JARTS - Volume 80 - Issue ینایر علوم لغة - Pages 1-30

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 30

‫(*)‬

‫صورة اخلطاب الروائي بني مرايا التاريخ وانعكاسات املستقبل‬

‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‬


‫أستاذ مشارك في األدب والنقد الحديث والمعاصر‬
‫قسم اللغة العربية وآدابها‪ -‬كلية اآلداب –‬
‫جامعة آل البيت المفرق‪ -‬األردن‬

‫ملخص‬
‫يسعى هذا البحث إلى تناول صورة الخطاب الروائي بين مرايا التاريخ وانعكاسات‬
‫يبين‬
‫المستقبل في ضوء المنهج التاريخي واإلفادة من معطيات التاريخانية الجديدة ؛ لكي ّ‬
‫تجليات الخطاب الروائي والتاريخي‪ ،‬وصورة الخطاب الروائي بين الزمن الواقعي والتخيلي‪،‬‬
‫ويكشف عن مرايا التاريخ‪ ،‬وأزمنة الرواية المنكسرة‪ ،‬والخطاب الروائي بين الواقع والتخييل‪،‬‬
‫ِّ‬
‫ويوضح الكتابة التاريخية والذات الروائية العربية‪.‬‬

‫وخلص البحث في خاتمته إلى أن الخطاب الروائي بكل تجلياته إنما هو صورة للتاريخ‬
‫اإلنساني بتمظهراته المتغيرة عبر الزمن‪.‬‬

‫الكلمات المفتاحية ‪ (:‬الخطاب الروائي‪ ،‬التاريخ‪ ،‬الصورة‪ ،‬الزمن الواقعي‪ ،‬نظرية‬


‫االنعكاس)‪.‬‬

‫(*)‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬
2020 ‫) يناير‬2( ‫) العدد‬80( ‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد‬ 272

Abstract
The Image of the Novelist Discoures Between the Mirrors of
History and the Implications of the Future.
This research seeks to address the image of the novelist discourse
between the mirrors of history and the implications of the future in the
light of the historical approach, and to benfit from new historical data
, to show the manifestations of the novelist and historical discourse,
and the image of the narrative discourse between real and imaginary
time, and reveal the mirrors of history and times of the broken novel,
and the narrative discourse between reality and fantasy, and explains
the historical writing and Arabic self-narrative.
The research concluded that the novelist discourse in all its
manifestations is an image of human history with its changing
manifestations over time.

Key words: ( narrative discourse, history, image, real time,


reflection theory ).

‫المقدمة‬
‫إن الحديث عن الرواية والتاريخ يشكل مكمن تقاطع بين حدود فاصلة‬
‫ وفق عالقة معقدة‬،‫ لك ّل من التخيلي والموضوعي‬،‫وجامعة في الوقت ذاته‬
‫تغوص في أعماق الخيال؛ لتطفو صورتها على واقع إنساني يعكس تجليات‬
‫ وما تمثّله هذه الكتابة من مساءلة‬،‫المادة اإلبداعية من خالل روح كتابة التاريخ‬
‫ لها أثر في إضاءة العديد من مرايا الزمن عبر فلسفة الخطاب الروائي‬،‫فنية‬
‫ والمترسب عبر التجارب اإلنسانية داخل إطار ذاتي‬،‫الممتزج بالتخييل‬
‫ تحكمه المسافة الفاصلة بين حركية اإلبداع الروائي وسكونية‬،‫واجتماعي وثقافي‬
‫ وممتلئ تارة أخرى‬،‫ وما يعج به التاريخ من ثقل مفرغ تارة‬،‫تأمله عبر التاريخ‬
‫بسطور الص ارع المخطوطة على شكل نسيج يتصادم فيه االعتقاد بالواقع؛ أي‬
‫‪273‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫بين واقع المقدس التاريخي واإلبداع الروائي‪ ،‬وما يشغلهما من مساحات الخيال‪،‬‬
‫وفق تعالق معقد متداخل ومتجانس عبر الزمن‪.‬‬
‫إن ارتباط الخطاب الروائي بعامل الزمن‪ ،‬يجعل العالقة بين الرواية‬
‫والتاريخ عالقة جديرة في البحث عن التجليات السردية في أبعد تصوراتها‬
‫الفكرية والثقافية واالجتماعية والفنية القائمة على التصور األدبي‪ ،‬باعتباره‬
‫المصدر المهيمن على القراءة وكذا الكتابة األدبية؛ وهذا ما يقودنا إلى معطى‬
‫أساس ينبني على التالزمية الفكرية بين القدرة اإلبداعية للروائي في تفكيك‬
‫معطيات التاريخ الموضوعية‪ ،‬واعادة تركيبها برؤية فنية تمتح تارة من الواقع‪،‬‬
‫وتنغمس تارة أخرى في الخيال‪ ،‬بهدف خلق نوع من الموازنة التأويلية بين كيفية‬
‫بناء العالقة بين النص الروائي والنص التاريخي‪ ،‬وفق رؤية تحيينية لمعطيات‬
‫الواقع وتجربة المبدع الروائي‪ .‬فهل جاءت الرواية ِمرآة االنعكاس التي تعكس‬
‫صورة الماضي في الحاضر؛ أي التاريخي بالروائي؟ وهل الرواية إعادة لكتابة‬
‫التاريخ وصياغته بحلة جديدة ‪ ،‬أم أن الخطاب الروائي قادر على ابتكار عالمه‬
‫الخاص خارج خطية الزمن؟‬
‫كما يثير البحث أسئلة عديدة‪ ،‬لعل من أهمها‪ :‬ما نوع العالقة بين الرواية‬
‫والتاريخ؟ وهل يوجد تعالق معقد متداخل ومتجانس بينهما عبر الزمن‪ ،‬وما‬
‫نوعه؟ وهل ُنسجت صورة الخطاب الروائي بين الزمن الواقعي والتخييل‪ ،‬وبينت‬
‫مرايا التاريخ وأزمنة الرواية المنكسرة ؟ وكيف تلون الخطاب الروائي بين الواقع‬
‫والتخييل‪ ،‬وما أثر التاريخ على الذات الروائية العربية؟ وهل خلخلت الرواية‬
‫عمق الكتابة التاريخية إلعادة كتابة التاريخ بشكل مغاير للتاريخ الرسمي؟‬
‫ٌكل هذه األسئلة وغيرها فرضت تناول البحث لصورة الخطاب بين مرايا‬
‫التاريخ وانعكاسات المستقبل؛ لفهم الثقل التاريخي المتواري داخل ثنايا العمق‬
‫الروائي لإللمام بخيوطه السردية أثناء بسط األفكار ومحاورتها؛ هذا معناه أننا‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪274‬‬

‫ال نتحدث عن الرواية التاريخية بقدر ما نتحدث عن علم التاريخ في صنع‬


‫الرواية عن طريق التعالق الحاصل بين األدب وعلم التاريخ داخل حركية‬
‫اإلنسان في صلب الزمن‪ ،‬وما يتخللها من ممكنات معرفية يتجاذبها التخيلي‬
‫بالواقعي‪.‬‬

‫قضايا البحث‬
‫إن المتمعن في قضايا الخطاب الروائي يدرك بحق ذلك االرتباط بين‬
‫التاريخ والرواية عبر آليات الخطاب اإلبداعي في أبعد صوره الكونية والخيالية‬
‫المحققة للممكنات المعرفية‪ ،‬وما يصاحبها من مفاهيم تعكس لب الموضوع‬
‫وطرق سبر أغواره األدبية والثقافية‪ ،‬وفق تجليات الخطاب الروائي الممتد عبر‬
‫التاريخ بتفرعاته الذاتية والجماعية في معالجة القضايا الكونية الماكثة في ذاكرة‬
‫الروائي والتاريخي والحكواتي‪ ،..‬لتصبح بذلك الرواية‪ ،‬القضية المحورية في كنه‬
‫الم َشكلة لكينونته‪ ،‬والمرجع األساس لسبر روافده عبر مرآة‬
‫التاريخ؛ ألنها المادة ُ‬
‫الخطاب والتخاطب مع ممكنات الحوار وانعكاساته الفنية والثقافية التي تنشدها‬
‫الرواية في طياتها اإلبداعية‪ .‬كل هذا يجعلنا نقف عند الظاهر والخفي في‬
‫الكتابة الروائية‪ ،‬وما يجمع بينهما من تمثالت لم يبح بها التاريخ على لسان‬
‫الرواية‪ ،‬وانما أرجأها على شكل تصورات تخييلية قابلة للتأويل عبر حركية‬
‫الواقع داخل خطية زمن الخطاب الروائي‪.‬‬

‫مشكلة البحث‬
‫إن قضايا البحث استدعت منا الوقوف على استنهاض مقومات الوعي‬
‫التاريخي؛ الستنطاق الخطاب الروائي بأشكاله ورمزياته األنثروبولوجية‪ ،‬الداعية‬
‫لعمق إشكالي ينبني على ِمرآة االنعكاس التي تعكس صورة الماضي في‬
‫الحاضر أي التاريخي بالروائي من خالل أطروحة مفادها كيفية إعادة الرواية‬
‫‪275‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫لكتابة التاريخ بقالب روائي‪ ،‬واعتبار الرواية من انتاج التاريخ‪ ،‬وأن الخطاب‬
‫الروائي قادر على ابتكار عالمه الخاص خارج خطية الزمن‪.‬‬

‫المنهج المعتمد‬
‫سنعتمد في هذ البحث‪ ،‬المنهج التاريخي؛ لقوته في عرض األحداث‬
‫األدبية بشكل دقيق وموسع يسعفنا لتشكيل صورة دياكرونية تعكس مرايا التغير‬
‫والتحول الذي ط أر على بنية الخطاب الروائي عبر الزمن‪ ،‬ولعل ذلك راجع‬
‫لخلق جماليات التذوق الفني التي يحدثها التاريخ في قلب الرواية‪ ،‬بجميع‬
‫مجرياتها وأحداثها التي تنبض من عمق الحياة االجتماعية عبر سيرورة الزمن‬
‫النصي والواقعي في سرد األحداث التاريخي‪ ،‬بحسب معطيات اغتراف‬
‫الحاجيات األدبية من صلب التاريخ؛ هذا ما يدفعنا للقول‪ ،‬إن المنهج التاريخي‬
‫هو مرآة تعكس صورة اإلنسان في شخص الخطاب الروائي‪ ،‬بحموالته الروحية‬
‫والمادية وبانكساراته وبطوالته‪ ،‬لهذا فإن الخطية التاريخية هي انعكاس لسطور‬
‫الخطاب الروائي في استكناه فلسفة الفكر اإلنساني المتخفية عبر حقول معرفية‬
‫ال يمكن قراءة معطياتها إال بمنظار التاريخ‪ .‬إضافة إلى اإلفادة من معطيات‬
‫التاريخانية الجديدة‪ ،‬لدراسة الخطاب الروائي وفهمه ضمن معطيات التاريخ‬
‫وسياقاته؛ والذي يسعى للكشف عن األنساق الثقافية المتوارية في ثنايا‬
‫النصوص‪ ،‬لنقد الواقع المهيمن بكافة تناقضاته‪.‬‬
‫الدراسات السابقة‬
‫يهدف هذا البحث إلى دراسة صورة الخطاب الروائي بين مرايا التاريخ‬
‫وانعكاسات المستقبل؛ ويتحدث عن تجلّي علم التاريخ في صنع الرواية ‪ ،‬وهذا‬
‫طرح جديد لقراءة الخطاب وفق روية جديدة تدفعنا لطرح تصور لفرضية‬
‫مفادها‪ ( :‬أن الخطاب الروائي إنما هو صورة للتاريخ اإلنساني بتمظهراته‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪276‬‬

‫المتغيرة عبر الزمن)‪ .‬لذا فإن موضوع البحث جديد في طرحه‪ ،‬لم يدرس من‬
‫قبل الدارسين والنقاد‪ .‬لكن ثمة دراسات موازية تناولت الرواية والتاريخ‪ ،‬لعل من‬
‫أهمها‪:‬‬
‫" الرواية التاريخية " (لوكاش‪ ،)1937 ،‬وهو كتاب له أهمية كبيرة في‬ ‫‪-1‬‬
‫الدراسات األدبية‪ ،‬إذ بين أهمية التاريخ في تشكيل الرواية التاريخية‪،‬‬
‫وعالقة الرواية التفاعلية بالتاريخ ‪ ،‬وتفاعل التاريخ مع األنواع األدبية‪،‬‬
‫ويرى ّأنهَ ال بد من أي عمل فني يؤلفه الكاتب‪ ،‬أن يستقي عناصره من‬
‫التاريخ دون أن يكون له عالقة به‪ .‬كما أن بداية ظهور الرواية التاريخية‬
‫في بداية القرن التاسع عشر مع زمن انتهاء حكم نابليون‪ ،‬يعود إلى‬
‫أسباب تاريخية محددة‪ ،‬هي التي أدت إلى انتاج الرواية التاريخية‪.‬‬
‫وللروائي دور في إعادة صياغة التاريخ وتصحيح ما أسقطه المؤرخون‪،‬‬
‫وتدوين ما تم تهميشه‪ .‬لذا فهو يرى أن ثمة عالقة بين التاريخ الروائي‬
‫والتاريخ‪.‬‬
‫ائيا‪ (،‬القاضي‪ ، )1998 ،‬إذ‬
‫الرواية والتاريخ‪ :‬طريقتان في كتابة في رو ً‬ ‫‪-2‬‬
‫يرى بأن ثمة عالقة بين الرواية والتاريخ‪ ،‬وأن الرواية ال تكون تاريخية إال‬
‫إذا حملت من زمن كتابتها مشاغله األساسية‪ ،‬وقضاياه الراهنة‪.‬‬
‫"الرواية وتأويل التاريخ نظرية الرواية والرواية العربية" ( دراج‪،)2002 ،‬‬ ‫‪-3‬‬
‫تناوال الرواية العربية وكيفية تشكيلها عر ًبيا‪ ،‬مسلط عدسة الكتاب على‬
‫أمرين أثنين‪ :‬األول‪ :‬أسس تناول المؤرخين لألحداث والوقائع في الدول‬
‫العربية‪ ،‬والثاني‪ :‬كيف أعاد الروائيين تشكيل هذا التاريخ في رواياتهم‪،‬‬
‫‪277‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫من منطلق أن الرواية فن المقموعين‪ ،‬والتاريخ تنتجه الطبقة المنتصرة‪،‬‬


‫أو القوية‪.‬‬
‫يبين‬
‫الرواية التاريخية وروايات نجيب محفوظ‪ ( ،‬عصفور‪ّ ،)2005 ،‬‬ ‫‪-4‬‬
‫فيها أن الروائي نجيب محفوظ قد اتخذ من التاريخ مادة لتشكيل الثالثية‬
‫التاريخية‪ ،‬مع فارق زمني تاريخي واسع بينهما؛ ليجسد رؤيته لمصر‬
‫القديمة‪ ،‬وكيف عبرت هذه الرواية في أحد جوانبها عن التيار الوطني‬
‫الذي كان يهدف إلي "إحياء الماضي‪ ،‬والبحث فيه عن إشارات ترسم‬
‫طريق المستقبل‪.‬‬
‫المنسية‪ ( ،‬عودة‪، )2017 ،‬‬
‫ّ‬ ‫الرواية التاريخية أداة الصطياد التفاصيل‬ ‫‪-5‬‬
‫هي مقالة ترتكز على عدة آراء بعضها يبين عالقة الرواية بتاريخ‪،‬‬
‫أن الرواية ال‬
‫وبعضها يفصل بين الرواية التاريخية والتاريخ‪ ،‬فيوضح ّ‬
‫تسرد التاريخ مباشرة‪ ،‬بل ينتقي الكاتب ويختار من التاريخ ما يتصوره‬
‫ويتفاعل مع رؤيته‪ ،‬وأن التاريخ يقدم مادة جاهزة للرواية‪ .‬والروائي يستمد‬
‫مادته من التاريخ كما فعل الروائي نجيب محفوظ ورضوى عاشور‬
‫وغيرهم‪.‬‬
‫بحري‪ ،‬محمد األمين‪ ،)2017 ( ،‬ويرى في مقالته أن التاريخ يتداخل‬ ‫‪-6‬‬
‫مع الرواية‪ ،‬وأن البنى السردية مستلة من التاريخ والواقع‪ ،‬والرواية بدون‬
‫موضوعا محايثًا‬
‫ً‬ ‫تاريخ لن تكون شيئاً‪ .‬غير أن التاريخ في الرواية يبقى‬
‫لسردها على الدوام‪ ،‬ويتحدث بشكل مختصر عن الرواية التاريخية بين‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪278‬‬

‫رواية الشخصية ورواية الحدث العربية ويتخذ من الرواية الشخصية‬


‫نموذجا لمقالته‪.‬‬
‫ً‬ ‫التاريخية الجزائرية‬

‫تجليات الخطاب الروائي والتاريخي‬


‫تُعد العالقة بين الخطاب الروائي والخطاب التاريخي عالقة متوالدة‬
‫متناسلة‪ ،‬فالخطاب الروائي يولد من رحم الخطاب التاريخي بصورة جديدة‬
‫تتشكل عبر حركة السرد‪ ،‬فالكاتب ينتقي ويختار بوعي من التاريخ بما يتوافق‬
‫مع رؤيته للواقع المعيش‪ ،‬فيقدم صور سردية عميقة الصلة بالواقع في إطاره‬
‫التاريخي واالجتماعي ‪ ،‬لذا يفرض الحديث عن تجليات الخطاب الروائي‪،‬‬
‫التعريف مصطلحات عديدة ذات صلة بالخطاب الروائي والتاريخي‪ ،‬من مثل‪:‬‬
‫أوالا‪ -‬مفهوم الخطاب‬
‫شغ غغغل مفهغ غغوم الخطغ غغاب اهتمامغ غغات الدارس غغين والبغ غغاحثين الغ غ غربيين والعغ غغرب‪ ،‬فغ غغي‬
‫مختل غغف التخصصغ غغات‪ ،‬لمغ غغا يتميغ غغز بغغغه م غغن حمولغغغة دالليغغغة لهغ غغا أثغ غغر فغغغي البعغغغد‬
‫التواصغغلي‪ ،‬ولعغغل ارتسغغام هغغذا المفهغغوم يرجغغع للعمغغق اللسغغاني عنغغد '' فردينانغغد دي‬
‫‪ '' ) Ferdinand‬فغغي كتابغغه '' محاض غرات ف غغي‬ ‫‪de‬‬ ‫سوسغغير (‪Saussure‬‬
‫اللس غغانيات العام غغة''‪ ،‬لم غغا في غغه م غغن مب غغاد أساس غغية أس غغهمت ف غغي وض غغوح مفه غغوم‬
‫تبع غغا للمنطلق غغات‬
‫الخط غغاب‪ ،‬إال أن تعاريف غغه اختلف غغت ب غغاختالف حق غغول اس غغتعماله ً‬
‫األدبيغغة واللس غغانية‪ ،‬وم غغن بينهغغا ن غغذكر‪ :‬أن الخط غغاب م غرادف للك غغالم؛ أي اإلنج غغاز‬
‫الفعلي للغة‪ ،‬بمعنى '' اللغة فغي طغور العمغل أو اللسغان الغذي تنجغزه ذات معينغة‪،‬‬
‫كمغغا أنغغه يتكغغون مغغن متتاليغغة تشغغكل مرسغغلة لهغغا بدايغغة ونهايغغة ( يقطغغين‪،1997،‬‬
‫وتبعغغا لمغغا اقترحغغه (هغغاريس) للخطغغاب فإنغغه‪'' :‬مجمغغوع قواعغغد تسلسغغل وتتغغابع‬
‫‪ً .)2‬‬
‫الجمل المكونة للمقول‪ ( ،‬البغاردي‪ ،)9،2004 ،‬والخطغاب هغو ''الوسغيط اللسغاني‬
‫فغغي نقغغل مجموعغغة مغغن األحغغداث الواقعيغغة والتخيليغغة التغغي تنغغدرج ضغغمن الحكايغغة (‬
‫‪279‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫غتمعا‪،‬‬
‫جينيغغغت‪ .) 39 - 38 ،2003،‬وهغغغو‪ '' :‬كغ غغل تلفغ غغظ يفتغ غغرض متحغ غغدثًا ومسغ غ ً‬
‫تكون للطرف األول نية التأثير في الطرف الثاني بشكل من األشكال ( الباردي‪،‬‬
‫‪ .)1 ،2004‬وعغرف ( إميغل بنفنيست ) ( ‪ ) Emile Benveniste‬الخطغاب بأنغه‬
‫‪ :‬عب غغارة ع غغن'' لغ غغة ف غغي ح غغال الفع غغل أو بوص غغفه اللغ غغة ب غغين ش غغركاء التواص غغل (‬
‫ومخاطبا وتضمن رغبغة األول‬‫ً‬ ‫الحميري‪ .)9،2008 ،‬وهو " قول يفترض متكلّ ًما‬
‫بالتغغأثير فغغي الثغغاني بشغغكل مغغن األشغغكال‪ .‬وهغغذا يشغغمل الخطغغاب الشغغفوي بك غ ّل‬
‫أنواع غغه ومس غغتوياته ومدونات غغه الخطي غغة‪ ،‬ويش غغمل الخط غغاب الخطّ غغي ال غغذي يس غغتعير‬
‫وسغغائل الخطغغاب الشغغفوي وغاياتغغه‪ ،‬كالرسغغائل والمغغذكرات والمسغغرحيات والمؤلفغغات‬
‫غر عغغن نفسغغه‬
‫معبغ ًا‬
‫يتوجغغه بغغه شغغخص إلغغى شغغخص آخغغر ّ‬
‫التعليميغغة‪ ،‬أي كغ ّل خطغغاب ّ‬
‫بضغغمير المغغتكلم" ( زيتغغوني ‪ .) 88 ، 2001 ،‬والخطغغاب فغغي المفهغغوم السغغردي‬
‫هغغو القغغول الشغغفهي أو الخطّغغي الغغذي يخبغغر عغغن حغغدث أو سلسغغة مغغن األحغغداث‪...‬‬
‫وهو وضع الحكاية في نصها لنقلها إلى القار ‪ ،‬ولكنه ُيبعغده عغن الحكايغة‪ ،‬وهغو‬
‫مضمون النص" ( زيتوني‪.) 89 ،2002 ،‬‬

‫ثانيا‪ -‬مفهوم الخطاب الروائي‬


‫ا‬
‫لما كان الخطاب يحتاج وضعية تواصلية بين طرفين أو أكثر‪ ،‬فالشأن نفسه‬
‫ف غغي الخط غغاب الروائ غغي‪ ،‬لكون غغه رس غغالة موجه غغة م غغن مرس غغل إل غغى متلق غغي (معيك غغل‪،‬‬
‫‪ ، )281 ،2011‬هذا معناه أن عمغق الخطغاب الروائغي فغي األصغل هغو خطغاب‬
‫لغغ غغوي‪ ،‬يتجلغ غغى ذلغ غغك فغ غغي تعغ غغدده اللغغ غغوي‪ ،‬وذلغ غغك حسغ غغب قغ غغول ميخائيغ غغل بغ غغاختين‬
‫‪ " : )Mikhaïl‬يأخغغذ اتجغغاه الخطغغاب ضغغمن ملفوظغغات اآلخ غرين‬ ‫(‪Bakhtine‬‬
‫ولغاتهم داللة أدبية داخل أسلوب الرواية‪ ،‬فالتعدد الصوتي واللساني يدخالن فغي‬
‫الروايغغة وينتظمغغان فيهغغا ضغغمن نسغغق أدبغغي منسغغجم‪ ،‬وهنغغا يكمغغن التفغغرد الخغغاص‬
‫للجغ غغنس الروائغ غغي (بغ غغاختين‪" )68 ،1987 ،‬؛ ذلغ غغك أن الخطغ غغاب الروائغ غغي يمكغ غغن‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪280‬‬

‫تحديغغده فغغي لغغغة ال غراوي التغغي تعكغغس صغغورته وصغغورة اآلخغغر‪ ،‬مغغن خغغالل مشغغهد‬
‫الواقع االجتماعي وما يحتويه من أحداث ووقائع تصور الحياة في إطارها العام؛‬
‫ألن الن غ غغاثر الروائ غ غغي ال يستأص غ غغل نواي غ غغا اآلخغ غ غرين م غ غغن لغ غ غغة أعمال غ غغه المتع غ غغددة‬
‫األصوات‪ ،‬وال يحطم المنظغورات والعغوالم االجتماعيغة واإليديولوجيغة التغي تكشغف‬
‫ع غغن نفس غغها فيم غغا وراء ه غغذا التع غغدد الص غغوتي‪ ،‬إّن غغه ي غغدخلها إل غغى عمل غغه‪ ،‬باس غغتخدام‬
‫خطاب غغات مس غغبقة بنواي غغا اآلخغ غرين االجتماعي غغة‪ُ ،‬م ْرِغم غغا إياه غغا عل غغى خدم غغة نواي غغاه‬
‫أن الخطغغاب الروائغغي يتغغألف‬
‫الجديغغدة ( بغغاختين‪)68 ،1987 ،‬؛ مغغن هنغغا يتضغغح ّ‬
‫فنية لتؤثر فغي المتلقغي‪ ،‬ويجسغد‬
‫من مجموعة من الرموز اللغوية صيغت بطريقة ّ‬
‫أيض غغا أن‬ ‫الجم غغال والف غغن والتص غغوير ف غغي لغ غغة موحي غغة ِّ‬
‫ومعبغ غرة و ارمغ غزة‪ ،‬كم غغا نؤك غغد ً‬
‫الخطغغاب الروائغغي‪ ،‬جغغزء مغغن الخطغغاب الحكغغائي أو السغغردي‪ ،‬حسغغب التمييغغز الغغذي‬
‫أقغ غ غ غ غ غ غ غره (جيغ غ غ غ غ غ غ غرار جيني غ غ غ غ غ غ غغت) (‪ ( ،)Genette Gérard‬جيني غ غ غ غ غ غ غغت‪ ،‬خط غ غ غ غ غ غ غغاب‬
‫الحكايغغة‪ .) 38 ،1983،‬إال أن سغغعيد يقطغغين ميغغز بغغين الخطغغاب والحكغغي‪ ،‬مبينغغا‬
‫أن الخط غغاب ه غغو الش غغائع؛ ألن غغه ي غغؤدي إل غغى د ارس غغة العالق غغة بين غغه وب غغين األح غغداث‬
‫‪.)12 1997‬‬ ‫المروي غ غغة‪ ،‬والعالق غ غغة ب غ غغين الخطغغ غغاب وب غ غغين الحك غ غغي ( يقطييييييي‬
‫والخطغغاب هغغو أسغغاس الروايغغة‪ ،‬وهغغو فغغي" السغغردية نغغص الروايغغة‪ .‬وفغغي " السغغردية‬
‫هغغو نغغص الروايغغة وهغغو يتحغ ّغدد بمادتغغه ( الكغغالم أو الكتابغغة) وشغغكله جمغغل متالحقغغة‬
‫ذات ترتيب مقصود تعرض حاالت ومواقف وأحداثًا‪ ،‬وهذا الغرض محكوم بوجغه‬
‫نظر الراوي وبسرعة السرد وبتعليقات المؤلف" ( زيتوني‪.)89 ،2002 ،‬‬
‫وللخطاب الروائي مستويات عديدة في دوائر السرد الروائي‪ ،‬تتلغون وتتنغوع‬
‫وفغغق رؤيغغة الكاتغغب‪ ،‬منهغغا خطغغاب السغغارد وخطغغاب الشخصغغية‪ ،‬والكاتغغب هغغو الغغذي‬
‫يح غغدد ن غغوع الخط غغاب ف غغي ال غغنص الروائ غغي؛ لكن غغه محك غغوم برؤي غغة ال غغنص وقض غغيته‬
‫المحورية‪ ،‬وبيئته المكانية والزمانية‪ ،‬وعتباتغه النصغية ودوائغره السغردية‪ .‬وكغل هغذه‬
‫الد ارس غغات ح غغول مفه غغوم الخط غغاب الروائ غغي أدت إل غغى تط غغور المن غغاهج النقدي غغة ف غغي‬
‫‪281‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫تطغغور اإلنتغغاج األدبغغي مغغن خغغالل النظغغر إلغغى الخطغغاب الروائغغي‪ ،‬باعتبغغاره مغغادة‬
‫سردية قابلة للتحليل والتفسير والتوضيح‪.‬‬
‫ثالثاا‪ -‬مفهوم الخطاب التاريخي‬
‫إن الحديث عن الخطاب التاريخ‪ ،‬هو الحديث عن الذاكرة الجمعية‬
‫للشعوب وما صاحبها من أحداث على مر السنين‪ ،‬حيث تنعكس صورة هذا‬
‫تبعا لألحداث الكبرى التي‬
‫الخطاب في مخيلة المؤرخ الذي يسرد تفاصيله؛ ً‬
‫عرفها ذلك الزمن‪ '' ،‬إال أن هذا الخطاب بات يتخذ رؤية دقيقة تحيط بجوانب‬
‫والتي أصبحت تتطلب تضافر‬ ‫تبعا لتشعب مجاالته المتعددة ‪،‬‬
‫التاريخ‪ً ،‬‬
‫اختصاصات العلوم‪ ،‬سواء أكانت جغرافية أو فلسفية وأدبية أو أنثروبولوجية‪..‬‬
‫في قراءة الماضي واعادة كتابته انطالقًا من الحاضر واستشراف المستقبل‪ ،‬ليس‬
‫من طرف المؤرخ ‪ ،‬واّنما من طرف ذوي االختصاص في هذه الحقول المعرفية‬
‫أو غيرها‪ ،‬وفي مدى قدرتها على مالمسة األوجه الخفية للتاريخ من زوايا ورؤى‬
‫مختلفة‪ ،‬تجسد نمط الحياة اإلنسانية من حيث العادات واألفكار‪ ،‬وكذا تقويم‬
‫التاريخ بتصحيح أخطائه ومغالطاته بفهم التشكيالت الخطابية في أبعاد تجلياتها‬
‫الفكرية والفلسفية واألدبية والدينية‪ (..‬التريكي‪ .( 318 ،1991 ،‬من هنا فإن‬
‫الخطاب التاريخي يسلط الضوء على الحقيقة التاريخية ومجرياتها‪ ،‬ويسردها‬
‫بأسلوب تقريري ولغة مباشرة وتقريرية بعيدة عن اإليحاء والرمز والحدس‪ ،‬ويستل‬
‫معلوماته من الوقائع التاريخية الموثقة‪ ،‬والوثائق الموثوق بها‪ ،‬البعيدة عن‬
‫الذاتية والشخصية والخيال المطلق ؛ لذا يتسم الخطاب التاريخي بالصدق‬
‫والموضوعية والدقة والحرفية في نقل أحداث التاريخ‪ ،‬كما يربط النتائج‬
‫بالمقدمات‪ ،‬فتأتي واضحة ودقيقة وال يستخلصها القار من النصوص التاريخية‬
‫نفسها‪.‬‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪282‬‬

‫ابعا‪ -‬مفهوم الرواية التاريخية‬


‫را‬
‫يفرض الحديث عن مفهوم الخطاب الروائي والتاريخي الوقوف على‬
‫مفهوم الرواية التاريخية التي ُنسجت مادتها من التاريخ في شكل سردي جديد‬
‫خضع إلى التعديل والتغير واالبتكار والتحوير‪ ،‬ويهتم بالفن والجمال والتصوير‬
‫واللغة الموحية الرامزة ؛ لتجسد رؤية جديدة للواقع المعيش في كافة تشكيالته‬
‫واختالفاته وتصوراته‪.‬‬
‫عامة‪ ،‬نظ اًر لتعدد تعريفاتها عند‬
‫وتُعد الرواية التاريخية أحد أهم أنواع الرواية ّ‬
‫النقاد العرب واألجانب‪ ،‬والتي تتفق جميعها على اعتماد التاريخ مادة أساسية‬
‫للعمل الروائي؛ ألن من أهم "مقومات الخطاب الروائي " أن يكون قابالً للتجدد‬
‫حاضر فيها‬
‫ًا‬ ‫واالستمرار والتواصل عبر القرون‪ ،‬وال يتم هذا إال إذا كان الماضي‬
‫بقوة‪ ،‬وهذا الماضي هو تاريخ األمة وذاكرتها المتوارثة عبر األجيال‪ ،‬مع‬
‫االحتفاظ بخصوصية اللغة التي تستخدم في كال النصين الروائي والتاريخي"‬
‫)عبيد صابر البياتي سوس ‪ ، )178 ،2015 ،‬ويمكننا التمييز بين نوعين‬
‫من التعريفات‪ ،‬يتمثل النوع األول في التناول التقليدي للرواية التاريخية والذي‬
‫يحرص على األمانة في نقل األحداث التاريخية وعدم تزييفها‪ ،‬أما النوع الثاني‬
‫فيتمثل في التناول الحداثي والجديد للتاريخ‪ ،‬وهذا هو بيت قصيدنا في هذا‬
‫التحليل‪ ،‬وذلك باستعمال الرواية للتاريخ كمادة خام‪ ،‬ال لنقلها أو إعادة‬
‫صياغتها‪ ،‬خاصة أن النص يتشكل من " مساحة خصوصية للواقع والتاريخ‪،‬‬
‫ويمنع من المطابقة بين اللغة كنسق لتوصيل المعنى وبين التاريخ ككل مستقيم"‬
‫( كريستين ‪ ،)75،1991‬ولكن لتحقيق أهداف روائية ال تتحقق إال بها‪ ،‬ولعل‬
‫تعريف (بيوكن) (‪( Byukon‬أ قرب لتعريف الرواية التاريخية بمنظورها الجديد‪،‬‬
‫إذ يقول‪ '':‬هي كل رواية تحاول إعادة تركيب الحياة في فترة من فترات التاريخ‪،‬‬
‫فنيا بعيداً‬ ‫ِ‬
‫والتي ُي ْعمل فيها الكاتب أدواته الفنية إلعادة إظهار هذه الفترة إظها اًر ً‬
‫‪283‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫عن سطوة الوثائقية ( الشمالي‪ .)114 ،2006 ،‬ويرى (جورج لوكاش)‬


‫(‪ )György Lukacs‬بأن الرواية التاريخية نشأت في بداية القرن التاسع عشر‪،‬‬
‫وهي " رواية حقيقية تجسد الحاضر ويتمثلها الحاضرون على أنها التاريخ‬
‫السابق للذات‪ ،‬وال بد أن تنقل التاريخ بأمانة رغم بطلها الخيالي وحبكتها الفنية‬
‫المتخيلة" ( لوكاش‪ ،)88 ، 2015 ،1937 ،‬وبظهورها هذا أسست لوعي جديد‬
‫بالخطاب الروائي الحديث والمعاصر‪ .‬وقد تميزت الرواية التاريخية بالتمهيد‬
‫للحدث وتلخيص األحداث المتالحقة‪ ،‬وتسليط عدسة الرواية على البيئة‪،‬‬
‫ووصف أدق التفاصيل فيها‪ ،‬وسرد حياة الشخصيات من البداية حتى النهاية‪،‬‬
‫وتصوير البيئة االجتماعية للشخصيات ؛ للكشف عن سماتها الفنية ومالمحها‬
‫اإلنسانية العامة في ظروفها التاريخية ‪ ،‬وتفسير هذه الظروف التي ش ّكلت هذه‬
‫الشخصيات‪ ،‬وانعكاسها على لذا فهي تسلط الضوء على سلوكها وأفكارها‬
‫وانفعاالتها وهواجسها وتطلعاتها؛ ‪ .‬كل هذا جعل الرواية التاريخية تأخذ محطة‬
‫ثم‬
‫في األدب‪ ،‬عبر عدة مراحل وهي‪ :‬مرحلة الرواية التاريخية الكالسيكية‪ّ ،‬‬
‫مرحلة الرواية الرومانسية التاريخية‪ ،‬ثم مرحلة الرواية التاريخية الواقعية‪ ،‬وأخي ار‬
‫مرحلة الرواية التاريخية الجديدة‪.‬‬
‫صورة الخطاب الروائي بين الزمن الواقعي والتخيلي‬
‫إن اإلمكانيات المتتابعة وغير المحدودة للشكل الروائي‪ ،‬ال يحدها الزمن‬
‫الواقعي‪ ،‬وانما تمتد عبر الزمن التخيلي الذي ترجع أصداؤه إلى البعد النفسي‬
‫واالجتماعي واألنثروبولوجي والجمالي ‪ ..‬وفق رؤية إبداعية‪ ،‬تترجم الزمن إلى‬
‫رؤية فكرية داخل نسيج العالم المتخيل للسارد‪ ،‬عن طريق إعادة تشكيل جزئيات‬
‫وقع الحياة عبر أزمنة ما كان الزمن الواقعي ليبوح بها ويميط اللثام عن خيوط‬
‫أحداثها‪ ،‬لوال اإليقاع الداخلي للزمن الروائي الذي يسعى لكشف جدل العوالم‬
‫المتناقضة بين الماضي والحاضر‪ ،‬والمادية والمثالية والعلم الدين‪ ،‬والفضيلة‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪284‬‬

‫والرذيلة‪ ،‬وصراع المجتمع والسلطة‪ ،‬وصراع الذات واآلخر؛ ليشكل كل هذا‪،‬‬


‫مرآة زمنية متنامية لشهادات ساخرة أصبح معها مستوى اإلطار الزمني بكل‬
‫تنوعاته وازدواجيته موضوع صراع طبقي وفكري‪ ،‬اتخذ معها الزمن التاريخي‬
‫حالة ميكانيكية دائمة األعطاب والتوقفات‪ ،‬لهذا جاء الروائي ليمأل الثغرات‬
‫الزمنية بطابع تخيلي يستمد أصوله من ذاكرة المبدع والهامه الفني‪ ،‬حيث إنه‬
‫ويعرف ميخائيل‬
‫ّ‬ ‫اقعيا بعدما عاله زيف التاريخ‪،‬‬
‫يجعل الخطاب الروائي و ً‬
‫باختين ( ‪ '':) Mikhail Bakhtine‬إن الرواية جنس أدبي غير مستقر وغير‬
‫مكتمل وغير مغلق‪ ،‬يسعى بشكل جاد إلى تحطيم ُمطلقية اللغة والتحرر من‬
‫أحادية الرؤية بفتح أبواب الممكن أمام المبدع ( باختين‪.)180 ،1973،‬‬
‫إن الخطاب الروائي شكل من أشكال التعبير الذي يبرز الرؤية الزمنية‬
‫المتماسكة للعالم‪ ،‬بعد قيامه بمعالجة قضايا واقعية بطريقة إبداعية فنية؛ أي أن‬
‫''محاكاة الواقع زمنيا يخضع لداللة غير مباشرة‪ ،‬لكنها قابلة لإلدراك ( م‪.‬‬
‫زمنيا‪ ،‬يستمد أصالته‬
‫ريفاتير‪ .)45 ،1922 ،‬ذلك أن لكل خطاب روائي نمطًا ً‬
‫تبعا للخطية الزمنية‬
‫من كيفية تعبير الروائي عن ذلك النمط في إيصاله للقار ‪ً ،‬‬
‫في عالقتها بمضمون الخطاب وجوهره المترامي بين الزمن التخيلي والواقعي؛‬
‫الشيء الذي ينتج بنية شديدة التداخل‪ ،‬لكونها قائمة على انتقال القار خياليا‬
‫من حاضره الكرونولوجي إلى ماض روائي كتبت في الرواية وترجمت إلى واقع‬
‫متخيل يفصل بين حدث الكتابة وزمن القراءة‪ ،‬وفسحة التأويل الذي يختلف في‬
‫أحايين كثيرة بين القار والروائي‪ ،‬مما يجعل الخطاب الروائي معلقًا بالظرفية‬
‫عد منطلقًا للقار في فهم توجهات المسار الزمني‬ ‫التاريخية الواقعية التي تُ ّ‬
‫للرواية بالتعامل مع الواقع وترجمته بواسطة أدوات تعبيرية تشكله وفق متخيل‬
‫متميز من خالل تسجيل خباياه بطريقة فنية‪ ،‬هذه الطريقة التي يسعى من‬
‫خاللها الروائي خلق عالم مفترض(متخيل) يوازي به عالم الواقع‪ ،‬إال أن صورة‬
‫‪285‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫الزمن الواقعي تتقدم بشكل خطي تتسلسل فيها األحداث من الماضي إلى‬
‫فإنهُ يتسع ويتقلص؛ ألنه ال يشترك‬
‫الحاضر ثم المستقبل‪ ،‬أما الزمن التخييلي ّ‬
‫مستقبال‪ ،‬كما أن له القدرة في التحكم في هذه األزمنة‬
‫ً‬ ‫حاضر وال‬
‫ًا‬ ‫ماضيا وال‬
‫ً‬
‫تحت سلطة تغيير مجرى األحداث‪ ،‬ويمكن تحديد صورة اشتغال الخطاب‬
‫الروائي بين هذين الزمنين وفق االترسيمة التالية التي تجسد تجليات الزمن‬
‫الواقعي والتخييلي في الرواية (بشالر‪.)68 ،1936 ،‬‬
‫االترسيمة (‪)1‬‬

‫الزمن التخيلي‬ ‫الزمن الواقعي‬

‫الخطاب التاريخي‬
‫إعادة صياغة وقائع‬ ‫يشكل المادة‬
‫أزمنة الرواية بطريق‬ ‫الخام للرواية‬
‫فنية‬
‫الخطاب الروائي‬

‫حركية األحداث‬ ‫جمود األحداث‬

‫يتضح من شكل الترسيمة(‪ )1‬العالقة التالزمية بين الزمن الواقعي‬


‫إن كالً منهما يكمل اآلخر‪ ،‬باعتبار الزمن الواقعي‪ ،‬هو المادة‬
‫والتخييلي‪ ،‬إذ ّ‬
‫الخام التي ينتجها الخطاب التاريخي‪ ،‬إال أن هذه األحداث تظل جامدة بحسب‬
‫الروائي الذي يعيد تحريك أحداثها بصياغة جديدة تستجيب للمعطى الروائي‬
‫ورؤية الروائي وذلك بتوظيف تقنيات فنية تمنح الوضعية الزمنية حلة تخيلية‬
‫إيضاحا مما كانت عليه األحداث الماضية‪،‬‬
‫ً‬ ‫تترجم صورة الواقع إلى مرايا أكثر‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪286‬‬

‫فتشع صورة الخطاب الروائي بشكله الجديد المستل من مرايا التاريخ‪ ،‬والذي‬
‫يستشرف انعكاسات المستقبل‪.‬‬
‫مرايا التاريخ وأزمنة الرواية المنكسرة‬
‫فنية تعكس مرايا الواقع اإلنساني‪ ،‬إال أن هذا‬‫يشكل التاريخ مادة ّ‬
‫االنعكاس تتحكم فيه الخصوصية السردية للمبدع في ترجمة الوقائع واألحداث‬
‫الماضية داخل فضاء الرواية‪ ،‬وما تحمله هذه األحداث من زمن شخصي‪،‬‬
‫يمنح الروائي طابع البناء النصي؛ لفهم الواقع من منظور ذاتي يتوسل فيه‬
‫خطية زمنية تنبني على عدة تقنيات من حذف واستباق واسترجاع لألحداث‬
‫عبر الزمن الخطي التاريخي(‪ ،)Temps graphique historique‬وكل خطية‬
‫من هذا النوع تبين أن '' الزمن يمكن أن يكتسح الفضاء‪ ،‬وأن المبدعين الذين‬
‫يمتلكون هذه الخطية الزمنية المنكسرة على تنوع األحداث داخل فضاءات‬
‫متعددة‪ ،‬يكون زمنهم الشخصي أثناء خطابهم الروائي ملتصقًا بالزمن‬
‫االجتماعي والنفسي القائمين على تصوير المشاهد بإضفاء لمسة تخيلية لشد‬
‫انتباه القار لعمق الحدث المراد إيصاله‪ ،‬وهذا ما يمكنهم من استشعار المدة‬
‫الزمنية التي ينتقلون عبرها صعوداً ونزوالً؛ ألنهم مندمجون كليا في الزمن‬
‫الذي يمألونه بذواتهم عبر مسار خطية الزمن التاريخي ( ‪Filliollet, 1973,‬‬
‫‪.( 121-122‬‬
‫إن ذكر الزمن الشخصي كما سبق‪ ،‬له ارتباط برؤية الروائي في اختزال‬
‫الزمن التاريخي في أبعاد اجتماعية تُظ ِه ُرها تجليات السرد أثناء الكتابة‬
‫الروائية‪ ،‬خاصة إذا كان األمر متعلقًا بسيرة ذاتية أو غيرية؛ ليتخذ الزمن في‬
‫السرد خطية دائرية تَقط ِعية داخل الفضاء النصي (‪)Espace textuel‬؛ ليصبح‬
‫للقراءة النصية حيز كبير داخل الخطاب السردي بالمقارنة مع األحداث‬
‫التاريخية التي تُقلص من طرف المبدع شريطة الحفاظ على الخطية الزمنية‬
‫‪287‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫المتصلة بخيوط السرد‪ ،‬والمنتقلة عبر الزمن‪ ،‬وما يصاحبها من جوانب سياقية‬
‫مرتبطة بالمكان واللحظة والهدف والموضوع وجنس الخطاب واللهجة‬
‫المستخدمة‪ ،‬باإلضافة إلى معارف الشخصية المشاركة‪ ،‬ومدى تأثيرها وتأثرها‬
‫بالخلفية الثقافية للمجتمع الذي يحدث فيه الخطاب؛ ولعل هذه الرؤية هي التي‬
‫تخلق ذلك االنسجام بين األزمنة بال تصادم‪ ،‬هذا معناه أن الزمن الماضي‬
‫ممتد في حاضرنا ومستشرف مستقبلنا ‪ ،‬وهذا ما بينه أمبرتو إيكو (‬
‫‪ )Umberto Eco‬أثناء دراسته للتراث السيميوطيقي‪ ،‬بقوله‪ '':‬إن العمل على‬
‫تطوير الفكر ال يعني رفض الماضي بالضرورة‪ ،‬وانما نعيد فحصه ليس‬
‫بهدف معرفة ما قيل فعال‪ ،‬ولكن بهدف معرفة ما كان يمكن أن يقال‪ ،‬أو على‬
‫األقل ما يمكننا قوله اآلن بناء على ما قيل سلفا" ( إيكو‪.(13 ، ،‬‬
‫هذا معناه أن الخطاب الروائي يمثل مرآة تعكس الذات الساردة في‬
‫تعاملها مع األحداث‪ ،‬وفي كيفية إيصال هذا النص المثخن بالدالالت والرموز‬
‫التي كسرتها عوامل الزمن لتُصيِّر منها شقوقا تبوح عن واقع اجتماعي أبان‬
‫السرد عيوبه التي أخفاها عامل الزمن‪ ،‬بفعل النبش في الماضي عبر‬
‫مستويات العالم النفسي للشخوص وكذا فضاءات األمكنة‪ ،‬لما لها من دور‬
‫أساس في توجيه بوصلة السرد عبر خطية األزمنة المنكسرة التي يتفرع منها‬
‫زمن الخطاب وزمن النص في عالقتهما بالزمن النفسي والواقعي‪ '' .‬إن الزمن‬
‫في الرواية يجمع بين الحقيقي والوهمي‪ ،‬إال أن الحدود الفاصلة بينهما تتالشى‬
‫وتصير خيطا ال مرئيا شفافا'' ) موكارفسكي ‪ ، ) 286 ،1934 ،‬مما يجعل‬
‫الكتابة الروائية تستوعب الزمن األدبي وهذا الزمن يستوعب الواقع الفني‪،‬‬
‫حاكما لمنطقية الصور الروائية التي تمر عبر شريط الزمن‬
‫ً‬ ‫باعتباره معيا اًر‬
‫الذي يؤثر في زوايا نظر القار أو المستقبل ألشعة انعكاس الرواية على‬
‫ضوء التاريخ‪.‬‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪288‬‬

‫الخطاب الروائي بين الواقع والتخييل‬


‫تعبر بوعي‬
‫إن اللغة األدبية ال تستعير مكونات الواقع الخارجي‪ ،‬وانما ّ‬
‫عن معان ومدلوالت ونظم فكرية شاملة‪ ،‬كما تقوم بخلق عوالم جديدة من‬
‫تعالقات الدوال اللغوية‪ ،‬حيث يصبح الخطاب الروائي محط افتحاص أدبي‬
‫وفني لكشف العوالم الجديدة التي جاءت سندا لتفصيل الواقع وتقريبه للقار‬
‫تبعا '' للبنية األولية للتعبير بالعالمات'' حسب (ليونز)(‪Lyons( ) Lyons‬‬
‫ً‬
‫‪ ، (1981,108,‬ذلك أن تلك العوالم ال توجد إال في مخيال الروائي الذي‬
‫فنيا يجعل القار قاد اًر على التعمق في‬
‫طابعا ً‬
‫ً‬ ‫يسعى إلى تنظيمها حتى تأخذ‬
‫اض ْعنا عليه في هذا العالم عبر العصور ال‬‫ثنايا الخطاب الروائي‪ ،‬فما تو َ‬
‫ينطبق على عالم آخر رهين بقراءتنا‪ ،‬هذا ما يدفعنا لعدة تأمالت بين عالم‬
‫الواقع وعالم النص‪ ،‬وما يجمع بينهما من مرتكزات قائمة على بعد الرؤى‬
‫والقوانين التأويلية التي تتحكم في الخطاب السردي بحموالته االجتماعية‬
‫واألنثربولوجية واألدبية والنفسية في صياغة العملية اإلبداعية في أبعادها‬
‫التخييلية؛ هذا ما يمكن أن نبينه كنموذج أول دال في مشهد من رواية ''‬
‫المخطوفون'' الصادرة في دمشق عام (‪ )1991‬للكاتب عبد الكريم ناصف‪،‬‬
‫والذي يمكننا اعتباره أدرى الناس بقواعد عوالم اللعبة الفنية الروائية‪ ،‬في أبعد‬
‫مراميها التخييلية؛ ذلك أن رواية ''المخطوفون'' تُعد من الروايات التاريخية‬
‫التوثيقية التي تعتمد في حديثها على لغة الرمز الشفاف الذي يتناول القضية‬
‫الفلسطينية في أبعد تجلياتها الفنية المستلة من روافد خيال المؤلف ودربته في‬
‫تقييد الواقع ومحاصرته‪ ،‬باعتماد مبدأ التدرج المنهجي أثناء سرد األحداث‬
‫وتفصيلها بطريقة فنية؛ إذ إن الرواية تتحدث عن سفينة كبيرة‪ ،‬بل بالد بأسرها‬
‫أبحرت من شاطئها في اتجاه شاطئ آخر‪'' ،‬هذا الشاطئ الذي ال نفهم‬
‫دالالت معانيه إال من خالل أقوال ركاب السفينة‪ ،‬إنه شاطئ القانون والنظام‬
‫‪289‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫أو شاطئ الحق والحرية‪ ،‬هذا الذي شرب الركاب نخبه ذات مرة‪ ،‬ويتوقون مرة‬
‫أخرى لكسر أمواج الظلم العاتية التي تعترض سبيل سفينتهم حتى يرسوا‬
‫جميعهم بسالم فوق أرض الحق والمساواة والحرية'' ( عبد الكريم‪،1991 ،‬‬
‫‪.)19‬‬
‫ولعل هذه الصياغة السردية تبوح في ثناياها عن عمق بالغة التأويل‬
‫القائم على التخييل في التعاطي الفني للخطاب الروائي‪ ،‬إذ يكشف الكاتب عن‬
‫الشخصيات في الرواية عبر حركة دوائر السرد المتالحقة منذ الفصل األول‪،‬‬
‫ف غ غ غ ''غالي بابا'' هو القبطان الجميل والشجاع والذكي واآلمر والناهي‪ ،‬وهو‬
‫بطل السفينة والرواية معا حمل فكرة الرواية على كتفيه وسار حتى النهاية‪.‬‬
‫وكذلك مساعد القبطان ''رستم الغطاس'' وهو شخصية رسمها الكاتب بدقة‬
‫وفنية احترافية عالية‪ ،‬يملك إرادة فوالذية‪ ،‬إذ ال يعرف الخضوع والمصالحة مع‬
‫صْلبهم له على سطح السفينة‪ ،‬عندما طلبوا منه‬
‫مختطفي السفينة رغم َ‬
‫االعتراف بأنهم قادة السفينة وأصحابها الحقيقيون‪.‬‬
‫تكشف المشاهد السردية أن القبطان ينتقل فيمر على مضيفته ''دارية''‬
‫فيلتقي عندها الشاعر'' هايل أبو سنام'' والمحامية ''رشيقة الباز'' التي ستصبح‬
‫فيما بعد محظية لزعيم المختطفين ''بن جدعون'' وغيرهم من الشخصيات‬
‫الرئيسة والثانوية؛ إال أن الهدف من رواية المخطوفون‪ ،‬هو تعرية الواقع‬
‫باعتماد شد زمام الخيال في تصوير مشهد صراع الحق مع الباطل على ظهر‬
‫الحياة بمشاكلها العاتية‪ ،‬أو على ظهر بالد يسود فيها الفجور؛ ليحجب ضوء‬
‫الحق‪ ،‬هذا ما يدفعنا للقول‪ :‬إن رواية " المخطوفون" تجسيد للواقع العربي‬
‫الذي ساد فيه التناقض وضعف القيادة الحكيمة‪ ،‬التي هوت وعصفت بالعديد‬
‫من الشعوب العربية نحو أيادي القتل والتجويع واالختطاف‪ ،‬إذ أن الكاتب‬
‫استطاع تطويق الواقع ومحاصرته باعتماد الطابع التخييلي الذي يمكننا‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪290‬‬

‫إنسانيا‬
‫ً‬ ‫اعتباره أداة شكلت رؤية جمالية فنية للرواية‪ ،‬ومنحت الخطاب بعداً‬
‫ف األمواج السفينة غرقا‪،‬‬ ‫فعوضا عن تَ ْختَ ِط َ‬
‫ً‬ ‫متمزقًا بين قوى الخير والشر‪،‬‬
‫اختطفتها األمواج البشرية التي تكالبت على ظهرها قتال وتنكيال‬
‫مشهد من رواية " المصابيح الزرق"‬ ‫والنموذج الثاني يتجسد في‬
‫الصادرة ( ‪ ) 1954‬للكاتب السوري حنا مينا بعد استقالل سورية ورحيل‬
‫االستعمار الفرنسي‪ ،‬الذي شكل تفاصيل روايته من التاريخ الحاضر بتمكنه‬
‫من فهم لعبة السرد والكتابة الفنية‪ ،‬فالرواية تدور أحداثها في أثناء الحرب‬
‫العالمية الثانية ‪ ،‬وتصور عبر حركة دوائر السرد المتالحقة عن أثر الحرب‬
‫العالمية الثانية على المجتمع السوري المتمثل في مدينة الالذقية‪ ،‬وتجسيد‬
‫مفهوم العدالة والمساواة االجتماعية بين الناس وبالتحديد في األحياء الفقيرة‪،‬‬
‫وتجليات الصراع الطبقي والتفاوت االقتصادي في المدينة بين الفقراء‬
‫والمحتكرين واألغنياء والمستعمرين الفرنسيين‪ ،‬والذي فرضته سياسة السلطة‬
‫اعا مع‬
‫االستعمارية المهيمنة‪ ،‬فخلق هذا التفاوت في ظل االحتالل صر ً‬
‫المستعمر‪ ،‬والثورة ضد قواته المحتلة‪ ،‬فأيقظ الشعور الوطني والقومي‪ ،‬ونشر‬
‫قضايا جديدة بين‪ ،‬من مثل الحرية والعدالة والمساواة والتحرر‪ ،‬والذين حملوا‬
‫على عاتقهم وحدهم ثورة الكفاح والتحرر من المستعمر‪ ،‬دون األغنياء الذين‬
‫تحالفوا مع المستعمر لحماية مصالحهم‪ ،‬وهي رؤية جديدة يجسدها الكاتب في‬
‫روايته من خالل بطل الرواية الشاب ( فارس) ابن الحي الفقير الذي يعاصر‬
‫مرحلة تاريخية تمثلت في الحرب العالمية الثانية‪ ،‬واالستعمار الفرنسي على‬
‫سورية‪ ،‬فيحمل على كتفيه فكرة الرواية الرئيسية ورؤيتها المحورية ويسير فيها‬
‫حتى النهاية‪ .‬وقد شكل الكاتب شخصية فارس عبر أحداث الرواية ومشاهد‬
‫اسعا في الرواية‪ ،‬؛ لتعبر عن ظهور‬
‫حيز و ً‬
‫السرد المتالحقة‪ ،‬فتحتل الشخصية ًا‬
‫فكر ووعي جديد‪ ،‬فشخصية فارس ابن األسرة الفقيرة الذي يعاني من الفقر‬
‫‪291‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫نموذجا لظهور الفكر‬


‫ً‬ ‫والبطالة‪ ،‬يناضل من أجل الحرية ولقمة العيش ‪ ،‬فيمثل‬
‫الجديد والوعي السياسي واالجتماعي عند الجيل الجديد الواعي بمصير األمة‪.‬‬
‫يقول السارد‪ " :‬لم يكن فارس في بدء الحرب العالمية الثانية شيئاً يذكر كان‬
‫يافعا في السادسة من العمر"( مينا ‪ .)20 ،1954 ،‬فهذا السرد بضمير‬
‫ً‬
‫الغائب يكشف عن تطور الوعي الفكري والخبرة وحرية الرأي لدى فئة‬
‫المجتمع‪ ،‬المتمثل بشخصية فارس الذي تحول إلى مناضل نال احترام الجميع‬
‫بعد سجن المستعمر له؛ ليجسد في النهاية مرحلة تاريخية مريرة استطاع‬
‫الكاتب إعادة صياغتها بشكل روائي جديد قائم على االنتقاء واالبتكار‬
‫واالختيار والتحوير والتعديل من التاريخ الذي شكل المادة الرئيسة للرواية‪.‬‬
‫وقد تم ّكن الكاتب من تصوير الواقع في مجتمع مدينة الالذقية الذي‬
‫ينتمي إليه بتوظيفه عناصر سردية كالشخصيات واألحداث وأساليب السرد‬
‫والحوارات المتالحقة والوصف التفصيلي واللغة التي تمزج بين التقرير‬
‫والتصوير؛ ليكشف التغيرات التي حدثت والمتجسدة بوعي جديد وفكر جديد‪،‬‬
‫استطاع الثورة على االضطهاد والظلم واالستبداد التي حصرهم في خطين‬
‫متوازنين‪ ،‬الطبقة المحتكرة وطبقة المستعمر‪ ،‬ليجسد في النهاية رؤية الرواية‬
‫المتخيلة بغية الوصول إلى الرؤية الفلسفية الجمالية فيها‪.‬‬
‫إن الخطاب الروائي استمد من كنه التخييل طاقته التعبيرية‪ ،‬فما كان‬
‫للواقع أن يمده إياها‪ ،‬ولعل األمر يعود إلى خصوبة التأمل والتأويل اللذين‬
‫فرضهما الطابع التخيلي للقراءة‪ ،‬بدل أحادية الرؤية الواقعية التي خلقت‬
‫اجتفافًا في المقامات التواصلية‪'' ،‬هذا معناه أن القدرة التخييلية شكلت ما‬
‫فنيا معروفًا‬
‫يعرف بالمسافة الجمالية للخطاب الروائي‪ ،‬والتي كرست تقليداً ً‬
‫حافظ على اإلرث الجمالي انطالقًا مما اكتسبه الجنس األدبي في مساره‬
‫التاريخي‪ ،‬ومن هنا نكون أمام تلق أدبي سردي رافقه شعور يسميه (روالن‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪292‬‬

‫بارت) ( ‪ ( Roland Barthes‬بلذة النص ( شرفي‪ .)185 ،2006،‬أي أن‬


‫الطابع التخييلي هو عنصر محوري في تشكيل النص الروائي يسهم في‬
‫إيصال حقيقية الواقع عبر عنصر التأويل‪ ،‬كما أن واقع الرواية يتخذ عدة‬
‫تمظهرات مختلفة يمكن إيضاحها على الشكل التالي( الضبع‪2008 ،‬‬
‫‪:)109،‬‬
‫‪ .1‬الواقع يتحرك نحو الخطاب النصي؛ الستيعاب داللته‪ ،‬وبدونها يكون مجرد‬
‫خيال؛ ذلك أن أشخاص النص الروائي وأحداثه يستمدان معيارية منطقهما‬
‫من المخزون المعرفي المستقر في ذهن المتلقي عن الواقع‪ .‬ومن هذا‬
‫التوصيف يقف المتلقي من شخوص الرواية إما‪:‬‬
‫‪ -‬بإسناد مالمح الشخصية الروائية على شخصية لها حضورها الواقعي‬
‫بالنسبة إليه‪.‬‬
‫‪ -‬أو باجتهاد ربط مالمح مغايرة‪ ،‬لكنها تخضع للمالمح البشرية خارج‬
‫النص‪.‬‬
‫‪ .2‬الواقع تقنية كتابة وقناع فني‪ ،‬وموقف فكري يجسد رؤية خاصة لصاحب‬
‫جامدا إن لم يحركه الروائي عبر األزمنة‬
‫ً‬ ‫العمل األدبي‪ ،‬إال أنه يبقى‬
‫واألمكنة واألحداث‪.‬‬
‫‪ .3‬الواقع ال يكتفي بطرح ثيمات ذات صيغة اجتماعية تتخلل معنى النص‪،‬‬
‫إنما يتعدى ذلك ليشمل كل مشكالت النص الروائي‪ ،‬ابتداء من أول كلمة‬
‫في الخطاب الروائي إلى آخر كلمة‪.‬‬
‫‪293‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫الكتابة التاريخية والذات الروائية العربية‬


‫إن المتمعن في عمق الكتابة التاريخية يدرك بحق أنها ترجع إلى‬
‫سياسيا وحضارًيا‪،‬‬
‫ً‬ ‫محاولة الذات الهروب من الواقع العربي المهزوم والضعيف‬
‫بسبب سيطرة االحتالل األجنبي على البالد العربية في بداية القرن العشرين‬
‫واستغالل شعوبها‪ ،‬وصعود الروح القومية والرغبة في االستقالل‪ ،‬إضافة إلى‬
‫الهزائم المتتالية التي ُمنيت فيها األمة العربية بدءا بنكبة فلسطين عام‬
‫(‪ ، )1948‬وهزيمة حزيران (‪ ،)1967‬وفقدان األفق واألمل في الغد المشرق‪،‬‬
‫كل هذا دعا إلى بحث الذات العربية عن القوة والعظمة والمجد بين ثنايا‬
‫التاريخ العربي اإلسالمي‪ ،‬واحيائها من جديد برفض الواقع األليم والتطلع إلى‬
‫حاضر ومستقبل يعيد للعروبة قوتها‪ ،‬ويستنهض هممها‪ ،‬من خالل استيعاب‬
‫المتغيرات التي حدثت‪ ،‬وانتفاض الذات بالدعوة إلى الثورة والتغيير‪'' ،‬هذا ما‬
‫مضطر إلى مخاطبة الحاضر واإلطاللة‬
‫ًا‬ ‫جعل الروائي أثناء كتابته يجد نفسه‬
‫عليه من خالل نافذة الماضي‪ ،‬وهنا يجد في التاريخ مادة خصبة للكتابة‬
‫حبا للتعبير عن النفس عن طريق شحذ الطاقة من الرواية التاريخية‬
‫ومجاالً ر ً‬
‫( قاسم ‪.)2010 ، 2009،‬‬
‫أن النص الروائي ظل قابل للتجدد في إطار قدرة الرواية على‬
‫امتصاصه‪ ،‬وتحويله إلى لغة مثخنة بأحداث ووقائع اآلخرين‪ ،‬وهي ميزة الناثر‬
‫عموما والناثر الروائي خاصة‪ ،‬وهذا ما يؤكده سعيد يقطين بقوله‪ '':‬إن النص‬
‫ً‬
‫ونوعيا ثم ينتجها‬
‫ً‬ ‫وخطابيا‬
‫ً‬ ‫زمنيا‬
‫الروائي يستوعب بنيات نصية عديدة ومختلفة ً‬
‫من جديد‪ ،‬من خالل منحه إياها داللة وأبعاداً مختلفة عن التي تكتسبها في‬
‫سياقها‪ .‬وهو بذلك يقدمها كعناصر بنيوية تساهم في عملية بنائه وتكوينه" (‬
‫يقطين‪ ،)128 ،2001 ،‬هذا يعني أن الرواية خلخلت عمق الكتابة التاريخية‪،‬‬
‫بانطالقها من اللحظة النهائية التي تمتح من عمق الماضي لتبدأ سيرورة‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪294‬‬

‫خطية جديدة تبوح بما لم تبح به الكتابة التاريخية من وقائع وأحداث؛ ألن‬
‫األساس الذي تريده الذات الروائية هو إعادة كتابة التاريخ بشكل مغاير‬
‫للتاريخ الرسمي العقيم(حميش ‪ .) 83 ،1998،‬لكن هذا ال يعني أن التاريخ‬
‫أساسيا به تبنى ركائز الرواية‪ ،‬وهنا ال نقصد بالتاريخ ما‬
‫ً‬ ‫مرجعا‬
‫ً‬ ‫ليس مادة أو‬
‫كتبه المؤرخون‪ ،‬وانما التاريخ الذي نظر إليه الروائيون من زاوية لم يعر لها‬
‫اضحا‪ ،‬إنها الزاوية التي تجمع بين الرؤية األدبية والواقع‬
‫اهتماما و ً‬
‫ً‬ ‫المؤرخ‬
‫االجتماعي في صلب التاريخ‪ ،‬من خالل إعادة أنسنة الحدث‪ ،‬وبعث عوالمه‬
‫الميتة بنفس سردي يميط اللثام عن الرؤى التي انزاح عنها المؤرخ‪ ،‬والتي لم‬
‫يستطع رؤيتها بدون منظار األدب ( العروي‪.)45 ،1988 ،‬‬
‫أما الذات الروائية العربية‪ ،‬فهي تتجسد بالقدرة النفسية للروائي في بلورة‬
‫تنم عن إحساسه وشعوره تجاه فهم فلسفة الحياة‬
‫معطيات الواقع من زاوية ّ‬
‫المتوارية بين سطور التاريخ وترجمتها إلى أحداث ووقائع‪ ،‬حيث تتوازى‬
‫الحركة الكرنولوجية للزمن مع اللحظة السيكولوجية‪ ،‬مما يجعل الكتابة‬
‫معنويا أكثر مما هو مادي‪ ،‬حيث يتباطأ الزمن لتشويق‬
‫ً‬ ‫التاريخية تأخذ انعطافًا‬
‫المتلقي عن طريق صياغة أحداث التاريخ بطريقة تخدم ذهنية القار من‬
‫عنصر‬
‫ًا‬ ‫خالل شد ذهنه إلى التفاصيل الدقيقة التي تالمس إحساسه بل تجعله‬
‫مشارًكا في األحداث؛ ذلك أن '' إحساس الروائي بمرور الزمن أثناء الكتابة‪،‬‬
‫يتأثر دون شك بدرجة استغراقه في العمل‪ ،‬وما يرافق ذلك من وقفات‬
‫تصاحبها مشاعر عاطفية تتغلغل عبر ثنايا السرد إلى مخيلة القار ‪ ،‬وربما‬
‫تجعله يستلذ التاريخ على حساب أحداث الرواية'' (مندالو ‪.)137 ،1997،‬‬
‫إن تفاعل الروائي مع التاريخ واحساسه به‪ ،‬بل وتعاطفه مع أحداثه‬
‫وشخصياته عبر زمن الكتابة م ّكنه من خلق زمن نفسي ُيلبس الشخوص‬
‫الروائية الفرح والحزن والمعاناة ؛ ألنه من نسج خيال الروائي بهدف اإلبالغ‬
‫‪295‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫عن فكرة جوهرية لها وقع على '' تيار حياتنا الداخلية ( بحراوي‪،2009 ،‬‬
‫يعبر من عمق مستويات‬ ‫‪ ، )114‬أي ما يعانيه من مكبوتات ذاتية؛ ألنه ّ‬
‫الحياة النفسانية‪ ،‬إما عن طريق الحوار الداخلي(المونولوج)‪ ،‬أو الحوار‬
‫تبعا للمقام التخاطبي القائم على‬
‫الخارجي أثناء التفاعل مع الشخصيات ً‬
‫كرونولوجيا األحداث‪ ،‬وترتيبها وفق التسلسل الزمني الذي يربط الحقيقة‬
‫التاريخية باألثر النفسي‪ ،‬وبالتالي انزياح الروائي إلى كشف عوالم ذاتية‬
‫للشخصيات في تعاملها مع مجموعة من الحقائق التاريخية التي عرتها الكتابة‬
‫الروائية‪ ،‬من مثل ما نجده في روايات الروائي المصري نجيب محفوظ التي‬
‫اتخذت من التاريخ الفرعوني مادة لها‪ ،‬و " ثالثية غرناطة" للروائية المصرية‬
‫رضوى عاشور التي شكلت مادتها الرواية من تاريخ المورسيكين في األندلس‪،‬‬
‫وروايات الروائي الفلسطيني إبراهيم نصراهلل الذي استقى مادة رواياته من‬
‫المأساة الفلسطينية‪ ،‬وروايات الروائي العراقي نجم والي الذي شكل مادته من‬
‫تاريخ العراق‪ ،‬وغيرهم من الكتاب الذين وجدوا في التاريخ مادة غنية لتشكيل‬
‫رواياتهم‪ .‬وهذا كله يجسد أهمية التاريخ في صناعة النص الروائي بحلة جديدة‬
‫وبما يتالءم وفكرة النص الروائي وماهيته‪.‬‬
‫خـــاتـمــة‬
‫تناول هذا البحث صورة الخطاب الروائي بين مرايا التاريخ وانعكاسات‬
‫المستقبل‪ ،‬ووقف على تجليات الخطاب الروائي والتاريخي‪ ،‬وصورة الخطاب‬
‫الروائي بين الزمن الواقعي والتخيلي‪ ،‬ومرايا التاريخ وأزمنة الرواية المنكسرة‪،‬‬
‫والخطاب الروائي بين الواقع التخييل‪ ،‬ووضِّح الكتابة التاريخية وقدرة الذات‬
‫الروائية العربية؛ ليبين أثر انعكاس التاريخ في الخطاب الروائي عبر الزمن‪.‬‬
‫أن صورة الخطاب الروائي‪ ،‬صورة متعددة المرايا‬
‫وخلص البحث إلى ّ‬
‫بانعكاساتها القزحية التي تمأل فضاء الرواية بتلوينات ناتجة عن اإلدراك‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪296‬‬

‫الحسي للواقع تارة‪ ،‬وعن اإلدراك المعنوي للمتخيل تارة أخرى‪ ،‬كل هذا وذاك‬
‫يجعلنا أمام رؤية ممتدة للبحث عن العوالم الخفية داخل أزمنة الرواية؛‬
‫الستنطاق التاريخ عبر تشكالت األحداث الفنية المنبعثة من رماد مادته التي‬
‫ُسحقت في الماضي؛ لتتشخصن في الحاضر من جديد‪ ،‬وتتبلور بشكل آخر‬
‫اصليا يستهوي الدارسين بشهية البحث عن‬
‫في الخطاب الروائي؛ ليثير بعداً تو ً‬
‫الخطاب المتواري بين أوراق النقد وكتب التاريخ‪ ،‬بغية التطلع والبحث عن‬
‫المزيد من الرؤى والتصورات والتطلعات التي يمكن أن تنتجها الذات الروائية‪.‬‬
‫مرجعغغا أساسغ ًغيا فغغي تشغغكيل الخطغغاب الروائغغي وفغغق معطياتغغه‬
‫ً‬ ‫يش غ ّكل التغغاريخ‬
‫الجديغغدة‪ ،‬إذ يتكغغئ عليغغه الروائغغي فغغي بنغغاء مادتغغه الرئيسغغة‪ ،‬مغغن زاويغغة تجمغغع بغغين‬
‫رؤية الروائي والواقع االجتماعي في المتن التغاريخي‪ ،‬فغي إعغادة صغياغة التغاريخ‬
‫بشكل أدبي جديد برؤيته وعناصره الفنية‪ ،‬التي بعثت عوالم التاريخ الميتغة بغنفس‬
‫سغغردي يجسغغد رؤى عديغغدة انغزاح عنهغغا المغغؤرخ‪ ،‬ولغغم يسغغتطع رؤيتهغغا بغغدون منظغغار‬
‫األدب‪ ،‬بما يتالءم مع الواقع المعيش ومرايا التاريخ‪ ،‬وانعكاسات المستقبل‪.‬‬
‫إن هذا العمل ُيعد خلخلة بسيطة لبعض القضايا الكبرى التي تحتاج‬
‫إلى مزيد من التنقيب في الذاكرة التراثية المتوارية داخل ثنايا الخطاب‬
‫التاريخي‪ ،‬بتشعباته الكبرى التي تحفز على ركوب مغامرة البحث والتقصي؛‬
‫الستنطاق كنه تجليات الجمال الفني الذي لم تبح به الرواية بعد‪ ،‬رغم ما قيل‬
‫في السابق والحاضر‪ .‬كل هذا يدفعنا إلى مساءلة الحقول المعرفية القائمة‬
‫على هوامش الكتابة التاريخية عن األشياء الالتاريخية إلدراجها ضمن الكتابة‬
‫اإلبداعية؛ لفهم ممكنات المعرفة التي تستمد روح واقعها من الرواية التاريخية‬
‫التخييلية‪.‬‬
‫‪297‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫المصادر والمراجع‬
‫أوالا ‪ -‬المراجع باللغة العربية‬
‫‪ .1‬إيكو‪ ،‬أمبرتو‪ ،)1980( ،‬السيميائية وفلسفة اللغة‪ ،‬ترجمة أحمد‬
‫الصمعي‪ ،)2005 ( ،‬المنظمة العربية للترجمة‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪،2005 ،‬‬
‫ص‪.13‬‬
‫‪ .2‬باختين‪ ،‬ميخائيل‪ ،)1987( ،‬الخطاب الروائي ‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد برادة‪ ،‬دار‬
‫الفكر للنشر والتوزيع‪ ،‬القاهرة‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .3‬باختين‪ ،‬ميخائيل‪ ،)1973( ،‬شعرية دوستويفسكي ‪ ،‬ترجمة جميل نصيف‬
‫الدار البيضاء‪.‬‬
‫التكريني‪ ،)1986 (،‬دار توبقال للنشر‪ ،‬ط ‪ّ ،6‬‬
‫‪ .4‬الباردي‪ ،‬محمد‪ ،)2004( ،‬إنشائية الخطاب في الرواية العربية الحديثة ‪،‬‬
‫مركز النشر الجامعي‪ ،‬تونس‪.‬‬
‫‪ .5‬بحراوي ‪ ،‬حسن‪ ،)2009 ( ،‬بنية الشكل الروائي (الفضاء‪ ،‬الزمن‪،‬‬
‫الشخصيات) المركز الثقافي العربي‪ ،‬ط‪ ،2‬الدار البيضاء‪ ،‬المغرب‪.‬‬
‫‪ .6‬بحري‪ ،‬محمد األمين‪ ،)2017 ( ،‬تمثّل التاريخ في الرواية الجزائرية‪،‬‬
‫المجلة الثقافية الجزائرية‪ ،‬الجزائر‪،‬‬
‫‪https://thakafamag.com‬‬
‫‪ .7‬بشالر ‪ ،‬غاستون‪ ، )1936( ،‬جدلية الزمن ‪ ،‬ترجمة‪ :‬خليل أحمد خليل‪،‬‬
‫( ‪ ،)1992‬المؤسسة الجامعية للدراسات النشر والتوزيع‪ ،‬بيروت‪ ،‬لبنان‪،‬‬
‫ط‪.2‬‬
‫‪ .8‬التريكي ‪ ،‬فتحي ‪ ، )1991( ،‬الروح التاريخية في الحضارة العربية و‬
‫اإلسالمية‪ ،‬ط‪ ،1‬الجامعة التونسية‪.‬‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪298‬‬

‫‪ .9‬جان ‪ ،‬موكارفسكي ‪ ،)1934( ،‬الفن عبارة عن حقيقة سيميوطيقية''‪،‬‬


‫ترجمة‪ :‬سي از قاسم‪ ،‬مدخل إلى السيميوطيقا‪ ،)1986 ( ،‬ج‪ ،2‬دار إلياس‬
‫العصرية‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫‪ .00‬جي ارر ‪ ،‬جينيت ‪ ،)1983( ،‬خطاب الحكاية ‪ ،‬ترجمة‪ :‬محمد معتصم‬
‫وآخرين‪ ،)2003 ( ،‬ط‪ ،3‬منشورات االختالف‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ .11‬الحميري ‪ ،‬عبد الواسع‪ ،)2008( ،‬ما الخطاب؟ وكيف نحلله؟ ‪ ،‬المؤسسة‬
‫الجامعية للدراسات والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت ‪.‬‬
‫‪ .12‬حميش‪ ،‬بنسالم ‪ ،)1998( ،‬الخلدونية في ضوء فلسفة التاريخ‪ ،‬دار‬
‫الطليعة‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .13‬دراج‪ ،‬فيصل ‪ ،)2002 ( ،‬الرواية وتأويل التاريخ نظرية‪ ،‬المركز الثقافي‬
‫العربي‪ ،‬بيروت‪ ،‬الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪ .01‬زيتوني‪ ،‬لطيف‪ ، )2002( ،‬معجم مصطلحات نقد الرواية‪ ،‬ط‪ ،1‬مكتبة‬
‫لبنان ناشرون ‪ ،‬دار النهار للنشر‪ ،‬لبنان‪.‬‬
‫‪ .15‬شرفي‪ ،‬عبد الكريم‪ ،)2006 ( ،‬من فلسفات التأويل إلى نظريات القراءة ‪،‬‬
‫الدار العربية للعلوم ناشرون‪ ،‬ط‪ ،1‬لبنان‪ ،‬منشورات االختالف‪ ،‬الجزائر‪.‬‬
‫‪ .16‬الشمالي ‪ ،‬نضال ‪ ،)2006( ،‬الرواية والتاريخ (بحث في مستويات‬
‫الخطاب في الرواية التاريخية العربية)‪ ،‬عالم الكتب الحديث للنشر‬
‫والتوزيع‪ ،‬األردن‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫‪ .17‬الضبع ‪ ،‬مصطفى‪ ،)2008( ،‬الواقع وأقنعته في الرواية العربية‪ ،‬الهيئة‬
‫المصرية العامة للكتاب‪ ،‬مصر‪.‬‬
‫المتخيل والروائي سلطة‬
‫ّ‬ ‫‪ .18‬عبيد‪ ،‬صابر‪ ،‬البياتي‪ ،‬سوسن‪،)2015( ،‬‬
‫المرجع وانفتاح الرؤيا‪ ،‬عالم الكتب الحديثة للنشر والتوزيع‪ ،‬أربد‪ ،‬األردن‪،‬‬
‫وجدا ار للكتاب العالمي للنشر والتوزيع‪ ،‬عمان‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪299‬‬ ‫د‪ .‬منتهى طه الحراحشة‪ :‬صورة الخطاب الروائى‬

‫‪ .19‬العروي ‪ ،‬عبد اهلل ‪ ،)1988 (،‬ثقافتنا في ضوء التاريخ‪ ،‬المركز الثقافي‬


‫العربي‪ ،‬الدار البيضاء‪ ،‬بيروت‪ ،‬ط‪.2‬‬
‫‪ .22‬عصفور‪ ،‬جابر‪ ،)2005 ( ،‬الرواية التاريخية وروايات نجيب محفوظ ‪،‬‬
‫مجلة العربي ‪ ،‬ع‪ ، 555‬الكويت‪.‬‬
‫المنسية‪،‬‬
‫ّ‬ ‫‪ .21‬عودة‪ ،‬سامح‪،)2017( ،‬الرواية التاريخية أداة الصطياد التفاصيل‬
‫الجزيرة ميدان‪https://midan.aljazeera.net ،‬‬
‫‪ .22‬قاسم‪ ،‬عبده قاسغم‪ ،)2009( ،‬الرواية التاريخية العربية زمن االزدهار ‪،‬‬
‫موقع كتاب العربي الصغير‪ ،‬ملحق ربع سنوي لمجلة العربي الكويتية‪ ،‬ع‬
‫‪ ،77‬يوليو‪.‬‬
‫‪ .23‬القاضي‪ ،‬محمد ( ‪ ، )1998‬الرواية والتاريخ ‪ :‬طريقتان في كتابة التاريخ‬
‫ائيا ‪ ،‬مجلة فصول ‪ ،‬عدد خصوصية الرواية ج ‪ 2‬الهيئة المصرية‬ ‫رو ً‬
‫العامة للكتاب ‪ ،‬القاهرة ‪.‬‬
‫‪ .24‬ليونز‪ ،‬جون‪ ، )1981 ( ،‬مدخل اللغة واللسانيات‪ ،‬ترجمة‪ :‬حمزة بن‬
‫قبالن بن أحمد المزيني‪1407 ،‬هغ ‪ ،‬مجلة كلية اآلداب‪ ،‬ع ‪ ،1‬مجلد ‪،14‬‬
‫جامعة الملك سعود‪ ،‬الرياض‪.‬‬
‫‪ .25‬لوكاش‪ ،‬جورج (‪ :)1937‬الرواية التاريخية‪ ،‬ترجمة‪ :‬صالح جواد كاظم‪( ،‬‬
‫‪ ،)1978‬ط‪ ،1‬منشورات و ازرة الثقافة والفنون‪ ،‬الجمهورية العراقية‪ ،‬العراق‪،‬‬
‫بالتعاون مع دار الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .26‬م ‪ .‬ريفاتير ‪ :‬الوهم المرجعي ( ‪ ،)1992‬في كتاب األدب والواقع‬
‫لمجموعة من الباحثين‪ ،‬ترجمة محمد معتصم وعبد الجليل األزدي‪ ،‬ط ‪،6‬‬
‫مراكش‪.‬‬
‫مجلة كلية اآلداب جامعة القاهرة المجلد (‪ )80‬العدد (‪ )2‬يناير ‪2020‬‬ ‫‪300‬‬

‫‪ .27‬معيكل‪ ،‬أسماء أحمد‪ ،)2011( ،‬األصالة والتغريب في الرواية العربية‪،‬‬


‫روايات حيدر حيدر أنموذجا‪ ،‬دراسة تطبيقية‪ ،‬عالم الكتب الحديث‪ ،‬ط‪،1‬‬
‫إربد‪ ،‬األردن‪.‬‬
‫‪ .28‬مندالو‪ ،‬أ‪.‬أ‪ ،)1997( ، .‬الزمن والرواية‪ ،‬ترجمة‪ :‬بكر عباس‪ ،‬مراجعة‪:‬‬
‫إحسان عباس‪ ،‬دار صادر‪ ،‬ط‪ ،1‬بيروت‪.‬‬
‫‪ .29‬مينا‪ ،‬حنا‪ ،)1954 ( :‬المصابيح الزرق‪ ،‬دار اآلداب‪ ،‬ط‪ ، 1‬بيروت‪،‬‬
‫لبنان‪،‬‬
‫‪ .32‬ناصف عبد الكريم‪ ،)1991( ،‬المخطوفون ‪ ،‬دار حطين للدراسات‬
‫والترجمة والنشر‪ ،‬ط‪ ،1‬دمشق‪.1991 ،‬‬
‫‪ .31‬نصار‪ ،‬كريستين ‪ ،)1991( ،‬األنسان والتاريخ – أثر التاريخ وتأثره‬
‫بسيكولوجية الفرد‪ ،‬منشورات جروس برس‪ ،‬طرابلس‪ ،‬لينان ‪.‬‬
‫‪ .32‬يقطين‪ ،‬سعيد‪ ،)2001( ،‬انفتاح النص الروائي‪ ،‬المركز الثقافي العربي‪،‬‬
‫الدار البيضاء‪.‬‬
‫‪ .33‬يقطين ‪ ،‬سعيد ‪ ،)1997 (،‬تحليل الخطاب الروائي ‪ ،‬ط‪ ، 3‬المركز‬
‫الثقافي العربي‪ ،‬الدار البيضاء ‪.‬‬
‫ثاني ا‪ -‬المراجع األجنبية‬
‫‪1. Delas,D et Filliollet,J(1973) ‘’ l’inguistique et poétique’’,‬‬
‫‪Larousse,Paris,Pp 121-122.‬‬

You might also like