النَّقدُ الفلسفي مع ماركوز متاهةً ولزومًا

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫َّ‬
‫النقدُُالفلسفيُمعُماركوز‪ُ:‬متاهةُُ ُولزوماُ‬

‫المولديُعزدينيُ‬
‫جامعةُصفاقسُ–ُتونس‪.‬‬

‫‪ ‬ملخص‪:‬‬
‫دوما في سياق نظرها القيمي تعيين النَّقد بجهدها الخاص وفعَّلت ما أمكن من‬‫لقد حاولت الفلسفة ً‬
‫أحيانا فال يسلك ثنيَّته الحق‪ .‬فظاهرة تنزيل الحق‬
‫ً‬ ‫ضوابطه‪ .‬غير َّ‬
‫أن ظاهرة حادثة في العصر جعلت منه يتيه‬
‫النقد في الغالب‪.‬‬ ‫الرأي المخالف َّ‬
‫تأدت به إلى غير ما كان يقصده َّ‬ ‫تحت عناوين حريَّة التعبير وحق االختالف و َّ‬
‫وتبعا لذلك َّ‬
‫تعددت الخرافات المعقلنة بمقوالت األيديولوجيات الحادثة‪ .‬فمنها أيديولوجيا «الرفاه» وأيديولوجيا‬ ‫ً‬
‫الساعة» وأيديولوجيا «تلبية الحاجيات» والجديد في تلبية الحاجيات وما تبع ذلك اليوم من إنتاج خبراء‬
‫«قضيَّة َّ‬
‫الناس واقعيًّا بما هم أفراد‪ٌّ ،‬‬
‫كل يدبِّر حياته‬ ‫الناس إلى حاجياتهم؟ يقول ماركوز‪« :‬يوجد َّ‬
‫اختصوا في كيف سبيل َّ‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫وبأشكال‬ ‫الخاصَّة‪َّ ،‬إنهم يوجدون في حضور بعضهم البعض بحاجيات حقيقيَّة مختلفة وأنماط إشباع مختلفة حقًّا‪،‬‬
‫النظر في حاجة اإلنسان بمفهوم َّ‬
‫النقد الفلسفي كما‬ ‫رفضهم الخاصَّة واختياراتهم الخاصَّة»‪ .1‬يقترن لدينا اآلن َّ‬
‫ساسا‪ .2‬وما يمكننا غنمه من قدراته َّ‬
‫النقديَّة الهائلة على‬ ‫صيغ عند ماركوز بوصفه أحد أعالم مدرسةُفرانكفورت أ ً‬
‫ِّ‬
‫للحق في الكذب واالفتراء في الفكر ذاته‬ ‫نظر ناقد لمجتمعنا المعاصر نحن أحوج إليه في ِّ‬
‫ظل التَّشريع‬ ‫تفعيل ٍ‬
‫تحت عناوين جديدة ل َّلنقد‪.‬‬

‫‪ .1‬اختالقُُالحاجةُالوهميَّة‪:‬‬
‫ثمة‬
‫دون أن يكون َّ‬ ‫حاجات‪ .‬وليس ي ْسرف المرء في حاجتِه‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان من‬ ‫تكاد تقنعنا الفطرة البشريَّة بما‬
‫بحسب قر ِ‬
‫اءة‬ ‫ِ‬ ‫وثمة‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الحاجات‪.‬‬ ‫إشباع‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التكالب على‬ ‫نفوس األفرِاد شهيَّة‬
‫ِ‬ ‫عمق في‬ ‫لهيب التنافس االجتماعي وقد َّ‬
‫ِ‬
‫الحاجات‪ .‬فمنها ما تحتاجه طبيعة اإلنسان التي جبِل عليها‬ ‫نظامي ِن من‬
‫ْ‬ ‫فرق بين‬
‫اقع «مجتمع الوفرة» ٌ‬ ‫ماركوز لو ِ‬
‫سمى الحاجات هذه حاجات بشريَّة حقيقيَّة‪.‬‬ ‫بالفطرِة ومنها ما دعت إليه طبيعته الثقافيَّة و َّ‬
‫الرمزيَّة‪ .‬والى هذا الحد ت َّ‬
‫‪3‬‬
‫بقدر ما‪ ،‬لكي يحفظ حياتهم»‬‫كل شكل من أشكال المجتمع ينبغي عليه أن ي ْشبع حاجات أفراده ٍ‬ ‫أن « َّ‬
‫صحيح َّ‬
‫غير َّأنه يوجد جنس ٍ‬
‫ثان من الحاجات المصطنعة في عصرنا والتي توهم ثقافة اإلشهار االستهالكي أنَّنا‬
‫ِّ‬
‫بضد ذلك َّأنها غير حقيقيَّة‪ .‬وعليه‪ ،‬فإنَّنا «نستطيع‬ ‫أن واقع الحال يبِين‬
‫اما للحياة وسعادتها‪ .‬غير َّ‬
‫نحتاجها قو ً‬
‫كاذبة‪ .‬فـ"الكاذبة" هي تلك التي تفرضها مصالح اجتماعيَّة خاصَّة على ِ‬
‫الفرد‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫حاجات حقيقي ٍ‬
‫َّة وأخرى‬ ‫ٍ‬ ‫التمييز بين‬
‫ُّ‬
‫الحث‬ ‫يتم‬
‫ومسميات ُّ‬
‫َّ‬ ‫سميات‬ ‫وتبرر العدوانيَّة والبؤس والظُّلم »‪ . 4‬فتحت أي ِ‬
‫َّة ت َّ‬ ‫تبرر عمالً شاقًّا ِّ‬‫الحاجات التي ِّ‬
‫وكل حاجاتهم غير‬ ‫ٍ‬
‫حاجة غير مشبعة؟ بل‪ُّ ،‬‬ ‫اس حتى يستشعروا ما في أنفسهم من‬ ‫الستنفار النَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫االجتماعي‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫أما الثَّاني فهو من قبِ ِ‬


‫يل العوِز الذي‬ ‫تتنزل األولى في ِ‬
‫مقام الضَّرورة‪َّ ،‬‬ ‫االحتياج‪َّ .‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الحاجة و‬ ‫مشبعة؟ يوجد فارق بين‬
‫قد يكون عليه المرء حين يحتاج وال يقوى على ِ‬
‫توفير سبل استيفاء الحاجة‪.‬‬

‫ِ‬
‫الحاجة حاجةً كاذبةً أو هي وهميَّة عسى أن‬ ‫الي أنَّه يجعل من‬
‫االستهالكي الليبر ِّ‬
‫ِّ‬ ‫والعجيب في المجتم ِع‬
‫ِ‬
‫ألسباب‬ ‫الذوات التي على عوٍز من ِ‬
‫أمرها مرتهنة‬ ‫تظل َّ‬
‫باالحتياج‪ ،‬فعسى أن َّ‬
‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫شعور‬ ‫ِ‬
‫نفوس ذويها إلى‬ ‫تستحيل في‬
‫االحتياج‪ .‬الواقع َّ‬
‫أن‬ ‫ِ‬ ‫للتحرر من‬
‫ُّ‬ ‫وحص ًار تلبية الحاجة‬ ‫إزالة االحتياج‪ .‬ويسوق هذا المجتمع أمر اإلز ِ‬
‫الة على َّأنه‬
‫ْ‬
‫للفرد‪ ،‬ولكن ليس من واجبِنا أن ندافع عن ِ‬
‫مثل هذه السَّعادة إذا‬ ‫يسر ِ‬
‫«تلبية هذه الحاجات يمكن أن تكون مصدر ٍ‬
‫الرفاه في‬‫مثل هذه الحال هي َّ‬ ‫فرص إزالته‪ .‬والنتيجة في ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫انتهاز‬ ‫كانت تمنع الفرد من تفهُِّم العسر العام ومن‬
‫الناس بالقول في الالَّزم‬
‫اس؟ والفرز في حاجات َّ‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫حاجات َّ‬ ‫قاء»‪ .5‬لكن أليس يزعم َّ‬
‫النقد الفلسفي القول في‬ ‫الش ِ‬
‫َّ‬
‫يل الحاجات الكاذبة منزلة‬ ‫ِ‬
‫إلقدام النَّاس تدافعا على تنز ِ‬ ‫عقلي ٍ‬
‫سليم‬ ‫ٍّ‬ ‫الزائد عن اللُّزوم؟ ومن أين لنا ٍ‬
‫بفهم‬ ‫منها و َّ‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫بنظام الحاجات؟ ورمزيَّة‬ ‫حد عدم ُّ‬
‫تظننهم‬ ‫أحيانا؟ أيكون الوعي المزيَّف قد نال منهم َّ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫للحياة‬ ‫الشرط األنطولوجي‬‫َّ‬
‫ِ‬
‫الحاجات واستحداث الجديد منها؟‬ ‫التنويع في‬
‫ِ‬ ‫يستثمر في ِ‬
‫نظام الحاجات؟ وم ْن يقوى على‬ ‫ِ‬ ‫الحاجات؟ وم ْن‬

‫ِ‬
‫الكاذبة‪ .‬إ ْذ «أ َّن‬ ‫ِ‬
‫للحاجة‬ ‫أن األمر ي ْعزى إلى أولئك الذين سكنت وجدانهم الحاجة الواهمة‬ ‫يرى ماركوز َّ‬
‫َّة والحاجات‬ ‫بالحاجات الحقيقي ِ‬
‫ِ‬ ‫ال المتعلِّ ِ‬
‫ق‬ ‫السؤ ِ‬
‫األخير‪ ،‬أن يجيبوا على ُّ‬ ‫ِ‬ ‫األفراد هم الذين يجب عليهم‪ ،‬في الت ِ‬
‫حليل‬
‫تقديم جوابهم الخاص»‪ .6‬لكن متى كان‬ ‫ار في ِ‬ ‫صبحون أحرًا‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫األخير فقط‪ ،‬أي حين سي ْ‬ ‫التحليل‬ ‫الكاذبة‪ ،‬ولكن في‬
‫تم تدبير‬ ‫يتحرروا فيتصيَّروا أسياد أنفسهم؟ لقد َّ‬ ‫الن ِ‬
‫هار أن َّ‬ ‫يل و َّ‬‫آثام اللَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫عصمة الحضارة الليبراليَّة من ِ‬ ‫للواثقين في‬
‫ِ‬
‫الحاجات‬ ‫نقص من‬‫ٍ‬ ‫وهما) َّأنهم على‬ ‫ِ‬
‫معظم َّ‬ ‫الن ِ‬
‫نظام اقتصاد السُّوق على َّ‬
‫الناس يعتقدون ( ً‬ ‫حو الذي يجعل من‬
‫األمر َّأنهم ال يشكون حاجةً‪ ،‬بقدر ما يعانون ثقل سلطان ثقافة‬ ‫ِ‬ ‫حتى وان كانوا على تملُّ ِكها حائزين‪ .‬واألنكى في‬
‫يجدد تلقائيًّا الحاجات المفروضة عليه فهذا ال‬ ‫النهِم‪ .‬يرى ماركوز َّأنه «إذا كان الفرد ِّ‬ ‫الجشع واالستزادة من إشبا ِع َّ‬
‫ِ‬
‫سجن نظام الحاجات‬ ‫أن الرقابات ناجعة»‪ .7‬فإالم يرُّد هذا الوقوع في‬ ‫يعني َّأنه سيِّد نفسه‪ ،‬واَّنما ُّ‬
‫يدل فقط على َّ‬
‫ٍ‬
‫ثالثة‪:‬‬ ‫المصنع؟ يعزو ماركوز ذلك إلى اعتبار ٍ‬
‫ات‬ ‫َّ‬

‫تصنيع الك ّل‬


‫ِ‬ ‫أن َّ‬
‫الذات االستهالكيَّة في حضا ِرة‬ ‫االعتبارُاألول‪ :‬انعدام االستقالل َّ‬
‫الذاتي‪ .‬ويتمثَّل ذلك في َّ‬ ‫َّ‬
‫قيم اقتصاد السُّوق وعالماتِه‬ ‫ِ‬
‫لمساءلة ِ‬ ‫تتمنع عن المباد ِرة ال َّذاتي ِ‬
‫َّة‬ ‫الثقافي‪ ...‬الخ‪ ،‬هذه َّ‬
‫الذات َّ‬ ‫ِّ‬ ‫يو‬ ‫ي و ِّ‬
‫الماد ِّ‬ ‫الرمز ِّ‬
‫من َّ‬
‫بوصاية غيرها عليها‪ .‬لذلك‪ ،‬يقول ماركوز‪« :‬وما داموا محرومين من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫القبول‬ ‫ثم َّإنها عادةً ما تركن إلى‬
‫ذة‪َّ .‬‬ ‫المتنفِّ ِ‬
‫فإن الجواب الذي ِّ‬
‫يقدمونه‬ ‫المذهبي (حتى على مستوى غرائزهم)‪َّ ،‬‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫للتكييف‬ ‫اتي‪ ،‬وما داموا خاضعين‬ ‫االستقالل َّ‬
‫الذ ِّ‬ ‫ِ‬
‫ِ‬
‫صهر الفرد في‬ ‫حد‬ ‫ِ‬
‫الوصاية َّ‬ ‫ِ‬
‫آلليات‬ ‫السؤال ال يمكن أن ي ْعتبر جوابهم »‪ . 8‬وتتوسَّع َّ‬
‫الدائرة الثقافيَّة‬ ‫على ذلك ُّ‬
‫الناقد باهتًا‪ .‬فال يتفلَّت األفراد من‬
‫يظل معها الفكر َّ‬ ‫أحيانا‪ ،‬والتي قد ُّ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫التشيئة‬ ‫موضوعيةً َّ‬
‫حد‬ ‫َّ‬ ‫المجتمع واحالتِه إحالةً‬
‫ِ‬
‫اإلشهار‪ .9‬ولذلك نرى في هكذا مجتمعات كثرة التُّبَّع‪ .‬وهو‬
‫ِ‬ ‫الد ِ‬
‫عاية و‬ ‫اية السُّلطان االجتماعي المصاغ في ِ‬
‫آلية ِّ‬ ‫غو ِ‬
‫‪010‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫ُّ‬
‫تحتل‬ ‫الرقابة االجتماعيَّة‬
‫تبدلت هي نفسها‪ ،‬و َّ‬ ‫ِ‬
‫بمجتمعه قد َّ‬ ‫أن «اآلليَّة التي تربط الفرد‬‫ما قصده ماركوز حين رأى َّ‬
‫المعايير اإلجرائي ِ‬
‫َّة التي‬ ‫ِ‬ ‫قلب الحاجات الجديدة التي ولدتها »‪ . 10‬توجد بنظ ِر ماركوز منظومة من‬ ‫مكانها في ِ‬
‫تحرر من‬‫أن يتَّخذ مسافة ُّ‬ ‫ِ‬ ‫نفوس المستهلكين متيقِّظة‪ .‬وليس ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للفرد الواحد ْ‬ ‫الحماسة في‬ ‫دوما من‬
‫تشتغل بما يجعل ً‬
‫الراهن‬
‫أن َّ‬ ‫الر ِ‬
‫اهن‪ .‬والحال َّ‬ ‫ِ‬
‫الموضة أو المعاص ِرة و َّ‬ ‫ِ‬
‫االنتساب إلى‬ ‫ِ‬
‫للتعبير عن‬ ‫المعايير وقد غدت ِ‬
‫بنظره لوازم‬ ‫ِ‬ ‫تلك‬
‫اس حين يمكرون بأنفسهم‪ .‬وما المكر في هذا المو ِ‬
‫ض ِع سوى القبول‬ ‫الزائدة عن اللُّزوم) ي ْمكر بالنَّ ِ‬ ‫ِ‬
‫الحاجات ( َّ‬ ‫من‬
‫ْ‬
‫ٍ‬
‫حاجات‪ .‬ولكم‬ ‫مما يعرضه المجتمع من‬ ‫للنْي ِل َّ‬
‫أن مستلزمات العيش والحياة تقتضي منهم التعجُّل َّ‬ ‫الطَّ ْو ِعي بِ ِخ ْدع ِة َّ‬
‫قبول بمعايير أولويَّة‪ ،‬معايير ذات ٍ‬
‫صلة‬ ‫دة ينطوي سلفًا على ٍ‬ ‫محد ٍ‬ ‫ٍ‬
‫شروط َّ‬ ‫الحاجات وتلبيتِها في‬
‫ِ‬ ‫كان «الحكم على‬
‫متناولِهم»‪ .11‬أما في‬
‫ِ‬ ‫َّة والفكري ِ‬
‫َّة التي في‬ ‫ارد المادي ِ‬
‫أمثل للمو ِ‬ ‫ٍ‬
‫استخدام ٍ‬ ‫ِ‬
‫بفضل‬ ‫للفرد ولجمي ِع األفرِاد‪،‬‬ ‫ِ‬
‫األمثل ِ‬ ‫بالتطوِر‬
‫ُّ‬
‫الواقع‪ ،‬فال يمكن الحديث عن خيارات مثلى يرتضيها العقل السليم ما دامت أنظمة الحاجات متداخلة‪ .‬وما دام قد‬
‫حل الكاذب منها َّ‬
‫محل الحقيقي‪.‬‬ ‫َّ‬

‫أن التنويع‬ ‫َّ‬


‫سوقيةٌ مفادها َّ‬ ‫يعة التنويع‪ .‬هناك مغالطةٌ‬ ‫الحاجة بذر ِ‬
‫ِ‬ ‫االعتبارُ ُالُثَّاني‪ُ :‬صناعة َّ‬
‫الزائد عن‬
‫يتمان‪ ،‬وفي الحقيقة‪ ،‬بِد ِ‬
‫اخ ِل‬ ‫غالبا ما َّ‬ ‫يتمان باسم اإلبداع أو التنويع الكيفي‪ .‬غير َّأنهما ً‬
‫وابتكار الجديد عادةً ما َّ‬
‫ذات الدائرة من الوفرة ومنطقها‪ .‬إ ْذ هما من سنن االقتصاد‪-‬السياسي الليبرالي‪ .‬هاهنا ي ْستهجن مفهوم التنويع‬
‫ِ‬
‫الحاجات‪ .‬هذا ما كشفته المعالجة النَّقديَّة الماركوزيَّة‪ .‬فعادةً ما يعمل‬ ‫الكمي من‬ ‫ِ‬
‫الفائض ِّ‬ ‫الكيفي حين ينصهر في‬
‫ِ‬
‫بألباب َّ‬
‫الناس‪.‬‬ ‫استئثار‬
‫ًا‬ ‫الرمزي ِ‬
‫َّة األكثر‬ ‫المادي ِ‬
‫َّة و َّ‬ ‫ِ‬
‫الحاجات ِّ‬ ‫الكم الهائل من‬ ‫ِ‬
‫تكديس ّ‬ ‫زبانيَّة نظام اقتصاد السُّوق على‬
‫فائقة حتى يستحيل‬‫ٍ‬ ‫ٍ‬
‫بعناية‬ ‫ات منتقى‬ ‫نظام من العبار ِ‬‫الحاجات إالَّ ورِّمم عبر ٍ‬
‫ِ‬ ‫تعذر تصريف الفائض من‬ ‫وكلَّما َّ‬
‫افعا شتى عناوين االجتذاب البسيكو‪-‬سوسيولوجي تسويقًا منه‬ ‫ٍ‬
‫المتقبِّل إلى ذات تشكو حاجةً‪ .‬وهنا يح ّل المجتمع ر ً‬
‫النظام‬ ‫الناس‪ .‬والخطر المحدق في هذا السيا ِ‬
‫ق «أ َّن ِّ‬ ‫اإلنتاج يستهدف إسعاد َّ‬
‫ِ‬ ‫تنويعا جا ًّدا في‬
‫ً‬ ‫للفائض وكما لو كان‬
‫ي َّإنما يصنعه "الفائض" وال تفرضه الحاجة باألحرى»‪.12‬‬ ‫ِ‬
‫جوهره نظام وفرة‪ .‬والقسر الضَّرور ُّ‬ ‫الالَّقمعي هو في‬
‫الرهان الحق من‬ ‫مما هو حميمي به‪ ،‬هو ِّ‬ ‫أن مسعى تبليد العقل وافراغ الوجدان َّ‬ ‫ولعلَّه َّ‬
‫مما يلفت َّ‬
‫النظر هنا َّ‬
‫أما «الرقابات االجتماعيَّة‬ ‫ِ‬
‫للحاجة‪َّ .‬‬ ‫الندفاع المرء تجاه ما يعتبره تلبيةً‬
‫ِ‬ ‫الدائم‬ ‫الناعم في ِ‬
‫مقام االستنفار َّ‬ ‫االضطهاد َّ‬
‫عمل مبلِّد لم يعد‬ ‫ِ‬
‫الحاجة‪ ،‬حاجةٌ إلى ٍ‬ ‫ائد عن‬ ‫ِ‬
‫استهالك ما هو ز ٌ‬ ‫فتولِّد في ذلك المجتمع حاجة ال تقاوم إلى إنتا ِج و‬
‫الحري ِ‬
‫َّات‬ ‫ِ‬
‫الحفاظ على ِّ‬ ‫أشكال من ِ‬
‫وقت الفراغ تتملَّق ذلك التبليد وتخلِّده‪ ،‬حاجةٌ إلى‬ ‫ٍ‬ ‫ضروريًّا‪ ،‬حاجةٌ إلى‬
‫المستبدين إلى ِّ‬
‫الدفاع‬ ‫ِّ‬ ‫المخي ِ‬
‫ِّبة»‪ .13‬وامعانا في التنكيل بأنفسهم عادة ما ينبري أولئك الواقعين تحت نير الفاسدين و‬
‫عن عصا جالَّديهم من أهل السياسة وحب الرياسة ومن أهل المال واستثمار اإلرهاب ومن أهل التربية وقنص‬
‫الضمائر والعقائد‪ ...‬الخ‪.‬‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫ِ‬
‫اإلشهار‬ ‫الد ِ‬
‫عاية السياسيَّة و‬ ‫ِّي‪ .‬يقوم الغ ْزو الثَّ ُّ‬
‫قافي في نظامي ِّ‬ ‫االعتبارُ ُالُثَّالثُ‪ :‬السَّيطرة على الحس ِّ‬
‫ْ‬
‫حاجات‬
‫ٌ‬ ‫ِ‬
‫الحاجة أو تلك وهي‬ ‫الرأي الجمعي وتوجيهه نحو ما قد يكون غفل عنه من ٍ‬
‫تلبية لهذه‬ ‫بحشد َّ‬‫ِ‬ ‫االقتصادي‬
‫ِ‬
‫الحاجات كما‬ ‫ِ‬
‫الكاذب من‬ ‫اس م ْقِدمةً على‬
‫يخ المحسوس‪ .‬هكذا ت ْست ْنفر الحو ُّ‬
‫اس بها فيما فات من تار ِ‬‫ال ع ْهد للحو ِّ‬
‫الحياة‪ .‬وسرعان ما تصاغ مستحثَّات تهييج األحاسيس البشريَّة واختالف معادلة تلبية‬ ‫ِ‬ ‫لو كان عماد االستمرار في‬
‫متممات «سعادتها»‬‫الشهوانيَّة حسيًّا والضَّالَّة فكريًّا نحو ِّ‬
‫النفوس َّ‬
‫النفس‪ .‬فتنبري ُّ‬
‫الرفاه وسكينة َّ‬
‫الحاجة يساوي َّ‬
‫الن ِ‬
‫ظام‪ ،‬قد مثَّل "تحرير" الحاجات‬ ‫و«رفاهها»‪ :‬تلبية الحاجة ولو كانت بها خصاصة‪ .‬يرى بودريار َّأنه «في هذا ِّ‬
‫ِ‬
‫وللجسد‪ ...‬ولم‬ ‫ِ‬
‫للحاجات‪ ،‬للمستهلكين‬ ‫ِ‬
‫الوقت تجييشُا‬ ‫الشباب والجسد‪ ،‬الخ‪ ...‬دوما وفي ِ‬
‫ذات‬ ‫النساء و َّ‬
‫ومستثمري ِّ‬
‫يبلغن َّ‬
‫حد القوى العميقة‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫تنافسي‪ .‬فال‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫استغالل‬ ‫ِ‬
‫بهدف‬ ‫مفج ًرا‪ ،‬واَّنما هو عتْ ٌ‬
‫ق موجَّهٌ‪ ،‬تعبئةٌ‬ ‫ير ِّ‬‫يكن ذلك قطُّ تحر ًا‬
‫الرغبة"‪ .‬هاهنا نبلغ َّ‬
‫حد التخوم‬ ‫حو قابلة للتعبئة في "استراتيجيا َّ‬ ‫حد الكوامن الالَّشعوريَّة التي ال تكون على هذا َّ‬
‫الن ِ‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫جدول‬ ‫الزجري حسب ماركوز)»‪ .14‬وقد يبلغ طلب السَّعادة المصاغ في‬ ‫ِ‬
‫لمفهوم إزالة اإلعالء الموجَّه (أو َّ‬ ‫نفسها‬
‫ِ‬
‫التجهيل أن‬ ‫ِ‬
‫لصناعة‬ ‫البيانات والئحة العالمات التجاريَّة َّ‬
‫حد تسطيح قدرات العقل المفترضة ديكارتيًّا‪ .‬وهكذا يمكن‬
‫حظة‪ .‬والغرض هو مثول «الحاجات القمعيَّة كحاج ٍ‬
‫ات‬ ‫كالزمة من لو ِازِم اللَّ ِ‬
‫ٍ‬ ‫المسوقة‬
‫َّ‬ ‫خدمة الحاجات‬ ‫ِ‬ ‫ت ْس ِهم في‬
‫خالل الهزيمة والجهل‪ .‬ولكن هذه الحقيقة الواقعة يجب أن َّ‬
‫تتبدل‪ ،‬وال‬ ‫ِ‬ ‫أقوى‪ ،‬وهذه حقيقةٌ واقعةٌ ي ْقبل بها المرء من‬
‫ثمنا لتلبيتِها» ‪َّ .‬‬
‫َّعيد وبين أولئك الذين يدفعون من بؤس ِهم ً‬‫الفرد الس ِ‬
‫اجب بين ِ‬‫فرق في هذا الو ِ‬
‫‪15‬‬
‫أما النتيجة التي‬
‫اقعا‪ .‬بل‪ ،‬ويرى فيه‬ ‫حد التكي ِ‬
‫ُّف الص ِ‬ ‫النقد الماركوزي فهي تليين صيغ القمع الممنهج َّ‬ ‫يكشف عنها َّ‬
‫أمر و ً‬
‫َّائر ًا‬
‫تم نضدها‬ ‫ِ‬
‫الموضة وما ازدانت به من مفردات َّ‬ ‫ِ‬
‫تثبيت نسبِ ِهم إلى‬ ‫الواهمون َّأنه ضالَّتهم األخيرة متى جنحوا إلى‬
‫روحي سرعان ما ِّ‬
‫تعززه‬ ‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫تفقير‬ ‫عما عاضد ذلك من‬
‫غما عن حرمة اإلنسان وهت ًكا لمقام األسماء‪ .‬فضالً َّ‬ ‫ر ً‬
‫ِ‬
‫الحاجة‪.16‬‬ ‫البد‪ ،‬إلى ِ‬
‫تلبية‬ ‫العالمات المحيلة‪ ،‬و َّ‬

‫ِ‬
‫للعيان‬ ‫تؤمن له ثِ ْنت ْي ِن‪ :‬أوالهما‪ ،‬أالَّ يبرز‬ ‫الرابعُ‪ :‬تأبيد العمل َّ‬
‫الشاق‪ .‬يتخفَّى هذا األخير بحج ٍب ِّ‬ ‫االعتبارُ ُ َّ‬
‫ِ‬
‫العمل‬ ‫اإلنسان‪ .‬فال يرى‪ ،‬تبعا لذلك‪ ،‬في ِ‬
‫نظام‬ ‫ِ‬ ‫إنساني في‬
‫ٍّ‬ ‫التحرري ِ‬
‫َّة ولِما قد تبقَّى من‬ ‫ُّ‬ ‫سالب للمبادرِة‬
‫ٌ‬ ‫بما هو عم ٌل‬
‫ً‬
‫إن "حقيقة" الحاجات و"زيفها"‬ ‫امة البشريَّة بقدر ما يرى فيه مهابة الحضارة السَّمجة‪ .‬يقول ماركوز‪َّ « :‬‬ ‫مهانةً للكر ِ‬
‫ثم التخفيف تدريجيًّا‬ ‫للحاجات الحيوي ِ‬
‫َّة‪ ،‬ومن َّ‬ ‫ِ‬ ‫تشكل التلبية َّ‬
‫الشاملة‬ ‫شروط موضوعي ٍ‬
‫َّة بمقدار ما ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫َّإنما ِّ‬
‫يعبران عن‬
‫ِ‬
‫بالحاجة‬ ‫الدفع بذوي ُّ‬
‫الشعور‬ ‫وباإلجماع»‪ .17‬ثانيتهما‪َّ ،‬‬
‫ِ‬ ‫الجميع‬
‫ِ‬ ‫الشاق والبؤس‪ ،‬معايير مقبولة من‬ ‫ِ‬
‫وطأة العمل َّ‬ ‫من‬
‫بدءا في‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى ِ‬
‫المنغرس ً‬ ‫التماثل مع مبدإ الوصاية االقتصاديَّة‪-‬السياسيَّة‬‫التجانس و‬ ‫باتجاه المزيد من‬ ‫تلبية الحاجة‬
‫س‪ ،‬واللَّهو‪،‬‬ ‫أن يتلهَّى المجتمع باألفرِاد حيثما ولُّوا وجوههم‪ .‬فال يكون «الترويح عن َّ‬
‫الن ْف ِ‬ ‫ِ‬
‫نظام الحاجات‪ .‬والنتيجة‪ْ ،‬‬
‫وبغض ما يبغضونه‪ ،‬إالَّ حاجات كاذبة‬ ‫ِ‬ ‫والعمل واالستهالك حسب ايحاءات الدعاية‪ ،‬وحسب ما ُّ‬
‫يحبه اآلخرون‬
‫َّ‬
‫اآلدمية من‬ ‫األحيان»‪ .18‬فما هي األطروحة الفلسفيَّة النَّقديَّة التي يؤسِّسها ماركوز سبيالً لعت ِ‬
‫ق النُّفوس‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫غالب‬ ‫في‬
‫ِ‬
‫الكاذبة؟‬ ‫ِ‬
‫الحاجات‬ ‫غو ِ‬
‫اية‬
‫‪011‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫سلطان الخوف َّ‬


‫الدائم من الوقوِع في العوِز وفقدان‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫للبشر من‬ ‫المحررة‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫ثنتان من الثنايا‬ ‫َّإنه يقترح علينا‬
‫الناس وعلى هذا األساس «ال تستطيع‬ ‫ِ‬
‫بحاجات َّ‬ ‫فأولهما‪ ،‬التفلُّت من التبعي ِ‬
‫َّة لما يقال على أنَّه عنايةٌ‬ ‫الحاجيات‪َّ .‬‬
‫أما‬ ‫‪19‬‬
‫طور وتلبَّى » ‪َّ .‬‬ ‫ِ‬
‫تعيين الحاجات التي ينبغي أن ت َّ‬ ‫َّ‬
‫الحق في‬ ‫أي محكمة‪ ،‬للسَّبب نفسه‪ ،‬أن تنسب ِ‬
‫لنفسها‬
‫أن الحاجات الوحيدة التي يجب‬ ‫الز ِ‬
‫ائد‪ 20‬منها‪ .‬والواقع‪َّ « ،‬‬ ‫ِ‬
‫الحاجات وبين َّ‬ ‫ثانيتهما‪ ،‬فهو لزوم الفرز بين الالَّ ِ‬
‫زم من‬
‫ٍ‬
‫ومطعم‬ ‫ٍ‬
‫ملبس‬ ‫الر ِ‬
‫اهنة التي بلغتها الحضارة هي الحاجات الحيويَّة من‬ ‫ِ‬
‫المرحلة َّ‬ ‫ٍ‬
‫شرط في‬ ‫أن تلبَّى بال ٍ‬
‫قيد أو‬
‫األول لتحقي ِ‬
‫ق الحاجات قاطبةً‪ ،‬سواء أكانت مصعَّدةً أم لم تكن»‪.21‬‬ ‫الشرط َّ‬‫إن تلبية هذه الحاجات هي َّ‬ ‫ٍ‬
‫ومسكن‪َّ .‬‬
‫غير َّ‬
‫أن استراتيجيا اإللهاء البشري والحائلة دون اهتمام الناس بمواطن الحق والعدل والخير والجمال وانشدادهم‬
‫إليها سرعان ما تستحث أهل الرخاوة والهشاشة إلى استبدال الذي هو وهم بالذي هو حق‪.‬‬

‫‪ .2‬قمعُُ َّ‬
‫النقدُوتزييفه‪:‬‬
‫ها نحن هنا فيما وراء «خرافة اإلجابة الصَّحيحة»‪ 22‬التي يثقل بها مسامعنا من حين آلخر أهل األسماء‬
‫كل ما َّ‬
‫شكل‬ ‫الفلسفي فقط أم ُّ‬
‫ُّ‬ ‫نتحدث؟ أهو‬ ‫أي ٍ‬
‫نقد مقموٍع َّ‬ ‫الكبرى من أهل الثقافة الصُّغرى‪ .‬ولنا أن نتساءل عن ِّ‬
‫جديًّا ِ‬
‫لبنية المجتمع المعاصر؟ وهل يقتضي المقام‬ ‫تهديدا ِّ‬
‫ً‬ ‫وغيرِهم‬
‫جتماع‪ِ 23‬‬
‫ِ‬ ‫الفن والمسرِح ِ‬
‫وعلم اال‬ ‫ِ‬
‫األدب و ِّ‬ ‫في‬
‫قة‬ ‫يل الطَّر ِ‬
‫ق بمطر ِ‬ ‫استنه الفالسفة وغيرهم هو من قبِ ِ‬ ‫ف ال ي ْش ِعرَّن به ً‬
‫أحدا وآخر َّ‬ ‫نقد متلطِّ ٍ‬
‫الفلسفي التفريق بين ٍ‬
‫ُّ‬
‫نيتشه؟‬

‫َّ‬
‫المصنعة والذي‬ ‫قد تبيحه لنا الثقافة‬ ‫الن ِقد‬ ‫أن األمر ال يتعلَّق ب ٍ‬
‫جنس من َّ‬ ‫جدير بالبيان بادئ ذي بدء َّ‬
‫حدود الالَّفعل‪،‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫حصر َّ‬
‫النقد في‬ ‫على‬ ‫غرضه‬‫ِ‬ ‫نقدي»‪ 24‬والذي يقوم من ِ‬
‫جهة‬ ‫يصطلح عليه بودريار بـ«اإلر ِ‬
‫هاب ال ِّ‬
‫ق الصَّموت‪ .‬هذا الذي‬ ‫ِ‬
‫أشكال االسترقا ِ‬ ‫فضح ِّ‬
‫لكل‬ ‫ٌ‬ ‫النقد الذي يمارسه ماركوز فهو‬ ‫أما َّ‬‫فيغدو غير ذي جدوى‪َّ .‬‬
‫أن المجتمع‬ ‫وجه عمق األمور‪ .‬يعلم ماركوز « َّ‬ ‫بأي ٍ‬
‫الت ال تطال ِّ‬ ‫يره معلَّبا في مقو ٍ‬
‫الدارجة على تمر ِ‬ ‫تطمح الثقافة َّ‬
‫ً‬
‫النقد بين القر ْني ِن‬
‫نة لصيغتي َّ‬ ‫خالل مقار ٍ‬
‫ِ‬ ‫الحقيقي»‪ .25‬ولقد بدا له ذلك من‬‫ِّ‬ ‫يحرم النَّقد من ِ‬
‫أساسه‬ ‫ِّ‬
‫المتقدم ِّ‬ ‫ناعي‬
‫الص َّ‬ ‫ِّ‬
‫ْ‬
‫اكيرها األولى مع‬ ‫رحاب الفلسفة منذ بو ِ‬ ‫ِ‬ ‫أن ناشئة َّ‬
‫النقد كانت في‬ ‫ومما ال ريب فيه َّ‬ ‫اس ِع عشر والعشرين‪َّ .‬‬ ‫التَّ ِ‬
‫الن ِقد في القرن العشرين ضرًبا‬ ‫قابة جعلت القسط األوفر من َّ‬ ‫الر ِ‬ ‫التحكِم و َّ‬
‫ُّ‬ ‫آلي ِ‬
‫ات‬ ‫تحوالً هائالً في َّ‬
‫أن ُّ‬ ‫اإلغريق‪ .‬إالَّ َّ‬
‫ِ‬
‫بعض‬ ‫يذكر ماركوز في هذا السياق بأحو ِ‬
‫ال النَّقد في‬ ‫الصراع»‪ِّ .‬‬ ‫هدف « ِ‬
‫تهدئة ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المتجاوب مع‬ ‫ِّع و‬ ‫من الكلِم الطي ِ‬
‫النقد ينشئ مفاهيم الحلول التاريخيَّة البديلة‬ ‫اسع عشر كان َّ‬ ‫األول من القرن التَّ ِ‬
‫النصف َّ‬ ‫ِ‬
‫المنصرمة‪« :‬ففي ِّ‬ ‫ِ‬
‫األزمنة‬
‫الوقائع‪ ،‬بين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الممارسة‪ ،‬بين ِ‬
‫القيم و‬ ‫طا بين النظري ِ‬
‫َّة و‬ ‫متوس ً‬
‫ِّ‬ ‫ِّناعي ويمارس عمله بصو ٍرة عيني ٍ‬
‫َّة‬ ‫تمع الص ِّ‬
‫للمج ِ‬
‫ِّ‬
‫الحق واَّنما تمارس معارف بشريَّة أخرى‬ ‫ِ‬
‫القول‬ ‫حصر من‬
‫ًا‬ ‫النقد ما حازه الفالسفة‬ ‫ِ‬
‫األهداف»‪ .26‬وليس َّ‬ ‫ِ‬
‫الحاجات و‬
‫التحرِر؟‬
‫ُّ‬ ‫للن ِقد أن يعود القهقرى فيخذل آمال المتطلِّعين إلى‬‫الن ِقد‪ .‬فكيف تأتَّى َّ‬
‫ضروبا من َّ‬
‫ً‬ ‫ِ‬
‫بدورها‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫خلخلة الس ِ‬
‫َّائد‬ ‫ِ‬ ‫النقد الفلسفي من ٍ‬
‫عزم على‬ ‫المعاصر ما تتوفَّر عليه صناعة َّ‬
‫ِ‬ ‫لنظام العالِم‬
‫ِ‬ ‫فمنذ أن تبيَّن‬
‫ق حتى‬ ‫االستهجان والطَّ ْر ِ‬
‫ِ‬ ‫يين و‬ ‫ِ‬
‫صنوف التل ِ‬ ‫خاضعا لشتَّى‬
‫ً‬ ‫سرب إليها مفاعيل التزييف‪ .‬فصار َّ‬
‫النقد‬ ‫ِ‬
‫وتقويضه حتى َّ‬
‫َّكينة وما عاد يتجاسر وال يحرج‪ .‬وعالوة على‬ ‫الخمول والس ِ‬
‫ِ‬ ‫فاقدي العزم من ِ‬
‫أهل‬ ‫كبير أث ٍرة لدى ِ‬
‫بات يحوز على ِ‬
‫ُّلطة قد أفضى‬ ‫فة والس ِ‬
‫فإن التحالف الناشئ بين المعر ِ‬
‫الن ِقد من جرٍأة‪َّ ،‬‬
‫ما تدينه بعض فصول الفلسفة الوضعيَّة في َّ‬
‫مرحلة تكوينِه وبينه في‬
‫ِ‬ ‫ِّناعي في‬
‫المجتمع الص ِّ‬
‫ِ‬ ‫ألن «مقارنةً سريعةً بين ِ‬
‫نقد‬ ‫الن ِقد‪َّ .‬‬ ‫حد ِة ِ‬
‫كلمة َّ‬ ‫خفض َّ‬
‫ِ‬ ‫بدوره إلى‬
‫مفر للفلسفة من‬ ‫‪27‬‬ ‫ِ‬
‫أساسه » ‪ .‬فال َّ‬ ‫النقد من‬‫ييف الذي أصاب هذا َّ‬ ‫اللة على مدى التز ِ‬ ‫للد ِ‬
‫اهن تكفي َّ‬ ‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫وضعه َّ‬
‫ثمة «وهن طارئ» أْل ِحق حديثًا بين الخصوم التقليديِّين في عالم الفكر‪ .‬ولقد َّ‬
‫تم اإلكراه على‬ ‫االعتراف هاهنا َّ‬
‫بأنه َّ‬
‫سنة اللِّقاء التقليدي بين الج ْمع ْي ِن‪ .‬فما هي أعراض قمع َّ‬
‫النقد وتزييفه؟‬ ‫القبول بهذا الوهن على غير َّ‬

‫أهل الالَّفلسفة‬
‫بضده العجم من ِ‬
‫ِّ‬ ‫بالن ِقد من تز ٍ‬
‫ييف‪ 28‬أتاه‬ ‫يحدد ماركوز دالالت ثالث تشهد على ما أْل ِحق َّ‬ ‫ِّ‬
‫افتتان بالطَّ ِ‬
‫ابع الهالمي للمعاص ِرة ومشاهدها الفرجويَّة‪ .‬وهي كاآلتي‪:‬‬ ‫ٍ‬ ‫لِما وقعوا فيه من‬

‫ِ‬
‫الفالسفة على‬ ‫ِ‬
‫لبعض‬ ‫النقد‪ .‬فمنذ االحتجاجات العمليَّة‬ ‫َّ‬
‫محل ثقافة َّ‬ ‫الدَّاللةُ ُاألولى‪ :‬إحالل ثقافة األدلجة‬
‫َّة وسياسي ٍ‬
‫َّة‬ ‫المتشكلة في نظٍم ثقافي ٍ‬
‫ِّ‬ ‫الدؤوب لأليديولوجيا‬‫للقرن العشرين بدأ العمل َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫تبعات الحرب ْي ِن العالميَّت ْي ِن‬
‫الرأي وتوجيهه‪ .‬والواقع‪َّ ،‬‬
‫أن‬ ‫ِ ‪29‬‬
‫العقول» عبر منهج صناعة َّ‬ ‫ِ‬
‫قصف‬ ‫َّة‪ ...‬الخ على «‬‫َّة وتربوي ٍ‬ ‫َّة واجتماعي ٍ‬ ‫واقتصادي ٍ‬
‫بالرغم‬ ‫اع ِ‬
‫القائم بين ن ْزعت ْي التغريب والتحرير‪ .‬وذلك َّ‬ ‫الصر ِ‬
‫ق ِّ‬ ‫ِ‬
‫النهاية ضمن أ ْف ِ‬ ‫بالن ِقد يندرج في‬
‫التنكيل األيديولوجي َّ‬
‫مهمة وصف ما هو‬ ‫النمو والسيط ِرة‪ ،‬أيديولوجيا تأخذ على ِ‬
‫عاتقها َّ‬ ‫نشأة «أيديولوجيا جديدة في طر ِيقها إلى ِّ‬‫من ِ‬
‫مهام أيديولوجيا االتجاه‬ ‫‪30‬‬
‫وجار» ‪ .‬ومن ِّ‬ ‫ٍ‬ ‫فهم ما هو حادث‬ ‫استبعاد المفاهيم التي تساعد على ِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫وجار مع‬ ‫حادث‬
‫َّة ِ‬
‫بداخ ِل عالِم المصطلحات َّ‬
‫النقديَّة التي كانت تتحصَّن فيما مضى بما أودعه فيها‬ ‫ات باطني ٍ‬ ‫القمعي إحداث تحوير ٍ‬
‫وجدي ٍ‬
‫َّة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫استقامة ِّ‬ ‫الفالسفة من‬

‫قافة الليبر ِ‬
‫الية التي‬ ‫مفعول وفرة المتاح من الثَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫النقد بدأ هو اآلخر يعرج تحت‬ ‫للش ِّك َّ‬
‫أن َّ‬ ‫وم َّما ال يدع مجاالً َّ‬
‫المقابل‪ ،‬ما في النَّ ِقد من ِ‬
‫معاول النَّبش في ثنايا‬ ‫ِ‬ ‫اليومي من لطائف احتفاليَّة‪ .‬ليغيب‪ ،‬في‬‫ِّ‬ ‫تغوي َّ‬
‫الناس بما في‬
‫النظري منه والعملي)‪ .‬لقد‬ ‫النقدي ( َّ‬
‫وبالنتيجة‪ ،‬بدأ التفسُّخ يطال كبرى مقوالت العقل َّ‬‫َّ‬ ‫ِ‬
‫المسكوت عنه حضاريًّا‪.‬‬
‫فيع‪...‬‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫الهابط و َّ‬ ‫ديء منها والجيِِّد‪،‬‬
‫الر ِ‬ ‫ِ‬
‫متون العقل البشري‪َّ ،‬‬ ‫ِ‬
‫التماثل بين‬ ‫ِ‬
‫فرض‬ ‫ناعي على‬
‫الص ُّ‬‫حرص المجتمع ِّ‬
‫َّ‬
‫ليحل تماثل‬ ‫ِ‬
‫صنوف األلوان‬ ‫الحق بين‬
‫ّ‬ ‫ِ‬
‫تعديم الفروق‬ ‫ِ‬
‫المقام على‬ ‫الخ‪ .‬وتعمل آليات الصَّهر األيديولوجي في هذا‬
‫ِّناعي الذي ينتهج سياسة دم ٍج‬ ‫المجتمع الص ِّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الباهت‪ .‬وهكذا‪ ،‬يالحظ «في‬ ‫مادي‬ ‫الك ّل المتباين في دائرِة َّ‬
‫الر ِّ‬
‫النقدي لتصبح مصطلحات وصفيَّة‪ ،‬عامليَّة‪ ،‬مخيِّبة‬ ‫ِ‬
‫فقدان محتواها َّ‬ ‫متعاظم‪ ،‬أ َّن هذه المقوالت هي في ِ‬
‫سبيلها إلى‬ ‫ٍ‬
‫س «توجيه‬ ‫علما وأنَّه قد ِسيق به إلى ح ْب ِ‬ ‫ُّ‬ ‫ِّ‬
‫المتصدع مثل هذه المفاسد الفكرية واللغويَّة ً‬ ‫ومثبِّطة»‪ .31‬وقد يسع العقل‬
‫العقول في بعٍد ٍ‬
‫جديد»‪ 32‬كما يقول هربرت شيللر في كتابِه المتالعبونُُبالعقولُ‪.‬‬ ‫ْ‬
‫‪011‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫نظام العالِم حتى تغدو معارضته عمالً يوميًّا مسالِ ًما وميَّاالً‬ ‫تغيير ِ‬
‫ِ‬ ‫الداللةُ ُالُثَّانيةُ‪ :‬تحييد النَّقد عن إر ِ‬
‫ادة‬ ‫َُّ‬
‫ِ‬
‫التناقضات‬ ‫مغار ِ‬
‫س‬ ‫ِ‬ ‫ائر اإلعالم السياسي الفج والفكر السَّلبي أكثر من االنخر ِ‬
‫اط في‬ ‫االشتغال في دو ِ‬ ‫ِ‬ ‫إلى‬
‫ديمومة محاو ِ‬
‫الت‬ ‫ِ‬ ‫َّة واإليجابي ِ‬
‫َّة‪ .‬فضالً عن‬ ‫َّة والقطعي ِ‬
‫الحدي ِ‬ ‫الحاد ِة‪ .‬ينبغي إ ًذا تجنيب َّ‬
‫النقد بلوغ مرحلة ِّ‬ ‫َّ‬ ‫االجتماعي ِ‬
‫َّة‬
‫شيوعا في عال ِمنا‬
‫ً‬ ‫ثمة‪ ،‬بات االهتمام الثَّ ُّ‬
‫قافي األكثر‬ ‫َّة‪ .‬ومن َّ‬‫بض الحري ِ‬ ‫ِ‬
‫اإلخالد إلى ر ِ‬ ‫عما يم ِّكن َّ‬
‫الناس من‬ ‫صرِفه َّ‬
‫التكنولوجي فلح ثقافة الالَّمباالة‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫العصر‬ ‫وفكر‪ .‬كان ينبغي على‬‫كالما ًا‬ ‫ِ‬
‫األمور وأوضعها ً‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سفاسف‬ ‫ال يأتي إالَّ على‬
‫الناس والطَّبيعة‬ ‫عما يخدم الحياة و َّ‬‫إنتاج سبل إلهاء النَّاس َّ‬
‫ِ‬ ‫علما و َّأنها ثقافة م ْفلِحةٌ في‬
‫التحرر‪ً .‬‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫مطلب‬ ‫الرَّدة عن‬
‫و ِّ‬
‫بمديح ما أنعمت به علينا الحضارة‬ ‫ِ‬ ‫الذاكرة الحيَّة واألثر العظيم والحدث الجسيم‪ .‬لطالما طالعتنا الثقافة المعاصرة‬ ‫و َّ‬
‫أن «استقالل الفكر واالستقالل َّ‬
‫الذاتي‬ ‫ِّ‬
‫بضد ذلك َّ‬ ‫ِ‬
‫التفكير‪ .‬ولكن‪ ،‬ماركوز يرى‬ ‫الحديثة من مغانم االستقالل في‬
‫ات أقدر‬‫بالذ ِ‬
‫بفعل تنظيمه َّ‬
‫مجتمع يبدو ِ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫جوهرها في‬ ‫النقدي ِ‬
‫َّة في‬ ‫تتجرد من وظيفتِها َّ‬ ‫معارضة سياسي ٍ‬
‫َّة َّ‬ ‫ٍ‬ ‫والحق في‬
‫ليس من االستقاللية والحق في شيء‪.‬‬ ‫‪33‬‬ ‫يوما بعد يوم على ِ‬
‫تلبية الحاجات الفرديَّة»‬ ‫ً‬

‫الدَّاللةُ ُالثَّالثةُ‪ :‬تقريظ الفكر السَّلبي‪ .‬ويعني ماركوز بذلك ك ّل فكر نكوصي م ْقنِع بالمسالمة وم ْدبِ ٍر إزاء‬
‫ِ‬
‫القول‬ ‫ظر و ِ‬
‫العمل‪ ،‬من‬ ‫بهدي لزوم ما يلزم من ا َّلن ِ‬
‫ِ‬ ‫قدي الجريء هو الذي يستنير‬ ‫حتميات التغيير‪ .‬فالفكر النَّ ُّ‬
‫ِ‬
‫بلزوم ما ال‬ ‫ِ‬
‫شغفه‬ ‫الناس بكثرِة‬ ‫ِ‬
‫عقول َّ‬ ‫َّلبي هو الذي يسيطر على‬ ‫قيض من ذلك‪َّ ،‬‬
‫فإن الفكر الس َّ‬ ‫أما على النَّ ِ‬ ‫و ِ‬
‫الفعل‪َّ .‬‬
‫ِ‬
‫بالعمل‬ ‫العطوف و ِ‬
‫المباد ِر‬ ‫ِ‬ ‫ف‬‫متعافية سرعان ما يصطدم بالمثقَّ ِ‬
‫ٍ‬ ‫الفلسفي العامل على ِ‬
‫بناء حضارٍة‬ ‫ُّ‬ ‫يلزم‪َّ .‬‬
‫فالش ْوق‬
‫الثقافي‬
‫َّ‬ ‫إن التزييف‬ ‫نظام الحضا ِرة القمعي ِ‬
‫َّة‪َّ .‬‬ ‫التصد ِع في ِ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫بدايات‬ ‫حتى على ِّ‬
‫سد الفرو ِج األولى التي قد تشهد على‬
‫َّال» إذا جازت لنا استعارة عبارة‬ ‫للعقل الفع ِ‬
‫قدي « ِ‬ ‫ات هو عين ِمراس القمع على ِ‬
‫البعد َّ‬
‫الن ِّ‬ ‫الحاصل من هكذا مسار ٍ‬
‫قوة‬
‫قوته ‪َّ -‬‬ ‫ُّ‬
‫يستمد منه َّ‬ ‫فإن «زوال هذا البعد الذي كان الفكر السَّالب‬ ‫سياقها‪ .‬وفي المحصَّل ِة‪َّ ،‬‬ ‫غير ِ‬ ‫فارابيَّة في ِ‬
‫ي الذي يفلح المجتمع الصِّناعي عن طر ِيقه في إخر ِ‬
‫اس‬ ‫ِّ‬
‫الماد ِّ‬ ‫للتطوِر‬
‫ُّ‬ ‫النقديَّة‪ -‬يمثِّل المقابل األيديولوجي‬ ‫العقل َّ‬
‫َّالب واإليجابي يجد م ْغرسا له حسب ماركوز في ِ‬
‫منبت‬ ‫إن التعارض بين الفكرْي ِن الس ِ‬ ‫المعارضات وابتالعها»‪َّ .34‬‬
‫ً‬
‫َّة أن‬‫الحري ِ‬
‫أرض ِّ‬‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التمكين في‬ ‫الناقد في مسعاه من ِ‬
‫أجل‬ ‫يبي‪ .‬لذا‪ ،‬توجَّب على الفكر َّ‬ ‫ي والتجر ِّ‬ ‫ِ‬
‫الحداثة بشقَّْيها النظر ِّ‬
‫َّليم‪ .‬وبنظر ماركوز‬ ‫الحس الس ِ‬‫ِّ‬ ‫الحس المشترك من‬ ‫صنافة مقوالت النَّقد حتى يميز‬ ‫ِ‬ ‫ظر في‬ ‫الن ِ‬ ‫ِ‬
‫إعادة َّ‬ ‫يعمل على‬
‫ّ‬
‫يبي على‬ ‫ي وشكلِها التجر ِّ‬ ‫بالجديد‪ .‬فالعقالنيَّة المحدثة تنطوي في شكلِها َّ‬
‫النظر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫فإن «مثل هذا التحديد ِ‬
‫للفكر ليس‬ ‫َّ‬
‫موقف مسالٍِم غير نقدي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫الوقت نفسه على‬ ‫الفلسفي كما تنطوي في‬
‫ِّ‬ ‫العلمي و‬
‫ِّ‬ ‫المنهج‬
‫ِ‬ ‫َّة مشطَّ ٍة في‬ ‫َّة نقدي ٍ‬
‫عة جذري ٍ‬
‫نز ٍ‬
‫تطاحن قوى العقل البشري‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المقام من‬ ‫الحس المشترك في هذا‬
‫ُّ‬ ‫تجاه المؤسَّسات االجتماعية القائمة»‪ .35‬فما هو‬
‫ناقدا وا َّما صموتًا؟‬
‫إما ً‬ ‫ِ‬
‫بالفكر َّ‬ ‫أجل االستفرِاد‬
‫من ِ‬

‫ِ‬
‫تثبيت‬ ‫إن ما يثير انشغال ماركوز هو الهاجس الذي لدى البعض وقد غنموا من كيفيَّات االستزادة من‬‫َّ‬
‫الرأي حسَّهم‬ ‫ِ‬
‫االحتماء بأيديولوجيا صناعة َّ‬ ‫الناس يرون في‬ ‫ِ‬
‫باالنتصار لها‪ ،‬حتى صار م ْعظم َّ‬ ‫عماد األيديولوجيا‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫مقاما يسع متعة تجاهلهم لمشقَّ ِة تغيير نظام العالم‪ .‬والحاصل‬ ‫المشترك الذي وجب عليهم حمايته‪ .‬إ ْذ يرون فيه ً‬
‫الوطن‬ ‫ِ‬
‫األرض و ِ‬ ‫بنظر أيديولوجيا الحس المشترك غ ْيبةً في ِّ‬
‫حق‬ ‫سليما‪َّ ،‬إنما أتى ِ‬
‫تفكير ً‬
‫ًا‬ ‫بالن ِقد‬
‫أن م ْن أتى َّ‬ ‫من ذلك‪َّ ،‬‬
‫شأن هذا الذي يعاب به‬‫العام ِة‪ .‬حقًّا‪ ،‬إنَّه ل ِم ْن ِ‬ ‫ِ‬
‫اآلداب َّ‬ ‫األمر أو حماقةً َّ‬
‫ضد‬ ‫ِ‬ ‫أو كراهةً لبني ِج ْن ِس ِه أو عداوةً ألولي‬
‫أن «ما يسبغ على‬ ‫بالن ِقد منت ِهكةً لِح ْرمتِ ِه‪ .‬يعترف ماركوز َّ‬ ‫ِ‬
‫الستئثار األيديولوجيا َّ‬ ‫كافيا‬
‫النقد أن يكون ً‬ ‫على قوى َّ‬
‫اسة ميول المجتمع سواء أكانت‬ ‫أن التحليل يجب أن يعمل من "الخارِج" لدر ِ‬ ‫الن ِقد هذا الطَّابع اإليديولوجي هو َّ‬ ‫َّ‬
‫حد ميلِ ِه إلى‬
‫الحق بمقاييس العقل الفلسفي فهو انكماش النَّقد َّ‬
‫ُّ‬ ‫أما الخطر‬ ‫‪36‬‬
‫إنتاجيةً أم َّ‬
‫هدامةً» ‪َّ .‬‬ ‫َّ‬ ‫َّ‬
‫إيجابيةً‪،‬‬ ‫َّ‬
‫سلبيةً أم‬
‫شرعها له كانط من قْب ِل نيتشه وماركوز‪ .‬وهكذا‪ ،‬يحول تجاوب الفكر السَّلبي مع الكائِ ِن‬
‫التفصي من واجباتِه التي َّ‬
‫ِّ‬
‫يشرد‪ .‬والواقع َّأنه‪« ،‬عندما‬
‫فكر من هذا الجنس ال يربك فال ِّ‬ ‫إن ًا‬‫الم ْغت ِر ِب دون محاوالت التغيير االجتماعي‪َّ .‬‬
‫ِ‬
‫قوقعة‬ ‫نفسه في‬‫النقد على ِ‬ ‫ِ‬
‫األنظار ومنعدمةً‪ ،‬ينكفئ َّ‬ ‫تكون عوامل التغيُّر االجتماعي األساسيَّة غائبةً عن‬
‫‪38‬‬ ‫ِ‬
‫التماثل قتالً للفروق والتمايزات‬ ‫التجر ِيد»‪ .37‬وهو ما يترتَّب عنه نزوع اإلنسان والشيء واللُّغة إلى مز ٍيد من‬
‫الكالسيكي‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫المعهودة في ِ‬
‫الفكر‬

‫‪ .3‬فيُلزومُُ َّ‬
‫النقد‪:‬‬
‫اضه‪ .‬وحاجة الفالسفة منه‬ ‫ض من أعر ِ‬ ‫الفلسفي‪ ،‬وال هو عر ٌ‬
‫ِّ‬ ‫أن‬ ‫ِ‬
‫محدثات األمور في َّ‬
‫الش ِ‬ ‫ليس َّ‬
‫النقد من‬
‫أيضا حاجة ِّ‬
‫متأكدة في الموقف الفعلي‪ .‬وهذا ما ثبَّته بونيفاس‬ ‫النظري وحسب‪ ،‬وانَّما هي ً‬‫ما عادت تقتصر عل َّ‬
‫بقوله‪« :‬أمام انتشار انعدام المساواة‪ ،‬والصُّعود المتنامي للمظالم‪ ،‬والخروق المتزايدة للحقوق وللكرامة اإلنسانيَّة‪،‬‬
‫ِ‬
‫بفضل العولمة ووسائل اإلعالم‪ ،‬لم يعد مقبوالً للمثقّف‪ ،‬وان كان باحثًا في العلوم‪ ،‬أن‬ ‫وسهولة معرفة هذه األمور‬
‫ِ‬
‫البدن بلغة‬ ‫الرئيس» في‬
‫محل «العضو َّ‬‫َّ‬ ‫النقد استهالل الفلسفي‪ ،‬فهو فيه متجوهر ٌّ‬
‫حال‬ ‫إن َّ‬
‫قمته»‪َّ .39‬‬ ‫يبقى فوق َّ‬
‫ٌ‬
‫النقد أحواالً كثيرةً وتسميات شتَّى‪ .‬وفي مجملِه هو الفرز والتمييز والتفريق و ُّ‬
‫التظنن‪ .‬وفي‬ ‫الفارابي‪ .‬ولقد اتخذ َّ‬
‫ونا في ما ال يراد له أن يقال أو ي َّ‬
‫فكر فيه‪ .‬وهو ب ْعد الفلسفة‬ ‫َّ‬
‫وتضخم كم ً‬ ‫عصرنا هو استقبا ٌل لما ترسَّب خ ْفيةً‬
‫تدمرها‬ ‫ومهمتها التاريخيَّة إالَّ أن ِّ‬
‫تفجر الوقائع المعطاة بل أن ِّ‬ ‫َّ‬ ‫األشد حسب ماركوز لقوله‪« :‬وما ب ْعد الفلسفة‬
‫ِ‬
‫المعاصر وفي ما ذهب إليه كتاب اإلنسانُذوُالبعد ُالواحد‬ ‫ِ‬
‫التفكير‬ ‫ِ‬
‫المقام من‬ ‫تدمير»‪ .40‬يعني التَّدمير في هذا‬
‫ًا‬
‫اعا‪:‬‬ ‫ِ‬
‫مهام ثالث نطرحها تب ً‬
‫إنجاز َّ‬

‫اقد على انت از ِع ستائر تحجَّبت بها‬‫الن ِ‬ ‫ِ‬


‫الفيلسوف َّ‬ ‫المه َّمة ُاألولى‪ :‬إزالة األقنعة‪ .‬يتمثَّل األمر هنا في ِ‬
‫عمل‬
‫ِ‬
‫المغالطات جنيسة لتلك «األكاذيب‬ ‫وقائع العالم المعطى بما هي وقائع ال تريد ِ‬
‫لنفسها االنكشاف‪ .‬فهي جملةٌ من‬
‫ِ‬
‫العاملة سياسيًّا وحقوقيًّا وتربويًّا على‬ ‫ِ‬
‫للمعارف‬ ‫مولي‬ ‫الخطاب ُّ‬
‫الش ِّ‬ ‫ِ‬ ‫يتم تنسيقها عادةً في‬ ‫‪41‬‬
‫الحمراء» واألوهام التي ُّ‬
‫بناية المجتمع المعاصر بوصفها سليلة عقالنية الحداثة‪ .‬وكلَّما أمعن أهل الثَّقافة السَّطحيَّة في‬ ‫المحافظة على ِ‬
‫ِ‬
‫ِّ‬
‫الحق‬ ‫النقد هو الجرأة التي تتجلَّى ً‬
‫بيانا في‬ ‫إن َّ‬ ‫اقد إالَّ وازداد هذا األخير ُّ‬
‫تجذ ًار ومناعةً‪َّ .‬‬ ‫بالفكر النَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التنكيل العقالني‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫ٍ‬
‫مهابة‬ ‫عما اكتسبته من‬ ‫أن الثقافة السَّائدة والمدعومة رسميًّا فضالً َّ‬ ‫ِ‬
‫بالعمل‪ .‬غير َّ‬ ‫ظر أم‬ ‫سواء أتعلَّق األمر َّ‬
‫بالن ِ‬
‫أن صلفًا من هذا القبِ ِ‬
‫يل سرعان ما‬ ‫العلوم اإلنسانيَّ ِة تزداد صلفًا‪ .‬غير َّ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫التحديث في‬ ‫ِ‬
‫مقولة‬ ‫تاريخي ٍ‬
‫َّة النتسابِها إلى‬
‫الهادفة مثلما كان يفعل نيتشه في كتابِه غسقُ ُاألوثان‪ .‬ولقد‬ ‫ِ‬ ‫ق «مطرقة تتكلَّم»‪ 42‬بضرباتِها‬ ‫ِ‬
‫بمفعول ط ْر ِ‬ ‫يلين‬
‫الرهانات الحداثيَّة وما تخفيه‬
‫فضح خائنة ِّ‬‫ِ‬ ‫َّة لقدرتِها على‬ ‫الممارسة النَّقدي ِ‬
‫ِ‬ ‫عصرنا ُّ‬
‫الكل تقر ًيبا على‬ ‫ِ‬ ‫تطاول في‬
‫الحامية لها‪ .‬ولقد بلغ األمر َّ‬
‫حد توسُّل أهل الفكر َّ‬
‫النقد مزيَّة‬ ‫ِ‬ ‫العلوم اإلنساني ِ‬
‫َّة‬ ‫ِ‬ ‫بعضا من‬ ‫أيديولوجيتها أو حتى‬
‫ً‬
‫ِ‬
‫بالتشويه‪.‬‬ ‫أحيانا بعض قيم النَّقد ومقوالته‬ ‫ً‬ ‫ق طال‬ ‫مما شابه من استرقا ٍ‬ ‫الراهن َّ‬
‫تحرير َّ‬

‫فانقالب معظم معاني المفاهيم والغالبيَّة من مفردات لغات األخالق والسياسة والحقوق والتربية واالجتماع‬
‫ِ‬
‫بمنظومة التزييف‬ ‫قدي الذي ال تأخذه‬ ‫ِ‬
‫الخطاب َّ‬
‫الن ِّ‬ ‫تشكيل ٍ‬
‫نظام من‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫إعادة‬ ‫والتاريخ‪ ،‬صار يحتاج ِ‬
‫بنظر ماركوز إلى‬
‫للغة النَّ ِقد التي‬
‫النجاعة يقتضي مراجعةً ِ‬
‫ِ‬ ‫حد إكسابه ما يلزم من‬ ‫النقد َّ‬ ‫ِ‬
‫تفعيل َّ‬ ‫شفقة وال رحمة‪َّ .‬‬
‫إن المراهنة على‬
‫الت وتسليط الضَّوء على الكيفي ِ‬
‫َّة‬ ‫أن «محاولة استرداد المحتوى النَّقدي لهذه المقو ِ‬ ‫ت نبرتها‪ .‬غير َّ‬‫خفت صوتها والن ْ‬
‫ِ‬
‫خدمة‬ ‫اجعا من ِقب ِل نظريَّة عاملة في‬ ‫َّ‬
‫رجعيةً‪ :‬تر ً‬ ‫موه بها الواقع االجتماعي هذا المحتوى قد تبدو خطوةً‬ ‫التي َّ‬
‫ِ‬
‫الفلسفة »‪َّ . 43‬‬
‫إن‬ ‫السياسي إلى‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫االقتصاد‪-‬‬ ‫تحوالً من‬
‫لي‪ُّ ،‬‬ ‫المجرِد و ُّ‬
‫التأم ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الفكر‬ ‫ٍ‬
‫شكل من‬ ‫الممارسة التاريخيَّة إلى‬
‫ٍ‬
‫إفساد‬ ‫مما طالها من‬ ‫ي قطُّ أن يعاديها َّ‬ ‫ِ‬
‫للعقل البشر ِّ‬ ‫الدفاع عن ِ‬
‫القيم التي ما كان‬ ‫المهمة التاريخيَّة األوكد هي ِّ‬
‫َّ‬
‫تطرق ماكس فيبر في‬ ‫العلوم اإلنساني ِ‬
‫َّة‪ .‬ولقد َّ‬ ‫ِ‬ ‫شوهتها بعض مواقف ت ْنسب نفسها إلى‬ ‫أخالقي ومهما َّ‬
‫ٍّ‬ ‫ي أو‬‫نظر ٍّ‬
‫فك ِر وخاصَّة‬ ‫ِ‬
‫بالعقلنة والتَّ ُّ‬ ‫أن مصير عصرنا المتميِّز‬ ‫األمر ِّ‬
‫ليؤكد « َّ‬ ‫ِ‬ ‫كتابِه رجلُ ُالعلمُورجلُ ُالسُياسة إلى ِ‬
‫مثل هذا‬
‫الح ْمل الذي سلَّطه‬ ‫إن ِ‬ ‫العام ِة»‪َّ .44‬‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫الحياة‬ ‫سموا في‬ ‫هدم ِ‬
‫القيم العليا األكثر ًّ‬ ‫بفك سحر العالم قد قاد البشر إلى ِ‬ ‫ِّ‬
‫بإمالءات التشر ِ‬
‫يط‬ ‫ِ‬ ‫طوعا أو كرًها‬ ‫ِ‬ ‫الن ِ‬ ‫غالبا ما يدفع ِّ‬
‫بجل َّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫العلوم و ِ‬
‫القبول ً‬ ‫اس إلى‬ ‫الفنون واإلنسانيَّات ً‬ ‫العصر على‬
‫الت الحقوقي ِ‬
‫َّة‪.‬‬ ‫ببهاء التكنولوجيا والمقو ِ‬
‫ِ‬ ‫المرمِم‬
‫َّ‬ ‫ناعي‬
‫الص ِّ‬
‫للمجتمع ِّ‬
‫ِ‬ ‫الثقافي‬
‫ِّ‬

‫نقد يحتاجه العقل البشري في‬ ‫اس ٍ‬ ‫الراهن محفِّزة على مر ِ‬ ‫ِ‬
‫اعتبار أوزار َّ‬ ‫يتردد ماركوز في‬ ‫ِ‬
‫المقابل‪ ،‬ال َّ‬ ‫وفي‬
‫ان المشروطين‬ ‫وقت مضى‪ .‬وحسبه «إذا كانت الغالبيَّة العظمى من َّ‬
‫السك ِ‬ ‫أي ٍ‬ ‫العلوم اإلنساني ِ‬
‫َّة أكثر من ِّ‬ ‫ِ‬
‫الفلسفة و ِ‬
‫للن ِقد»‪ .45‬فهذه‬
‫َّة المجتمع وال تقلِّل من قابليَّتِه َّ‬
‫االتجاه تقبل بهذا المجتمع‪ ،‬فهذه الواقعة ال تزيد من عقالني ِ‬
‫ِ‬ ‫في هذا‬
‫سوغت له حتى الحداثة نفسها مع كانط بالخصوص الذي‬ ‫القابليَّة هي العزم الذي يتوفَّر عليه الفكر َّ‬
‫الناقد وقد َّ‬
‫أدق معانيه الكانطيَّة هو‬ ‫للن ِقد‪ :‬ال شيء عليه اإلفالت منه»‪ .46‬و َّ‬
‫النقد في ِّ‬ ‫الحقيقي َّ‬
‫ُّ‬ ‫صرنا هو العصر‬ ‫إن ع ْ‬‫يقول‪َّ « :‬‬
‫ِ‬
‫جملة مفاهيم العقل َّ‬
‫النقدي‪.‬‬ ‫الزوج المفهومي الواحد من‬ ‫ِ‬
‫للحدود بين طرفي َّ‬ ‫رسم‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬

‫ِ‬
‫ممكنات َّ‬
‫النقد إلى ما‬ ‫النظر في‬ ‫ِ‬
‫الممكن‪ .‬يحيلنا َّ‬ ‫المه َّمة ُالثَّانيةُ‪ُ :‬رسم خطّ التباين بين عالم ْي المعطى و‬
‫ِّ‬
‫الحق‪.‬‬ ‫الن ِ‬
‫اس‬ ‫ي من ِ‬
‫أمور َّ‬ ‫ِ‬
‫المقابل ِّ‬
‫للجد ِّ‬ ‫هاتكة لستارتِه‪ ،‬مثبِّت ٍة في‬
‫ٍ‬ ‫سالبة للتز ِ‬
‫ييف‬ ‫ٍ‬ ‫يتوفَّر عليه حقيقةً من اقتدار ٍ‬
‫ات‬
‫قانونا‬
‫ً‬ ‫َّة الس ِ‬
‫َّائدة‬ ‫بالمصالح االجتماعي ِ‬
‫ِ‬ ‫كل تجربة ال تقبل‬ ‫كل يقظة وعي‪َّ ،‬‬‫أن َّ‬
‫ومن هذا المنطلق يرى ماركوز « َّ‬
‫‪011‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫ِ‬
‫مصطلحات الحقيقة‬ ‫ُّلوك يجب أن تضع موضع تساؤل حاجات وتلبيات العالم القائم على‬ ‫للفكر والس ِ‬‫ِ‬ ‫أعلى‬
‫التحليل‪ ،‬فهو ربطٌ لذاتِه ولمقوالتِه بوقائع عالم‬
‫ِ‬ ‫جهة النَّ ِقد أو من ِ‬
‫جهة‬ ‫منظور إليه من ِ‬
‫ًا‬ ‫و َّ‬
‫الزيف»‪ .47‬ول َّما كان الفكر‬
‫حاد ٍة‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫متناقضات َّ‬ ‫األعيان‪ :‬معاش َّ‬
‫الناس وما بطن من‬

‫خصوصا‪ .‬فهذه‬ ‫االجتماعية‪-‬التَّاريخي ِ‬


‫َّة‬ ‫ِ‬ ‫َّة عموما والنظري ِ‬
‫َّة‬ ‫العلوم اإلنساني ِ‬
‫ِ‬ ‫ومن هنا مأتى الحاجة إلى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ِ‬
‫مختلف جوانبِه‪ .‬وهنا تنشأ‬ ‫الزمني الذي هو صيرورة المفعول البشري في‬ ‫ق َّ‬ ‫النقديَّة باأل ْف ِ‬
‫تمد الممارسة َّ‬ ‫األخيرة ُّ‬
‫ي‪َّ ،‬‬
‫فإن‬ ‫يخ أثر ٍّ‬
‫نفسه من تار ٍ‬‫قدي‪ .‬ونحن لو تجاوزنا ما يقوله عصرنا عن ِ‬ ‫يخ َّ‬
‫الن ِّ‬ ‫علم التار ِ‬‫الحاجة مضاعفةً إلى ِ‬
‫الرهانات العظمى‬ ‫قدي هو دائرة التاريخ عينها وحيثما تتصارع إرادات الممكنات وسلطات ِّ‬ ‫ِ‬
‫للفعل النَّ ِّ‬ ‫المتاح أ ْفقًا‬
‫الزائف منها والحقيقي)‪ .‬يعترف ماركوز‪ ،‬بوصفه أحد أعالم مدرسة فرانكفورت‪ ،48‬بِنس ٍب‬ ‫ومواقع األسماء الكبرى ( َّ‬
‫أن النظريَّة االجتماعية هي نظرَّيةٌ تاريخيَّةٌ‪ ،‬والتاريخ هو‬ ‫العلوم اإلنساني ِ‬
‫َّة‪ 49‬يؤسِّسه النَّقد‪ .‬ففي ِ‬
‫نظره « َّ‬ ‫ِ‬
‫الفلسفة و ِ‬ ‫بين‬
‫ِ‬
‫الممكن‬ ‫ِ‬
‫بحاجة‬ ‫اآلن ذاتِه‬
‫يقر في ِ‬
‫ُّ‬
‫‪51‬‬
‫ناقدا ال يلين»‬
‫أن ماركوز وبوصفه « ً‬ ‫ميدان الممكن داخل الضَّرورة»‪ .50‬غير َّ‬
‫ِ‬
‫ألفضل تحقي ٍ‬
‫ق‬ ‫ِ‬
‫التساؤل‪« :‬ما هي أفضل طريقة‬ ‫مسار اشتغالِه‪ ،‬وهو ما دفعه إلى‬
‫ِ‬ ‫منهجا إلمكانِه‪ ،‬فيهتدي به في‬
‫ً‬
‫إن المنهج القويم في ِ‬
‫ارد المتوفِّ ِرة؟» ‪َّ .‬‬ ‫ِ‬
‫لتنظيم المو ِ‬ ‫من بين شتَّى الطُّرق َّ‬
‫‪52‬‬
‫فهم مسالك‬ ‫الراهنة والممكنة المستخدمة‬
‫للمجتمع المعبَّأ بتكنولوجيا الغزو البيئي والحياتي والفكري‪ ...‬الخ‪ ،‬هو منهج الفرز بين المتعافي‬ ‫ِ‬ ‫التغيير النَّوعي‬
‫المعتل‪ .‬ول َّما كان المتعافي هو المنشود إنسانيًّا و ُّ‬
‫المعتل هو الموجود حضاريًّا والمدان فلسفيًّا‪ ،‬فقد أ ْوجب َّ‬
‫الن ْقد‬ ‫و ِّ‬
‫َّة مثلما هو الحال مع كانط ونيتشه‪.‬‬ ‫َّة حين متابعته لرهاناتِه التاريخي ِ‬
‫نفسه أن ينقاد لشرعتِه الفكري ِ‬
‫على ِ‬

‫قدي‪،‬‬ ‫أن التحليل َّ‬


‫الن َّ‬ ‫ت‪ .‬و« ُّ‬
‫الحق َّ‬ ‫وعليه‪ ،‬فال مناص له من ش ِّ‬
‫ق ثنايا المتناقضات وطيَّاتها التي بها سكن ْ‬
‫وقت مضى»‪.53‬‬ ‫المواجه لوقائع متناقضة ظاهريًّا‪ ،‬ما يزال يعتبر التغيُّر االجتماعي ضروريًّا وملحًّا أكثر من أي ٍ‬
‫ِ‬
‫منظومة‬ ‫ِ‬
‫بالفرز ورسم خطوط التباين في‬ ‫وما هذه اإللحاحيَّة سوى عمل الفيلسوف الذي يرى فيه ماركوز االبتداء‬
‫الفلسفات المعاصرة نفسها‪ .‬فمنها الفلسفة الجاحدة الصَّموت ومنها المتجاسرة الغيور‪ .‬ولعلَّه من ِ‬
‫أوكد مهام النَّقد‬
‫لماء منها خذالًنا وانكما ًشا‪ .‬فـ«الفلسفة الصَّامتة»‪ 54‬بلغة دي سونتي‬ ‫الخانة الظَّ ِ‬
‫ِ‬ ‫تجاسر الفلسفة على ما وقر في‬
‫ِ‬
‫القائمة‬ ‫ِ‬
‫األشياء‬ ‫ِ‬
‫بحالة‬ ‫ألن «هذه الفلسفة التي ت ْف ِقر نفسها بنفسها قد كبَّلت ك ّل مفاهيمها‬
‫نقد َّ‬ ‫تحتاج بدورها إلى ٍ‬
‫ق لقو ِ‬
‫اعد الوقائع القائمة»‪ .55‬ففضيلة‬ ‫الرأس بخنوٍع مطل ٍ‬
‫َّة أي تجربة جديدة‪َّ .‬إنها تطأطئ َّ‬ ‫تشكك في إمكاني ِ‬
‫وراحت ِّ‬
‫الزمي ِن متالزم ْي ِن‪َّ :‬أولهُما‪ ،‬تشخيص ذاته‬
‫ْ‬ ‫للممكن أ ْمرْي ِن‬
‫ِ‬ ‫الفلسفة أنَّه يستهدف في مشروِع بنائِه‬
‫ِ‬ ‫المنهج َّ‬
‫النقدي في‬
‫تحليل الطَّر ِ‬
‫يقة التي‬ ‫ِ‬ ‫بد «من‬ ‫الموج ِب‪ .‬ومفاد ذلك َّأنه ال َّ‬
‫َّليب منها و ِ‬ ‫الحد بين الس ِ‬ ‫بغرض تمحيص آلياته ِ‬
‫لرسم ِّ‬ ‫ِ‬
‫أما ثانيُهُما‪،‬‬ ‫‪56‬‬
‫الشرط اإلنساني» ‪َّ .‬‬‫بشطط) إمكانياته لتحسين َّ‬ ‫ٍ‬ ‫يستخدم بها المجتمع (أو ال يستخدم‪ ،‬أو يستخدم‬
‫عما يؤ ِّمن له عافيته الفكريَّة عسى أن يقتدر على ح ْس ِن تشخيص أسباب الوهن الذي أصاب بنية‬ ‫فبحث َّ‬
‫النقد َّ‬
‫النظريَّة لِ ِعْلم ْي التاريخ‬ ‫ِ‬
‫للمنتجات َّ‬ ‫المعاصر‪ .‬ويترتَّب عن ذلك لزوم استيعاب النَّقد الفلسفي‬
‫ِ‬ ‫االجتماع البشري‬

‫‪011‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫ِ‬
‫التغيير التاريخي‪.‬‬ ‫الرهان األقوم في تطلُّ ِعه إلى‬ ‫المعطيات الضَّروري ِ‬
‫َّة لتخي ُِّر ِّ‬ ‫ِ‬ ‫والمجتمع حتى يتوفَّر له الكافي من‬
‫ِ‬
‫أسباب هذه‬ ‫ِ‬
‫البحث عن‬ ‫ِ‬
‫المعاصر ال مناص لها من‬ ‫جتمع‬
‫أي نظريَّة نقديَّة عن الم ِ‬ ‫وفي المحصَّل ِة‪َّ ،‬‬
‫فإن « َّ‬
‫ِ‬
‫لحسن‬ ‫إن الفضل العلمي‬ ‫ات أخرى »‪َّ . 57‬‬ ‫بتطور ٍ‬
‫ُّ‬ ‫ِ‬
‫الستبدالها‬ ‫التطورات ودراسة االحتماالت التاريخيَّة المتاحة‬
‫ُّ‬
‫ِ‬
‫بتعبير نيتشه‪.‬‬ ‫تكاسي»‬
‫ِّ‬ ‫َّال» و«اإلر‬ ‫المعاصر هو تثبيت الفوارق البي ِ‬
‫ِّنة بين «الفع ِ‬ ‫ِ‬ ‫يخ‬
‫تشخيص أسباب الفعل في التار ِ‬

‫ِ‬
‫المتقابالت‪ ،‬وهو ما ذهب إليه‬ ‫النقد ِ‬
‫لرسم الحدود بين‬ ‫ق نجد ما يدعم مطلب َّ‬‫وفي نِ ْسب ٍة إلى هذا السِّيا ِ‬
‫ِ‬
‫العقل‬ ‫الر ِ‬
‫ذيلة‪،‬‬ ‫ِ‬
‫الفضيلة و َّ‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ ُّ‬
‫الحد بين‬ ‫أندري فانونسيني في كتابِه مناظرُ ُالحداثة‪ ،‬حيث يستفهم «أين يكون‬
‫البيني؟»‪ .58‬فما عسى أن‬
‫ِّ‬ ‫لالنعكاس و ِ‬
‫التبادل‬ ‫ِ‬ ‫الفوطبيعي إذا كان ُّ‬
‫الكل قابالً‬ ‫ِّ‬ ‫اقعي و‬
‫المرضي‪ ،‬الو ِّ‬
‫ِّ‬ ‫السوي و‬
‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫الجنون‪،‬‬
‫و‬
‫ير‬ ‫ِ‬
‫المجاملة والتَّبر ِ‬ ‫ِ‬
‫بسقوط َّ‬
‫النقد في‬ ‫الصريح؟ و«ما معايير مثل هذا النَّقد؟»‪ .59‬أيتعلَّق األمر‬‫يكون منطوق النَّقد َّ‬
‫كائن أم في المناجزِة و ِ‬
‫التعليل لما يجب أن يكون عليه العالم؟‬ ‫لما هو ٌ‬

‫مما يْلزم َّ‬


‫النقد االلتزام به هو رسم خطّ التباين بين عالم ْي الخبرة اليوميَّة‬ ‫يرى ماركوز في هذا السِّيا ِ‬
‫ق َّأنه َّ‬
‫النقد بكيف ي ْف ِسد على‬ ‫الناس وال مفسدة ليقينِ ِهم الض ِّ‬
‫َّال‪ ،‬وبين عالِم المكاشفة الفلسفيَّة حيث يحدس َّ‬ ‫حيث يسكن َّ‬
‫الناس وما تصيَّر عليه الفيلسوف إقامةً‬ ‫الناس يقينهم‪ .‬يميِّز كتاب اإلنسانُ ُذو ُالبعد ُالواحد بين ما درج عليه َّ‬ ‫ِ‬
‫أساسي‬
‫ٍّ‬ ‫ق‬ ‫ِ‬
‫وجود فار ٍ‬ ‫األول إلى‬ ‫ِ‬
‫المقام َّ‬ ‫األساس «من الو ِ‬
‫اجب هنا أن نشير في‬ ‫ِ‬ ‫قان مع د ْرجتِ ِه ْم‪ .‬وعلى هذا‬
‫للفر ِ‬
‫ِ ُّ ِ‬ ‫الفكر واللُّ ِ‬
‫غة اليومي َّْي ِن وبين عالِم‬ ‫وحاسم بين عالِم‬
‫ٍ‬
‫الفكر واللغة الفلسفي َّْي ِن» ‪ .‬يوجد صراعٌ بين منظور ْ‬ ‫ِ‬
‫‪60‬‬
‫ي عالم ْي‬
‫النقد الغليظة متَّكأً‪ .‬لذا وجب‬ ‫ِ‬
‫منسأة َّ‬ ‫الوقائع المعطاة والممكنات المتاحة أمام إرادة الفعل التاريخي وقد اتخذ له من‬
‫ثمة في‬
‫حد تعبير نيتشه‪َّ .‬‬ ‫حق النَّظر إليه «عبر مسافة» على ِّ‬ ‫كائن وانتزاع ّ‬
‫عما هو ٌ‬ ‫ق التخارِج َّ‬‫التفكير في أ ْف ِ‬
‫النقدي فيما ينفع َّ‬
‫الناس‪َّ .‬‬
‫إن‬ ‫بمستطاع العقل َّ‬
‫ِ‬ ‫التحرر من ِش ْرِك ِه‬
‫ُّ‬ ‫أسر المعطى ورغبةٌ في‬‫ت من ِ‬ ‫ٍ‬
‫مسافة تفلُّ ٌ‬ ‫هكذا‬
‫النفوس‪ .‬وعليه‪« ،‬نحن ال نستطيع بلوغ الدقَّة والوضوح‬ ‫ضع ِ‬
‫اف ُّ‬ ‫ب لِ ِ‬ ‫ِ‬
‫ومجتذ ٌ‬ ‫عب ومتكثِّر العناصر‬
‫كثيف ومر ٌ‬‫ٌ‬ ‫اليومي‬
‫َّ‬
‫أساسي لتفهُِّم اإلنشاء العادي»‪.61‬‬
‫ٌّ‬ ‫ِ‬
‫الفلسفة إذا ما بقينا في عالِم اإلنشاء العادي‪ .‬والخروج من هذا العالِم شرطٌ‬ ‫في‬
‫مجرد البقاء غير الفاعل في مسطَّ ِح التمايز تجاه‬ ‫ِ‬
‫التغيير هو َّ‬ ‫أن مطلوب الفكر َّ‬
‫الناقد من‬ ‫فال يْبلغ َّن بنا الظَّن َّ‬
‫أن طلب‬ ‫غم ِم َّما في االعتر ِ‬
‫اف من ِوْزٍر‪َّ ،‬‬ ‫وبالر ِ‬ ‫ُّ‬
‫الحق ك ّل الحق هو الحريَّة المتجسِّدة‪ .‬لذلك‪ ،‬نعترف َّ‬ ‫اليومي‪ .‬واَّنما‬
‫النقد‪.‬‬ ‫محايث ِ‬
‫للزوم َّ‬ ‫ٌ‬ ‫الحريَّة‬

‫ال‪-‬حرٍج في حديثِه عن هذا التو ِ‬


‫اشج بين‬ ‫الحريَّة‪ .‬ينطلق ماركوز من سؤ ٍ‬ ‫المه َّمة ُالثَّالثةُ‪ :‬تالزم َّ‬
‫النقد و ِّ‬
‫ٍ‬
‫وناجحة أن يخلقوا‬ ‫ألناس عانوا من سيطرٍة فع ٍ‬
‫َّالة‬ ‫ٍ‬ ‫الن ِقد‪ ،‬ومفاده‪« :‬كيف يمكن‬‫َّة ومصاهرِة َّ‬ ‫ق إلى الحري ِ‬ ‫َّ‬
‫الشو ِ‬
‫ٍ‬
‫حركة حين يتعلَّق األمر‬ ‫ِ‬
‫وعسر‬ ‫ٍ‬
‫سكينة‬ ‫بأنفس ِهم شروط الحريَّة؟»‪ .62‬يعلم ماركوز ما عليه َّ‬
‫السواد األعظم من‬ ‫ِ‬
‫فعالي ِة وظيفة‬
‫َّ‬ ‫ِ‬
‫المقابل‪َّ ،‬‬
‫النظر في‬ ‫ِ‬
‫الخمول‪ .‬وهو ما يستدعي في‬ ‫ِ‬
‫بمطلوب الحق الفلسفي‪ ،‬ونعني التحرير من‬
‫مهامه هو عين‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬
‫بأداء‬ ‫الفيلسوف‪ ،‬وهو ابن عصره وبيئته كما ذهب إلى ذلك ابن خلدون‪ .‬فالتزام الفيلسوف‬
‫‪001‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫اقع موقفًا نقديًّا»‪ .63‬وليس الموقف‬ ‫ِ‬


‫الوقوف من الو ِ‬ ‫التحرريَّة‪ .‬وتلك «هي الوظيفة التي ِّ‬
‫تؤدي إلى‬ ‫ُّ‬ ‫الممارسة َّ‬
‫النقديَّة‬
‫ِ‬
‫للعناص ِر‬ ‫المثمن‬ ‫سلبا لها‪ .‬واَّنما هو‬ ‫ِ‬ ‫قدي ما أتى دوما على ِّ‬ ‫َّ‬
‫ِّ‬ ‫صور المجتمع والحداثة والعلوم اإلنسانيَّة ً‬ ‫كل‬ ‫ً‬ ‫الن ُّ‬
‫ِ‬ ‫ال كما قد يغالِي الذين ي ِكنُّون‬ ‫كل األحو ِ‬
‫هداما في ِّ‬ ‫البن ِ‬
‫للفلسفة‬ ‫الفلسفي ال يكون َّ ً‬
‫َّ‬ ‫إن َّ‬
‫النقد‬ ‫اءة في تلك الص ِ‬
‫ُّور‪َّ .‬‬ ‫َّ‬
‫ُّد ما‬‫بنظر ماركوز من ترصِ‬ ‫العمل‪ .‬وبذلك‪ ،‬فهو ينطلق ِ‬ ‫ِ‬ ‫ظر والقسطاس في‬ ‫الن ِ‬
‫للحق في َّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّس‬
‫كراهةً‪ .‬بل‪ ،‬هو مؤس ٌ‬
‫َّة يشهد على‬ ‫َّة والثقافي ِ‬
‫ئات العلمي ِ‬ ‫األمم والطَّ ِ‬
‫بقات والهي ِ‬ ‫ِ‬
‫مسالك ِهم‪ .‬فالتفاوت بين ِ‬ ‫الناس وهم في أضي ِ‬
‫ق‬ ‫عليه أحوال َّ‬
‫ْ‬
‫أن غالبيَّة النَّاس ال ت ْؤتى س ْؤلها من الحضارِة‪ .‬فالبعض ح ِرم سعة المال والبعض اآلخر يشكو دوام العوز وغيرهم‬ ‫َّ‬
‫الحريَّة ما قد يكون عليه‬ ‫ِ‬
‫أنفاس ِّ‬ ‫محاصٌر بمظالِم الوعود السَّابقة‪ ...‬الخ‪ .‬وهكذا يحتاج إقرار ّ‬
‫الحد األدنى من‬
‫الشرط المسبق‪ ،‬للمجتم ِع‬ ‫ألن «امتالك الخيرات الحيويَّة االستهالكيَّة والظَّفر بها هو َّ‬ ‫ٍ‬
‫ويسار‪َّ .‬‬ ‫ٍ‬
‫رخاء‬ ‫الناس من‬ ‫َّ‬
‫ِ‬
‫ممارسة النَّقد وسؤال‬ ‫مستطاع التالزم بين‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫النحو نبلغ طور التأكيد على‬ ‫مضمونا له»‪ .64‬وعلى هذا‬
‫ً‬ ‫الحر وليس‬‫ِّ‬
‫الحريَّة‪.‬‬
‫ِّ‬

‫أما شأن فلسفة الحِّريَّة فهو اإلقدام بما يكفي من‬ ‫النظري والوعي بالعبودي ِ‬
‫َّة‪َّ .‬‬ ‫النقد التأهيل َّ‬ ‫فمن ِ‬
‫شأن فلسفة َّ‬
‫زوجا مفهوميًّا آخر‪ :‬الوعي والفعل‬
‫نشتق منه ً‬‫َّ‬ ‫قهر الضَّرورة‪ .‬يحيلنا زوج َّ‬
‫النقد‪-‬الحريَّة إلى أن‬ ‫الجرِأة على ِ‬
‫مجرد الوعي بالضَّرورِة‪،‬‬
‫يظل حبيس َّ‬‫الحريَّة أن َّ‬
‫انجاز والك ْس ِر إبطاالً‪ .‬إ ْذ ال يكفي طالب ِّ‬
‫ًا‬ ‫وممكناتهما من الترقِّي‬
‫تحرر ينطوي على ضرورِة‬ ‫ألن « َّ‬
‫كل ُّ‬ ‫اس يستهدف قهر الضَّرورة‪َّ .‬‬ ‫قدي في ِمر ٍ‬‫الن ّ‬ ‫حس َّ‬‫بل ينبغي عليه ترجمة ال ّ‬
‫حد ٍ‬
‫كبير‪ ،‬حاجاته وتلبياته‬ ‫وعي العبوديَّة‪ ،‬وهذا الوعي تعرقله تلبيات وحاجات راجحة جعل منها الفرد‪ ،‬والى ٍّ‬
‫الدرجة سوى‬ ‫النقدي ِ‬
‫َّة؟ وما هذه َّ‬ ‫انية من المه َّم ِة َّ‬
‫رجة الثَّ ِ‬
‫الد ِ‬
‫الخاصَّة»‪ .65‬لكن‪ ،‬أال تعني تلبية الحاجات االنتقال إلى َّ‬
‫اللحم و ِ‬
‫العظم‪.‬‬ ‫للتحرِر لمحاص ِرة منظومة الحتميات التي نهشت من ِ‬ ‫ُّ‬ ‫مسعى المؤ َّهلِين‬

‫بالفكر و ِ‬
‫الفعل يروم بلوغ تصريف‬ ‫ِ‬ ‫النقد ترجمة التطلُّعات البشريَّة إلى عر ٍ‬
‫اك‬ ‫وتبعا لذلك‪ ،‬يكون من لو ِازِم َّ‬
‫ً‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫لإلنسان بحاجته عتبة‬ ‫ِّ‬ ‫ِ‬ ‫ُّ‬
‫التعقليَّة‪ .‬وي ْعتبر اللقاء ِّ‬
‫النزاعي‬ ‫الرغبات وتدبُّر اآلفاق بما يكفي من‬ ‫الحاجات واشباع َّ‬
‫ِ‬
‫شروط‬ ‫مادةً‪ ،‬هي من‬ ‫زمنا والمتَّسعة ً‬
‫مكانا والمحتاجة َّ‬ ‫التحرر‪ .‬هذه الصَّيرورة المديدة ً‬‫ُّ‬ ‫الولوج إلى صيرو ِرة عالم‬
‫بتناسب مطَّرد مع قدرتِه على "إنتا ِج‬
‫ٍ‬ ‫قهر الفاقة‪ .‬تلك هي «الحاجة التي يسعى المجتمع القائم إلى قمعها‪،‬‬
‫ِ‬
‫لغزو اإلنسان‬ ‫ِ‬
‫للطبيعة‬ ‫ِ‬
‫استخدام الفتح العلمي‬ ‫صعيد أوس ٍع باطرٍاد‪ ،‬ومع قدرته على‬ ‫ٍ‬ ‫يعها" على‬‫الخيرات وتوز ِ‬
‫األفكار الس ِ‬
‫َّائدة؟‬ ‫ِ‬ ‫للفيلسوف مع ِ‬
‫لغة‬ ‫ِ‬ ‫اس الالَّ ِ‬
‫زم‬ ‫علميًّا»‪ .66‬لكن‪ ،‬أال يقتضي ذلك بدوره اإلبقاء على التم ِّ‬

‫جراء غو ٍ‬
‫اية قد‬ ‫مستلزمات الفيلسوف الحيطة من الوقوِع في الطوباويَّ ِة َّ‬
‫ِ‬ ‫في األخير يرى ماركوز َّأنه من‬
‫الن ِ‬
‫اقد هو‬ ‫ألن الم ْن ِطق السَّلِيم ِ‬
‫للفكر َّ‬ ‫النقدي ِ‬
‫َّة تجاه الواقع المعطى‪َّ .‬‬ ‫ِ‬
‫للمسافة َّ‬ ‫أحيانا بمفعول المتعة الفكريَّة‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫يتأدى إليها‬
‫الدارجة وجراحة اللُّغة الفلسفيَّة‪ .‬ومن منظوري ِ‬
‫َّة التفكير‬ ‫ِ‬
‫بأعماقها جناية اللُّغة َّ‬ ‫الحركة اللَّولبيَّة التي ما ُّ‬
‫تنفك تتقاطع‬
‫ِ‬
‫الفكر‬ ‫ِ‬
‫بالنسبة إلى‬ ‫ِ‬
‫البسيط" ال أهميَّة لها‬ ‫أن اللُّغة العاديَّة في "استعمالِها‬ ‫العقلي المتعافي «ال يعني هذا بالطَّ ِ‬
‫بع َّ‬
‫‪000‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫مقدما بالقائم من اللُّغة‪ .‬لغة ِّ‬


‫الشرك‬ ‫النقد هو اإلمساك َّ‬
‫ألن منطلق التفكيك الهادف إلى َّ‬
‫َّ‬ ‫قدي »‬ ‫الفلسفي َّ‬
‫الن ِّ‬ ‫ِّ‬
‫‪67‬‬

‫الناس المنفلتين من عطبهم َّ‬


‫الناتج عن «اعتداءات المستهلك‬ ‫ومؤدياته في أ ْف ِ‬
‫ق مصائر َّ‬ ‫َّ‬ ‫بمنطوق َّ‬
‫النقد العلمي‬
‫الديمقراطي»‪ 68‬للفكر البشري‪.‬‬

‫‪ ‬خاتمة‪:‬‬
‫النقد منسأة ذاته‪ .‬فهو شرط علَّته كما تعافيه‪ .‬وهو ما ي ْعزى إليه في النهاية لزوم‬
‫المحصلة‪ ،‬يكون َّ‬
‫ّ‬ ‫وفي‬
‫الشائع من صور الفكر والمعرفة وك ّل ما ا َّدعى لنفسه في عصرنا سبيل السند التعليمي للناس‬‫الرجَّة في َّ‬
‫إحداث َّ‬
‫نحو يكيد للفكر وصيغ َّ‬
‫النقد لديه الكثير من التزييف‪.‬‬ ‫المصنعة على ٍ‬
‫َّ‬ ‫بشأن أسئلتهم‪ .‬ونعني بالخصوص الصُّورة‬
‫عمن ِّ‬
‫يفكر‬ ‫أن «الصُّورة مفضَّلة على اللُّغة‪ .‬من يبدو ظريفًا وم ْن يجيد التعبير عن نفسه مفضَّل َّ‬
‫فقد بيَّن بونيفاس َّ‬
‫َّ‬
‫المرشح لألهلية العلمية‬ ‫نحو ٍ‬
‫سليم ومتَّسق‪ .‬هذه المظاهر خلخلت الهرم الفكري»‪ .69‬فالمغشوش من النَّقد هو‬ ‫على ٍ‬
‫في العصر‪ .‬وما أفسد ذلك هو الكثير من مشاهد االحتماء بالعقل وقد ساندت التشريعات الحقوقية‪-‬السياسيَّة في‬
‫ِ‬
‫بشأن أسئلة‬ ‫كل الغرابة عن مقامات َّ‬
‫النقد الفلسفي الذي عهدنا فيها القول الحق‬ ‫الغالب مفهوما للعقل غر ًيبا َّ‬
‫ً‬
‫المعرفة والوجود‪ .‬ولقد بيَّن ماركوز بدوره استحاالت العقل المعاصرة حين دبِّرت مفاعيله على غير أمانة ُّ‬
‫التعقل‬
‫ولما كنَّا‬ ‫‪70‬‬
‫النقد‪ .‬لقد استنتج فيلسوف مدرسة فرانكفورت َّ‬
‫النقديَّة َّ‬
‫أن «العقل هو عقالنيَّة مبدأ المردوديَّة» ‪َّ .‬‬ ‫ورجاء َّ‬
‫بالنفع المالي على‬ ‫َّ‬
‫المادة العائدة َّ‬ ‫ٍ‬
‫تعارض ومردوديَّة منتجات‬ ‫نعلم َّ‬
‫أن مردوديَّة النقد الفلسفي الحق في مطلق‬
‫َّ‬
‫صناع االضطهاد المعاصر‪َّ ،‬‬
‫فإن شأن الفلسفي المأمول اليوم هو العمل على حماية أسئلة الناس من تالعب‬
‫َّ‬
‫الناس بها‪.‬‬

‫*****‬

‫‪Marcuse (Herbert), Éros et civilisation (Contribution à Freud), suivi de La notion de progrès à -1‬‬
‫‪la lumière de la psychanalyse, trad. de l’anglais par Jean-Guy Nény et Boris Fraenkel, revue par‬‬
‫‪l’auteur, éd. Minuit, Paris, 1970, p.209.‬‬
‫‪ -2‬انظر في هذا السياق‪ :‬سليتر (فيل)‪ ،‬مدرسةُفرانكفورت‪ُ:‬نشأتهاُومغزاهاُ(وجهةُنظرُماركسيَّة)‪ ،‬تعريب خليل كلفت‪ ،‬المجلس‬
‫األعلى للثقافة‪ ،‬ط‪ ،1.‬القاهرة‪ ،1111 ،‬صص‪ 011-011.‬وكذلك صص‪.111-111 .‬‬
‫العامة للتأليف‬
‫َّ‬ ‫‪ -3‬ماركيوز (هربرت)‪ ،‬العقل ُوالثَّورة ُ(هيجل ُونشأة َّ‬
‫ُالنظريَّة ُاالجتماعيَّة)‪ ،‬تعريب فؤاد زكريا‪ ،‬الهيئة المصريَّة‬
‫و َّ‬
‫النشر‪ ،‬القاهرة‪ ،0111 ،‬ص‪.110.‬‬
‫‪ -4‬ماركوز (هربرت)‪ ،‬اإلنسان ُذو ُالبعد ُالواحد‪ ،‬تعريب جورج طرابيشي‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬ط‪ ،1.‬بيروت‪ ،0111 ،‬ص‪،10.‬‬
‫بتصرف)‪.‬‬
‫( ُّ‬
‫‪ -5‬نفس المصدر ونفس الصَّفحة‪.‬‬
‫بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪ُّ ( ،11.‬‬
‫‪6‬‬

‫‪ -7‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬


‫‪001‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫‪ -8‬المصدر نفسه‪ ،‬ص‪.11.‬‬


‫‪ -9‬يمكن التوسُّع في هذا األمر بالعودة إلى كتاب بونيفاس (باسكال)‪ ،‬المثقَّفون ُالمزيَّفون ُ( َّ‬
‫النصر ُاإلعالمي ُلخبراء ُالكذب)‪،‬‬
‫النشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،0.‬دمشق‪ .1101 ،‬وفيه يقول‪« :‬لم تعد فضيلة َّ‬
‫الشرف والكرامة تقابل‬ ‫تعريب روز مخلوف‪ ،‬ورد للطباعة و َّ‬
‫باالحترام وهي التي كانت توضع في ِّ‬
‫مقدمة الفضائل‪ .‬ومنذ زمن بعيد لم تعد السَّخافة تقتل‪ ،‬بل تبدو في بعض الحاالت‪ ،‬مثل نبع‬
‫معيار يحكم عرض األمور في وسائل اإلعالم‪ .‬تتالشى الكلمات‪ ،‬ومعها الكتابات‪ .‬ت ْعطى‬ ‫ًا‬ ‫شباب دائم‪ .‬لم تعد َّ‬
‫النزاهة الفكريَّة‬
‫األولويَّة غالبا لذاك الذي يفرض كالمه بطر ٍ‬
‫يقة قطعيَّة (والذي ال يربك نفسه بحيثيَّات الحقيقة)‪ ،‬وان كان الجميع َّ‬
‫يتذكرون ما اقترفه‬ ‫ً‬
‫من تناقضات وعمليَّات إغفال وأكاذيب»‪ ،‬ص‪.1.‬‬
‫‪ -10‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -11‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -12‬ماركوز‪« ،‬إيروس والحضارة»‪ ،‬تعريب وتعليق مطاع صفدي‪ ،‬ورد في مجلَّة العرب ُوالفكر ُالعالمي‪ ،‬العـ‪1‬ـدد‪ ،‬بيروت‪/‬باريس‪،‬‬
‫ربيع ‪ ،0111‬ص‪( ،11.‬تعريب جزئي للفصل الثَّامن من الكتاب‪ ،‬صص‪.)11-1.‬‬
‫بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪ُّ ( ،11.‬‬
‫‪13‬‬

‫‪Baudrillard (Jean), Pour une critique de l’économie politique du signe, cérès éd., coll. Idéa, -14‬‬
‫‪Tunis, 1995, p.79.‬‬
‫بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪ُّ ( ،10.‬‬
‫‪15‬‬

‫المتجددة و َّ‬
‫المعززة بشروط وجود الفرد‪ ،‬قد أصبحت هي حاجات‬ ‫ِّ‬ ‫أن هذه الحاجات‪،‬‬‫أما َّ‬ ‫‪َّ -16‬‬
‫يتحدث ماركوز عن هذه التلبية قائالً‪َّ « :‬‬
‫دوما‪،‬‬ ‫ُّ‬ ‫يوحد شخصه بها ويبحث عن نفسه في تلبيتها‪ ،‬فهذا ال ِّ‬ ‫أما َّأنه ِّ‬
‫شيئا‪ :‬فهذه الحاجات تظل ما كانته ً‬
‫يبدل من الواقع ً‬ ‫الفرد‪ ،‬و َّ‬
‫منتجات مجتمع تتطلَّب مصالحه السَّائدة القمع»‪ ،‬نفس المصدر ونفس الصَّفحة‪.‬‬
‫‪ -17‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -18‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.10.‬‬
‫‪ -19‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫محل ٍ‬
‫نظام آخر‪ ،‬والهدف الوحيد المقبول هو‬ ‫أحل التاريخ دوما نظاما من التكييف َّ‬
‫‪ -20‬انظر ما قاله ماركوز في هذا الغرض‪« :‬لقد َّ‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫َّ‬
‫حقيقية والنكوص عن التلبية االضطهاديَّة»‪ ،‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬ ‫استبدال الحاجات الكاذبة بأخرى‬
‫‪ -21‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.10.‬‬
‫ومحمد أحمد السَّيِّد‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫مرشدُللتفكيرُالناقد)‪ ،‬تعريب نجيب الحصادي‬ ‫‪ -22‬براون (نايل) وكيلي (ستيوارت)‪ ،‬طرحُاألسئلةُالمناسبةُ(‬
‫المركز القومي للترجمة‪ ،‬ط‪ ،0.‬القاهرة‪ ،1111 ،‬ص‪.11.‬‬
‫مقوماته‪ ،‬ال‬
‫إن علم االجتماع الذي تكتمل ِّ‬ ‫النقدي كما َّ‬
‫تحدث عنه عبد المعطي (عبد الباسط)‪َّ « :‬‬ ‫‪ -23‬انظر مستطاع علم االجتماع َّ‬
‫الرغبة في التغيُّر‪ ،‬في ضوِء تغليب‬
‫التصوري‪ ،‬والموقف من الواقع القائم و َّ‬
‫ُّ‬ ‫يمكن ‪-‬علميًّا وموضوعيًّا‪ -‬إالَّ أن يكون راديكاليًّا‪ ،‬فاإلطار‬
‫العام على الخاص واالجتماعي على الفردي‪ ،‬هي جوهر علم االجتماع»‪ ،‬اتجاهاتُنظريَّةُفيُعلمُاالجتماع‪ ،‬سلسلة عالمُالمعرفة‪،‬‬
‫العـ‪11‬ـدد‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪ ،0110 ،‬ص‪.011.‬‬
‫‪ ،Baudrillard, Pour une critique de l’économie politique du signe, -24‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.000.‬‬
‫‪ -25‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬

‫‪001‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫التجرؤ على أسسه الالَّمعقولة وبنيته‬


‫ُّ‬ ‫ثمة فلسفة قانعة بـ«مراجعة» الوضع القائم دون‬
‫‪ -‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪ .11.‬وفضالً عن ذلك َّ‬
‫‪26‬‬

‫ضد ظواهر السَّطح‪ ،‬في‬ ‫الملغمة بالمخاطر المسلَّطة على اآلدميين وهي التي «تنير» سبيل المغالطة والخديعة‪ .‬وذلك «بتوجيه َّ‬
‫النقد َّ‬ ‫َّ‬
‫حين ت ْقبل ِّ‬
‫المقدمات األساسيَّة للمجتمع المنتقد»‪Marcuse, Éros et civilisation (Contribution à Freud), op.cit., ،‬‬
‫‪p.239, (« Pour édifier cette philosophie on dirige la critique contre les phénomènes de surface,‬‬
‫‪ .tandis qu’on accepte les prémisses fondamentales de la société critiquée »).‬وعليه‪ ،‬يبدو التباين جليًّا في‬
‫حرصا على اإلبقاء على ما‬
‫ً‬ ‫النقد المزعوم‪ ،‬حيث نجد من ناحية ما يوحي بالعزم على مراس َّ‬
‫النقد؛ لنجد من ناحية أخرى‬ ‫تهويمات َّ‬
‫هو أساسي في المجتمع القائم‪.‬‬
‫‪ -27‬نفس المصدر ونفس الصَّفحة‪.‬‬
‫‪ -28‬انظر كتاب بونيفاس‪ ،‬المثقَّفونُالمزيَّفونُ( َّ‬
‫النصرُاإلعالميُلخبراءُالكذب)‪ ،‬مرجع مذكور‪ .‬وفيه َّ‬
‫يتحدث بإسهاب عن التزييف‬
‫وأهله‪ .‬من ذلك قوله‪« :‬األخطر من أولئك الذين ينخدعون‪ ،‬هم أولئك الذين يخدعون‪" :‬المزيِّفون"»‪ ،‬صص‪.1-1‬‬
‫َّ‬
‫مُالقديمُحتىُالعصرُالنووي)‪ ،‬تعريب سامي خشبة‪،‬‬ ‫‪ -29‬هو عنوان كتاب تايلور (فيليب)‪ ،‬قصفُالعقولُ(الدعايةُللحربُمنذُالعال‬
‫سلسلة عالمُالمعرفة‪ ،‬العـ‪111‬ـدد‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.1111 ،‬‬
‫‪ -30‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.110.‬‬
‫بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪ُّ ( ،10.‬‬
‫‪31‬‬

‫‪ -32‬شيللر (هربرت)‪ ،‬المتالعبونُبالعقولُ(كيفُيجذبُمحركوُالدُّمىُالكبارُفيُالسياسةُواإلعالنُووسائلُاالتصالُالجماهيريُ‬


‫ُالرأي ُالعام؟)‪ ،‬تعريب عبد السَّالم رضوان‪ ،‬سلسلة عالم ُالمعرفة‪ ،‬العـ‪111‬ـدد‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫خيوط َّ‬
‫الكويت‪ ،0111 ،‬ص‪.011.‬‬
‫‪ -33‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -34‬نفس المصدر‪ ،‬صص‪.11-11.‬‬
‫‪ -35‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫بتصرف)‪.‬‬
‫‪ -‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪ُّ ( ،10.‬‬
‫‪36‬‬

‫‪ -37‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬


‫نقد بشأن هذا الخطر الحادث في عصرنا‪« :‬يقصي التَّفكير السِّحري ّ‬
‫كل تميُّز‪ ،‬في‬ ‫الرجوع إلى ما طرحه هابرماس من ٍ‬ ‫‪ -‬يمكن ُّ‬
‫‪38‬‬

‫الحي‪ ،‬الموضوعات المتح َّكم فيها والفاعلين الذين ن ْعزو لهم‬


‫مستوى المفاهيم األساسيَّة‪ ،‬بين األشياء واألشخاص‪ ،‬بين الفاقد للحياة و ِّ‬
‫األفعال والتعبيرات»‪Habermas (Jürgen), Le discours philosophique de la modernité (Douze ،‬‬
‫‪conférences), trad. de l’allemand par Christian Bouchindhomme et Rainer Rochlitz, Gallimard/nrf,‬‬
‫‪Paris, 1988, p.138.‬‬
‫‪ -39‬بونيفاس‪ ،‬المثقَّفونُالمزيَّفونُ( َّ‬
‫النصرُاإلعالميُلخبراءُالكذب)‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.01.‬‬
‫‪ -40‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪ -41‬تايلور‪ ،‬قصفُالعقول‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪Nietzsche (Friedrich), Crépuscule des Idoles ou (Comment philosopher à coups de marteau), -42‬‬
‫‪t.8, vol.1, trad. Jean-Claude HÉMERY, 2004, p.153, (in Œuvres philosophiques complètes, textes et‬‬
‫‪variantes établis par Giorgio COLLI et Mazzino MONTINARI, s. la dir. de Gilles DELEUZE et‬‬
‫‪Maurice De GANDILLAC, nouv. éd. chez Gallimard/nrf, Paris, 1982-2008, en 14 t., 18 vol.).‬‬

‫‪001‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫‪ -43‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.10.‬‬


‫‪ -44‬فيبر (ماكس)‪ ،‬رجلُالعلمُورجلُالسياسة‪ ،‬تعريب نادر ذكرى‪ ،‬دار الحقيقة للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪ ،0.‬بيروت‪ ،0111 ،‬ص‪.10.‬‬
‫‪ -45‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪Kant (Emmanuel), Critique de la raison pure, préface de la première édition, trad. Jules -46‬‬
‫‪BARNI, rev. P. Archambault, préf. Luc FERRY, chro. et bib. Bernard ROUSSET, GF, Paris, 1987,‬‬
‫‪p.31, (note 1 de bas de page), (1976 pour la 1èreéd.).‬‬
‫‪ -47‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬صص‪.11-10.‬‬
‫‪ -48‬انظر ما كتبه بشأنه طاهر (عالء)‪ ،‬مدرسةُفرانكفورتُمنُهوركهايمرُإلىُهابرماس‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬ط‪ ،0.‬بيروت‪،‬‬
‫صص‪( ،11-11.‬د‪.‬ت‪.).‬‬
‫وبخاص ٍة االجتماع والتاريخ واالقتصاد‪-‬السِّياسي‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪-49‬‬
‫‪ -50‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -51‬سليتر‪ ،‬مدرسةُفرانكفورت‪ُ:‬نشأتهاُومغزاهاُ(وجهةُنظرُماركسيَّة)‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.011.‬‬
‫‪ -52‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -53‬نفس المصدر‪ ،‬صص‪.11-11.‬‬
‫‪Desanti (Jean-Toussin), La philosophie silencieuse ou (Critique des philosophies de la science), -54‬‬
‫‪Seuil, coll. L’ordre philosophique, Paris, 1975.‬‬
‫‪ -55‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪ -56‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -57‬نفس المصدر ونفس الصَّفحة‪.‬‬
‫‪Vanoncini (André), Figures de la modernité (Essai d’épistémologie sur l’invention du discours -58‬‬
‫‪balzacien), Librairie José Corti, Paris, 1984, p.131.‬‬
‫‪ -59‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -60‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.110.‬‬
‫‪ -61‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪ -62‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -63‬أحمد (قيس هادي)‪ ،‬اإلنسان ُالمعاصر ُعند ُهربرت ُماركيوز‪ ،‬المؤسَّسة العربيَّة للدراسات و َّ‬
‫النشر‪ ،‬ط‪ ،0.‬بيروت‪،0111 ،‬‬
‫ص‪.11.‬‬
‫‪ -64‬ماركوز‪« ،‬إيروس والحضارة»‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -65‬ماركوز‪ ،‬اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬مصدر مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -66‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -67‬نفس المصدر‪ ،‬ص‪.111.‬‬
‫‪ -68‬رونسيير (جاك)‪ ،‬كراهيَّةُالديمقراطيَّة‪ ،‬تعريب أحمد حسَّان‪ ،‬دار التنوير للطباعة و َّ‬
‫النشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،0.‬بيروت‪-‬لبنان‪/‬القاهرة‪-‬‬
‫مصر‪ ،1101 ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪ -69‬بونيفاس (باسكال)‪ ،‬المثقَّفونُالمزيَّفونُ( َّ‬
‫النصرُاإلعالميُلخبراءُالكذب)‪ ،‬مرجع مذكور‪ ،‬ص‪.11.‬‬
‫‪001‬‬
‫العدد‪ /80 :‬سبتمبر‪0802‬‬ ‫املجلد‪80 :‬‬ ‫‪ISSN: 1112-7015‬‬ ‫مجلة‬

‫ص‪001 - 088 :‬‬ ‫‪EISSN: 2602-5973‬‬


‫سيميائيات‬

‫‪70‬‬
‫‪-Marcuse, Éros et civilisation (Contribution à Freud), op. cit., p.150..‬‬
‫قائمةُالمصادرُوالمراجعُ‬
‫‪ .1‬المصادرُ(أعمالُهربرتُماركوز)‪:‬‬
‫ُأ‪ .‬باللسانُالعربي‪:‬‬
‫اإلنسانُذوُالبعدُالواحد‪ ،‬تعريب جورج طرابيشي‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬ط‪ ،1 .‬بيروت‪.0111 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫«إيروس والحضارة»‪ ،‬تعريب وتعليق مطاع صفدي‪ ،‬ورد في مجلَّة العرب ُوالفكر ُالعالمي‪ ،‬العـ‪1‬ـدد‪ ،‬بيروت‪/‬باريس‪ ،‬ربيع‬ ‫‪-‬‬
‫‪( ،0111‬تعريب جزئي للفصل الثَّامن من الكتاب‪ ،‬صص‪.)11-1.‬‬
‫العامة للتأليف و َّ‬
‫النشر‪ ،‬القاهرة‪.0111 ،‬‬ ‫َّ‬
‫هيجلُونشأةُالنظريَّةُاالجتماعيَّة)‪ ،‬تعريب فؤاد زكريا‪ ،‬الهيئة المصريَّة َّ‬ ‫العقلُوالثَّورةُ(‬ ‫‪-‬‬

‫ب‪ .‬باللسانُاألعجمي‪:‬‬
‫ُ‬
‫‪-‬‬ ‫‪Éros et civilisation (Contribution à Freud), suivi de La notion de progrès à la lumière de la‬‬
‫‪psychanalyse, trad. de l’anglais par Jean-Guy Nény et Boris Fraenkel, revue par l’auteur, éd.‬‬
‫‪Minuit, Paris, 1970.‬‬

‫‪ .2‬المراجع‪:‬‬
‫ُأ‪ .‬باللسانُالعربي‪:‬‬
‫كتب‪:‬‬ ‫‪‬‬
‫أحمد (قيس هادي)‪ ،‬اإلنسانُالمعاصرُعندُهربرتُماركيوز‪ ،‬المؤسَّسة العربيَّة للدراسات و َّ‬
‫النشر‪ ،‬ط‪ ،0.‬بيروت‪.0111 ،‬‬ ‫‪-‬‬
‫ومحمد أحمد السَّيِّد‪،‬‬
‫َّ‬ ‫َّ‬
‫مرشدُللتفكيرُالناقد)‪ ،‬تعريب نجيب الحصادي‬ ‫براون (نايل) وكيلي (ستيوارت)‪ ،‬طرحُاألسئلةُالمناسبةُ(‬ ‫‪-‬‬
‫المركز القومي للترجمة‪ ،‬ط‪ ،0.‬القاهرة‪.1111 ،‬‬
‫النشر والتوزيع‪،‬‬ ‫بونيفاس (باسكال)‪ ،‬المثقَّفونُالمزيَّفونُ( َّ‬
‫النصرُاإلعالميُلخبراءُالكذب)‪ ،‬تعريب روز مخلوف‪ ،‬ورد للطباعة و َّ‬ ‫‪-‬‬
‫ط‪ ،0.‬دمشق‪.1101 ،‬‬
‫تايلور (فيليب)‪ ،‬قصف ُالعقول ُ(الدعاية ُللحرب ُمنذ ُالعالم ُالقديم ُحتى ُالعصر َّ‬
‫ُالنووي)‪ ،‬تعريب سامي خشبة‪ ،‬سلسلة عالمُ‬ ‫‪-‬‬
‫المعرفة‪ ،‬العـ‪111‬ـدد‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.1111 ،‬‬
‫رونسيير (جاك)‪ ،‬كراهيَّةُالديمقراطيَّة‪ ،‬تعريب أحمد حسَّان‪ ،‬دار التنوير للطباعة و َّ‬
‫النشر والتوزيع‪ ،‬ط‪ ،0.‬بيروت‪-‬لبنان‪/‬القاهرة‪-‬‬ ‫‪-‬‬
‫مصر‪.1101 ،‬‬
‫سليتر (فيل)‪ ،‬مدرسةُفرانكفورت‪ُ:‬نشأتهاُومغزاهاُ(وجهةُنظرُماركسيَّة)‪ ،‬تعريب خليل كلفت‪ ،‬المجلس األعلى للثقافة‪ ،‬ط‪،1.‬‬ ‫‪-‬‬
‫القاهرة‪.1111 ،‬‬
‫شيللر (هربرت)‪ ،‬المتالعبونُبالعقولُ(كيفُيجذبُمحركوُالدُّمىُالكبارُفيُالسياسةُواإلعالنُووسائلُاالتصالُالجماهيريُ‬ ‫‪-‬‬
‫الرأي ُالعام؟)‪ ،‬تعريب عبد السَّالم رضوان‪ ،‬سلسلة عالم ُالمعرفة‪ ،‬العـ‪111‬ـدد‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‪،‬‬
‫خيوط ُ َّ‬
‫الكويت‪.0111 ،‬‬
‫طاهر (عالء)‪ ،‬مدرسةُفرانكفورتُمنُهوركهايمرُإلىُهابرماس‪ ،‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬ط‪ ،0.‬بيروت‪( ،‬د‪.‬ت‪.).‬‬ ‫‪-‬‬
‫عبد المعطي (عبد الباسط)‪ ،‬اتجاهات ُنظريَّة ُفي ُعلم ُاالجتماع‪ ،‬سلسلة عالم ُالمعرفة‪ ،‬العـ‪11‬ـدد‪ ،‬المجلس الوطني للثقافة‬ ‫‪-‬‬
‫والفنون واآلداب‪ ،‬الكويت‪.0110 ،‬‬

‫‪001‬‬
0802‫ سبتمبر‬/80 :‫العدد‬ 80 :‫املجلد‬ ISSN: 1112-7015 ‫مجلة‬

001 - 088 :‫ص‬ EISSN: 2602-5973


‫سيميائيات‬

.0111 ،‫ بيروت‬،0.‫ ط‬،‫ دار الحقيقة للطباعة والنشر‬،‫ تعريب نادر ذكرى‬،‫ رجلُالعلمُورجلُالسياسة‬،)‫فيبر (ماكس‬ -

ُ:‫ دورياتُومجالَّت‬
.0110 ،‫ الكويت‬،‫ المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬،‫ـدد‬11‫ العـ‬،‫عالمُالمعرفة‬ -
.0111 ،‫ الكويت‬،‫ المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬،‫ـدد‬111‫ العـ‬،‫عالمُالمعرفة‬ -
.1111 ،‫ الكويت‬،‫ المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب‬،‫ـدد‬111‫ العـ‬،‫عالمُالمعرفة‬ -
.0111 ‫ ربيع‬،‫فرنسا‬-‫باريس‬/‫لبنان‬-‫ بيروت‬،‫ـدد‬1‫ العـ‬،‫العربُوالفكرُالعالمي‬ -

:‫ باللسانُاألعجمي‬.‫ب‬
ُ
- Baudrillard (Jean), Pour une critique de l’économie politique du signe, cérès éd., coll. Idéa,
Tunis, 1995.
- Desanti (Jean-Toussin), La philosophie silencieuse ou (Critique des philosophies de la science),
Seuil, coll. L’ordre philosophique, Paris, 1975.
- Habermas (Jürgen), Le discours philosophique de la modernité (Douze conférences), trad. de
l’allemand par Christian Bouchindhomme et Rainer Rochlitz, Gallimard, nrf, Paris, 1988.
- Kant (Emmanuel), Critique de la raison pure, préface de la première édition, trad. Jules
BARNI, rev. P. Archambault, préf. Luc FERRY, chro. et bib. Bernard ROUSSET, GF, Paris,
1987, (1976 pour la 1èreéd.).
- Nietzsche (Friedrich), Crépuscule des Idoles ou (Comment philosopher à coups de marteau),
t.8, vol.1, trad. Jean-Claude HÉMERY, 2004, (in Œuvres philosophiques complètes, textes et
variantes établis par Giorgio COLLI et Mazzino MONTINARI, s. la dir. de Gilles DELEUZE et
Maurice De GANDILLAC, nouv. éd. chez Gallimard/nrf, Paris, 1982-2008, en 14 t., 18 vol.).
- Vanoncini (André), Figures de la modernité (Essai d’épistémologie sur l’invention du discours
balzacien), Librairie José Corti, Paris, 1984.

001

You might also like