Professional Documents
Culture Documents
Se 2017-n68 118-126
Se 2017-n68 118-126
ديداكتيك اجلغرافيا:
من ديداكتيك املادة �إىل ديداكتيك وظيفية
تظل ديداكتيك الجغرافيا من املفاهيم التي تطور نفسها تبعا للتطور املعريف من جهة
والخالف بني الديداكتيكيني من جهة ثانية .إذ « تعكس تحوالت وتضارب الرؤى بني املدارس
الجغرافية الجامعية؛ من خالل تفضيل الديداكتيكيون لهذا املدخل أو ذاك .لكن يف املجمل
:
يرتبطون بأهداف موحدة ،كاشتغالهم عىل مواضيع منهجية
�أوال :يف ماهية الديداكتيك:
قبل الحديث عن مفهوم ديداكتيك الجغرافيا ،يكون ِمن األفضل التط ُّرق إىل مصطلح
الديداكتيك:
�أ -املعنى اللغوي:
)assisté par ordinateurوفوائدهام الرتبوية بصفة عامة فإننا نعمل داخل املجال املعروف
بالديداكتيكا العامة.
كام تعني الديداكتيك العامة الدراسة العلمية ،لكن ليس عىل مستوى األهداف بل عىل
مستوى األغراض .فالديداكتيك العامة تحاول أن تجيب يف دراستها عىل األسئلة التالية:
ملاذا تدريس هذه املادة وما هو وضعها بني املواد األخرى؟ -
ماهو مضمونها؟ -
ملن هي موجهة؟ (خاصة املتعلمني) -
كيف ميكن تدريسها؟ (الطرائق والتقنيات) -
ما هي النتائج املحصل عليها؟ (التقويم) -
والرسم التايل يلخص مضمون الديداكتيك العامة:
النتائج التقويم
121 مجلة علوم الرتبية
-الديداكتيك الخاصة ( :)Didactique spécifiqueفينحرص مجالها داخل كل مادة
من مواد التدريس أو التكوين .ففي مجال االجتامعيات مثال؛ تهتم بتدريس وتعلم التاريخ
والجغرافيا والرتبية عىل املواطنة .يف الجغرافيا تهتم الديداكتيكا الخاصة بتقنيات رسم وتحليل
الخرائط وتفسري توزيع املعطيات االقتصادية يف املجال الجغرايف وتأويلها ،كام أنها تهتم بتحليل
النصوص الجغرافية ومعالجة الصور والجداول اإلحصائية...أما التاريخ؛ وإن كان يشرتك مع
الجغرافيا يف توظيف الخريطة إال أن معالجتها يتم زمنيا عىل ضوء األحداث التاريخية مع
معالجة الوثائق التاريخية مبختلف أنواعها للتعريف بالحدث التاريخي وتفسريه ..يف حني أن
الرتبية عىل املواطنة تركز عىل إكساب املتعلم مجموعة من املفاهيم املرتبطة بقيم املواطنة
وكيفية متثلها سلوكا ومامرسة يف إطار ما يسمى بدورة التعلم.
ج -ديداكتيك اجلغرافيا ..وتنوع الر�ؤى والت�صورات:
ونظ ًرا لتنوع تعاريف الديداكتيك ،و نظ ًرا أيضا لحداثة املفهوم ،فقد أدى ذلك إىل تبا ُين
أهم التعريفات يف هذا املضامر:
التعاريف املرتبطة بديداكتيك الجغرافيا؛ و ِمن ِّ
تعريف «بونوا روبري» ()Benoît Robertيقول« :رمبا ليس ِمن السهل حال ًّيا تحقيق إجامع
تعريف لديداكتيك الجغرافيا ،وليس ذلك رضور ًّيا إطال ًقا؛ ألنه يف نظرنا ما زلنا يف بداية
ٍ حول
تفكري أبستمولوجي يخص ك ًّال ِمن الديداكتيك العامة والديداكتيكات الخاصة ؛ مام يعني وجود
-ضمنًامساحة لوجهات نظر مختلفة و مهتمة باملشاكل املرتبطة بنرش املعرفة الجغرافية ،تطرح ِ
كل ديداكتيك (خاصة) يمُ كن أن رصيحا) كل إشكالية ديداكتيك الجغرافية ،بالنسبة للبعض ُّأو َت ً
اآلخر (اﻷنغلو – ساكسون) تصبح ديداكتيك ُتعرف كبيداغوجية مادة تدريس ،وبالنسبة للبعض َ
همهمالجغرافية مراد ًفا لط ُرق تدريس الجغرافية ـ ()GeographyTeachingMethods؛ وما ُي ُّ
الجانب العميل للفعل التعليمي».
ُ أك َرث هو
و بالنسبة لط ُرق أو تقنيات التدريس ( ) TeachingMethodsتشكل مجاالً ،ومجاالً مهماًّ
ِمن ديداكتيك الجغرافيا».1
تعريف «ديبالنك»( )Desplanques Pيقصد بها طريقة ومنهجية التحليل باالنتقال ِمن
املعرفة الجامعية وا ُملجتمع َّية إىل املعرفة املدرسية(النقل الديداكتييك) ،وهذه الطريقة ترتبط
1 - Benoît Robert: Pour une nouvelle conception de la didactique de la géographie, Cahiers
de géographie du Québec, vol. 14, n° 31, 1970, p. 95-99.
مجلة علوم الرتبية 122
-بنفس املنطق -بالعنارص الناتجة عن التجارب البيداغوجية واملفاهيم والط ُرق واملعارف
املؤسسة للجغرافيا.
ِّ
تهتم يف تط ُّورها بواقع الفصل
فالديداكتيك :سريورة /سلسلة ِمن العمليات الفكرية التي ُّ
الدرايس وا ُملتعلمني ،وذلك يف ضوء املعرفة الجغرافية األكرث متان ًة وصالب ًة ،والعمل الديداكتييك
يتط َّلب باستمرار عدم إغفال مجالَني يف التحليل ،هام:
التفكري يف املعرفة الجغرافية؛ من حيث التساؤل حول رشعيتها ال ِعلمية ،وحول ميدان
تطبيقها ،أو حول إعادة بناء املعرفة الجغرافية ِمن أجل التالميذ(النقل الديداكتييك) ،ويهدف
ذلك إىل:
•تحديد العنارص األساسية التي تكون أساس املعرفة الجغرافية.
•تحديد املعارف واملفاهيم التي يجب تدريسها ،وذلك حسب قدرة التالميذ عىل تعلمها
واكتسابها.
•تحديد وتقييم العوائق ال ِفكرية التي يجب ِّ
تخطيها أثناء اكتساب املعرفة الجغرافية ِمن
طرف التالميذ.
•التح ُّقق ِمن الط ُرق املتَّبعة يف التقويم.
• ربط العالقات مع باقي املواد الدراسية يف مستوى معينَّ .
ويف هذا االتجاهَ ،ينبغي توخي الحذر بخصوص الخلط الذي يقع بني البيداغوجيا والديداكتيك؛
فالبيداغوجيا مت ِّثل مجموعة ِمن املامرسات واألنشطة والتقنيات املرتبطة بالعملية التعليمية -
بتعدد مجاالت املعرفة..2
التعلمية داخل الفصل الدرايس ،يف حني الديداكتيك تتع َّدد ُّ
ُّ
تعريف «إيف أندري»(:)Yves Andrésديداكتيك الجغرافيا جملة ِمن التقنيات التي
حتل ا ُملد ِّرس قطب الرحى يف هذه العملية؛
ُتيسرِّ تنظيم وتسهيل عملية تدريس الجغرافيا ،و َي ُّ
فهو الضامن لنجاحها ،وبهذا يعدُّ ُركنًا ركينًا يف سريورة العمل الديداكتييك ،و ُيضيف «أندري»
أن نجاح ديداكتيك الجغرافيا ره ٌني باهتاممها بالجوانب األساسية للامدة التعليمية ،الجانب
ربط املدرسة بالحياة والجمع بني الجوانب النظرية والتطبيقية ،5وتقويم املعرفة الجغرافية
يف الحياة العملية (األنشطة التطبيقية) .وهذا ما أكد عليه امليثاق الوطني للرتبية والتكوين يف
إرصاره عىل جعل املدرسة املغربية الجديدة « مفتوحة عىل محيطها بفضل نهج تربوي قوامه
استحضار املجتمع يف قلب املدرسة ،والخروج منها إليه بكل ما يعود بالنفع عىل الوطن ،مام
يتطلب نسج عالقات جديدة بني املدرسة وفضائها البيئي واملجتمعي والثقايف واالقتصادي».6
يف سياق هذا التوجه؛ أكد منهاج التاريخ والجغرافيا والرتبية عىل املواطنة عىل جعل» تلك
املواد –مبا فيها الجغرافيا -تلعب دورا حاسام يف التكوين الفكري واملدين للمتعلمني بجعلهم
يطورون من خالل هيكلة متثلهم للزمن واملجال وإدراكهم للحقوق واملؤسسات ،ذكاء اجتامعيا
يساعدهم يف حياتهم اليومية ،الشخصية ،واملهنية ،واالجتامعية».
من هنا يظهر؛ أن توجهات كل من امليثاق الوطني للرتبية والتكوين ومنهاج الجغرافيا ،جاء
بتوصيات وتوجيهات ،ميكنها أن تنقل املامرسة الديداكتيكية من الطابع التلقيني الروتني إىل
مستوى الوظيفية ،لكن يبقى تضافر الجهود ،إن عىل مستوى دعم الدولة ،أو عىل مستوى
تكوين املدرسني ،أو عىل مستوى املتعلم أو عىل مستوى دعم الرشكاء االجتامعيني.
وإذا كان منهاج الجغرافيا يؤكد عىل رضورة االحتكاك املبارش بالظواهر املجالية ،والتفاعل
معها تفاعال مبارشا لتحقيق التعلم الفاعل واملنتج أو ما يسمى بالتعلم الوظيفي (apprentissage
.)fonctionnelleفالبيئة املحلية تعد املعمل التعليمي-التعلمي الحقيقي؛ الذي ينبغي أن
ينفتح عليه تدريس الجغرافيا؛ لتيسري خربات مبارشة واكسابهم معلومات وتعلامت يكون من
الصعب إدراكها من خالل الكتاب املدريس ،واملامرسة الديداكتيكية الصفية.
ومعنى ذلك أنه البد من إتاحة الفرص للتعرف عىل مشكالت البيئة التي يعيش فيها
املتعلم ،وعندما يخرج املتعلمني ،يف إطار خرجة دراسية ،لالتصال بالبيئة املحلية ودراستها
والتعلم عن طريقها واملشاركة يف أنشطتها – ينبغي أن يكون ذلك كله يف إطار ما يهدف إليه
املنهاج -يكسب التعلامت بعدا وظيفيا ومعنى ( .)sensلكن لألسف ،األطر املرجعية للامدة
الدراسية وأشكال التقويم املتبعة وإكراهات االكتظاظ الدرايس وغياب اللوجستيك املدريس،
-7أحمد حسني اللقاين وبرنس أحمد رضوان ( :)1986تدريس املواد االجتامعية ،عامل الكتب ،الطبعة الرابعة،
القاهرة ،ص .46
-8شبشوب أحمد،1997،مدخل إىل الديداكتيك :الديداكتيك العامة ،منشورات رمسيس ،الرباط ،ص.66
9- MINDER , Michel : 1983, didactique fonctionnelle : objectifs, stratégies, évaluation,
3éme édition, p120
مجلة علوم الرتبية 126
هنا ،ينبغي يف مراجعة منهاج الجغرافيا الجديد ،استحضار حاجات واهتاممات وميول
املتعلمني ،وميكن بهذه املناسبة ،توظيف تقرير تقييم مكتسبات املتعلمني يف مادة االجتامعيات
الذي أنجزه املجلس األعىل للرتبية والتكوين خالل املوسم الدرايس .2015-2016
-ربط تدريس الجغرافيا بالتطورات العلمية والتكنولوجية :ميثل إعداد وتكوين مدرس
الجغرافيا وتدريبه عىل توظيف تكنولوجيا املعلومات؛ كأحد الوسائل األساسية الراهنة التي
تساهم يف إثراء التعلم الجغرايف لدى املتعلم ،بل ترغبه يف املادة الدراسية ،بحكم أنها مواكبة
لكل املستجدات واملستحدثات.
لهذا ينبغي توظيفها يف املواقف التعليمية الجغرافية والتعامل معها بشكل إيجايب ،وأساليب
تفعيل دور الوسائل التعليمية (الكومبيوتر ،واالنرتنت ،واملواد السمعية البرصية والربامج
االلكرتونية مثل ،Map infoو )...Google Earthيف تلك املواقف وإثرائها بالوسائل الرتبوية
والديداكتيكية الالزمة .
عموما؛ «فاملتعلمني يفشلون وال يرغبون يف التعلم ألن املعارف (الجغرافية) التي نقرتحها
عليهم تكون بعيدة كل البعد عن تجربتهم اليومية للحياة» ،10بل يغلب عليها يف بعض
األحيان طابع التجريد والتقيد وكرثة املعلومات املتداخلة وغري مبنية بطريقة علمية.
نخلص أنه ؛ إذا كان ديداكتيك مادة الجغرافيا ،قد اهتمت بإكساب املتعلم املعارف
الجغرافية وبعض املهارات العقلية والحس حركية ،فإن الديداكتيك الوظيفية للجغرافية ،تهتم
بإعداد املتعلم لالنخراط يف الحياة اليومية والعملية ،واملشاركة بل املساهمة فيها بفعالية .أي
أن تكون املعارف واملهارات الجغرافية ذات وظيفة يف حياة املتعلم ،بحيث يشعر بأهميتها
فيقبل عىل تعلمها وإتقانها .وأن يتعلم يف املجال البيئي القريب منه بني الفينة واألخرى ،دون
الرتكيز بشكل كيل عىل الفصول الدراسية والتقوقع فيها ،وأن يكون منهاج الجغرافيا مناسبا
ملستوى إدراك املتعلم الفكري واالجتامعي والنفيس والتقني.