Professional Documents
Culture Documents
دبلوماسية الكوارث
دبلوماسية الكوارث
دبلوماسية الكوارث
حرائق غابات كبيرة قرب قضاء مانافغات بوالية أنطاليا في تركيا 29يوليو/تموز ( 2021رويترز)
كل الدول تتعرض لكوارث وأزمات ،لكن كيف يمكن أن تستغل الدول الكوارث التي تحدث في دول
أخرى للقيام بأنشطة تسهم في زيادة فرص التعاون والسالم وبناء عالقات طويلة المدي ،وزيادة قوتها
الناعمة.
لذلك ظهر مفهوم جديد ،وتطور بسرعة ليفتح مجاال لدراسة فرص بناء العالقات الدولية وهو
دبلوماسية الكوارث ،الذي يركز على كيف تتصرف الدولة عندما تتعرض دولة أخرى لكارثة مثل
الزالزل والحرائق pمن آثار الكارثة ،أو تمنع وقوعها أو توقفها.
من أهم قصص النجاح في استخدام دبلوماسية الكوارث ،دور تركيا في مواجهة وباء كورونا (كوفيد-
) 19وقيامها باستغالل صناعتها المتقدمة في إنتاج المواد الالزمة لمواجهة الوباء والوقاية منه وأساليب
مواجهته ،وتوفير هذه المنتجات للكثير من الدول ،وكانت صورة تركيا المتقدمة -وهي تقدم هذه
المنتجات إلغاثة الشعوب -تشكل أساسا لقوتها الناعمة في المستقبل.
أدى ذلك إلى زيادة حاجة الدول لتأهيل خبراء في العمل الدبلوماسي ،والتخطيط الستخدام إمكانيات
الدولة في تقديم المساعدة للدول األخرى خالل الكوارث ،وبناء صورتها الذهنية كونها دولة تحرص
على الحياة اإلنسانية والحضارة ،وتسهم في مساعدة الدول لتتغلب على ما يمكن أن تتعرض له من
كوارث.
وفي هذا العصر تنوعت الكوارث ،فلم تعد قاصرة على الكوارث الطبيعية مثل الحرائق والزالزل
والبراكين والفيضانات والجفاف ،لكنها أصبحت تشمل االنقالبات والحروب األهلية وانتشار األوبئة.
ولذلك ،تنوعت األنشطة واألعمال التي يمكن أن تقوم بها الدول ،والمساعدات التي تقدمها خالل تلك
الكوارث بهدف بناء عالقاتها مع الشعوب التي تكون أكثر حساسية خالل فترات الكوارث ،واستعدادا
لتقدير أي عمليات إغاثة أو مساعدة في تخفيف حدة الكارثة ،وهناك كثير من التوقعات بانتشار
الكوارث الناتجة عن التغيرات المناخية خالل القرن الحادي والعشرين ،وهذا يفرض على الدول تطوير
سياساتها وإ ستراتيجياتها في األعمال اإلغاثية وتقديم خبراتها في مواجهتها ،واستغاللها لبناء صورتها
الذهنية وقوتها الناعمة وعالقاتها بالشعوب.
من أهم قصص النجاح في استخدام دبلوماسية الكوارث ،دور تركيا في مواجهة وباء كورونا (كوفيد-
) 19وقيامها باستغالل صناعتها المتقدمة في إنتاج المواد الالزمة لمواجهة الوباء والوقاية منه وأساليب
مواجهته ،وتوفير هذه المنتجات للكثير من الدول ،وكانت صورة تركيا المتقدمة -وهي تقدم هذه
المنتجات إلغاثة الشعوب -تشكل أساسا لقوتها الناعمة في المستقبل.
ولقد أثارت تركيا التي تتقدم إلنقاذ البشرية من الوباء إعجاب الشعوب ،ونجحت في تقديم نفسها للعالم
على أنها يمكن أن تسهم في بناء مستقبل أفضل لكل البشر الذين أصبحوا يواجهون أنواعا جديدة من
األوبئة والكوارث ،ولذلك يشكل التقدم الذي حققته تركيا في مجاالت الصناعة واالقتصاد مصلحة عامة
لإلنسانية.
من أهم السمات التي نجحت تركيا في ترسيخها في أذهان الشعوب -في أثناء أنشطتها في تقديم
المساعدة خالل أزمة كورونا -أنها دولة صاحبة تاريخ وحضارة وتنطلق من مبادئ راسخة من أهمها
الحرص على الحياة اإلنسانية ،والمحافظة على كرامة اإلنسان.
ومع حالة الرعب التي سببتها كورونا للبشر ،بدأت الشعوب تتطلع إلى الدور التركي اإلنساني ،وحتى
الشعوب األوربية بدأت تدرك أن تركيا القوية تشكل إضافة مهمة ألوروبا ،فهي يمكن أن تتقدم لإلنقاذ
واإلغاثة وتقديم خبراتها في مواجهة الكوارث.
هذا الدور لم يقتصر على تقديم اإلغاثة للشعوب ،حيث قامت الدولة التركية بتوفير اللقاح مجانا لكل
الموجودين على أراضيها ،وهذا أدي إلى ظهور جانب جديد وهو التعامل مع األجانب والالجئين ،وبناء
صورة إيجابية للدولة التركية في أذهانهم ،فهي دولة كريمة وفرت اللقاح لالجئين السوريين الذين
يعانون اضطهاد كثير من الدول.
ولم يقتصر األمر على الالجئين السوريين ،فقد أصبح الكثير من مواطني الدول األخرى يريدون السفر
إلى تركيا للحصول على اللقاح مجانا ألن دولهم ال توفره إال لألغنياء.
ومن الواضح أن تركيا تمكنت بذلك من زيادة قوتها الناعمة ،وبناء صورة إيجابية لها في أذهان كثير
من الشعوب ،وشكلت لنفسها جيشا من السفراء الذين يمكن أن يحققوا أهداف سياساتها الخارجية.
في كارثة الحرائق التي تعرضت لها تركيا والتي شكلت تهديدا خطيرا ،ظهر تعاطف المسلمين معها،
وكان مشهد المصلين في باكستان وهم يتوجهون بالدعاء إلي اهلل أن يحفظ تركيا وأن ينزل عليها الغيث
إلطفاء الحرائق مثيرا لالنتباه ،ويمكن أن يسهم في تطوير علوم الدبلوماسية العامة ،والصورة الذهنية،
والقوة الناعمة.
كما أن تحليل الرسائل التي حملتها وسائل التواصل االجتماعي يوضح أن هناك تعاطفا عاما من
المسلمين في كل أنحاء العالم مع تركيا التي تمكنت من كسب قلوب المسلمين وأرواحهم ،وأن تأييد
المسلمين لها يشكل أساسا لقوتها الناعمة.
تحليل الرسائل على وسائل التواصل االجتماعي يوضح أيضا سخط الشعوب اإلسالمية على وسائل
اإلعالم التابعة للنظم العربية التي تحدثت عن الحرائق بشكل يمكن تفسيره بأنه شماتة ورغبة في
االنتقام ،وكراهية للشعب التركي.
ويوضح تحليل هذه الرسائل على وسائل التواصل االجتماعي أن الشعوب العربية وصفت وسائل
اإلعالم والنظم التابعة لها بالعداء لإلسالم ،والتحالف مع الكيان الصهيوني ،باعتبار أن هذا الكيان هو
الذي يحمي هذه النظم.
ومن الواضح أن هذه الوسائل اإلعالمية أثارت عداء المسلمين ضد النظم التابعة لها التي تنطق باسمها،
وهذا يوضح خطورة توظيف النظم الدكتاتورية العربية لغير المؤهلين في مجال اإلعالم ،والتعامل مع
اإلعالم باعتباره "فهلوة" وليس علما.
فالنظرة الضيقة لإلعالميين المنافقين سوف تؤدي إلى زيادة كراهية الشعوب للنظم التي يدافعون عنها
ويخدمونها ،فهم "كالدبة التي قتلت صاحبها".
تحليل الرسائل على وسائل التواصل االجتماعي يكشف أيضا أن الشعوب العربية تعاملت مع وسائل
اإلعالم التابعة للنظم الدكتاتورية العربية بكراهية واحتقار وازدراء وسخرية .ولقد أثار الشعوب حديث
هذه الوسائل عن فشل تركيا في إطفاء الحرائق ،في حين كانت الشعوب تشعر بالفخر بقدرة تركيا على
مواجهة هذه الحرائق رغم انتشارها ،وأن تركيا تمكنت من مواجهة التحديات والصمود في تلك
األزمة ،واستخدمت كل إمكانياتها للتغلب على هذه الكارثة.
ولقد ظهرت على وسائل التواصل االجتماعي كثير من الرسائل التي تعبر عن الفخر بقوة الدولة
التركية ،ونجاحها في إطفاء الكثير من الحرائق ،كما ظهر على هذه الوسائل التعبير عن الشكر هلل -
سبحانه وتعالي -على الغيث الذي نزل فجأة في شهر أغسطس/آب خاصة في أنطاليا إلطفاء أكبر
الحرائق.
ولقد أدى نزول الغيث إلي زيادة مشاعر اإليمان التي تشكل قوة نفسية للمسلمين في مواجهة الكوارث،
والشعور بالفرح بهذا الغيث الذي يمأل نفوس المسلمين يقينا بقوة اهلل وقدرته علي نصر اإلسالم ،عندما
تشتد المحن وتتوالى األزمات والكوارث على المسلمين الذين أصبحوا يرددون مع شعب سوريا ذلك
الهتاف الذي رفعوه في ثورتهم ومحنتهم "ما لنا غيرك يا اهلل".
إن الغيث الذي نزل على تركيا فأطفأ الحرائق شكل تحوال مهما في نفوس المسلمين ،فها هي قدرة اهلل
تتجلي عندما يبذل الناس كل قوتهم ويكافحون في مواجهة الكوارث ،فينزل الغيث فجأة في وقت ال
يتوقع فيه أحد هطوله ،فأصبحت الشعوب تنتظر الغيث الذي يطفئ الحرائق التي امتدت على خارطة
الوطن العربي ،وتهدد شعوبها بالفناء بعد الجوع والفقر والقهر.
من أهم التغيرات التي يمكن أن نالحظها بوضوح ظهور رأي عام إسالمي تعاطف مع تركيا وهو
يتعاطف اآلن مع شعب الجزائر الذي يواجه كارثة الحرائق.
كما ارتفعت األيدي إلى السماء وانهمرت الدموع في دعاء إلي اهلل أن ينزل الغيث على تركيا إلطفاء
حرائقها ،فإننا يمكن أن نشهد بوضوح أن قلوب المسلمين أصبحت تتطلع إلى السماء ،وتدعو اهلل أن
ينزل الغيث على الجزائر.
وبالرغم من سخرية العلمانيين الماديين التابعين للغرب من مشاعر المسلمين وسلوكهم اإليماني في
مواجهة الكوارث ،فإنه من الواضح لكل من يريد أن يستخدم قدراته العلمية التحليلية أن هناك رأيا عاما
إسالميا يتشكل في كل الدول ،وأن مشاعر التعاطف والحب التي عبر عنها المسلمون في كل أنحاء
العالم تشكل قوة ناعمة لتركيا والجزائر.
كما توضح تلك الكوارث التي تجلى خاللها تعاطف المسلمين مع تركيا والجزائر أن الرأي العام
اإلسالمي يمكن أن يشكل خالل السنوات القادمة مصدر قوة لألمة اإلسالمية كلها ،وأنه يمكن أن يقود
عملية تغيير في العالم كله ،واعتقد أن خبراء الغرب يدركون أهمية ذلك ،وتقوم مراكز البحث في
التخطيط للمستقبل على أساس كيف يواجه الغرب هذه القوة الصاعدة.
أما النظم العربية الدكتاتورية فإنها تتعامل بعداء مع العلم ،وتطلق على الشعوب إعالمييها المنافقين
الذين يفتقدون العلم والخبرة والموهبة فيشعلون الحرائق تحت أقدامها ،ويدفعون كل المسلمين
لكراهيتها.
لو استشارت تلك النظم العلماء لوجهوها إلرسال كل قوتها وخبراتها وإ مكانياتها للمساهمة في إطفاء
الحرائق في الجزائر.
إنني أعبر عن رأي عام إسالمي أصبح يتوجه إلي اهلل بقلوب يملؤها اإليمان بقدرته وقوته أن ينزل
الغيث على الجزائر التي ال يملك كل مسلم إال أن يحبها ،وأن يتذكر بفخر مقاومة شعبها لالحتالل
الفرنسي ،وتضحياته العظيمة من أجل التحرر واالستقالل.