Professional Documents
Culture Documents
العملة الافتراضية في القانون الجزائري
العملة الافتراضية في القانون الجزائري
الملخص:
فوضت احتكار ممارسة ّ ّ
يعود امتيّاز إصدار العملة النقديّة في كامل التراب الوطني إلى الدّولة ،التي ّ
هذا االمتيّاز لبنك الجزائر ،حيث يكون للنّقود التي يصدرها وحدها سعرا قانونيا ّ
وقوة إبرائيّة غير محدودة،
غير أنّه ظهر إلى الوجود مؤ ّخرا صنف جديد من العمالت تعرف بالعمالت االفتراضيّة ،وهي تبنى على
منطق مغاير تماما يجعلها تتجاوز ك ّل النّظم الماليّة والنّقديّة التقليديّة ،وقد عرفت انتشارا واسعا في مختلف
المشرع سنة 2018
ّ صة التي تنفرد بها ،تد ّخلأنحاء العالم وبوتيرة متسارعة جدّا ،ونظرا للطبيعة الخا ّ
بحظر كل تعامل بهذه العملة.
الكلمات المفتاحية:
العملة االفتراضيّة ،العملة النّقديّة ،السياسة النّقديّة ،العملة ّ
الرسميّة ،اإلصدار النقدي.
Abstract :
The monetary privilege of issuing money belong to the State. The exercise of this
privilege has been delegated, in Algeria, to the Bank of Algeria, the currency issued by the Bank
of Algeria has a legal price and an unlimited power; however, a new currency called “Virtual
Currency” has emerged in the financial fields, based on a totally different logic that exceeds all
conventional financial and monetary systems, given the particular nature of this currency.
Algerian lawmakers intervened in 2018 to prohibit any transaction made using this virtual
currency.
Keywords : virtual currency, Currency, Monetary policy, Official currency, Issuing
money.
*المؤلف المرسل:
مقدمة:
ّ
يرتبط مفهوم العملة بسيادة الدّولة حيث تشكل العملة الوطنيّة تجسيدا الستقالليّة سياستها ال ّنقديّة
والماليّة ،وتعدّ عمليّة إصدار النّقود ،والمحافظة على استقرار سعر العملة الوطنيّة ،من أولى المهام التي
شديدة لمختلف التأثيرات الدّاخلية والخارجيّة، تضطلع بها الدّولة ومن أكثرها أهميّة نظرا لحساسيّتها ال ّ
المشرع تنظيم العملة النّقدية بموجب األمر رقم
ّ وانعكاساتها المباشرة على النّظام االقتصادي فيها .لقد تولّى
379
ط/د فريدة حداد ،د/عبد الحق قريمس
111-03المتعلّق بال ّنقد والقرض ،الذي صدر تطبيقا للمادة 215/122من الدّستور ،3ومنح من خالله امتياز
وفوض ممارسة هذا االمتياز لبنك الجزائر على سبيل إصدار العملة النّقدية للدّولة عبر التّراب الوطنيّ ،
الرسمي ،واعترف لها بسعر قانوني ّ
االحتكار ،ليضفي بذلك على النّقود التي يصدرها -وحدها -الطابع ّ
فإن أيّة عملة تصدر عن غير بنك قوة إبرائيّة غير محدودة؛ وبمفهوم المخالفة لما سبق ذكرهّ ، ومنحها ّ
بقوة إبرائيّة تذكر.الجزائر تعتبر عملة غير قانونيّة ،وال يعترف لها بأي سعر قانوني وال يمكن أن تحظى ّ
في مقابل الدور المعترف به للعمالت الرسمية ،عرف العالم منذ فترة ظهور ما يسمى بـ "العملة
االفتراضية" التي انتشر التعامل بها بشكل واضح عبر أرجاء العالم ،بفضل مميّزاتها التي جعلتها تحقّق
للتطورات
ّ نجاحا مذهال ببلوغ قيمتها مستويات قيّاسيّة ،وقد جاء ظهور العملة االفتراضيّة كنتيجة حتميّة
التي طالت النّظام النّقدي العالمي ،والتي استطاعت أن تثبت وجودها فيه ،متجاوزة في ذلك لك ّل النّظم الماليّة
والنّقديّة التّقليديّة في العالم ،وهو ما يعطي للبحث في هذا الموضوع جانبا من أهميته.
المشرع بمقتضى قانون الماليّة لسنة ّ غير ّ
أن واقع هذه العملة يبدو مختلفا في التشريع الوطني ،إذ منع
مجرد حيازتها ،وهو قد أضفى عليها -في معرض إقراره لهذا المنع -وصف ّ ،42018التّعامل بها أو
الرسميّة ،مما يستدعي "العملة" ،ويكون بذلك قد اعترف -ولو ضمنيّا -بحقيقة وجودها إلى جانب العملة ّ
المشرع لمنعها؟
ّ التساؤل عن طبيعة هذه العملة والخطورة التي تمثلها حتّى تستدعي تد ّخل
تتم محاولة اإلجابة عن هذا التّساؤل باعتماد المنهج الوصفي بمناسبة اإلحاطة بالجانب المفاهيمي
للموضوع ،إلى جانب المنهج التّحليلي ،من خالل النظر في الطبيعة الخاصة للعملة االفتراضية في مبحث
ّأول ،ليتم في المبحث الثاني عرض موقف المشرع الجزائري إزاء هذا النوع من العمالت.
- 1أمر رقم 11-03 :مؤرخ في 27جمادى الثانية عام 1424هـ الموافق 26غشت سنة 2003م ،يتعلّق بالنّقد والقرض ،ج
ر عدد 52الصادر في 28جمادى الثانية عام 1424هـ الموافق 27غشت سنة 2003م ،المعدّل والمت ّمم.
مؤرخ في 26جمادى األولى عام 1437هـ الموافق 06مارس سنة - 2حاليا المادة /140فقرة 14من القانون رقمّ 01-16 :
2016م ،يتض ّمن التّعديل الدّستوري ،ج ر عدد 14الصادر يوم االثنين 27جمادى األولى عام 1437هـ الموافق 07مارس
سنة 2016م.
مؤرخ في 26رجب عام 1417هـ الموافق 07ديسمبر سنة 1996م ،يتعلّق بإصدار نص ّ 438 - 96 رقم: رئاسي - 3مرسوم
تعديل الدّستور ،المصادق عليه في استفتاء 28نوفمبر سنة 1996م ،ج ر عدد 76الصادر يوم األحد 27رجب عام 1417هـ
الموافق 08ديسمبر سنة 1996م.
- 4قانون رقم 11 - 17 :مؤرخ في 08ربيع الثاني عام 1439هـ الموافق 27ديسمبر سنة 2017م يتضمن قانون المالية
لسنة ،2018ج ر عدد 76الصادر في 28ديسمبر سنة 2017م.
- 5الطاهر لطرش ،تقنيات البنوك ،دراسة في طرق استخدام النقود من طرف البنوك مع إشارة إلى التجربة الجزائرية،
الطبعة السابعة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر ،2010 ،ص .39
- 6علي سنوسي ،محاضرات في النّقود والسيّاسة النّقدية ،كليّة العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،قسم العلوم
االقتصادية ،جامعة محمد بوضياف –المسيلة ،2015-2014 ،ص .29
380
العملة االفتراضية في القانون الجزائري
- 1أحمد محمد عصام الدين" ،ماذا تعرف عن عملة البتكوين ،"Bitcoinمجلة المصرفي ،إدارة البحوث والتنمية ،العدد
،73سبتمبر ،2014ص ص ،53-50ص .51
- 2حسن محمد مصطفى" ،دور عملة «البيتكوين» في تمويل الجماعات والتنظيمات االرهابية" ،صحيفة حفريّات ،مركز
دال لألبحاث واالنتاج اإلعالمي ،مصر ،2017 ،أطلع عليه بتاريخ 2018/03/22على الساعة ،17:13على الرابط
،http://bit.ly/38ttduDص .06
- 3نور الدين صويلحي" ،أثر البتكوين Bitcoinوالعمالت االفتراضية على استقرار النظام النقدي العالمي" ،مجلة آفاق
علمية ،المركز الجامعي لتمنراست ،الجزائر ،المجلد ،10 :عدد ،02سنة ،2018ص ص ،238-219ص ص -223
.225
- 4محمد حسن" ،البيتكوين ودورها في تمويل الحركات اإلرهابية" ،مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية،
أوت ، 2017أطلع عليه بتاريخ 2018/03/22على الساعة ،17:43على الرابط:
، http://www.kfcris.com/pdf/98958dfe413d878f2567008efa9fb1d1598996789c9d1.pdfص .03
- 5نور الدين صويلحي ،المرجع السابق ،ص .227
- 6حسن محمد مصطفى ،المرجع السابق ،ص .14
381
ط/د فريدة حداد ،د/عبد الحق قريمس
من أنواع النّقد وعملة يمكن اخضاعها للتنظيم الحكومي ،لكن دون اعتراف الواليات المتحدة األمريكية بها
صراف آلي ATMلعملة البتكوين في العالم الذي وضعته شركة بشكل رسمي ،1واحتضنت كندا أول جهاز ّ
مقرها مدينة الس فيجاس ،2كما اتخذت عملة البتكوين ( )BTCسبيال لالنتشار في الدول روبوكوين التي ّ
سلع والخدمات التي يمكن اقتناؤها مقابل البتكوين ،بدءا بأحد المقاهي في العربية ،حيث اتسعت فيها قائمة ال ّ
العاصمة األردنية عمان الذي يقبل البتكوين كوسيلة دفع في معامالته إلى جانب العمالت الرسمية ،ثم
3
مطعم "ذي بيتزا جايز" في دبي ،4ثم شركة أنظمة معلومات في فلسطين وسوق السفير في الكويت.5
تقف المزايا المغرية للعملة االفتراضيّة وراء انتشارها في التعامل في فضاء زمني قصير نسبيا،
تعزز ديناميكيّة المعامالت الماليّة ،لتكون بذلك وسيلة استثمار مربحة تضمن باعتبارها عملة المركزيّة ّ
خصوصيّة المتعاملين فيها.
أوال -المركز ّية العملة االفتراض ّية:
الالمركزيّة ،فهي عملة غير نظاميّة ال تقف خلفها أيّة العملة االفتراضيّة نظام دفع مبني على فكرة ّ
ي فرد أو أيّة جهة جهة تنظيميّة مركزيّة ،وهو ما يجعل منها نظام دفع عالمي يمكن التّعامل من خالله مع أ ّ
ي مكان في العالم وبأيّة قيمة ،6وتعتمد هذه العملة في تعامالتها في العالم ،كما يسمح بتحويل األموال إلى أ ّ
على تقنيّة النّد للنّد ،Peer-to-Peerالتّي تسمح بإنجاز المعاملة بين طرفيها مباشرة ،دون الحاجة إلى تد ّخل
الرقميّة المنجزة ولضمان ص ّحة عمليّات التّحويل ،تس ّجل جميع التّعامالت طرف وسيط ،ولحفظ المعامالت ّ
شبكة في دفتر رقمي تشاركي المركزي يس ّمى البلوكشين ،Block Chainالذّي التّي تت ّم على مستوى ال ّ
يغني عن وجود سلطة مركزيّة تتح ّكم في سير المعامالت الماليّة .
7
382
العملة االفتراضية في القانون الجزائري
383
ط/د فريدة حداد ،د/عبد الحق قريمس
ي ،أو الفائض في ميزان المدفوعات1؛ ويخضع حجم اإلصدار ال ّنقدي للنّظرة التّقديريّة في االنفاق العموم ّ
سائد ،مع األخذ بعين االعتبار كل العناصر التي من لبنك الجزائر حول الوضع العام االقتصادي والنّقدي ال ّ
شأنها التّأثير على وضع ال ّسيولة العا ّمة.2
ي نشاط الرسميّة ،ال يرتبط إنشاؤها بأ ّ يخص العملة االفتراضيّة فهي على عكس العملة ّ ّ أما فيما
ي شكل كان ،بل يت ّم ذلك بواسطة شبكة مفتوحة اقتصادي ،وال يمكن أن يخضع ذلك لسلطة بنك الجزائر بأ ّ
سلطة العا ّمة ،المشاركة في عمليّة خلق هذه العملة عن المصدر ،حيث يمكن للعا ّمة وبعيدا عن اشراف ال ّ
طريق ما يعرف بنشاط التّعدين ،كما يمكن الحصول عليها إ ّما عن طريق قبولها في تسوية عمليّات البيع
صصة في بيع هذه العملة صات المتخ ّ سلع والخدمات المختلفة ،أو شرائها مباشرة على مستوى المن ّ شراء لل ّوال ّ
الرسميّة المختلفة ،ويتم ك ّل ذلك باستخدام تكنولوجيا "النّد للنّد" ،أي على شبكة األنترنيت مقابل العمالت ّ
دون المرور عبر بنك أو أي وسيط آخر لالشراف على مختلف العمليّات المذكورة .
3
إن ظهور هذه العملة وانتشارها داخل الدّولة يش ّكل مساسا بسيادتها ،وهي تهدد في الوقت نفسه ّ
استقرارها ال ّنقدي ،بسبب خروج الكتلة النّقدية المعروضة للتّداول عن سيطرة وتح ّكم ال ّسلطة النّقديّة .
4
- 1سليمان ناصر ،عالقة البنوك اإلسالمية بالبنوك المركزية ،بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه في العلوم االقتصادية ،كلية
العلوم االقتصادية وعلوم التسيير ،قسم علوم التسيير ،2005/2004 ،ص ص .57-56
- 2الطاهر لطرش ،المرجع السابق ،ص .212
3- Estelle Hemdane, Alain Beitone, "Le bitcoin (BTC) est-il de la monnaie ?" Janvier 2018, consulté le
06/12/2018 à 10:45, http://bit.ly/39xYTQM.
- 4أحمد محمد عصام الدين ،المرجع السابق ،ص .53
- 5أنور محمد أيمن السباعي ،الضوابط االقتصاديّة لإلصدار النّقدي بين النّظام اإلسالمي والنّظام ّ
الرأسمالي ،دراسة مقارنة،
بحث مقدّم لنيل درجة التخصص األولى (الماجستير) في االقتصاد ،جامعة القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية ،كلية الدراسات
العليا ،دائرة االقتصاد وال علوم االجتماعية ،قسم االقتصاد ،جمهورية السودان ،2014 ،ص .34
- 6المادة 38من األمر رقم ،11-03 :يتعلّق بالنّقد والقرض ،المعد ّل والمت ّمم.
- 7الطاهر لطرش ،المرجع السابق ،ص ص .40-39
8- Jean- Marc Figuet, "Le bitcoin: Une monnaie?" Université de Bordeaux, 16 Septembre 2015, consulté le
23/12/2018 à 18:33, http://bit.ly/2TxnKi7, p.12.
384
العملة االفتراضية في القانون الجزائري
بها ،غير أن عدم اعتراف الدولة بها ال يمنع رعاياها من التعامل بها ،نظرا للخصائص التي تنفرد بها هذه
العملة ،وهو ما أدى بالبعض اآلخر إلى منعها صراحة في تشريعاتها الداخلية ،مع رصد عقوبات يتم تطبيقها
في حق المخالفين ،مع أن هذا أيضا ال يضمن منعهم من تداولها ،باعتبار أن بلوغ هذا الهدف يتوقف على
صرامة السياسة التشريعية المعتمدة ومدى مالءمتها للطبيعة التقنية الخاصة المميزة لهذه العملة ،وقد اعتمد
برر
المشرع الجزائري هذا الموقف صراحة (مطلب أول) ،متأثرا في ذلك بتداعيات العامل الثاني ،حيث ت ّ
المخاطر المحيطة بهذه العملة تدخل المشرع لمنع انتشارها(مطلب ثاني).
-1عبد هللا ناصر عبيد نصيري الزعابي ،التنظيم القانوني للعمالت الرقمية المستحدثة في التشريع االماراتي والمقارن
(دراسة تحليلية مقارنة) ،أطروحة مقدمة الستكمال متطلبات الحصول على درجة ماجستير في القانون الخاص ،قسم القانون
الخاص ،كلية القانون ،جامعة االمارات العربية المتحدة ،2018 ،ص .31
- 2المرجع نفسه.
- 3المادة 117من القانون رقم 11-17 :مؤرخ في 08ربيع الثاني عام 1439هـ الموافق 27ديسمبر سنة 2017م يتضمن
قانون المالية لسنة ،2018ج ر عدد 76الصادر في 28ديسمبر سنة 2017م.
385
ط/د فريدة حداد ،د/عبد الحق قريمس
والتنظيمات المعمول بها" في ظل غياب أي تأطير قانوني أو تنظيمي سابق لموضوع العملة االفتراضيّة أو
العقاب على التعامل بها ،هذا من جهة.
فإن خاصيّة سرية التعامل بالعملة االفتراضية وخضوعها إلجراء التّشفير تقف كعائق من جهة أخرىّ ،
عملي أمام إمكانية تعقّب وكشف المعامالت التي تت ّم بواسطة هذه العملة ،باعتبارها تت ّم في وسط يع ّم فيه ّ
جو
من السريّة والمجهوليّة.
بناء على ماسبق ذكره ،يبدو الحكم القاضي بتجريم التعامل بالعملة االفتراضية والعقاب عليه عديم
الجدوى من الناحية العملية ،أمام العوائق التي تعرقل إمكانية وضعه قيد التطبيق.
- - 1ميراندا زغلول رزق ،النقود والبنوك ،جامعة بنها -التعليم المفتوح ،كلية التجارة ،مصر ،2009-2008،ص .38
2- Jean- Marc Figuet, op.cit, p. 05.
-3نذير عبد الرزاق ،حجاب عيسى" ،وظائف النقود في الفكر االقتصادي االسالمي واالقتصاد الوضعي :دراسة مقارنة"،
جامعة محمد بوضياف-مسيلة ،2017 ،أطلع عليه بتاريخ 2018/03/17على الساعة ،11:48على الرابط:
، http://bit.ly/32WnkVmص .06
- 4ميراندا زغلول رزق ،المرجع السابق ،ص .42
- 5أمينة بن عيسى ،المرجع السابق ،ص .04
386
العملة االفتراضية في القانون الجزائري
صة -تضمن قيمتها االسميّة ،1إذ غالبا ما يلجأ المتعاملون بها إلى تكون هناك أيّة هيئة -سواء عموميةّ أو خا ّ
الرسميّة األخرى بغرض الحفاظ على قيمتها. تحويلها إلى العمالت ّ
-3تخلّف وظيفة "وحدة القياس" في العملة االفتراضية:
سلعة أو الخدمة سلع والخدمات ،إذ يت ّم من خاللها تحديد سعر ال ّ تستخدم النّقود كأداة تقاس بها قيم ال ّ
سلعبعدد من الوحدات النّقديّة المتعامل بها ،وهذا من شأنه أن يس ّهل عملية قياس القيمة التبادليّة لمختلف ال ّ
سلع كبيرة الحجم التي تتعذّر صة في حالة ال ّ سوق ،خا ّ والخدمات ،ونسبة قيمة كل واحدة منها إلى غيرها في ال ّ
ّ ّ ّ
تجزئتها إلى وحدات صغيرة دون فقدان قيمتها ،وأداء النقود لهذه الوظيفة يقتضي الثبات النسبي لقيمتها ،إذ
قوتها وإحداث فوضى في القياسات ،2أل ّن أساس من شأن تقلب وعدم ثبات قيمتها أن يؤدّي إلى فقدان ّ
استعمالها كمقياس مشترك للقيم هو ثباتها -ولو نسبيّا -في قيمتها ،وبالنسبة للعملة االفتراضيّة ال يمكن أن
أن قابلية هذه العملة للقسمة إلى وحدات حسابيّة جزئية ألن سعرها متق ّلب للغاية ،كما ّ تعمل كوحدة للقياس ّ
ليست بال ّشكل الذي يحقّق المرونة الكافية لتكون كوحدة للقياس .
3
الفرع الثاني :االشتباه في ارتباط العملة االفتراض ّية باألنشطة اإلجرام ّية
إن نظام مجهوليّة المعامالت االلكترونيّة الذي تبنى عليه العملة االفتراضيّة يسمح بضمان عدم الكشف ّ
هوية المتعاملين بها ،فهي تس ّهل بذلك تسوية مختلف المعامالت غير ال ّشرعيّة كتجارة المخدّرات
6
عن ّ
الرسمية كاليورو والدوالر...يجعل منها أن قابليّة هذه العملة للتّحويل إلى العمالت األخرى ّ واألسلحة...كما ّ
7
والمتطرفة ،وكذا استعمالها إلنجاز عمليّات تبييض األموال وتهريب ّ أداة مثاليّة لتمويل الجماعات االرهابيّة
رؤوس األموال إلى الخارج.
الالمركزيّة التي تتسم بها هذه العملة ،وغياب أيّة جهة مسؤولة تشرف عليها ،يص ّعب ّ أن ميزة ّكما ّ
على الجهاز الحكومي المكلّف بتحصيل الضّرائب القيام بفرض ضرائب على الصفقات التي تت ّم بها نتيجة
لسريتها ومجهوليتها.8
بناء على ما تقدّم ،يبرز حجم الخطورة الذي تش ّكله العملة االفتراضية كونها أداة في يد أولئك الذين
يضمنون بواسطتها تسوية المعامالت غير القانونية ،وكذا الذين يستخدمونها هربا من الضرائب والضوابط
المفروضة على تحركات رؤوس األموال من وإلى الخارج.9
387
ط/د فريدة حداد ،د/عبد الحق قريمس
خاتمة:
سمحت الميزات الخاصة والمزايا المغرية للعملة االفتراضية بإثبات وجودها في الواقع ،فنظام
الالمركزي الذي منحها قابلية لالنتشار والتو ّسع في مختلف أنحاء العالم بوتيرة متسارعة جدّا، إصدارها ّ
سلطة العامة ،بما فيها غير وتحقيقها لمطلب الخصوصيّة والسريّة في تنفيذ العمليات بعيدا عن رقابة ال ّ
شديدة لها ّ
ي منها ،إلى جانب المضاربة في أسعارها واستغالل فوارق القيمة الناجمة عن التقلبات ال ّ الشرع ّ
غير المرتبطة بأيّة محددات اقتصاديّة ،بل بقانون العرض والطلب ،كانت عوامل واقعية فرضت وجودها
الرسميّة ،رغم عدم استيفائها للشروط المقررة لهذه كأداة للتعامل ووسيلة للتسوية إلى جانب العمالت ّ
األخيرة ،الفتقارها لضّوابط إصدار العملة النّقديّة ،رغم أنها تقوم -ولو جزئيا -ببعض وظائف النّقود.
المشرع بموجب المادة 117من قانون المالية ّ صة للعملة االفتراضيّة تد ّخل
لقد استدعت الطبيعة الخا ّ
لسنة 2018لمنع كل شكل من أشكال التعامل بها ،وهو األمر الذي تبرره المخاطر الكبيرة التي ينطوي عليها
التعامل بهذه العملة.
وبالنظر إلى المعالم األولية لهذا الموضوع ،الذي تم تناوله بطريقة عرضيّة ضمن قانون المالية،
بموجب مادة وحيدة ،لم تسمح بإبراز وترجمة اإلرادة التشريعية المتكاملة لتأطير ومواجهة هذه الظاهرة .إن
التأطير المتكامل ألية ظاهرة إجرامية يقتضي أوال تحديد السلوك اإلجرامي المستغرق للركن المادي
صر المشرع في بيانه ،وهو ما من شأنه أن يثير للجريمة ،والقصد الجنائي المتطلب لذلك ،األمر الذي ق ّ
العديد من الصعوبات بالنظر إلى خصوصية الوسط الذي تستعمل فيه هذه العملة واآلليات المعتمدة في
تداولها والوفاء بها ،يأتي بعدها القصور المالحظ في تحديد التدابير العقابية والردعية المناسبة ،إذ اكتفى
تعرف على مضمون المشرع باإلحالة بشأنها إلى "النّصوص المعمول بها" ،دون تفصيل آخر يسمح بال ّ
العقوبات الواجب توقيعها بحق المخالفين ،وكلتا المالحظتين تستدعي القول بعدم وضوح الرؤية بخصوص
السياسة التشريعية المناسبة إزاء هذه المعامالت اآلخذة في االنتشار.
وبعيدا عن منطق التجريم والعقاب الذي ميز أول تدخل تشريعي لتأطير التعامل بالعملة االفتراضية،
فإن هذه الوسيلة في التعامل نجحت في االنتشار واكتساح منصات التداول والتسوية العالمية ،بفضل ثورة
المعلوماتية ،إلى الحد الذي فرض تدخل العديد من الدول للسماح بها وتنظيمها بشكل يضمن تحقيق المصالح
المالية واالقتصادية للدولة.
قائمة المصادر والمراجع:
أوال /قائمةالمصادر:
أ-الدستور
مؤرخ في 26رجب عام 1417هـ الموافق 07ديسمبر سنة 1996م ،يتعلّق بإصدار نص ّ 438 - 96 رقم: رئاسي -1مرسوم
تعديل الدّستور ،المصادق عليه في استفتاء 28نوفمبر سنة 1996م ،ج ر عدد 76الصادر يوم األحد 27رجب عام 1417هـ
مؤرخ في 26جمادى األولى عام 1437هـ الموافق الموافق 08ديسمبر سنة 1996م ،المعدّل والمت ّمم بالقانون رقمّ 01-16 :
06مارس سنة 2016م ،يتض ّمن التّعديل الدّستوري ،ج ر عدد 14الصادر يوم االثنين 27جمادى األولى عام 1437هـ
الموافق 07مارس سنة 2016م.
ب-النصوص القانونية:
-1أمر رقم 11-03 :مؤرخ في 27جمادى الثانية عام 1424هـ الموافق 26غشت سنة 2003م ،يتعلّق بالنّقد والقرض ،ج
ر عدد 52الصادر في 28جمادى الثانية عام 1424هـ الموافق 27غشت سنة 2003م ،المعدّل والمت ّمم ،باألمر رقم-10 :
ؤرخ في 16رمضان عام 1431الموافق 26غشت سنة ،2010ج ر عدد 50الصادر في 22رمضان عام 1431 04م ّ
الموافق 01سبتمبر سنة .2010
-2قانون رقم 11 - 17 :مؤرخ في 08ربيع الثاني عام 1439هـ الموافق 27ديسمبر سنة 2017م يتضمن قانون المالية لسنة
،2018ج ر عدد 76الصادر في 28ديسمبر سنة 2017م.
ثانيا /قائمة المراجع:
-المراجع باللغة العربية:
أ-الكتب:
-1الطاهر لطرش ،تقنيات البنوك :دراسة في طرق استخدام النقود من طرف البنوك مع إشارة إلى التجربة الجزائرية ،الطبعة
السابعة ،ديوان المطبوعات الجامعية ،الجزائر.2010 ،
-2ميراندا زغلول رزق ،النقود والبنوك ،جامعة بنها -التعليم المفتوح ،كلية التجارة ،مصر.2009-2008 ،
ب-الرسائل الجامعية:
388
العملة االفتراضية في القانون الجزائري
-1أمينة بن عيسى ،العالقة بين النقود واألسعار :دراسة قياسية في الجزائر -تونس -المغرب ،رسالة مقدمة ضمن متطلبات
نيل شهادة الدكتوراه في العلوم االقتصادية ،تخصص :نقود ،بنوك ومالية ،كلية العلوم االقتصادية والتسيير والعلوم التجارية،
جامعة تلمسان ،الجزائر.2015 -2014 ،
-2زاينة آيت وازو ،مسؤولية البنك المركزي في مواجهة األخطار المصرفية في ظل القانون الجزائري ،رسالة لنيل شهادة
الدكتوراه في العلوم ،التخصص :القانون ،كلية الحقوق والعلوم السياسية ،جامعة مولود معمري تيزي وزو.2012/09/25 ،
-3سليمان ناصر ،عالقة البنوك اإلسالمية بالبنوك المركزية ،بحث مقدم لنيل درجة الدكتوراه في العلوم االقتصادية ،كلية
العلوم االقتصادية وعلوم التسيير ،قسم علوم التسيير.2005/2004 ،
الرأسمالي ،دراسة مقارنة، -4أنور محمد أيمن السباعي ،الضوابط االقتصاديّة لإلصدار النّقدي بين النظام اإلسالمي والنظام ّ
ّ ّ
بحث مقدّم لنيل درجة التخصص األولى (الماجستير) في االقتصاد ،جامعة القرآن الكريم والعلوم اإلسالمية ،كلية الدراسات
العليا ،دائرة االقتصاد والعلوم االجتماعية ،قسم االقتصاد ،جمهورية السودان.2014 ،
-5عبد هللا ناصر عبيد نصيري الزعابي ،التنظيم القانوني للعمالت الرقمية المستحدثة في التشريع االماراتي والمقارن
(دراسة تحليلية مقارنة) ،أطروحة مقدمة الستكمال متطلبات الحصول على درجة ماجستير في القانون الخاص ،قسم القانون
الخاص ،كلية القانون ،جامعة االمارات العربية المتحدة.2018 ،
ج-المقاالت في المجالت:
-1أحمد محمد عصام الدين" ،ماذا تعرف عن عملة البتكوين ،"Bitcoinمجلة المصرفي ،إدارة البحوث والتنمية ،العدد
،73سبتمبر ،2014ص ص .53-50
-2نور الدين صويلحي" ،أثر البتكوين Bitcoinوالعمالت االفتراضية على استقرار النظام النقدي العالمي" ،مجلة آفاق
علمية ،المركز الجامعي لتمنراست ،الجزائر ،المجلد ،10 :عدد ،02سنة ،2018ص ص .238-219
-3عبد هللا بن سليمان بن عبد العزيز الباحوث" ،النقود االفتراضية :مفهومها وأنواعها وآثارها االقتصادية" ،المجلة العلمية
لالقتصاد والتجارة ،كلية التجارة ،جامعة عين شمس ،القاهرة-مصر ،العدد ،01يناير ،2017ص ص .60-01
د-المقاالت على مواقع االنترنت:
-1حمد زيدان " ،أسباب تدفعك لشراء بتكوين وأخرى تحذرك من االتجار بها" 04 ،يناير ،2018أطلع عليه بتاريخ 13
جوان 2019على الساعة ،21:07على الرابط. http://bit.ly/38xIbQ0 :
-2حسن محمد مصطفى" ،دور عملة «البيتكوين» في تمويل الجماعات والتنظيمات االرهابية" ،صحيفة حفريّات ،مركز
دال لألبحاث واالنتاج اإلعالمي ،مصر ،2017 ،أطلع عليه بتاريخ 2018/03/22على الساعة ،17:13على الرابط:
.http://bit.ly/38ttduD
-3يوغرطة بن علي" : Bitcoin" ،شرح مفصل خال من التعقيد للجوانب التقنية لعملة بيتكوين" ،المجلة التقنية،
،2014/02/15أطلع عليه بتاريخ 13جوان 2019على الساعة ،20:46على الرابط. http://bit.ly/2PU6Jfz :
-4محمد حسن" ،البيتكوين ودورها في تمويل الحركات اإلرهابية" ،مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات اإلسالمية،
أوت ، 2017أطلع عليه بتاريخ 2018/03/22على الساعة ،17:43على الرابط:
http://www.kfcris.com/pdf/98958dfe413d878f2567008efa9fb1d1598996789c9d1.pdf
-5نذير عبد الرزاق ،حجاب عيسى" ،وظائف النقود في الفكر االقتصادي االسالمي واالقتصاد الوضعي :دراسة مقارنة"،
جامعة محمد بوضياف-مسيلة ،2017 ،أطلع عليه بتاريخ 2018/03/17على الساعة ،11:48على الرابط:
.http://bit.ly/32WnkVm
-5سعد لطفي" ،البيتكوين ..فقاعة اقتصادية أم ثورة رقمية" ،النشرة الدورية :للعلم 23 ،Scientific Americanيناير
،2018أطلع عليه بتاريخ 13جوان 2019على الساعة ،16:53على الرابط.http://bit.ly/39zvvtm :
ه -محاضرات غير مطبوعة:
-1علي سنوسي ،محاضرات في النّقود والسيّاسة النّقدية ،كليّة العلوم االقتصادية والتجارية وعلوم التسيير ،قسم العلوم
الرابط: على منشورة ،2015-2014 –المسيلة، بوضياف محمد جامعة االقتصادية،
https://economicrg.blogspot.com/2017/07/snouci-ali2.html
1- Alain Beitone, Nicolas Danglade, "Les monnaies locales entre repli communautaire et libéralisme
économique", 19 septembre 2017, consulté le : 03/12/2018-10:51, http://bit.ly/2PUo3RA.
2- Estelle Hemdane, Alain Beitone, "Le bitcoin (BTC) est-il de la monnaie ?" Janvier 2018, consulté le :
06/12/2018 -10 :45, http://bit.ly/39xYTQM.
3- Jean- Marc Figuet, "Le bitcoin: Une monnaie?" Université de Bordeaux, 16 Septembre 2015, consulté le :
23/12/2018 -18 :33, http://bit.ly/2TxnKi7 .
389
ط/د فريدة حداد ،د/عبد الحق قريمس
390