Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 48

‫ماستر‪ :‬املهن القانونية والقضائية‬ ‫جامعة ابن طفيل‬

‫وحدة‪ :‬االحكام العامة للمعامالت املدنية‬ ‫كلية العلوم القانونية والسياسية‬


‫القنيطرة‬

‫عرض في موضوع‬

‫المبادئ والنظريات الكبرى‬


‫لقانون االلتزامات والعقود‬

‫حتت إشراف الدكتــور‪:‬‬

‫نبيل الـكــط‬
‫من إعداد الطلبة‪:‬‬
‫كنزة أيت عمو‬
‫أميمة البوشتاوي‬
‫إيمان شفيق‬
‫كوثر الشرقاوي‬
‫أمين شيبوب‬
‫معاد شراشم‬
‫خولة الدغوغي‬
‫محمد البرنوص‬

‫السنة الجامعية‪2022-2021 :‬‬


‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫مقدمة‪:‬‬
‫يعتبر القانون املدني أصل للقانون الخاص ودعامته األساسية‪ ،‬إذ يعد الشريعة‬
‫العامة املؤطرة لكل العالقات التي تنشأ بين األفراد‪.‬‬
‫فهو بمثابة العمود الفقري لباقي القوانين‪ ،‬لكونه يشتمل في عمقه على نظرية عامة‬
‫لاللتزامات صالحة للتطبيق كلما كان هناك فراغ أو نقص في جانب من الجوانب القانونية‬
‫التي تهم الفروع املنبثقة عن القانون املدني‪.‬‬
‫إن القانون املدني يقوم على مجموعة من املبادئ‪ ،‬التي تحدد توجهاته وأبعاده‪ ،‬والتي‬
‫تصبح أمام املهتم بقضاياه مؤشرات للعمل يتمكن بواسطتها من الفهم والتفسير والتطبيق‬
‫ملختلف أحكامه‪ ،‬وهذه املبادئ ال يتم التعبير عنها دائما بشكل مباشر عبر صياغة حرفية‬
‫للقاعدة أو املبدأ‪ ،‬وإنما يتم استخالصها أحيانا عبر استقراء عدد من النصوص التي توحي‬
‫بالتوجه الذي تبناه املشرع‪ ،‬وقد يتم استيحاؤها أحيانا من قيم املجتمع التي ترتفع إلى‬
‫مستوى االلتزام وتساعد تلك املبادئ على إيجاد الحلول املناسبة للقضايا املطروحة أمام‬
‫‪1‬‬
‫القاض ي‪.‬‬
‫ترجع نشأة القانون املدني ابتداء من قانون حمورابي وكذا القانون الروماني‪ ،‬كما أنه‬
‫استمد بعض قواعده من الفقه املالكي والفقه الحنفي والبعض اآلخر راجع إلى قيام بعض‬
‫الثورات كالثورة الفرنسية التي أبرزت لنا القانون املدني الفرنس ي في سنة ‪ 1804‬والتي‬
‫عرفت بقانون نابليون‪ ،‬وال نستثني الدور الذي يلعبه كل من االجتهاد الفقهي واالجتهاد‬
‫القضائي في تنظيم هذه املعامالت‪.‬‬

‫‪ -1‬محمد بن الطالب الوازاني‪ ،‬مبدأ حسن النية في املعامالت املدنية في القانون املغربي‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪،‬‬
‫وحدة القانون الخاص‪ ،‬كلية الحقوق أكدال‪ ،‬الرباط‪.‬ص‪.1.‬‬

‫‪1‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫فقبل فرض الحماية كانت املعامالت بين املغاربة تخضع ألحكام الشريعة اإلسالمية‬
‫والفقه املالكي إضافة إلى األعراف املتواترة املدونة في السجالت‪ ،‬أصبحت مرجعية ألحكام‬
‫املعامالت‪. 2‬‬
‫وقد شكلت اتفاقية الحماية املبرمة بين املغرب وفرنسا سنة ‪ 1912‬نقطة تحول على‬
‫مستوى املنظومة التشريعية املغربية‪ ،‬حيث تم االنتقال تدريجيا من تطبيق أحكام الفقه‬
‫االسالمي خاصة املذهب املالكي إلى قوانين عصرية‪ ،‬أصدرتها السلطات الفرنسية بسرعة‬
‫ملفتة للنظر في العديد من املجاالت من أجل تطبيقها أمام املحاكم الفرنسية (املحاكم‬
‫العصرية)‪ ،‬وذلك للبت في قضايا املنازعات بين الفرنسيين واألجانب‪ ،‬وأيضا النزاعات بين‬
‫املغاربة باستثناء قضايا األحوال الشخصية والعقار غير املحفظ التي ظلت من اختصاص‬
‫املحاكم الشرعية‪.‬‬
‫في يوم ‪ 12‬غشت ‪ 1913‬أصدر قانون االلتزامات والعقود على أن يتم بدأ العمل به‬
‫يوم ‪15‬أكتوبر ‪ ،1913‬وقد جاء هذا القانون مشتمال على كتابين األول االلتزام بوجه عام‪،‬‬
‫والثاني العقود املسماة‪.‬‬
‫لقد جاءت أحكام قانون االلتزامات والعقود وفية ملبدأ سلطان اإلرادة الذي كان‬
‫سائدا في فرنسا خالل القرن التاسع عشر‪.‬‬
‫بعد حصول املغرب على االستقالل صدر قانون ‪ 26‬يناير ‪ 1965‬املتعلق بتوحيد‬
‫وتعريب ومغربة القضاء‪ ،‬هذا القانون الذي ترتب عنه بصفة عامة توسع في تطبيق قانون‬
‫االلتزامات والعقود‪ ،‬الذي أصبح يعمل به لدى املحاكم املوحدة ولكل املغاربة‪ .‬ويبدو أن هذا‬
‫القانون الزال متماشيا مع االختيارات االقتصادية والسياسية للبالد‪ ،‬وذلك بالرغم من‬
‫مناداة الكثيرين بتعديل كبير من مقتضياته حتى تنسجم أكثر مع قواعد الفقه اإلسالمي ومع‬
‫مستلزمات التطور الذي يشهده املغرب اليوم في كل امليادين‪.3‬‬

‫‪ -2‬محمد الشرقاني‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات ( العقد)‪،‬مطبعة وراقة بسجلماسة الزيتون‪ ،‬مكناس‪ ،‬الطبعة ‪-2013‬‬
‫‪،2014‬ص ‪.9‬‬
‫‪ -3‬عبد الحق الصافي‪ ،‬الوجيز في القانون املدني‪،‬املصادر اإلدارية لاللتزام ( العقد و اإلرادة املنفردة)‪،‬مطبعة النجاح الجديدة‬
‫الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،2020‬ص ‪.17‬‬

‫‪2‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫فمن املعلوم أن قانون االلتزامات والعقود يضم في طياته مجموعة من املبادئ‪ ،‬والتي‬
‫مرت بمجموعة من املراحل التاريخية لتصبح على ما هي عليه اآلن ونخص بالذكر مبدأ‬
‫سلطان االرادة ومبدأ حسن النية‪.‬‬
‫إن لدراسة املبادئ والنظريات املؤطرة لقانون االلتزامات والعقود أهمية بالغة سواء‬
‫على املستوى العلمي حيث تكمن هذه األهمية في راهنية املوضوع والنقاش الذي طاملا‬
‫يطرحه وتباين اآلراء بين الباحثين القانونيين بخصوصه‪ ،‬مما يجعله موضوعا مناسبا لكل‬
‫زمان‪ ،‬وذلك بفعل التطورات التي تعرفها املجتمعات في كل امليادين‪ ،‬األمر الذي يستدعي‬
‫دراسات معمقة من أجل الوصول إلى قواعد قانونية تواكب مستجدات الحياة اليومية‪.‬‬
‫أما بخصوص األهمية العملية للموضوع قيد التحليل فتكمن في ضرورة معرفة أهم‬
‫املبادئ والنظريات األساسية لقانون االلتزامات والعقود من جهة والتعرف على خصوصياتها‬
‫من جهة ثانية وذلك من خالل تطبيق هذه املبادئ والنظريات على بعض العقود‪.‬‬
‫كل هذا يدفعنا إلى طرح اإلشكالية التالية‪ :‬هل تدخل املشرع بتعديالت على مبادئ‬
‫ونظريات قانون االلتزامات والعقود؟‬
‫وتنبثق عن هذه اإلشكالية مجموعة من التساؤالت فرعية‪:‬‬
‫‪ -‬ما هي أهم املبادئ والنظريات لقانون االلتزامات والعقود؟‬
‫‪ -‬وما هي أهم التحوالت التي عرفها قانون االلتزامات العقود في ظل املتغيرات‬
‫الجديدة؟‬
‫‪ -‬وما هي حدود هذه املبادئ والنظريات في ظل هذه التغيرات؟‬
‫‪ -‬ما هي أهم االليات التي اعتمدها املشرع من أجل مواكبة التغيرات؟‬
‫و لدراسة هذه اإلشكالية سوف نعتمد على املناهج التالية‪:‬‬
‫‪-1‬املنهج التحليلي‪ :‬والذي من خالله سنعتمد فيه على شرح وتحليل النصوص‬
‫القانونية املتعلقة باملوضوع من أجل بيانها وتوضيحها‪ ،‬واستيعاب فلسفة املشرع من وراء‬
‫إقرارها‪ ،‬والوقوف على مدى نجاعتها‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫‪-2‬املنهج املقارن‪ :‬إذ أننا سنستعين على املنهج املقارن بين الفينة واألخرى إلى جانب‬
‫املنهج السابق ذكره‪ ،‬وذلك من خالل املقارنة بين التشريعات واألراء الفقهية األجنبية‬
‫بخصوص حيثيات موضوع الدراسة‪.‬‬
‫و لدراسة هذا املوضوع سنعتمد التصميم التالي‪:‬‬
‫‪‬املبحث األول‪ :‬خلود أهم املبادئ والنظريات املؤطرة لقانون االلتزامات والعقود‬
‫‪ ‬املبحث الثاني‪ :‬انتكاسة مبادئ قانون االلتزامات والعقود في ظل التحوالت االقتصادية‬

‫‪4‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫إن التطور السريع الذي تمر به املجتمعات نتج عنه تفاوت كبير على كل األصعدة‬
‫الش يء الذي أدى إلى قصور القواعد القانونية وعدم مالءمتها مع هذا التطور األمر الذي‬
‫فرض علينا النظر في مبادئ ونظريات قانون االلتزامات والعقود باهتمام أكبر قصد محاولة‬
‫تجاوز هذه التفاوتات وعليه سنحاول في هذا املبحث التطرق ألهم املبادئ العامة ل قانون‬
‫االلتزامات والعقود (املطلب األول) والنظريات األساسية التي تؤطره (املطلب الثاني)‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬أهم مبادئ قانون االلتزامات والعقود‬

‫يقوم قانون االلتزامات والعقود على مجموعة من املبادئ األساسية‪ ،‬وارتأينا في هذا‬
‫املطلب أن نقتصر على دراسة مبدأين هامين ال يمكن الحديث عن وجود عالقة تعاقدية‬
‫دون توفرهما‪ ،‬أال وهما مبدأ سلطان اإلرادة (الفقرة األولى) ومبدأ حسن النية (الفقرة‬
‫الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫أوال‪ :‬مفهوم مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫‪ -1‬التعريف الفقهي ملبدأ سلطان اإلرادة‪:‬‬
‫تستند نظرية العقد على مبدأ تقليدي فلسفي ذو طابع قانوني مهم أال وهو مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة‪ ،‬وكما هو معروف فإن العقد هو توافق إرادتين على إحداث أثر قانوني ولكي‬
‫يكون هذا العقد منتجا آلثاره القانونية البد أن يصدر عن إرادة حرة خالية من العيوب‪،‬‬
‫وعليه فإن تلك اإلرادة الحرة هي ما يعبر عنها بسلطان اإلرادة‪.‬‬
‫و يمكن القول بأن هذا األخير يقوم على ركيزتين أساسيتين الركيزة األولى هي الرضائية‬
‫بمعنى أنه ال يمكن إجبار أي شخص على التعاقد وال يمكن التكلم عن عقد إذا لم يرغب‬
‫األطراف في إبرامه بكامل حريتهم وهذه الرضائية يجب أن تكون مجردة عن أي شكل إال‬

‫‪5‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫الشكل الذي حدده القانون‪ ،‬أما الركيزة الثانية هي املساواة وذلك عن طريق إتاحة فرصة‬
‫‪4‬‬
‫التعاقد للجميع بدون تمييز‪.‬‬
‫ومن هنا يمكن فهم أن املقصود بمبدأ سلطان اإلرادة هو قدرة املتعاقدين على‬
‫الدخول في عالقات تعاقدية وتحديد آثارها وفق إرادتهم الحرة أو بمعنى آخر أن اإلرادة هي‬
‫صاحبة السلطان في تكوين العقد وأثاره‪.5‬‬
‫وبمراجعة مقتضيات التشريع املغربي نجد أنه لم يتطرق لتعريف مبدأ سلطان‬
‫اإلرادة وترك وظيفة تعريفه ألهل االختصاص وهم الفقه والقضاء‪ ،‬ولكن هذا لم يمنع‬
‫املشرع املغربي من تبني هذا املبدأ والعمل به وهو ما يظهر بوضوح من خالل الفصول‬
‫الواردة في قانون االلتزامات والعقود لعل أهمها الفصول ‪ 12 ،2‬و‪ 21‬التي تتعلق بمبدأ‬
‫الرضائية والحرية التعاقدية‪ ،‬باإلضافة إلى الفصل ‪ 6230‬الذي حدد نطاق هذا املبدأ‪.7‬‬
‫و تجدر اإلشارة إلى أنه ال وجود ملصطلح سلطان اإلرادة في قانون االلتزامات والعقود‬
‫وال حتى في القانون املدني الفرنس ي ذلك أن املبدأ مستنبط من اآلراء الفقهية السائدة في‬
‫القرن ‪.19‬‬
‫وبالرجوع إلى تعاريف الفقهاء املغاربة نجد أن البعض ذهب إلى القول بأن مبدأ‬
‫سلطان اإلرادة يفيد أن "الفرد حر في أن يتعاقد أو ال يتعاقد‪ ،‬وإذا ما قيد نفسه باملوافقة‬
‫على العقد فهذا يكون عن اقتناع واختيار تأمين‪ ،‬أما بخصوص الفقه الغربي فقد عبر‬
‫ّ‬
‫الفقيه كونوا ‪ Gonot‬في أطروحته حول مبدأ سلطان اإلرادة في القانون املدني عن هذه‬
‫الفكرة بما يلي‪" :‬أنا لست ملزما بأي تصرف قانوني إال إذا رغبت فيه‪ ،‬وفي الوقت الذي أريد‬

‫‪ -4‬مقال بعنوان مبدأ سلطان اإلرادة تم االطالع عليه بتاريخ ‪/https://jordan-lawyer.com/2020/08/11 27/02/2022‬مبدأ‪-‬‬
‫سلطان‪-‬اإلرادة‪/‬‬
‫‪ -5‬د‪.‬عبد الرزاق أحمد السنهوري‪ ،‬الوسيط في شرح القانون املدني نظرية االلتزام بوجه عام مصادر االلتزام‪ ،‬دار النشر‬
‫للجامعات املصرية القاهرة‪1952 ،‬م‪،‬الصفحة ‪141‬‬
‫‪ -6‬ينص الفصل ‪ 230‬من قانون االلتزامات و العقود على أن " االلتزامات التعاقدية املنشأة على وجه صحيح تقوم مقام‬
‫القانون بالنسبة إلى منشئيها و ال يجوز إلغائها إال برضاهما معا أو في الحاالت املنصوص عليها في القانون"‬
‫‪ -7‬د‪ .‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مصادر االلتزامات الكتاب األول نظرية العقد‪ ،‬دراسة مقارنة على ضوء التعديالت الجديدة‪ ،‬دار‬
‫األمان الرباط ‪ 2018‬الصفحة ‪24‬‬

‫‪6‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫وبالكيفية التي أحبذها‪ " 8‬وأما املشرع الفرنس ي فقد كرس هذا املبدأ من خالل الفصل‬
‫‪ 1134‬الذي ينص على ما يلي "العقد شريعة املتعاقدين"‪ .‬وتعتبر فرنسا من ضمن أولى‬
‫الدول التي تبنت مبدأ سلطان اإلرادة بعد الثورة الفرنسية بعد صدور مدونة نابليون سنة‬
‫‪1804‬م‪.9‬‬
‫‪ -2‬التعريف القضائي ملبدأ سلطان اإلرادة‪:‬‬
‫وبخصوص موقف القضاء املغربي الذي وإن لم يستطع إعطاء تعريف دقيق ملبدأ‬
‫سلطان اإلرادة إال أنه ضمنه في مجموعة من األحكام والقرارات ومن بينها حكم صادر عن‬
‫ابتدائية الدار البيضاء بتاريخ ‪ 26/07/1982‬الذي جاء فيه‪ " :‬إن دفع شركة التأمين‬
‫بالفصل ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود مردود ألن هذا الفصل يهم حرية التعاقد‬
‫والفسخ برض ى الطرفين معا وليس من طرف واحد‪ ،‬كما هو الحال بالنسبة للشركة التي‬
‫فسخت عقد التأمين من جانبها دون رضا املؤمن له‪.10‬‬
‫وجاء في قرار صادر عن استئنافية الدار البيضاء بأن املستأنف عليه لم يفي بالتزاماته‬
‫اتجاه العارضة مع العلم أن العقد شريعة املتعاقدين‪ ،‬ذلك أنها أبرمت معه عقد على أن‬
‫يتحمل هو جميع مصاريف البناء إلى أن يصبح املحل جاهزا‪ ،‬إال أنه لم يفي بالتزاماته وأنها‬
‫تقدمت بمقال رام إلى إبطال العقد والطعن فيه بالزور طبقا ملقتضيات الفصل ‪ 89‬من‬
‫قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬ألن العارضة تنكر إبرامها العقد مع املتعاقد كما تنكر التوقيع‬
‫الوارد في هذا العقد‪ ،‬مما يتعين معه إلغاء الحكم املستأنف ورفض الطلب والسماح‬
‫للعارض بإتمام عملية البناء وتحميل املستأنف عليه الصائر‪.11‬‬

‫‪ -8‬د ‪ .‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪20‬‬


‫‪ -9‬د‪.‬عبد القادر العرعاري مرجع سابق ص ‪.24‬‬
‫‪ -10‬حكم عدد‪ 81-16159‬صادر عن ابتدائية الدار البيضاء‪،‬بتاريخ ‪ 1982/07/26‬منشور بمجلة املحاكم املغربية عدد‪42‬‬
‫مارس‪-‬أبريل ‪1986‬ص‪ – 14‬أورده يونس غالمي – أثر التحوالت االقتصادية على العقد في التشريع املغربي‪ -‬رسالة لنيل‬
‫دبلوم املاستر في قانون املنازعات بكلية العلوم القانونية و االقتصادية و االجتماعية بجامعة موالي إسماعيل السنة‬
‫الجامعية ‪ 2019/2018‬الصفحة ‪15‬‬
‫‪ - 11‬قرار رقم ‪ 686‬في ملف استنافي رقم ‪ ،91-483‬صادر بتاريخ ‪ ،2-4-1992‬غير منشور‪ ،‬اورده أورده يونس غالمي – أثر‬
‫التحوالت االقتصادية على العقد في التشريع املغربي مرجع سابق الصفحة ‪. 16‬‬

‫‪7‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫ثانيا‪ :‬النتائج الواردة على مبدأ سلطان اإلرادة‬


‫يترتب عن مبدأ سلطان اإلرادة ثالثة نتائج أساسية سنتطرق إليهم كالتالي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرية التعاقدية‪:‬‬
‫وهي أول قاعدة تستخلص من مبدأ سلطان اإلرادة ويفيد هذا املبدأ في أن الفرد حر‬
‫في أن يتعاقد أو ال يتعاقد‪ ،‬ولهذا املبدأ بعدين األول موضوعي يتم التعبير عنه من خالل‬
‫ثالث خيارات التعاقد أو عدم التعاقد‪ ،‬واختيار املتعاقد بكل حرية‪ ،‬وأخيرا تحديد مضمون‬
‫العقد‪ ،‬أما البعد الثاني فشكلي حيث أن تبادل اإلرادات يكفي لقيام العقد‪ ،‬وعليه فالحرية‬
‫التعاقدية يقصد بها أنه ال يمكن إجبار شخص ما على التعاقد ويستنتج من هذا أنه إذا‬
‫كان للشخص حرية قبول العقد فله أيضا حرية رفضه‪.12‬‬
‫إذن بموجب هذه القاعدة فإن األفراد أحرار في أن ينشئوا ما شاءوا من العقود وأن‬
‫يضمنوا فيها الشروط التي يرتضونها‪ ،‬وأن يرتبوا عنها ما أرادوا أثار وذلك دون االلتزام‬
‫بشكلية معينة وال يجوز للقانون أن يتدخل إال في حدود ما يضمن احترام النظام العام‬
‫واآلداب‪ ،‬وأساس الحرية التعاقدية حسب األستاذ محمد شليح تقوم على ثالث عناصر‬
‫أساسية وهي التعدد والتردد والقدرة على التفاوض فيقصد باألولى التعدد في كل من‬
‫املخاطب واملخاطب إليه أما التردد فهو إمكانية التعاقد من عدمها وتفيد القدرة على‬
‫التفاوض إلى القدرة على املناقشة واملساومة حول شروط العقد‪.13‬‬
‫‪ -2‬القوة امللزمة للعقد‪:‬‬
‫يقصد بهذه القاعدة أن ما اتفق عليه املتعاقدين يلزمهما بصفة نهائية فااللتزام هنا‬
‫يساوي مرتبة القانون وبما أن هذا األخير يكون واجب التطبيق فإن االلتزام هو األخر يكون‬
‫واجب التطبيق إتباعا وهذا ما نص عليه الفصل ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود الذي‬
‫نص على أن‪" :‬االلتزامات التعاقدية املنشأة على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة‬

‫‪ -12‬د عبد الرحمان الشرقاوي – القانون املدني دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام في ضوء تأثرها باملفاهيم الجديدة‬
‫للقانون االقتصادي الجزء األول‪ -‬الصفحة ‪39‬‬
‫‪ -13‬معاذ إبراهيمي‪ -‬مبدأ سلطان االرادة على ضوء التحوالت االقتصادية ‪ -‬رسالة لنيل دبلوم املاستر في قانون األسرة و التوثيق‬
‫بفاس ‪ -‬السنة الجامعية ‪ 2018/2017‬الصفحة ‪27‬‬

‫‪8‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫إلى منشئيها وال يجوز إلغائها إال برضاهما معا أو في الحاالت املنصوص عليها في القانون"‬
‫‪14‬‬
‫فمتى ما نشأ العقد صحيحا مستوفيا لجميع أركانه وشروطه يكتسب بهذا قوته امللزمة‪،‬‬
‫وتسعى هذه القاعدة إلى ضمان ثبات العقود وتوفير الثقة واألمان وجعل املتعاقدين ملزمين‬
‫بتحمل تبعات أعمالهم وذلك تطبيقا ملبدأ العقد شريعة املتعاقدين ومن تم فال يجوز‬
‫لألطراف التخلف عن تنفيذ التزاماتهم وال نقضها أو تعديلها إال باتفاق الطرفين أو لألسباب‬
‫التي يقرها القانون ويجب على هذا التنفيذ أن يكون وفقا ملبدأ حسن النية الذي يعد من‬
‫أهم املبادئ املهمة في قانون االلتزامات والعقود وسيتم التطرق له بالتفصيل في األسطر‬
‫املقبلة‪.‬‬
‫‪ -3‬نسبية أثار العقد‪:‬‬
‫ال تقل هذه النتيجة أهمية عن سابقاتها وتفيد أن املتعاقدين هم الذين يلتزمون‬
‫ُ‬
‫بالعقد وهم فقط من يجب عليهم احترام االلتزامات فهذه األخيرة ال تلزم إال من كان طرفا‬
‫في العالقة التعاقدية فالعقد ال يرتب أثارا بالنسبة لألغيار فال يمكن لهم أن يستفيدوا أو‬
‫يتضرروا من من عقد لم يشاركوا بإرادتهم في تكوينه‪ ،‬وهذا ما عبر عنه املشرع املغربي في‬
‫قانون االلتزامات والعقود في الفصل ‪ 228‬الذي ينص على أن " االلتزامات ال تلزم إال من‬
‫كان طرفا في العقد‪ ،‬فهي ال تضر الغير وال تنفعهم إال في الحاالت املذكورة في القانون "‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ حسن النية‬
‫أوال‪ :‬مفهوم مبدأ حسن النية في التشريع املغربي واملقارن‬
‫أ‪-‬مفهوم مبدأ حسن النية في التشريع املغربي‬
‫أدت التطورات التي شهدها املجتمع إلى إفراز اختالالت بين أطراف العالقة التعاقدية‬
‫مما حتم ظهور مبدأ حسن النية كضرورة ملحة قصد محاولة التخفيف من هذه‬

‫‪ -14‬معاذ إبراهيمي مرجع سابق الصفحة ‪30‬‬

‫‪9‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫االختالالت بهدف حماية أطراف العالقة التعاقدية مع بعضهم البعض‪ ،‬وكذلك حماية للغير‬
‫من سوء نية املتعاقدين ذاتهم أحيانا أخرى‪.15‬‬
‫وتجدر اإلشارة إلى أن مبدأ حسن النية يعتبر من املبادئ التي عرفت تحوال جذريا‪،‬‬
‫بحيث تم االرتقاء بها من مجرد قاعدة أخالقية إلى قاعدة قانونية تحظى بأهمية بالغة في‬
‫املنظومة القانونية‪.‬‬
‫هذا ما جعل معظم التشريعات تعتبر أن مبدأ حسن النية هو األساس في وجود االلتزام‬
‫الصحيح وفي تنفيذه على الوجه املطلوب‪ ،‬سواء من حيث االتفاق أو القانون‪ .‬ومن بين هذه‬
‫التشريعات نجد املشرع املغربي الذي اعتبر مبدأ حسن النية من املبادئ الجوهرية في تنفيذ‬
‫االلتزام‪ .‬وهذا ما نص عليه الفصل ‪ 231‬من قانون االلتزامات والعقود الذي ورد فيه‪" :‬كل تعهد‬
‫يجب تنفيذه بحسن نية‪ .‬وهو ال يلزم بما وقع التصريح به فحسب‪ ،‬بل أيضا بكل ملحقات‬
‫االلتزام التي يقررها القانون أو العرف أو اإلنصاف وفقا ملا تفتضيه طبيعته‪".‬‬
‫ونالحظ من خالل الفصل أعاله على أن املشرع املغربي اكتفى بالتنصيص على مبدأ‬
‫حسن النية دون التطرق إلى مفهومه تاركا ذلك للفقه والقضاء‪ ،‬الذي حاول تسليط الضوء‬
‫على مبدأ حسن النية من خالل تقديم مجموعة من التعاريف نذكر أهمها‪:‬‬
‫حسن النية يقصد به تلك النية الصادقة الخالية من الغدر والخداع‪ .‬فهو يضاد سوء‬
‫النية والغش والرغبة في إضرار بالغير‪ .‬ويعبر بصفة عامة‪ ،‬عن كل إحساس باألمانة‬
‫واستقامة الضمير‪.‬‬
‫كما يعتبر أن حسن النية يكون إما إيجابيا أو سلبيا‪ :‬األول يقوم إذا أتى الشخص‬
‫أفعاال من شأنها أن تعبر عن نقائه‪ .‬أما حسن النية السلبي‪ ،‬فيتحقق عندما يكف الشخص‬
‫عن مباشرة أي عمل يتنافى مع القصد السوي"‪.16‬‬

‫‪ -15‬محمود مسعود‪،‬مقال تحت عنوان "مبدأ حسن النية وتفسير العقود عن أية عالقة "‪،‬منشور بتاريخ ‪ 19‬أغسطس ‪2021‬‬
‫على املوقع اإللكتروني ‪ https:// www.maroclaw.com‬تم االطالع عليه على املوقع بتاريخ ‪ 27/02/2022‬على‬
‫الساعة‪.16:04‬‬
‫‪ -16‬محمد بن الطالب الوزاني‪" ،‬مبدأ حسن النية في املعامالت املدنية في القانون املغربي "‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪،‬‬
‫جامعة محمد الخامس أكدال‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية االجتماعية الرباط ‪ ،2000-2001‬الصفحة ‪.61‬‬

‫‪10‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫ب‪-‬حسن النية من منظور التشريعات املقارنة‪:‬‬


‫‪-1‬التشريع الفرنس ي‪:‬‬
‫أدت الضغوطات التي عاشتها فرنسا بعد الثورة الفرنسية إلى صدور قانون نابليون‬
‫الذي أتى بقواعد مدنية قائمة على فكرة الحرية واملساواة‪ .‬فجاءت املادة ‪ 1101‬التي منحت‬
‫للفرد الحرية في ابرام العقد مع أي شخص يود التعاقد معه شريطة أن يقوم بتحمل نتائج‬
‫تصرفه وتنفيذ ما اتفقا عليه‪.17‬‬
‫وقد وجد املشرع الفرنس ي في النظام العام واألخالق الحميدة إضافة إلى مبدأ حسن‬
‫النية الحل املناسب واملالئم لضبط وإحكام العالقات التعاقدية‪ ،‬بحيث ارتقى بهذا ملبدأ إلى‬
‫مصاف املبادئ القانونية التي يرتكز عليها القانون الفرنس ي‪ .‬وتم تنظيمه بموجب املادة‬
‫‪(1104‬مستحدثة) التي تنص على ضرورة توفر مبدأ حسن النية في مرحلة سابقة على‬
‫العقد وهي مرحلة التفاوض وكذلك عند إبرام العقد‪.‬‬
‫وهو ما يعني أن التقيد بهذا املبدأ أصبح إلزاميا في كافة مراحل العقد بدءا من‬
‫التمهيد له إلى إبرامه وتنفيذه‪ .‬وهو ما عبرت عنه نص املادة ‪ " :1104‬يجب أن يتم بحسن‬
‫نية كل من التفاوض على العقود وإبرامها وتنفيذها‪" .‬وقد حل هذا النص محل املادة ‪1134‬‬
‫التي كانت تقصر حدود مبدأ حسن النية على مرحلة تنفيذ العقد فقط‪.18‬‬
‫وهذا ما جعلنا نجزم بأن املشرع الفرنس ي قد وسع من دائرة تطبيق مبدأ حسن النية‬
‫بحيث جعلها تشمل مرحلة التفاوض على خالف املشرع املغربي الذي جعلها حبيسة مرحلتي‬
‫التعاقد والتنفيذ‪.‬‬
‫‪-2‬التشريع املصري‪:‬‬
‫اعتبر كذلك املشرع املصري مبدأ حسن النية من املبادئ األخالقية املستقرة والثابتة‬
‫التي يجب أن تسود جميع العالقات التعاقدية‪ .‬حيث نص عليه في إطار املادة ‪ 148‬من‬

‫‪ -17‬سليمة زواوي‪" ،‬مبدأ حسن النية في العقود "‪ ،‬جامعة محمد األول وجدة‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية‪ ،‬الصفحة ‪.11‬‬
‫‪ -18‬أشرف جابر‪ "،‬اإلصالح التشريعي الفرنس ي لنظرية العقد‪ :‬صنيعة قضائية وصياغة تشريعية – ملحات في بعض‬
‫املستحدثات "‪ ،‬ملحق خاص‪ ،‬العدد ‪ ،2‬السنة ‪ ،2017‬الصفحة ‪295‬‬

‫‪11‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫القانون املدني املصري حيث ورد فيها‪ ":‬يجب تنفيذ العقد طبقا ملا اشتمل عليه وبطريقة‬
‫تتفق مع ما يوجبه حسن النية"‪.19‬‬
‫وبالتالي نالحظ على أن املشرع املصري قد سار على نهج املشرع املغربي‪ .‬بحيث جعل‬
‫تطبيق مبدأ حسن النية قاصرا على مرحلة تنفيذ العقد دون أن يشمل مرحلة التفاوض‪،‬‬
‫على خالف املشرع الفرنس ي الذي ألزم توفر مبدأ حسن النية في جميع مراحل العقد بما‬
‫فيها مرحلة املفاوضات‪.‬‬
‫أما بالنسبة لالجتهاد القضائي املغربي فهو اآلخر قد حافظ على األهمية التي يحظى بها‬
‫هذا املبدأ في قانون االلتزامات والعقود‪ .‬حيث جاء في حكم صادر عن املحكمة االبتدائية‬
‫بالرباط ما يلي‪ " :‬إن مبدأ حسن النية ينشأ التزام على الدائن بوجوب التعاون مع املدين في‬
‫الوفاء بااللتزام امللقى على عاتقه ويسأل عقديا عن ذلك"‪.20‬‬
‫ثانيا‪ :‬املظاهر القانونية ملبدأ حسن النية‬
‫األصل في االلتزامات التعاقدية تنفيذ االلتزام بحسن نية‪ ،‬وذلك من خالل شروع‬
‫املتعاقد في تنفيذ التزامه بكل أمانة ونزاهة وإخالص‪ ،‬وابتعاد عن كل غش أو تدليس من‬
‫شأنه أن يحول دون تنفيذ االلتزام أو يجعله مرهقا ومستحيال‪.21‬‬
‫وقد أشار املشرع املغربي لهذا املبدأ في العديد من الفصول في قانون االلتزامات‬
‫والعقود منها الفصل ‪ 532‬من نفس القانون الذي نص على ما يلي‪:‬‬
‫"الضمان الواجب على البائع للمشتري نوعين هما‪:‬‬
‫أولهما حوز املبيع والتصرف فيه بال معارض (ضمان االستحقاق)‪،‬‬
‫ثانيهما عيوب الش يء املبيع‪.‬‬

‫‪ -19‬نوري حمد خاطر‪ "،‬وظائف حسن النية في قانون املعامالت املدنية رقم ‪ 5‬لسنة ‪ – 1985‬دراسة مقارنة "‪ ،‬مجلة كلية‬
‫القانون الكويتية العاملية‪ ،‬العدد التسلسلي ‪ ،17‬سنة ‪ ،2017‬الصفحة ‪.39‬‬
‫‪ -20‬حكم رقم ‪ ،2522‬الصادر عن املحكمة االبتدائية بالرباط‪ ،‬بتاريخ ‪ ،22/10/2008‬في ملف رقم ‪ ،1/2227/2006‬منشور‬
‫بمجلة الحقوق املغربية‪ ،‬العدد ‪ ،8‬سنة ‪ ،2009‬الصفحة ‪.222‬‬
‫‪ -21‬نادية أيوب‪ "،‬تنفيذ االلتزام بين القواعد املوضوعية واملسطرية "‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش ‪ ،2017-2016‬الصفحة ‪.17‬‬

‫‪12‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫والضمان يلزم البائع بقوة القانون‪ .‬وإن لم يشترط وحسن نية البائع ال يعفيه من‬
‫الضمان‪".‬‬
‫وبالتالي نالحظ على أن املشرع املغربي ربط مبدأ حسن النية بالضمان وألزم البائع به‬
‫حتى ولو كان حسن النية‪ ،‬ورغبة من املشرع في املحافظة على مبدأ حسن النية منع املدين‬
‫من إدراج شرط في العقد يهدف إلى إعفائه من املسؤولية العقدية في حالة ارتكابه خطأ‬
‫جسيم أو تدليس وهذا ما نص في إطار الفصل ‪ 232‬من قانون االلتزامات والعقود الذي‬
‫ورد فيه‪" :‬ال يجوز أن يشترط مقدما عدم مسؤولية الشخص عن خطإه الجسيم‬
‫وتدليسه‪".‬‬
‫‪ -1‬الثقة املشروعة‪:‬‬
‫من املعلوم على أن مبدأ حسن النية يعد من املبادئ األخالقية التي ضمنها املشرع في‬
‫املنظومة القانونية وأحاطها بأهمية بالغة باعتبارها أحد أهم املبادئ التي تحافظ على‬
‫توازن العالقات التعاقدية‪ .‬وذلك من خالل تأسيس عالقات قائمة على أساس الثقة‬
‫واالمانة واالستقامة‪.‬‬
‫تعتبر الثقة املشروعة مظهر من مظاهر حسن النية الذي ينبغي أن يسود جميع‬
‫العقود‪ ،‬االمر الذي يجعل كل واحد من املتعاقدين يثق في اآلخر ويفترض فيه النزاهة‬
‫‪22‬‬
‫والصدق واإلخالص في تنفيذ االلتزام واالبتعاد عن كل ما من شأنه أن يحول دون تنفيذه‪.‬‬
‫وإذا كان البعض يقول ان العقود تقوم على مصالح متعارضة‪ ،‬األمر الذي يجعل كل‬
‫طرف يحتفظ لنفسه بما يحقق له أكبر فائدة‪ ،‬فإن األستاذ عبد الحليم القوني اعتبر أنه‬
‫إذا كان من حق كل طرف أن يحتفظ بما يحقق له أكبر قدر من الفائدة فإن هذا الحق‬
‫مقيد بقواعد حسن النية‪ ،‬لذلك نجد أن املشرع املصري يجعل التصرف الذي ينطوي على‬
‫‪23‬‬
‫الغش والخديعة وسوء النية من قبيل الخطأ العقدي الذي يستلزم الجزاء‪.‬‬

‫‪ -22‬ابتسام جمجمي‪" ،‬مفهوم حسن النية في العقود"‪ ،‬رسالة لنيل الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2001-2000‬ص ‪.89‬‬
‫‪ -23‬عبد الحليم القوني‪ "،‬مبدأ حسن النية وأثره في التصرفات والفقه اإلسالمي والقانون املدني املصري والفرنس ي دراسة‬
‫مقارنة ‪ 1997‬ص ‪.179‬‬

‫‪13‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫‪ -2‬التعاون في تنفيذ االلتزام‪:‬‬


‫يعد التعاون في تنفيذ االلتزامات املترتبة على طرفي العقد من بين مقتضيات تنفيذ‬
‫االلتزام بحسن نية‪ .‬وإحدى املظاهر الهامة والرئيسية املتفرعة عنه‪ ،‬وهذا ما جعل معظم‬
‫التشريعات املقارنة العربية أو الغربية أو غيرها من بلدان العالم تتفق على ضرورة التعاون‬
‫‪24‬‬
‫في تنفيذ االلتزامات ملا في ذلك من ضمانات حمائية ألطرافها‪.‬‬
‫ويقتض ي التعاون في تنفيذ العقد ضرورة سلوك الدائن تجاه املدين سلوكا متبصرا‬
‫بحيث يتفادى األخطاء املؤثرة على تنفيذ املدين اللتزامه‪ ،‬فال يقف عقبة تسبب استحالة‬
‫تنفيذ املدين لاللتزام‪ ،‬فإذا أدى فعل الدائن أو خطأه إلى استحالة التنفيذ‪ ،‬عد ذلك سببا‬
‫الستحالة تنفيذ املدين اللتزامه‪.‬‬
‫وبالتالي ففكرة التعاون في تنفيذ االلتزام تلقي على الدائن التزاما عاما باالمتناع عن‬
‫الخطأ‪ .‬فمثال في عقد البيع يظهر حسن النية في تعاون املتبايعين الذي يتمثل في قيام البائع‬
‫بتمكين املشتري من حيازة املبيع حيازة هادئة ال يعكرها تعرض يعطل كل أو بعض ما يخوله‬
‫له حقه على املتتبع من سلطات ومزايا هذا من جهة البائع‪ ،‬اما من جهة املشتري فيجب‬
‫عليه أن يخطر البائع بالتعرض في الوقت املناسب‪ ،‬فهذا هو التعاون املطلوب كمقتض ى من‬
‫‪25‬‬
‫مقتضيات حسن النية في تنفيذ العقود‪.‬‬

‫‪ 24‬سليمة زواوي‪ ،‬مبدأ حسن النية في تنفيذ العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬الصفحة ‪. 52‬‬
‫‪25‬ابتسام جمجي‪ ،‬مفهوم حسن النية في العقود‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.88‬‬

‫‪14‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫املطلب الثاني‪ :‬أهم النظريات العامة لقانون االلتزامات والعقود‬


‫إن محاولة مالمسة هذه النظريات باعتبارها الخطوط العريضة التي سعى من خاللها‬
‫املشرع الى توجيه العقد الى تحقيق األهداف املنتظرة‪ ،‬اذ يقتض ي منا دراسة هذا املطلب‬
‫من خالل فقريتين‪ ،‬نظرية االلتزام (الفقرة األولى)‪ ،‬ونظرية العقد (الفقرة الثانية)‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬نظرية االلتزام‬
‫أوال‪ :‬مفهوم نظرية االلتزام‬
‫تحتل نظرية االلتزام مكانة هامة في علم القانون فهي بمثابة العمود الفقري للقانون‬
‫بجميع فروعه‪.‬‬
‫يعد مفهوم االلتزام من املفاهيم األساسية في النظم القانونية القديمة والحديثة على‬
‫حد سواء‪ ،‬ولقد اهتم الفقه املدني بتعريفه‬
‫االلتزام‪" :‬رابطة قانونية بين شخصين أحدهما دائن واألخر مدين يترتب بمقتضاها‬
‫على الطرف املدين تجاه الطرف الدائن نقل حق عيني أو القيام بعمل أو االمتناع عن‬
‫عمل‪."26‬‬
‫مثال‪ :‬إذا باع شخص ألخر منزال‪ ،‬فإن البائع يلتزم بنقل امللكية إلى املشتري أي يلتزم‬
‫بإعطاء ش يء‪ ،‬وإذا تعهد املقاول ببناء منزل فإنه يلتزم ببنائه أي القيام بعمل‪.‬‬
‫أو هو‪" :‬رابطة قانونية بين شخصين بموجبها يتعين على أحدهما (املدين) أن ينهض‬
‫بش يء لفائدة األخر (الدائن)‪.27‬‬
‫وقد عرفه األستاذ عبد الرزاق السنهوري بقوله االلتزام حالة قانونية يرتبط‬
‫بمقتضاها شخص معين بنقل حق عيني أو بالقيام بعمل أو باالمتناع عن عمل‪.28‬‬

‫‪ -26‬مأمون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود املغربي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬مطابع دار‬
‫القلم‪ ،‬الرباط‪ ،1972 ،‬الطبعة الثانية‪ ،‬ص ‪.7‬‬
‫‪ -27‬عبد الحق الصافي‪ ،‬القانون املدني‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬املصدر االرادي لاللتزامات‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة ‪ ،2006‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬ص ‪.6‬‬
‫‪ -28‬عبد الرزاق السنهوري‪ ،‬الوسيط في الشرح املدني الجديد نظرية االلتزام بوجه عام مصادر االلتزام‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬املجلد‪،‬‬
‫نهضة مصر‪ ،‬مصر‪ ،‬الطبعة الثالثة‪ ،‬ص ‪.114‬‬

‫‪15‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫يالحظ من خالل التعريفات السالفة الذكر أن االلتزام يحتوي على مظهرين‪:‬‬


‫األول‪ :‬هو مظهر الرابطة الشخصية بين الدائن واملدين‪ ،‬والثاني‪ :‬هو مظهر القيمة‬
‫املالية لاللتزام‪.‬‬
‫وقد اختلف املذهبان الشخص ي واملادي في تغليب أحد املظهرين على اآلخر‪:‬‬
‫‪ ‬املذهب الشخص ي في االلتزام‪ :‬يعتبر أن األمر الجوهري في االلتزام هو الرابطة‬
‫الشخصية بين الدائن واملدين‪ ،‬وبمقتض ى هذه النظرية ينظر إلى االلتزام على أنه سلطة‬
‫للدائن على املدين‪.29‬‬
‫‪ ‬املذهب املادي لاللتزام‪ :‬نادى به فقهاء أملان من أشهرهم )‪ (GIERKE‬الذي ينظر إلى‬
‫االلتزام باعتباره شيئا ماديا يؤدي إلى سرعة التعامل واالستجابة من ثم ملقتضيات‬
‫االقتصاد الحديث‪ ،‬أي األخذ بالجانب املادي لاللتزام الذي يثبت له قيمة مالية‪.‬‬
‫ولعل "السمعة" املتميزة التي اكتسبتها نظرية االلتزام في التشريعات الجرمانية وعلى رأسها‬
‫كل من القانون املدني والقانون السويسري ترجع أساسا إلى تشبعها باملذهب املادي في االلتزام‪.‬‬
‫كما تجدر اإلشارة إلى أن أحكام قانون االلتزامات والعقود املغربي ال تتعارض مع هذا املطلب‬
‫طاملا سمحت لإلرادة املنفردة بأن تولد االلتزامات في بعض الحاالت الخاصة‪ ،‬فاملزج بين مزايا كل‬
‫من املذهبين املادي والشخص ي أصبح من سمات جل التشريعات املدنية‪.30‬‬
‫انطالقا من التعريفات التي ذكرت أعاله نستنتج خصائص االلتزام التالية‪:‬‬
‫‪‬واجب قانوني‪ :‬يعني أن وجوبه يفرض على امللتزم في ظل الجزاءات التي يكفل بها‬
‫القانون احترام املراكز التي تنشأ لألفراد بقواعد أي يفرض بالجزاءات القانونية‪.31‬‬
‫‪‬االلتزام برابطة شخصية‪ :‬يعني أنه رابطة بين شخصين وليس بين شخص وش يء‬
‫معين بذاته كحق امللكية مثال‪.32‬‬

‫‪ -29‬عبد الحق الصافي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.4‬‬


‫‪ -30‬محمد الشرقاني‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات (العقد)‪ ،‬مطبعة وراقة سجلماسة الزيتون‪ ،‬مكناس‪ ،2014/2013 ،‬الطبعة‬
‫األولى‪ ،‬ص ‪.23‬‬
‫‪ -31‬حنان السعيدي‪ ،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزامات والعقود‪ ،‬املطبعة لم تذكر‪ ،2018/2017 ،‬ص ‪.8‬‬
‫‪ -32‬حنان السعيدي‪ ،‬مرجع سابق‪.8 ،‬‬

‫‪16‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫‪‬االلتزام واجب ذو قيمة مالية بمعنى أن محل االلتزام يتمثل في أداء مالي‪ ،‬والبد أن‬
‫يكون من املمكن تقديره بالنقود وفي هذا يختلف االلتزام عن غيره من الواجبات القانونية‬
‫غير مالية‪ ،‬كالواجبات الناشئة عن العالقات األسرية‪ ،33‬كما أن اللتزام خاصية أخرى هي‬
‫أنه واجب خاص‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقسيم نظرية االلتزام‬
‫على الرغم من كون االلتزامات ال تقع تحت حصر وتخضع لقواعد قانونية متعددة‬
‫بحسب تعددها‪ ،‬فإنه يمكن إجرائيا فقط تقسيمه إلى عدة مستويات من حيث محلها‬
‫وأثارها ومصدرها‪.‬‬
‫أ ‪-‬تقسيم االلتزامات بالنظر ملحلها‪:‬‬
‫االلتزامات اإليجابية‪ :‬تتضمن فعال ايجابيا كإعطاء ش يء أو االلتزام بعمل‪ ،‬ويقصد‬ ‫‪‬‬

‫بااللتزام بإعطاء ش يء التزام املدين بإنشاء أو نقل حق عيني على منقول أو عقار لفائدة‬
‫الدائن‪.‬‬
‫أما االلتزام بقيام عمل فمضمون األداء فيه قيام املدين إما بعمل مادي كالتزام‬
‫املقاول ببناء منزل‪ ،‬وإما بعمل قانوني كالتزام املحامي القيام بالنيابة عن موكله (الزوج)‬
‫بإجراءات الطالق‪.‬‬
‫االلتزامات السلبية وهو تعني التزام املدين بعدم القيام بعمل من قبيل التزام بائع‬ ‫‪‬‬

‫االصل التجاري بعدم فتح محل تجاري مماثل خالل مدة معينة‪.34‬‬
‫ب ‪-‬تقسيم االلتزامات بالنظر ألثارها‪:‬‬
‫‪ ‬االلتزام بتحقيق نتيجة هو التزام تحدد فيه غاية معينة يتوجب على املدين‬
‫تحقيقها‪ ،‬كما في التزام الناقل بتسليم البضاعة املنقولة على حالتها الجيدة في الوقت‬
‫واملكان املحدد في عقد النقل‪.‬‬

‫‪ -33‬فريدة املحمودي‪ ،‬محاضرات في النظرية العامة لاللتزامات والعقود‪ ،‬مطبعة وراقة سجلماسة الزيتون‪ ،‬مكناس‬
‫‪ ،2006/2005‬ص ‪.12‬‬
‫‪ -34‬عبد الحق الصافي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪.6‬‬

‫‪17‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫‪ ‬االلتزام ببذل عناية االلتزام ببدل عناية هو كالتزام الطبيب بمعالجة املريض فهو‬
‫غير ملزم بتحقيق نتيجة وهي الشفاء ألن الشفاء في يد هللا عز وجل باستثناء طبيب‬
‫التجميل فهو ملزم بتحقيق نتيجة‪.35‬‬
‫ج‪-‬االلتزامات الشخصية والعينية‬
‫‪ ‬االلتزام الشخص ي هي االلتزامات في صورتها العادية تلزم املدين شخصيا ويسأل‬
‫بمقتضاها في جميع أمواله وحيث يكون للدائن الخيار في التنفيذ على أي منها وقت حلول‬
‫أجل الوفاء‪.36‬‬
‫‪ ‬االلتزام العيني هو ليس مقابل الحقوق العينية‪ ،‬بل إن االلتزامات العينية تقوم‬
‫على عاتق امللتزم بسبب حقوقه له على عين معينة‪ ،‬وبذلك فهي تلزم املدين بصفته صاحب‬
‫الحق العيني على عين معينة مثال التزام املالك في ملكية الطبقات في املساهمة في هذه‬
‫النفقات على املدين باعتباره مالكا لشقته وليس بصفته الشخصية‪ ،‬وتنحصر مسؤوليته في‬
‫حدود هذه الحصة‪.‬‬
‫ذ‪ -‬تقسيم االلتزامات من حيث من مصدرها‬
‫فهي إما التزامات إرادية ناشئة عن اتفاق إرادتين على إحداث أثر قانوني (العقد) أو‬
‫اتجاه إرادة شخص إلى إلزام نفسه دون حاجة إلى تدخل إرادة أخرى لنشوء هذا االلتزام‬
‫(اإلرادة املنفردة) وإما التزامات غير إرادية ناشئة عن فعل ضار يصدر من شخص ويسبب‬
‫ضررا للغير ينشأ عنه التزام املسؤول عن الضرر لتعويض املضرور ( العمل غير املشروع )‬
‫وإما عن فعل نافع يؤدي إلى إثراء شخص وافتقار آخر فينشا عنه التزام املتري برد ما أثرى‬
‫به إلى املفتقر ( اإلثراء بال سبب )‪ ،‬وإما أن تكون التزامات مستمدة من نص قانوني خاص‬
‫كالتزامات الجوار والنفقة املتبادلة بين اآلباء واألبناء‪.37‬‬

‫‪ -35‬حنان السعيدي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.12‬‬


‫‪ -36‬محمد الشرقاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.30‬‬
‫‪ -37‬محمد الشرقاني‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪.27-26‬‬

‫‪18‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬نظرية العقد‬


‫تعد نظرية العقد من اهم النظريات التي استقطبت انتباه الفقهاء ماضيا‪ 38‬وحاضرا‬
‫ذلك بسبب اهميتها من الناحيتين العلمية والعملية معا‪ ،‬يعتبر العقد هو مصدر من املصادر‬
‫االلتزام بين الطرفين‪.‬‬
‫أوال‪ :‬تعريف العقد‬
‫لقد تعددت التعاريف القانونية التي اعطيت العقد حتى ان البعض منها يكاد يكون‬
‫صورة طبق االصل لبعضها االخر‬
‫فإن أغلب هذه التعاريف هي من صنع الفقه وليس التشريع باعتبار ان مهمة وضع‬
‫التعاريف يفضل اسنادها الى الفقه والقضاء بسبب تغير املفاهيم القانونية وعدم بقائها‬
‫على وضع معين‪ ،‬وهكذا نالحظ أن معظم التشريعات املدنية قد امتنعت عن اعطال‬
‫تعريف العقد بما في قانون االلتزامات والعقود املغربي والقانون املدني املصري وغيرهما وقد‬
‫ذلك شد في هذا الخصوص القانوني املدني الفرنس ي الذي عرف العقد في املادة ‪ 1101‬بانه‬
‫«اتفاق يلتزم بمقتضاه شخص او أكثر تجاه شخص بإعطاء ش يء او بالقيام بعمل او‬
‫باالمتناع عنه»‪ .‬وبما ان مصطلح االتفاق املنصوص عليه في هذا املادة يعد اوسع نطاق من‬
‫العقد فإن بعض الفقه الفرنس ي فضل استعمال مصطلح التعهد الذي يعد اضيف معنى‬
‫من اإلنفاق وهذا ما ذهب إليه الفقه‪ 39‬عندما عرف العقد بانه تعهد او تطابق اإلرادات من‬
‫اجل إنتاج اثار قانونية‪ 40‬ومصدر هذا الخلط الذي وقع فيه الفقهاء يرجع بالدراجة االولى‬
‫إلى ان االتفاق قد يحصل بين االطراف من غير ان ينتج اثار قانونية كاالتفاق على القيام‬
‫بنزهة او احياء حفلة ثم االتفاق في معناه القانوني الطرف يفيد انشاء االلتزام او نقله او‬
‫انهائه اما العقد فإنه يقتصر في االصل على إنشاء االلتزام‬

‫‪ -38‬يمكن القول هنا بان الفقهاء املسلمون قد اهتموا أكثر من غيرهم بنظرية العقد فهم لم يقتصرا على نسج مخطوط‬
‫النظرية العامة العقد فقط وإنما امتدت يهم الدراسة إلى أكثر من ذلك بحيث حاولوا اإلحاطة بأكبر عدد من العقود من‬
‫جمع االصناف سؤال كانت كافلة للملكية او واردة على منافع األعيان‪.‬‬
‫‪ -39‬وجستان املرجع املشار إليه سابقا‪-‬ص‪3:‬بند ‪5‬‬
‫‪ -40‬وهذا التعريف يقترب كثير من التعريف الذي وضعه صاحب مرشد الحيوان قدري باشا العقد عندما اعتبره بمثابة‬
‫ارتباط االيجاب الصادر من أحد املتعاقدين‪.‬‬

‫‪19‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫من هنا نلخص إلى القول بان اهم تعريف يمكن تقديمه للعقد هو انه عبارة عن‬
‫«اتفاق بين شخصين او أكثر بهدف انشاء االلتزام او نقله او انهائه او تعديله»‪.‬‬
‫أ‪ :‬ركن الشكلية كاستثناء عن مبدأ الرضائية‪.‬‬
‫االصل في العقود أنها رضائية بمعنى أن املتعاقدين بمجرد أن يقع رضاهما السليم‪،‬‬
‫ويحمل على سبب مشروع يصالن إلى إبرام العقد الذي كانا ينويان عقده‪ ،‬دون االلتزام‬
‫باتباع شكل معين ليكون تعاقدهما صحيحا‪ ،‬حيث يمكن أن ينعقد مشافهة أو باملراسلة أو‬
‫بالهاتف‪ ،‬فتظل أثاره كما هي وال تتغير أيا كان الشكل الذي ورد فيه العقد لكن واستثناء‬
‫لقاعدة رضائية العقود توجد هناك فئة قليلة من التصرفات التي تتميز بأن مجرد الرضاء‬
‫‪41‬‬
‫بها ال يكفي لقيامها وإنما يلزم لذلك أن يكون هذا الرض ى في شكل محدد يرسمه القانون‬
‫وتسمى هذه التصرفات بالتصرفات الشكلية تمييزا لها عن التصرفات الرضائية‬
‫إن السمة البارزة في التصرفات الشكلية هي كون الشكل ركن الزم النعقادها‪ ،‬بحيث‬
‫أنها إذا لم تبرم في الشكل املحدد قانونا تقع باطلة بطالنا مطلقا‪ ،‬وال ينتج عنها أي أثر‬
‫قانوني‪ .‬وبذلك يمكن تعريف العقد الشكلي بأنه العقد الذي يشترط النعقاد‪ ،‬عالوة على‬
‫الشروط املتطلبة في العقود الرضائية‪ ،‬توافر بعض املراسم الشكلية‪ 42‬وهذه املراسم‬
‫‪43‬‬
‫الشكلية تتمثل في أن يفرغ في شكل أو قالب يحدده القانون‬
‫وبهذا فإن الشكلية في التصرفات القانونية على نوعين‪:‬‬
‫‪ -‬النوع األول‪ :‬وهي شكلية يفرضها القانون العتبارات تتعلق بالنظام العام وعدم‬
‫مراعاتها يعني بطالن التصرف القانوني كجزاء على تخلفها‪.‬‬
‫‪ -‬النوع الثاني‪ :‬وهي الشكلية االتفاقية وعدم مراعاتها يعني عدم انعقاد العقد مثال‬
‫كأن يتفق املتعاقدين على جعل العقد الرضائي بطبيعته عقدا شكليا ‪.‬‬

‫‪ -41‬مامون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات و العقود في ضوء قانون االلتزامات و العقود املغربي‪ ،‬الجزأ األول‪ ،‬مصادر االلتزامات‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬بيروت ‪،1968‬ص‪. 194‬‬
‫‪ -42‬مأمون الكزبري‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪. 194‬‬
‫‪ -43‬إدريس العلوي العبدالوي‪ ،‬شرح القانون املدني‪،‬النظرية العامة لاللتزام‪،‬نظرية العقد‪،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار‬
‫البيضاء‪ ،1996،‬الطبعة األولى‪ ،‬ص‪. 524‬‬

‫‪20‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫و من بين أهم نماذج العقود الشكلية التي تعتبر ركن الشكلية ركنا أساسيا لقيامها‬
‫نجد‪ :‬البيع الوارد على العقارات أو الحقوق العقارية فقد نص الفصل‪ 489‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود بقوله " إذا كان املبيع عقارا أو حقوقا عقارية أو أشياء أخرى يمكن رهنها‬
‫رهنا رسميا وجب أن يجرى البيع كتابة في محرر ثابت التاريخ‪ .‬وال يكون له أثر في مواجهة‬
‫الغير إال إذا سجل في الشكل املحدد بمقتض ى القانون"‪.‬‬
‫فقد ذهبت محكمة النقض بتاريخ ‪30‬يناير ‪1996‬إلى " أن الفصل‪ 489‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود يوجب تحت طائلة البطالن الكتابة إذا كان البيع واقعا على عقار او‬
‫حقوق عقارية أو األشياء األخرى التي يمكن رهنها رهنا رسميا‪ ،‬وإن الوعد بالبيع على عقار‬
‫وإن كان ليس عقدا تاما فإنه يتعين أن يقع هذا األخير كتابة ألنه يتحول إلى بيع تام‪"44‬‬
‫و كذلك نجد الشركة التي يكون محلها عقارات أو غيرها من األموال مما يمكن رهنه‬
‫رهنا رسميا والتي تبرم لتستمر أكثر من ثالث سنوات‪ ،‬أوجب املشرع أن يحرر عقدها كتابة‬
‫تحت طائلة البطالن‪ ،‬وهو ما نص عليه الفصل ‪987‬من قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬نظرية الغلط والتدليس بين القواعد العامة وبعض القوانين الخاصة‬
‫أ‪-‬نظرية الغلط‬
‫نص الفصل‪40‬من قانون االلتزامات والعقود بهذا الخصوص" أن الغلط في القانون‬
‫يخول إبطال االلتزام‪:‬‬
‫‪-1‬إذا كان هو السبب الوحيد أو األساس ي‬
‫‪-2‬إذا أمكن العذر عنه "‬
‫ومن ثم يستوي في الغلط املسبب لإلبطال املنصب على الش يء محل التعاقد أو على‬
‫شخص املتعاقد أن يجد مصدره في تصور خاطئ للواقع أو جهل لقاعدة قانونية‪.‬‬
‫أما في يخص الغلط في قانون ‪ 31.08‬املتعلق بتدابير لحماية املستهلك نجده أتى بعدة‬
‫مقتضيات تستهدف باألساس حماية الطرف املستهلك للمنتوجات أو السلع أو الخدمات في‬
‫‪ -44‬عبد الرحمان الشرقاوي‪" ،‬القانون املدني‪ ،‬دراسة حديثة النظرية العامة اللتزام في ضوء تأثرها باملفاهيم الجديدة‪،‬‬
‫القانون االقتصادي"‪ ،‬الجزء األول ‪ ،2017‬ص ‪.54‬‬

‫‪21‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫مواجهة موردها له‪ ،‬والحد ما أمكن من وقوعه ضحية غلط مؤثر وهذا ماتحقق عن طريق‬
‫اعتماد تالث تقنيات أساسية‪:‬‬
‫‪ ‬التقنية األولى‪ :‬االلتزام العام بإعالم املستهلك‬
‫وهو يستند إلى ضرورة تأمين سالمة رضا املستهلك الذي يتعين أن يقبل على إبرام‬
‫العقد بإرادة حرة متنوعة بتفاصيله وخصائصه دون أدنى لبس أو غموض‬
‫‪ ‬التقنية الثانية‪ :‬تخويل أجل للتفكير‬
‫الهدف األساس ي من ذلك تمكين املستهلك من مهلة تأمل وتدبر قبل التعاقد النهائي‪،‬‬
‫بحيث اليبرم العقد إال عقب انصرام مدة معينة تكون كافية لإلحاطة بحقيقة الشروط‬
‫املقترحة دون غموض أو لبس‬
‫‪ ‬التقنية الثالثة‪ :‬تخويل املستهلك أجال للرجوع‬
‫بغية تكريس حماية رضا املستهلك فقد خوله قانون ‪ 31.08‬أجال إضافيا للتراجع عن‬
‫العقد "» ‪ le droit de la retaction‬وذلك في أنماط معينة من التعاقد وهي‪:‬‬
‫العقود املبرمة عن بعد املادة ‪"36‬للمستهلك أجل سبعة أيام كاملة ملمارسة حق في‬
‫التراجع " ثالثين يوما ملمارسة حقه في التراجع في حالة لم يف املورد بالتزامه بالتأكيد‬
‫‪45‬‬
‫الكتابي للمعلومات املنصوص عليها في املواد ‪29‬و‪32‬‬
‫ب‪-‬التدليس‬
‫نظرا لخطورة التدليس وتأثيره السلبي الفادح في مجال األمن التعاقدي فقد حاربته‬
‫كثير من القوانين على رأسها قانون ‪ 31.08‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك وقانون‬
‫‪ 104.12‬املتعلق بحرية األسعار واملنافسة‪.‬‬
‫‪‬خصوصية التدليس في قانون ‪ 31.08‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك‬
‫إن حماية رضا املستهلك في مواجهة التدليس نجد املشرع حرم على املنهي تقديم اية‬
‫بيانات كاذبة أو مضللة أو مايدعي باإلشهار الكاذب وهنا نجد أن املشرع خالف األحكام‬

‫‪ -45‬عبد الحق الصافي‪ ،‬الوجيز في القانون املدني الجزء األول‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة الدار البيضاء‪ ،‬الطبعة األولى ‪2020‬‬
‫ص من ‪ 99‬إلى ‪101‬‬

‫‪22‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫العامة عندما خص التدليس بجزاء مدني صارم هو بطالن العقد بقوة القانون‪،‬وعالوة على‬
‫ذلك يشكل التدليس بالكذب مخالفة تقتض ي توقيع عقوبة زجرية نصت عليها املادة ‪174‬‬
‫من القانون ‪ 31.08‬بقولها "يعاقب بغرامة من ‪50.000‬إلى ‪250.000‬درهم على مخالفات‬
‫أحكام املادتين ‪21‬و‪22‬‬
‫‪‬خصوصية التدليس في قانون ‪ 104.12‬املتعلق بحرية األسعار واملنافسة‬
‫لقد حارب هذا القانون التدليس معتبرا إياه من بين املمارسات املنافية لقانون‬
‫املنافسة بالرجوع للمادة ‪ 6‬من ذات القانون نجد أن النص ينطوي على سياق عام يشمل‬
‫بالخصوص احتكار تسويق منتوجات أو خدمات معينة في سوق ما عن طريق اعتماد‬
‫أساليب تضليلية مدبرة بشكل فردي أو جماعي وذلك حرقا لألحكام املنافسة الحرة ومبدأ‬
‫حرية األسعار‬
‫وبالنظر لخطوة هذا النوع من التدليس الذي يمس النظام العام خصه قانون‬
‫‪ 104.12‬جزاءا صارم يتجاوز األحكام العامة على املستوى املدني والجنائي‬
‫فعلى املستوى املدني‪ :‬يترتب على أعمال التضليل السالفة بطالن العقد بطالنا مطلقا‬
‫وهذا ما أكدته املادة ‪10‬‬
‫أما على املستوى الزجري‪ :‬فقد اعتبر املشرع أعمال التضليل جريمة يعاقب عليها طبقا‬
‫للمادة ‪75‬من نفس القانون‪" ،‬بالحبس من شهرين إلى سنة وبغرامة من عشة االف‬
‫‪10000‬إلى خمسمائة ألف ‪ 500000‬درهم أو بإحدى هاتين العقوبتين فقط‪46".....‬‬

‫‪ -46‬عبد الحق الصافي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص من ‪ 115‬إلى ‪117‬‬

‫‪23‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫المبحث الثاني‪:‬‬
‫انتكاسة مبادئ قانون االلتزامات والعقود في ظل التحوالت االقتصادية‬
‫نتيجة التحوالت التي عرفتها العقود األخيرة في مختلف املجاالت وازدياد الهوة بين طرفي‬
‫العالقة التعاقدية عجزت املبادئ الراسخة في قانون االلتزامات والعقود على تحقيق التوازن‬
‫العقدي وحماية النظام العام بكل ابعاده مما أدى باملشرع الى تكتيف الجهود وزيادة التدخل في‬
‫محاولة منه لتحقيق االمن التعاقدي لكن ذلك تم على حساب املبادئ الثابتة في قانون‬
‫االلتزامات والعقود مما أدى الى تراجعها‪.‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مظاهر التحوالت االقتصادية على مبادئ ونظريات قانون االلتزامات‬
‫والعقود‬

‫إن من اهم مظاهر التحوالت االقتصادية على مبادئ قانون االلتزامات والعقود‬
‫ساهمت في تأثرها على مستوى العقد (الفقرة األولى) كما انا هذه التحوالت امتدت الى‬
‫القوة امللزمة للعقد (الفقرة الثانية)‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أثر التحوالت االقتصادية على مستوى العقد‬
‫أوال‪ :‬تراجع مبدأ سلطان اإلرادة‬
‫إن نظرية سلطان اإلرادة تمنح للفرد الحرية في اإلقدام على إبرام العقد أو االمتناع‬
‫عنه كما تمنح الحرية في أن يحدد محتوى هذا العقد كما يشاء‪ ،‬وقد يتدخل القانون بجواز‬
‫ممارسة هذه الحرية التعاقدية في الحدود التي ال تخالف فيها النظام العام بحيث إذا‬
‫تجاوزت الحرية التعاقدية هذه الحدود فإن املشروعية ال تثبت للعقد وبالتالي تسقط عنه‬
‫القوة امللزمة للعقد التي يمنحها إياه الفصل ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود‪.47‬‬
‫ففي ظل التراجع والعجز الذي أصاب األسس التي تقوم عليها النظرية العامة للعقد‬
‫في املوازنة بين املصالح االقتصادية واالجتماعية للرابطة العقدية تدخل املشرع عن طريق‬

‫‪ -47‬البشير دحوتي‪ ،‬أثر التحوالت االقتصادية على العقد‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة محمد األول وجدة‪ ،‬املوسم الجامعي ‪ ،2004/2003‬ص ‪62‬‬

‫‪24‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫تقنية التعديل بإصدار نصوص قانونية خاصة أو القيام بترميمات جزئية للنظرية العامة‬
‫للعقد‪ ،‬وهذا ما خلق هوة وتناقض في الكثير من األحيان بين القواعد العامة والقواعد‬
‫الخاصة الش يء الذي انعكس سلبا على العمل القانوني بشكل عام والقضائي بشكل خاص‪.‬‬
‫فعن طريق اإلصالحات التي قام بها املشرع سواء عن طريق تجربة الترميمات الجزئية‪،‬‬
‫شرع لنا قوانين لتتماش ى مع الواقع والتحوالت االقتصادية كالقانون ‪ 24.09‬املتعلق بسالمة‬
‫املنتجات والخدمات‪ ،‬القانون ‪ 44.00‬املتعلق ببيع العقار في طور اإلنجاز‪ ،‬وقانون ‪53.05‬‬
‫املتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات القانونية‪ ،‬ويبقى هذا املستجد من بين أهم‬
‫املستجدات التي أترث على أنماط التعاقد الجديدة وغيرها من القوانين التي صدرت إثر‬
‫هذه التحوالت التي قد تشكل االعتداء على مبادئ ونظريات قانون االلتزامات والعقود‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬ظهور اليات تعاقد وعقود جديدة‬
‫أ‪-‬ظهور أنماط جديدة للتعاقد‬
‫ان املشرع املغربي في ظل التحوالت فقد ضيق من مبدأ سلطان اإلرادة بعد ان أثبت‬
‫نجاعته بالنسبة للعالقات التعاقدية التي تتم بين األشخاص تتساوى وتتقارب مراكزهم‬
‫القانونية واالقتصادية‪ ،‬فإنه لم يعد قادرا على مواجهة التطور االقتصادي واالجتماعي‬
‫والتكنولوجي وما استحدث من أساليب تعاقدية أخلت بالحرية التعاقدية وخلقت طرفين‬
‫غير متكافئين اقتصاديا وفنيا وقانونيا طرف قوي وخبير بما له وما عليه وبكل خبايا ما‬
‫يتعاقد حوله وطرف ضعيف اقتصاديا يذعن بما يفرضه عليه الطرف املنهي من شروط‪.48‬‬
‫فالتطورات التي لحقت الظواهر االقتصادية اليوم تركت بصمتها على املبادئ‬
‫التقليدية التي تقوم عليها العقود والتي من أهمها مبدأ سلطان اإلرادة مما أدى إلى إحداث‬
‫ثورة في العالقات بين املنتجين والبائعين واملستهلكين حيث ظهرت عقودا جديدة وتعددت‬
‫صيغها فبعدما كان توافق االرادتين في مجلس العقد قادر على إنشاء االلتزام تماشيا مع‬
‫مقتضيات الفصل ‪ 19‬من قانون االلتزامات والعقود الذي ينص‪" :‬ال يتم االتفاق إال‬

‫‪ -48‬توفيق تكرومت‪ ،‬تأثير القوانين االقتصادية على قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬مقال منشور بمجلة القانون واالعمال‪ ،‬طبعة‬
‫‪.2019‬‬

‫‪25‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫بتراض ي الطرفين على العناصر األساسية لاللتزام وعلى باقي الشروط املشروعة األخرى‬
‫التي يعتبرها الطرفان أساسية والتعديالت التي يجريها الطرفان بإرادتهما على االتفاق‬
‫فور إبرامه ال تعتبر جزءا من االتفاق األصلي وذلك ما لم يصرح بخالفه"‪.49‬‬
‫ففي ظل التراجع والعجز الذي أصاب األسس التي تقوم عليها النظرية العامة للعقد‬
‫في املوازنة بين املصالح االقتصادية واالجتماعية للرابطة العقدية تنامت عقود اإلذعان‪.‬‬
‫ب_ تنامي عقود اإلذعان‬
‫لقد أدت التحوالت االقتصادية واالجتماعية إلى ظهور قوى اقتصادية متحكمة‬
‫ساهمت باإلجحاف على مبدأ سلطان اإلرادة عن طريق بروز نوع خاص من العقود يطلق‬
‫عليها عقود اإلذعان‪.‬‬
‫ومن أهم مظاهر عقود اإلذعان الذي فرضه الواقع االقتصادي أنتج ما يسمى بعقد‬
‫االستهالك‪ ،‬حيث أصبح املستهلك محاطا بالعديد من املؤثرات التي أدت إلى تنامي مقومات‬
‫ضعفه بصورة غير مسبوقة وعلى نحو برر ضرورة العمل على حمايته من خلل تبني نظريات‬
‫تأتي كردة فعل على تشبع القانون املدني بمبدأ سلطان اإلرادة الذي لم يترك مجاالت‬
‫مالئمة لتحقيق التوازن بين أطراف العقد‪ ،‬حيث اتخذ االذعان شكال جديدا اختلف عن‬
‫صورته التقليدية تمثل في خضوع املتعاقد عديم الخبرة والدراية للمتعاقد االخر ذو العلم‬
‫واملعرفة الواسعة فيقبل ابرام العقد وهو جاهل بجوانب هامة متصلة به وهذا هو حال‬
‫عقود االستهالك الذي نظمها قانون ‪ 31.08‬تنظيما يتوخى حماية املستهلك‪.‬‬
‫هكذا نستنتج بأن مبدأ سلطان اإلرادة لم يعد اليوم يساير التحوالت االقتصادية‬
‫حيث عرف تطورا بفعل رياح العوملة في ظل عصر عقود اإلذعان والطرق الجديدة للتعاقد‬
‫لكن هذه الرياح قد عصفت كذلك بمبدأ اخر اال وهو مبدا القوة امللزمة للعقد وهو سنرى‬
‫في الفقرة املوالية‪.‬‬

‫‪ -52‬الفصل ‪ 19‬من قانون االلتزامات والعقود‪" :‬ال يتم االتفاق اال بتراض ي الطرفين على العناصر األساسية لاللتزام وعلى باقي‬
‫الشروط املشروعة األخرى التي يعتبرها الطرفان أساسية والتعديالت التي يجريها الطرفان بإرادتهما على االتفاق فور ابرامه‬
‫ال تعتبر جزا من االتفاق األصلي وذلك ما لم يصرح بخالفه"‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫الفقرة الثانية‪ :‬أثر التحوالت االقتصادية على تنفيذ العقد‬


‫يعد قانون االلتزامات والعقود من أكثر القوانين املدنية إخالصا ملبدأ سلطان اإلرادة‬
‫والذي يشكل أساس النظرية التقليدية للعقد‪ ،‬إذ أعطى وبالنظر إلى الظرفية التي وضع فيها‬
‫لإلرادة الحرية في أن تنش ئ ما تشاء من العقود واالتفاقات بشرط عدم التعارض مع النظام‬
‫العام‪ .‬لكن الحقبة الراهنة تشهد تحوالت عميقة تمس الركائز األكثر رسوخا في الحياة‬
‫‪50‬‬
‫القانونية‬
‫أوال‪ :‬حدود مبدأ القوة امللزمة للعقد‬
‫نص املشرع في الفصل ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود‪ :‬إن االلتزامات املنشئة‬
‫على وجه صحيح تقوم مقام القانون بالنسبة ملنشئيها وال يجوز إلغاؤها أو تعديلها إال‬
‫برضاهما أو وفق الحاالت املحددة قانونا‪ .‬وهدا ما يسمى بالقوة امللزمة للعقد أي أن حرية‬
‫األطراف في اإللغاء أو تعديل العقد تتطلب توافق اإلرادتين معا‪ .‬وبما أن ظروف الحياة‬
‫االقتصادية واالجتماعية تتغير فقد تجعل من الصعب على طرف أو طرفي العقد تنفيذ‬
‫الشروط التي سبق وأن التزم بها عن رض ي وبكل حرية مما قد يؤدي إلى اختالل التوازن‬
‫العقدي‪.51‬‬
‫أ‪ -‬تجاهل قانون االلتزامات والعقود لنظرية الظروف الطارئة ونظرية اإلذعان‬
‫‪ -1‬القوة امللزمة للعقد ونظرية الظروف الطارئة‪:‬‬
‫إذا كانت بعض التشريعات الحديثة تخول صالحيات واسعة للقاض ي لتعديل بنود‬
‫العقد كما سار على دالك التشريع املصري لسنة ‪ 1948‬بمقتض ي املادة ‪ 147‬من القانون‬
‫املدني التي تنص‪ :‬إدا طرأت حوادث استثنائية عامة لم يكن في الوسع توقعها وترتب عن‬
‫حدوثها أن تنفيذ االلتزام التعاقدي وإن لم يصبح مستحيال صار مرهقا للمدين بحيث‬
‫يهدده بخسارة فادحة جاز للقاض ي تبعا للظروف وبعد املوازنة بين مصلحة الطرفين أن يرد‬

‫‪ -50‬عبدالسالم علي املزوغي‪ ،‬النظرية العامة في العقود وااللتزامات املصادر اإلرادية لاللتزامات‪ ،‬املجلد األول‪:‬نظرية العقد‪،‬‬
‫الطبعة االولى‪ 1993‬دار الجماهير للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫‪ -51‬عبد الكريم غزوان‪ ،‬التحوالت االقتصادية على النظريات العامة لاللتزام‪ ،‬مبادئ مؤسسة العقد بين الثابت واملتغير في‬
‫ضوء التشريع املغربي‪ ،‬مجلة منازعات األعمال‪ ،‬عدد‪ ،27‬سنة ‪2017‬‬

‫‪27‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫االلتزام املرهق إلى الحد املعقول ويقع باطال كل اتفاق خالف دالك‪ .52‬ولكن املشرع املغربي‬
‫سار على خالف دالك بمدلول املادة ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود على نفس التوجه‬
‫سار الفقه الغربي حيث يرى األستاذ الكزبري‪ :‬إذا طرأت ظروف جعلت تنفيذ االلتزام مرهقا‬
‫فال يؤدي ذلك إلى انقضاء االلتزام بل يبقى االلتزام واجب التنفيذ حتى لو كان ذلك يلحق‬
‫‪53‬‬
‫باملدين خسائر فادحة‬
‫‪ -2‬سلطة القاض ي في تعديل البنود املجحفة في عقود اإلذعان‪:‬‬
‫تقتض ي القاعدة األولية بأن العقد شريعة املتعاقدين وقد قرر املشرع املغربي هده‬
‫القاعدة من خالل مقتضيات الفصل ‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود والتي تقتض ي‪ :‬إن‬
‫االلتزامات املنشئة على وجه صحيح تقوم مقام القانون‪ .‬وباعتبار أن الشرط التعسفي‬
‫شرط يفرض على غير املنهي أو على املستهلك من قبل املنهي نتيجة تعسف في استعمال هدا‬
‫‪54‬‬
‫األخير لسلطته االقتصادية بغرض الحصول على ميزة مجحفة‬
‫لذلك فإن املشرع املغربي ووعيا منه في هده املسألة فقد خول للقضاء التدخل من‬
‫اجل الحد من تطبيق هده الشروط التعسفية في مواجهة املتعاقد األخر يمكن أن نالمس‬
‫هدا بشكل واضح من خالل مراجعة مقتضيات الفقرة الثالثة من الفصل ‪ 264‬من قانون‬
‫االلتزامات والعقود والذي نص على ما يلي‪ :‬يمكن للمحكمة تخفيض التعويض املتفق‬
‫عليه إذا كان مبالغا فيه أو الرفع من قيمته إذا كان زهيدا ولها أن تخفض من‬
‫التعويض املتفق عليه بنسبة النفع الذي عادة على الدائن من جراء التنفيذ الجزئي‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة أن القضاء العادي مستقر على أن االلتزامات التعاقدية املقامة على‬
‫‪55‬‬
‫وجه صحيح تقوم مقام القانون بينما القضاء اإلداري يقر بنظرية الظروف الطارئة‬

‫‪ -52‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬القانون املدني‪ ،‬دراسة حديثة للنظرية العامة لاللتزام في ضوء تأثرها باملفاهيم الجديدة لقانون‬
‫االقتصاد‪ ،‬الجزء االول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬الطبعة السادسة‪ ،‬ص‪257‬‬
‫‪ -53‬مأمون الكزبري‪ ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود املغربي‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬ص‪113‬‬
‫‪ -54‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬دور القضاء في تحقيق توازن العقد‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالجتماعية اكدال‪ ،‬دار القلم للطباعة والنشر والتوزيع‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2008‬ص‪77‬‬
‫‪ -55‬من مرجع عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪ ،258‬قرار صادر عن محكمة االستئناف بتاريخ ‪ 22‬يوليوز ‪1941‬‬
‫بالرباط في نزاع نشب مند أوساط الثالثينيات من هدا القرن بين بلدية سال ومقاولة خاصة متخصصة في انجاز أشغال‬
‫تتصل بمجاري عمومية‬

‫‪28‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫ب‪-‬النظريات املؤثرة في القوة امللزمة للعقد‬


‫‪ .1‬السماح للقاض ي بإمكانية منح املدين مهلة امليسرة‪:‬‬
‫من خالل الفصل ‪ 128‬من ق‪.‬ل‪.‬ع الذي جاء فيه‪ :‬ال يسوغ للقاض ي أن يمنح أجال او‬
‫أن ينظر إلى ميسرة ما لم يمنح هذا الحق بمقتض ى االتفاق أو القانون‪.‬‬
‫وكاستثناء على هدا األصل يمكن للقاض ي أن يمنح للمدين حسن النية أجال معقولة‬
‫للوفاء بدينه دون أن يلحق بالدائن ضرر جسيم بحيث نص الفصل ‪ 243‬من ق‪.‬ل‪.‬ع في‬
‫فقرته الثانية على ما يلي‪ :‬ومع استعمال هده السلطة في نطاق ضيق أن يمنحوه أجاال‬
‫معتدلة للوفاء وأن يوقفوا إجراءات املطالبة مع إبقاء األشياء على حالها كل هدا من اجل‬
‫الحفاظ على االستقرار الحقيقي للرابطة التعاقدية من خالل تخويل القاض ي إمكانية‬
‫‪56‬‬
‫تعديل العقد من اجل مالئمة التحوالت االقتصادية دون أي قيد أو شروط‬
‫‪ .2‬تنفيذ العقد بحسن النية‪:‬‬
‫من خالل الفصل ‪ 231‬قانون االلتزامات والعقود‪ِ :‬فان كل تعهد يجب تنفيذه بحسن‬
‫نية وهو ال يلزم بها وقع التصريح به فحسب بل أيضا بكل ملحقات االلتزام التي يقررها‬
‫القانون أو العرف أو اإلنصاف وفقا ملا تفتضيه طبيعته‪ .‬مما يعني أن هناك عوامل‬
‫يسترشد بها القاض ي لتحديد نطاق العقد حيت ال يقف على النية املشتركة للمتعاقدين‬
‫فحسب بل يضيف إليها ما يعتبر من مستلزمات العقد وعلى رأس هده العوامل طبيعة‬
‫االلتزام‪.57‬‬
‫ثانيا‪ :‬تجليات التأثيرات االقتصادية على مبدأ نسبية أثار العقد‪.‬‬
‫بالرجوع للمادة ‪ 228‬من قانون االلتزامات والعقود املغربي‪ :‬االلتزامات ال تلزم إال من‬
‫كان طرفا في العقد فهي ال تضر الغير وال تنفعهم إال في الحاالت املذكورة في القانون‬

‫‪ -56‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪268‬‬


‫‪ -57‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪280‬‬

‫‪29‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫ويقصد بهده املادة أن العقد ال يضر وال ينفع إال من كان طرفا فيه أي أن حكم العقد‬
‫يقتصر على املتعاقدين‪.58‬‬
‫تأسيسا على ذلك فإن هذه القاعدة العامة عرفت تراجعا مهما في السنوات األخيرة‬
‫من خالل تأثير التحوالت االقتصادية واالجتماعية على هدا املبدأ حيث أصبحت أثار العقد‬
‫تنصرف على أطراف خارجة عن هذا العقد‪.‬‬
‫ويمكن مالمسة ذلك في مجموعة من العقود كما هو الشأن بالنسبة لعقد التأمين من‬
‫خالل ما يلي‪:‬‬
‫يعرف االشتراط ملصلحة الغير‪ :‬بأنه تلك الحالة التي يكون فيها التعاقد بين شخص‬
‫يسمى املشترط وآخر يسمى املتعاهد من اجل إنشاء حق ملصلحة شخص ثالث يسمى‬
‫‪59‬‬
‫املستفيد من االشتراط‬
‫ومن أهم التطبيقات الشتراط مصلحة الغير تلك التي تندرج في عقود التأمين على‬
‫اختالف أنواعها حيث يحق لكل شخص أن يؤمن على حياة زوجته أو أحد أبناءه أو أحد‬
‫ورثته‪...‬دون تحديد هويتهم وذلك بمدلول الفصل ‪ 34‬و‪ 35‬من ق‪.‬ل‪.‬ع وفي جميع هده‬
‫الحاالت يكون للمنتفع حق مباشر اتجاه شركة التأمين التي تتعهد بدفع املبالغ املستحقة‬
‫له‪.60‬‬

‫‪ -58‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪282‬‬


‫‪ -59‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬النظرية العامة لاللتزامات في القانون املدني املغربي‪ ،‬الجزء‪.‬األول‪ ،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول‪،‬‬
‫نظرية العقد في مبادئها القانونية ومظاهرها التطبيقية‪ ،‬ص ‪224‬‬
‫‪ -60‬عبد الرحمان الشرقاوي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص ‪294‬‬

‫‪30‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫املطلب الثاني‪ :‬صور تأثر أهم مبادئ قانون اإللتزامات والعقود بالتحوالت االقتصادية‬

‫بالرغم من سيادة حرية التعاقد في كثير من املجاالت‪ ،‬اال أن هذه الحرية أخذت منحى‬
‫تراجع واضطراب في مبدأ سلطان اإلرادة بفعل عوامل اقتصادية وتكنولوجية‪ ،‬اال أننا نجد‬
‫بعض العقود لها خصوصية كعقد القرض االستهالكي والعقد االلكتروني استدعى تدخل‬
‫املشرع والقضاء من أجل استقرار املعامالت املدنية وتحقيق األمن التعاقدي‪.‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬قانون ‪31.08‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك‬
‫األصل في العقود هو مبدأ سلطان اإلرادة إلى أنه في ظل املتغيرات االقتصادية ومع‬
‫تدخل املشرع واستمرار فرضه لترسانة من القواعد الخاصة‪ ،‬نجد تأثير واضح على نظرية‬
‫االلتزام وإنقاص ملبدأ القوة امللزمة للعقد‪.‬‬
‫ففي ظل انتشار وتزايد حجم القروض االستهالكية وما يصاحب ذلك من مخاطر‬
‫بدأت تطفو على السطح العديد من النزاعات الناشئة بين أطراف عقد القرض‬
‫االستهالكي‪ ،‬وهو ما فرض ضرورة توفير حماية قانونية وقضائية للمستهلك‪.‬‬
‫أوال‪ :‬التدخل القضائي للحد من الشروط التعسفية في القروض االستهالكية‬
‫أ‪ -‬اإلطار القانوني للشرط التعسفي‬
‫إن مظاهر واليات التدخل القضائي ملحاربة الشروط التعسفية تبقى متعددة‬
‫ومتنوعة‪ ،‬لكن الحرص على احترام القانون يبقى هو الفاصل والذي يحمي من االنحراف‬
‫وراء الرغبة في حماية طرف دون االخر والتي تضفي حماية مقنعة غير مشروعة‪ ،‬فالهاجس‬
‫حسب جانب من الفقه هو تحقيق معادلة قانونية صعبة بين األمن التعاقدي والتدخل‬
‫القضائي للوصول إلى نظام اجتماعي متكامل وليس ذلك باألمر الهين ونحن نعاني جمود‬
‫النص على مستوى القواعد العامة في التشريع املغربي ‪.61‬‬

‫‪ -61‬أستاذنا نبيل لكط‪ ،‬عقد القرض االستهالكي دراسة في ضوء مشروع قانون ‪ 31.08‬يقض ي بتحديد تدابير لحماية‬
‫املستهلكين رسالة لنيل دبلوم في القانون الخاص‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪ ،‬جامعة املولى إسماعيل‬
‫–مكناس‪-‬السنة الجامعية ‪2010 /2009‬ص ‪.187‬‬

‫‪31‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫فاذا كان القانون املدني في توبة التقليدي ال يسعى سوى لتحقيق التوازن القانوني بين‬
‫أطراف العالقة العقدية‪ ،‬فإن هذا األمر قد يسبب اختالال كبيرا على مستوى التوازن‬
‫االقتصادي نظرا الستغالل املتعاقد القوة ملركزه االقتصادي املتفوق عن طريق فرض‬
‫‪62‬‬
‫شروط تعاقدية مجحفة في حق املتعاقد االخر الضعيف وهذا هو حال عقود االستهالك‬
‫فقد خصص املشرع القسم الثالث من قانون ‪ 31.08‬لحماية املستهلك من الشروط‬
‫التعسفية وبالتالي نجد على أن للمستهلك املقترض الية قانونية للمطالبة بإلغاء وحذف‬
‫الشروط التعسفية املدرجة في عقد القرض االستهالكي‪ ،‬حماية لحقوقه االقتصادية من‬
‫املمارسات التعسفية للمنهي املقترض‪.‬‬
‫هذه االلية قضائية يلجأ من خاللها املستهلك املقترض الى القضاء من أجل ابطال‬
‫الشرط التعسفي وقد عرف املشرع الشرط التعسفي في املادة ‪ 15‬من قانون ‪ 31.08‬بكونه‬
‫"يعتبر شرطا تعسفيا في العقود املبرمة بين املورد واملستهلك كل شرط يكون الغرض منه أو‬
‫‪63‬‬
‫يترتب عليه اختالل كبير بين حقوق وواجبات طرفي العقد على حساب املستهلك‪"....‬‬
‫ونجد أن الدكتور عبد الحق الصافي يرى أن موجبات ضمان استقرار التعامل وحماية‬
‫املتعاقد حسن النية تقتض ي تعليق تحقق الشرط التعسفي على ما يأتي‪:‬‬
‫‪ ‬من حيث شكل التعاقد‪ :‬األصل أن يرد الشرط التعسفي في عقد االستهالك‬
‫يستوي أن يبرم هذا العقد شفويا أو كتابة أو الكترونيا بواسطة األنترنت اال أنه بالرجوع‬
‫للمادة ‪ 15‬من القانون ‪ 31.08‬فاملشرع وسع من مفهوم الشرط التعسفي (حيث شمل‬
‫سندات الطلب والفاتورات وأذون الضمان والقوائم وأذون التسليم واألوراق أو التذاكر‬
‫والتي تتضمن شروطا متفاوضا في شأنها بحرية أو غير متفاوض في شأنها أو احاالت الى‬
‫‪64‬‬
‫شروط عامة محددة مسبقا)‬

‫‪ -62‬عبد الحق الصافي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪307.‬‬


‫‪ -63‬حسنة الرحموني‪ ،‬الشروط التعسفية في عقد القرض االستهالكي‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة‬
‫محمد الخامس كلية العلوم القانونية واإلقتصادية واإلجتماعية‪،‬أكدال الرباط‪،‬السنة الجامعية ‪.،2012.2013‬ص‪347.‬‬
‫‪ -64‬عبد الحق الصافي‪ ،‬الوجيز في القانون املدني الجزء األول‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى ‪ 2020‬ص‪309.‬‬

‫‪32‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫الجزاء املترتب عن وجود الشرط التعسفي‬ ‫ب‪-‬‬


‫فعندما يقف القضاء على وجود شرط تعسفي فإن الجزاء املترتب عن ذلك هو‬
‫بطالنه بقوة القانون وهذا ما أكدته املادة ‪19‬من قانون ‪ 31.08‬املتعلق بتدابير حماية‬
‫املستهلك حيث نصت‪ " :‬يعتبر باطال والغيا الشرط التعسفي الوارد في العقد املبرم بين‬
‫املورد واملستهلك‪"...‬‬
‫وهو بطالن يتعلق بالنظام العام ألن املشرع يستهدف بالخصوص حماية املصلحة‬
‫العامة لعموم طائفة املستهلكين الضعاف املراكز في مواجهة املوردين ذوي النفوذ والسلطة‬
‫االقتصادية‪ .‬وذلك تماشيا مع املادة ‪ 20‬من نفس القانون‪ " :‬تعتبر أحكاما أمرة مقتضيات‬
‫‪65‬‬
‫القسم الثالث املتعلقة بحماية املستهلك من الشروط التعسفية"‪.‬‬
‫ولإلشارة فبطالن الشرط التعسفي يترتب عليه عقد االستهالك برمته إذا أبرم هذا‬
‫العقد كمجموعة شروط متكاملة ال يمكن الفصل بينهما دون ضرر يلحق العاقدين‪ .‬لكن‬
‫إذا كان هذا الشرط التعسفي مستقال عن بقية بنود العقد‪ ،‬فإنه يبطل لوحده في حين‬
‫تبقى سارية باقي بنوذ العقد األخرى الصحيحة‪.‬‬
‫وفي الحقيقة تشكل هذه الحالة أحد تطبيقات نظرية انتقاص العقد الباطل والتي‬
‫نص عليها الفصل ‪ 308‬من قانون االلتزامات والعقود بقوله‪ " :‬بطالن جزء من االلتزام‬
‫يبطل االلتزام في مجموعه‪ ،‬إال إذا أمكن لهذا االلتزام أن يبقى قائما بدون الجزء الذي‬
‫لحقه البطالن‪ ،‬وفي هذه الحالة يبقى االلتزام قائما باعتباره عقدا متميزا عن العقد‬
‫‪66‬‬
‫األصلي"‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬تدخل القضاء ملواجهة االستدانة املفرطة‬
‫اعتبارا لكون املستهلك يوجد في موقع ضعف ومضطرا للتعاقد تحت ضغط الحاجة‬
‫فمع تغير الظروف االقتصادية قد يرهق املستهلك عن تنفيذ التزامه‪ ،‬فحسن النية مفترض‬
‫في املستهلك مادام العجز قد نتج عن عدم تحقق املقرض أثناء التكوين من قدرة املستهلك‬

‫‪ -65‬عبد الحق الصافي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪309.‬‬


‫‪ -66‬عبد الحق الصافي‪ ،‬مرجع سابق‪،‬ص‪311.‬‬

‫‪33‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫على األداء وعدم استعالمه حول قدرته عن الوفاء أو إعطاءه قرضا مع علمه بتواجد أخرى‬
‫قروض تثقل ذمته افتراض حسن نية املقترض الذي ال يتحمل مسؤولية اإلعالم إال بحلول‬
‫‪67‬‬
‫قوة قاهرة أو القيام بعمل سلبي ويبقى على املقرض أن يأتي بما يثبت سوء نية املقترض‪.‬‬
‫أ‪-‬الجهة القضائية املختصة في منح االمهال القضائي‬
‫بالرجوع للمادة ‪ 243‬من ق‪.‬ل‪.‬ع يتضح من صياغة النص أنها جاءت عامة حيث‬
‫استعمل عبارة "ومع ذلك يسوغ للقضاة "وهي عبارة عامة جعلت الباب مفتوحا أمام جميع‬
‫التوجهات وهو ما جعل البعض يذهب الى أن قضاء املوضوع هو املختص وذلك لعدة‬
‫اعتبارات والتي من بينها أن النص يشترط على القاض ي مراعاة أحوال املدين وعليه يجعل‬
‫القاض ي ملزم بفحص األدلة والوثائق املقدمة له عكس قاض ي األمور املستعجلة كما أن‬
‫‪68‬‬
‫الفصل يتحدث عن املدين وليس املنفذ عليه‬
‫وبالرجوع لقانون حماية املستهلك ‪31.08‬نجد أن املشرع نص في إطار املادة ‪149‬‬
‫بصريح العبارة أن اختصاص البث في طلبات منح االمهال القضائي وأول األوامر‬
‫االستعجالية التي صدرت في هذا املوضوع بعد صدور القانون ‪ 31.08‬نجد األمر الصادر عن‬
‫رئيس املحكمة االبتدائية بمكناس عدد ‪ 150/13‬الصادر بتاريخ ‪12‬فبراير في امللف‬
‫‪69.‬‬
‫االستعجالي عدد‪966/8/2012‬‬
‫وفي هذا الصدد صدر أمر استعجالي عن رئيس املحكمة التجارية بفاس‬
‫عدد‪184‬الصادر بتاريخ ‪.702019.03.27‬‬

‫‪ -67‬نبيل لكط‪ ،‬القرض االستهالكي دراسة في ضوء مشروع قانون ‪ 31.08‬يقض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلكين‪،‬ص‪.196.‬‬
‫‪ -68‬خالد الفكاني‪ ،‬نظرة امليسرة‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس كلية‬
‫اكدال – الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪ ،2006/2005‬ص‪.53 .‬‬
‫‪ -69‬أمر عدد ‪ 150 13.‬صادر بتاريخ ‪ 12.02.2012‬ملف استعجالي عدد ‪ 966.08.2012‬منشور باملجلة املغربية للقانون‬
‫االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -70‬أمر رقم ‪184‬الصادر بتاريخ ‪2019.03.27‬ملف استعجالي رقم ‪ 18.8101,711‬باملحكمة التجارية بفاس غير منشور‪.‬‬

‫‪34‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫ب‪-‬شروط منح االمهال القضائي واالثار املترتبة عنه‬


‫فيما يتعلق بالشروط الواجب توفرها في املدين وأخرى في الدائن وأخرى متعلقة‬
‫باألجل الجديد املمنوح للمدين‪ ،‬فبالنسبة للمدين املقترض أشارت املادة ‪ 149‬من القانون‬
‫رقم ‪31.08‬أنه يسوغ تمتيع املقترض بإمهال إذا كانت الصعوبات اعترضه في األداء ناتجة‬
‫عن الفصل عن العمل أو عن وجود حالة اجتماعية غير متوقعة تحول بينه وبين وفائه‬
‫‪71‬‬
‫بااللتزامات املترتبة عن عقد القرض‬
‫أما فيما يخص املقرض الدائن فانه ينبغي عدم االضرار به إلعطاء اجاال اذ من شأن‬
‫ذلك أن يضر بمصالح الدائن املقرض‪ ،‬كما يشترط في األجل املمنوح أن يكون معقوال‬
‫فبالنسبة للمشرع االستهالكي سار على خطى املشرع الفرنس ي حدد املدة في عدم تجاوزها‬
‫لسنين تماشيا ومقتضيات املادة ‪149‬وجدير بالذكر أن منح املقترض مهلة قضائية يترتب‬
‫عنها وقف تنفيذ التزاماته حتى نهاية املدة املقررة‪.‬‬
‫يمكن القول أن منح املشرع للقضاء سلطة التدخل في العقد‪،‬فيه ضرب ملجموعة‬
‫من املبادئ العامة لقانون االلتزامات والعقود وأخص بالذكر مبدأ سلطان اإلرادة‪،‬مبدأ‬
‫القوة امللزمة للعقد‪،‬مبدأ الرضائية‪.‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬قانون رقم ‪ 53.05‬املتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات‬
‫االلكترونية‬
‫أوال‪ :‬العقد االلكتروني‬
‫شهد العالم العديد من التحوالت والتغيرات خاصة في مجال اإللكترونيات " املجال‬
‫االفتراض ي" واستجابة لحاجيات العصر عمل املشرع على إصدار قانون رقم ‪ 53.05‬املتعلق‬
‫بالتبادل اإللكتروني للمعطيات اإللكترونية الذي يشكل إضافة نوعية لظهير االلتزامات‬
‫والعقود املغربي‪.‬‬

‫‪ -71‬عبد القادر العرعاري‪ ،‬مصادر االلتزام الكتب األول "نظرية العقد‪ ،‬مطبعة النجاح‪ ،‬الطبعة الخامسة ‪2016‬ص‪..207‬‬

‫‪35‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫‪ -1‬مفهوم العقد االلكتروني‪:‬‬


‫فالعقد اإللكتروني هو قوام املعامالت التجارية اإللكترونية ويمكن تعريفه بأنه العقد‬
‫الذي يتم إبرامه من دون حاجة إلى التواجد املادي لألطراف أي عدم وجود مجلس العقد‬
‫حقيقي بل افتراض ي فقط‪ ،‬فهو يندرج ضمن طائفة العقود املبرمة عن بعد‪.‬‬
‫هناك من الفقه من يطلق تعبير " العقد اإللكتروني"‪ ،‬أو " العقد عبر اإلنترنيت"‪ ،‬أو "‬
‫عقد التجارة اإللكترونية" كمصطلحات مرادفة ملفهوم العقود التي تبرم دون الحضور‬
‫املادي للطرفين املتعاقدين‪ ،‬وإن كان البعض يميز فيما بينها‪.‬‬
‫وحصرت بعض التعريفات العقد املبرم بطريقة إلكترونية‪ ،‬في ذلك الذي يبرم بين‬
‫البائع واملشتري فقط فبعض ممن اتخذ هذا املنحى‪ ،‬عرفه بأنه عقد يلتزم فيه البائع أن‬
‫ينقل للمشتري عن بعد ملكية ش يء أو حق مالي آخر‪ ،‬مقابل ثمن نقدي عن طريق‬
‫اإلنترنيت‪.‬‬
‫واعتبر بعض من الفقه‪ ،‬ممن استعمل اصطالح العقد املبرم عبر اإلنترنيت‪ ،‬أنه يتميز‬
‫عن كل العقود األخرى‪ ،‬من خالل ما يلي‪:‬‬
‫أوال‪ :‬عدم االلتقاء املادي لألطراف لحظة تبادل التعبير عن إرادتهما‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬عدم االلتقاء املادي عن طريق وسيلة إلكترونية سمعية_ بصرية‪ ،‬تمكن من‬
‫التفاعل بين أطرافه‪ ،‬مما يمكن معه القول بأن العقد يتم بين حاضرين من حيث الزمان‪،‬‬
‫وهو حضور مفترض للمتعاقدين‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬التباعد املكاني بين طرفي التعاقد‪ ،‬إذ قد يتواجد في نفس الدولة أو يتواجدان في‬
‫دول مختلفة‪ ،‬وبذلك يدخل هذا العقد زمرة العقود التي تبرم عن بعد من حيث املكان‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬عدم وجود مستند كتابي مادي لهذا العقد‪ ،‬وإنما يكون مثبتا على دعامة غير‬
‫مادية‪ ،‬ألن وسيلة إبرامه هي وسيلة إلكترونية‪.‬‬
‫وذهب اتجاه آخر من الفقه ممن اعتبره من عقود التجارة اإللكترونية‪ ،‬إلى تعريف‬
‫هذا العقد‪ ،‬بأنه" اتفاق فيه اإليجاب ببيع أشياء أو تقديم خدمات‪ ،‬يعبر عنه على طريقة‬

‫‪36‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫اإلذاعة املرئية املسموعة أو وسط شبكة دولية لالتصاالت عن بعد‪ ،‬ويالقيه القبول عن‬
‫طريق اتصال األنظمة املعلوماتية ببعضها‪ .‬بينما عرفه بعض آخر من الفقه بأنه " التفاوض‬
‫الذي انتهى باالتفاق التام بين إرادتين صحيحتين باستخدام اتصاالت حديثة‪.72‬‬
‫هكذا يتبن أن العقد االلكتروني ما هو إال عقد كباقي العقود األخرى‪ ،‬يختلف عنها في‬
‫طريقة إبرامه فقط‪.‬‬
‫فإذا كان العقد العادي يبرم تقليديا بالكتابة أو اللفظ شفاهة أو باإلشارة فإن العقد‬
‫االلكتروني يبرم بالكتابة االلكترونية والوسائط والدعائم اإللكترونية‪.‬‬
‫وبالتالي فإننا نرى بأن تعريف العقد االلكتروني ال يخرج عن التعريف العام للعقد‪،‬‬
‫بحيث أنه توافق إرادتين عن طريق إلكتروني على إحداث أثر قانوني بإنشاء التزام أو نقله أو‬
‫تعديله أو إنهائه‪.‬‬
‫‪ -2‬الطبيعة القانونية للعقد االلكتروني‪:‬‬
‫فالعقود اإللكترونية التي تبرم بين األطراف قد تتعلق بالبيع والشراء واإليجار وغيرها‬
‫من التصرفات القانونية التي تهم السلع والخدمات‪ ،‬ويمكننا أن نتساءل عن طبيعة هذه‬
‫العقود‪ ،‬هل هي عقود تراض ي تخضع ملبدأ سلطان اإلرادة أم عقود إذعان ال دور فيها لحرية‬
‫األطراف؟‬
‫يرى بعض الفقه في القانون اإلنجليزي‪ 73‬أن العقود اإللكترونية هي بمثابة عقود‬
‫إذعان وإن لم يصرح بذلك صراحة على اعتبار أن املتعاقد ال يمكن إال أن يضغط على عدد‬
‫من الخانات‪ ،‬املفتوحة أمامه في موقع البائع أو املشتري على املواصفات التي يرغب فيها من‬

‫‪ -72‬بشرى النية‪ ،‬العقد املبرم بطريقة إلكترونية‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية‬
‫العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية أكدال الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪ .2012 -2011‬ص‪.20.‬‬
‫‪ -73‬إدريس الحياني و عمر أنجوم‪ :‬إبرام العقد االلكتروني وفق القواعد العامة و على ضوء مشروع التبادل االلكتروني‬
‫للبيانات القانونية‪ ،‬املجلة املغربية لقانون األعمال و املقاوالت‪ ،‬عدد ‪ 11‬أكتوبر ‪ ،2006‬ص ‪49‬‬

‫‪37‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫السلع وعلى الثمن املحدد سلفا‪ ،‬الذي ال يملك املناقشة أو املفاوضة عليه مع املتعاقد‬
‫اآلخر‪ ،‬وكل ما يحتاج له هو إما قبول العقد أو رفضه‪.74‬‬
‫غير أن هذا الرأي إن كان صحيحا في فرض شروط التعاقد من طرف على طرف آخر‪،‬‬
‫فإنه يستبعد الشروط األخرى في عقد اإلذعان‪ ،‬إذ أن هذا االخير هو الذي ينعقد دون‬
‫مناقشة أو مساومة بين الطرفين‪ ،‬فالشروط التي يمليها طرف معين إما تقبل جملة أو‬
‫ترفض دون مفاوضة‪.‬‬
‫في حين أن عقود التراض ي فهي عقود يتفق فيها الطرفين على شروط العقد باملنافسة‬
‫واملساومة وعليه يمكننا القول أن العقود اإللكترونية هي عقود تراض ي من حيث األصل‪،‬‬
‫حيث نجد أن لألطراف حرية التعاقد‪ ،‬وإذا كانت هناك شروط معدة سلفا‪ ،‬فإن األطراف ال‬
‫يجبرون على املوافقة عليها بل لهم حرية رفضها‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬حماية املستهلك املتعاقد بشكل إلكتروني بين القواعد العامة والقواعد الخاصة‬
‫‪75‬‬
‫‪ 1‬حماية املتعاقد اإللكتروني وفق القواعد العامة‪.‬‬
‫أ)مدى فعالية مبدأ سلطان اإلرادة في حماية املتعاقد بالشكل اإللكتروني‪.‬‬
‫كما سبقت اإلشارة أنه من الثابت قانونا أن إرادة اإلنسان حرة بطبيعتها فال يمكن أن‬
‫يلتزم إال بما ارتض ى به‪ ،‬هي أساس التصرف القانوني من حيث نشأته وتحديد ٱثاره وهذا ما‬
‫يعبر عنه الفقه بمبدأ سلطان اإلرادة الذي يشتمل على فكرتين‪:‬‬
‫األولى‪ :‬أن كل االلتزامات ترجع في مصدرها إلى اإلرادة الحرة لألطراف‪.‬‬
‫و الثانية‪ :‬أن أثر اإلرادة ال يقتصر على إنشاء االلتزام بل تعتبر املرجع األعلى فينا يترتب‬
‫على هذه االلتزامات من اثار‪.76‬‬

‫‪ -74‬إدريس الحياني وعمر أنجوم‪ :‬إبرام العقد االلكتروني وفق القواعد العامة وعلى ضوء مشروع قانون التبادل اإللكتروني‬
‫للبيانات القانونية‪ ،‬املجلة املغربية لقانون األعمال واملقاوالت‪ ،‬عدد ‪ 11‬أكتوبر ‪ ،2006‬ص ‪.49‬‬
‫‪ -75‬ظهير ‪ 9‬رمضان ‪ 12( 1331‬أغسطس ‪ )1913‬بمثابة قانون االلتزامات و العقود‪.‬‬
‫‪ -76‬مبدأ سلطان اإلرادة في العقود االلكترونية‪ ،‬مذكرة لنيل شهادة املاجستير في القانون تخصص قانون التعاون الدولي‪،‬‬
‫للطالبة حنان العتيق‪ ،‬تحت إشراف معاشة عمار‪ ،‬ص ‪.1‬‬

‫‪38‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫هذا ويسير التشريع املغربي على ذات املنوال من خالل أخده بهذا املبدأ في الفصل‬
‫‪ 230‬من قانون االلتزامات والعقود الذي نص على أن‪ ":‬االلتزامات املنشأة على وجه صحيح‬
‫تقوم مقام القانون بالنسبة إلى منشئيها وال يجوز إلغاؤها إال برضاهما معا‪ ،‬أو في الحاالت‬
‫املنصوص عليها في القانون"‪ ،‬وتأسيسا على ذلك فإن اإلرادة هي أساس القوة امللزمة في‬
‫التعاقد‪ ،‬وهي التي تتحكم في تحديد مضمون العقد وااللتزامات التي تقع على أطرافه‪.‬‬
‫و يعتبر التفاوض االلكتروني أحد مظاهر سلطان اإلرادة ويقصد به " تبادل االفكار‬
‫واٱلراء واملساومة بالتفاعل بين األطراف من خالل االتصال املباشر أو تبادل البيانات‬
‫اإللكترونية عبر البريد االلكتروني وذلك من أجل الوصول إلى اتفاق معين حول مصلحة أو‬
‫مشكلة ما‪.77‬‬
‫ب)مدى فعالية نظرية عيوب الرض ى في حماية املستهلك‪:‬‬
‫تعتبر القواعد القانونية ترجمة للواجبات األخالقية ويعتبر مبدأ حسن النية في تنفيد‬
‫االلتزامات أسمى ما في القواعد األخالقية من مضمون‪ ،‬وبذلك يجب على املتعاقدين تنفيد‬
‫العقد دون اإلضرار بمصلحة املتعاقد اآلخر سواء عن طريق إيقاعه في غلط أو استغالله أو‬
‫التدليس عليه أو ممارسة سلطة اإلكراه عليه‪.‬‬
‫و من هنا فإن نظرية عيوب الرضا تتصل اتصاال وثيقا بنظرية سلطان اإلرادة وتتصل‬
‫كذلك بمبدأ حسن النية الذي نصت عليه معظم الدول في تشريعاتها وبالتالي يجب أن‬
‫تتحقق لإلرادة صحتها وسالمتها من العيوب وإال كان العقد قابال لإلبطال‪.‬‬
‫إذا كانت نظرية عيوب الرضا‪ 78‬تلعب دورا كبيرا في إبطال مجموعة من العقود التي‬
‫تكون فيها اإلرادة أحد أطرافها معيبة‪ ،‬وحماية املتعاقد بشكل عام واملستهلك بصفة خاصة‪،‬‬
‫إال أنها تبقى بدون جدوى في توفير مناخ مالئم لتأكيد صحة إرادة املستهلك لالعتبارات‬
‫التالية‪:‬‬

‫‪ -77‬خالد ممدوح إبراهيم‪ :‬إبرام العقد االلكتروني_ دراسة مقارنة دار الفكر الجامعي مصر‪ ،‬سنة ‪ ،2008‬ص ‪268‬‬
‫‪ -78‬مأمون الكزبري‪ :‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات و العقود املغربي‪ ،‬الجزء األول‪،‬سنة ‪ ،1972‬ص‪.72‬‬

‫‪39‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫‪ ‬صعوبة إثبات التدليس فينا يخص العقود االلكترونية وذلك اعتبارا للطبيعة الغير‬
‫املادية للمعلومات والبيانات التي يجري نقلها عبر تقنيات االتصال الحديثة ‪.‬‬
‫‪79‬‬

‫‪ ‬إذا كان إعمال عيب اإلكراه يشترط فيه تحقق شروط معينة منصوص عليها في‬
‫‪80‬‬

‫قانون االلتزامات والعقود‪ ،‬إال أن املستهلك يمكن أن يقع ضحية إكراه اقتصادي‪ ،‬وبالتالي‬
‫فإن نظرية اإلكراه التقليدية ال توفر له الحماية املرجوة‪.‬‬
‫‪)2‬حماية املتعاقد االلكتروني وفق القواعد الخاصة‪:81‬‬
‫أ)االلتزام بإعالم املستهلك‪:‬‬
‫يعد االلتزام بإعالم املتعاقد قبل أن يتعاقد مع البائع أو املنتج على شبكة االنترنيت‬
‫من إحدى املبادئ املتفرعة عن مبدأ حسن النية الذي يجب أن يسود املفاوضات التي‬
‫تسبق إبرام العقد‪ 82‬ويقصد بااللتزام باإلسالم في االصطالح القانوني بكونه" التزام يقع على‬
‫املدين لتزويد املتعاقد اآلخر بكل املعلومات املتعلقة بمحل العقد والكفيلة بتنوير رضاه‪،‬‬
‫وتسهيل تنفيذ العقد‪".‬‬
‫وال شك أن التزام بإعالم املستهلك‪ 83‬يشكل أحد أبرز الركائز القانونية في مجال حماية‬
‫املستهلك بصفة عامة‪ ،‬ويبدوا هذا االلتزام أكثر إلحاحا في التعاقد الذي يتم بشكل‬
‫الكتروني‪ ،‬سيما وأن هذا األخير يتم دون التقاء حقيقي‪ ،‬بين أطراف التعاقد ودون أن يقوم‬
‫املستهلك بمعاينة الش يء املتعاقد عليه معاينة الحقيقة‪.‬‬
‫وإذا كان االلتزام باإلعالم يفرض على املورد إعالم املستهلك بكافة الوقائع واملعلومات‬
‫التي تكون منتجة والزمة لتكوين رضاه وضمان حسن تنفيد العقد كما أشارت إلى ذلك‬

‫‪ -79‬عبد الحق الصافي‪ ،‬مرجع سابق‪ ،‬ص‪4 :‬‬


‫‪ -80‬انظر الفصل ‪ 47‬من قانون االلتزامات و العقود‬
‫‪ -81‬القانون رقم ‪ 31.08‬املتعلق بتدابير حماية املستهلك‪ ،‬الصادر بتنفيذه الظهير الشريف رقم‪ 1.11. 03‬بتاريخ ‪ :14‬ربيع األول‬
‫‪ 1432‬املوافق ل‪ 18‬فبراير ‪ ،2011‬املنشور بالجريدة الرسمية عدد ‪ 5932‬الصادرة بتاريخ جمادى األولى ‪ 1432‬املوافق ل ‪7‬‬
‫أبريل ‪. 2011‬‬
‫‪ -82‬موالي حفيظ العلوي القادري‪ ،‬إشكاليات التعاقد في التجارة اإللكترونية‪ ،‬نشر و توزيع الشركة املغربية لتوزيع الكتاب‪،‬‬
‫الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪ ،2023‬ص ‪ 135‬إلى‪.136‬‬
‫‪ -83‬انظر املادة ‪ 3‬من القانون رقم ‪ 31.08‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك‪.‬‬

‫‪40‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫املادة ‪ 3‬من القانون رقم ‪ 31.08‬املتعلق بحماية املستهلك‪ ،‬فإن السلعة أو الخدمة في ضوء‬
‫التعاقد االلكتروني يجب عليه أن يضمن عرضه املقدم على شاشة االنترنيت كل خصائص‬
‫هذه السلعة أو الخدمات‪ ،‬إضافة إلى كيفية االستعمال واالستفادة كما يلزم أن يكون‬
‫العرض واضحا ومفهوما ومحددا بدقة‪ ،‬وال بد له من التأكد من ظهور كل البيانات‬
‫اإللزامية الخاصة للتعريف بالعرض املقدم‪.‬‬
‫ويالحظ أن التشريعات العربية ومنها التشريع املغربي لم يتناول كفاية حق املستهلك في‬
‫االستعالم عن السلعة أو الخدمة قبل التعاقد وذلك عكس التشريع الفرنس ي‪ ،‬الذي نص‬
‫على وجوب إعالم املستهلك بالسلعة من قبل البائع وخاصة في البيوع عبر الخط‪.‬‬
‫ب)حق املستهلك في خيار الرجوع‪:‬‬
‫يعتبر حق الرجوع ٱلية حمائية مهمة حيث تمنح املستهلك الذي ليس لديه اإلمكانية‬
‫الفعلية ملعاينة املنتوج‪ ،‬والعلم بخصائصه قبل إبرام العقد حيث يتمتع بحق العدول أو‬
‫الرجوع مادام أن ثمة مبررا معقوال وفي هذا اإلطار نجد أن املشرع املغربي خول للمستهلك‬
‫الحق في الرجوع‪.‬‬
‫وذلك طبقا للمادة ‪ 36‬من الباب الثاني املتعلق بالعقود املبرمة عن بعد من القانون‬
‫‪ 31.08‬املتعلق بتحديد تدابير لحماية املستهلك أجل سبعة أيام كاملة ملمارسة حقه في‬
‫تراجع دون الحاجة إلى تبرير ذلك أو دفع غرامة باستثناء مصاريف اإلرجاع إن اقتض ى‬
‫الحال ذلك‪.‬‬
‫وفي حالة عدم تنفيد املورد للعقد بسبب عدم توفر املنتج أو السلعة أو الخدمة‬
‫املطلوبة يجب أن يبلغ ذلك إلى املستهلك وعند االقتضاء أن ترد إليه املبالغ التي دفعها على‬
‫الفور وعلى أبعد تقدير خالل ‪ 15‬يوم املوالية ألداء املبالغ املذكورة وبعد انتهاء األجل‬
‫املذكور تترتب على املبالغ املذكورة فوائد بالسعر القانوني وذلك بمقتض ى املادة ‪ 40‬من‬
‫قانون حماية املستهلك‪.‬‬

‫‪41‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫خامتة‪:‬‬

‫تناولنا في هذا العرض أهم املبادئ والنظريات الكبرى التي يقوم عليها قانون االلتزامات‬
‫والعقود‪ ،‬وحاولنا على امتداد صفحاته أن نوصل قدر اإلمكان ملوضوع عملي وحيوي جدا‬
‫وعلى قدر كبير من األهمية‪.‬‬
‫وعليه قد تم التوصل إلى أن قانون االلتزامات والعقود املغربي يقوم على مجموعة‬
‫من املبادئ والنظريات الكبرى‪ ،‬التي جعلته يحظى بأهمية بالغة بالنظر إلى باقي القوانين‬
‫الخاصة لكونه يعتبر الشريعة العامة لها‪ ،‬وبالتالي فهو يعتبر األصل الذي تفرعت عنه باقي‬
‫القوانين‪.‬‬
‫وتجدر اإلشارة على أنه بالرغم من صالبة املبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات‬
‫والعقود وتسجيل مرونتها وقدرتها على مواكبة التطورات االقتصادية واالجتماعية‬
‫والصناعية التي يتسم بها العصر الحالي‪ ،‬إال انه قد أبان تزايد وتسارع التطور التكنولوجي‬
‫خاصة في امليدان االقتصادي عن قصور هذه املبادئ وعجزها عن مواصلة صمودها أمام‬
‫التحوالت االقتصادية‪.‬‬
‫مما دفع املشرع املغربي إلى إدخال تعديالت جديدة على هذه املبادئ والنظريات بهدف‬
‫جعلها أكثر قدرة على مالءمة املستجدات‪ ،‬غير أن هذه التعديالت الجزئية التي أدخلها‬
‫املشرع أدت إلى خلق ارتباك تشريعي نتيجة وجود تناقضات بين قانون االلتزامات والعقود‬
‫والنصوص املقحمة‪ ،‬مما انعكس سلبا على طبيعة القراءات الفقهية واالجتهادات القضائية‪.‬‬
‫ومن هنا نقترح على املشرع املغربي أن يعيد النظر في هذه املبادئ والنظريات وفق‬
‫مقاربة قانونية شاملة ورؤية تشريعية حكيمة تأخذ بعين االعتبار املستجدات وتفتح على‬
‫املحتمل القانوني‪ ،‬وهو محتمل غير قار وغير ثابت‪.‬‬

‫‪42‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫الئحة املراجع‪:‬‬

‫‪ ‬المراجع العامة‪:‬‬
‫‪ -‬عبد الرزاق السنهوري‪" ،‬الوسيط في شرح القانون املدني‪ ،‬نظرية االلتزام بوجه‬
‫عام" مصادر االلتزام‪ ،‬دار النشر الجامعات املصرية القاهرة‪.1952 ،‬‬
‫‪ -‬مأمون الكزبري‪" ،‬نظرية االلتزامات في ضوء قانون االلتزامات والعقود املغربي"‪،‬‬
‫الجزء األول مصادر االلتزام‪ ،‬مطابع دار القلم الرباط‪ ،‬الطبعة الثانية‪.1972،‬‬
‫‪ -‬ادريس العلوي العبدالوي‪" ،‬شرح القانون املدني النظرية العامة لاللتزام نظرية‬
‫العقد"‪ ،‬مطبعة النجاح الجديدة‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬سنة ‪.1996‬‬
‫‪ -‬فريدة املحمودي‪" ،‬محاضرات في النظرية العامة لاللتزامات والعقود"‪ ،‬مطبعة‬
‫ووراقة سجلماسة الزيتون‪ ،‬مكناس‪.2006-2005،‬‬
‫‪ -‬محمد الشرقاني‪" ،‬النظرية العامة لاللتزامات"‪ ،‬مطبعة الوراقة سجلماسة‬
‫الزيتون‪ ،‬مكناس‪.2013-2014 ،‬‬
‫‪ -‬عبد الرحمان الشرقاوي‪" ،‬القانون املدني‪ ،‬دراسة حديثة النظرية العامة لاللتزام في‬
‫ضوء تأثرها باملفاهيم الجديدة‪ ،‬القانون االقتصادي"‪ ،‬الجزء األول ‪.2017‬‬
‫‪ -‬حنان السعيدي‪ "،‬الوجيز في النظرية العامة لاللتزامات والعقود"‪.2018-2017 ،‬‬
‫‪ -‬عبد القادر العرعاري‪ "،‬مصادر االلتزامات‪ ،‬الكتاب األول نظرية العقد دراسة‬
‫مقارنة على ضوء التعديالت الجديدة"‪ ،‬دار األمان‪ ،‬الرابط‪.2018 ،‬‬
‫‪ -‬عبد الحق الصافي‪ "،‬الوجيز في القانون املدني"‪ ،‬الجزء األول‪ ،‬مطبعة النجاح‬
‫الجديدة‪ ،‬الطبعة األولى‪.2020 ،‬‬
‫‪ -‬عبد القادر العرعاري‪" ،‬النظرية العامة االلتزامات في القانون املدني املغربي"‪ ،‬الجزء‬
‫األول‪ ،‬مصادر االلتزام‪ ،‬الكتاب األول‪ ،‬نظرية العقد في مبادئها القانونية ومظاهرها‬
‫التطبيقية‪.‬‬

‫‪ ‬مراجع الخاصة‬
‫‪ -‬عبد الحليم القوني‪" ،‬مبدأ حسن النية وأثره في التصرفات في الفقه اإلسالمي‬
‫والقانون املدني املصري والفرنس ي دراسة مقارنة" ‪.1997‬‬

‫‪43‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫‪ -‬موالي حفيظ العلوي القادري‪ ،‬إشكالية التعاقد في التجارة االلكترونية نشر وتوزيع‬
‫الشركة املغربية لتوزيع الكتاب‪ ،‬الطبعة األولى‪ ،‬سنة ‪.2003‬‬
‫‪ -‬خالد ممدوح‪" ،‬إبرام العقد االلكتروني دراسة مقارنة"‪ ،‬دار الفكر الجامعي مصر‪،‬‬
‫سنة ‪.2008‬‬

‫‪ ‬األطروحات والرسائل‪:‬‬
‫‪ -‬محمد بن الطالب الوزاني‪" ،‬مبدأ حسن النية في املعامالت املدنية في القانون‬
‫املغربي"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في الحقوق‪ ،‬جامعة محمد الخامس أكدال‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية‪.2001-2000 ،‬‬
‫‪ -‬ابتسام جمجمي‪ ،‬مفهوم حسن النية في العقود‪ ،‬رسالة لنيل الدراسات العليا‬
‫املعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية مراكش‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2001-2000‬‬
‫‪ -‬بشير الدحوتي‪" ،‬أثر التحوالت االقتصادية على العقد"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم‬
‫الدراسات العليا املعمقة في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد االول‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية بوحدة‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2004-2003‬‬
‫‪ -‬خالد الفكاني‪" ،‬نظرية امليسرة"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم الدراسات العليا املعمقة في‬
‫القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس أكدال‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية بالرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2006-2005‬‬
‫‪ -‬نبيل الكط‪" ،‬عقد القرض االستهالكي دراسة في ضوء قانون ‪ 08.31‬يقض ي بتحديد‬
‫التدابير لحماية املستهلكين"‪ ،‬رسالة لنيل دبلوم املاستر في القانون واملقاولة‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية مكناس‪ ،‬جامعة املولى إسماعيل‪ ،‬السنة الجامعية‬
‫‪.2010-2009‬‬
‫‪ -‬بشرى النية‪" ،‬العقد االلكتروني"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون الخاص‪،‬‬
‫جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية بالرباط‪ ،‬السنة‬
‫الجامعية ‪.2011-2010‬‬

‫‪44‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫‪ -‬حسنة الرحموني‪ ،‬الشروط التعسفية في عقد القرض االستهالكي‪ ،‬أطروحة لنيل‬


‫الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة محمد الخامس‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية أكدال‪ ،‬الرباط‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2012-2011‬‬
‫‪ -‬سليمان مقداد‪" ،‬مركز االدارة في العقود"‪ ،‬أطروحة لنيل الدكتوراه في القانون‬
‫الخاص‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪،‬‬
‫السنة الجامعية ‪2017_ 2016‬‬
‫‪ -‬نادية أيوب‪ "،‬تنفيذ االلتزام بيت القواعد املوضوعية واملسطرية "‪ ،‬أطروحة لنيل‬
‫الدكتوراه في القانون الخاص‪ ،‬جامعة القاض ي عياض‪ ،‬كلية العلوم القانونية واالقتصادية‬
‫واالجتماعية مراكش السنة الجامعية ‪.2017_ 2016‬‬
‫‪ -‬يونس غالمي‪" ،‬أثر "التحوالت االقتصادية على العقد في التشريع املغربي"‪ ،‬رسالة‬
‫لنيل دبلوم املاستر في قانون املنازعات جامعة موالي إسماعيل‪ ،‬كلية العلوم القانونية‬
‫واالقتصادية واالجتماعية مكناس‪ ،‬السنة الجامعية ‪.2019 _2018‬‬
‫‪ -‬سليمة زواوي‪" ،‬مبدأ حسن النية في العقود"‪ ،‬جامعة محمد األول‪ ،‬كلية العلوم‬
‫القانونية واالقتصادية واالجتماعية وجدة‪.‬‬

‫‪ ‬المقاالت‪:‬‬
‫‪ -‬إدريس الحياني عمر أنجوم‪ "،‬إبرام العقد االلكتروني وفق القواعد العامة على‬
‫ضوء مشروع قانون التبادل اإللكتروني للبيانات القانونية"‪ ،‬املجلة املغربية لقانون األعمال‬
‫واملقاوالت‪ ،‬عدد ‪ 11‬أكتوبر سنة ‪.2006‬‬
‫‪ -‬املعزوز البكاي‪ ،‬بعض مظاهر اضطراب النظرية العامة للعقد‪ ،‬مجلة القانون‬
‫املدني‪ ،‬العدد الثالث‪ ،‬السنة ‪.2016‬‬
‫‪ -‬نوري حمد خاطر‪" ،‬وظائف حسن النية في قانون املعامالت املدنية رقم ‪ 5‬لسنة‬
‫‪ 1985‬دراسة مقارنة" مجلة كلية القانون الكويتية العاملية‪ ،‬العدد التسلسلي سنة ‪.2017‬‬
‫‪ -‬أشرف جابر‪" ،‬اإلصالح التشريعي الفرنس ي لنظرية العقد صيغة قضائية وصياغة‬
‫تشريعية ملحات في بعض املستحدثات"‪ ،‬ملحق خاص‪ ،‬العدد ‪ ،2‬سنة ‪.2017‬‬

‫‪45‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫‪ -‬عبد الكريم عزوان‪" ،‬التحوالت االقتصادية على النظريات العامة االلتزام مبادئ‬
‫مؤسسة العقد بين الثابت واملتغير في ضوء التشريع املغربي"‪ ،‬مجلة منازعات األعمال‪،‬‬
‫العدد ‪ ،27‬سنة ‪.2017‬‬
‫‪ -‬توفيق تكرومت‪" ،‬تأثير القوانين االقتصادية على قانون االلتزامات والعقود"‪ ،‬مقال‬
‫منشور بمجلة القانون وأعمال‪ ،‬طبعة ‪.2019‬‬
‫‪ -‬محمود مسعود‪" ،‬مبدأ حسن النية وتفسير العقود عن أية عالقة؟"‪ ،‬مقال منشور‬
‫بتاريخ ‪.2021 /08/19‬‬
‫‪ -‬إدريس الفاخوري‪" ،‬حماية املستهلك من مقال الشروط التعسفية"‪ ،‬مجلة‬
‫طنجيس االحكام والقرارات القضائية‪:‬‬
‫‪ -‬حكم عدد ‪ 161509‬صادر عن ابتدائية الدار البيضاء بتاريخ ‪ 1982/07/26‬منشور‬
‫بمجلة املحاكم املغربية عدد ‪ 42‬مارس‪/‬أبريل ‪.1986‬‬
‫‪ -‬حكم رقم ‪ 2522‬الصادر عن املحكمة االبتدائية بالرباط ‪ 2008/10/22‬في ملف‬
‫عدد ‪ ،2006/2227/1‬منشور بمجلة الحقوق املغربية عدد ‪ 8‬سنة ‪.2009‬‬

‫‪ ‬المواقع االلكترونية‪:‬‬
‫‪- www.maroclaw.com‬‬

‫‪46‬‬
‫المبادئ والنظريات الكبرى لقانون االلتزامات والعقود‬

‫الفهرس‪:‬‬
‫مقدمة‪1 .................................................................................................................................................................................. :‬‬
‫املبحث األول‪ :‬خلود أهم املبادئ والنظريات املؤطرة لقانون االلتزامات والعقود ‪5 ...........................................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬املبادئ الكالسيكية لقانون االلتزامات والعقود ‪5 ........................................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬مبدأ سلطان اإلرادة ‪5 ......................................................................................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم مبدأ سلطان اإلرادة ‪5 .........................................................................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬النتائج الواردة على مبدأ سلطان اإلرادة ‪8 ...................................................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬مبدأ حسن النية‪9 .........................................................................................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم مبدأ حسن النية في التشريع املغربي واملقارن ‪9 ...............................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬املظاهر القانونية ملبدأ حسن النية ‪12 ........................................................................................................................‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬أهم النظريات العامة لقانون االلتزامات والعقود ‪15 .................................................................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬نظرية االلتزام ‪15 .............................................................................................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬مفهوم نظرية االلتزام ‪15 ................................................................................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬تقسيم نظرية االلتزام ‪17 ..............................................................................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬نظرية العقد ‪19 .............................................................................................................................................‬‬
‫املبحث الثاني‪ :‬انتكاسة مبادئ قانون االلتزامات والعقود في ظل التحوالت االقتصادية ‪24 ...........................................‬‬
‫املطلب األول‪ :‬مظاهر التحوالت االقتصادية على مبادئ ونظريات قانون االلتزامات والعقود ‪24 ...................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬أثر التحوالت االقتصادية على مستوى العقد ‪24 .........................................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬تراجع مبدأ سلطان اإلرادة ‪24 .......................................................................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬ظهور اليات تعاقد وعقود جديدة ‪25 ..........................................................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬أثر التحوالت االقتصادية على تنفيذ العقد ‪27 ..........................................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬حدود مبدأ القوة امللزمة للعقد ‪27 ...............................................................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬تجليات التأثيرات االقتصادية على مبدأ نسبية أثار العقد‪29 ................................................................................. .‬‬
‫املطلب الثاني‪ :‬صور تأثر أهم مبادئ قانون اإللتزامات والعقود بالتحوالت االقتصادية ‪31 ............................................‬‬
‫الفقرة األولى‪ :‬قانون ‪31.08‬القاض ي بتحديد تدابير لحماية املستهلك ‪31 ..........................................................................‬‬
‫أوال‪ :‬التدخل القضائي للحد من الشروط التعسفية في القروض االستهالكية ‪31 ...........................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬تدخل القضاء ملواجهة االستدانة املفرطة ‪33 .............................................................................................................‬‬
‫الفقرة الثانية‪ :‬قانون رقم ‪ 53.05‬املتعلق بالتبادل االلكتروني للمعطيات االلكترونية ‪35 ..............................................‬‬
‫أوال‪ :‬العقد االلكتروني‪35 .......................................................................................................................................................‬‬
‫ثانيا‪ :‬حماية املستهلك املتعاقد بشكل إلكتروني بين القواعد العامة والقواعد الخاصة ‪38 ......................................................‬‬
‫خاتمة‪42 ................................................................................................................................................................................ :‬‬
‫الئحة املراجع‪43 ......................................................................................................................................................................... :‬‬
‫الفهرس‪47 .................................................................................................................................................................................. :‬‬

‫‪47‬‬

You might also like