Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 21

‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫الضريح الملكي الموريطاني من خالل بعض الدراسات األجنبية‬

‫أ‪ .‬عبد الكريم فايـزي‬

‫قسم العلوم االنسانية‪ -‬جامعة الشهيد حمه لخضر الوادي‬


‫****************‬
‫ملخص‪:‬‬

‫الضريح اؼبلكي اؼبوريتاين (الواقع بوالية تيبازة حاليّاً) أو كما يعرف "بقرب‬
‫الرومية" ىو صفحة من صفحات الًتابط التارخيي بُت ماضي بالد اؼبغرب القدمي‬
‫وحاضرىا‪ ،‬عمرىا قرون من الزمن‪ ،‬فباإلضافة لكونو معلماً تارخييّاً وسياحيّاً وربفة‬
‫معمارية فهو أيضاً شاىد من الشواىد اغبضارية للمنطقة ككل‪ ،‬وهتدف ىذه الدراسة‬
‫إىل إلقاء نظرة على ىذا الصرح التارخيي من خالل ثالث دراسات أجنبية‪ ،‬واحدة‬
‫أجريت خالل أواخر فًتة اإلحتالل الفرنسي للجزائر‪ ،‬أما الدراستُت اؼبتبقيتُت فصدرتا‬
‫بعد اإلستقالل‪.‬‬

‫مقدمة‪:‬‬

‫عرفت اعبزائر خالل الفًتة القددية أو فًتة ما قبل الفتح اإلسالمي ؾبموعة من‬
‫اغبضارات اليت تعاقبت وتداولت على أرضها‪ ،‬منها حضارات أقامها أبناء البلد‪ ،‬ومنها‬
‫من جاءت مع الغزو أو اإلحتالل الذي شهدتو اؼبنطقة خصوصاً من قبل الرومانيُت‬
‫والبيزنطيُت‪ .‬ولعل من أبرز اغبضارات اليت قامت ىا ىنا وكان ألبناء األرض اؼببادرة‬

‫‪704‬‬ ‫العدد ‪61‬‬


‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫إلقامتها‪ ،‬اغبضارة النوميدية اليت تركت عليها شواىد عدة يعترب "القرب اؼبلكي اؼبوريتاين"‬
‫أو “قرب الرومية” أبرزىا‪.‬‬

‫أوالً‪ :‬التعريف بالضريح الملكي الموريطاني‪:‬‬


‫(‪)2‬‬
‫"الضريح اؼبلكي اؼبوريتاين"(‪ )1‬أو كما يدعوه السكان احملليون "قرب الرومية"‬
‫ىو أثر جنائزي يقع باؼبنطقة األثرية اليت تقع ببلدية "سيدي راشد" والية "تيبازة"‪ ،‬وىو‬
‫مبٌت دائري الشكل على الطريق اؼبؤدي من مدينة اعبزائر إىل "شرشال"‪ ،‬يقع القرب‬
‫اؼبلكي اؼبوريتاين يف غرب العاصمة اعبزائرية بنحو سبعُت كيلومًتاً‪ ،‬وىو مصنف كمعلم‬
‫وطٍت وتراث عاؼبي من طرف منظمة "اليونيسكو"(‪.)1‬‬

‫يقع القرب على رأس ربوة بالساحل الغريب للجزائر العاصمة‪ ،‬يعلو سطح البحر‬
‫دبقدار ‪ 162‬مًتاً ويظهر للناظر من سهل "متيجة" (بالبليدة جنوب العاصمة) ومن‬

‫(‪ -)2‬للمزيد من التوسع حول الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين أنظر‪:‬‬


‫‪Pietro ROMANELLI : Ancora sull’eta della Tomba della Cristiana in‬‬
‫‪.‬‬
‫‪Algeria, ArchCI 24, 1972, 109 – 11.‬‬
‫(‪ -)1‬تعترب تسمية “الضريح اؼبلكي اؼبوريتاين” التسمية الرظبية اؼبعتمدة لدى اؼبختصُت يف اآلثار ورجال الثقافة‬
‫والعارفُت خببايا التاريخ القدمي‪ ،‬رغم أن السكان دبنطقة "سيدي راشد" و"تيبازة" والكثَت من اعبزائريُت عموماً يطلقون‬
‫‪.‬‬
‫على اؼبكان أيضاً اسم “قرب الرومية”‬
‫(‪ -)1‬مت تصنيف ىذا اؼبوقع يف عام ‪ 2891‬م ضمن الًتاث العاؼبي لإلنسانية من طرف منظمة "اليونيسكو" ربت‬
‫اسم "تيبازة" وبصفة رقم (‪ ،) IV( )III‬كما يوجد ىذا اؼبعلم التارخيي والسياحي ضمن قائمة الًتاث العاؼبي ؼبنظمة‬
‫الًتبية والثقافة والعلم التابعة لألمم اؼبتحدة “يونيسكو” منذ سنة ‪1001‬م كواحد من األضرحة اؼبلكية اؼبوريتانية‬
‫وكذا اؼبواقع اعبنائزية لفًتة ما قبل اإلسالم ربت عنوان "الضريح اؼبلكي النوميدي اؼبوريطاين" وبصفة رقم (‪)III( )II‬‬
‫(‪ ،)IV‬أنظر‪:‬‬
‫‪.‬‬
‫‪Ref. 1776 [archive] du patrimoine mondial.‬‬
‫‪704‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫مرتفعات "حي بوزريعة" (بأعايل العاصمة) ويراه الصيادون واؼبالحون من البحر‬


‫ويهتدون بو يف تنقالهتم البحرية‪.‬‬

‫وعلوه ‪ 41.3‬مًتاً‪ ،‬ويربز يف‬


‫يبلغ ؿبيطو ‪ 291.1‬مًتاً وقطره ‪ 60.8‬مًتاً ُّ‬
‫اػبارج ‪ 60‬عموداً من النمط األيوين‪ ،‬وأربعة أبواب خفية‪ ،‬ديكننا الدخول إىل الضريح‬
‫عرب باب سفلية وضيقة توجد ربت الباب اػبفية للناحية الشرقية‪ .‬يف الداخل بعد اؼبرور‬
‫على قرب ودىليز نصل إىل رواق دائري الشكل بو قربان آخران‪ ،‬الثاين مزين بثالث‬
‫ذباويف غرباً مشاالً وجنوباً(‪.)2‬‬

‫إذا بلغ زائر الربوة اؼبكان‪ ،‬تراءى لو القرب الضخم على شكل أسطواين ذي‬
‫صفائح يعلوه ـبروط مدرج‪ ،‬ويتزين يف دائرتو بـ‪ 60‬عموداً فبيزا بتيجان إيوانية حيمل كل‬
‫واحد منها إفريزاً‪ .‬ويًتبع ىذا الشكل اؽبندسي على قاعدة مربعة ضلعها ‪ 64.30‬مًتاً‪.‬‬
‫ويوجد أمام باب القرب آثار بناية يبلغ طوؽبا ‪ 26‬مًتاً وعرضها ‪ 6‬أمتار كانت يف الزمن‬
‫الغابر معبداً(‪ )3‬ويتكون القرب من أربع صفائح حجرية عبارة عن أبواب ومهية علو‬

‫(‪Duane R. ROLLER : The World of Juba II and Kleopatra Selene : -)2‬‬


‫‪Royal Scholarship on Rome's African Frontier, Routledge, New York‬‬
‫‪.‬‬
‫‪and London, 2003, p. 129.‬‬
‫(‪Mounir BOUCHENAKI : Le Mausolée Royal de Maurétanie, -)3‬‬
‫‪traduction en arabe de Abdelhamid HADJIAT, Ministère de‬‬
‫‪l'information et de la culture, Direction des musées, de l'archéologie et‬‬
‫‪.‬‬
‫‪des monuments et sites historiques, Alger, 1979, p. 13.‬‬
‫‪704‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫الواحد منها ‪ 6.80‬مًتاً حييط هبا إطار من نقوش بارزة يًتاءى منها رسم شبيو‬
‫بالصليب(‪.)4‬‬

‫وخييل ؼبن يشاىد القرب من بعيد أنو خلية كبل عظيمة أو كومة تنب ضخمة‪،‬‬
‫ومن يدنو منو يشعر بعظمة ىيكلو‪ .‬ومن ميزات ىذا اؼبعلم اؽبندسي أن لونو يتغَت‬
‫حسب الفصول وحسب ساعات النهار‪ ،‬فهو تارة دييل إىل االصفرار وتارة يأخذ لوناً‬
‫رماديّاً أو تعلوه زرقة عندما حييط بو الضباب‪.‬‬

‫عند اجتياز باب القرب‪ ،‬ينفذ الزائر إىل رواق يضطر من ديشي فيو إىل االكبناء‪،‬‬
‫ويف حائطو األدين ديكن مشاىدة نقوش سبثل صورة أسد ولبؤة وقد نسب الرواق إىل‬
‫النقوش فسمي "هبو األسود"(‪ )1‬وباجتياز الرواق جيد الزائر نفسو يف رواق ثان طولو‬
‫وعلوه ‪ 1.30‬مًتاً شكلو ملتو‪ ،‬ويقود مباشرة إىل قلب اؼببٌت الذي تبلغ‬ ‫‪ 232‬مًتاً ُّ‬
‫مساحتو ‪ 90‬مًتاً مربعاً‪ .‬وخالفاً ؼبا قيل يف اؼباضي فإن الباحثُت مل يعثروا على أثر ألي‬
‫كنز فيو‪.‬‬

‫وحيمل القرب اؼبوريطاين الطابع اإلنشائي أو النمط البنائي الشائع واؼبعمول بو‬
‫يف كافة أكباء البالد النوميدية‪ ،‬فمثالً يف منطقة "مدراسن" (اليت تقع يف الشرق اعبزائري‬
‫وبالضبط إىل الشمال قليالً من "تيمقاد") يوجد هبذه اؼبنطقة قرب شبيو يف شكلو إىل‬

‫(‪ -)4‬تعترب ىذه الزينة يف شكل “الصليب” ىي العامل الذي كان وراء التسمية التقليدية للضريح بكونو “قرب‬
‫الرومية” كتسمية تقليدية اعتمدت لدى السكان منذ فًتة طويلة فبا جعل بعض الباحثُت يف اآلثار يعتقدون أنو‬
‫مبٌت مسيحي‪ ،‬ومنو جاء اسم «قرب الرومية» اؼبأخوذ من مفردة «الرومي» العربية أي البيزنطي أو الروماين‪ .‬لكن كثَتاً‬
‫‪.‬‬
‫من علماء اآلثار يؤكدون أن اؼببٌت ال صلة لو باؼبسيحية‬
‫‪.‬‬
‫(‪Duane R. ROLLER : op. cit., p. 129. -)1‬‬
‫‪760‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫حد بعيد بالضريح اؼبوريطاين(‪ )2‬حيث يذىب بعض الباحثُت إىل التاكيد أن قرب‬
‫مدراسن ىذا قد يكون قرب اؼبلك النوميدي الشهَت "ماسينيسا"(‪.)3‬‬

‫ثانياً‪ :‬تاريخ تشييد الضريح‪:‬‬

‫بالنسبة لتاريخ بناء الضريح اؼبلكي اؼبوريتاين وكذا وظيفتو اغبقيقية فتبقى أمور‬
‫غَت معروفة بدقة‪ ،‬حيث أن ىناك عدة روايات حول تاريخ بناءه‪ ،‬بعض اؼبؤلفات‬
‫الرومانية القددية اليت تعود إىل أربعُت سنة بعد اؼبيالد‪ ،‬تؤكد أنو كان موجوداً خالل عهد‬
‫استيالء الرومان على فبلكة "موريتانيا القيصرية"(‪ )4‬وىي أحد أىم اؼبمالك األمازيغية‬
‫يف الشمال اإلفريقي القدمي‪.‬‬

‫(‪Ghazi BEN MAIZA : Le culture royale en Afrique Mineure antique, -)2‬‬


‫‪.‬‬
‫‪Hésperis – Tamuda, 35.2 , 1997, p. 32 – 41.‬‬
‫(‪Gabriel CAMPS : Nouvelles observations sur l’architecture et l’age du -)3‬‬
‫‪.‬‬
‫‪Medracen, mausolée royale de Numidie, CRAI, 1973, p. 470 – 517.‬‬
‫(‪ -)4‬موريطانيا القيصرية (بالالتينية‪ )Mauretania Caesariensis :‬ىي واحدة من اؼبمالك األمازيغية يف‬
‫الشمال اإلفريقي القدمي‪ ،‬ظبيت دبوريتانيا القيصرية نسبة للقيصرية (ايول) عاصمة اؼبملكة (مدينة شرشال حاليّاً)‪،‬‬
‫ربدىا شرقاً مقاطعة أفريكا الرومانية (تونس وبعض األجزاء من الشرق اعبزائري) وغرباً موريتانيا الطنجية (مشال‬
‫اؼبغرب حاليّاً)‪ .‬أشهر ملوكها‪" :‬يوبا األول" و"يوبا الثاين" (زوج سيلُت ابنة اؼبلكة كيليوباترا)‪ ،‬أنظر‪ :‬مارمول كرخبال‪:‬‬
‫أفريقيا‪ ،‬ترصبة ؿبمد حجي‪ ،‬ؿبمد زنيرب‪ ،‬ؿبمد األخضر‪ ،‬أضبد بن جلون‪ ،‬ثالثة أجزاء‪ ،‬دار نشر اؼبعرفة‪ ،‬الرباط‪،‬‬
‫‪2898‬م‪ ،‬ج ‪ ،1‬ص ‪ ،108‬وانظر أيضاً‪:‬‬
‫‪M. BENABOU : La résistance africaine à la romanisation, Paris, 1976,‬‬
‫‪Nacéra BENSEDDIK : Les Troupes auxiliaires de l'armée romaine en‬‬
‫‪Maurétanie Césarienne sous le Haut-Empire, Alger, 1982, Michel‬‬
‫‪.‬‬
‫‪CHRISTOL : Regards sur l'Afrique romaine, Paris, 2005.‬‬
‫‪766‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫ودييل اؼبختصون يف اآلثار الرومانية إىل القول بان اؼبلك "يوبا الثاين"(‪ )1‬ىو‬
‫الذي أشرف على بناء القرب ليكون ضرحياً لو ولـ "كليوباترا سيليٍت"(‪( )2‬ابنة كليوباترا‬

‫(‪" -)1‬يوبا الثاين" أو "جوبا الثاين" ابن "يوبا األول" ولد حوايل ‪ 11‬ق‪.‬م وتويف حوايل ‪ 14‬ب‪.‬م‪ ،‬بعد ىزدية "جوبا‬
‫األول" أمام القوات الرومانية‪ ،‬أسر "يوليوس قيصر" ابنو "جوبا الثاين" الذي كان طفالً صغَتاً بُت طبس وسبع‬
‫سنوات‪ ،‬فحملو إىل روما‪ ،‬حيث نشأ يف القصر‪ ،‬وعاش يف كنف اإلمرباطور "أغسطس" الذي خلف "قيصر"‪،‬‬
‫فعلمو الفنون واآلداب والعلوم وشؤون اغبكم يف مدارس روما وأثينا ومعاىدمها‪ .‬ونظراً ؼبكانة "جوبا الثاين" الثقافية‪،‬‬
‫وإخالصو لإلمرباطور الروماين القيصر "أوكتافيوس"‪ ،‬فقد أجلسو ىذا األخَت على عرش موريطانيا الغربية؛ حكم‬
‫"جوبا الثاين" طبسُت سنة يف ظل اغبماية الرومانية‪ .‬عرفت أيامو باالستقرار واؽبدوء حىت تويف سنة‪14‬م‪ ،‬ليخلفو ابنو‬
‫"بطليموس" الذي هنج سياسة أبيو يف توحيد األمازيغيُت‪ ،‬وربقيق آماؽبم وطموحاهتم‪ ،‬أنظر‪ :‬ؿبمد اؽبادي حارش‪:‬‬
‫التاريخ اؼبغاريب القدمي اغبضاري والسياسي‪ ،‬ديوان اؼبطبوعات اعبامعية‪ ،‬اعبزائر‪2881 ،‬م‪ ،‬وانظر أيضاً‪:‬‬
‫‪Mouloud GAID : Aguellids et Romains en Berbérie, éditions SNED,‬‬
‫‪.‬‬
‫‪Alger, 1972, p. 120.‬‬
‫(‪ -)2‬كليوپاترا سلينو الثانية ىي أمَتة بطلمية وىي اإلبنة الوحيدة للملكة "كليوپاترا السابعة" ملكة مصر و"مارك‬
‫أنتوين" أحد رؤساء اعبمهورية الرومانية‪ .‬ولدت كليوپاترا ونشأت وتعلمت يف اإلسكندرية يف أواخر عام ‪ 43‬ق‪.‬م‪،‬‬
‫ىـ ِزم والداىا على يد "أوكتاڤيان" (االمرباطور الروماين‪ ،‬الحقاً‪ ،‬أغسطس) يف معركة "أكتيوم" البحرية عام ‪ 42‬ق‪.‬م‪،‬‬
‫أخذ "اوكتافيان" كالً من "كليوباترا سيلينو" وأخواهنا من مصر إىل روما‪ ،‬وأعطى األطفال الثالثة إىل "اوكتاڤيا‬
‫الصغرى" لًتبيهم يف بيتها‪ ،‬و"اوكتاڤيا الصغرى" ىذه كانت ثاين أكرب شقيقات "اوكتاڤيان" وكانت الزوجة األوىل‬
‫لوالد األطفال‪ .‬وبُت عامي ‪ 16‬و‪ 10‬ق‪.‬م‪ ،‬رتب أغسطس لكليوباترا سلينو أن تتزوج اؼبلك "يوبا الثاين" من‬
‫نوميديا يف روما‪ .‬مت إرسال الزوجُت إىل موريطانيا‪ ،‬اليت كانت منطقة ثغور غَت منظمة وحباجة إىل متابعة رومانية‪.‬‬
‫وغَتا اسم عاصمتها إىل "قيصرية" (شرشال اغبالية) تكردياً لالمرباطور‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪Michèle COLTELLONI -TRANNOY : Le royaume de Maurétanie‬‬
‫‪sous Juba II et Ptolémée, CNRS Éditions, Paris, 1997, Beatrice‬‬
‫‪CHANLER : Cleopatra's Daughter, Liveright Publication Corporation,‬‬
‫‪.‬‬
‫‪New York, 1934.‬‬
‫‪764‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫ملكة مصر الفرعونية) اليت كانت زوجتو(‪ )3‬ويستندون يف ذلك إىل كون "يوبا الثاين"‬
‫كان ملكاً مثقفاً يتذوق فن العمارة‪ ،‬وقد جلب إىل عاصمتو أيول (شرشال) ربفاً فنية‬
‫اشًتاىا من بالد اليونان‪.‬‬

‫وكان "يوبا الثاين" ملكا قويّاً وقائداً عسكريّاً‪ ،‬حكم موريتانيا الطنجية بُت ‪11‬‬
‫قبل اؼبيالد و‪ 14‬ميالدية (وخالل ىذه الفًتة مت بناء الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين)‪ .‬عرف‬
‫عهده باالزدىار والرخاء‪ ،‬وازدىرت يف عهده الفنون واآلداب والعمران فكان عصره‬
‫عصراً ذىبيّاً‪ .‬وكانت عاصمتو أيول (شرشال) حاضرة من حواضر اؼبنطقة وكانت ربوي‬
‫مصانع ؼبواد البناء والسالح وغَتىا(‪.)1‬‬

‫وقد أكد اؼبؤرخ الروماين الشهَت "ميال بومبونيوس" (مؤرخ يف األربعينيات بعد‬
‫اؼبيالد‪ ،‬وىي الفًتة اليت مت فيها ضم فبلكة موريتانيا إىل روما) أن ىذا اؼببٌت ىو عبارة‬
‫عن مقربة للعائلة اؼبلكية يف عهد ملك الرببر "يوبا الثاين" ملك فبلكة موريطانيا‬
‫القيصرية وذلك يف العام ‪ 30‬قبل اؼبيالد يف كتاب خاص عنو(‪.)2‬‬

‫(‪ -)3‬اعترب بعض اؼبؤرخُت زواج "كليوباترا سيليٍت الثانية" باؼبلك األمازيغي "يوبا الثاين" سنة ‪ 16‬ق‪.‬م ؾبرد ادعاء‪،‬‬
‫وكان ىذا الرأي ؿبل انتقاد عنيف من السواد األعظم من علماء اآلثار وعلماء التاريخ اؼبصري والبطلمي واألمازيغي‪.‬‬
‫ومن بُت أدلتهم على ذلك‪ :‬أنو مل يرد يف الربديات اؼبصرية وال على جدران اؼبعابد ما يؤيد ىذا القول‪ .‬وال توجد‬
‫وثائق أو ـبطوطات بطلمية يف روما تؤكد ىذا الزواج‪ .‬وأن معظم علماء التاريخ األمازيغي أكدوا أن السيدة اليت‬
‫تظهر صورهتا على عملة ق ددية وجدوىا ىي عشيقة اؼبلك "يوبا الثاين"‪ .‬إضافة إىل كراىية قدماء اؼبصريُت للزواج‬
‫‪.‬‬
‫باألجانب واعتربوه قباسة‪ ،‬فلم حيدث أن تزوجوا بأجانب إال يف أحوال نادرة ج ّداً فرضتها ظروف سياسية معينة‬
‫(‪Stéphane GSELL : Histoire de l'Afrique du Nord, édition Hachette, -)1‬‬
‫‪.‬‬
‫‪Paris, 1920, p. 44.‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪Pomponius MELA : 1.31, Duane R. ROLLER : op. cit., p. 129. -)2‬‬
‫‪764‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫ويقدم اؼبؤرخ الشهَت "رومانيلي" رواية أخرى‪ ،‬حيث يقول أن القرب بٍت يف‬
‫القرن اػبامس أو القرن السادس للميالد‪ ،‬ويعتقد أن من بناه استلهم شكلو اؽبندسي‬
‫من القرب اؼبستدير الذي بناه اإلمرباطور "ىادريان" الذي حكم بُت سنيت ‪221‬‬
‫و‪ 249‬بعد اؼبيالد يف روما‪.‬‬

‫كما يعتقد علماء معاصرون آخرون أن الدراسة اؼبعمارية للمعلم تسمح بتأريخ‬
‫فًتة بنائو‪ ،‬تقريباً‪ ،‬يف القرن األول أو الثاين قبل اؼبيالد‪ ،‬وبالتايل فإن بناء القرب اؼبوريطاين‬
‫مت يف حقبة ما قبل سيطرة الرومان على مشال إفريقيا‪.‬‬

‫إذن وحسب العديد من الدارسُت فإن الضريح اؼبلكي اؼبوريتاين أو "قرب‬


‫الرومية" وجد قبل االحتالل الروماين‪ ،‬فبا يدلل يف نظر ىؤالء على تطور اجملتمع‬
‫"اؼبوريتاين" اقتصاديّاً وفكريّاً وحضاريّاً وقدرتو على إبداع فن أصيل بفضل اتصالو‬
‫حبضارات مشال أفريقيا واؼبتوسط األخرى‪.‬‬

‫ثالثاً‪ :‬دراسة مارسيل كريستوفل‪:‬‬

‫‪Marcel‬‬ ‫كريستوفل"‬ ‫"مارسيل‬ ‫الفرنسي‬ ‫الباحث‬ ‫قام‬


‫‪ )3(CHRISTOFLE‬بإجراء دراسة واسعة خالل فًتة زمنية طويلة حول الضريح‬

‫(‪ -)3‬مارسيل كريستوفل (ولد يف قسنطينة سنة ‪2911‬م‪ ،‬وتويف يف اعبزائر العاصمة سنة ‪2816‬م) ىو مهندس‬
‫معماري فرنسي‪ ،‬وخبَت يف اؼبعامل األثرية التارخيية‪ ،‬عمل ؼبدة ‪ 30‬سنة (منذ سنة ‪2828‬م إىل غاية ‪2814‬م) على‬
‫دراسة بعض اؼبعامل األثرية التارخيية يف اعبزائر‪ ،‬وكان الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين من أىم اؼبعامل اليت عمل عليها ىذا‬
‫الباحث‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪767‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫اؼبلكي اؼبوريطاين‪ ،‬واليت جاءت ربت عنوان‪" :‬قرب اؼبسيحية" ( ‪Le tombeau de‬‬
‫‪ )2()la Chrétienne‬حيث نشرت الدراسة يف باريس سنة ‪2812‬م يف كتاب من‬
‫أربع ؿباور كربى‪ ،‬يف ‪ 299‬صفحة و ‪ 263‬صورة ـبتلفة األحجام(‪ )1‬وقد قدم‬
‫للكتاب الباحث الفرنسي الشهَت "ألربت قرينيي" ‪.)4(Albert GRENIER‬‬

‫لقد اىتم مارسيل كريستوفل ولسنوات طويلة بالضريح اؼبلكي اؼبوريطاين‪ ،‬فمنذ‬
‫سنة ‪2821‬م وإىل غاية ‪2812‬م قام بدراسات مطولة على كل جزء بالقرب(‪ )3‬وبعد‬

‫‪Michel MORINEAU : Incroyables gazettes et fabuleux métaux, édition‬‬


‫‪Cambridge University Press, New York, et éditions de la Maison des‬‬
‫‪Sciences de l’lHomme, Paris, 1985, p. 327 .‬‬
‫(‪ -)1‬أصل ىذه التسمية ىو "قرب الرومية" (‪ )Le tombeau de la Romaine‬واليت حوؽبا الفرنسيون إىل‬
‫"قرب اؼبسيحية"(‪ )Le tombeau de la Chrétienne‬وىي التسمية اؼبفضلة عند الفرنسيُت بدالً من‬
‫‪.‬‬
‫اإلسم الرظبي وىو "الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين"‬
‫(‪Marcel CHRISTOFLE : Le tombeau de la Chrétienne, édition Arts -)2‬‬
‫‪.‬‬
‫‪et Métiers Graphiques, Paris, 1951.‬‬
‫(‪ -)3‬ألربت غرينيي (‪2862 – 2919‬م) ىو مؤرخ وعامل آثار فرنسي شهَت‪ ،‬متخصص يف التاريخ الغايل (تاريخ‬
‫– فرنسا‪ )-‬والروماين القدمي‪ ،‬لو العديد من الدراسات واألعمال يف ىذا اجملال منها‪La Gaule : ( :‬‬ ‫غاليا‬
‫(‪Le Génie romain dans la religion, ( ،)Les Gaulois‬‬ ‫‪،)province romaine‬‬
‫‪ ،)la pensée et l'art‬للمزيد من التوسع أنظر‪:‬‬
‫‪Raymond BLOCH et Paul-Marie DUVAL : Albert GRENIER‬‬
‫‪(1878-1961), École pratique des hautes études. 4e section, Sciences‬‬
‫‪.‬‬
‫‪historiques et philologiques, 1962 ,Vol. 95, N° 1, p. 25-37.‬‬
‫(‪Duane R. ROLLER : op. cit., p. 129, Michael BRETT and -)4‬‬
‫‪Elizabeth FRENTRESS : The Berbers, Edition Blackwell, Oxford,‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1996, p. 44.‬‬
‫‪764‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫سنوات من العمل وصبع اؼبعلومات ومرافقة وترأُّس العديد من البعثات اإلستكشافية قدم‬
‫النتائج اؼبتحصل عليها يف كتابو السالف الذكر(‪.)1‬‬

‫وبالرغم من أن عمل ىذا الباحث الفرنسي كان خالل فًتة اإلحتالل الفرنسي‬
‫للجزائر إال أننا قبد العديد من الباحثُت الفرنسيُت يذىبون إىل التأكيد بأن ؼبارسيل‬
‫كريستوفل دور كبَت يف بقاء الضريح واغبفاظ عليو من قبل سلطات اإلحتالل‬
‫الفرنسية‪ ،‬وذلك بفضل عملو على التنويو بأمهية ىذا اؼبعلم وضرورة اغبفاظ عليو وإال‬
‫لكان تعرض ىذا البناء ردبا لإلمهال أو التخريب أو التهدمي(‪ )6‬حسب قوؽبم‪.‬‬

‫وقد قام الكاتب بذكر وتفصيل اإلكتشاف الذي مت على مستوى الضريح‬
‫اؼبوريطاين سنة ‪2966 – 2961‬م(‪ )2‬حُت أطلقت ضبالت تنقيب جديدة من جانب‬
‫"أدريان بَتبروغر" ‪ Adrien BERBRUGGER‬مفتش اؼبعامل التارخيية‪،‬‬
‫وذلك بطلب من "نابليون الثالث" ‪ NAPOLEON III‬حاكم فرنسا يف ذلك‬

‫(‪Sigfried J. DE LAET : Le tombeau de la Chrétienne de Marcel -)5‬‬


‫‪CHRISTOFLE, Revue de l’antiquité classique, 1952, Vol. 21, N° 2, p.‬‬
‫‪.‬‬
‫‪552.‬‬
‫(‪ -)6‬تبقى ىذه ؾبرد آراء تنظَتية للباحثُت الفرنسيُت ردبا لتكريس فكرة اىتمامهم الدائم باآلثار والًتاث اإلنساين‬
‫عموماً‪ ،‬أو إلبراز دورىم يف اغبفاظ على ىذا اؼبعلم ونسبة ذلك إىل أحدىم‪ ،‬وردبا يعود سر احملافظة على ىذا البناء‬
‫من قبل الفرنسيُت جملرد أنو يعود للفًتة القددية حيث عانت بالد اؼبغرب ولفًتات طويلة من اإلحتالل الروماين‪ ،‬وكما‬
‫ىو معلوم فقد اىتم الفرنسيون يف اعبزائر بكل آثار الفًتة القددية (الرومانية خاصة) وذلك على عكس اآلثار اليت‬
‫‪.‬‬
‫تعود للفًتة اإلسالمية أو الوسيطة‪ ،‬أو حىت العثمانية‬
‫(‪R. GOODCHILD : Marcel CHRISTOFLE : Le tombeau de la -)2‬‬
‫‪Chrétienne, Journal of Roman Studies, Vol. 43, Issue 1-2, November‬‬
‫‪.‬‬
‫‪1953, p. 204.‬‬
‫‪761‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫الوقت‪ ،‬وقد ظبحت ىذه اغبملة بتحيُت اؼبدخل اغبقيقي للضريح والذي كان قبل ذلك‬
‫ؾبهوالً على مدار القرون‪ ،‬ويقع ىذا اؼبدخل ربت اؼبكان الذي تعلوه البوابة الشرقية‪.‬‬

‫وباستعمال اؼبتفجرات أدت عملية التنقيب تلك إىل اكتشاف النفق اؼبنحٍت‬
‫الذي يقع ربت األرض‪ ،‬والذي يتم الدخول إليو عن طريق باب ارتفاعو ‪ 2.2‬مًت‪،‬‬
‫ويربط النفق ثالث غرف طوؽبا ‪ 1.44‬مًت وعرضها ‪ 1.11‬مًت وارتفاعها ‪4.10‬‬
‫مًت(‪ )1‬ىذه الغرف ردبا كانت معدة الستعماؽبا كأماكن للدفن‪ ،‬لكنها كانت فارغة عند‬
‫اكتشافها وىذا يفتح العديد من التساؤالت حوؽبا وحول الغرض الذي بنيت من أجلو‪.‬‬

‫وقد أيد مارسيل كريستوفل الطرح القائل بأن الصرح اؼبوريطاين ىو ضريح‬
‫ملكي للملك "يوبا الثاين" ملك فبلكة موريطانيا القيصرية وزوجتو "كليوبًتا سيليٍت"‬
‫متماشياً مع اإلذباه الذي سبقو إليو الباحث "ستيفان جسيل" ‪Stephane‬‬
‫‪ )4(GSELL‬وذكر كريستوفل أن الرببر يسمون الضريح "قرب الرومية"(‪ )3‬يف حُت أنو‬
‫استعمل تسمية "قرب اؼبسيحية" يف دراستو وىي التسمية اليت يفضلها الباحثون‬
‫الفرنسيون عموماً‪.‬‬

‫كما أشار مارسيل كريستوفل أيضاً يف ىذه الدراسة إىل أن العديد من‬
‫األساطَت واغبكايات احمللية وغَت احمللية اليت تشَت إىل أن الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين‬
‫حيوي كنوزاً وثروات عديدة (ردبا هنبت يف فًتة من الفًتات وردبا مل يتم العثور عليها‬
‫بعد)‪ ،‬وذكر الكاتب أىم عمليتُت للتنقيب كان ىدفهما الرئيسي البحث عن كنوز ىذا‬
‫‪.‬‬
‫(‪Marcel CHRISTOFLE : op. cit., p. 85. -)1‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪Stéphane GSELL : op. cit., p. 40. -)4‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪R. GOODCHILD : op. cit., p. 204. -)3‬‬
‫‪764‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫البناء ومها‪ :‬عملية بايلرباي اعبزائر "صاحل رايس"(‪ )1‬يف القرن السادس عشر(‪ )2‬والعملية‬
‫اليت أجريت يف الفًتة اإلستعمارية خالل القرن التاسع عشر(‪ )1‬ومل تصل العمليتُت‬
‫السالفيت الذكر وغَتمها من األعمال إىل اكتشاف أي كنوز أو ثروات بالضريح فبا جعل‬
‫البناء – حسب الكاتب دائماً – ؿبافظاً باستمرار على أسراره(‪.)4‬‬

‫رابعاً‪ :‬دراسة فيليبو كواريللي وإيفون تيبرت‪:‬‬


‫(‪)3‬‬
‫قام الباحثان اإليطايل "فيليبو كواريللي" ‪Filippo COARELLI‬‬
‫والفرنسي "إيفون تيربت" ‪ )1(Yvon THEBERT‬بإجراء دراسة عن الضريح‬

‫(‪ -)1‬صاحل رايس (‪2169 – 2399‬م) أصبع اؼبؤرخون على أن أصل صاحل رايس ىو عريب ومن اإلسكندرية‪،‬‬
‫تعرف إىل األتراك حُت قدومهم إىل مصر‪ ،‬وقد رافق البحار "خَت الدين" يف رحالتو البحرية‪ ،‬من أىم أعمالو‪ :‬ساىم‬
‫يف إ نقاذ بقايا اؼبسلمُت يف األندلس‪ ،‬وقد توىل منصب حاكم اعبزائر (بايلرباي) يف عام ‪2111‬م فأمت فتح جباية‬
‫سنة‪ 2111‬م‪ ،‬وقضى على التمردات يف اؼبغرب األقصى وفتح فاس يف عام ‪2113‬م‪ ،‬وقضى على بقية الزيانيُت‪،‬‬
‫أنظر‪:‬‬
‫‪John B. WOLF : The Barbary Coast : Algeria under the Turks, New‬‬
‫‪.‬‬
‫‪York, 1979, p. 54.‬‬
‫(‪ -)2‬قام بايلرباي اعبزائر "صاحل رايس" سنة ‪2111‬م بعملية حبث واسعة عن كنوز وثرات الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين‪،‬‬
‫لكنها مل تصل إىل أي نتيجة‪ ،‬وقد خلفت ىذه العملية أضراراً على مستوى الباب الشرقي للبناء وبعض األماكن‬
‫‪.‬‬
‫احمليطة بو ‪ ،‬أنظر‪Mounir BOUCHENAKI : op. cit., p. 13. :‬‬
‫(‪ -)1‬قام "أدريان بَتبروغر" يف عملية التنقيب سنيت ‪2966 – 2961‬م بالبحث على الكنوز والثروات على‬
‫مستوى الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين‪ ،‬رغم أن اؽبدف األول ؽبذه اغبملة كان استكشاف الضريح وليس البحث عن‬
‫الثروات‪ ،‬لكن العملية مل تصل إىل أي نتيجة زبص الكنوز والثروات‪ ،‬يف حُت مت اكتشاف النفق التحيت من جهة‬
‫‪.‬‬
‫يؤدي إىل الغرف الثالث اؼبوجودة ربت الضريح‬
‫الباب الشرقي الذي ٍّ‬
‫‪.‬‬
‫(‪Sigfried J. DE LAET: op. cit., p. 551. -)4‬‬
‫(‪ -)3‬فيليبو كواريللي (ولد سنة ‪ 2846‬م يف روما) ىو عامل آثار إيطايل وأستاذ متخصص يف التاريخ الروماين‬
‫واإلغريقي القدمي يف جامعة "بَتوجيا" اإليطالية ‪ ،l'université de Pérouse‬لو العديد من األعمال‬
‫‪764‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫اؼبوريطاين (ضمن دراسات حول العمارة النوميدية)‪ ،‬واليت كان عنواهنا‪" :‬العمارة‬
‫اعبنائزية والسلطة ‪ :‬تأمالت يف اؽبيلينية النوميدية" ‪(Architecture funéraire‬‬
‫)‪ )6(et pouvoir : réflexions sur l'hellénisme numide‬وقد‬
‫نشرت الدراسة يف باريس سنة ‪2899‬م‪ ،‬وىي عبارة عن مقال موسع(‪ )2‬يف كتاب‬

‫واألحباث اػباصة بالفًتة القددية منها‪ )Il foro romano 2 v. /1983( :‬و( ‪The Colosseum‬‬
‫‪ )/2001‬و( ‪ ،)The column of Trajan /2000‬أنظر‪:‬‬
‫‪Mario TORELLI : Topography and Archaeology of Rome, translated‬‬
‫‪by Helen FRANCCHIA, in A Companion to the Roman Republic,‬‬
‫‪.‬‬
‫‪edition Blackwell, 2010, p. 99.‬‬
‫(‪ -)1‬إيفون تيربت (‪1001 – 2834‬م) عامل آثار فرنسي ومؤرخ شهَت بتأثره باؼباركسية‪ ،‬كان عضواً يف اؼبدرسة‬
‫الفرنسية لروما‪ .‬للدراسات القددية‪ ،‬وأستاذاً ؿباضراً يف العديد من اعبامعات واؼبدارس العليا يف ـبتلف أكباء العامل‪ ،‬لو‬
‫العديد من األعمال والدراسات حول التاريخ األورويب واؼبتوسطي والشمال اإلفريقي القدمي على وجو اػبصوص‬
‫منها‪Thermes romains d'Afrique du Nord et leur contexte ( :‬‬
‫‪ )méditerranéen‬و( ‪L'évolution urbaine dans les provinces orientales de‬‬
‫‪ )l'Afrique romaine tardive‬و( ‪La romanisation d'une cité indigène‬‬
‫‪ ،)d'Afrique : Bulla Regia‬للمزيد من التوسع أنظر‪:‬‬
‫‪A. BENCHAOUCH : « Yvon Thébert », Antiquités africaines, t. 38-39,‬‬
‫‪.‬‬
‫‪2002-2003, p. 7-10.‬‬
‫(‪Filippo COARELLI et Yvon THEBERT : Architecture funéraire et -)6‬‬
‫‪pouvoir : réflexions sur l'hellénisme numide, Mélanges de l'Ecole‬‬
‫‪.‬‬
‫‪française de Rome Antiquité, 1988, Vol. 100, N° 2, p. 761-818.‬‬
‫(‪ -)2‬ذبدر اإلشارة إىل أن مقال "كواريللي" و"تيربت" خصص لدراسة اؼبعامل اعبنائزية النوميدية عموماً‪ ،‬وباػبصوص‬
‫ضريح مدراسن والضريح اؼبوريطاين‪ ،‬وألنو أسهب يف الكالم عن القرب اؼبوريطاين فإن ىذه اؼبعلومات ىي اليت‬
‫سنناقشها‪ ،‬بغض النظر عن اؼبقارنات اليت أجراىا الباحثان بُت الضريح اؼبوريطاين وضريح مدراسن على اػبصوص أو‬
‫‪.‬‬
‫حىت اؼبقارانات اليت أجرياىا بينو وبُت بقية العمائر اعبنائزية النوميدية‬
‫‪764‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫حيوي عدداً من اؼبقاالت‪ ،‬ضمن ؾبموعة من اإلصدارات أشرفت عليها "اؼبدرسة‬


‫الفرنسية لروما‪ .‬للدراسات القددية"(‪.)1‬‬

‫خالل ىذا اؼبقال(‪ )4‬أكد كواريللي وتيربت يف البداية أن اؼبصادر اليت زبص‬
‫اؼبمالك النوميدية وتارخيها نادرة وذلك ألن الكتابات احمللية فقدت‪ ،‬أما النصوص (اليت‬
‫كتبت من غَت النوميديُت) اليت وصلت إلينا واليت تتكلم عن نوميديا فهي مرتبطة‬
‫بوقائع تارخيية معينة‪ ،‬وال تتكلم بالتفصيل أو حىت ببعض التوسع عن التاريخ النوميدي‪،‬‬
‫ىذه النظرة من اػبارج ديكن أن تعطينا حملة عن اػبطوط العريضة لتاريخ تلك اؼبمالك‪،‬‬
‫كما من اؼبمكن أيضاً من خالل صبل قصَتة ضمن تلك النصوص استنتاج بعض‬
‫التفاصيل‪.‬‬

‫(‪" -)1‬اؼبدرسة الفرنسية لروما‪ .‬للدراسات القددية" (‪:)l'Ecole française de Rome. Antiquité‬‬
‫تتكون من ؾبموعة من الباحثُت الذين يقومون بدراسات زبص‪ :‬الفًتة القددية‪ ،‬الفًتة الوسيطة‪ ،‬وؿبور إيطاليا والبحر‬
‫اؼبتوسط‪ ،‬قامت اؼبدرسة بإصدار ؾبلة علمية شهَتة ربت اسم‪" :‬ؾبموعات أحباث يف اآلثار والتاريخ" (من سنة‬
‫‪2992‬م إىل سنة ‪2810‬م)‪ ،‬واليت ربول اظبها فيما بعد إىل‪Les Mélanges de l'École française :‬‬
‫‪ ، de Rome‬أنظر‪:‬‬
‫‪« Cent ans de publications », dans Archives de France, L'École française‬‬
‫‪.‬‬
‫‪de Rome 1875-1975, Paris-Rome, 1975, p. 35-68.‬‬
‫(‪ -)4‬ىذا اؼبقال ىو شبرة نقاشات طويلة بُت الباحث ُْت "كواريللي" و"تيربت"‪ ،‬وذلك بعد ندوة شارك فيها "كواريللي"‬
‫يف اؼبدرسة العليا يف "سان كلود" ‪ l’Ecole normale superieure de Saint-Cloud‬يف نوفمرب‬
‫سنة ‪2816‬م وعرفت الندوة حضور "تيربت"‪ ،‬أنظر‪:‬‬
‫‪Yvon THEBERT : Romanisation et déromanisaton en Afrique : histoire‬‬
‫‪.‬‬
‫‪décolonisée ou histoire inversée ? dans Annales ESC, 33, 1978, p. 81.‬‬
‫‪740‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫وأشار الباحثان إىل أن حل ىذه اؼبشكلة قد يكون يف ما ديكن أن يقدمو لنا‬


‫علم اآلثار كونو يلعب دوراً أساسيّاً يف الكشف عن بعض التفاصيل اليت زبص تاريخ‬
‫ىذه اؼبمالك وأحواؽبا السياسية واإلقتصادية واإلجتماعية وحىت الثقافية‪ ،‬وذلك يف‬
‫غياب شبو كلي للكتابات طبعاً(‪ )3‬على الرغم من أن العديد من الباحثُت اآلخرين‬
‫يؤكدون على عدم مقدرة علم اآلثار على تزويدنا دبا كبتاجو من معلومات تارخيية‪ ،‬إمنا‬
‫ديكنو إفادتنا فقط ببعض اإلشارات احملدودة(‪.)1‬‬

‫ولدراسة الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين(‪ )2‬أكد كواريللي وتيربت على أن الشكل‬


‫الدائري للضريح ىو طابع فبيز يشًتك فيو مع بقية األضرحة النوميدية‪ ،‬وذلك بإجراء‬
‫مقارنات مع بعض العمائر النوميدية األخرى خصوصاً ضريح مدراسن‪ ،‬من خالل‬
‫(‪)1‬‬
‫وكذلك اإلشارة‬ ‫الشكل اػبارجي العام‪ ،‬أيضاً بعض القياسات اؼبتقاربة بُت البنائُت‬
‫إىل وقوع الضرحيُت يف منطقة مشال جبال األوراس(‪.)4‬‬

‫‪.‬‬
‫(‪Filippo COARELLI et Yvon THEBERT : op. cit., p. 761. -)3‬‬
‫(‪F. RAKOB : Architecture royale numide, dans les actes du colloque -)1‬‬
‫‪«Architecture et société de l’archaisme grec à la fin de la république‬‬
‫‪romaine», Rome, 1980 – 1983, p. 326, C. et G. PICARD : Recherches‬‬
‫‪.‬‬
‫‪sur l’architecture numide, dans Khartago, 19, 1977 – 1978, p. 15.‬‬
‫(‪ -)2‬ذبدراإلشارة إىل أن الباحثُت "كواريللي" و"تيربت" مل خيرجا عن تقاليد اؼبدرسة الفرنسية بالنسبة لتسمية‬
‫الضريح‪ ،‬حيث قبدىم يسمونو "قرب اؼبسيحية" (‪ )Le tombeau de la Chrétienne‬بدل التسمية‬
‫‪.‬‬
‫الرظبية وىي "الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين"‬
‫‪.‬‬
‫(‪Filippo COARELLI et Yvon THEBERT : op. cit., p. 762 - 764. -)1‬‬
‫(‪G. CAMPS : Au origines de la Berbérie : monuments et rites -)4‬‬
‫‪.‬‬
‫‪funéraires protohistoriques, Paris, 1961, p. 201.‬‬
‫‪746‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫بعدىا‪ ،‬قام الباحثان بتفصيل موقع الضريح وأبوابو وقياساتو‪ ،‬مع وضع رسوم‬
‫زبطيطية ؼبختلف جهات القرب‪ ،‬مستعينُت يف ذلك ببعض الدراسات السابقة(‪ )3‬كل‬
‫ذلك مع العودة دائماً إىل اؼبقارنة بينو وبُت ضريح مدراسن‪ ،‬مع إيراد كثَت من التفاصيل‬
‫اليت تؤدي بشكل واضح إىل استنتاج واحد وىو تأكيد الباحثُت على وحدة النمط‬
‫البنائي واػبصائص اؼبعمارية للضرحيُت(‪.)1‬‬

‫وخبصوص تاريخ بناء الضريح اؼبوريطاين‪ ،‬فإن اؼبقاربة اليت قدمها كواريللي‬
‫وتيربت اعتمدت على علم اآلثار – كما ذكرا يف مقدمة مقاؽبما ‪ -‬وترتكز على أن‬
‫شكل األبواب واألقواس والرسوم اليت تعلوىا‪ ،‬وباؼبقارنة مع التقاليد اؼبعمارية الرومانية‪،‬‬
‫ديكن استنتاج أن تاريخ بناء الضريح قد يعود إىل هناية اؼبئة الثانية وبداية اؼبئة األوىل قبل‬
‫اؼبيالد(‪ )6‬وديكن أن سبتد ؼبنتصف اؼبئة األوىل قبل اؼبيالد(‪ )1‬وبتعبَت آخر فإن الفًتة اليت‬
‫يرجح الباحثان أن القرب اؼبوريطاين بٍت فيها ىي فًتة حكم ملكُت من ملوك موريطانيا‬
‫القيصرية مها‪" :‬يوبا األول" مث ابنو "يوبا الثاين"‪ ،‬بدون أن حيددا من من اؼبلكُت‬
‫بالتحديد قام ببناء الضريح‪.‬‬

‫وقد ابتعد الباحثان كواريللي وتيربت عن اإلشارة إىل الرواية السائدة واليت تؤكد‬
‫بناء الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين من طرف "يوبا الثاين" وزوجتو "كليوباترا سيليٍت"‪ ،‬وتركا‬
‫فًتة بنائو – كما رأينا – بُت فًتة حكم يوبا األول وابنو يوبا الثاين‪ ،‬كما مل يناقش‬

‫‪.‬‬
‫(‪F. RAKOB : op. cit., p. 331, G. CAMPS : op. cit., p. 201. -)3‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪Filippo COARELLI et Yvon THEBERT : op. cit., p. 765 - 766. -)1‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪Ibid, p. 766. -)6‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪G. CAMPS : op. cit., p. 203 - 205. -)1‬‬
‫‪744‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫الباحثان الروايات التارخيية للمؤرخُت الرومان بل ركزا على البناء يف حد ذاتو وما ديكن‬
‫أن يقدم من إشارات‪ ،‬وقد ضمنا دراستهما العديد من اؼبعلومات اليت زبص ىذا‬
‫اؼبعلم‪ ،‬وشكلو وقياساتو‪ ،‬وكذا اؼبقارنة الدائمة بينو وبُت ضريح مدراسن‪.‬‬

‫خامساً‪ :‬دراسة مونيك باير‪:‬‬

‫أجرت الباحثة الفرنسية "مونيك دوندين باير" ‪Monique‬‬


‫‪ )2(DONDIN-PAYRE‬ؾبموعة من الدراسات واألحباث حول عمليات‬
‫التنقيب وأعمال البحث واإلستكشاف اليت سبت بالضريح اؼبلكي اؼبوريطاين (خالل‬
‫فًتة اإلحتالل الفرنسي على وجو اػبصوص)‪ ،‬حيث قامت جبمعها وترتيبها‪ ،‬ونشرت‬
‫الدراسة فيما بعد يف مقال علمي ربت عنوان‪" :‬حفريات قرب اؼبسيحية يف القرن التاسع‬
‫عشر" ‪(les fouilles du Tombeau de la Chrétienne au XIXe‬‬
‫)‪ )1(siècle‬صدرت الدراسة يف باريس سنة ‪1004‬م‪ ،‬يف أحد منشورات أكادديية‬
‫العلوم الفرنسية(‪.)4‬‬

‫(‪ -)2‬مونيك دوندين باير‪ :‬باحثة فرنسية متخصصة يف تاريخ الغرب الروماين القدمي وتاريخ الشمال اإلفريقي القدمي‪،‬‬
‫ؽبا العديد من الدراسات واألحباث اؼبتعلقة باؼبنطقة‪ ،‬منها‪L'entrée de l'Algérie antique dans ( :‬‬
‫‪ )l'espace méditerranéen‬و(‪)L'Armée d'Afrique face à l'Algérie romaine‬‬
‫‪.‬‬
‫و(‪)L’archéologie en Algérie à partir de 1830‬‬
‫(‪Monique DONDIN-PAYRE : les fouilles du Tombeau de la -)1‬‬
‫‪Chrétienne au XIXe siècle, Comptes rendus des séances de l'Académie‬‬
‫‪.‬‬
‫‪des Inscriptions et Belles-Lettres, 2003, Vol. 147. N° 3, p. 1139-1157.‬‬
‫(‪ -)4‬أكادديية العلوم الفرنسية‪ ،‬اظبها الرظبي ىو‪( :‬أكادديية النقوش واآلداب اعبميلة والتصوير الفوتوغرايف‪:‬‬
‫‪ ،)L'Académie des Inscriptions et Belles-Lettres et la photographie‬ىي أكادديية‬
‫‪744‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫بدأت مونيك باير مقاؽبا بالتأكيد على أن ضبلة التنقيب الكربى اليت شهدىا‬
‫الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين(‪ )3‬سنيت ‪2966 – 2916‬م واليت أشرف عليها "أدريان‬
‫بَتبروغر" – كما أسلفنا – كانت بطلب مباشر من "نابوليون الثالث"‪ ،‬وأن "بَتبروغر"‬
‫أبدى اىتمامو بالقرب اؼبوريطاين منذ سنة ‪2941‬م‪ ،‬وأن عملية اإلستكشاف تلك‬
‫جاءت بسبب التساؤالت الكثَتة اليت طرحت حول الضريح(‪ )1‬الذي مل يكن مدخلو‬
‫قد اكتشف بعد يف ذلك الوقت‪.‬‬

‫وقامت الباحثة بتفصيل البعثة اإلستكشافية األوىل للضريح اؼبوريطاين‪ ،‬حيث‬


‫قررت أكادديية العلوم الفرنسية إرسال بعثة لو سنة ‪2916 – 2911‬م وذلك قبل‬
‫عملية التنقيب الكربى بعشر سنوات‪ ،‬عبمع أكرب قدر من اؼبعلومات حول القرب‪،‬‬
‫وقامت البعثة بتصوير الضريح من ـبتلف اعبهات واألماكن‪ ،‬وعادت دبادة فوتوغرافية‬
‫ىامة ال تزال ؿبفوظة يف مكتبة اؼبعهد الفرنسي(‪.)2‬‬

‫هتتم بدراسات التاريخ واآلثار‪ ،‬تأسست سنة ‪2664‬م‪ ،‬على يد العامل الفرنسي الشهَت "كولبَت" ‪Jean-‬‬
‫‪ ، Baptist COLBERT‬عرفت يف البداية بعدة أظباء لكن منذ سنة ‪2926‬م حافظت على اظبها اغبايل‪،‬‬
‫ىي اليوم أحد فروع اؼبعهد الفرنسي ‪ ، l'Institut de France‬وؽبا العديد من اإلصدارات العلمية الشهَتة‪،‬‬
‫أنظر‪:‬‬
‫‪Léon AUCOC : L’Institut de France et les anciennes Académies, Paris,‬‬
‫‪.‬‬
‫‪Éditions Plon, 1989, p. 48.‬‬
‫(‪ -)3‬فضلت "مونيك دوندين باير" – كغَتىا من الباحثُت واؼبؤرخُت الفرنسيُت – إطالق تسمية "قرب اؼبسيحية" على‬
‫الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين بدالً من تسميتو الرظبية‪ ،‬على الرغم من أن ىذه الدراسة حديثة مقارنةً بالدراستُت‬
‫‪.‬‬
‫السابقتُت إذ أهنا صدرت سنة ‪1004‬م‬
‫‪.‬‬
‫(‪Monique DONDIN-PAYRE : op. cit., p. 1139 - 1140. -)1‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪Album, Bibliothèque de l’Institue de France, MSZ 154 D. -)2‬‬
‫‪747‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫وتطرقت مونيك دوندين باير بشيء من التفصيل إىل مشاركة "بَتبروغر" يف‬
‫تلك البعثة‪ ،‬كما ذكرت مشاركة اؼبصور األمريكي "جون قريٍت" ‪John‬‬
‫‪ )1(GREENE‬الذي اشتهر يف ذلك الوقت بالعمل يف مصر‪ ،‬وتصوير العديد من‬
‫اؼبعامل األثرية اؼبصرية‪ ،‬والذي جاء إىل اعبزائر – حسب الباحثة دائماً – لتتبع تأثَتات‬
‫مصرية‪ ،‬ردبا اعتباراً للرواية السائدة حول الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين واليت تقول أنو قرب‬
‫"يوبا الثاين" و"كليوباترا سيليٍت"(‪.)4‬‬

‫بعدىا توجهت الباحثة يف مقاؽبا إىل شرح وتفصيل الصور اليت صورىا‬
‫األمريكي قريٍت للضريح‪ ،‬وىي الصور اليت رافقت عملية اإلستكشاف لسنيت ‪2911‬‬
‫– ‪2916‬م يوماً بيوم‪ ،‬من خالل تتبُّع تقنية التصوير‪ ،‬وشكل الضريح يف األيام األوىل‬
‫لعملية البحث‪ ،‬وشكلو بعدىا(‪ )3‬علماً أنو مت خالل ىذه البعثة نزع األشجار احمليطة‬
‫بالقرب وكذا تنظيف ؿبيطو‪ ،‬لذلك كان شكلو اػبارجي يتغَت مع كل يوم جديد من‬
‫عملية اإلستكشاف‪.‬‬

‫ويف ؿبور آخر قامت مونيك باير بتفصيل البعثات العلمية اليت جاءت لتصوير‬
‫الضريح‪ ،‬وصنفتها يف قائمة طويلة‪ ،‬بدأهتا ببعثة سنة ‪2941‬م (وىي السنة اليت‬
‫شهدت أول زيارة قام هبا بَتبروغر للضريح)‪ ،‬مروراً بسنة ‪2911‬م (عملية‬

‫(‪B. JAMMES : «John B. GREENE, an American calotypist», History -)1‬‬


‫‪.‬‬
‫‪of photography, 5, oct. 1981, p. 305 – 324.‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪Monique DONDIN-PAYRE : op. cit., p. 1141. -)4‬‬
‫‪.‬‬
‫(‪Ibid., p. 1142 - 1145. -)3‬‬
‫‪744‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫اإلستكشاف األوىل للضريح)‪ ،‬وسنة ‪2961‬م (عملية التنقيب الكربى ربت إشراف‬
‫"بَتبروغر")‪،‬إىل غاية سنة ‪2991‬م (اليت شهدت عملية هتيئة كربى حمليط الضريح)(‪.)1‬‬

‫أهنت مونيك باير مقاؽبا بالتذكَت بالدور الذي قامت بو أكادديية العلوم‬
‫الفرنسية‪ ،‬وكذا دور "أدريان بَتبروغر" وأعمالو على الضريح‪ ،‬إضافة إىل إبرازىا للجانب‬
‫الفوتوغرايف التصويري وأمهيتو يف صبع مادة علمية أرشيفية كبَتة زبص الضريح اؼبلكي‬
‫اؼبوريطاين‪ ،‬حيث ال تزال تلك الصور ؿبفوظة إىل اليوم‪ ،‬يعود إليها الباحثون والدارسون‬
‫ويستفيدون منها‪.‬‬

‫خالصة‪:‬‬

‫يعترب الضريح اؼبلكي اؼبوريطاين أحد أىم العمائر اعبنائزية يف اعبزائر واليت تعود‬
‫للفًتة القددية‪ ،‬مت اختيار موقعو بعناية‪ ،‬كما يتميز بأطوالو وقياساتو الكبَتة‪ ،‬وبسبب‬
‫غياب معلومات دقيقة فقد اختلف اؼبؤرخون والباحثون حول تاريخ بنائو‪ ،‬وذلك بالرغم‬
‫من وجود رواية كثَتة التداول تقول بأنو بٍت يف عهد ملك موريطانيا القيصرية "يوبا‬
‫الثاين" وزوجتو "كليوباترا سيليٍت"‪.‬‬

‫قدم الباحث الفرنسي "مارسيل كريستوفل" دراسة موسعة عن الضريح‬


‫اؼبوريطاين‪ ،‬بعد قرابة األربعُت سنة قضاىا يف صبع اؼبعلومات حول ىذا اؼبعلم‪ ،‬مشلت‬
‫الدراسة العديد من احملاور الكربى‪ ،‬أمهها‪ :‬البناء وما يتعلق بو‪ ،‬تاريخ إنشائو والروايات‬
‫اؼبختلفة‪ ،‬عمليات التنقيب واإلستكشاف‪ ،‬إضافة إىل مناقشة روايات السكان احملليُت‬
‫اليت ؽبا عالقة بالضريح‪.‬‬

‫‪.‬‬
‫(‪Ibid., p. 1150 - 1153. -)1‬‬
‫‪741‬‬ ‫العدد ‪61‬‬
‫الملتقى الدولي‪ :‬الدراسات التاريخية والمعالم األثرية القديمة‬ ‫مجلة المعارف للبحوث والدراسات التاريخية‬

‫أما الباحثان اإليطايل "فيليبو كواريللي" والفرنسي "إيفون تيربت" فقد أجريا‬
‫دراسة عن العمارة اعبنائزية النوميدية عموماً‪ ،‬لكنهما قاما بإيراد معلومات مفصلة حول‬
‫الضريح اؼبوريطاين يف أجزاء واسعة من البحث‪ ،‬وقاما بالتوسع يف دراسة الضريح‬
‫اؼبوريطاين باتباع طريقة اؼبقارنة بينو وبُت األضرحة النوميدية األخرى من ـبتلف‬
‫النواحي‪ ،‬وناقش الباحثان إشكالية تاريخ بناء الضريح انطالقاً من علم اآلثار وما ديكن‬
‫أن يقدمو يف ىذا اجملال‪.‬‬

‫وبالنسبة للباحثة الفرنسية "مونيك دوندين باير" فقد ركزت يف دراستها على‬
‫عمليات التنقيب الكربى اليت شهدىا الضريح‪ ،‬مع إبراز عملية اإلستكشاف األوىل‬
‫سنة ‪2916 – 2911‬م وأمهيتها بالنسبة لبقية العمليات األخرى‪ ،‬وتأكيدىا على‬
‫الدور الكبَت الذي قام بو "أدريان بَتبروغر"‪ ،‬ودور أكادديية العلوم الفرنسية‪ ،‬إضافة إىل‬
‫توسعها يف اعبانب الفوتوغرايف التصويري الذي رافق عمليات اإلستكشاف والتنقيب‬
‫يف الضريح‪.‬‬

‫‪744‬‬ ‫العدد ‪61‬‬

You might also like