولوجي‪ ،‬خصوص ًا الموقف المتعلق بعدم قبول‬
‫الدولة اليهودية كصيغة سيادية(‪.((6‬‬
‫وفــي دول ــة إســرائـيــل الـتــي تنتهج كــل وسيلة ممكنة للحدّ مــن الــوجــود الـعــربــي في‬
‫داخلها‪ ،‬أصبح آفي ايتام الــذي ينتظر المسيح‪ ،‬وينادي صباح مساء بترحيل العرب إلى‬
‫سيناء‪ ،‬ويصف العرب بالسرطان في جسم الدولة اليهودية‪ ،‬عضو ًا في الكنيست ووزير ًا‬
‫(‪« ((6‬الـكـنـيـســت اإلســرائـيـلـيــة الـثــامـنــة عـشــرة هــي األك ـثــر عنصرية مـنــذ قـيــام ال ــدول ــة‪ »،‬المشهد اإلســرائـيـلــي‪،‬‬
‫‪.2010/3/23‬‬
‫(‪« ((6‬وزارة الداخلية تنتهج سياسة تمييز مع كل من هو غير يهودي‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪،2004/12/14 ،‬‬
‫وحاييم غانر‪« ،‬لم شمل العائالت في الدول اليهودية‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/3/23 ،‬‬
‫(‪ ((6‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬تقرير مدار االستراتيجي ‪ :2010‬المشهد اإلسرائيلي ‪ ،2009‬تحرير هنيدة غانم (رام‬
‫الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2009 ،‬ص ‪.234 - 232‬‬
‫‪218‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫في الطاقم األمني والسياسي المص ّغر‪ ،‬بنا ًء على برنامجه الداعي إلى الترانسفير‪ ،‬كرحبعام‬
‫زئيفي وكهانا وليفنغر وغيرهم(‪.((6‬‬
‫‪ - 2‬االعتقاد الصهيوني بأن الغالبية اليهودية في أرض إسرائيل التاريخية‬

‫عرضة لتآكل مستمر‪ ،‬وأن الزمن ال يعمل لمصلحة إسرائيل‬
‫ليس بعيد ًا من أرنون سوفير‪ ،‬قدم سيرجيو دي ال فرغوال‪ ،‬رئيس قسم الديمغرافيا‬
‫واإلحصاء في معهد اليهودية المعاصرة في الجامعة العبرية في القدس‪ ،‬خالصة لدراسة‬
‫أكاديمية لم تضع توصيات ترحيلية أو انفصالية عنصرية‪ ،‬كما اقترح سوفير‪ ،‬وإنما‪ ،‬فقط‪،‬‬
‫قدم الدراسة من دون أن يقول للساسة في إسرائيل ما يفعلون‪ .‬تعود أهمية دراسة فرغوال‬
‫إلــى اعتمادها على إحـصــاءات الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني‪ ،‬وعلى معطيات‬
‫مكتب اإلحصاء المركزي اإلسرائيلي والمقارنة بينهما‪ .‬فقد توصل إلى أنه في نهاية عام‬
‫‪ 2005‬يعيش في حــدود فلسطين التاريخية (إسرائيل‪ ،‬والضفة‪ ،‬وقطاع غــزة) قرابة ‪10‬‬
‫ماليين و‪ 32700‬نسمة من السكان الشرعيين‪ .‬وقد شكّلت المجموعة اليهودية الخالصة‬
‫‪ 51.5‬بالمئة‪ ،‬فيما شكلت المجموعة اليهودية الموسعة ‪ 54.4‬بالمئة مــن مجموع‬
‫السكان القاطنين في إسرائيل والمناطق الفلسطينية في نهاية عــام ‪ .2005‬وقــد و ّلــدت‬
‫الوتيرة السريعة للنمو السكاني لدى العرب زيادات سنوية تزيد على ‪ 3‬بالمئة في الضفة‬
‫الغربية وقطاع غزة‪ ،‬وعلى ‪ 2.7‬بالمئة لدى السكان العرب في إسرائيل مقارنة بـ ‪1.5‬‬
‫بالمئة لدى اليهود في إسرائيل في عام ‪ 2005‬كسنة أساس‪.‬‬
‫ب ـن ــا ًء عـلــى ه ــذه الـمـعـطـيــات‪ ،‬س ــوف يـشـ ّكــل ال ـي ـهــود بــالـمـفـهــوم ال ــواس ــع لـهــم (أي‬
‫بما يشمل األق ــارب غير اليهود) ‪ 51‬بالمئة مــن مجموع السكان القاطنين بين البحر‬
‫المتوسط ونهر األردن حتى عــام ‪ .2010‬وستتقلص هــذه النسبة إلــى ‪ 47‬بالمئة حتى‬
‫عام ‪ .2020‬أما نسبة السكان اليهود بالمعنى الموسع في إسرائيل ضمن حدود الخط‬
‫األخضر‪ ،‬فسوف تصل إلى ‪ 79‬بالمئة في عام ‪ ،2010‬وإلى ‪ 77‬بالمئة في عام ‪2020‬‬
‫بالترتيب(‪.((6‬‬
‫(‪ ((6‬زهير أندراوس‪« ،‬ما الفرق بين العنصري لوبان وحزب موليدت‪ »،‬هآرتس‪ ،2002/5/14 ،‬وقد ن ٍُش َرت‬
‫في‪ :‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 90‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،)2002‬ص ‪.73‬‬

‫(‪ ((6‬سيرجيو دي ال فرغوال وبنيت تسيمريان‪ ،‬فوبيا الديموغرافيا بين النفخ المتعمد والتوقعات الواقعية‪،‬‬
‫تــرجـمــة سعيد عـيــاش (رام ال ـلــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني ل ـلــدراســات اإلســرائـيـلـيــة (م ـ ــدار)‪ ،)2007 ،‬ص ‪،48 - 46‬‬
‫وإحصاءات الجهاز المركزي لإلحصاء الفلسطيني (اإلصدار السنوي)‪.‬‬
‫‪219‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪ -‬الزمن ال يعمل لمصلحة إسرائيل‪ ،‬كي ال تكون هناك دولــة ثنائية القومية‪ :‬لقد‬
‫دق ــت ه ــذه ال ــدراس ــات نــاقــوس ال ـخ ـطــر‪ ،‬وأش ـع ـلــت ال ـضــوء األح ـمــر ل ــدى كــل األوس ــاط‬
‫السياسية والدينية‪ .‬وكانت انعكاسات هــذه األرقــام ذات وقــع كارثي تجاه الفلسطينيين‬
‫في الضفة الغربية والقدس من جهة‪ ،‬وقــد تجلى ذلــك بالجدار الفاصل‪ ،‬وعلى العرب‬
‫في إسرائيل بحملة غير مسبوقة من اإلذالل والقمع اليومي على المستويين الجماعي‬
‫والفردي‪ ،‬كما رأينا سابق ًا‪.‬‬
‫وقــد ظهرت أبعاد هــذه الــدراســات جلي ًة واضحة‪ ،‬في كلمة نائب رئيس الحكومة‬
‫أولمرت في مؤتمر هرتزليا الـســادس‪ 24 - 21 ،‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪« :2006‬الخطوة‬
‫األكـثــر أهـمـيــة‪ ،‬والـخـطــوة االستراتيجية الـتــي تنتصب أم ــام إســرائـيــل‪ ،‬هــي رســم الـحــدود‬
‫الدائمة للدولة من أجل ضمان الغالبية اليهودية فيها‪ .‬إن وجــود غالبية يهودية في دولة‬
‫إسرائيل‪ ،‬ال يستوي مع استمرار السيطرة على السكان الفلسطينيين في يهودا والسامرة‪.‬‬
‫إن االختيار بين الرغبة في تمكين كل يهودي من السكن في أي مكان أو جزء من أرض‬
‫إسرائيل‪ ،‬ووجــود وبقاء دولــة إسرائيل كدولة يهودية‪ ،‬يستوجب التنازل عن أجــزاء من‬
‫ال عن الفكرة الصهيونية‪ ،‬وإنما التجسيد الجوهري لهذه‬ ‫أرض إسرائيل‪ .‬وهذا ليس تناز ً‬
‫الصهيونية المتمثل بضمان وجود دولة يهودية و(ديمقراطية) في أرض إسرائيل»(‪.((7‬‬
‫األمر المركزي الذي دفع شارون إلى الخروج من الليكود وتأسيس حزب كاديما‬
‫مع شخصية كبيرة في إسرائيل‪ ،‬بوزن شمعون بيريس هو الخالص السريع باتفاق أو من‬
‫دون اتفاق مع الفلسطينيين‪ ،‬وهو حماية مجتمع القلعة اليهودي من خطر داهــم يتمثل‬
‫بتآكل األكثرية اليهودية في فلسطين التاريخية‪ ،‬والخطر المتولد عنه باستحقاق الدولة‬
‫ثنائية القومية أو الــدولــة العلمانية‪ .‬لقد كــان أولـمــرت جــزء ًا من هــذا المطبخ السياسي‪،‬‬
‫الــذي أصبح رئيس ًا للحكومة بعد خــروج شــارون من الحياة السياسية‪ .‬وفــي آخــر ظهور‬
‫ألولـمــرت بشكل رسمي قبل تقديم استقالته‪ ،‬وخــال اجتماع لجنة الخارجية واألمــن‬
‫في ‪ ،2008/9/15‬قال‪« :‬إن كل يوم يمر من دون التوصل إلى اتفاق مع الفلسطينيين‬
‫ستأسف إسرائيل عليه في المستقبل‪ ،‬فــإذا لم نتوصل إلى اتفاق سريع سنهدر الفرصة‪،‬‬
‫وقد يكون لهذا اإلهدار ثمن ال يحتمل‪ ،‬والسبب‪ :‬أن ثمة تخوف ًا كبير ًا من تكريس توجه‬
‫(‪ ((7‬مجموعة مؤلفين‪ ،‬تقرير مــدار االستراتيجي ‪ :2006‬المشهد اإلسرائيلي عــام ‪ ،2005‬تحرير جوني‬
‫منصور (رام الله‪ :‬الوكالة الكندية للتنمية الدولية‪ ،)2005 ،‬ص ‪ ،56 - 54‬ومجموعة مؤلفين‪ ،‬ميزان المناعة واألمن‬
‫عدوك (بيروت‪ :‬مركز باحث للدراسات‪« ،)2006 ،‬كلمة‬ ‫القومي في إسرائيل‪ :‬وثائق مؤتمر هرتزليا السادس‪ ،‬اعرف ّ‬
‫نائب رئيس الحكومة»‪ ،‬ص ‪.312 - 305‬‬
‫‪220‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الدولة الثنائية القومية التي لن تكون لنا أغلبية فيها‪ .‬وألسفي‪ ،‬فإنني أالحظ وجود أجزاء‬
‫كبيرة في المجتمع الدولي تتبنى فكرة دولــة واحــدة لشعبين‪ .‬وأضــاف‪ :‬إننا نرفض رؤية‬
‫الحقيقة‪ .‬الزمن ال يعمل لمصلحة إسرائيل‪ ،‬هذا ال يعني أننا لسنا على حق‪ ،‬وإنما ألن‬
‫الزمن له عواقبه الخاصة أيض ًا»(‪.((7‬‬
‫هذا الواقع الديمغرافي الذي خلقه الزمن‪ ،‬والذي له عواقب خاصة‪ .‬جعل جيورا‬
‫أيالند‪ ،‬الرئيس السابق لشعبة االستخبارات العسكرية ومجلس األمن القومي‪ ،‬يقول في‬
‫دراسـتــه االستراتيجية‪« :‬إن الموقف اإلسرائيلي بسيط ومــرســوم بشكل واضــح‪ :‬التوجه‬
‫نحو دولتين لقوميتين مختلفتين؛ ألن تأخر الحل السياسي قد يؤثر في التوجه الدولي‬
‫والفلسطيني نحو حــل الــدولــة الــواحــدة الديمقراطية المشتركة بين نهر األردن والبحر‬
‫المتوسط‪ .‬وفــي مثل هــذه الــدولــة سيصبح العرب أكثرية بعد سنوات قليلة‪ .‬وفــي ضوء‬
‫ذلك‪ ،‬إن فكرة دولة فلسطينية (كيان سياسي) تغيرت من مساهمة إسرائيلية تنوي إسرائيل‬
‫أن تقدمها‪ ،‬إلى مصلحة إسرائيلية تستعد إسرائيل للدفع مقابلها»(‪.((7‬‬
‫لذا يعتقد أيالند أن على إسرائيل أن تبذل قصارى جهدها كي يبقى الجدار (الذي‬
‫يسميه ج ــدار ًا أمـنـيـ ًا)‪ ،‬ح ــدود ًا دائـمــة‪ .‬ألنــه يضمن تحقيق االحتفاظ بالكتل االستيطانية‬
‫بداه ًة‪ ،‬وتقليص عدد الفلسطينيين في الجانب اإلسرائيلي‪ ،‬والحيلولة دون توسيع دائرة‬
‫النضال الفلسطيني‪ ،‬والضغط الدولي نحو دولــة ثنائية القومية مبكر ًا‪ ،‬ووأد هذه الفكرة‬
‫وإعدامها قبل تطورها(‪.((7‬‬
‫‪ - 3‬مفهوم الدولة الواحدة والموقف اإلسرائيلي‬

‫في ظل هيمنة الخطاب الديمغرافي اإلسرائيلي‪ ،‬أصبحت فوبيا الــدولــة الواحدة‬
‫تشكل معضلة صهيونية‪ ،‬فقد ظهرت نتائجها العملية على حالة اإلجماع القومي في بناء‬
‫الجدار العازل‪ .‬إن مفهوم الدولة الواحدة هو ذو مستويين‪ :‬المستوى األول هو الدولة‬
‫الثنائية القومية‪ ،‬وهــو يشير إلــى مطلب تعايش اليهود والفلسطينيين كشعبين منفصلين‬
‫ضـمــن تــرتـيــب ف ــدرال ــي‪ ،‬ويــديــر كــل شـعــب شــؤونــه الـقــومـيــة الـخــاصــة‪ .‬وسيضمن لــه حق‬
‫استخدام لغته وممارسة شعائره الدينية وقيمه األخالقية بشكل مستقل‪ .‬ويشترك الشعبان‬
‫(‪« ((7‬ف ــي آخــر ظهور له قبل تقديم استقالته‪ ،‬أولـمــرت‪ :‬سنأسف في المستقبل على كل يــوم مـ ّـر علينا دون‬
‫التوصل التفاق مع الفلسطينيين‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2008/9/6 ،‬‬

‫(‪ ((7‬غيورا أيالند‪« ،‬إعادة التفكير في حل الدولتين‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،)2009( 34‬ص ‪.63‬‬
‫(‪ ((7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.65‬‬
‫‪221‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫في حكومة ضمن برلمان واحد سيهتم باألمور فوق القومية‪ ،‬وبالدفاع والموارد الطبيعية‬
‫واالقتصاد المشترك‪ .‬ويمكن أن تصاغ هذه الدولة وفق الترتيب السويسري أو البلجيكي‬
‫في ظل حكومتين إقليميتين وحكومة مركزية واحدة(‪.((7‬‬
‫المستوى الثاني هــو الــدولــة الديمقراطية العلمانية الــواحــدة التي تقوم على قيمة‬
‫بغض النظر عن أي بعد إثني‪ .‬وهي تهدف إلى إيجاد‬ ‫اإلنسان الواحد والصوت الواحد‪ّ ،‬‬
‫مجتمع تعددي على غرار النموذج الديمقراطي الغربي‪ ،‬وتعارض الترتيب القائم على‬
‫مجتمعين منفصلين‪ .‬فالدولة الديمقراطية العلمانية تختلف عن الدولة الثنائية القومية‪،‬‬
‫وهــذا مرتبط بالتناقض مــا بين مفاهيم المواطنة والقومية‪ ،‬ففي الــدولــة الثنائية القومية‬
‫يحتفظ كل طرف بهوية قومية منفصلة‪ .‬وفي نموذج الدولة العلمانية تعتبر فكرة المواطنة‬
‫بغض النظر عن أي بعد قومي(‪.((7‬‬ ‫هي جوهر الموضوع ّ‬
‫ومع وصول مسيرة التسوية السياسية إلى حالة انسداد محكم أمام تعنّت إسرائيل‬
‫تـمــامـ ًا ورفـضـهــا المطلق لصيغة (‪ ،)242‬ودولـتـيــن لشعبين‪ ،‬ظـهــرت هـنــاك رؤي ــة أخــرى‬
‫هي صيغة الدولة الواحدة‪ .‬وبــدأ عدد من الفلسطينيين بطرح هذه الرؤية‪ ،‬ومنهم أحمد‬
‫قريع ‪ -‬أبو عالء ‪ -‬الذي نادى بالدولة الواحدة في كانون الثاني‪/‬يناير ‪ 2004‬إذا لم تلتزم‬
‫إســرائـيــل باالنسحاب مــن كامل الضفة الغربية نحو الخط األخـضــر‪ ،‬وتعترف بالقدس‬
‫عاصمة للفلسطينيين(‪.((7‬‬
‫(‪ ((7‬غــادة الكرمي‪« ،‬بعد أسلو‪ :‬دولــة واحــدة في إسرائيل‪/‬فلسطين‪ »،‬السياسة الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪( 18‬ربيع‬
‫‪ ،)1998‬ص ‪ ،71‬وأحـمــد قـطــامــش‪« ،‬حــق ال ـعــودة والــدولــة ال ــواح ــدة‪ »،‬رؤي ــة أخ ــرى‪ ،‬ال ـعــددان ‪( 37 - 36‬خريف‬
‫‪ ،)2005‬ص ‪ ،67 - 65‬و‪Rashid Khalid, The Iron Cage: The Story of the Palestinian Struggle for‬‬
‫‪Statehood (Boston, MA: Beacon Press, 2006), pp. 206-208.‬‬
‫(‪ ((7‬الكرمي‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.72‬‬
‫(‪ ((7‬مقابلة مع السيد أحمد قريع في مكتبه في أبو ديس‪ ،‬وقد قال للباحث أننا سئمنا من هذه المفاوضات‪،‬‬
‫تبق هناك فرصة لدولتين‪ .‬لذا نحن لم َي ُعد أمامنا ّإل الدولة الواحدة مع أن المجتمع الدولي وإسرائيل وأمريكا‬ ‫ولم َ‬
‫سيقيمون الدنيا وال يقعدونها عند سماع هذا الطرح إذا أصبح جدي ًا (تموز‪/‬يوليو ‪ .)2009‬كذلك لقد سأل الباحث‬
‫السيد محمود عباس حول خيار الدولة الواحدة في لقاء جرى في إطار التحضيرات للمؤتمر السادس لحركة فتح‬
‫في مكتبه في مدينة رام الله‪ ،‬وإمكانية إدراجه في البرنامج السياسي لحركة فتح‪ .‬فقال السيد الرئيس‪ :‬الدولة الواحدة‬
‫ليست موضوع ًا جديد ًا على تراث حركة فتح الفكري‪ ،‬وعلى البرنامج السياسي لمنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬ولكن‬
‫هذا الخيار على أهميته االستراتيجية‪ ،‬فإنه من غير المعقول طرحه اآلن‪ ،‬ألن خيار الدولة الفلسطينية كمشروع وطني‬
‫لم يستنفد بعد‪ ،‬بل على العكس‪ ،‬فإن خيار الدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة وعاصمتها القدس الشرقية‪،‬‬
‫يحظى اليوم أكثر من أي وقــت مضى بدعم دولــي غير مسبوق‪ .‬ولكن خيار الــدولــة الــواحــدة أيض ًا يبقى خـيــار ًا في‬
‫المنظور التاريخي‪ .‬وقد أشار البرنامج السياسي لحركة فتح الناتج عن المؤتمر السادس الذي عقد في مدينة بيت‬
‫لحم في آب‪/‬أغسطس من عام ‪ 2009‬إلى هذا الخيار في حال فشل مشروع الدولة الفلسطينية إلى جانب إسرائيل‬
‫(حزيران‪/‬يونيو ‪ .)2009‬انظر‪ :‬وثائق المؤتمر السادس لحركة فتح (آب‪/‬أغسطس ‪.)2009‬‬
‫‪222‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المهم هنا أن إسرائيل‪ ،‬وبعيد ًا عن أية رؤيــة فلسطينية جد ّية كانت أو التلويح بها‬
‫كوسيلة ضغط تاريخية‪ ،‬تــدرك تمام ًا أن الــوقــت ليس فــي صالحها‪ ،‬كما ع ّبر عــن ذلك‬
‫إيهود أولمرت‪ .‬وبالتالي‪ ،‬فإن كل مشروعها السياسي ملتزم التزام ًا مطلق ًا وثابت ًا ومحكم ًا‬
‫بالدولة اليهودية كبيت للشعب اليهودي‪ .‬وهــي دولــة تقوم على القيم اليهودية‪ ،‬وعلى‬
‫غالبية يهودية‪ ،‬وعلى الجزء األعظم من األرض العربية في فلسطين‪ ،‬غير آبهة أبــد ًا إلى‬
‫أين يذهب هــؤالء األغيار في المناطق‪ .‬ومع ذلك يبقى خطر تآكل الغالبية اليهودية في‬
‫فلسطين الطبيعية هم ًا استراتيجي ًا ال يمكن بالنسبة إلى الحالة الكولوينالية اإلسرائيلية أن‬
‫ترتقي إلى مستوى تحديه‪ ،‬إال باالنفصال بالجدار األبدي لضمان مجمع القلعة اليهودية‬
‫حي ًا(‪.((7‬‬
‫وسواء أكان الطرح دولة ثنائية القومية أم دولة علمانية‪ ،‬فإن إسرائيل‪ ،‬واستباق ًا ألي‬
‫طرح من هذا القبيل‪ ،‬سواء جاء من الفلسطينيين‪ ،‬أم من المجتمع الدولي‪ ،‬بفعل ضغط‬
‫التطورات الديمغرافية الجارية على األرض‪ ،‬أو بفعل أية تطورات إقليمية أو دولية في‬
‫المستقبل‪ ،‬فإنها تعتبر هذا الموضوع إيذان ًا بأفول الصهيونية‪ ،‬وإلغاء حق العودة لليهود‪،‬‬
‫أو منحه للفلسطينيين‪ ،‬كما هو ممنوح للمهاجرين اليهود أيض ًا‪ .‬وفي تلك الحالتين‪« ،‬فإن‬
‫التاريخ يكون قد لحق بالصهيونية»‪ ،‬بتعبير بنيامين بيت هالحمي(‪.((7‬‬
‫ولضمان إبعاد شبح المالحقة التاريخية الناتجة من تفاعل الديمغرافيا بالجغرافيا‪،‬‬

‫يأتي ما عرف بمفهوم التنازالت المؤلمة (الرقع الفلسطينية المأهولة المتبقية في الضفة‬
‫الغربية)‪ ،‬ألنــه من دون ذلــك ستكون إسرائيل بين خيارين‪ :‬هل ستكون إسرائيل دولة‬
‫يهودية‪ ،‬أم ثنائية القومية؟ وإذا كان ال بدّ من يهودية الدولة‪ ،‬فاألولى هو لفظ المناطق‬
‫المكتظة لئال تتحول إسرائيل إلى حالة غير يهودية وتسييجها بالجدار‪ .‬وفي الوقت ذاته‬
‫إضعاف نهوض هوية العرب داخــل األرض المحتلة‪ ،‬ووضــع حد نهائي لتواصلهم مع‬
‫فلسطينيي الضفة الغربية وقطاع غزة‪ .‬إن التخوف من التحول نحو الدولة الواحدة بفعل‬
‫الـصـيــرورة التاريخية‪ ،‬جعل عـمــرام متسناع‪ ،‬قائد هيئة أرك ــان الجيش األسـبــق‪ ،‬ورئيس‬
‫ال للفلسطينيين‪« :‬إن‬‫حزب العمل سابق ًا‪ ،‬يعتقد أن التنازل عن المناطق ثروة‪ ،‬وليس تناز ً‬
‫استمرار السيطرة على يهودا والسامرة معناها تصفية الصهيونية ونهاية الدولة اليهودية‪.‬‬
‫(‪ ((7‬علي الجرباوي‪« ،‬المأزق الفلسطيني والخيار الوحيد للخروج منه‪ »،‬مجلة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬العدد‬
‫‪( 58‬ربيع ‪ ،)2004‬ص ‪.90 - 85‬‬

‫(‪ ((7‬االئ ـتــاف الفلسطيني لحق الـعــودة‪ :‬اللقاء التنسيقي السادس (بيت لحم‪ :‬المركز الفلسطيني لمصادر‬
‫حقوق المواطن والالجئين ‪ -‬بديل‪ ،)2006 ،‬ص ‪.53 - 50‬‬
‫‪223‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫كما أن الموافقة على كيان فلسطيني (دولة أو غيرها) ليس تناز ً‬
‫ال أو استسالم ًا‪ ،‬بل إنها‬
‫ثــروة‪ ،‬فلن يكون هناك دولــة يهودية من دون التخلص من هــذه المناطق بسبب الغالبية‬
‫العربية فيها‪ ،‬لذلك ينبغي أن يكون هذا هو الهدف‪ ،‬وكل سياسة إسرائيلية يجب أن تختبر‬
‫بنا ًء عليه»(‪.((7‬‬
‫ومن المنظور نفسه‪ ،‬يدعو دان مريدور (من أعمدة حزب العمل‪ ،‬ومن أكثر الناس‬
‫تأثر ًا وتأثير في الخطاب الديمغرافي‪ ،‬ومن أكثر الناس الذين دفعوا إلى االنعزال السريع‬
‫عن الفلسطينيين) للمضمون نفسه‪« :‬اعتقدت في الماضي أن باستطاعتنا أن نحتوي كل‬
‫ال ديمقراطية‪ .‬أما اليوم‪ ،‬وبسبب الديمغرافيا‪ ،‬يتضح‬ ‫أرض إسرائيل في داخلنا‪ ،‬ونظل دو ً‬
‫لي أن ذلك غير وارد‪ ،‬فال يصح أن نبقى في هذه األراضــي ألننا في طريقنا إلى التحول‬
‫إلى أقلية في أرض إسرائيل‪ .‬حقنا في هذه األرض قائم بمفاهيم تاريخية‪ ،‬ولكن تحقيق‬
‫هذا الحق مرتبط بوجود غالبية يهودية‪ ،‬والدمج بين اإلثنتين هو روح الصهيونية‪ ،‬ولكن‬
‫ألسفنا‪ ،‬ال مفر مــن التخ ّلي عــن هــذه األراض ــي لئال تذبل إســرائـيــل اليهودية فــي الدولة‬
‫الثنائية القومية»(‪.((8‬‬
‫‪ - 4‬التخ ّلص من عرب «المناطق» َفت ََح النقاش للتخلص من عرب الداخل‪:‬‬
‫«مشروع نقل بلدات عربية إلى أراضي السلطة الفلسطينية»‬
‫كنا قد بدأنا هذا المبحث‪ ،‬وإن بشكل مقتضب‪ ،‬عن الفلسطينيين العرب في داخل‬
‫إسرائيل ليكون مقدمة لعرض المشروع اإلسرائيلي الخاص بتبادل األراضي مع سكانها‬
‫العرب وإلحاقها بالمناطق التي ستلفظها إسرائيل‪ ،‬لتكون تحت «السيادة» الفلسطينية‬
‫المستقبلية‪ .‬وتنظر إسرائيل إلى هذه األقلية‪ ،‬وفي هذا المجال البحثي تحديد ًا‪ ،‬من منطلق‬
‫أن األقلية على المستوى الوطني تعتبر غالبية على المستوى اإلقليمي‪ ،‬بمعنى أنه ينظر‬
‫إلى األقلية العربية في إسرائيل على مستوى سيادتها‪ ،‬كجزء من األغلبية المتوقعة على‬
‫المستوى الكامل لفلسطين التاريخية‪.‬‬
‫(‪ ((7‬عمرام متسناع‪« ،‬اخرجوا من هناك‪ »،‬هآرتس‪.2003/8/31 ،‬‬

‫(‪ ((8‬رون ب ــون ــداك‪ ،‬م ــن أوس ـل ــو حـتــى ط ــاب ــا‪ :‬ص ـي ــرورة مـنـقـطــة (رام ال ـل ــه‪ :‬ال ـمــركــز الـفـلـسـطـيـنــي ل ـلــدراســات‬
‫اإلسرائيلية (م ــدار)‪ ،)2002 ،‬ص ‪ .51 - 50‬لــاطــاع على سيناريو الــدولــة ثنائية القومية أو الــدولــة العلمانية‬
‫وتوجهات الفلسطينيين نحوهما‪ ،‬انظر‪« :‬الخيارات االستراتيجية إلنهاء االحتالل اإلسرائيلي‪ »،‬الفريق‬ ‫ّ‬ ‫الديمقراطية‬
‫الفلسطيني للدراسة االستراتيجية‪<http://www.palestinestratgeygygrou.ps> ،‬؛ أسعد غانم‪« ،‬الدولة ثنائية القومية‬

‫كمطلب فلسطيني‪ »،‬السياسة الفلسطينية‪ ،‬الـعــدد ‪( 18‬ربـيــع ‪ ،)1998‬ص ‪ ،86 - 77‬وتيسير خــالــد‪« ،‬دول ــة ثنائية‬
‫القومية‪ ..‬نعم‪ ..‬ولكن؟‪ »،‬السياسية الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪( 18‬ربيع ‪ ،)1998‬ص ‪.90 - 87‬‬
‫‪224‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وزاوية الرؤيا هذه‪ ،‬جعلت أصوات كثيرة في إسرائيل في إطار سعيها الدائم نحو‬
‫تحقق حالتها اليهودية المستقرة‪ ،‬إلى المناداة المباشرة بتخفيف عدد العرب في الداخل‪،‬‬
‫وإلحاقهم بسكان المناطق (الضفة الغربية تـحــديــد ًا)‪ ،‬وخـصــوصـ ًا الـبـلــدات العربية في‬
‫المثلث المتاخم لمدن جنين وطولكرم وقلقيلية‪.‬‬

‫فــي إط ــار الـسـيــاســة الــديـمـغــرافـيــة والـتـطـهـيــر ال ـعــرقــي‪ ،‬م ـبــاشــر ًا أك ــان أم غـيــر مباشر‪،‬‬
‫كالسيكي ًا أم حداثيا‪ ً،‬إرغامي ًا أم اختياري ًا‪ ،‬لم تكن هذه الظاهرة (التطهير العرقي) ظاهرة‬
‫حربية مخصوصة نهائي ًا أو مكاني ًا‪ ،‬كما حــدث فــي الحربين ‪ 1948‬و‪ ،1967‬بــل كان‬
‫ال ظاهري ًا دائم ًا‪ ،‬بكل الوسائل‬ ‫الهدف منها أن تكون عملية التطهير العرقي مؤسس ًة‪ ،‬وفع ً‬
‫الضاغطة التي تستخدمها وتعصرنها المؤسسة االحتاللية(‪.((8‬‬
‫لـقــد ج ــرى ط ــرح فـكــرة ت ـبــادل الـمـســاحــات غـيــر الـمــأهــولــة بــالـسـكــان بشكل واضــح‬
‫في مشروع الرئيس كلنتون في كانون األول‪/‬ديسمبر ‪ ،2000‬وذلــك بناء على السابقة‬
‫التي تحدّ دت في اتفاقية وادي عربة بين إسرائيل واألردن عــام ‪1994‬‏(‪ .((8‬وقــد حاول‬
‫األمــري ـك ـيــون م ــن خ ــال ه ــذا االقـ ـت ــراح جـســر ال ـه ــوة بـيــن مـطــالـبــة إســرائ ـيــل بـضــم الكتل‬
‫االستيطانية الكبيرة والمطالبة الفلسطينية بتطبيق دقيق لقرار مجلس األمن الرقم (‪.)242‬‬
‫لقد فتح هذا الطرح شهية إسرائيل عبر مجموعة من خبراء الديمغرافيا والجغرافيا واألمن‬
‫والسياسة في المؤسسة األكاديمية والرسمية‪ ،‬بتغيير هــذه الصيغة باتجاه نقل ‪ 27‬قرية‬
‫عربية فــي المثلثين الشمالي والجنوبي اللذين يقيم فيهما ‪ 350‬ألــف مــواطــن‪ ،‬بحسب‬
‫إحـصــاءات عــام ‪ ،2005‬إلــى مناطق السلطة الفلسطينية‪ ،‬مقابل احتفاظ إسرائيل بـ ‪13‬‬
‫بالمئة من مساحة الضفة الغربية التي أقيمت عليها المستوطنات التي يقطنها نصف مليون‬
‫مستوطن(‪.((8‬‬
‫وقد استهدفت عملية مشروع التبادل هذه تصميم طابع الدولة اليهودية لوضع حدّ‬
‫نهائي لفكرة دولة ثنائية القومية‪ ،‬ووضع حدّ آخر لموضوع عودة الالجئين‪ ،‬ومقايضة هذه‬
‫العودة في شبه دولــة مقطعة في الضفة التي يفترض إخــاء أجــزاء منها‪ ،‬وتخليد ًا شرعي ًا‬
‫لالستيطان في الضفة الغربية والقدس‪ .‬فمن جهة‪ ،‬تتخلص إسرائيل ضمن هذا التصور‬
‫(‪ ((8‬ب ــال ضاهر‪ ،‬مـحــاور‪ « ،‬الـمــؤرخ اإلسرائيلي بوعز عـفــرون‪ :‬الـصــراع ضــروري لبقاء إسرائيل‪ :‬حــوار‪»،‬‬
‫قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 10‬ربيع ‪ ،)2003‬ص ‪.40 - 36‬‬
‫(‪ ((8‬انظر‪« :‬اتفاقية وادي عربة بين األردن وإسرائيل»‪.‬‬

‫(‪ ((8‬اإلثــم والحماقة لنقل بلدات عربية من إسرائيل إلى فلسطين (القدس‪ :‬معهد فلورسهايمر للدراسات‬
‫السياسية‪ ،)2006 ،‬ص ‪.63‬‬
‫‪225‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وتقوض البنية الجغرافية لإلقليم الذي يفترض أن يقوم‬
‫من الوجود العربي في المثلث‪ّ ،‬‬
‫عليها هذا الكيان الفلسطيني «الغريب»(‪((8‬؟‬
‫ويـفـتــرض جــدعــون بــايـجــر‪ ،‬أس ـتــاذ الـجـغــرافـيــا فــي جــامـعــة تــل أب ـيــب‪ ،‬فــي الخطاب‬
‫الجغرافي ‪ -‬الديمغرافي الــذي أخــذ يشكّل حالة إجماع صهيونية كبيرة‪ ،‬بأنه ال مهرب‬
‫من نقل مناطق آهلة باليهود (المستوطنات) إلى إسرائيل‪ .‬وفي موازاة ذلك‪ ،‬نقل بلدات‬
‫في إسرائيل آهلة بالعرب‪ ،‬من باقة الغربية حتى كفر قاسم إلى المناطق الفلسطينية‪ .‬ألنه‪،‬‬
‫برأي بايجر‪ ،‬هذا هو الحل الوحيد إلنشاء دولة يهودية متجانسة‪ ،‬كالنماذج التبادلية التي‬
‫حدثت بين تركيا واليونان‪ ،‬والهند وباكستان والتشيك وألمانيا‪ .‬والهدف لهذا التبادل‪،‬‬
‫بحسب بايجر‪ :‬في حالة تم مثل هذا الفعل (السيناريو)‪ ،‬سيتم تثبيت دولة إسرائيل كدولة‬
‫الشعب اليهودي‪ ،‬التي يكون فيها اليهود غالبية مطلقة‪ ،‬من دون أن يتم االعتراض على‬
‫ماهيتها وأهدافها ونشاطاتها وطريقها في كل ما يتصل بعالقاتها مع العالم اليهودي ومع‬
‫الفكرة الصهيونية(‪.((8‬‬
‫أما الرجل األهم في ديــوان رئيس الحكومة‪ ،‬فهو عوزي أراد الذي يشغل منصب‬
‫المستشار السياسي لرئيس الحكومة‪ ،‬ورئيس مجلس األمن القومي‪ ،‬ورؤيته في التبادل‬
‫السكاني تعكس رؤية رئيسه المباشر نتنياهو‪ ،‬ألنه األقرب إلى أذنيه‪ .‬فقد اعتبر أن من شأن‬
‫يعمق الوحدة الطائفية والثقافية على جانبي الحدود‪ ،‬ومن‬ ‫تبادل األراضي مع سكانها أن ّ‬
‫دون تبادل كهذا لن تكون هناك تسوية(‪ .((8‬ويبدو أن هذا الرجل األهم في ديوان رئيس‬
‫الحكومة‪ ،‬أصبح مقتنع ًا تمام ًا بانعدام فرصة التسوية إال بعملية ترانسفير للفلسطينيين في‬
‫الداخل‪ ،‬أو تقليل ظهورهم في المشهد العبري‪ ،‬وهو باستمرار يطور هذه النظرية التي‬
‫كان قد طرحها أيض ًا في أهم منتدى صهيوني (مؤتمر هرتزليا عام ‪.)2006‬‬
‫يسمي شالوم ديختر فكرة أو مشروع «إعــادة ترسيم الخط األخضر»‪« ،‬الطرد من‬ ‫ّ‬
‫الـمــواطـنــة»‪ ،‬بحيث يتم إخ ــراج منطقة المثلث خ ــارج المواطنة اإلسرائيلية الـتــي يطلق‬
‫عليها «تـبــادل المناطق»‪ ،‬أو «التبادل الترابي»‪ ،‬أو «تـبــادل البلدات»‪ ،‬فيما يشكّل صلب‬
‫هذا االقتراح التطرق إلى البشر الذين يقيمون على هذه األراضي‪ .‬والطرد من المواطنة‪،‬‬
‫(‪ ((8‬جدعون بايجر‪« ،‬خطوط تماس جديدة‪ »،‬هآرتس‪.1998 ،‬‬

‫(‪ ((8‬جدعون بايجر‪« ،‬الطريقة الوحيدة لالتفاق مع العرب‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪ُ .2008/3/4 ،‬يذكر أن‬
‫بايجر كان قد طرح مشروع التبادل الترابي (نقل البلدات) في مؤتمر هرتزليا السادس‪.‬‬
‫انظر ورقة بايجر في وثائق المؤتمر المذكور التي القت اهتمام ًا كبير ًا لدى األوساط السياسية واألكاديمية‪.‬‬
‫أراض لن تكون هناك تسوية‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2009/6/30 ،‬‬ ‫ٍ‬ ‫(‪« ((8‬من دون تبادل‬
‫‪226‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بحسب شالوم ديختر‪ ،‬يمكن ر ّده إلى الح ّيز الشاسع الــذي احتله الخطاب الديمغرافي‬
‫الذي نبت‪ ،‬في دفيئة عنصرية خصبة‪ ،‬ومن الرغبة في إقامة الدولة اليهودية كدولة حصن‬
‫ديني‪/‬عرقي(‪.((8‬‬
‫ويعيد مفهوم «تلوين المدى»‪ ،‬وهو المفهوم المفعم بالمعاني الذي جاءت به سهى‬
‫المسمى «تبادل األراضي» أو «تبادل السكان»‪ .‬فالدولة‬ ‫ّ‬ ‫بشارة‪ ،‬تأطير مشروع الترانسفير‬
‫بكل أجهزتها تنضغط كــل عــام كلما قــامــت دائ ــرة اإلحـصــاء المركزية بنشر إحـصــاءات‬
‫التركيبة الديمغرافية للدولة‪ ،‬التي تتولى بدورها تنفيذ سياسات األرض وتخطيط التوزيع‬
‫السكاني واإلع ـمــار الـحـضــري (سـيــاســات الهندسة الــديـمـغــرافـيــة) بقصد تحقيق عملية‬
‫«تلوين الـمــدى» القائمة على زيــادة تلوينه باألبيض‪ ،‬وتقليص البقع الـســوداء (العرب)‬
‫قدر اإلمكان في هذا المدى‪ ،‬إلحداث عملية التهجير‪ ،‬من دون عنصر الصدمة‪ ،‬لتحقيق‬
‫االصطفاء العرقي(‪.((8‬‬
‫ه ــل ي ـكــون ث ـمــن ك ـيــان فـلـسـطـيـنــي‪ ،‬ح ـتــى إن ك ــان ع ـلــى ك ــام ــل أراضـ ــي ‪،1967‬‬
‫ترحيل الفلسطينيين العرب من داخــل األراضــي العربية المحتلة عام ‪1948‬؟ وهل‬
‫يكون ثمن الدولة الفلسطينية المطروحة بشكلها الفسيفسائي ثمن ًا لعودة الالجئين‬
‫ا لفلسطينيين ؟‬
‫ثالث ًا‪ :‬آثار الجدار الكارثية في النظام‬

‫االجتماعي ‪ -‬االقتصادي للشعب الفلسطيني‬
‫‪ - 1‬الجدار أفسد الحياة‬
‫ال شــك فــي أن مجموعة ال ـك ــوارث الـتــي حـ ّلــت بالشعب الفلسطيني فــي الضفة‬
‫الغربية‪ ،‬بما فيها القدس‪ ،‬نتيجة بناء الجدار والنظام المرتبط به‪ ،‬هي التي جعلت أعلى‬
‫هيئة قضائية في العالم تدين هذا الجدار‪ ،‬وتطالب بإزالته بغالبية لم تشهد لها مثي ً‬
‫ال (أربعة‬
‫أقر المجتمع‬‫عشر قاضي ًا مقابل القاضي األمريكي بوير جنتال) في حياة المحكمة‪ .‬وقد ّ‬
‫(‪ ((8‬شالوم ديختر‪« ،‬مواطنة في خطر كبير‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/8/9 ،‬‬

‫(‪ ((8‬سهى بشارة‪« ،‬تلوين المدى الديموغرافي‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪ ،2004/3/30 ،‬ونور الدين مصالحة‪،‬‬
‫الهويات والسياسة في إسرائيل‪ ،‬تحرير أسعد غانم (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مــدار)‪،‬‬
‫‪ ،)2003‬ص ‪ ،149 - 144‬و‪Edward Said, The End of the Peace Process (New York: Pantheon Books,‬‬
‫‪2000), pp. 20-26.‬‬
‫‪227‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الدولي في الجمعية العامة فتوى الهاي بغالبية نادرة أيض ًا في حياة الجمعية العامة(‪،((8‬‬
‫حتى إن القاضي األمريكي الــذي صـ ّـوت ضد الفتوى في ‪ 9‬تموز‪/‬يوليو ‪ 2004‬حرص‬
‫في رأيه االنفرادي‪ ،‬على تحديد موقفه من المستوطنات التي اعتبرها غير شرعية‪ ،‬وأن‬
‫الجدار الذي يحاول ضمها غير شرعي‪ ،‬وبهذا فقد اتفق مع الفتوى في ما ذهبت إليه بهذا‬
‫الخصوص(‪.((9‬‬
‫وعملت إسرائيل بكل ثقلها‪ ،‬والواليات المتحدة بكل ما تملكه من نفوذ‪ ،‬لتعطيل‬
‫قرار الجمعية العامة‪ ،‬بطلب الفتوى من المحكمة الدولية‪ .‬ألن إسرائيل تدرك ما ال يدركه‬
‫أحد في العالم‪ ،‬إال الشعب الفلسطيني‪ ،‬اآلثار الكارثية التي ترتبت على فعل الجدار هذا‪.‬‬
‫لذا كانت تدرك بداهة أنها ستنال هذه اإلدانة على نتائج أعمالها بحق الفلسطينيين‪ .‬وقبل‬
‫طلب الفتوى من المحكمة الدولية‪ ،‬وقبل إصــدارهــا رسمي ًا‪ ،‬صــدرت عشرات التقارير‬
‫الموثقة بهول الجرائم التي يسببها الجدار من مصادر قانونية وحقوقية وبيئية وإنسانية‬
‫دولية وإسرائيلية‪ ،‬وخصوص ًا تقرير منظمة بيتسيلم عام ‪2003‬‏(‪ ،((9‬وتقرير األمم المتحدة‬
‫التابع للجنة األممية الخاصة بتنسيق المساعدات الدولية‪ ،‬إضافة إلى التقارير الفلسطينية‬
‫الصادرة عن مكتب اإلحصاءات‪ ،‬أو من منظمة الحق التابعة للجنة الحقوقيين الدوليين‪،‬‬
‫وعـشــرات المؤسسات األهلية الفلسطينية التي عملت بجهد عــال لتوثيق ما يمكن من‬
‫كوارث إنسانية ألحقها الجدار والنظام المرتبط به بقاعدة المجتمع الفلسطيني‪.‬‬
‫لم تصمد الحجج األمنية التي قدمتها إسرائيل لبناء الجدار أمام المؤسسة الدولية‪،‬‬
‫وذلك نظر ًا إلى األضرار التي ال يمكن أن يستوعبها عقل إنساني بشكل عام‪ ،‬أو قضائي‬
‫بشكل خ ــاص‪ .‬لــذا قضت المحكمة بــأن االنـتـهــاكــات المترتبة على ال ـجــدار‪ ،‬ال يمكن‬
‫تسويغها بمتطلبات عسكرية أو مقتضيات األمن القومي أو النظام العام‪ ،‬بحسب الرواية‬
‫اإلسرائيلية(‪.((9‬‬
‫(‪ ((8‬انظر‪ ،‬مصطفى أحمد أبو الخير‪ ،‬فتوى الجدار العازل والقانون الدولي (القاهرة‪ :‬إيتراك للطباعة والنشر‬
‫والتوزيع‪ ،)2005 ،‬ص ‪.246‬‬
‫(‪ ((9‬انظر‪ :‬بيان القاضي بوير جنتال‪ ،‬في‪ :‬أنيس فوزي قاسم [وآخــرون]‪ ،‬الجدار العازل اإلسرائيلي‪ :‬فتوى‬
‫محكمة العدل الدولية (دراسات ونصوص)‪ ،‬تحرير أنيس مصطفى القاسم (بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪،‬‬
‫‪ ،)2007‬ص ‪.298‬‬
‫(‪« ((9‬تقرير صادر عن منظمة بتسيلم اإلسرائيلية لحقوق اإلنسان‪( »،‬آذار‪/‬م ــارس ‪<http://www. ،)2003‬‬
‫‪oppcpnanet/mag/mag11-12/new.619-2005>.‬‬
‫(‪ ((9‬عبد الله األشعل‪ ،‬قضية الجدار العازل أمام محكمة العدل الدولية (القاهرة‪ :‬مؤسسة الطوبجي للنشر‪،‬‬
‫‪ ،)2005‬ص ‪ ،83 - 77‬وانظر أيض ًا‪« :‬فتوى الهاي‪.)2004/7/9( »،‬‬
‫‪228‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وفــي الوقت الــذي صادقت فيه الجمعية العامة لألمم المتحدة التي اعتمدت في‬
‫نصت‬‫قرارها الصادر بتاريخ ‪ 2‬آب‪/‬أغسطس ‪ 2004‬فتوى محكمة العدل الدولية‪ ،‬التي ّ‬
‫على عدم شرعية الجدار‪ ،‬وإزالة المقاطع التي بنيت منه‪ ،‬وإعادة األمور على األرض إلى‬
‫المتضررين (أفراد ًا وجماعات)‪ ،‬صادقت في الوقت نفسه على‬

‫ّ‬ ‫ما كانت عليه‪ ،‬وتعويض‬
‫إنشاء سجل األضــرار الناشئة عن الجدار‪ ،‬وإلحاقه مباشرة بمكتب األمين العام‪ ،‬األمر‬
‫الذي بوشر العمل به فعلي ًا في أواخر عام ‪ 2008‬في محافظة جنين(‪.((9‬‬
‫ووفق ًا لقرار الجمعية العامة‪ ،‬فقد تشكّل طاقم تنفيذي خاص لحصر هذه األضرار‬
‫الكارثية‪ ،‬سواء أكانت على المستوى الفردي أم الجماعي‪ .‬فعلى المستوى الفردي‪ ،‬جرى‬
‫حصر طبيعة األض ــرار فــي قطاعات الــزراعــة‪ ،‬والسكن‪ ،‬والـخــدمــات المتعلقة بالتعليم‪،‬‬
‫والصحة‪ ،‬والحركة‪ ،‬والتجارة‪ ،‬والعمل‪ ،‬وغيرها‪ .‬أما األضــرار المتعلقة بالموارد العامة‬
‫الناتجة من كل ما تس ّبب به الجدار العنصري من أضرار لدى القطاع العام والمؤسسات‬
‫والهيئات المحلية‪ ،‬باعتبارها شخصية اعتبارية قانونية‪ ،‬وتشمل المؤسسات الحكومية‬
‫وغير الحكومية‪ ،‬واألهـلـيــة‪ ،‬المجالس المحلية‪ ،‬والـقـطــاع الـخــاص‪ ،‬فقد حصرت هذه‬
‫األضرار في تسعة عشر جانب ًا‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬أضرار تتعلق بأمالك الدولة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أضرار تتعلق بالموارد المائية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬أضرار تتعلق بالمقدسات واألراضي الوقفية اإلسالمية والمسيحية والمقابر‪.‬‬
‫د ‪ -‬أضرار تتعلق بالطرق الزراعية والمراعي والتنوع البيئي الحيوي‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬أضرارا تتعلق بالبيئة‪.‬‬
‫و ‪ -‬أضرار تتعلق باالقتصاد الوطني‪.‬‬
‫ز ‪ -‬أضرار تتعلق بالمشاريع التنموية والخطط المستقبلية‪.‬‬
‫ح ‪ -‬أضرار تتعلق بالمخ ّططات الهيكلية للمواقع المتضررة‪.‬‬
‫ط ‪ -‬أضرار تتعلق بالبنية التحتية (مواصالت‪ ،‬طرق‪ ،‬جسور‪ ،‬سدود‪ ،‬قنوات)‪.‬‬

‫(‪ ((9‬دليل المواطنين حول عملية تسجيل األضرار (اللجنة الوطنية الفلسطينية لسجل أضرار الجدار ‪ -‬منظمة‬
‫التحرير الفلسطينية) (نشرة خاصة) (كانون الثاني‪/‬يناير ‪.)2010‬‬
‫‪229‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ي ‪ -‬أض ــرار تتعلق بالمنافع الـعــامــة‪ ،‬مـثــل‪ :‬شـبـكــات الـمـيــاه والـكـهــربــاء والـصــرف‬
‫الصحي‪.‬‬
‫ك ‪ -‬أضرار تتعلق بالموارد الطبيعية العامة‪ ،‬مثل‪ :‬أحواض المياه الجوفية واآلبار‬
‫االرتوازية واألحراش‪.‬‬
‫ل ‪ -‬أضرار تتعلق بالمواقع األثرية‪.‬‬
‫م ‪ -‬أضــرار تتعلق بالممتلكات الدينية‪ ،‬من دور العبادة والـمــدارس والمؤسسات‬
‫اإلغاثية‪.‬‬
‫ن ‪ -‬أضرار في األراضي والمباني العامة وتقييد الوصول إليها‪.‬‬
‫س ‪ -‬أضرار تتعلق بالمؤسسات األهلية والمنظمات الداعمة للشعب الفلسطيني‪.‬‬
‫ع ‪ -‬أضرار تتعلق باالستثمار وخطط التنمية والتخطيط الهيكلي والخدمات‪.‬‬
‫ف ‪ -‬أضرار تتعلق بالمشاريع بأنواعها اإلغاثية والتدريب والخدمات‪.‬‬
‫ص ‪ -‬أضرار تتعلق بأنماط هجرة الحيوانات والطيور البرية‪.‬‬
‫ق ‪ -‬أضرار النظم البيئية الطبيعية مثل األشجار والنباتات(‪.((9‬‬
‫لقد اخترنا أن نأتي على جميع هــذه الجوانب لتبيان أن اآلثــار التدميرية المترتبة‬
‫على الجدار هي أعمق كثير ًا مما يتصور الكثيرون‪ .‬وأعتقد‪ ،‬كما يعتقد أعضاء هذه اللجنة‬
‫والعاملون فيها‪ ،‬أنه من غير الممكن اإلحاطة بحجم الخسائر التي أوقعها الجدار‪ .‬وربما‬
‫ستحاول اللجنة أن تقترب نسبي ًا من تقدير هذه األضرار‪ ،‬وال سيما في الجوانب ّ‬
‫الكمية‪،‬‬
‫كحصر الـمـســاحــات الــواقـعــة خلف ال ـجــدار‪ ،‬أو عــدد المواطنين المعزولين بين الخط‬
‫األخضر والجدار‪ ،‬أو المساحة الفعلية الواقعة تحت الجدار‪ ،‬وعدد القرى الواقعة خلف‬
‫الجدار‪ ،‬وتقدير أطوال مسافات الطرق التي تضاعفت جراء إغالقات الطرق القديمة‪ ،‬أو‬
‫عدد األشجار التي اقتلعت‪ ،‬أو تقدير مستوى الفقر الناتج من تدمير الكثير من قطاعات‬
‫(‪ ((9‬انـظــر‪« :‬قــرار الجمعية العامة في دورتها االستثنائية الطارئة العاشرة حو إنشاء سجل األضــرار بتاريخ‬
‫‪ 2006/12/15‬لألمم المتحدة‪ ،‬سجل حصر األضرار‪ ،‬استمارة خاصة بتسجيل األضرار الناشئة عن بناء الجدار‪»،‬‬
‫مكتب حصر األضرار (رام الله)‪ ،<http://www.pncrod.ps> ،‬ومقابالت خاصة مع أعضاء من هذه اللجنة‪ :‬السيد‬
‫وليد عساف‪ ،‬والسيد مهيب عواد عضوي المجلس التشريعي الفلسطيني عن دائرتي قلقيلية ورام الله على التوالي‬
‫وأعضاء لجنة األرض واالستيطان في المجلس التشريعي الفلسطيني (حزيران‪/‬يونيو ‪ .)2009‬ويذكر أن رئيس هذه‬
‫اللجنة هو تيسير خالد عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية‪.‬‬
‫‪230‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫اإلنتاج‪ ،‬ونسبة العاطلين عن العمل الذين فقدوا نشاطهم المهني وغير ذلك‪ .‬لكن الذي‬
‫ال يمكن تقديره كمي ًا هو األذى النفسي الرهيب الــذي يعيشه المواطنون جــراء الشعور‬
‫بأنهم في سجن فعلي‪ ،‬حيث األســوار واألســاك الشائكة تالحق كل إنسان أينما مشى‪،‬‬
‫وحيث التخريب الرهيب لجمال الطبيعة الــذي أفسدته ال ـح ـفــارات(‪ ،((9‬وحيث الحياة‬
‫اليومية تحت رحمة البنادق‪.‬‬
‫ال يمكن تقدير المعاناة إلنسان لم ي ُعد قــادر ًا على الوصول إلى قريب‪ ،‬أو قريبة‪،‬‬
‫لــه فــي مدينة أو قــريــة مـعــزولــة‪ ،‬وال يمكن تقدير األل ــم ال ــذي يتجرعه الـمــواطـنــون على‬
‫بوابات الكروم الزراعية‪ ،‬ومستوى اإلنهاك النفسي الــذي يمارسه جنود االحتالل على‬
‫هذه البوابات‪ .‬وكذلك‪ ،‬ال يمكن تقدير المشهد الموحش الصادم الذي يعترض طريق‬
‫اإلنسان الذي اعتاد أن يمر من أريحا إلى القدس ليصدمه الجدار في العيزرية‪ .‬وال يمكن‬
‫لسجل حصر األض ــرار أن يصور األلــم الرهيب للمواطنين في بلدة السواحرة الشرقية‬
‫الــذيــن لــم ي ُعد لديهم الـقــدرة على نقل جثامين موتاهم إلــى الجهة الغربية مــن الـجــدار‪.‬‬
‫وال يمكن أبد ًا أن يتخيل كل علماء النفس واالجتماع اآلثار الرهيبة التي يعيشها أطفال‬
‫النبي صموئيل وعــرب الجهالين الــذيــن يسيرون تحت المطر للوصول إلــى مدرستهم‬
‫فــي بـيــت أك ـســا‪ .‬وال يمكن لـكــل مــؤسـســات ال ـكــون أن تمسح دم ــوع زوج ــة جــاءهــا ألــم‬
‫الـمـخــاض‪ ،‬فخافت على جنينها‪ ،‬وعـلــى نفسها مــن مــوت محقق‪ .‬كما ال يمكن تصور‬
‫ألم البنت التي تنتظر وصول والدها وأخوتها إليها في القدس في يوم عيد‪ ،‬وتنتظر فال‬
‫يصل أحد‪ .‬كيف يمكن وصف مؤمن يقف في العيزرية وأبو ديس‪ ،‬وهو يرى قبة الصخرة‬
‫أمام عينية‪ ،‬ويسمع األذان وال يستطيع الوصول إلى ذلك المكان المقدس‪ .‬كيف يمكن‬
‫تقدير األضرار؟ كيف يمكن معرفة وقياس األلم لمزارع من قلقيلية أو بيت سوريك أو‬
‫عزون أو بيت أجزا‪ ،‬وهو يرى كل صباح أرضه خلف الجدار‪ ،‬وال يستطيع أن يحرثها أو‬
‫يالمس أشجارها أو يشتم رائحة ثمارها(‪((9‬؟ ضمن هذا الواقع الكارثي‪ ،‬وصف الرئيس‬
‫األمريكي األسبق جيمي كارتر الجدار العازل اإلسرائيلي بالسجن الفعلي‪ ،‬وذلك بعد أن‬
‫عاين بشكل مباشر حياة الفلسطينيين اليومية بعد إنشاء الجدار(‪.((9‬‬
‫حــول تأثير هذه السياسات على ترحيل الفلسطينيين‪ ،‬انظر‪Joan Peters, «Aland Without People,» :‬‬ ‫(‪((9‬‬
‫‪in: Norman Finkelstein, Image and Reality of the Israel: Palestine Conflict (London: Verso Books,‬‬
‫‪2003), pp. 21-24.‬‬
‫(‪ ((9‬بعض من المشاهد التي عاينها الباحث‪.‬‬

‫(‪ ((9‬جيمي كــارتــر‪ ،‬فلسطين‪ :‬ســام‪ ،‬ال تفرقة عنصرية‪ ،‬ترجمة عــادل نجيب (الـقــاهــرة‪ :‬المؤلف‪،)2007 ،‬‬
‫ص ‪.195 - 183‬‬
‫‪231‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫لقد أفـســد ال ـجــدار (فــاضــح الـطـغــاة) الـحـيــاة‪ ،‬وأفـســد أصــالــة الطبيعة‪ ،‬وأفـســد حياة‬
‫التكوين اإلنساني الطبيعي (األصالة التي ال وجود للعظمة اإلنسانية من دونها) بحسب‬
‫رأي جان بول سارتر‪ .‬إن بشاعة هذا الشيء الذي أطلق عليه «الجدار» تبعث على التقيؤ‬
‫والقشعريرة عند سماع اسمه‪ ،‬فقد جعلت المفكر األديب اليهودي «إسرائيل شامير» يقول‬
‫لدى زيارته مدينة بيت لحم‪« :‬ما إن اقتربنا من حقول الرعاة حتى وصلنا إلى الجدار‪،‬‬
‫يمزق ريف بيت لحم كأنه منشار ضخم‪ ،‬ويخفي الطبيعة كأنه هالم‪ ،‬وهناك عشرات‬ ‫إنه ّ‬
‫الجرافات تمزق التالل وتقتلع أشجار التين وكروم العنب‪ ،‬وتسحق الصخور لغرض غير‬
‫معروف‪ .‬لقد هدموا البيوت القديمة للريفيين‪ ،‬وأبــراج القرون الوسطى‪ ،‬ونزعوا ثياب‬
‫المنحدرات التي ســارت عليها السيدة الـعــذراء؛ إنه أضخم معسكر اعتقال مس ّيج رأيته‬
‫في حياتي»(‪.((9‬‬
‫‪ - 2‬هل يمكن حصر األضرار؟‬

‫إن المكان ليس ح ّيز ًا جغرافي ًا فقط‪ ،‬فهو أيض ًا البشر‪ ،‬والبشر في زمــن مع ّين‪.‬‬
‫ه ـكــذا نـكـتـشــف عــاقــة جــدل ـيــة ب ـيــن ع ـنــاصــر م ـت ـعــددة مـتـشــابـكــة وم ـت ـفــاع ـلــة‪« .‬فــالـمـكــان‬
‫يكتسب مــامـحــه مــن خــال الـبـشــر الــذيــن عــاشــوا فـيــه‪ ،‬والـبـشــر تلخيص لـلــزمــن الــذي‬
‫كان‪ ،‬وفي مكان محدد بالذات‪ .‬وبالتالي فقد اكتسب الناس مالمح وصفات ما كانوا‬
‫ليكتسبوها لــوال هــذه الـشــروط‪ ،‬وحين أصبحت لهم هــذه الصفات أ ّثــروا في المكان‬
‫والزمان‪ ،‬كما تأثروا بهما‪ ،‬األمر الذي ينعكس بالنتيجة على إعطاء األماكن واألزمنة‬
‫مالمحها» (‪.((9‬‬
‫إن حالة القطع الـجــارحــة‪ ،‬الف ّظة بين اإلنـســان والـمـكــان‪ ،‬أفـقــدت المكان مالمحه‬
‫التي تشكّل بها بتفاعله مع اإلنسان‪ .‬لقد اكتسب اإلنسان في الريف الفلسطيني مالمح‬
‫خربه الجدار‪،‬‬‫عامة ما كــان ليكتسبها لــوال تفاعله الدائم مع هــذا المكان الــذي سلبه أو ّ‬
‫أو حبسه عن اإلنسان الذي كان فيه يوم ًا يحرث ويزرع ويقطف ثمار العنب أو التين أو‬
‫الزيتون في الصيف‪ ،‬وفي آخر الخريف‪ .‬الجدار ذبح الناس‪ ،‬كما ذبح الطبيعة التي نزع‬
‫تجسدت اليوم في أم جورج في‬ ‫عنها االحتالل ثيابها التي سارت عليها (العذراء)‪ ،‬التي ّ‬
‫بيت جاال‪ ،‬أو أم محمد في بلعين‪ ،‬أو أم علي في دير بلوط‪.‬‬
‫(‪ ((9‬إ س ــرا ئـ ـي ــل ش ــا م ـي ــر‪ ،‬أز ه ـ ــار ا ل ـج ـل ـيــل‪ ،‬تــر ج ـمــة ن ــا ص ــر ا ل ـس ـع ــدون (د مـ ـش ــق‪ :‬دار ك ـن ـع ــان‪،)2007 ،‬‬
‫ص ‪.125‬‬
‫(‪ ((9‬عبد الرحمن منيف‪ ،‬سيرة مدينة (بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪ ،)1994 ،‬ص ‪.5‬‬
‫‪232‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المسمى جــدار ًا‪ ،‬هو من أبشع أجهزة التحكّم التي وصــل إليها‬ ‫ّ‬ ‫هــذا الشيء البشع‬
‫الطغاة‪ .‬بعثر حياة الفلسطينيين‪ ،‬كما بعثر أغصان زيتون بيت حنينا‪ ،‬وأحال الهدوء الريفي‬
‫ال على طول الجدار التي‬ ‫العتيق إلى توتر تأباه النفوس‪ ،‬وأصــوات مكبرات الصوت لي ً‬
‫تنبعث من السيارات العسكرية أحالت هدوء الليل إلى ضوضاء كريهة دائمة‪ .‬لقد فصل‬
‫الجدار اإلنسان عن ثقافته ولغته وحلمه‪ ،‬ألنه فصله عن حقله وعرقه‪ .‬ثقافته التي تغلغلت‬
‫حتى جــذور جهازه العصبي‪ ،‬وحــددت كيف يــدرك العالم من حوله‪ ...‬البيئة‪ ،‬المرعى‪،‬‬
‫ملهى األط ـفــال‪ ،‬عين ال ـمــاء‪ ،‬الـحـقــل؛ كلها رم ــوز ثقافية جــرى فصلها عــن اإلن ـســان في‬
‫يشكّل اإلنسان وامتداده نظام ًا واحد ًا ذا عالقة متبادلة‪ .‬ومن أكبر األخطاء أن يعتقد‬
‫المتابعون للجدار‪ ،‬كما لو كان اإلنسان شيئ ًا وبيته وحقله وذكرياته شيئ ًا آخــر‪ ،‬إن ذبح‬
‫األرض والشجرة هو ذبح لإلنسان بكل معنى الكلمة(‪.((10‬‬
‫فــي فلسطين‪ :‬داخ ــل الـقــريــة ال ــواح ــدة أو بـيــن ال ـقــرى‪ ،‬وف ــي داخ ــل الـمــديـنــة أو بين‬
‫ال ـمــدن‪ ،‬يرتبط الـنــاس بعضهم ببعض‪ ،‬شخصياتهم مـتـمــازجــة‪ ،‬يحصلون على التغذية‬
‫من بعضهم البعض‪ ،‬مثل الجذور والتربة‪ .‬إذا انقطع اإلنسان عن اآلخرين‪ ،‬يصبح هذا‬
‫اإلنسان محروم ًا من الحياة‪ .‬يكتشف إدوارد تي‪ .‬هول‪ ،‬من خالل مقابالت له مع العرب‪،‬‬
‫مــا يلي‪« :‬إن الـعــرب يكرهون الح ّيز المغلق‪ ،‬فقد استمرت عـبــارة قبر تظهر باالرتباط‬
‫بالح ّيز المغلق‪ ...‬يكرهون أن ُيحصروا بين جدران‪ ،‬بل هم يفضلون المشهد الممتد غير‬
‫المحجوب عن النظر»(‪.((10‬‬
‫ومن المستحيل تحديد كامل مفهوم الحدود الفاصلة المس ّيجة كفكرة تجريدية عند‬
‫العرب‪ .‬كما يرى إدوارد هول أيض ًا أن تعذيب اإلنسان العربي يكون بحرمانه من ح ّيز‬
‫جغرافي كان يعيش فيه يوم ًا‪ .‬قال لي فالح فلسطيني من بيت سوريك‪ ،‬وقد الحت في‬
‫أعماق عينيه دمــوع حــارة لم تلبث أن انسابت من عينيه خطين من الــدمــع‪« :‬إن كرومنا‬
‫تبكي من تمزيق هذه الجرافة لترابها المعجون بعرقنا ودمنا الذي سال فيها حتى أصبحت‬
‫بالشكل الذي كانت عليه قبل أن تأتي إليها هذه الجرافات وتدمرها»(‪ .((10‬وعندما نطل‬
‫(‪ ((10‬إدوارد تي هول‪ ،‬البعد الخفي‪ ،‬ترجمة لميس يحيى ّ‬

‫(عمان‪ :‬المكتبة األهلية‪ ،)2007 ،‬ص ‪.258‬‬
‫(‪ ((10‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.223‬‬

‫(‪ ((10‬أث ـنــاء اعتصام أمــام جــرافــات االحـتــال فــوق األرض‪ ،‬جنوب قرية بيت سوريك المطلة على القدس‬
‫(ربيع ‪.)2004‬‬
‫‪233‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫على هــذه األراض ــي البور التي كانت حدائق غنّاء ذات يــوم‪ ،‬كما نطل على بيوت قرية‬
‫ٍ‬
‫وخربة‪ ،‬وبلغة يوسف زيــدان في روايــة «عزازيل»‪،‬‬ ‫لفتا المهجورة‪ ،‬نراها مغلقة وحزينة‬
‫فـ «المنازل تذوي (تذبل‪ ،‬تخرب) بعد هجران اآلهلين»!!!(‪.((10‬‬
‫‪ - 3‬الجدار يسلب القطرة األخيرة من مياه الفلسطينيين‪:‬‬

‫«ح ْلب جبال الضفة الغربية»‬
‫يبدو أن إسرائيل قد ظهرت لبعض الفاعلين الدوليين وكأنها قد قبلت بمقاربة‬
‫الدولتين‪ ،‬كمدخل إلى الحل السياسي الشامل مع النظام الرسمي العربي بشكل عام‪،‬‬
‫والشعب الفلسطيني بشكل خاص‪ .‬ولكنها في الواقع عملت وتعمل بشكل استراتيجي‬
‫لـتـحــويــل ه ــذا ال ـق ـبــول الـتـكـتـيـكــي إل ــى م ـع ـجــزة‪ ،‬أو تـحــويــل ه ــذا ال ـش ــيء الـمـسـ ّـمــى كـيــان‬
‫فلسطيني‪ ،‬وفق خريطة المصالح الحيوية اإلسرائيلية في الضفة الغربية (مستوطنات‪،‬‬
‫وحـ ــدود‪ ،‬وأم ــن‪ ،‬وث ـقــافــة‪ ،‬وآث ــار ديـنـيــة‪ ،‬وم ـيــاه‪ ،‬وديـمـغــرافـيــا‪ ،‬ومـنــاطــق سـيــاحـيــة‪ ،‬وعمق‬
‫جغرافي‪ ،‬وأراض خـضــراء‪ ،‬ومحميات طبيعية‪ ،‬وم ــوارد طبيعية)‪ ،‬لكن الـســؤال يبقى‪:‬‬
‫ماذا تب ّقى للفلسطينيين إذا أخذت جميع هذه المصالح الحيوية اإلسرائيلية عند ترسيم‬
‫الجدار؟‬
‫‪ -‬ال ـم ـيــاه‪ :‬سـعــت إســرائ ـيــل دوم ـ ـ ًا مـنــذ الـلـحـظــات األولـ ــى لـتـبـلــور ف ـكــرة الـمـشــروع‬
‫الصهيوني إلــى ترسيم حــدود المستعمرة الكولونيالية بما ينسجم ومناطق المياه‪ .‬فقد‬
‫وضعت الحدود الشمالية يوم ًا شمال نهر الليطاني في لبنان‪ ،‬واقترح جابوتنسكي السيطرة‬
‫على ضفتي نهر األردن‪ ،‬شرق ًا وغرب ًا‪ ،‬كي يبقى مجرى النهر ضمن هذه الدولة المرتقبة‪...‬‬
‫وطرحت العديد من المشاريع التي ال حصر لها لإلمساك بكل مجاري ومنابع األنهار‬
‫وتجمعاتها(‪.((10‬‬ ‫ّ‬
‫فــي الــوقــت ال ــذي سيطرت فيه إســرائـيــل على منابع نهر األردن فــي سـفــوح هضبة‬
‫الجوالن‪ ،‬وعلى الخزان المائي العذب الوحيد في الشام (بحيرة طبريا)‪ ،‬وعلى النسبة‬
‫األعـظــم مــن مـيــاه نهر األردن واحـتـجــازهــا وضخها بــاتـجــاه بلداتها ومــدنـهــا ومشاريعها‬
‫(‪ ((10‬يوسف زيدان‪ ،‬عزازيل (القاهرة‪ :‬دار الشروق‪ ،)2008 ،‬ص ‪.322‬‬
‫(‪ ((10‬عبد المالك خلف التميمي‪« ،‬المياه في الشرق األوسط‪ :‬قضية حدود‪ »،‬عالم الفكر‪ ،‬العدد ‪( 4‬نيسان‪/‬‬
‫أبريل ‪ ،)1997‬ص ‪ ،115 - 112‬وعبد المالك خلف التميمي‪ ،‬المياه العربية‪ :‬التحدي واالستجابة (بيروت‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪.)1999 ،‬‬
‫‪234‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الزراعية(‪ ،((10‬فإن المتتبع للسياسة اإلسرائيلية إزاء المياه في اإلقليم‪ ،‬يجد أنه منذ مشروع‬
‫روتنبرغ لتوليد الكهرباء على نهر األردن حتى مشروعها االستراتيجي األخير (الجدار)‪،‬‬
‫كــان مــوضــوع المياه مسألة استراتيجية‪ ،‬لالستحواذ الكلي على الـمـقــدّ رات المائية في‬
‫اإلقليم‪.‬‬
‫وف ــي ه ــذه الـمــرحـلــة ‪ -‬وه ــي إع ــادة تشكيل الـنـظــام الـمــائــي ‪ -‬ك ــان ال ـجــدار عـنــوانـ ًا‬
‫إلعادة هذا التشكيل باألمر الواقع بإخراج نهر األردن تمام ًا من أية عملية تقاسم‪ ،‬وذلك‬
‫بضم كامل منطقة الغور إلــى السيادة اإلسرائيلية‪ ،‬وإخراجها من أيــة ترتيبات تفاوضية‬
‫ال(‪ ،((10‬وترسيم الـجــدار بما ينسجم مع حــدود التجمعات المائية الجوفية‪ .‬فإذا‬ ‫مستقب ً‬
‫كانت مستوطنات األغــوار (‪ 26‬مستوطنة)‪ ،‬الواقعة عند أقــدام نهايات الجبال الشرقية‪،‬‬
‫تقوم بعملية اصطياد المياه الجوفية المتدفقة من المناطق الماطرة لتالل الضفة الغربية‬
‫ال وجنوب ًا باتجاه المزارع والبلدات اإلسرائيلية‬ ‫واستغاللها‪ ،‬وتحويل الفائض منها شما ً‬
‫فــي الـغــور‪ ،‬فــإن هــذه العملية أدت إلــى جفاف ونـضــوب عــدد مــن ينابيع أريـحــا التي تعدّ‬
‫عصب الحياة اإلنسانية والــزراعـيــة هـنــاك‪ .‬وه ــذا يحمل فــي أب ـعــاده‪ ،‬ليس تدمير القطاع‬
‫الزراعي‪ ،‬فقط‪ ،‬وإنما تدمير البقاء البشري الفلسطيني التاريخي في األغوار(‪.((10‬‬
‫وقد اتضح في كل الدراسات والمواقف والتحليالت بأن الجدار‪ ،‬باعتباره انسجم‬

‫مع حــدود التجمعات االستيطانية‪ ،‬فقد استهدف في الوقت ذاتــه االستفراد واالستيالء‬
‫المسمى في‬
‫ّ‬ ‫الحصري على المياه الجوفية في الضفة الغربية‪ ،‬وخصوص ًا الحوض الغربي‬
‫إسرائيل حوض الجبل (تنينيم)‪ ،‬بمعنى أن مدّ الجدار شرق ًا إلى عمق وصل إلى ‪18 - 15‬‬
‫كلم‪ ،‬استهدف أيض ًا وضــع الحوض الغربي ضمن السيادة اإلسرائيلية الحصرية‪ .‬وقد‬
‫اعترف بذلك الخبير االستراتيجي غيورا أيــانــد‪ ،‬بالقول‪« :‬يأتي حوالى ‪ 60‬بالمئة من‬
‫مياه إسرائيل من مصادر موجودة داخل الضفة الغربية أو مصادر متصلة بها‪ ،‬وإن أهداف‬
‫إسرائيل من ترسيم حدود التخوم الغربية بالجدار تتلخص في حماية مصادرها المائية»‪.‬‬
‫ويعتبر أيالند أيض ًا أنه في سياق الوضع النهائي الذي يحققه الجدار‪ ،‬فإن إسرائيل ستتمتع‬
‫(‪ ((10‬انـظــر‪ :‬محمد أحمد صالح‪« ،‬األطماع الصهيونية في المياه العربية‪ »،‬عالم الفكر‪ ،‬العدد ‪( 31‬كانون‬
‫الثاني‪/‬يناير ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪ ،)2003‬ص ‪.49 - 47‬‬

‫(‪ ((10‬عبد الرحمن التميمي‪« ،‬الخصخصة في ظل المشاريع السياسية اإلقليمية‪ :‬دراسة حالة قطاع المياه‪»،‬‬
‫(رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة بيرزيت‪ ،‬القدس‪.)2006 ،‬‬

‫(‪ ((10‬نبيل محمود السهلي‪ ،‬مالمح البنية الديموغرافية والسياسية االقتصادية إلسرائيل حتى عام ‪2015‬‬
‫(بيروت‪ :‬صفحات للدراسات والنشر‪ ،)2008 ،‬ص ‪.77 - 76‬‬
‫‪235‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫في أراضي الضفة بأربعة أضعاف ما يحصل عليه الفلسطينيون‪ ،‬لذلك كان ال بدّ من َمدّ‬
‫الجدار شرق ًا لضمان السيطرة على المخزون المائي(‪.((10‬‬
‫لقد ترك موضوع المياه في اتفاقية أوسلو مع قضايا الالجئين‪ ،‬والقدس‪ ،‬والحدود‪،‬‬
‫واالستيطان‪ ،‬كمواضيع استراتيجية كبرى للمفاوضات النهائية‪ ،‬التي كــان يفترض أن‬
‫تبدأ مع نهاية المرحلة االنتقالية في مطلع عــام ‪ .2000‬ولما كــان الجانب الفلسطيني‪،‬‬
‫وال يزال‪ ،‬ضمن موازين القوى بين الحالة الكولونيالية المسيطرة والشعب الواقع تحت‬
‫السيطرة‪ ،‬فإن القدرة اإلسرائيلية في التحليل والتحريم‪ ،‬والمنع واألخــذ‪ ،‬هي الحاسمة‬
‫فع ً‬
‫ال في هذه القضايا االستراتيجية‪ ،‬التي عملي ًا حسمتها على أرض الواقع(‪.((10‬‬
‫المسمى بالعبرية‬
‫ّ‬ ‫يضخ الحوض الغربي الــذي يقع في أدنــى تــال الضفة الغربية‬
‫«تنينيم» الــذي عزله الجدار وفق خارطة المصالح اإلسرائيلية المائية في الضفة‪340 ،‬‬
‫مليون متر مكعب من المياه الجوفية سنوي ًا‪ ،‬ويستفيد منه مليونان ونصف المليون من‬
‫اإلسرائيليين الذين يقطنون في مدن تل أبيب والوسط‪ .‬وال يحصل الفلسطينيون منه إال‬
‫على ‪ 20‬مليون متر مكعب‪ ،‬و ُيعدّ هذا الحوض أهم األحــواض المائية في إقليم الضفة‬
‫الغربية‪ .‬ويـقـتــرح المخطط االستراتيجي (حــايـيــم غفير وتـسـمــن) منع الفلسطينيين من‬
‫االستفادة منه‪ ،‬وضرورة أن يبقى ضمن كل التسويات السياسية تحت السيطرة اإلسرائيلية‬
‫المطلقة‪ .‬وبنا ًء عليه‪ ،‬نقلت حدود هذا الحوض إلى خريطة المصالح األمنية الحيوية في‬
‫يسمى إسرائيلي ًا «يهودا والسامرة»(‪.((11‬‬
‫ما ّ‬
‫فإذا ما علمنا أن المياه الجوفية في الضفة الغربية‪ ،‬هي مصدر الحياة الرئيسي‪ ،‬وهي‬
‫التي تؤمن معظم إمــدادات المياه‪ ،‬فإن السيطرة على هذا الحوض وغيره من األحواض‬
‫معناه اسـتــاب أســاس الحياة اإلنسانية للبشر الــذيــن يقيمون فــي هــذه األرض‪ .‬ويمكن‬
‫إدراك حجم هــذه األخطار المتوقعة‪ ،‬والتي ظهر العديد منها بالفعل في المذكّرة التي‬
‫(‪ ((10‬أيالند‪« ،‬إعادة التفكير في حل الدولتين‪ »،‬ص ‪.74‬‬

‫(‪ ((10‬ألــويــن رويــر‪ ،‬اتفاقيات المياه في أوسلو ‪ :2‬تفادي كارثة وشيكة‪ ،‬دراس ــات عالمية (أبــو ظبي‪ :‬مركز‬
‫اإلم ــارات لـلــدراســات‪ ،)2001 ،‬ص ‪ ،41 - 37‬و«االتـفــاقـيــة االنتقالية حــول الضفة الغربية وقـطــاع غــزة الموقعة‬
‫عام ‪ »،1995‬الذيل األول‪ ،‬الملحق الثالث‪ ،‬المادة ‪ ،40‬و«انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين في مياه الضفة‬
‫الغربية‪ »،‬تقرير منظمة العفو الدولية (تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪.)2009‬‬
‫(‪ ((11‬حاييم غفير وتسمن‪ ،‬خارطة المصالح الحيوية اإلسرائيلية في الضفة الغربية‪ ،‬ترجمة عليان الهندي (تل‬
‫أبيب‪ :‬مركز بيجن ‪ -‬السادات للدراسات االستراتيجية‪ ،‬جامعة بار إيالن‪ ،)2009 ،‬ص ‪ ،16 - 13‬ومحسن يوسف‪،‬‬
‫«المشكلة المائية في إسرائيل وأثرها على عملية السالم‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 5‬شتاء ‪ ،)2002‬ص ‪.104 - 95‬‬
‫‪236‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫قدمها الجانب الفلسطيني إلى محكمة العدل الدولية في الهاي‪ ،‬والتي يتضح منها حجم‬
‫الكوارث على الشعب الفلسطيني جراء بناء هذا الجدار(‪.((11‬‬
‫وف ــي الــوقــت ال ــذي تـقــوم فـيــه إســرائ ـيــل بعملية «ح ـ ْلــب ج ـبــال» الـضـفــة الـغــربـيــة من‬
‫مخزونها المائي الجوفي(‪ ((11‬لضمان أمنها المائي حصري ًا من دون األخذ بعين االعتبار‬
‫الحدّ األدنى من حقوق اإلنسان الفلسطيني‪ ،‬فإنها في الوقت ذاته جعلت الضفة الغربية‬
‫ساحة خلفية ركّزت فيها الصناعات الخطرة الشديدة التلويث‪ ،‬ومقبرة للنفايات‪ ،‬ومستقر ًا‬
‫لمياه الـصــرف الصحي (كولونيالية الـنـفــايــات) مــن دون مــراعــاة أليــة أبـعــاد على صحة‬
‫اإلنسان الفلسطيني بوصفه إنسان ًا‪.‬‬
‫إن عملية حلب جـبــال الضفة الغربية مــن مخزونها المائي لصالح أمنها العرقي‬
‫حـصــريـ ًا‪ ،‬مــن دون األخــذ بعين االعـتـبــار الـحــدّ األدن ــى مــن حقوق اإلن ـســان‪ ،‬قــد تالزمت‬
‫وتــزامـنــت بتحويل كثير مــن مـنــاطــق الـضـفــة إل ــى ســاحــة خلفية‪ ،‬وجعلها حــاويــة نفايات‬
‫الملوثة والخطرة فيها‬‫ّ‬ ‫صلبة‪ ،‬ومستقر ًا لمياه الصرف الصحي‪ ،‬كما أن تركيز الصناعات‬
‫التجمعات الفلسطينية في مجال األخطار‬ ‫ّ‬ ‫(كولونيالية النفايات) يضع مصير كثير من‬
‫المنذرة بالكوارث التي أصبحت وشيكة بتالقي ندرة المياه مع التلوث(‪.((11‬‬
‫رابع ًا‪ :‬استكمال مشروع اإلبادة والتطهير العرقي والعزل العنصري‬

‫‪ - 1‬حرب االستقالل (حرب ‪ ،)1948‬الحرب التي لم تنته أبد ًا!‬
‫أصــاب ش ــارون حقيقة السياسة اإلسرائيلية بقوله‪« :‬إن حــرب االستقالل (حــرب‬
‫‪ )1948‬لم تنته أبد ًا‪ ،‬ولم يكن عام ‪ 1948‬إال مجرد فصل من هذه الحرب الممتدة»(‪.((11‬‬
‫(‪ ((11‬ب ـع ـثــة فلسطين فــي األم ــم الـمـتـحــدة‪ ،‬بـيــان خـ ّطــي ومــرافـعــة شفوية حــول اآلث ــار الـكــارثـيــة لـلـجــدار على‬
‫الفلسطينيين (القدس‪ :‬بكدار‪ ،)2004 ،‬ص ‪ ،103 - 99‬ومصطفى سعد قاعود‪ ،‬اغتيال البيئة الفلسطينية‪ :‬االستيطان‪،‬‬
‫الجدار‪ ،‬المياه (دمشق‪ :‬صفحات للدراسات والنشر‪ ،)2008 ،‬ص ‪.97 - 90‬‬
‫«حـ ْلــب الجبال»‪ ،‬يعود للسيد عبد الرحمن التميمي‪ ،‬مدير عــام مجموعة الهيدرولوجيين‬ ‫(‪ ((11‬مصطلح َ‬
‫الفلسطينيين في مقابلة خاصة بتاريخ ‪ .2010/7/4‬وقال لي إنه استمع لهذا المصطلح من أحد الخبراء في إسرائيل‬
‫بصيغة ‪.Milking the Mountains‬‬
‫(‪ ((11‬ان ـ ـظـ ــر‪ :‬ه ــل إســرائ ـيــل نــاضـجــة لـسـيــاســة خـ ـض ــراء؟‪ :‬ت ـقــاريــر وم ـق ــاالت ب ــأق ــام مـجـمــوعــة م ــن الباحثين‬
‫والمختصين اإلسرائيليين فــي شــؤون البيئة‪ ،‬تحرير أنـطــوان شلحت؛ ترجمة سعيد عـيــاش‪ ،‬أوراق إسرائيلية؛ ‪46‬‬
‫(رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مــدار)‪ ،)2008 ،‬و‪Water for Life (Ramallah: Palestinian‬‬
‫‪Hydrology Group (PHG) and Palestine Water for life Compaign, 2008), pp. 20-23.‬‬
‫(‪ ((11‬شفيط‪« ،‬حوار مع شارون»‪.‬‬
‫‪237‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫طهرت فلسطين عــام ‪ 1948‬بترحيل ‪ 750‬ألــف فلسطيني من‬ ‫إن الحرب الممتدة التي ّ‬
‫تحولت‬
‫أصل ‪ 900‬ألف‪ ،‬هم العرب الفلسطينيون الذين كانوا يقيمون في فلسطين التي ّ‬
‫إلى إسرائيل السيادية عام ‪ ،1948‬لم تنته بعد‪ ،‬بل كانت مجرد فصل من هذه الحرب‬
‫الممتدة التي ال تعرف لها إال نهاية واحــدة هي تطهير المكان من أصحابه الشرعيين‪،‬‬
‫ولكن بوسائل أخرى‪ .‬لقد قال الفلسطينيون عن الجدار إنه حرب أخرى‪ .‬فلماذا إذ ًا هي‬
‫حرب أخرى‪ ،‬وهل هي مرحلة من هذه الحرب الممتدة التي تنتهي عند إقامة الجدار؟‬
‫تقول هذه الدراسة إن الحرب الممتدة في ما بعد الجدار ستكون حرب ًا يومية تستكمل فيها‬
‫المطهر من البشر الفلسطينيين‪ ،‬بتفعيل منظومة من اإلجراءات‪،‬‬
‫ّ‬ ‫إسرائيل شروط تحققها‬
‫تدفع الـنــاس إلــى شــروط حياة ال ّ‬
‫تقل عــن تلك التي ســادت أثـنــاء حــرب ‪ ،1948‬ولكن‬
‫بوسائل أخرى‪.‬‬
‫لقد كــان التوجه «الـغــوش إيمونيمي» المسياني العقيدة التي طغت على القيادة‬
‫العلمانية تمام ًا‪ ،‬كما طغت على حاخامات االستيطان‪ .‬وإال فما معنى قول ديان بالعودة‬
‫إلــى بيت الــرب‪ ،‬وعناتوت‪ ،‬وموطن النبي إرميا‪ ،‬وقبر األم راحيل؟ مــاذا يختلف ديان‬
‫وغـيــره مــن رمــوز الــدولــة العلمانيين عــن الحاخام ليفنغر‪ ،‬والـحــاخــام إليعازر فيلدمان‪،‬‬
‫وحنان بوارت‪ ،‬وحاييم دروكمان‪ ،‬وتسفي يهوداك كوك؟ بل إن الحركة المسيانية تبنّت‬
‫الشعار العلماني لحركة العمل االشتراكية (العمل)‪« :‬االستيطان هو الذي يرسم حدود‬
‫ال ــدول ــة»(‪ ،((11‬ومــن هنا تأتي مقولة إن الصهيونية تدينت أكثر مما تمكنت مــن علمنة‬
‫مهاجريها الذين عادوا إلى بيت الرب‪ .‬وفي الوقت ذاته أفشل تثبت العملية االستعمارية‬
‫الكولونيالية في فلسطين مقولة هرتزل‪« :‬على الضباط أن يبقوا في ثكناتهم والحاخامات‬
‫في كنسهم»(‪.((11‬‬
‫لقد تــم العمل االستيطاني بتكامل بين النخبة العلمانية والـحــاخــامــات‪ ،‬وقـيــادات‬
‫الجيش هــي الـتــي تــولــت قـيــادة الــدولــة‪ .‬وقــد خــرج الجميع مــن الـخـنــادق لصناعة الـقــرار‬
‫الـسـيــاســي‪ ،‬وخ ــرج الـحــاخــامــات مــن الـ ُكـنــس لتقرير ح ــدود الــدولــة ضـمــن ال ـحــرب التي‬
‫لم تنته‪ ،‬وخــرج األكاديميون ليؤدوا دور ًا عسكري ًا ضمن الحرب اإلسرائيلية الممتدة‪،‬‬
‫يقوم على استدراك ما لم ينته منه بن غوريون بالطرد الجماعي النهائي‪ ،‬وتقديم وصايا‬
‫(‪ ((11‬نيفا الفير‪« ،‬كيف وقعت حــرب ‪ ،»1967‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 151‬تموز‪/‬يوليو ‪،)2007‬‬
‫ص ‪.127 - 124‬‬
‫(‪ ((11‬دان ياهف‪« ،‬حول تعريف جرائم الحرب»‪ ،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،)2006( 23‬ص ‪.73‬‬
‫‪238‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ترانسفير وتعذيب سادية‪ ،‬ما يجعل «الماركيز دوس ــاد»(‪ ((11‬يرتاح في تربته‪« :‬ينبغي بناء‬
‫قفص للفلسطينيين‪ ،‬أعــرف أن لهذا األمــر داللــة مرعبة‪ ،‬ولكن ال خيار‪ ،‬بل ثمة حيوان‬
‫مفترس يجب وضعه في قفص بطريقة ما»(‪.((11‬‬
‫‪« -‬القفص»‪ :‬هي وصفة األستاذ الكبير بني موريس‪ ،‬الذي استخدم مفهوم ًا من أهم‬
‫مفاهيم النظرية النازية‪ ،‬وهو البقاء لألصلح‪ .‬والبقاء لألصلح‪ ،‬أي البقاء لألقوى‪ ،‬يفترض‬
‫بداهة إبادة السكان األصليين أو طردهم وفق وصاياه‪« :‬إذا كان بن غوريون قد انخرط في‬
‫الطرد‪ ،‬كان عليه استكمال العملية برمتها‪ ،‬لو أن بن غوريون قام بعملية طرد كبيرة‪ ،‬وطهر‬
‫ال بدل من الطرد الجزئي‪،‬‬‫ال إلى نهر األردن‪ ...‬لو أنه قام بالطرد كام ً‬
‫البلد كلها‪ ،‬وصــو ً‬
‫ألسهم في استقرار دولة إسرائيل على مدار األجيال»(‪.((11‬‬
‫يفسر المؤرخ اإلسرائيلي أفنير غلعادي هذه الرؤى الفاشية (السادية) التي يطلقها‬
‫القادة العسكريون والحاخامات واألكاديميون الذين يمثلهم سوفيير (الجدار)‪ ،‬وجدعون‬
‫بيجر (ترحيل المثلث)‪ ،‬واألستاذ بني موريس (القفص)‪ ،‬بأن هذه المواقف الشوفينية‪،‬‬
‫وال ـن ـظــرة االس ـت ـعــائ ـيــة‪ ،‬واالس ـت ـف ــراد بـطـغـيــان ال ـق ــوة‪ ،‬وال ـس ـي ـطــرة وال ـع ـنــف‪ ،‬واالسـتـهـتــار‬
‫باآلخرين‪ ،‬والتنكر للبيئة اإلنسانية‪ ،‬وعــدم الـقــدرة على تفهم معاناة الغير؛ كل ذلــك له‬
‫جذور في التربية والمجتمع اإلسرائيليين‪ .‬إن هذا السلوك ليس ناجم ًا عن دوافع آنية‪ ،‬بل‬
‫هو مغروس في الثقافة االجتماعية اإلسرائيلية(‪.((12‬‬
‫‪ - 2‬الجدار «القفص» في الحرب الممتدة‬

‫الجدار‪ ،‬السياج‪ ،‬القفص‪ ،‬هو الترجمة الحرفية لسياسة اإلذالل السادية والبطش‪،‬‬
‫ولغة الـقــوة‪ ،‬وفــرض الوقائع لفرض السياسة‪ .‬إنــه الوصفة األشــد عنف ًا منذ عــام ‪1967‬‬
‫ضمن الجيل الجديد مــن سياسات الـقــوة اإلسرائيلية‪ .‬إنــه يمتد وفــق معظم الــدراســات‬
‫ال في أعماق األراضي والقرى والمدن الفلسطينية‪.‬‬ ‫على نحو ‪ 780 - 750‬كلم‪ ،‬متغلغ ً‬
‫وال يلتزم خط الهدنة ‪ -‬الخط األخضر‪ ،‬سوى أقل من ‪ 13‬بالمئة‪ ،‬ويقع ‪ 87‬بالمئة من‬
‫(‪ ((11‬الماركيز دو ساد (‪ )1814 - 1740‬كاتب فرنسي تناول في كتاباته موضوع السعادة الحس ّية وارتباطها‬
‫بالتعذيب الجسدي‪ ،‬وقد اشت ّقت كلمة السادية من اسمه‪.‬‬

‫‪Ari Shavit, «Survival of the Fittest,» Haarets, 9/1/2004.‬‬ ‫)‪ (118‬‬
‫(‪ ((11‬حسن خضر‪« ،‬الجالد بال قداسة وال دموع‪ »،‬الكرمل‪ ،‬العدد ‪( 79‬ربيع ‪ ،)2004‬ص ‪.81 - 79‬‬
‫(‪ ((12‬أفنير غلعادي‪« ،‬تقلقني بربرية هذه الحرب واللغة الوحيدة التي نتقنها هي القوة‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،)2006( 23‬ص ‪.71‬‬
‫‪239‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫طول هذا الخط داخل أراضي الضفة الغربية‪ ،‬وتؤكد الدراسات المختلفة أنه يتراوح بين‬
‫‪ 360‬و‪ 365‬كلم(‪.((12‬‬
‫وتختلف المصادر حــول نسبة األراضــي الفلسطينية التي يضمها الـجــدار‪ ،‬ولكنها‬
‫تلتقي بشكل عــام على أن الـجــدار ســوف يستولي على مــا نسبته ‪ 45‬بالمئة مــن أراضــي‬
‫الضفة الغربية بما فيها القدس‪ .‬والجدار‪ ،‬كما هو معروف قطع البالد إلى شظايا كبرى‪،‬‬
‫هي التجمعات الثالثة‪ :‬شمال الضفة‪ ،‬ووسط الضفة‪ ،‬وجنوب الضفة‪ ،‬وقد جرى ربطها‬
‫وفق مقولة دولة قابلة للحياة بنفقين‪ .‬وقد قدّ رت وزارة الزراعة الفلسطينية عدد األشجار‬
‫التي قطعت خالل هذه الحرب الممتدة منذ الفترة (‪ )2007 - 2000‬بمليون ونصف‬
‫المليون شجرة‪.‬‬
‫أدى هذا االمتداد المتغلغل إلى عمق الضفة إلى عزل ‪ 97‬تجمع ًا سكاني ًا يقيم فيها‬
‫‪ 350‬ألف فلسطيني(‪.((12‬‬
‫وفــي المقابل‪ ،‬جــرى تحويل ‪ 400‬ألــف مستوطن يقطنون فــي ‪ 80‬مستوطنة في‬
‫الـضـفــة الـغــربـيــة‪ ،‬مــن بينهم ‪ 220‬أل ــف مستوطن يقيمون فــي مستوطنات ال ـقــدس‪ ،‬إلــى‬
‫إسرائيل‪ ،‬وربطهم بمركز الدولة‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬ال تزال ‪ 70‬مستوطنة يقيم فيها ‪ 100‬ألف‬
‫مستوطن قائمة على الجانب الشرقي من الجدار‪.‬‬
‫وإذا ألقينا النظر بسرعة على بعض المحافظات الـتــي نكبها ال ـجــدار‪ ،‬فنجد أن‬
‫ا‪ ،‬قــد خسرت جــراء الـجــدار والـطــرق االلتفافية والمستوطنات ‪27.600‬‬ ‫قلقيلية‪ ،‬مـثـ ً‬
‫دونــم من أجــود األراض ــي الزراعية لتخدم ‪ 13‬مستوطنة مقامة على أراضيها‪ ،‬في حين‬
‫أنها خسرت بنتائج حرب ‪ 28.000 ،1948‬ألف دونم من أصل ‪ 400‬ألف دونم هي‬
‫المساحة اإلجمالية التاريخية للمحافظة(‪.((12‬‬
‫(‪ ((12‬ه ــذه األرقــام التي َو َر َدت جــرى استخالصها مــن‪ :‬مركز أبحاث األراضــي (الـقــدس)؛ مركز األبحاث‬
‫التطبيقية (أريج)؛ تقارير األمم المتحدة؛ اللجنة الوطنية لحصر األضرار؛ اللجنة الوطنية للمقاومة الشعبية‪ ،‬والحملة‬
‫الشعبية لمقاومة الجدار واالستيطان‪.‬‬
‫(‪ ((12‬دراسـ ـ ــة استقصائية ألث ــر ج ــدار ال ـعــزل عـلــى ال ـقــرى الـتــي يـمــر عـبــرهــا (رام ال ـلــه‪ :‬مكتب اإلح ـصــاءات‬
‫الفلسطيني‪ ،)2008 ،‬وأرشيف الحملة الشعبية لمقاومة الجدار‪ ،‬ومقابلة مع السيد جمال جمعة رئيس الحملة (رام‬
‫الله)‪.‬‬
‫(‪ ((12‬حــول النتائج المد ّمرة للجدار في قلقيلية انظر‪« :‬ورقة حقائق حول محافظة قلقيلية وسياسات النهب‬
‫والتهجير‪ »،‬الحملة الشعبية لمقاومة الجدار واالستيطان (رام الله) (‪ ،)2009‬و‪Geopolitical Status in Jerusalem‬‬
‫‪Governorate (Jerusalem: Applied Research Institute-Jerusalem, 2007).‬‬
‫‪240‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وفي محافظة بيت لحم التي ال تقل كارثتها عن قلقيلية‪ ،‬تعدّ المدينة (بيت لحم)‬
‫التوأم األخالقي والحضاري لمدينة القدس‪ .‬إذ ال تكاد تذكر القدس في أي ُبعد أخالقي‬
‫وحضاري إال ونجد بيت لحم قرينة لها‪ .‬تقع المدينة (مهد المسيح) على بعد ‪ 10‬كلم‬
‫جنوب مدينة الـقــدس‪ .‬وبعد إغــاق الـقــدس وفصلها عــن رئتها الجنوبية (بيت لحم)‪،‬‬
‫أصبحت الطريق المعروفة‪ ،‬بطريق واد النار‪ ،‬هي طريقها الوحيدة‪ ،‬وهي من أبشع الطرق‬
‫في فلسطين‪ ،‬نظر ًا إلــى وعورتها وشــدة انحدارها والتواءاتها الخطرة‪ ،‬وكذلك‪ ،‬فــإن ما‬
‫الملوثة‬
‫ّ‬ ‫يزيدها وحشة وبشاعة هو تلك المياه العادمة المنسابة من مستوطنات القدس‬
‫للمكان‪ ،‬وكذلك مرور الطريق بمحاذاة مكب النفايات المركزي لكل كتل المستوطنات‬
‫حــول الـقــدس‪ .‬وقــد أصبحت الطريق‪ ،‬التي كانت ال تحتاج من المسافر بين المدينتين‬
‫إلى حوالى نصف ساعة‪ ،‬تمتد إلى أكثر من ساعتين‪ .‬وفي فصل الشتاء‪ ،‬تمتد إلى ثالث‬
‫ساعات‪ ،‬نظر ًا إلى خطورة االنزالق الخطر‪ .‬أما طريق القدس ‪ -‬بيت لحم القديمة‪ ،‬التي‬
‫كــانــت مــن أجـمــل طــرق فلسطين بين أعــرق مدينتين فــي العالم للمؤمنين فــي الديانتين‬
‫اإلسالمية والمسيحية؛ تلك الطريق التاريخية التي استهوت قلوب السائحين من كنيسة‬
‫المهد إلــى كنيسة القيامة عبر طريق اآلالم في الـقــدس‪ ،‬فقد أصبحت حكر ًا على عرق‬
‫ودين مخصوص للمستعمر الكولونيالي(‪.((12‬‬
‫ويعترف أحد أبرز رموز المؤسسة األمنية في إسرائيل عامي أيلون رئيس الشاباك‬
‫األسبق (‪ )2000 - 1996‬بــأن الحواجز واإلغــاقــات كانت ذات مــرة تكتيك ًا ميداني ًا‪،‬‬
‫ولكنها تحولت إلــى استراتيجيا سياسية‪ ،‬إذ يقول‪« :‬أعتقد أن األمــور التي نفعلها اليوم‬
‫فــي الـمـنــاطــق‪ ،‬هــي أك ـثــر مــن م ـجــرد أم ــور غـيــر أخــاق ـيــة‪ ،‬فبعضها غـيــر أخــاقــي بـصــورة‬
‫صارخة»(‪.((12‬‬
‫لقد بلغت مساحة المدينة التاريخية قبل عام ‪ 626 ،1967‬كلم مربع‪ ،‬اقتطع منها‬
‫الموسعة‪ .‬ومع كثافة المشروع االستيطاني في‬
‫ّ‬ ‫‪ 18‬كلم لضمها إلى حدود بلدية القدس‬
‫المحافظة‪ ،‬أقيم على أراضي محافظة بيت لحم إحدى وعشرون مستوطنة‪ ،‬كان آخرها‬
‫هارحوماه التي أقيمت بعد توقيع اتفاقيات أوسلو‪ .‬ويمتد الجدار في المحافظة إلى مسافة‬
‫‪ 53‬كلم‪ .‬وبموجب ذلك‪ ،‬تم فصل ما يقارب ‪ 12‬بالمئة من مساحة المحافظة من أفضل‬
‫المسمى طريق واد النار‪.‬‬

‫ّ‬ ‫(‪ ((12‬معاينة مباشرة للباحث في الطريق البديل لطريق القدس ‪ -‬بيت لحم العريقة‪،‬‬
‫‪Geopolitical Status in Jerusalem Governorate, pp. 25-28.‬‬ ‫انظر‪:‬‬

‫(‪ ((12‬ألـيـكــس فشمان وسيما كــدمــون‪« ،‬أربـعــة رؤســاء سابقون للشاباك يـحــذرون إسرائيل من سياستها في‬
‫المناطق‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 108‬كانون األول‪/‬ديسمبر ‪ ،)2003‬ص ‪.73‬‬
‫‪241‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫األراضــي‪ ،‬أي ‪ 73‬ألف دونــم التي أصبحت خلف امتداد الجدار‪ ،‬مطهرة من أصحابها‬
‫إال بواسطة التصاريح التي تعدّ عملية الحصول عليها للقيام بالخدمات الزراعية الالزمة‪،‬‬
‫مسألة في غاية التعقيد المؤذي لكل نفس بشرية‪ .‬وبــرأي الباحث أن موضوع استصدار‬
‫التصاريح من اإلدارة المدنية أو من محطات االرتباط المدني اإلسرائيلي ‪ -‬الفلسطيني‪،‬‬

‫وربــط أيــة عملية زراعـيــة بهذا التصريح‪ ،‬والـمــراحــل التي يمر بها اسـتــام التصريح‪ ،‬ثم‬
‫الــوقــوف على الـبــوابــة العسكرية فــي انتظار رحمة الـجـنــود‪ ،‬ثــم االنـتـظــار مــرة أخــرى عند‬
‫البوابة ذاتها لساعات‪ ،‬ســواء تحت المطر وفــي البرد أم تحت أشعة الشمس‪ ،‬هو عمل‬
‫رسمي من ّظم يستهدف إره ــاق الـفــاح نفسي ًا وجسدي ًا حتى يصل الـفــاح إلــى اإلحباط‬
‫واإلرهاق التام ويهجر هذه األراضي‪ ،‬أو يكتفي بزيارتها في المواسم الزراعية‪ .‬وفي كلتا‬
‫ستضمها المستوطنات للبناء عليها‬ ‫ّ‬ ‫الحالتين‪ ،‬يغيب اإلنسان الفالح عن هذه األماكن التي‬
‫أو تبقى فضا ًء رحب ًا للمستوطنين(‪.((12‬‬
‫وفي بيت لحم‪ ،‬كما في باقي المحافظات‪ ،‬حرم الجدار العنصري المدن والقرى‬
‫مما يعرف بأراضي التوسع الطبيعي للمنطقة العمرانية‪ ،‬األمر الذي أدى إلى تكدّ س أعداد‬
‫هائلة مــن البشر فــي رقــع أرضـيــة صغيرة‪ .‬وتس ّبب الـجــدار فــي عــزل المناطق الريفية في‬
‫ال‪ ،‬عن المركز الرئيسي في المدينة‪ ،‬ومنها قرى‪ :‬بتير‪ ،‬حوسان‪ ،‬ونحالين‪،‬‬ ‫بيت لحم‪ ،‬مث ً‬
‫والنعمان‪ ،‬والخاص‪ ،‬والولجة‪ ،‬ووادي فوكين(‪.((12‬‬
‫وقد فقدت المدينة والمحافظة ‪ 60‬ألف شجرة اقتلعتها جرافات االحتالل‪ ،‬و‪14‬‬
‫ألف أخــرى أصبحت خلف الجدار‪ .‬ليست هذه المعطيات إال إضــاءة بسيطة جــد ًا على‬
‫حجم الدمار الــذي لحق بالقطاع الــزراعــي‪ ،‬األمــر الــذي تس ّبب في ارتفاع مستوى الفقر‬
‫من جهة‪ ،‬وانخفاض كبير في حجم اإلنتاج الغذائي في الضفة الغربية بشكل عــام‪ .‬لقد‬
‫أدى ضم قبر راحيل (مقام بالل بن رباح) على المدخل الشمالي للمدينة لبلدية القدس‬
‫إلى سيطرة إسرائيل على ‪ 3000‬دونم في مدخل المدينة كانت تعدّ رئة المدينة‪ .‬وإذا ما‬
‫أضيف إليها بناء مستوطنة هارحوماه التي تموضعت على ‪ 2250‬دونما لتكون جسم ًا‬
‫ال بين القدس وبيت لحم‪ ،‬يتم قطع التالقي الحضاري بين كنيسة القيامة في القدس‬ ‫فاص ً‬
‫(‪ ((12‬مقابالت مختلفة‪ ،‬ومشاهد ح ّية مباشرة للباحث على هذه البوابات‪ ،‬وخصوص ًا في منطقة شمال غرب‬
‫القدس‪.‬‬
‫(‪ ((12‬مقابلة مع عبد الفتاح حمايل‪ ،‬محافظ بيت لحم وصالح التعمري رئيس لجنة األراضي واالستيطان‬
‫في المجلس التشريعي للدورة األولى‪.‬‬
‫‪242‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫والمهد في بيت لحم‪ ،‬في أكثر إجــراء تاريخي وحشية عرفته المدينتان منذ مولد السيد‬
‫المسيح(‪.((12‬‬
‫‪ - 3‬نماذج من الجيوب (المعازل) «البانتوستانات» في فلسطين‬

‫(‪((12‬‬
‫الناتجة من الجدار‬
‫ال يمكن حصر هذه الجيوب‪ ،‬وال يمكن حصر األضرار الناتجة من عزل األراضي‬
‫الــزراعـيــة بما عليها مــن منشآت زراعـيــة (بـيــوت بالستيكية‪ ،‬وأدوات ال ــري‪ ،‬ومحركات‬
‫الضخ واإلضــاءة‪ ،‬ومخازن التعليب‪ ،‬ومــزارع الطيور‪ ،‬والثروة الحيوانية)‪ .‬وسنحاول أن‬
‫نعطي إضاءات بسيطة عن هذه المعازل (البانتوستانات) لتكون مقدمة معلوماتية لتحليل‬
‫نظام األبارتهايد في الجزء األخير من هذه الدراسة‪:‬‬
‫في قلقيلية‬ ‫●‬
‫‪ -‬المعزل الشمالي‪ ،‬يضم قرى‪ :‬كفرقدوم‪ ،‬حجة‪ ،‬الفندق‪ ،‬جينصافوط‪ ،‬كفرالقف‪،‬‬

‫صير‪ ،‬عزون‪ ،‬عزبة الطبيب‪ ،‬جيوس‪ ،‬فالمية‪ ،‬عسلة‪ ،‬النبي الياس‪.‬‬
‫‪ -‬المعزل الجنوبي الشرقي‪ ،‬يضم قرى‪ :‬كفرثلث‪ ،‬سنيريا‪ ،‬بين أمين‪ ،‬عزبة األشقر‪،‬‬
‫المدور‪ ،‬عزبة جلعود‪ ،‬عزبة سلمان‪.‬‬
‫‪ -‬معزل الجنوب‪ ،‬ويضم قرى‪ :‬حبلة‪ ،‬راس عطية‪.‬‬
‫‪ -‬المعزل الشرقي‪ ،‬ويضم قرى‪ :‬جيت‪ ،‬أماتين‪ ،‬فرعاتا‪.‬‬
‫‪ -‬معزل منفرد‪ :‬مدينة قلقيلية‪.‬‬
‫‪ -‬قــرى معزولة بين الـجــدار والـخــط األخـضــر‪ :‬عــرب الرماضين الشمالي‪ ،‬عرب‬
‫الرماضين الجنوبي‪ ،‬عرب أبو فردة‪ ،‬الضبعة‪ ،‬وادي الرشا‪ ،‬راس طيره‪ ،‬عزون عتمة(‪.((13‬‬
‫‪ -‬قرى معزولة ومهددة بالترحيل‪ :‬النعمان‪ ،‬خربة زكريا‪ ،‬القبة‪ ،‬عين جويزة (محافظة‬
‫بيت لحم)‪ ،‬عزبة الطبيب‪ ،‬عرب الرماضين‪ ،‬واد الرشا (قلقيلية)‪ ،‬عرب أبو فردة‪ ،‬خربة‬
‫(‪ ((12‬دراسة حول آثار الجدار العنصري في بيت لحم (أريج‪ :‬مركز األبحاث التطبيقية‪.)2009 ،‬‬
‫(‪ ((12‬ســوف يقتصر هذا الجزء من المبحث على ذكر بعض من هذه المعازل بشكل مختصر كنماذج‪ ،‬مع‬
‫مستمر ك ّلما اكتمل جزء آخر من الجدار‪ .‬كما أنّنا نو ّد اإلشــارة إلى أن معظم قرى‬
‫ّ‬ ‫العلم أن هذه المعازل في تزايد‬
‫محافظة أريحا (الغور) تعيش في حالة عزل تام عن مركز المدينة وعن باقي أنحاء الضفة الغربية‪.‬‬
‫(‪« ((13‬عين على محافظة قلقيلية‪ »،‬الحملة الشعبية لمقاومة الجدار واالستيطان (رام الله) (‪.)2009‬‬
‫‪243‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫حـمــدون (جنين)‪َ ،‬مسافر يطا‪ ،‬وهــذه المنطقة تتكون مــن ‪ 20‬تجمع ًا سكاني ًا (محافظة‬
‫الخليل)‪ ،‬وعزون عتمة في محافظة قلقيلية(‪.((13‬‬
‫القدس‬ ‫●‬
‫الج ْيب من قرى‪ :‬قطنة‪ ،‬بدو‪ ،‬بيت عنان‪ ،‬بيت‬

‫‪ -‬شمال غرب القدس‪ ،‬ويتكون هذا َ‬
‫سوريك‪ ،‬القبيبة‪ ،‬بيت دقو‪ ،‬بيت اجزا‪ ،‬خربة أم اللحم‪.‬‬
‫‪ -‬شمال القدس‪ :‬بيرنباال‪ ،‬الجيب‪ ،‬الجديرة‪ ،‬رافات‪ ،‬قلنديا البلد‪.‬‬
‫‪ -‬شرق القدس‪ :‬العيزرية‪ ،‬أبو ديس‪ ،‬السواحرة الشرقية‪ ،‬الشيخ سعد‪.‬‬
‫‪ -‬مدخل المدينة الشمالي‪ :‬الرام وضاحية البريد‪ ،‬جبع‪ ،‬مخماس‪.‬‬
‫‪ -‬شمال شرق القدس‪ :‬حزما‪ ،‬عناتا‪ ،‬مخيم عناتا‪.‬‬
‫‪ -‬قرى معزولة ومهددة بالترحيل‪ :‬بيت إكسا‪ ،‬النبي صموئيل‪ ،‬حي الخاليلة‪َ ،‬بدْ و‬
‫القدس‪ ،‬سواء في الشرق قرب مستوطنة معاليه أدوميم‪ ،‬أو في الشمال الغربي(‪.((13‬‬
‫جنين‬ ‫●‬
‫‪ -‬جيوب‪ :‬برطعة الشرقية‪ ،‬أم الريحان‪ ،‬خربة عبد الله اليونس‪ ،‬خربة الشيخ سعد‪،‬‬
‫خربة ظهر المالح‪ .‬الجيب الغربي‪ :‬عانين‪ ،‬الطيبة‪ ،‬رمانة‪ ،‬زبــدة‪ ،‬العرقة‪ ،‬الخلجان‪ ،‬نزلة‬
‫الشيخ زيد‪ ،‬طورة الغربية‪ ،‬خربة مسعود‪ ،‬خربة المنطار‪ ،‬ظهر العبد‪.‬‬
‫طولكرم‬ ‫●‬
‫‪ -‬العقبة‪ ،‬قفين‪ ،‬النزلة الوسطى‪ ،‬النزلة الشرقية‪ ،‬النزلة الغربية‪ ،‬زيتا‪ ،‬عتيل‪ ،‬دير‬
‫الغصون‪ ،‬الجاروشية‪ ،‬المسقوفة‪ ،‬شفا‪ ،‬الــراس‪ ،‬كفرصور‪ ،‬كفرجمال‪ ،‬نزلة عيسى‪ ،‬باقة‬
‫الشرقية‪ ،‬نزلة أبو نار‪ ،‬خربة جبارة‪.‬‬
‫(‪« ((13‬الـقــرى والمدن الفلسطينية بين العزل والتهجير‪ »،‬مركز العمل التنموي‪ ،‬الحملة الشعبية (‪،)2007‬‬
‫ص ‪23 - 22‬؛ الوضع الجيوسياسي في محافظة نابلس (القدس‪ :‬جمعية الدراسات العربية‪ ،‬مركز أبحاث األراضي‪،‬‬
‫‪ ،)2008‬والوضع الجيوسياسي في محافظة جنين (القدس‪ :‬جمعية الدراسات العربية ‪ -‬مركز أبحاث األراضــي‪،‬‬
‫‪.)2008‬‬
‫(‪ ((13‬خليل التفكجي‪ ،‬الديموغرافيا وجدار الفصل في تهويد القدس (القدس‪ :‬جمعية الدراسات العربية‪،‬‬
‫مركز الدراسات والخرائط‪ ،)2009 ،‬ص ‪.13 - 11‬‬
‫‪244‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫جيب دير بلوط‬ ‫●‬
‫‪ -‬رافات‪ ،‬الزاوية‪ ،‬دير بلوط(‪.((13‬‬
‫‪ - 4‬النظام المرتبط بالجدار‬

‫يدق أول قضيب حديدي في الجدار‪ ،‬وينغرس عميق ًا في الباطون في مطلع‬ ‫قبل أن ّ‬
‫شهر نيسان‪/‬أبريل ‪ ،2003‬قــرب سالم شمال الضفة الغربية‪ ،‬وقبل أن تبدأ الجرافات‬
‫اإلســرائـيـلـيــة بتدمير مــا تــراكــم مــن حـضــارة إنسانية على وجــه هــذه األرض‪ ،‬ومــا أضافه‬
‫أصحابها من سالسل حجرية استنادية لحفظ ترابها؛ قبل كل ذلــك‪ ،‬وضعت اليافطات‬
‫سمي في إسرائيل بمنطقة التخوم تحذر المواطنين من تجاوز هذه‬ ‫الحمراء على طول ما ّ‬
‫اإلشــارات‪ .‬فقبل أن يترسم الجدار عملي ًا صيغ النظام الذي سيرتبط به منذ لحظة توقيع‬
‫أول قرار عسكري صادر عن قائد المنطقة الوسطى في ما سمي بقرار «وضع اليد»(‪.((13‬‬
‫ومع أول عملية تجريف‪ ،‬وقبلها بقليل‪ ،‬انتشرت قوات الجيش في المنطقة لحراسة‬
‫شــركــات الحفر والـبـنــاء‪ .‬ومــن هــذه اللحظة الـتــي ترسمت ووضـعــت فيها البنى التحتية‬
‫للجدار وعال فيها البناء وركبت األسالك الشائكة‪ ،‬كان البناء الفوقي جاهز ًا أيض ًا‪ ،‬وهو‬
‫«النظام الــذي اشتغل به الـجــدار»‪ .‬وكانت أولــى عالمات النظام‪ ،‬اليافطات التي ع ّلقت‬
‫بالمئات على طول الجدار‪ ،‬وهي عبارة عن صفائح من الحديد المدهون بمادة فوسفورية‬
‫عاكسة‪ ،‬تحذر من يقترب من الجدار اقتراب ًا أو لمس ًا أو محاولة للعبور‪ ،‬بالموت(‪.((13‬‬
‫(‪ ((13‬تــأثـيــر جــدار الفصل العنصري على منطقة سلفيت (رام الـلــه‪ :‬اتـحــاد الشباب الفلسطيني‪،)2008 ،‬‬
‫ص ‪ ،19 - 17‬ومؤتمر محافظة سلفيت‪ :‬فتوى الهاي من رأي استشاري إلى قرار‪ :‬وقائع المؤتمر السنوي الثاني‬
‫عشر (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني لقضايا السالم والديموقراطية‪.)2008 ،‬‬
‫(‪ ((13‬انظر القرارات العسكرية التي صدرت عن قيادة الضفة الغربية ومن مكتب القائد العسكري للمنطقة‬
‫الوسطى تحمل نفس البصمة العسكرية‪« ،‬ق ــرار وضــع الـيــد» ثــم يسمي الـقــرار الـمــواقــع واألح ــواض المشمولة في‬
‫القرار التي ستصبح منذ اللحظة التي جرى فيها توقيع القرار منطقة عسكرية مغلقة‪ ،‬انظر نموذج لهذه القرارات في‬
‫مالحق الدراسة‪ ،‬و‪Claudie Barrat, The Advisory Opinion of the International of Court of Justice on the‬‬
‫‪Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory (Ramallah: The Palestinian Inependent‬‬
‫‪Comission of Citizens, 2004), pp. 43-44.‬‬
‫(‪ ((13‬وتطبيق ًا لهذه األوام ــر العسكرية‪ ،‬اعتقلت قـ ّـوات االحـتــال المئات مــن الفلسطينيين ّ‬
‫ممن تــواجــدوا‬
‫على مسافات بعيدة من الجدار‪ ،‬وأصيب بالعيارات النارية أيض ًا المئات‪ ،‬في بلدة قطنة‪ ،‬فعلى سبيل المثال أصيب‬
‫الـعـشــرات مــن المواطنين بـعـيــارات نــاريــة مــن ق ــوات أمــن الـجــدار ال ــذي ال يبتعد عــن بـيــوت المواطنين ســوى أمتار‬
‫معدودة‪ ،‬وكانت آخر حــوادث القتل هي عملية إعــدام الشهيد (العامل)‪ :‬عز الدين صالح الكوازبة من بلدة سعير‪،‬‬
‫شمال الخليل عندما حــاول الــدخــول إلــى القدس من الـحــدود الشرقية قــرب بلدة العيسوية‪ ،‬حيث وضــع الشرطي‬
‫القاتل سالحه على جسد العامل الفلسطيني وأفــرع رصاصة في رأســه‪ .‬انظر‪ :‬القدس‪ ،2010/10/4 ،‬و«تقرير‬
‫انعدام المسؤولية‪ :‬سياسة الجيش بعدم التحقيق بمقتل فلسطينيين على أيدي جنود»‪ ،‬مركز المعلومات اإلسرائيلي‬
‫لحقوق اإلنسان في األراضي المحتلة (بتسيلم) (تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪.)2010‬‬
‫‪245‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أ ‪ -‬أنواع البشر‪/‬نظام التصاريح‪ :‬لم تكتف نظرية الفصل بإقامة الحاجز المادي‪ ،‬بل‬
‫احتاجت النظرية إلى نظام‪ .‬وأول قواعد هذا النظام‪ ،‬هو النظام المتعلق بأنواع البشر!!!‬
‫من يحق له الحركة من هذه األنواع‪ ،‬ومن ال يحق له‪ ،‬ومن يحق له المرور ومن ال يحق‬
‫له‪ ،‬ومن يحق له العمل ومن ال يحق له‪ ،‬ومن يحق له العالج والغذاء ومن ال يحق له‪،‬‬
‫ومــن يحق لــه أن يتمتع بالشمس عند الغيب ومــن ال يحق لــه ‪ ....‬وكــل ذلــك بناء على‬
‫قانون‪/‬نظام‪/‬أمر عسكري أصدره قائد المنطقة‪ ،‬وهو ينص على اآلتي‪« :‬ال يسمح ألي‬
‫شخص بالدخول إلى المنطقة المعزولة أو التواجد فيها‪ ،‬وأي شخص موجود فيها يجب‬
‫أن يغادر فور ًا‪ .‬هذا اإلعالن ال ينطبق على اإلسرائيلي‪ ،‬أو أي شخص أعطي تصريح ًا من‬
‫قبلي أو أي ضابط عسكري مخول من قبلي»(‪.((13‬‬
‫وقــد حــدد مصطلح «إسرائيلي» ال ــوارد فــي الـقــرار المذكور فــي البيان كــل مواطن‬
‫في دولة إسرائيل أو سكان دولة إسرائيل‪ ،‬ومن يحق له الهجرة إلى إسرائيل بقوة قانون‬
‫العودة‪ .‬ومعنى هذا األمر واضح‪ ،‬ففي الوقت الذي ُيطلب من الفلسطيني القاطن في أية‬
‫قرية فلسطينية‪ ،‬وال يبعد عن أرضــه ســوى أمتار مـعــدودة‪ ،‬أو من يقطن في قرية معزولة‬
‫غــرب الـجــدار‪ ،‬تصريح ًا الستمرار حياته بعناء‪ ،‬أو دخــول أرضــه بعناء‪ ،‬يحق في الوقت‬
‫نفسه لشاب من بروكلين جــاء لــزيــارة إسرائيل اجتياز الـجــدار عبر البوابات والبقاء في‬
‫المنطقة المغلقة من دون أي إزعاج(‪.((13‬‬
‫واختلفت أنواع التصاريح من منطقة إلى أخرى‪ ،‬أو من حيث السبب التي ُمنحت‬
‫ألجله‪ ،‬أو المدة الزمنية لهذا التصريح‪ ،‬كي يبقى ساري المفعول‪ .‬وقد أحصيت أكثر من‬
‫‪ 15‬نوع ًا من أنواع التصاريح(‪.((13‬‬
‫ومن هذه التصاريح ما يتعلق باإلقامة في البيت‪ ،‬وأخرى للمزارعين الذين يدخلون‬
‫أراضيهم الزراعية وال تبعد عنهم ســوى أمتار مـعــدودة‪ ،‬وأخــرى تصاريح للعالج ليوم‬
‫واحــد‪ ،‬وتصاريح للصالة‪ ،‬وأخــرى للعمال في حدود الضفة الغربية‪ .‬وغالبية التصاريح‬
‫تحظر المبيت داخل إسرائيل أو داخل المناطق العسكرية المغلقة‪ .‬وتخضع التصاريح‬
‫تخول‬
‫الزراعية للنظام الديني والسياسي المعمول به في إسرائيل‪ .‬فهذه التصاريح ال ّ‬
‫(‪ ((13‬راج ــع القرار العسكري الرقم ‪ 378‬بخصوص إغــاق منطقة السيم‪ ،‬س‪( 03/2/‬المنطقة المعزولة‬
‫خلف الجدار ‪ ، )2003‬وراجع أيض ًا األمر العسكري بشأن مناطق مغلقة‪ ،‬الرقم ‪ 43‬و‪.)2005( 0196757272‬‬
‫(‪ ((13‬أرئيلي وسفارد‪ ،‬الجدار الفاصل أمن أم طمع‪ ،‬ص ‪.206 - 204‬‬
‫(‪ ((13‬مقابلة مع السيد صالح بدر مدير االرتباط المدني في محافظة رام الله بتاريخ ‪.2008/7/25‬‬
‫‪246‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫حاملها الــدخــول إل ــى حقله لقطف الـثـمــار أو الـعـمــل ال ــزراع ــي فــي كــل األع ـيــاد الدينية‬
‫والرسمية في إسرائيل‪ .‬ويب ّين التصريح لحامله البوابة المسموح له الدخول منها للوصول‬
‫إلى حقله‪ .‬وقد أفادني رائــد اللوزي‪ ،‬مدير دائــرة االرتباط لضواحي القدس‪ ،‬في مكتبه‬
‫في الرام‪ ،‬بأن البوابات الزراعية في محافظة القدس تحمل أرقام ًا خاصة‪ ،‬وفي كثير من‬
‫المرات يذهب الفالح إلــى أرضــه‪ ،‬فترفض قــوة الجيش السماح له بالدخول‪ ،‬ألن رقم‬
‫مس‬
‫الـبــوابــة غير مطابق لما هــو مب ّين فــي التصريح‪ .‬أضــف إلــى ذلــك أنــه إذا حــدث أي ّ‬
‫بالجدار في أي منطقة من المناطق‪ ،‬فإن هذا يكون حج ًة لمنع المزارعين من الدخول‬
‫إلــى أراضـيـهــم(‪ .((13‬وفــي دراســة قامت بها شبكة المنظمات البيئية في محافظة قلقيلية‪،‬‬
‫فإن نسبة الذين حصلوا على تصاريح لإلقامة في أماكن سكناهم ودخول البوابات إلى‬
‫األراض ــي الــزراعـيــة‪ ،‬لــم يتجاوز ‪ 30‬بالمئة مــن نسبة الــذيــن تقدموا للحصول على هذه‬
‫التصاريح‪ ،‬وهذا يشير بشكل فعلي إلى التهجير كهدف نهائي(‪.((14‬‬
‫ب ‪ -‬لــم ت ُعد الـطــرق الفلسطينية تــؤدي إلــى أي مـكــان‪ :‬نظام الـبــوابــات والحواجز‬
‫العسكرية والتهجير الداخلي‪ :‬تب ّين الدراسات والتقارير التي تصدرها المنظمات الدولية‬
‫واإلســرائـيـلـيــة واألهـلـيــة والــرسـمـيــة الفلسطينية‪ ،‬أن هـنــاك أنـمــاطـ ًا مختلفة مــن الـبــوابــات‬
‫(المعابر) التي أقامتها سلطات االحتالل تتجاوز ثمانية أنــواع على امتداد مسار جدار‬
‫الضم والتوسع‪ ،‬وأحصت مؤسسة الحق في رام الله سبعة أنواع من هذه البوابات‪ ،‬هي‪:‬‬
‫بــوابــات زراع ـيــة‪ ،‬حــواجــز عسكرية‪ ،‬بــوابــات عسكرية‪ ،‬بــوابــات توصل إلــى الطرق‬
‫الـمـحــاذيــة ل ـل ـجــدار‪ ،‬وب ــواب ــات خــاصــة لـعـبــور تــامـيــذ الـ ـم ــدارس‪ ،‬وب ــواب ــات تـفـتــح خــال‬
‫ال ـمــواســم‪ ،‬وب ــواب ــات لـلـجــدار‪ ،‬وب ــواب ــات خــاصــة ب ـقــوات الـجـيــش‪ ،‬وب ــواب ــات تفتح خــال‬
‫مخصصة للمستوطنات اإلسرائيلية(‪ .((14‬وتقيم قــوات الجيش ‪26‬‬ ‫ّ‬ ‫المواسم‪ ،‬وبــوابــات‬
‫حاجز ًا على امتداد مسار الجدار‪ ،‬وتقع جميع هذه الحواجز داخل األراضي الفلسطينية‬
‫(‪ ((13‬مقابلة مع رئيس مجلس مح ّلي بدو إسماعيل قعدان‪ ،‬ورئيس مجلس مح ّلي بيت أجزا أحمد جبران‪،‬‬
‫ومشاركة ميدانية مع المزارعين لالحتجاج على نظام البوابات والتصاريح الزراعية في بدو وبيت سوريك وبيت‬
‫أجزا‪.‬‬
‫لمرة واحدة (‪ ،)2003‬و«تقرير‬ ‫(‪ ((14‬أوقفوا الجدار (شبكة المنظمات البيئية الفلسطينية ‪ -‬القدس)‪ ،‬نشرة ّ‬
‫حول وصول الفلسطينيين إلى األراضي الزراعية‪ »،‬مكتب تنسيق الشؤون اإلنسانية في األراضي المحتلة )‪(OCHA‬‬
‫(كانون األول‪/‬ديسمبر ‪.)2005‬‬
‫(‪ ((14‬لـيــزا موناغان وغــرازيــا كاريسيا‪ ،‬جــدار الضم والتوسع والنظام المرتبط به (رام الله‪ :‬مؤسسة الحق‪،‬‬
‫‪ ،)2009‬ص ‪ ،20 - 15‬وعمر أحمد علي‪ ،‬جــدار الفصل في فلسطين‪ :‬فكرته وآثــاره (أبــو ظبي‪ :‬مركز اإلمــارات‬
‫للدراسات والبحوث االستراتيجية‪ ،)2005 ،‬ص ‪.25 - 18‬‬
‫‪247‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المحتلة‪ ،‬أو على الخط األخضر‪ ،‬وال يقع أي حاجز منها داخل األراضي التي يقال عنها‬
‫إنها أراض سيادية إسرائيلية(‪.((14‬‬
‫في العموم‪ ،‬لقد رأى العالم أنماط التعذيب التي مورست على الحواجز والمعابر‪،‬‬
‫وال ـتــي تنطبق عليها نـظــريــة الـمــاركـيــز دي س ــاد (ال ـس ـعــادة الحسية وارتـبــاطـهــا بالتعذيب‬
‫الجسدي)‪ ،‬والتعذيب الذي ما زال يمارس ومنظومة القوانين العنصرية المرتبطة بنظام‬
‫هذا الجدار‪ ،‬وهذا ما جعل جون دوغــارد‪ ،‬المقرر الخاص السابق حول أوضــاع حقوق‬
‫اإلنسان في األراضــي الفلسطينية المحتلة‪ ،‬يصف نظام التصاريح الــذي تطبقه سلطات‬
‫االحـتــال بأنه يستدعي للذاكرة «قوانين الـمــرور» التي كــان نظام الفصل العنصري في‬
‫جنوب أفريقيا يمارسها ضد المواطنين السود‪ .‬وفي ذلك‪ ،‬أشار دوغارد‪ ،‬بصورة خاصة‪،‬‬
‫إلى أن قوانين المرور كانت تطبق بشكل تعسفي وموحد في آن مع ًا‪ ،‬وفي المقابل تطبق‬
‫إسرائيل القوانين التي تتحكّم في الحركة بصورة مهينة وخاضعة للتعسف واألهــواء في‬
‫تنفيذها(‪.((14‬‬
‫إن مجموعة النتائج الرهيبة التي ال يمكن لهذه الدراسة أن تأتي عليها‪ ،‬والتي نتجت‬
‫وتنتج من خرق إحدى قواعد حقوق اإلنسان‪ ،‬هي الحق في الحركة والتنقل واإلقامة‪...‬‬
‫جرت معها الحرمان من العمل والتعليم وكل الحقوق األخرى التي تعارف عليها‬ ‫التي ّ‬
‫البشر ووضعوها موضع التقديس‪ .‬فحق اإلقــامــة والحركة والتنقل هــو األس ــاس الــذي‬
‫تستند إليه كل الحقوق‪ ،‬فال حقوق ينالها اإلنسان طالما أن الحق األساسي قد صودر‪،‬‬
‫وأولها حق الحياة‪ ،‬وال حياة من دون عمل وتعليم ورفاه‪ ...‬وال حياة وال عمل وال تعليم‬
‫من دون الحق في التنقل(‪.((14‬‬
‫فــي ه ــذا الـسـيــاق‪ ،‬أدى ال ـجــدار دوره‪ ،‬وسـيـكــون فــاع ـ ً‬

‫ا فــي المستقبل أك ـثــر‪ ،‬كلما‬
‫اشتدت القبضة الحديدة أكثر‪ ،‬وك ّلما ازدادت مربعات السلك الشائك ضيق ًا‪ ،‬وكلما ق ّلت‬
‫فرص العمل تضيق األرض على أصحابها‪ .‬إن قطع األرزاق والحرمان من المياه والحياة‬
‫المشرعة فوق رؤوس الناس‪ ،‬دفعتهم إلى هجرة بطيئة خارج فلسطين‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫في ظل البنادق‬
‫‪Weizman, Hollow Land: Israel's Architicture of Occupation, pp. 139-144.‬‬ ‫)‪ (142‬‬
‫(‪« ((14‬التقرير الصادر عن المقرر الخاص السابق حول أوضاع حقوق اإلنسان في الضفة الغربية منذ عام‬
‫‪.2004/8/12 »،1967‬‬
‫(‪ ((14‬س ـع ـيــد يـقـيــن‪« ،‬أيــدولــوجـيــا الـحــواجــز فــي الـنـظــريــة الـصـهـيــونـيــة‪ »،‬أقـ ــواس‪ ،‬ال ـعــدد ‪( 9‬صـيــف ‪،)2003‬‬
‫ص ‪« ،14 - 9‬المسح بشأن الجدار‪ »،‬مكتب األمم المتحدة لتنسيق الشؤون اإلنسانية ووكالة األمم المتحدة إلغاثة‬
‫وتشغيل الالجئين الفلسطينيين (تموز‪/‬يوليو ‪.)2007‬‬
‫‪248‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وكذلك أدت إلى توسيع دائــرة التهجير الداخلي في األراضــي الفلسطينية المحتلة عام‬
‫‪1967‬؛ التهجير الداخلي كظاهرة ترافق عمر الصراع‪ .‬فقد أظهرت دراسة مهمة وتمهيدية‬
‫قــام بها مركز بديل لمصادر حقوق المواطنة والالجئين والمركز النرويجي لالجئين‪،‬‬
‫أن ظاهرة التهجير الداخلي هي ظاهرة قد حصلت بفعل الجدار‪ ،‬وأنها ظاهرة مستمرة‬
‫ومتنامية‪ .‬فقد حــدثــت الـهـجــرة الــداخـلـيــة فــي ‪ 54‬بالمئة مــن ال ـحــاالت الـتــي اضـطــر فيها‬
‫الفلسطينيون إلى تغيير مكان إقامتهم السابق‪ ،‬منذ الشروع في بناء الجدار في عام ‪.2002‬‬
‫كما أظهر المسح أن ‪ 17.3‬بالمئة من مجمل الفلسطينيين في القدس المحتلة الذين‬
‫انتقلوا من مكان إقامتهم السابق‪ ،‬كانوا قد فعلوا ذلك كنتيجة مباشرة لبناء الجدار والنظام‬
‫المرتبط به‪ .‬ومن بين أولئك الذين كان مكان إقامتهم في الجهة الغربية من الجدار‪ ،‬فقد‬
‫كان األخير سبب ًا مباشر ًا في تغيير مكان اإلقامة لنحو ‪ 22.3‬بالمئة من الحاالت مقابل‬
‫‪ 10.7‬بالمئة ممن كانت إقامتهم في الجهة الشرقية للجدار(‪.((14‬‬
‫ج ‪ -‬القيود المفروضة على الحركة وتأثيرها فــي االقـتـصــاد الفلسطيني (اإلفـقــار‬

‫المنظم)‪ :‬لقد بحث هــذا الموضوع مــن مختلف الجهات الدولية اإلنسانية والقانونية‬
‫أقر البنك الدولي‬ ‫والفلسطينية والدول المانحة للمشروع التنموي الفلسطيني ‪ .‬وقد ّ‬
‫(‪((14‬‬
‫في آخر دراسة له (عام ‪ ،)2010‬بشكل قاطع بأن القيود المفروضة على الحركة حد ّدت‬
‫مدى الرفاه االقتصادي واالجتماعي الفلسطيني‪ .‬وإذا أخذنا في الحسبان كثافة القيود‬
‫وشمولها ومــداهــا الزمني‪ ،‬فــإن األبـعــاد الجسدية والقانونية واإلداري ــة لهذه القيود على‬
‫الحركة وإمكانية الــوصــول‪ ،‬قــد اقتحمت حـيــاة الفلسطينيين؛ المستهلكين والمنتجين‬
‫والمزارعين والتجار والعمال وموظفي الحكومة والمعلمين والطلبة واألطباء والمرضى‬
‫والـصـغــار والـكـبــار عـلــى حــد س ــواء‪ ،‬كـمــا شـ ّلــت الـنـشــاطــات االقـتـصــاديــة األســاسـيــة أكثر‬
‫من غيرها‪ ،‬مثل التجارة المحلية‪ ،‬وإنـتــاج القطاع غير الرسمي المنزلي‪ ،‬التي تقلصت‬
‫هي األخــرى بسبب فقدان الطلب في بيئة الركود السائدة‪ ،‬وعــدم القدرة على الوصول‬
‫(‪ ((14‬مهجرون بفعل الجدار‪ :‬التهجير القسري الناجم عن بناء الجدار والنظام المرتبط به في الضفة الغربية‬
‫(بـيــت لـحــم‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني لـمـصــادر حـقــوق المواطنة والالجئين (بــديــل)‪ ،‬والمجلس النرويجي ل ّلالجئين‪،‬‬
‫‪ ،)2006‬ص ‪31‬؛ الحياة على حــافــة الخطر‪ :‬ال ـصــراع مــن أجــل البقاء وأث ــر التهجير القسري فــي المناطق العالية‬
‫الخطورة في األرض الفلسطينية المحتلة (لـنــدن‪ :‬مؤسسة إنقاذ الطفل‪ ،)2009 ،‬ص ‪ ،35 - 31‬و‪«Palestinian‬‬
‫‪Displacement: A Case Apart?,» Forced Migration Review, no. 26 (August 2006), <http://www.‬‬
‫‪fmreview.org/en/FMRpdfs/FMR26/FMR26full.pdf>.‬‬
‫(‪« ((14‬التقارير الدورية للضفة الغربية وقطاع غزة‪ »،‬البنك الدولي (‪)2008 - 2004‬؛ مكتب األمم المتحدة‬
‫لتنسيق الـشــؤون اإلنسانية (أيــار‪/‬مــايــو ‪ ،)2006‬و«مـســح صحة األس ــرة الفلسطينية‪ »،‬الجهاز المركزي لإلحصاء‬
‫(كانون األول‪/‬ديسمبر ‪.)2007‬‬
‫‪249‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إلــى األسـ ــواق(‪ .((14‬كما تأثرت النشاطات االجتماعية والثقافية والــزيــارات االجتماعية‬
‫وال ـتــزاوج بين الــدوائــر الجغرافية األبـعــد‪ ،‬أي بين المحافظات وال ـمــدن‪ ،‬أو بين المدن‬
‫واألرياف(‪.((14‬‬
‫وبما أن معدل البطالة قد ارتفع‪ ،‬بينما األجــور الحقيقة تناقصت‪ ،‬فقد ازداد الفقر‬
‫حتى وصــل إلــى ‪ 79‬بالمئة في قطاع غــزة‪ ،‬و‪ 46‬بالمئة في الضفة الغربية‪ .‬وفــي الواقع‪،‬‬
‫فانه لم يبق أمام الناس كي يبقوا على قيد الحياة سوى االعتماد على المعونات الغذائية‬
‫الــدولـيــة‪ .‬فقد تــراجـعــت حصة الـفــرد مــن اسـتـهــاك ال ـغــذاء بـمـقــدار ‪ 30‬بالمئة فــي الفترة‬
‫(‪ ،)2003 - 2001‬وكــان معدل حــدوث ســوء التغذية الشديد مشابه ًا للحالة في دول‬
‫أفريقيا الواقعة جنوب الصحراء األكثر فقر ًا‪ ،‬بحسب تقرير جامعة هوبكنز(‪.((14‬‬
‫وقــد يمر الــدارســون للمادة الثالثة عشـرة مــن اإلعـ ــان العالمي لحـقوق اإلنـســان‬
‫المتعلقة بـ «حرية الفرد في التنقل واختيار محل اإلقامة داخل حدود كل دولــة‪ ،‬والحق‬
‫في مغادرة أي بلد بما في ذلك بلده كما يحق له العودة إليها وقتما ش ــاء»(‪ ،((15‬قد يمر‬
‫عليها هؤالء الدارسون مرور الكرام‪ ،‬وقد ال تستوقفهم كثير ًا‪ ،‬كالمواد المتعلقة بالحق في‬
‫الحياة والحريات األخرى‪ .‬ولكن عندما يخرق هذا الحق تبدو أهميته حين ذاك في غاية‬
‫الخطورة‪ .‬إنــه في تقديرنا حق مقرون بحق الحياة‪ ،‬ومــن المستحيل المفاضلة بين حق‬
‫وآخر‪ ،‬باستثناء الحق في الحياة مقارنة بالحقوق األخرى‪ .‬و ُيعتقد أنه ال يوجد مكان في‬
‫العالم يحظر فيه حق التنقل واإلقامة والسفر‪ ،‬والعودة إلى الوطن‪ ،‬كما هو قائم في هذه‬
‫المنطقة‪ ،‬التي اختلفت فيها المسميات‪ :‬الضفة الغربية‪ ،‬المناطق‪ ،‬يهودا والسامرة‪ ،‬مناطق‬
‫الحكم الذاتي‪ ،‬أراضي السلطة الفلسطينية‪ ،‬المناطق المدارة‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫في هذه المنطقة (الضفة الغربية)‪ ،‬أقــام االحتالل أكثر من ‪ 600‬حاجز عسكري‪،‬‬
‫وبين كل حاجز وحاجز تقوم عشرات الحواجز‪ .‬وعند إقامة الحاجز األكبر واألعلى‬
‫(‪« ((14‬نـقــاط التفتيش والحواجز‪ :‬البحث عن سبل العيش في الضفة الغربية وقطاع غــزة‪ »،‬البنك الدولي‪،‬‬
‫دائرة التنمية المستدامة (مكتب الضفة الغربية والقدس) (‪ ،)2010‬ص ‪.28‬‬
‫(‪ ((14‬في مقابلة خاصة معه في العيزرية بتاريخ ‪ ،2009/8/25‬أفاد الشيخ يوسف دعيس ‪ -‬القائم بأعمال‬
‫قاضي القضاة ورئيس مجلس القضاء الشرعي ‪ -‬إلى تراجع حاالت التزاوج بين المدن الفلسطينية وانعدامها بين‬
‫الضفة الغربية وقطاع غزّ ة‪ .‬وكذلك تراجع بشكل ملحوظ التزاوج بين الضفة الغربية والقدس بسبب هذه القيود من‬
‫جهة‪ ،‬وبسبب القانون اإلسرائيلي المتع ّلق بالمواطنة وحقوق اإلقامة في القدس الشرقية‪.‬‬
‫(‪« ((14‬سنتان من االنتفاضة‪ :‬اإلغالق واألزمة االقتصادية الفلسطينية‪ »،‬البنك الدولي (‪.)2003‬‬
‫(‪ ((15‬انظر‪« :‬اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان»‪ ،‬وطارق فتح الله خضر‪ ،‬حرية التنقل واإلقامة (القاهرة‪ :‬دار‬
‫النهضة العربية‪ ،)2006 ،‬ص ‪.23 - 19‬‬
‫‪250‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫واألكثر امتداد ًا (الجدار)‪ ،‬فإنه أتلف من طرقات الضفة وأغلقها وأوقعها خلف الجدار‬
‫بما نسبته ‪ 46‬بالمئة من هذه الطرق في الضفة الغربية‪ ،‬أي ‪ 1300‬كلم من أصل ‪2809‬‬
‫كلم من مجمل أطوال الطرق في الضفة الغربية(‪.((15‬‬
‫وقــد أدى هــذا اإلج ــراء إلــى مضاعفة أط ــوال الــرحــات وأوقــاتـهــا فــي الضفة بما‬
‫ال يقل عــن ضعفي المسافة والــوقــت‪ ،‬األمــر الــذي رفــع كلفة الـمــواصــات بشكل غير‬
‫مسبوق(‪.((15‬‬
‫ومن دون أدنى شك‪ ،‬كان لنسف هذه الطرق التاريخية تأثير بالغ وخطر في نوعية‬
‫حياة المجتمع وحرمانه من مصادر البيئة الطبيعية‪ ،‬كما سيمنع بالتأكيد من المحافظة‬
‫عليها‪ .‬إن تقطيع هذه الطرق التاريخية‪ ،‬جعل منها‪ ،‬بحسب نظام إشارات المرور‪ ،‬طرق ًا‬
‫مــن دون مـخــرج‪« :‬لــم تعد الـطــرق الفلسطينية تــؤدي إلــى أي مـكــان‪ ،‬ســوى إلــى السجن‬
‫الممتد‪ ،‬بانتظار «تسييج السماء»»‪.‬‬
‫‪ - 4‬نظام أبارتهايد أكثر قسوة مما ساد في جنوب أفريقيا ذات مرة!‬
‫كثيرة هي أنماط الخالف بين إسرائيل وجنوب أفريقيا‪ ،‬وكثيرة هي أيض ًا أنماط‬
‫التشابه إلــى حــدّ التطابق‪ .‬ولكن أحــد الـفــروق الجوهرية التي أمــدت الحالة اإلسرائيلية‬
‫بلون خاص هي أن إسرائيل ليست بحاجة إلى العرب الفلسطينيين كي تعيش‪ ،‬بينما كان‬
‫السود كمادة استعمالية حالة ضرورية لألقلية البيضاء في جنوب أفريقيا‪ .‬لقد ظهرت لغة‬
‫اإلبــادة والتهجير لدى الصهيونية قبل قيام الدولة‪ ،‬بل إن شرط قيام الدولة واستقرارها‪،‬‬
‫اشترط بداهة إزالة الفلسطينيين من المشهد العام للمستعمرة الصهيونية البيضاء‪ .‬وعلى‬
‫العكس من الحالة الجنوب أفريقية البائدة‪ ،‬فإن المستعمرة اشترطت قوة عمل كثيفة من‬
‫الشعب األصلي كي تعيش(‪.((15‬‬
‫(‪ ((15‬سمير أبو عيشة‪« ،‬تأثير جدار الفصل العنصري على استدامة أنظمة النقل والمواصالت وخدماتها في‬
‫فلسطين‪ »،‬مجلة جامعة النجاح لألبحاث‪ ،‬السنة ‪ ،18‬العدد ‪ ،)2004( 2‬ص ‪.293‬‬
‫اضطر الكثير من طلبة الجامعات ترك جامعاتهم بسبب عدم توفر ثمن المواصالت بين القرى‬ ‫ّ‬ ‫(‪ ((15‬لقد‬
‫والجامعات أو بين مكان اإلقامة ومركز الجامعة‪ .‬في الوقت ذاته أ ّدى ارتفاع أجور المواصالت واألخطار األمنية‬
‫المحيطة باالنتقال من محافظة إلــى أخــرى إلــى تركيز الطلبة كل في مكان إقامته‪ ،‬األمــر الــذي حــال دون التواصل‬
‫قل عدد الطلبة الذين يدرسون في جامعة بيرزيت من‬ ‫االجتماعي والنقابي والثقافي بين طالب الض ّفة الغربية‪ ،‬فقد ّ‬
‫محافظات نابلس والخليل بشكل لم يسبق له مثيل منذ إنشاء الجامعة في مطلع السبعينيات‪ .‬وانعدم بالضرورة‪،‬‬
‫وجود أي طالب من قطاع غزة في جامعات الضفة الغربية‪.‬‬

‫)‪Marwan Bishara, Palestine/Israel: Peace or Apartheid: Prospects for Resolving the Conflict (153‬‬
‫‪(London; New York: Zed Books, 2000), pp. 130-136.‬‬
‫‪251‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إن الترحيل المفروض الــذي ح ّبذه دافيد بن غــوريــون‪ ،‬ولــم ير فيه بأية حــال شيئ ًا‬
‫الأخالقي ًا‪ ،‬جعل التالميذ الصغار في المدرسة البن ‪ -‬غوريونية من الالحقين والتابعين‬
‫(يوسف فايتس‪ ،‬عــزرا دانين‪ ،‬إلياهو ساسون‪ ،‬مــرور ًا بلحظة مناحيم بيغن وشامير حتى‬
‫لحظة شــارون ومــا تــاه) يمارسون الترانسفير واإلب ــادة بتسمياتها وبأشكالها المختلفة‪،‬‬
‫ويرونها فع ً‬
‫ال أخالقي ًا(‪.((15‬‬
‫كما أن الحرب التي لم تنته‪ ،‬التي مارسها شارون بوسائل أخرى‪ ،‬هي الوجه اآلخر‬
‫لمنطق كارل كالزفيتش‪« :‬إن الحرب ما هي إال استمرار للسياسة بوسائل أخــرى»(‪.((15‬‬
‫الوسائل األخرى هذه اندمجت مع ًا‪ :‬االستيطان‪ ،‬والحصار‪ ،‬ومصادرة الموارد‪ ،‬واإلفقار‪،‬‬
‫وخلق المعازل‪ ،‬وهي الجيل األخير من وسائل الحرب األخرى‪.‬‬
‫إن َح ْشر الفلسطينيين في المعازل هو نوع من تنظيم إدارة أساليب القوة‪ .‬ويعتبر‬
‫جزء من الباحثين أنه من الضروري النظر إلى فلسطين التاريخية كوحدة جغرافية واحدة‬
‫تحتوي على فئات سكانية مختلفة‪ ،‬وتــدار بشكل تفضيلي لصالح اليهود مقابل العرب‬
‫داخل األرض المحتلة‪ ،‬الذين تنظر إليهم الدولة على أساس كونهم أقل قيمة‪ .‬ويمكن‬
‫مقابلتهم بسبب الحقوق التي يتمتعون فيها مع فئة الملونين تحت نظام األبارتهايد‪ .‬وفيما‬
‫يتموضع الفلسطينيون في األراض ــي المحتلة عــام ‪ 1967‬في مكانة أقــل منهم حقوقي ًا‪،‬‬
‫حيث يقابلون‪ ،‬إلــى حد بعيد‪ ،‬فئة السود الذين عاشوا محاصرين في بانتوستانات في‬
‫جنوب أفريقيا(‪.((15‬‬
‫ويقيم هــؤالء العرب في الضفة الغربية في معازل إلــى جــوار مستعمرات يهودية‬
‫نقية‪ ،‬ولـكــن الفريقين يخضعان لمرجعيتين قانونيتين مختلفتين‪ .‬إن النتيجة النهائية‬
‫ّ‬
‫تسخر فئة‬ ‫لألبارتهايد واالحتالل اإلسرائيلي تبدو متشابهة إلى حد بعيد‪ ،‬ففي الحالتين‬
‫سكانية معينة عبر أدوات سياسية وتشريعية أو عسكرية‪ ،‬من أجل ضمان حياة أفضل لفئة‬
‫سكانية أخرى‪ .‬وفي الحالتين يجد تفضيل فئة معينة‪ ،‬وقمع أخرى‪ ،‬تعبيره في إفراز شبكة‬
‫مــواصــات مــوازيــة للفئتين‪ ،‬منع ًا لالختالط وإقــامــة الحواجز والـجــدران من أجــل تأكيد‬
‫(‪ ((15‬دان ياهف‪« ،‬مئة وعشرون عام ًا من الصراع الصهيوني‪/‬الفلسطيني‪ :‬األرض الترانسفير‪ ،‬طهارة السالح‬
‫والرواية التي لم تدرس‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العددان ‪( 12 - 11‬صيف ‪ -‬خريف ‪ ،)2003‬ص ‪.17 - 15‬‬
‫)‪Carlvon Clausewits, On War, translated by Mchel Howard and Peter Paret (Princeton, NJ: (155‬‬
‫‪Princeton University Press, 1976), p. 87.‬‬

‫(‪ ((15‬هنيدة غانم‪« ،‬ما بين االحتالل العسكري واألبارتهايد‪ :‬مقاربة بين نقاط التقاطع واالختالف‪ »،‬قضايا‬
‫إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،)2009( 35‬ص ‪.9‬‬
‫‪252‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫هذا الفصل‪« .‬إن التفاضلية تنتج وتعيد إنتاج تفاضلية هرمية على رأسها مواطنة كاملة‪،‬‬
‫وأسفلها فئة مقموعة ومحرومة ومهددة في حياتها»(‪.((15‬‬
‫قدمنا فــي الفصل األول مــن الــدراســة مجموعة القوانين التي تأسس عليها نظام‬
‫األبارتهايد‪ ،‬وهي التي حسمت العالقة مع غير البيض‪ .‬ومن أجل تفعيل التقسيم‪ ،‬قامت‬
‫الــدولــة بعزل السكان األصليين (الـســود) في معازل خاصة‪ ،‬واشترطت أي حركة لهم‬
‫مــن هــذه المعازل بالحصول على تصاريح خــاصــة‪ ،‬كما يجري اآلن فــي البانتوستانات‬
‫الفلسطينية‪ ،‬حيث يعيشون في إطــار حكم ذاتــي خاص بهم‪ .‬فقد سوقت جنوب أفريقيا‬
‫سياسة الفصل هذه باعتبارها تجسيد ًا لفكرة األتونوميا الثقافية (الحكم الذاتي الثقافي)‪،‬‬
‫حيث تم اعتماد اللغات القبلية في هذه الكانتونات‪ ،‬من أجل تأكيد التمايز واالختالف‬
‫الثقافي حتى داخل هذه المجموعات ذاتها(‪.((15‬‬
‫سوقت إسرائيل نظام الفصل العنصري (األبارتهايد) في إقليم الضفة‬ ‫وفــي حين ّ‬
‫الغربية‪ ،‬باعتبارها ‪ -‬منح ًا للسيادة للفلسطينيين‪« ،‬في وثبة تخيلية تُشابه مصطلحات نظام‬
‫األبارتهايد المعاد تدويرها‪ ،‬زعمت إسرائيل بــأن الفصل بالجدار سيتيح للفلسطينيين‬
‫تولي المسؤولية عن مستقبلهم الخاص‪ .‬هذا المستقبل الخاص‪ ،‬في هذه البانتوستانات‪،‬‬
‫التي لن يجد علماء االقتصاد شيئ ًا يذكر يقولونه عما يمكن أن يكون قد تبقى كي يعتمد‬
‫الفلسطينيون عليه‪ ،‬بعد أن جرى سلب المياه والموارد الطبيعية وتقطيع الطرق‪ ،‬بل حتى‬
‫لم يبق في هذه البانتوستانات مقابر لدفن الموتى أو أمكنة لصرف النفايات المنزلية(‪.((15‬‬
‫بل أكثر من ذلك‪ ،‬إن معازل الفلسطينيين إذا قيست بحجم المعازل السوداء َسع ًة‬
‫وموارد‪ ،‬تكون أصغر كثير ًا من البانتوستانات التي أقامتها جنوب أفريقيا‪ .‬وهنا ليس فقط‬
‫أراض لدفن الموتى‪ ،‬بل إن سيادة كهذه لن تكون أكثر من قبور‪ ،‬ولــن تعتبر‬‫ٍ‬ ‫لن تكون‬
‫(‪ ((15‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.10‬‬

‫(‪ ((15‬ليلى فرسخ‪« ،‬مقارنة التجربة الصهيونية االستعمارية بتجربة جنوب إفريقيا البيضاء‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،)2009( 35‬ص ‪.64‬‬
‫(‪ ((15‬بـيـتــر الغــر كويست‪« ،‬التنقيب عــن فلسطين بعد جــدار الفصل اإلســرائـيـلــي‪ »،‬فــي‪ :‬قاسم [وآخ ــرون]‪،‬‬
‫الجدار العازل اإلسرائيلي‪ :‬فتوى محكمة العدل الدولية (دراســات ونصوص)‪ ،‬ص ‪63‬؛ أوري ديفيز‪« ،‬الجدل في‬
‫صالح حل مولد لدولة واحدة‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،)2009( 34‬ص ‪ ،58 - 49‬ونعوم تشومسكي‪« ،‬أمريكا‪،‬‬
‫إسرائيل‪ ،‬الفلسطينيون‪ »،‬الكرمل‪ ،‬الـعــددان ‪( 73 - 72‬صيف ‪ -‬خريف ‪ ،)2002‬ص ‪ ،84 - 83‬و‪Jeff Halper,‬‬
‫‪«Israel's Separation Barrier: Apartheid Occupation and International Low,» in: Anis Al-Qassem, The‬‬
‫‪Wall of Ideology: The Wall of Theology in The Apartheid Wall in Palestine (Amman: The Jordanian‬‬
‫‪National Campaign Against the Apartheid Wall, 2009), pp. 19-20.‬‬
‫‪253‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إسرائيل نفسها مسؤولة عــن هــذه الجثث المسجاة فيها‪ .‬وفــي هــذا اإلط ــار‪ ،‬يقول نعوم‬
‫تشومسكي‪« :‬عندما تم إنشاء )‪ (Transke‬كأول بانتوستان عام ‪ 1962‬لتديره أول حكومة‬
‫سوداء‪ ،‬فإنه كان ًَ‬
‫قابال للحياة أكثر من التبعية الكولونيالية الجديدة التي يراد تطبيقها في‬
‫فلسطين‪ ،‬فقد زودوا هــذه المعازل باإلمكانيات والـمــوارد ألن النظام كــان يأمل بالفوز‬
‫باالعتراف الدولي وحماية النظام األبيض المتهاوي من خطر المقاطعة والنبذ»‪.‬‬
‫إن تفكيك المعنى الكامن ورا َء أن الـعــرب م ّثلوا خـطــر ًا ديمغرافيا على مستقبل‬
‫الدولة قبل أن تقوم بالفعل‪ ،‬وما زال ينظر إليهم من المنظور نفسه‪ ،‬يعني تفكيك الشيفرة‬
‫الموجهة للنظام اإلسرائيلي‪ ،‬أي كشف حقيقة كونها بالفعل دولــة اليهود‪ .‬وفــي الحالة‬
‫العيانية الفلسطينية التي حشرت في البانتوستانات الثقافية العرقية الدينية‪ ،‬الخاضعة لنظام‬
‫سيطرة عسكرية قل مثيله في الجنوب األفريقي‪ ،‬ولقانون فصل عنصري ضمن جدار‬
‫لم تبنه األقلية البيضاء‪ ،‬ولم يخطر لها على بال‪ ،‬فإن هذا النظام االستبدادي‪ ،‬كما يشير‬
‫«ألتوسير» هــو‪« :‬حكم المساواة المطلقة التي تسقط على كل السكان ضمن التجانس‬
‫نفسه‪ ،‬حيث يتمتع الجميع بــالـمـســاواة‪ ،‬ال ألنـهــم كــل ش ــيء‪ ،‬كما فــي حــالــة المستوطن‬
‫األبيض أو الصهيوني‪ ،‬بل ألنهم ال شيء»(‪ .((16‬من هنا اعتبر الكثيرون أن النظام العنصري‬
‫اإلسرائيلي أسوأ بدرجات أكبر من نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا‪.‬‬
‫وتتالقى التجربة الكولونيالية البيضاء مــع نظيرتها الصهيونية فــي ثــاث دعــائــم‪:‬‬
‫الفصل الجغرافي‪ ،‬ونظام التصاريح‪ ،‬ثم الفصل السياسي‪ ،‬الــذي اعتمد في الحالتين‪،‬‬
‫لمأسسة العالقات اإلثنية القائمة على السيطرة واالستغالل وتثبيتها‪ .‬وهــذا‪ ،‬على وجه‬
‫الـخـصــوص‪ ،‬ض ــرورة للقوة الكولونيالية عندما يتباطأ الــزخــم االسـتـعـمــاري‪ ،‬إذ تحاول‬
‫المجموعة السائدة أن تقلص ثمن السيطرة‪ ،‬بينما تحافظ في الوقت نفسه على التفوق‬
‫السياسي والعسكري بمزيد من إجــراءات عزلية أكثر حدة وأعمق مضمون ًا في مستوى‬
‫السيطرة والقمع‪ .‬وفي هذه الحالة‪ ،‬يصبح نظام األتونوميا (الحكم الذاتي) في الحالتين‬
‫أشد قمع ًا وبطش ًا لضمان هيمنة جنس معين على آخر(‪.((16‬‬
‫(‪ ((16‬لــويــس ألتوسير‪ ،‬مونتسكيو‪ :‬السياسة والتاريخ‪ ،‬ترجمة نــادر ذكــرى (بيروت‪ :‬دار الفارابي‪،)1989 ،‬‬
‫ص ‪.77 - 76‬‬
‫(‪ ((16‬أورون يفتاحئيل‪« ،‬بين الكولونيالية واإلثنوقراطية‪ :‬األبارتهايد الــزاحــف في إسرائيل ‪ -‬فلسطين‪»،‬‬
‫قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪ ،)2009( 35‬ص ‪ .25‬وانظر أيض ًا من نماذج هــذه المعاناة‪ ،‬قرية برطعة إلــى الغرب من‬
‫جنين‪ :‬تمارا التميمي [وآخ ــرون]‪ ،‬عبور الحدود وتبدل الحواجز‪ :‬سوسيلوجيا العودة الفلسطينية‪ ،‬تحرير ساري‬
‫حنفي (بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،)2008 ،‬ص ‪.109 - 105‬‬
‫‪254‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫صحيح أن المشروعين يتشابهان عند اللحظة التكوينية‪ ،‬باعتبار أن المجموعتين قد‬
‫تناسلتا من الجنس الثقافي األوروبي نفسه ذي النزعة الرومانسية االستعمارية‪ ،‬سواء نحو‬
‫سحر الشرق في الحالة الصهيونية‪ ،‬أم حيث سحر الذهب واأللماس والفحم واألخشاب‬
‫في الحالة اإلنكليزية‪/‬الهولندية‪ .‬وفي كلتا الحالتين‪ ،‬تم االستيالء على أراضي تعيش فيها‬
‫شعوب ذات عمق حضاري ممتد‪ .‬وقد تمثلت نقطة الخالف الجوهرية بشكل التكوين‬
‫السيادي الالحق‪ ،‬فبينما لم تزد األقلية البيضاء في جنوب أفريقيا على ‪ 22‬بالمئة من عدد‬
‫السكان فقط في أحسن أوضاعها‪ ،‬كان ال بدّ من أن تحسم شكل العالقة مع األرض التي‬
‫ال بدّ من استغاللها بواسطة قوة عمل المواطنين السود فيها(‪ .((16‬وفي الحالة الفلسطينية‪،‬‬
‫جرى حسم العالقة مع الفلسطيني‪ ،‬وليس مع أرضه بواسطة مجموعة اإلبادات األولى‪،‬‬
‫والترحيليه الكبيرين األول والثاني‪ ،‬ومجموعة عمليات الترانسفير البطيئة الالحقة التي‬
‫يقع الجدار ضمن منظومتها الكلية‪.‬‬
‫ولــم يمارس النظام العنصري في جنوب أفريقيا ما فعلته إسرائيل عند تحديدها‬
‫لحيزات البانتوستانات العربية‪ ،‬إذ لم يحتج النظام هناك إلــى ‪ 5000‬جندي وعشرات‬
‫الجرافات لهدم السوق التجاري في نزلة عيسى في آب‪/‬أغسطس ‪ 2003‬لفتح الطريق‬
‫أمام الجدار‪ ،‬على سبيل المثال‪ .‬ولم تقتلع جرافات النظام األبيض هناك آالف األشجار‪،‬‬
‫ولم تالحق قطرات المياه في جوف الصخور الجيرية لتسرقها لمستوطنيها‪ ،‬كما تفعل‬
‫إســرائـيــل‪ .‬المفارقة عند الحالتين‪ :‬الشرعية الدولية منحت المشروع الصهيوني مــا لم‬
‫تمنحه للمشروع األبارتهايدي في جنوب أفريقيا‪ .‬ففي الوقت الذي رفضت فيه كلي ًا فكرة‬
‫البانتوستانات‪ ،‬وفكرة تطور مختلف ومواطنة مختلفة للسود‪ ،‬إال أن الشرعية الدولية قد‬
‫قررت منذ البداية قرار التقسيم كحل وحيد بين المجموعة المهاجرة المستعمرة والشعب‬
‫األصلي في كيانين‪ ،‬وهذا ما أعطى القوى االستعمارية في فلسطين دفع ًا أقوى لممارسة‬
‫أشد وحشية إزاء السكان األصليين(‪.((16‬‬
‫تمتد وحدة التحليل الجغرافية عند نيف غوردون (أستاذ العلوم السياسة في جامعة‬
‫بن غوريون) لتشمل كامل أراضي فلسطين التاريخية‪ ،‬بحيث يصبح الحكم على إسرائيل‬
‫بأنها نظام أبارتهايد‪ ،‬ليس من خالل سياستها في الضفة الغربية‪ ،‬وإنما في كل المنطقة‬
‫(‪ ((16‬فــرســخ‪« ،‬مقارنة التجربة الصهيونية االستعمارية بتجربة جنوب أفريقيا البيضاء‪ »،‬ص ‪ ،66‬وســوزان‬
‫نايثن‪ ،‬الوجه اآلخر إلسرائيل‪ :‬شهادة حق من امرأة يهودية (بيروت‪ :‬شركة المطبوعات للنشر والتوزيع‪،)2006 ،‬‬
‫ص ‪.176 - 174‬‬
‫(‪ ((16‬كويست‪« ،‬التنقيب عن فلسطين بعد جدار الفصل اإلسرائيلي‪ »،‬ص ‪.79‬‬
‫‪255‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫السيادية الواقعة بين نهر األردن شرق ًا والمتوسط غرب ًا‪ .‬فهو يعتقد أن نظام األبارتهايد‬
‫الـســائــد فــي الـضـفــة الـغــربـيــة هــو ج ــزء مــن نـظــام سـيــاســي أبــارت ـهــايــدي كــامــل فــي فلسطين‬
‫التاريخية‪ .‬ولكنه يذهب باتجاه الحكم على نظام العزل العنصري في الضفة‪ ،‬بكلمات‬
‫أشد وقع ًا منها في جنوب أفريقيا‪ ،‬وذلــك من خالل مقارنته بين النظامين‪ .‬فهو يرى أن‬
‫نظام البانتوستانات فــي جنوب أفريقيا كــان أرحــم مــن سياسة إسرائيل فــي «المناطق»‪.‬‬
‫ألن الـبــانـتــوسـتــانــات فــي الـنـظــام األب ـيــض األفــري ـقــي كــانــت أوس ــع مـســاحــة وأك ـثــر م ــوارد‪،‬‬
‫والصالحيات الممنوحة لها كانت أفضل مــن تلك الـســائــدة فــي الضفة الغربية‪ .‬ورغــم‬
‫ذلــك‪ ،‬فــإن الـســود كافحوا إلسـقــاطـهــا(‪ ،((16‬والــدالئــل المظلمة ماثلة حالي ًا فــي المناطق‬
‫الفلسطينية المغلقة‪ .‬وداخــل هــذه المتاهة من اإلغــاقــات واألس ــوار‪ ،‬لن تكون حياتهم‬
‫إال سجن ًا تذبل فيه حياتهم‪ .‬غير أن الجدار سيقوم بنوع آخر من الترانسفير‪ ،‬إذ سيمحو‬
‫ال إياهم إلى بقايا مستهجنة‬ ‫بصورة متزايدة ويحتوي السكان الخاضعين لالحتالل‪ ،‬محو ً‬
‫في مشهد إسرائيلي يمتد من البحر إلى النهر‪.‬‬
‫ويعتقد بيتر الغر كويست‪ ،‬الذي عاين عن قرب حياة المعازل الفلسطينية واألنفاق‬
‫التي ربطت بينها‪« ،‬أن حلو ً‬
‫ال الإنسانية مخادعة كاألنفاق يمكن أن تخدم أساس ًا كوسيلة‬
‫إلف ــراغ المعازل القروية الصغرى بالتدريج فــي اتـجــاه المعازل المدينية الكبرى‪ ،‬التي‬
‫يتاح فيها على األقل مجال أوسع لصغار التجار والخدمات االجتماعية»(‪ .((16‬هذا يبدو‬
‫واضـحـ ًا فــي مدينة مثل رام الـلــه‪ ،‬حيث ينزح إليها يومي ًا عـشــرات العمال العاطلين عن‬
‫العمل‪ ،‬من أجل تحصيل أي دخل ممكن وبأقل األجور‪ .‬فانتشرت ظاهرة البسطات على‬
‫الطرق‪ ،‬وانخفض مستوى دخل العامل‪ ،‬نظر ًا إلى زيادة العمالة في المدينة وندرة فرص‬
‫العمل‪ .‬ويعيش هؤالء في مساكن بسيطة يتشاركون في دفع إيجاراتها‪ ،‬ويعيشون بشكل‬
‫جماعي في ح ّيزات سكنية ضيقة لتوفير ما يمكن من دخولهم المتواضعة(‪ .((16‬وبين هذه‬
‫البانتوستانات‪ ،‬وفي مداخل هذه األنفاق‪ ،‬فإنه بعكس أي نظام قمعي له مرجعية دستورية‪،‬‬
‫(‪ ((16‬ن ـيــف غ ــوردون‪« ،‬إســرائـيــل دولــة أبــارتـهــايــد‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬الـعــدد ‪ ،)2009( 35‬ص ‪،78 - 72‬‬
‫ومروان بشارة‪ ،‬فلسطين‪/‬إسرائيل سالم أم فصل عنصري (القاهرة‪ :‬مركز القاهرة لدراسات حقوق اإلنسان‪،)2001 ،‬‬
‫ص ‪.138 - 136‬‬
‫(‪ ((16‬كويست‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.70‬‬

‫(‪ ((16‬مشاهد ومعاينة من الباحث مباشرة لهذه العمالة التي نزحت من قرى شمال الضفة الغربية وأقامت في‬
‫رام الله أو الرام بحث ًا عن أية فرصة عمل خدماتية متواضعة وبأقل األجور‪ ،‬وكذلك أ ّدى هذا النزوح من شمال الضفة‬
‫إلى انتشار ظاهرة البسطات التجارية البسيطة على قارعة الطرق‪ .‬انظر‪ :‬يوفال بوعز‪« ،‬الجدار جريمة حرب وخرق‬
‫للقانون الدولي‪ »،‬مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 111‬آذار‪/‬مارس ‪ ،)2004‬ص ‪.72 - 71‬‬
‫‪256‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫فإن الحكم من خالل اعتماد األوامر العسكرية كأداة لتنظيم حياة السكان الفلسطينيين‪،‬‬
‫هــو اعتماد على الـقــوة وحــدهــا‪ ،‬بوصفها أداة وهــدفـ ًا فــي الــوقــت نفسه‪ ،‬إذ تحضر رمــوز‬
‫القوة من قــوات الجيش اإلسرائيلي بشكل استعراضي في كل المناطق التي تربط بين‬
‫البانتوستانات‪ ،‬وفي داخلها‪ ،‬ليس لتأكيد وجود نظام عسكري حاكم‪ ،‬بل من أجل إعطاء‬
‫االنطباع بأن حامل البندقية هو صاحب القرار‪ ،‬وأن مرجعية القوة األخالقية هي القوة‬
‫بحد ذاتها‪ ،‬وليس أي شيء آخر(‪.((16‬‬
‫ال بنظامين قانونيين‬ ‫ال يفصل الجدار والنظام المرتبط القوميتين فقط المفصولة أص ً‬
‫متمايزين منذ عــام ‪ ،1967‬وإنما يستهدف تمزيق القومية األخــرى (الفلسطينيين) إلى‬
‫أشــاء‪ .‬إنها ليست بانتوستانات للفلسطينيين‪ ،‬كما يقول البعض‪ ،‬بل هي سجون قاسية‬
‫يكون نظام األبارتهايد في جنوب أفريقيا شاحب ًا مقارنة بها(‪ .((16‬عند هذه المعاني‪ ،‬يقول‬
‫المسمى غالف‬ ‫ّ‬ ‫الكاتب المسرحي الـيـهــودي الشهير يهوشع ســوبــول‪« :‬خـلــف الـجــدار‬
‫القدس ‪ -‬هذه التسمية التي تبدو جــد ًا رحيمة ‪ -‬بدت لي الحياة وكأنها قد توقفت عن‬
‫الحركة‪ ،‬فالمحال التجارية والورش الصغيرة وحركة المجتمع قد سادها الشلل التام‪...‬‬
‫هنا ينتصب الجدار بسفور وبفظاظة‪ ،‬كما لو كان كارثة طبيعية شوشت وش ّلت كلي ًا حياة‬
‫آالف الناس الذين يعيشون في ظل هذه الكارثة‪ .‬لكن الجدار ليس كارثة طبيعية‪ ،‬وإنما‬
‫هو من صنع أيدي إنسان ال يستطيع أن يحيا من دون أن يدمر حياة اآلخر(‪.((16‬‬
‫وكخالصة لما تـقــدم‪ ،‬إن ال ــدروس الكبرى فــي التاريخ اإلنساني بما فيها ظاهرة‬
‫القوة‪ ،‬تبقى دائما تسير ضمن صيرورة حتمية نحو التآكل واالضمحالل حتى التالشي‪.‬‬
‫وألن ظاهرة االستعمار بكل أشكاله المعروفة‪ ،‬ليست ظاهرة حديثة‪ ،‬لذلك فإن دروسها‬
‫كــانــت دائ ـم ـ ًا كثيرة وكثيفة‪ ،‬وأه ــم خالصاتها أن قــوى االسـتـعـمــار تحمل ب ــذور فنائها‪،‬‬
‫ال وراسخ ًا‪ ،‬ذلك أن الطبيعة اإلنسانية تأبى‬ ‫مهما بدا هذا االستعمار عنيف ًا وجشع ًا وشام ً‬
‫الخضوع واإلك ــراه‪ .‬لــذا‪ ،‬فــإن ظاهرة االستعمار‪ ،‬كلما تعمقت وازدادت عنف ًا وسفور ًا‪،‬‬
‫اقتربت الشعوب من لحظة انتزاع حريتها‪ ،‬ألن اإلنسان قرين بالحرية‪.‬‬
‫(‪ ((16‬ان ـظ ــر‪ :‬قوانين وأنظمة الحكم العسكري فــي الضفة الغربية‪ ،‬األم ــر العسكري رقــم ‪،67/6/7 - 2‬‬
‫و‍‪Tanya Reinhart, Israel-Palestine: How to End the War of 1948? (New York: Seven Stories Book,‬‬
‫‪2005), pp. 237-240.‬‬

‫(‪ ((16‬يجئال برونر‪« ،‬الجدار الفاصل سيؤدي إلى خلق واقع كارثي‪ »،‬هآرتس‪ ،2003/9/17 ،‬وقد نشرته‬
‫مجلة مختارات إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪( 106‬تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪ ،)2003‬ص ‪.70‬‬

‫(‪ ((16‬يهوشع سوبول‪« ،‬من الــذي يحاصر مــن؟‪ »،‬معاريف‪ ،2008/9/16 ،‬وعاموس أيالون‪« ،‬أولمرت‬
‫وإسرائيل‪ :‬التغيير‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪ ،2008/10/7 ،‬نق ً‬
‫ال عن نيويورك ريفيو أوف بوكس‪.‬‬
‫‪257‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وبالقدر نفسه المتعلق بأشكال الظاهرة االستعمارية‪ ،‬فإن أشكال المقاومة كانت‬
‫دائم ًا وأبد ًا متعددة األشكال‪ .‬ومهما بدا خزان العنف العدواني االستعماري كبير ًا‪ ،‬فإن‬
‫خزائن الشعوب كانت دائم ًا وأبد ًا أكثر إدرار ًا ألشكال وآليات الحفاظ علي سبل بقائها‬
‫ح ّية غنية في وجه هذا الطغيان االستعماري‪ .‬كان طغيان الظاهرة االستعمارية قد أنتج‬
‫تاريخي ًا منظومته المفاهيمية الكبيرة التي ال مجال هنا لحصرها‪ .‬وفي مقابلها أثبت تاريخ‬
‫الصراع أن هناك قيمة واحــدة وقفت دائم ًا وأبــد ًا مقابل ظاهرة االستعمار‪ ،‬هي الحرية‪،‬‬
‫التي لم تخلقها الشعوب المقهورة‪ ،‬وإنما ولدت مع ذاتها اإلنسانية‪ ،‬كقيمة طبيعية تأبي‬
‫أن تفارق هذا اإلنسان المولود بها‪.‬‬
‫تعرضت‬‫إن الحلم بالتحرر هــو الشعاع األول الــذي المــس قلب اإلنـســان عندما ّ‬
‫حريته للقبض عليها ومصادرتها‪ ،‬والحلم في التحرر هو القوة الكبرى في ضمير اإلنسان‬
‫الــذي يدفع بــه دائـمـ ًا نحو الكفاح األب ــدي للتخلص مــن آســريــه‪ ،‬والحلم فــي التحرر هو‬
‫الحلم الوحيد الذي أثبت التاريخ أنه حلم ال يقهر مهما بدا عصي ًا علي التحقق لدي خيال‬
‫القوى االستعمارية‪ ،‬التي فقدت صلتها بإنسانيتها منذ لحظة القبض األولــى علي حرية‬
‫اآلخرين‪.‬‬
‫كـثـيــرة هــي الـشـعــوب ال ـتــي قـهــرهــا ال ـغ ــزاة‪ ،‬وكـثـيــرة هــي ال ــدم ــاء ال ـتــي سفكها جنود‬
‫االستعمار‪ ،‬وكثيرة جد ًا هي األرواح اآلدمية التي قتلت بدم بارد‪ ،‬وكثيرة هي الدموع التي‬
‫انسالت على وجوه البشر أمام السفاحين والمجرمين‪ ،‬وكثيرة جد ًا هي آهات الموجوعين‬
‫تحت عصي الـجــاديــن‪ ،‬ورك ــات بساطيرهم‪ ،‬ولـســع سياطهم‪ .‬وعظيمة وكـثـيــرة جــد ًا‬
‫نداءات اإلنسان المستغيثة التي ما زال صداها حي ًا في كثير من بقاع األرض التي مر بها‬
‫الغزاة يوم ًا‪ ،‬لكن القانون التاريخي اإلنساني األبــدي يصرف من أمامه كل القيود التي‬
‫تـحــاول أن تغير مــن طبيعة الجنس البشري‪ ،‬فما تــأبــاه النفس البشرية مــن أشـكــال الــذل‬
‫والتحقير‪ ،‬كان دائم ًا وأبد ًا اللحظة التي ينتصر فيها اإلنسان لسالمة طبعه الحر‪.‬‬
‫نؤمن إيمان ًا قطعي ًا بأن الظلم له نهاية وخيمة‪ ،‬وأن قوى االستعمار ستبقى لصيقة‬
‫بالعار‪ ،‬كما أن قــوى التحرر ستبقى لصيقة بطبعها اإلنساني الـحــر‪ .‬ونحن نؤمن كبشر‬
‫ال وأخير ًا بأن إرادة الشعوب كانت هي األقوى دائم ًا من كل قوى اإلكراه والعدوان‪،‬‬ ‫أو ً‬
‫بدليل عشرات من الحاالت االستعمارية التي رحلت خائبة مهانة قديم ًا وحديث ًا من أمام‬
‫ضحاياها‪.‬‬
‫‪258‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫لقد أنتجت قوى االستعمار موروث ًا كبير ًا من آليات الترويض التي قاومها الطبع‬
‫والسجية اإلنسانية‪ ،‬ولو شئنا أن نأتي علي آليات الترويض واستدخال الهزيمة في ضمائر‬
‫الشعوب التي نكبت باالستعمار‪ ،‬لما استطعنا إلى ذلك سبي ً‬
‫ال‪ ،‬ولكننا نستطيع بالتأكيد أن‬
‫نصل مطمئنين إلى خالصة أبي القاسم الشابي‪:‬‬

‫ف ـ ـ ــا ب ـ ـ ــد أن يـ ـسـ ـتـ ـجـ ـي ــب ال ـ ـقـ ــدر‬ ‫إذا ال ـش ـع ــب يـ ــوم ـ ـ ًا أراد ال ـح ـي ــاة‬
‫وال ب ـ ـ ـ ــد لـ ـ ـلـ ـ ـقـ ـ ـي ـ ــد أن يـ ـنـ ـكـ ـس ــر‬ ‫وال ب ـ ـ ـ ــد لـ ـ ـلـ ـ ـي ـ ــل أن يـ ـنـ ـجـ ـل ــي‬
‫وجه تختلف الحالة االستعمارية في فلسطين عن مثيالتها االستعمارية البائدة‬ ‫بأي ٍ‬

‫عن وجه أرض الشعوب واألقــوام المختلفة؟ قد نحاجج بأن االستعمار هو االستعمار‬
‫كقوة إكــراه بغيضة لكل نفس بشرية‪ ،‬ونقبل السجال في اختالف أدوات الترويض التي‬
‫استخدمها الغزاة‪ ،‬قديم ًا وحديث ًا‪ ،‬ولكننا إن اختلفنا في اإلجابة عن السؤال السابق‪ ،‬فإننا‬
‫لن نختلف حول القانون التاريخي المختزن في العقل والتجربة واإلدراك اإلنساني بأن‬
‫كل حاالت االستعمار قد انهارت ورحلت‪ .‬إذ ًا‪ ،‬فإننا نؤمن بأن القانون التاريخي الذي‬
‫أدى إلي انهيار قوى االستعمار‪ ،‬إنما ينطبق بالضرورة على الحالة االستيطانية في فلسطين‬
‫مهما بدت هذه الحالة قوية شاملة راسخة واثقة من قدرتها في البقاء في أرض فلسطين‪.‬‬
‫***‬
‫وعليه‪:‬‬
‫إن فعل اإلب ــادة الصهيوني للشعب الفلسطيني لم ينته بعد‪ ،‬فهو ليس فع ً‬
‫ال طارئ ًا‬
‫على المشروع الصهيوني‪ ،‬زمان ًا ومكان ًا‪ ،‬فعلى المدى الزمني لسنوات االحتالل استمر‬
‫فعل اإلبــادة والطرد للفلسطينيين من المشهد الطبيعي للبالد‪ ،‬وعلى المستوى المكاني‬
‫استمرت عمليات الطرد بكل الوسائل المتاحة والممكنة إسرائيلي ًا في كل مكان استمر‬
‫بقاء الفلسطينيين فيه بتطوير أدوات ترحيل دائمة‪.‬‬
‫في الوقت ذاته‪ ،‬وعلى المدى الزمني‪ ،‬أتقن الفلسطينيون وطوروا أدوات إبداعية‬
‫إنسانية للخلود العربي فــي الـمـكــان‪ ،‬فقد ثبت تاريخي ًا أنــه كلما ازدادت قــوة الترحيل‬
‫واإلب ــادة والتطهير العرقي شــدةً‪ ،‬ازدادت قــوى البقاء واالحتمال والتكيف والمقاومة‬
‫عـنـفــوانـ ًا وم ـج ــد ًا‪ ،‬وكـلـمــا ارتـفـعــت ش ــدة الـعـنــف االحـتــالــي بـحــق اإلن ـســان الفلسطيني‪،‬‬
‫انـهــارت شرعية هــذا االحـتــال المزعومة ليس لــدى الفلسطينيين والـعــرب فقط‪ ،‬وإنما‬
‫لــدي قـطــاعــات كبيرة وأم ــم مختلفة فــي المجتمع الــدولــي‪ ،‬بما فيها الكثير مــن القوى‬
‫‪259‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫اليهودية الحرة‪ ،‬التي لم تستطع الحركة الصهيونية إفساد منظومتها األخالقية الدينية‬
‫واإلنسانية‪ .‬فقد أكدت األحداث التاريخية الجارية في فلسطين أن هناك قوى يهودية لم‬
‫تفقد بوصلتها األخالقية وحسها وضميرها اإلنساني‪ .‬وقد أصبحت هذه الدائرة تتسع‬
‫بظهور العديد من المفكّرين اليهود األحــرار الذين يعطون وزن ـ ًا للقيمة اإلنسانية أكبر‬
‫من كل ال ــوالءات الطائفية والعرقية‪ ،‬ولعل مشاركة قــوى يهودية مختلفة الفلسطينيين‬
‫في مقاومة جدار الفصل العنصري يؤشر بوضوح إلى الروح اإلنسانية لهذه القوى التي‬
‫ترفض الصهيونية‪ ،‬ألنها الخطر األشد‪ ،‬ليس على الفلسطينيين فقط‪ ،‬وإنما على اليهود‬
‫أنفسهم‪.‬‬
‫لــم يستهدف الفعل الفلسطيني العربي المقاوم للعنف الصهيوني‪ ،‬الــذي اجترح‬
‫ويجترح يومي ًا أدواته الذاتية المقاومة لفعل الطرد والتغييب واإلبادة السياسية‪ ،‬اليهودية‬
‫كدين أو اليهود كأبناء لهذا الدين‪ ،‬وهذا ما أعطى فعلهم اإلنساني المقاوم بعد ًا أخالقي ًا‬
‫استطاع من خالله أن يطور أدوات بقاء وطنية رائعة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى استطاع‬
‫هــذا الـبـقــاء الفلسطيني الـمـقــاوم أن يشكّل األداة األش ــد مـضــاء فــي نــزع شرعية الــروايــة‬
‫الصهيونية التي وظفت الدين في حربها الدائمة في فلسطين‪.‬‬
‫وفــي هــذه اللحظة التاريخية العربية والــدولـيــة المفتوحة على كــل االحـتـمــاالت‪،‬‬
‫تبقى الـحــالــة االسـتـعـمــاريــة فــي فلسطين الـتــي ج ــرى تعريفها تـعــريـفـ ًا ملتبس ًا‪ ،‬وسميت‬
‫بالقضية الفلسطينية‪ ،‬في صلب الحراك العربي والنشاط الدولي‪ .‬لقد كانت هذه الحالة‬
‫االسـتـعـمــاريــة دائ ـم ـ ًا أســاس ـ ًا لـلـصــراع بين الـحـضــارة العربية والـغــربـيــة‪ ،‬لما لها مــن قيمة‬
‫استراتيجية وأخــاقـيــة على جملة التفاعالت والـعــاقــات فــي هــذه المنطقة مــن العالم‬
‫المسماة «الشرق األوســط»‪ ،‬وكــأن القانون التاريخي يأبى إال أن يعتمد المسار نفسه‪،‬‬ ‫ّ‬
‫فــزراعــة الغرب إلسرائيل في هــذه المنطقة الحضارية كوكيل وظيفي لــه‪ ،‬أصبحت من‬
‫أهم عالمات التوتر الدائم‪ ،‬ليس علي المستوى اإلقليمي‪ ،‬وإنما على المستوي الدولي‪،‬‬
‫تعط أيــة شرعية لهذا االحـتــال الــذي‬ ‫وهــذا يعني أن سـنــوات االحـتــال اإلسرائيلي لــم ِ‬
‫أصبح وقعه األخالقي يسم وجــه حلفاء االحتالل بــاألعــراض المرضية القبيحة نفسها‬
‫التي يحملها وجه االحتالل‪.‬‬
‫عند هــذه اللحظة الـتــي أصـبــح فيها الـحــق الفلسطيني بالحياة اآلمـنــة فــي إقليمه‬
‫السيادي حاضر ًا وطاغي ًا في كل العالقات والتفاعالت الدولية‪ ،‬وأصبحت فيها إسرائيل‬

‫محط انتقاد ورفــض من كثير من القوى الدولية في الحضارة الغربية قبل غيرها‪ ،‬بما‬
‫‪260‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫محط رفض‬ ‫ّ‬ ‫فيها السياسة الخارجية األمريكية وموقفها من هذا االحتالل الذي أصبح‬
‫وسـبـبـ ًا فــي زعــزعــة مصداقيتها األخــاقـيــة كـقــوة عظمى‪ ،‬فــإن ذلــك يــوجــب علينا‪ ،‬عرب ًا‬
‫وفلسطينيين‪ ،‬توسيع دائ ــرة الـقــوى التي تسعى إلــى ضمان حصول الفلسطينيين على‬
‫حقوقهم الشرعية‪ ،‬وفق قيم وقوانين الشرعية الدولية‪ ،‬وليس وفق ما تراه هذه الحالة‬
‫االستعمارية‪.‬‬
‫يندرج في ذلــك‪ ،‬مثالً‪ ،‬تفعيل اإلدانــة الدولية ال ــواردة في وثيقة محكمة العدل‬
‫الدولية التي أدانت بشكل غير مسبوق هذا الجدار العنصري في فلسطين على مستوى‬
‫الجمعية العامة لألمم المتحدة‪ ،‬ويندرج في ذلك أيض ًا المشروع الذي بدأته القيادة‬
‫الفلسطينية في نيل العضوية غير الكاملة لدولة فلسطين في األمم المتحدة‪ ،‬والتوقيع‬
‫على انضمام دولــة فلسطين لـلمواثيق الدولية الخمسة عشر‪ ،‬كمقدمة لالنضمام إلى‬
‫‪ 60‬اتـفــاقـيــة دول ـيــة‪ ،‬بـمــا فيها نـظــام روم ــا األســاســي لمحكمة الـجـنــايــات الــدولـيــة (عــام‬
‫‪ )1998‬الــذي أصـبــح التوقيع عليه أكـثــر إلـحــاحـ ًا بعد أن أثبتت مـجــزرة غــزة األخـيــرة‬
‫(تموز‪/‬يوليو ‪ )2014‬ضرورة اإلسراع في مالحقة طاقم اإلجرام الصهيوني في قيادة‬
‫دولة االحتالل‪.‬‬
‫إن الحصول على هــذا االع ـتــراف بــالــدولــة الفلسطينية بعد كــل هــذه الـسـنــوات من‬
‫ال ـعــذاب واالح ـت ــال‪ ،‬سيمنح بــالـضــرورة الـكـفــاح الــوطـنــي بـعــد ًا أخــاقـيـ ًا يمكن الشعب‬
‫الفلسطيني من مراكمة هذه اإلنجازات التي صنعها بدمه وعذابه لدحر هذا االحتالل من‬
‫فلسطين‪ ،‬وهذا الجهد يرتب على الشعب الفلسطيني واألمة العربية أن تقف بمسؤولية‬
‫عالية في دعــم هــذا الخيار كإحدى خيارات وأدوات النضال األخالقية‪ ،‬الــذي سيؤدي‬
‫بالضرورة إلى تعميق أزمــة هذا االحتالل‪ ،‬الــذي أصبح يعيش في مــأزق أخالقي كباقي‬
‫قــوى االستعمار عبر الـتــاريــخ‪ .‬وهــذا يفرض على الـقــوى السياسية الفاعلة فــي فلسطين‬
‫أن تتجاوز خالفاتها الراهنة والمؤلمة والمؤذية للعمل الوطني التي تعيق قيادة الشعب‬
‫الفلسطيني عن متابعة هذا المسار بعد أن أفشلت إسرائيل خيار المفاوضات‪ ،‬وجمدت‬
‫بمنهجية عالية االتفاقيات الموقعة معها منذ عــام ‪ ،1993‬عبر سلسلة غير متناهية من‬
‫وسائل التهويد واالستيطان والتدمير المن ّظم لقوى وموارد الشعب الفلسطيني التي كان‬
‫آخرها هذا الجدار العنصري‪.‬‬

‫ضمن هــذا الـحــراك والسعي الفلسطيني الرسمي لــدى المجتمع الــدولــي‪ ،‬يصبح‬
‫تصعيد الكفاح السلمي لمقاومة الـجــدار والمستوطنات وتهويد القدس وتقليص حيز‬
‫‪261‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الحياة المتاح للفلسطينيين‪ ،‬إحــدى أهــم الوسائل الكفاحية في تقصير عمر االحتالل‪،‬‬
‫وتعميق أزمته الداخلية‪ ،‬وتقليص ح ّيز حراكه الدولي في محاصرة الحراك الفلسطيني‬
‫خصوص ًا‪ ،‬بعد أن ثبت أن أساليب النضال السلمي المتراكمة والمنظمة والمتواصلة‬
‫جعلت أقوى الدكتاتوريات تتهاوى‪ ،‬وليس جنوب أفريقيا كأبشع الحاالت االستعمارية‬
‫العنصرية عنا ببعيد‪ ،‬ولن يكون االحتالل اإلسرائيلي أكثر منعة وشرعية من هذا النظام‬
‫الكريه البائد‪.‬‬
‫‪262‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ص‬ ‫لف‬
‫ل‬
‫ا ل ا خاـمس‬
:‫في زمن الجدار‬

‫جغرافيا الكارثة وآفاق االنعتاق‬
Copyright © 2015.
263
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
264
‫أوالً‪ :‬إثنوقراطية النظام السياسي في إسرائيل والتخطيط القومي‬

‫يبدأ التنظير للسياسة اإلسرائيلية في فلسطين التاريخية من خــال الخيط الناظم‬
‫لسياستها العامة‪ ،‬القائمة جوهري ًا على أن إسرائيل كحالة سياسية إثنوقراطية تمتهن نظام ًا‬
‫في التخطيط القومي ينحاز بصفة خاصة جــد ًا وحصري ًا إلــى المجموعة الدينية اإلثنية‬
‫اليهودية‪ ،‬التي قال فيها أحد أبرز األقالم المرموقة (جدعون ليفي)‪« :‬في الدولة اليهودية‬
‫يوجد قانون لليهود وقــانــون آخــر للعرب الذين حياتهم رخيصة‪ ،‬وال ذكــر فيها للقانون‬
‫الــدولــي‪ ،‬وال مكان في الدولة اليهودية للشفقة إال على اليهود‪ ،‬وليست إنسانية إال مع‬
‫شعب إسرائيل‪ ،‬فال حقوق إال للشعب المختار‪ ،‬فالدولة اليهودية هي لليهود وحدهم‬
‫فقط‪ ،‬ال ذكر في الدولة اليهودية للمعاملة األخالقية لغير اليهودي وللغرباء»(((‪.‬‬
‫تمت ترجمة الهدف األكبر‪ ،‬وهو التهويد‪ ،‬إلى‬

‫إن األسس الرئيسية التي بنا ًء عليها ّ‬
‫قوانين وسياسات تمثل النظام السياسي اإلثنوقراطي في إسرائيل‪ ،‬هي التي وضعت شكل‬
‫العالقات بين المهاجرين اليهود وسكان البالد األصليين‪ .‬ويحدد «أورون يفتاحئيل» هذه‬
‫األسس وفق الترتيب اآلتي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬الديمغرافيا‪ :‬ألن الهدف الصهيوني كــان يتمثل بإقامة دولــة يهودية في منطقة‬
‫عربية‪ ،‬فقد أدى ذلــك إلــى فــرض قيود صارمة على أوضــاع السكان العرب وحركتهم؛‬
‫فكان قانون العودة لليهود‪ ،‬وإنكار حق عودة لالجئين الفلسطينيين‪ ،‬أهم دعامتين للسياسة‬
‫اإلثنوقراطية في الدولة اليهودية‪.‬‬
‫ب ‪ -‬األرض واالسـ ـتـ ـيـ ـط ــان‪ :‬ف ــي إطـ ـ ــار خ ــدم ــة الـ ــدولـ ــة ال ـي ـه ــودي ــة ك ـم ـش ــروع‬
‫استعماري حصري لليهود‪ ،‬فإن سياسات إسرائيل الخاصة باألرض والمستوطنات‬

‫((( جــدعــون ليفي‪« ،‬الــدولــة اليهودية تعني عنصرية قومية لليهود فـقــط‪ »،‬الـقــدس‪ ،2014/7/7 ،‬نق ً‬
‫ال عن‬
‫صحيفة هآرتس‪.‬‬
‫‪265‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫والـسـيــاســات التخطيطية‪ ،‬قــد تبنّت بــاسـتـمــرار سياسة نقل األراض ــي إلــى أيــد يهودية‬
‫ح ـصــريــة‪ ،‬وتــوط ـيــن ال ـي ـهــود ف ــي ك ــل أرض فـلـسـطـيــن‪ ،‬وع ــزل الـفـلـسـطـيـنـيـيــن وال ـي ـهــود‬
‫بعضهم عن بعض‪ ،‬وتقييد أماكن إقامة العرب الفلسطينيين‪ ،‬ضمن عملية تخطيط‬
‫بنيوية جغرافية استئثارية‪.‬‬
‫ج ‪ -‬القانون‪ :‬دعم النظام القانوني في إسرائيل من حيث الوظيفة األصلية له‪ ،‬كافة‬
‫المشاريع الرئيسية للدولة اليهودية في المجاالت السياسية‪ ،‬كالمواطنة والهجرة واألرض‬
‫واالستيطان واالحتالل والدين والثقافة العامة‪.‬‬
‫د ‪ -‬الثقافة الـعــامــة‪ :‬تــؤكــد كــل الــرمــوز الــرئـيـســة للنظام اإلثـنــوقــراطــي اإلســرائـيـلــي‪،‬‬

‫كالعلم والنشيد الوطني واالحتفاالت والشعارات‪ ،‬يهودية الدولة‪ ،‬وتعميم الثقافة العبرية‬
‫اليهودية العامة من خالل عبرنة أسماء األماكن‪ ،‬وإصــدار الخرائط وتشكيل الفضاءات‬
‫العامة‪ ،‬واستخدام الدين كعماد مركزي في مشروع التهويد؛ فالمؤسسات والتنظيمات‬
‫والسلطة المعنوية لليهودية شكّلت حق ًا قوة رئيسية في صناعة النظام السياسي اإلثني‬
‫اإلسرائيلي الذي ظل االستيطان فيه حجر الزاوية في بناء األمة الصهيونية(((‪.‬‬
‫بالتعرف إلى القوى السياسية والتاريخية الرئيسية‬

‫ّ‬ ‫يبدأ التنظير للنظام اإلثنوقراطي‬
‫التي حــدّ دت السياسات وحــدود األقاليم للنظام اإلثنوقراطي المفترض أن تمارس فيه‬
‫الجماعة اإلثنية سياسة إقصائية‪ ،‬بهدف تغيير التركيبة اإلثنية للبالد على النحو الذي هو‬
‫عليه المجتمع اليهودي في إسرائيل‪ ،‬وحين تحتكر طبقة إثنية مهيمنة الجهاز الحكومي‬
‫لتقرير نتائج معظم السياسات العامة في الدولة‪ ،‬من أجل الحفاظ على هيمنة الجماعة‬
‫اإلثنية الرئيسية من خالل استبعاد الجماعات اإلثنية األخرى وتهميشها وإذابتها وطردها‪،‬‬
‫إن تيسر لها ذلك‪.‬‬
‫في هــذا اإلطــار‪ ،‬فــإن التخطيط القومي في إسرائيل يحتل مكانة استراتيجية ذات‬
‫إجماع عرقي أو ديني ال جدال فيه أو عليه إال في مستوى الشدة‪ ،‬واألكثر عنف ًا وشدة من‬
‫أجل اختالق وقائع جغرافية وديمغرافية غير قابلة لإللغاء؛ فمنذ عام ‪ 1949‬استلهمت‬
‫مشاريع التخطيط القومي الستعماالت األراض ــي والـتــوزيــع السكاني على المستويين‬
‫القومي والمناطقي أهداف ًا تستهدف التحكم بمكونات الدولة الجغرافية والديمغرافية‪،‬‬

‫((( أورون يفتاحئيل‪ ،‬اإلثنوقراطية؛ سياسات األرض والهوية فــي إســرائـيــل‪ ،‬ترجمة سالفة حـجــاوي (رام‬
‫الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2012 ،‬ص ‪.137 - 133‬‬
‫‪266‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وتطوير بنيتها التحتية‪ ،‬وتحديد شكل مستقبلها االقتصادي والبيئي والجيوسياسي‪ ،‬كدولة‬
‫يهودية ال مكان لألغيار فيها‪.‬‬
‫يـقــدم يــوســف جـبــاريــن التخطيط كـمـفـهــوم بــأنــه «حـكــم أخــاقــي عـنــد إن ـتــاج الح ّيز‬
‫االجتماعي واالقـتـصــادي وال ـمــادي‪ ،‬وعـنــد تــوزيــع ال ـمــوارد الـمــاديــة لمدينة أو منطقة أو‬
‫دولــة مــا»‪ .‬ويتبنّى جبارين تنظير ًا آخــر لهذا المفهوم (التخطيط الـقــومــي)‪ ،‬الــذي يقول‪:‬‬
‫إن التخطيط هو تدخل موجه نحو إعادة تشكيل الح ّيز والفضاءات المكانية‪ ،‬وذلك من‬
‫خالل توزيع جديد الستعماالت األراضي وتنظيمها‪ ،‬باإلضافة إلى توزيع جديد لمصادر‬
‫التطوير المادية‪ ،‬كاألرض والميزانيات»‪.‬‬
‫فيعرفه جبارين باآلتي‪:‬‬

‫أمــا تخطيط الهيمنة في الحالة اإلثنوقراطية اإلسرائيلية‪ّ ،‬‬
‫«إنه تخطيط منحاز بشكل سافر ومميز إلى مجموعة إثنية أو عرقية أو دينية على حساب‬
‫مجموعة أخــرى (ينبغي صرفها من المشهد الديمغرافي والجغرافي من اإلقليم)‪ ،‬وهو‬
‫تخطيط يرتكز غالب ًا على أيديولوجيا معينة‪ ،‬أو فكر‪ ،‬ال يأخذ بعين االعتبار «حق اآلخر»‪،‬‬
‫وحيث إن معايير هذا التخطيط األخالقية محددة جد ًا‪ ،‬فهو ال يرى إال مصلحة مجموعته‪،‬‬
‫«ويحمل هذا التخطيط في طياته التناقض بين البناء والتعمير والتطوير لمجموعة محددة‬
‫من جهة‪ ،‬والهدم والسلب والمصادرة واإلقصاء لـ «اآلخــر»‪ ،‬ولمجموعات يتناحر معها‬
‫على الح ّيز نفسه‪ ،‬وهو تخطيط جيوسياسي يرتكز على احتكار الحيز الجغرافي لإلثنية‬
‫اليهودية أو الدينية أو العرقية أو ً‬
‫ال وأخير ًا»(((‪.‬‬
‫إجــرائـيـ ًا‪ ،‬استخدم التخطيط الصهيوني كنموذج تخطيطي استعماري مهيمن‪،‬‬

‫آل ـي ــات الـتـخـطـيــط ال ـمــدنــي واألم ـن ــي وال ـع ـس ـكــري (ال ـج ــدار ن ـم ــوذج ـ ًا) م ــن أج ــل حسم‬
‫المشكلة الفلسطينية على النحو الــذي تبتغيه المؤسسة الرسمية اإلســرائـيـلـيــة‪ .‬وهو‬
‫أداة فـعــالــة ح ــادة لحسم الـتـحــديــات الــرئـيـسـيــة‪ ،‬وه ــي‪ :‬تصفية حـلــم الــاجـئـيــن وحقهم‬
‫فــي ال ـعــودة إلــى بــادهــم‪ ،‬ووض ــع حــد نـهــائــي لـتــوجـهــات الفلسطينيين بــاقـتـســام «أرض‬
‫إسرائيل» من خالل تقرير المصير على ‪ 22‬بالمئة من مساحة البالد‪ .‬وتوحيد شطري‬
‫القدس‪ ،‬والحيلولة دون إعــادة تقسيمها كما كانت عند عــام ‪ ،1967‬والسيطرة على‬
‫الـجـغــرافـيــات الفلسطينية‪ ،‬ليس فــي الـقــدس والـضـفــة الغربية فـقــط‪ ،‬وإنـمــا فــي الجليل‬
‫والمثلث والـنـقــب‪ .‬ويـقــوم على هــذا التخطيط بصفة استراتيجية الجهاز العسكري‪،‬‬
‫((( يــوســف جبارين‪ ،‬التخطيط القومي في إسرائيل‪ :‬استراتيجيات اإلقصاء والهيمنة‪ ،‬ترجمة سليم سالمة‬
‫وسالفة حجاوي (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2013 ،‬ص ‪.10 - 9‬‬
‫‪267‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الذي امتلك تاريخي ًا صالحيات واسعة جد ًا في موضوع التخطيط‪ ،‬واستقاللية مطلقة‬
‫ومنفصلة عــن الـجـهــاز الـمــدنــي الــرسـمــي‪ ،‬حـيــث يمكن اعـتـبــار الـجـهــاز الـعـسـكــري في‬
‫النظام اإلثـنــوقــراطــي اإلسرائيلي أ ّنــه «دولــة تخطيط» فــوق صالحيات الــدولــة المدنية‬
‫نفسها‪ ،‬وفق تعبير يوسف جبارين(((‪.‬‬
‫إن حـفــاظ الــذاكــرة الجمعية على ذك ــرى حــدث تــاريـخــي ح ــا ّد الـتــأثـيــر‪ ،‬هــي ظاهرة‬
‫إنسانية‪ ،‬ولذلك واكبت اللغة العربية نطق ًا ونص ًا األحــداث الكبيرة في التاريخ العربي‬
‫فــي فلسطين‪ ،‬وخصوص ًا الـمـفــردات الظرفية الزمانية والمكانية على حــد س ــواء‪ :‬فيكاد‬
‫ال يمر يــوم أو مناسبة إال ويستخدم الفلسطينيون المفردات الظرفية‪ ،‬فيقولون‪« :‬قبل»‬
‫بناء الجدار‪ ،‬وما «بعد» بناء الجدار‪ ،‬ويؤرخون بعفوية لهذا الحدث‪ ،‬كما يؤرخون بما‬
‫قبل‪/‬بعد النكبة‪ ،‬وفي المفردات الظرفية المكانية‪ ،‬فإنهم يستخدمون بكثافة‪ :‬خارج أو‬
‫داخل الجدار‪ ،‬أي األراضي واألماكن والتجمعات وأماكن العمل‪ ...‬الواقعة والمحتجزة‬
‫خلف الجدار‪ ،‬أو التي ما زال يمكن الوصول إليها بصعوبة في «المناطق» أو المعازل‪ ،‬أو‬
‫األقفاص الفلسطينية‪.‬‬
‫ال يعلم القائلون بالمحكيات المحلية الفلسطينية مــن عــامــة الشعب العربي في‬
‫فلسطين بالدالالت الخطابية لمفاهيم ما قبل االستعمار‪ ،‬وما بعده‪ ،‬أو ما قبل الكولونيالية‬
‫وما بعدها‪ ،‬ولكنهم كشأن كل الشعوب في العالم يؤرخون بعفوية إنسانية بـ الـ «ما قبل»‪،‬‬
‫والـ «ما بعد»‪ ،‬وكأن هذه الـ «ما قبلية»‪ ،‬والـ «ما بعدية» تشكل جوهر عيشهم ووجودهم‬
‫وماضيهم ومستقبلهم وهاجسهم الــدائــم في الماورائيات‪ .‬المقارنة اإلدراكـيــة الطبيعية‬
‫العفوية لجمهور الشعب العربي في فلسطين عندما تحتسب لحظة الجدار في الزمان‪،‬‬
‫وبروزه الصادم في المكان أو الح ّيز الجغرافي الذي عاشت فيه وعليه‪ ،‬ينشئ على الفور‬
‫حكايات ورؤى ومقارنات بالذي كان وكيف كان‪.‬‬
‫ليس الجدار بالظاهرة العابرة‪ ،‬زمان ًا ومكان ًا‪ ،‬وليس هذا الشيء المسمى بـ «الجدار»‬
‫يمكن أن يعزل عن العقل المنشئ له‪ ،‬أو يعزل عن هذه الحالة االستعمارية في فلسطين‪.‬‬
‫صحيح أن الح ّيز المكاني فــي الضفة الغربية قــد خضع لقوى االستعمار عــام ‪،1967‬‬
‫وصحيح أيـضـ ًا أن المستعمر الصهيوني قــد امتلك كــل وســائــل الـقــوة والضبط والعنف‬
‫واالسـتـقــواء لبناء نـظــام عسكري ضــاغــط وشــديــد‪ ،‬وح ــاد إلــى درج ــة القضاء بالموت أو‬
‫((( المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.297 - 295‬‬
‫‪268‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تحديد مسار الحركة والنوم والحلم والعمل‪ ،‬ولكن الجدار كان الجرعة االستعمارية‬
‫األكـبــر فظاعة وعنف ًا وشــدة وضـبـطـ ًا؛ لذلك يصح أن ّ‬
‫يسمى هــذا الــزمــن الفلسطيني في‬
‫المناطق العربية المنكوبة بالجدار بـ «زمن الجدار»‪.‬‬
‫في زمــن الـجــدار‪ ،‬الــذي كــان من المفترض أن يكون زمن ًا للتسوية وتحقيق نتائج‬
‫مثمرة لمفاوضات بدأت قبل عقد من الزمن‪ ،‬كان هذا الزمن أشد مرار ًة وعنف ًا لم تشهده‬
‫سنوات االحتالل األولى‪ .‬وفي زمن الجدار يبلغ االستيطان اإلحاللي الزاحف والعنف‬
‫االستعماري المتدرج ذورتــه البشعة‪ .‬لقد كــان المشروع االستعماري في احتالل باقي‬
‫البالد عند عــام ‪ 1967‬ليس مشروع ًا عسكري ًا ظرفي ًا مرتبط ًا بــأحــداث الحرب مع دول‬
‫الـجــوار الـعــربــي‪ ،‬ولــذلــك منذ اللحظات األول ــى لالحتالل أطنب الخطاب اإلسرائيلي‬
‫باعتبار أن القرار الرقم (‪ )242‬ال ينطبق على أراضــي الضفة الغربية‪ ،‬كما يمكن له أن‬
‫ينطبق على األراضــي المصرية والسورية واألردنـيــة المحتلة على نهر األردن‪ ،‬في حال‬
‫أق ــدم الـعــرب ف ــرادى أو مجتمعين على االع ـتــراف بــالـسـيــادة اإلســرائـيـلـيــة الـيـهــوديــة على‬
‫األراضــي العربية المحتلة في فلسطين في إطار األرض مقابل السالم‪ .‬من هذه اللحظة‬
‫الذي بدا فيها االستيطان االستعماري يجتاح الضفة الغربية‪ ،‬ومنذ اللحظة التي جرى فيها‬
‫ضم مدينة القدس العربية إلى دولة االحتالل وسريان النظام اإلسرائيلي فيها رسمي ًا‪ ،‬بدأ‬
‫التأسيس فعلي ًا لالستحواذ على كامل مناطق الضفة الغربية‪ ،‬وتخليد السيادة االستعمارية‬
‫عليها‪ .‬وكانت لحظة الـجــدار (زمــن الـجــدار) هي اللحظة األكثر فضح ًا لسفور الوجهة‬
‫االستعمارية في االستحواذ على الجزء األعظم من فلسطين التاريخية‪.‬‬
‫وكــان وجــود الفلسطينيين في الضفة الغربية هو السؤال األبــرز في سياسة الحكم‬

‫ال ـع ـس ـكــري ف ــي م ـنــاطــق االحـ ـت ــال الـ ـج ــدي ــدة‪ .‬وي ــؤش ــر الـ ـج ــدار ب ـج ــاء ع ـلــى األه ـ ــداف‬
‫االستراتيجية الحيوية العليا للمشروع االسـتـعـمــاري‪ :‬فمن جهة أول ــى تــرى المؤسسة‬
‫األمنية والسياسية اإلسرائيلية أن التهجير الجماعي للعرب الذي لم يتم عام ‪ 1967‬في‬
‫ظروف الحرب‪ ،‬سوف يجري تحقيقه بشكل زاحف وبوسائل أخــرى؛ ومن جهة ثانية‪،‬‬
‫إن االستيطان اإلحاللي وتفكيك البناء الجغرافي والتمسك التام بأراضي غور األردن‬
‫والمناطق الحدودية الغربية‪ ،‬وقطع مدينة القدس عن باقي األراضي العربية المحتلة‪ ،‬لن‬
‫يسمح بإقامة كيان عربي فلسطيني سيادي إلى جانب إسرائيل‪ ،‬وبالتالي لن يسمح أبد ًا‬
‫بانسحاب إسرائيل التام من تالل الضفة الغربية(((‪.‬‬
‫((( خليل التفكجي‪« ،‬القدس الكبرى تبتلع ‪ %10‬من الضفة الغربية‪ :‬مقابلة»‪ ،‬القدس‪.2014/2/20 ،‬‬
‫‪269‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫لذلك‪ ،‬فإنه ليس من المستغرب أبد ًا أن تفشل‪/‬تُفشل إسرائيل كل المساعي الدولية‬
‫الداعية‪ ،‬أو التي تعتقد بضرورة التسوية السياسية على أساس االنسحاب اإلسرائيلي من‬
‫الضفة الغربية وإقــامــة الــدولــة الفلسطينية إلــى جانب دولــة إسرائيل‪ .‬لقد كــان االحتالل‬
‫اإلسرائيلي طــوال سنوات االحتالل‪ ،‬وعبر العديد من األدوات والمؤسسات‪ ،‬وأهمها‬

‫اإلدارة المدنية‪ ،‬وقائد المنطقة الوسطى في الجيش اإلسرائيلي‪ ،‬يتدخل بسفور في أدق‬
‫الحاجات اإلنسانية‪ ،‬بل يمكن القول إن قوة الدولة العبرية انصرفت إلى تخليد االحتالل‬
‫األبدي لهذه المناطق؛ فقد نظر االحتالل إلى هذه المناطق‪ ،‬كما ينظر إلى حائط المبكى‬
‫(البراق)‪ ،‬وتمام ًا كما ينظر إلى مدينة تل أبيب وهرتزليا‪.‬‬
‫كــان األداء الــدائــم للمؤسسة االحتاللية يقول دوم ـ ًا بــأن األمــن اإلسرائيلي لمدنه‬
‫ومنشآته يكمن في تــال فلسطين الوسطى‪ ،‬وكذلك في األغــوار الوسطى‪ .‬لذلك‪ ،‬فإن‬
‫بناء المستوطنات هو الضامن الوحيد لبقاء الجيش اإلسرائيلي في هذه المناطق‪ ،‬وأمام‬
‫الضغوط الدولية‪ ،‬والتفهم الــدولــي‪ ،‬والتفاهم األممي على حق الفلسطينيين في تقرير‬
‫المصير‪ ،‬وضــع المشروع االستعماري في المناطق المحتلة أمــام االمتحان األصعب‪،‬‬
‫وهو االعتراف للفلسطينيين بالسيادة على حــدود الخامس من حزيران‪/‬يونيو ‪.1967‬‬
‫كــان هــذا االمـتـحــان متوقع ًا لــدى الجانب اإلســرائـيـلــي‪ ،‬وكــانــت اإلجــابــة اإلسرائيلية عنه‬
‫أيض ًا جاهزة‪ ،‬ليس في سجاالت المؤسسة األمنية والسياسية‪ ،‬وليس في التفاهمات بين‬
‫األحزاب والقوى السياسية واألمنية والدينية‪ ،‬وإنما على األرض‪:‬‬
‫‪ -‬على األرض‪ :‬المواقع االستيطانية (سياسة األمر الواقع) التي يقطنها نحو ‪650‬‬
‫أل ــف مـسـتــوطــن‪ ،‬والـمـنـتـشــرة لـيــس عـلــى الـخــط األخ ـضــر‪ ،‬وإن ـمــا فــي أوس ــاط التجمعات‬
‫الفلسطينية‪ ،‬األمــر الــذي «يـحــول» عملي ًا دون إقــامــة هــذه الــدولــة الفلسطينية‪ ،‬ليس فقط‬
‫لوجود هذا العدد من المستوطنين‪ ،‬وإنما ألن هذه المستوطنات قد أدت دورها الوظيفي‬
‫بتفكيك الـحـ ّيــز الجغرافي لإلقليم المحتل‪ ،‬تفكيك ًا يستحيل بـعــده إقــامــة كـيــان سيادي‬
‫فلسطيني آمن ومستقر‪.‬‬
‫لذلك‪ ،‬ليس غريب ًا بفعل هذه الوقائع أن تتفهم الدول الفاعلة وجود هذه الوقائع‪،‬‬
‫رغم قولها الدائم بعدم شرعية االستيطان‪ ،‬ثم ليس غريب ًا أن تتبنى هذه القوى الخطاب‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬القائل بتبادل األراضي جراء تمسك الفلسطينيين بكامل إقليم الضفة الغربية‪،‬‬
‫مقابل اعتراف النظام العربي الرسمي مجتمع ًا‪ ،‬بمن فيه الفلسطينيون‪ ،‬بالوقائع االستيطانية‪.‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬فإن الوظيفة التي عقدتها إسرائيل على مشروعها االستراتيجي المتمثل‬
‫‪270‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بالجدار أدى وظيفته على أحسن وجــه‪ :‬تأبيد البقاء االستعماري الصهيوني فــي تالل‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬وضمان عدم المساس أو االقتراب من مدينة القدس الواقعة في حصن‬
‫الجدار‪ ،‬واستحالة االنسحاب العسكري من هذه المناطق‪ ،‬وبالتالي استحالة االستقرار‬
‫واألمن للفلسطينيين في هذه الجيوب التي خلقها هذا الجدار‪ .‬والسؤال‪ :‬ما شكل الحياة‬
‫للفلسطينيين خلف الجدار؟ وما هي أبرز التداعيات والتطورات السياسية التي أعقبت‬
‫هذا اإلغالق المحكم على الفلسطينيين العرب في الضفة الغربية؟‬
‫‪ - 1‬الجدار كنظام سيطرة وضبط وإخضاع‬

‫مؤذ أو مدمر‪ ،‬هو ذاك العنف الذي تقوم به هذه الجماعة‬ ‫العنف كخطاب أو كفعل ٍ‬
‫الصهيونية ضد الجماعة العربية‪ ،‬المنظور إليها بداهة بأنها أقل إنسانية من المستعمرين‬
‫الذين يدّ عون بنخبوية الجنس البشري‪ .‬هذا االدعاء أجاز لهذه الحالة االستعمارية التي‬
‫امتلكت قــدرة فائقة على البناء والتسييج والحفر المدمر للطبيعة‪ ،‬أن ال تخلق صدمة‬
‫ظرفية عابرة‪ ،‬وإنما أرادت أن تجعل من هذا البناء حالة صدمة‪ ،‬وعنف مستدامة‪ ،‬ضد‬
‫هــؤالء البشر الــذيــن وج ــدوا أنفسهم مطاردين عند كــل لحظة حـيــاة‪ ،‬وســط هــذا السجن‬
‫الكبير الطويل األج ــل‪ ،‬مــن أجــل الــوصــول بـهــؤالء الـنــاس إلــى أن يكونوا مـجــرد أجساد‬
‫خاضعة وعقول خانعة(((‪.‬‬
‫تدار الضفة الغربية بواسطة قيادة المنطقة الوسطى العسكرية التي يقف على رأسها‬
‫قائد المنطقة الوسطى‪ ،‬والــذي يدير بــدوره شبكة من المؤسسات والــدوائــر‪ ،‬هذا إضافة‬
‫إلــى جـهــاز الـمـخــابــرات اإلســرائـيـلـيــة الـتــي يــرمــز إلـيــه بجهاز «ال ـشــابــاك»‪ .‬وتـشـ ّكــل اإلدارة‬
‫المدنية وجهاز االرتباط المدني والعسكري الذي جرى استحداثه بعد اتفاقيات أوسلو‬
‫«األداة العملياتية لقائد المنطقة الوسطى»‪ ،‬وتتوزع أذرع هذه الدوائر على مختلف مناطق‬
‫متخصصة في كافة مجاالت الحياة‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫الضفة الغربية وفق ترتيبات مناطقية ودوائر أمنية‬
‫بعد عشر سـنــوات مــن تشغيل نظام الـجــدار‪ ،‬أصبح هــذا النظام بشموليته ومهنيته‬
‫العالية والعنفية يشكّل حياة الفلسطينيين في المناطق والتجمعات التي يعيشون فيها‪.‬‬
‫فعلى مـسـتــوى الـحــركــة واإلق ــام ــة والـتـنـقــل‪ ،‬انـتـهــت سـلـطــات االح ـتــال عملي ًا مــن فصل‬
‫الطرقات الخاصة بالمستوطنين أو اإلسرائيليين بصفة عامة عن الطرق العربية‪ .‬وهذا‬

‫((( ان ـظــر‪ :‬بــاربــرا ويتمر‪ ،‬األنـمــاط الثقافية للعنف‪ ،‬ترجمة مـمــدوح عـمــران‪ ،‬عالم المعرفة؛ ‪( 337‬الكويت‪:‬‬
‫المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪.)2007 ،‬‬
‫‪271‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الفصل أت ــاح للمشروع االستيطاني تجانس ًا عــرقـيـ ًا خــالـصـ ًا مــن جـهــة‪ ،‬وتحقيق مستوى‬
‫أمني راســخ للمشروع االستيطاني من جهة أخــرى‪ .‬وليس توالي اإلعــانــات الحكومية‬
‫عن مشاريع استيطانية جديدة أو توسيع القائم منها بإضافة آالف الوحدات السكنية‪ ،‬إال‬
‫نتيجة طبيعية لهذا المشروع‪ .‬ففي عام ‪ ،2013‬ارتفع حجم البناء االستيطاني بنسبة ‪123‬‬
‫بالمئة قياس ًا بأعمال البناء التي تم البدء بتنفيذها في عام ‪ .2012‬وتفيد هذه المعطيات‬
‫بأنه خالل عام ‪ 2013‬بدأت إسرائيل ببناء ‪ 2534‬وحدة سكنية جديدة في مستوطنات‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬بينما بــدأت في بناء ‪ 1133‬وحــدة سكنية عام ‪ .2012‬وفي هذا اإلطــار‪،‬‬
‫أشار مكتب اإلحصاء المركزي اإلسرائيلي إلى أنه في عام ‪ 2013‬بدأت إسرائيل ببناء‬
‫‪ 3432‬وحدة سكنية في القدس مقابل ‪ 2468‬تم الشروع في بنائها في عام ‪2012‬‏(((‪.‬‬
‫إن هذه الحقائق الصادمة جعلت السكرتير العام لـ «حركة السالم اآلن» اإلسرائيلية‬
‫(ياريف أوبنهايمر) في تعليقه على هذه المعطيات اإلحصائية يقول‪« :‬إنه عندما تم إيداع‬
‫حقيبة البناء واإلسكان من قبل نتنياهو إلى عضو الكنيست من البيت اليهودي (أوري‬
‫إسرائيل) كان يعلم أن حل مشكلة اإلسكان في إسرائيل ستتم في تالل الضفة الغربية‪،‬‬
‫وليس داخل إسرائيل‪ .‬فال النقب‪ ،‬وال الجليل‪ ،‬وال حيفا‪ ،‬حظيت بقفزة هائلة كهذه في‬
‫البناء‪ ،‬ففي تل أبيب تم تسجيل انخفاض في التوسع السكاني بنسبة ‪ 19‬بالمئة‪ ،‬األمر‬
‫الذي رفع تكاليف السكن في كل إسرائيل‪ .‬وتابع أوبنهايمر‪ ،‬أنه باإلمكان ترجمة األرقام‬
‫والـمـعـطـيــات بسطر واح ــد ه ــو‪ :‬أن الـحـكــومــة ت ـحــاول حــل ضــائـقــة الـسـكــن فــي إســرائـيــل‬
‫مــن خ ــال زي ــادة الـحـصــة وراء الـخــط األخ ـضــر‪ .‬وحـتــى مــن ال يــوافــق عـلــى أيديولوجية‬
‫االستيطان‪ ،‬ولكنه بحاجة إلى حل سكني رخيص‪ ،‬سيضطر إلى االنتقال شرق ًا (أي إلى‬
‫الضفة الغربية) والحصول عليه‪ ،‬واالنصياع مرغم ًا للمشروع االستيطاني‪ .‬وبنتيجة ذلك‪،‬‬
‫يعيش فــي األرض المحتلة الـيــوم ‪ 650‬ألــف مستوطن‪ ،‬منهم ‪ 380‬ألــف مستوطن في‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬ويعيش ‪ 270‬ألف مستوطن داخل حدود القدس(((‪.‬‬
‫ـري أهم حقيبتين في حكومة نتنياهو‪ ،‬وهما وزارة‬

‫ومن المفيد التذكير هنا أن وزيـ ّ‬
‫الــدفــاع التي يحتلها الليكودي موشيه يعلون‪ ،‬ووزارة الخارجية التي يقف على رأسها‬
‫زعيم حزب «إسرائيل بيتنا» (ليبرمان)‪ ،‬يقيمان في مستوطنات الضفة الغربية‪ ،‬وأن رئيس‬
‫((( مكتب اإلحصاء المركزي اإلسرائيلي‪.‬‬

‫((( ي ــاري ــف أوبنهايمر‪« ،‬حــل مشكلة المساكن بــواسـطــة الـبـنــاء فــي المستوطنات‪ »،‬مــوقــع يــديـعــوت أحــرنــوت‬
‫اإللكتروني‪ ،<http://www.ynetnews.com/> ،2011/3/4 ،‬و«التقرير المطول في المشهد اإلسرائيلي‪ :‬تصريحات‬
‫نتنياهو بشأن االستيطان خادعة‪ ،‬بينما سياسته على األرض سافرة وثابتة‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2014/3/11 ،‬‬
‫‪272‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مجلس المستوطنات السابق في الضفة الغربية (بنتسي ليبرمان) يتولى حالي ًا منصب رئيس‬
‫إدارة دائرة أراضي إسرائيل‪ ،‬وأن قائد المستوطنين في الضفة الغربية (بنحاس فالرشتاين)‬
‫يـتــولــى حــالـيـ ًا قــائــد مــديــريــة تـطــويــر الـنـقــب؛ وه ــو الـمـنــوط بــه تطبيق قــانــون «ب ــراف ــر» الــذي‬
‫يستهدف تنظيف منطقة النقب من السكان العرب‪ ،‬وأن وزيــر االقتصاد (نفتالي بينيت)‬
‫من حزب «البيت اليهودي» هو الذي يمثل المستوطنين في حكومة نتنياهو الثانية‪ .‬إن هذا‬
‫التشكيل الــوزاري والوظيفي يمكن هذه الحكومة من جعل األولوية العظمى تتجه نحو‬
‫االستيطان‪ .‬لذلك‪ ،‬فليس من المستغرب‪ ،‬وفق «زهافا غالئون»‪ ،‬رئيسة حزب «ميرتس»‬
‫التي تقف ضد االستيطان‪ ،‬أن تطالب الحكومة بالكشف عن ميزانية قسم االستيطان في‬
‫الوكالة اليهودية التي ارتفعت في تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪ 2013‬بنسبة ‪ 800‬بالمئة(((‪.‬‬
‫كان نظام تشغيل الجدار‪ ،‬كما أوضحنا سابق ًا‪ ،‬تتواله أجهزة ودوائر أمنية ووظيفية‬
‫متكاملة ومتداخلة‪ ،‬وهي تمتلك قدرات تكنولوجية واستخباراتية عالية التقنية والجودة؛‬
‫فــالــردع والعقاب واإلخـضــاع‪ ،‬تعدّ أبــرز مهمات جهاز االستخبارات الــذي يتولى جمع‬
‫المعلومات عن أدق التفاصيل‪ ،‬ومحاوالت االقتراب أو المس أو الدخول عبر البوابات‬
‫الــزراعـيــة أو المعابر ال ـحــدوديــة‪ .‬وأصـبــح نـظــام الـهــويــات الممغنطة والـتـصــاريــح إحــدى‬
‫األدوات الــرادعــة والضاغطة على حياة المواطنين؛ فأية مالحظات معلوماتية تتمكن‬
‫األج ـهــزة األمـنـيــة مــن الـحـصــول عليها ح ــول الـمــواطــن أو أح ــد مــن ذوي ــه‪ ،‬يمكن لـهــا أن‬
‫تستخدم لمنع هــذا المواطن من الحصول على أي نــوع من أنــواع التصاريح‪ ،‬كتصريح‬
‫العمل في إسرائيل أو تصاريح الصالة أو تصاريح العالج أو تصاريح دخول األراضي‬
‫الزراعية‪.‬‬
‫وقد سجل العديد من العمال والمزارعين‪ ،‬كما ذكروا‪ ،‬عشرات الحكايات اليومية‬
‫ال‪ :‬قد ال تمنح سلطات االحتالل أيــة تصاريح من أي‬ ‫التي يتعرضون ويعايشونها‪ ،‬فمث ً‬
‫نــوع لعائالت بكاملها فــي حــال كــان أحــد أبـنــاء العائلة متهم ًا أو مشتبه ًا فيه بتعاطي أي‬
‫نشاط سياسي‪ ،‬أو سبق له أن اعتقل من قبل قوات األمن اإلسرائيلية‪ .‬وعلى المعابر التي‬
‫أصبحت محطات احتجاز وتوقيف وتفتيش وإخضاع‪ ،‬يقوم المواطن بتمرير التصريح‬
‫المقوى إلى أحد أفراد الجيش الذين يقومون بالفحص‪ ،‬وفي لحظة‬ ‫ّ‬ ‫عبر فتحة من الزجاج‬
‫يطلب هــذا الجندي مــن هــذا الـمــواطــن الــدخــول إلــى غرفة خاصة للتفتيش اإلخضاعي‬
‫((( ان ـظ ــر‪« :‬مـبــالــغ طــائـلــة مــن ال ـمــال ال ـعــام تــرصــد لــأغــراض االستيطانية دون حسيب أو رق ـيــب‪ »،‬المشهد‬
‫اإلسرائيلي‪.2014/4/8 ،‬‬
‫‪273‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫اإلذاللـ ــي‪ ،‬ثــم يـجــري سحب التصريح مــن الـمــواطــن المستهدف‪ ،‬ويـحــال على مكتب‬
‫المخابرات (الـشــابــاك)‪ ،‬حيث يتعرض لضغوطات أمنية ونفسية تهدد حياته الشخصية‬
‫وحياة عائلته‪ .‬وتجري هذه العمليات اإلخضاعية بعيد ًا عن أية عمليات توثيق أو تصوير‪،‬‬
‫حيث يجري تهديد هؤالء المواطنين من قبل عناصر المخابرات بسحب التصريح‪ ،‬أو‬
‫استمرار سريان مفعول هذا التصريح بناء على انضباط وخضوع هذا المواطن خضوع ًا‬
‫تــامـ ًا لــإمــاءات المخابراتية والعسكرية‪ .‬كما أن ال ــذي يمنح التصريح أو يلغيه ليس‬
‫اإلدارة المدنية أو االرتباط العسكري أو المدني‪ ،‬وإنما تتحكم المخابرات اإلسرائيلية‬
‫بشكل مطلق في هذا الشأن(‪.((1‬‬
‫وفي أحيان كثيرة‪ ،‬عندما يقوم المواطن بتسليم التصريح في المعبر‪ ،‬وهو في طريقه‬
‫للعمل‪ ،‬يتم سحب التصريح منه من دون أية أسباب تذكر‪ ،‬ويطلب منه الجنود مراجعة‬
‫دائرة المخابرات في منطقته‪ ،‬أو تسليمه إشعار خطي بمراجعة ضابط مخابرات مختص‬
‫وظيفي ًا في المنطقة التي يقيم فيها هذا المواطن‪ .‬إن خسارة أو سحب التصريح يجعل‬
‫مــن المستحيل على هــذا اإلنـســان أن يدخل إلــى الـقــدس للعمل أو الـعــاج أو الــدراســة‬
‫أو أي هــدف آخــر‪ ،‬وكــذلــك يجعل مــن المستحيل عليه دخــول األراض ــي الــزراعـيــة التي‬
‫ستتعرض للخراب‪ ،‬وهذا بحد ذاته يعدّ هدف ًا استراتيجي ًا يؤشر إلى االستيالء عليها بعد‬
‫خرابها وانعدام فرصة مالكيها في الوصول إليها للعناية بها‪ .‬فال تتوانى األجهزة األمنية‬
‫من مالحقة ومتابعة كل المواطنين الذين يتقدمون بطلب الحصول على هذه التصاريح‪.‬‬
‫(فقد اشترطت أجهزة المخابرات في معبر الزيتونة الشرقي على طالب كلية طب جامعة‬
‫القدس الذين يدرسون في بلدة أبوديس المطلة على القدس بمسافة ال تبعد عن القدس‬
‫بضع أمـتــار‪ ،‬ضــرورة التعاون مع أجهزة الشاباك مقابل الحصول على تصاريح دخول‬
‫للمدينة ألجــل الـتــدريــب فــي مستشفى الـمـقــاصــد‪ ،‬ألنــه المستشفى المتقدم والتعليمي‬
‫الوحيد في فلسطين)(‪.((1‬‬
‫وقــد أصبحت التصاريح ذات لهجات إخضاعية ترويضية عنيفة الــوقــع على كل‬
‫المواطنين الذين يحتاجونها‪ ،‬وقد ظهر خالل السنوات القليلة الماضية بعض المنتفعين‬
‫والـسـمــاســرة الــذيــن هــم على عــاقــة مــع ضـبــاط فــي اإلدارة المدنية اإلسرائيلية يقومون‬
‫(‪« ((1‬الكنيست يقرر تثبيت األنظمة لمالحقة فلسطيني الضفة والقطاع من دخول القدس والخط األخضر‪»،‬‬
‫القدس‪.2014/2/5 ،‬‬
‫(‪ ((1‬مقابلة مع نائب رئيس جامعة القدس «عماد أبو كشك»‪.‬‬
‫‪274‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بتحصيل التصاريح لبعض المواطنين للعمل في سوق العمل اإلسرائيلي مقابل رسوم‬
‫وصلت إلى ‪ 3000‬آالف شيكل (ما يعادل ‪ 800‬دوالر)(‪.((1‬‬
‫إن اإلخضاع النفسي واإلذالل اليومي على المعابر لجموع العمال والمزارعين‬
‫ال حــدّ لـلــرواة فيه‪ ،‬إذ يبدأ العمال تـحــديــد ًا بــالـخــروج إلــى العمل الساعة الثالثة صباح ًا‬
‫ال‪ ،‬ليتمكنوا من‬ ‫لالصطفاف على مداخل المعابر في قلنديا وحاجز جبعات زئيف‪ ،‬مث ً‬
‫الــوصــول إلــى أمــاكــن عملهم‪ ،‬فيقفون مــن ثــاث إلــى أربــع ســاعــات فــي الـبــرد فــي انتظار‬
‫دورهم‪ .‬وهناك حكايات عن المعاناة اإلذاللية التي تخلو أنماط التفتيش فيها من مراعاة‬
‫أبسط حقوق اإلنسان‪ ،‬وأحيان ًا تأخذ عملية التفتيش لعامل واحد أكثر من نصف ساعة‪،‬‬
‫يضطر فيها هــذا العامل إلــى خلع مالبسه وحــذائــه‪ ،‬ويحظر عليه نقل أيــة مـعــدات عمل‬
‫ال في الطابور‪ ،‬تجعل‬ ‫معدنية‪ .‬كما أن عمليات التفتيش الطويلة والمعقدة والوقوف طوي ً‬
‫العامل الــذي يتمكّن مــن الــوصــول إلــى عمله فــي غاية اإلره ــاق والضعف‪ ،‬األمــر الــذي‬
‫يجعل الكثير من العمال يعزفون عن العمل داخل الخط األخضر‪ ،‬نظر ًا إلى هذا العذاب‬
‫المرير الذي يكابدونه على هذه المعابر‪ ،‬فيضطرون للعمل بأجر زهيد في سوق العمل‬
‫الفلسطيني للتخلص من هذا العذاب اليومي‪.‬‬
‫ويضطر العمال العرب في كثير من األحيان إلى االنصياع ألوامر وشروط المشغلين‬
‫اإلسرائيليين المنافية لحقوق اإلنسان في األجــرة وساعات وظــروف العمل‪ ،‬لئال يلجأ‬
‫المشغلون (اليهود) إلى الطلب من األجهزة األمنية التي تمنح التصاريح بسحب تصاريح‬
‫هــؤالء العمال منهم‪ ،‬وكثير ًا ما يتهرب المشغلون من دفــع أجــور العمال‪ ،‬ويطلبون من‬
‫األجـهــزة األمنية سحب هــذه التصاريح لئال يعود العمال إلــى مراكز أعمالهم للمطالبة‬
‫باسترداد أجورهم‪ ،‬وكثير ًا ما يدّ عي المشغلون أن هؤالء العمال يشكلون خطر ًا أمني ًا على‬
‫األمن اإلسرائيلي للتهرب من دفع أجور العمال(‪.((1‬‬
‫أمــا على المعابر الــزراعـيــة (ال ـبــوابــات)‪ ،‬فعليها تجري عمليات عنف منظم تقوم‬
‫بــه أجـهــزة االحـتــال المختلفة ودوريــاتــه وعـنــاصــره األمـنـيــة‪ .‬وهـنــاك نظام نمطي تتدرب‬
‫على أدائــه الفرق الخاصة المعروفة بحرس الـحــدود‪ ،‬وهــو اللواء الــذي يخضع لسيطرة‬
‫عمال خضعوا لهذا االبتزاز‪.‬‬ ‫(‪ ((1‬مقابالت مع ّ‬

‫(‪ ((1‬لمزيد من المعلومات حول ظروف عمل وحركة الفلسطينيين انظر‪ :‬سري المقدسي‪ ،‬فلسطين الوجه‬
‫المعكوس‪ :‬احتالل يومي‪ ،‬ترجمة أمين األيــوبــي‪ ،‬وقفية عبد المحسن القطان للقضية الفلسطينية (بـيــروت‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪.)2011 ،‬‬
‫‪275‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الشرطة اإلسرائيلية‪ .‬ويتقدم المزارعون للحصول على التصاريح عبر المجالس المحلية‬
‫الفلسطينية‪ ،‬أو مباشرة إلى جهاز االرتباط الفلسطيني‪ ،‬وهو الجانب الرسمي المنوط به‬
‫إجــراء التنسيق األمني واإلداري مع اإلدارة المدنية اإلسرائيلية في مختلف محافظات‬
‫الضفة الغربية‪ .‬ويقوم ضابط االرتباط الفلسطيني بتجميع هذه القوائم وتقديمها لضابط‬
‫ارتباط إسرائيلي‪ ،‬ثم ينتظر عدة أيام تصل أحيان ًا إلى الشهر لتسلم الر ّد عليها‪ ،‬كما يقوم‬
‫جهاز المخابرات (الشاباك) بدراستها وغربلتها‪ ،‬فكل من كان في سجله سابقة أمنية‪ ،‬أو‬
‫ال جد ًا‪ ،‬أو إذا كان قريب ما في طرف العائلة‬ ‫سياسية‪ ،‬أو أي نشاط سياسي مهما بدا ضئي ً‬
‫قد اعتقل من قبل اإلسرائيليين قبل عشرين عام ًا أو أكثر‪ ،‬فإن اسمه لن يدرج في قائمة‬
‫المسموح لهم بالدخول للعناية بــاألرض أو جني ثمارها‪ .‬وال تمنح التصاريح الزراعية‬
‫على مدار العام‪ ،‬وال تعطى في كل المواسم‪ ،‬فلو تزامن الموسم الزراعي‪ ،‬سواء في جني‬
‫المحاصيل أو العناية بــاألرض وتحضيرها مع أحــد األعـيــاد اليهودية‪ ،‬فلن يكون هناك‬
‫تنسيق أمني‪ ،‬وبالتالي لن يسمح حراس الجدار والبوابات للمزارعين بالدخول‪.‬‬
‫وفي معظم األيــام التي يسمح فيها بالدخول‪ ،‬يتوقف المزارعون طوي ً‬
‫ال أمــام هذه‬
‫البوابات تحت الشمس أو تحت المطر حتى تمر أو تأتي الــدوريــة المسؤولة عن هذا‬
‫المقطع من الجدار وعن هذه البوابة لفتحها‪ ،‬وغالب ًا ما يصطحب المزارعون الحيوانات‬
‫ومعدات الحراثة والــرش أو التقليم وغيرها‪ ،‬وال يسمحون لهم بإدخالها‪ ،‬األمــر الذي‬
‫يضطر المزارعين إلــى عــدم الــدخــول‪ ،‬إذ ال فــائــدة مــن دخولهم إلــى األراض ــي إذا كانت‬
‫حيواناتهم ومعداتهم محظورة من الدخول‪ .‬وإمعان ًا في التعذيب واإلذالل والعنف‪ ،‬يلجأ‬
‫أفراد من الجيش وحرس الحدود إلى التهكم على الفالحين واالستهزاء بهم واالعتداء‬
‫عليهم أو تفتيش حيواناتهم‪ ،‬أو الطلب مــن المزارعين أن يتحدثوا مــع الحيوانات أو‬
‫يقلدوا أصواتها‪ ،‬وفي حــوادث أخرى عندما يتقدم المزارع إلى البوابة مع دابته‪ ،‬يطلب‬
‫منه الحراس بتهكم تصريح ًا للدابة‪ ،‬أو يسمحون للدابة بالدخول‪ ،‬ويقولون لصاحبها إنه‬
‫شخص غير مرغوب فيه‪ .‬وفي مناسبات أخرى‪ ،‬عندما يتقدم المزارع مع أطفاله الصغار‪،‬‬
‫فإن الجيش يسمح بدخول األطفال‪ ،‬وال يسمح بدخول الكبار‪ .‬هناك الكثير من الصور‬
‫البشعة التي تمارس على هــؤالء الفالحين‪ ،‬لذلك فالتصاريح والتنسيق األمني أصبحا‬
‫بمنزلة العصا أو السيف المسلط على رقاب الناس‪.‬‬

‫إن مجمل هذه الصور الفاشية في العنف والتعذيب المنظم تمارس يومي ًا على كافة‬
‫المعابر الزراعية‪ ،‬وما هذه الممارسات إال لجعلهم يعزفون أو يمتنعون عن الوصول إلى‬
‫‪276‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫هذه األراضي لهدف واحد‪ ،‬وهو تنظيف المشهد الطبيعي الواقع خلف الجدار من هؤالء‬
‫الفالحين‪ ،‬وإرهاقهم كي يم ّلوا هذه الظروف‪ ،‬فال يعودون إلى هذه األراضي‪ .‬وبالفعل‪،‬‬
‫أصبح العديد من الفالحين في قرى القدس يكتفون فقط باألعمال الروتينية‪ ،‬وخصوص ًا‬
‫الحراثة والتقليم فقط‪ ،‬من أجل الحفاظ على أراضيهم فقط عامرة‪ ،‬ولو بالحد األدنى‪،‬‬
‫أمام الشركات وتجار األراضي والسماسرة والمستوطنين‪ ،‬وغير مهتمين بأي إنتاج لهذه‬
‫األراضي‪.‬‬
‫أما القرى التي ابتليت باالحتجاز خلف الجدار‪ ،‬مثل بيت إكسا‪ ،‬والنبي صموئيل‪،‬‬
‫وعــزون‪ ،‬وبرطعة الشرقية‪ ،‬وغيرها‪ ،‬فقد أصبحت عبارة عن سجون فعلية‪ ،‬فقد أخذت‬
‫سلطات االحـتــال ق ــرار ًا يمنع دخــول أي مواطن من خــارج التجمع‪ ،‬إال إذا كــان لديه‬
‫تنسيق أمني مسبق‪ .‬وتحتفظ المداخل أو بوابات هذه القرى عند حراسها من الجيش‬
‫اإلسرائيلي بقائمة أسـمــاء لكل مواطني القرية‪ ،‬يجري التدقيق فيها عند الــدخــول إلى‬
‫القرى أو الخروج منها‪ ،‬وعــادة خالل فترات اإلغــاق األمنية يحظر نهائي ًا دخــول أحد‬
‫من القرى المجاورة أو األقرباء‪ ،‬راجلين أو محمولين بشكل قطعي‪ ،‬وحتى السيدات‬
‫ال ـلــواتــي ي ـتــزوجــن مــن خ ــارج ه ــذه ال ـقــرى يـصـبـحــن عـمـلـيـ ًا مــن خ ــارج ه ــذه ال ـقــرى بعد‬
‫تغيير المعلومات الشخصية في بطاقات الهوية الخاصة بهن‪ .‬وفــي بيت إكسا والنبي‬
‫صموئيل وبرطعة‪ ،‬أو حــي الخاليلة الــواقــع فــي جــوار مستوطنة جبعات زئـيــف‪ ،‬يحظر‬
‫على المواطنين إدخــال أكثر من طبق بيض أو أنبوبة غــاز‪ ،‬وأحيان ًا كيس دقيق أو علف‬
‫للحيوانات(‪.((1‬‬
‫‪ - 2‬جغرافيا الكارثة‪ :‬نتاجات الجدار الكارثية على المناطق المغلقة‪:‬‬

‫قرى شمال غرب القدس نموذج ًا‬
‫تبدو الوقائع الكارثية التي خلقها المشروع االستراتيجي اإلسرائيلي‪ ،‬والذي أفضى‬
‫بعد إجراءات التقطيع والقطع لألراضي والسكان‪ ،‬ماثلة في معظم أو كل تلك المناطق‬
‫السكانية التي أوقعها الجدار في ظروف كارثية يرتفع فيها مستوى اآلثار التدميرية يوم ًا‬
‫بعد يوم‪ .‬ومن هذه المناطق‪ ،‬على سبيل المثال‪ ،‬المنقطة السكانية المعروفة باسم شمال‬
‫غرب القدس‪.‬‬
‫(‪ ((1‬مقابالت خاصة مع المزارعين والمواطنين‪ ،‬ومع موظفي األمم المتحدة‪ ،‬وانظر أيض ًا التقارير الخاصة‬
‫التي تصدرها تباع ًا مؤسسة أمنستي وهيئة الرقابة األممية )‪ ،(OCHA‬وكذلك سجالت حصر األضرار‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يحاول البشر دائم ًا التكييف مع الظروف الطبيعية الطارئة أو حتى مع النظام الطبيعي‬
‫بشكل عــام‪ ،‬ولكن التكيف مع النتائج السياسية واألهــداف واألطماع االستعمارية كان‬
‫دائم ًا طبع ًا إنساني ًا استحال على قوى االستعمار استدخاله في نفوس الشعوب من أجل‬
‫ترويضها وتدجينها‪ .‬لقد أتم االستيطان والجدار حشر الناس في العديد من األقفاص‪،‬‬
‫وق ــد ال يستطيع أكـثــر ال ـنــاس تـضــامـنـ ًا مــع الـشـعــب الفلسطيني كضحايا لــاسـتـعـمــار‪ ،‬أن‬
‫يتصوروا نوعية الحياة في هذه األقفاص التي وجدوا أنفسهم محشورين فيها‪ .‬وكما كنا‬
‫قد أشرنا من قبل‪ ،‬عمدت سلطات االحتالل بعد عام ‪ 1967‬إلى ضبط حركة البناء أو‬
‫االستغالل‪ ،‬أو االستثمار خارج المخططات الهيكلية لجميع قرى فلسطين‪ ،‬فعبر عشرات‬
‫القرارات واألوامــر العسكرية الصادرة عن قائد المنطقة الوسطى‪ ،‬جرى احتجاز النمو‬
‫الطبيعي ضمن ح ّيزات أرضية هي نفسها التي كانت موجودة قبل االحتالل اإلسرائيلي‪،‬‬
‫واآلن نستطيع الـتــأكـيــد أن الـهــدف االسـتــراتـيـجــي لـهــذا الـفـعــل‪ ،‬ولـهــذه الـسـيــاســات‪ ،‬كــان‬
‫ال السيطرة على هذه األراضي لضمان استزراعها بالمستوطنات الحق ًا‪،‬‬ ‫يستهدف مستقب ً‬
‫أو على األقــل ضمان عدم التوسع السكاني واالستغالل الطبيعي للموارد الطبيعية في‬
‫األرض الفلسطينية إمعان ًا في السيطرة الكولونيالية لضمان الطرد المتدرج للسكان‪.‬‬
‫وقد ارتبطت هذه األوامر بمشروع هدم دائم ألية إنشاءات سكانية أو زراعية مهما‬
‫كانت بدائية‪ ،‬األمر الذي دفع الناس إلى العزوف عن البناء‪ ،‬ألن خطر الهدم سوف يكون‬
‫أكيد ًا‪ .‬ضمن هذه السياسة‪ ،‬آثر المواطنون البناء ضمن هذه المخططات الهيكلية للقرى‬
‫والمدن‪ .‬بعد عام ‪ 2004‬وحتى عام ‪ ،2014‬وأحال الجدار هذه المنطقة إلى قفص حاد‬
‫االختراق وصعب التجاوز‪ ،‬إذ ضاق هذا السجن واشتدت قسوة الحياة داخل جدرانه‪،‬‬
‫ســواء تلك التي بنيت بالخرسانة أم األس ــاك الشائكة‪ .‬كما ارتفعت الكثافة السكانية‬
‫ال لالحتمال‪ ،‬وتم احتجاز البشر ضمن ح ّيزات أرضية ال تختلف عن‬ ‫بشكل لم ي ُعد قاب ً‬
‫تجمعات الالجئين الفلسطينيين في المخيمات‪ ،‬لذلك أخذ الناس في البناء العمودي‪،‬‬
‫وهذا النظام مخالف للطبيعية الريفية التي تميل بطبعها إلى البيوت الريفية المستقلة‪ .‬إن‬
‫هــذا النمط الــذي أصبح شائع ًا في السنوات األخـيــرة‪ ،‬كــان أحــد المؤشرات على انعدام‬
‫فرص البناء خارج البؤر القروية‪ .‬ثم كانت ظاهرة االرتفاع الحاد جد ًا ألسعار األراضي‬
‫الخاصة بالبناء في زمن قياسي إلى أسعار قياسية جد ًا‪ ،‬فقد تم تسجيل ثمن الدونم الواحد‬
‫داخل هذه األقفاص بـ ‪ 100‬ألف دينار في قرية بدو‪ ،‬وبـ ‪ 200‬ألف دينار في بيرنباال(‪.((1‬‬
‫(‪ ((1‬مقابلة مع ّ‬
‫كل من سالم أبو عيد‪ ،‬وتوفيق النبالي‪ ،‬رؤساء البلديات في هذه القرى (آذار‪/‬مارس ‪.)2014‬‬
‫‪278‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وكــانــت النتيجة الـمـبــاشــرة لـهــذا الــوضــع الـسـكــانــي‪ ،‬ات ـجــاه الـمــواطـنـيــن إل ــى بـنــاء أو‬
‫اس ـتـغــال األراض ـ ــي الــزراع ـيــة لـبـنــاء مـنـشــآت ت ـجــاريــة أو تـحــويــل ال ـم ـنــازل إل ــى وح ــدات‬
‫اسـتــرزاقـيــة‪ ،‬مـثــل‪ :‬المشاغل الحرفية الـصـغـيــرة‪ ،‬كــالـنـجــارة وال ـح ــدادة‪ ،‬أو ورش تصليح‬
‫المركبات‪ ،‬وقص الحجر‪ ،‬وبيع أدوات البناء وتربية الدواجن المنزلية في المخازن أو في‬
‫ملحقات (بركسات) محيطة بالمنازل‪ .‬وقد أحالت هذه المنشآت الحرفية الحياة الريفية‬
‫إلى جحيم ال يطاق ونسبة تلوث عالية‪ ،‬وضوضاء لم يشهدها الريف العربي في فلسطين‬
‫عبر تاريخها الممتد‪.‬‬
‫لقد أدى البناء االجتماعي لهذه البنية الريفية الناتجة من سياسات تخطيط األماكن‬
‫اإلسرائيلية في فلسطين التي اشتغلت عليها قوى االحتالل الكولونيالي الصهيوني‪ ،‬إلى‬
‫ارتفاع كبير في الصراعات والخالفات االجتماعية العائلية‪ ،‬سواء داخل العائلة الواحدة‬
‫أم بين بـيــوت الـجـيــران الـمـتــراصــة‪ ،‬بسبب ال ـصــراع على الـحـيــزات األرض ـيــة‪ ،‬أو بسبب‬
‫التأثيرات السلبية والخطرة في األمن اإلنساني والبيئة الطبيعية‪ ،‬نتيجة هذا االستنزاف‬
‫الرهيب للتجمعات الريفية‪ ،‬ســواء مــن حيث تــراكــم النفايات أم الضوضاء أم التلوث‬
‫الناتج من هــذه الدكاكين الحرفية الموجودة داخــل الـحــارات أم بين البيوت أم داخل‬
‫المنازل نفسها‪.‬‬
‫كما أدى انـعــدام شبكات الـصــرف الصحي‪ ،‬وصعوبة إنشائها مستقب ً‬

‫ال‪ ،‬وانـعــدام‬
‫أيــة حـ ّيــزات أرضية خــارج القرى لصرف المياه العادمة منها‪ ،‬وعــدم بناء محطات تنقية‬
‫ومعالجة‪ ،‬بسبب ارتـفــاع تكاليفها اإلنشائية‪ ،‬إلــى كــارثــة بيئية‪ ،‬فهذه التكتالت البشرية‬
‫ال ـم ـح ـشــورة داخ ــل ه ــذه األق ـف ــاص م ــا زال ــت تـسـتـخــدم الـحـفــر االمـتـصــاصـيــة الـمــاصـقــة‬
‫والموجودة بين البيوت وداخل الحارات‪ ،‬وهي لم تعدّ قادرة على استيعاب مياه الصرف‬
‫الـصـحــي‪ ،‬وأصـبـحــت تفيض بشكل دائ ــم أو تـنـســاب عـلــى بـيــوت ال ـج ـيــران‪ ،‬األم ــر الــذي‬
‫شكل كارثة صحية تستحيل الحياة اإلنسانية بجوارها‪ .‬وأدت هذه الظاهرة إلى اشتعال‬
‫المشاكل العائلية‪ ،‬وبين الجيران‪ ،‬بشكل يومي‪ ،‬نتيجة هذه الكارثة الصحية‪ .‬والمالحظة‬
‫الظاهرة التي نشأت في السنوات العشر األخيرة‪ ،‬هي انتشار سيارات النضح لسحب هذه‬
‫الحفر االمتصاصية التي يدفع المواطن مقابل كل صهريج ما متوسطه ‪ 80 - 60‬شيك ً‬
‫ال‬
‫لعملية النضح الــواحــدة‪ .‬وهناك الكثير من البيوت التي تحتاج إلــى هــذه العملية ثالث‬
‫مــرات في الشهر الــواحــد‪ .‬واألهــم أو في مستوى األهمية أن أصحاب سـيــارات النضح‬

‫هذه يلجؤون إلى سكبها في األراضي الزراعية أو في األودية والمنحدرات‪ ،‬األمر الذي‬
‫‪279‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫خلق تشويه ًا خطر لهذه األراضي المتبقية للمواطنين العرب‪ ،‬وما يرتبط بذلك من تلويث‬
‫خطر للمياه الجوفية‪ ،‬وما يصاحبها من نواتج بيئية ال يتسع المجال الستعراضها‪ .‬ولعل‬
‫من المهم أن نذكر أن وادي سلمان‪ ،‬وهو من أهم األودية الشتوية للمنحدرات الغربية في‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬وهو المار بمحاذاة قرى بدو‪ ،‬وبيت عنان‪ ،‬وبيت دقو‪ ،‬والقبيبة‪ ،‬قد تحول‬
‫إلــى مستنقع بعد أن كــان يوم ًا من أجمل األمــاكــن الطبيعية في تــال فلسطين الوسطى‪،‬‬
‫حيث الغابات الطبيعية وكروم الزيتون والعنب واللوزيات واألزهــار والنباتات الصحية‬
‫العالجية‪.‬‬
‫تتناسل اآلثــار التدميرية على البيئة واإلنسان الفلسطيني‪ ،‬وتتكثف تبعاتها‪ ،‬بحيث‬
‫إن هــذه التبعات التي ترتبت على إنشاء هــذا الـجــدار تــؤدي يومي ًا إلــى آثــار يمكن التنبؤ‬
‫ألخطارها المستقبلية على الوجود اإلنساني في هذه الديار‪ ،‬التي تخضع إلجراءات ضبط‬
‫قل مثيله في البلدان التي خضعت لقوى االستعمار قديم ًا وحديث ًا ذات يوم‪.‬‬ ‫كولونيالي ّ‬
‫إن تدمير الطبيعة الجغرافية قد أخذ في فلسطين وسائل مختلفة لحساب نقاهة المستعمر‬
‫األبـيــض فيها‪ ،‬ال ــذي لصالحه ولصالحه فقط تـجــري كــل عمليات التخطيط المكانية‪.‬‬
‫ففي الوقت الــذي أجــرى فيه أصحاب السيادة االستعمارية عملية التخطيط القومي في‬
‫ال‪ ،‬الواقعة إلى الغرب من قرية الجيب العربية‬ ‫إسرائيل(‪ ،((1‬لمستوطنة جبعات زئيف‪ ،‬مث ً‬
‫شمال القدس‪ ،‬ترك المخططون لهذا الجسم االستعماري االستيطاني اإلحاللي (جبعات‬
‫زئـيــف) آالف الــدونـمــات الـمـصــادرة مــن أراض ــي الجيب وبيتونيا‪ ،‬وبيت دقــو‪ ،‬والطيرة‪،‬‬
‫للتوسع االستعماري فيها(‪ ،((1‬فإن قرية الجيب التي ابتليت في بناء الجدار فوق أراضيها‬
‫الغربية والشمالية والجنوبية‪ ،‬أصبحت في ضائقة سكنية أدت بأصحاب األراضــي إلى‬
‫البناء في أهــم شريط سهلي في محافظة الـقــدس‪ ،‬ويعدّ من أخصب األراض ــي الزراعية‬
‫في تالل فلسطين الوسطى؛ فخالل السنوات العشر األخيرة بعد إكمال بناء الجدار‪ ،‬فإن‬
‫السهل الغربي الواقع بين الجدار من جهة‪ ،‬والقرية من جهة أخــرى‪ ،‬يكاد يختفي كلي ًا‬
‫بسبب التوسع في البناء بعد ان خسرت القرية معظم األراضي الجبلية المحيطة بها‪ .‬إن‬
‫ال‪،‬‬ ‫ال‪ ،‬فمث ً‬
‫استنزاف األراضي الزراعية بالبناء سيضاعف األوضاع االقتصادية الصعبة أص ً‬
‫(‪ ((1‬يوسف جبارين‪ ،‬التخطيط القومي في إسرائيل‪ :‬استراتيجيات اإلقصاء والهيمنة‪ ،‬ترجمة سليم سالمة‬
‫وسالفة حجاوي (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪.)2013 ،‬‬
‫(‪ ((1‬خ ــال كتابة هــذه السطور‪ ،‬شرعت قــوات االحتالل خــال هــذه األيــام في توسيع المستوطنة (جبعات‬
‫حي استيطاني جديد أطلق المحتلون عليه اسم «جبعات هايلوت» بعد أن أعلنت وزارة اإلسكان والبناء‬ ‫زئيف) لبناء ّ‬
‫قبل ‪ 6‬شهور تقريب ًا عن إنشاء مئات الوحدات االستيطانية وإحالتها لشركات البناء‪.‬‬
‫‪280‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫فقد كان هذا السهل تاريخي ًا من أهم مراكز إنتاج الحبوب والمحاصيل الشتوية والخضار‬
‫الصيفية‪ ،‬والمحاصيل المختلفة‪ ،‬كالعنب والتين وغيرها‪.‬‬
‫ولعل الـظــاهــرة الـجــديــرة بالتسجيل‪ ،‬هنا‪ ،‬أن هــذه المنطقة المكونة مــن ‪ 16‬قرية‬
‫فلسطينية‪ ،‬كــانــت حـتــى ع ــام ‪ 1967‬تـتـمــركــز حـيــاتـهــا عـلــى الـقـطــاع ال ــزراع ــي ال ــذي كــان‬
‫األســاس للدخل واألمــن الغذائي وتشغيل القوى العاملة‪ ،‬وكانت المنحدرات الجبلية‬
‫المحيطة بهذا الريف مصدر ًا أساسي ًا للزراعات الشتوية (القمح‪ ،‬الشعير‪ ،‬العدس) التي‬
‫كانت توفر أمن ًا غذائي ًا للفالحين الفلسطينيين‪ ،‬وفي الوقت نفسه شكلت هذه األراضي‬
‫أساس ًا لتربية الثروة الحيوانية كمراعي طبيعية‪ ،‬إال أن النتائج التي ترتبت مباشرة على‬
‫مصادرة المراعي أدت إلــى انعدام قطاع تربية المواشي بشكل تــام‪ ،‬األمــر الــذي ساهم‬
‫بدوره في ارتفاع نسبة البطالة والبؤس والفقر والحرمان من األغذية أو العوائد النقدية‬
‫التي كان يوفرها هذا القطاع للعشرات من العائالت‪ .‬إننا في هذا المبحث من الدراسة‬
‫يمكن لنا أن نشير بكل دقة إلى أن ارتفاع مستوى البطالة والفقر بين الفلسطينيين لم يكن‬
‫ناتج ًا من إغالق سوق العمل اإلسرائيلي‪ ،‬كما يجري الترويج له من بعض األوســاط‪،‬‬
‫بقدر ما هو ناتج مباشرة من التدمير والمصادرة الدائمة لموارد اإلنتاج الطبيعية التي‬
‫عاش عليها الفلسطينيون قبل عام ‪ ،1967‬وقبل بناء الجدار العنصري اإلسرائيلي الذي‬
‫رفــع مستوى البطالة واألزم ــات االجتماعية إلــى مستوى لــم تعرفه فلسطين الوسطى‬
‫(الضفة الغربية) في تاريخها(‪.((1‬‬
‫كما كانت اآلثار االقتصادية االجتماعية للجدار كارثية‪ ،‬فإن إحدى النتائج الثقافية‬
‫الكارثية تكمن في توجه المواطنين في الريف الفلسطيني إلى هدم البيوت الكالسيكية‬
‫المقببة القديمة‪ ،‬وهــي النمط المعماري المالئم للبيئة الطبيعية واالقتصادية التاريخية‬
‫واالجتماعية العائلية الممتدة في مراكز القرى الفلسطينية‪ ،‬واستبدالها بالمعمار الهندسي‬
‫الحديث‪ .‬وقد أدت عمليات الهدم الدائمة لهذه البيوت (واألحــواش) الريفية القديمة‪،‬‬
‫إلى طمس معالم القرى القديمة ذات القيمة الجمالية والفولكلورية التي يستحيل إعادة‬
‫استرجاعها إذا استمرت عمليات الهدم هــذه إليجاد مــأوى بعد أن ضاقت البالد على‬
‫أهلها‪.‬‬
‫(‪ ((1‬أحواش‪ :‬جمع حوش‪ ،‬وهي نمط من البناء الكالسيكي من البيوت المقببة المتراصة للعائالت الممتدّ ة‪،‬‬
‫تتضمن المأوى السكني ومخازن للمحاصيل الزراعية ووحــدات (حظائر) لتربية الماشية وحيزات زراعية‬ ‫ّ‬ ‫والتي‬
‫صغيرة تُستَخدَ م إلنتاج الخضار الشتوية والصيفية بصفة خاصة‪.‬‬
‫‪281‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وال يمكن أن تتوقف النتائج اإلجرامية البشعة لهذا االحتالل على كل شيء يحمل‬
‫خلية حية في هذه البالد‪ ،‬وال يمكن لألخالق اإلنسانية أن تحتمل هذه النزعة االستعالئية‬
‫وتحتمل التعايش معها‪ .‬بالتأكيد‪ ،‬إن القيم االستعمارية تميل دائم ًا إلى االستحواذ على‬
‫الموارد والهيمنة واإلقـصــاء‪ ،‬ولكن أيض ًا لم تمارس قوى االستيطان في ما عرف عنها‬
‫من افتقارها إلى األخالق اإلنسانية‪ ،‬كما تمارس قوى االستيطان الفاشية ما تمارسه في‬
‫األراضي العربية المحتلة‪ .‬لقد سبق أن قلنا في هذه الدراسة إن الجدار استهدف إقصاء‬
‫الضحية عن المشهد الطبيعي العام لفلسطين في تالل الضفة الغربية‪ ،‬لكننا اليوم نقول‬
‫أيض ًا إن هذه الضحية المحتجزة في القفص تتعرض لما يشبه القتل المتعمد البطيء!‬
‫إن المشهد الـمـثــال ال ــذي تعيشه ه ــذه ال ـقــرى الــواقـعــة فــي ه ــذا الـقـفــص العنصري‬
‫يستوجب أن نمنحه مزيد ًا من التفاصيل‪ .‬لقد تــرك اإلغــاق المحكم ثغرة واحــدة‪ ،‬هي‬
‫ما أصبح يعرف بـ «النفق» الذي يمتد إلى أكثر من ‪1400‬م‪ ،‬وهو نفق مظلم ضيق‪ ،‬شهد‬
‫العشرات من حــوادث السير القاتلة عليه‪ ،‬حتى أصبح يسمى «نفق الـمــوت»‪ ،‬إذ يخرج‬
‫اإلن ـس ــان مــن نـفــق ال ـمــوت لـيـصـطــدم فــي بـحـيــرة مــن م ـجــاري جـيـبـعــون‪ ،‬وه ــي مستوطنة‬
‫إسرائيلية تقع على شــارع (‪ )443‬إلــى الغرب من قرية الجيب‪ ،‬وقــد بنيت على أنقاض‬
‫معسكر للجيش األردن ــي‪ ،‬ثم تحولت عبر الزحف االستيطاني الــدائــم إلــى بلدة يهودية‬
‫ال‪ ،‬ومستوطنة جفعون‬ ‫تتصل بمنطقة استيطانية إقليمية (جبعات زئيف‪ ،‬بيت حورون شما ً‬
‫هحدشاه وجبعات هشموئيل جنوب ًا)‪ .‬وبعد أن أصبحت مستوطنة جيبعون قائمة استولى‬
‫مستوطنوها على مئات الدونمات من أراضــي الجيب الغربية‪ ،‬وأصبحت عازلة للناس‬
‫خلف الجدار‪ ،‬ليس عن األرض الزراعية والموارد الطبيعية األخــرى‪ ،‬وإنما عن العالم‬
‫أيض ًا‪ .‬وقد بدأت المستوطنة بصرف مياه الصرف الصحي على الشريط السهلي الواقع‬
‫إلــى الشرق من المستوطنة‪ ،‬ويعدّ هــذا الشريط السهلي الــزراعــي‪ ،‬كما سبقت اإلشــارة‪،‬‬
‫من أجود األراضــي الزراعية‪ ،‬حيث تحفه المنازل العربية‪ ،‬ويمر بمحاذاته طريق القرى‬
‫الرئيسي المرتبط بالنفق (نفق الموت)‪.‬‬
‫تمر مياه الصرف الصحي المندفعة من المستوطنة‪ ،‬عبر قناة تحت الجدار غامرة‬
‫أكثر من ‪ 200‬دونم‪ ،‬بحيث تحولت إلى مستنقع أسود‪ ،‬جعل المنطقة بأسرها‪ ،‬واألرض‪،‬‬
‫والـمــزارعـيــن‪ ،‬والــرعــاة‪ ،‬وال ـمــارة‪ ،‬يعيشون فــي قفص أرضيته مــن مياه الـصــرف الصحي‬
‫الـقــادمــة مــن تـلــك المستوطنة‪ .‬وق ــد بـعــث األهــالــي ومـجـلــس محلي الـقــريــة بــالـعــديــد من‬
‫المذكرات إلى اإلدارة المدنية اإلسرائيلية‪ ،‬وأطلعوا عــدد ًا من أعضاء الكنيست العرب‬
‫‪282‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫على هذه الحالة الخطرة لعرضها على الكنيست اإلسرائيلي‪ .‬ومنذ ثالث سنوات‪ ،‬وهذه‬
‫الكارثة في توسع‪ ،‬وقد تحولت هذه المنطقة إلى ما يثير االشمئزاز واألسى بعد أن كانت‬
‫قبل الجدار وقبل المستوطنة من أجود وأروع المشاهد الطبيعية في تالل القدس‪ .‬ولكن‬
‫يتضح أن اإلدارة المدنية والحكومة اإلسرائيلية وسكان المستوطنة‪ ،‬لديهم اإلصرار على‬
‫استمرار هذا الواقع‪ .‬فهل يتخيل كائن في الدنيا لو أن أنبوب صرف صحي ًا في المدن أو‬
‫الشوارع اإلسرائيلية قد تعرض النسداد أو كسر‪ ،‬هل كان سيمر يوم أو يومين أو ثالثة من‬
‫دون إصالح الخلل ومعالجته فور ًا؟ هل هناك أبشع من الفصل والتميز العنصريين بين‬
‫البشر؟ هل هناك بشاعة تفوق هذه الوسائل اإلجرامية تجاه المواطنين الواقعين خلف‬
‫(‪((1‬‬
‫الجدار‪ ،‬وخلف الحياة‪ ،‬وخلف الرؤية‪ ،‬وخلف الشمس؟‬
‫ثاني ًا‪ :‬الحركة‪/‬التنظيم الفاشي للمستوطنين في‬

‫الضفة الغربية (جباية الثمن ‪ -‬تاج محيير)‬
‫يـبــدو واض ـح ـ ًا وجـلـيـ ًا أن تصاعد العنف الـفــاشــي ال ــذي يـمــارســه المستوطنون في‬
‫األراض ــي العربية المحتلة كــان مرتبط ًا بـعــدد مــن المعطيات الـمـتــداخـلــة‪ .‬فــارتـفــاع عدد‬
‫المستوطنين فــي الضفة الغربية ومدينة الـقــدس ومحيطها ال ــذي وصــل إلــى ‪ 650‬ألف‬
‫مستوطن‪ ،‬وكذلك الزيادة الكثيفة للمدارس الدينية وتوجه المجتمع اإلسرائيلي وميله‬
‫ال ـجــارف نحو اليمين فــي الـسـنــوات العشر األخ ـيــرة‪ ،‬واطـمـئـنــان المستوطنين إلــى عدم‬
‫االنسحاب من األراض ــي المحتلة بعد ضم النسبة العظمى للمستوطنات إلــى إسرائيل‬
‫بفعل الجدار‪ ،‬قد أخذ بدفع مستوى األعمال العدوانية تجاه التجمعات الفلسطينية‪ ،‬بما‬
‫فيها القرى والمدن العربية داخل األرض المحتلة عام ‪1948‬‏(‪.((2‬‬
‫لقد شهدت األعمال العنيفة الفاشية االستيطانية تطور ًا نوعي ًا في السنوات األخيرة‬
‫بفعل ظهور حركة جباية الثمن بين مستوطني الضفة الغربية‪ ،‬ويعود النشاط اإلجرامي‬
‫للحركة االستيطانية إلى عام ‪ 1980‬عندما جاهر التنظيم السري اليهودي باإلعالن عن‬
‫اغتيال عدد من رؤساء البلديات في الضفة الغربية‪ ،‬والتخطيط لهدم ونسف قبة الصخرة‬
‫والمسجد األقصى المبارك‪ ،‬ثم ظهر في أواسط الثمانينات تنظيم آخر عرف باسم تنظيم‬
‫(‪ ((1‬مشاهدات ميدانية‪ ،‬ومقابلة مع السيد غسان عالن رئيس مجلس محلي الجيب (آذار‪/‬مارس ‪.)2014‬‬
‫(‪ ((2‬م ـه ـنــد مـصـطـفــى‪ ،‬الـمـسـتــوطـنــون مــن الـهــامــش إل ــى الـمــركــز (رام ال ـلــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني لـلــدراســات‬
‫اإلسرائيلية (مدار)‪.)2013 ،‬‬
‫‪283‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫«دورية االنتقام» التي شكّلها عدد من أتباع الحاخام المتطرف كهانا‪ .‬وبعد اتفاق أوسلو‪،‬‬
‫ظهرت حركة أخرى عرفت باسم زو ‪ -‬آرتسينو (هذه أرضنا) التي ترأسها موشيه فيغلين‪،‬‬
‫الذي أصبح في ما بعد أحد تالميذ مدرسة نتنياهو اليمينية بعضويته في الليكود كعضو‬
‫كنيست‪ ،‬وخالل االنتفاضة الثانية ظهر التنظيم المعروف «بات هعين»‪ ،‬الذي قتل‪ ،‬كما‬
‫المنظمات السابقة‪ ،‬بضع عشرات من الفلسطينيين‪.‬‬
‫وفي منتصف التسعينيات ظهرت شبيبة التالل التي دعمها وأ ّطرها شارون الحتالل‬
‫تالل الضفة الغربية بواسطة إقامة بؤر استيطانية في هذه التالل‪ ،‬التي سرعان ما أصبحت‬
‫مستوطنات معترف ًا بها‪ .‬ويبدو أن كل هــذه التشكيالت ذات الطابع الميلشياوي كانت‬
‫مقدمة تمهيدية لـبــروز منظمة «ت ــاج محيير» (تدفيع الثمن أو جباية ال ـث ـمــن)(‪ ،((2‬والتي‬
‫كانت القوة المحركة لها عملية بناء الـجــدار‪ ،‬الــذي قــدم أكبر الجرعات الدينية اليمينية‬
‫العنيفة لهذا التشكيل االستيطاني الديني‪ ،‬العلماني االستعماري‪ ،‬حيث مكّن الجدار‬
‫أفراد هذه العصابة التي أصبحت تعيش حياة وأخالق القلعة المنعزلة المس ّيجة باألسوار‬
‫واألبـ ــراج‪ ،‬وفــي داخ ــل هــذه الـقــاع (المستوطنات) الـمـســورة يحصلون على التدريب‬
‫العسكري‪ ،‬وأساليب الهجوم‪ ،‬واختيار المواقع المستهدفة‪ ،‬وإتقان استخدام الوسائل‬
‫اإلرهــابـيــة واالستخبارية المختلفة‪ ،‬وطــرق االتـصــال بالجيش‪ ،‬واالنـسـحــاب اآلمــن بعد‬
‫الجريمة‪ ،‬وإل ــى هــذه الـقــاع المحاطة بالبرج والـســور يـعــودون ثانية‪ .‬وقــد قــدم الـجــدار‬
‫لهذه القطعان المنفلتة من األخــاق اإلنسانية الح ّيز اآلمــن الــذي يمارسون عبر بواباته‬
‫ومساربه ومسالكه الخاصة هذه الجرائم‪ .‬ويقوم الجيش بتوفير األمن عبر دورياته الكثيفة‬
‫المحمولة والراجلة لهذه العصابات التي ثبت خروجها تحت عيون ومرأى من الجيش‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬من دون أن يتحرك لمنعها أو اعتراض طريقها‪ .‬وهو الذي يؤ ّمن لها العودة‬
‫اآلمنة بمالحقة الفلسطينيين المدنيين الذين يهرعون إلى حماية ممتلكاتهم بإطالق النار‬
‫عليهم أو اعتقالهم أو تعذيبهم‪.‬‬
‫بــدأ هــذا التشكيل اإلرهــابــي نشاطه الفاشي عــام ‪ ،2008‬كــإجــراء منظم ومستمر‪،‬‬
‫وبغطاء وحماية من المؤسسة الرسمية السياسية واألمنية اإلسرائيلية‪ .‬واالدعاء المتداول‬
‫فــي األوس ــاط اإلسرائيلية أن هــذا التشكيل اإلرهــابــي جــاء رد ًا على توجهات الحكومة‬
‫ال ـم ـعــروفــة بــاالن ـس ـحــاب األحـ ـ ــادي ال ـجــانــب م ــن مـسـتــوطـنــات ق ـطــاع غ ــزة وب ـعــض ال ـبــؤر‬
‫(‪ ((2‬عـلـيــان الهندي‪« ،‬جباية الثمن‪ :‬اعـتــداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية‪ »،‬شؤون‬
‫فلسطينية‪ ،‬العدد ‪( 252‬شتاء ‪ ،)2014‬ص ‪.182 - 174‬‬
‫‪284‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫االستيطانية شمال الضفة الغربية‪ .‬والهدف المعلن هو أن يدفع الفلسطينيون ثمن السياسة‬
‫الرسمية للحكومة اإلسرائيلية(‪.((2‬‬
‫ويبدو من سلسلة الفظائع التي تمارسها هذه العصابة أنه ال يوجد لديها أية محاذير‬
‫فــي األه ــداف الـتــي يـجــري تخريبها أو االع ـتــداء عليها؛ إذ يتم االع ـتــداء على الكنائس‬
‫والمساجد كمؤسسات دينية مقدسة‪ ،‬وإح ــراق األشـجــار وقطعها‪ ،‬وإح ــراق السيارات‬
‫وإط ــاق الـنــار‪ ،‬وقتل المدنيين‪ ،‬ومهاجمة األري ــاف والمؤسسات لـيـ ً‬
‫ا‪ ،‬وســرقــة الكروم‬
‫والمحال التجارية‪ ،‬وتدنيس المقابر اإلسالمية والمسيحية‪ ،‬وخط الشعارات العنصرية‬
‫على واجهات المساجد والمعابد والمؤسسات الدينية‪ ،‬والتربص للمزارعين والرعاة‬
‫فــي الـخــاء واالع ـتــداء عليهم‪ ،‬وســرقــة أغنامهم وحـيــوانــاتـهــم‪ .‬وقــد رصــد مكتب تنسيق‬
‫الشؤون اإلنسانية المعروفة )‪ (OTCHA‬أكثر من ‪ 500‬اعتداء عام ‪ .2013‬وحتى كتابة‬
‫هــذه السطور‪ ،‬ذكــر تقرير مكتب تنسيق الشؤون اإلنسانية األخير (‪ )2014/5/23‬أن‬
‫متوسط عدد االعتداءات اإلجرامية التي تمارسها هذه العصابات يقدر بسبعة اعتداءات‬
‫في األسبوع الواحد(‪.((2‬‬
‫ويـشــارك فــي حمالت «جباية الثمن» التي انطلقت ونـشــأت فــي مستوطنة يتسهار‬
‫شمال الضفة الغربية آالف المستوطنين الذين ينتمون إلى ‪ 34‬منظمة يمينية ودينية أهمها‪:‬‬
‫مجلس المستوطنات في يهودا والسامرة‪ ،‬وحركة حباد الدينية‪ ،‬وحركة كــاخ‪ ،‬ومنظمة‬
‫كهانا حــي‪ ،‬ونساء باألخضر‪ ،‬وتضم هــذه المنظمات في صفوفها عــدد ًا من التنظيمات‬
‫الشبابية‪ ،‬أهمها‪ :‬شبيبة الليكود‪ ،‬وشبيبة المعسكر الديني الوطني‪ ،‬وشبيبة مستوطنات‬
‫إسرائيل‪ ،‬وشبيبة بني عقيبا الدينية‪ ،‬وتحظى هذه المنظمات بغطاء أيديولوجي وديني من‬
‫لجنة حاخامات يهودا والسامرة(‪.((2‬‬
‫‪ -‬المؤسسة الدينية والرسمية في خدمة وغطاء لمليشيا جباية الثمن‬
‫ّ‬
‫يتغذى العنف االستيطاني لميليشيا «جباية الثمن»‪ ،‬ليس على الفكر الديني الكاره‬
‫لألغيار‪ ،‬وإنما أيض ًا من السلوك المن ّظم لمؤسسة الجيش في الضفة الغربية‪ ،‬ومن قرارات‬
‫(‪ ((2‬انـظــر‪ :‬التقارير الشهرية والسنوية التي تصدر تباع ًا عن مكتب الشؤون اإلنسانية التابع لألمم المتحدة‬
‫على الرابط اإللكتروني التالي‪ ،<http://www.un.org/ar/humanitarian/> ،‬و«تدفيع الثمن ترتكب جريمة جديدة‬
‫في قرية نحالين‪ »،‬القدس‪.2014/4/4 ،‬‬

‫(‪ ((2‬مكتب الشؤون اإلنسانية التابع لألمم المتحدة‪.2014/5/23 ،‬‬
‫(‪ ((2‬الهندي‪« ،‬جباية الثمن‪ :‬اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية»‪.‬‬
‫‪285‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المؤسسة السياسية اإلسرائيلية أيض ًا‪ .‬وبالمستوى نفسه‪ ،‬فإن المؤسسة القضائية الرسمية‬
‫تمدّ هذه المليشيا بمصدر آخر من مصادر الغطاء والدعم القانوني جراء التسامح الشديد‬
‫مع أفراد هذه العصابات عندما يعرضون على القضاء في الحوادث النادرة‪ .‬وهذا العنف‬
‫الــذي يجد تسويغ ًا وتبرير ًا له عند المؤسسة الرسمية يكمن في االتفاق المشترك على‬
‫الهدف األعلى عند المؤسسة الرسمية ومليشيا المستوطنين‪ ،‬وهو الذي يستهدف خلق‬
‫البيئة الطاردة للفلسطينيين من ديارهم عبر منظومة ال حصر لها من الوسائل اإلرهابية‬
‫التي لم ت ُعد تحتكرها المؤسسة الرسمية‪ ،‬وإنما أصبحت تتقاسمها وظيفي ًا مع المليشيا‬
‫اإلرهــابـيــة االستيطانية‪ .‬لــذلــك‪ ،‬فــإن السكوت الرسمي عــن هــذه الجرائم يأتي فــي إطــار‬
‫الهدف األعلى للصهيونية‪ ،‬وهو تنظيف البالد من أصحابها العرب(‪.((2‬‬
‫جــاء ربــط جماعة «جباية الثمن» بالنازية على لسان عــدد مــن العناوين السياسية‬
‫واألمنية والفكرية ذات المستوى الرفيع في إسرائيل‪ ،‬فالوزير وعضو الكنيست عن حزب‬
‫العمل سابق ًا أوفيربينس‪ ،‬كتب في صحيفة يديعوت أحرونوت (‪« )2014/5/29‬عندما‬
‫يـخــرب متطرفون يـهــود أمــاكـ ًا عــربـيــة‪ ،‬ويـحــرقــون مـســاجــد‪ ،‬ويـخـطــون كـتــابــات عنصرية‪،‬‬
‫مثل‪« :‬العرب إلى الخارج»‪ ،‬يتعين علينا أن نعود ونتذكر ما فعلوه في اليهود في ألمانيا‪،‬‬
‫علينا أن نتذكر تكسير زجــاج مصالح تجارية يهودية‪ ،‬وإض ــرام النار بالكنس اليهودية‪،‬‬
‫ونشر الشعار المعادي للسامية «اليهود إلى الخارج»‪ ،‬وأضاف‪ :‬إنه يصعب فهم كيف أن‬
‫المجتمع اليهودي اإلسرائيلي الذي كوت أحداث المحرقة النازية وعيه الجماعي بصورة‬
‫عميقة للغاية‪ ،‬يتعامل بتسامح كهذا مع جرائم الكراهية ضد العرب»(‪.((2‬‬
‫وكانت فظائع هــذه الحمالت اإلجرامية قد حملت الكاتب اإلسرائيلي اليساري‬

‫الشهير «عاموس عوز» إلى القول‪« :‬إن تعابير مثل «جباية الثمن»‪ ،‬و«شبيبة التالل» التي‬
‫تطلق على هذه الجماعات‪ ،‬هي تعابير تجميلية‪ ،‬وإنــه حان الوقت كي نواجه الوحش‪،‬‬
‫ونسميه باسمه الحقيقي‪ ،‬فهي جماعات نازية عبرية جديدة‪ ،‬وإنــه ليس هناك أي شيء‬
‫يفعله النازيون الجدد في عصرنا‪ ،‬وال تفعله هــذه الجماعات هنا‪ .‬وربما يكون الفارق‬
‫الــوحـيــد كــامـنـ ًا فــي أن الـجـمــاعــات الـنــازيــة الـجــديــدة فــي إســرائـيــل تحظى بــدعــم مــن عــدد‬
‫غـيــر قليل مــن المشرعين الـقــومـيـيــن‪ ،‬أو العنصريين‪ ،‬وكــذلــك بــدعــم الـمــؤسـســة الدينية‬
‫(‪ ((2‬انـ ـظ ــر‪« :‬الخلفية الحقيقية لـجــرائــم جـبــايــة الـثـمــن ضــد الفلسطينيين فــي الـضـفــة الـغــربـيــة وداخ ــل الخط‬
‫األخضر‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2014/5/6 ،‬‬
‫(‪ ((2‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪286‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫(الـ «ييشيفاه») التي تقدم الدعم األيديولوجي والفتاوى التي تجيز وتشجع هذا اإلجرام‪.‬‬
‫كما تحظى هذه الجماعات بمباركة وتأييد عميق لدى الجهات التنفيذية في إسرائيل‪،‬‬
‫فرئيس الحكومة نتنياهو كــان قــد رفــض توصية تـقــدم بها قبل عــدة أع ــوام وزي ــر األمــن‬
‫وتنص على اعتبار جماعة «شبيبة التالل» و«جباية الثمن» التي تمارس‬ ‫ّ‬ ‫الداخلي والعدل‪،‬‬
‫يشف عن جوهر تعامل المؤسسة السياسية‬ ‫ّ‬ ‫هــذا اإلجــرام مجموعات إرهابية‪ ،‬وهــذا ما‬
‫واألمنية مع هذه الجماعة»(‪.((2‬‬
‫يــؤكــد تسامح ومـبــاركــة‪ ،‬بــل ودع ــم المؤسسة األمنية اإلسرائيلية الرسمية‪ ،‬رئيس‬
‫المخابرات اإلسرائيلية األسبق «كــارمــي غيلون»‪« :‬إن الشاباك قــادر على وقــف جرائم‬
‫«جباية الثمن»‪ ،‬وفــي ضــوء تسامح السلطات اإلسرائيلية مع من ّفذيها‪ ،‬إذ لم يتم تقديم‬
‫أي من من ّفذيها إلــى المحاكمة على مــدار السنوات الماضية التي ارتكبت فيها اآلالف‬
‫من هذه الجرائم‪ ،‬وذلك ألن فعل كهذا قد يفسر بأنه استخدام للشاباك لغايات سياسية»‪.‬‬
‫ويضيف‪« :‬إن نشاط جماعة «جباية الثمن» هو إرهــاب بكل معنى الكلمة‪ ،‬وقــد يؤدي‬
‫إلــى حالة غليان بين عــرب إسرائيل‪ ،‬وفــي المناطق المحتلة‪ ،‬ويــؤدي إلــى إلحاق األذى‬
‫على خلفية دينية باليهود في البالد والعالم‪ .‬وكون اإلرهاب الذي تمارسه جماعة «جباية‬
‫الثمن» موجه ًا نحو مؤسسات دينية إسالمية ومسيحية‪ ،‬فإن األمر يصبح حساس ًا وقاب ً‬
‫ال‬
‫لالشتعال أضعاف ًا مضاعفة»(‪.((2‬‬
‫ومن المدرسة األمنية (الشاباك) ذاتها‪ ،‬وعلى لسان رئيسها األسبق «عامي إيلون»‪،‬‬
‫في مقابلة مهمة مع مجلة قضايا إسرائيلية‪ ،‬يؤكد إيلون أن «جماعة «جباية الثمن» تحظى‬
‫تعرف هذه األعمال بأنها أعمال إرهابية‪ ،‬فالدولة تسميها‬
‫بالرعاية الرسمية‪ ،‬ألن الدولة لم ّ‬
‫«اعتداءات»‪ ،‬وليس إرهاب ًا‪ ،‬وتوجد للكلمات أهمية ليست عادية في تحديد الوعي‪« ،‬وإذا‬
‫لم تعرف الــدولــة هــذا األمــر بصورة دقيقة‪ ،‬فإنه باإلمكان من خــال غسل الكلمات أن‬
‫ال فظيعة‪ ،‬إذ توجد أهمية ليست عادية‬ ‫نقنع الجمهور بأن األعمال اإلجرامية ليست أعما ً‬
‫لتعريف الكلمة أو المصطلح ألنها هي التي تحدد الوعي»(‪.((2‬‬
‫(‪ ((2‬أنـ ـط ــون شـلـحــت‪« ،‬ج ــرائ ــم جـبــايــة الـثـمــن وال ـك ــذب اإلســرائ ـي ـلــي الـمـتـفــق عـلـيــه‪ »،‬الـمـشـهــد اإلســرائـيـلــي‪،‬‬
‫‪.2014/5/20‬‬
‫(‪« ((2‬رئ ـ ـيـ ــس ال ـش ــاب ــاك األس ـب ــق يــؤكــد أن ــه ب ــاإلم ـك ــان وق ــف ج ــرائ ــم ج ـبــايــة ال ـث ـم ــن‪ »،‬الـمـشـهــد اإلســرائ ـي ـلــي‪،‬‬
‫‪.2014/5/6‬‬
‫(‪ ((2‬مقابلة خاصة أجراها كل من أنطون شلحت وبالل ضاهر مع اللواء الرئيس األسبق لجهاز الشاباك عامي‬ ‫ّ‬
‫أيلون ون ُِش َرت في‪ :‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد ‪.)2013( 52‬‬
‫‪287‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وتـجــدر اإلش ــارة إلــى أن التحفظات أو الهجوم الــذي يبديه عــدد مــن المسؤولين‬
‫السابقين فــي المؤسسة الرسمية‪ ،‬كما سبقت اإلش ــارة‪ ،‬أو أعـضــاء كنيست فــي المركز‬
‫الحاكم‪ ،‬وهم يبدون هذا الرفض لسلسلة األعمال اإلجرامية التي تمارسها هذه الجماعة‪،‬‬
‫ال ينتبهون إلى األخطار الناتجة من هذه األعمال االنتقامية التي قد تــؤدي إلى‬ ‫فإنهم أو ً‬
‫حالة غليان وتوتر في أوساط العرب الفلسطينيين داخل إسرائيل‪ ،‬وفي األراضي المحتلة‪،‬‬
‫إذ تؤدي هذه األعمال إلى إلحاق األذى على خلفية دينية باليهود في إسرائيل والعالم‪،‬‬
‫وك ــون إره ــاب «جباية الثمن» موجه ًا ضــد مؤسسات دينية مسيحية‪ ،‬فــإن األم ــر يصبح‬
‫حساس ًا وقابالً لالشتعال أضعاف ًا مضاعفة‪ ،‬وفق تصريحات رئيس الشاباك األسبق كارمي‬
‫غيلون(‪ ((3‬في الوقت نفسه‪ ،‬فإن الموقف الــذي أعلنه وتبنّاه عاموس عوز الــذي وصف‬
‫هذه الحركات بالنازية‪ ،‬قد تعرض لحملة عنيفة من قبل أوساط دينية وعلمانية‪ ،‬على حد‬
‫سواء‪ ،‬بادعاء أنه ال يمكن مقارنة أي عنف يمارسه أوساط من اليهود بحق الفلسطينيين‬
‫بالجرائم النازية التي مورست ضد اليهود يوم ًا ما(‪.((3‬‬
‫ال يـمـكــن لـعـيــون الفلسطينيين ال ـتــي تـشــاهــد جــرائــم ه ــذه الـجـمــاعــات أن تخطئ‪،‬‬
‫وال تخطئ عيون المراقبين والكتّاب والصحفيين‪ ،‬وال حتى القيادات اإلسرائيلية التي‬
‫سبقت اإلش ــارة إليها‪ .‬فهذه الجماعات‪ ،‬تحظى بالدعم الحكومي الرسمي بالتدريب‬
‫والتمويل والتخطيط لهجماتهم على الفلسطينيين‪ ،‬ومــا السكوت الرسمي والتغاضي‬
‫الفاضح عن هوس هذه الجماعات وإصرارها على مالحقة الفلسطينيين وإلحاق األذى‬
‫بهم متى أمكنهم ذلك‪ ،‬إال نتيجة هذا الدعم‪ ،‬وهو الذي يسم السياسة الرسمية للحكومة‬
‫اإلسرائيلية تجاهها‪ ،‬رغم أنها موصوفة باإلرهاب حتى عند أوساط مختلفة في إسرائيل‪.‬‬
‫على أية حال‪ ،‬فإن هذه الحقائق ال تفاجئ كل عاقل في هذه الدنيا‪ ،‬فهذا التيار االستيطاني‬
‫اإلرهابي الذي يدعي أن تالل فلسطين الوسطى هي أراض توراتية صافية‪ ،‬هو ذاته التيار‬
‫الذي نشأ في دفيئة هذا اليمين االستعماري العبري الحاكم في إسرائيل الذي قاد مشروع‬
‫االستيطان في الضفة الغربية منذ عام ‪ 1967‬وحتى اآلن‪ ،‬وهو المشروع االستراتيجي‬
‫الذي من شأنه أن يضع حد ًا لمطالب الفلسطينيين في تقرير المصير على أراضي الضفة‬
‫الغربية‪ .‬أضف إلى ذلــك‪ ،‬أن النشاطات التي تقوم بها لجنة حاخامات يهودا والسامرة‬
‫(الضفة الغربية) يجري تمويلها من مؤسسات حكومية رسمية‪ ،‬ويعتبر كل أعضاء اللجنة‬
‫ال عن‪ :‬يدعوت أحرنوت‪.‬‬ ‫(‪ ((3‬انظر كارمي غيلون في‪ :‬المشهد اإلسرائيلي‪ ،2014/5/6 ،‬نق ً‬
‫(‪ ((3‬عـلــى سبيل المثال‪ ،‬انظر بعض ًا مــن ال ــردود العنيفة على األدي ــب عــوز‪ ،‬فــي‪ :‬كاتيا ريتبين‪« ،‬االستعمال‬
‫ال عن صحيفة إسرائيل اليوم‪.‬‬ ‫البائس لكلمة نازي‪ »،‬القدس‪ ،2014/5/13 ،‬نق ً‬
‫‪288‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الممول األب ــرز‪ ،‬ليس للبناء‬
‫ّ‬ ‫موظفين حكوميين‪ ،‬أي أن الجهاز الرسمي الحكومي هو‬
‫االستيطاني‪ ،‬وإنما لكل الفتاوى الدينية التي تبيح قتل الفلسطينيين وإعــدام أشجارهم‬
‫حرق ًا وقطع ًا‪ .‬وتمتلك هذه الجماعة القناة التلفزيونية السابعة (قناة المستوطنين) التي‬
‫تبث من عــرض البحر المتوسط‪ ،‬كما تحظى هــذه األفعال اإلجرامية بتعاطف عــدد من‬ ‫ّ‬
‫وتروج‬
‫ّ‬ ‫الصحف والمواقع اإللكترونية التي تع ّظم من هذه النشاطات وترعاها وتغطيها‬
‫لها‪.‬‬
‫وكــانــت حــادثــة وقــوع أكثر مــن عشرة مــن المستوطنين فــي كمين نصبه الفالحون‬
‫الفلسطينيون للمستوطنين أث ـنــاء مـحــاولـتـهــم تقطيع أش ـجــار الــزي ـتــون فــي قــريــة قصرى‬
‫إلــى الشرق من نابلس في مطلع عــام ‪ 2014‬حدث ًا كاشف ًا للغطاء الــذي تمنحه سلطات‬
‫االح ـت ــال لـهــذه المليشيا‪ .‬فـقــد تـمـ ّكــن الفلسطينيون مــن احـتـجــازهــم‪ ،‬وسـ ــارع الجيش‬
‫اإلسرائيلي إلــى تخليصهم‪ ،‬إال أن أي ـ ًا منهم لــم يقدم إلــى المحاكمة‪ .‬وكــانــت المنظمة‬
‫الحقوقية «ييش ديــن»‪ ،‬وهي منظمة المتطوعين لحقوق اإلنسان‪ ،‬قد أصــدرت في نهاية‬
‫عام ‪ 2013‬ورقة معطيات حول اعتداءات المستوطنين وتوفير مظلة حماية رسمية لهم‪.‬‬
‫واستناد ًا ِإلــى المعطيات التي تم توثيقها من قبل المنظمة المذكورة‪ ،‬فإن ‪ 97.4‬بالمئة‬
‫من ملفات التحقيق التي فتحتها الشرطة اإلسرائيلية في «يهودا والسامرة» في أعقاب‬
‫استهداف أشجار الزيتون في الحقول الفلسطينية قد تم إغالقها(‪.((3‬‬
‫مس ًا‬
‫وتشير الورقة إلى أن إتالف األشجار المثمرة‪ ،‬بما فيها أشجار الزيتون‪ ،‬يشكل ّ‬
‫ويمس بصورة مباشرة برفاهيتهم‪ ،‬نظر ًا إلى كون الغالبية‬
‫ّ‬ ‫قاسي ًا بممتلكات الفلسطينيين‪،‬‬
‫العظمى من الفلسطينيين في الضفة الغربية يعتمدون في حياتهم على الزراعة كمصدر‬
‫دخل رئيسي‪ ،‬وفي مقدمة ذلك قطاع الزيتون الذي يوفر الدخل لحوالى ‪ 100‬ألف عائلة‬
‫فلسطينية(‪ .((3‬فمن بين الملفات الـ ‪ 211‬التي تم فتحها في أحداث إحراق وقطع أشجار‬
‫الزيتون‪ ،‬قامت الشرطة بإغالق ‪ 183‬ملف ًا‪ ،‬بينما لم تنته سوى ‪ 4‬ملفات فقط بتقديم لوائح‬
‫اتهام ضد المعتدين‪ ،‬ويعني هذا أن ما نسبته ‪ 97.4‬بالمئة من تلك الملفات تم إغالقها‬
‫في إلقاء القبض على أفــراد هــذه العصابات‪ .‬وفــي بعض الـحــاالت الفاضحة التي ألقي‬
‫فيها القبض على بضع أفراد من هذه المليشيا اإلجرامية‪ ،‬وحرص ًا على الظهور بالمظهر‬
‫(‪ ((3‬انظر‪ :‬عدي عد‪« ،‬الطريق تجريد‪ :‬اللجان حالة البؤرة االستيطانية‪ »،‬ييش دين (منظمة متطوعين لحقوق‬
‫‪<http://www.yesh-din.org/ar/infoitem.asp?infocatid=324>.‬‬ ‫اإلنسان ‪ -‬تل أبيب) (‪ 18‬نيسان‪/‬أبريل ‪،)2013‬‬

‫(‪ ((3‬سليم سالمة‪« ،‬الشرطة اإلسرائيلية أغلقت نحو ‪ %98‬من ملفات التحقيق في اعتداءات المستوطنين‬
‫على األشجار في الضفة الغربية‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2014/1/14 ،‬‬
‫‪289‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الديمقراطي‪ ،‬وتجنب ًا لمالحقة المنظمات الحقوقية واإلعالمية المتهمة بمحاوالت نزع‬
‫الشرعية عن إسرائيل‪ ،‬تقوم الشرطة أو أفراد الجيش باعتقال بعض من هؤالء بين الحين‬
‫واآلخ ــر‪ ،‬وتقديمهم إلــى المحاكمة‪ ،‬لكن هــذه األحـكــام الشكلية تــراوحــت بين الغرامة‬
‫المالية الرمزية واالعتقال أو الحجز في أماكن خاصة ليطلق سراحهم بعدها بأيام قليلة‪.‬‬
‫وفــي بعض الـحــاالت‪ ،‬تمت إحالة بعض أفــراد هــذه العصابات على الــدوائــر الحكومية‬
‫للقيام بالخدمة الـعــامــة فــي مــؤسـســات رسمية أو أهلية كـنــوع مــن الـعـقــاب أو المساءلة‬
‫الشكلية(‪.((3‬‬
‫وف ــي مـقــال ج ــريء للكاتب اإلســرائـيـلــي «ألـيـكــس فـيـشـمــان»‪ ،‬وه ــو أح ــد أصـحــاب‬
‫األق ــام المهمة فــي إح ــدى الـصـحــف اإلســرائـيـلـيــة (يــديـعــوت أح ــرون ــوت)‪ ،‬كـتــب تحت‬
‫عنوان «حكومة نتنياهو ال تريد وضع حدّ لإلرهاب اليهودي»‪« :‬ويبدو أن إرهــاب هذه‬
‫المس بقوات األمن اإلسرائيلي مؤخر ًا‪ ،‬بدأ يثير الرأي العام‬ ‫ّ‬ ‫الجماعات الذي انتقل نحو‬
‫الموجه إلى الفلسطينيين استنكار ًا ذا مغزى‬ ‫ّ‬ ‫اإلسرائيلي من دون أن يحرك هذا العنف‬
‫حقيقي إال من بعض األوساط اليسارية التي بدأت تخشى من انتقال العدوى إلى داخل‬
‫المجتمع اإلســرائـيـلــي»‪ .‬وقــد وصــف أليكس فيشمان هــذه الـجـمــاعــات بــالـجــرح القبيح‬
‫ال الجهاز الرسمي الحكومي كامل المسؤولية لهذه‬ ‫محم ً‬
‫ّ‬ ‫الـنــازف لــإرهــاب اليهودي‪،‬‬
‫األعمال اإلرهابية التي ع ّينت قائد كتيبة حرس الحدود في الضفة الغربية لضبط األمن‬
‫في المناطق (المقصود الضفة الغربية)‪ ،‬وهو مستوطن يقيم في مستوطنة يتسهار‪ ،‬وهي‬
‫المستوطنة التي تشكّل مركز ًا وقاعدة لجماعة «جباية الثمن»‪ .‬وهذا الضابط المستوطن‬
‫لــم يتعاون مــع المحققين الــذيــن حــاولــوا الـتـعـ ّـرف إلــى «المشاغبين» الــذيــن اعـتــدوا على‬
‫قــوات األمــن في يتسهار‪ ،‬وهو يصف الموقف العام للحكومة بقوله‪« :‬القيادة السياسية‬
‫تثرثر بشعارات‪ ،‬وما زال الجميع يقفون عاجزين عن مواجهة تآمر سياسي من أخطر ما‬
‫عرفته إسرائيل منذ إنشائها»‪ .‬وهو يصف الجيش اإلسرائيلي بأنه لن يكون مؤه ً‬
‫ال أبد ًا‬
‫الموجه ضد العرب‪ ،‬ألنه ال يمكن للجندي اإلسرائيلي أن ُيعامل‬ ‫ّ‬ ‫لمقاومة هذا اإلرهاب‬
‫ال لحماية اليهود في إسرائيل‪ ،‬وليس‬ ‫المستوطنون اليهود كأنهم أعداء‪ ،‬فهو قد جنّد أص ً‬
‫حماية أمن الفلسطينيين(‪.((3‬‬
‫(‪ ((3‬ان ـظــر مقال رئيس فريق منظمة العمل األمريكي مــن أجــل فلسطين ‪ -‬واشنطن زيــاد العسلي فــي‪ :‬زيــاد‬
‫العسلي‪« ،‬عصابات دفع الثمن اليهودية تضع إسرائيل أمام مفترق طرق‪ »،‬القدس‪.2014/2/5 ،‬‬
‫(‪ ((3‬أليكس فيشمان‪« ،‬حكومة نتنياهو ال تريد وضع حد لإلرهاب اليهودي‪ »،‬القدس‪ ،2014/4/24 ،‬نقالً‬
‫عن‪ :‬يديعوت أحرونوت‪.‬‬
‫‪290‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ما إن يستولي الليل على سماء فلسطين حتى تستولي هذه الجماعة على طرقاتها‬
‫وأمنها وممتلكاتها‪ :‬فهم الغاية االستراتيجية األعلى للمشروع الكولونيالي االستعماري‬
‫فيها‪ ،‬وهم األداة األشد مضا ًء في إرهاب الفلسطينيين‪ .‬فعندما ترفض حكومة االحتالل‬
‫تجريم هــذه الفئات باعتبارها جماعة إرهابية‪ ،‬وعندما يكون رئيس المجلس اإلقليمي‬
‫شموون (الـســامــرة)‪ ،‬وهــو «غــرشــون مسيكا»‪ ،‬المبادر إلــى تشكيلها وتمويلها من أمــوال‬
‫المجلس اإلقليمي الــذي كــان يــرأســه‪ ،‬والــذي تموله الحكومة من مــوازنــة دولتها‪ ،‬وهو‬
‫مــن نشطاء حــزب الـلـيـكــود‪ ،‬والمقيم فــي مستعمرة إيـلــون مــوريــه (غ ــرب نــابـلــس)‪ ،‬وهو‬
‫الــذي يحظى بالرعاية الخاصة من قبل رئيس الحكومة في إسرائيل؛ وإذا كــان الجيش‬
‫اإلســرائ ـي ـلــي‪ ،‬بـحـســب أقـ ــوال الـمـحـلــل الـعـسـكــري رون ب ــن ي ـشــاي لـ ـ صحيفة يــديـعــوت‬
‫أحــرونــوت (‪ ،)2011/12/30‬يتعامل مــع جــرائــم المستوطنين بـقـفــازات مــن حرير‪،‬‬
‫والشرطة تبدي المباالة غير مسوغة‪ ،‬وجهاز الشاباك يتنكر لمسؤولياته؛ فإذا كان األمر‬
‫كذلك‪ ،‬فإنه يمكن تفسير ظواهر الرحمة والتفهم والتعاون والمساعدة التي يبديها القضاة‬
‫اإلسرائيليون عندما تعرض عليهم بعض من جرائم هؤالء المستوطنين(‪.((3‬‬
‫إن الــرعــايــة االق ـت ـصــاديــة واالجـتـمــاعـيــة ال ـتــي تـحـظــى بـهــا جـمــاعــات المستوطنين‪،‬‬
‫بشكل عام‪ ،‬والمكانة الدينية واالعتبارية واألمنية التي يتمتعون بها(‪ ،((3‬جعلت خريجي‬
‫الـمــدارس الثانوية الدينية‪ ،‬وطــاب الـمــدارس الدينية القومية الــذيــن كــانــوا على هامش‬
‫الثقافة اإلسرائيلية‪ ،‬أبطال المرحلة‪ .‬ولئن كان مستوطنو أوائل القرن العشرين صهيونيين‬
‫اشتراكيين ومتدينين‪ ،‬بصفة أساسية‪ ،‬فقد أصبح الجزء األساسي واألكثر ديناميكية من‬
‫محتلي األرض منذ اآلن‪ ،‬هو ذاك الذي يتجلب بـ «التاليت» (شال الصالة لدى اليهود)‪،‬‬
‫ويعتمر القلنسوات المنسوجة (إشارة إلى تيار المتدينين الوطنيين)(‪ .((3‬إن أبطال المرحلة‬
‫ه ــؤالء‪ ،‬وخ ــال كتابة هــذه الـسـطــور مــن هــذه الــدراســة‪ ،‬هــم الــذيــن خطفوا الفتى محمد‬
‫أبو خضير من بلدة شعفاط شمالي القدس المحتلة‪ ،‬صباح يوم األربعاء (‪)2014/7/2‬‬
‫وأعدموه حرق ًا؛ ذلك الحادث المأساوي الذي تحول إلى نقطة انطالق فعلية لحالة من‬
‫الغليان عمت فلسطين استنكار ًا لهذا اإلعدام السادي الذي تقشعر له كل نفس إنسانية‪.‬‬
‫(‪ ((3‬أن ـط ــوان شلحت‪« ،‬االسـتـعـمــار االستيطاني فــي فلسطين‪ :‬جماعات جباية الثمن االستيطانية‪ »،‬مجلة‬
‫الدراسات الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪( 91‬صيف ‪ ،)2012‬ص ‪.137 - 127‬‬

‫(‪ ((3‬إمطانس شحادة وحسام جريس‪ ،‬دولــة رفــاه المستوطنين‪ :‬االقتصاد السياسي للمستوطنات (رام الله‪:‬‬
‫المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪.)2013 ،‬‬

‫(‪ ((3‬شلومو ساند‪ ،‬اختراع أرض إسرائيل‪ ،‬ترجمة أنطوان شلحت وأسعد زعبي (رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني‬
‫للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2013 ،‬ص ‪.267‬‬
‫‪291‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬تصاعد المقاومة الشعبية وتنامي‬
‫حملة المقاطعة العالمية إلسرائيل‬
‫‪ - 1‬تصاعد المقاومة الشعبية ضد إسرائيل‬

‫كان قرار بناء الجدار استمرار ًا لنظرية الفصل األحادي الجانب التي رافقت شارون‬
‫حتى عندما أخذ قرار االنسحاب من غزة‪ ،‬ويمكن رصد نتائج هذه الظاهرة المتأججة‬
‫الـمـسـ ّـمــاة «ال ـج ــدار»‪ ،‬بمنظومة مــن الـظــواهــر المختلفة‪ :‬ال ـجــدار الـمـسـكــون بــالــدالالت‬
‫االستعمارية العنيفة‪ ،‬لم يجعل هناك فضا ًء لفلسطين؛ فقد استهدف بداهة تدمير أية آفاق‬
‫لتسوية معقولة وممكنة‪ ،‬وأدخــل الـجــدار إلــى الظاهرة االستعمارية مجموعة وأنماط ًا‬
‫جــديــدة مــن أســالـيــب الـهـجــوم العنيف والـمـسـتــدام والـمـنـظــم‪ :‬ضيق ًا وف ـقــر ًا زاح ـف ـ ًا‪ ،‬وهو‬
‫لم يستأصل الظاهرة الجمالية للمشهد الطبيعي الفلسطيني فقط‪ ،‬وإنما أراد‪ ،‬كسياسة‬
‫وفعل استعماري‪ ،‬أن يستأصل بواعث الثورة في نفوس البشر عبر هذا السجن المخزي‬
‫للضمير اإلنساني‪ .‬لقد اعتبره الفلسطينيون حرب ًا‪ ،‬واعتبره أوري بن إليعازر (مؤرخ في‬
‫جامعة تل أبيب) حرب ًا أخــرى في سياقات الحروب اإلسرائيلية‪ ،‬وليس وسيلة إلنهاء‬
‫الحروب‪.‬‬
‫وليس الجدار فقط أداة إجرائية حادة لسرقة األراضي ونهب الموارد‪ ،‬بل إنه «مدماك‬
‫إضافي في جهاز السيطرة اإلسرائيلية الهادف إلى إعادة صياغة العالقة مع الفلسطينيين‬
‫على أســاس الحاكم والمحكوم‪ ،‬واستمرار السيطرة والعقاب الجماعي والحرب على‬
‫كل الشعب الفلسطيني‪ ...‬وضمن هــذا المفهوم الــذي حــدّ ده «أوري بن إليعازر»‪ ،‬أعدّ‬
‫الـجــدار ليكون ليس ح ــدود ًا فـقــط‪ ،‬بــل عــاقــات سيطرة على أس ــاس الفصل‪ ،‬خصوص ًا‬
‫حين ال يكون الفصل وفق اتفاق وأعــراف تبادلية‪ .‬ويصل بن إليعازر إلى نتيجة مؤداها‪:‬‬
‫«إذا كان الفلسطينيون قد حاولوا بواسطة االنتفاضة أن يشعروا اإلسرائيليين بوجودهم‬
‫واحتياجاتهم ورغباتهم‪ ،‬فقد جاء الجدار بواسطة امتداده وارتفاعاته ليشعرهم من هو‬
‫الـطــرف المقرر والـمـحــدد للواقع على األرض‪ ،‬وكــذلــك مــن يملك تحويلهم إلــى غير‬
‫مرئيين وإلى «آخرين»‪ ،‬وإلى ما يشبه عدم القدرة على اكتشافهم‪ ،‬وكأنهم غير موجودين‪.‬‬
‫ال يبنون‬ ‫ونتيجة ذلك‪ ،‬أخرج من قاموس علم التاريخ الصهيوني النظرية التي تقول‪« :‬أو ً‬
‫(يضعون الحقائق)‪ ،‬وبعد ذلك يواجهون مغزى ما تم بناؤه وانعكاساته‪ .‬وكــان الجدار‬
‫نتيجة تـطــورات سياسية على األرض بــدأت بحقائق متمثلة بحواجز وإغــاقــات يمكن‬
‫‪292‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫رفعها‪ ،‬وشوارع عنصرية يمكن أن تفتح للجميع‪ ،‬لكن جدار ًا وسور ًا بمثل هذا الحجم‪،‬‬
‫وهذا االستثمار‪ ،‬أراد أن يخلد الوضع القائم»(‪.((3‬‬
‫أجج‬‫وألن النفس البشرية تأبى التغييب‪ ،‬وترفض الدونية واإلقصاء والتمييز‪ ،‬فقد ّ‬
‫الجدار كوامن النفس البشرية عند الفلسطينيين إلثبات آدميتهم أمام هذه القوة القاهرة‬
‫التي تريد تأبيد الدونية مقابل االستعالء‪ ،‬وتأبيد العزل مقابل الفضاء‪ ،‬وتأبيد الظلمة أمام‬
‫النور‪ .‬لقد فهم الفلسطينيون منذ بدأت الجرافات بالحفر وتحديد المسار أنهم أمام حالة‬
‫توحشية ال تــرى فــي وجــودهــم وممتلكاتهم ســوى نـتــوءات فــي المشهد الـعــام ال بــدّ من‬
‫إزالتها‪ .‬وأدرك هــؤالء الفالحون أن ترسيم وبناء مسار الجدار ما هي إال عملية حرب‬
‫حقيقية‪ ،‬أو كارثة‪ ،‬أو زلزال يهدد الوجود اإلنساني من حيث هو وجود طبيعي كائن على‬
‫األرض التي يعيشون ويقتاتون من ثمارها‪.‬‬
‫تـبـعــث ق ــدرة ال ـجــرافــات الـهــائـلــة مــن ن ــوع )‪ ،(D. 9‬وه ــي تـشــق األرض‪ ،‬وتسحق‬
‫األشجار والمزارع وكــروم الزيتون‪ ،‬على الصدمة العنيفة للكائنات البشرية التي تعيش‬
‫فــوق هــذه األرض‪ .‬ومــع ذلــك‪ ،‬وبشكل إنساني تلقائي تــام‪ ،‬بــدأ الناس في قرية جيوس‬
‫القريبة من مدينة قلقيلية بمواجهة هــذه اآلالت الضخمة ووحــدات الحراسة المسلحة‬
‫التي تحميها منذ نهاية عــام ‪ .2002‬وقــد انتقلت هــذه المواجهات واالعتصامات أمام‬
‫الجرافات إلى قرى مسحة وبدرس وبدو وبيت سوريك وبيت دقو وبيت أجزا‪ ،‬ثم إلى‬
‫بلعين ونعلين وكفرقدوم والمعصرة والنبي صالح‪ ،‬ودير قديس‪ ،‬والعيزرية‪ ،‬وأبوديس‪،‬‬
‫وبيت أمر‪ ،‬وسلوان‪ ،‬ومسحة‪ ،‬ودير بلوط‪ ،‬والزاوية‪ ،‬وغيرها العشرات من المواقع‪ .‬ومع‬
‫تقدم بناء الجدار‪ ،‬بدأ الناس والنشطاء من التنظيمات السياسية بتأسيس اللجان الشعبية‬
‫لمقاومة الجدار واالستيطان‪.‬‬
‫‪ -‬المقاومة الشعبية (انتفاضة الجدار)‬

‫تــزامـنــت ش ــرارة ه ــذه الـمـقــاومــة مــع الـحـصــار ال ـم ـفــروض عـلــى األراضـ ــي المحتلة‬
‫واالجتياحات العسكرية الكبيرة التي كانت في ذروتها على مدى الفترة (‪.)2004 - 2001‬‬
‫ولــذلــك لــم تحظ هــذه الوسائل الكفاحية باالهتمام والتغطية اإلعالمية الكافية‪ ،‬حيث‬
‫اتجهت كــل األنـظــار إلــى عمليات االغتيال واجتياحات الـمــدن وحـصــار القائد عرفات‬
‫(‪ ((3‬أوري بن إليعازر‪ ،‬الحروب الجديدة إلسرائيل‪ :‬تفسير اجتماعي ‪ -‬تاريخي‪ ،‬ترجمة عليان الهندي (رام‬
‫الله‪ :‬مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق‪ ،)2014 ،‬ص ‪.451‬‬
‫‪293‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫في المقاطعة في رام الله‪ .‬ومع ذلك‪ ،‬شكّلت هذه البدايات والمشاركة الشعبية الواسعة‬
‫في عملية المقاومة الشعبية التي تمثلت بمنظومة ال حصر لها من الفعاليات الالعنفية‪،‬‬
‫والتي تمثلت بالوقوف أمام الجرافات والمظاهرات الواسعة‪ ،‬وتقطيع األسالك الشائكة‪،‬‬
‫وإلقاء الحجارة على الجرافات وقوات الحراسة‪ ،‬ما دفع الجيش اإلسرائيلي إلى ممارسة‬
‫وســائــل العنف المختلفة مــن أجــل أن ال تعيق هــذه النشطات الشعبية حركة الجرافات‬
‫وفــرق األمــن وشركات البناء‪ .‬وقد استطاع المتظاهرون وأصحاب األراضــي أن يعيقوا‬
‫عمل الجرافات في شمال القدس‪ ،‬وعندها أخذ الجيش اإلسرائيلي وقوات شرطة لواء‬
‫القدس قرار ًا بإطالق النار على المتظاهرين بغرض القتل‪ ،‬ففي بدو وبيت أجزا وبيت دقو‬
‫سقط الشهداء األربعة األوائل في المقاومة الشعبية التي أخذت في التصاعد حاملة اسم‬
‫انتفاضة الـجــدار(‪ .((4‬وانتقلت هذه المقاومة التي أخــذت بالتجذر والتصاعد إلى بلعين‬
‫ال أذهـلــت الجيش اإلسرائيلي‬‫ونعلين‪ ،‬حيث أخــذت فعاليات المقاومة الشعبية أشـكــا ً‬
‫والمراقبين والمؤسسات اإلعالمية‪.‬‬
‫وأصـبــح مشهد المتظاهرين يتصدر وســائــل اإلع ــام‪ ،‬حيث أب ــدى المتظاهرون‬
‫الفلسطينيون إصرار ًا عميق ًا على مواجهة جيش االحتالل‪ ،‬وأبدعوا في اجتراح وسائل‬
‫أخالقية وإبداعية في المقاومة‪ ،‬التي أصبحت تسمى «المقاومة الشعبية» عبر أدواتها‬
‫التنفيذية الـتــي حملت اس ــم «الـلـجــان الشعبية لـمـقــاومــة ال ـجــدار واالس ـت ـي ـطــان» فــي ما‬
‫بعد(‪.((4‬‬
‫كــان الفعل النضالي المنضبط الــذي مارسته‪ ،‬ومــا زالــت‪ ،‬هــذه اللجان في مقاومة‬
‫ال ـجــدار واالسـتـيـطــان يمثل الـحــدث األب ــرز فــي منظومة العمل الــوطـنــي الفلسطيني في‬
‫السنوات العشر األخيرة‪ ،‬وقد استأنس الفلسطينيون واللجان الشعبية لمقاومة آفة الجدار‬
‫وســرطــان االستيطان بالمتضامنين والنشطاء الــدولـيـيــن‪ ،‬خـصــوصـ ًا مــن حــركــة التضامن‬
‫الدولية )‪ (ISM‬الذين أضافوا إلى االحتجاجات الرافضة للفصل العنصري بعد ًا دولي ًا‪،‬‬
‫حيث جرى بواسطتهم استخدام ما أصبح يعرف بـ «عولمة اللهجات»‪ ،‬إذ أصبح مفهوما‬
‫(‪ ((4‬م ـ ــازن قمصية‪ ،‬الـمـقــاومــة الشعبية فــي فلسطين‪ :‬تــاريــخ حــافــل بــاألمــل واإلن ـجــاز (رام ال ـلــه‪ :‬المؤسسة‬
‫الفلسطينية لدراسة الديمقراطية (مواطن)‪.)2011 ،‬‬
‫(‪ ((4‬انظر‪« :‬بلعين‪ »،‬ويكيبيديا‪ :‬الموسوعة الحرة‪<http://ar.wikipedia.org/wiki/%d8%a8%d9%84% ،‬‬

‫>‪ ،d8%b9%d9%8a%d9%86‬و«النبي صالح (قرية)‪ »،‬ويكيبيديا‪ :‬الموسوعة الحرة‪<http://ar.wikipedia.org/ ،‬‬
‫‪wiki/%d8%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%8a_%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad_(%d9%82%d8‬‬
‫>‪ ،%b1%d9%8a%d8%a9‬و«كفر قدوم‪ »،‬ويكيبيديا‪ :‬الموسوعة الحرة‪<http://ar.wikipedia.org/wiki/%d9%8 ،‬‬
‫‪3%d9%81%d8%b1_%d9%82%d8%af%d9%88%d9%85>.‬‬
‫‪294‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫«حـقــوق اإلن ـســان»‪ ،‬و«الفصل العنصري»‪ ،‬مــن المفاهيم السائدة فــي لغة الخطاب عند‬
‫الفلسطينيين‪ ،‬كما رفع المتظاهرون صور مارتن لوثر كينغ‪ ،‬والمهاتما غاندي‪ ،‬ونيلسون‬
‫مانديال‪ ،‬وراشيل كوري‪ .‬ونظم االئتالف الدولي ضد الجدار مظاهرات في أماكن مختلفة‬
‫على مستوى العالم في مناسبات دولية رمزية‪ ،‬مثل سقوط جدار برلين ومحكمة الهاي‬
‫بخصوص الجدار(‪.((4‬‬
‫وقد القت تجارب قرى بلعين والنبي صالح ونعلين وكفرقدوم والمعصرة حضور ًا‬
‫واهتمام ًا وتضامن ًا دولي ًا من مختلف دول العالم‪ ،‬نظر ًا إلــى النهج السلمي (الالعنف)‬
‫الــذي انتهجته هــذه اللجان في هــذه المناطق‪ ،‬األمــر الــذي جعل إسرائيل تعمل جاهدة‪،‬‬
‫وبـكــل الــوســائــل‪ ،‬لــوقــف هــذه الـنـشــاطــات‪ ،‬ومنها اسـتـخــدام وســائــل القتل الـتــي أدت إلى‬
‫سقوط شهداء اثنين في بلعين‪ ،‬وأكثر من ‪ 5‬شهداء في نعلين‪ ،‬وثالثة آخرين في النبي‬
‫صالح‪ .‬وفي بلعين‪ ،‬فقط‪ ،‬أصيب أكثر من ‪ 1500‬متظاهر‪ ،‬وجرى اعتقال ‪ 200‬مواطن‬
‫من القرية والمشاركين‪ .‬وبفضل هــذا العمل الــذي استنزف قــوات االحتالل وأجهزتها‬
‫ودوائ ــره ــا‪ ،‬وبفضل هــذا التضامن الــدولــي‪ ،‬اضـطــرت المحكمة اإلسرائيلية العليا إلى‬
‫استصدار قرار يقضي بهدم أكثر من ‪ 2‬كلم من مسار الجدار بعد إتمام تجهيزه وتشغيله‪،‬‬
‫واستعاد أهالي بلعين حوالى ‪ 1200‬دونم من أراضي القرية الغربية والجنوبية(‪ ،((4‬وذلك‬
‫في ‪ ،2011/6/20‬مع العلم أن قرار محكمة العدل بهدم هذا المقطع وإعــادة األرض‬
‫إلى أصحابها في بلعين كان قد صدر في ‪ ،2007/9/4‬إال أن الجيش اإلسرائيلي في‬
‫الضفة الغربية حاول بكل الوسائل إبطال هذا القرار‪ ،‬وتأجيل تنفيذه لدواع أمنية كاذبة‪،‬‬
‫بعد أن تب ّين للمحكمة نفسها أن ضم هــذه المنطقة خلف الجدار كــان من أجــل توسيع‬
‫المستوطنة القريبة من القرية(‪ ،((4‬وكذلك من أجل أال يؤدي تراجع الجيش عن بناء هذا‬
‫المقطع‪ ،‬في هذا المسار‪ ،‬وهــدم ما تم بناؤه‪ ،‬إلى نموذج يحتذى عند القرى والبلدات‬
‫األخرى‪.‬‬
‫ون ـظــر ًا إلــى حــدّ ة العنف اإلسرائيلي التي تمثل بهذا البناء المد ّمر ألبسط أسباب‬
‫تحولت إلــى نهج كفاحي فاضح‬ ‫الـحـيــاة‪ ،‬ونـظــر ًا إلــى أسـلــوب المقاومة الالعنفية الـتــي ّ‬
‫(‪ ((4‬بن إليعازر‪ ،‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.486‬‬

‫(‪ ((4‬يمكن االطالع على هذه التجربة وعلى هذه الوثائق لدى اللجنة الشعبية في بلعين‪ ،‬وكذلك على موقع‬
‫بلعين في‪« :‬بلعين‪ »،‬ويكيبيديا‪ :‬الموسوعة الحرة‪.‬‬

‫منسق اللجنة الشعبية في بلعين وأحد النشطاء المركزيين‬
‫(‪ ((4‬مقابلة وشهادة من السيد عبد الله أبو رحمة‪ّ ،‬‬
‫في المقاومة الشعبية في الضفة الغربية (آذار‪/‬مارس ‪.)2014‬‬
‫‪295‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫للغزاة وألخ ــاق االسـتـعـمــار(‪ ،((4‬فقد شكّلت هــذه المقاومة حالة لجذب قــوى السالم‬
‫اليهودية في المجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬مثل حركة تعايش‪ ،‬وغــوش شالوم‪ ،‬وتحالف النساء‬
‫للسالم‪ ،‬ومحسوم ووتش‪ ،‬ونساء بالسواد‪ ،‬وعير عميم‪ ،‬وفوضويون ضد الجدار‪ ،‬ونيفي‬
‫شالوم‪ ،‬وييش غفوول(‪ ،((4‬وزخروت‪ ،‬وحاخاميون من أجل حقوق اإلنسان‪ ،‬الذين كان‬
‫لوجودهم الدائم مع المتضامنين الدوليين تأثير عميق في نشاطات المقاومة الشعبية‪ .‬كما‬
‫شكّل وجودهم واستعدادهم الدائم لتوثيق هذه األحداث عبر وسائل التصوير وتسجيل‬
‫ال مهم ًا في حماية الفلسطينيين من خطر التنكيل والقتل‪ ،‬فوجودهم شكّل‬ ‫األحداث عام ً‬
‫درع ًا إنساني ًا أخالقي ًا حدّ في كثير من المواقف من قدرة الجيش اإلسرائيلي من التنكيل‬
‫بالفلسطينيين وقتلهم واعتقالهم‪.‬‬
‫لقد جعل الجدار‪ ،‬كفعل ونظام فاضح للطغاة‪ ،‬والمقاومة الشعبية المتصاعدة لهذا‬
‫الفعل وهــذا النظام‪ ،‬المجموعات الدولية ذات الفكر اإلنساني التحرري‪ ،‬قــادرة على‬
‫االنــدمــاج مــع هــذا الشكل الالعنفي‪ ،‬الــذي ال تستطيع أيــة منظمة دولـيــة رسمية أو غير‬
‫رسمية أن تجد ثغرة إلدانته‪ .‬ونتيجة للقدرة اإلقناعية العالية في حشد التأييد اإلنساني‬
‫لعدالة القضية الفلسطينية‪ ،‬ونضال الشعب الفلسطيني‪ ،‬أخــذت الممارسات العنصرية‬
‫الصهيونية تـخــرج مــن االهـتـمــام الــرسـمــي الــدولــي إلــى حـ ّيــز االهـتـمــام لــدى المؤسسات‬
‫المدنية والنشطاء من ذوي الميول والتوجهات التحررية‪ .‬ولذلك لجأت المؤسسة األمنية‬
‫اإلسرائيلية إلى التشديد والمراقبة الدقيقة لكل من يطلب السفر إلى إسرائيل‪ ،‬تحسب ًا من‬
‫انتقالهم إلى األراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس للعمل إلى جانب الفلسطينيين‬
‫ضد السياسة اإلسرائيلية‪ .‬وكثير ًا ما قامت إسرائيل بإعادة العشرات من هذه القوى من‬
‫المطار‪ ،‬ومنعت دخولهم إلــى إسرائيل‪ ،‬أو عمدت إلــى طردهم فــور ًا عند اعتقالهم في‬
‫الضفة الغربية‪ .‬وذلك تحسب ًا من تنامي هذه الظاهرة التي أصبحت قادرة على حشد قوى‬
‫ومؤسسات دولية كثيرة أخــذت في االنضمام إلى هذه الحركة الشعبية الالعنفية‪ ،‬التي‬
‫اعتبرتها إسرائيل تندرج ضمن محاوالت الفلسطينيين في ما أصبح يعرف في الخطاب‬
‫السياسي الرسمي اإلسرائيلي «نزع الشرعية عن إسرائيل»(‪.((4‬‬
‫(‪ ((4‬حول المقاومة الالعنفية‪ :‬انظر‪ :‬جين شارب‪ ،‬المقاومة الالعنفية‪ :‬دراسات في النضال بوسائل الالعنف‬
‫(بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.)2011 ،‬‬

‫(‪ ((4‬المنظمات اليهودية والدولية التي تدعم وتشارك الفلسطينيين في هذه المقاومة‪ ،‬انظر‪The Palestine :‬‬
‫‪Freedom Project, <http://www.palestinefreedom.org/organization?country=af>.‬‬

‫(‪ ((4‬ليندا طبر وعالء العزة‪« ،‬المقاومة الشعبية بعد االنتفاضة الثانية‪ »،‬مجلة الدراسات الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪97‬‬
‫(شتاء‪ ،)2014 ،‬ص ‪.130 - 119‬‬
‫‪296‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وفــي تطور غير مسبوق‪ ،‬استطاع هــذا الفعل الشعبي الموصوف بـ «الالعنف» أن‬
‫يستقطب إلــى جانبه أسـمــا ًء ومؤسسات دولية فاعلة‪ ،‬كــان لتضامنها وزيارتها المباشرة‬
‫لمواقع هــذه األح ــداث أثــر إيجابي فــي تنامي قــوة هــذه التوجهات الكفاحية الالعنفية‪.‬‬
‫ال‪ ،‬كــان لــزيــارة الــوفــود الدولية قريتي بلعين والنبي صالح‪ ،‬مــؤشــر ًا على رفــض هذه‬ ‫فمث ً‬
‫الـقــوى والمؤسسات والمسؤولين الرسميين لفكرة الـجــدار العنصري‪ ،‬وبالتالي تأييد‬
‫الـعـمــل الــوطـنــي الفلسطيني ال ــذي يستهدف تـجــريــم الـسـيــاســة اإلســرائـيـلـيــة إزاء الـجــدار‬
‫واالستيطان‪.‬‬
‫عـنــد حــالــة بلعين‪ ،‬كــإحــدى ب ــؤر الـمـقــاومــة الشعبية‪ ،‬يمكن أن ن ــرى الـسـيــدة لــويــزا‬
‫مورغنتيني‪ ،‬نائبة رئيس البرلمان األوروبــي‪ ،‬كضيفة دائمة على بلعين‪ ،‬والتي لم تتوقف‬
‫زيارتها لهذه القرية حتى بعد انتهاء عملها الرسمي‪ ،‬مصطحبة معها ع ــدد ًا مــن الوفود‬
‫التضامنية لالطالع والمشاركة الفعلية في تظاهرات بلعين األسبوعية‪ .‬كما زار بلعين‬
‫مرياد مكوير‪ ،‬الناشطة الدولية األيرلندية الحاصلة على جائزة نوبل للسالم‪ ،‬وستيفان‬
‫هيسل‪ ،‬السفير السابق لفرنسا في األمم المتحدة‪ ،‬وكذلك أعضاء في مجلس النواب في‬
‫االتحاد األوروبــي‪ .‬وقد سجل عبد الله أبو رحمة‪ ،‬منسق اللجنة الشعبية في بلعين‪ ،‬في‬
‫شهادته لهذه الدراسة‪ ،‬أن العديد من قناصل وسفراء دول االتحاد األوروبي‪ ،‬إضافة إلى‬
‫القنصل األمريكي في القدس‪ ،‬قد وصلوا إلى القرية لالطالع المباشر على هذه التجربة‬
‫الكفاحية‪ ،‬ولـيـصــدروا إعــانـ ًا صريح ًا مــن قبلهم على رفــض هــذه السياسة اإلسرائيلية‪.‬‬
‫وإن مشاركة مندوبين رسميين من قبل ممثليات االتحاد األوروبي في جلسات محاكمة‬ ‫ّ‬
‫أبو رحمة في المحكمة العسكرية اإلسرائيلية‪ ،‬شاهد على القدرة اإلقناعية العالية لهذه‬
‫الظاهرة لدى هذه األوساط األوروبية‪ ،‬التي أصبحت قادرة على تفهم الرواية العربية في‬
‫فلسطين أكثر من أي وقت مضى(‪.((4‬‬
‫ولـعــل الـبـيــان الــرسـمــي ال ــذي أصــدرتــه كــاثــريــن أش ـتــون‪ ،‬ممثلة السياسة الخارجية‬
‫لالتحاد األوروبــي‪ ،‬ووليم هيغ‪ ،‬وزير خارجية بريطانيا‪ ،‬مطالبين باإلفراج عن أبو رحمة‬
‫من السجون اإلسرائيلية‪ ،‬باعتباره مدافع ًا عن حقوق اإلنـســان‪ ،‬هو خير تعبير عن فشل‬
‫الرواية اإلسرائيلية األمنية لبناء الجدار‪ ،‬وبالتالي اعتراف المؤسسات والفعاليات الدولية‬
‫بحق الفلسطينيين الطبيعي في الكفاح إلسقاط هذا النموذج العنصري‪.‬‬

‫منسق اللجنة عبد الـلــه أبــو رحـمــة في‬

‫(‪ ((4‬ان ـظ ــر‪« :‬وثــائــق الـمـقــاومــة الشعبية ‪ -‬بلعين» ومقابلة مـطـ ّـولــة مــع ّ‬
‫‪.2014/6/1‬‬
‫‪297‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وف ــي إطـ ــار ه ــذا ال ـت ـضــامــن‪ ،‬يـمـكــن اإلشـ ـ ــارة إل ــى زي ـ ــارة جـيـمــي ك ــارت ــر‪ ،‬الــرئـيــس‬
‫األمريكي األسبق؛ والقس ديزمون توتو‪ ،‬وإلى الشخصية الهندية إيال بهات؛ وفرندو‬
‫كــاردوس‪ ،‬الرئيس البرازيلي األسبق؛ وغــرو بنتالند‪ ،‬رئيسة النرويج السابقة؛ ومــاري‬
‫روبنسون‪ ،‬الرئيسة األيرلندية السابقة؛ وجون دوغارد‪ ،‬المقرر الخاص لحقوق اإلنسان‬
‫فــي فلسطين؛ والـسـيــدة هينا جـيــانــي‪ ،‬الممثلة الـخــاصــة لألمين الـعــام لــأمــم المتحدة‬
‫ل ـشــؤون ح ـقــوق اإلن ـس ــان؛ ه ــذا إضــافــة إل ــى أع ــام ثـقــافـيــة وفـنـيــة شـهـيــرة م ـعــروفــة‪ ،‬مثل‬
‫جاكسون ألغرو‪ ،‬عازف البيانو اليهودي الهولندي الذي عزف في بلعين تأييد ًا لمقاومة‬
‫الفلسطينيين ضد الفصل والعزل العنصري‪ ،‬وكذلك عازف الغيتار والمغني األمريكي‬
‫ديفيد ويكس الذي صدح صوته في بلعين رفض ًا لهذه الحالة االستعمارية الصهيونية‬
‫في فلسطين(‪.((4‬‬
‫وتكاد الصورة الكفاحية للمقاومة الشعبية في بلعين أن تنطبق تمام ًا على فعاليات‬
‫قرية النبي صالح (شمال مدينة رام الـلــه)‪ ،‬فاالتحاد األوروب ــي‪ ،‬وعبر رسالة إلــى األمم‬
‫المتحدة‪ ،‬اعتبر كالً من باسم التميمي‪ ،‬الناشط في المقاومة الشعبية؛ وناجي التميمي‪،‬‬
‫مدافع ْين عن حقوق اإلنسان‪ ،‬وهي إشارة صريحة إلى عدم مشروعية المحاكم العسكرية‬
‫اإلسرائيلية‪ ،‬النتهاكها حقوق اإلنسان في حقه الطبيعي والمشروع في مقاومة االحتالل‬
‫وإجراءاته التعسفية‪.‬‬
‫وفي تقرير خاص نشرته المقاومة الشعبية على مجلتها بعنوان‪« :‬قرية النبي صالح‬
‫في عام ‪ ،»2011‬يمكن أن نتب ّين من خالله حجم الوفود الدولية ونوعيتها التي أتّت إلى‬
‫القرية لتشارك وتستطلع األخطار الناتجة من الزحف االستيطاني والعزل العنصري‪ .‬ومن‬
‫جهة أخــرى‪ ،‬فإن هذه الــزيــارات والجوالت الميدانية تحمل أيض ًا مضمون ًا تضامني ًا مع‬
‫الحركة الشعبية التي أخذت من النبي صالح مركز ًا جماهيري ًا كفاحي ًا لها‪ .‬فعلى أثر مقتل‬
‫الشاب مصطفى عبد الــرازق التميمي (‪ ،)2011/2/10‬قام كل من القنصل األلماني‪،‬‬
‫وسفير جمهورية التشيك‪ ،‬وممثل االت ـحــاد األوروبـ ــي فــي الـشــرق األوس ــط‪ ،‬والقنصل‬
‫اإلسباني‪ ،‬وقنصل دولة مالطا‪ ،‬والقنصل البريطاني العام‪ ،‬بتقديم واجب العزاء إلى ذوي‬
‫الشهيد مصطفى التميمي(‪.((5‬‬
‫(‪ ((4‬المقابلة نفسها‪.‬‬

‫(‪« ((5‬ردود فعل على اغتيال الشهيد مصطفى التميمي»‪ ،‬قاوم (مجلة المقاومة الشعبية)‪ ،‬العدد ‪( 2‬شباط‪/‬‬
‫فبراير ‪ ،)2012‬ص ‪.19‬‬
‫‪298‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وقــد حــاول االحـتــال عبر وسائل مختلفة ليس القتل ّإل واحــدة منها‪ ،‬أن يجفف‬
‫هذه األنماط الكفاحية التي أصبحت تلحق أضــرار ًا خطرة بسمعة إسرائيل في المجتمع‬
‫الدولي‪ .‬وبدأت إسرائيل تخشى أكثر من أي وقت مضى من الوصمة العنصرية الكريهة‬
‫التي استنزفت النظام العنصري في جنوب أفريقيا‪ ،‬وجعلت منه نظام ًا منبوذ ًا في المجتمع‬
‫الدولي‪ ،‬عبر المقاطعة والحصار الدبلوماسي واإلدانــات الدائمة له في كل المؤسسات‬
‫األممية الرسمية واألهلية على مستوى العالم‪ .‬ولــذا يخشى االحـتــال أن يتحول هذا‬
‫الجدار إلــى لعنة أبدية عليه‪ ،‬ومــن هنا تلجأ المؤسسة األمنية اإلسرائيلية إلــى استخدام‬
‫القوة بكل أشكالها‪ ،‬واالعتقاالت‪ ،‬وإلحاق اإلصــابــات بالسكان‪ ،‬والقيام بالمداهمات‬
‫الليلية‪ ،‬واعـتـقــال األط ـفــال‪ ،‬وحـظــر الـتـجــول‪ ،‬واإليـ ــذاء الـجـســدي‪ ،‬وتـعــذيــب المعتقلين‪،‬‬
‫ومداهمة المنازل وتحطيم محتوياتها‪ ،‬واستخدام الكالب لنهش المتظاهرين‪ ،‬كما جرى‬
‫في قرية كفرقدوم‪ ،‬وتشديد الخناق على القرى الناشطة لتفكيك البناء االجتماعي فيها‪،‬‬
‫للضغط على المقاومة الشعبية الستنزافها وتجفيف مواردها البشرية‪.‬‬
‫في هــذا السياق‪ ،‬فــإن العنف اإلسرائيلي‪ ،‬وسياسة الحرب النفسية التي تحترفها‬
‫ـت ف ــي عـضــد ال ـم ـقــاومــة الـشـعـبـيــة ل ـل ـجــدار ال ـعــازل‬
‫األج ـه ــزة األم ـن ـيــة اإلســرائ ـي ـل ـيــة‪ ،‬ل ــم ي ـفـ ّ‬
‫تشع في معظم المناطق‪ ،‬وال سيما‬ ‫واالستيطان اإلسرائيلي‪ ،‬إذ إن شرارة المقاومة بدأت ّ‬
‫مدينة القدس وضواحيها‪ ،‬فقد أضحت بلدة سلوان جنوب مدينة القدس مركز ًا متقدم ًا‬
‫لهذه الفعاليات‪ ،‬وكذلك األمــر في حي الشيخ جــراح الــذي يشهد حملة تضامن دولية‬
‫ضد االحتجاز وهدم المنازل ومصادرتها من قبل الجمعيات الدينية اليهودية التي تنشط‬
‫بشكل بشع داخل المدينة المقدسة‪ .‬ويمكن النظر إلى خيم االعتصام التي أقامها النشطاء‬
‫حي الشيخ جــراح التي استقطبت النشطاء الدوليين ونشطاء من الحركات اليسارية‬ ‫في ّ‬
‫اليهودية التي أيقظ العدوان اإلسرائيلي فيها األخالق والضمير اإلنساني‪ ،‬تجاه ما تشهده‬
‫أحياء المدينة من تخريب وتدمير وسرقة ممتلكات‪ ،‬جهار ًا ونهار ًا‪ ،‬برعاية رسمية وغطاء‬
‫قضائي منحاز إلى القيم الصهيونية(‪.((5‬‬
‫في إطــار متصل‪ ،‬شهد عاما ‪ 2012‬و‪ 2013‬تصاعد ًا وتحو ً‬

‫ال وتجديد ًا نوعي ًا في‬
‫المقاومة الشعبية‪ ،‬جرى التعبير عنه في إغــاق الطرقات الرئيسية اإلسرائيلية التي تعدّ‬
‫شرايين التنقل األساسية‪ ،‬مثل شارع ‪ ،443‬وطريق القدس ‪ -‬معاليه أدوميم‪ ،‬الذي أغلقه‬
‫(‪« ((5‬المقاومة المدنية في فلسطين‪ :‬ملف العدد‪ »،‬شؤون فلسطينية‪ ،‬العددان ‪( 254 - 253‬صيف ‪ -‬خريف‬
‫‪ ،)2013‬ص ‪.225 - 210‬‬
‫‪299‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المتظاهرين بأجسامهم عبر االستلقاء على األرض بحواجز بشرية أذهلت شرطة وجيش‬
‫االحـتــال‪ ،‬لسرعة التنفيذ والـمــداورة السرية الدقيقة‪ ،‬التي كانت تفاجئ هــذه األجهزة‪،‬‬
‫رغــم ما تملكه من قــدرات استخبارية عالية في تت ّبع النشطاء الميدانيين الذين يقودون‬
‫هذه الحركات الكفاحية الشعبية‪ .‬وكان الالفت في تطور وسائل المقاومة الشعبية‪ ،‬هو‬
‫بناء القرى في المناطق التي تعتبرها إسرائيل ذات قيمة حيوية وأمنية عالية‪ ،‬فقد أقامت‬
‫قوى المقاومة الشعبية قرية «باب الشمس» في سفوح جبال القدس الشرقية‪ ،‬والمعروفة‬
‫بمنطقة )‪ ،(E-1‬وقرية الكرامة في بيت أكسا القريبة من طريق القدس ‪ -‬يافا‪ ،‬وقرية أحفاد‬
‫يونس المطلة على مستوطنة معاليه أدومـيــم‪ ،‬وقرية عين حجلة في المناطق العسكرية‬
‫المغلقة إلى الشرق من مدينة أريحا‪ ،‬وقرية المناطير قرب قرية بورين (نابلس) القريبة من‬
‫المستوطنات التي أقامتها شبيبة التالل التي رعاها شارون(‪.((5‬‬
‫جاء بناء هذه القرى على شكل خيام‪ ،‬كما في قرية باب الشمس‪ ،‬وعلى شكل بيوت‬
‫من اللبن (الطوب)‪ ،‬كما في قرية الكرامة‪ ،‬وبيوت من الصفيح‪ ،‬كما في قرية المناطير‪.‬‬
‫وعلى العموم‪ ،‬شهدت هذه المحاوالت الجماعية حراك ًا ومشاركة واسعة من مختلف‬
‫الفئات واألعمار‪ ،‬والتوجهات السياسية‪ ،‬وكانت نموذج ًا كفاحي ًا في رفض سياسة األمر‬
‫الواقع‪ ،‬وتعبير ًا شديد ًا عن رفض اإلمــاءات والسياسات اإلسرائيلية‪ ،‬وشكّلت نموذج ًا‬
‫متطور ًا في رفض ومواجهة اإلج ــراءات التهويدية لألراضي الفلسطينية‪ ،‬وتحدي ًا نوعي ًا‬
‫لإلجراءات القهرية الكولونيالية الصهيونية(‪.((5‬‬
‫ا للنشطاء الـجــدد الــذيــن اندمجوا‬ ‫وكــانــت هــذه الـقــرى قــد شـهــدت تــدريـبـ ًا وتــأصـيـ ً‬
‫فــي هــذه النشاطات التجديدية اإلبــداعـيــة فــي المقاومة الالعنفية‪ ،‬كما يــاحــظ اشـتــراك‬
‫قيادات فلسطينية رسمية في مواقع متقدمة في منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬التي بدأت‬
‫تدرك جدوى هذه النشاطات أمام التعسف اإلسرائيلي الذي يعمل جاهد ًا إلفشال خيار‬
‫التسوية عبر المفاوضات‪ .‬وقد أثــارت هذه القرى التي أقامها نشطاء المقاومة الشعبية‪،‬‬
‫وبـمـشــاركــة مــن الـقــوى الــدولـيــة‪ ،‬ومــن فلسطينيي األرض المحتلة‪ ،‬اهـتـمــامـ ًا كـبـيــر ًا جــد ًا‬
‫لدى اإلعــام والمراقبين الدوليين والمنظمات الحقوقية‪ ،‬التي تابعت تطورات اإلقامة‬
‫التجمعات تحت حصار الجيش اإلسرائيلي‪ .‬وأمــام تنامي وصــول المتضامنين‬ ‫ّ‬ ‫في هذه‬
‫(‪ ((5‬حول تجربة بناء قرية باب الشمس‪ ،‬انظر‪ :‬عبير قبطي‪« ،‬المقاومة الشعبية‪ :‬باب الشمس نموذج ًا‪ »،‬مجلة‬
‫الدراسات الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪ ،)2013( 95‬ص ‪.55 - 45‬‬

‫(‪ ((5‬خ ـل ـيــل شــاه ـيــن‪« ،‬فـلـسـطـيــن ‪ :2013‬بـ ــوادر ن ـهــوض شـعـبــي يـتـحــدى األم ــر ال ــواق ــع‪ »،‬مـجـلــة ال ــدراس ــات‬
‫الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪( 644‬ربيع ‪ ،)2014‬ص ‪.209 - 203‬‬
‫‪300‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫التجمعات‪ ،‬في ظروف أمنية غاية في‬
‫ّ‬ ‫والمواطنين الفلسطينيين لإلقامة والمبيت في هذه‬
‫الخطورة‪ ،‬عمد الجيش اإلسرائيلي إلى إغالق كامل لهذه المناطق للحيلولة دون وصول‬
‫أعداد كبيرة من المواطنين إليها‪ .‬وكانت للتغطية اإلعالمية الدائمة من داخل هذه القرى‪،‬‬
‫من قبل محطات عربية وأجنبية وفلسطينية‪ ،‬ألدق النشاطات اإلنسانية‪ ،‬تأثير إيجابي‪،‬‬
‫ال للحركة الشعبية التي أخذت تحتل مكانة رائعة لدى‬ ‫أخذ يعطي زخم ًا متجدد ًا ومتواص ً‬
‫جماهير الشعب الفلسطيني‪ ،‬خصوص ًا في فترة لم ت ُعد فيها مفاوضات التسوية السياسية‬
‫مقنعة لألغلبية الساحقة من الفلسطينيين‪.‬‬
‫كان تصنيف إسرائيل كدولة عنصرية عندما استقر رأي األمم المتحدة على تعريف‬
‫الصهيونية كحركة عنصرية‪ ،‬مرتبط ًا بمناخ دولــي مفعم باألخالق والقيم التحررية التي‬
‫سادت العالم مع النجاحات التي حققتها حركات التحرر في أفريقيا‪ .‬وكان هذا التصنيف‬
‫دول مستقلة حديث ًا انضمت إلى األمم المتحدة بعد سنوات طويلة‬ ‫أيض ًا مرتبط ًا بظهور ٍ‬
‫مــن وقوعها فريسة للحركات االستعمارية‪ .‬وكــان مطلع التسعينيات الــذي ظهرت فيه‬
‫الــواليــات المتحدة كسيدة كونية واحــدة ووحـيــدة في أعقاب انهيار االتـحــاد السوفياتي‬
‫الداعم األكبر واألهم والحليف االستراتيجي لحركات التحرر‪ ،‬هو اإلطار الذي اتخذت‬
‫فيه األمم المتحدة قرار ًا تاريخي ًا‪ُ ،‬ألغي بموجبه ذاك التنصيف العنصري إلسرائيل‪.‬‬
‫بــدأ الوصف العنصري إلسرائيل يتسلل إلــى القاموس الخطابي العالمي بكثافة‪،‬‬
‫مــع خ ــروج ج ــدار الفصل إلــى حـ ّيــز الــوجــود‪ ،‬ويـبــدو أن ظـهــور جيل جــديــد مــن النشطاء‬
‫الفلسطينيين المؤدلجين بالقيم واألخــاق اإلنسانية الكونية‪ ،‬مكّن هذه الفئة الوطنية أن‬
‫تستلهم النماذج الكفاحية للشعوب التي ناضلت ضــد األبارتهايد المتوحش بوسائل‬
‫مقنعة للنشطاء والمؤسسات الدولية‪ ،‬من خالل فرض المقاطعة في شتى جوانبها على‬
‫الحاالت االستعمارية‪.‬‬
‫‪ - 2‬تنامي حملة المقاطعة العالمية إلسرائيل‬

‫ارتبط العمل الشعبي المقاوم للجدار واالستيطان مع ظهور حركة مقاطعة إسرائيل‪،‬‬
‫ال‪ .‬كما كان‬ ‫حتى أصبحت حركة المقاومة الشعبية مقترنة بحركة المقاطعة‪ ،‬خطاب ًا وفع ً‬
‫انبعاث الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب االستثمارات منها في ‪،2005/7/9‬‬

‫وه ــي الــذكــرى الـسـنــويــة األول ــى ل ـصــدور ال ـقــرار الـتــاريـخــي لمحكمة ال ـعــدل الــدولـيــة في‬
‫الهــاي‪ ،‬الذي أدان بناء إسرائيل لجدار العزل العنصري‪ .‬لقد كان هذا االنبعاث لحركة‬
‫‪301‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المقاطعة إيذان ًا وفاتحة لتنامي وتطور هذه الحركة التي حملت منذ ذلك التاريخ اسم‪:‬‬
‫«الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل وسحب االستثمارات منها وفرض العقوبات عليها»‪،‬‬
‫))‪ Boycott, Divestment and Sanctions- (BDS‬‏((‪.((5‬‬
‫وكــان الجدار الموصوف عند الفلسطينيين بـ «الجدار العنصري» قد انتقل ضمن‬

‫هذا الوصف إلى الخطاب العالمي‪ ،‬وخصوص ًا بعد صدور وثيقة الهاي‪ .‬لذا‪ ،‬فإن اقتران‬
‫العنصرية بالجدار العازل‪ ،‬قد وجد صدى أممي ًا كاشف ًا لسفور الحالة االستعمارية في‬
‫فلسطين‪ .‬كما كان بناء الجدار هو المحطة األقوى التي ارتكز عليها التوجه الفلسطيني‬
‫للضمائر الح ّية‪ ،‬وفق تعبير البيان التأسيسي لحركة المقاطعة بالخطاب التالي‪« :‬انطالق ًا‬
‫من انتهاكات إسرائيل المستمرة للقانون الدولي‪ ،‬وفي ضوء تجاهل إسرائيل لقرارات‬
‫األمــم المتحدة‪ ،‬وبما أن كــل أشـكــال الوساطة الدولية ومـفــاوضــات التسوية لــم تتمكّن‬
‫مــن إقـنــاع إسرائيل لاللتزام واإلذع ــان للقانون اإلنـســانــي‪ ،‬وإنـهــاء احتاللها واضطهادها‬
‫للشعب الفلسطيني‪ ،‬وفــي ضــوء حقيقة أن أصـحــاب الضمير فــي المجتمع الــدولــي قد‬
‫تحملوا تاريخي ًا المسؤولية األخالقية في مناهضة الظلم‪ ،‬كما حدث في النضال من أجل‬ ‫ّ‬
‫إلغاء نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بأشكال متعددة من المقاطعة‪ ،‬وسحب‬
‫االستثمارات وفرض العقوبات‪ ...‬نناشد ‪ -‬نحن ممثلو المجتمع المدني في فلسطين ‪-‬‬
‫مؤسسات المجتمع المدني في العالم‪ ،‬وكل أصحاب الضمائر الح ّية‪ ،‬بفرض مقاطعة‬
‫واسـعــة إلســرائـيــل‪ ،‬وتطبيق سحب االسـتـثـمــارات منها فــي خـطــوات مشابهة لتلك التي‬
‫طبقت في جنوب أفريقيا خالل حقبة األبارتهايد‪ ،‬حتى تنصاع للقانون الدولي عن طريق‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إنهاء احتاللها واستعمارها لألراضي العربية وتفكيك الجدار‪.‬‬
‫ب ‪ -‬االعتراف بالحق األساسي بالمساواة الكاملة لمواطنيها العرب الفلسطينيين‪.‬‬
‫ج ‪ -‬احترام وحماية ودعــم حقوق الالجئين الفلسطينيين في العودة إلــى ديارهم‬

‫وفق قرار األمم المتحدة الرقم (‪ .((5()194‬وكانت هذه الدعوة التأسيسية مسبوقة بحملة‬
‫المقاطعة األكاديمية والثقافية إلسرائيل التي جرى اإلعالن عنها في مدينة رام الله عام‬
‫(‪ ((5‬ان ـظ ــر‪ :‬الـنــداء‪/‬الـبـيــان التأسيسي األول ال ــذي صــدر عــن حملة المقاطعة والـمــو ّقــع مــن ‪ 170‬مــن القوى‬
‫واألحزاب والنقابات واالتحادات والجمعيات والمنظمات الشعبية الممثلة للشعب الفلسطيني في الوطن والشتات‬
‫على الرابط التالي‪Mouvement Freedom Justice Equality, <http://www.bdsmovement.net/?9=node/52≠ ،‬‬

‫‪Arabic>.‬‬
‫(‪ ((5‬المصدر نفسه‪.‬‬
‫‪302‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪ ،2004‬بمبادرة عدد من المثقفين واألكاديميين الفلسطينيين‪ ،‬بهدف االلتحاق بحركة‬
‫المقاطعة الثقافية واألكاديمية العالمية الناشئة‪ .‬وقــد استوحت هــذه الحملة عملها من‬
‫الدور التاريخي الكفاحي الذي أنجزه مثقفو المجتمع الدولي وأكاديميوه إلسقاط نظام‬
‫الفصل العنصري في جنوب أفريقيا من خالل هذا النشاط‪ ،‬إذ تمثل مقاطعة إسرائيل ثقافي ًا‬
‫ال ضروري ًا للضغط على الكيان اإلسرائيلي‪ ،‬بهدف دفعها إلى االنصياع إلى‬ ‫وأكاديمي ًا شك ً‬
‫القانون الدولي ومتطلبات السالم العادل(‪.((5‬‬
‫ويعترف الكاتب اإلسرائيلي «بــن درور يميني»‪ ،‬وهــو مــن أشهر كـ ّتــاب الــرأي في‬
‫صحيفة معاريف بأن المقاطعة الزاحفة إلسرائيل من شأنها أن تخلق غسيل دماغ دائم ًا‪،‬‬
‫ومثابر ًا‪ ،‬ومنهاجي ًا‪ ،‬في أن إسرائيل هي دولة عنصرية‪ ،‬ودولة فاشية واستغاللية‪ ،‬وتمارس‬
‫الجرائم‪ .‬وأمام هذه المقاطعة الزاحفة‪ ،‬فإن أصدقاء إسرائيل يجدون صعوبة في الوقوف‬
‫في وجه هذا المرض العضال (المقاطعة)‪ ،‬خصوص ًا مع استمرار إسرائيل في اإلعالن‬
‫عن العطاءات االستيطانية في األراضي التي من الممكن أن تكون مجا ً‬
‫ال إقليمي ًا لسيادة‬
‫فلسطين‪ .‬وال حاجة ‪ -‬والحديث للكاتب يميني ‪ -‬لمؤيدي المقاطعة إلــى أن يعرضوا‬
‫جرائم أو خــروقــات لحقوق اإلنـســان؛ فإسرائيل تخسر حتى إن كانت الخسارة زاحفة‬
‫بالنقاط‪ ،‬وإن لم تكن بالضربة القاضية‪ ،‬ألن مجرد التواجد في «المناطق»‪ ،‬في إشارة إلى‬
‫مس ًا بحقوق اإلنسان(‪.((5‬‬
‫الضفة الغربية‪ ،‬فإن ذلك ُيعتبر ّ‬
‫وتراقب مراكز األبحاث االستراتيجية في إسرائيل هذه الحملة الزاحفة باهتمام‬
‫بــالــغ‪ ،‬فمن خــال مركز بيغن ‪ -‬ال ـســادات‪ ،‬يؤكد «جــونــاثــان رينهولد»‪ ،‬وهــو مــن أعمدة‬
‫الباحثين في المركز المذكور‪ ،‬أن هدف الحملة الشاملة بقيادة هيئات المجتمع المدني‬
‫هــو تــوفـيــر بيئة سياسية مـعــاديــة إلســرائ ـيــل‪ .‬أم ــا الـنـتــائــج ال ـمــاديــة‪ ،‬فـهــي ثــانــويــة‪ ،‬فــالـصــراع‬
‫قائم على المشروعية والرمزية السياسيتين‪ ،‬وقمة المقاطعة لن تجعل إسرائيل تركع‪،‬‬
‫لكنها ستلحق أذى ملحوظ ًا بالدولة على الصعيدين الدبلوماسي واالقتصادي‪ ،‬وحتى‬
‫على الصعيد العسكري‪ ،‬على مر الزمان‪ ،‬ورأى هذا الباحث أنه إذا ما فشلت الجهود‬
‫الـسـيــاسـيــة‪ ،‬فسيسعى الفلسطينيون إل ــى ف ــرض مــزيــد مــن الـعـقــوبــات ضــد إســرائ ـيــل في‬
‫األم ــم المتحدة والـمــؤسـســات الــدولـيــة األخ ــرى‪ .‬ومــن هــذه الـعـقــوبــات محاكمة ضباط‬
‫«معايير ومواقف الحملة‪ »،‬الحملة الفلسطينية للمقاطعة األكاديمية والثقافية إلسرائيل‪<http://www. ،‬‬ ‫(‪((5‬‬
‫‪pacbi.org./ainside.php?id=16>.‬‬
‫(‪ ((5‬بن درور يميني‪« ،‬حملة المقاطعة إلسرائيل مرض عضال‪ »،‬القدس‪ ،2014/2/19 ،‬نق ً‬
‫ال عن صحيفة‬
‫معاريف‪.‬‬
‫‪303‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إسرائيليين في المحكمة الجنائية الدولية‪ ،‬وكان لهذا التهديد تداعيات سلبية على الردع‬
‫اإلسرائيلي(‪.((5‬‬
‫وقد أبدى المستوى الرسمي اإلسرائيلي‪ ،‬عبر رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو‪ ،‬حذر ًا‬
‫وتوجس ًا شديدين إزاء هذه المقاطعة الزاحفة‪ ،‬وحفلت الجعبة اإلسرائيلية بالمصطلحات‬
‫لمروجي وداعـمــي هــذه الحملة‪ ،‬خصوص ًا في الــدول الغربية‪ .‬فقد وصف‬ ‫ّ‬ ‫واالتهامات‬
‫رئيس الحكومة نتنياهو حملة المقاطعة بأنها تهديد استراتيجي‪ ،‬مطالب ًا اللوبيات اليهودية‬
‫ال مــن أشكال‬‫المنتشرة فــي ال ــدول الغربية بش ّن حملة مـضــادة تعتبر هــذه المقاطعة شك ً‬
‫معاداة السامية‪ .‬كما أن وزير ماليته «يائير لييد» توقع مزيد ًا من ارتفاع مستوى المقاطعة‬
‫االقتصادية مع الخارج‪ ،‬وهذا سيكبد إسرائيل خسارة بقيمة خمسة مليارات دوالر سنوي ًا‪،‬‬
‫وس ُيقال ‪ 10‬آالف عامل إسرائيلي من أعمالهم‪ ،‬وسيهبط مستوى معيشة كل مواطن‪،‬‬
‫وستتضرر كــل مــوازنــات الــرفــاه والصحة‪ .‬ولــذلــك ليس مــن الغريب أن ترصد إسرائيل‬
‫‪ 100‬ماليين دوالر لصالح وزارة الخارجية ووزارة الشؤون االستراتيجية لمكافحة هذه‬
‫المقاطعة الزاحفة(‪.((5‬‬
‫وفي إطــار هذه الجهود اإلسرائيلية الرسمية لوقف هذه الحملة الدولية‪ ،‬أو الحد‬
‫منها‪ ،‬بالمالحقة القانونية واألمنية لنشطاء حركة المقاطعة )‪ (BDS‬بهدف دفعهم إلى‬
‫الـتــراجــع عــن نشاطهم المقلق إلســرائ ـيــل‪ .‬وق ــد ب ــدأ الـلــوبــي الـصـهـيــونــي فــي الكونغرس‬
‫األمريكي أيـضـ ًا بسن قــانــون يحظر بموجبه تمويل المنظمات والمؤسسات األمريكية‬
‫الــداعـمــة لـحــركــة الـمـقــاطـعــة‪ ،‬وطـلــب تنفيذ إجـ ــراءات قــانــونـيــة ضــد نـشـطــاء المقاطعة في‬
‫أستراليا وكندا وفرنسا(‪.((6‬‬
‫وفــي إش ــارة إلــى تصاعد هــذه الحملة الــدولـيــة‪ ،‬أش ــارت اللجنة الوطنية لمقاطعة‬
‫إسرائيل في رام الله إلى تعرض النشطاء الدوليين إلى مالحقة استخباراتية‪ ،‬إلرغامهم‬
‫على الـتــوقــف عــن هــذا العمل المتنامي‪ ،‬وكــذلــك إلــى م ـحــاوالت إســرائـيــل لــدى الــدول‬
‫ثمنت اللجنة‬ ‫الغربية الستصدار قوانين لتجريم حملة المقاطعة والعاملين فيها‪ .‬وقــد ّ‬
‫الوطنية ق ــرارات مجلس الكنائس العالمي الــداعــي إلــى مقاطعة البضائع المنتجة في‬
‫(‪ ((5‬جنوثان إيهنولد‪« ،‬حملة المقاطعة الشاملة ضد إسرائيل يمكن أن تلحق أذى ملحوظ ًا بها‪ »،‬المشهد‬
‫اإلسرائيلي‪.2014/1/14 ،‬‬
‫(‪ ((5‬غسان العربي‪« ،‬هل تثمر حملة المقاطعة الغربية للمستوطنات اإلسرائيلية‪ »،‬القدس‪،2014/2/13 ،‬‬
‫ال عن صحيفة معاريف‪.‬‬‫وعاموس غلبوع في‪ :‬القدس‪ ،2014/2/12 ،‬نق ً‬
‫(‪« ((6‬المقاطعة الدولية إلسرائيل‪ :‬كرة ثلج آخذة في التضخم‪ »،‬القدس‪.2014/2/18 ،‬‬
‫‪304‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المستوطنات اليهودية في الضفة الغربية(‪ .((6‬وفي هذا األمــر‪ ،‬تحديد ًا‪ ،‬إشــارة مهمة إلى‬
‫البعد األخالقي الذي ينطوي عليه تبنّي مجلس الكنائس العالمي لدعوة مقاطعة اإلنتاج‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬وخصوص ًا إنتاج المستوطنات الزراعي والصناعي‪.‬‬
‫وفي هذا المجال‪ ،‬يرى المراقبون‪ ،‬وحتى المقتنعون بجدوى المقاطعة‪ ،‬كموقف‬
‫أخالقي من االستعمار‪ ،‬أن الغرض من إطالقها هو ممارسة ضغط اقتصادي وسياسي‬
‫على الحالة االستعمارية فــي فلسطين حتى يمكّن الفلسطينيين كضحايا مــن تحصيل‬
‫حقوقهم السياسية المشروعة في تقرير المصير‪ .‬وقد دأب الجانب اإلسرائيلي وحلفائه‬
‫في الــدول الفاعلة على تصوير أي تحرك ذي أفــق سياسي أو اقتصادي على أنــه يشكّل‬
‫خطر ًا مصيري ًا على الدولة العبرية‪ ،‬إذ يصف الساسة اإلسرائيليون حملة المقاطعة بأنها‬
‫ال تستهدف فقط حركة االستيطان‪ ،‬وتقييد النشاط االقتصادي للمستوطنين وحرمانهم‬
‫مــن ج ــدوى االسـتـيــاء على أراض ــي الفلسطينيين فــي الضفة الغربية‪ ،‬وإنـمــا هــي تهدف‬
‫أســاسـ ًا إلــى عــزل إســرائـيــل على الصعيد الــدولــي‪ ،‬ونــزع المشروعية الــدولـيــة عــن الكيان‬
‫السياسي اإلسرائيلي من حيث المبدأ‪ ،‬أي أن هذه المقاطعة من وجهة النظر اإلسرائيلية‬
‫توازي إضفاء شرعية على األعمال والتحركات الرامية إلى القضاء عليها(‪.((6‬‬
‫وهكذا‪ ،‬فإنه منذ عام ‪ 2005‬وحتى عام ‪ ،2014‬فإن حركة المقاطعة تشهد تطور ًا‬
‫ملحوظ ًا يسمح بالقول إن هذه الحركة االحتجاجية قد أخذت في الرسوخ‪ ،‬وأصبحت‬
‫ذات قـ ــدرة ع ـلــى اس ـت ـق ـطــاب ج ـه ــود دول ـي ــة وح ــرك ــات وقـ ــوى وم ــؤس ـس ــات وجـمـعـيــات‬
‫وشخصيات عالمية‪ .‬فكلما أمعنت إسرائيل في عدوانها وتس ّلطها‪ ،‬فإن حملة المقاطعة‬
‫س ــوف ت ــزداد ن ـفــوذ ًا وان ـت ـشــار ًا وتنظيم ًا أوس ــع وأك ـثــر عـمـقـ ًا‪ .‬وق ــد ب ــدأ ص ــدى ه ــذا التأثير‬
‫ينتقل كسياسة ضاغطة تحاول اإلدارة األمريكية استغاللها‪ ،‬كمحاولة إلقناع إسرائيل‬
‫بالتوجه الـجــدّ ي إلــى إنهاء احتاللها لــأراضــي الفلسطينية في الضفة الغربية‪ ،‬وإحــداث‬
‫تقدم جوهري في المفاوضات العالقة مع الفلسطينيين‪ .‬فقد أطلق جــون كيري بتاريخ‬
‫مدوي ًا في إسرائيل يشكّل انعكاس ًا لهذه الحملة الدولية‪ ،‬حيث‬ ‫‪ 2013/11/7‬تصريح ًا ّ‬
‫قال‪« :‬إذا لم تحل القضايا بين إسرائيل والفلسطينيين (في إشارة إلى جولة المفاوضات‬
‫عــام ‪ ،)2013‬وإذا لم نجد الطريق إلــى الـســام‪ ،‬فستكون إسرائيل منعزلة أكثر وأكثر‪،‬‬
‫وحملة نزع الشرعية ضدها ستتصاعد على المستوى الدولي»‪ .‬وقد بدأ كيري كخارج أو‬
‫(‪« ((6‬اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل تعقد مؤتمر ًا في رام الله‪ »،‬القدس‪.2014/1/10 ،‬‬
‫(‪ ((6‬رغيد الصلح‪« ،‬المقاطعة العالمية تحمي اإلسرائيليين من أنفسهم‪ »،‬القدس‪.2014/4/4 ،‬‬
‫‪305‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫متخارج عن المألوف األمريكي التقليدي إزاء حالة االحتضان والرعاية والتبنّي األمريكي‬
‫شبه المطلق للسياسة اإلسرائيلية‪ ،‬حين استعرض في مؤتمر ميونيخ لألمن في األول من‬
‫شهر شباط‪/‬فبراير ‪ 2014‬اآلثار السلبية المتوقعة في إسرائيل في حال عدم التوصل إلى‬
‫تسوية عادلة وناجزة مع الفلسطينيين‪ ،‬قائالً‪« :‬توجد حملة متعاظمة من نــزع الشرعية‪،‬‬
‫والناس حساسون جد ًا لهذا‪ ،‬وهم يتحدثون عن المقاطعات‪ ...‬فهل سيكون حالنا جميع ًا‬
‫أفضل مع كل هذه األمــور؟»‪ .‬أشعلت هذه المالحظة أو التصريح عاصفة انتقاد شديدة‬
‫ضد تصريحات وزير الخارجية األمريكي الذي يقود هذه المفاوضات‪ .‬وسارع نتنياهو‬
‫بالتعقيب على هذه التصريحات بالقول‪« :‬لن يدفعني أي ضغط إلى التنازل عن المصالح‬
‫الحيوية ألمن إسرائيل»‪ ،‬أما وزير الشؤون االستراتيجية اإلسرائيلي «نفتالي بينيت»‪ ،‬فقد‬
‫ع ّبر عن رفضه لهذه التهديدات األمريكية بالقول‪« :‬نحن نتوقع من أصدقائنا في العالم‬
‫الوقوف إلى جانبنا في مواجهة محاوالت المقاطعة الالسامية ضد إسرائيل‪ ،‬ال أن يكونوا‬
‫بوق ًا لها»(‪.((6‬‬
‫ـوجــه‬
‫ـصــت الـمــواثـيــق الــدول ـيــة وشــرعـتـهــا عـلــى الـمـقــاطـعــة كـعـمــل وإج ـ ــراء وتـ ّ‬
‫لـقــد نـ ّ‬
‫أخالقي وتدبير جماعي‪ ،‬وال سيما ميثاق األمــم المتحدة (المادة الرقم (‪ ))41‬كإجراء‬
‫ال من شأنها تهديد السلم واألمــن الدوليين‬ ‫غير عسكري ضد الــدول التي تمارس أعما ً‬
‫كــأهــداف عليا لألمم المتحدة‪ .‬وفــي هــذه الـحــالــة‪ ،‬تكون المقاطعة عم ً‬
‫ال مـشــروعـ ًا أقـ ّـره‬
‫القانون الدولي الذي يشمل‪ :‬منع تسلح الدولة المعتدية واالستيراد منها والتجارة معها‪،‬‬
‫وقد تشكّل أحكام الحصار االقتصادي‪ ،‬وفرض الحصار الجوي والبحري والتجاري‪،‬‬
‫ووقف العالقات والمواصالت البرية والبحرية والبريدية‪ ،‬وغيرها الكثير من اإلجراءات‬
‫العقابية كوسائل لضمان التزام الدول المعتدية بالقيم واألحكام الدولية(‪.((6‬‬
‫ويستولي على الفلسطينيين األم ــل فــي أن تتعاظم حملة المقاطعة الــدولـيــة التي‬
‫انطلقت شــرارتـهــا مـنــذ ع ــام ‪ .2005‬وق ــد أم ــدّ ق ــرار االت ـحــاد األوروب ـ ــي بمقاطعة إنـتــاج‬
‫المستوطنات نشطاء حملة المقاطعة الدولية بمزيد من اإلرادة والتصميم‪ ،‬حيث أثبتت‬
‫المقاطعة االقتصادية والرياضية والثقافية والسياسية جدواها في سقوط نظام األبارتهايد‬
‫الجنوب أفريقي‪ .‬وكان نتيجة طبيعية الستعصاء التسوية السياسية التي مر على انطالقها‬
‫(‪ ((6‬م ـ ـ ــارك ه ـي ـلــر‪« ،‬ال ـم ـقــاط ـعــة وس ـحــب االس ـت ـث ـم ــارات وال ـع ـق ــوب ــات‪ ..‬ك ـيــف نـحـبــط ال ـت ـه ــدي ــد؟‪ »،‬ال ـقــدس‪،‬‬
‫‪.2014/2/3‬‬
‫(‪ ((6‬كمال قبعة‪« ،‬نحو تجديد المقاطعة الفلسطينية لمنتجات المستوطنات‪ »،‬شؤون فلسطينية‪ ،‬العدد ‪252‬‬
‫(شتاء ‪ ،)2014‬ص ‪.115 - 106‬‬
‫‪306‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يحمل فيها المجتمع الــدولــي‪ ،‬بما فيه الــواليــات المتحدة‪ ،‬حكومات‬ ‫عقدان من الزمن ّ‬
‫االح ـتــال المتعاقبة مـســؤولـيــة ه ــذا الـفـشــل‪ .‬فـقــد ب ــدأ ينمو داخ ــل المجتمع الفلسطيني‬
‫مشروع بديل للتسوية السياسية يرتكز على دعامتين‪ ،‬هما المقاومة الشعبية‪ ،‬والمقاطعة‬
‫نموذجي التجارب الكفاحية في‬ ‫َ‬ ‫كأنشطة كفاحية العنفية‪ ،‬تحاول أن تحاكي أو تتمثل‬
‫الهند وجنوب أفريقيا بعد أن كانت الجزائر وكوبا وفييتنام هي النموذج الكفاحي الذي‬
‫تبنّته الحركة الوطنية الفلسطينية في سعيها إلى التحرر منذ منتصف الستينيات حتى عام‬
‫‪ .1992‬وما من شك في أن حمالت المقاطعة الثقافية والسياسية والعقوبات االقتصادية‬
‫كــانــت قــد أدت دوره ــا فــي نــزع حكم األقلية البيضاء وإج ـبــاره على الـمـســاومــة‪ ،‬كما أن‬
‫مجموعة ال ــدول االسكندنافية ذهـبــت إلــى حــدّ االع ـتــراف بالمؤتمر الــوطـنــي األفريقي‬
‫وتقديم المساعدات له(‪.((6‬‬
‫بشكل عام‪ ،‬وقبل استعراض أهم إنجازات الحملة الدولية للمقاطعة‪ ،‬فقد تالقت‬
‫العديد من العوامل المختلفة والمتداخلة التي قادت إلى توفير المقدمات الضرورية لنشأة‬
‫هذه الحركة التي تحمل أفق ًا يمكن تطويره وتوسيع مداه‪ ،‬والتي يمكن إجمالها باآلتي‪:‬‬
‫تصاعد العنف اإلسرائيلي‪ ،‬وانسداد أفق التسوية‪ ،‬وعجز المجتمع الدولي والمؤسسات‬
‫الدولية عن توفير حماية للشعب الفلسطيني في انتهاك إسرائيل الدائم لمبادئ القانون‬
‫الــدولــي‪ ،‬وتطور دور منظمات المجتمع المدني ونموها على الصعد الوطنية والعربية‬
‫والدولية‪ ،‬ونمو حركات اليسار عالمي ًا‪ ،‬وظهور تيارات سياسية جديدة في أوروبا تناضل‬
‫ألجل قضايا عالمية‪ ،‬مثل قضايا البيئة والعدالة االجتماعية‪ ،‬والحدّ من انتشار األسلحة‬
‫النووية‪ ،‬األمــر الــذي أدى إلى تبنّي العديد من هذه الحركات المطالب العادلة للشعب‬
‫الفلسطيني في التحرر من عبودية االحتالل‪.‬‬
‫ولـعــل التطور الكبير فــي أنظمة االت ـصــاالت واإلع ــام المرئي واالجـتـمــاعــي التي‬
‫شكّلت قنوات اتصال جديدة‪ ،‬ساعدت على طرح القضية الفلسطينية على الــرأي العام‬
‫الدولي‪ ،‬وكانت أداة أيض ًا لمزيد من التشبيك وبناء العالقات والتشاركات مع العديد من‬
‫القوى المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني‪ .‬كما يمكن في هــذا اإلطــار اإلشــارة إلــى أن‬
‫توزع العديد من المفكّرين والنشطاء القوميين العرب على ساحة العالم‪ ،‬وانخراطهم في‬
‫ال مهم ًا إلى دعم الشعب العربي في فلسطين‪ ،‬أضف إلى ذلك‪،‬‬ ‫هذه الحركة‪ُ ،‬يعدّ مدخ ً‬
‫(‪ ((6‬ف ــواز طرابلسي‪« ،‬مناقشة تطبيقات النموذج الجنوب أفريقي على فلسطين‪ »،‬الــدراســات الفلسطينية‪،‬‬
‫العدد ‪( 98‬ربيع ‪ ،)2014‬ص ‪.24 - 20‬‬
‫‪307‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫فإن الشتات الكبير للشعب الفلسطيني‪ ،‬وتواجد هذه الجاليات في مختلف دول العالم‪،‬‬
‫قــد أمــدّ حركة المقاطعة العالمية بـمـبــادرات وجـســور وأدوات ق ــادرة على تعميم حركة‬
‫المقاطعة لالحتالل اإلسرائيلي‪ ،‬وفضح جرائمه‪ ،‬وتوسيع دائرة المؤمنين بحقوق اإلنسان‬
‫الفلسطيني في التحرر واالستقالل(‪.((6‬‬
‫‪ -‬أبرز نجاحات الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل‪ ،‬وسحب االستثمارات منها‪،‬‬

‫وفرض العقوبات عليها )‪(BDS‬‬
‫على صفحتها اإللكترونية‪ ،‬و ّثقت الحركة العالمية مجموعة نجاحات نوعية في‬
‫إطــار مسعاها إلى جعل هذه المقاطعة خيار ًا استراتيجي ًا للشعب الفلسطيني‪ ،‬يمكن أن‬
‫يقدم ذخــر ًا كفاحي ًا في حصار الحالة االستعمارية في فلسطين‪ ،‬ففي النصف األول من‬
‫عام ‪ ،2014‬أمكن رصد النتائج اآلتية‪:‬‬
‫■ ‪ :2014/2‬انسحاب شركات بناء عمالقة من عطاء بناء موانئ إسرائيلية خوف ًا‬
‫على سمعتها ومالحقتها بالمقاطعة في الوطن العربي‪.‬‬
‫■ ‪ :2014/2‬قرار للحكومة األلمانية باستثناء الشركات والمؤسسات اإلسرائيلية‬

‫العاملة في األراضي المحتلة عام ‪ 1967‬من اتفاقيات التعاون العالمي مع إسرائيل‪.‬‬
‫■ ‪ :2014/2‬وضــع صندوق التقاعد النرويجي (األكبر في العالم) شركتين من‬

‫إسرائيل على القائمة السوداء بسبب تورطهما في بناء المستعمرات‪.‬‬
‫■ خسائر قطاع الــزراعــة فــي مستعمرات غــور األردن وحــدهــا بلغت ‪ 100‬مليون‬
‫شيكل بسبب حركة المقاطعة العالمية‪ ،‬بحسب المصادر اإلسرائيلية‪.‬‬
‫■ ‪ :2014/1‬س ـحــب ث ــان ــي أك ـب ــر ص ـن ــدوق ت ـقــاعــد ه ــول ـن ــدي (‪ )PGGM‬جميع‬
‫استثماراته من خمسة بنوك إسرائيلية تعمل في األراضي الفلسطينية المحتلة‪.‬‬
‫■ ‪ :2014/1‬خسرت شركة «فيوليا» عـقــد ًا بقيمة ‪ 4.25‬مليار دوالر فــي مدينة‬

‫بوسطن األمريكية بعد حملة شنّها تحالف عريض لمقاطعة الشركة قــاده نشطاء حركة‬
‫المقاطعة‪.‬‬
‫(‪ ((6‬مـحـمــد إبراهيم أبــو دقــة‪« ،‬حــركــة المقاطعة وسحب االسـتـثـمــارات وفــرض العقوبات على إسرائيل‪»،‬‬
‫سياسات‪ ،‬العدد ‪ ،)2012( 20‬ص ‪.160 - 141‬‬
‫‪308‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫■ ‪ :2014/1‬أصــدرت مؤسسة «أصدقاء األرض الدولية» بيان ًا دعمت فيه حركة‬
‫المقاطعة والحملة ضد شركة «ميكوروت» اإلسرائيلية للمياه جراء سياستها العنصرية في‬
‫توزيع وسرقة مياه الفلسطينيين‪.‬‬
‫وفــي عــام ‪ ،2013‬وثـقــت حــركــة المقاطعة أكـثــر مــن عشرين إن ـجــاز ًا فعلي ًا يمكن‬
‫اإلشارة إلى بعضها‪:‬‬
‫□ ‪ :2013/12‬أوقـفــت شركة المياه الهولندية «فيتينز» تعاقدها مــع نظيرتها في‬

‫إسرائيل (ميكوروت) بسبب تورطها في انتهاك القانون الدولي‪.‬‬
‫□ إصدار الحكومة البريطانية إرشـ ــادات تحذيرية إلــى الـشــركــات البريطانية من‬
‫التعامل التجاري مع إنتاج المستعمرات اإلسرائيلية‪.‬‬
‫□ ‪ :2013/11‬سحب صندوق التقاعد في اللوكسمبورغ جميع استثماراته من‬

‫بنوك وشركات إسرائيلية متورطة بالعمل في األراضي المحتلة‪.‬‬
‫□ أزال أح ــد أكـبــر صـنــاديــق الـتـقــاعــد األمــريـكـيــة )‪ (TIAA-GREF‬شــركــة «فيوليا»‬

‫الفرنسية من قائمة االستثمار االجتماعي للصندوق‪ ،‬وذلك بعد ضغط من ائتالف ‪«we‬‬
‫»‪ ،Divest‬شريك حركة المقاطعة في أمريكا‪.‬‬
‫□ ‪ :2013/11‬أقصى أحد أهم مراكز معالجة ضحايا التعذيب في جنوب أفريقيا‬

‫شركة »‪ «G4S‬من عقد األمن بعد جهود حثيثة من الحملة في جنوب أفريقيا‪.‬‬
‫□ ‪ :2013/11‬حزب اليسار الفرنسي يعلن تنبيه ًا لحركة المقاطعة‪.‬‬
‫□ ‪ :2013/10‬قامت نقابة عمال الطاقة والصناعات الثقيلة في النرويج بإنهاء‬

‫عقدها مع شركة »‪ ،«G4S‬بسبب تورط الشركة في بناء السجون والحواجز والجدار في‬
‫األراضي المحتلة‪.‬‬
‫□ ‪ :2013/11‬أصــدر المبعوث الخاص لألمم المتحدة‪ ،‬ريتشارد فالك‪ ،‬تقرير ًا‬

‫حذر فيه قائمة طويلة من الشركات التي تسهم في انتهاكات إسرائيل للقانون الدولي‪.‬‬
‫□ ‪ :2013/7‬أص ــدرت المفوضية األوروب ـيــة تعليمات إلــى جميع دول االتـحــاد‬
‫األوروب ــي تقضي بحظر التمويل‪ ،‬والـتـعــاون‪ ،‬واالستثمار‪ ،‬والتجارة مع المستوطنات‪،‬‬

‫والشركات االستيطانية في األراضي المحتلة‪.‬‬
‫‪309‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫□ ‪ :2013/4‬اتحاد معلمي إيرلندا‪ ،‬واتحاد الطلبة البلجيكيين الناطقين بالفرنسية‪،‬‬
‫يعلنون المقاطعة األكاديمية إلسرائيل‪.‬‬
‫□ ‪ :2013/4‬شركة »‪ «Adidas‬تنسحب من رعايتها للماراثون الرياضي الذي‬

‫تنظمه بلدية االحتالل في القدس‪ ،‬بعد حملة مقاطعة عربية ضد الشركة تبنّاها مجلس‬
‫وزراء الرياضة العرب ومنتخب كرة القدم المصري‪ ،‬لتورطها في التعاطي مع االحتالل‬
‫لمدينة القدس(‪.((6‬‬
‫□ ‪ :2014/6/27‬إسبانيا وإيطاليا تحذوان حذو بريطانيا وفرنسا بتحذير مواطنيها‬

‫من عقد أية صفقات أو عالقات أو استثمارات مع شركات ومشاغل في المستوطنات‬
‫اإلسرائيلية في القدس والضفة الغربية المحتلة‪.‬‬
‫□ ‪ :2014/7/2‬طرد إسرائيل وإنهاء عضويتها في االتحاد الدولي للصحفيين‪،‬‬

‫وذلك في االجتماع األخير الذي عقد في العاصمة البلجيكية بروكسل‪.‬‬
‫هذه بعض من اإلنجازات قمنا برصدها وتوثيقها في هذه الدراسة لتبيان تصاعد‬
‫الحملة سنوي ًا‪ ،‬وتوسع المشاركة لدى المؤسسات والجمعيات والشركات التي أخذت‬
‫تتبنّى هذا الخيار السياسي ضد المشروع االستيطاني في األراضي العربية المحتلة‪ .‬وقد‬
‫وصـفــت المقاطعة فــي الــدوائــر اإلسرائيلية كسرطان زاح ــف سيطال مستويات إنتاجية‬
‫ال‪ .‬كما يمكن اإلشــارة إلى أن سلطات الدولة‬‫وسياحية وزراعية وثقافية وبحثية مستقب ً‬
‫في إسرائيل قد بدأت بحملة مضادة لهذا التوجه الحضاري اإلنساني بخلع أوصاف على‬
‫حركة المقاطعة من نوع «السامية»‪ ،‬و«نازية»‪ ،‬وغيرها‪ ،‬في محاولة منها لردع النشطاء‪،‬‬
‫وال سيما في أوروبا والواليات المتحدة‪ ،‬من أجل التوقف عن هذه األنشطة‪ .‬كما جرى‬
‫تأهيل مؤسسات وشخصيات وأفراد هم أعضاء في األحزاب الصهيونية في دول العالم‬
‫للتصدّ ي آلفة المقاطعة التي أخذت تجتاح العالم‪ ،‬جنب ًا إلى جنب مع إجراءات المستوى‬
‫السياسي اإلسرائيلي الرسمي‪.‬‬
‫وكخالصة لهذا الجزء من التطورات السياسية والميدانية التي أعقبت بناء الجدار‬
‫العازل‪ ،‬وخصوص ًا في ما يتعلق بتطور ونماء المقاطعة كظاهرة سياسية‪ ،‬يمكن اإلشارة‬
‫منسق نشاطات حملة المقاطعة الدولية‪« :‬إن تتالي نجاحات‬ ‫إلى رؤيــة عمر البرغوثي‪ّ ،‬‬
‫(‪ ((6‬انظر الصفحة اإللكترونية لحركة المقاطعة وسحب االستثمارات وفرض العقوبات في‪«Introducing :‬‬
‫‪the BDS Movement,» Mouvement Freedom Justice Equality, <http://www.bdsmovement.net/bdsintro>.‬‬
‫‪310‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫حركة المقاطعة منذ انطالقها قبل حوالى ثماني سـنــوات‪ ،‬تؤشر على مرحلة جديدة»‪،‬‬
‫وقد تواجه فيها إسرائيل عزلة دولية غير مسبوقة تذكّر بعزلة نظام األبارتهايد في جنوب‬
‫أفريقيا في نهايات القرن الماضي‪ .‬لذلك‪ ،‬ال بــدّ من أن تشكّل حركة المقاطعة عنصر ًا‬
‫رئيسي ًا من عناصر استراتيجية النضال الوطني الفلسطيني من أجل استعادة حقوقنا كاملة‪.‬‬
‫كما أن حركة المقاطعة العالمية ستحيد قوة إسرائيل العسكرية النووية وقدراتها المالية‬
‫بالقوة األخالقية الذي يتسم به النضال العربي في فلسطين‪ ،‬األمر الذي سيسهم في تعزيز‬
‫االنتصار األكيد على الحركة االستعمارية لألراضي العربية في فلسطين‪.‬‬
‫وضـمــن ه ــذه االسـتــراتـيـجـيــة الـضــاغـطــة الـتــي مــن الممكن أن تـســاهــم فــي اسـتـنــزاف‬
‫االحتالل اإلسرائيلي‪ ،‬فالبرغوثي (عمر)‪ ،‬ومن خالل حملة المقاطعة‪ ،‬يتوجه إلى جماهير‬
‫األمة العربية بالقول‪« :‬المطلوب شعبي ًا في الوطن العربي هو الضغط على الحكومات‬
‫لقطع عالقاتها العلنية والسرية مع دولــة إسرائيل والشركات والمؤسسات والجامعات‬
‫التي تسهم في دعم السياسات اإلسرائيلية المتمثلة بالعزل العنصري والتشريد وتهويد‬
‫الـقــدس‪ ،‬وبناء المستعمرات‪ ،‬وقتل األطـفــال‪ ،‬واقـتــاع األشـجــار‪ ،‬وهــدم المنازل‪ .‬وبناء‬
‫عليه‪ ،‬تخاطب حركة المقاطعة الشعوب العربية قائلة‪ :‬من يريد من المواطنين العرب‬
‫دعم عدالة القضية العربية في فلسطين بشكل ف ّعال‪ ،‬ال نطلب منه التوجه إلى فلسطين‬
‫للمشاركة في نضالنا على األرض‪ ،‬فهذا غير واقعي وغير قابل للتنفيذ‪ ،‬بل من الممكن‬
‫أن تقدموا دعمكم داخل بلدناكم حيثما أنتم تقيمون‪ .‬من خالل مناهضة التطبيع والضغط‬
‫إلقـصــاء الـشــركــات الـمـتــورطــة فــي دعــم إســرائـيــل مــن الـعـقــود الـعــامــة ومـنــاقـصــات القطاع‬
‫الخاص‪ ،‬ألن إسرائيل تستمد قوتها االقتصادية ومناعتها من خالل دعم تلك الشركات‬
‫لها ولمشاريعها االستعمارية والتوسعية‪.((6(...‬‬
‫في هذا اإلطار‪ ،‬يصبح التوقف عند موقف اليسار اإلسرائيلي من حملة المقاطعة‬
‫أمر ًا في غاية األهمية لتبيان صدى هذه الظاهرة في داخل المجتمع اإلسرائيلي‪ .‬وكان‬
‫«ميخائيل فيرشافسكي» أحــد رمــوز قــادة حــركــة ماتسبين اليسارية الراديكالية قــد ع ّبر‬
‫عن هذا الموقف بما يأتي‪« :‬وألول مرة أصبح الناشطات والناشطون في أرجاء العالم‬
‫يمتلكون أداة هجومية غـيــر عنيفة ضــد سـيــاســة االح ـتــال الـكــولــونـيــالــي‪ ،‬هــدفـهــا إرغــام‬
‫ومنسق نشاطاتها في‪ :‬عمر‬

‫ّ‬ ‫(‪ ((6‬انظر رؤية حركة مقاطعة إسرائيل لعمر البرغوثي الناشط في حملة المقاطعة‬
‫البرغوثي‪« ،‬حركة مقاطعة إسرائيل عنصر ًا ضروري ًا في استراتيجية النضال الفلسطيني‪ »،‬الحملة الفلسطينية للمقاطعة‬
‫‪<http://www.pacbi.org>.‬‬ ‫األكاديمية والثقافية إلسرائيل (‪ 12‬حزيران‪/‬يونيو ‪،)2014‬‬
‫‪311‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إســرائـيــل عـلــى دف ــع ثـمــن أفـعــالـهــا‪ ،‬وذل ــك بعزلتها الــدولـيــة وإقـصــائـهــا بشكل تــدريـجــي‪،‬‬
‫سـيــاسـيـ ًا واق ـت ـصــادي ـ ًا»‪ ،‬وحـمـلــة الـمـقــاطـعــة‪ ،‬وسـحــب االسـتـثـمــارات‪ ،‬وف ــرض الـعـقــوبــات‪،‬‬
‫هــي أيـضـ ًا تحدٍّ أمــام معسكر الـســام اإلســرائـيـلــي‪ .‬فهل هــذا المعسكر مستعد للوقوف‬
‫إلى جانب الفلسطينيين والنشطاء المناضلين في العالم الذين يعملون من أجل فرض‬
‫الثمن على أفـعــال إســرائـيــل؟ ويعتقد ميخائيل فيرشافسكي أن هــذا المعسكر يتهرب‬
‫تحت ذرائــع مختلفة من تأييد حملة المقاطعة‪ ،‬وهــي ذرائــع بالية في نظره‪ ،‬استخدمها‬
‫تعزز التكتل القومي‪ ،‬وتبعد‬ ‫العديد من الليبراليين في جنوب أفريقيا‪ ،‬تدّ عي أن المقاطعة ّ‬
‫عن الفلسطينيين تأييد جمهور البيض‪« :‬مرة أخــرى‪ ،‬الضحية هي المذنبة»‪ ،‬وكأنه لوال‬
‫تطرفها لكان بإمكان أعدائها أن يصبحوا حلفاء لها‪ .‬لقد ع ّلمنا التاريخ أن األسباب‬
‫تحرك إال حفنة من المثاليين‪ ...‬في إشارة منه إلى مجموعة من النشطاء من‬ ‫األخالقية ال ّ‬
‫داخل إسرائيل الذين أخذوا على عاتقهم إسماع صوت التأييد لحملة المقاطعة وسحب‬
‫االستثمارات وفرض العقوبات(‪.((6‬‬
‫إن ال ـتــاريــخ ال ــذي الح ــق كــل ال ـغ ــزاة‪ ،‬ول ـحــق بـهــم وأسـقـطـهــم مــن وج ــه الـحـضــارة‬
‫اإلنسانية‪ ،‬سيالحق هــذه الحالة االستعمارية في فلسطين‪ .‬ويــدرك الـقــادة والخبراء في‬
‫تسميه‬‫إسرائيل األخطار الكامنة في هذا الحراك الفلسطيني والدولي المستمر‪ ،‬نحو ما ّ‬
‫إسرائيل بحملة عدم شرعية إسرائيل‪ .‬وكان مركز أبحاث األمن القومي الذي يعقد سنوي ًا‬
‫في جامعة تل أبيب‪ ،‬قد خصص وقفة خاصة ومطولة على جدول أعماله‪ ،‬لمناقشة هذا‬
‫التهديد الموصوف بالتهديد االستراتيجي لــدولــة إســرائـيــل‪ .‬وقــد وصــف يـهــودا بــن مئير‬
‫وغيفان ألترمان حملة المقاطعة الدولية بأنها حرب حقيقية الستخدامها مفاهيم تصف‬
‫إلســرائـيــل بــأنـهــا دول ــة‪ :‬فــاشـيــة‪ ،‬وعـنـصــريــة‪ ،‬ودكـتــاتــوريــة‪ ،‬ودول ــة تمييز عـنـصــري‪ ،‬واعتبر‬
‫توجه الفلسطينيين نحو المؤسسات الدولية الذي انطلق عملي ًا مع‬ ‫الخبيران السابقان أن ّ‬
‫اإلدان ــة الدولية للجدار في محكمة الهــاي عــام ‪ ،2004‬هو حــرب قضائية بــدأت تأخذ‬
‫مـســارات خطيرة على مستقبل إسرائيل عند استخدام الفلسطينيين ومؤيديهم الجهاز‬
‫القضائي األوروبي الذي يسمح باعتقال ومحاكمة مجرمي الحرب‪ ،‬حيث قدمت شكاوى‬
‫ضد الضباط والمسؤولين اإلسرائيليين‪ .‬ولعل أهم هذه الشكاوى هي أمر اعتقال رئيس‬
‫الحكومة األسبق أرئيل شارون من قبل محكمة في بلجيكا‪ ،‬األمر الذي دفع بعض كبار‬
‫(‪ ((6‬ميخائيل فيرشافسكي ‪ -‬ميكادو‪« ،‬شراكة إسرائيلية فلسطينية لماذا‪ ،‬وكيف؟‪ »،‬قضايا إسرائيلية‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،)2013( 51‬ص ‪.39 - 33‬‬
‫‪312‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الضباط والمسؤولين السياسيين إلى االمتناع عن زيــارة أوروبــا خشية اعتقالهم‪ .‬وليس‬
‫هذا سوى دليل تمهيدي للعقبات التي ستواجهها إسرائيل مستقب ً‬
‫ال(‪.((7‬‬
‫رابع ًا‪ :‬خيارات وبدائل وآفاق سياسية‬
‫‪ - 1‬الدولة اليهودية كشرط وخطاب صهيوني‬

‫فــي فصلة خطابية جامعة لرئيس الحكومة نتنياهو قدمها فــي مؤتمر المنظمات‬
‫اليهودية األمريكية الذي ائتلف في القدس (‪)2014/2/17‬؛ في تلك الفصلة الخطابية‬
‫الجامعة‪ ،‬الجامحة‪ ،‬الصارخة التي وصــف بها حملة المقاطعة بأنها وجــه آخــر لمعاداة‬
‫السامية التي تستهدف الدولة اليهودية‪ ،‬قال نتنياهو لمستمعيه من نشطاء الصهيونية في‬
‫أمريكا‪« :‬بعد أن حاولوا إخضاعنا بالوسائل العسكرية وفشلوا‪ ،‬يحاولون اآلن استخدام‬
‫سالح من نوع جديد هو سالح المقاطعة‪ ...‬في الماضي دعوا إلى مقاطعة اليهود‪ ،‬واليوم‬
‫يدعون إلى مقاطعة دولة اليهود‪ ...‬أولئك الذين يحملون هذه الدعوة هم أعداء السامية‪،‬‬
‫وأضــاف‪« :‬لن يكون هناك سالم إال باعترافهم بإسرائيل بشكل حقيقي‪ ،‬كيف يجرؤون‬
‫على عدم االعتراف بالدولة اليهودية؟ أال يعرفون أنها دولــة الـتــوراة‪ ...‬هي الدولة التي‬
‫تعرفنا؟»‪.‬‬
‫ّ‬
‫هناك إجماع فلسطيني وعربي على أال يكون هناك اعتراف بدولة «التوراة»‪ ،‬تلك‬
‫الــدولــة الـتــي يــرفــض نظامها األســاســي تبيان حــدودهــا بشكل دقـيــق‪ ،‬أمــا إذا كــان رئيس‬
‫حكومة إسرائيل يريد إسرائيل وفق األسطورة التوراتية‪ ،‬فإن حــدود هذه الدولة تشمل‬
‫يكف رؤساء الحكومات في‬ ‫ّ‬ ‫كامل فلسطين وشرق األردن وأجزاء من سورية ولبنان! لم‬
‫إسرائيل عن مطالبة الفلسطينيين بهذا االعتراف مقابل التوصل إلى تسوية سياسة (وفق‬
‫الشروط اإلسرائيلية‪ ،‬طبع ًا)‪ .‬وقد بدأت هذه المطالبة تستولي على الخطاب الرسمي في‬
‫ّ‬
‫الحل‬ ‫إسرائيل منذ لقاءات كامب ديفيد الثانية عام ‪ ،1999‬في إطار البحث في ملفات‬
‫النهائي‪ ،‬إذ طالب اإلسرائيليون بضرورة االعتراف بالبيت القومي لليهود‪ ،‬بحلول عام‬
‫‪ ،2004‬ونتيجة التطورات على األرض في أعقاب انتفاضة األقصى‪ ،‬وحرب الخليج‪،‬‬
‫وأحداث أيلول‪/‬سبتمبر ‪ 2001‬في الواليات المتحدة‪ .‬كما حاولت الواليات المتحدة‬

‫(‪ ((7‬شلومو بروم وعنات كوارتس‪ ،‬التقييم االستراتيجي اإلسرائيلي السنوي ‪ ،2011‬ترجمة عليان الهندي‬
‫(رام الله‪ :‬حركة فتح ‪ -‬مفوضية اإلعالم والثقافة‪ ،)2011 ،‬ص ‪.95 - 84‬‬
‫‪313‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إح ــداث اخـتــراق على جبهة الـصــراع العربي ‪ -‬اإلســرائـيـلــي مــن خــال خريطة الطريق‪.‬‬
‫وقدمت إسرائيل‪ ،‬عبر رئيس حكومتها شــارون‪ ،‬أكثر من أربعة عشر تحفظ ًا عليها لنفاذ‬
‫المشروع األمريكي‪ .‬وكــان التحفظ السادس قد دعــا إلــى ضــرورة اعتراف الفلسطينيين‬
‫بيهودية الدولة(‪.((7‬‬
‫منذ عــام ‪ ،2007‬أصـبــح ان ـتــزاع االع ـتــراف بــالــدولــة اليهودية مــن الفلسطينيين هو‬
‫شرط الشروط للتوصل إلى تسوية سياسية‪ .‬وفي مؤتمر أنابوليس (تشرين الثاني‪/‬نوفمبر‬
‫‪ )2007‬طرح إيهود أولمرت هذا المطلب بقوله‪« :‬إن إسرائيل هي وطن قومي للشعب‬
‫اليهودي‪ ،‬وإن نقطة البداية في أي مفاوضات مع الفلسطينيين هي االعتراف بإسرائيل‬
‫دولة للشعب اليهودي‪ ،‬ولن ندخل في أية مفاوضات مع أي كان في العالم بشأن حقيقة‬
‫أن إســرائـيــل هــي دول ــة الشعب الـيـهــودي»‪ .‬ثــم أصـبــح هــذا المطلب غــامــر ًا فــي الخطاب‬
‫السياسي اإلسرائيلي في آب‪/‬أغسطس ‪ ،2010‬حين قال نتنياهو‪« :‬إن أي اتفاق سالم‬
‫مع (السلطة الفلسطينية) يجب أن يكون على أســاس االعتراف بإسرائيل دولــة للشعب‬
‫اليهودي»(‪.((7‬‬
‫فــاق نتنياهو جميع مــن سبقوه فــي رأس النظام السياسي اإلسرائيلي برفعه الفتة‬
‫ال‪ ،‬مشترط ًا على الفلسطينيين تبنّي هذه الالفتة المعنونة بـ‬ ‫االعتراف بالدولة اليهودية أو ً‬
‫«يهودية الدولة» تمهيد ًا للتوصل إلى تسوية سياسية‪ .‬وأثناء توجه الفلسطينيين إلى األمم‬
‫المتحدة الكتساب االعـتــراف بالدولة الفلسطينية‪ ،‬ارتفعت هــذه الالفتة عالي ًا‪ ،‬إذ توجه‬
‫نتنياهو بتاريخ ‪ ،2011/6/28‬في كلمة له أمام مؤتمر الوكالة اليهودية في القدس‪ ،‬إلى‬
‫الرئيس الفلسطيني محمود عباس‪ ،‬مطالب ًا الرئيس بأن ير ّدد على لسانه جملة ال تتجاوز‬
‫كلمات أربــع‪« :‬أنا أقبل دولة يهودية»‪ ،‬وقد أجاب الرئيس عباس على هذا المطلب في‬
‫‪ ،2011/7/27‬فــي جلسة المجلس الـمــركــزي لمنظمة الـتـحــريــر الفلسطينية‪ ،‬بعبارة‬
‫مختصرة في أربع كلمات أيض ًا‪« :‬لن نقبل بها مطلق ًا»(‪.((7‬‬
‫يعي الرئيس محمود عباس كرئيس لمنظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬ورئيس ًا لحركة‬
‫فـتــح‪ ،‬ورئـيـسـ ًا للسلطة الــوطـنـيــة الفلسطينية‪ ،‬األخ ـطــار والـنـتــائــج الـكــارثـيــة عـلــى الشعب‬
‫(‪ ((7‬بكر أبو بكر‪ ،‬فلسطين ويهودية الدولة (رام الله‪ :‬المعهد الوطني إلعداد الكادر‪.)2014 ،‬‬
‫(‪ ((7‬أنيس القاسم‪« ،‬لماذا اإلصــرار على االعتراف بإسرائيل دولة يهودية؟‪ »،‬مجلة الدراسات الفلسطينية‪،‬‬
‫العدد ‪( 86‬ربيع ‪ ،)2010‬ص ‪.63 - 62‬‬

‫(‪ ((7‬ع ـبــد الحفيظ مـحــارب‪« ،‬يـهــوديــة الــدولــة‪ :‬الـفـكــرة‪ ،‬الــدولــة وإش ـهــارهــا‪ »،‬شــؤون فلسطينية‪ ،‬الـعــدد ‪246‬‬
‫(خريف ‪ ،)2011‬ص ‪.55 - 54‬‬
‫‪314‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ال إن هو قايض دولــة فلسطينية مقطعة األوصــال يقيم فيها ‪650‬‬ ‫الفلسطيني آني ًا ومستقب ً‬
‫ألف مستعمر (حتى كتابة هذه السطور) مقابل االعتراف بإسرائيل كدولة يهودية‪ .‬ويبدو‬
‫جلي ًا أن المطالبة بهذا االعتراف‪ ،‬وبهذه الكثافة الضاغطة‪ ،‬هي غاية الغايات االستعمارية‬
‫بالنسبة إلــى دولــة المهاجرين المستوطنين في فلسطين‪ ،‬إذ كــان خلق الوقائع‪ ،‬وفرض‬
‫الحقائق الناجزة على األرض‪ ،‬المبدأ الهادي في السياسة الصهيونية منذ والدتها حتى‬
‫لخص مشروع االنعزال‬ ‫اليوم‪ ،‬وفق ما ذهب إليه المؤرخ اإلسرائيلي شلومو ساند‪ ،‬الذي ّ‬
‫فــي الــدولــة اليهودية بقوله‪« :‬الـخــرافــات التي استحكمت فــي الفكرة الصهيونية‪ ،‬ســواء‬
‫في مسألة الخطوط العريضة الخاصة بالقومية اليهودية المتخ ّيلة‪ ،‬أم في مسألة المنطقة‬
‫الجغرافية التي أعدّ تها لها‪ ،‬كانت ترمي إلى عزلها عرقي ًا عن الشعوب األخرى‪ ،‬والسعي‬
‫بالتوازي إلى االستيالء على أرض كان يعيش عليها ويعتاش منها آخرون»(‪.((7‬‬
‫ويبدو أيض ًا أن تو ّغل المستوطنين المتزايد في بطون المناطق المكتظة بالفلسطينيين‪،‬‬

‫كما هو يشكل صيرورة تجهض أية محاولة لالنفصال السياسي المستقبلي‪ ،‬فإنه أيض ًا‬
‫عمل على تسليح إسرائيل من الناحية الذهنية بوعي يغرق في التطرف باستمرار فحواه‪:‬‬
‫«هو ذا شعب يسكن وحده وباألغيار ال يكترث» (سفر يهوشع (‪.((7())8 - 23‬‬
‫في إطار عام‪ ،‬أحدثت هذه الدعوة صدى واسع ًا لدى الفلسطينيين‪ ،‬تمثل بالرفض‬
‫المطلق لمثل هذه الدعوة الموصوفة باالبتزاز ّ‬
‫الفظ الذي يتسم بأعلى درجة من العنف‪.‬‬
‫وعند هذه الدعوة أيض ًا‪ ،‬تب ّين مقدار اإلدراك الجامع الستحالة مرور هذه الدعوة‪/‬الطلب‬
‫اإلسرائيلي عند الفلسطينيين‪ ،‬وهم في كل المستويات واأليديولجيات والفئات أيقنوا‬
‫األخطار الكامنة في هذه الدعوة على وجودهم ومستقبلهم‪ .‬فقد أجمعت الرؤية على‬
‫رفض هذه الدعوة بالنظر إلى‪:‬‬
‫أ ‪ -‬التعرض لحق الالجئين الفلسطينيين بالعودة الذي كفلته األمم المتحدة وفق‬
‫قرارها الرقم (‪ ،)194‬والسعي إلى االلتفاف حوله إلفراغه من مضمونه‪.‬‬
‫المس بمكانة المواطنين العرب الذين استمروا بالوجود التاريخي في بالدهم‬ ‫ب‪ّ -‬‬
‫داخل األرض المحتلة عام ‪ ،1948‬سواء بالطرد أم بالتبادل السكاني‪ ،‬علم ًا أنهم (قانوني ًا)‬
‫تصر على إخراجهم من إطارها‪ ،‬بتقديمها لسيادتها كدولة لليهود‪ .‬هذا‬ ‫مواطنون في دولة ّ‬
‫(‪ ((7‬ساند‪ ،‬اختراع أرض إسرائيل‪ ،‬ص ‪.222‬‬

‫(‪ ((7‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.272‬‬
‫‪315‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫شرعت الواقع‬ ‫فض ً‬
‫ال عن أن منظومة قوانين الدولة في نصوصها األساسية التأسيسية قد ّ‬
‫التمييزي الخاضعين له‪.‬‬
‫ج ‪ -‬االعتراف بالفكرة والنظرية والقيم الصهيونية‪.‬‬

‫د ‪ -‬االعتراف بالرواية الصهيونية للصراع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‪ ،‬وبالتطهير العرقي‬
‫الذي أحدثته المليشيات الصهيونية في فلسطين(‪ .((7‬وهذا االعتراف يعني في ما يعنيه‪:‬‬
‫أن الـمـهــاجــريــن المستعمرين سيصبحون هــم أص ـحــاب الـحــق الـشــرعــي فــي ال ـبــاد‪ ،‬إذ‬
‫إن لم ينطو هذا االعتراف على مثل تلك النتيجة‪ .‬وإذا ما تم ذلك‪،‬‬ ‫ال معنى لالعتراف ْ‬
‫ستقدم الـقـيــادة الصهيونية خطابها على النحو اآلت ــي‪« :‬اعترفتم اآلن بحقنا التاريخي‬
‫في فلسطين (إسرائيل)‪ ،‬وهذا يعني أنكم‪ ،‬أيها الفلسطينيون (العابرون للمكان)‪ ،‬كنتم‬
‫طــوال هذه اآلالف من السنين تستخدمون أرضنا‪ ،‬وتزرعون حقولنا‪ ،‬وتعتاشون منها‪،‬‬
‫واآلن عليكم أن تدفعوا قيمة هــذا االسـتـغــال ألرضـنــا ومــواردنــا وشتاتنا‪ .‬وهـنــا ستقع‬
‫المساومة بين حـقــوق الشعب الـيـهــودي وحـقــوق الالجئين الفلسطينيين‪ ،‬وفــي النهاية‬
‫ستقع المساومة بين هؤالء وأولئك‪ ،‬ويخرج الفلسطينيون بال وطن‪ ،‬لكن ليسوا مدينين‬
‫للشعب اليهودي»(‪.((7‬‬
‫في ضوء رفض الفلسطينيين والعرب التام لإلقرار بهذه الدولة كدولة يهودية‪ ،‬رغم‬
‫أن عدد ًا من البلدان العربية ومنظمة التحرير قد اعترفا بالحالة السيادية الرسمية القانونية‬
‫بشكل رسمي بدولة إسرائيل‪ ،‬إال أن النظام العربي الرسمي ما زال حتى اللحظة يرفض‬
‫بتات ًا االعتراف بإسرائيل كدولة يهودية‪ ،‬متبني ًا بذلك الموقف الفلسطيني إزاء هذا المطلب‬
‫الصهيوني‪ .‬فقد أكدت القمة العربية المنعقدة في الكويت يومي ‪ 25‬و‪ 26‬آذار‪/‬مــارس‬
‫‪ ،2014‬رفض المطلب اإلسرائيلي بالدولة اإلسرائيلية كدولة يهودية في بيانها الختامي‬
‫«نحمل إسرائيل المسؤولية الكاملة لتعثر عملية السالم واستمرار التوتر‬ ‫ّ‬ ‫الذي جاء فيه‪:‬‬
‫في الشرق األوسط‪ ،‬ونعبر عن رفضنا المطلق والقاطع لالعتراف بإسرائيل دولة يهودية‬
‫واستمرار االستيطان وتهويد القدس‪.((7(»...‬‬
‫وفــي ضــوء ممانعة الديمقراطيات الغربية‪ ،‬وعــدم ترحيبها أو تق ّبلها لهذا الطلب‬
‫اإلســرائـيـلــي مــن الفلسطينيين‪ ،‬باستثناء الــواليــات المتحدة‪ ،‬يـصــادق ألول مــرة الرئيس‬
‫(‪ ((7‬محارب المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.71 - 70‬‬

‫(‪ ((7‬القاسم‪« ،‬لماذا اإلصرار على االعتراف بإسرائيل دولة يهودية؟‪ »،‬ص ‪.60 - 59‬‬
‫(‪ ((7‬انظر‪ :‬البيان الختامي للقمة العربية المنعقدة في دولة الكويت بتاريخ ‪ 27 - 26‬آذار‪/‬مارس ‪.2014‬‬
‫‪316‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫األمريكي بــاراك أوبــامــا‪ ،‬في خطاب سياسي مهم في ‪ 2011/5/19‬بشأن السياسات‬
‫الكبرى ألمــريـكــا‪ ،‬على تعريف إســرائـيــل بأنها دول ــة يـهــوديــة‪ ،‬ووط ــن للشعب اليهودي‪،‬‬
‫فــإن الحالة االستعمارية اإلسرائيلية‪ ،‬وضمن سعيها الـشــاق إلــى انـتــزاع هــذا االعـتــراف‬
‫المخالف لألنظمة والقوانين الدولية‪ ،‬بدأت تسعى بشكل أحادي إلى س ّن قانون أساسي‬
‫ينص على أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي‪ .‬وهنا ينبغي التذكير بداهة‬ ‫ّ‬
‫ـص على هــذه الجوهرانية الدينية‬ ‫أن إعــان االستقالل (إعــان قيام دولــة إسرائيل) قد نـ ّ‬
‫العرقية صــراحــة‪« :‬وعليه‪ ،‬فقد اجتمعنا نحن أعـضــاء مجلس الشعب‪ ،‬ممثلو المجتمع‬
‫اليهودي في البالد والحركة الصهيونية‪ ،‬في يوم انتهاء االنتداب البريطاني على فلسطين‬
‫(‪ ،)1948/5/14‬وبحكم حقنا الطبيعي والتاريخي‪ ،‬وبمقتضى قرار الجمعية العمومية‬
‫لألمم المتحدة‪ ،‬نعلن عن إقامة دولة يهودية في أرض إسرائيل‪ ،‬في دولة إسرائيل»(‪.((7‬‬
‫ويفسر هــذا المضمون الـجــوهــرانــي الــديـنــي الـعــرقــي إلســرائـيــل الـسـيــاديــة «أه ــارون‬
‫بـ ــاراك»‪ ،‬الـقــاضــي األكـبــر ورئـيــس محكمة الـعــدل العليا اإلســرائـيـلـيــة األس ـبــق‪ ،‬كما يلي‪:‬‬
‫«قيم إسرائيل لدولة يهودية هي ذات مكانة دستورية فوق قانونية‪ ،‬وهي تؤثر في تفسير‬
‫كــل القوانين األســاسـيــة‪ ،‬وتــؤثــر بذلك فــي دسـتــوريــة كــل القوانين‪ ،‬وهــي تؤثر فــي تفسير‬
‫كل النصوص القانونية‪ ،‬وذلــك ألنه يجب أن نرى فيها جــزء ًا من القيم األساسية لدولة‬
‫نص قانوني في‬ ‫إسرائيل‪ .‬وهي بذلك أيض ًا جزء من الغاية العامة القابعة في أساس كل ّ‬
‫ال‪ ،‬فإن كل قانون للكنيست وهيكل مرسوم للحكومة يستهدف تطبيق‬ ‫إسرائيل‪ .‬وهكذا‪ ،‬مث ً‬
‫قيم دولــة إسرائيل كدولة يهودية‪ ،‬ويلقى قــرار رئيس الحكومة بالعمل على سـ ّن قانون‬
‫ينص على كون إسرائيل الدولة القومية للشعب اليهودي ترحيب ًا واسع ًا يحظى‬ ‫أساسي ّ‬
‫بأغلبية أعضاء الكنيست الحالية ذات األغلبية اليمينية‪« :‬وهو قرار ذو مغزى استثنائي‪،‬‬
‫وستكون هذه قمة فعل صهيوني ستكتب بأحرف من نور في صفحات التاريخ»‪ ،‬بحسب‬
‫اعتقاد آفي ديسكن (باحث كبير في منتدى كهيلت اإلسرائيلي)(‪.((8‬‬
‫النص (القانون األساسي) المنوي إصداره بدعم‬

‫ولكن لماذا ستكتب أحرف هذا ّ‬
‫وتوصية من زعيم اليمين‪ ،‬رئيس الحكومة نتنياهو؟ ولماذا يعمل رئيس الحكومة نحو‬
‫إصدار أسوأ القوانين العرقية؟ تولى الر ّد على هذا التساؤل إيلي أمينوف (ناشط وكاتب‬
‫(‪ ((7‬مردخاي نائور‪ ،‬الصهيونية في مائه عام (‪ :)1996 - 1897‬تاريخ‪ ،‬وثائق‪ ،‬مفاهيم‪ ،‬صور‪ ،‬ترجمة عمرو‬
‫زكريا خليل (القاهرة‪ :‬مكتبة النافذة‪ ،)2013 ،‬ص ‪.311‬‬

‫(‪ ((8‬آفي ديسكن‪« ،‬قانون القومية‪ :‬الخوف من المس بالديمقراطية مبالغ فيه‪ »،‬القدس‪ ،2014/5/13 ،‬نقالً‬
‫عن‪ :‬صحيفة معاريف‪.‬‬
‫‪317‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إسرائيلي يـســاري) بالقول‪« :‬هــذا القانون يوجه رسالة إلــى العالم كله بــأن إسرائيل هي‬
‫دولة يهود نيويورك‪ ،‬ولكن ليس دولة سكان قرية كفر قاسم العربية‪ ،‬كذلك فإن مشروع‬
‫تفوق وعلو الطابع‬‫يوجه رسالة واضحة حــول ّ‬ ‫القانون الــذي يدفع إليه رئيس ال ــوزراء‪ّ ،‬‬
‫وينص القانون في الحقيقة على أن الحق في‬ ‫ّ‬ ‫اليهودي للدولة على طابعها الديمقراطي‪.‬‬
‫يخص فقط جميع الذين تنتمي أمهاتهم إلى‬ ‫ّ‬ ‫تجسيد تقرير المصير القومي في إسرائيل‬
‫الديانة اليهودية‪ .‬كذلك ينص القانون أيض ًا على أن أرض إسرائيل هي الوطن التاريخي‬
‫للشعب اليهودي‪ ،‬وليس ألي شعوب أخــرى‪ .‬ويبدو مشروع القانون في نظر مؤيديه‪:‬‬
‫«هذه دولة يهودية‪ ،‬ولهذا السبب يجب أن يرحل العرب»‪ .‬إن الهدف المركزي للقانون‬
‫المقترح هو إقصاء الفلسطينيين حيثما أمكن‪ ،‬واالستمرار في تمزيق الشعب الفلسطيني‬
‫األصــانــي إلــى طوائف وقبائل وأقليات بغية الحيلولة دون نهوضه واستمرار وجــوده‪.‬‬
‫وهــو يشكّل جائزة تشجيع لعصابات اإلره ــاب اليهودية (جماعة «جباية الثمن»)‪ .‬كما‬
‫ينطوي على غاية أخرى خفية تنبع من طابع الحركة الصهيونية‪ ،‬وفي األساس من البعد‬
‫الوحشي لهذه الحركة‪ ،‬فهو يستهدف تصعيد الالسامية في صفوف المجموعات القومية‬
‫المتطرفة التي أخذت تجتاح أوروبا بصورة متزايدة‪ ،‬وذلك بغية دفع اليهود إلى الهجرة‬
‫إلى إسرائيل‪ ،‬حتى تستكمل الصهيونية دورها كمفوضية تاريخية لليهودية التوراتية لكي‬
‫تتحول إسرائيل إلى غيتو مس ّلح‪ ،‬تستلهم فرضياته األساسية من حاخامي غوش إيمونيم‬
‫والخالصيين المسيانيين‪ ،‬دعاة إعادة بناء الهيكل(‪.((8‬‬
‫ويرى فريق آخر من الوطنيين الفلسطينيين‪ ،‬ومن القوميين العرب‪ ،‬أن هناك أبعاد ًا‬
‫أخرى لهذا الضغط اإلسرائيلي الرامي إلى انتزاع هذا االعتراف بيهودية إسرائيل‪ ،‬وهي‬
‫التي تندرج ضمن تمرير الرواية االستعمارية الصهيونية على األمة العربية‪ ،‬وخصوص ًا في‬
‫ما يتعلق بالرواية األسطورية الدينية التي تتكئ عليها الحالة االستعمارية كحالة تاريخانية‬
‫في فلسطين‪ .‬وضمن هذه األبعاد (الماورائية)‪ ،‬يأتي هذا الشحن المطلبي الكثيف كشرط‬
‫استراتيجي للسماح بتمرير التسوية السياسية على بعض من بقايا األرض الفلسطينية‪،‬‬
‫«حيث يضع هذا االعتراف الفلسطيني عبء الصراع األخالقي على كاهل الفلسطينيين‪،‬‬
‫وال يكتفي بالتالي بتبرئة إسرائيل من األوضاع األخالقية المريبة التي أحاطت بوالدتها‪،‬‬
‫بل يجعل العرب الفلسطينيين هم الدخالء والمعتدين تاريخي ًا»(‪.((8‬‬
‫(‪ ((8‬إيلي أمينوف‪« ،‬قانون دولة القومية اليهودية‪ »،‬المشهد اإلسرائيلي‪.2014/6/17 ،‬‬
‫(‪ ((8‬أح ـم ــد ســامــح ال ـخــالــدي‪« ،‬ل ـمــاذا ال يستطيع الفلسطينيون االع ـت ــراف بــالــدولــة الـيـهــوديــة‪ »،‬الــدراســات‬
‫الفلسطينية‪ ،‬العدد ‪( 89‬شتاء ‪ ،)2012‬ص ‪.123‬‬
‫‪318‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫في السياق نفسه‪ ،‬يرى أحمد سامح الخالدي‪ ،‬أنه يجب أال يرفض الفلسطينيون‬
‫فقط هذا المطلب‪ ،‬ومن غير المقبول أو المعقول أن تظهر حيادية عربية أو فلسطينية في‬
‫وأخوتنا‬
‫ّ‬ ‫كيفية تعريف إسرائيل لنفسها‪ ،‬ألنه في حالة الالمباالة‪« :‬فإننا بذلك ننكر قرابتنا‬
‫مع فلسطينيي داخل فلسطين المحتلة‪ ،‬ونعترف بأن هويتنا المشتركة أو مصيرنا المشترك‬
‫ليس لهما شأن كبير بالنسبة إلينا‪.‬‬
‫بعبارة أخرى‪ ،‬إن الرسالة إلى إسرائيل ستكون عندئذ على النحو اآلتي‪« :‬افعلي يا‬
‫إسرائيل بالمواطنين الفلسطينيين ما تشائين‪ ،‬ألن في قدرتك أن تعرفي نفسك كما تريدين‬
‫بصرف النظر عما ينطوي عليه ذلــك‪ .‬أما النتيجة‪ ،‬فال تقتصر على التمييز حيال حقوق‬
‫العرب في إسرائيل‪ ،‬بل تتعدّ اه أيض ًا إلــى حل الــروابــط التي شكلت الهوية الفلسطينية‬
‫المشتركة على خط حدود اعتباطي رسم على خريطة في سنة ‪.1949‬‬
‫وف ــي ه ــذا ال ـس ـيــاق‪ ،‬ودف ــاع ـ ًا عــن ح ـقــوق األقـلـيــة الـعــربـيــة يـمـكــن لـمنظمة التحرير‬
‫الفلسطينية والمجتمع الــدولــي أن يطالبا‪ ،‬كشرط مسبق للتسوية السياسية‪ ،‬بــأن تعرف‬
‫إسرائيل ذاتها كدولة جميع مواطنيها‪ ،‬وهو مطلب يتسق مع التقليد الليبرالي الغربي الذي‬
‫تدّ عي إسرائيل تمثيله أكثر مما يتسق مع مطالبتها بالحصرية اإلثنية ‪ -‬الدينية(‪.((8‬‬
‫‪ - 2‬الحركة الشعبية للدولة الديمقراطية الواحدة‬

‫على أرض فلسطين التاريخية‬
‫الصهيونية‪ ،‬كحالة احـتــراف استعماري‪ ،‬أصبحت في داللتها اإلدراكـيــة والرمزية‬
‫أعمق داللة في كينونتها البنيوية من أية تفكيكات مفاهيمية‪ ،‬ولذلك فإن منظومة سياساتها‬
‫السافرة يمكن تأطيرها في مفهوم واحــد هو أن الصهيونية‪ :‬استعمار استيطاني‪ ،‬فصل‬
‫عنصري‪ ،‬تطهير ع ــرق ــي(‪ ،((8‬ألنــه كما أنــه مــن «المستحيل أن تتصالح هــذه الحركة مع‬
‫األخالق اإلنسانية والمعايير األخالقية»‪ ،‬فإنه أيض ًا من المستحيل أن يأتي يوم عليها تبدو‬
‫فيها سياساتها مناقضة لجوهرها‪.‬‬
‫(‪ ((8‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.125‬‬

‫(‪ ((8‬انـ ـظ ــر‪ :‬إي ــان بــابـيــه‪« ،‬ه ــل مــا زال الـعــالــم يصغي إلـيـنــا نـحــن الــذيــن نـتـحــدث عــن فـلـسـطـيــن؟‪ »،‬الـقــدس‪،‬‬
‫‪ ،2014/4/19‬وهــو عـنــوان لمحاضرة قدّ مها ضمن فعاليات أسـبــوع مكافحة األبــارتـهــايــد فــي جامعة أكسفورد‬
‫البريطانية‪ ،‬و ُي َعدُّ بابيه أحد األصــوات األكثر ارتفاع ًا في مناصرة فلسطين ومن الناشطين المؤمنين بما يعرف ّ‬
‫بحل‬
‫«الدولة الواحدة»‪.‬‬
‫‪319‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫لقد تعلق الفلسطينيون بحلم الخالص‪ ،‬ولو جزئي ًا‪ ،‬من عنف االستعمار االستيطاني‬
‫فــي الـضـفــة الـغــربـيــة وق ـطــاع غ ــزة‪ ،‬وه ــو ال ـجــزء الـجـغــرافــي الـمــوصــوف قــانــونـيـ ًا بــاألراضــي‬
‫المحتلة‪ ،‬وال ـمــوصــوف صهيوني ًا بــأنـهــا مـنــاطــق مـتـنــازع عليها مــن أج ــل تـمــريــر اقتسامها‬
‫ال بين مستوطنيها وضحاياها من العرب الفلسطينيين‪ .‬لم تفتقد مسيرة التسوية‬ ‫مستقب ً‬
‫تخب‬
‫ُ‬ ‫السياسية التي انطلقت مع توقيع اتفاق أوسلو عوامل الدفع السياسية الالزمة‪ ،‬ولم‬
‫قوتها اإلقناعية لتلمس حلم الخالص من العنف االستعماري لدى الفلسطينيين في هذه‬
‫المناطق المشار إليها في خريطة فلسطين (الضفة والقطاع)‪ ،‬بسبب عدم توقف آلة العنف‬
‫االسـتـعـمــاري عــن هــدم المجتمع الفلسطيني‪ ،‬كنتاج طبيعي للصهيونية‪ ،‬وإنـمــا لطبيعة‬
‫الظاهرة الصهيونية نفسها‪ .‬إن طبيعة الظاهرة الصهيونية نفسها كانت قد حددت منذ البدء‬
‫نتائج هذه «المصالحة»‪.‬‬
‫منح الفلسطينيون يــاســر عــرفــات (أب ــا الوطنية الفلسطينية) تفويض ًا سياسي ًا لعل‬
‫حلم الدولة وتقرير المصير يتحقق على ‪ 22‬بالمئة من مساحة بالدهم‪ ،‬ومــات أو قتل‬
‫ياسر عرفات محاصر ًا وســط األنـقــاض التي تراكمت بفعل القصف‪ ،‬وهــدم الجرافات‬
‫اإلسرائيلية‪ .‬ودفن عرفات وسط هذه األنقاض نفسها‪ .‬وكانت هذه األنقاض المتراكمة‬
‫أنقاض ًا لحلم الفلسطينيين الذين ش ّيعوه شهيد ًا بعيون باكية‪ .‬حتى عيون هــؤالء الذين‬
‫خالفوه وجهة النظر أيض ًا انسابت دموعهم لحظة هبوط المروحية المصرية التي حملت‬
‫جثمان أبو عمار ليوارى بين أنقاض المقاطعة‪.‬‬
‫حمل انـتـخــاب محمود عـبــاس (أب ــو م ــازن) بــارقــة أمــل أخ ــرى لــدى الفلسطينيين‪،‬‬
‫باعتبار أن الرجل الوريث لياسر عرفات أكثر إيمان ًا واقتناع ًا بجدوى التسوية السياسية من‬
‫سلفه الراحل‪ ،‬وذلك من وجهة النظر اإلسرائيلية والغربية‪ ،‬وخصوص ًا األمريكية منها‪.‬‬
‫ولكن في عهد أبو مازن بلغ العنف االستعماري الصهيوني ذروته‪ ،‬فأصبح حل الدولتين‬
‫بعيد المنال بفعل تصاعد البناء االستيطاني‪ ،‬وتضاعف عدد المستوطنين‪ ،‬واالستمرار‬
‫مسورة‬
‫في عمليات المصادرة وتحويل األراضي الفلسطينية إلى جيوب (بانتوستانات) ّ‬
‫بجدار‪ .‬وبالنسبة إلــى اإلمعان الالمتناهي في سياسات تهويد مدينة القدس الــذي أخذ‬
‫مسارات أكثر فظاظة وعنف ًا وتدمير ًا غير مسبوق‪ ...‬فقد اجتمعت هذه السياسات لتدفع‬
‫قدم ًا فكرة حل الدولة الواحدة(‪.((8‬‬
‫(‪ ((8‬حول سياسات االحتالل اإلسرائيلي في العقد األخير‪ ،‬انظر‪ :‬ساري حنفي‪ ،‬عدي أوفير وميخال غيفوني‪،‬‬
‫محررون‪ ،‬سلطة اإلقصاء الشامل‪ :‬تشريح الحكم اإلسرائيلي في األراضي الفلسطينية المحتلة‪ ،‬وقفية عبد المحسن‬
‫القطان للقضية الفلسطينية (بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.)2012 ،‬‬
‫‪320‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫جاء اإلعالن عن الحركة الشعبية للدولة الديمقراطية الواحدة على أرض فلسطين‬
‫التاريخية في الخامس عشر من أيار‪/‬مايو ‪ 2012‬في ذكــرى إعــان قيام دولــة إسرائيل‬
‫الرابع والستين‪ ،‬وبعد عشرين عام ًا على توقيع اتفاق وثيقة إعالن المبادئ في واشنطن‬
‫بتاريخ ‪.1993/9/13‬‬
‫وفي مدينة رام الله التي أصبحت عنوان ًا للعمل السياسي الفلسطيني‪ ،‬و ّقع ثالثون‬
‫شخصية وناشط ًا سياسي ًا فلسطيني ًا على وثيقة الحركة الشعبية التي تبنّت عملي ًا مشروع‬
‫الدولة الديمقراطية الواحدة‪ ،‬كبديل لمشروع حل الدولتين الذي أسقطته إسرائيل بشكل‬
‫فعلي على أرض اإلقليم في الضفة الغربية‪ ،‬والذي كان من الممكن لدى أصحاب الحلم‬
‫من الضحايا أن يعاينوا عليه دولتهم المستقلة‪ ،‬ويالمسوا الحرية ألول مرة‪.‬‬
‫حملت وثيقة الحركة الشعبية للدولة الديمقراطية الــواحــدة على أرض فلسطين‬
‫التاريخية مضمون ًا تاريخي ًا سردي ًا لرواية الشعب الفلسطيني عن نكبته‪ ،‬كما استعرضت‬
‫الجهود والـمـبــادرات الــدولـيــة الـتــي آلــت جميعها إلــى الفشل بسبب التعنت الصهيوني‬
‫والعقلية العنصرية‪ ،‬التي ال تقبل اآلخــر‪ ،‬منكرة وجــود الضحية إلخفاء الجريمة‪ .‬وعند‬
‫ال بالثورة الفلسطينية المعاصرة عام ‪،1968‬‬ ‫لحظة تجدد العمل الوطني الفلسطيني ممث ً‬
‫وتس ّلم منظمة التحرير الفلسطينية قـيــادة العمل الوطني‪ ،‬تــم طــرح الــدولــة الديمقراطية‬
‫الــواحــدة على أرض فلسطين الـتــاريـخـيــة‪ ،‬كمنظور سياسي ع ــادل للقضية الفلسطينية‪.‬‬
‫وبنتيجة المعطيات العربية واإلقليمية والدولية‪ ،‬سرعان ما تقدم الحل المرحلي وفق‬
‫برنامج النقاط العشر الذي قدمته القيادة الفلسطينية عام ‪ ،1974‬والذي جرى التأسيس‬
‫عليه للتعاطي الفلسطيني مع حل الدولتين الــذي كـ ّـرس فعلي ًا االعتراف بدولة إسرائيل‬
‫السيادية على الجزء المحتل عام ‪.1948‬‬
‫وتؤكد الحركة الشعبية للدولة الديمقراطية الــواحــدة في برنامجها المعلن عام‬

‫‪ 2012‬أن العودة إلى إعادة طرح الحل السياسي القائل بالدولة الديمقراطية الواحدة‬
‫يــأتــي فــي ظــل ان ـســداد أي أفــق لـحـ ّـل سياسي للتسوية الـمـجــزوءة للقضية الفلسطينية‪،‬‬
‫وذلــك بعد أن أسقطت إســرائـيــل عملي ًا خيار الدولتين مــن خــال منظومة السياسات‬
‫وحولت الوجود‬‫ّ‬ ‫التدميرية التي رسخت الوجود االستيطاني على األرض الفلسطينية‪،‬‬
‫الفلسطيني مــن خــال جــدار الفصل العنصري إلــى بانتوستانات غير متصلة تستحيل‬
‫فيها الـحـيــاة الطبيعية‪ ،‬وينتفي فيها أي أس ــاس لـبـنــاء دول ــة فلسطينية طبيعية متواصلة‬
‫جغرافي ًا وقابلة للحياة‪ .‬إزاء ذلــك‪ ،‬قدمت الحركة الشعبية رؤيتها السياسية التحررية‬
‫‪321‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫كرست فيها نظام ًا كولونيالي ًا‬ ‫بنتيجة الوقائع الجيوسياسية على األرض الفلسطينية التي ّ‬
‫عنصري ًا فاشي ًا‪ ،‬مصحوب ًا بالمطلب اإلسرائيلي االشتراطي‪ ،‬وهو اعتراف الفلسطينيين‬
‫بــإســرائـيــل كـحــالــة يـهــوديــة حـصــريــة‪ ،‬األم ــر ال ــذي يـعـنــي فــي مــا يعنيه تصفية حــق عــودة‬
‫الالجئين الفلسطينيين‪ .‬وتمهيد الـطــريــق الستكمال مهمة تهجير البقية العربية التي‬
‫استمر وجــودهــا قائم ًا في البالد بعد اإلعــان عن قيام دولــة إسرائيل‪ ...« :‬وأمــام هذا‬
‫الــواقــع الـمـظـلــم والـمــريــر للشعب الفلسطيني‪ ،‬ف ــإن الـحــل ال ـعــادل والـمـمـكــن للصراع‬
‫التاريخي الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي هو حل الــدولــة الديمقراطية الــواحــدة على أرض‬
‫فلسطيني ال ـتــاري ـخ ـيــة‪ ...‬دول ــة ديـمـقــراطـيــة لـجـمـيــع سـكــانـهــا ت ـقــوم عـلــى أس ــاس دسـتــور‬
‫ديـمـقــراطــي وقـيــم اإلع ــان العالمي لحقوق اإلن ـســان‪ ،‬وتضمن الـحــريــة والديمقراطية‬
‫والمساواة في الحقوق من دون أي تمييز على أســاس العرق أو الدين أو الجنس أو‬
‫اللون أو اللغة أو الرأي السياسي أو األصل القومي أو االجتماعي»‪.‬‬
‫ويستند تـبـنّــي مجموعة الــدولــة الــديـمـقــراطـيــة ال ــواح ــدة إل ــى األس ــس اآلت ـيــة‪ :‬أوالً‪،‬‬
‫بغض النظر عن مكان إقامته‪ .‬وثاني ًا‪ ،‬أن قيم الحرية والعدالة‬ ‫وحدانية الشعب الفلسطيني‪ّ ،‬‬
‫والمساواة كقيم أخالقية عالمية تهيئ لقبول اآلخــر‪ ،‬ويجب النظر إلى التعددية الثقافية‬
‫والعرقية والدينية كإثراء للمجتمع‪ .‬وثالث ًا‪ ،‬أن فلسطين المعروفة تاريخي ًا بالتعدد الديني‬
‫المتعايش والمتجاور مع ًا على أساس االحترام والتقدير المتبادلين‪ ،‬ترفض أن يقوم أحد‬
‫األديان بإقصاء الغير من وجهها الحضاري‪ ،‬وطبع نظامها السياسي بدين معين‪ .‬ورابع ًا‪،‬‬
‫أنه باقتراح هذا الدين القدس عاصمة لهذه الدولة‪ ،‬فإنه يرفض أي تسوية لقضية الالجئين‬
‫تـتـجــاوز أو ت ـحــاول الـمـســاس بــالـقــرار األم ـمــي الــرقــم (‪ )194‬ال ـخــاص ب ـعــودة الالجئين‬
‫واستعادة أمالكهم وعقاراتهم‪ ،‬وتعويضهم عن اآلثــار الكارثية التي لحقت بهم بسبب‬
‫التشريد اإلجباري عن مدنهم وقراهم(‪.((8‬‬
‫تعرضت هــذه الحركة‪ ،‬رغــم االعـتــراف الرسمي الفلسطيني فيها بقبول تسجيلها‬
‫ّ‬
‫رسمي ًا كحركة‪/‬مؤسسة قانونية من قبل وزارة الداخلية الفلسطينية إلى حملة تحريض‬
‫ذات مصادر فلسطينية مختلفة بوصمها بالتطبيع مع االحتالل‪ ،‬رغم أن القائمين عليها‬
‫معروفون لدى األوساط السياسية الفلسطينية بالمناضلين الذين قضوا عقود ًا في سجون‬
‫االحـتــال اإلسرائيلي‪ ،‬ومنهم مــن خضع للسجن المؤبد وخــرج مــن سجون االحتالل‬
‫ضمن إطــار صفقات تحرير األســرى‪ ،‬لكن هــذا التحدّ ي من وجهة نظر المؤسسين لها‬
‫(‪ ((8‬انظر الموقع اإللكتروني للحركة الشعبية بتاريخ ‪.2014/6/4‬‬
‫‪322‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ال يشكل إعاقة استراتيجية ذات معنى‪ ،‬بل إن التحدي األكبر لهذا المشروع يأتي من‬
‫جسامة المعارضة الصهيونية التي ترى في هذا المشروع األخالقي التحرري إيذان ًا بنهاية‬
‫الصهيونية كحركة‪ ،‬وإسرائيل كدولة سيادية عنصرية(‪.((8‬‬
‫فيما يعتقد فريق آخر من المهتمين والداعين إلى هذا المشروع‪ ،‬أن التحدي األكبر‬
‫الذي يواجه مناصري الدولة الواحدة‪ ،‬رغم مضمونه األخالقي والسياسي الواضح‪ ،‬هو‬
‫أنــه مبدأ طــوبــاوي أو غير واقـعــي‪ ،‬في حين أن حل الدولتين‪ ،‬رغــم سلبياته‪ ،‬حـ ٌـل واقعي‬
‫وقابل للتطبيق‪ ،‬وأن التوجه إلى حل الدولة الواحدة سوف يرتب على الفلسطينيين عقود ًا‬
‫أخــرى مــن المعاناة الـمــريــرة‪ ،‬وخـصــوصـ ًا بالنسبة إلــى الفلسطينيين الــذيــن يعانون عنف‬
‫االحتالل وضراوته المباشرة في الضفة الغربية وقطاع غزة(‪.((8‬‬
‫في الجانب اإلسرائيلي‪ ،‬يقف على رأس هذا التوجه المؤرخ المعروف إيالن بابيه‬
‫الــذي يعتقد أن الصهيونية البراغماتية كانت الالعب األساسي في إرســاء مضامين حل‬
‫الدولتين وفــق رؤيتها المعروفة على األرض‪ ،‬وأن منظمة التحرير الفلسطينية التزمت‬
‫هذا الشكل من التسوية‪ ،‬مضطرة إلى االنصياع إلى التأويل الصهيوني الــذي أصبح هو‬
‫المشروع الوحيد الذي يحظى باقتراب ودعم دوليين واسعي النطاق‪ .‬وهو الذي يشمل‬
‫ال من السيادة الفلسطينية ضمن أجــزاء من أرض فلسطين التي ال تقع ضمن‬ ‫قــدر ًا ضئي ً‬
‫مـجــال االهـتـمــام اإلســرائـيـلــي (قـطــاع غــزة وأق ــل مــن نصف الضفة الـغــربـيــة)‪ ،‬وهــي سيادة‬
‫محدودة جــد ًا في مضمونها على شاكلة حكومة منزوعة السالح‪ ،‬وليس لها قول فصل‬
‫في قضايا الدفاع واستغالل الموارد والسياسات الخارجية‪ .‬وهنا يرى بابيه أن األنظار لن‬
‫تتجه صوب مفهوم الدولة الواحدة ما لم تتعرض مشروعية حل الدولتين للتآكل بشكل‬
‫كبير‪« ،‬وأن فكرة الدولة الواحدة بقيت ح ّية‪ ،‬ليس بسبب أولئك الذين يئسوا من فرص‬
‫حــل الدولتين‪ ،‬وإنـمــا ظلت هــذه الفكرة حية بسبب الــذيــن لــم يفقدوا األمــل فــي اإلطــار‬
‫األخالقي لشرعية هذا المفهوم في اإلطار السياسي»(‪.((8‬‬
‫(‪ ((8‬مقابلة مع راضي الجراعي ومنير العبوشي‪ ،‬من القائمين على مشروع الدولة الواحدة‪ ،‬مكتب الحركة‬
‫الشعبية‪ ،‬رام الله ‪.2014/6/4‬‬
‫(‪ ((8‬جـ ـ ــورج ب ـش ــارات‪« ،‬ح ــل ال ــدول ــة ال ــواح ــدة لـلـصــراع الفلسطيني ‪ -‬اإلســرائـيـلــي (م ـل ــف)‪ :‬حـشــد التأييد‬
‫الفلسطيني لفكرة الدولة الواحدة‪ »،‬المستقبل العربي‪ ،‬السنة ‪ ،33‬العدد ‪( 375‬أيار‪/‬مايو ‪ ،)2010‬ص ‪.111 - 95‬‬
‫(‪ ((8‬إيالن بابيه‪« ،‬حل الدولة الواحدة للصراع الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي (ملف)‪ :‬مخطط عمل من أجل بناء‬
‫حركة لحل الدولة الواحدة‪ :‬مسيرة تاريخ مضطرب‪ »،‬المستقبل العربي‪ ،‬السنة ‪ ،33‬العدد ‪( 375‬أيار‪/‬مايو ‪،)2010‬‬
‫ص ‪.153‬‬
‫‪323‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫يقول أحد الحكماء‪« :‬ال يوجد على األرض أقــوى من ذاكــرة المظلومين»‪ ،‬وألن‬
‫هذا الظلم التاريخي الذي لحق بالفلسطينيين لم يتوقف لحظة واحدة‪ ،‬فإن الذاكرة تبدو‬
‫دائم ًا منغمسة في جرحها النازف بحث ًا عن الخالص من هذا الواقع‪ ...‬قد تبدو محاولة‬
‫بعض الفلسطينيين المقتنعين بجدوى هذا المشروع للتخلص من جبروت هذه الحالة‬
‫االستعمارية الطاغية ضرب ًا من الخيال الـطــوبــاوي‪ ،‬لكن ما قد يظهر موضوع ًا طوباوي ًا‬
‫اليوم قد يتحول في الغد إلى واقعة إمبيريقية حقيقية‪ ،‬ولذلك يــدرك أنصار هذا التوجه‬
‫األخالقي أن التحديات الماثلة أمــام تصورهم السياسي‪ ،‬إذ ثمة عقبات كــأداء في وجه‬
‫موحد حول حل الدولة الواحدة‪...‬‬ ‫مشروع من هذا النوع‪ ،‬وليس ثمة إجماع فلسطيني ّ‬
‫وأن معظم الناس الذين يعيشون تحت عنف االستعمار ال يتطلعون إلى مستقبل مشترك‬
‫مــع المستوطنين فــي بــادهــم‪ ،‬مفضلين أن يكون لهم كيانهم العربي الفلسطيني‪ ،‬دولــة‬
‫فلسطينية كاملة السيادة يستطيعون فيها ممارسة حق تقرير المصير‪ ،‬واستعادة العافية بعد‬
‫االحتالل‪ ،‬واسترداد اإلحساس بالهوية الوطنية‪ .‬وهذا الذي أصبح اليوم بعيد المنال‪.‬‬
‫وألن الحقائق على األرض أصبحت صادمة لكل من كان لديهم بصيص أمل في‬
‫تحقيق السيادة الوطنية‪ ،‬فإن األفق ما زال رحب ًا أمام أنصار الدولة الواحدة‪ .‬وهنا تقترح‬
‫غادة الكرمي (من أنصار الدولة الواحدة) بناء حركة دولية لنشر حل الدولة الواحدة على‬
‫غرار حركة مناهضة التمييز العنصري العالمية التي أسقطت نظام الفصل العنصري في‬
‫جنوب أفريقيا‪ ،‬وذلك باغتنام انكشاف السياسة اإلسرائيلية العنصرية‪ ،‬واستغالل الفرصة‬
‫التي بدأت توفرها حركة المقاطعة العالمية إلسرائيل وتوجيهها نحو حل الدولة الواحدة‬
‫كهدف نهائي لها(‪.((9‬‬
‫لم ي ُعد هناك أمــل لــدى الفلسطينيين في إزالــة المستوطنات أو حتى توقع تجميد‬
‫نموها (وهــو ما سوف نستعرضه في هذا الجزء من المبحث)‪ ،‬ولذلك شهدت العملية‬
‫السياسية جمود ًا استمر خمس سنوات‪ ،‬األمر الذي دفع القيادة الفلسطينية إلى الخروج‬
‫يسمى بعنق الزجاجة؛ فبعد تطبيق االلتزامات األمنية ذات االستحقاق في خريطة‬ ‫مما ّ‬
‫الطريق المطلوبة مــن الفلسطينيين‪ ،‬مــا بــرح االستيطان الـهـ ّـم األكـبــر والـمـشــروع األبــرز‬
‫للحكومة اإلسرائيلية‪ ،‬وبشكل جارف سافر‪ .‬ويمثل الخروج من عنق الزجاجة السياسة‬
‫(‪ ((9‬غ ــادة الكرمي‪« ،‬بناء حركة دولية لنشر حل الدولة الــواحــدة‪ »،‬في‪ :‬أسعد غانم [وآخ ــرون]‪ ،‬حل الدولة‬
‫الواحدة للصراع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‪ :‬بلد واحد لكل مواطنيه‪ ،‬إعداد وتحرير هاني فارس؛ ساهم في ترجمة فصول‬
‫مــن هــذا الكتاب سعد محيو‪ ،‬غ ــزوان حميد‪ ،‬هاني أحمد ف ــارس‪ ،‬وقفية عبد المحسن القطان للقضية الفلسطينية‬
‫(بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪ ،)2012 ،‬ص ‪.408 - 397‬‬
‫‪324‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الخانقة‪ ،‬ومن توغل الورم السرطاني االستيطاني‪ ،‬ومن اللهب المتصاعد من أماكن تواجد‬
‫العرب الفلسطينيين بين جدران الباطون المسلح نحو االستغاثة بالمجتمع الدولي‪ ،‬لعله‬
‫صم اآلذان عن الرواية العربية في فلسطين‪ ،‬أو حتى‬ ‫ينتصر للفلسطينيين بعد عقود من ّ‬
‫الرواية الفلسطينية عن نفسها في ظل انشغال األمة العربية في جراحها الوطنية النازفة‪.‬‬
‫‪ - 3‬التوجه إلى األمم المتحدة‪ :‬فلسطين دولة غير عضو في األمم المتحدة‪:‬‬
‫القرار الرقم ‪)2012/11/29( 67/19‬‬
‫في قــراءة للمسودة التي قدمتها منظمة التحرير الفلسطينية للحصول على مكانة‬
‫دولـ ــة غ ـيــر ع ـضــو ف ــي األمـ ــم ال ـم ـت ـحــدة‪ ،‬يـمـكــن مــاح ـظــة الــدي ـبــاجــة ال ـطــوي ـلــة ل ـل ـمــوروث‬
‫الـقــانــونــي والـقـضــائــي الــدولــي المتعلق بفلسطين‪ ،‬كما يمكن مالحظة الـكـ ّـم الكبير من‬
‫الـقــرارات الدولية التي جــاءت بها الديباجة‪ ،‬والتي لم تتحول يوم ًا إلى وقائع وقــرارات‬
‫نافذة لحماية الفلسطينيين وضمان حق تقرير مصيرهم اإلنساني‪ .‬وتنتهي هذه المسودة‬
‫بالقول‪« :‬تأكيد ًا للمسؤولية الدائمة لألمم المتحدة حول قضية فلسطين إلى حين حلها‬
‫ـرض من جميع جوانبها‪ ،‬وتأكيد ًا لمبدأ شمولية العضوية في األمــم المتحدة‪،‬‬ ‫بشكل مـ ٍ‬
‫ولـحــق الـشـعــب الفلسطيني فــي تـقــريــر مـصـيــره ونـيــل اسـتـقــالــه فــي دول ـتــه فلسطين على‬
‫أس ــاس ح ــدود ‪ ...1967‬وبالنتيجة لجلسة الجمعية العامة لــأمــم المتحدة الــرقــم ‪67‬‬
‫(‪ ،)2012/11/29‬فقد قررت الجمعية العامة بعد تصويت ‪ 138‬دولة لصالح الطلب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬منح فلسطين وضع الدولة المراقبة في نظام األمم المتحدة من دون المساس‬
‫بــالـحـقــوق المكتسبة واالم ـت ـي ــازات ودور منظمة الـتـحــريــر الفلسطينية كممثل للشعب‬
‫الفلسطيني بموجب القرارات ذات الصلة‪ ،‬وتعرب الجمعية العامة عن األمل في أن ينظر‬
‫مجلس األمن بإيجابية إلى الطلب الذي قدم في ‪ 2011/9/23‬من قبل دولة فلسطين‬
‫للحصول على العضوية الكاملة في األمم المتحدة(‪.((9‬‬
‫رغــم الضغوط اإلسرائيلية واألمريكية الشديدة على الفلسطينيين للحيلولة دون‬

‫التوجه إلى األمم المتحدة‪ ،‬والتي أخذت طابع التهديدات المباشرة للقيادة الفلسطينية‪،‬‬
‫علم ًا أنــه ينسب إلــى الـقـيــادة الفلسطينية (أب ــو م ــازن تـحــديــد ًا) قــدرتــه على مــواجـهــة هذه‬
‫الـتـهــديــدات األمريكية واإلســرائـيـلـيــة‪ ،‬لسبب واحــد وأســاســي هــو أن الــرجــل يمتلك قوة‬
‫الـتــاريــخ وق ــوة الـحــق‪ ،‬ولـيــس أي أشـيــاء أخ ــرى‪ .‬ويـجــب أن يـشــار دائ ـم ـ ًا فــي هــذا السياق‬
‫(‪ ((9‬القرار ‪ 67/19‬الصادر عن الجمعية العامة لألمم المتحدة في ‪.2012/11/29‬‬
‫‪325‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إلــى أن طلب العضوية كخيار سياسي وكفاحي وطني فلسطيني كــان تعبير ًا ساطع ًا عن‬
‫فـقــدان الـقـيــادة الفلسطينية أي أمــل فــي التسوية السياسية الـتــي ب ــدأت قبل عشرين عام ًا‬
‫عبر المفاوضات فقط؛ أقامت إسرائيل وبدعم مباشر من الواليات المتحدة الدنيا ولم‬
‫تقعدها‪ ،‬وبما تمتلكه من قدرات وإمكانيات واختراقات ونفوذ ًا سياسي ًا‪ ،‬قل نظيره عند‬
‫أغلب‪ ،‬إن لم يكن كل الحاالت االستعمارية‪ ،‬لحمل الفلسطينيين على تجنب هذا الفعل‬
‫السياسي لما له من تبعات ترى فيها إسرائيل بأنها كارثية على مشروعها االستعماري في‬
‫فلسطين‪ ،‬بدأت إسرائيل حملتها باستخدام المقوالت المبتذلة نفسها‪ ،‬التي استخدمتها‬
‫ضد ياسر عرفات؛ فقد وصفت عباس بأنه غير مؤهل بامتالك قدرة الشراكة السياسية‪،‬‬
‫بل إنه المعطل األبرز لمشروع التسوية‪ ،‬وأن ضعف مؤسسات السلطة الوطنية ال تمكنّها‬
‫من بناء دولة مستقلة‪ ،‬بل على العكس فإن أي انسحاب إسرائيلي من المناطق الفلسطينية‬
‫س ــوف ي ــؤدي إل ــى سـيـطــرة حــركــة ح ـمــاس الـمــوصــوفــة ب ــاإلره ــاب عـلـيـهــا‪ .‬وف ــي الـجــانــب‬
‫األمريكي‪ ،‬قرر الكونغرس األمريكي ذو األغلبية الجمهورية وقف تقديم أية مساعدات‬
‫أمريكية إذا استمرت السلطة الوطنية في سعيها نحو األمم المتحدة‪ ،‬ووقف المساهمات‬
‫ملوحة باستخدام‬ ‫األمريكية المالية للمؤسسات الدولية التي تعترف بالفلسطينيين كدولة‪ّ ،‬‬
‫حق النقض في مجلس األمــن لرفض قبول عضوية دولــة فلسطين‪ .‬ومارست الواليات‬
‫الـمـتـحــدة‪ ،‬بـمــا تملكه مــن قـ ــدرات ون ـفــوذ عـلــى ال ـ ــدول‪ ،‬لثنيها عــن االع ـت ــراف بــالــدولــة‬
‫الفلسطينية كعضو مراقب في األمم المتحدة‪ .‬وكان الجانب اإلسرائيلي قد أعاد التلويح‬
‫بــإعــادة احـتــال الضفة الغربية وإلـغــاء اتفاقيات أوسـلــو إلق ــدام السلطة الفلسطينية على‬
‫إجراء سياسي‪ ،‬وصف كإجراء أحادي الجانب‪ ،‬ووقف تحويل المستحقات المالية التي‬
‫تجبيها إسرائيل لصالح الفلسطينيين من المعابر اإلسرائيلية(‪.((9‬‬
‫لقد وقفت فلسطين على منبر الجمعية العامة لألمم المتحدة تطالب المجتمع‬
‫الدولي باإلصغاء للرواية الوطنية‪ ،‬وفيها قال الفلسطينيون على لسان الرئيس الفلسطيني‬
‫محمود عباس‪« :‬إن ما يدفع الحكومة اإلسرائيلية إلى التمادي في سياستها العدوانية وفي‬
‫ارتكاب جرائم حرب‪ ،‬ينبع من قناعة لديها بأنها فوق القانون الدولي‪ ،‬وأنها تمتلك حصانة‬
‫تحميها من المحاسبة والمساءلة‪ ...‬لقد حانت اللحظة كي يقول العالم بوضوح‪ :‬كفى‬
‫لالحتالل والعدوان واالستيطان‪ ...‬ولهذا نحن هنا اآلن‪ .»...‬ويضيف الرئيس الفلسطيني‬
‫(‪ ((9‬عليان الهندي‪« ،‬االعتراف بالدولة الفلسطينية في األمم المتحدة‪ :‬مواقف إسرائيلية‪ »،‬شؤون فلسطينية‪،‬‬
‫العدد ‪ ،)2013( 251‬ص ‪.229 - 219‬‬
‫‪326‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بعبارات قد اختيرت بعناية‪« :‬إن العالم مطالب بأن يجيب عن ســؤال محدد‪ :‬هل هناك‬
‫شعب فائض عن الحاجة في منطقتنا؟ أم أن هناك دولة ناقصة ينبغي التعجيل والمسارعة‬
‫بتجسيدها فوق أرضها فلسطين؟ إن العالم مطالب اليوم بأن يسجل نقلة مهمة في مسيرة‬
‫تصحيح الظلم التاريخي غير المسبوق الذي لحق بالفلسطينيين منذ النكبة عام ‪...1948‬‬
‫إن كــل صــوت يؤيد مسعانا الـيــوم هــو صــوت شـجــاع‪ ،‬وكــل دولــة تمنح التأييد لمطالب‬
‫الفلسطينيين بنيل مكانة دولة غير عضو في األمم المتحدة تثبت بذلك دعمها األخالقي‬
‫المبدئي للحرية وحقوق الشعوب والقانون الدولي والسالم‪ .‬إن تأييدكم لمسعانا اليوم‬
‫سيكون سبب ًا لألمل لدى شعب محاصر باحتالل استيطاني عنصري‪.((9(»...‬‬
‫حازت فلسطين هذه المكانة االعتبارية األخالقية المعنوية إذ ًا‪ ،‬حيث أيدت القرار‬
‫‪ 138‬دول ــة‪ ،‬وعارضته ‪ 9‬دول‪ ،‬وامتنعت ‪ 41‬دولــة عــن التصويت‪ ،‬وهــذا يمثل اعتراف ًا‬
‫أممي ًا باكتساب فلسطين التي غ ّيبها العنف االستعماري مكانة قانونية كــدولــة‪ ،‬وكأحد‬
‫أشـخــاص الـقــانــون الــدولــي‪ ،‬األم ــر ال ــذي يعني تعامل المجتمع الــدولــي معها على هذا‬
‫االعتبار ألول مرة في تاريخ فلسطين‪ .‬وهذا االعتراف سيمكّن الفلسطينيين من االنضمام‬
‫والـتــوقـيــع عـلــى االتـفــاقـيــات والـمـعــاهــدات الــدولـيــة الـتــي يمكن تــوظـيــف االنـضـمــام إليها‬
‫لحماية الوجود الفلسطيني في البالد من العنف الصهيوني‪ ،‬وهذا ما حصل الحق ًا بتاريخ‬
‫‪2014/4/1‬‏(‪.((9‬‬
‫امتلك الرئيس الفلسطيني تفويض ًا ودعـمـ ًا كبيرين‪ ،‬بما فيهما دعــم حركة حماس‬
‫لهذه الخطوة‪ ،‬ألن هذه الخطوة من شأنها أن تساهم في تقصير عمر االحتالل‪ ،‬وفضح‬
‫جــرائـمــه بـحــق الـمــدنـيـيــن الفلسطينيين‪ ،‬واس ـت ـنــزاف ق ــوة إســرائ ـيــل ومـكــانـتـهــا وحصانتها‬
‫السيادية‪ .‬وإضافة إلى أنها ستعيد تنظيم العملية السياسية وتحافظ على التأييد الدولي‬
‫لحل الدولتين‪ ،‬وستوفر إطار للمفاوضات بمعايير ومرجعيات واضحة‪ ،‬ومن شأن ذلك‬
‫تأصيل المكانة التاريخية للقضية الفلسطينية في السياسة الدولية‪ .‬كما يعتبر فقهاء القانون‬
‫الــدولــي أن هــذا االع ـتــراف ال ــذي أســس لــوضــع فلسطين كــدولــة ذات شخصية قانونية‪،‬‬
‫سينقل األراضــي العربية من وضــع أراض محتلة إلــى دولــة تحت االحـتــال‪ ،‬بما يترتب‬
‫(‪ ((9‬انظر كملة الرئيس الفلسطيني على منبر الجمعية العامة لألمم المتحدة في‪« :‬الرئيس‪ :‬الجمعية العامة‬
‫مطالبة بإصدار شهادة ميالد دولة فلسطين‪ »،‬وكالة األنباء والمعلومات الفلسطينية (وفا)‪<http:// ،2012/11/29 ،‬‬
‫‪www.wafa.ps/arabic/index.php?action=detail&id=143628>.‬‬
‫(‪ ((9‬محمد إبراهيم أبو دقة‪« ،‬قرار الجمعية العامة بشأن مركز فلسطين في األمم المتحدة‪ »،‬سياسات‪ ،‬العدد‬
‫‪ ،)2012( 22‬ص ‪.48 - 31‬‬
‫‪327‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫على ذلك من تبعات قانونية وفق اتفاقية جنيف الرابعة التي تنظم مسؤوليات وسلطات‬
‫االحـتــال‪ ،‬وخصوص ًا تلك المتعلقة بعدم المساس بالبناء الطبيعي لألقاليم المحتلة‪،‬‬
‫وحظر النقل القهري للسكان األصليين من مناطقهم التاريخية‪ ،‬وحظر استيطان‪/‬إسكان‬
‫مواطني الدولة المحتلة لألقاليم الواقعة تحت االحتالل(‪.((9‬‬
‫كما يأمل الفلسطينيون أن يشكل هــذا االعـتــراف مدخالً إلــى تفعيل وثيقة الهاي‬
‫التي أدانت بناء الجدار العازل اإلسرائيلي في ‪ ،2014/7/9‬ونصت على عدم شرعية‬
‫البناء من حيث المبدأ وإزالة المقاطع التي تم تجهيزها في تلك اللحظة‪ ،‬وإعادة األمور‬
‫على األرض إلى ما كانت عليه قبل الشروع في البناء‪ ...‬وقد مكّن هذا االعتراف بإزالة‬
‫العوائق أمام انضمام فلسطين إلى العديد من االتفاقيات والمعاهدات الدولية‪ ،‬وأصبح‬
‫بالمستطاع االنضمام إلى نحو ستين منظمة وهيئة دولية مما يعظم االستفادة من القرارات‬
‫الدولية‪ ،‬ومنها حقوق الدول ناقصة السيادة التي أهمها على اإلطالق حق تقرير المصير‬
‫لـلـشـعــوب كــأحــد أب ــرز م ـبــادئ ال ـقــانــون ال ــدول ــي واألمـ ــم الـمـتـحــدة‪ ،‬ألن ــه يعتبر الـمـصــدر‬
‫واألس ــاس للحقوق األساسية للشعوب‪ ،‬الــذي يمنح هــذه الشعوب قــوة أخالقية كبيرة‬
‫في نضالها ضد السيطرة االستعمارية واألنظمة العنصرية من أجل نيل حقها في تقرير‬
‫المصير واالستقالل السيادي الناجز(‪.((9‬‬
‫‪ - 4‬العودة إلى جولة مفاوضات الوضع النهائي (التعثر المحتوم)‬

‫(‪)2014/4/19 - 2013/7/30‬‬
‫بعد جمود لعملية التسوية السياسية استمر خمس سنوات (‪ )2012 - 2008‬حقق‬
‫فيها الفلسطينيون إنجازات سياسة ودبلوماسية مهمة‪ ،‬كان أبرزها حصول الفلسطينيين‬
‫على االعـتــراف الــدولــي بالدولة الفلسطينية بصفة مــراقــب‪ ،‬وقبول فلسطين في عضوية‬
‫اليونسكو‪ ،‬وزي ــادة عزلة إســرائـيــل الــدولـيــة‪ ،‬وتـســارع التوجهات نحو مقاطعة إسرائيل‪،‬‬
‫وارتـفــاع حــدة الخطاب القائل بنزع الشرعية عن إسرائيل‪ ،‬تزامنت مجمل هــذه الوقائع‬
‫مع بدء الوالية الثانية للرئيس األمريكي بــاراك أوباما‪ ،‬الذي بدا طامح ًا لتحقيق اختراق‬
‫(‪ ((9‬إحسان عادل‪ ،‬فلسطين دولة مراقب ‪ -‬غير عضو في األمم المتحدة‪ :‬األبعاد القانونية والسياسة‪ ،‬تقديم‬
‫(عمان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪ ،)2014 ،‬ص ‪ ،70 - 61‬ونبيل رمالوي‪« ،‬استحقاقات ما بعد قرار‬ ‫محمود مبارك ّ‬
‫الجمعية العامة رقم ‪ »،19/67‬سياسات‪ ،‬العدد ‪ ،)2012( 22‬ص ‪.30 - 20‬‬

‫(‪ ((9‬كمال قبعة‪« ،‬مقتضيات قانونية لما بعد دولة فلسطين المراقبة غير العضو‪ »،‬شؤون فلسطينية‪ ،‬العدد ‪231‬‬
‫(شتاء ‪ ،)2013‬ص ‪.63 - 29‬‬
‫‪328‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫سياسي في جبهة الشرق األوسط بعد أن تعثرت السياسة الخارجية األمريكية في عدد من‬
‫الجبهات السياسية الدولية‪ .‬وقد منحت اإلدارة األمريكية تفويض ًا لوزير خارجيتها جون‬
‫كيري الــذي بذل جهد ًا كبير ًا وكثيف ًا إلعــادة الطرفين إلى طاولة المفاوضات المباشرة‪.‬‬
‫إذ أعلن كيري في نهاية جولته السادسة من المباحثات المنفصلة بين الطرفين يوم ‪19‬‬
‫تموز‪/‬يوليو ‪ 2013‬عن توصله إلى اتفاق يسمح بانطالق المفاوضات المباشرة بسقف‬
‫زمني ينتهي في ‪ .2014/4/19‬وتم استئناف المفاوضات رسمي ًا يوم ‪،2013/7/30‬‬
‫ف ــي واش ـن ـطــن‪ ،‬وس ــط أجـ ــواء حـ ــذرة ال تـشــي ب ــوج ــود فــرصــة حقيقية لتحقيق ش ــيء من‬
‫الطموحات الفلسطينية‪ .‬وقد التقى من الجانب الفلسطيني صائب عريقات ومحمد اشتيه‬
‫مع تسيبي ليفني وإسحاق مولخو بوجود جون كيري وفريقه الذي اختاره الستكمال هذه‬
‫المهمة الحيوية للسياسة الخارجية األمريكية(‪.((9‬‬
‫وبحسب تقرير «مدار» االستراتيجي‪ ،‬وبحسب التقرير الذي قدمه صائب عريقات‬
‫إلى أعضاء اللجنة المركزية‪ ،‬وأعضاء اللجنة التنفيذية‪ ،‬فهناك مجموعة من العوامل التي‬
‫حملت القيادة الفلسطينية على قبول العودة إلى طاولة المفاوضات‪ ،‬التي أصبحت في‬
‫نظر الغالبية العظمى من الفلسطينيين موصوفة بالمفاوضات العبثية‪ .‬ويمكن إدراج هذه‬
‫العوامل ألهميتها كاآلتي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬حصول الفلسطينيين على مرجعية خطية تقول إن هدف عملية السالم يتمثل‬
‫باتفاق الدولتين على حدود عام ‪ 1967‬مع تبادل متفق عليه لألراضي‪.‬‬
‫ب ‪ -‬جدول األعمال المشترك يشمل كافة قضايا الحل النهائي بال استثناء (القدس‪،‬‬
‫الحدود‪ ،‬المستوطنات‪ ،‬الالجئين‪ ،‬المياه‪ ،‬األمن‪ ،‬األسرى)‪.‬‬
‫ج ‪ -‬رفض الحلول االنتقالية أو المرحلية‪.‬‬
‫د ‪ -‬تحديد مدة من ‪ 9 - 6‬أشهر كسقف زمني أعلى إلنهاء المفاوضات‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬اإلف ــراج عن قدامى األســرى الفلسطينيين (وهــم أســرى ما قبل أوسـلــو) على‬
‫أربع دفعات‪.‬‬
‫و ‪ -‬اعتبار اإلدارة األمريكية أن االستيطان غير شرعي‪ ،‬وأنها ستعمل على الحد‬
‫منه‪.‬‬
‫(‪ ((9‬تقرير مدار االستراتيجي ‪ :2014‬المشهد اإلسرائيلي ‪( 2013‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات‬
‫اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2014 ،‬ص ‪.39 - 30‬‬
‫‪329‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ز ‪ -‬صدور مواقف أوروبية جديدة بشأن االستيطان‪.‬‬
‫ح ‪ -‬الدعم العربي الرسمي الستئناف المفاوضات‪.‬‬
‫ط ‪ -‬دعــم روسـيــا والصين والـيــابــان واالت ـحــاد األوروب ــي واألم ــم المتحدة لعملية‬
‫استئناف المفاوضات(‪.((9‬‬
‫يبدو أن هذه األهداف مجتمعة كانت تشكل عام ً‬

‫ال مقنع ًا للعودة إلى عملية سياسية‬
‫خــاب الــرجــاء منها على مــدار عقدين من الــزمــن‪ .‬وعلى الجانب اآلخــر‪ ،‬كــان إلسرائيل‬
‫أيض ًا مسوغاتها ودوافعها االستراتيجية للعودة واالستجابة للسياسة األمريكية‪ ،‬وأيض ًا‬
‫لحسابات داخلية إسرائيلية ذات عالقة مباشرة بالحفاظ على االئتالف الحاكم الذي يقف‬
‫على رأسه رئيس الحكومة نتنياهو‪ .‬فالحسابات اإلسرائيلية االستراتيجية رأت‪ ،‬أوالً‪ ،‬أن‬
‫الـعــودة إلــى هــذه المفاوضات هــي المدخل األســاســي إلــى مجابهة المقاطعة األوروبـيــة‬
‫المتنامية بصورة فعالة‪ .‬وثاني ًا‪ ،‬الحدّ من فعالية دعاوى نزع الشرعية عن إسرائيل‪ ،‬حيث‬
‫يتم استغالل جمود المفاوضات في ذلك‪ .‬وثالث ًا‪ ،‬الحيلولة دون نشوء دولة ثنائية القومية‬
‫إذا ما تمت التسوية وفق الرؤية اإلسرائيلية‪ .‬ورابع ًا‪ ،‬وقف محاوالت فرض دولة فلسطينية‬
‫من طرف واحد على إسرائيل‪ ،‬واستجالب الدعم والتأييد الدوليين إليها‪ ،‬وإعاقة توجه‬
‫الفلسطينيين نحو المنظمات الدولية‪ .‬خالل فترة المفاوضات(‪.((9‬‬
‫كان احتمال نجاح هذه الجولة من المفاوضات الشائكة منخفض ًا جــد ًا‪ ،‬نظر ًا إلى‬
‫شــدة التباين فــي المواقف بين الجانبين‪ ،‬فإسرائيل عبر سياساتها ال يوجد لديها أدنــى‬
‫استعداد للعودة إلى حدود ‪ 5‬حزيران‪/‬يونيو ‪ ،1967‬وليس لديها أي قابلية لجعل مدينة‬
‫القدس الشرقية عاصمة لفلسطين‪ ،‬ولن تقبل بعودة الجئ فلسطيني واحد إلى األراضي‬
‫العربية المحتلة أو على األقل االعتراف بالمسؤولية التاريخية عن الكارثة التي لحقت‬
‫بالفلسطينيين(‪( ((10‬وعلى الطاولة)‪.‬‬
‫وقد ضع اإلسرائيليون المطلب الخاص باالعتراف بإسرائيل كدولة يهودية‪ ،‬وأن‬

‫ال سيادة فلسطينية على القدس‪ ،‬واالعـتــراف بالكتل االستيطانية‪ ،‬واستبعاد أي حديث‬
‫(‪ ((9‬صائب عريقات‪« ،‬لماذا الموافقة على استئناف مفاوضات الوضع النهائي؟‪ »،‬وكالة مع ًا اإلخبارية (‪5‬‬
‫‪<http://maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?ID=626689>.‬‬ ‫أيلول‪/‬سبتمبر ‪ ،)2013‬ص ‪،31 - 30‬‬
‫(‪ ((9‬تقرير مدار االستراتيجي ‪ :2014‬المشهد اإلسرائيلي ‪ ،2013‬ص ‪.36 - 35‬‬

‫(‪ ((10‬الـتـقــريــر االستراتيجي السنوي إلسرائيل‪ ،2014 - 2013 ،‬تحرير عنات كــوارتــس وشلومو بــروم؛‬
‫ترجمة عليان الهندي (رام الله‪ :‬مفوضية التعبئة الفكرية والدراسات‪.)2014 ،‬‬
‫‪330‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫همس ًا أو تلميح ًا بخصوص القرار الرقم (‪ )194‬الذي يتضمن عودة الالجئين إلى ديارهم‬
‫التي أخرجوا منها‪ ،‬والتمسك باألغوار التي تشكّل أكثر من ثلث الضفة الغربية‪ ،‬بالحدّ ة‬
‫نفسها المتعلقة بالتمسك بــالـقــدس كمدينة يـهــوديــة مــوحــدة وعــاصـمــة أبــديــة إلســرائـيــل‪،‬‬
‫وعملي ًا البدء بالمفاوضات من الحدود التي رسمها الجدار العازل على األرض‪.‬‬
‫لكن المثير لالنتباه في هذه الجولة‪ ،‬ليس المواقف اإلسرائيلية المسبقة إزاء القضايا‬
‫السابقة‪ ،‬وإنما المثير حق ًا هو الموقف اإلسرائيلي إزاء األغــوار الشرقية‪ .‬إن الفارق بين‬
‫األغوار والقدس الشرقية هو أن إسرائيل سعت منذ عام ‪ 1967‬إلى ضم األغوار فعلي ًا‪،‬‬
‫لكنها امتنعت عن ذلك رسمي ًا‪ ،‬كما فعلت في القدس الشرقية‪ .‬فقد استزرعت إسرائيل‬
‫فــي هــذه المنطقة ‪ 27‬مستوطنة تمتد مــن األراض ــي الشرقية لمدينة الخليل جنوب ًا حتى‬
‫ال‪ .‬هذا إضافة إلى العشرات من المشاريع االستثمارية والمنشآت‬ ‫حدود مدينة جنين شما ً‬
‫االقتصادية‪« ،‬وبعكس تبريراتها لمشاريعها االستيطانية في األماكن األخرى من فلسطين‪،‬‬
‫لم تلجأ إسرائيل إلى مبررات أيديولوجية‪ ،‬أو دينية‪ ،‬أو تاريخية‪ ،‬لشرعنة استيطانها في‬
‫المبرر األمني لتحويل عملية االستيطان والسيطرة على األراضي‬ ‫ّ‬ ‫األغــوار‪ ،‬بل اعتمدت‬
‫الفلسطينية إلى حاجة أمنية استراتيجية» (أمننة االستعمار) ‪.‬‬
‫(‪((10‬‬
‫بحسب التقرير االستراتيجي اإلسرائيلي السنوي لعدد من الخبراء‪ ،‬فإن إسرائيل‬

‫وجدت نفسها في مأزق سياسي كبير يتوجب عليها الخروج منه بأقل الخسائر‪ ،‬فهي في‬
‫الوقت الذي تتمسك فيه بخياراتها االستراتيجية‪ ،‬الضفة الغربية والقدس‪ ،‬وهي إذ تخشى‬
‫الظهور بمظهر الرافض للسياسة األمريكية في المنطقة والخشية من تحملها وزر إفشال‬
‫التسوية السياسية‪ ،‬فإن عليها أن تأخذ بالحسبان أيض ًا أن المفاوضات لهذه الجولة‪ ،‬ربما‬
‫تكون الفرصة األخـيــرة للتوصل إلــى اتفاق يسمح بالتوصل إلــى خيار دولتين لشعبين‪.‬‬
‫فعلى األرض تحدث تطورات ربما تجعل العودة إلى هذا الخيار أمر ًا غير قابل للتنفيذ‪،‬‬
‫نظر ًا إلى زحف واقع الدولة الواحدة على األرض مع األخطار التي يحملها هذا السيناريو‬
‫إلسرائيل‪ ،‬كتجسيد للحلم الصهيوني والهوية اليهودية‪ .‬كما يرى مجموعة الخبراء أنه‬
‫في حالة عــدم التوصل إلــى تسوية سياسية في هــذه الجولة‪ ،‬فــإن ذلــك ســوف يــؤدي إلى‬
‫انهيار السلطة الفلسطينية‪ ،‬وهذا تترتب عليه نتائج سياسية واقتصادية ستتحمل إسرائيل‬
‫تبعاتها االستراتيجية‪ ،‬وأهمها أن هذا الفشل سيؤدي إلى اندالع انتفاضة فلسطينية ثالثة‬
‫(‪ ((10‬فـ ـ ــادي ن ـحــاس‪ ،‬إســرائـيــل واألغ ـ ــوار‪ :‬بـيــن الـمـفـهــوم األم ـنــي واسـتــراتـيـجـيــات الـضــم (رام ال ـلــه‪ :‬المركز‬
‫الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2012 ،‬ص ‪.20‬‬
‫‪331‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أصبح اندالعها مسألة وقــت فقط فــي ظــل اإلحـبــاط المتزايد فــي أوس ــاط الفلسطينيين‪،‬‬
‫فـ «أوالد االنتفاضة الثانية هم شبان المستقبل وال تؤثر ذكريات الماضي فيهم‪ ،‬وال تشكل‬
‫أن هــذا الــواقــع الــذي يخ ّيم على الفلسطينيين بــدأ عملي ًا بدفع‬
‫ضابطا ل ـهــم»(‪ .((10‬ويبدو َّ‬
‫الفلسطينيين نحو هذا االتجاه‪ ،‬وخصوص ًا مع ارتفاع مستوى جرائم المستوطنين الذي‬
‫تجلى في أبشع صورة وحشية له عندما أقدم غالة المستوطنين على إعدام الفتى محمد‬
‫أبو خضير من بلدة شعفاط المقدسية حرق ًا يوم ‪ ،2014/7/1‬إذ اندلعت موجة شمولية‬
‫من االحتجاجات الواسعة شملت هذه المرة معظم أحياء مدينة القدس في مستوى لم‬
‫تشهده المدينة بهذه الشمولية منذ عام ‪.1988‬‬
‫تجدر اإلش ــارة هنا إلــى أن الفلسطينيين‪ ،‬وهــم على وعــي تــام ودقـيــق بالحسابات‬
‫اإلســرائـيـلـيــة ك ــاف ــة‪ ،‬ال يمكنهم االفـ ـت ــراق نـهــائـيـ ًا ع ــن االت ـفــاق ـيــات الـمــوقـعــة م ــع الـجــانــب‬
‫اإلسرائيلي‪ .‬فخبرة عشرين عام ًا من المفاوضات جعلتهم أكثر اقتناع ًا بعدم الجدوى من‬
‫أية مفاوضات ذات نتائج مقنعة‪ .‬وعلى المستوى الشعبي‪ ،‬هناك إجماع لدى الفلسطينيين‬
‫بعبثية هذه المفاوضات التي خاللها لم يتوقف البناء في المستوطنات يوم ًا واحد ًا‪ ،‬والتي‬
‫ال نهائي ًا‪ ،‬والتي خاللها أيض ًا تمكنت إسرائيل من وأد‬ ‫خاللها تم عزل مدينة القدس عز ً‬
‫حل الدولتين‪ .‬هذه المعطيات هي التي دفعت القيادة الفلسطينية إلى البحث عن بديل‬ ‫ّ‬
‫آخــر للمفاوضات بالتوجه إلــى المؤسسات الدولية‪ .‬إزاء ذلــك‪ ،‬يقول صائب عريقات‬
‫رئيس الوفد الفلسطيني إلى مفاوضات الوضع النهائي‪« :‬استناد ًا إلى التوجهات الدولية‬
‫الـتــي دعـمــت توجهنا إل ــى األم ــم الـمـتـحــدة‪ ،‬وال ـتــي تــدعــم حقنا فــي إقــامــة دول ــة فلسطين‬
‫المستقلة وعاصمتها القدس‪ ،‬على حــدود عــام ‪ ،1967‬وافقت القيادة الفلسطينية على‬
‫استئناف المفاوضات لفترة ‪ 9 - 6‬أشهر‪ ،‬حيث وعدتنا دول كثيرة في أوروبا وآسيا التي‬
‫لم تعترف بدولة فلسطين‪ ،‬أنه في حال رفض إسرائيل تحقيق مبدأ الدولتين خالل الفترة‬
‫المذكورة‪ ،‬فإنها سوف تبادر إلى االعتراف بدولة فلسطين على حدود ‪ 1967‬بعاصمتها‬
‫القدس الشرقية‪ ،‬وسوف تؤيد انضمامنا إلى المؤسسات والمواثيق والمعاهدات الدولية‪،‬‬
‫وأنها سوف تتعامل مع المستوطنات اإلسرائيلية بما فيها القدس الشرقية وفق ًا للقانون‬
‫الدولي‪ ،‬وعلى اعتبارها غير شرعية»(‪.((10‬‬
‫(‪ ((10‬انظر‪ :‬كالم رئيس جهاز االستخبارات اإلسرائيلي السابق‪ ،‬ورئيس مركز أبحاث األمن القومي الحالي‬
‫في جامعة تل أبيب عاموس يادلين‪ ،‬في‪ :‬عاموس يادلين‪« ،‬وقــت الحسم‪ :‬استعداد التفاقات وخطط بديلة‪ »،‬في‪:‬‬
‫التقرير االستراتيجي السنوي إلسرائيل‪ ،2014 - 2013 ،‬ص ‪.17 - 16‬‬
‫(‪ ((10‬عريقات‪« ،‬لماذا الموافقة على استئناف مفاوضات الوضع النهائي؟‪ »،‬ص ‪.31‬‬
‫‪332‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ويـبــدو أن هــذا الـمــوقــف الفلسطيني فــي التعاطي مــع جــولــة مـفــاوضــات «كـيــري»‪،‬‬
‫وانكشاف الموقف اإلسرائيلي‪ ،‬بــدأ يلقي بظالله على موقف االتـحــاد األوروب ــي الذي‬
‫بدأت ُدوله في مقاطعة إنتاج المستوطنات‪ ،‬بعد الرسالة التي بعثها ‪ 13‬وزير خارجية من‬
‫االتحاد األوروبي إلى كاثرين آشتون بالموافقة على السياسة العامة لالتحاد في مقاطعة‬
‫إنتاج المستوطنات(‪.((10‬‬
‫‪ - 5‬انضمام دولة فلسطين إلى المواثيق الدولية الـ ‪15‬‬

‫إن حالة التأزم الشديد لجولة مفاوضات الوضع النهائي‪ ،‬جــراء استعصاء الجسر‬
‫بين المطالب والشروط اإلسرائيلية‪ ،‬وتحقيق حد أدنى مقنع من الحقوق الفلسطينية‪ ،‬دفع‬
‫بوزير الخارجية األمريكي‪ ،‬أمام عامل المدة الزمنية المطروحة أمريكي ًا‪ ،‬وهي من ‪9 - 6‬‬
‫أشهر‪ ،‬إلــى استباق تاريخ ‪ 2014/4/19‬باإلعالن عما أصبح يسمى «اتفاق إطــار» أو‬
‫«خطة كيري» التي في ضوئها ســوف يصار إلــى عــدم اإلعــان عن إخفاق هــذه الجولة‪،‬‬
‫وإنما تمديدها إلى سنة أخرى لعله يمكن تحقيق اختراق سياسي يضمن تسوية حقيقية‬
‫تسربت بعض األفكار عن خطة كيري نرى ضرورة لتسجيلها‪،‬‬ ‫في الشرق األوسط‪ .‬وقد ّ‬
‫نظر ًا إلــى ما تحمله من مضامين تكاد تنسجم تمام ًا مع الخطاب السياسي اإلسرائيلي‬
‫ال لمدة ‪ 47‬سنة‪ ،‬أي منذ عام‬‫الــذي يعكس على األرض حصاد ًا استعماري ًا استمر فاع ً‬
‫‪.1967‬‬
‫أ ‪ -‬الحدود‪ :‬تقوم اتفاقية السالم على أساس حدود ‪ 1967‬مع األخذ بعين االعتبار‬
‫المتغيرات الـتــي حــدثــت على األرض منذ ذلــك الـتــاريــخ‪ ،‬وبالتالي تخضع التجمعات‬
‫االستيطانية الرئيسية للسيطرة اإلسرائيلية الكاملة‪.‬‬
‫ب ‪ -‬الالجئون‪ :‬يحق لالجئين العودة إلى أراضي السلطة الفلسطينية‪ ،‬أو البقاء في‬
‫الــدول التي يعيشون فيها‪ ،‬مع التأكيد أن العدد سيكون محدود ًا‪ ،‬وبموافقة إسرائيل من‬
‫دون تحميل إسرائيل مسؤولية تهجير الالجئين‪.‬‬
‫ج ‪ -‬تعريف الدولة‪ :‬سوف يتم االعتراف بالدولة الفلسطينية كوطن قومي للشعب‬
‫الفلسطيني‪ ،‬كذلك يتم االعتراف بإسرائيل كوطن قومي للشعب اليهودي‪ ،‬وبالتالي إقرار‬
‫الفلسطينيين بمطلب إسرائيل باالعتراف بيهودية الدولة‪.‬‬
‫(‪ ((10‬انظر نص الرسالة آلشتون في‪ :‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.49‬‬
‫‪333‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫د ‪ -‬المستوطنات‪ :‬لن يكون إخالء تام ومكثف للمستوطنات‪.‬‬
‫هـ ‪ -‬القدس‪ :‬عاصمة الدولة الفلسطينية ستكون في القدس‪ ،‬بمعنى أنها ستكون في‬
‫ضاحية من قضاء القدس‪ ،‬مثل شعفاط أو أبو ديس‪.‬‬
‫و ‪ -‬المعابر‪ :‬يستمر وجود إسرائيل على المعابر مع األردن‪.‬‬
‫ز ‪ -‬غور األردن‪ :‬تستمر سيطرة الجيش اإلسرائيلي على خط نهر األردن‪ ،‬والذي‬
‫يحدد الفترة الزمنية لبقاء الجيش اإلسرائيلي هو أداء األجهزة األمنية الفلسطينية(‪.((10‬‬
‫إذ ًا ه ـكــذا كــانــت األج ـ ــواء ف ــي األيـ ــام األخ ـي ــرة ل ـل ـم ـفــاوضــات‪ :‬ال ــوص ــول بالقضية‬
‫الفلسطينية إل ــى حــالــة سياسية عــاجــزة مشلولة مقطعة أرضـ ـ ًا وشـعـبـ ًا‪ ،‬دول ــة بــا سـيــادة‪،‬‬
‫ال تمتلك أدنــى مقومات البقاء والتطور والنماء‪ ،‬دولــة العبيد الموقعين على عبوديتهم‬
‫األبدية‪.‬‬
‫فــي ه ــذه األجـ ــواء‪ ،‬ج ــاء رف ــض إســرائـيــل اإلفـ ــراج عــن دفـعــة األس ــرى الــرابـعــة (‪30‬‬
‫أسـيــر ًا) التي تعهد بها وزيــر الخارجية األمريكي جــون كيري‪ ،‬وهــم الدفعة األخـيــرة من‬
‫أســرى ما قبل اتفاق أوسلو‪ .‬وبينما كــان الفلسطينيون ينتظرون تحرير هــذه الدفعة التي‬
‫مــر عـلــى أســرهــا أكـثــر مــن ثــاثـيــن سـنــة ب ـفــارغ الـصـبــر‪ ،‬وكــانــت الـعــائــات قــد أع ــدت كافة‬
‫تفاصيل وإجراءات االستقبال المهيب لهذه الدفعة األخيرة‪ ،‬أعلنت الحكومة اإلسرائيلية‬
‫عن تأجيل (رفــض) إطــاق ســراح هــؤالء األســرى الذين قضوا عشرين عام ًا إضافية في‬
‫السجون اإلسرائيلية بعد توقيع اتفاق أوسلو (االعتراف المتبادل)‪ ،‬حيث كان يجب وفق‬
‫كل األعراف والقوانين الدولية أن يطلق سراحهم كأسرى حرب من دون قيد أو شرط‪.‬‬
‫كانت هذه اللحظة التراجيدية هي القشة التي قسمت ظهر البعير‪ .‬فأمام هذا األسى‬
‫عم البالد‪ ،‬وفي واقعة غامرة‪ ،‬وأمــام وسائل اإلعالم‬
‫والحزن والدموع واإلحباط الــذي ّ‬
‫خــال اجتماع القيادة الفلسطينية في رام الله مساء ‪ ،2014/4/1‬قــال أبــو مــازن‪ :‬اآلن‬
‫سأوقع على قرارات انضمام دولة فلسطين إلى المواثيق الدولية‪ ،‬وهو التعهد الذي كانت‬
‫القيادة الفلسطينية قد التزمت به على مدى الشهور التسعة بعدم التوجه إلى المؤسسات‬
‫الدولية بنا ًء على التفاهمات مع الواليات المتحدة‪ ،‬والتي بموجبها أيض ًا كان يجب أن‬
‫تنتهي صفقة إطالق سراح أسرى ما قبل أوسلو يوم ‪ ،2014/3/29‬وقوامها ‪ 30‬أسير ًا‬
‫(‪ ((10‬تقرير مدار االستراتيجي ‪ :2014‬المشهد اإلسرائيلي ‪ ،2013‬ص ‪.40 - 39‬‬
‫‪334‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫فلسطيني ًا‪ .‬وبالفعل وقع الرئيس عباس خمسة عشر طلب ًا لالنضمام إلى المواثيق الدولية‪،‬‬
‫وهــي‪ :‬مواثيق جنيف األربعة (‪ ،)1949‬وميثاق فيينا للعالقات الدبلوماسية (‪،)1961‬‬
‫وميثاق فيينا للعالقات القنصلية (‪ ،)1963‬وميثاق قانون المعاهدات (‪ ،)1969‬واتفاقية‬
‫منع جريمة اإلب ــادة الجماعية والمعاقب عليها (‪ ،)1948‬واالتـفــاقـيــة الــدولـيــة للقضاء‬
‫على جميع أشكال التمييز (‪ ،)1966‬وميثاق الهاي (‪ ،)1907‬واالتفاقية الدولية لقمع‬
‫جريمة الفصل العنصري والمعاقب عليها (‪ ،)1973‬واتفاقية مناهضة التعذيب وغيره‬
‫من ضروب المعاملة أو العقوبة القاسية أو الالإنسانية أو المهينة (‪ ،)1984‬والبروتوكول‬
‫االختياري التفاقية مناهضة التعذيب‪ ،‬وغيره من ضروب المعاملة القاسية أو الالإنسانية‬
‫أو المهينة (‪ ،)2002‬واتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (‪،)1979‬‬
‫والبروتوكول االختياري التفاقية حقوق الطفل الخاص بعدم مشاركة األطفال في النزاع‬
‫المسلح (‪ ،)2000‬واالتفاقية الدولية لحقوق ذوي اإلعاقة (‪ ،)2006‬والعهد الدولي‬
‫بالحقوق المدنية والسياسية (‪ ،)1966‬والعهد الــدولــي الخاص بالحقوق االقتصادية‬
‫واالجتماعية (‪.((10()1966‬‬
‫يقدر عدد من القريبين من الرئيس «أبي مازن» أن االنضمام إلى هذه المواثيق الدولية‬
‫قد خضع العتبارات ومعايير مـحــددة‪ ،‬منها تلك التي تجسد الــدولــة وتعزز مؤسساتها‬
‫وقدراتها إقليمي ًا ودولـيـ ًا‪ ،‬وتلك التي يمكن أن توفر الحماية الدولية للفلسطينيين في‬
‫الـقــدس والـضـفــة الغربية وقـطــاع غ ــزة‪ .‬وي ـنــدرج ضمن ذلــك أيـضـ ًا الـمــواثـيــق الـتــي يمكن‬
‫أن تمكّن الفلسطينيين مــن مواجهة سياسة الفصل العنصري‪ ،‬والسياسة االستيطانية‪،‬‬
‫والحصار واإلغالق ومواجهة جرائم المستوطنين (شارة الثمن) المرتكبة بحماية الجيش‬
‫اإلسرائيلي‪ .‬ويقول صائب عريقات حول هذه المعايير‪« :‬إنه على الرغم من المعارضة‬
‫الـشــديــدة الـتــي أبــدتـهــا الــواليــات المتحدة إزاء هــذا الـسـلــوك الفلسطيني بــإيــداع صكوك‬
‫االنضمام إلى خمسة عشر ميثاق ومعاهدة دولية‪ ،‬فإن دولة فلسطين قد امتنعت عن توقيع‬
‫صكوك االنضمام إلى أي من المؤسسات الدولية التي تعني الصدام المباشر مع أمريكا‪.‬‬
‫مثل (‪ ،)FAO‬و(‪ ،)ILO‬كما حــاولــت الــواليــات المتحدة فــي الـيــوم التالي لتوقيع هذه‬
‫الطلبات الضغط على الفلسطينيين لسحب هذه الطلبات‪ ،‬أو الطلب من الجهات المعنية‬
‫فيها بتجميدها‪ .‬وشكلت هذه اللحظة ذروة اإلحباط الفلسطيني من مفاوضات متعثرة‪،‬‬
‫(‪ ((10‬مقابلة الباحث مع محمد شتاي‪ ،‬عضو اللجنة المركزية لحركة فتح في ‪ ،2014/6/20‬وعضو الوفد‬
‫المفاوض لجولة المفاوضات التي انطلقت فعلي ًا في ‪.2014/4/29‬‬
‫‪335‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫اكتسبت فيها إسرائيل وقت ًا ثمين ًا بتسريع تنفيذ استراتيجيها على األراضــي الفلسطينية‪،‬‬
‫وفي ذلك يقول عريقات‪ ،‬رئيس الوفد الفلسطيني في هذه المفاوضات‪ :‬اآلن‪ ،‬وبعد أكثر‬
‫من عشرين عام ًا‪ ،‬ال يمكن السماح باستمرار األوضاع على ما هي عليه‪ ،‬وخصوص ًا أن‬
‫استراتيجية إسرائيل تقوم على‪:‬‬

‫‪ -‬سلطة فلسطينية من دون سلطة‪.‬‬
‫‪ -‬احتالل إسرائيل من دون كلفة‪.‬‬
‫‪ -‬إبقاء قطاع غزة خارج إطار الفضاء الفلسطيني‪.‬‬
‫ولهذا كان البحث عن مسار آخر كبديل للمفاوضات الميؤوس من جدواها أمر ًا‬
‫حتمي ًا‪ :‬إن انضمام دولة فلسطين إلى المواثيق والمعاهدات الدولية‪ ،‬وخصوص ًا مواثيق‬
‫جنيف لـعــام ‪ ،1949‬س ــوف يجعل مــن دول ــة فلسطين عـلــى ح ــدود ‪ 1967‬وعاصمتها‬
‫الـقــدس‪ ،‬وحصولها على صــك اعتبارها دولــة متعاقدة سامية يــوم ‪ ،2014/4/2‬دولــة‬
‫تحت االحـتــال‪ .‬وسيصبح باإلمكان من هــذا التاريخ فصاعد ًا إخــراج المفاوضات من‬
‫مربعات اإلمالءات اإلسرائيلية إلى مستوى دائرة حماية القانون الدولي‪ ،‬وسيصبح هدف‬
‫هذه المفاوضات هو التوصل إلى اتفاق على خارطة الدولتين على حدود ‪ ،1967‬مع‬
‫جدول زمني لالنسحاب من أراضي دولة فلسطين؟(‪.((10‬‬
‫انقضت الشهور التسعة لجولة المفاوضات (مفاوضات الوضع النهائي) الواقعة‬

‫بين ‪ 2013/7/30‬و‪ 2014/4/29‬من دون أن يتمخض هــذا الحمل التفاوضي عن‬
‫شــيء يقدم إلــى الفلسطينيين جرعة من أمــل‪ .‬وتعبير ًا عن هــذا اإلخـفــاق‪ ،‬قــدم المبعوث‬
‫األمريكي المخضرم إلــى مفاوضات السالم الفلسطينية ‪ -‬اإلسرائيلية‪ ،‬مارتن إنديك‪،‬‬
‫المختص بالعلوم‬
‫ّ‬ ‫استقالته إلى جون كيري (‪ )2014/4/23‬وسيعود إلى معهد بروكينغز‬
‫السياسية واالجتماعية والتنمية واالقتصاد‪ .‬وينسب إلى إنديك الــذي يحتفظ بعالقات‬
‫عمل جيدة مع الجانبين الفلسطيني واإلسرائيلي قوله لمجموعة من المراقبين والمهتمين‬
‫واألصــدقــاء‪« :‬إن سياسة إسرائيل االستيطانية هي التي أدت إلى فشل المفاوضات قبل‬
‫كــل شــيء؛ اإلسرائيليون ب ــدؤوا بــاإلعــان عــن حركة محمومة مــن االستيطان منذ بداية‬
‫المفاوضات‪ ،‬وكأنهم يدفعون باتجاه إفشالها»‪ ،‬وقــال مراقبون إن استقالة إنديك الذي‬
‫(‪ ((10‬ص ــائ ــب عــريـقــات‪« ،‬م ــاذا بعد انـضـمــام فلسطين للمواثيق الــدولـيــة الـ ـ ‪15‬؟‪ »،‬حــركــة التحرير الوطني‬
‫الفلسطيني (ف ـت ــح)‪ ،‬مـفــوضـيــة ال ـعــاقــات الــوطـنـيــة (‪ 27‬ن ـي ـســان‪/‬أبــريــل ‪ ،)2014‬ص ‪<http://www. ،30 - 29‬‬
‫‪fatehwatan.ps/page-79990.html>.‬‬
‫‪336‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بذل خالل المفاوضات ما لديه من خبرة وطاقة ومثابرة غير عادية‪ ،‬تعتبر نهاية للجهود‬
‫األمريكية في عملية السالم‪.‬‬
‫تشبه هذه اللحظة إلى حدّ كبير الفشل الذي وصلت إليه الجهود األمريكية السابقة‬
‫التي جمعت خاللها اإلدارة األمريكية في كامب ديفيد رئيس الوزراء األسبق إيهود باراك‬
‫مع ياسر عرفات عام ‪ ،2000‬إذ بقيت األسباب التي قادت إلى الفشل في المناسبتين هي‬
‫ذاتها‪ .‬وإذا كان اندالع شرارة االنتفاضة يوم ‪ 2000/9/28‬في األراضي العربية المحتلة‬
‫تعبير ًا عن اليأس الصادم من السياسات االحتاللية التي دفع الفلسطينيون خاللها ثمن ًا‬
‫باهظ ًا جد ًا‪ ،‬فإن الفلسطينيين أصبحوا بعد ‪ 2014/4/29‬على شفا انتفاضة أخرى بدأت‬
‫مالمحها المتقطعة تتسلل مع اإلضراب عن الطعام الذي أعلنه المعتقلون اإلداريون يوم‬
‫‪ ،2014/4/23‬والذي استمر زهاء ‪ 63‬يوم ًا من دون أن تقدم إدارة السجون اإلسرائيلية‬
‫على خطوة واحدة للتعاطي مع مطلب األسرى الخاص بالتوقف عن االعتقال اإلداري‪،‬‬
‫أو عدم التمديد الدائم لفترات وصلت إلى خمس سنوات لدى بعض األسرى من دون‬
‫الئحة اتهام‪ .‬وفي مقابل تعرض األســرى للموت الحقيقي‪ ،‬لجأت حكومة نتنياهو إلى‬
‫تشريع قانون من الكنيست يقضي بإطعام المضربين قسر ًا‪ ،‬من أجل منع المضربين من‬
‫الحصول على إنجازات في صــراع الحياة أو الموت الــذي بــدأه األســرى اإلداري ــون من‬
‫أجل وضع حد لهذا النظام االعتقالي الفاشي الذي لم ي ُعد معمو ً‬
‫ال به إال في إسرائيل‪ ،‬إذ‬
‫إنه يشكّل مخالفة ألبسط قواعد القانون الدولي وحقوق اإلنسان‪.‬‬
‫وفي هذه األثناء‪ ،‬شهدت األحداث تصاعد ًا غير مسبوق في اعتداءات المستوطنين‬
‫على المواطنين الفلسطينيين وأمــاكـهــم ومـقــدســاتـهــم‪ ،‬وال سيما االقـتـحــامــات اليومية‬
‫للمسجد األقـصــى الـمـبــارك تحت حماية ومـبــاركــة جـهــاز الـشــرطــة اإلســرائـيـلــي‪ ،‬وإق ــدام‬
‫الجيش اإلسرائيلي على إعــدام الولدين نديم نــوراه من قرية المزرعة الغربية‪ ،‬ومحمد‬
‫أب ــو ظــاهــر مــن قــريــة أب ــو شـخـيــدم (ش ـمــال مــديـنــة رام ال ـلــه)‪ ،‬أم ــام سـجــن عــوفــر العسكري‬
‫أثناء تظاهرة للفلسطينيين في ذكرى النكبة‪ ،‬تضامن ًا مع األســرى المضربين‪ .‬وقد وثقت‬
‫الكاميرات عملية قتل الولدين‪ ،‬وكان أحدهما يحمل على ظهره حقيبة مدرسية‪ .‬وتشير‬
‫التحليالت إلى أن الجيش اإلسرائيلي قد أخذ قرار ًا بإعدام الولدين‪ ،‬إذ إن الواقعة‪ ،‬يوم‬
‫‪ ،2014/5/15‬قــد ب ّينت أن أحــد الـجـنــود قــد أطـلــق الـنــار على الــولــديــن لـغــرض القتل‬
‫األكيد من دون أن يشكّل الولدان أدنى خطر على الجيش اإلسرائيلي‪ .‬وقد مثلت جنازة‬
‫الولدين تظاهرة واسعة بدأت من رام الله إلى القريتين التي تم فيها مواراة جثمان الولدين‬
‫‪337‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أشرت الجنازة التي تمثل مظاهرة صاخبة‪ ،‬بوضوح‪ ،‬إلى حالة من‬‫الشهيدين الثرى‪ .‬وقد ّ‬
‫الغضب الشديد الذي بدا على بضعة آالف من المش ّيعين‪.‬‬
‫فــي ه ــذا الـمـنــاخ الـضــاغــط وال ـقــاتــم‪ ،‬تــوصـلــت حــركـتــا حـمــاس وفـتــح إل ــى مــا أصبح‬
‫يعرف في الخطاب الفلسطيني بالمصالحة التي تنهي سبع سنوات عجاف من القطعية‬
‫واالتهامات المتبادلة‪ ،‬وسبع سنوات من المحاوالت الفاشلة للتوصل إلى الحدّ األدنى‬
‫من الــوحــدة الوطنية‪ ،‬والتوافق على الحدّ األدنــى من العمل المشترك الــذي يمكّن من‬
‫إعادة إعمار قطاع غزة الذي دمرته حملة الرصاص المصبوب (‪ ،)2008‬وحملة عمود‬
‫السحاب (‪ )2012‬في السنوات األربع‪ ،‬والتحضير النتخابات تشريعية ورئاسية تضمن‬
‫توحيد وتفعيل عمل المؤسسات الوطنية‪ ،‬بما فيها منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬كمرجعية‬
‫تمثيلية للشعب الفلسطيني‪ ،‬وكمرجعية للسلطة الوطنية الفلسطينية‪.‬‬
‫ج ــاء اإلع ــان عــن تشكيل حـكــومــة الـتــوافــق الــوطـنــي بـتــاريــخ ‪ ،2014/6/2‬التي‬
‫مــن المفترض أن تنهي كــل هــذا الشقاق واالنـقـســام داخــل البيت الوطني‪ ،‬وســط تهديد‬
‫إســرائـيـلــي مـبــاشــر بــاجـتـيــاح مـنــاطــق فلسطينية سـيــاديــة‪ ،‬وإل ـغــاء كــل التسهيالت المتعلقة‬
‫بالمعابر‪ ،‬ووقــف تحويل عــائــدات الـجـمــارك والـضــرائــب إلــى السلطة الفلسطينية‪ .‬وقد‬
‫رحبت الــواليــات المتحدة على مضض بهذه الخطوة التي أخذها محمود عباس على‬
‫اعـتـبــار أن ه ــذه الـحـكــومــة لــن تـضــم فــي عضويتها أح ــد ًا مــن حــركــة حـمــاس أو حـتــى من‬
‫المقربين منها‪ ،‬وستعمل ضمن البرنامج السياسي للرئيس الفلسطيني‪ ،‬إال أن إسرائيل‬ ‫ّ‬
‫اعتبرت هــذا الـتـقــارب مــع حماس تحدي ًا مـبــاشــر ًا لها‪ ،‬وخــروج ـ ًا عــن الـحــدود الحمراء‪،‬‬
‫التي تجاوزتها السلطة بعد تجاوزاتها السابقة‪ ،‬وخصوص ًا تلك المتعلقة بعضوية األمم‬
‫المتحدة والعضوية في المنظمات الدولية‪.‬‬
‫‪ - 6‬عملية الجرف الصامد والعودة إلى جبعات شاؤول‬

‫مع الفتى محمد أبو خضير‬
‫في شهر حزيران‪/‬يونيو‪ ،‬حدث التطور األبــرز‪ ،‬وهو عملية اختطاف المستوطنين‬
‫اإلسرائيليين الثالثة (‪ ،)2014/6/12‬تلك العملية المنسوبة إلى حركة حماس من قبل‬
‫اإلعالم والساسة اإلسرائيليين‪ ،‬رغم أن أحد ًا من فصائل المقاومة الوطنية‪ ،‬بما فيها حركة‬
‫حماس‪ ،‬لم تتبن هذه العملية‪ ،‬في حين أدانت القيادة الفلسطينية من خالل محمود عباس‬
‫عملية الخطف هذه العتقادها بأن اإلسرائيليين سوف يستغلون هذا الحدث إلى أقصى‬
‫‪338‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مــدى ممكن في تحميل السلطة الوطنية مسؤولية عملية االختطاف هــذه‪ ،‬على أرضية‬
‫إتمام المصالحة الوطنية مع حماس‪ ،‬وبالتالي فإن إسرائيل سوف تمارس أقصى عمليات‬
‫العنف والتدمير المن ّظم‪ ،‬بما فيها عمليات اعتقال واغـتـيــال واجـتـيــاح لمناطق السلطة‬
‫الوطنية‪ ،‬وإغراق قطاع غزة بالدم‪.‬‬
‫فتحت إســرائـيــل ج ــام غضبها‪ ،‬واسـتـخــدمــت أكـثــر مــن ‪ 14‬أل ــف جـنــدي فــي حملة‬
‫البحث عن المستوطنين الثالثة‪ ،‬استباحت خاللها كامل محافظة الخليل وبيت لحم‪.‬‬
‫ودخــل جنودها إلى وسط مدينة رام الله كرسالة واضحة إلى الفلسطينيين بأن إسرائيل‬
‫هي صاحبة السيادة المطلقة في الضفة الغربية‪ ،‬بما فيها مدينة رام الله‪ ،‬حيث مقر السلطة‬
‫الوطنية‪ .‬وقد أعادت إسرائيل خالل هذه الحملة اعتقال معظم األسرى المحررين الذين‬
‫أفرج عنهم في صفقة الجندي شاليط‪ ،‬كما جرى اعتقال معظم قيادات حماس والجهاد‬
‫اإلسالمي في الضفة الغربية‪ ،‬وكان عدد المعتقلين‪ ،‬قد بلغ حتى كتابة هذه السطور‪ ،‬أكثر‬
‫من ‪ 1100‬أسير‪ ،‬بحسب إحصاءات وزارة األسرى ونادي األسير الفلسطيني‪ .‬وترافقت‬
‫عمليات االقتحامات لمعظم مدن الضفة الغربية وعشرات القرى والبلدات الفلسطينية‬
‫بحمالت إرهــاب وتدمير للمنازل‪ ،‬التي وصل إليها الجيش في إطــار هذه الحملة‪ .‬كما‬
‫لوحظ أن مستوى العنف اإلسرائيلي الــذي شهدته هــذه الحملة كــان على مستوى عال‬
‫ٍ‬
‫عشرة من المدنيين الفلسطينيين في‬ ‫جــد ًا من الـشــدّ ة‪ ،‬وهــو الــذي أدى إلــى مقتل حوالى‬
‫الضفة الغربية‪.‬‬
‫تمكّن الجيش بعد ‪ 15‬يوم ًا من عملية الخطف من العثور على جثث المستوطنين‬
‫فــي بـلــدة حلحول‪ ،‬شمالي مدينة الخليل (‪ 30‬حــزيــران‪/‬يــونـيــو)‪ ،‬وكــانــت تلك اللحظة‬
‫بمنزلة الضوء األخضر لجماعات «جباية الثمن» التي لم تتوقف نشاطاتها اإلرهابية‪ ،‬بل‬
‫إنها حظيت بدعم تام من قوات الجيش اإلسرائيلي وتشكيالته األمنية المختلفة‪.‬‬
‫تقوم ضاحية جبعات شــاؤول في القدس على قرية دير ياسين العربية‪ ،‬التي جئنا‬
‫على دراسـتـهــا فــي التمهيد لهذا الكتاب ضمن إطــار أنـمــاط العنف الصهيوني المتمثل‬
‫بالتطهير العرقي والترانسفير الجماعي لتنظيف البالد من سكانها األصليين‪ .‬لقد شهدت‬
‫قرية دير ياسين (غربي القدس)‪ ،‬التي أصبحت بعد المجزرة البشعة تحمل اسم ًا عبري ًا‬
‫هو جبعات شاؤول‪ ،‬أعنف المجازر التي مارستها العصابات الصهيونية‪ ،‬حيث قتل فيها‬
‫‪ 350‬عربي ًا في ليلة واحــدة‪ .‬لكن بشاعة هــذه المجزرة وفداحة نتائجها الكارثية كانت‬
‫مرتبطة بطقوس احتفالية بحق التضحية والتمتع السادي بقتل هؤالء الفلسطينيين‪.‬‬
‫‪339‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وفي صباح األربعاء (‪ ،)2014/7/2‬تمكّنت مجموعة من المستوطنين الفاشيين‬
‫من اختطاف الفتى محمد أبو خضير (‪16‬عام ًا) من بلدة شعفاط شمالي القدس المحتلة‪،‬‬
‫والـتــوجــه بــه إل ــى غــابــة جـبـعــات ش ــاؤول (دي ــر يــاسـيــن)‪ ،‬حـيــث تــم إحــراقــه حـيـ ًا فــي مشهد‬
‫احتفالي في المكان ذاتــه الــذي مارست فيه العصابات الصهيونية طقوس ًا احتفالية بقتل‬
‫أهالي القرية‪.‬‬
‫وقــد فـجــرت هــذه اللحظة مــوجــة غضب عــارمــة عـ ّـمــت فلسطين‪ ،‬وال سيما مدينة‬
‫القدس المحتلة وكافة أحيائها العربية‪ ،‬استنكار ًا وغضب ًا وحزن ًا على هذه الجريمة البشعة‪،‬‬
‫لتنطلق شــرارة هــذا الحدث الرهيب المشين الــذي ال يصدر عن نفس إنسانية‪ ،‬بما فيها‬
‫النفس اليهودية السوية ذات األخالق اإلنسانية التي كانت ضحية الهولوكوست النازي‬
‫يوم ًا ما‪ ،‬ال لشيء إال بسبب يهوديتها وعرقها المختلف عن الدين والعرق اآلري المؤمن‬
‫بالتفوق العرقي‪.‬‬
‫انطلقت ش ــرارة ال ـحــدث إل ــى معظم األمــاكــن والـتـجـمـعــات الفلسطينية‪ ،‬بـمــا فيها‬
‫المدن والبلدات العربية داخل فلسطين المحتلة‪ ،‬على شكل مظاهرات واسعة النطاق لم‬
‫تشهدها مناطق القدس منذ االنتفاضة الكبرى عام ‪.1988‬‬
‫في هذا المناخ‪ ،‬بدأ قصف متبادل بين المقاومة الفلسطينية وسالح الجو اإلسرائيلي‪،‬‬
‫وسرعان ما تطور إلى حرب شاملة على قطاع غزة‪ ،‬وهي العملية العسكرية الثالثة التي‬
‫أط ـلــق عليها الـجـيــش اإلســرائ ـي ـلــي «ال ـج ــرف ال ـصــامــد»‪ ،‬إذ ب ــدأت ال ـغ ــارات اإلســرائـيـلـيــة‬
‫والطلعات الجوية تلقي بحمم قنابلها على مئات األهداف في قطاع غزة‪ ،‬األمر الذي دفع‬
‫المقاومة إلى استخدام سالح الصواريخ لقصف المدن والبلدات والمستوطنات‪ .‬وخالل‬
‫كتابة هذه السطور‪ ،‬وتحديد ًا في ‪ ،2014/7/21‬كان عدد الضحايا الفلسطينيين ‪510‬‬
‫ال جرى هدمها بالكامل‪ .‬وكان‬ ‫ضحايا‪ ،‬وأكثر من ‪ 3150‬جريح ًا‪ ،‬وأكثر من ‪ 1000‬منز ً‬
‫موعد مع المذبحة التي ظهرت‬ ‫ٍ‬ ‫حي الشجاعية صباح يوم األحد في ‪ 2014/7/20‬على‬
‫فيها جثث الفلسطينيين‪ ،‬كما ظهرت في دير ياسين‪ ،‬وصبرا‪ ،‬وشاتيال في لبنان‪.‬‬
‫هكذا كانت اللحظة التي باشر فيها الفلسطينيون انتفاضة ‪ :1987/12/9‬مقتل ‪5‬‬
‫من العمال الفلسطينيين بواسطة شاحنة إسرائيلية في مخيم جباليا‪ .‬وقد كتب الفلسطينيون‬
‫حين ذاك سطرهم األول‪ ،‬وهو أن ال تسليم لطغيان القوة العسكرية االستعمارية‪ .‬وفي‬
‫‪ ،2000/9/28‬كتب الفلسطينيون سطرهم الثاني في تاريخ الكفاح الوطني للشعوب‬
‫‪340‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫عند مشهد الطفل محمد الــدرة وهــو يموت بين ذراعــي وال ــده‪ ،‬حيث كــان ذاك المشهد‬
‫التراجيدي لـ «شكل الموت» دافع ًا مفعم ًا إلــى رفــض الموت المهين للنفس اإلنسانية‪.‬‬
‫وفــي يــوم ‪ 2014/7/2‬بــدأ الفلسطينيون انتفاضة أخــرى بعد المشهد الــذي وجــد عليه‬
‫الفتى محمد أبو خضير محترق ًا على أيدي فئة فاشية التي تعتبر حق التضحية باآلخر في‬
‫طقوس احتفالية تقرب ًا من الله زلفى‪.‬‬
‫لقد أصبحت اللحظة التاريخية في فلسطين اليوم مفتوحة على كل االحتماالت‪،‬‬
‫لكنها تشي بأن هناك حدود ًا للقوة مهما بدت قاهرة‪ ،‬وأن هناك في هذا المكان المسمى‬
‫«فلسطين» بشر ًا كسائر الجنس البشري لهم الحق في الحياة اآلدمية‪ ،‬وفي لغة السياسة‬
‫لهم الحق في تقرير المصير لخلع العبودية عنهم التي أرادها المستعمرون عبودية أبدية‪،‬‬
‫كما أرادوا لكل الشعوب التي وقعت فريسة لقوى االستعمار‪.‬‬
‫‪341‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
342
‫تعرض الشعب الفلسطيني في إطــار الغزوة الصهيونية التي هي امتداد للمشروع‬ ‫ّ‬
‫االسـتـعـمــاري فــي الــوطــن الـعــربــي‪ ،‬لـحــرب اقتالعية استهدفت تنظيف الحيز الجغرافي‬
‫فــي فلسطين مــن الــوجــود الـعــربــي فــي الـمـكــان المستهدف‪ .‬استخدمت قــوى االحـتــال‬
‫االستيطاني شتى الوسائل لتحقيق حالة استيطانية نموذجية عرقية يهودية نقية‪ .‬جاءت‬
‫مهد لها االستعمار البريطاني لتحقق هــذه الغاية عبر التطهير‬ ‫نتائج حــرب ‪ 1948‬التي ّ‬
‫ال جــذريـ ًا في البناء الديمغرافي في فلسطين التاريخية بترحيل‬ ‫العرقي‪ ،‬ولتحدث تحو ً‬
‫‪ 750‬ألــف عربي من خــال مجموعة من المجازر المبرمجة‪ ،‬وإحــال العدد نفسه من‬
‫المهاجرين في أماكن الالجئين الفلسطينيين‪ ،‬الذين لم يبق منهم في إطار الح ّيز السيادي‬
‫اإلسرائيلي إال ‪ 155 - 153‬ألــف عربي أصبحوا خاضعين لحكم عسكري عنصري‬
‫شديد السيطرة‪ ،‬مع االستمرار في إجــراءات المطاردة والقمع الوحشي الذي تجلى في‬
‫مجزرة كفر قاسم عام ‪.1956‬‬
‫عند لحظة ‪ ،1967‬تمكنت دولــة االحـتــال من السيطرة على الجزء المتبقي من‬
‫فلسطين التاريخية في قطاعي الضفة الغربية وغــزة‪ ،‬لتصبح فلسطين كاملة فضا ًء مباح ًا‬
‫لقوى االستيطان العنصري‪ .‬لم تحقق الحرب عملية اقتالع نهائية كبرى كسابقتها عام‬
‫‪ ،1948‬مــع أنــه حدثت مـحــاوالت جــدّ يــة لتحقيق عملية ترانسفير كـبــرى‪ ،‬كما ظهر في‬
‫هدم عدد من القرى في الضفة الغربية وترحيل أصحابها‪ .‬إن سياسة االقتالع في الضفة‬
‫الغربية‪ ،‬محل الــدراســة‪ ،‬بــدأت تأخذ أنماط ًا تدميرية أخــرى‪ ،‬بعد أن أصبحت عمليات‬
‫الطرد الجماعي والمجازر الكبيرة محل رفض من قبل المجتمع الدولي‪ ،‬مع أن أساليب‬
‫‪343‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫الترانسفير الكالسيكية لم تختف تمام ًا‪ ،‬ومثلها مجموعة من المجازر في القدس والخليل‬
‫وجنين وغيرها‪.‬‬
‫لـقــد ب ــدأت عملية اسـتـنــزاف الـسـكــان الفلسطينيين فــي الـضـفــة الـغــربـيــة‪ ،‬بـمــا فيها‬
‫ال ـقــدس الـمـحـتـلــة تــأخــذ سـيــاســة ال ـطــرد الـخـفــي وال ـب ـطــيء والـمـسـتـمــر عـبــر سـلـسـلــة من‬
‫الــوســائــل‪ ،‬أهمها العنف والضغط النفسي واإلره ــاب اليومي‪ ،‬وطــرد النشطاء خــارج‬
‫الـبــاد ونـســف الـمـنــازل وم ـصــادرة األراض ــي أو إغــاقـهــا‪ .‬كــل ذلــك فــي إط ــار السياسة‬
‫االستيطانية التي بدأت منذ عام ‪ 1967‬عند بناء مستوطنة غوش عتصيون‪ ،‬واإلعالن‬
‫عــن ال ـقــدس ال ـمــوحــدة عــاصـمــة إلســرائ ـيــل‪ ،‬وضـمـهــا فـعـلـيـ ًا إل ــى ال ـس ـيــادة اإلســرائـيـلـيــة‪،‬‬
‫لـتـمــارس إســرائ ـيــل فــي الـمــديـنــة كــافــة أش ـكــال ال ـطــرد والـنـفــي وه ــدم ال ـم ـنــازل وإغ ــاق‬
‫األراضي ومصادرتها‪ ،‬وسحب هويات الفلسطينيين‪ ،‬وإرهاقهم بالضرائب وحرمانهم‬
‫من البناء والتوسع العمراني‪.‬‬
‫إن سـيــاســة «أرض أكـثــر وع ــرب أق ــل» شكلت جــوهــر الـسـيــاســة اإلســرائـيـلـيــة تجاه‬
‫األراض ــي العربية المحتلة من خــال االستيطان والـطــرد المتزحزح‪ ،‬والقهر والتعذيب‬
‫مقومات‬
‫المتواصل الــذي يستهدف تخفيف الوجود الفلسطيني في المكان‪ ،‬ومصادرة ّ‬
‫البقاء األساسية‪ ،‬وهي األرض‪.‬‬
‫أثبتت هــذه الــدراســة أن ال ـجــدار ال ـعــازل اإلســرائـيـلــي‪ ،‬مــا هــو ّإل نمط ترانسفيري‬
‫تعيد فيه إسرائيل‪ ،‬ليس فقط استنساخ حالة الفصل العنصري في جنوب أفريقيا بطبعتها‬
‫الصهيونية‪ ،‬وإنما إعادة التمثيل بالجثث المسجاة في هذه األقفاص (البانتوستانات) لئال‬
‫تنبعث فيها الحياة مرة أخرى‪ .‬إن إعادة التمثيل السادي بهذه الجثث التي ذبحها االحتالل‬
‫منذ عام ‪ 1967‬ليس إال حالة تعذيب سادية تستهدف محاولة الفلسطينيين النهوض ثانية‬
‫من تحت ركام ورمــاد التغييب واإلقصاء والتهجير‪ ،‬الذي تريده إسرائيل أن يكون قدر ًا‬
‫إلهي ًا غير قابل للحياة مرة أخرى‪.‬‬
‫ٌ‬
‫عمل‬ ‫وإذا كــانــت الصهيونية قــد اعتبرت أن التطهير العرقي للشعب الفلسطيني‬
‫أخ ــاق ـ ٌـي‪ ،‬ف ــإن ال ـجــدار ال ــذي ُي ـعــدّ مــن جـنــس الـفـعــل األخــاقــي بالمعنى الصهيوني في‬
‫المدرسة البن غوريونية لن يكون نتوء ًا طارئ ًا في المشهد األخالقي بشكل عام‪ ،‬بقدر ما‬
‫هو استمرار لمنظومة هذا الفعل الصهيوني األخالقي‪.‬‬
‫‪344‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أوالً‪ :‬نتائج الدراسة‬
‫يمكن تلخيص نتائج هذه الدراسة التي أظهرت صحة مقوالتها األساسية في عدد‬
‫من المستويات‪.‬‬
‫‪ - 1‬على المستوى النظري‬

‫أثـبـتــت ال ــدراس ــة جملة مــن الـقـضــايــا الـنـظــريــة الـتــي تشكل ال ـمــادة األســاس ـيــة لهذه‬
‫الدراسة وهي‪:‬‬
‫أ ‪ -‬إن القوى االستعمارية‪ ،‬رغم أنها ذات تشكيالت تاريخية وقومية مختلفة‪ ،‬إال‬
‫أنها تتمركز دائم ًا حول ادعــاءات السمو والقداسة والتوكيل اإللهي والوظيفة التنويرية‪،‬‬
‫ك ــأدوات تسويغية لمشروعها االسـتـعـمــاري‪ ،‬الـقــاضــي بــامـتــاك م ــوارد اآلخــريــن حصر ًا‬
‫لجنس سام مقدس‪.‬‬
‫ب ‪ -‬إن المدى الزمني لسنوات االحتالل واالستعمار‪ ،‬وتمكّنه من بسط سيطرته‬

‫على الشعوب‪ ،‬ال يخفف من حدة اإلجــراءات العنصرية بحق الشعوب األصلية‪ ،‬وإنما‬
‫يزيد مــن جرعاتها التعسفية اإلبــاديــة‪ ،‬بتحديث هــذه الــوســائــل بشكل دائ ــم‪ ،‬بما يتيح له‬
‫ضمان السيطرة وإحكام القبضة الحديدية‪ .‬وفي الوقت نفسه‪ ،‬إن القوى التي تتأسس على‬
‫العنف والقوة تاريخي ًا‪ ،‬تنحو إلى مزيد من القوة والعنف دائم ًا‪.‬‬
‫ج ‪ -‬إن توظيف الدين والجنس والـعــرق في أيــة عملية استعمارية‪ ،‬من شأنها أن‬
‫تضفي على هذا االستعمار أنماط ًا إبادية عنيفة تقوم على عدد من الوسائل‪ :‬السيطرة‪،‬‬
‫واالنتقام‪ ،‬والقتل‪ ،‬والتعذيب‪ ،‬ومصادرة الممتلكات‪ ،‬والعزل العنصري‪ ،‬والترانسفير‪،‬‬
‫وغيرها مما تنتجه نظريات االختيار اإللهي والتوكيل السماوي‪ ،‬وكذلك نظريات العرق‬
‫األسمى والجنس المقدس‪.‬‬
‫د ‪ -‬أث ـب ـتــت ال ــدراس ــة ال ـق ــاع ــدة االس ـت ـع ـمــاريــة ال ـع ــام ــة‪ ،‬ال ـقــائ ـلــة إن الـمـجـتـمـعــات‬
‫االسـتـيـطــانـيــة تـسـعــى دائ ـم ـ ًا إل ــى تـحـقـقـهــا عـبــر تـحـقـيــق تـجــانـسـهــا الـثـقــافــي‪ .‬وف ــي الـحــالــة‬
‫اإلســرائـيـلـيــة‪ ،‬أصـبــح ال ـجــدار ال ـعــازل حــاجــة ثقافية قيمية عـلـيــا‪ ،‬إلــى تحقيق التجانس‬
‫الديني واألخــاقــي الـعــام لــدى مجتمع المهاجرين االستيطاني الـيـهــودي الطاهر في‬
‫‪345‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪ - 2‬على المستوى السياسي‬
‫أ ‪ -‬أثبتت الدراسة من حيث المبدأ عدمية االدعاءات األمنية اإلسرائيلية القائلة إن‬
‫الجدار ليس إال احتياج ًا أمني ًا‪ ،‬وليس له أي بعد سياسي‪ .‬فالجدار لم يستهدف تحقيق أمن‬
‫المجتمع اإلسرائيلي‪ ،‬بقدر ما استهدف إلحاق اإلبادة السياسية بالشعب الفلسطيني من‬
‫خالل تأبيد الفعل االستيطاني في الضفة الغربية وتفكيك بنيتها المادية‪ ،‬ليس فقط لمنع‬
‫إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل‪ ،‬وإنما تحقيق الترانسفير الزاحف للفلسطينيين‪،‬‬
‫جراء النتائج الكارثية التي خلقها الجدار على البناء االجتماعي الفلسطيني‪.‬‬
‫ب ‪ -‬أظ ـه ــرت ال ــدراس ــة أن الــوظـيـفــة الـتــاريـخـيــة لــاسـتـيـطــان‪ ،‬ك ـقــاعــدة لـلـمـشــروع‬
‫الصهيوني والتعبير األعمق أليديولوجيته في فلسطين‪ ،‬ما زالت فاعلة‪ .‬فإذا كان االستيطان‬
‫ال‪ ،‬ومعترف ًا به دولي ًا بعد عام ‪ ،1948‬فإن االستيطان‬ ‫قد حقق تاريخي ًا جمع ًا يهودي ًا منعز ً‬
‫في الضفة الغربية يستهدف وظيفي ًا منع إقامة كيان سياسي فلسطيني غربي النهر من جهة‪،‬‬
‫واالسـتـمــرار في مـصــادرة ح ّيز الحياة للفلسطينيين كجزء ال يتجزأ من مشروع التطهير‬
‫العرقي للعرب في فلسطين‪.‬‬
‫ج ‪ -‬في ضــوء الخطاب الديمغرافي اإلسرائيلي‪ ،‬فــإن الـجــدار الـعــازل اإلسرائيلي‬

‫الممتد فــي فلسطين‪ .‬لــم يفصل بين الفلسطينيين والمهاجرين الـيـهــود‪ ،‬بـقــدر مــا أسس‬
‫لعملية فصل تاريخية بين الفلسطينيين أنفسهم أيـضـ ًا‪ ،‬مــن أجــل وأد الفكرة األخالقية‬
‫القائلة بدولة كل مواطنيها من جهة‪ ،‬وهي النموذج (الثنائي القومية)‪ ،‬وتكثيف يهودية‬
‫إسرائيل من جهة أخرى‪.‬‬
‫د ‪ -‬أعاد الجدار تأسيس الدولة اليهودية وطغيان جوهرها العنصري‪ ،‬عبر االعتقاد‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬بأن حق العودة للشعب الفلسطيني ال يعني العودة إلى األماكن التي هجروا‬
‫منها فقط‪ ،‬وإنما جعل األماكن العربية المتبقية من فلسطين بمنزلة معازل تستحيل الحياة‬
‫فيها لمن ما زال يرغب في العودة إلى أي جزء من فلسطين‪.‬‬
‫ه ـ ‪ -‬أثبتت الــدراســة أن ال ـجــدار ال ـعــازل والـنـظــام المرتبط بــه‪ ،‬ال يستهدفان عزل‬
‫الفلسطينيين عــن أراضيهم ومــواردهــم الطبيعية فقط‪ ،‬وإنـمــا جعل الـجــدار نظام ًا طــارد ًا‬
‫للسكان‪ ،‬على اعتبار أن الطرد ليس مرتبط ًا بحالة حــرب‪ ،‬وإنما هو فعل مؤسسي دائم‬
‫ومركزي للعمل االستيطاني في فلسطين‪ ،‬من خالل منظومة اإلجراءات المتعلقة بالحدّ‬
‫من الحركة والعمل والنشاط اإلنساني بشكل عام‪.‬‬
‫‪346‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫سمي بالفصل األحــادي‪ ،‬ليس إال تخليد ًا‬ ‫و ‪ -‬أثبتت الدراسة أن هذا الجدار‪ ،‬وما ّ‬
‫لالحتالل بفرض الوقائع االستيطانية فرض ًا قسري ًا‪ ،‬لــوأد عملية التسوية السياسية التي‬
‫بدأت منذ عقدين من الزمن‪ ،‬وحسم كافة القضايا المصيرية األخــرى المتعلقة بالقدس‬
‫والـمـيــاه وال ـحــدود والالجئين والمستوطنات‪ ،‬أي أن الـخـيــارات اإلسرائيلية هــي سيدة‬
‫الموقف‪ ،‬وليست أية خيارات دولية أو إقليمية أو فلسطينية‪.‬‬
‫ثاني ًا‪ :‬األبعاد والجذور التاريخية الدينية للجدار‬

‫لقد أثبتت الدراسة اآلتي‪:‬‬
‫مكون تأصيلي‬
‫‪ - 1‬إن القيم التوراتية االنعزالية‪ ،‬وثقافة وقيم الـجــدار‪ ،‬هي ذات ّ‬
‫حاكم في بناء الجدار بشكل خاص‪ ،‬وفي السياسات اإلسرائيلية تجاه اآلخر بشكل عام‪:‬‬
‫«جمع منعزل وباألغيار ال يكترث» (سفر يهوشع‪.)8 - 23 ،‬‬
‫‪ - 2‬أثبتت الــدراســة مــدى تأثر الحركة الصهيونية‪ ،‬كحركة عنصرية استعمارية‪،‬‬

‫المعمق‪ ،‬الــذي تركه المضمون االستعماري‬
‫ّ‬ ‫وحالة وظيفية لالستعمار الغربي‪ ،‬المدى‬
‫الغربي على الظاهرة الكولونيالية الصهيونية االستعمارية‪ ،‬والــذي ظهر بشكل جلي في‬
‫التفوق والنبوغ والتحضر لدى هذه الحركة في مشروعها االستعماري‬ ‫استلهام كافة رموز ّ‬
‫في فلسطين‪ ،‬وذلك ألن الحركة الصهيونية‪ ،‬كحركة استعمارية إنما وجدت ونمت في‬
‫ّ‬
‫والحط من قيمة‬ ‫هــذا المناخ الثقافي القيمي القائم على التمركز حــول الــذات العرقية‪،‬‬
‫الحضارات اإلنسانية األخرى المتوطنة في أماكنها التاريخية‪.‬‬
‫ثالث ًا‪ :‬المستوى المقارن بين الحالة الصهيونية‬

‫العنصرية ونظامها اإلحاللي في فلسطين‬
‫تفوق وشــدة الممارسة والعنف‬ ‫لقد أثبتت الدراسة في إطــار محاورها المختلفة‪ّ ،‬‬
‫الـعـنـصــري الـصـهـيــونــي‪ ،‬مـقــارنــة بــالـنـمــوذج الـعـنـصــري فــي جـنــوب أفــريـقـيــا كـحــالــة قياسية‬
‫نموذجية‪ .‬وكــان ذلك بسبب اختالف اإلطــار المرجعي عند الحالتين‪ .‬فإسرائيل ليست‬
‫بحاجة إلــى الـعــرب كــي تعيش‪ ،‬بينما كــان الشعب األص ـلــي‪ ،‬كـمــادة استعمالية‪ ،‬حاجة‬
‫ضرورية لألقلية البيضاء في جنوب أفريقيا كي تستمر‪ .‬كما أثبتت الدراسة مدى تطابق‬
‫كــافــة اإلجـ ـ ــراءات الـعـنـصــريــة الـتــي تـمــارسـهــا إســرائ ـيــل مــع ال ـن ـمــوذج االسـتـعـمــاري البائد‬
‫‪347‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫فــي جنوب أفريقيا إزاء السكان األصليين‪ .‬وقــد تجلى ذلــك فــي جملة مــن اإلج ــراءات‬
‫اإلسرائيلية المستنسخة عن نظام الفصل العنصري‪ ،‬وخاصة تلك اإلجــراءات المتعلقة‬
‫بالعزل‪ ،‬وضبط الحركة‪ ،‬وتحديد مكان اإلقــامــة‪ ،‬ونظام التصاريح‪ ،‬وقوانين وضــع اليد‬
‫وغيرها من اإلجراءات الحرمانية التمييزية‪.‬‬

‫‪348‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪ - 1‬العربية‬
‫كتب‬
‫االئتالف الفلسطيني لحق العودة‪ :‬اللقاء التنسيقي السادس‪ .‬بيت لحم‪ :‬المركز الفلسطيني‬
‫لمصادر حقوق المواطن والالجئين ‪ -‬بديل‪.2006 ،‬‬
‫إبراهيم‪ ،‬يوسف كامل‪ .‬التحول الديموغرافي القسري في فلسطين‪ .‬بيروت‪ :‬مركز باحث‬
‫للدراسات‪( .2004 ،‬سلسلة أوراق باحث)‬
‫أبو بكر‪ ،‬بكر‪ .‬فلسطين ويهودية الدولة‪ .‬رام الله‪ :‬المعهد الوطني إلعداد الكادر‪.2014 ،‬‬
‫أبو الخير‪ ،‬مصطفى أحمد‪ .‬فتوى الجدار العازل والقانون الدولي‪ .‬القاهرة‪ :‬إيتراك للطباعة‬
‫والنشر والتوزيع‪.2005 ،‬‬
‫أبو السعود‪ ،‬عزام‪ .‬أثر الجدار العنصري على القطاعات االقتصادية المختلفة في القدس‬
‫الشرقية‪ .‬القدس‪ :‬االئتالف األهلي‪.2007 ،‬‬
‫أبو العينين‪ ،‬محمود‪ .‬إدارة ّ‬
‫وحل الصراعات العرقية في أفريقيا‪ .‬القاهرة‪ :‬جامعة القاهرة‪،‬‬
‫معهد البحوث والدراسات األفريقية‪.2008 ،‬‬

‫اإلثم والحماقة لنقل بلدات عربية من إسرائيل إلى فلسطين‪ .‬القدس‪ :‬معهد فلورسهايمر‬
‫للدراسات السياسية‪.2006 ،‬‬
‫‪349‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫إجراءات االفتاء بشأن اآلثار القانونية لبناء الجدار في األرض المحتلة‪ .‬القدس‪ :‬المجلس‬
‫االقتصادي الفلسطيني ‪ -‬بكدار‪.2004 ،‬‬
‫أحمد‪ ،‬فاروق يوسف‪ .‬قواعد المنهج العلمي‪ :‬المناهج واالقترابات واألدوات المنهجية‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬مكتبة عين شمس‪.1988 ،‬‬

‫أديب‪ ،‬نشأت إدوار‪ .‬الثقافة السياسية للشباب الجامعي المصري‪ :‬دراسة للروافد الرئيسية‬
‫لتشكيل الثقافة السياسية‪ .‬القاهرة‪ :‬الهيئة العامة المصرية للكتاب‪.2009 ،‬‬
‫أرئيلي‪ ،‬ش ــاؤول وميخائيل سـفــارد‪ .‬الـجــدار الفاصل أمــن أم طمع؟ تــل أبـيــب‪ :‬يديعوت‬
‫أحرنوت للتوزيع والنشر‪.2008 ،‬‬
‫أرونـســون‪ ،‬جيفري‪ .‬سياسة األمــر الواقع في الضفة الغربية‪ :‬إسرائيل والفلسطينيون من‬
‫حرب ‪ 1967‬إلى االنتفاضة‪ .‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪.1999 ،‬‬
‫إسرائيل ‪ :2020‬خطتها التفصيلية لمستقبل الدولة والمجتمع‪ .‬راجع الترجمة عن العبرية‬
‫الـيــاس شــوفــانــي وهــانــي عبد الـلــه؛ تقديم سلمان أبــو سـتــة‪ .‬ب ـيــروت‪ :‬مــركــز دراس ــات‬
‫الوحدة العربية‪ 6 .2005 - 2004 ،‬ج‪.‬‬
‫اشتيه‪ ،‬محمد‪ .‬موسوعة المصطلحات والمفاهيم الفلسطينية‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني‬
‫للدراسات اإلقليمية‪.2009 ،‬‬
‫األشعل‪ ،‬عبد الله‪ .‬قضية الجدار العازل أمــام محكمة العدل الدولية‪ .‬القاهرة‪ :‬مؤسسة‬
‫الطوبجي للنشر‪.2005 ،‬‬
‫ألتوسير‪ ،‬لويس‪ .‬مونتسكيو‪ :‬السياسة والتاريخ‪ .‬ترجمة نادر ذكرى‪ .‬بيروت‪ :‬دار الفارابي‪،‬‬
‫‪.1989‬‬
‫إلدار‪ ،‬عقيبا وعوديت زرطال‪ .‬أسياد البالد المستوطنون ودولة إسرائيل‪.2004 - 1967 ،‬‬
‫ترجمة عليان الهندي‪ .‬رام الله‪ :‬مؤسسة باب الواد‪.2006 ،‬‬
‫المقرر‬
‫ّ‬ ‫األمم المتحدة‪ .‬االضطهاد والتمييز العنصري في أفريقيا الجنوبية‪ :‬ملخّ ص لتقرير‬
‫الخاص للجنة حقوق اإلنسان‪ .‬القاهرة‪ :‬مطبعة أطلس‪.1967 ،‬‬
‫أمين‪ ،‬بديعة‪ .‬الجذور التوراتية للعنصرية الصهيونية‪ .‬بغداد‪ :‬دار الشؤون الثقافية‪.2002 ،‬‬
‫أوستر‪ ،‬يورغن‪ .‬االستعمار‪ :‬مراجعة نظرية عامة‪ .‬ترجمة أبو بكر أحمد باقادر‪ .‬الرياض‪:‬‬
‫مؤسسة اليمامة‪.1999 ،‬‬

‫إيــال‪ ،‬غيل‪ .‬نــزع السحر عن الشرق‪ .‬ترجمة حسن خضر‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني‬
‫للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2009 ،‬‬
‫‪350‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بــاب ـيــه‪ ،‬إيـ ــان‪ .‬التطهير الـعــرقــي فــي فلسطين‪ .‬تــرجـمــة أح ـمــد خـلـيـفــة‪ .‬ب ـي ــروت‪ :‬مؤسسة‬
‫الدراسات الفلسطينية‪.2007 ،‬‬
‫بــارسـيـمـنـطــوف‪ ،‬يـعـقــوب وك ــوب ــي مـيـخــائـيــل‪ .‬االن ـت ـقــال م ــن تـســويــة ال ـص ــراع إل ــى إدارتـ ــه‪،‬‬
‫‪ .2004 - 2000‬تـقــديــم وتــرجـمــة أن ـطــوان شـلـحــت‪ .‬رام ال ـلــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني‬

‫الباش‪ ،‬وسام‪ .‬الجدار‪ :‬بين نبوءات القرآن ونبوءات التوراة‪ .‬دمشق‪ :‬صفحات للدراسات‬
‫والنشر‪.2009 ،‬‬
‫برافر‪ ،‬موشيه‪ .‬حول ترسيم الخط األخضر في الضفة الغربية بين األردن وإسرائيل وآثاره‬
‫عمان‪ :‬دار الجليل‪.1982 ،‬‬
‫الكارثية‪ .‬ترجمة بدر عقيلي‪ّ .‬‬
‫البرغوثي‪ ،‬مريد‪ .‬رأيت رام الله‪ .‬بيروت؛ الدار البيضاء‪ :‬المركز الثقافي العربي‪.1997 ،‬‬
‫بروم‪ ،‬شلومو وعنات كوارتس‪ .‬التقييم االستراتيجي اإلسرائيلي السنوي ‪ .2011‬ترجمة‬
‫عليان الهندي‪ .‬رام الله‪ :‬حركة فتح ‪ -‬مفوضية اإلعالم والثقافة‪.2011 ،‬‬
‫بشارة‪ ،‬عزمي‪ .‬لئال يفقد المعنى‪ :‬مقاالت من سنة االنتفاضة األولى‪ .‬رام الله‪ :‬المؤسسة‬
‫الفلسطينية لدراسة الديمقراطية ‪ -‬مواطن‪.2002 ،‬‬
‫_ ‪ .‬من يهودية الدولة حتى شــارون‪ :‬دراسة في تناقص الديمقراطية اإلسرائيلية‪.‬‬
‫رام الله‪ :‬المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية ‪ -‬مواطن‪.2005 ،‬‬
‫ب ـش ــارة‪ ،‬مـ ــروان‪ .‬فـلـسـطـيــن‪/‬إســرائـيــل س ــام أم فـصــل عـنـصــري‪ .‬ال ـقــاهــرة‪ :‬مــركــز الـقــاهــرة‬
‫لدراسات حقوق اإلنسان‪.2001 ،‬‬
‫بشير‪ ،‬نبيه‪ .‬جدلية الديني والسياسي في إسرائيل‪ :‬حركة شاس كحالة دراسية‪ .‬رام الله‪:‬‬
‫المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2006 ،‬‬
‫بعثة فلسطين في األمم المتحدة‪ .‬بيان خ ّطي ومرافعة شفوية حول اآلثار الكارثية للجدار‬
‫على الفلسطينيين‪ .‬القدس‪ :‬بكدار‪.2004 ،‬‬
‫بعلبكي‪ ،‬روحي‪ .‬المورد الثالثي‪ :‬قاموس ثالثي اللغات‪ :‬عربي ‪ -‬إنكليزي ‪ -‬فرنسي مع‬
‫طريقة اللفظ‪ .‬بيروت‪ :‬دار العلم للماليين‪.2004 ،‬‬
‫بــن إلـيـعــازر‪ ،‬أوري‪ .‬الـحــروب الجديدة إلسرائيل‪ :‬تفسير اجتماعي ‪ -‬تاريخي‪ .‬ترجمة‬
‫عليان الهندي‪ .‬رام الله‪ :‬مركز عبد الله الحوراني للدراسات والتوثيق‪.2014 ،‬‬
‫بــن غــوريــون‪ ،‬دافـيــد‪ .‬أقــوال عن أمــن إسرائيل‪ :‬جيش للحماية والبناء‪ .‬تــل أبـيــب‪ :‬وزارة‬
‫الدفاع‪[ .1971 ،‬بالعبرية]‪.‬‬
‫‪351‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بنفيستي‪ ،‬مـيــرون‪ .‬المشهد المقدس‪ :‬طمس تــاريــخ األرض المقدسة منذ عــام ‪.1948‬‬
‫ترجمة سامي مسلم‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مــدار‪،‬‬
‫‪.2001‬‬
‫بورغ‪ ،‬أبرهام‪ .‬لننتصر على هتلر‪ .‬ترجمة بالل سالمة؛ مراجعة وتقديم أنطوان شلحت‪.‬‬
‫رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2010 ،‬‬
‫ب ــون ــداك‪ ،‬رون‪ .‬مــن أوس ـلــو حـتــى طــابــا‪ :‬ص ـيــرورة منقطة‪ .‬رام ال ـلــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني‬
‫بونيفاس‪ ،‬باسكال‪ .‬من يجرؤ على نقد إسرائيل‪ .‬ترجمة أحمد الشيخ‪ .‬بيروت‪ :‬المركز‬
‫العربي للدراسات الغربية‪.2004 ،‬‬
‫بيتربيرغ‪ ،‬غابريل‪ .‬المفاهيم الصهيونية للعودة‪ :‬أساطير وسياسات ودراســات إسرائيلية‪.‬‬
‫رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2009 ،‬‬
‫بيرنز‪ ،‬إدوارد‪ .‬النظريات السياسية في العالم المعاصر‪ .‬ترجمة عبد الكريم أحمد‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫دار اآلداب‪.1988 ،‬‬
‫تأثير جــدار الفصل العنصري على منطقة سلفيت‪ .‬رام الله‪ :‬اتحاد الشباب الفلسطيني‪،‬‬
‫‪.2008‬‬
‫تسمن‪ ،‬حاييم غفير‪ .‬خارطة المصالح الحيوية اإلسرائيلية في الضفة الغربية‪ .‬ترجمة‬
‫عليان الهندي‪ .‬تل أبيب‪ :‬مركز بيجن ‪ -‬السادات للدراسات االستراتيجية‪ ،‬جامعة بار‬
‫إيالن‪.2009 ،‬‬
‫تشومسكي‪ ،‬نعوم‪ .‬مــداخــات‪ :‬آراء حــرة في السياسة األمريكية‪ .‬ترجمة محمد عناني‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬الهيئة المصرية العامة للكتاب‪.2007 ،‬‬
‫الـتـفـكـجــي‪ ،‬خـلـيــل‪ .‬الــديـمــوغــرافـيــا وج ــدار الـفـصــل فــي تـهــويــد ال ـقــدس‪ .‬ال ـقــدس‪ :‬جمعية‬
‫الدراسات العربية‪ ،‬مركز الدراسات والخرائط‪.2009 ،‬‬
‫التقرير االستراتيجي السنوي إلسرائيل‪ .2014 - 2013 ،‬تحرير عنات كوارتس وشلومو‬
‫بروم؛ ترجمة عليان الهندي‪ .‬رام الله‪ :‬مفوضية التعبئة الفكرية والدراسات‪.2014 ،‬‬
‫تقرير دائ ــرة ش ــؤون الـمـفــاوضــات‪ .‬رام الـلــه‪ :‬منظمة التحرير الفلسطينية ‪ -‬وح ــدة دعم‬
‫المفاوضات‪.2008 ،‬‬
‫تقرير رؤساء بعثات االتحاد األوروبــي عن القدس الشرقية‪ .‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات‬
‫الفلسطينية‪.2009 ،‬‬
‫‪352‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تقرير مدار االستراتيجي ‪ :2014‬المشهد اإلسرائيلي ‪ .2013‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني‬
‫الـتـمـيـمــي‪ ،‬ت ـم ــارا [وآخـ ـ ـ ــرون]‪ .‬ع ـبــور ال ـح ــدود وت ـب ــدل ال ـح ــواج ــز‪ :‬ســوسـيـلــوجـيــا ال ـعــودة‬
‫الفلسطينية‪ .‬تحرير ساري حنفي‪ .‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.2008 ،‬‬
‫التميمي‪ ،‬عبد المالك خلف‪ .‬المياه العربية‪ :‬التحدي واالستجابة‪ .‬بيروت‪ :‬مركز دراسات‬
‫الوحدة العربية‪.1999 ،‬‬
‫تندر‪ ،‬جيلين‪ .‬الفكر السياسي‪ :‬األسئلة األبدية‪ .‬ترجمة محمد غنيم‪ .‬القاهرة‪ :‬الجمعية‬
‫المصرية لنشر الثقافة العالمية‪.1993 ،‬‬
‫تي هول‪ ،‬إدوارد‪ .‬البعد الخفي‪ .‬ترجمة لميس يحيى‪ّ .‬‬
‫عمان‪ :‬المكتبة األهلية‪.2007 ،‬‬
‫ج ـ ـ ــارودي‪ ،‬روجـ ـي ــه‪ .‬اإلرهـ ـ ــاب ال ـغــربــي‪ :‬ال ـج ــزء األول‪ .‬ت ـعــريــب دال ـي ــا ال ـط ــوخ ــي‪ ،‬نــاهــد‬
‫عبد الحميد وسامي مندور‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪ 2 .2004 ،‬ج‪.‬‬
‫_ ‪ .‬فلسطين أرض الرساالت السماوية‪ .‬ترجمة قصي األتاسي ومشيل واكيم‪.‬‬
‫دمشق‪ :‬دار طالس‪.1991 ،‬‬
‫_ ‪ .‬محاكمة الصهيونية اإلسرائيلية‪ .‬ترجمة حسين قبيسي‪ .‬بيروت‪ :‬دار الجيل‪،‬‬
‫‪.1998‬‬
‫جبارين‪ ،‬يوسف‪ .‬التخطيط القومي في إسرائيل‪ :‬استراتيجيات اإلقصاء والهيمنة‪ .‬ترجمة‬
‫س ـل ـي ــم س ــام ــة وسـ ــافـ ــة حـ ـ ـج ـ ــاوي‪ .‬رام ال ـ ـلـ ــه‪ :‬الـ ـم ــرك ــز ال ـف ـل ـس ـط ـي ـنــي لـ ـل ــدراس ــات‬
‫اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2013 ،‬‬
‫الجعبة‪ ،‬نظمي‪ .‬اإلسكان في القدس بين مطرقة االستيطان واإلمكانيات المتاحة‪ .‬رام‬
‫الله‪ :‬معهد السياسات العامة‪.2009 ،‬‬
‫جيلمور‪ ،‬ديفيد‪ .‬الـمـطــرودون‪ :‬محنة فلسطين‪ .‬ترجمة شــاكــر إبــراهـيــم‪ .‬الـقــاهــرة‪ :‬مكتبة‬
‫مدبولي‪.1993 ،‬‬
‫حــريــز‪ ،‬عبد الـنــاصــر‪ .‬الـنـظــام السياسي اإلرهــابــي اإلســرائـيـلــي‪ .‬الـقــاهــرة‪ :‬مكتبة مدبولي‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫حسن‪ ،‬محمد خليفة‪ .‬العنصرية اإلسرائيلية في انتفاضة األقصى‪ .‬أبــو ظبي‪ :‬مركز زايد‬
‫للدراسات والبحوث‪.2002 ،‬‬

‫الحسن‪ ،‬نزيه‪ .‬الجذور التوراتية للفرويدية‪ .‬دمشق‪ :‬دار الحلبي للطباعة‪.1988 ،‬‬
‫‪353‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫حلبي‪ ،‬أســامــة‪ .‬حــدود المكان ووج ــود اإلن ـســان‪ :‬الـبـعــدان الجغرافي والديموغرافي في‬
‫سياسة إسرائيل في القدس‪ .‬القدس‪ :‬مركز القدس للمساعدة القانونية‪.2001 ،‬‬
‫ح ـمــودة‪ ،‬داوود‪ .‬الــرؤيــا الصهيونية القتصاد الضفة الغربية‪ .‬رام الـلــه‪ :‬الحملة الشعبية‬
‫لمقاومة جدار الفصل العنصري‪.2009 ،‬‬

‫_ ‪ .‬مفهوم التواصل الجغرافي والقابلية للحياة‪ .‬رام الله‪ :‬الحملة الشعبية لمقاومة‬
‫الجدار‪.2009 ،‬‬
‫(محررون)‪ .‬سلطة اإلقصاء الشامل‪ :‬تشريح‬
‫ّ‬ ‫حنفي‪ ،‬ساري‪ ،‬عدي أوفير وميخال غيفوني‬
‫الحكم اإلسرائيلي في األراضي الفلسطينية المحتلة‪ .‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪( .2012 ،‬وقفية عبد المحسن القطان للقضية الفلسطينية)‬
‫الحياة على حافة الخطر‪ :‬الصراع من أجل البقاء وأثر التهجير القسري في المناطق العالية‬
‫الخطورة في األرض الفلسطينية المحتلة‪ .‬لندن‪ :‬مؤسسة إنقاذ الطفل‪.2009 ،‬‬
‫الخالدي‪ ،‬وليد‪ .‬كي ال ننسى‪ :‬قرى فلسطين التي دمرتها إسرائيل سنة ‪ .1948‬بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪.1997 ،‬‬
‫الخطة الهيكلية المحلية‪ :‬أورشليم القدس ‪ -‬قسم تخطيط المدينة‪ .‬القدس‪ :‬بلدية القدس‪،‬‬
‫‪.2000‬‬
‫الـخـطــوط العريضة لحكومة ش ــارون الـثــانـيــة‪ .‬رام ال ـلــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني لـلــدراســات‬
‫خضر‪ ،‬بشارة‪ .‬أوروبا والوطن العربي‪ :‬القرابة والجوار‪ .‬نقله إلى العربية جوزف عبد الله‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪.1995 ،‬‬
‫خضر‪ ،‬طارق فتح الله‪ .‬حرية التنقل واإلقامة‪ .‬القاهرة‪ :‬دار النهضة العربية‪.2006 ،‬‬
‫خمايسي‪ ،‬راسم‪ .‬صراع على السكن‪ :‬قطاع اإلسكان في القدس‪ .‬القدس‪ :‬مركز التعاون‬
‫الدولي‪.2006 ،‬‬
‫داروين‪ ،‬تشارلز‪ .‬أصل األنواع‪ .‬ترجمة إسماعيل مظهر‪ .‬بيروت‪ :‬مكتبة النهضة‪.1971 ،‬‬
‫دراسـ ــة اسـتـقـصــائـيــة ألث ــر ج ــدار ال ـعــزل عـلــى ال ـقــرى ال ـتــي يـمــر عـبــرهــا‪ .‬رام ال ـل ــه‪ :‬مكتب‬
‫اإلحصاءات الفلسطيني‪.2008 ،‬‬

‫دراسة حول آثار الجدار العنصري في بيت لحم‪ .‬أريج‪ :‬مركز األبحاث التطبيقية‪.2009 ،‬‬
‫‪354‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫دالل‪ ،‬مروان‪ .‬قضاء إسرائيلي‪ :‬تاريخ ‪ -‬سجالت ‪ -‬حدود‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني‬
‫دوفاي‪ ،‬ألكساندر‪ .‬الجغرافية السياسية‪ :‬جيوبوليتيك‪ .‬تعريب حسين حيدر‪ .‬بيروت‪ :‬دار‬
‫عويدات للنشر والطباعة‪.2007 ،‬‬

‫الدويك‪ ،‬موسى‪ .‬الجرائم ضد اإلنسانية‪ :‬الحماية الدولية للشعب الفلسطيني والقانون‬
‫الدولي‪ .‬اإلسكندرية‪ :‬منشأة المعارف‪.2004 ،‬‬
‫دي ال ف ــرغ ــوال‪ ،‬ســرجـيــو وبـنـيــت تـسـيـمــريــان‪ .‬فــوبـيــا الــديـمــوغــرافـيــا بـيــن الـنـفــخ المتعمد‬
‫والتوقعات الواقعية‪ ،‬ترجمة سعيد عياش‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات‬
‫زيدان‪ ،‬يوسف‪ .‬عزازيل‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪.2008 ،‬‬
‫ربيع‪ ،‬حامد‪ .‬العنصرية الصهيونية ومنطق التعامل السياسي في التقاليد الغربية‪ .‬بيروت‪:‬‬
‫الطالئع الفلسطينية‪.1979 ،‬‬
‫(محرران)‪ .‬موسوعة العلوم السياسية‪ .‬الكويت‪:‬‬
‫ّ‬ ‫ربيع‪ ،‬محمد محمود وإسماعيل مقلد‬
‫جامعة الكويت‪.1994 ،‬‬
‫روير‪ ،‬ألوين‪ .‬اتفاقيات المياه في أوسلو ‪ :2‬تفادي كارثة وشيكة‪ .‬أبو ظبي‪ :‬مركز اإلمارات‬
‫للدراسات‪( .2001 ،‬دراسات عالمية)‬
‫زئيف‪ ،‬إيالن‪ .‬جدلية الوطن والمنفى‪ :‬التربية اإلسرائيلية والتربية المنفوية في عهد ما بعد‬
‫ال ـ ـحـ ــداثـ ــة‪ .‬ت ــرجـ ـم ــة فـ ــريـ ــق م ـ ـ ـ ــدار‪ .‬رام ال ـ ـلـ ــه‪ :‬الـ ـم ــرك ــز ال ـف ـل ـس ـط ـي ـن ــي لـ ـل ــدراس ــات‬
‫الزغير‪ ،‬هنادي (معدّ ة)‪ .‬التهجير الصامت‪ :‬إلغاء اإلقامة الفلسطينية من القدس‪ .‬القدس‪:‬‬
‫الملتقى الفكري العربي‪.2007 ،‬‬
‫ساند‪ ،‬شلومو‪ .‬اختراع أرض إسرائيل‪ .‬ترجمة أنطوان شلحت وأسعد زعبي‪ .‬رام الله‪:‬‬
‫السعد‪ ،‬جودت‪ .‬أوهام التاريخ اليهودي‪ّ .‬‬
‫عمان‪ :‬األهلية للنشر‪.1998 ،‬‬
‫سعودي‪ ،‬محمد عبد الغني‪ .‬قضايا إفريقيا‪ .‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة والفنون‬
‫واآلداب‪( .1980 ،‬عالم المعرفة؛ ‪)34‬‬

‫سعيد‪ ،‬إدوارد‪ .‬اإلستشراق‪ :‬المعرفة‪ ،‬السلطة‪ ،‬اإلنشاء‪ .‬بيروت‪ :‬مؤسسة األبحاث العربية‪،‬‬
‫‪.1995‬‬
‫‪355‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫_ ‪ .‬الثقافة واإلمبريالية‪ .‬ترجمة كمال أبو ديب‪ .‬بيروت‪ :‬دار اآلداب‪.1997 ،‬‬
‫ساليطة‪ ،‬ستيفن‪ .‬العنصرية المعادية للعرب في الواليات المتحدة األمريكية‪ :‬منشؤها وما‬
‫تعانيه اليوم‪ .‬ترجمة فاضل جتكر‪ .‬الرياض‪ :‬مكتبة العبيكان‪.2007 ،‬‬
‫السهلي‪ ،‬نبيل محمود‪ .‬مالمح البنية الديموغرافية والسياسية االقتصادية إلسرائيل حتى‬
‫عام ‪ .2015‬بيروت‪ :‬صفحات للدراسات والنشر‪.2008 ،‬‬
‫سوفير‪ ،‬أرن ــون‪ .‬إسرائيل ديموغرافي ًا‪ :2020 - 2000 :‬مخاطر واحـتـمــاالت‪ .‬ترجمة‬
‫وتـ ـق ــدي ــم م ـح ـم ــد ح ـ ـمـ ــزة غـ ـن ــاي ــم‪ .‬رام الـ ـ ـل ـ ــه‪ :‬الـ ـم ــرك ــز ال ـف ـل ـس ـط ـي ـن ــي لـ ـل ــدراس ــات‬
‫شــاحــاك‪ ،‬إســرائـيــل‪ .‬الــديــانــة الـيـهــوديــة وتــاريــخ الـيـهــود‪ :‬وط ــأة ‪ 3000‬ع ــام‪ .‬تــرجـمــة أميمة‬
‫عبد اللطيف‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الشروق الدولية‪ 2 .2003 ،‬ج‪.‬‬
‫شارب‪ ،‬جين‪ .‬المقاومة الالعنفية‪ :‬دراسات في النضال بوسائل الالعنف‪ .‬بيروت‪ :‬مركز‬
‫دراسات الوحدة العربية‪.2011 ،‬‬
‫شامير‪ ،‬إسرائيل‪ .‬أزهار الجليل‪ .‬ترجمة ناصر السعدون‪ .‬دمشق‪ :‬دار كنعان‪.2007 ،‬‬
‫شتيرنهل‪ ،‬زئـيــف‪ .‬األســاطـيــر المؤسسة إلســرائـيــل‪ :‬القومية واالشـتــراكـيــة وإقــامــة الــدولــة‬
‫ال ـي ـه ــودي ــة‪ .‬تــرج ـمــة غ ـ ـ ّـزت الـ ـ ـغ ـ ــزاوي‪ .‬رام الـ ـل ــه‪ :‬ال ـم ــرك ــز الـفـلـسـطـيـنــي ل ـل ــدراس ــات‬
‫شـ ـح ــادة‪ ،‬إم ـط ــان ــس وحـ ـس ــام ج ــري ــس‪ .‬دول ـ ــة رف ـ ــاه ال ـم ـس ـتــوط ـن ـيــن‪ :‬االق ـت ـص ــاد الـسـيــاســي‬
‫للمستوطنات‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2013 ،‬‬
‫ش ـحــادة‪ ،‬رجــا وجــونــاثــان كـتــاب‪ .‬الضفة الغربية وحـكــم الـقــانــون‪ .‬ب ـيــروت‪ :‬دار الكلمة‪،‬‬
‫‪.1982‬‬
‫الشريف‪ ،‬ريجينا‪ .‬الصهيونية غير اليهودية‪ :‬جذورها في التاريخ الغربي‪ .‬ترجمة أحمد‬
‫عبد الله عبد العزيز‪ .‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪.1985 ،‬‬
‫(عالم المعرفة؛ ‪)96‬‬
‫شفتان‪ ،‬دان‪ .‬الفصل اإلجباري بين إسرائيل والكيان الفلسطيني‪ .‬ترجمة أحمد أبو هدبة‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬مركز باحث للدراسات‪.2004 ،‬‬

‫الشقاقي‪ ،‬خليل وعائشة أحـمــد‪ .‬مالحظات أولية على خطة خريطة الطريق‪ .‬رام الله‪:‬‬
‫المركز الفلسطيني للبحوث السياسية‪.2003 ،‬‬
‫‪356‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫شاليم‪ ،‬آفي‪ .‬الجدار الحديدي‪ :‬إسرائيل والعالم العربي‪ .‬ترجمة ناصر عفيفي‪ .‬القاهرة‪:‬‬
‫روز اليوسف‪.2001 ،‬‬
‫شلحت‪ ،‬أنطوان‪ .‬ذاكــرة دولــة وهوية‪ :‬دراســات انتقادية حول الصهيونية وإسرائيل‪ .‬رام‬
‫الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2002 ،‬‬

‫شنهاف‪ ،‬يهودا‪ .‬اليهود العرب‪ :‬القصة بكاملها‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات‬
‫صالح‪ ،‬عبد الجواد‪ .‬األوامر العسكرية اإلسرائيلية‪ّ .‬‬
‫عمان‪ :‬المؤلف‪ 4 .1984 ،‬ج‪.‬‬
‫صــايــغ‪ ،‬أن ـيــس‪ .‬يــومـيــات هــرتــزل‪ .‬تــرجـمــة هـلــدا شـعـبــان صــايــغ‪ .‬ب ـيــروت‪ :‬منظمة التحرير‬
‫الفلسطينية ‪ -‬مركز األبحاث‪( .1973 ،‬كتب فلسطينية)‬
‫طاهر‪ ،‬أحمد‪ .‬فصول من الماضي والحاضر‪ .‬القاهرة‪ :‬دار المعارف‪.1975 ،‬‬
‫طنطش‪ ،‬جمعة رجب‪ .‬دراســات في جغرافية االستيطان الصهيوني في فلسطين وتهويد‬
‫القدس‪ .‬بنغازي‪ :‬دار الشموع الثقافة‪.2003 ،‬‬
‫طه‪ ،‬علي حسن‪ .‬العنصرية الصهيونية اليهودية وال ُبعد األيديولوجي الديني‪ .‬بيروت‪ :‬دار‬
‫الهادي‪.2005 ،‬‬
‫عــادل‪ ،‬إحسان‪ .‬فلسطين دولــة مراقب ‪ -‬غير عضو في األمــم المتحدة‪ :‬األبعاد القانونية‬
‫عمان‪ :‬األهلية للنشر والتوزيع‪.2014 ،‬‬
‫والسياسة‪ .‬تقديم محمود مبارك‪ّ .‬‬
‫ع ـبــاس‪ ،‬مـحـمــود (أب ــو م ـ ــازن)‪ .‬طــريــق أوس ـل ــو‪ :‬مــوقــع االت ـف ــاق ي ــروي األسـ ــرار الحقيقية‬
‫للمفاوضات‪ .‬بيروت‪ :‬شركة المطبوعات للنشر‪.1994 ،‬‬
‫عبد اللطيف‪ ،‬سناء‪ .‬هكذا يربي اليهود أطفالهم‪ .‬دمشق‪ :‬دار القلم‪.1997 ،‬‬
‫عبد الـهــادي‪ ،‬أنــور‪ .‬ديموغرافية اللجوء الفلسطيني وحــق الـعــودة‪ .‬أبــو ظبي‪ :‬مركز زايد‬
‫للدراسات والبحوث‪.2002 ،‬‬
‫عبوشي‪ ،‬واصــف‪ .‬فلسطين قبل الضياع‪ .‬ترجمة علي الجرباوي‪ .‬لندن‪ :‬ريــاض الريس‬
‫للكتب والنشر‪.1987 ،‬‬
‫العزب موسى‪ ،‬عايدة‪ .‬العبودية في إفريقيا والتاريخ المفقود‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق‬
‫الدولية‪.2004 ،‬‬
‫العظمة‪ ،‬عزيز‪ .‬مفاهيم عالمية‪ :‬الهوية‪ :‬من أجل حوار بين الثقافات‪ .‬ترجمة عبد القادر‬
‫قنيني‪ .‬بيروت؛ الدار البيضاء‪ :‬المركز الثقافي العربي‪.2005 ،‬‬
‫‪357‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫العكش‪ ،‬منير‪ .‬أميركا واإلبــادات الجماعية‪ :‬حق التضحية باآلخر‪ .‬بيروت‪ :‬دار الريس‪،‬‬
‫‪.2002‬‬
‫العلوي‪ ،‬هادي‪ .‬سلسلة المعجم العربي المعاصر‪ .‬دمشق‪ :‬دار الكنوز‪.1997 ،‬‬
‫علي‪ ،‬عمر أحمد‪ .‬جــدار الفصل في فلسطين‪ :‬فكرته وآثــاره‪ .‬أبــو ظبي‪ :‬مركز اإلمــارات‬
‫للدراسات والبحوث االستراتيجية‪.2005 ،‬‬
‫عمر‪ ،‬محجوب (تقديم)‪ .‬الترانسفير‪ :‬األبعاد الجماعي في العقيدة الصهيونية‪ .‬القاهرة‪:‬‬
‫دار البيادر‪( .1990 ،‬ترجمات مختارة من العبرية)‬
‫عنبر‪ ،‬محمد عبد الرحيم‪ .‬التمييز العنصري في أفريقيا‪ .‬القاهرة‪ :‬الدار القومية‪.1960 ،‬‬
‫غازيت‪ ،‬شلومو‪ .‬الطعم في المصيدة‪ :‬السياسة اإلسرائيلية في الضفة الغربية وقطاع غزة‪:‬‬
‫من ‪ .1997 - 1967‬ترجمة عليان الهندي‪ .‬رام الله‪ :‬مؤسسة باب الواد‪.2001 ،‬‬
‫غانم‪ ،‬أسعد [وآخ ــرون]‪ .‬حل الدولة الواحدة للصراع العربي ‪ -‬اإلسرائيلي‪ :‬بلد واحد‬
‫لكل مواطنيه‪ .‬إعداد وتحرير هاني فارس؛ ساهم في ترجمة فصول من هذا الكتاب‬
‫سـعــد مـحـيــو‪ ،‬غ ــزوان حـمـيــد‪ ،‬هــانــي أحـمــد ف ــارس‪ .‬ب ـيــروت‪ :‬مــركــز دراسـ ــات الــوحــدة‬
‫العربية‪( .2012 ،‬وقفية عبد المحسن القطان للقضية الفلسطينية)‬
‫غانم‪ ،‬أسعد ومهند مصطفى‪ .‬الفلسطينيون في إسرائيل‪ :‬سياسة األقلية األصلية في الدولة‬
‫اإلثنية‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2009 ،‬‬
‫غروللنبرغ‪ ،‬لوكاس‪ .‬فلسطين أوالً‪ .‬ترجمة المركز الجغرافي‪ .‬دمشق‪ :‬مؤسسة النبراس‬
‫للدراسات‪.1981 ،‬‬
‫غرينبرغ‪ ،‬ليف‪ .‬سالم متخيل حول الخطاب‪ :‬الحدود‪ ،‬السياسة والعنف‪ .‬ترجمة جواد‬
‫الجعبري‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2007 ،‬‬
‫فراج‪ ،‬عفيف‪ .‬رؤية آينشتاين لليهودية ودولة اليهود‪ .‬بيروت‪ :‬دار اآلداب‪.2003 ،‬‬
‫فوبيه‪ ،‬بول‪ .‬الحق يخاطب القوة‪ .‬ترجمة فاطمة نصر‪ .‬القاهرة‪ :‬سطور‪.2001 ،‬‬
‫فـ ــورد‪ ،‬ه ـنــري‪ .‬ال ـي ـهــودي الـعــالـمــي‪ :‬المملكة ال ـي ـهــوديــة‪ ..‬نـظــرة أمــريـكـيــة‪ .‬تــرجـمــة أميمة‬
‫عبد اللطيف وعبد اللطيف الورداني‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الشروق الدولية‪ 4 .2003 ،‬ج‪.‬‬
‫قاسم‪ ،‬أنيس فوزي [وآخرون]‪ .‬الجدار العازل اإلسرائيلي‪ :‬فتوى محكمة العدل الدولية‬
‫(دراسات ونصوص)‪ .‬تحرير أنيس مصطفى القاسم‪ .‬بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة‬
‫العربية‪.2007 ،‬‬
‫‪358‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫قــاعــود‪ ،‬مصطفى سـعــد‪ .‬اغتيال البيئة الفلسطينية‪ :‬االستيطان‪ ،‬ال ـجــدار‪ ،‬المياه‪ .‬دمشق‪:‬‬
‫صفحات للدراسات والنشر‪.2008 ،‬‬
‫قداح‪ ،‬نعيم‪ .‬التميز العنصري وحركة التحرير في جنوب أفريقيا‪ .‬الجزائر‪ :‬الوطنية للنشر‬
‫والتوزيع‪.1975 ،‬‬
‫قمصية‪ ،‬مــازن‪ .‬المقاومة الشعبية في فلسطين‪ :‬تاريخ حافل باألمل واإلنـجــاز‪ .‬رام الله‪:‬‬
‫المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية ‪ -‬مواطن‪.2011 ،‬‬
‫قوانين المحاكم العسكرية اإلسرائيلية‪ .‬رام الله‪ :‬اللجنة العامة لمناهضة التعذيب في‬
‫إسرائيل‪ ،‬جمعية نادي األسير الفلسطيني‪.2008 ،‬‬
‫كارتر‪ ،‬جيمي‪ .‬فلسطين‪ :‬سالم‪ ،‬ال تفرقة عنصرية‪ .‬ترجمة عادل نجيب‪ .‬القاهرة‪ :‬المؤلف‪،‬‬
‫‪.2007‬‬
‫كريب‪ ،‬إيان‪ .‬النظرية االجتماعية‪ :‬من بارسونز إلى هبرماس‪ .‬ترجمة محمد حسين غلوم‪.‬‬
‫الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪( .1990 ،‬عالم المعرفة؛ ‪)244‬‬
‫كمرلنغ‪ ،‬بــاروخ ويوئيل شموئيل مـغــدال‪ .‬الفلسطينيون صـيــرورة شعب‪ .‬ترجمة محمد‬
‫حمزة غنايم‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2001 ،‬‬
‫كـنــاعـنــة‪ ،‬شــريــف ونـبـيــل عـلـقــم‪ .‬الـحــواجــز العسكرية اإلســرائـيـلـيــة‪ :‬دراس ــة تحليلية لــدور‬
‫الحواجز في اإلخضاع واالقتالع‪ .‬رام الله‪ :‬مركز فلسطين للدراسات والنشر‪.2003 ،‬‬
‫كوهين‪ ،‬هليل‪ .‬الغائبون الـحــاضــرون‪ .‬ترجمة نسرين مغربي‪ .‬الـقــدس‪ :‬مــركــز دراس ــات‬
‫المجتمع العربي في إسرائيل‪.2003 ،‬‬
‫كيمرلنج‪ ،‬ب ــاروخ‪ .‬نهاية الهيمنة األشـكـنــازيــة‪ .‬ترجمة ن ــواف عثامنة‪ .‬رام الـلــه‪ :‬المركز‬
‫الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2002 ،‬‬
‫النـغــر‪ ،‬فيليتسيا‪ .‬الغضب واألم ــل‪ :‬مسيرة الشعب الفلسطيني تحت االحـتــال‪ .‬ترجمة‬
‫أحمد خليفة‪ .‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪.1993 ،‬‬
‫لونجلي‪ ،‬كليفورد‪ .‬الشعب المختار‪ :‬األسـطــورة التي شكلت إنجلترا وأمريكا‪ .‬ترجمة‬
‫قاسم عبده‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة الشروق الدولية‪.2003 ،‬‬
‫مجموعة باحثين‪ .‬ما بعد الصهيونية‪ :‬بين الحياة والموت‪ .‬ترجمة سعيد عياش وحلمي‬
‫موسى؛ تقديم أنطوان شلحت‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪،‬‬
‫‪( .2004‬أوراق إسرائيلية؛ ‪)21‬‬
‫‪359‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مجموعة مؤلفين‪ .‬تقرير مــدار االستراتيجي ‪ :2005‬المشهد اإلسرائيلي عــام ‪.2004‬‬
‫تحرير أسعد غانم‪ .‬رام الله‪ :‬الوكالة الكندية للتنمية الدولية‪.2004 ،‬‬
‫مجموعة مؤلفين‪ .‬تقرير مــدار االستراتيجي ‪ :2006‬المشهد اإلسرائيلي عــام ‪.2005‬‬
‫تحرير جوني منصور‪ .‬رام الله‪ :‬الوكالة الكندية للتنمية الدولية‪.2005 ،‬‬
‫مجموعة مؤلفين‪ .‬تقرير مدار االستراتيجي ‪ :2010‬المشهد اإلسرائيلي ‪ .2009‬تحرير‬
‫هنيدة غانم‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2009 ،‬‬
‫مجموعة مؤلفين‪ .‬مـيــزان المناعة واألم ــن القومي فــي إســرائـيــل‪ :‬وثــائــق مؤتمر هرتزليا‪.‬‬
‫عدوك)‬
‫بيروت‪ :‬مركز باحث للدراسات‪( .2007 ،2006 ،2005 ،2004 ،‬اعرف ّ‬
‫المسيري‪ ،‬عبد الوهاب‪ .‬موسوعة اليهود واليهودية والصهيونية‪ :‬نموذج تفسيري جديد‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬دار الشروق‪ 8 .1999 ،‬ج‪.‬‬
‫مصالحة‪ ،‬نور الدين‪ .‬أرض أكثر وعرب أقل‪ :‬سياسة الترانسفير اإلسرائيلية في التطبيق‪،‬‬
‫‪ .1996 - 1949‬بيروت‪ :‬مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪.1997 ،‬‬
‫_ ‪ .‬إسرائيل الكبرى والفلسطينيون‪ :‬سياسة التوسع‪ .2006 - 1967 ،‬بيروت‪:‬‬
‫مؤسسة الدراسات الفلسطينية‪.2001 ،‬‬
‫_ ‪ .‬إسرائيل وسياسة النفي‪ .‬ترجمة عزت الغزاوي‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني‬
‫_ ‪ .‬ال ـهــويــات والـسـيــاســة فــي إســرائ ـيــل‪ .‬تـحــريــر أس ـعــد غــانــم‪ .‬رام ال ـلــه‪ :‬الـمــركــز‬
‫الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2003 ،‬‬
‫مصطفى‪ ،‬مهند‪ .‬المستوطنون مــن الهامش إلــى الـمــركــز‪ .‬رام الـلــه‪ :‬الـمــركــز الفلسطيني‬
‫مصطفى‪ ،‬نــاديــا محمود (م ـح ـ ّـررة)‪ .‬مفهوم م ـعــاداة السامية بين األيــدولــوجـيــا والسياسة‬
‫والقانون‪ .‬القاهرة‪ :‬دار السالم‪.2005 ،‬‬
‫_ وأمجد جبريل (مـحـ ّـرران)‪ .‬التسوية اإلسرائيلية الفلسطينية‪ :‬من خبرة كامب‬
‫ديفيد ‪ 2‬إلى خبرة خطة شارون أحادية الجانب وما بعد عرفات‪ :‬المسارات والدالالت‬
‫واآلف ــاق‪ .‬الـقــاهــرة‪ :‬جامعة الـقــاهــرة‪ ،‬مركز البحوث والــدراســات السياسية‪.2005 ،‬‬
‫(سلسلة شئون إسرائيلية وفلسطينية؛ ‪)8‬‬

‫معجم المصطلحات السياسية‪ .‬إشــراف علي الدين هالل؛ تحرير وتقديم نيفين مسعد‪.‬‬
‫القاهرة‪ :‬جامعة القاهرة‪ ،‬مركز البحوث والدراسات السياسية‪.1994 ،‬‬
‫‪360‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫المعجم الوسيط‪ .‬بيروت‪ :‬دار أمواج‪.1987 ،‬‬
‫الـمـقــدســي‪ ،‬س ــري‪ .‬فلسطين الــوجــه الـمـعـكــوس‪ :‬احـتــال يــومــي‪ .‬تــرجـمــة أمـيــن األيــوبــي‪.‬‬
‫بيروت‪ :‬مركز دراسات الوحدة العربية‪( .2011 ،‬وقفية عبد المحسن القطان للقضية‬
‫الفلسطينية)‬
‫منصور‪ ،‬جوني‪ .‬االستيطان اإلسرائيلي‪ :‬التاريخ والواقع والتحديات الفلسطينية‪ .‬عكا‪ :‬دار‬
‫األسوار‪.2005 ،‬‬
‫منصور‪ ،‬محمد (أبو عالء منصور)‪ .‬بلعين في المقاومة الشعبية‪ .‬رام الله‪ :‬مكتب الشؤون‬
‫الفكرية والدراسات (فتح)‪.2007 ،‬‬
‫منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬اللجنة التنفيذية‪ .‬مسارات وإجــراءات االحتالل اإلسرائيلي‬
‫منذ حزيران ‪ .2009 - 1967‬القدس‪ :‬دائرة شؤون القدس‪.2010 ،‬‬
‫منيف‪ ،‬عبد الرحمن‪ .‬سيرة مدينة‪ .‬بيروت‪ :‬المؤسسة العربية للدراسات والنشر‪.1994 ،‬‬
‫مهجرون بفعل الجدار‪ :‬التهجير القسري الناجم عن بناء الجدار والنظام المرتبط به في‬
‫الضفة الغربية‪ .‬بيت لحم‪ :‬المركز الفلسطيني لمصادر حقوق المواطنة والالجئين‬
‫(بديل)‪ ،‬والمجلس النرويجي ل ّلالجئين‪.2006 ،‬‬
‫مؤتمر محافظة سلفيت‪ :‬فتوى الهاي من رأي استشاري إلى قرار‪ :‬وقائع المؤتمر السنوي‬
‫الثاني عشر‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني لقضايا السالم والديموقراطية‪.2008 ،‬‬
‫موريس‪ ،‬بيني‪ .‬تصحيح خطأ‪ :‬يهود وعرب في أرض إسرائيل‪ .1956 - 1936 ،‬ترجمة‬
‫وتقديم أنطوان شلحت‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪،‬‬
‫‪.2003‬‬
‫_ ‪ .‬طرد الفلسطينيين ووالدة مشكلة الالجئين الفلسطينيين‪ .‬ترجمة دار الجليل‪.‬‬
‫ّ‬
‫مــونــاغــان‪ ،‬لـيــزا وغــرازيــا كاريسيا‪ .‬جــدار الضم والـتــوســع والـنـظــام المرتبط بــه‪ .‬رام الله‪:‬‬
‫مؤسسة الحق‪.2009 ،‬‬
‫نــائــور‪ ،‬مــردخــاي‪ .‬الصهيونية في مائة عــام (‪ :)1996 - 1897‬تــاريــخ‪ ،‬وثــائــق‪ ،‬مفاهيم‪،‬‬
‫صور‪ .‬ترجمة عمرو زكريا خليل‪ .‬القاهرة‪ :‬مكتبة النافذة‪.2013 ،‬‬

‫الـنــاشــف‪ ،‬إسـمــاعـيــل‪ .‬فــك الصهيونية‪ :‬الـفـضــاء واإليــدولــوجـيــا فــي المدينة اإلسرائيلية‪.‬‬

‫بيرزيت‪ :‬جامعة بيرزيت‪.2005 ،‬‬
‫‪361‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫نــايـثــن‪ ،‬س ــوزان‪ .‬الــوجــه اآلخ ــر إلســرائـيــل‪ :‬شـهــادة حــق مــن ام ــرأة يـهــوديــة‪ .‬ب ـيــروت‪ :‬شركة‬
‫المطبوعات للنشر والتوزيع‪.2006 ،‬‬
‫نحاس‪ ،‬فــادي‪ .‬إسرائيل واألغــوار‪ :‬بين المفهوم األمني واستراتيجيات الضم‪ .‬رام الله‪:‬‬

‫النخال‪ ،‬محمد مطر‪ .‬متروبوليت القدس الشرقية‪ .‬القدس‪ :‬جمعية الــدراســات العربية‪،‬‬
‫‪.1993‬‬
‫نصر الله‪ ،‬رامي وراسم خمايسي‪ .‬القدس‪ :‬مدينة السالم المفقود‪ .‬القدس‪ :‬مركز التعاون‬
‫والسالم الدولي‪.2006 ،‬‬
‫نوفل‪ ،‬ممدوح‪ .‬البحث عن الدولة‪ .‬رام الله‪ :‬المؤسسة الفلسطينية لدراسة الديمقراطية ‪-‬‬
‫مواطن‪.2000 ،‬‬
‫نويهض الحوت‪ ،‬بيان‪ .‬فلسطين‪ :‬القضية والشعب والتاريخ السياسي من عهد الكنعانيون‬
‫حتى عام ‪ .1917‬بيروت‪ :‬دار االستقالل‪.1991 ،‬‬
‫هتلر‪ ،‬أدولف‪ .‬كفاحي‪ .‬ترجمة علي عبد الغني‪ .‬القاهرة‪ :‬الدولية للنشر والتوزيع‪.2006 ،‬‬
‫هدم المنازل في القدس‪ .2007 - 1967 :‬القدس‪ :‬االئتالف األهلي للدفاع عن حقوق‬
‫الفلسطينيين في القدس‪.2007 ،‬‬
‫هرئيل‪ ،‬عاموس وآفي يسخروف‪ .‬الحرب السابعة‪.‬‬
‫هرتزل‪ ،‬ثيودور‪ .‬الدول اليهودية‪ .‬ترجمة محمد فاضل‪ .‬القاهرة‪ :‬دار الشروق‪.2007 ،‬‬
‫هل إسرائيل ناضجة لسياسة خـضــراء؟‪ :‬تقارير ومـقــاالت بأقالم مجموعة من الباحثين‬
‫والمختصين اإلسرائيليين فــي شــؤون البيئة‪ .‬تحرير أنـطــوان شلحت؛ ترجمة سعيد‬
‫عياش‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪( .2008 ،‬أوراق‬
‫إسرائيلية؛ ‪)46‬‬
‫الهندي‪ ،‬عليان‪ .‬جدار الطرد في القدس‪ :‬الواقع العملي لفرض حل إسرائيلي نهائي‪ .‬رام‬
‫الله‪ :‬هيئة التوجيه الوطني‪.2009 ،‬‬
‫_ ‪ .‬وجهات نظر إسرائيلية في الفصل أحادي الجانب‪ .‬رام الله‪ :‬الحملة الشعبية‬
‫للسالم والديموقراطية‪.2004 ،‬‬

‫الـهــور‪ ،‬منير وطــارق الموسى‪ .‬مشاريع التسوية للقضية الفلسطينية‪.1985 - 1947 ،‬‬
‫ّ‬
‫‪362‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫هيرست‪ ،‬دافـيــد‪ .‬البندقية وغصن الــزيـتــون‪ :‬جــذور العنف فــي الـشــرق األوس ــط‪ .‬ترجمة‬
‫عبد الرحمن إياس‪ .‬بيروت‪ :‬رياض الريس للكتب والنشر‪.2003 ،‬‬
‫والتر‪ ،‬فكتوريا ويوخايم شيشا‪ .‬لقد اغتصبونا أرضنا‪ :‬سياسة االستيطان الصهيوني في‬
‫فلسطين في مئة عام‪ .‬ترجمة م‪ّ .‬‬

‫نصار‪ .‬الرباط‪ :‬المنظمة اإلسالمية للتربية والعلوم‪،‬‬
‫‪.1997‬‬
‫واي ـت ــام‪ ،‬كـيــث‪ .‬اخـتــاق إســرائـيــل الـقــديـمــة‪ :‬إسـكــان الـتــاريــخ الفلسطيني‪ .‬تــرجـمــة سحر‬
‫الهنيدي؛ مراجعة فؤاد زكريا‪ .‬الكويت‪ :‬المجلس الوطني للثقافة واآلداب‪.1999 ،‬‬
‫(عالم المعرفة؛ ‪)249‬‬
‫الــوضــع الجيوسياسي فــي محافظة جنين‪ .‬الـقــدس‪ :‬جمعية الــدراســات العربية ‪ -‬مركز‬
‫أبحاث األراضي‪.2008 ،‬‬
‫الــوضــع الجيوسياسي فــي محافظة نــابـلــس‪ .‬ال ـقــدس‪ :‬جمعية ال ــدراس ــات الـعــربـيــة‪ ،‬مركز‬
‫أبحاث األراضي‪.2008 ،‬‬
‫ويـتـمــر‪ ،‬بــاربــرا‪ .‬األن ـمــاط الثقافية للعنف‪ .‬ترجمة مـمــدوح ع ـمــران‪ .‬الـكــويــت‪ :‬المجلس‬
‫الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪( .2007 ،‬عالم المعرفة؛ ‪)337‬‬
‫ي ــاه ــف‪ ،‬دان‪ .‬ط ـهــارة ال ـس ــاح‪ .‬تــرجـمــة جــونــي م ـن ـصــور‪ .‬رام ال ـل ــه‪ :‬ال ـمــركــز الفلسطيني‬
‫يعقوب‪ ،‬محمد حافظ‪ .‬بيان ضد األبارتهايد‪ :‬الالجئون الفلسطينيون والسالم‪ .‬دمشق‪ :‬دار‬
‫كنعان‪.2000 ،‬‬
‫يفتاحئيل‪ ،‬أورون‪ .‬اإلثنوقراطية؛ سياسات األرض والهوية في إسرائيل‪ .‬ترجمة سالفة‬
‫حجاوي‪ .‬رام الله‪ :‬المركز الفلسطيني للدراسات اإلسرائيلية ‪ -‬مدار‪.2012 ،‬‬
‫دوريات‬
‫أبو دقة‪ ،‬محمد إبراهيم‪« .‬حركة المقاطعة وسحب االستثمارات وفرض العقوبات على‬
‫إسرائيل‪ ».‬سياسات‪ :‬العدد ‪.2012 ،20‬‬
‫_ ‪« .‬قــرار الجمعية العامة بشأن مركز فلسطين في األمــم المتحدة‪ ».‬سياسات‪:‬‬

‫العدد ‪.2012 ،22‬‬

‫أبو ستة‪ ،‬سلمان‪« .‬حدود فلسطين مدخ ً‬
‫ال لالستعمار‪ ».‬عالم الفكر‪ :‬العدد ‪.2006 ،4‬‬
‫‪363‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫أبــو سمرة‪ ،‬محمد‪« .‬زئيف جابوتنسكي والقضية الفلسطينية‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد‬
‫‪.2010 ،38 - 37‬‬
‫أبو عيشة‪ ،‬سمير‪« .‬تأثير جدار الفصل العنصري على استدامة أنظمة النقل والمواصالت‬
‫وخدماتها في فلسطين‪ ».‬مجلة جامعة النجاح لألبحاث‪ :‬السنة ‪ ،18‬العدد ‪.2004 ،2‬‬
‫أبو النمل‪ ،‬حسين‪« .‬النمو السكاني والتوازن الديمغرافي بين العرب واليهود في إسرائيل‬
‫وفلسطين الـتــاريـخـيــة‪ ».‬المستقبل الـعــربــي‪ :‬السنة ‪ ،32‬الـعــدد ‪ ،370‬كــانــون األول‪/‬‬
‫ديسمبر ‪.2009‬‬
‫أرونسون‪ ،‬جيفري‪« .‬تجميد المستوطنات مقابل النمو الطبيعي‪ ».‬مختارات إسرائيلية‪:‬‬
‫العدد ‪ ،80‬آب‪/‬أغسطس ‪.2001‬‬
‫أغ ـبــاريــة‪ ،‬مـسـعــود‪« .‬ال ـقــوان ـيــن اإلســرائـيـلـيــة هــل تحميهم مــن ال ـقــانــون ال ــدول ــي‪ ».‬قضايا‬
‫إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،9‬صيف ‪.2005‬‬
‫ألوني‪ ،‬شلوميت‪« .‬المجتمع اإلسرائيلي في وضع انحالل أخالقي‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪:‬‬
‫‪.2005/7/26‬‬
‫اإلم ــام‪ ،‬محمد رفـعــت‪« .‬إب ــادة الـجـنــس‪ :‬نـشــأة المفهوم ومـعـضــات التطبيق‪ ».‬السياسة‬
‫الدولية‪ :‬العدد ‪ ،151‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪.2003‬‬
‫أمير‪ ،‬شموئيل‪« .‬انفصال لتعميق االحتالل‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/1/11 :‬‬
‫_ ‪« .‬سـيـطــرة الــوعــي الـصـهـيــونــي واس ـت ـح ــواذه ب ـصــورة تــامــة عـلــى جـمـيــع مناحي‬
‫الحياة‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2010/5/18 :‬‬
‫_ ‪« .‬الصهيونية كلونيالية أم دين‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/4/19 :‬‬
‫أمينوف‪ ،‬إيلي‪« .‬قانون دولة القومية اليهودية‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2014/6/17 :‬‬
‫أن ـ ـ ـ ــدراوس‪ ،‬زهـ ـي ــر‪« .‬مـ ــا الـ ـف ــرق ب ـيــن ال ـع ـن ـصــري ل ــوب ــان وح ـ ــزب م ــولـ ـي ــدت‪ ».‬ه ــآرت ــس‪:‬‬
‫‪.2002/5/14‬‬
‫_ ‪ .‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،90‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2002‬‬
‫أيالون‪ ،‬عاموس‪« .‬أولمرت وإسرائيل‪ :‬التغيير‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2008/10/7 :‬‬
‫أيالند‪ ،‬غيورا‪« .‬إعادة التفكير في حل الدولتين‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪.2009 ،34‬‬
‫إيهنولد‪ ،‬جنوثان‪« .‬حملة المقاطعة الشاملة ضد إسرائيل يمكن أن تلحق أذى ملحوظ ًا‬
‫بها‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2014/1/14 :‬‬
‫‪364‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بــابـيــه‪ ،‬إي ــان‪« .‬تـحــديــات مــا بـعــد الـصـهـيــونـيــة‪ ».‬إع ــداد وتــرجـمــة أحـمــد ثــابــت‪ .‬مختارات‬
‫إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،119‬تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪.2004‬‬
‫_‪« .‬حل الدولة الواحدة للصراع الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي (ملف)‪ :‬مخطط عمل‬
‫من أجل بناء حركة لحل الدولة الواحدة‪ :‬مسيرة تاريخ مضطرب‪ ».‬المستقبل العربي‪:‬‬
‫السنة ‪ ،33‬العدد ‪ ،375‬أيار‪/‬مايو ‪.2010‬‬
‫_ ‪« .‬عن العودة والعنصرية‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/5/3 :‬‬
‫_ ‪« .‬هل ما زال العالم يصغي إلينا نحن الذين نتحدث عن فلسطين؟‪ ».‬القدس‪:‬‬
‫‪.2014/4/19‬‬
‫بايجر‪ ،‬جدعون‪« .‬خطوط تماس جديدة‪ ».‬هآرتس‪.1998 :‬‬
‫_ ‪« .‬الطريقة الوحيدة لالتفاق مع العرب‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2008/3/4 :‬‬
‫برونر‪ ،‬يجئال‪« .‬الجدار الفاصل سيؤدي إلى خلق واقع كارثي‪ ».‬هآرتس‪.2003/9/17 :‬‬
‫_ ‪ . _ .‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،106‬تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪.2003‬‬
‫بريك‪ ،‬نزيه‪« .‬نظام التخطيط في خدمة السياسة اإلسرائيلية‪ :‬القدس نموذج ًا‪ ».‬قضايا‬
‫إسرائيلية‪ :‬العدد ‪.2006 ،22‬‬
‫بشارات‪ ،‬جورج‪« .‬حل الدولة الواحدة للصراع الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي (ملف)‪ :‬حشد‬
‫التأييد الفلسطيني لفكرة الدولة الواحدة‪ ».‬المستقبل العربي‪ :‬السنة ‪ ،33‬العدد ‪،375‬‬
‫أيار‪/‬مايو ‪.2010‬‬
‫بشارة‪ ،‬سهى‪« .‬تلوين المدى الديموغرافي‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2004/3/30 :‬‬
‫بن‪ ،‬إلوف‪« .‬الديموغرافيا حسمت إخالء القطاع‪ ».‬هآرتس‪.2008/8/23 :‬‬
‫بوعز‪ ،‬يوفال‪« .‬الجدار جريمة حرب وخرق للقانون الدولي‪ ».‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد‬
‫‪ ،111‬آذار‪/‬مارس ‪.2004‬‬
‫بياللي‪ ،‬سورين‪« .‬قناع العنصرية فيما بعد التمييز العنصري‪ :Godesria ».‬العدد ‪،460‬‬
‫‪.2005‬‬
‫«تدفيع الثمن ترتكب جريمة جديدة في قرية نحالين‪ ».‬القدس‪.2014/4/4 :‬‬

‫تشومسكي‪ ،‬نـعــوم‪« .‬أمــريـكــا‪ ،‬إســرائـيــل‪ ،‬الفلسطينيون‪ ».‬الـكــرمــل‪ :‬ال ـعــددان ‪،73 - 72‬‬
‫صيف ‪ -‬خريف ‪.2002‬‬
‫‪365‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫التفكجي‪ ،‬خليل‪« .‬الـقــدس الكبرى تبتلع ‪ %10‬مــن الضفة الغربية‪ :‬مقابلة‪ ».‬القدس‪:‬‬
‫‪.2014/2/20‬‬
‫التميمي‪ ،‬عبد المالك خلف‪« .‬المياه في الشرق األوســط‪ :‬قضية حــدود‪ ».‬عالم الفكر‪:‬‬
‫العدد ‪ ،4‬نيسان‪/‬أبريل ‪.1997‬‬

‫ثابت‪ ،‬أحمد‪« .‬القضاء اإلسرائيلي يدعم العنصرية والمذابح‪ ».‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد‬
‫‪ ،90‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2002‬‬
‫جبارين‪ ،‬يوسف‪« .‬الجغرافيا والديموغرافيا في سياسة السيطرة على المكان‪ ».‬قضايا‬
‫إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،3‬صيف ‪.2001‬‬
‫«جدار عنصري يلتهم األرض‪ ».‬قضايا جمعية (نشرة ّ‬
‫لمرة واحدة ‪ -‬بيت لحم)‪.‬‬
‫الجرباوي‪ ،‬علي‪« .‬المأزق الفلسطيني والخيار الوحيد للخروج منه‪ ».‬مجلة الدراسات‬
‫الفلسطينية‪ :‬العدد ‪ ،58‬ربيع ‪.2004‬‬
‫جمال‪ ،‬أمــل‪« .‬أنماط تشكل الالمساواة القومية في إسرائيل‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد‬
‫ّ‬
‫‪.2006 ،24‬‬
‫حسين‪ ،‬غازي‪« .‬العنصرية في القوانين اإلسرائيلية‪ ».‬المستقبل العربي‪ :‬السنة ‪ ،20‬العدد‬
‫‪ ،222‬آب‪/‬أغسطس ‪.1997‬‬
‫حنفي‪ ،‬ســاري‪« .‬التطهير المكاني‪ :‬محاولة لفهم استراتيجيات المشروع الكولونيالي‬
‫اإلسرائيلي‪ ».‬المستقبل العربي‪ :‬السنة ‪ ،31‬العدد ‪ ،360‬شباط‪/‬فبراير ‪.2003‬‬
‫حيدر‪ ،‬علي‪« .‬الكراهية والعنصرية تجاه العرب في إسرائيل‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪،2‬‬
‫خريف ‪.2002‬‬
‫خالد‪ ،‬تيسير‪« .‬دولــة ثنائية القومية‪ ..‬نعم‪ ..‬ولـكــن؟‪ ».‬السياسية الفلسطينية‪ :‬العدد ‪،18‬‬
‫ربيع ‪.1998‬‬
‫الخالدي‪ ،‬أحمد سامح‪« .‬لـمــاذا ال يستطيع الفلسطينيون االعـتــراف بالدولة اليهودية‪».‬‬
‫الدراسات الفلسطينية‪ :‬العدد ‪ ،89‬شتاء ‪.2012‬‬
‫«خطاب نتنياهو في جامعة بار إيالن‪ ».‬القدس‪.2009/6/15 :‬‬

‫الخطيب‪ ،‬فراس‪« .‬البروفسور سوفير‪ :‬ال حل بيننا‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬خريف ‪.2002‬‬
‫خضر‪ ،‬حسن‪« .‬الجالد بال قداسة وال دموع‪ ».‬الكرمل‪ :‬العدد ‪ ،79‬ربيع ‪.2004‬‬
‫‪366‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫«خ ـفــايــا وخـلـفـيــات وه ــواج ــس وراء ج ــدار الـفـصــل ال ـع ـن ـصــري‪ ».‬الـمـشـهــد اإلســرائـيـلــي‪:‬‬
‫‪.2003/7/29‬‬
‫«الخلفية الحقيقية لجرائم جباية الثمن ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية وداخل الخط‬
‫األخضر‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2014/5/6 :‬‬

‫خمايسي‪ ،‬راســم‪« .‬شبكة الطرق في خدمة السيطرة اإلسرائيلية على األرض‪ ».‬قضايا‬
‫إسرائيلة‪ :‬العدد ‪ ،4‬خريف ‪.2001‬‬
‫دافار‪.1967/7/3 :‬‬
‫دليل المواطنين حول عملية تسجيل األضرار (اللجنة الوطنية الفلسطينية لسجل أضرار‬
‫الجدار ‪ -‬منظمة التحرير الفلسطينية)‪ :‬نشرة خاصة‪ ،‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪.2010‬‬
‫دويدي‪ ،‬مروان‪« .‬الديموقراطية ويهودية الدولة‪ :‬أين التناقض؟‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد‬
‫‪ ،10‬ربيع ‪.2003‬‬
‫ديختر‪ ،‬شالوم‪« .‬مواطنة في خطر كبير‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/8/9 :‬‬
‫ديسكن‪ ،‬آفــي‪« .‬قــانــون القومية‪ :‬الـخــوف مــن المس بالديمقراطية مبالغ فـيــه‪ ».‬القدس‪:‬‬
‫‪.2014/5/13‬‬
‫ديفيز‪ ،‬أوري‪« .‬الجدل في صالح حل مولد لدولة واحدة‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪،34‬‬
‫‪.2009‬‬
‫«رئ ـي ــس ال ـش ــاب ــاك األس ـب ــق ي ــؤك ــد أن ــه ب ــاإلم ـك ــان وق ــف ج ــرائ ــم ج ـبــايــة ال ـث ـم ــن‪ ».‬المشهد‬
‫اإلسرائيلي‪.2014/5/6 :‬‬
‫«ردود فعل على اغتيال الشهيد مصطفى التميمي‪ ».‬قاوم (مجلة المقاومة الشعبية)‪ :‬العدد‬
‫‪ ،2‬شباط‪/‬فبراير ‪.2012‬‬
‫رمالوي‪ ،‬نبيل‪« .‬استحقاقات ما بعد قرار الجمعية العامة رقم ‪ ».19/67‬سياسات‪ :‬العدد‬
‫‪.2012 ،22‬‬
‫روي‪ ،‬ســارا‪« .‬إسرائيل‪ :‬شعب ال شعوري‪ ».‬المستقبل العربي‪ :‬السنة ‪ ،30‬العدد ‪،339‬‬
‫أيار‪/‬مايو ‪.2007‬‬
‫ريتبين‪ ،‬كاتيا‪« .‬االستعمال البائس لكلمة نازي‪ ».‬القدس‪.2014/5/13 :‬‬

‫سـبـيــرو‪ ،‬جــدعــون‪« .‬الـمـحــرقــة ك ــأداة تجنيد نــاجـعــة ج ــد ًا للجيش اإلســرائ ـي ـلــي‪ ».‬المشهد‬
‫اإلسرائيلي‪.2010/5/4 :‬‬
‫‪367‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫السعدي‪ ،‬أحمد‪« .‬الحدود في الواجهة اإلمبريالية‪ :‬نموذج الجدار اإلسرائيلي‪ ».‬قضايا‬
‫سالمة‪ ،‬سليم‪« .‬الشرطة اإلسرائيلية أغلقت نحو ‪ %98‬من ملفات التحقيق في اعتداءات‬
‫المستوطنين على األشجار في الضفة الغربية‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2014/1/14 :‬‬

‫سلطاني‪ ،‬نمر‪« .‬الـمـســاواة والمواطنة في إســرائـيــل‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،13‬شتاء‬
‫‪.2004‬‬
‫سوبول‪ ،‬يهوشع‪« .‬من الذي يحاصر من؟‪ ».‬معاريف‪.2008/9/16 :‬‬
‫سويد‪ ،‬محمود‪« .‬خطة شارون إللغاء فلسطين‪ ».‬مجلة الدراسات الفلسطينية‪ :‬العدد ‪،32‬‬
‫خريف ‪.2002‬‬
‫سيرينا‪ ،‬يجال‪« .‬االستيطان عبء على المجتمع اإلسرائيلي‪ ».‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد‬
‫‪ ،88‬نيسان‪/‬أبريل ‪.2002‬‬
‫شاحاك‪ ،‬إسرائيل‪« .‬الصهيونية شر وال إمكانية لتطبيع إسرائيل مع وجودها‪ ».‬الكرمل‪:‬‬
‫العدد ‪ ،62‬شتاء ‪.2002‬‬
‫_ ‪« .‬الالهوت اليهودي والقدس‪ ».‬الكرمل‪ :‬العدد ‪ ،65‬خريف ‪.2000‬‬
‫شاحال‪ ،‬موشيه‪« .‬الفصل ليس مجرد سور‪ ».‬هآرتس‪.2001/1/24 :‬‬
‫شاهين‪ ،‬خليل‪« .‬فلسطين ‪ :2013‬ب ــوادر نـهــوض شعبي يتحدى األم ــر الــواقــع‪ ».‬مجلة‬
‫الدراسات الفلسطينية‪ :‬العدد ‪ ،644‬ربيع ‪.2014‬‬
‫شتاين‪ ،‬داني روبن‪« .‬االستيطان اليهودي في المناطق المحتلة عام ‪ 1 :1967‬من كل ‪10‬‬
‫يهود يسكن في المناطق‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،5‬شتاء ‪.2002‬‬
‫شــرجــائــي‪ ،‬نــدافــي‪« .‬المستوطنات تحتل ‪ %42‬مــن مساحة الضفة الـغــربـيــة‪ ».‬مختارات‬
‫إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،90‬تموز‪/‬يوليو ‪.2002‬‬
‫شعراوي‪ ،‬حلمي‪« .‬رياح العنصرية تعصف ببلدان الجنوب‪ :‬قراءة في الوثائق التحضيرية‬
‫للمؤتمر العالمي ضد العنصرية‪ ».‬المستقبل العربي‪ :‬السنة ‪ ،27‬العدد ‪ ،270‬آب‪/‬‬
‫أغسطس ‪.2001‬‬
‫شفيط‪ ،‬آري‪« .‬حوار مع شارون‪ ».‬ملحق هآرتس‪.2001/4/13 :‬‬

‫_ ‪ . _ .‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،79‬تموز‪/‬يوليو ‪.2001‬‬
‫‪368‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫شــايــم‪ ،‬آف ــي‪« .‬ه ــل الـصـهـيــونـيــة هــي ال ـعــدو الحقيقي ل ـلـيـهــود؟‪ ».‬المشهد اإلســرائـيـلــي‪:‬‬
‫‪.2005/2/22‬‬
‫ش ـل ـحــت‪ ،‬أن ـ ـطـ ــوان‪« .‬االس ـت ـع ـم ــار االس ـت ـي ـطــانــي ف ــي فـلـسـطـيــن‪ :‬ج ـم ــاع ــات ج ـبــايــة الـثـمــن‬
‫االستيطانية‪ ».‬مجلة الدراسات الفلسطينية‪ :‬العدد ‪ ،91‬صيف ‪.2012‬‬

‫_ ‪« .‬تذكير بجوهر إسرائيل‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2003/7/29 :‬‬
‫_ ‪« .‬جرائم جباية الثمن والكذب اإلسرائيلي المتفق عليه‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪:‬‬
‫‪.2014/5/20‬‬
‫_ ‪« .‬هل كان هناك شريك‪ ».‬أوراق إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،32‬آذار‪/‬مارس ‪.2006‬‬
‫شنهاف‪ ،‬يهودا‪« .‬زمن الخط األخضر‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪.2009 ،34‬‬
‫ش ــوح ــط‪ ،‬إيـ ــا‪« .‬ك ــول ــوم ـب ــس‪ ،‬فـلـسـطـيــن‪ ،‬ال ـه ـي ــود‪ ،‬الـ ـع ــرب‪ :‬ن ـحــو م ـقــاربــة عــائ ـيــة لـهــويــة‬
‫المجموعة‪ ».‬الكرمل‪ :‬العدد ‪ ،52‬صيف ‪.1997‬‬
‫شيرينتك‪ ،‬إيهودا‪« .‬مسألة العرب في إسرائيل من ّ‬
‫حل المشكلة إلى إدارتـهــا‪ ».‬المشهد‬
‫اإلسرائيلي‪.2004/1/27 :‬‬
‫صالح‪ ،‬محمد أحمد‪« .‬األطماع الصهيونية في المياه العربية‪ ».‬عالم الفكر‪ :‬العدد ‪،31‬‬
‫كانون الثاني‪/‬يناير ‪ -‬آذار‪/‬مارس ‪.2003‬‬
‫ال ـص ـلــح‪ ،‬رغ ـي ــد‪« .‬ال ـم ـقــاط ـعــة ال ـعــال ـم ـيــة تـحـمــي اإلســرائ ـي ـل ـي ـيــن م ــن أن ـف ـس ـهــم‪ ».‬ال ـقــدس‪:‬‬
‫‪.2014/4/4‬‬
‫ضــاهــر‪ ،‬ب ــال (م ـح ــاور)‪« .‬ال ـم ــؤرخ اإلســرائـيـلــي بــوعــز ع ـفــرون‪ :‬ال ـصــراع ض ــروري لبقاء‬
‫إسرائيل‪ :‬حوار‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،10‬ربيع ‪.2003‬‬
‫طـبــر‪ ،‬ليندا وع ــاء الـعــزة‪« .‬الـمـقــاومــة الشعبية بعد االنتفاضة الـثــانـيــة‪ ».‬مجلة الــدراســات‬
‫الفلسطينية‪ :‬العدد ‪ ،97‬شتاء‪.2014 ،‬‬
‫طرابلسي‪ ،‬فواز‪« .‬مناقشة تطبيقات النموذج الجنوب أفريقي على فلسطين‪ ».‬الدراسات‬
‫عــدوان‪ ،‬بيسان‪« .‬خطة الفصل ليست جديدة‪ ».‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،277‬أيار‪/‬‬
‫مايو ‪.2001‬‬
‫العربي‪ ،‬غسان‪« .‬هل تثمر حملة المقاطعة الغربية للمستوطنات اإلسرائيلية‪ ».‬القدس‪:‬‬
‫‪.2014/2/13‬‬
‫‪369‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫عزباوي‪ ،‬يسري‪« .‬العداء للسامية سالح في وجه األغيار‪ ».‬ضد التميز‪ :‬كانون الثاني‪/‬‬
‫يناير ‪.2005‬‬
‫العسلي‪ ،‬زياد‪« .‬عصابات دفع الثمن اليهودية تضع إسرائيل أمام مفترق طرق‪ ».‬القدس‪:‬‬
‫‪.2014/2/5‬‬
‫علي‪ ،‬نهاد‪« .‬األصولية الدينية اليهودية واسقاطاتها المحلية واإلقليمية‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪:‬‬
‫العدد ‪.2007 ،25‬‬
‫غــابـيــزون‪ ،‬روت‪« .‬المسوغ المبدئي والـصــورة المرغوبة‪ :‬هــل يمكن تبرير وجــود دولــة‬
‫يهودية؟‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،9‬شتاء ‪.2003‬‬
‫الغازي‪ ،‬غادي‪« .‬ماتريكس وبلعين وحكاية رأس المال الكولونيالي في إسرائيل‪ ».‬قضايا‬
‫إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،21‬شتاء ‪.2006‬‬
‫_ وخـيــراردو اليـبــذر‪« .‬تعايش في بــاد المحاسيم‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العددان‬
‫‪ ،27 - 26‬ربيع ‪ -‬صيف ‪.2002‬‬
‫ال ـغــازي‪ ،‬غــادي وهـشــام نـفــاع‪« .‬الصهيونية ودول ــة إســرائـيــل‪ :‬االن ـعــزال فــي أس ــوار الدولة‬
‫الحديثة‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/4/25 :‬‬
‫غ ــان ــر‪ ،‬ح ــاي ـي ــم‪« .‬لـ ــم ش ـمــل ال ـع ــائ ــات ف ــي ال ـ ــدول الـ ـيـ ـه ــودي ــة‪ ».‬ال ـم ـش ـهــد اإلس ــرائ ـي ـل ــي‪:‬‬
‫‪.2005/3/23‬‬
‫غانم‪ ،‬أسعد‪« .‬الدولة ثنائية القومية كمطلب فلسطيني‪ ».‬السياسة الفلسطينية‪ :‬العدد ‪،18‬‬
‫ربيع ‪.1998‬‬
‫_ ‪« .‬اليهود والعرب في الصراع حول طبيعة الدولة‪ ».‬قضايا إسرائيلة‪ :‬العدد ‪،4‬‬
‫خريف ‪.2001‬‬
‫غــانــم‪ ،‬هـنـيــدة‪« .‬م ــا بـيــن االح ـت ــال الـعـسـكــري واألبــارت ـهــايــد‪ :‬مـقــاربــة بـيــن نـقــاط التقاطع‬
‫واالختالف‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪.2009 ،35‬‬
‫غرينبرغ‪ ،‬ليف‪« .‬إبادة شعب رمزية‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2004/4/20 :‬‬
‫غلعادي‪ ،‬أفنير‪« .‬تقلقني بربرية هذه الحرب واللغة الوحيدة التي نتقنها هي القوة‪ ».‬قضايا‬

‫غوتمان‪ ،‬نتان‪« .‬الهوية اليهودية في أزمة‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/6/14 :‬‬

‫غوردون‪ ،‬نيف‪« .‬إسرائيل دولة أبارتهايد‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪.2009 ،35‬‬
‫‪370‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫غيلبر‪ ،‬يوآف‪« .‬إسرائيل لن تحل مشكلة الالجئين‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،15‬صيف‬
‫‪.2004‬‬
‫_ ‪« .‬من المتوقع تحديد النسل عند العرب في إسرائيل‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد‬
‫‪ ،10‬صيف ‪.2004‬‬
‫فايجه‪ ،‬ميخائيل‪« .‬نظرة أخرى على التأرخة اإلسرائيلية‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪،20‬‬
‫خريف ‪.2005‬‬
‫فرسخ‪ ،‬ليلى‪« .‬مقارنة التجربة الصهيونية االستعمارية بتجربة جنوب إفريقيا البيضاء‪».‬‬
‫قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪.2009 ،35‬‬
‫فشمان‪ ،‬أليكس وسيما كدمون‪« .‬أربعة رؤســاء سابقون للشاباك يحذرون إسرائيل من‬
‫سياستها فــي الـمـنــاطــق‪ ».‬مـخـتــارات إسرائيلية‪ :‬الـعــدد ‪ ،108‬كــانــون األول‪/‬ديـسـمـبــر‬
‫‪.2003‬‬
‫مر‬
‫«في آخر ظهور له قبل تقديم استقالته‪ ،‬أولمرت‪ :‬سنأسف في المستقبل على كل يوم ّ‬
‫علينا دون التوصل التفاق مع الفلسطينيين‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2008/9/6 :‬‬
‫فيرشافسكي ‪ -‬ميكادو‪ ،‬ميخائيل‪« .‬شــراكــة إسرائيلية فلسطينية لماذا وكـيــف؟‪ ».‬قضايا‬
‫فيشمان‪ ،‬ألـيـكــس‪« .‬حـكــومــة نتنياهو ال تــريــد وضــع حــد لــإرهــاب ال ـي ـهــودي‪ ».‬الـقــدس‪:‬‬
‫‪.2014/4/24‬‬
‫فيلدمان‪ ،‬جاكي‪« .‬في أعقاب االستغالل اإلسرائيلي للمحرقة‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد‬
‫‪.2009 ،36‬‬
‫القاسم‪ ،‬أنيس‪« .‬لماذا اإلصرار على االعتراف بإسرائيل دولة يهودية؟‪ ».‬مجلة الدراسات‬
‫قبطي‪ ،‬عبير‪« .‬المقاومة الشعبية‪ :‬باب الشمس نموذج ًا‪ ».‬مجلة الدراسات الفلسطينية‪:‬‬
‫العدد ‪.2013 ،95‬‬
‫قبعة‪ ،‬كـمــال‪« .‬مقتضيات قانونية لما بعد دولــة فلسطين المراقبة غير الـعـضــو‪ ».‬شــؤون‬
‫فلسطينية‪ :‬العدد ‪ ،231‬شتاء ‪.2013‬‬
‫_ ‪« .‬ن ـح ــو ت ـجــديــد الـمـقــاطـعــة الـفـلـسـطـيـنـيــة لـمـنـتـجــات ال ـم ـس ـتــوط ـنــات‪ ».‬ش ــؤون‬
‫فلسطينية‪ :‬العدد ‪ ،252‬شتاء ‪.2014‬‬

‫القدس‪ ،2010/10/4 :‬و‪.2014/2/12‬‬
‫‪371‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫قطامش‪ ،‬أحمد‪« .‬حق العودة والدولة الواحدة‪ ».‬رؤية أخرى‪ :‬العددان ‪ ،37 - 36‬خريف‬
‫‪.2005‬‬
‫كتساف‪ ،‬موشيه‪« .‬وحشية الفلسطينيين‪ ».‬جيروسالم بوست‪.2005/5/11 :‬‬

‫الكرمي‪ ،‬غــادة‪« .‬بعد أسلو‪ :‬دولــة واحــدة في إسرائيل‪/‬فلسطين‪ ».‬السياسة الفلسطينية‪:‬‬
‫العدد ‪ ،18‬ربيع ‪.1998‬‬
‫كسبيت‪ ،‬بــن‪« .‬ح ــوار مــع العميد جلعادي رئيس إدارة الفصل‪ :‬هكذا ولــدت خطة فك‬
‫االرتباط‪ ».‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،128‬آب‪/‬أغسطس ‪.2005‬‬
‫«الكنيست اإلســرائـيـلـيــة الـثــامـنــة عـشــرة هــي األك ـثــر عنصرية مـنــذ قـيــام ال ــدول ــة‪ ».‬المشهد‬
‫اإلسرائيلي‪.2010/3/23 :‬‬
‫«الكنيست يقرر تثبيت األنظمة لمالحقة فلسطيني الضفة والقطاع من دخــول القدس‬
‫والخط األخضر‪ ».‬القدس‪.2014/2/5 :‬‬
‫كوك‪ ،‬جونثان‪« .‬دستور ‪ -‬بإجماع يهودي‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2004/12/28 :‬‬
‫كيالي‪ ،‬ماجد‪« .‬مغزى الجدل حول طبيعة إسرائيل‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2003/6/17 :‬‬
‫كيمرلينع‪ ،‬باروخ‪« .‬شارون يسعى لتحقيق بوليتسايد للفلسطينيين‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪:‬‬
‫‪.2004/4/13‬‬
‫الفير‪ ،‬نيفا‪« .‬كيف وقعت حرب ‪ ».1967‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،151‬تموز‪/‬يوليو‬
‫‪.2007‬‬
‫«اللجنة الوطنية لمقاطعة إسرائيل تعقد مؤتمر ًا في رام الله‪ ».‬القدس‪.2014/1/10 :‬‬
‫ل ـي ـفــي‪ ،‬ج ــدع ــون‪« .‬الـ ــدولـ ــة ال ـي ـه ــودي ــة ت ـع ـنــي ع ـن ـصــريــة قــوم ـيــة ل ـل ـي ـهــود فـ ـق ــط‪ ».‬ال ـق ــدس‪:‬‬
‫‪.2014/7/7‬‬
‫«مـبــالــغ طائلة مــن الـمــال الـعــام تــرصــد لــأغــراض االستيطانية دون حسيب أو رقـيــب‪».‬‬
‫المشهد اإلسرائيلي‪.2014/4/8 :‬‬
‫متسناع‪ ،‬عمرام‪« .‬اخرجوا من هناك‪ ».‬هآرتس‪.2003/8/31 :‬‬
‫محارب‪ ،‬عبد الحفيظ‪« .‬يهودية الدولة‪ :‬الفكرة‪ ،‬الدولة وإشهارها‪ ».‬شــؤون فلسطينية‪:‬‬
‫العدد ‪ ،246‬خريف ‪.2011‬‬

‫مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪( 106‬تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪)2003‬‬
‫‪372‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مرغليت‪ ،‬مائير‪« .‬هدم المنازل في القدس‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2008/8/5 :‬‬
‫«مسؤول في البلدية‪ :‬إسرائيل والبلدية تنازلتا عن األحياء العربية خارج جدار الفصل‪».‬‬
‫القدس‪.2010/1/9 :‬‬
‫المشهد اإلسرائيلي‪ ،2008/3/24 :‬و‪.2014/5/6‬‬

‫مصالحة‪ ،‬عمر‪« .‬الخصوصية اليهودية‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/5/17 :‬‬
‫مصطفى‪ ،‬مهند‪« .‬إسرائيل من الحدود اإليدولوجية إلى الحدود األثنية‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪:‬‬
‫العدد ‪.2007 ،26‬‬
‫معاريف‪.2005/7/16 :‬‬
‫«المقاطعة الدولية إلسرائيل‪ :‬كرة ثلج آخذة في التضخم‪ ».‬القدس‪.2014/2/18 :‬‬
‫«المقاومة المدنية في فلسطين‪ :‬ملف العدد‪ ».‬شؤون فلسطينية‪ :‬العددان ‪،254 - 253‬‬
‫صيف ‪ -‬خريف ‪.2013‬‬
‫«مقياس السالم لشهر فبراير ‪ ».2004‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،112‬نيسان‪/‬أبريل‬
‫‪.2004‬‬
‫«مقياس السالم لشهر فبراير ‪ ».2004‬هآرتس‪.2004/3/9 :‬‬
‫«من دون تبادل أراضي لن تكون هناك تسوية‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2009/6/30 :‬‬
‫منصور‪ ،‬جوني‪« .‬الهولوكوست من الواقع التاريخي والذاكرة الجماعية إلى توظيفها‪».‬‬
‫قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،3‬صيف ‪.2001‬‬
‫المنظمة العربية لمناهضة التمييز‪« .‬مـعــاداة السامية واالستثناء اليهودي‪ ».‬إعــداد أحمد‬
‫ذياب‪ .‬ضد التميز‪ :‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪.2005‬‬
‫نتسر‪ ،‬أولك‪« .‬فيروس الكراهية‪ ».‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،80‬آب‪/‬أغسطس ‪.2001‬‬
‫نوريئيلي‪ ،‬بيني‪« .‬كيف أصبح اليهود الـعــرب غــربــاء فــي الحيز القومي فــي إســرائـيــل؟‪».‬‬
‫قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،21‬شتاء ‪.2006‬‬
‫نيئور‪ ،‬أرييه‪« .‬مفهوم أرض إسرائيل الكاملة‪ ».‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،101‬أيار‪/‬‬
‫مايو ‪.2003‬‬
‫_ ‪« .‬مفهوم أرض إسرائيل الكاملة‪ ».‬مختارات إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،106‬تشرين‬

‫األول‪/‬أكتوبر ‪.2003‬‬
‫‪373‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪،2006/1/23‬‬ ‫‪2005/8/25‬؛‬ ‫‪2004/2/27‬؛‬ ‫ه ـ ــآرت ـ ــس‪2003/9/5 :‬؛‬
‫و‪.2006/3/26‬‬
‫هــالـحـمــي‪ ،‬بنيامين ب ـيــن‪« .‬ال ـتــاريــخ ي ـطــارد الـصـهـيــونـيــة ويـلـحــق ب ـهــا‪ ».‬ال ـكــرمــل‪ :‬ال ـعــددان‬
‫‪ ،56 - 55‬ربيع ‪.1998‬‬

‫الهندي‪ ،‬عليان‪« .‬االعتراف بالدولة الفلسطينية في األمم المتحدة‪ :‬مواقف إسرائيلية‪».‬‬
‫شؤون فلسطينية‪ :‬العدد ‪.2013 ،251‬‬
‫_ ‪« .‬جباية الثمن‪ :‬اعتداءات المستوطنين على الفلسطينيين في الضفة الغربية‪».‬‬
‫شؤون فلسطينية‪ :‬العدد ‪ ،252‬شتاء ‪.2014‬‬
‫هيلر‪ ،‬م ــارك‪« .‬المقاطعة وسحب االسـتـثـمــارات والـعـقــوبــات‪ ..‬كيف نحبط التهديد؟‪».‬‬
‫القدس‪.2014/2/3 :‬‬
‫«وزارة الداخلية تنتهج سياسة تمييز مع كل من هو غير يهودي‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪:‬‬
‫‪.2004/12/14‬‬
‫ضمها‬
‫«وقائع ضم معلن‪ :‬نوايا الحكومة اإلسرائيلية من إقامة معاليه أدوميم ومشروع ّ‬
‫للقدس‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪.2009 ،36‬‬
‫ياهف‪ ،‬دان‪« .‬حول تعريف جرائم الحرب‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪.2006 ،23‬‬
‫_ ‪« .‬مئة وعشرون عام ًا من الصراع الصهيوني‪/‬الفلسطيني‪ :‬األرض الترانسفير‪،‬‬
‫طـهــارة الـســاح وال ــرواي ــة الـتــي لــم ت ــدرس‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬ال ـعــددان ‪،12 - 11‬‬
‫صيف ‪ -‬خريف ‪.2003‬‬
‫_ ‪« .‬هل دولة إسرائيل ديموقراطية؟‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد ‪.2006 ،24‬‬
‫يفتاحئيل‪ ،‬أورون‪« .‬بناء الجدار يظل جريمة حرب‪ ».‬المشهد اإلسرائيلي‪.2005/2/22 :‬‬
‫_ ‪« .‬بين الكولونيالية واإلثنوقراطية‪ :‬األبارتهايد الزاحف في إسرائيل ‪ -‬فلسطين‪».‬‬
‫_ ‪« .‬جــدار الفصل والخطة المرتبطة به تعمقان األبارتهايد الزاحف‪ ».‬هآرتس‪:‬‬
‫‪.2003/4/21‬‬
‫_ ‪ . _ .‬المشهد اإلسرائيلي‪.2003/4/29 :‬‬

‫يقين‪ ،‬سعيد‪« .‬أيدولوجيا الحواجز فــي النظرية الصهيونية‪ ».‬أق ــواس‪ :‬الـعــدد ‪ ،9‬صيف‬
‫‪.2003‬‬
‫‪374‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫_ ‪« .‬فلسفة تطبيع اليهود فــي النظرية الصهيونية‪ ».‬مجلة الشعراء‪ :‬الـعــدد ‪،14‬‬
‫خريف ‪.2001‬‬
‫يميني‪ ،‬بندور‪« .‬حملة المقاطعة إلسرائيل مرض عضال‪ ».‬القدس‪.2014/2/19 :‬‬
‫يوتان‪ ،‬ياعيل‪« .‬الصهيونية كاستمرار لليهودية بوسائل أخــرى‪ ».‬قضايا إسرائيلية‪ :‬العدد‬
‫‪ ،13‬شتاء ‪.2004‬‬
‫يوسف‪ ،‬أحمد‪« .‬األبارتهايد في فلسطين‪ :‬العنصرية المتمأسسة‪ ».‬شؤون األوسط‪ :‬العدد‬
‫‪ ،107‬صيف ‪.2002‬‬
‫يــوســف‪ ،‬محسن‪« .‬المشكلة المائية فــي إســرائـيــل وأثــرهــا على عملية ال ـســام‪ ».‬قضايا‬
‫إسرائيلية‪ :‬العدد ‪ ،5‬شتاء ‪.2002‬‬
‫أطروحات ورسائل جامعية‬

‫التميمي‪ ،‬عبد الرحمن‪« .‬الخصخصة في ظل المشاريع السياسية اإلقليمية‪ :‬دراسة حالة‬
‫قطاع المياه‪( ».‬رسالة ماجستير‪ ،‬جامعة بيرزيت‪ ،‬القدس‪.)2006 ،‬‬
‫جــاد‪ ،‬عماد‪« .‬الـتــوازن السكاني بين العرب واليهود في إسرائيل واألراض ــي الفلسطينية‬
‫المحتلة‪( ».‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬جامعة‬
‫القاهرة‪ ،‬القاهرة‪.)1992 ،‬‬
‫الـخـطـيــب‪ ،‬حـســن ع ـ ــارف‪« .‬ال ـس ـيــاســة األمــري ـك ـيــة ت ـجــاه الـقـضـيــة الـفـلـسـطـيـنـيــة ف ــي الـفـتــرة‬
‫‪( ».2001 - 1993‬أطــروحــة دك ـتــوراه‪ ،‬كلية السياسة واالقـتـصــاد‪ ،‬جامعة القاهرة‪،‬‬
‫القاهرة‪.)2007 ،‬‬
‫الــدرعــاوي‪ ،‬إبراهيم سليمان‪« .‬الـحــدود والـصــراع الفلسطيني ‪ -‬اإلسرائيلي‪ :‬دراســة في‬
‫الجغرافيا السياسية‪( ».‬أطروحة دكتوراه‪ ،‬جامعة العالم األمريكية‪.)2005 ،‬‬
‫السرخي‪ ،‬عناد محمد‪« .‬هجرة اليهود الروس والمجتمع االستيطاني‪».1995 - 1881 ،‬‬
‫(أط ــروح ــة دك ـت ــوراه‪ ،‬معهد الـبـحــوث وال ــدراس ــات الـعــربـيــة‪ ،‬جــامـعــة ال ــدول العربية‪،‬‬
‫القاهرة‪.)2006 ،‬‬
‫عبد الحافظ‪ ،‬محمد تيسير‪« .‬األوض ــاع الديموغرافية لفلسطين خــال الربع الثاني من‬
‫القرن العشرين‪( ».‬رســالــة ماجستير في اإلحـصــاء التطبيقي‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم‬

‫السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪.)1978 ،‬‬
‫‪375‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫عبد الدايم‪ ،‬أحمد‪« .‬الفقر والمرض في المجتمع األفريقي تحت الحكم العنصري في‬
‫جنوب أفريقيا‪( ».1976 - 1948 ،‬أطــروحــة دك ـتــوراه‪ ،‬معهد البحوث األفريقية‪،‬‬
‫جامعة القاهرة‪.)2004 ،‬‬
‫المزيني‪ ،‬فضل‪« .‬انتهاكات إسرائيل التفاقيات جنيف الرابعة ‪ ،1949 -‬منذ انتفاضة‬
‫األقصى‪ ،‬أيلول ‪ - 2000‬أيلول ‪( ».2002‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم‬
‫السياسية‪ ،‬جامعة القاهرة‪ ،‬القاهرة‪.)2006 ،‬‬
‫نـصــر‪ ،‬دي ــاب‪« .‬مشكلة األرض فــي روديـسـيــا الـجـنــوبـيــة‪( ».1980 - 1890 ،‬أطــروحــة‬
‫دكتوراه‪ ،‬معهد البحوث والدراسات األفريقية‪ ،‬جامعة القاهرة‪.)2008 ،‬‬
‫نصر الــديــن‪ ،‬محمد‪« .‬سـيــاســة التمييز العنصري فــي إســرائـيــل وجـنــوب إفــريـقـيــا‪ :‬دراســة‬
‫مقارنة‪( ».‬رسالة ماجستير‪ ،‬كلية االقتصاد والعلوم السياسية‪ ،‬القاهرة‪.)1969 ،‬‬
‫الهاللي‪ ،‬أحمد‪« .‬المجتمعات األفريقية الحضرية تحت الحكم العنصري في جنوب‬
‫أفريقيا‪( ».1976 - 1923 ،‬رسالة ماجستير‪ ،‬معهد البحوث والدراسات األفريقية‪،‬‬
‫جامعة القاهرة‪.)2007 ،‬‬
‫ندوات ومؤتمرات‬
‫(بروكسيل)‪،‬‬ ‫‪EU-Israel‬‬ ‫إعــان االتـحــاد األوروب ــي‪ ،‬االجتماع الــرابــع لمجلس الرابطة‪،‬‬
‫تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪.2003‬‬
‫إع ــان االس ـت ـقــال الفلسطيني ال ـص ــادر عــن الـ ــدورة الـتــاسـعــة ع ـشــرة للمجلس الــوطـنــي‬
‫الفلسطيني في الجزائر عام ‪.1988‬‬
‫الحملة الشعبية لمقاومة الجدار‪ ،‬وقائع الورشة الخاصة بالعمل الشعبي لمقاومة الجدار‪،‬‬
‫مركز العمل التنموي‪.2006 ،‬‬
‫القمة العربية الرابعة عشرة في بيروت‪ ،‬آذار‪/‬مــارس‬
‫أقرتها ّ‬
‫المبادرة العربية للسالم التي ّ‬
‫‪.2002‬‬
‫مواقع إلكترونية؛ تقارير‬

‫‪<http://www.rorcoalitaion.org>.‬‬ ‫االئتالف الفلسطيني لحق العودة‪،‬‬

‫اتفاقية أوسلو الفلسطينية ‪ -‬اإلسرائيلية‪.1993 ،‬‬
‫‪376‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫اتفاقية كامب ديفيد المصرية ‪ -‬اإلسرائيلية‪.1979 ،‬‬
‫االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري‪.1969 ،‬‬
‫اتفاقية وادي عربة األردنية ‪ -‬اإلسرائيلية‪.1994 ،‬‬

‫إع ــان االس ـت ـقــال الفلسطيني ال ـص ــادر عــن الـ ــدورة الـتــاسـعــة ع ـشــرة للمجلس الــوطـنــي‬
‫الفلسطيني في الجزائر عام ‪.1988‬‬
‫اإلعالن العالمي لحقوق اإلنسان‪.1948 ،‬‬
‫«انتهاكات إسرائيل لحقوق الفلسطينيين فــي مياه الضفة الغربية‪ ».‬تقرير منظمة العفو‬
‫الدولية‪ :‬تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪.2009‬‬
‫أوبـنـهــايـمــر‪ ،‬يــاريــف‪« .‬ح ــل مشكلة الـمـســاكــن بــواسـطــة الـبـنــاء فــي الـمـسـتــوطـنــات‪ ».‬موقع‬
‫‪<http://www.ynetnews.com/>.‬‬ ‫يديعوت أحرنوت اإللكتروني‪،2011/3/4 :‬‬
‫األراضي المحتلة)‪<http:// ،‬‬ ‫بتسيلم (مركز المعلومات اإلسرائيلي لحقوق اإلنسان في‬
‫‪www.btselem.org/arabic>.‬‬
‫ال ـبــرغــوثــي‪ ،‬ع ـمــر‪« .‬حــركــة مـقــاطـعــة إســرائ ـيــل عـنـصــر ًا ض ــروري ـ ًا فــي اسـتــراتـيـجـيــة الـنـضــال‬
‫الفلسطيني‪ ».‬الحملة الفلسطينية للمقاطعة األكــاديـمـيــة والـثـقــافـيــة إلســرائ ـيــل‪12 :‬‬
‫‪<http://www.pacbi.org>.‬‬ ‫حزيران‪/‬يونيو ‪،2014‬‬
‫«بلعين‪ ».‬ويكيبيديا‪ :‬الموسوعة الحرة‪<http://ar.wikipedia.org/wiki/%d8%a8%d9%8 ،‬‬
‫‪4%d8%b9%d9%8a%d9%86>.‬‬
‫‪<http://www.bilinvillage.org>.‬‬ ‫بلعين للمقاومة الشعبية‪،‬‬

‫‪<http://bimkom.org/ar/>.‬‬ ‫بمكوم (مخططون من أجل حقوق التخطيط) (القدس)‬
‫‪<http://www.worldbank.org.ps>.‬‬ ‫البنك الدولي‪،‬‬
‫البيان الختامي للقمة العربية المنعقدة في دولة الكويت بتاريخ ‪ 27 - 26‬آذار‪/‬مــارس‬
‫‪.2014‬‬
‫بيانات اللجان الشعبية لمقاومة جدار الفصل العنصري‪.2009 - 2004 ،‬‬
‫التصاريح اإلسرائيلية المتعلقة بضبط الحركة‪.2010 - 2005 ،‬‬
‫«تقرير انـعــدام المسؤولية‪ :‬سياسة الجيس بعدم التحقيق بمقتل فلسطينيين على أيدي‬
‫ج ـن ــود‪ ».‬مــركــز الـمـعـلــومــات اإلســرائ ـي ـلــي لـحـقــوق اإلن ـس ــان ف ــي األراض ـ ــي المحتلة‬
‫(بتسيلم)‪ :‬تشرين األول‪/‬أكتوبر ‪.2010‬‬
‫‪377‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫تقرير ييش دين (منظمة متطوعين لحقوق اإلنسان ‪ -‬تل أبيب) ‪.2013‬‬
‫«تقرير حول وصول الفلسطينيين إلى األراضي الزراعية‪ ».‬مكتب تنسيق الشؤون اإلنسانية‬
‫في األراضي المحتلة )‪ :(OCHA‬كانون األول‪/‬ديسمبر ‪.2005‬‬
‫تقرير دائرة شؤون المفاوضات‪ ،‬رام الله‪.2008 ،‬‬

‫«التقرير الـصــادر عــن المقرر الـخــاص السابق حــول أوض ــاع حقوق اإلنـســان فــي الضفة‬
‫الغربية منذ عام ‪.2004/8/12 ».1967‬‬
‫«تـقــريــر ص ــادر عــن منظمة بتسيلم اإلســرائـيـلـيــة لحقوق اإلن ـســان» آذار‪/‬م ـ ــارس ‪،2003‬‬
‫‪<http://www.oppcpnanet/mag/mag11-12/new.619-2005>.‬‬
‫‪<http://www.lrcj.org>.‬‬ ‫جمعية الدراسات العربية ‪ -‬مركز أبحاث األراضي‪،‬‬

‫‪<http://www.stopthewall.org>.‬‬ ‫الحملة الشعبية لمقاومة جدار الفصل‪،‬‬
‫خريطة الطريق‪ ،‬اللجنة الرباعية الدولية‪.2002 ،‬‬
‫خطاب نتنياهو في قمة واشنطن‪ ،‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪.2010‬‬
‫«الـخـيـارات االسـتـراتـيـجـيـة إلنـهـاء االحـتـالل اإلسـرائـيـلـي‪ ».‬الـفـريـق الـفـلسطيني للدراسة‬
‫‪<http://www.palestinestratgeygygrou.ps>.‬‬ ‫االستراتيجية‪،‬‬
‫«الــرئـيــس‪ :‬الجمعية العامة مطالبة بــإصــدار شـهــادة مـيــاد دول ــة فلسطين‪ ».‬وكــالــة األنـبــاء‬
‫والمعلومات الفلسطينية (وفــا)‪<http://www.wafa.ps/arabic/ ،2012/11/29 :‬‬
‫‪index.php?action=detail&id=143628>.‬‬
‫رسالة (وثيقة جورج بوش إلى شارون) أو ما عرف بكتاب الضمانات ‪ 14‬نيسان ‪.2001‬‬
‫«سنتان من االنتفاضة‪ :‬اإلغالق واألزمة االقتصادية الفلسطينية‪ ».‬البنك الدولي‪.2003 :‬‬
‫العقوبات‪<http:/ ،‬‬ ‫الصفحة اإللكترونية لحركة المقاطعة وسحب االستثمارات وفرض‬
‫‪www.bdsmovement.net/bdsintro>.‬‬
‫عد‪ ،‬عدي‪« .‬الطريق تجريد‪ :‬اللجان حالة البؤرة االستيطانية‪ ».‬ييش دين (منظمة متطوعين‬
‫لحقوق اإلنسان ‪ -‬تل أبيب)‪ 18 :‬نيسان‪/‬أبريل ‪<http://www.yesh-din.org/ ،2013‬‬
‫‪ar/infoitem.asp?infocatid=324>.‬‬
‫عريقات‪ ،‬صائب‪« .‬لماذا الموافقة على استئناف مفاوضات الوضع النهائي؟‪ ».‬وكالة مع ًا‬
‫اإلخبارية‪ 5 :‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪<http://maannews.net/arb/ViewDetails.aspx?،2013‬‬

‫‪ID=626689>.‬‬
‫‪378‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫_ ‪« .‬ماذا بعد انضمام فلسطين للمواثيق الدولية الـ ‪15‬؟‪ ».‬حركة التحرير الوطني‬
‫الفلسطيني (فتح)‪ ،‬مفوضية العالقات الوطنية‪ 27 :‬نيسان‪/‬أبريل ‪<http:// ،2014‬‬
‫‪www.fatehwatan.ps/page-79990.html>.‬‬
‫«عين على محافظة قلقيلية‪ ».‬الحملة الشعبية لمقاومة الجدار واالستيطان (رام الله)‪:‬‬
‫‪.2009‬‬
‫فتوى محكمة العدل الدولية (فتوى الهاي)‪.2004/7/9 ،‬‬
‫«القرى والمدن الفلسطينية بين العزل والتهجير‪ ».‬مركز العمل التنموي‪ ،‬الحملة الشعبية‪:‬‬
‫‪.2007‬‬
‫«قــرار الجمعية العامة في دورتها االستثنائية الطارئة العاشرة حو إنشاء سجل األضــرار‬
‫بـتــاريــخ ‪ 2006/12/15‬لــأمــم المتحدة‪ ،‬سجل حصر األض ــرار‪ ،‬اسـتـمــارة خاصة‬
‫بتسجيل األضرار الناشئة عن بناء الجدار‪ ».‬مكتب حصر األضرار (رام الله)‪<http:// ،‬‬
‫‪www.pncrod.ps>.‬‬
‫قرار ‪ 67/19‬الصادر عن الجمعية العامة في ‪ ،2012/11/29‬األمم المتحدة‪.‬‬

‫القرارات العسكرية اإلسرائيلية لجدار الفصل العنصري (قرارات وضع اليد)‪- 2003 ،‬‬
‫‪.2005‬‬
‫‪<http://ar.wikipedia.org/wiki/%d9%83%d‬‬ ‫«كفر قدوم‪ ».‬ويكيبيديا‪ :‬الموسوعة الحرة‪،‬‬
‫‪9%81%d8%b1_%d9%82%d8%af%d9%88%d9%85>.‬‬
‫‪<http://www.pncrod.ps>.‬‬ ‫اللجنة الوطنية لسجل حصر األضرار‪،‬‬

‫المبادئ األساسية للقانون اإلنساني الــدولــي (اتفاقية جنيف (‪ )1977‬واتفاقية الهاي‬
‫(‪.))1907‬‬
‫‪<http://www.almash-had.madarcenter.org>.‬‬ ‫مجلة المشهد اإلسرائيلي‪،‬‬
‫‪<http://www.palestine-un.org>.‬‬ ‫المجلس الفلسطيني للتنمية واألعمار (بكدار)‪،‬‬
‫‪<http://www.phg.org>.‬‬ ‫مجموعة الهيدرولوجيين الفلسطينيين‪،‬‬
‫‪<http://www.arij.org>.‬‬ ‫مركز األبحاث التطبيقية (أريج)‪،‬‬
‫‪<http://www.bahethcenter.net>.‬‬ ‫مركز باحث للدراسات‪،‬‬

‫‪<http://www.badil.org>.‬‬ ‫مركز بديل للدفاع عن حقوق المواطنة والالجئين‪،‬‬

‫‪<http://www.maan-ctr.org>.‬‬ ‫مركز العمل التنموي (مع ًا)‪،‬‬
‫‪379‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫‪<http://www.passia.org>.‬‬ ‫المركز الفلسطيني للدراسات الدولية‪،‬‬
‫«المسح بشأن الجدار‪ ».‬مكتب األمــم المتحدة لتنسيق الشؤون اإلنسانية ووكالة األمم‬
‫المتحدة إلغاثة وتشغيل الالجئين الفلسطينيين‪ :‬تموز‪/‬يوليو ‪.2007‬‬
‫«مسح صحة األســرة الفلسطينية‪ ».‬الجهاز المركزي لإلحصاء‪ :‬كانون األول‪/‬ديسمبر‬

‫‪.2007‬‬
‫«معايير ومواقف الحملة‪ ».‬الحملة الفلسطينية للمقاطعة األكاديمية والثقافية إلسرائيل‪،‬‬
‫‪<http://www.pacbi.org./ainside.php?id=16>.‬‬
‫«م ـقــارنــة الـمـســاحــات الـعـمــرانـيــة الفلسطينية واإلســرائ ـي ـل ـيــة‪ ».‬مــركــز األب ـح ــاث التطبيقية‬
‫(أريج ‪ -‬القدس ‪ -‬بيت لحم)‪.2010 :‬‬
‫مكتب اإلحصاءات المركزي اإلسرائيلي‪ ،‬تقرير ‪.2009‬‬
‫‪<http://www.un.org/ar/humanitarian/>.‬‬ ‫مكتب الشؤون اإلنسانية (األمم المتحدة)‪،‬‬
‫المنظمات اليهودية والدولية التي تدعم وتشارك الفلسطينيين في هذه المقاومة‪<http:// ،‬‬
‫‪www.palestinefreedom.org/organization?country=af>.‬‬
‫‪<http://www.nad-plo.org>.‬‬ ‫منظمة التحرير الفلسطينية‪ ،‬دائرة شؤون المفاوضات‪،‬‬

‫‪<http://qds-palestine-p.s>.‬‬ ‫الموقع اإللكتروني للحركة الشعبية‪،‬‬
‫‪<http://www.wafa.p.s/arabic/‬‬ ‫الموقع اإللكتروني لوكالة األنـبــاء الفلسطينية (وف ــا)‪،‬‬
‫‪index.php.action=detail8id=143628>.‬‬
‫«النبي صالح (قرية)‪ ».‬ويكيبيديا‪ :‬الموسوعة الحرة‪<http://ar.wikipedia.org/wiki/%d8 ،‬‬

‫_‪%a7%d9%84%d9%86%d8%a8%d9%8a_%d8%b5%d8%a7%d9%84%d8%ad‬‬
‫‪%d9%82%d8%b1%d9%8a%d8%a9>.‬‬
‫«نقاط التفتيش والحواجز‪ :‬البحث عن سبل العيش في الضفة الغربية وقطاع غزة‪ ».‬البنك‬
‫الدولي‪ ،‬دائرة التنمية المستدامة (مكتب الضفة الغربية والقدس)‪.2010 :‬‬
‫نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية‪.1998/7/17 ،‬‬
‫وثائق اللجنة الشعبية لمقاومة جدار الفصل العنصري في شمال غرب القدس‪- 2003 ،‬‬
‫‪.2008‬‬
‫وثائق المجالس والهيئات المحلية في محافظة القدس‪.2008 - 2003 ،‬‬

‫وثائق المؤتمر السادس لحركة فتح‪ :‬آب‪/‬أغسطس ‪.2009‬‬
‫‪380‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫وثيقة إعالن االستقالل اإلسرائيلي‪.1948 ،‬‬
‫«ورقة حقائق حول محافظة قلقيلية وسياسات النهب والتهجير‪ ».‬الحملة الشعبية لمقاومة‬
‫الجدار واالستيطان (رام الله)‪.2009 :‬‬
‫مقابالت‬
‫مقابـلـة مـع إبـراهـيـم عـمـيـرة (نـاشـط فـي الـمـقــاومــة الشعبية‪ ،‬قــريــة نعلين) سجن عوفر‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪.2010‬‬
‫مقابلة مــع أحـمــد قــريــع (عـضــو مــركــزيــة فـتــح‪ ،‬رئـيــس الـ ــوزراء الـســابــق) مكتب أبــو عــاء‪،‬‬
‫أبو ديس‪ ،‬أيار‪/‬مايو ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع أدار جريفسكي (ناشطة إسرائيلية ضد الجدار بوابة الجدار العازل) مستوطنة‬
‫ها أدار‪ ،‬حزايران‪/‬يونيو ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع جاد إسحاق (مدير مركز األبحاث التطبيقية‪ ،‬أريج)‪ ،‬مكتب أريج ‪ -‬بيت لحم‪،‬‬
‫آذار‪/‬مارس ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع جمال جمعة (رئيس الحملة الشعبية لمقاومة الجدار واالستيطان في الضفة‬
‫الغربية) مكتب رام الله‪ ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع جنوثان بوالك (ناشط إسرائيلي ضد الجدار) مكتب اللجنة التنسيقية لمقاومة‬
‫الجدار‪ ،‬رام الله‪ ،‬شباط‪/‬فبراير ‪.2009‬‬
‫مقابلة مع حسن يوسف موسى (ناشط في المقاومة الشعبية) قرية نعلين‪ ،‬سجن عوفر‬
‫اإلسرائيلي‪ ،‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪.2010‬‬
‫مقابلة مــع خليل توفكجي (مــديــر دائ ــرة الخرائط فــي جمعية الــدراســات العربية) وزارة‬
‫التخطيط‪ ،‬رام الله‪ ،‬نيسان‪/‬أبريل ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع داوود حمودة (مدير دائرة المعلومات في الحملة الشعبية لمقاومة الجدار) رام‬
‫الله‪ ،‬آذار‪/‬مارس ‪.2009‬‬
‫مقابلة مع رياض منصور (رئيس بعثة فلسطين في األمم المتحدة) فينا‪.2010/3/25 ،‬‬
‫مقابلة مــع ســامــي خضر (مــديــر مــركــز العمل التنموي (م ـع ـ ًا)) رام الـلــه‪ ،‬آب‪/‬أغـسـطــس‬
‫‪.2008‬‬
‫‪381‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مقابلة مع السيد الرئيس محمود عباس‪ .‬مكتب السيد الرئيس‪ ،‬رام الله‪ ،‬تموز‪/‬يوليو‬
‫‪.2009‬‬
‫مقابلة مع شريف كناعنة (أستاذ األنثروبولوجيا‪ ،‬جامعة بيرزيت) منزل كناعنه‪ ،‬كانون‬
‫الثاني‪/‬يناير ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع صالح بدر (مسئول االرتباط اإلسرائيلي الفلسطيني في منطقة رام الله)‪ ،‬وزارة‬
‫الشؤون المدنية‪ ،‬أيلول‪/‬سبتمبر ‪.2009‬‬
‫مقابلة مع صالح زهران (قيادى في حزب الشعب الفلسطيني)‪ ،‬القبيبة‪ ،‬أيلول‪/‬سبتمبر‬
‫‪.2009‬‬
‫مقابلة مع عايد مرار (ناشط في المقاومة الشعبية‪ ،‬قرية بدرس ‪ -‬رام الله )‪ ،‬تموز‪/‬يوليو‬
‫‪.2008‬‬
‫مقابلة مع عبد الفتاح حمايل (محافظ بيت لحم)‪ ،‬مكتب المحافظ‪ ،‬تموز‪/‬يوليو ‪.2009‬‬
‫مقابلة مع عبد الــوهــاب المسيري (المفكر العربي المصري‪ ،‬صاحب موسوعة اليهود‬
‫واليهودية والصهيونية)‪ ،‬مصر الجديدة‪ ،‬نيسان‪/‬أبريل ‪.2007‬‬
‫(منسق لجنة مقاومة الجدار فى بلعين)‪ ،‬بلعين‪ ،‬حزيران‪/‬‬
‫ّ‬ ‫مقابلة مع عبد الله أبو رحمة‬
‫يونيو ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع علي الجرباوي (وزير التخطيط الفلسطيني)‪ ،‬وزارة التخطيط‪ ،‬رام الله‪ ،‬آذار‪/‬‬
‫مارس ‪.2009‬‬
‫مقابلة مع عليان الهندي (باحث فلسطيني ومترجم من العبرية إلى العربية)‪ ،‬هيئة التوجيه‬
‫السياسي‪ ،‬رام الله‪ ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع فيصل حوراني (مفكر وكاتب فلسطيني)‪ ،‬فينا‪ 25 ،‬آذار‪/‬مارس ‪.2010‬‬
‫مقابلة مع كامل حميد (محافظ أريحا واألغوار) مكتب المحافظ‪ ،‬أريحا‪ ،‬نيسان‪/‬أبريل‬
‫‪.2009‬‬
‫مقابلة مع كمال عبد الفتاح (أستاذ الجغرافيا في جامعة بيرزيت)‪ ،‬بيرزيت‪ ،‬آب‪/‬أغسطس‬
‫‪.2007‬‬
‫مقابلة مع محمد الخطيب (ناشط في المقاومة الشعبية)‪ ،‬بلعين‪ 15 ،‬تموز‪/‬يوليو ‪.2007‬‬

‫مقابلة مع محمد الياس نــزال (رئيس اللجنة الوطنية للمقاومة الشعبية)‪ ،‬رام الله‪15 ،‬‬
‫تموز‪/‬يوليو ‪.2007‬‬
‫‪382‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مقابلة مع محمد منصور (أبو عالء منصور)‪( ،‬ناشط وكاتب فلسطيني)‪ ،‬رام الله‪ ،‬آب‪/‬‬
‫أغسطس ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع محمود العالول (عضو اللجنة المركزية لحركة فتح)‪ ،‬مكتب التعبئة والتنظيم‪،‬‬
‫كانون األول‪/‬ديسمبر ‪.2010‬‬
‫مقابلة مــع مصطفى البرغوثي (رئـيــس الـمـبــادرة الوطنية الفلسطينية)‪ ،‬مكتب المبادرة‪،‬‬
‫أيلول‪/‬سبتمبر ‪.2009‬‬
‫مقابلة مع مهيب عواد (عضو المجلس التشريعي الفلسطيني)‪ ،‬مكتب النائب عواد‪ ،‬رام‬
‫الله‪ ،‬آب‪/‬أغسطس ‪.2008‬‬
‫مقابلة مع هنيدة غانم (مدير مركز الدراسات اإلسرائيلية (مدار))‪ ،‬رام الله‪ ،‬نيسان‪/‬أبريل‬
‫‪.2009‬‬
‫مقابلة مــع وليد عساف (عضو المجلس التشريعي الفلسطيني‪ ،‬ورئـيــس لجنة األرض‬
‫واالستيطان)‪ ،‬شباط‪/‬فبراير ‪.2009‬‬
‫مقابلة مع يوسف دعيس (رئيس مجلس القضاء الشرعي)‪ ،‬العيزرية‪.2009/8/25 ،‬‬
‫مقابلة مع عماد أبو كشك (نائب رئيس جامعة القدس)‪ ،‬أيار‪/‬مايو ‪.2014‬‬
‫مقابلة مع سالم أبــو عيد وتوفيق النبالي (رؤســاء البلديات بــدو‪ ،‬بيرنباال)‪ ،‬آذار‪/‬م ــارس‬
‫‪.2014‬‬
‫مقابلة مع غسان عالن (رئيس مجلس محلي الجيب)‪ ،‬آذار‪/‬مارس ‪.2014‬‬
‫(منسق اللجنة الشعبية في بلعين وأحد النشطاء المركزيين‬

‫مقابلة مع عبد الله أبو رحمة ّ‬
‫في المقاومة الشعبية في الضفة الغربية)‪ ،‬آذار‪/‬مارس ‪.2014‬‬
‫مقابلة مع راضي الجراعي ومنير العبوشي (من القائمين على مشروع الدولة الواحدة)‪،‬‬
‫مكتب الحركة الشعبية‪ ،‬رام الله‪ 4 ،‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2014‬‬

‫مقابلة مع محمد شتيه (عضو اللجنة المركزية لحركة فتح‪ ،‬وعضو الوفد المفاوض لجولة‬
‫المفاوضات التي انطلقت فعلي ًا في ‪ 20 ،)2014/4/29‬حزيران‪/‬يونيو ‪.2014‬‬
‫‪383‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ األجنبية‬- 2
Books
Abdelrazek, Adnan and Khalil Tofakji. Israeli Colonial Policies and Practices
De-Arabization of East Jerusalem. Jerusalem: Arab Studies Society, 2008.
Abu Sitta, Salman. Palestinian Right to Return: Scared, Legal and Possible.
London: The Palestinian Return Center, 1999.
Alnu’man Village: A Case Study of Indirect Forcible Transfer. Ramallah:
Al-Haq, 2010.
Arab Studies Society. The Segregation Wall and Israeli Settlements in Hebron.
Jerusalem: Land Research Center, 2006.
Barrat, Claudie. The Advisory Opinion of the International of Court of Jus-
tice on the Construction of a Wall in the Occupied Palestinian Territory.
Ramallah: The Palestinian Independent Commission of Citizens, 2004.
Bishara, Marwan. Palestine/Israel: Peace or Apartheid: Prospects for Resolv-
ing the Conflict. London; New York: Zed Books, 2000.
Building Walls Breaking Communities: The Impact of the Annexation Wall on
East Jerusalem Palestinians. Ramallah: ALHAQ, 2005.
Clausewits, Carlvon. On War. translated by Michel Howard and Peter Paret.
Princeton, NJ: Princeton University Press, 1976.
Cattan, Henry. The Palestine Question. London: Saqi Books, 2000.
Chapman, Colin. Whose Promised Land?. England: Lion Publishing Right,
2002.
Chomsky, Noam. Middle East Illusions: Including Peace in the Middle East?
Reflections on Justice and Nationhood. New York: National Book Net-
work, 2003.
Finkelstein, Norman. Image and Reality of the Israel: Palestine Conflict.
London: Verso Books, 2003.
Gee, John R. Unequal Conflict: The Palestinians and Israel. New York: Olive
Pranch Press, 1998.
Geopolitical Status in Jerusalem Governorate. Jerusalem: Applied Research

Copyright © 2015.
Institute-Jerusalem, 2006.
Geopolitical Status in Jerusalem Governorate. Jerusalem: Applied Research
Institute-Jerusalem, 2007.
384
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
Gordon, Neve. Israel’s Occupation. California: University of California Press,
2008.
Guyatt, Nicholas. The Absence of Peace: Understanding the Israeli-Palestin-
ian Conflict. London: Zed Books, 2001.

Hilliard, Constance. Does Israel Have a Future: The Case for a Post-Zionist
State. Washington, DC: Potomac Books Inc., 2009.
Jerusalem. Jerusalem: Palestinian Academic Society (PASSIA), 1993.
Khalid, Rashid. The Iron Cage: The Story of the Palestinian Struggle for
Statehood. Boston, MA: Beacon Press, 2006.
Masalha, Nur (ed.). The Palestinians in Israel: Is Israel the State of all its
Citizens and Absentes?. [Ramallah]: Nazareth Jalilee Center for Social
Research, 1993.
Mustfa, Walid. Population and Urbanization from 1850-2000. Jerusalem:
Media and Communictation Center 2000.
The Occupied Jerusalem. Jerusalem: Palestinian Authority, 1998.
Pappe, Ilan. A History of Modern Palestine: One Land, Two Peoples. New
York: Cambridge University, 2006.
_ (ed.). The Israel/Palestine Question: A Reader. London: Routledge,
2007. (Rewriting Histories)
Al-Qassem, Anis. The Wall of Ideology: The Wall of Theology in The Apartheid
Wall in Palestine. Amman: The Jordanian National Campaign Against the
Apartheid Wall, 2009.
Qurie, Ahmed (Abu Ala’). Beyond OSLO: The Struggle for Palestine: Inside
the Middle East Peace Process from Rabin’s Death to Camp David. Lon-
don: IB Tauris, 2008.
Reinhart, Tanya. Israel-Palestine: How to End the War of 1948?. New York:
Seven Stories Book, 2005.
Robertson, David. Dictionary of Modern Politics. 3rd ed. London: Europa
Publications Ltd., 2002.
Ruhana, Kate B. The Reality of Jerusalem’s Palestinians Today. Jerusalem:

Jerusalem Media and Communication Center, 2001.
Copyright © 2015.
Said, Edward. The End of the Peace Process. New York: Pantheon Books,
2000.
385
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
Shahak, Israel. Jewish History, Jewish Religion: The Weight of Three Thousand
Years. Virginia; London: Pluto Press, 1994.
Shlim, Avi. The Iron Wall: Israel and the Arab World. New York: Penguin
Book’s, 2001.
Sillis, David L. (ed.). International Encyclopedia of Social Sciences. New
York: The Macmillan co., 1986. 18 vols.
Tufakji, Khalil. The Situation of the Land and Housing Sector in Light of the
Construction of the Apartheid Wall. Jerusalem: Coalition for Defending
Human Rights, 2006.
Water for Life. Ramallah: Palestinian Hydrology Group (PHG) and Palestine
Water for life Campaign, 2008.
Weizman, Eyal. Hollow Land: Israel’s Architecture of Occupation. London;
New York: Verso Books, 2007.
Periodicals
Khalidi, Walid. «Plan Dalet: Master Plan for the Conquest of Palestine.»
Palestine Studies: vol. 18, no. 1, Autumn 1988.
«Palestinian Displacement: A Case Apart?.» Forced Migration Review: no.
26, August 2006.
Shavit, Ari. «Survival of the Fittest.» Haarets: 9/1/2004.
Reports and Websites

«Convention on the Prevention and Punishment of the Crime of the Geno-
cide.» United Nations: 9 December 1948.
«General and Annual Reports 2004.» Al-Haq: June 2005, <http://www.
alhaq.org/publications/publications-index/item/waiting-for-jus-
tice-al-haq-s-25th-anniversary-report?category_id=>.
«Introducing the BDS Movement.» Mouvement Freedom Justice Equality,
<http://www.bdsmovement.net/bdsintro>.
«LAND GRAB- Israeli’s Settlements Policy in the West Bank.» B’TSELEM

Report to the Human Right’s: May 2002.
Copyright © 2015.
Mouvement Freedom Justice Equality, <http://www.bdsmovement.

net/?9=node/52≠Arabic>.
386
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
The Palestine Freedom Project, <http://www.palestinefreedom.org/organiza-
tion?country=af>.
«Statistical Abstract of Israel 2009.» Central Bureau of Statistics (Israel):
2009, <http://www1.cbs.gov.il/reader/shnaton/shnatone_new.htm?c-
year=2009&vol=60&csubject=30>.
Copyright © 2015.
387
UNIVERSITY
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
Account: ns153310
UNIVERSITY
Account: ns153310
AN: 1086490 ; .; : (2002-2014)
388
‫فـهرس‬
‫االتحاد الدولي للصحفيين‪310 :‬‬ ‫ـأـ‬

‫اتفاق أوسلو االنتقالي الثاني (‪195 :)1995‬‬
‫اتفاقيات أوسلو (‪،158 ،149 ،23 :)1993‬‬ ‫آدمز‪ ،‬جون‪67 :‬‬
‫‪334 ،284 ،241 ،236 ،204 ،183‬‬ ‫آرندت‪ ،‬حنة‪185 :‬‬
‫اتفاقيات رودس (‪140 :)1949‬‬ ‫آشتون‪ ،‬كاثرين‪333 :‬‬
‫اتفاقية جنيف الرابعة (‪328 ،157 :)1949‬‬ ‫ألترمان‪ ،‬غيفان‪312 :‬‬
‫اتفاقية حقوق الطفل‬ ‫إبـ ـ ــادة س ـيــاس ـيــة‪،203 ،197-196 ،26 :‬‬
‫ـــال ـبــروتــوكــول االخ ـت ـيــاري ال ـخــاص بعدم‬ ‫‪346 ،260 ،206‬‬
‫مـ ـش ــارك ــة األط ـ ـفـ ــال ف ــي ال ـ ـنـ ــزاع الـمـسـلــح‬
‫أبارتهايد‪،251 ،206-205 ،83 ،29 ،27 :‬‬
‫(‪335 :)2000‬‬
‫‪306 ،302-301 ،257-255‬‬
‫االت ـف ــاق ـي ــة ال ــدولـ ـي ــة ل ـح ـق ــوق ذوي اإلع ــاق ــة‬
‫أبو خضير‪ ،‬محمد‪340 ،332 ،291 :‬‬
‫(‪335 :)2006‬‬
‫أبو رحمة‪ ،‬عبد الله‪297 :‬‬
‫االتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال‬

‫التمييز (‪335 :)1966‬‬ ‫أبو ظاهر‪ ،‬محمد‪337 :‬‬
‫االتـ ـف ــاقـ ـي ــة ال ــدولـ ـي ــة ل ـق ـم ــع ج ــري ـم ــة ال ـف ـصــل‬ ‫أبو عيد‪ ،‬ضياء‪5 :‬‬
‫العنصري (‪335 :)1973‬‬ ‫أبو القاسم الشابي‪259 :‬‬
‫‪389‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ألون‪ ،‬يغال‪200 :‬‬ ‫اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد‬
‫إليعازر‪ ،‬بنيامين‪162 :‬‬ ‫المرأة (‪335 :)1979‬‬
‫إمبريالية‪76 :‬‬ ‫اتفاقية كامب ديفيد (‪200 :)1978‬‬
‫األمم المتحدة‪303 ،75-74 :‬‬ ‫اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب‬

‫ـــالجمعية العامة‪229 ،28 :‬‬ ‫المعاملة القاسية أو الالإنسانية أو المهينة‬
‫ـــالقرار الرقم (‪325 ،32 :)67/19‬‬ ‫(‪335 :)1984‬‬
‫ـــالقرار الرقم (‪74 :)26‬‬ ‫ـــالبروتوكول االختياري (‪335 :)2002‬‬
‫ـــالقرار الرقم (‪189 :)86/46‬‬ ‫اتفاقية منع جريمة اإلبادة الجماعية (‪:)1948‬‬
‫ـــالقرار الرقم (‪،140 ،137 :)181‬‬ ‫‪335‬‬
‫‪215‬‬ ‫أتونوميا‪254 :‬‬
‫ـــالقرار الرقم (‪،315 ،302 :)194‬‬ ‫إثنوقراط‪102-101 :‬‬
‫‪331 ،322‬‬ ‫أحداث ‪ 11‬أيلول‪/‬سبتمبر (‪،198 :)2001‬‬
‫ـــالـ ـلـ ـجـ ـن ــة األم ـ ـم ـ ـيـ ــة ال ـ ـخـ ــاصـ ــة ب ـت ـن ـس ـيــق‬ ‫‪313‬‬
‫المساعدات الدولية‪228 :‬‬ ‫أرئيلي‪ ،‬شاؤول‪209 :‬‬
‫ـــمجلس األمن‬ ‫أراد‪ ،‬عوزي‪226 :‬‬
‫ـــالقرار الرقم (‪،160-159 :)242‬‬ ‫أرونسون‪ ،‬جيفري‪215 :‬‬
‫‪269 ،225 ،199-198‬‬
‫استشراق‪71-68 :‬‬
‫ـــالقرار الرقم (‪198 ،160 :)338‬‬
‫إسرائيل‪ ،‬أوري‪272 :‬‬
‫ـــمحكمة العدل الدولية‪301 ،261 ،28 :‬‬
‫أشتون‪ ،‬كاثرين‪297 :‬‬
‫ـــمنظمة التربية والعلم والثقافة‪328 :‬‬
‫ـــميثاق‪306 :‬‬ ‫اشتيه‪ ،‬محمد‪329 :‬‬
‫أمن غذائي‪281 :‬‬ ‫أشكناز‪51 :‬‬
‫أمن المجتمع‪128 :‬‬ ‫أشكول‪ ،‬ليفي‪155 :‬‬
‫أمينوف‪ ،‬إيلي‪317 :‬‬ ‫إعادة إعمار غزة‪338 :‬‬
‫االن ـت ـخــابــات ال ـعــامــة اإلســرائ ـي ـل ـيــة (‪:)2001‬‬ ‫إعالن دولة إسرائيل (‪37 :)1948‬‬
‫‪163‬‬ ‫اإلعــان العالمي لحقوق اإلنسان (‪:)1948‬‬
‫االنتداب البريطاني على فلسطين (‪- 1920‬‬ ‫‪322 ،250‬‬
‫‪137 ،20 ،14 :)1948‬‬ ‫التميمي‪ ،‬مصطفى عبد الرازق‪298 :‬‬
‫انتفاضة فلسطين األولى (‪340 :)1987‬‬ ‫ألتوسير‪ ،‬لوي‪254 :‬‬

‫انتفاضة فلسطين الثانية (‪،151 ،23 :)2000‬‬ ‫ألموند‪ ،‬غابرييل‪40 :‬‬

‫‪284 ،161‬‬ ‫ألوني‪ ،‬شلوميت‪205 :‬‬
‫‪390‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫بــن غ ــوري ــون‪ ،‬ديـفـيــد‪،100 ،95 ،48 ،45 :‬‬ ‫إنديك‪ ،‬مارتن‪336 :‬‬
‫‪،145-143 ،140 ،137 ،129 ،123‬‬ ‫أوباما‪ ،‬باراك‪328 ،317 :‬‬
‫‪344 ،252 ،239-238 ،205 ،171‬‬
‫أوبنهايمر‪ ،‬ياريف‪272 :‬‬
‫البنك الدولي‪249 :‬‬

‫أولمرت‪ ،‬إيهود‪314 ،207 ،134 :‬‬
‫بن مئير‪ ،‬يهودا‪312 :‬‬
‫ايتام‪ ،‬إيفي‪51 :‬‬
‫بن يشاي‪ ،‬رون‪291 :‬‬
‫أيالند‪ ،‬غيورا‪235 :‬‬
‫بهات‪ ،‬إيال‪298 :‬‬
‫إيلون‪ ،‬عامي‪287 :‬‬
‫بوبر‪ ،‬مارتن‪194-193 :‬‬
‫بوتائر‪ ،‬إسرائيل‪126 :‬‬
‫بورغ‪ ،‬أبراهام‪127-124 :‬‬ ‫ـبـ‬
‫بوش‪ ،‬جورج (األب)‪159 :‬‬
‫ب ــوش‪ ،‬ج ــورج (االبـ ــن)‪-199 ،176 ،64 :‬‬ ‫بابيه‪ ،‬إيالن‪323 ،188 ،44 :‬‬
‫‪201‬‬ ‫باتش‪ ،‬رالف‪140 :‬‬
‫بيت هالحمي‪ ،‬بنيامين‪223 :‬‬ ‫بادنتير‪ ،‬روبير‪187 :‬‬
‫بيرون‪ ،‬ياكوف‪123 :‬‬ ‫باراك‪ ،‬أهارون‪317 ،211 ،162 :‬‬
‫بيريز‪ ،‬شمعون‪143 :‬‬ ‫ب ـ ــاراك‪ ،‬إي ـه ــود‪،176 ،163 ،151 ،134 :‬‬
‫بيغن‪ ،‬مناحيم‪215 ،161 ،159 :‬‬ ‫‪337 ،206 ،181‬‬
‫بيكر‪ ،‬جيمس‪159 :‬‬ ‫بارسونز‪ ،‬تالكوت‪111 :‬‬
‫بيل‪ ،‬وليم‪47 :‬‬ ‫باعيل‪ ،‬مئير‪46 :‬‬
‫بينيت‪ ،‬نفتالي‪306 ،273 :‬‬ ‫باي‪ ،‬لوسيان‪40 :‬‬
‫بدوان‪ ،‬محمد‪5 :‬‬
‫ـتـ‬ ‫البرغوثي‪ ،‬عمر‪311-310 :‬‬
‫بشارة‪ ،‬عزمي‪189 ،139 ،104 ،82 :‬‬
‫ترانسفير‪،86 ،50 ،48-46 ،38 ،36-35 :‬‬
‫بطالة‪281 ،250 :‬‬
‫‪،201 ،179 ،166 ،149 ،146 ،144‬‬
‫‪،252 ،239 ،227-226 ،219 ،212‬‬ ‫بلفور‪ ،‬جيمس‪68 :‬‬
‫‪346 ،344-343 ،256-255‬‬ ‫بن آري‪ ،‬أوري‪46 :‬‬

‫تريزا‪ ،‬داني‪209 ،179 ،162 :‬‬ ‫بن إليعازر‪ ،‬أوري‪292 :‬‬

‫تشومسكي‪ ،‬نعوم‪254 :‬‬ ‫بنتالند‪ ،‬غرو‪298 :‬‬
‫‪391‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫جلعادي‪ ،‬عيبال‪162 :‬‬ ‫التطبيع مع إسرائيل‪198 :‬‬
‫جماعة جباية الثمن‪287 :‬‬ ‫تطهير عرقي‪،36 ،33 ،26 ،18 ،16 ،13 :‬‬
‫جماعة شبيبة التالل‪287 :‬‬ ‫‪،90-89 ،78-77 ،74 ،53 ،45 ،38‬‬
‫جمعية حقوق اإلنسان في إسرائيل‪103 :‬‬ ‫‪،344-343 ،319 ،225 ،166 ،101‬‬
‫‪346‬‬
‫جنتال‪ ،‬بوير‪227 :‬‬
‫تلمود‪98 ،96 ،94 ،92 ،90 :‬‬
‫جوبينو‪ ،‬جوزف آرثر دي‪58-57 :‬‬
‫التميمي‪ ،‬باسم‪298 :‬‬
‫جوردان‪ ،‬دافيد‪58 :‬‬
‫تمييز عنصري‪324 ،84 ،39 :‬‬
‫جيفرسون‪ ،‬توماس‪73 :‬‬
‫تنظيم بات هعين‪284 :‬‬
‫جيالني‪ ،‬هينا‪298 :‬‬
‫ت ـهــويــد فـلـسـطـيــن‪،107 ،104 ،51 ،31 :‬‬
‫جيوبولتيك‪16 :‬‬
‫‪-265 ،261 ،170 ،164 ،160 ،124‬‬
‫‪320 ،266‬‬
‫ـحـ‬ ‫توتو‪ ،‬ديزمون‪298 :‬‬
‫تيتونية‪58 :‬‬
‫حاخامات من أجل السالم‪42 :‬‬
‫حادثة بيرل هاربور (‪175 :)1941‬‬
‫ـثـ‬
‫حازان‪ ،‬يحئيل‪201 :‬‬
‫حراك عربي‪260 :‬‬ ‫ثقافة سياسية‪189 ،41-39 :‬‬
‫حراك فلسطيني‪262 :‬‬
‫الحرب الباردة‪159 ،38 :‬‬
‫ح ــرب الـخـلـيــج الـثــانـيــة (‪:)1991 - 1990‬‬
‫ـجـ‬
‫‪159‬‬
‫جابوتنسكي‪ ،‬زئـيــف فــاديـمـيــر‪،120 ،21 :‬‬
‫الحرب العالمية األولى (‪:)1918 - 1914‬‬
‫‪134-133 ،131-128‬‬
‫‪170 ،82 ،21‬‬
‫جاكسون‪ ،‬أندرو‪79 :‬‬
‫الحرب العالمية الثانية (‪:)1942 - 1939‬‬
‫‪175‬‬ ‫جامعة الدول العربية‪197 :‬‬
‫جبارين‪ ،‬يوسف‪268-267 ،179 :‬‬
‫الحرب العربية ‪ -‬اإلسرائيلية‬

‫ـــ(‪،225 ،207 ،139 ،30-29 :)1948‬‬ ‫جرائم حرب‪326 ،18 :‬‬
‫‪343 ،337 ،327 ،268 ،240 ،237‬‬ ‫جرائم ضد اإلنسانية‪205 ،45 ،43 :‬‬
‫ـــ(‪225 ،157 ،143 ،33 ،28 :)1967‬‬ ‫الجرباوي‪ ،‬علي‪201 ،27 :‬‬
‫‪392‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ح ـق ــوق اإلن ـ ـسـ ــان‪،104-103 ،84 ،31 :‬‬ ‫حرب ممتدة‪240-237 ،207 :‬‬
‫‪،298-295 ،275 ،248 ،237 ،157‬‬ ‫حركة حباد‪285 :‬‬
‫‪337 ،308 ،303‬‬ ‫حركة حماس‪339-338 ،327 :‬‬
‫حقوق مدنية‪51 ،49 :‬‬ ‫حركة زو ‪ -‬آرتسينو‪284 :‬‬

‫حل الدولتين‪332 ،327 ،323 :‬‬ ‫حركة السالم اآلن‪272 ،42 :‬‬
‫حملة المقاطعة العالمية إلسرائيل‪31 :‬‬ ‫الحركة الصهيونية‪،48-46 ،44 ،16-15 :‬‬
‫‪،137 ،134 ،105 ،100-98 ،93 ،63‬‬
‫‪347 ،318-317 ،260 ،180-179‬‬
‫ـخـ‬
‫الحركة العالمية لمقاطعة إسرائيل‪302 :‬‬
‫الخالدي‪ ،‬أحمد سامح‪319 :‬‬ ‫حركة غوش إيمونيم‪318 ،217 ،156 :‬‬
‫الخالدي‪ ،‬وليد‪50 :‬‬ ‫حركة كاخ‪285 :‬‬
‫خطة يهوشع (‪45 :)1948‬‬ ‫حركة هناك حدود‪42 :‬‬
‫حزب إسرائيل بيتنا‪272 :‬‬
‫حزب شاس اإلسرائيلي‪217 :‬‬
‫ـدـ‬
‫حزب العمال البريطاني‪47 :‬‬
‫داروين‪ ،‬تشارلز‪60-59 ،16 :‬‬ ‫حـ ــزب ال ـع ـم ــل اإلس ــرائـ ـيـ ـل ــي‪،155 ،128 :‬‬
‫‪،215 ،200 ،183 ،163 ،161 ،158‬‬
‫داروينية‪142 ،97 ،77-76 ،62 :‬‬
‫‪286 ،224-223‬‬
‫دانين‪ ،‬عزرا‪252 :‬‬
‫حزب كاديما اإلسرائيلي‪217 :‬‬
‫دوركهايم‪ ،‬إميل‪112 :‬‬
‫حــزب الليكود‪،163 ،159 ،156 ،128 :‬‬
‫دوغارد‪ ،‬جون‪298 ،248 :‬‬
‫‪-207 ،204 ،201-200 ،183 ،170‬‬
‫دولة البقايا‪203 ،201 :‬‬ ‫‪291 ،285-284 ،220 ،215 ،208‬‬
‫دياسبورا‪122 ،100 :‬‬ ‫حزب ميرتس اإلسرائيلي‪273 ،205 :‬‬
‫ديان‪ ،‬موشيه‪،200 ،165 ،158 ،143 ،50 :‬‬ ‫حضارة غربية‪260 ،131 ،83 ،77 :‬‬
‫‪215‬‬
‫حــق تقرير المصير‪،205 ،196 ،26 ،24 :‬‬
‫دي توكفيل‪ ،‬ألكسي‪40 :‬‬ ‫‪341 ،325 ،270 ،267 ،215 ،208‬‬
‫ديختر‪ ،‬شالوم‪226 :‬‬ ‫ح ــق ال ـ ـعـ ــودة‪،208 ،181 ،174-173 :‬‬

‫ديسكن‪ ،‬آفي‪317 :‬‬ ‫‪346 ،333 ،223‬‬
‫‪393‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫سعيد‪ ،‬إدوارد‪167 ،70 ،68 ،65 ،27 :‬‬ ‫ـرـ‬
‫سفارد‪ ،‬ميخائيل‪213 ،211-209 :‬‬
‫سفارديم‪122 ،120 :‬‬ ‫الرؤيا األمريكية للسالم في الشرق األوسط‬
‫(‪199 :)2002‬‬
‫سقوط جدار برلين (‪295 :)1989‬‬
‫سوء التغذية‪50 :‬‬ ‫رابـيــن‪ ،‬إسـحــاق‪،163 ،159 ،151 ،134 :‬‬
‫‪207‬‬
‫سوبول‪ ،‬يهوشع‪257 :‬‬
‫رامون‪ ،‬حاييم‪163 :‬‬
‫ســوفـيــر‪ ،‬أرن ـ ــون‪-174 ،172 ،170 ،25 :‬‬
‫‪239 ،219 ،176‬‬ ‫رايس‪ ،‬كونداليزا‪202 :‬‬
‫سيجف‪ ،‬توم‪44 :‬‬ ‫روبنسون‪ ،‬ماري‪298 :‬‬

‫روجرز‪ ،‬جورج‪79 :‬‬
‫روزفلت‪ ،‬فرانكلين‪175 :‬‬
‫ـشـ‬ ‫روي‪ ،‬سارة‪121 :‬‬
‫ريان‪ ،‬محمد‪5 :‬‬
‫شــابــاك‪-287 ،276 ،274 ،271 ،241 :‬‬
‫‪291 ،288‬‬ ‫رينهولد‪ ،‬جوناثان‪303 :‬‬
‫شاحاك‪ ،‬إسرائيل‪94-93 :‬‬
‫شاحل‪ ،‬موشي‪162 :‬‬ ‫ـزـ‬
‫ش ـ ــارون‪ ،‬آري ـي ــل‪،135-134 ،128 ،23 :‬‬
‫‪،176-175 ،163-161 ،146 ،142‬‬ ‫زئيفي‪ ،‬رحبعام‪219 :‬‬
‫‪،205 ،201-199 ،196 ،189 ،179‬‬ ‫زيني‪ ،‬أنطوني‪162 :‬‬
‫‪،237 ،220 ،215-214 ،210-207‬‬
‫‪314 ،312 ،300 ،292 ،284 ،252‬‬
‫شاليط‪ ،‬جلعاد‪339 :‬‬ ‫ـسـ‬
‫شامبرالين‪ ،‬ستيورات‪58 :‬‬
‫ساد‪ ،‬ألفونس فرانسوا دو‪248 ،239 :‬‬
‫شامير‪ ،‬إسرائيل‪232 ،113 :‬‬
‫سارتر‪ ،‬جان بول‪232 :‬‬
‫شتات يهودي‪34 :‬‬
‫ساسون‪ ،‬إلياهو‪252 :‬‬
‫شتيرنهل‪ ،‬زئيف‪94 :‬‬
‫سافون‪ ،‬هيرفي‪76 :‬‬
‫ش ــرع ـي ــة‪،203-202 ،200 ،198 ،32 :‬‬

‫‪-305 ،296 ،290 ،261 ،255 ،212‬‬ ‫ساند‪ ،‬شلومو‪315 :‬‬
‫‪330 ،328 ،306‬‬ ‫سبيرو‪ ،‬جدعون‪127 :‬‬

‫شرعية دولية‪261 ،255 ،198 :‬‬ ‫سعدي‪ ،‬أحمد‪134 :‬‬
‫‪394‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫عــزل عنصري‪،256 ،184 ،91 ،82-80 :‬‬ ‫شاليم‪ ،‬آفي‪44 :‬‬
‫‪301‬‬ ‫شنهاف‪ ،‬يهودا‪203 :‬‬
‫عزمي‪ ،‬بشارة‪107 :‬‬ ‫شوحت‪ ،‬إيال‪122-121 :‬‬
‫عالقات عنصرية‪56 :‬‬ ‫شوفينية‪239 ،96 :‬‬

‫علقم‪ ،‬نبيل‪197 :‬‬ ‫الشيخ‪ ،‬نورهان‪7 :‬‬
‫عملية الـجــرف الصامد (فلسطين‪:)2014 ،‬‬ ‫شيفر‪ ،‬ر‪50 :‬‬
‫‪340‬‬
‫شيلواح‪ ،‬تسفي‪179 :‬‬
‫عملية دير ياسين (‪80 ،46 :)1948‬‬
‫عملية الرصاص المصبوب (‪338 :)2008‬‬
‫عملية عمود السحاب (‪338 :)2012‬‬ ‫ـصـ‬
‫عنصرية‪،34 ،30-29 ،26-25 ،18-16 :‬‬
‫‪،74 ،65 ،63 ،61-55 ،48 ،39-38‬‬ ‫صراع دارويني‪60 :‬‬
‫‪،120 ،94 ،89-87 ،84-81 ،77‬‬ ‫صراع سياسي‪85 :‬‬
‫‪،193 ،190-187 ،133 ،131 ،127‬‬ ‫ال ـصــراع الـعــربــي ‪ -‬اإلســرائـيـلــي‪،198 ،13 :‬‬
‫‪،296 ،285 ،262 ،248 ،218-216‬‬ ‫‪322 ،316 ،314‬‬
‫‪،328 ،324 ،321 ،309 ،302 ،299‬‬ ‫صراع عنصري‪56 :‬‬
‫‪347 ،345‬‬
‫عنف استعماري‪35 :‬‬
‫عنف إســرائـيــل‪،307 ،299 ،295 ،162 :‬‬ ‫ـطـ‬
‫‪339‬‬
‫العهد الدولي الخاص بالحقوق االقتصادية‬ ‫طرد جماعي‪343 ،106 :‬‬
‫واالجتماعية (‪335 :)1966‬‬
‫ال ـع ـهــد ال ــدول ــي ال ـخ ــاص بــال ـح ـقــوق الـمــدنـيــة‬ ‫ـعـ‬
‫والسياسية (‪335 :)1966‬‬
‫عوز‪ ،‬عاموس‪288 ،286 :‬‬ ‫عباس‪ ،‬محمود‪،326-325 ،320 ،314 :‬‬
‫عيد‪ ،‬زكريا محمود‪5 :‬‬ ‫‪338 ،335-334‬‬
‫عبد الملك‪ ،‬أنور‪65 :‬‬
‫ـغـ‬ ‫عدالة اجتماعية‪307 :‬‬

‫عرفات‪ ،‬ياسر‪337 ،320 ،198 :‬‬

‫غابيزون‪ ،‬روت‪103 :‬‬ ‫عريقات‪ ،‬صائب‪336-335 ،332 ،329 :‬‬
‫‪395‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫فيربا‪ ،‬سيدني‪40 :‬‬ ‫غارودي‪ ،‬روجيه‪92 :‬‬
‫فيرشافسكي‪ ،‬ميخائيل‪312-311 :‬‬ ‫الغازي‪ ،‬غادي‪213 :‬‬
‫فيشمان‪ ،‬أليكس‪290 :‬‬ ‫غالئون‪ ،‬زهافا‪273 :‬‬
‫فيلدمان‪ ،‬جاكي‪127 :‬‬ ‫غاندي‪ ،‬موهانداس كرمشاند‪295 :‬‬

‫غانم‪ ،‬السيد‪7 :‬‬
‫غانم‪ ،‬هنيدة‪196 :‬‬
‫ـقـ‬
‫غرينبرغ‪ ،‬ليف‪197 ،151-150 :‬‬
‫القانون الــدولــي‪،309 ،307-306 ،303 :‬‬ ‫غلعادي‪ ،‬أفنير‪239 :‬‬
‫‪337-336 ،328-326‬‬ ‫غنيسبرغ‪ ،‬إسحق‪98 :‬‬
‫قانون العودة اإلسرائيلي‪19 :‬‬ ‫غوردون‪ ،‬نيف‪255 :‬‬
‫قريع‪ ،‬أحمد‪222 :‬‬ ‫غيتو‪188 ،121-116 ،94-93 ،91 :‬‬
‫القضية الفلسطينية‪،321 ،307 ،296 ،31 :‬‬ ‫غيلبر‪ ،‬يوئاف‪176 :‬‬
‫‪334‬‬ ‫غيلون‪ ،‬كارمي‪287 :‬‬
‫قـمــة كــامــب ديـفـيــد (‪،199 ،160 :)2000‬‬
‫‪337 ،313‬‬
‫قيم دينية‪120 :‬‬ ‫ـفـ‬
‫قيم غيتوية‪121-120 :‬‬
‫فالرشتاين‪ ،‬بنحاس‪273 :‬‬
‫فالك‪ ،‬ريتشارد‪309 :‬‬
‫ـكـ‬ ‫فايتس‪ ،‬يوسف‪252 ،157 ،48 :‬‬
‫الفرا‪ ،‬بركات‪7 :‬‬
‫كارتر‪ ،‬جيمي‪298 ،231 :‬‬
‫فرغوال‪ ،‬سيرجيو دي ال‪219 :‬‬
‫كاردوس‪ ،‬فرندو‪298 :‬‬
‫فصل عنصري‪،36 ،34 ،29 ،25 ،18 ،5 :‬‬
‫كافلينسكي‪ ،‬موشيه‪162 :‬‬
‫‪،112 ،109 ،94 ،83-81 ،53 ،39‬‬
‫كانط‪ ،‬إيمانويل‪112 :‬‬ ‫‪،260 ،254-253 ،248 ،151-150‬‬
‫كرامب‪ ،‬جون آدم‪64 :‬‬ ‫‪،321 ،303-302 ،295-294 ،283‬‬
‫كفاح سلمي‪261 :‬‬ ‫‪348 ،344 ،335 ،324‬‬
‫كالرك‪ ،‬جورج روجرز‪79 :‬‬ ‫فورد‪ ،‬هنري‪93 :‬‬

‫كلنتون‪ ،‬بيل‪225 :‬‬ ‫فوكو‪ ،‬ميشيل‪34 :‬‬

‫كناعنة‪ ،‬شريف‪197 :‬‬ ‫فيبر‪ ،‬ماكس‪111 :‬‬
‫‪396‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫مؤتمر القمة العربية (‪ :2002 :14‬بيروت)‪:‬‬ ‫كهانا‪ ،‬مائير‪219 :‬‬
‫‪198‬‬ ‫كوري‪ ،‬راشيل‪295 :‬‬
‫مؤتمر القمة العربية (‪ :2014 :25‬الكويت)‪:‬‬ ‫كوك‪ ،‬أبراهام‪144 ،98 :‬‬
‫‪316‬‬ ‫كوك‪ ،‬تسفي يهودا‪217 ،156 :‬‬

‫مؤتمر مدريد (‪159 :)1991‬‬ ‫كولونيالية‪-135 ،88 ،68 ،63 ،26 ،13 :‬‬
‫مؤتمر ميونيخ لألمن (‪306 :)2014‬‬ ‫‪،189 ،179 ،177 ،146 ،142 ،136‬‬
‫مؤتمر هرتزليا‬ ‫‪،268 ،254 ،238-236 ،234 ،214‬‬
‫ـــاألول (‪200 ،172 :)2000‬‬ ‫‪347 ،300 ،278‬‬
‫ـــالخامس (‪187 :)2004‬‬ ‫كويست‪ ،‬بيتر الغر‪256 :‬‬
‫ـــالسادس (‪226 :)2006‬‬ ‫ك ـي ــري‪ ،‬جـ ــون‪،334-333 ،329 ،305 :‬‬
‫مائير‪ ،‬غولدا‪177 ،93 ،18 :‬‬ ‫‪336‬‬
‫ماركسية‪112-111 :‬‬ ‫كيمرلينغ‪ ،‬باروخ‪205 ،196 ،26 :‬‬
‫مار‪ ،‬ولهم‪122 :‬‬ ‫كينغ‪ ،‬مارتن لوثر‪295 :‬‬
‫مسيسة‪98 :‬‬
‫ماشيحانية ّ‬
‫مالتوس‪ ،‬توماس‪175 :‬‬
‫ـلـ‬
‫مانديال‪ ،‬نيلسون‪295 :‬‬
‫متسناع‪ ،‬عمرام‪223 :‬‬ ‫الجئون فلسطينيون‪265 ،182 ،125 :‬‬
‫مجتمع إســرائـيـلــي‪،177 ،129 ،25 ،19 :‬‬ ‫السامية‪318 ،306 ،122 :‬‬
‫‪،296 ،290 ،283 ،239 ،185-184‬‬ ‫اللوزي‪ ،‬رائد‪247 :‬‬
‫‪346 ،311‬‬
‫ليبرمان‪ ،‬أفيغدور‪272 ،187 :‬‬
‫المجتمع ال ــدول ــي‪،158 ،145 ،39-38 :‬‬
‫ليبرمان‪ ،‬بنتسي‪273 :‬‬
‫‪،299 ،261 ،259 ،227 ،223 ،221‬‬
‫‪،327-325 ،319 ،307 ،303-302‬‬ ‫ليفنغر‪ ،‬موشيه‪219 :‬‬
‫‪343‬‬ ‫ليفني‪ ،‬تسيبي‪329 ،217 :‬‬
‫مجتمع فلسطيني‪320 ،228 ،174 :‬‬ ‫ليفي‪ ،‬جدعون‪265 :‬‬
‫المجتمع المدني‪303 :‬‬ ‫لييد‪ ،‬يائير‪304 :‬‬
‫مجتمع يهودي‪180 ،172 ،14 :‬‬
‫مجزرة كفر قاسم (‪343 :)1956‬‬ ‫ـمـ‬

‫مجلس الكنائس العالمي‪305-304 :‬‬

‫محاكم التفتيش في إسبانيا (‪121 :)1478‬‬ ‫مؤتمر أنابوليس (‪314 :)2007‬‬
‫‪397‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫موريس‪ ،‬بيني‪239 ،44 :‬‬ ‫محكمة الجنايات الدولية‪261 :‬‬
‫موفاز‪ ،‬شاوول‪210 :‬‬ ‫مذكّرة واي ريفر (‪158 :)1998‬‬
‫مولخو‪ ،‬إسحاق‪329 :‬‬ ‫مرار‪ ،‬غازي فخري‪7 :‬‬
‫ميثاق فيينا للعالقات الدبلوماسية (‪:)1961‬‬ ‫مرحلة اليوشوف‪،101 ،98 ،49 ،44 ،14 :‬‬
‫‪121‬‬
‫‪335‬‬
‫مركز بيغن ‪ -‬السادات‪303 :‬‬
‫مـيـثــاق فيينا لـلـعــاقــات القنصلية (‪:)1963‬‬
‫مريدور‪ ،‬دان‪224 :‬‬
‫‪335‬‬
‫المسيري‪ ،‬عبد الوهاب‪55 ،7 :‬‬
‫ميثاق قانون المعاهدات (‪335 :)1969‬‬
‫مسيكا‪ ،‬غرشون‪291 :‬‬
‫ميثاق الهاي (‪335 ،328 :)1907‬‬
‫مشروع روتنبرغ لتوليد الكهرباء‪235 :‬‬
‫ميثولوجيا‪128 ،78 ،61 :‬‬
‫مصالحة‪ ،‬نور الدين‪144 ،107 :‬‬
‫ميلفيل‪ ،‬هيرمان‪67 :‬‬
‫معاداة السامية‪304 ،20 :‬‬
‫مـ ـع ــاه ــدة ال ـ ـسـ ــام األردنـ ـ ـي ـ ــة ‪ -‬اإلس ــرائ ـي ـل ـي ــة‬
‫ـنـ‬ ‫(‪225 :)1994‬‬
‫مفاوضات السالم الفلسطينية ‪ -‬اإلسرائيلية‪:‬‬
‫نتنياهو‪ ،‬بنيامين‪-272 ،226 ،207 ،134 :‬‬ ‫‪336‬‬
‫‪317 ،314 ،306 ،304 ،290 ،273‬‬ ‫مكتب تنسيق الشؤون اإلنسانية‪285 :‬‬
‫نزعة رومانسية استعمارية‪255 :‬‬ ‫مكوير‪ ،‬بلعين مرياد‪297 :‬‬
‫نظام البانتو‪87-85 :‬‬ ‫منظمة تاج محيير‪284 :‬‬

‫منظمة الـتـحــريــر الفلسطينية‪،197 ،159 :‬‬
‫نظام الفصل العنصري‪،150 ،82-81 ،29 :‬‬
‫‪،325 ،323 ،321 ،319 ،314 ،300‬‬
‫‪،324 ،303-302 ،254-253 ،248‬‬
‫‪338‬‬
‫‪348‬‬
‫منظمة الصحة العالمية‪50 :‬‬
‫نظرية االستشراق‪68 :‬‬
‫المنظمة اليهودية لمراقبة الحواجز‪42 :‬‬
‫نظرية ما بعد االستعمار‪134 :‬‬
‫منظمة ييش دين‪289 :‬‬
‫النكبة الفلسطينية (‪33 :)1948‬‬ ‫مواثيق جنيف (‪336-335 :)1949‬‬
‫نوراه‪ ،‬نديم‪337 :‬‬ ‫مورغنتيني‪ ،‬لويزا‪297 :‬‬

‫نوردو‪ ،‬ماكس‪97 :‬‬ ‫موروث عنصري‪57 :‬‬

‫نوريئيلي‪ ،‬بيني‪138 :‬‬ ‫موروث فاشي‪133 :‬‬
‫‪398‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫هيسل‪ ،‬ستيفان‪297 :‬‬ ‫ـ هـ ـ‬
‫هيغ‪ ،‬وليم‪297 :‬‬
‫هار تسيون‪ ،‬مئير‪150 :‬‬
‫هارمان‪ ،‬جول‪61 :‬‬

‫ـوـ‬ ‫هاريسون‪ ،‬وليام‪79 :‬‬
‫هاغاناه‪،132 ،80 ،49-48 ،46-44 ،14 :‬‬
‫واشنطن‪ ،‬جورج‪79 ،67 :‬‬
‫‪137-136‬‬
‫وتسمن‪ ،‬حاييم غفير‪236 :‬‬ ‫هاكوهين‪ ،‬هيليل‪136 :‬‬
‫وعد بلفور (‪170 ،13 :)1917‬‬ ‫هالحمي‪ ،‬بنيامين بيت‪186 :‬‬
‫وكالة الغوث الدولية‪50 :‬‬ ‫هالخاه‪171 ،155 ،127 ،103 ،98 :‬‬
‫الــوكــالــة ال ـي ـهــوديــة‪،124 ،121 ،48 ،14 :‬‬ ‫هتلر‪ ،‬أدولف‪،65 ،62-61 ،58-57 ،17 :‬‬
‫‪314 ،273 ،172‬‬ ‫‪181 ،124 ،99‬‬
‫ويكس‪ ،‬ديفيد‪298 :‬‬ ‫هجرة اليهود‪173 ،137 ،135 ،14 :‬‬
‫هس‪ ،‬موشيه‪19 :‬‬
‫هلوكوست‪20 :‬‬
‫ـيـ‬
‫هليفي‪ ،‬أبرهام‪217 :‬‬
‫ياهف‪ ،‬دان‪45-44 :‬‬ ‫هندسة ديمغرافية‪،25 ،22 ،20 ،16-15 :‬‬
‫‪،106 ،51-50 ،46 ،44 ،36-35 ،33‬‬
‫يعلون‪ ،‬موشيه‪272 :‬‬
‫‪193 ،178‬‬
‫يفتاحئيل‪ ،‬أورون‪265 ،205 :‬‬
‫الهندي‪ ،‬عليان‪168 :‬‬
‫يميني‪ ،‬بن درور‪303 :‬‬ ‫هول‪ ،‬إدوارد‪233 :‬‬
‫يهوشع‪ ،‬أ‪ .‬ب‪185 :‬‬ ‫هولوكوست‪340 ،122 ،76-75 :‬‬
‫يوتوبيا‪136 ،74 ،71 ،67 ،57 ،17 :‬‬ ‫هـيــرتــزل‪ ،‬ث ـيــودور‪،93 ،47 ،21 ،18 ،13 :‬‬
‫يوسف‪ ،‬عوفاديا‪217 :‬‬ ‫‪134-131 ،129-128 ،100 ،97‬‬
‫‪399‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬
‫ترصد هــذه الــدراســة حالة «الـجــدار الـعــازل اإلســرائـيـلــي»‪ ،‬بوصفه‬
‫اإلسرائيلي‬
‫ّ‬ ‫أحدث الجرائم العنصر ّية المتمادية التي ن ّفذها االحتالل‬
‫فــي فلسطين‪ ،‬وأكـثــرهــا داللـ ـ ًة على ال ـجــذور الـفـكــر ّيــة الصهيون ّية التي‬
‫أرست هذا الجدار نفسي ًا وسياسي ًا وثقافي ًا‪ ،‬قبل أن تـ ِ‬
‫ُرسيه ماد ّي ًا حول‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬ ‫ّ‬
‫أراضي الضفة الغرب ّية‪ ،‬وال س ّيما منطقة المثلث والقدس‪.‬‬
‫اإلسرائيلي ببناء هذا الجدار عام ‪ ،2002‬واستكمله‬
‫ّ‬ ‫بدأ االحتالل‬
‫بالرغم من قرار محكمة العدل الدول ّية في الهاي عام ‪ 2004‬القاضي‬
‫بعدم شرع ّيته‪ ،‬وبالرغم من أن ‪ 150‬دولــة في الجمع ّية العا ّمة لألمم‬
‫صوتت ضدّ ه‪.‬‬‫المتحدة َّ‬
‫ِ‬
‫التحقيق‬ ‫ّ‬
‫ولعل ميزة هــذه الــدراســة‪ ،‬هي أنها تجمع بين محورين‪:‬‬
‫والسياسي لحقيقة الجدار‪ ،‬بما هو رمزٌ‬
‫ّ‬ ‫الثقافي‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫والتشريح‬ ‫األكاديمي‪،‬‬
‫االستعماري في فلسطين‪.‬‬
‫ّ‬ ‫الصهيوني‬
‫ّ‬ ‫االستيطاني‬
‫ّ‬ ‫ِّ‬
‫لكل المشروع‬
‫مركز دراس ــات الــوحــدة العرب ّية يأمل أن ي ــؤ ّدي هــذا الكتاب دور ًا‬
‫مــوث ـ ِّــر ًا فــي تعميق الــوعــي بالمخاطر الصهيون ّية واالسـتـعـمــار ّيــة التي‬
‫العربي ك ّله‪ ،‬ال فلسطين فحسب‪.‬‬
‫ّ‬ ‫تستهدف الوطن‬
‫أستاذ في جامعة بيت لحم ‪ ،‬وفي جامعة القدس المفتوحة‪ ،‬رام‬ ‫●‬
‫الله‪.‬‬
‫● من مــؤلـفــاتــه‪ :‬التطبيع بين المفهوم والـمـمــارســة‪ :‬دراس ــة حالة‬
‫التطبيع العربي ـ اإلسرائيلي (منشورات مركز الــدراســات واألبحاث‬
‫الـقــومـيــة‪ ،‬رام ال ـلــه‪ .)2003 ،‬ول ــه الـعــديــد مــن األب ـحــاث فــي دوري ـ ّ ـ ٍ‬
‫ـات‬
‫فلسطينية وعربية‪.‬‬
‫بناية «بيت النهضة»‪ ،‬شارع البصرة‪ ،‬ص‪.‬ب‪113 - 6001 :‬‬

‫الحمراء ـ بيروت ‪ 2034 2407‬ـ لبنان‬

‫تلفون‪ 750084 :‬ـ ‪ 750085‬ـ ‪ 750086‬ـ ‪)+9611( 750087‬‬
‫برقي ًا‪« :‬مرعربي» ـ بيروت‬

‫‪ISBN: 978-9953-82-692-9‬‬
‫فاكس‪)+9611( 750088 :‬‬
‫‪e-mail: info@caus.org.lb‬‬
‫‪Web site: http://www.caus.org.lb‬‬
‫;‪AN: 1086490 ; .‬‬ ‫‪:‬‬ ‫)‪(2002-2014‬‬

الجدار العازل الاسرائیلی؛ دراسه فی السیاسه الدیمغرافیه و التطهیر العرقی (2002-2014)

Uploaded by

Document Information

Original Title

Copyright

Available Formats

Share this document

Share or Embed Document

Sharing Options

Did you find this document useful?

Is this content inappropriate?

Copyright:

Available Formats

الجدار العازل الاسرائیلی؛ دراسه فی السیاسه الدیمغرافیه و التطهیر العرقی (2002-2014)

Uploaded by

Copyright:

Available Formats

Copyright © 2015. . All rights reserved.

‫بناية «بيت النهضة»‪ ،‬شارع البصرة‪ ،‬ص‪.‬ب‪ 6001 :‬ـ ‪113‬‬

‫حقوق الطبع والنشر والتوزيع محفوظة للمركز‬

‫إلى إخوتي طالئع شهداء المقاومة الشعبية المتصاعدة‬

‫زكريا محمود عيد‬

‫ضياء أبو عيد‬

‫«أن ال يمر هذا الجدار إال على صدورنا»‪.‬‬

‫«سنظل نحلم بأرض ال يع ّلقها من عنقها الطغاة»‪.‬‬

‫بخالص من الشكر والتقدير أتقدم من األستاذة الدكتورة المشرفة نورهان الشيخ‬

‫خالصة الكتاب ‪13 ...........................................................‬‬

‫‪ :‬أنماط االقتالع واإلبادة العرقية للشعب الفلسطيني ‪43 .......‬‬ ‫تمهيد‬

‫‪.:‬المرجع ّية الدينية والتاريخية والفكرية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫لجدار الفصل العنصري ‪109 .................................‬‬

‫‪.:‬األبعاد الدينية لجدار الفصل العنصري‪ :‬الالهوت في‬ ‫أوالً‬

‫‪.:‬خطوات تمهيدية عازلة على طريق جدار‬ ‫رابع ًا‬

‫‪.:‬األبعاد االستراتيجية للجدار العنصري‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪.:‬تداعيات الجدار على مشروع الدولة الفلسطينية‬ ‫الفصل الرابع‬

‫والتخطيط القومي ‪265 .......................................‬‬

‫‪.:‬الحركة‪/‬التنظيم الفاشي للمستوطنين في الضفة الغربية‬ ‫ثاني ًا‬

343 ........................................................... ‫خـ ــات ـ ـمـ ــة‬

‫الجدار!!! تلك المفردة األبشع في تاريخ الصراع العربي ‪ -‬الصهيوني في فلسطين‪،‬‬

‫في فلسطين‪ :‬استندت الحركة االستعمارية الصهيونية بوصفها ظاهرة كولونيالية‬

‫صحيح أن المشروع االستعماري اإلنكليزي في فلسطين هو من أطلق التسمية‬

‫األسس النظرية للفكر العنصري‬

‫فوق هذه األرض‪.‬‬

‫‪ - 3‬السمو القيمي واالستعالء الثقافي واألخــاقــي‪ :‬أسست القوى االستعمارية‬

‫وهكذا كــان التزام قيم الغيتو المنعزل عن األغيار يشكل حالة ٍ‬

‫األوضــاع والظروف المختلفة ويعزز باستمرار حالة الحرب ضد الفلسطينيين والقضاء‬

‫البيرة شماالً حتى مدينة بيت لحم جنوب ًا‪.‬‬

‫تقوم على فكرة‪« :‬عرق عبقري وشديد البأس»‪.‬‬

‫استنفدت إسرائيل إذ ًا جهدها االستعماري بتحطيم البناء الجغرافي والديموغرافي‬

‫ال ـن ـمــوذج أو ال ـمــوديــل اإلســرائـيـلــي لـلـكـيــان الـسـيــاســي الفلسطيني الـمـقـتــرح الــذي‬

‫الـجــدار‪ ،‬السياج‪ ،‬القفص هو الترجمة الحرفية لسياسة اإلذالل السادية والبطش‬

‫وضع اليد على الممتلكات وغيرها ِم َن اإلجراءات الحرمانية‪.‬‬

‫أج ــج هــذا ال ـعــدوان الرسمي‬

‫والمقتنعون بجدوى المقاطعة كموقف أخالقي من االستعمار‪ ،‬رأوا أن الهدف‬

‫عادل وأخالقي للقضية الفلسطينية‪.‬‬ ‫ٍ‬ ‫(‪ )1948/5/15‬كمنظور سياسي‬

‫البحث في الجدار كحالة إمبيريقية هو بحث في الصهيونية كحالة فكرية ومنظومة‬

‫الكفاحية والدبلوماسية المتداخلة مع ًا كتعبير عن استحالة التسليم من قبل الضحايا‬

‫أوالً‪ :‬المشكلة البحثية‬

‫مقدساتهم اإلسالمية أو المسيحية‪.‬‬

‫‪ - 1‬ما هي الجذور والمرجعية الدينية والفكرية واالستراتيجية التي انطلق منها‬

‫ثالث ًا‪ :‬أهمية الدراسة‬

‫رابع ًا‪ :‬منهجية البحث‬

‫خامس ًا‪ :‬أدوات جمع البيانات‬

‫‪ - 1‬المقابلة مــع عــدد مــن المهتمين والـمـســؤولـيــن واألكــاديـمـيـيــن الـعــرب خاصة‬

‫أنماط االقتالع واإلبادة العرقية‬

‫أو ًال‪ :‬المذابح والتهجير‬

‫‪ - 1‬الحل الديمغرافي‪ ،‬الحل النهائي‪ :‬طرد الفلسطينيين ونقلهم‬

‫‪ - 2‬القرار الصهيوني بالتطهير العرقي في الخطة «أ ‪ -‬د ‪ -‬دالت»‬

‫((( دالت‪ :‬هي لفظ الحرف (د) بالعبرية‪.‬‬

‫‪ ،)2007‬ص ‪.95 - 91‬‬

‫للدراسات اإلسرائيلية (مدار)‪ ،)2003 ،‬ص ‪.54 - 38‬‬

‫‪Palestinian Return Center, 1999), p. 12.‬‬

‫الترانسفير القسري‪ ،‬وال أرى في ذلك ما ينافي األخالق»(‪.((1‬‬

‫تشكّل عملية االقتالع للسكان العرب ّ‬

‫ثاني ًا‪ :‬مصادرة الثروات والموارد الطبيعية واإلفقار المن ّظم‬

‫(‪ ((1‬المصدر نفسه‪ ،‬ص ‪.64‬‬

‫ويقدر د‪ .‬وليد الخالدي في مشروعه البحثي كي ال ننسى مساحة أراضي ‪ 418‬قرية‬

‫الديمغرافي في المناطق العربية الثالث السابقة بزرع المستوطنات على أراضيها(‪.((1‬‬

:‫اإلطار النظري للدراسة‬

‫أوالً‪ :‬األسس النظرية لالفتراضات العنصرية‬

‫((( المعجم الوسيط (بيروت‪ :‬دار أمواج‪.)1987 ،‬‬

‫‪.:‬المرجع ّية الدينية والتاريخية والفكرية‬ ‫الفصل الثاني‬

‫‪.:‬األبعاد الدينية لجدار الفصل العنصري‪ :‬الالهوت في‬ ‫أوالً‬

‫‪.:‬خطوات تمهيدية عازلة على طريق جدار‬ ‫رابع ًا‬

‫‪.:‬األبعاد االستراتيجية للجدار العنصري‬ ‫الفصل الثالث‬

‫‪.:‬تداعيات الجدار على مشروع الدولة الفلسطينية‬ ‫الفصل الرابع‬

‫‪.:‬الحركة‪/‬التنظيم الفاشي للمستوطنين في الضفة الغربية‬ ‫ثاني ًا‬