Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 11

‫«اليوم أوكرانيا ً‬

‫وغدا تايوان»‪ :‬الحرب بعيون صينية‬


‫شاكر ّ‬
‫جرار‬
‫الجمعة ‪ 22‬نيسان ‪2022‬‬

‫ً‬
‫خطابا عام ‪ 2019‬بمناسبة الذكرى السبعين النتصار الثورة‬ ‫الرئيس الصيني يلقي‬
‫الصينية‪ .‬تصوير جيسون لي‪ ،‬رويترز‪.‬‬
‫على مدار شهرين من الحرب في أوكرانيا‪ ،‬حضرت الصين كعنوان رئيس شبه يومي في‬
‫ً‬
‫وامتدادا للتماهي التام‬ ‫التغطية اإلعالمية للصراع في وسائل اإلعالم الغربية والعربية الكبرى‪.‬‬
‫بين خطاب هذه الصحف ومحطات التلفزة ورواية الواليات املتحدة ‪-‬سواء حول الحرب أو‬
‫ً‬
‫عموما عن الصين هو ذاته ما تقوله‬ ‫حول أي ش يء آخر ً‬
‫تقريبا‪ -‬بدا أن ما تنقله هذه املؤسسات‬
‫ص ّدرت الصين كطرف في الصراع ألنها‪ ،‬كما ُي َنقل عن «مسؤولين كبار في‬ ‫الواليات املتحدة عنها‪ُ .‬‬
‫الواليات املتحدة»‪ ،‬كانت على دراية بنوايا روسيا قبل بدء التدخل العسكري‪ .‬كما ُح ّملت‬
‫مسؤولية «إنجاح» العقوبات الغربية على موسكو‪ً ،‬‬
‫نظرا إلى أنها لن تكون «فعالة» إذا لم تلعب‬
‫ً‬
‫الصين معنا‪ ،‬كما زعمت الواليات املتحدة مرا ًرا‪ ،‬مهددة بـ«عواقب» محاولة الصين مساعدة‬
‫روسيا في االلتفاف على العقوبات‪.‬‬
‫ص ّورت على أنها تغرد وحدها خارج «املجتمع الدولي» وعلى‬
‫لكن األهم هو أن الصين ُ‬
‫تضاد معه‪ ،‬ألنها لم تدن «الغزو» ورفضت االنضمام لجوقة مناهضة روسيا ً‬
‫دوليا أو املشاركة‬
‫أبدا‪ ،‬فقد رفض العديد من دول‬ ‫في ردعها ومعاقبتها‪ .‬في الواقع‪ ،‬لم تكن الصين وحيدة ً‬

‫الجنوب والبلدان النامية السير على هوى الواليات املتحدة‪ .‬كان رئيس الوزراء الباكستاني‬
‫السابق‪ ،‬عمران خان‪ ،‬أبرز ضحايا هذا الرفض‪ ،‬فيما أعربت الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا‬
‫كذلك عن رفضها املشاركة في العقوبات على روسيا‪ .‬كما امتنعت ‪ 35‬دولة‪ 17 ،‬منها‬
‫إفريقية‪ ،‬عن إدانة روسيا في األمم املتحدة‪ ،‬وتحدث بعضها بصراحة عن مسؤولية الواليات‬

‫‪1‬‬
‫ً‬
‫املتحدة عن توسع الناتو شرقا وتمهيد الطريق للحرب‪ .‬لكن هؤالء على ما يبدو ليسوا أعضاء‬
‫شرعيين في «املجتمع الدولي»‪.‬‬
‫أمام هذه املحاوالت‪ ،‬نشط الدبلوماسيون واملتحدثون الصينيون لتوضيح موقف‬
‫كثيرا ما ُيبالغ في‬
‫بالدهم‪ ،‬إال أن قدرة الصين على التحكم بالتغطية اإلعالمية املتعلقة بها ً‬
‫َ‬
‫تقديرها‪ .‬حين يتحدث البعض عن إهمال الصين وروسيا «املعركة على الرأي العام العاملي»‬
‫وعدم محاولتهما منافسة الغرب فيها‪ ،‬يدور الحديث في الغالب حول مسائل تقنية بحتة‪:‬‬
‫االستثمار في تكوين مؤسسات إعالمية‪ ،‬التنويع في األشكال‪ ،‬الترجمة‪ ،‬التحدث بـ«لغة جديدة»‪.‬‬
‫لكن في الحقيقة‪ ،‬ال يمكن لدولة مثل الصين‪ ،‬رغم إرثها وحجمها وقوتها االقتصادية‪ ،‬منافسة‬
‫الغرب في التأثير على اإلعالم العاملي‪ .‬فالتاثير ال يبنى على هذه املسائل التقنية بقدر ما هو‬
‫محصلة هياكل وبنى تحتية‪ ،‬من جامعات ومؤسسات وشبكات واسعة من الخبراء واملثقفين‬
‫ً‬
‫عموما في فضاءات رأسمالية استعمارية أو شبه استعمارية‪.‬‬ ‫واملترجمين واإلعالميين‪ ،‬تشكلت‬
‫من أين ستأتي الصين بأدوات ووسائل الهيمنة‪ ،‬وهي التي لم تستعمر دولة قط‪ ،‬ولم تحكم‬
‫شعوب العالم بجيشها ودوالرها و«نموذجها»‪ ،‬ولم تفرض لغتها كلغة «عاملية»‪ ،‬ال بل كانت قبل‬
‫َ‬
‫مستعمرة في العالم الثالث‪ ،‬أذلها الغرب باملدافع واألفيون ومعيار‬ ‫عقود أكبر دولة فقيرة شبه‬
‫الفضة؟‬
‫خالل الحرب في أوكرانيا‪ ،‬بدا ما تقوله وسائل اإلعالم الغربية والعربية الكبرى عن‬
‫الصين هو ذاته ما تقوله عنها الواليات املتحدة‪.‬‬
‫رغم أن الصين عبرت عن موقفها بوضوح من الصراع الروس ي الغربي‪ ،‬حتى قبل اندالع‬
‫الحرب‪ ،‬إال أن محاوالت وسم موقفها بـ«الرمادي» وتصويرها على أنها تلعب على كل األحبال لم‬
‫تتوقف‪ .‬في ‪ 23‬شباط‪ ،‬قالت املتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية‪ ،‬هوا تشون ينغ‪ ،‬ر ًدا على‬
‫سؤال حول األزمة األوكرانية‪« :‬إن املنطق والسببية ّ‬
‫مهمان عند محاولة فهم األشياء‪ .‬هناك‬
‫سياق تاريخي معقد لقضية أوكرانيا والوضع الحالي هو نتيجة تفاعل العديد من العوامل (‪)..‬‬
‫على بعض الدول أن تسأل نفسها‪ :‬عندما قادت الواليات املتحدة خمس موجات من توسع‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫الناتو شرقا وصوال إلى عتبة روسيا‪ ،‬ونشرت أسلحة استراتيجية هجومية متقدمة‪ ،‬منتهكة‬
‫التطمينات التي قدمتها لروسيا‪ ،‬هل فكرت ً‬
‫يوما في العواقب؟»‪ .‬في ردها على سؤال آخر‪ ،‬قالت‬

‫‪2‬‬
‫هوا إن من «ربط العقدة هو املسؤول عن فكها»‪ ،‬وهي الفكرة التي رددها بأشكال‬
‫مختلفة العديد من املسؤولين والدبلوماسيين الصينيين خالل الحرب‪.‬‬
‫كان الرئيس ش ي جينبينغ أحد هؤالء حين أعاد التذكير بموقف بالده من الحرب‪ ،‬في‬
‫ّ‬ ‫ً‬
‫اجتماع عبر الفيديو جمعه بنظيره األمريكي‪ ،‬قائال إن «من علق الجرس في عنق النمر عليه أن‬
‫ينزعه»‪ .‬لكن تصريحات ش ي لم تكد تظهر في اإلعالم السائد‪ ،‬الغربي أو العربي‪ ،‬الذي تناقل‬
‫ملخصات البيت األبيض حول مجريات االجتماع تحت عناوين مثل «بايدن يحذر»‪ ،‬و«بايدن‬
‫ً‬
‫اجتماعا بين‬ ‫يتوعد»‪ ،‬وكأن اللقاء الذي دام ساعة ونصف كان محاضرة ألقاها بايدن‪ ،‬ال‬
‫رئيس ي دولتين كبريين‪( .‬من املفيد أن نالحظ هنا أن قناة الجزيرة القطرية‪ ،‬وتحت شعار «الرأي‬
‫والرأي اآلخر»‪ ،‬تفتح الهواء لصهاينة محتلين يتوعدون املقاومين الفلسطينيين على شاشتها‬
‫بالقتل‪ ،‬وتمتنع‪ ،‬باملقابل‪ ،‬عن استضافة محلل أو مسؤول صيني)‪.‬‬

‫تغريدة للمتحدث باسم الخارجية الصينية‪ ،‬جاو ليجيان‪ ،‬بكاريكاتير من صحيفة الغلوبال تايمز الصينية‪ ،‬يظهر فيها «العم سام»‬
‫ً‬
‫قائال «ملاذا ال تستطيع الصين أن تفعل املزيد للمساعدة في إخماد الحريق؟»‪.‬‬

‫نشرت الصحف الرسمية الصينية الصادرة باإلنجليزية عشرات االفتتاحيات واملقاالت‬


‫التي أشارت ملسؤولية الواليات املتحدة وتوسع الناتو عما يجري في أوكرانيا‪ ،‬ورفضت القبول‬
‫بعيدا عن املستوى الرسمي‪ ،‬ظهرت على منصات التواصل‬ ‫بالسردية األمريكية للحرب‪ .‬لكن ً‬
‫ً‬
‫تحديدا مع ترويج‬ ‫الصينية خالفات ونقاشات سياسية حول الحرب وموقف الصين منها‪،‬‬
‫املحللين الغربيين ملقولة «اليوم أوكرانيا ّ‬
‫وغدا تايوان»‪ .‬ونشر كتاب ومؤرخون صينيون مقاالت‬
‫وبيانات تنتقد موقف الصين من الحرب وتشجب «غزو روسيا ألوكرانيا»‪ .‬بالطبع‪ ،‬هذا ليس‬
‫أمرا «ناد ًرا» كما صورته «وول ستريت جورنال» وغيرها من وسائل اإلعالم األمريكية أو‬
‫ً‬
‫املتأمركة‪ ،‬التي تنطلق ً‬
‫دوما في فهم الصين من مقوالت االستبداد والخضوع‪ .‬لكن بمعزل عن‬
‫دقة تقدير حجم مثل هذه االنتقادات للموقف الصيني‪ ،‬فالنقاش الدائر يتجاوز مجرد‬
‫االصطفاف مع أو ضد الحرب‪ .‬فالصين ليست منيعة تجاه التأثر بالرواية الغربية‪ ،‬كما أن‬
‫هناك منطلقات متعددة لفهم ما يجري في أوكرانيا وانعكاساته املحتملة على الصين‪ ،‬خاصة‬
‫وأن ربط الحرب بمسألة تايوان يجعلها قضية حيوية وذات صلة مباشرة بالصينيين‪ .‬لكن‬

‫‪3‬‬
‫باملحصلة‪ ،‬يبدو أن الصين اليوم‪ ،‬على عكس ما ُت َّ‬
‫صور‪ ،‬مفعمة بالسياسة وتنشط فيها‬
‫كثيرا ّ‬
‫عما بتنا نراه في‬ ‫نقاشات عدة حول الكثير من قضايا البلد والعالم‪ ،‬على نحو يختلف ً‬
‫الغرب الذي يمنع أي اختالف بخصوص روسيا‪ ،‬وال يقبل سوى بالهتاف بسقوط بوتين‪.‬‬
‫نحو ناتو آسيوي؟‬
‫ً‬
‫جسرا بين أوكرانيا وتايوان‪.‬‬ ‫منذ بداية الحرب‪ّ ،‬‬
‫مدت اإلمبراطورية األمريكية وإعالمها‬
‫حرص الخبراء والدبلوماسيون والصحفيون على تحذير التايوانيين‪ :‬إذا لم تتحركوا وتعملوا‬
‫بجد‪ ،‬فمصيركم من مصير األوكرانيين؛ هذه نتيجة مخاطر العيش بجوار جار مستبد وتوسعي‪.‬‬
‫خالل زيارته إلى أستراليا في آذار املنصرم‪ ،‬قال األدميرال جون أكويلينو‪ ،‬رئيس قيادة «املحيطين‬
‫الهندي والهادئ» في الجيش األمريكي ‪ ،‬إن الغزو الروس ي ألوكرانيا يظهر أن على الدول اآلسيوية‬
‫أن تأخذ احتمال وقوع هجوم صيني على تايوان على محمل الجد‪ ،‬وإنه «يجب أن نكون‬
‫مستعدين في جميع األوقات»‪ .‬على الفور‪ ،‬ردت السلطات التايوانية على الرسائل األمريكية‪،‬‬
‫حيث طمأن وزير خارجية تايوان وسائل اإلعالم األجنبية بشأن استعدادات الجزيرة للقتال‪،‬‬
‫ً‬
‫مؤكدا أن قتال األوكرانيين وشجاعتهم كانا «مصدر إلهام للشعب التايواني»‪.‬‬
‫يبدو أن دبلوماسيي تايوان تحمسوا بعض الش يء على وقع التصفيق الغربي ألوكرانيا‬
‫و«مقاومتها»‪ ،‬إال أن تصريحاتهم متسقة مع حالة التصعيد التي تشهدها عالقة الجزيرة مع البر‬
‫الرئيس ي منذ تولي تساي إنغ ون‪ ،‬رئيسة الحزب الديمقراطي التقدمي‪ ،‬السلطة في تايوان عام‬
‫ً‬
‫وجوديا» للواليات‬ ‫تهديدا‬ ‫‪ ،2016‬ووصول ترامب للبيت األبيض بعدها بأشهر‪ً ،‬‬
‫معلنا الصين « ً‬
‫ً‬
‫وتماشيا مع االستراتيجية األمريكية لـ«احتواء الصين» باستخدام ورقة «استقالل‬ ‫املتحدة‪.‬‬
‫تايوان»‪ ،‬يقول الباحث الصيني جانغ ويدونغ إن تساي اتخذت مجموعة من الخطوات‬
‫والتصريحات التي أدت إلى تدهور العالقات عبر املضيق بسرعة لم ُيشهد لها مثيل منذ‬
‫التسعينيات‪.‬‬
‫ً‬
‫جوهريا عن‬ ‫رغم محاوالت الغرب املساواة بينهما‪ ،‬إال أن قضية تايوان تختلف‬
‫قضية أوكرانيا‪ .‬فتايوان جزء من الصين‪ ،‬وهذا ما تعترف به جميع الدول التي تقيم‬
‫ً‬
‫عالقات دبلوماسية معها‪ ،‬انطالقا من مبدأ «صين واحدة»‪ ،‬ومن بينها الواليات املتحدة‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫في السنوات القليلة املاضية‪ ،‬عملت السلطات التايوانية على تعديل الكتب املدرسية‬
‫يجيا من متحف القصر الوطني في‬ ‫وأغلفة جوازات السفر‪ ،‬وأزالت العناصر الصينية تدر ً‬
‫تايبيه‪ .‬كما قيدت العالقات التجارية‪ ،‬وعارضت مبدأ «صين واحدة»‪ ،‬ولم تدخر ً‬
‫جهدا للهجوم‬
‫على نموذج «دولة واحدة ونظامان»‪ ،‬ومضت ً‬
‫قدما في «االعتماد على الواليات املتحدة في السعي‬
‫لالستقالل»‪ ،‬كما يقول جانغ‪ .‬لكن التصعيد بلغ درجة جديدة في تشرين األول من العام‬
‫املاض ي‪ ،‬حين فجرت تساي في مقابلة مع «س ي إن إن» قنبلتين‪ :‬األولى حين اعترفت ألول مرة بأن‬
‫الواليات املتحدة تنشر قوات في تايوان‪ ،‬والثانية حين دعت «الشركاء الديمقراطيين‬
‫ً‬
‫[عسكريا]‪:‬‬ ‫اإلقليميين» (اليابان وكوريا الجنوبية وأستراليا) إلى املساعدة في دعم الجزيرة‬
‫ُ‬
‫ظهر األنظمة االستبدادية نزعات توسعية‪ ،‬فعلى الدول الديمقراطية أن تتحد‬ ‫«عندما ِ‬
‫ت‬
‫للوقوف ضدها‪ .‬وتايوان في الخطوط األمامية»‪.‬‬
‫في أيار من العام املاض ي‪ ،‬وصفت مجلة اإليكونومست البريطانية تايوان بـ«أخطر مكان‬
‫عما تسوقه اإليكونومست‪ .‬ففي‬ ‫على وجه األ ض»‪ .‬يبدو الوصف ً‬
‫دقيقا‪ ،‬وإن ألسباب تختلف ّ‬ ‫ر‬
‫ظل مساعي الواليات املتحدة لتطويق الصين بناتو «آسيوي»‪ ،‬بالتعاون مع شركائها في تايوان‪،‬‬
‫ً‬
‫وإحاطتها بتكتالت تعمل على عسكرة املنطقة‪ ،‬تصبح الحرب احتماال وار ًدا أكثر فأكثر‪.‬‬
‫بدأت هذه التكتالت مع مجموعة الحوار األمني الرباعي‪ ،‬املعروفة بـ«الكواد»‪ ،‬والتي‬
‫تشمل الواليات املتحدة وأستراليا واليابان والهند‪ .‬ظل الكواد يراوح مكانه لسنوات‪ ،‬لكن مع‬
‫ازدياد ما تسميه الواليات املتحدة «التوتر تجاه الصين»‪ ،‬أعيد إحياء املجموعة في السنوات‬
‫األخيرة‪ ،‬لتشارك الدول األربعة في مناورات ماالبار البحرية عام ‪ 2020‬في خليج البنغال وبحر‬
‫العرب‪.‬‬
‫ً‬ ‫كان أوباما أول رئيس ّ‬
‫يحول التركيز االستراتيجي للواليات املتحدة شرقا إلى الصين بعد‬
‫الحرب الباردة‪ ،‬عبر استراتيجية «االستدارة نحو آسيا»‪ .‬ثم تحولت إدارة ترامب من استراتيجية‬
‫«آسيا واملحيط الهادئ» إلى استراتيجية «املحيطين الهندي والهادئ»‪ ،‬في محاولة لإلقرار‬
‫بأهمية الهند وضرورة وضع إطار استراتيجي يشملها‪ ،‬بوصفها «العضو الحيوي والحاسم في‬
‫الكواد»‪ .‬يعكس هذا التحول ً‬
‫أيضا التأكيد األمريكي على ضرورة املض ي ً‬
‫قدما في «السيطرة على‬
‫املحيطات» وعرقلة تقدم الصين في بناء قوة بحرية‪ ،‬وهي التي جاءتها معظم هجمات العدوان‬

‫‪5‬‬
‫اإلمبريالي في العصر الحديث من البحر‪ ،‬وتمر أكثر من نصف وارداتها وصادراتها عبر ممرات‬
‫مائية تسيطر عليها البحرية األمريكية‪ ،‬فيما تحيط بها القواعد العسكرية األمريكية من كل‬
‫جهة (تملك اإلمبراطورية األمريكية في اليابان وكوريا الجنوبية وجزيرة غوام وأستراليا وحدها‬
‫‪ 254‬قاعدة عسكرية‪ ،‬تضم أكثر من ‪ 87‬ألف جندي أمريكي)‪.‬‬
‫جاء إعالن البيت األبيض في أيلول ‪ ،2021‬عن إطالق «أوكوس»‪ ،‬أو «الشراكة األمنية‬
‫الثالثية» التي تشمل أستراليا واململكة املتحدة والواليات املتحدة‪ ،‬ليعزز هذه العسكرة‪ .‬كان‬
‫الهدف املباشر دعم أستراليا للحصول على «غواصات مدعمة ً‬
‫نوويا»‪ ،‬لكن جهود «أوكوس»‬
‫تركز ً‬
‫أيضا‪ ،‬بحسب البيت األبيض‪ ،‬على «القدرات السيبرانية‪ ،‬والذكاء االصطناعي‪،‬‬
‫وتكنولوجيات الكم‪ ،‬وقدرات بحرية أخرى»‪ .‬الدعوات األمريكية لزيادة تسليح املنطقة لم تكن‬
‫مواربة‪ ،‬ففي نسخة ‪ 2021‬من التمارين العسكرية البحرية السنوية في آسيا (‪،)ANNUALEX‬‬
‫والتي شملت ‪ 35‬سفينة حربية و‪ 40‬طائرة من الواليات املتحدة واليابان وأستراليا وكندا‪ ،‬وألول‬
‫مرة‪ ،‬أملانيا‪ ،‬قال كارل توماس قائد األسطول األمريكي السابع إن القوى املشاركة في التدريبات‬
‫ً‬ ‫تمثل « ً‬
‫كما هائال من القوة»‪ ،‬لكن «حين نفكر بالقتال‪ ،‬فإننا أمام مساحة مائية كبيرة‪ ،‬وأربع‬
‫حامالت طائرات عدد جيد‪ ،‬لكن ستة أو سبعة أو ثمانية سيكون أفضل»‪.‬‬
‫منذ بداية العام‪ ،‬عملت تايوان على تحديث جيشها وإعادة هيكلته واالتجاه نحو قيادة‬
‫أكثر المركزية‪ ،‬بشكل يمكن أن يرفع من قدرة قواتها على الصمود في القتال‪ .‬وأجرت منذ بداية‬
‫آذار فقط عدة تدريبات تحاكي وقوع حرب مع الصين‪ ،‬من بينها تمارين بالذخائر الحية في‬
‫جزيرتين قرب سواحل البر الصيني‪ ،‬وتد ًيبا ُ‬
‫استخدمت فيه صواريخ جافلين األمريكية املضادة‬ ‫ر‬
‫ً‬
‫مؤخرا حاكت فيه‬ ‫للدروع‪ ،‬التي استخدمت بكثافة في أوكرانيا‪ ،‬إضافة إلى تدريب واسع‬
‫مرتقبا‪ُ ،‬‬
‫واستخدمت فيه طائرات ‪ F16‬وأباتش ي أمريكية‪ .‬في‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫صينيا‬ ‫ً‬
‫هجوما‬ ‫الطائرات الحربية‬
‫هذا اإلطار‪ ،‬طرح الكونغرس عدة مقترحات للتمويل العسكري‪ ]1[،‬تصل قيمتها اإلجمالية إلى‬
‫سنويا بين عامي ‪ 2023‬و‪ ،2027‬بهدف «تسريع نشر تايوان للقدرات‬ ‫ً‬ ‫ثالثة مليارات دوالر‬
‫الدفاعية املطلوبة لردع غزو من قبل الصين أو هزيمته إن دعت الحاجة»‪ ،‬وهو ما قد يرفع‬
‫تايوان إلى مرتبة «إسرائيل» من حيث تلقيها لهذه املساعدات األمريكية‪ .‬فيما بلغت قيمة‬
‫صفقات شراء السالح األمريكي التي وقعتها تايوان منذ ‪ 2019‬قرابة ‪ 17‬مليار دوالر‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫يدرك قادة الصين أن استقالل تايوان في الوضع الحالي يعني أنها ستتحول إلى جزيرة‬
‫ً‬
‫غوام جديدة‪ ،‬التي باتت منذ احتالل األمريكيين لها منطلقا لعملياتهم العسكرية في املحيط‬
‫الهادئ‪ ،‬وتضم ‪ 54‬قاعدة أمريكية‪.‬‬
‫ومع اندالع الحرب في أوكرانيا‪ ،‬ناقشت تايوان مع الواليات املتحدة الدروس العسكرية‬
‫املستفادة من الصراع‪ ،‬وأنشأت مجموعة عمل لدراسة التكتيكات املستخدمة فيها‪ .‬يقول الري‬
‫دايموند‪ ،‬الزميل األول في معهد هوفر بجامعة ستانفورد‪ ،‬إنه «يتعين على تايوان فعل الكثير‬
‫ً‬
‫تحديدا عبر تعزيز مرونتها‬ ‫إذا أرادت صد غزو بنجاح كما فعلت أوكرانيا»‪،‬‬
‫العملياتية‪ .‬رحب خبراء أمريكيون بمساعي تايوان إلعادة التفكير في تجنيدها اإلجباري‪ ،‬الذي‬
‫نظرا لكون مدته أربعة أشهر فقط‪ .‬كما دعوها‬ ‫اعتبر أقرب لـ«معسكر صيفي»‪ً ،‬‬ ‫كثيرا ما ُ‬
‫ً‬
‫إلى التعلم من «إسرائيل» التي «استخدمت الخدمة العسكرية اإلجبارية املطولة والتقدم‬
‫التكنولوجي واملساعدة األمريكية لتعزيز أمنها اإلقليمي» (يمكننا هنا أن نعرف الكثير عن‬
‫تايوان وأوكرانيا وغيرهما من الدول التي َتقدم لنا على أنها تسعى للتحرر واالستقالل‪ ،‬بالنظر‬
‫ً‬
‫نموذجا يحتذى به)‪]2[.‬‬ ‫التخاذها «إسرائيل»‬
‫أيضا أن تتعلم الكثير من الحرب‪ .‬من أهم هذه الدروس‪،‬‬ ‫في املقابل‪ ،‬يمكن للصين ً‬
‫كما يقول أحد ّ‬
‫الكتاب الصينيين‪ ،‬هو أنه حين يكون العدو أحد وكالء الواليات املتحدة‪ ،‬فال‬
‫معنى للحرب للخاطفة الساعية ّ‬
‫لشل البلد بهجوم مفاجئ‪ ،‬فالحرب تدور تحت أعين أجهزة‬
‫االستخبارات األمريكية‪ .‬وفي ظل الفجوة الهائلة في القوة العسكرية بين الصين أو روسيا من‬
‫جهة وهؤالء الوكالء من جهة أخرى‪ ،‬فإن املستشارين األمريكيين سيعملون على تجنب القتال‬
‫التقليدي بين جيشين وتصميم مجموعة من التكتيكات الفريدة التي تهدف إلى إطالة أمد‬
‫املعركة ورفع الخسائر‪ .‬في هذه الحالة‪ ،‬فإن الخيار األفضل هو التعبئة الكاملة للجيش‬
‫والشعب واالستعداد لحرب طويلة‪« :‬إذا أردنا استخدام القوة لتحرير تايوان في املستقبل‪،‬‬
‫يجب أن نتخلى عن أي وهم [في القدرة على الحسم] بضربة قاصمة مفاجئة»‪.‬‬
‫ً‬
‫بعيدا عن الدروس املستفادة‪ ،‬ورغم محاوالت الغرب املساواة بينهما‪ ،‬إال أن قضية‬
‫ً‬
‫جوهريا عن قضية أوكرانيا‪ .‬فتايوان جزء من الصين‪ ،‬وهذا ما تعترف به جميع‬ ‫تايوان تختلف‬
‫ً‬
‫الدول التي تقيم عالقات دبلوماسية معها‪ ،‬انطالقا من مبدأ «صين واحدة»‪ ،‬ومن بينها‬

‫‪7‬‬
‫ً‬
‫عضوا في األمم املتحدة‪ ،‬وال تعترف معظم دول العالم بها‬ ‫الواليات املتحدة‪ ]3[.‬وتايوان ليست‬
‫كدولة‪ .‬لذا‪ ،‬فإن محاوالت إسقاط السيناريو األوكراني على تايوان ّ‬
‫محملة بأهداف سياسية‪.‬‬
‫لكن‪ ،‬إذا استمرت «قوى استقالل تايوان» بالتعاون مع الواليات املتحدة لتغيير الوضع‬
‫عمليا بـ«نظرية الدولتين»‪ ،‬فإن مقولة «اليوم أوكرانيا ً‬
‫وغدا تايوان» ليست‬ ‫القائم والدفع ً‬
‫مستبعدة على اإلطالق‪ .‬في ظل إدراك الصين لكلفة مثل هذه املواجهة‪ ،‬هل يمكن أن تختار‬
‫القتال وتتخلى عن «الصعود السلمي»‪ ،‬بعدما باتت على بعد سنوات من أن تصبح أكبر‬
‫اقتصاد في العالم؟‬
‫عن الصراع والسالم‬
‫كثي ًرا ما تخبرنا النخب في بالدنا عن مدى تجذر قيم ومبادئ الثورة الفرنسية وحضورها‬
‫املستمر في الثقافة السياسية في فرنسا‪ ،‬لكن يصعب أن نتخيل أن يقال مثل هذا الكالم عن‬
‫ماض انتهى كل أثر له مع‬ ‫صور الثورة الصينية كحدث‬ ‫الصين‪ .‬فعلى العكس‪ُ ،‬ت ّ‬
‫ٍ‬
‫ُ‬
‫وفاة ماو تسيتونغ وبداية عصر اإلصالح‪ ،‬وتقدم العالقة بين صين ما قبل اإلصالح وما بعده‬
‫ُ‬
‫كعالقة قطيعة وانقالب‪ ،‬ال استمرارية فيها؛ بين «الصين املاوية» التي تصور كديك مقاتل‪،‬‬
‫و«الصين اإلصالحية» املساملة البراغماتية التي تخش ى الصدام‪ .‬تتطابق هذه الثنائية مع النظرة‬
‫التي تقسم تاريخ البالد بعد الثورة إلى قسمين‪ :‬صين فقيرة واشتراكية‪ ،‬وصين غنية ورأسمالية‪،‬‬
‫في تجاهل للتحوالت االجتماعية واالقتصادية الهائلة التي حققتها املرحلة املاوية‪ ،‬والتي بدونها‬
‫ً‬
‫ال يمكن أصال الحديث عن صين حديثة ومستقلة وقوية وذات سيادة‪ ،‬لقد قامت التجربة‬
‫معا‪ .‬لذا‪ ،‬فإن الفصل التام بينهما‬ ‫الصينية بعد الثورة على استمرارية وانقطاع هاتين املرحلتين ً‬
‫سيؤدي ً‬
‫حتما إلى إساءة فهم الصين)‪.‬‬
‫تهتز هذه الثنائية أمام ما يعكسه اإلجماع على مسألة تايوان‪ ،‬فقد تمسكت الصين في‬
‫فترتيها املاوية واإلصالحية بمبدأ «إعادة التوحيد»‪ .‬كان ماو أول من طرح الحل السلمي ملسألة‬
‫تايوان عام ‪ ،1956‬قبل سنوات من صياغة دنغ شياو بينغ لنموذج «دولة واحدة ونظامان»‪.‬‬
‫ً‬
‫وردا على زيارة رئيس تايوان السابق لي تنغ هوي للواليات املتحدة‪ ،‬أكد جيانغ زيمين‪ ،‬الرئيس‬
‫الصيني السابق‪ ،‬على معارضة استقالل تايوان‪ ،‬وعلى أن تدمير الوضع‬
‫السلمي سيقود الستخدام القوة لحل املسألة‪ .‬حدث ذلك عام ‪ ،1995‬خالل شهر العسل مع‬

‫‪8‬‬
‫األمريكان‪ ،‬وعبر تصريحات لوسائل إعالم أمريكية‪ .‬لكن ش ي جينبينغ ذهب أبعد من أي‬
‫مسؤول صيني سابق منذ عام ‪ ،1979‬حين ّ‬
‫صرح عام ‪ 2019‬بأن القضية ال يمكن «تناقلها من‬
‫جيل إلى جيل»‪ ،‬وبأن الصين لن تستبعد استخدام القوة‪.‬‬
‫تعرف الصين أن الحرب‪ ،‬إن وقعت‪ ،‬لن تكون مع تايوان وحدها‪ .‬لذا‪ ،‬فهي ال تقول هذا‬
‫الكالم باستخفاف‪ .‬فقد أدركت منذ الثورة ضرورة إرساء السالم من أجل البناء والتنمية‪ ،‬لكن‬
‫ً‬
‫مقرونا بشرط أال َيمس بالسيادة واألمن االجتماعي‪ ،‬وهو الشرط الذي يكسره‬ ‫ذلك كان ً‬
‫دوما‬
‫«استقالل تايوان» بوضوح‪ .‬عرف الصينيون بالتجربة أن تحقيق السالم املستدام يتطلب‬
‫ُ‬
‫القتال والتضحيات‪ ،‬وأن التسويات والتنازالت التاريخية ستبقي باب الحرب والعدوان‬
‫مفتوحا‪ .‬كان هذا الدرس الذي مثلته الحرب الكورية عام ‪1950‬؛ ففي ذلك الوقت‪ُ ،‬بعيد‬
‫ً‬
‫انتصار الثورة‪ ،‬كانت الصين «بحاجة ماسة إلى بناء السالم» كما يقول ماو‪ ،‬إال أن فهمه‬
‫لطبيعة الواليات املتحدة جعله يدرك أن تحقيق ذلك ال يمكن أن يمر عبر تجاهل ما يجري في‬
‫كوريا‪« .‬اآلن‪ ،‬يتجه العدوان اإلمبريالي األمريكي مباشرة إلى الشمال الشرقي من بالدنا‪ ،‬وإذا‬
‫غالبا تحت تهديده‪ ،‬وسيكون من الصعب‬ ‫أسقط كوريا الشمالية‪ ..‬فإن شمال شرقنا سيعيش ً‬
‫تحقيق البناء السلمي‪ ..‬ستوضع ثالث سكاكين حادة على أجسادنا‪ :‬واحدة من كوريا الشمالية‬
‫على رؤوسنا‪ ،‬وواحدة من تايوان على الخصر‪ ،‬وواحدة من فيتنام على أقدامنا»‪.‬‬
‫ً‬
‫حاضرا في مسألة تايوان اليوم‪ .‬إذ يدرك قادة الصين أن استقالل‬ ‫يبقى هذا الدرس‬
‫تايوان في الوضع الحالي يعني أنها ستتحول إلى جزيرة غوام جديدة (التي باتت منذ احتالل‬
‫ً‬
‫ومنطلقا لعملياتهم العسكرية في املحيط الهادئ‪ ،‬وهي التي‬ ‫األمريكيين لها موطئ قدم مهم لهم‪،‬‬
‫تضم ‪ 54‬قاعدة أمريكية رغم أن مساحتها أقل من ‪ 550‬كلم مربع)‪ .‬لكنها ستكون في الصين‪ ،‬ال‬
‫على بعد آالف الكيلومترات منها‪ .‬لهذا السبب‪ ،‬فإن كل قادة عصر اإلصالح من دنغ شياو بينغ‬
‫إلى ش ي جينبيغ‪ّ ،‬‬
‫ماويون فيما يتعلق بتايوان‪.‬‬
‫بين الحاجة للسالم وإدراك املاهية اإلمبريالية للواليات املتحدة‪ ،‬صاغ ماو مبدأ‬
‫«التعاون والصراع» الذي حكم العالقة الصينية األمريكية منذ عقود‪ ،‬دون أوهام عن إمكانية‬
‫قيام «سالم أبدي» مع الواليات املتحدة أو تحويلها لحليف‪ ،‬كما يشرح الكاتب جيانغ‬
‫ّ‬
‫يونغ‪ .‬فبسبب حاجة الصين الستقرار يمكنها من تطوير مشروعها التنموي‪ ،‬فإن التعاون‬

‫‪9‬‬
‫السلمي سيظل ضرورًيا‪ .‬لكن بسبب الطبيعة العدوانية للواليات املتحدة وتناقض مصالحها‬
‫ً‬
‫حتميا‪ .‬بكلمات أخرى‪ ،‬فإن‬ ‫مع نهوض الصين‪ ،‬فإن وجود فترات من الصراع سيكون كذلك‬
‫التعاون والصراع متالزمان في هذه العالقة‪ ،‬ولم تكن املسألة مجرد انتقال من مرحلة صراع إلى‬
‫مرحلة تعاون‪ ،‬كما ُتصور سردية القطيعة بين املاوية واإلصالحية‪ .‬فقد تعاون الثوار الصينيون‬
‫مع األمريكيين عام ‪ 1944‬أثناء الحرب مع اليابانيين‪ ،‬قبل أن يقاتلوهم في كوريا بعد سنوات‪ ،‬في‬
‫حرب قدموا فيها أكثر من ‪ 197‬ألف مقاتل‪ ،‬كان من بينهم ماو آنينغ‪ ،‬أكبر أبناء ماو تسيتونغ‪.‬‬
‫ومع اندالع أزمة مضيق تايوان األولى عام ‪ ،1954‬توترت العالقات أكثر‪ ،‬لكن االجتماعات بين‬
‫الطرفين استمرت لتجنب الحرب‪ .‬وحين تم تطبيع العالقات عام ‪ 1972‬مع زيارة نيكسون‬
‫ً‬
‫اجتماعا‪ .‬وبعد انهيار العالقات‬ ‫للصين‪ ،‬بلغ عدد هذه االجتماعات املتعلقة بتايوان ‪136‬‬
‫الصينية السوفييتية‪ّ ،‬أمن التعاون السلمي إمكانية نقل املعرفة والتكنولوجيا من أجل تطوير‬
‫ً‬
‫املشروع الصناعي الصيني‪ .‬في هذا اإلطار‪ ،‬مثال‪ ،‬جاءت خطة ماو املعروفة باسم «أربعة‬
‫وثالثة» في أوائل السبعينيات التي سعت الستيراد معدات وأجهزة بقيمة ‪ 4.3‬مليار دوالر (ومن‬
‫هنا جاء اسمها)‪ ،‬من ستة دول غربية‪ ،‬من بينها الواليات املتحدة‪ ،‬باإلضافة إلى اليابان‪.‬‬
‫صناعيا ر ً‬
‫ئيسا‪ .‬وبحلول‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫مشروعا‬ ‫استخدمت هذه املعدات إلى جانب معدات محلية لبناء ‪26‬‬
‫عام ‪ ،1982‬تم تشغيل جميع هذه املشاريع‪ ،‬لتصبح ً‬
‫أساسا ً‬
‫مهما للتنمية االقتصادية في الصين‬
‫خالل الثمانينيات‪ ،‬تبنى عليه مشاريع الحقة‪ .‬كانت قدرة الصين على تحقيق تنمية مستقلة‬
‫مرتبطة ً‬
‫دوما بتوفير شروط البناء والتطوير‪.‬‬
‫إذا استمرت «قوى استقالل تايوان» بالتعاون مع الواليات املتحدة لتغيير الوضع‬
‫عمليا بـ«نظرية الدولتين»‪ ،‬فإن مقولة «اليوم أوكرانيا ً‬
‫وغدا تايوان» ليست‬ ‫القائم والدفع ً‬
‫مستبعدة على اإلطالق‪.‬‬
‫لكن الصينيين لم ينسوا الشق الثاني لهذا املبدأ‪ ،‬والواليات املتحدة لم تسمح لهم‬
‫َ‬
‫بنسيانه‪ ،‬حتى وإن خ ُف َت منذ الثمانينيات‪ .‬فالقادة السياسيون في عصر اإلصالح‪ ،‬كما ينقل‬
‫سمير أمين‪ ،‬كانوا يدركون أن الواليات املتحدة ال يمكن إال أن تعادي الصين كأمة ودولة‪ ،‬وأن‬
‫ً‬
‫احتماال ً‬
‫قائما‪ ،‬وأن الصين قد تصل إلى مرحلة تجد نفسها فيها مجبرة‬ ‫تصاعد الصراع سيظل‬
‫على القتال‪ ،‬وهو ما بات يتضح أكثر اليوم‪ .‬فمنذ سنوات‪ ،‬يتزايد بين الصينيين االعتقاد بأن‬

‫‪10‬‬
‫الوجه األبرز للمرحلة املقبلة سيكون الصراع‪ ،‬وقد عززت الحرب الحالية في أوكرانيا هذا‬
‫االعتقاد‪ .‬بالنسبة لكثيرين‪ ،‬لم يعد السؤال هو هل ستحاربنا الواليات املتحدة‪ ،‬بل ملاذا تأخرت‬
‫حتى اآلن‪ .‬يقول جيانغ إنه «على الرغم من تدهور العالقات الصينية األمريكية‪ ،‬ال تزال هناك‬
‫مصالح مشتركة ضخمة ومعقدة بين الصين والواليات املتحدة‪ ..‬سيظل هناك تعاون وصراع‬
‫بين الصين والواليات املتحدة‪ ،‬لكن الصراع أصبح السمة األساسية‪ .‬إن دوامة التاريخ تعيد‬
‫إنتاج العالقات الصينية األمريكية قبل ‪ً 30‬‬
‫عاما من اإلصالح واالنفتاح»‪ .‬في اإلطار‬
‫ذاته‪ ،‬يقول الكاتب لي غوانغمان إنه يجب أن يكون لدى الصين اليوم شعور أعمق باألزمة في‬
‫عالقتها بالواليات املتحدة‪« :‬إن عبا ة «األمة الصينية وصلت إلى أخطر أوقاتها» التي ُت ّ‬
‫غنى في‬ ‫ر‬
‫ُ‬
‫النشيد الوطني الصيني لم يعف عليها الزمن»‪ ،‬يقول لي‪.‬‬
‫باملحصلة‪ ،‬على وقع األصوات املنادية بـ«االستعداد للحرب»‪ ،‬هناك في الصين من يرى‬
‫أن انتظار الهجمة قد ال يعود خيا ًرا في لحظة ما‪ ،‬وأنه إذا كان الهدف الحفاظ على منجزات‬
‫التنمية الصينية‪ ،‬فيجب تذكر أن هذه املنجزات لم تكن لتتحقق دون فرض السيادة وردع‬
‫الهيمنة الغربية‪ ،‬وأنه حين تصبح هذه السيادة مهددة‪ ،‬فإن كل املنجزات تصبح مهددة معها‪.‬‬
‫اليوم‪ ،‬أصبحت تايوان مركز الصراع الصيني األمريكي‪ ،‬والسكين األخير املتبقي في خاصرة‬
‫الصين من الخمسينيات‪ ،‬الذي يبدو أنها لن تستطيع التعايش معه إلى األبد‪.‬‬

‫‪https://www.7iber.com/politics-economics/%d8%a7%d9%84%d8%ad%d8%b1%d8%a8-‬‬
‫‪%d9%81%d9%8a-%d8%a3%d9%88%d9%83%d8%b1%d8%a7%d9%86%d9%8a%d8%a7-‬‬
‫‪%d8%a8%d8%b9%d9%8a%d9%88%d9%86-‬‬
‫‪%d8%b5%d9%8a%d9%86%d9%8a%d8%a9/?utm_source=yarpp&utm_medium=post&utm_campaign‬‬
‫‪=related‬‬

‫‪11‬‬

You might also like