Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 18

56 -39 :‫الصفحات‬ ‫مجلة أبوليوس‬

2021 ‫ـة‬
‫ – جويلي‬02 ‫ العدد‬08 ‫المجلد‬

‫التخييل البيئي في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم‬


Eco-fiction in Raja’a Alem’s Novel The Dove’s Necklace (Tawq Al Hamam)

mais112@gmail.com

2021 /08/31 :‫تاريخ النشر‬ 2021 /06/19 :‫تاريخ القبول‬ 2021 /05/23 :‫تاريخ االستالم‬

:‫ملخص البحث‬
Abstract:
‫ظلت العالقة بين األدب والبيئة مثار تساؤل فيما‬
The relationship between literature and
the environment remains an essential issue ‫عرف بـ "النقد البيئي" ال سيما بعد توجه عدد من النقاد‬
glossed as “eco-criticism”. Several critics ‫لقراءة أعمال أدبية يتمثل فيها اإلحساس بالدور املدمر‬
launched a new era investing new trends in
literary masterpieces in which environmental
‫ من هنا يحاول‬.‫الذي يقوم به اإلنسان تجاه الطبيعة‬
awareness is exemplified. From this ‫هذا البحث طرح هذه العالقة من خالل رواية "طوق‬
perspective, this research tries to question .‫ معتمدا على النقد البيئي النسوي‬،‫الحمام" لرجاء عالم‬
this relation through Raja’a Alem’s novel
The Dove’s Necklace with reference to ‫ويفترض أن في هذه الرواية وعيا بيئيا يربط بين تدمير‬
feminist eco-criticism. It is assumed that ‫ وتدمير املرأة‬،‫البيئة واملكان (مكة املكرمة) من جهة‬
there is an environmental awareness in this
novel that connects the destruction of the ‫ وبذلك تعيد هذه الرواية‬.‫واستغاللها من جهة أخرى‬
environment and place (Mecca) on the one ‫صياغة العالقة بين البشري وغير البشري من خالل‬
hand, and the destruction and exploitation of
،‫اختيارات فنية نحو اختيار الراوي ووجهات النظر‬
Woman on the other hand. For this reason,
the novel reformulates the relationship ‫وأخرى موضوعاتية من خالل عدد من الثنائيات نحو‬
between the human and the non-human ‫ الطبيعة لتبرز في‬/‫ واملرأة‬،‫ الحيوان‬/‫ثنائية اإلنسان‬
through artistic choices with reference to the
narrator preferences and attitude. Besides, it .‫النهاية وحدة الكون الكبرى‬
shapes the themes through a number of ‫ غير‬،‫ بشري‬،‫ نسوي‬،‫ بيئي‬:‫الكلمات المفتاحية‬
dualities, the Human/animal and the
woman/nature duality to substantially reveal .‫ تكامل‬،‫ طبيعة‬،‫بشري‬
a universe unity.
Keywords: Environmental, feminine, human,
non-human, nature, complementarity

‫* املؤلف املراسل‬

- 39 -
‫د‪ .‬ميساء الخواجا‬

‫يتعامل مع العالقات بين الكائنات الحية وبيئتها‬


‫لقد شهد اإلنسان في القرن العشرين‬
‫املحيطة‪ ،‬أي أنه يهتم بالكائنات الحية في بيئتها‬
‫طفرات علمية كبيرة وحركات تحديث متسارعة أدى‬
‫الطبيعية‪ .‬ورغم أن هذا التعريف ال يبدو ذا توجه‬
‫بعضها إلى تغيير في مالمح البيئة الطبيعية ‪ .‬وقد‬
‫إنساني إال أن فلسفة علم البيئة نتجت عن السعي‬
‫ظهرت حركات عاملية متنوعة تنادي بإعادة االعتبار‬
‫إلى تعزيز الحياة بوصفها حياة مركزية‪ ،‬وتشدد على‬
‫لألرض ومحاولة إنقاذها مما تتعرض له من تدمير‬
‫حقيقة أن اإلنسان هو مجرد جزء واضح في شبكة‬
‫على يد البشر ومؤسساتهم الصناعية الضخمة‬
‫حياة ضخمة ومعقدة في الطبيعة التي لكل ش يء فيها‬
‫وعملهم املستمر على استنزاف موارد البيئة الطبيعية‬
‫قيمة مؤكدة‪ .‬وقد اعتبر األدب‪ ،‬من ضمن مجموعة‬
‫وتغيير بنيتها السطحية وبنيتها العميقة في الوقت‬
‫أشياء‪ ،‬وسيلة وعي وإدراك ألهمية البيئة املادية‬
‫املحيطة وحمايتها‪ .‬لقد اقتصر التمثيل الرعوي‬ ‫نفسه‪ .‬وظهرت مبادرات من مؤسسات تنتمي إلى‬
‫التقليدي للبيئة في األدب في كونها مجرد خلفية دون‬ ‫حقول علمية وثقافية مختلفة تدعو إلى إعادة النظر‬
‫في واقع البيئة الطبيعية بما في ذلك الدراسات‬
‫االهتمام بأزمة الطبيعة‪ ،‬لكن النمو الصناعي أرغم‬
‫األدبية والنقدية‪ .‬وكان من هؤالء حركة في النقد‬
‫األكاديميين على إبراز عالقة اإلنسان مع البيئة‬
‫األدبي في أمريكا تحاول الربط بين الدراسة األدبية‬
‫املادية‪ 2.‬وهو ما ظهر عند مجموعة من النقاد تحت‬
‫من جهة وعلوم البيئة والطبيعة من جهة أخرى‪.‬‬
‫مسمى النقد البيئي‪.‬‬
‫لعبت البيئة‪ ،‬في تلك املبادرات‪ ،‬دورا غير مباشر عند‬
‫مفهوم النقد البيئي‪:‬‬
‫من عرفوا بالنقاد البيئيين الذين رأوا أن البيئة تظل‬
‫النقد البيئي (‪ )Ecocriticism‬مفهوم جديد‬
‫أكثر استقرارا وتناغما وتجانسا مالم يتم تدميرها من‬
‫في الدراسات اإلنسانية وعلوم البيئة‪ ،‬يعنى بدراسة‬
‫قبل اإلنسان‪ .‬وقد أعاد اهتمام هؤالء النقاد بالربط‬
‫املكان والطبيعة واألرض والبيئة في النصوص‬
‫بين الدراسات األدبية والبيئية التساؤل القديم عن‬
‫والخطابات اإلبداعية والثقافية‪ ،‬أي العالقة بين‬
‫العالقة بين العلوم الطبيعية والدراسات األدبية‬
‫اإلنسان والبيئة الطبيعية‪ ،‬وكيف ضعفت تبعا للنمو‬
‫ومدى نجاحها ووجود تناغم بينها؛ إذ رأوا أن العالقة‬
‫الصناعي أو التقني‪ ،‬وكيف يتم تمثيل ذلك في األدب‬
‫بين هذين الحقلين يمكن أن تنجح في مناطق معينة‪،‬‬
‫والثقافة‪ ،‬ومن ثم يحاول دراسة النصوص في ضوء‬
‫فالحوار بين العلوم الطبيعية وحكي القصص واضح‬
‫نظرية بيئية تبحث عن مكانة الطبيعة أو البيئة او‬
‫في تقديم قضايا نحو التلوث اإلشعاعي الكيميائي‬
‫األرض بغية رصد رؤى الكتاب تجاهها‪ ،‬وتفاعلهم‬
‫والتساقط اإلشعاعي‪.1‬‬
‫معها‪ .‬ويعرف بأسماء أخرى نحو‪ :‬الدراسات الثقافية‬
‫يطرح ما سبق تساؤالت أخرى نحو‪ :‬ما هي‬
‫الخضراء (‪ )Green Cultural S tudies‬و"الشعرية‬
‫حقيقة البيئة؟ وإلى أي مدى يمكن أن تعين تلك‬
‫أو البويطيقا البيئية (‪ )Ecopoetics‬والنقد البيئي‬
‫الحقيقة في األدب ؟ وعن الصلة بين علم البيئة‬
‫األدبي (‪. 3) Criticism Environmental Literary‬‬
‫واألدب‪ ،‬وهل يمكن أن يتداخل أحدهما مع اآلخر أو‬
‫وقد تصاعد هذا االتجاه ونما في ظل تزايد الوعي‬
‫يفيد منه؟ كيف ستكون طبيعة التمثيل؟ في هذا‬
‫بضرورة استعادة ازدهار األرض الذي فقد جراء‬
‫اإلطار ‪ُ ،‬يعرف "علم البيئة" بأنه فرع من علم األحياء‬
‫اعتداء اإلنسان املستمر على الطبيعة‪ ،‬حيث يتشارك‬

‫‪- 40 -‬‬
‫التخييل البيئي في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم‬

‫بين التشكيل الجمالي في العمل وبين الثيمات التي‬ ‫معظم نقاد هذا االتجاه دافعا مشتركا هو الوعي‬
‫يمكن أن تبرز في عمل ما ‪ ،‬األمر الذي يعني أن‬ ‫املقلق بأننا في عصر دمرت فيه أفعال اإلنسان البيئة‬
‫التفاعل بين الشخصيات واألنواع واألنظمة البيئية‬ ‫وأنا نرى نتائج ذلك ‪ ،‬وهذا ما يضع دورا على عاتق‬
‫في النصوص األدبية عادة ما يتطلب مقاربة ما بين‬ ‫األدب ودارس ي اإلنسانيات والتاريخ لكشف ذلك‬
‫التخصصات للوصول إلى تحليل عميق ‪ .‬إنه ال يعني‬ ‫وتمثيله‪ .‬من ثم ينطلق النقاد من أسئلة نحو ‪ :‬كيف‬
‫ببساطة دراسة الطبيعة ‪ ،‬بل الصلة بين اإلنساني‬ ‫يتم تمثيل البيئة في هذه "السونيت"؟ هل تتماش ى‬
‫وغير اإلنساني ‪ .‬وهو ليس الحديث عن األرض‬ ‫القيم املمثلة في املسرحية مع حكمة الطبيعة ؟ كيف‬
‫والطيور والنبات بل عن العالقة معهم ‪ ،‬فاإلنسان‬ ‫تؤثر استعارات األرض على طريقة تعاملنا معها ؟‬
‫يمكنه أن يتحدث عن نفسه في صلتها مع الطبيعة ‪.6‬‬ ‫كيف يمكن أن نشخص كتابة الطبيعة باعتبارها‬
‫يكاد يتفق الدارسون على أن مفهوم النقد‬ ‫جنسا ؟ باإلضافة إلى العرق والطبقة والجنس هل‬
‫البيئي يرجع إلى مقال كتبه ويليام روكيرت (‪William‬‬ ‫يمكن أن يكون املكان صنفا نقديا جديا ؟ هل يكتب‬
‫‪ )Rueckert‬عام ‪ 1978‬بعنوان " األدب وعلم البيئة‬ ‫الرجال عن البيئة بطريقة مختلفة عن ما تكتبه‬
‫– تجربة في النقد البيئي " وبدأ هذا املصطلح في‬ ‫النساء ؟ وإلى أي حد أثر األدب على عالقة اإلنسان‬
‫االنتشار الحقا وتعددت دراساته ‪ ،‬لكن هذا النقد‬ ‫بالعالم الطبيعي ؟ ‪ 4‬وغير ذلك من األسئلة التي‬
‫أصبح حركة مستقلة واتجاها في النقد األدبي في‬ ‫فتحت الباب لدراسات بينية تربط بين النقد األدبي‬
‫التسعينيات من القرن العشرين ‪ ،‬حيث كان مركز‬ ‫وعلم البيئة واألحياء ‪ ،‬وتحاول أن تعزز وعي اإلنسان‬
‫تجمع النقاد األمريكيين الذين يتعاملون مع األدب‬ ‫بالبيئة وأن هناك قوى خارج األدب يمكن أن تؤثر‬
‫األمريكي حصرا ‪ ،‬وأسسوا جمعية لهم باسم "‬ ‫فيه وفي تشكيله‪.‬‬
‫جمعية دراسة األدب والبيئة " (‪ )ASLE‬وعقدت‬ ‫ينطلق النقد البيئي من االقتناع بأن فنون الخيال‬
‫مجموعة من املؤتمرات التي استقطبت عددا من‬ ‫ودراستها‪ ،‬بحكم فهمها لقوة الكلمة والقصة‬
‫النقاد وساهمت في انتشار هذا النقد وتطبيقاته في‬ ‫والصورة في تعزيز االهتمام البيئي وإحيائه وتوجيهه‪،‬‬
‫مناطق متعددة من العالم ‪7.‬ومن نقاد البيئة األكثر‬ ‫يمكن أن تسهم بشكل كبير في فهم املشاكل البيئية‪،‬‬
‫شهرة الذين أسسوا ملفاهيمه وتطبيقاته لورانس بول‬ ‫واألشكال املتعددة للتفكك البيئي الذي يصيب كوكب‬
‫( ‪ ، ) Lawrence Bull‬فقد ذكرت دانا فيليبس‬ ‫األرض اليوم‪ .‬ومن ثم تطرقت الدراسات املتعلقة‬
‫(‪ )Dana Phillips‬أن عمله يمكن ان يشكل أرضية‬ ‫باألدب البيئي إلى مسائل ذات طابع جمالي على‬
‫ملا ينبغي أن يكون عليه الوعي البيئي في قراءة‬ ‫امتداد مراحل تطورها‪ ،‬كما أسهمت في فهم عدد من‬
‫النصوص األدبية ال سيما في عمله " مخيلة البيئة " ‪،‬‬ ‫األنواع نحو‪ :‬الكتابة البيئية الواقعية أو كتابة‬
‫وترى أنه يمكن أن يحل بعض اإلشكاالت النظرية ‪،‬‬ ‫الطبيعة‪ ،‬وفي الشكل والطريقة الشعرية‪ ،‬وفي الدراما‬
‫وهو ما يمكن أن يحدث فقط إذا تمت مقاربة‬ ‫واملسرح والسرد العلمي وغيرها‪ 5.‬ويتضح من ذلك أن‬
‫النظرية األدبية دون مقدمات الشك املنطقية تجاهها‬ ‫هذا النقد يسعى إلى دراسة تمثالت البيئة في‬
‫‪ ،‬ألنه يعطي اعتبارا للنظرية ويجادل في أن هناك‬ ‫النصوص األدبية ‪ ،‬وكيف يعمل الخيال على تشكيلها‬
‫حاجة إلعادة تقييم بعض املقدمات التحليلية‬ ‫أو على تحفيز الوعي بها ‪ ،‬وبذلك يجمع النقد البيئي‬

‫‪- 41 -‬‬
‫د‪ .‬ميساء الخواجا‬

‫التراتبية هي ما يحكم العالقات األساسية في املجتمع‬ ‫املستعملة من قبل قراء األدب املدربين ‪ ،‬وأن الحاجة‬
‫‪ ،‬وهي التي تحدد عددا من السمات التي توصف بها‬ ‫إلى املخيلة البيئية ترغمنا على مساءلة مقدمات‬
‫املرأة بحيث تغدو التصنيفات ثقافية في جوهرها‬ ‫النظرية األدبية عند استخدام مصادرها لعرض‬
‫‪8‬‬
‫وليست بيولوجية ‪ .‬وتجادل النسويات في أن املرأة قد‬ ‫حدود إعادة التمثالت األدبية‪.‬‬
‫فقدت كثيرا من املزايا التي كانت تتمتع بها سابقا ‪،‬‬ ‫إن النقد البيئي ليس نظرية باملعنى الصحيح ‪،‬‬
‫وذلك بفعل التطور الحضاري واالنتقال من املجتمع‬ ‫فعمله يمكن أن يجذب عددا من االتجاهات‬
‫الرعوي إلى الزراعي ثم الصناعي ‪.‬‬ ‫والنظريات مثل النسوية واملاركسية وما بعد البنيوية‬
‫وفيما يخص النقد البيئي ترى بعض النسويات أن‬ ‫والتحليل النفس ي والتاريخي ‪ ،‬وهذا يطرح إشكالية‬
‫البيئة غالبا ما شبهت باملرأة ‪ ،‬وكما فقدت املرأة‬ ‫تصاحب هذا النقد عند من لم يقبلوا به ‪ ،‬إذ إنهم‬
‫مزاياها فقدت البيئة أيضا كثيرا من مظاهرها وتم‬ ‫يرون أن تحليل النصوص يمكن أن يسير بشكل‬
‫تشويهها وتدميرها ‪ .‬ومن هنا فإن الترابط بين النسوية‬ ‫عشوائي وبوسائل ومفاهيم ضبابية زخرفت من‬
‫والبيئة يكمن في البنيات املفهومية للهيمنة غير املبررة‬ ‫مصطلحات مستعارة ‪ ،‬نحو ‪ " :‬العضوية " ‪ " ،‬البرية‬
‫‪ ،‬وقد تتحدد بالثنائية القيمية املؤذية ‪ ،‬والتراتبات‬ ‫" ‪ " ،‬النظام البيئي " فهي كلمات يمكن أن تستعمل‬
‫القيمية على أساس النوع ووجود أزواج مفرقة‬ ‫بشكل مجازي دون اإلقرار بحالتها االستعارية ‪ ،‬وكأن‬
‫يستبعد أحدها اآلخر‪ ،‬واستعارات مكانية على نمط‬ ‫طرق الكالم البيئية واألدبية أكثر توافقا مما هي عليه‬
‫أعلى – أدنى ( تراتبيات قيمية ) تعطي منزلة أو قيمة‬ ‫في الحقيقة ‪ ،‬وكأنه يمكن تجاوز الفروق فيما بينها‬
‫أكبر ألحد الطرفين على حساب اآلخر ‪ ،‬على نحو ‪:‬‬ ‫بسهولة ‪ 9.‬تطرح االعتراضات السابقة إشكاليات‬
‫الثقافة‪ /‬الطبيعة‪ ،‬اإلنسان‪ /‬الطبيعة‪ ،‬العقل‪/‬‬ ‫جوهرية تخص هذا النقد سواء تعلقت بصعوبة‬
‫العاطفة‪ ،‬الرجل‪ /‬املرأة ‪ ،‬الذكر ‪ /‬األنثى‪ .‬ويبرر منطق‬ ‫الجمع بين قضايا األدب والبيئة أو بصعوبة توظيف‬
‫الهيمنة اإلخضاع ملن يقع في املرتبة األدنى ‪ .‬وهذه‬ ‫مصطلحات أحد الحقلين في مجال الحقل اآلخر ‪ .‬كما‬
‫األطر البطريركية وما انبثق عنها من سلوكيات هي‬ ‫ترتبط أيضا بغياب منهجية محددة يمكن أن يستند‬
‫املسؤولة عن إدامة الترابطات بين النساء كآخر ‪،‬‬ ‫إليها نقاد النقد البيئي ‪ ،‬ومن ثم يمكن أن نجد‬
‫والطبيعة كآخر ‪ ،‬ومن ثم استغالل النساء والطبيعة‬ ‫مداخل عدة له ينبغي التأكد منها واإلحالة إليها قبل‬
‫وعدم احترامهما ‪ ،‬وجعل عملهما وإنتاجهما غير‬ ‫بدء الدراسة‪.‬‬
‫مرئيين‪ 10.‬من هنا تتضمن الخصائص األساسية‬ ‫النقد البيئي النسوي‪:‬‬
‫للنقد النسوي البيئي في النصوص العربية بذل جهد‬ ‫كثيرا ما يجادل النقد النسوي في عدد من‬
‫إلضاءة العالقة بين البشر عبر االختالفات االجتماعية‬ ‫القضايا التي يمكن اعتبارها مركزا أساسيا فيه ‪،‬‬
‫والثقافية واالقتصادية والسياسية ‪ ،‬وبين اإلنسان‬ ‫ومن ذلك إعادة النظر في عالقات الهيمنة في‬
‫والطبيعة ‪ ،‬واكتشاف الطرق التي تشكل فيها تلك‬ ‫املجتمعات والثقافات املختلفة على اعتبار أن القيم‬
‫العالقات عالقتنا مع الطبيعة ‪ ،‬وكيف تتأثر بها املرأة‬ ‫الذكورية هي ما يهيمن على عدد من املجتمعات ‪،‬‬
‫أو تؤثر عليها وعلى تصورها ومكانتها في املجتمع ‪ ،‬مع‬ ‫حيث يتم النظر إلى النساء باعتبارهن " آخر" أدنى‬
‫التأكيد على ضرورة اإلسراع بنقد أشكال اإلقصاء‬ ‫وأقل منزلة من الرجل ‪ .‬وتجادل النسويات في أن تلك‬

‫‪- 42 -‬‬
‫التخييل البيئي في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم‬

‫وحدة الكون (تماهي الكائنات)‬ ‫‪-1‬‬ ‫والتراتبية ‪ ،‬ونقض عالقات الهيمنة ‪ ،‬وكل أشكال‬
‫ينتقل االهتمام النقدي في النقد البيئي –‬ ‫اإلقصاء ‪.‬‬
‫كما يرى بعض دارسيه – من الوعي الباطني إلى‬ ‫يرجع مصطلح "النسوية البيئية" إلى النسوية‬
‫الخارجي ‪ ،‬ويرفض االعتقاد القائل إن كل ش يء مبني‬ ‫( ‪Françoise‬‬ ‫الفرنسية فرانسواز دوبون‬
‫اجتماعيا أو لغويا ‪ ،‬ويعتقد بأن الطبيعة توجد‬ ‫‪ )d’Eaubonne‬في عام ‪ 1974‬لتمثيل إمكانيات املرأة‬
‫حقيقة فيما وراء ذواتنا ‪ ،‬لكنها فينا وتؤثر علينا‬ ‫للتحريض على ثورة بيئية تستتبع عالقات جديدة‬
‫وربما بشكل قاتل إن أسأنا التعامل معها‪12.‬وقد‬ ‫بين النساء والرجال‪ ،‬وبين الناس والطبيعة باسم‬
‫يصلح هذا املفهوم مدخال للنظر في رواية " طوق‬ ‫بقاء اإلنسان ‪ .‬وجادل النقد النسوي البيئي ‪ ،‬كما‬
‫الحمام " التي يهيمن عليها نوع من اإليمان بوحدة‬ ‫سبقت اإلشارة ‪ ،‬بأن استغالل الطبيعة واستغالل‬
‫الوجود ‪ ،‬وبالتماهي بين ما هو إنساني وغير إنساني ‪.‬‬ ‫املرأة مرتبطان بشكل وثيق ‪ ،‬فهناك تماثل في تفكير‬
‫تتماهى شخصيات الرواية مع عناصر الطبيعة الحية‬ ‫الرجال بحقهم في استغالل الطبيعة من جهة‬
‫والجامدة في وحدة كلية تطمس الحدود بين اإلنساني‬ ‫واستخدامهم النساء من جهة أخرى ‪ ،‬ومن ثم فإن‬
‫وغير اإلنساني ‪ .‬ويتبدى ذلك على مستويات الوصف‬ ‫النضال في معركة البقاء البيئي يرتبط بشكل جوهري‬
‫واللغة واختيار السارد بحيث يبدو التفاعل بين‬ ‫مع النضال من أجل تحرير املرأة وغير ذلك من‬
‫الطبيعة والثقافة واللغة والواقع متشابكا جدا بحيث‬ ‫أشكال العدالة االجتماعية‪ ،‬على اعتبار أن التنوع هو‬
‫تتبادل فيه تلك العناصر التأثيرات فيما بينها ‪ ،‬كما‬ ‫أساس الوجود ‪ .‬وقد ربطت بعض األبحاث النسوية‬
‫تتبادل املواقع والرؤى واألدوار ‪.‬‬ ‫البيئية الحديثة بين املرأة والطبيعة بشكل صارم ‪،‬‬
‫‪/1‬أ‪ -‬اللغة الكونية‪:‬‬ ‫وبحثت بعض النسويات عن تجلي الجنس في مظاهر‬
‫تختار الساردة ما يمكن تسميته باللغة‬ ‫الطبيعة ‪ 11.‬هكذا يمكن أن يتوسع النقد البيئي‬
‫الكلية ( الكونية ) التي يتضح فيها هذا التماهي بين‬ ‫النسوي لبحث كل ما له صلة بأنواع التمييز أو‬
‫الكائنات ‪ ،‬إذ يبنى السرد في مجمله على لغة تشترك‬ ‫الهيمنة ‪ ،‬وتحليل الصالت بين خداع النساء وغير‬
‫في التعبير عن اإلنسان والحيوان والجماد فتتماهى‬ ‫البشري وكل ما في الطبيعة ‪ ،‬أو محاولة اكتشاف‬
‫الكائنات سواء عبر اللغة الشعرية وتوظيف الصور‬ ‫االختالفات بين تصوير النساء والرجال للطبيعة‬
‫واالستعارات ‪ ،‬أو عبر لغة الوصف التي تصف‬ ‫باإلضافة إلى الكيفية التي يبرز فيها الخطاب اإلبداعي‬
‫البشري بما هو غير بشري أو العكس ‪ .‬حليمة التي ال‬ ‫العالقة بين النساء والبيئة ‪ ،‬ويناقش أشكال الهيمنة‬
‫تعرف القراءة عندما شاهدت أوراق ابنها تبدت لها‬ ‫واألشكال املختلفة من الظلم االجتماعي ‪ .‬وسنركز هنا‬
‫الكلمات كائنات حية ‪ ،‬وكأنها تعود إلى الفطرة األولى‬ ‫على الجانب األخير الذي يقيم صلة بين تدمير البيئة‬
‫حين توحدت الكائنات كلها في الطبيعة عند اإلنسان‬ ‫من جهة والظلم الذي يتجلى على املرأة من جهة‬
‫البدائي األول ‪ " :‬الصفحات التي تتدفق منها الكلمات‬ ‫أخرى كما تجلى في رواية رجاء عالم " طوق الحمام "‬
‫وتغيب في األفق كقافلة جمال محملة بأحطاب ‪،‬‬ ‫‪ ،‬وذلك عبر محاور رئيسة ‪ :‬وحدة الكون ( تماهي‬
‫وتلك التي يترك وتترك بقعا ‪ ،‬أزعجتها تلك الكلمات‬ ‫الكائنات ) ‪ ،‬املرأة ‪ /‬الطبيعة ( الطبيعة األنثى ) ‪،‬‬
‫التي تقفز كالقطط في موسم التزاوج ‪ ،‬تنتف أذناب‬ ‫قتل البيئة وتدميرها ‪.‬‬

‫‪- 43 -‬‬
‫د‪ .‬ميساء الخواجا‬

‫ليصب طميها في هذه اللحمة الكونية‪ /.‬بهذا املركز‬ ‫بعضها ‪،‬وتنثر الكثير من الحبر واملواء ‪ ...‬أذهلتها‬
‫البركاني‪ /.‬صارت الكرة األرضية مالحة معدنية‬ ‫عشرات الصفحات من ورق أكياس اإلسمنت‬
‫متمركزة على حوضه‪ /،‬كلما أراد النفاذ إلى مركزها‪/،‬‬ ‫الطافحة بآثار عجالت ‪ ،‬مسودة بالفحم ‪ ،‬وبكائنات‬
‫رده من جسده انهيار ( يا هللا كيف اجتمعتا عليه‪:‬‬ ‫بين البشر والدراجات النارية " ‪13.‬تمثل حليمة الفطرة‬
‫‪14‬‬
‫الرغبة وانهياراتها!!) ‪".‬‬ ‫األولى واإلنسان األول الذي يرى الحياة في كل ش يء ‪،‬‬
‫يعيد النص صياغة عالقة البشري بغير‬ ‫وهي بذلك تمثل وعي الساردة التي ترى الكون شيئا‬
‫البشري‪ ،‬ليطرح تساؤالت حول العالقة بينهما ‪ ،‬وهل‬ ‫واحدا ‪ ،‬ومن ثم فإن اللغة عنصر أساس ي في تمثيل‬
‫يمكن أن تتغير الرؤى بتغير املوقع؟ أين نحن من‬ ‫تلك الوحدة والتعبير عنها ‪ ،‬ومن ثم فهي لم تر‬
‫العناصر األخرى وما عالقتنا بها؟ ولعل هذا السؤال‬ ‫الحروف بقدر ما رأت كائنات حية تتحرك أمامها ‪،‬‬
‫هو ما يحدد بدءا اختيارات السرد ومن ذلك اختيار‬ ‫ومرة أخرى قد يرجعنا ذلك إلى اللغة البدئية حين‬
‫الراوي ‪ .‬تختار الساردة الحكي على لسان الزقاق‬ ‫استعار اإلنسان بالرسم وبالرموز للتعبير عن نفسه ‪.‬‬
‫املسمى "أبو الرووس"‪ ،‬وتقدم األحداث في الجزء‬ ‫تختار الساردة تلك اللغة الشعرية التي‬
‫األول واألكبر من الرواية على لسانه ‪ ،‬فهو راو مشارك‬ ‫تحمل سمات صوفية وابتهاال غامضا يتجلى فيه‬
‫وشاهد يعرف أدق التفاصيل ويعرف ما ال تعرفه‬ ‫أيضا ذاك التماهي العميق بين اإلنسان والطبيعة‬
‫الشخصيات األخرى ‪ ،‬يمسك بخيوط الحكي ولعبة‬ ‫بكل مكوناتها الحية وغير الحية ‪ .‬يقرأ املحقق ناصر في‬
‫الغموض التي ترتبط باكتشاف جثة امرأة مقتولة‬ ‫مذكرات "يوسف" رسالة غريبة بخط غريب‪ ،‬وتحيل‬
‫فيه‪ .‬يحكي الزقاق "أبو الرووس" عن نفسه وعن‬ ‫تلك الغرابة إلى نوع من التشويش الذي يصيب‬
‫ساكنيه‪ ،‬وتقوم الساردة بأنسنته فهو يحمل اسما ‪،‬‬ ‫القاريء في محاولة تحديد موضوع املذكرات ‪،‬‬
‫ويشارك في األحداث ويبدي وجهة نظره فيها ‪ ،‬وحين‬ ‫وتحديد كاتبها ‪ ،‬هل هو يوسف أم هي الساردة التي‬
‫يحكي عن األزقة األخرى يسميها بأسمائها ‪ ،‬فهي‬ ‫تماهت معه ‪ ،‬أم هو" أبو الرووس " الذي يستلم‬
‫كائنات حية لها مالمحها ‪ ،‬تحس وتشعر وتتنافس‬ ‫الحكي أحيانا ؟ هل الحكي عن " مشبب " و" عزة "‬
‫فيما بينها كما يتنافس البشر ويحسون ‪ ،‬ويحدد " أبو‬ ‫أم عن " يوسف " و" مكة " ؟ ويصير اللقاء بين‬
‫الرووس" موقعه منها ‪ ،‬يترفع عن بعضها حينا‪،‬‬ ‫العنصرين الجوهريين في الكون ‪ :‬املذكر واملؤنث ‪،‬‬
‫ويطرح الفرق بينه وبين بعضها اآلخر أحيانا أخرى‬ ‫اإلنسان واألرض ‪ ،‬لقاء كونيا تتحد فيه عناصر‬
‫‪15.‬بل إن الزقاق يتماهى مع بعض شخصيات الرواية‬ ‫الطبيعة كلها ‪ " :‬كحجر ساقط ‪ / ،‬ما كان فيها وإنما‬
‫ويتفاعل معها كما يفعل عندما يتحدث عن املحقق "‬ ‫في البئر ‪ /‬في رقدته بين مصباتها الثالثة ‪ / ،‬وهو‬
‫ناصر " ‪ :‬لست متأكدا كيف أتناول توق ناصر لتملك‬ ‫يشرب ال كالحمام وال كالقطط وال كالدواب فقط‬
‫حتى زقاق مثلي ‪ ،‬والذي لطول ما تردد علي صار ينظر‬ ‫وإنما أيضا كنبات ‪ ،‬وكحجر بكمال مداخله ‪ ،‬بقشرته‬
‫إلى منعطفاتي وبؤس ي كامتداد لجسده هو ‪ ،‬نعم‬ ‫وقلبه معا ‪ /.‬يشرب ملوحة على مذاق معدن ‪،‬‬
‫خدعته لينظر إلى ذاته كواحد من رؤوس ي ‪ ،‬ألهيه‬ ‫للكاحل وأعلى ‪ ،‬من ذا الذي ال يستطيع أن يكون في‬
‫بفتات أفكاري بينما أبقيه خارج حاوية أسراري‬ ‫مكانين في ذات اآلن ؟ ‪ /‬متوج بامللوحة ومحجل ‪/‬‬
‫وآثامي " ‪16.‬ال يبدو الزقاق هنا مجرد راو ‪ ،‬بل هو‬ ‫حين انوجد في طميها سقطت كل الجرار بحمامه ‪،‬‬

‫‪- 44 -‬‬
‫التخييل البيئي في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم‬

‫الطبيعة ‪ .‬وقد يتم تمثيلها على أنها مفصولة عن‬ ‫فاعل سردي –على حد تعبير جريماس ‪ -‬يقوم‬
‫البشر بحدود أساسية‪ ،‬أو تتضام العالقة بين الناس‬ ‫بالتحفيز ويتحكم في اإلنجاز ‪ ،‬ويقوم بدور مهيمن في‬
‫والحيوانات ‪ ،‬أو تكون مجازية مع العالقات‬ ‫كشف خيوط الجريمة على مدى الرواية بأكملها‪ .‬أو‬
‫االجتماعية بين الفئات االجتماعية غير املتكافئة ‪.‬‬ ‫في تشويش املعلومة وإبهامها ليمتد الحدث ويتراكم‬
‫وقد يذهب بعض الدارسين إلى اعتبار أن البشر في‬ ‫ومن ثم يقوم بتحويله صوب وجهات أخرى ‪.‬‬
‫األساس من الحيوانات ويظلون متوحشين في بعض‬ ‫يمتلك " أبو الرووس "دورا خفيا في عالقته‬
‫خصائصهم األساسية ‪ 19 .‬وتنطلق رواية " طوق‬ ‫بالبشر الساكنين فيه وال سيما النساء ‪ ،‬فكأن نساءه‬
‫الحمام " من هذه الرؤية إلى حد كبير ‪ ،‬فتظهر فيها‬ ‫يعانين من لعنة ما كما تقول " عائشة " ‪ " :‬هل ألبو‬
‫ثنائية اإلنسان ‪ /‬الحيوان بصورة واضحة ‪ ،‬وهي‬ ‫الرووس مشكلة مع البنات ؟ ربما هي أن الحياة بيض‬
‫ثنائية التناقض أحيانا ‪ ،‬وثنائية التناغم والتماهي في‬ ‫عقرب ينبعث على ظهر أمه فما إن يفقس ويكبر حتى‬
‫أحيان أخرى ‪ .‬فكثيرا ما تصف البشر بأوصاف‬ ‫يلدغها حتى املوت "‪17.‬ومن هنا لم يكن غريبا أن تراه‬
‫الحيوانات وتطلق عليهم ألقابهم ‪ ،‬كما تفعل العكس‬ ‫مثل قنفذ ‪ ،‬وأن تراه أفعى متعددة الرؤوس " كل‬
‫فيغدو الحيواني بشريا ويحمل كثيرا من سمات البشر‬ ‫حركة نأتيها هي لدغة ألبو الرووس ‪ ،‬لرؤؤسه املتعددة‬
‫‪ .‬وهي رؤية تنطلق أساسا من اإليمان بوحدة الكون‬ ‫وأذرعه األخطبوطية ‪ .‬هل تعرف كم رأسا تنبت مكان‬
‫كما سبقت اإلشارة ومن ثم تتداخل أفعال اإلنسان‬ ‫الرأس التي تجرؤ على قطعها ؟ "‪ 18‬ويتضح هنا هذا‬
‫والحيوان ‪ ،‬كما يتداخل اإلنسان والطبيعة وعوامل‬ ‫التماهي بين البشري وغير البشري ‪ ،‬وكيف يؤثر‬
‫البيئة في كل متكامل ‪.‬‬ ‫أحدهما في اآلخر ‪ ،‬كما يتضح أيضا كيف تختلف‬
‫تتبدى ثنائية اإلنسان ‪ /‬الحيوان في السرد‬ ‫العالقة باختالف املوقع ‪ ،‬لتبدو الطبيعة عنصرا‬
‫في الذات حاكية عن نفسها أو واصفة لها ‪ ،‬وفي‬ ‫مهيمنا وفاعال يعيد صياغة العالقات البشرية‬
‫الذات موصوفة ومحكيا عنها ‪ .‬ولعل أبرز مظهر لهذه‬ ‫ويتحكم فيها ‪ ،‬وكأن رجاء عالم تعيد صياغة تلك‬
‫الثنائية يأتي مع املحقق " ناصر " الذي يتكرر وصفه‬ ‫العالقات حين تغير املواقع وتجعلنا نراها من وجهة‬
‫بحيوانين أساسين هما " الذئب " و" الكلب البوليس ي‬ ‫نظر البيئة املحيطة لنكتشف مدى تأثيرها فينا‬
‫" ‪ ،‬وهو وصف يتفق مع طبيعة مهنته التي ساعدته‬ ‫وعلينا ‪ ،‬وأنها ليست شيئا جامدا ‪ ،‬وليست مجرد‬
‫على تطويع بعض غرائزه وتطويرها ‪ " :‬مثل كلب‬ ‫موقع يمارس اإلنسان فيه تأثيره من زاوية واحدة‬
‫بوليس ي نادر درب ناصر حدسه لكي يذهب وراء‬ ‫وباتجاه واحد ‪.‬‬
‫الشخصيات التي ال تترك أثرا ‪ . 20 " ...‬وال يقف السرد‬ ‫‪/1‬ب ‪ :‬ثنائية اإلنسان‪ /‬الحيوان‪:‬‬
‫عند حدود التشبيه بل يصل إلى حد التماهي " الرجل‬ ‫كثيرا ما تتشابك املناقشات النقدية للمكان‬
‫الكلب ‪ ،‬حاسة الكلب ‪ " ...‬وما إلى ذلك مما يرتبط‬ ‫مع رمز الحيوان الذي لعب دورا مهما في حد ذاته في‬
‫بسير التحقيق وإصرار ناصر على مالحقة املجرم ‪/‬‬ ‫الفكر البيئي ‪ ،‬ويرتبط رمز الحيوان في الخيال البيئي‬
‫الصيد أو الفريسة ‪ ،‬وكلها تعبيرات تستعير من‬ ‫‪ ،‬أكثر من غيره من املجازات والرموز ‪ ،‬بالتوترات‬
‫الحيواني لوصف البشري أو العكس ‪.‬ويتردد كثيرا ‪،‬‬ ‫الكامنة والتناقضات الصارخة ‪ ،‬إذ ترتبط الحيوانات‬
‫وعلى مدى الرواية كاملة وعلى مستوى الشخصيات‬ ‫بالبشر ارتباطا وثيقا أكثر من أجزاء أخرى من‬

‫‪- 45 -‬‬
‫د‪ .‬ميساء الخواجا‬

‫للنسوية واملذهب البيئي على حد سواء ‪ 22 .‬والناظر‬ ‫املختلفة ‪ ،‬هذا الربط بين اإلنسان والحيوان ‪ ،‬فنرى‬
‫في رواية " طوق الحمام " يرى هذا التفاعل الجوهري‬ ‫الرجل الوطواط ‪ ،‬ولقب الولد الذي ربته " أم السعد‬
‫بين املرأة والطبيعة فيتبادالن املواقع واألوصاف‬ ‫" هو " تيس األغوات " ‪ ،‬وهي تحزن على أي أذى‬
‫واألدوار‪ .‬فكيف يكتب التخييل السردي الطبيعة‬ ‫يصيب الحيوانات األخرى " وذلك باعتبارها " أما‬
‫باعتبارها فضاء نسويا ؟ أو كيف يكتبها باعتبارها‬ ‫لتيس " ‪ ،‬وتعلن الحداد على قطعان اإلبل التي‬
‫امرأة ؟‬ ‫تسممت في وادي الدواسر ‪ .‬أما " معاذ " فيتعاطف‬
‫يبرز في الرواية ربط واضح بين املرأة‬ ‫مع الخروف الذي نذرته التركية للذبح ‪ ،‬لم يطق‬
‫والطبيعة‪ ،‬أو التعبير عن إحداهما بصفات األخرى ‪،‬‬ ‫النظر في عينيه املبللتين بالدمع ‪ ،‬ومشهد الذبح جعله‬
‫فتغدو الطبيعة أو األرض أما لكل ما عليها ‪ .‬ولعل هذا‬ ‫يستحضر مشهد القصاص وصورة " مشاري " الذي‬
‫الربط بين األرض واألم هو ربط قديم عرفته‬ ‫يقص الرقاب ‪ ،‬ليقول إن املوت واحد ‪ ،‬والقتل واحد‬
‫الحضارات البشرية األولى حين وصفت األرض بأنها‬ ‫أيضا ‪ " .‬يوسف " رضع مباشرة من ضرع املاعز حين‬
‫األم الكبرى والعودة إليها هي عودة إلى الرحم‬ ‫يئسوا من فطامه من ثدي أمه حليمة ‪ ،‬فأطلقته إلى‬
‫والبدايات األولى ‪ .‬وفي " طوق الحمام " عندما يصف‬ ‫بستان " مشبب " يرضع مع صغار املاعز ‪ 21 .‬وكل‬
‫الطبيب األملاني نفسه في رسائله لعائشة تغدو األرض‬ ‫ذلك يعيد تشكيل وعي بيئي حول عالقة اإلنسان‬
‫أكثر حنانا من األم البشرية ‪ ":‬طوال النهار أتجول‬ ‫بالكائنات حوله ‪ ،‬وأنها ال تسير في اتجاه واحد بل هي‬
‫بعيدا عن اللمسة البشرية ‪ ،‬تطعمني الغابة وبناتها ‪،‬‬ ‫عالقة تفاعلية قد يخضع فيها اإلنسان أحيانا لهيمنة‬
‫بينما أمي قد فقدت قلبها حين تربت كيتيمة " ‪. 23‬‬ ‫قوى الطبيعة وتأثيرها فيه لتعيد تشكيل سلوكه‬
‫وقد تمتلك األرض القدرة السحرية على إعادة‬ ‫ورؤاه ملا يحيط به ‪ ،‬وهو ما يحيل إلى رؤية الكاتبة‬
‫تشكيل العناصر ‪ ،‬فهي األرض األم ‪ ،‬وهي أصل‬ ‫ووعيها تجاه ما يحيط بها ‪ ،‬فانطلق النص السردي‬
‫الوالدة األولى ‪ ،‬فبستان " مشبب " يمتلك قوة‬ ‫من خالل شخصياته ومن خالل قضية بسيطة في‬
‫سحرية على توحيد الكائنات ‪ ،‬وهو الذي يحرر " عزة‬ ‫ظاهرها ( اكتشاف جثة المرأة مجهولة في الزقاق )‬
‫" ‪ ،‬وحين تدخله تشعر أن داخلها يتفتح كوردة ‪ ،‬حتى‬ ‫للغوص في تساؤالت أكثر عمقا ترتبط بعالقة اإلنسان‬
‫رائحتها تتغير ‪ ،‬تلك الرائحة التي يسميها مشبب " روح‬ ‫بالكون وبما يحيط به من موجودات ومن منطلق‬
‫الوالدة " ‪ 24.‬تقيم الساردة هنا ربطا رمزيا وأسطوريا‬ ‫إنساني يتجاوز الحدود بين الكائنات الحية والجماد ‪،‬‬
‫بين البستان واملرأة ‪ ،‬كالهما يحمل الخصب والتجدد‬ ‫بين اإلنسان وغير اإلنسان ‪.‬‬
‫والوالدة ‪ " .‬مشبب " ‪ /‬العنصر الذكوري عنين لكن‬ ‫املرأة الببيةة (الببيةة انأنى))‪:‬‬ ‫‪-2‬‬
‫األرض ‪ /‬البستان هي املصدر الحقيقي للخصوبة ‪،‬‬ ‫ترى بعض النسويات ‪ ،‬كما سبقت اإلشارة ‪،‬‬
‫وعزة تتماهى به ‪ ،‬وكالهما يمثل العنصر األنثوي ‪،‬‬ ‫أن الطبيعة امرأة ‪ ،‬وأنه قد أس يء استغالل الطبيعة‬
‫األرض ‪ ،‬األم ‪ /‬اإللهة الكبرى ‪ .‬وهو ما يتأكد مع "‬ ‫واملرأة على حد سواء ‪ ،‬كما أنهما قد خضعا لعالقات‬
‫عائشة " ‪ ،‬الشخصية املحورية الثانية التي قد تمثل‬ ‫الهيمنة ذاتها ‪ .‬وترى بعض النسويات املهتمات بالنقد‬
‫الوجه اآلخر لعزة ‪ ،‬فهي أيضا ترتبط باملاء والخصب‬ ‫البيئي النسوي ضرورة فهم الترابطات بين النساء –‬
‫ولغة الجسد ‪ ،‬وهي تتحول إلى فاكهة وثمرة ناضجة‬ ‫اآلخر البشري – والطبيعة ‪ ،‬وأن ذلك مهم بالنسبة‬

‫‪- 46 -‬‬
‫التخييل البيئي في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم‬

‫مذكراته ‪ .28‬ويالحظ أن " عائشة " ترتبط أيضا‬ ‫حين ألبستها التركية فستان عرسها ‪ 25.‬من هنا فإن‬
‫بالحمام ‪ ،‬ومعاذ حين رأى امرأة في العرس أعادت له‬ ‫املرأة تشكل القوة الحيوية والفاعلة ‪ ،‬وقد تكون‬
‫‪29‬‬
‫ذكرى حمامة تلوي رقبتها على رقبة وليفها ‪.‬‬ ‫املبادرة وصاحبة الرغبة ‪ ،‬وتعلن عن رغبتها تلك على‬
‫وعائشة حين تحاول تجاوز املكان الذي يحاصر املرأة‬ ‫خالف السائد ‪ ،‬كما في شخصية " عطرة " التي مرت‬
‫ويحجبها عبر الكتابة مرة ( رسائلها لطبيبها األوروبي )‬ ‫عابرة في الرواية ‪ ،‬لكنها حضرت لتؤكد القوة الفاعلة‬
‫وعبر التخيل مرة أخرى تحس بالطيور تخترق وسادتها‬ ‫للمرأة ‪ ،‬فهي تزوجت نصف دزينة من الرجال ‪" :‬‬
‫‪ " :‬عقب صالة الفجر أترك للطيور أن تسبح على‬ ‫يقولون إنها تنظر مباشرة إلى ماء الرجل ‪ ،‬وتخترقه‬
‫جسدي ‪ ،‬صوت الشفاء الذي يغوص عميقا بالدماغ‬ ‫عبر عموده الفقري ‪ ،‬وإنها تعرف نقاط املس التي‬
‫" ‪ . 30‬والحمام يختفي أو يختنق حين تختفي عزة‬ ‫تتحكم بالحيويات‪ 26."...‬ويبدو أن الساردة هنا تقلب‬
‫وحين تهدم املباني في مكة ‪ .‬ويعود حرا في ذاكرة "‬ ‫األدوار لتعيد شيئا من التوازن إلى النظام الكوني‬
‫معاذ " حين تفتتح " نورة " ( عزة سابقا ) مرسمها‬ ‫ونظام الطبيعة ‪ ،‬لكن ذلك يظل استثناء ‪ ،‬فالزقاق‬
‫وقد غيرت اسمها وخلعت الحجب عنها ‪ " :‬الطيور ما‬ ‫ورجاله ما فتئوا يقمعون املرأة ويستغلونها لتنتهي‬
‫هي إال إرادة الحرية في الطبيعة ‪ ،‬تتجسد في حفنات‬ ‫مقتولة وجثة مجهولة أو تختفي دون أن يعرف‬
‫مجنحة عرفناها كطيور لكنها الحرية ‪ ..‬تخرج من‬ ‫مصيرها ‪ ،‬وغالبا ما يمثل العنصر املذكر مصدر‬
‫أجسادنا مثل تلك الحفنات حين نلتقط صورة‬ ‫القمع للمرأة والتشويه لألرض ‪ ،‬وهو ما يعيد إلى‬
‫للحلم الذي ظل يكبر فينا ‪ ،‬ونجري وراءه أينما ذهبنا‬ ‫الذهن أنظمة الهيمنة وتمثالت الطبيعة واملرأة التي‬
‫‪ ، ... ،‬رأيت كل ذلك في عشرات اللقطات التي حاولت‬ ‫تجادل حولها النسويات كما سبقت اإلشارة ‪.‬‬
‫تصويرها لبنات وأوالد أبو الرووس في ركضنا وراء‬ ‫يبني النص تماهيا آخر بين املرأة والطبيعة ‪،‬‬
‫حلم ‪ .‬هل رأيت مثل هذه الطيور تخرج من جسد‬ ‫وهو التماهي بين املرأة والطير وتحديدا بين عزة‬
‫الفنانة في هذا االفتتاح ؟ " ‪ .31‬الحرية ال تتحقق إال‬ ‫والحمام ‪ ،‬فكلما حضرت عزة ‪ ،‬وهي الشخصية‬
‫بتحرر الطبيعة وتحرر اإلنسان معا ‪ ،‬لكن ذاك لم‬ ‫املحورية في الرواية ‪ ،‬يحضر معها الحمام ‪ ،‬فهما‬
‫يتحقق فعليا حيث ظلت الشخصيات معلقة‬ ‫ش يء واحد ويحمالن كثيرا من الصفات املتشابهة ‪" :‬‬
‫بذاكرتها ومحكومة لقوانين خارجة عنها ‪ ،‬هي قوانين‬ ‫قاطعت نوم يوسف تلك الخطوات الخاطفة تعبر‬
‫الطفرة املالية التي حاول أصحابها اكتساح كل ش يء‬ ‫الزقاق كحمامة تطير قريبا من األرض ‪ ،‬من على‬
‫بشريا كان أو غير بشري ‪ ،‬ففقد " أبو الرووس "‬ ‫سطحهم ملح يوسف الفتاة تركض في عباءتها صوبه ‪.‬‬
‫هويته ‪ ،‬وفقدت مكة مالمحها وضاعت عزة تحت‬ ‫"‪ 27‬ترتبط ذاكرة يوسف بعزة والحمام معا ‪ ،‬وال‬
‫اسمها الجديد‪.‬‬ ‫يقتصر األمر عليه ‪ ،‬فأبوها يرى فيها صفات الطير‬
‫ينفتح النص السردي في طوق الحمام على‬ ‫أيضا ‪ ،‬وغالبا ما يراها يوسف حمامة تحاول الطيران‬
‫تماثالت جوهرية أخرى تعيد تشكيل العالقة بين‬ ‫وهو يحاول تحريرها فيعجز عن ذلك ‪ ،‬فالولد يحاول‬
‫عناصر الطبيعة ‪ ،‬فالطبيعة أنثى ‪ ،‬واملدينة ( مكة )‬ ‫تحرير البنت مثل حمامة لكي يمسد عنقها ويخترق‬
‫امرأة تنسب الشخصيات إليها كما ينتسب األبناء إلى‬ ‫عوالم النساء املحرمة ‪ ،‬لكن عين الحمامة ( عزة )‬
‫أمهاتهم ‪ ،‬ويرد في النص بعض التصورات‬ ‫لم تلتفت إلى الوراء قط كما يروي يوسف في‬

‫‪- 47 -‬‬
‫د‪ .‬ميساء الخواجا‬

‫بناء تصور رؤية اإلنسان للكون وللباس من خالل‬ ‫واملعتقدات املرتبطة بمكة وانتساب أبنائها لها ‪ ،‬وهي‬
‫منظور املرأة التي يمارس عليها ما يمارس على‬ ‫معتقدات تحيل إلى التصورات البدائية األولى وإلى‬
‫الطبيعة واملكان من حجب وإقصاء ‪.‬‬ ‫الوحدة الكلية للوجود ‪ ،‬فمن يريد إثبات نسبه عليه‬
‫وكما ارتبط الحمام بعزة وباملرأة يقيم النص‬ ‫أن يصعد إلى غار وأن يدخل من شق ضيق بشكل‬
‫ارتباطا آخر بين الحمام ومكة ‪ ،‬وغالبا ما يكون‬ ‫يعيد إلى الذهن جسد املرأة والرحم وعملية الوالدة ‪،‬‬
‫يوسف عاشق عزة ومكة في الوقت نفسه هو ما‬ ‫ويوسف يدخل إلى ذلك الشق بنص يعيد بشكل‬
‫يربط بينهما ‪ ،‬ففي وصف مباشر يقول ‪ " :‬مكة‬ ‫رمزي هذا الربط بين املدينة ‪ /‬مكة واملرأة بما هو‬
‫حمامة تطوق عنقها ألوان متجاوزة لتدرجات الطيف‬ ‫أشبه بالوالدة الجديدة ‪ " :‬شعر يوسف كما بمواجهة‬
‫البشري " ‪ 34.‬وحين يتعرض للصدمات الكهربائية في‬ ‫موت ‪ ،‬بدا الشق أضيق من أن يسمح بولوج جسد‬
‫جسده في مستشفى شهار تبدو له الجروح كخطو‬ ‫بشري ‪ ..‬حبس يوسف أنفاسه وبدفعة قوية‬
‫حمامة ‪ ،‬وحين يذهب إلى الحرم يرى نظرات الحمامة‬ ‫لجمجمته في الصخر اضطرب كامل الجبل ‪ ،‬وجاشت‬
‫النارية تصوبها عميقا إلى عينيه ‪ ،‬وحين اختفى‬ ‫حيوانيته ‪ ،‬وتجسدت أنوثتها في ذلك املخاض ‪،‬‬
‫يوسف ومفتاح الكعبة أسراب الحمام تجمدت على‬ ‫وانعجن جسد يوسف بالقمر الذي التم حوله ثخينا‬
‫أقواس األروقة ‪ 35 .‬وبذلك يبنى النص على هذا‬ ‫بينما تلقته دوامات ذلك الشق ‪ ،‬أغمض عينيه‬
‫التماهي الذي يقيمه يوسف بين مكة والحمام ‪ ،‬وعلى‬ ‫مركزا حيوياته لتدفع أعمق ‪ ،‬وفي لولبة خارجة عن‬
‫تماه آخر يقيمه يوسف أيضا بين مكة وعزة ليتشكل‬ ‫إرادة جسده انزلق فكان في ذاك الرحم الحيواني ‪.‬‬
‫في النهاية مكون سردي دائري تبنى عناصره من مكة‬ ‫حين ولج تيس األغوات من الباب الواسع للغار رأى‬
‫وعزة والحمام وليحيل كل عنصر إلى اآلخر بصورة‬ ‫أمامه لحمة يوسف عارية ‪ ،‬وقد تساقطت ثيابه عنه‬
‫مباشرة وغير مباشرة ‪ .‬تصير عزة هي مكة ‪ ،‬وحين‬ ‫وبدا مثل علقة ولدت عكسيا لترجع للرحم ‪32. "...‬هي‬
‫ينطق يوسف اسمها ينطقه بذات العمق ‪ " :‬الطريقة‬ ‫والدة جديدة كان ال بد أن يمر بها يوسف لينتمي مرة‬
‫التي تعطي االسم ذاك البعد السحيق ‪ ،‬ينطقه كمن‬ ‫أخرى إلى املدينة املرأة ‪ .‬ويبني النص السردي هذه‬
‫يضرب أرض مكة ويحفر فيها بئر زمزم أو يوم قيامة‬ ‫الرؤية التي تربط بين مكة واملرأة في أكثر من موضع ‪،‬‬
‫‪ 36. "..‬وهو ما ينسحب أيضا على " عائشة " الوجه‬ ‫ويالحظ أنه يقدمها من خالل السارد العليم مرة‬
‫اآلخر لعزة فهي أيضا تتحد باملدينة وبالطبيعة ‪،‬‬ ‫واصفا لحظة الوالدة واالنتساب كما في املقطع‬
‫لتصير هي املدينة والحمامة أيضا ‪ ،‬فعندما تلبس‬ ‫السابق ‪ ،‬أو من خالل راو مشارك يروي عن يوسف‬
‫ثوب عرسها تعيد تمثيل املشهد الذي روته " التركية‬ ‫أيضا ‪ ،‬تنقل عائشة عن يوسف في الفصل املعنون‬
‫" عندما خاطت لها ثوبها وعندما زفت إلى زوجها ‪،‬‬ ‫بـ" غشاء مطاطي" ‪ " :‬كيف نضت الكعبة أول ثوب‬
‫لكنه تمثيل مختلف تمتليء فيه اللغة بمحموالت‬ ‫خلعه عليها امللك تبع الحميري ‪ ،‬والذي كسا البيت‬
‫رمزية ‪ " :‬وقفت على برميل صغير يمثل تلك املنصة‬ ‫املسوح واألنطاع فانتفض البيت فزالت تلك الثياب‬
‫األولى ‪ ،‬وتركت لليل مكة أن يتناوب والدانتيل على‬ ‫عنه ‪ ...‬صدقني هناك ثياب للعذاب " ‪ 33‬فتقيم‬
‫لعق جذعي ‪ ،‬ارتديته على الجلد ورفعت بذراعي‬ ‫عائشة توازيا بين فرض ثياب على الكعبة لحجبها‬
‫الحفيفتين عاليا في السماء متأهبة للطيران واقفة‬ ‫وفرض لباس على املرأة لحجبها أيضا ‪ ،‬ومن ثم تعيد‬

‫‪- 48 -‬‬
‫التخييل البيئي في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم‬

‫الكائنات الحية الفردية ‪ .‬أو بشكل أكثر تحديدا هو‬ ‫كما في نومي " ‪ ، 37.‬فيوضح اختيار اللغة هنا ذلك‬
‫يشمل املكونات غير الحية ‪ ،‬الحيوية ( الفيزيائية‬ ‫التماهي العميق بين املرأة واملدينة والطائر ‪ ،‬بين‬
‫والكيميائية ) والعالقات املتبادلة مع املكونات الحية‬ ‫البشري وغير البشري فال ينفصل أحدهما عن اآلخر ‪.‬‬
‫‪39‬‬
‫األخرى " ‪.‬‬ ‫ولعل هذا التبادل في األدوار واملواقع والدالالت بين‬
‫تحمل رواية " طوق الحمام " هذا الهاجس الذي‬ ‫املرأة ومكة والحمام هو ما يشكل جوهر الرواية‬
‫يحاول مساءلة عالقة اإلنسان باملكان وبالبيئة‬ ‫والخيط الذي يجمع بين أجزائها ‪ ،‬لتغدو قصة‬
‫املحيطة ‪ ،‬تحديدا " مكة " وعواملها وأحيائها والبشر‬ ‫الجريمة والفتاة املقتولة جزءا من قتل أكبر هو قتل‬
‫الساكنين فيها ‪ .‬ويتضح هذا الهاجس من عتبة النص‬ ‫البيئة ‪ ،‬وهو ما سنراه في املحور التالي ‪.‬‬
‫األولى أي العنوان ( طوق ‪ +‬الحمام ) ‪ .‬فالطوق يمكن‬ ‫قتل البيئة أو تشويهها‪:‬‬ ‫‪-3‬‬
‫أن يكون سجنا وقيدا وقتال ‪ ،‬والحمام يمكن أن‬ ‫يعنى النقد البيئي بالعالقة بين اإلنسان‬
‫يكون املرأة أو مكة كما سبقت اإلشارة ‪ .‬ومما يسند‬ ‫والبيئة ‪ ،‬وكيف يمثل النص التعامل مع العالم غير‬
‫هذا التأويل التمهيدي عتبة النص الثانية املتمثلة في‬ ‫البشري وعالقتنا به ‪ .‬وفي إطار التعامل مع الطبيعة‬
‫اإلهداء ( لبيت جدي عبد اللطيف ) ‪ ،‬هذا البيت‬ ‫هناك من يرى أن الهدف األساس ي لها هو خدمة‬
‫املعد لإلزالة بسبب دخول السيارات ‪ /‬املدنية‬ ‫اإلنسان ‪ ،‬وأن اإلنسان هو سيد الطبيعة ‪ ،‬ويؤيد‬
‫الحديثة ‪ ،‬حيث صار عدد السيارات يفوق عدد‬ ‫االستخدام املنظم ملصادرها من أجل استدامة‬
‫البشر في مكة ‪ " :‬وها هي الجبال تنقض وتتالش ى‬ ‫املستقبل ‪ .‬وهناك من يحاول تحدي هذه الحوارية‬
‫وتبتلع العمارة العريقة ‪ ،‬ومعها بيت جدي القائم على‬ ‫من أجل الحفاظ على الطبيعة دون تدخل اإلنسان‬
‫قمة ما كان يعرف بشرفات الحرم باسطنبول مكة ‪.‬‬ ‫على اعتبار أنه من حق الطبيعة أن تحيا ‪ ،‬فكل‬
‫كل ذلك املاض ي الساذج غاب اآلن ‪ ،‬ولم يعد له‬ ‫املوجودات لها قيمها الداخلية وال أحد يسود اآلخر ‪،‬‬
‫وجود سوى في هذا الكتاب " ‪ . 40‬فهل كانت الكاتبة‬ ‫وبالتالي فإن للموجودات كلها حقوقا متساوية ‪ .‬من‬
‫تحاول االحتفاظ بتاريخ مكة أم أنها كانت تحاول‬ ‫هنا فإن النقد البيئي ‪ ،‬في أحد جوانبه ‪ ،‬ال يتعلق‬
‫إعادة وعي القاريء بما جرى فيها وكيف تم تحويل‬ ‫بكيفية عمل األنظمة البيئية بل بكيفية عمل‬
‫وجهها وقتله بشكل تال ؟ يطرح النص هذه املسألة‬ ‫األنظمة األخالقية ‪ :‬كيف نتصرف مع الطبيعة األم ‪،‬‬
‫‪38‬‬
‫على لسان " نورة " في الجزء األخير منه حين رأت‬ ‫وكيف يبني العمل السردي هذا الوعي وينميه فينا ‪.‬‬
‫الحمام في مدريد تذكرت حمام مكة ‪ " :‬أيضا الحمام‬ ‫وبعبارة أخرى كيف يعيد النص األدبي صياغة رؤيتنا‬
‫املطوق في صحن الحرم ‪ /‬يلف فوطة حول عنقه‬ ‫للعالم وللبيئة بكل مكوناتها ‪ ،‬وذلك من أجل إعادة‬
‫ليذهب لالغتسال ‪ / .‬حتى إذا جاء املساء ‪ /‬يلف‬ ‫االزدهار إلى األرض ‪ ،‬ذلك الذي فقدته بفعل تدخل‬
‫وشاحا ويذهب إلى عرس ‪ / .‬كبرنا على أن هذا املطوق‬ ‫اإلنسان غير املنظم واعتدائه األناني على مكونات‬
‫الرمادي والذي يطير في دوائر حول الكعبة ‪ :‬مقدس ‪.‬‬ ‫الطبيعة ‪ .‬وفي هذا السياق يمكن إعادة صياغة‬
‫‪ /... /‬ألننا حين كنا صغارا أقنعونا بأن هذا حمام‬ ‫مفهوم املكان وعالقة اإلنسان به ليتجاوز األمر مجرد‬
‫بيت هللا ‪ .‬من كل األرض ال يحيا ويخدم إال في حرم‬ ‫املكونات املادية املحيطة باإلنسان إلى أن املكان هو "‬
‫مكة ‪ / .‬ال تؤذوه ‪ / .‬باألمس رأيت هذا املطوق في‬ ‫الجمع بين الظروف الخارجية التي تؤثر على حياة‬

‫‪- 49 -‬‬
‫د‪ .‬ميساء الخواجا‬

‫بالبشر ومحاولة التأثير على بعض مجريات حياتهم ‪.‬‬ ‫أفالم هوليود في كل مكان ‪ / .‬أهو الحمام يهاجر‬
‫يحكي " أبو الرووس " من الصفحات األولى عن نفسه‬ ‫ويشيع ‪ ،‬أم هي بيوت هللا في كل مكان ؟ ‪ /... /‬فما‬
‫ُ‬
‫وعن إهمال اإلنسان وتشويهه للبيئة ‪ " :‬فحيث إنه‬ ‫ضر لو حشرتنا جميعا في هذه الكلمات ‪ ،‬وحشرت‬
‫لم ُيعتن بتنويري قط فلقد تعلمت أن أجلس في‬ ‫الكلمات في كتاب ‪ ،‬والكتاب للحياة ؟" ‪ 41.‬فهل تحاول‬
‫العتم مخدرا وأسحب نفسا عميقا من األنف ( معبأ‬ ‫الكاتبة حصر تاريخ مكة وحكاية أهلها من خالل‬
‫بخمائر فضالت ونز بالوعات ونشاز أصوات ‪ ،‬كشأن‬ ‫حكاية " أبو الرووس " وجريمة قتل املرأة الغامضة ؟‬
‫روائح الحواري املنسية ) ‪ ،‬وأحبسه لدقائق قبل‬ ‫إن ما ورد في عتبات النص األولى وما ورد‬
‫إطالقه بتأن من الفم في هيئة إشاعات وخرافات‬ ‫من تساؤالت حول مكة وحمامها في الجزء األخير من‬
‫ومحظورات أخنق بها سكاني "‪ . 43‬ويبدو فعل‬ ‫الرواية يغلق دائرة األحداث ‪ ،‬ودائرة حكاية غزو‬
‫التدمير هنا متبادال ‪ ،‬فالزقاق ( البيئة والطبيعة )‬ ‫اإلنسان للبيئة واستباحته لألرض واملكان واإلنسان (‬
‫يعاقب ساكنيه على توحشهم وإهمالهم ‪ .‬لكل ش يء‬ ‫ال سيما املرأة ) باسم الحضارة واملدنية والتقدم ‪،‬‬
‫ثمنه واإلنسان ال بد أن يدفع الثمن ‪ .‬ويعزز السرد‬ ‫مخالفا بذلك هاجس األجداد في الحفاظ على البناء‬
‫من صورة التشويه التي يعاني منها الزقاق حين‬ ‫واألرض ‪ ،‬ذلك الهاجس الذي جعلهم يتركون بيوتهم‬
‫يشترك املحقق " ناصر " في الحكي ويتفاعل مع‬ ‫وقفا ال يحق لنسلهم غير سكنه وتأجيره دون البيع‬
‫املشكالت البيئية التي يعاني الزقاق منها " يتنصت‬ ‫والتصرف في الثمن ‪ " ،‬حكمة تتعرض اآلن للتآكل ‪،‬‬
‫على أكياس القذارة التي تمتص وقع خطواته ‪ ،‬يفتش‬ ‫بهذه الفراغات الكبيرة في خارطة الوقف "‪ . 42‬لكن‬
‫املداخل الكئيبة التي ال تكاد تمرر بشرا ‪ ،‬واألحواش‬ ‫اإلنسان قام بقتل البيئة وتشويهها باسم الحضارة‬
‫املسكونة بالدواب الضالة والجن ‪ ...‬تلفت ناصر بحثا‬ ‫والرغبة في التوسع العمراني والطمع في الثراء املادي ‪.‬‬
‫عن مهرب ‪ ،‬لكن الزقاق حاصره مثل قنفذ يسفر عن‬ ‫ومن ثم نشأت عالقات جديدة بين اإلنسان وتلك‬
‫أشواك أطباق استقبال البث الفضائي "‪ . 44‬هنا‬ ‫البيئة كان ال بد أن يدفع ثمنها في النهاية وأن تمتد‬
‫يتفاعل البشري مع غير البشري ‪ ،‬الحي مع الجماد‬ ‫لتمس عالقته بالبشر املحيطين كما مست عالقته‬
‫لتقديم صورة عن بيئة مشوهة ‪ ،‬ولعل الربط بين‬ ‫باملكان ‪.‬‬
‫أشواك القنفذ وأطباق استقبال البث الفضائي جاء‬ ‫يبدأ النص بمحاولة إعادة الوعي بالتشويه‬
‫مقصودا ليؤكد أن هذا التشويه قد جاء مرتبطا‬ ‫الحاصل في البيئة من خالل اختيار الراوي ‪ ،‬حيث‬
‫بدخول الحضارة ‪ ،‬لكنه دخول شكلي حيث يستقبل‬ ‫يأتي السرد على لسان الزقاق املسمى " أبو الرووس "‬
‫الناس الفضاء لكن الزقاق في العمق ميت ومليء‬ ‫وتهيمن وجهة نظره على سرد األحداث ‪ .‬ويحتل سرد‬
‫بالوحشة وبالقاذورات ‪ .‬لقد استوطن الناس املكان‬ ‫" أبو الرووس الجزء األول واألكبر من الرواية ‪.‬‬
‫وعملوا على تدميره ‪ ،‬والسرد يحكي عن هذا الفعل‬ ‫واختيار السرد على لسان الزقاق يسهم في إعادة‬
‫اإلنساني التدميري ‪ ،‬فـ " أبو الرووس " يحكي لناصر ‪:‬‬ ‫تكوين وجهة النظر تجاه األشياء التي يراها اإلنسان‬
‫" أتسمع دوي الدماء في عروق الرجال الذين‬ ‫من املسلمات في الحياة العادية ‪ .‬يتحول الزقاق إلى‬
‫استدرجتهم من أطراف األرض بأحالم الذهب األسود‬ ‫راو مشارك وشاهد على األحداث ‪ ،‬إلى كائن حي‬
‫‪ ،‬خلفوا وراءهم األهل واألوالد وجاؤوا كالقمل لسكنى‬ ‫ينفعل بما يجري ويكون له دوره أيضا في التربص‬

‫‪- 50 -‬‬
‫التخييل البيئي في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم‬

‫في مدة أقصاها شهر "‪. 49‬الزقاق والبيوت وآالت‬ ‫رؤوس ي ‪ ،‬يمتصون دمي بينما ألتهم أعمارهم‬
‫الهدم كلها كائنات حية ‪ ،‬والسرد بهذا التصوير يعيد‬ ‫وأحالمهم في خرائبي ‪ ،‬وصنادقي العشوائية ‪...‬‬
‫تصور العالم ‪ ،‬ويعيد تشكيل رؤيتنا في أن ما نراه‬ ‫أقايضهم شبابهم مقابل عفني " ‪ . 45‬إنه العنف‬
‫جمادا ليس كذلك ‪ ،‬ويدين بذلك الفعل اإلنساني‬ ‫املتبادل بين اإلنسان والبيئة ‪ ،‬والثمن الذي ال بد من‬
‫التدميري ملا يحيط به بحثا عن مال أو ثراء أو تطور‬ ‫دفعه ‪ ،‬فالزقاق (البيئة ) ليس مجرد مستقبل سلبي‬
‫مزعوم ‪.‬‬ ‫‪ ،‬والحضارة والتطور لهما ثمنهما أيضا ‪ ،‬وهو ما يشير‬
‫لقد سبقت اإلشارة إلى أن الرواية تنطلق من‬ ‫إليه دارسو النقد البيئي الذين يتحدثون باستمرار‬
‫اإليمان بوحدة الوجود والكائنات ‪ ،‬وأن مكة واملرأة‬ ‫عن األزمة البيئية ‪ ،‬وعن ضعف العالقة بين اإلنسان‬
‫والحمام وجوه لش يء واحد ‪ ،‬ويتكرر في النص التعبير‬ ‫والطبيعة بفعل الحضارة والتطور الصناعي ‪ ،‬لكن‬
‫عن مكة بأنها امرأة ‪ ،‬وأنها تحيا من خالل امرأة ‪" :‬‬ ‫البيئة هنا ال تستسلم لهجمة اإلنسان بل تقايضه‬
‫نجح يوسف في تحوير رؤية ناصر ملكة ‪ ،‬صار يراها‬ ‫وتعاقبه على تدميرها ‪ ،‬وكأن النص بذلك يأخذ دورا‬
‫كأنثى ‪ ،‬لقد سلبه حتى مكة التي عرفها وضحى عمره‬ ‫استشرافيا ودورا آخر تحذيريا ملا يمكن أن تؤول إليه‬
‫في حراستها ‪ ،‬وقع ناصر في شبكة العقود التي عقدت‬ ‫األمور لو استمر اإلنسان في تدمير ما يحيط به ‪.‬‬
‫وفصمت في أبو الرووس ‪ ،‬يدوخه يوسف ‪ " :‬كلما‬ ‫تقوم الشخصيات في الرواية بتدمير الزقاق‬
‫شربتها امرأة ‪ ،‬هاجر وزبيدة‬ ‫عطشت مكة لتموت ّ‬ ‫عبر إهماله ‪ ،‬وتدمير مكة عبر تغيير مالمحها وهدم‬
‫وفاطمة ‪ . 50 " ...‬هذه املدينة األنثى يمارس عليها‬ ‫بيوتها القديمة لتحل محلها عمارات حديثة ‪ ،‬تلك‬
‫العنف كما يمارس على املرأة تماما ‪ .‬وهي الرؤية ذاتها‬ ‫العمارات التي ال تحتفظ بمالمح خاصة بها ‪ ،‬فاملباني‬
‫التي تنطلق منها بعض أطروحات النقد النسوي‬ ‫‪ ،‬كما يراها ناصر ‪ ،‬متناسخة ومحصورة في صف‬
‫البيئي ‪ ،‬فهناك خصائص مشتركة وسمات متشابهة‬ ‫عمودي ‪ " :‬الشارع أشبه بجثة تنفخ بخارا ‪ ،‬بال قدم‬
‫بين استغالل النساء والطبيعة حيث تجري عليهما‬ ‫تحييها ‪ ،‬فقط صف من العربات على الجانبين لركاب‬
‫هيمنة غير مبررة ‪ ،‬ويشتركان في مالمح اإلقصاء‬ ‫أشباح ال يظهرون لعين "‪ . 46‬ويتكرر في النص التعبير‬
‫والحجب ‪ .‬ويقيم النص نوعا من التوازي بين القمع‬ ‫عن التغيير بـ" املوت واالختناق " ‪ ،‬فيوسف يتحدث‬
‫الذي يمارس على املرأة ( نساء الزقاق الالتي يمثلن‬ ‫دوما عن اختناق مكة باختناق جبالها ‪ ،‬وعن اختناق‬
‫نساء مكة ) والقمع الذي يمارس على مكة وعلى‬ ‫الكعبة والنبوءة التي تتحدث عن اختفائها ‪ ،‬فإما أن‬
‫أبنيتها ‪ ،‬فمكة املدينة األنثى يحجب وجهها باألبنية‬ ‫تختنق أو يجرفها املطر الذي سينزلق من قمم‬
‫الجديدة ‪ ،‬وتحاصر بالتغييرات والهدم العشوائي ‪،‬‬ ‫ناطحات السحاب املحيطة ‪ . 47‬كما تتكرر مفردات‬
‫كما يحجب وجه املرأة وتقص ى إلى الظالم خلف‬ ‫العنف في وصف عمليات الهدم والتغيير ‪ " :‬وفي املرآة‬
‫األستار واأللبسة ‪ .‬املرأة تكشف وجهها في الحرم ‪،‬‬ ‫راقب الرجالن الجرافات ‪ ،‬تغرس خطمها في بستان‬
‫والحرم جوهر مكة ووجهها الذي يخاف عليه من‬ ‫مشبب ‪ ،‬وتغوص لتبقر األقبية املستترة من كل‬
‫الحجب ‪ ،‬وهو وحده الذي يصارع من أجل البقاء‬ ‫صوب "‪ " ، 48‬لم يسقط الزقاق دفعة واحدة ‪،‬‬
‫بمالمحه األصلية‪. 51‬‬ ‫الفراغات في أبو الرووس جاءت مثل أسنان تسقط ‪،‬‬
‫قبل أسبوع تسلم من بقي من األهالي إنذار باإلخالء‬

‫‪- 51 -‬‬
‫د‪ .‬ميساء الخواجا‬

‫نشرب الدم ‪ ..‬قل لي ‪ :‬لم تتملك البنت املعشوقة‬ ‫يعتقد الكثيرون في النقد النسوي البيئي أن‬
‫رغبة في االنتحار "‪ . 54‬لقد وقف رجال الزقاق‬ ‫الصلة بين تبعية املرأة وتدمير النظم البيئية ال تنبع‬
‫عاجزين عن حماية نسائه ‪ ،‬كما عجزوا عن وقف‬ ‫من التعرف على النساء اللواتي يعانين من وضع غير‬
‫محاوالت اإلخالء وشراء البيوت وهدمها من أجل بناء‬ ‫إنساني بل من وضع املرأة االجتماعي ‪ ،‬مع إدراك‬
‫عمارات جديدة ‪ .‬وبنات أبو الرووس اختفين خلف‬ ‫وجود عالقة جوهرية بين إضفاء الطابع الخارجي على‬
‫الجدران كما اختفت عائشة في مخبئها السري املظلم‬ ‫املرأة واستغاللها وإساءة استخدام املوارد الطبيعية‬
‫وعاشت مع أوهامها ومذكراتها وانتهت باالختفاء أو‬ ‫‪ .52‬هنا يمكن الكشف عن التداخل الذي تطرحه‬
‫املوت ‪ .‬أو يتم سلبهن هويتهن وتحويل مالمحهن ‪" .‬‬ ‫الرواية بين تشويه وجه مكة وحجبها وقتلها باسم‬
‫خالد الصبيخان " الثري الذي تسلل إلى الزقاق وأخذ‬ ‫التطوير والتحضر وبين أشكال الظلم االجتماعي الذي‬
‫عزة خلسة وسافر بها إلى مدريد بعد أن أسلمته‬ ‫يقع على نساء " أبو الرووس "‪ ،‬كيف أسهمت‬
‫وغيرها ّ‬
‫وغير اسمها إلى " نورة "‬ ‫جسدها مقابل املال ‪ّ ،‬‬ ‫سياسات التطوير التي تعرضت لها املدينة في قتلها‬
‫وعاد بها إلى جدة بمالمح جديدة باعتبارها فنانة ‪،‬‬ ‫وفي قتل نساء الزقاق معنويا وماديا ‪ .‬وإذا كان النقد‬
‫وافتتح لها معرضا تقابل فيه الناس بوجه جديد‬ ‫البيئي النسوي يتحدث عن إسهام سياسات التطوير‬
‫ودون غطاء ‪ ،‬وهو من أسلمها ألصدقائه كي ترفه‬ ‫وممارسات البشر فيما يخص الطبيعة في عجز‬
‫غير وجه مكة أو كما يرى‬ ‫عنهم‪ ،‬هو نفسه الذي ّ‬ ‫النساء عن التزود بما يكفي أنفسهن وعائالتهن على‬
‫يوسف متحدثا عنه وعن الزقاق ‪ ،‬هو الجرافات التي‬ ‫اعتبار أنهن الفئة األضعف ‪ ،‬والفئة املستهلكة ال‬
‫جرفت واألختام التي نزعت امللكيات ‪ ..‬يوسف ‪ ،‬عزة‬ ‫املنتجة ‪ ،‬فإن رواية " طوق الحمام " تتجاوز ذلك إلى‬
‫‪ ،‬أبو الرووس ‪ ،‬مجرد نقاط أزيلت على خارطة إبادة‬ ‫طرح تهميش املرأة وقتلها ( جثة املرأة الغامضة التي‬
‫جماعية ‪ . 55‬لقد قتلت عائشة فعليا ‪ ،‬وقتلت عزة‬ ‫قد تكون عائشة ) واستباحتها وتحويلها إلى وجه آخر‬
‫معنويا كما قتلت مكة والزقاق على يد الصبيخان‬ ‫كما حصل مع " عزة " التي تحولت إلى " نورة "‪.‬‬
‫غير خارطة مكة ووجهها بماله تحت مسمى‬ ‫الذي ّ‬ ‫ويبدو هذا الربط مباشرا على لسان إحدى‬
‫التطوير والتوسع العمراني ‪ .‬وترافق ذلك مع قتل‬ ‫شخصيات الرواية حين يقول تيس األغوات ‪ " :‬عاملنا‬
‫رمزي وفني اختارته الساردة وهو قتل " أبو الرووس "‬ ‫مات عندما ماتت بنات أبو الرووس ‪ ،‬من غيرهن‬
‫على مستوى الحكي ‪ ،‬فاختفى " أبو الرووس " الراوي‬ ‫يحلم بفئران مثلنا ؟ بل سمعت بأنه حتى الكعبة‬
‫املشارك في الجزء الثاني من الرواية ليحل محله راو‬ ‫يحبسونها وراء املتاريس منذ ضياع املفتاح "‪ . 53‬لقد‬
‫عليم يحكي بضمير الغائب ‪ ،‬وتراجع " أبو الرووس "‬ ‫مارس رجال الزقاق ‪ /‬املجتمع الذكوري الهيمنة على‬
‫إلى خلفية املشهد مع حضور ذلك الراوي لتتقدم "‬ ‫نسائه ‪ ،‬كما مارسوا هيمنة من نوع آخر على املدينة ‪:‬‬
‫نورة " أيضا إلى الواجهة وكأنها تقدم الوجه الجديد‬ ‫" بنات أبو الرووس عشن في رعب أن يتحولن إلى‬
‫ملكة بعد أن فرت مع الصبيخان ‪ ،‬وظل وجه مكة‬ ‫لحم ودم حقيقي ‪ ...‬خوفا من الفضيحة احتضن‬
‫القديم ذاكرة تحتفظ بها ويعيدها لها الحمام كلما‬ ‫املوت ‪ .‬ويلحقن التهمة برجال مثل يوسف أو خليل أو‬
‫رأته ‪ .‬بذلك تكتمل املعادلة فتدمير البيئة هو تدمير‬ ‫تيس األغوات أو حتى أنت ابن اإلمام حافظ القرآن ‪..‬‬
‫لإلنسان إذ يدين النص ما حدث في مكة من تشويه‬ ‫علينا أن نحمل ذنب الفريسة هذا من دون أن‬

‫‪- 52 -‬‬
‫التخييل البيئي في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم‬

‫باختالف املوقف ‪ ،‬وارتبط قتله أو تشتيته بقتل‬ ‫على كافة األصعدة ‪ ،‬للبشري وغير البشري ‪ ،‬ورغم‬
‫املدينة واملرأة وتشويه وجههما‪.‬‬ ‫أن " عزة " تحررت ظاهريا بعد أن تغير اسمها‬
‫املرأة الطبيعة ‪ ،‬هي العنصر الفاعل واملحرك‬ ‫وتغيرت هويتها إال أن الثمن كان مدفوعا من خالل‬
‫للحدث في الرواية ‪ ،‬فمن هذه املرأة الكلية أو األنثى‬ ‫انسالخها التام عن املاض ي وعن الزقاق وأهله وعن‬
‫الكونية تتناسل الثنائيات األصغر ‪ :‬املرأة ‪ /‬املدينة ‪،‬‬ ‫مكة حين عادت إلى جدة وحيدة يستغلها الصبيخان‬
‫املرأة ‪ /‬الحمام ‪ ،‬املرأة ‪ /‬اإلنسان ‪ ،‬وعليها كلها تجري‬ ‫ويتالعب بها كيف شاء لتصبح امرأة جديدة بال هوية‬
‫عالقات الهيمنة غير املبررة التي أدت إلى تدمير املدينة‬ ‫كما هي مكة التي اختفت مالمحها القديمة وفقدت‬
‫( مكة ) وخنقها وتشويه مالمحها ‪ ،‬كما أدت إلى قتل‬ ‫مفتاحها وأسرارها حين هدمت بيوتها وهزم "أبو‬
‫املرأة ماديا ومعنويا بتغيير اسمها وهويتها وشكل‬ ‫الرووس " ليحل محله العمارات واملباني الحديثة ‪.‬‬
‫حياتها‪.‬‬ ‫خاتمة‪:‬‬
‫هكذا يمكن القول إن رواية " طوق الحمام " تنطلق‬ ‫تنطلق رواية " طوق الحمام " والتخييل‬
‫من وعي بيئي ‪ ،‬وتستجيب لبعض مفاهيم البيئية‬ ‫البيئي فيها من اإليمان بوحدة الكائنات ‪ ،‬وأن العالقة‬
‫النسوية‪ ،‬وتحاول من خالل اختيار شخصياتها (‬ ‫بين املوجودات عالقة تكاملية ‪ ،‬ال فرق بين البشري‬
‫البشرية وغير البشرية ) إعادة الوعي بأهمية البيئية‬ ‫وغير البشري ‪ ،‬بل إن الجمادات تحيا وتتنفس وتشعر‬
‫ورفض بعض املسلمات التي ترى األمكنة والشوارع‬ ‫وتتألم وتغضب ‪ .‬وانطالقا من هذا جاء السرد فيها‬
‫والجمادات أشياء ميتة ال قيمة لها ‪ .‬كما تدين بشكل‬ ‫على لسان الزقاق " أبو الرووس " الذي قام بدور‬
‫ضمني الطفرات املالية والتطور العشوائي الذي يقوم‬ ‫الراوي الشاهد واملشارك ليقدم وجهة نظر األشياء‬
‫بالهدم والتدمير تحت مسمى الحضارة والتطوير ‪.‬‬ ‫التي يعتبرها اإلنسان في العادة ميتة وال أهمية لها ‪.‬‬
‫رواية " طوق الحمام " هي ‪ ،‬في أحد وجوهها ‪ ،‬رواية‬ ‫وعندما تم تدمير البيئة وتشويه وجه املدينة تم قتله‬
‫االحتفاظ بذاكرة املكان وحكمة األجداد والفطرة‬ ‫فنيا ليختفي من واجهة السرد ويتراجع عن الحكي‬
‫األولى كما ورد في عتباتها وتجلى في أحداثها‬ ‫لصالح الراوي العليم الذي يراقب األشياء من الخارج‬
‫وشخصياتها‪.‬‬ ‫ويلتقط تفاصيل التحول في العالقات ‪.‬بذلك تعيد‬
‫الرواية تشكيل وعي القاريء بأهمية البيئة املحيطة‬
‫وأهمية التفاعل اإليجابي معها وعدم تدميرها أو‬
‫تشويهها ‪ .‬ومن هنا كان االختيار اللغوي عنصرا فاعال‬
‫في هذا األمر حيث اختارت الكاتبة لغة تعتمد على‬
‫تمثيل التماهي بين الكائنات ‪ ،‬فتتبادل االستعارات‬
‫‪1‬‬
‫‪Lawrence Buell, Ursula K. Heise, and Karen‬‬
‫‪Thornber, Literature and Environment, Annu,‬‬ ‫واألوصاف واألدوار بشكل كبير‪ .‬وقد برزت ثنائية‬
‫‪Rev. Environ .Resour, 2011, 36417-40, pp 422,‬‬ ‫اإلنسان ‪ /‬الحيوان على مدى الرواية على اعتبار أن‬
‫‪423‬‬
‫‪ 2‬حول هذا األمر ‪ ،‬انظر ‪ ،‬جيليكا توشيتش ‪ ،‬النقد البيئي " دراسة‬ ‫الحيوان أكثر الكائنات عالقة باإلنسان وربما أقربها‬
‫بينية في األدب والبيئة "‪ ،‬ترجمة سناء عبد العزيز ‪ ،‬فصول‪ ،‬النقد‬ ‫إليه ‪ .‬وكان للحمام دور مهيمن حيث شكل هوية‬
‫جامعة بين ذاته واملدينة واملرأة فتتبدل وجوهه‬

‫‪- 53 -‬‬
‫د‪ .‬ميساء الخواجا‬

‫رواء جليل الجنابي‪ ،‬نسق النسوية البيئية في رواية حديقة حياة‬ ‫األدبي وتداخل االختصاصات‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب‪،‬‬
‫للطفية الدليمي‪:‬‬ ‫القاهرة‪ ،‬مجلد ( ‪ ،) 2/26‬العدد ( ‪ ،) 102‬شتاء ‪ ،2018‬ص‪،330‬‬
‫‪Route Educatonal & Social Science Journal , vol‬‬ ‫‪Muhammad Shoaib, Desecration of the Early‬‬
‫‪6 (2), January 2019 , pp 630 ،‬‬ ‫‪Paradise: An Ecocritical Reading of Mirza‬‬
‫‪Marijke Colle, Feminism and ecology: the‬‬ ‫‪Warheed's Novel (The Book of Gold Leaves),‬‬
‫‪same struggle? The shaping of ecofeminism.‬‬ ‫‪Journal of Research ( Humanities) , pp 80‬‬
‫‪Cadtm . org , 13May 2019‬‬ ‫‪ 3‬انظر ‪ ،‬جميل حمداوي ‪ ،‬نظريات النقد األدبي والبالغة في مرحلة‬
‫‪Greta Gaard , Strategies for a Cross – Cultural of‬‬ ‫ما بعد الحداثة ( مرجع إلكتروني ) ( ‪ ، ) www.alukah.net‬ص‬
‫‪Ecofeminist Literary Criticism, University of‬‬
‫‪Wisconsin –River falls , 2010 , pp 47, 48.‬‬ ‫‪ ، 297 ، 296‬أبو الفضل بدران ‪ ،‬أهمية النقد األدبي البيئي في‬
‫‪ 11‬انظر ‪ ،‬لورنس مل ‪ ،‬أورسوال ك ‪ .‬هيس ‪ ،‬كارين ثورنبر ‪ ،‬األدب‬ ‫الدراسات النقدية ‪ ،‬املؤتمر الدولي الرابع للغة العربية ‪ ،‬دبي ‪،‬‬
‫والبيئة ‪ ،‬ص ‪ ،344‬إيمان السلطاني وآخرون ‪ ،‬نسق النسوية‬ ‫‪ ، 192‬ص ‪ ،196 ، 195‬جيليكا توشيتش ‪ ،‬النقد البيئي ‪ ،‬ص ‪328‬‬
‫‪4‬‬
‫البيئية في رواية حديقة حياة للطفية الدليمي ‪ ، 737-633 ،‬جميل‬ ‫‪Cheryll Glofelty , What is Ecocriticism ,‬‬
‫‪Definding Ecocriticism of Theory and Practice ,‬‬
‫حمداوي ‪ ،‬نظريات النقد األدبي والبالغة في مرحلة ما بعد‬
‫‪Sixteen Position Papers From The 1994 Western‬‬
‫الحداثة‪ ،‬ص ‪:298 ، 297‬‬ ‫‪Literature Association Meeting , Salt Lake City ,‬‬
‫‪Muhammad Shoaib , Desecration of the Earthly‬‬ ‫‪Utah , 6 October , 1994 , pp 100‬‬
‫‪Paradise ,pp 81 ،‬‬ ‫‪ 5‬انظر ‪ ،‬لورنس بيل ‪ ،‬أورسوال ك هيس ‪ ،‬كارين ثورنبر ‪ ،‬األدب‬
‫‪Serpil Opperman, , Feminist Ecocritisism .The‬‬ ‫والبيئة ‪ ،‬ترجمة معتز سالمة ‪ ،‬فصول ‪ ،‬النقد األدبي وتداخل‬
‫‪New Ecofeminist Setlment , Feminism o/s 22 ,‬‬
‫‪December , 2013, pp 68.‬‬ ‫االختصاصات ‪ ،‬الهيئة املصرية العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪ ،‬املجلد‬
‫‪ 12‬انظر ‪:‬‬ ‫( ‪ ، ) 2/26‬العدد ( ‪ ، )102‬شتاء ‪ ، 2018‬ص ‪338 ، 336‬‬
‫‪6‬‬
‫‪Sandip Kumar Mishra , Ecocriticism, pp169‬‬ ‫‪Sandip Kumar Mishra , Ecocriticism :A Study‬‬
‫‪13‬‬
‫رجاء عالم ‪ ،‬طوق الحمام ‪ ،‬املركز الثقافي العربي ‪ ،‬بيروت ‪،‬‬ ‫‪of Environmental Issues in Literature , BRICS‬‬
‫– ‪journal of Educational Research . October‬‬
‫الدار البيضاء ‪ ،‬ط ( ‪ ، 2010 ، ) 1‬ص ‪16 ، 15‬وانظر أيضا أمثلة‬
‫‪December 2016 , Vol -6 , Issue – 4 , pp 168‬‬
‫أخرى ‪ ،‬ص ‪ 64 ، 45 ، 43 ،34 ،19 ، 14‬وغيرها‬ ‫‪ 7‬حول بدايات النقد البيئي وانتشاره ‪ ،‬انظر ‪ ،‬جميل حمداوي ‪،‬‬
‫‪ 14‬رجاء عالم ‪ ،‬طوق الحمام ‪ ،‬ص ‪316‬‬ ‫نظريات النقد األدبي والبالغة في مرحلة ما بعد الحداثة ‪ ،‬ص ‪298‬‬
‫‪ 15‬انظر ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪8 ، 7‬‬ ‫‪ ، 299 ،‬جيليكا توشيتش ‪ ،‬النقد البيئي ‪ ،‬ص ‪، 329 ، 328‬‬
‫‪ 16‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ 133‬وانظر أيضا حديث " أبو الرووس "‬ ‫‪Mohammad Shoaib , Desecration of the Earthly‬‬
‫عن " خليل" ص ‪92‬‬ ‫‪Practice , pp 80 , Laurence Buell , Literature and‬‬
‫‪ 17‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪53‬‬ ‫‪Environment , pp 418‬‬
‫‪8‬‬
‫‪Dana Phillps , Ecocriticism , Literary Theory ,‬‬
‫‪ 18‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 53‬وانظر ص ‪139‬‬ ‫‪and the Truth of Ecology , New Literary‬‬
‫‪ 19‬انظر ‪ ،‬لورنس مل ‪ ،‬أورسوال ك ‪ .‬هيس ‪ ،‬كارين ثورنبر ‪ ،‬األدب‬ ‫‪History .Vol . 30 , No . 3 . Ecocriticism‬‬
‫والبيئة ‪ ،‬ص ‪353 ، 352‬‬ ‫‪( Summer 1991 ) pp 577-602, The Johns Hopkins‬‬
‫‪University Press , pp 583‬‬
‫‪ 20‬رجاء عالم ‪ ،‬طوق الحمام ‪ ،‬ص ‪ ،42‬وانظر أيضا ص ‪، 43 ، 41‬‬ ‫‪9‬‬
‫‪Dana Phillps , Ecocriticism , pp 578, 582 ,‬‬
‫‪ 50 ، 49 ، 47‬وغيرها‬ ‫‪Stephanie Sarver , What is Ecocriticism ,‬‬
‫‪ 21‬يمكن مالحظة األمثلة السابقة وغيرها في مواضع كثيرة من‬ ‫‪Definding Ecocriticism of Theory and Practice ,‬‬
‫‪Sixteen Position Papers From the 1994 Western‬‬
‫الرواية ‪ ،‬انظر على سبيل املثال ‪ ،‬ص ‪، 55-53 ، 51 ، 42 ، 41‬‬ ‫‪Literature , Association Meeting , Salt Lake City ,‬‬
‫‪، 349 ، 260-257 ، 232 ، 231 ،161-158 ، 133 ، 124 ، 113‬‬ ‫‪Utah , October 1994‬‬
‫‪ ، 350‬ومنه أيضا القصة األسطورية حول نشأة مكة التي تتماهى‬ ‫‪ 10‬حول هذه الترابطات انظر‪ ،‬كارين ج‪ .‬وارين‪ ،‬مدخل إلى النسوية‬
‫فيها الكائنات كلها ويتمازج اإلنساني والحيواني ‪ ،‬انظر ‪ ،‬ص ‪، 89‬‬ ‫األيكولوجية‪ ،maaber.50megs.comwww. ،‬تاريخ الدخول‬
‫‪90‬‬ ‫(الثالثاء ‪ )2020/11/3‬إيمان مطر السلطاني‪ ،‬زياد طارق العلي‪،‬‬

‫‪- 54 -‬‬
‫التخييل البيئي في رواية (طوق الحمام) لرجاء عالم‬

‫‪ 49‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 364‬وانظر أمثلة أخرى ‪ ،‬ص ‪، 345‬‬ ‫‪ 22‬انظر ‪ ،‬كارين ج ‪ .‬وارين ‪ ،‬مدخل إلى النسوية اإليكولوجية‬
‫‪ ، 415 ، 389 ، 388‬وانظر أيضا إدانة يوسف ملا يحدث في مكة‬ ‫‪ 23‬رجاء عالم ‪ ،‬طوق الحمام ‪ ،‬ص ‪ 55 ، 54‬وانظر أيضا صورة‬
‫واستنكاره له ‪ ،‬وكأن التعدي على مكة هو تعد على تاريخها وعلى‬ ‫أخرى في مذكرات يوسف للمرأة األم ‪ /‬التي ال تموت وترضع كل‬
‫الوحي الذي نزل فيها ‪ ،‬لتفقد البركة التي أحاطت بها جراء ما فعله‬ ‫البشر ‪ ،‬ص ‪103 ، 102‬‬
‫البشر ‪ ،‬ص ‪102‬‬ ‫‪ 24‬انظر ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪161-158‬‬
‫‪ 50‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 324‬وانظر كيف تتحد مكة بأرضها‬ ‫‪ 25‬انظر ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ ، 170 ، 163 ، 162‬وانظر أيضا‬
‫وينابيعها وحقولها واملرأة في امرأة كونية تجتمع كل عناصر‬ ‫وصف عائشة لجسد املرأة بأنه شافط للكون بينما ال يزيد جسد‬
‫الطبيعة وأشكال الحياة فيها ‪ ،‬ص ‪447‬‬ ‫الرجل عن كونه مجرد قاذف ‪ ،‬ص ‪185‬‬
‫‪ 51‬انظر‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪ ، 215 ، 214‬ولعل مفتاح الكعبة‬ ‫‪ 26‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪17‬‬
‫الذي سرق واختفى يمثل رمزيا سرقة وجه مكة ومالمحها ‪ ،‬انظر‬ ‫‪ 27‬رجاء عالم ‪ ،‬طوق الحمام ‪ ،‬ص ‪65‬‬
‫ص ‪228‬‬ ‫‪ 28‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪20‬‬
‫‪ 52‬انظر‪ ،‬لورنس مل‪ ،‬أورسوال ك‪ .‬هيس‪ ،‬كارين ثورنبر‪ ،‬األدب‬ ‫‪ 29‬حول هذا الربط بين عزة وعائشة والحمام انظر ‪ ،‬املصدر‬
‫والبيئة‪ ،‬ص ‪345‬‬ ‫السابق ‪ ،‬ص ‪300 ، 284 ، 170 ، 135 ، 69 ، 31 ، 20 ، 13‬‬
‫‪ 53‬رجاء عالم ‪ ،‬طوق الحمام‪ ،‬ص ‪535‬‬ ‫‪ 30‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪284‬‬
‫‪ 54‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪ ، 538‬ويقول تيس األغوات أيضا ‪ :‬حين‬ ‫‪ 31‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪541 ، 540‬‬
‫تولد البنت يحبسونها في قالب مانيكان ‪ ،‬انظر ص ‪538‬‬ ‫‪ 32‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪302‬‬
‫‪ 55‬انظر ‪ ،‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪559 ، 557‬‬ ‫‪ 33‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪174 ، 173‬‬
‫‪ 34‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪30‬‬
‫املصادر واملـراجع‪:‬‬ ‫‪ 35‬انظر ‪ ،‬رجاء عالم ‪ ،‬طوق الحمام ‪ ،‬ص ‪39-37 ، 34‬‬
‫املصادر‪:‬‬ ‫‪ 36‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪557‬‬
‫رجاء عالم‪ ،‬طوق الحمام‪ ،‬املركز الثقافي العربي‪،‬‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪ 37‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪173 ، 172‬‬
‫‪38‬‬
‫‪Sandip Kumar Mishra , Ecocriticism , pp 168‬‬
‫بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬ط ( ‪2010 ،) 1‬‬ ‫‪ 39‬جيليكا توشيتش‪ ،‬النقد البيئي "دراسة في األدب والبيئة"‪ ،‬ص‬
‫املراجع الةربية‪:‬‬ ‫‪331‬‬
‫أبو الفضل بدران‪ ،‬أهمية النقد األدبي البيئي في‬ ‫‪-1‬‬ ‫‪ 40‬رجاء عالم‪ ،‬طوق الحمام‪ ،‬ص ‪5‬‬
‫الدراسات النقدية‪ ،‬املؤتمر الدولي الرابع للغة العربية ‪ ،‬دبي ‪،‬‬ ‫‪ 41‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪420‬‬
‫‪192‬‬ ‫‪ 42‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪28‬‬
‫إيمان مطر السلطاني ‪ ،‬زياد طارق العلي ‪ ،‬رواء‬ ‫‪-2‬‬ ‫‪ 43‬رجاء عالم‪ ،‬طوق الحمام‪ ،‬ص ‪7‬‬
‫جليل الجنابي ‪ ،‬نسق النسوية البيئية في رواية حديقة حياة‬ ‫‪ 44‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪63‬‬
‫للطفية الدليمي‪:‬‬ ‫‪ 45‬املصدر السابق‪ ،‬ص ‪ ،65‬وانظر أيضا كيف تخاطب مخلفات‬
‫‪Route Educatonal & Social Science Journal , vol‬‬ ‫البيوت إحدى شخصيات الروية وتصرف البشر بأنهم "زبالة" ‪ ،‬ص‬
‫‪6 (2), January 2019‬‬ ‫‪252‬‬
‫جميل حمداوي ‪ ،‬نظريات النقد األدبي والبالغة في‬ ‫‪-3‬‬ ‫‪ 46‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪ 141‬وانظر أيضا ما حصل من تغيرات في‬
‫مرحلة ما بعد الحداثة (مرجع إلكتروني)‪:‬‬ ‫بيت اللبابيدي الذي يمثل أيضا أحد وجوه مكة القديمة وذاكرتها‬
‫)‪(www.alukah.net‬‬ ‫ال سيما من خالل الصور التي احتفظ بها أصحابه ‪ ،‬ص ‪، 154‬‬
‫جيليكا توشيتش ‪ ،‬النقد البيئي " دراسة بينية في‬ ‫‪-4‬‬ ‫‪155‬‬
‫األدب والبيئة " ‪ ،‬ترجمة سناء عبد العزيز ‪ ،‬فصول ‪ ،‬النقد‬ ‫‪ 47‬انظر ‪ ،‬املصدر السابق ‪ ،‬ص ‪159 ، 158‬‬
‫‪ 48‬رجاء عالم ‪ ،‬طوق الحمام ‪ ،‬ص ‪341‬‬

‫‪- 55 -‬‬
‫ ميساء الخواجا‬.‫د‬

‫ الهيئة املصرية العامة للكتاب‬، ‫األدبي وتداخل االختصاصات‬


2018 ‫ شتاء‬، ) 102 ( ‫ العدد‬، ) 2/26 ( ‫ مجلد‬، ‫ القاهرة‬،
:‫ مدخل إلى النسوية األيكولوجية‬،‫ وارين‬.‫كارين ج‬ -5
www.maaber.50megs.com
، ‫ كارين ثورنبر‬، ‫ أورسوال ك هيس‬، ‫لورنس بيل‬ -6
‫ النقد األدبي‬، ‫ فصول‬، ‫ ترجمة معتز سالمة‬، ‫األدب والبيئة‬
، ‫ الهيئة املصرية العامة للكتاب‬، ‫وتداخل االختصاصات‬
2018 ‫ شتاء‬، )102 ( ‫ العدد‬، ) 2/26 ( ‫ املجلد‬، ‫القاهرة‬
: ‫املراجع األجنبية‬
1- Cheryll Glofelty , What is Ecocriticism ,
Definding Ecocriticism of Theory and Practice ,
Sixteen Position Papers From The 1994 Western
Literature Association Meeting , Salt Lake City ,
Utah , 6 October , 1994
2- Dana Phillps , Ecocriticism , Literary
Theory , and the Truth of Ecology , New Literary
History .Vol . 30 , No . 3 . Ecocriticism (
Summer 1991 ) pp 577-602, The Johns Hopkins
University Press
3- Greta Gaard , Strategies for a Cross –
Cultural of Ecofeminist Literary Criticism,
University of Wisconsin –River falls , 2010
4- Lawrence Buell ,Ursula K .Heise , and
Karen Thornber , Literature and Environment ,
Annu , Rev . Environ .Resour ,2011,36417-40
5- - Marijke Colle, Feminism and ecology
: the same struggle ? The shaping of
ecofeminism.Cadtm . org , 13May 2019
6- Muhammad Shoaib , Desecration of the
Early Paradise : An Ecocritical Reading of Mirza
Warheed's Novel ( The Book of Gold Leaves ),
Journal of Research ( Humanities)
7- Sandip Kumar Mishra , Ecocriticism :A
Study of Environmental Issues in Literature ,
BRICS journal of Educational Research . October
– December 2016 , Vol -6 , Issue – 4
8- Serpil Opperman, , Feminist Ecocritisism
.The New Ecofeminist Setlment , Feminism o/s
22 , December , 2013
9- , Stephanie Sarver , What is Ecocriticism
, Definding Ecocriticism of Theory and Practice ,
Sixteen Position Papers From the 1994 Western
Literature , Association Meeting , Salt Lake City
, Utah , October 1994

- 56 -

You might also like