‫مـــقــــــــاالت‬

‫أهم أسس التعلم‬

‫التعلم هو نشاط ذايت يقوم به املتعلم تحت إرشاف معلم أو بدونه‪ ،‬وذلك بهدف اكتساب معرفة أو مهارة أو تغيري سلوك(‪.)1‬‬
‫وهو بذلك كل ما يكتسبه اإلنسان عن طريق املامرسة و الخربة‪.‬‬
‫التعلم هو عملية تغري شبه دائم يف سلوك الفرد(‪ ،)2‬لذلك يكتيس أهمية كربى إذ ميس كل مناحي الحياة اإلنسانية؛ وهو ما‬ ‫الدكتور الكمري عبد الحي‬
‫يفرس تكاثر نظريات التعلم يف القرن العرشين من سلوكية وجشطلتية و بنائية و غريها‪.‬‬ ‫اخصائي جراحة الدماغ و العمود الفقري‬
‫سنحاول يف هذه الورقة طرح بعض الخالصات العلمية الحديثة والجادة فيام يخص األسس الكربى للتعلم‪ .‬وسنكون‬ ‫المستشفى الجهوي الفارابي‬
‫براغامتيني بعيدين عن النظريات وسنطرح األسس الكربى ألي تعلم‪ ،‬والتي أثبتت العلوم العصبية‪ ،‬أن تحسينها يحسن‬ ‫وجدة‬
‫جودة التعلم بدون منازع‪.‬‬
‫سنقدم هذه األسس برتتيب اعتباطي؛ ألنها قد تكون متساوية األهمية‪.‬‬

‫‪WW‬ثانيا‪ :‬االنتباه (‪)attention‬‬ ‫‪WW‬أوال‪ :‬النضج (‪ )maturation‬والتدرج (‪)progressivité‬‬

‫يعرف معجم "الروس" (‪ )LAROUSSE‬االنتباه "كنشاط أو‬
‫حالة يضاعف من خاللها الشخص كفاءته اتجاه محتوى نفيس‬
‫معني (إدراك أو فكر أو ذاكرة إلخ) وعادة عن طريق اختيار‬
‫أجزاء أو جوانب معينة وكبح أو إهامل الجوانب األخرى"‪.‬‬
‫وهو بذلك عملية عقلية نستخدمها يف انتقاء إحدى املعلومات‬
‫الواردة إلينا مع تعديل معالجتها‪.‬‬
‫ويؤكد متخصصو العلوم العصبية عىل أن الدماغ له قدرة‬
‫إن حواسنا تعمل بشكل دائم دون توقف طيلة حياتنا‪ ،‬كام‬
‫أن العامل من حولنا ميلء باملعلومات التي تتوافد علينا وتنفذ‬
‫تلقائيا إىل الوعينا‪ ،‬إال أنه يك نخزن تلك املعلومات يف ذاكرتنا‬
‫لزمنا أن نحولها من الالوعي إىل الوعي‪ .‬وهو ما يحتاج إىل‬
‫االنتباه‪ .‬فاالنتباه يعدل بشكل كبري النشاط الدماغي كام‬
‫يسهل عملية التعلم(‪.)6‬‬
‫إننا بدون االنتباه ال نستطيع إدراك ما حولنا‪ .‬ذلك ما عرب‬
‫عنه "سيمون" و "شربيس" ب"عمى الالانتباه" (‪cécité‬‬
‫‪ )inattentionnelle‬بعد تجربتهام الشهرية سنة ‪ 1999‬والتي‬
‫بينت أننا غري قادرين عىل إدراك كل تفاصيل ما نشاهد رغم‬
‫وجودها داخل مجالنا البرصي(‪.)7‬‬
‫بالرتاكمية؛ حيث أن تعلم معارف أو مهارات ما يسهل تعلم‬
‫االنتباه من أهم ركائز التعلم‪ ،‬إال أن له حدودا وأشدها عدم‬
‫استطاعتنا االنتباه جيدا ألمرين مختلفني يف آن واحد(‪)8‬؛‬
‫كاملذاكرة واالستامع ألغنية مثال‪ .‬يف نفس املنحى نشري إىل‬
‫أنه من املفيد إثارة انتباه املتعلم بأدوات جذابة إال أن تلك‬
‫ويقصد بالنضج اكتامل املقومات الالزمة لتعلم ما لدى الفرد‪.‬‬
‫فال يطلب مثال من رضيع يف شهوره األوىل‪ ،‬مل تكتمل أنظمته‬
‫العصبية والعضلية‪ ،‬تعلم امليش‪ .‬وقد ثبت أن هناك عالقة‬
‫وثيقة بني بعض أنواع الذاكرة و نضج الدماغ من الناحية‬
‫الترشيحية(‪.)3‬‬
‫هائلة عىل التغري والتكيف مع محيطه أثناء التعلم‪ ،‬وهو ما‬
‫يشار إليه باللدونة العصبية (‪ ،)neuroplasticité‬لكن مقدار‬
‫هذا التكيف يختلف حسب نوع التعلم من جهة ومرحلة‬
‫التعلم من جهة أخرى(‪ .)3‬ورغم أن بعض أنواع التعلم (كتعلم‬
‫اللغة) يكون أفضل أثناء املراحل األوىل للنمو فإن من أهم‬
‫اكتشافات العلوم العصبية الحديثة هو أن اللدونة العصبية‬
‫هي خاصية أساسية للدماغ طيلة أطوار الحياة(‪ .)4‬إال أنه رغم‬
‫هذه الخاصية الدامئة للدماغ‪ ،‬هناك "مراحل حساسة" تكون‬
‫خاللها فعالية نوع معني من التعلم يف أوجها(‪.)3‬‬
‫أما بخصوص التدرج فالبد من اإلشارة إىل أن التعلم يتصف‬
‫معارف و مهارات أخرى أكرث تعقيدا‪ .‬لذلك وجب عدم حرق‬
‫املراحل‪ .‬فليس من املنطقي محاولة تعليم األعداد النسبية‬
‫قبل األعداد الطبيعية مثال‪ .‬تظهر أهمية هذا التدرج جليا يف‬
‫تعلم القراءة(‪.)5‬‬

‫عدد ‪ 13‬مـارس ‪2016‬‬ ‫‪56‬‬

‫أهم أسس التعلم‬

‫ƒ ƒثقافة النجاح‪ :‬ألن النجاح يف مهمة يدعم الرغبة يف املثابرة‪ .‬أما الفشل‬
‫فيجب أن يكون أو يصور عىل أنه مرحيل ويأخذ صفة الخطأ اإليجايب واملصحح‪.‬‬
‫التناوب بني فرتات التعلم واالختبار الفوري و املتكرر للمعارف للوصول إىل‬
‫"ما وراء املعرفة" (‪ )métacognition‬حيث أثبتت األبحاث أن الزيادة يف عدد‬
‫االختبارات أفضل من إطالة مدة املذاكرة أو حتى تكرارها‪ .‬نعم فالتكرار مهم إال‬
‫أن االختبارات أهم(‪ .)15‬و يجب أن نؤكد عىل أن هذه االختبارات يجب أن تحرتم‬
‫عند إعدادها األسس السابقة الذكر من حيث األهداف والصعوبة والتدرج إىل‬
‫غري ذلك‪.‬‬
‫‪WW‬رابعا‪ :‬املعلومات الراجعة (‪)retour d’information‬‬
‫واملقصود باملعلومات الراجعة هاهنا هي كل إشارة تبعث إىل املتعلم ليقيم‬
‫تعلمه ويصبح واعيا به‪ ،‬ألن الجاهل الذي ال يعلم أنه جاهل ال ميكن أن يتعلم‬
‫كام العارف الذي يجهل أنه يعرف ال يستطيع أن يثابر‪.‬‬
‫الرسم رقم ‪ : 1‬رسم يبني قرب النواة اللوزية من الحصني داخل الدماغ‪.‬‬
‫إن التعلم يبدأ حينام تبني إشارات الخطأ أن التنبؤ غري كامل ومجانب للصواب‪.‬‬
‫فالتعلم غري ممكن إذا كان كل يشء متوقع متاما كام يقول "ستانيسالدهاين"‬
‫(‪( )Stanislas Dehaene‬أستاذ علم النفس املعريف التجريبي‪ ،‬عضو أكادميية‬ ‫األدوات يجب أن ال تأرس املتعلم فتصبح هي موضوع انتباهه بدل أن تكون‬
‫العلوم الفرنسية وأحد أبرز خرباء العلوم العصبية)‪ .‬فتلك اإلشارات لألخطاء‬ ‫وسيلة جذب للموضوع األصيل‪ .‬وال يجب أيضا أن نطلب من املتعلم القيام‬
‫تعدل دون توقف متثالتنا الذهنية‪.‬‬ ‫بأكرث من مهمة معرفية يف نفس الوقت(‪.)9‬‬
‫األخطاء والشك ما هي إال حاالت طبيعية‪ ،‬بل قد تكون رضورية خالل عملية‬ ‫‪WW‬ثالثا‪ :‬الحافز (‪ )motivation‬وااللتزام (‪)engagement‬‬
‫التعلم‪ .‬نؤكد إذن عىل وجوب التسامح مع هذه الحاالت إىل حد كبري والتعامل‬
‫معها بحكمة دون اللجوء إىل العقاب‪ ،‬خصوصا القايس منه ألنه يولد الخوف‬ ‫أصبح من البديهي علميا القول بأن االنفعاالت تؤثر بشكل كبري يف الذاكرة‬
‫والقلق و اإلحساس بالضعف مام يؤثر سلبا‪ ،‬من خالل نشاط النواة اللوزية عىل‬ ‫والتعلم(‪ ،)10‬فالقرب الترشيحي للنواة اللوزية (‪ )noyau amygdalien‬التي لها‬
‫الحصني‪ ،‬فيعطل التعلم بدل تفعيله‪ .‬لذلك يجب نهج طريق التحفيز اإليجايب‬ ‫دور كبري يف االنفعاالت‪ ،‬من الحصني (‪ )hippocampe‬الذي يعترب املعرب األسايس‬
‫عن طريق املكافأة بالنسبة للمصيبني مع زرع الثقة يف النفس وإمكانية تحسني‬ ‫للمرور إىل الذاكرة بعيدة األمد‪ ،‬وكذا كرثة االرتباطات بني هاتني املنطقتني يجعل‬
‫األداء لدى املخطئني‪.‬‬ ‫كل منهام يؤثر سلبا أو إيجابا يف اآلخر(‪( .)11‬الرسم رقم ‪)1‬‬

‫‪WW‬خامسا‪ :‬التوطيد (‪)consolidation‬‬ ‫الحافز هو املفهوم الذي يستعمل لتوصيف القوى الداخلية والخارجية التي‬
‫تنتج انطالق واتجاه وشدة واستمرارية سلوك ما(‪ .)12‬بناء عىل هذا‪ ،‬فالحافز‬
‫ونعني به هنا تحويل الرصيح و املعرب عنه إىل الضمني‪ .‬ففي بداية تعلم أمر ما‬ ‫يحدد قوة االلتزام داخل منظومة التعلم‪ ،‬بل قد يكون الحافز وااللتزام وجهان‬
‫يتم االستخدام الكبري لقرشة الدماغ قبل الجبهية (‪ )cortex préfrontal‬حيث‬ ‫لعملة واحدة تحدد قيمتها انفعاالت الشخص‪ .‬لقد درس هذا الرتابط العديد‬
‫تتم املعالجة الرصيحة والواعية للمعلومات وهي بذلك تحتاج إىل جهد كبري‪.‬‬ ‫من الباحثني من بينهم أبلوتون(‪ "James Appleton" )13‬وشوفيل(‪wilmars " )14‬‬
‫لكن شيئا فشيئا يتم التحول إىل الضمني وتصبح املعالجة آلية دون وعي بها‬ ‫‪."chaufeli‬‬
‫فيقل الجهد املستخدم إىل حد كبري؛ وهذا هو هدف كل تعلم أو تعليم‪.‬‬
‫هناك العديد من التدخالت التي تثري الحافز وااللتزام نرسد من بينها عىل سبيل‬
‫إن هذه املعالجة اآللية جد حاسمة ألنها متكن من الرتكيز عىل مهام معرفية‬ ‫املثال‪:‬‬
‫جديدة والتطور يف سريورة التعلم‪.‬‬
‫ƒ ƒثقافة الجهد‪ :‬ألنها يف قلب دينامية التعلم فانعدام الجهد يدفع إىل التبخيس‬
‫هنا يطرح السؤال التايل‪ :‬كيف ميكن زيادة فعالية التوطيد؟‬ ‫وسلوك الهروب يف مقابل ذلك؛ فالتطور والتعلم بناء عىل الجهد يكون مصدرا‬
‫للفخر و الثقة بالنفس‪ ،‬خصوصا إذا كان الجهد مناسبا للنتيجة و يختلف حسب‬
‫جوابا عىل السؤال السالف‪ ،‬نؤكد عىل أن هناك العديد من األمور املهمة إال أننا‬
‫الحاالت‪.‬‬
‫نركز عىل أمرين أساسيني‪:‬‬
‫التحديد األمثل لألهداف و طرحها مسبقا عىل املتعلم ونقاشها معه‪ .‬ألن‬
‫ƒ ƒالتكرار وتوزيع التعلم عىل كل األيام بدل تركيزه يف فرتة معينة كالفرتة التي‬
‫األهداف تكون أكرث جذبا إذا كانت من اختيار املتعلم أو عىل األقل تبدو كذلك‪.‬‬
‫تسبق االمتحانات‪.‬‬
‫كام أن األهداف يجب أن تدرس مبوضوعية ألنها إذا كانت بعيدة املنال تفقد‬
‫ƒ ƒالنوم الذي يؤكد الخرباء عىل أنه جزء ال يتجزأ عن خوارزميات التعلم‪ .‬كام‬ ‫قيمتها التحفيزية‪ ،‬وإذا كانت سهلة الوصول تفقد قيمتها التعليمية‪.‬‬

‫‪57‬‬ ‫عدد ‪ 13‬مـارس ‪2016‬‬

‫أهم أسس التعلم‬
volume 28, P 1059-1074.
8. Harold Pashler : Dual-TaskInterference in Simple Tasks: Data and Theory.
Psychological Bulletin ; 1994. Vol. 116. No. 2. 220-244.
9. AdeleDiamond, Kathleen Lee : Interventions Shown to
AidExecutiveFunctionDevelopment in Children 4 to 12 Years Old,
SCIENCE VOL 333 19 AUGUST 2011, P959-964.
10. Huann-shyang Lin, Zuway-R. Hong, Tai-Chu Huang : The Role of
EmotionalFactors in Building Public ScientificLiteracy and Engagement
with Science. International Journal of Science Education, Volume 34,
Issue 1, 2012, P 25-42.
11. Kazuho Abe : Modulation of Hippocampal Long-TermPotentiation by
the Amygdala: A SynapticMechanismLinking Emotion and Memory. The
Japanese Journal of Pharmacology, Vol. 86 (2001) No. 1 P 18-22.
12. Vallerand, R. J. et Thill, E. E. (1993). Introduction à la psychologie de la
motivation. Laval : Éditions Études Vivantes.
13. James J. Appleton, Sandra L. Christenson, Michael J. Furlong : Student
engagement withschool: Criticalconceptual and methodological issues
of the construct, Psychology in the Schools, Vol. 45, Issue 5, May 2008,
P369–386.
14. Wilmar B. Schaufeli, Arnold B. Bakker, Marisa Salanova :The Measurement
of Work Engagement With a Short Questionnaire.Educational and
PsychologicalMeasurement August 2006 vol. 66 N° 4,P701-716.
15. Henry L. Roediger, Jeffrey D. Karpicke : Test-Enhanced Learning Taking
Memory Tests Improves Long-TermRetention, Psychological Science,
2006 vol. 17 N° 3,P249-255
16. Liu J, Zhou G, Wang Y, Ai Y, Pinto-Martin J, Liu X. Sleepproblems,
fatigue, and cognitive performance in Chinesekindergartenchildren.J
Pediatr. 2012 Sep;161(3):520-525.
17. McCoy JG, Strecker RE: The cognitive cost of sleeplost.
NeurobiolLearnMem. 2011 Nov; 96(4): P564-82.
‫ فاضطرابات‬،)16(‫ƒ ƒأن مشاكل النوم واإلعياء تؤثر سلبا عىل القدرات املعرفية‬
.)17(‫النوم لها رضيبتها عىل املستوى املعريف‬
‫النوم بعد فرتة تعلم يحسن الذاكرة ويقوي القدرة عىل تعميم القواعد واكتشاف‬
.‫ فتحسني النوم إذن قد يكون من التدخالت الناجعة نحو تعلم أفضل‬.‫النظامية‬
:‫خامتة‬WW
‫ تلك مبادئ‬.‫إننا يف هذا املقال تطرقنا ألهم ركائز التعلم بشكل مركز دون الحرص‬
‫ كام أنها صالحة لكل األعامر من‬،‫وأسس عامة جد مهمة خالل التعليم أو التعلم‬
‫ ونرتك يف األخري للقارئ الكريم حرية التعمق يف هذه‬.‫الطفولة إىل الشيخوخة‬
.‫األفكار و التوسع فيها‬
:‫املراجع‬WW
‫ مرشوع التأسيس للجودة و التأهيل لالعتامد‬.‫اسرتاتيجيات التعلم و التعليم و التقويم‬1.1
.)2013(‫ منشورات جامعة األمرية نورة بنت عبد الرحمن‬3 ‫ كتيب رقم‬.‫املؤسيس و الربامجي‬
‫ ص‬.2012 .‫ التعلم نظريات و تطبيقات – مكتبة األنجلو املرصية‬:‫أنور محمد الرشقاوي‬2.2
.11
3. Organisation de Coopération et de Développement Econom-
iques (OCDE):Comprendre le cerveau : naissance d’une science de
l’apprentissage. 2008.
4. Aurélia Poujois : Plasticité cérébrale : Avons-nous progressé dans sa
compréhension ? Neurologies, Février 2012, vol. 15, numéro 145. P75-79.
5. Stanislas Dehaene : apprendre à lire: Des sciences cognitives à la salle de
classe ; Editions Odile Jacob – 2011.
6. Yuliya N. Yoncheva, Vera C. Blau, UrsMaurer, and Bruce D. McCandliss :
Attentional Focus During Learning Impacts N170 ERP Responses to an
Artificial Script. DevNeuropsychol. 2010 ; 35(4): P423–445.
7. Daniel J Simons, Christopher F Chabris : Gorillas in ourmidst:
sustainedinattentional blindness for dynamicevents. Perception, 1999,
2016 ‫ مـارس‬13 ‫عدد‬ 58