Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 6

‫المقاربات النظرية للعالقة التربوية‬

‫د ‪ .‬شهاب اليحياوي ‪ :‬تونس‬ ‫‪‬‬

‫العالقة التربوية وإتّجاهات علم اإلجتماع‪:‬‬


‫إن الالمساواة في التحصيل الدراسي بين المتعلّمين هي ظاهرة تربوية كونية تفرزها‬ ‫ّ‬
‫سسة منذ ّأول ظهور لها أي منذ أربعة آالف سنة ‪ .‬فالقراءة التعاقبية أو اإلنمائية‬ ‫المؤ ّ‬
‫للمدرسة تضعنا أمام قضية كونية الظاهرة وجوهر المدرسة ‪.‬‬
‫فالمدرسة نشأت على أساس انتقائي غائي ‪ .‬واتخذ التعليم في القرون الوسطى شكلين هما في‬
‫األول بالقاعدة األكبر وهي العامة ‪ .‬ويت ّم‬
‫الواقع تمظهران للتقسيم اإلجتماعي ‪ .‬التصق الشكل ّ‬
‫هذا الصنف التعليمي داخل األسر نفسها أو خارجها داخل الورشات أي في فضاء اجتماعي‬
‫ولكنّه ضيّق ومنعزل أو هو خاف عنه باعتباره تواصل للذاتي ضمن نفس الجماعة‬
‫اإلجتماعية ‪ .‬أ ّما الشكل الثاني والذي ش ّكل اللبنة األولى لنشوء المدرسة ‪ .‬فهو إعادة إنتاج‬
‫وتثبيت الالمساواة االجتماعية ‪ ،‬على اعتبار تو ّجهها إلى النخبة قصد إعداد قيادة دينية‬
‫وسياسية ‪ .‬فالمدرسة نشأت في سياق اتجاه النظام االجتماعي إلى خلق آليات إعادة إنتاج‬
‫التفوق والتمايز االجتماعيين ‪.‬‬
‫وتكريس السائد عبر إرساء قنوات ثقافية تشرعن ّ‬
‫وتفرعاته وتعقّد واتساع مجاالت المعرفة ومع انتشار‬‫ّ‬ ‫لكن مع التقدّم العلمي والتكنولوجي‬
‫الوعي الديمقراطي في المجتمعات الغربية ‪ ،‬بدأت تفقد المدرسة طابعها الديني والنخبوي‬
‫وتتناقض مع أصلها ألمنشئي أي خلق وتدعيم الالمساواة االجتماعية ‪.‬‬
‫ّ‬
‫إن الفصل االجتماعي الدافع وشرعنة الالمساواة التي يفرزها النظام اإلجتماعي القائم بدأ‬
‫يترك مكانه للمزج والتمازج بين متعدّد الطبقات اإلجتماعية ضمن فضاء اجتماعي مشترك‬
‫اال وهي المؤسسة التعليمية ‪ .‬اذ أصبحت المدرسة فضاء للتناضر والصراع االجتماعي ‪ .‬لكن‬
‫هل فقدت المدرسة عبر استجابتها وتكيّفها مع التغيّرات السوسيو ـ إقتصادية ‪ ،‬وظيفتها‬
‫األصلية ؟ ‪.‬‬
‫أن المدرسة أداة المهيمن اجتماعيا لتبرير وشرعنة السيطرة‬ ‫يعتبر ك ّل من بورديو وباسرون ّ‬
‫والتفوق وإعادة إنتاج المنظومة االجتماعية ‪ .‬ولقد اتجهت مقاربتهم المادية ـ الجدلية للعالقة‬
‫ّ‬
‫بين الثقافي والمادي إلى تعميم ميكانيزمات العالقة الجدلية بين البنى التحتية المادية والبنى‬
‫الفوقية دون اإلنتصار الكلّي للمنهج الماركسي التحديدي والتحتيمي ‪ .‬فبورديو ال يتمثّل‬
‫مجرد انعكاس مرآتي للمنظومة‬ ‫ّ‬ ‫شي يجعلها‬ ‫التمظهرات الفوقية للبنى المادية ضمن تم ّ‬
‫اإلجتماعية ‪ ،‬بل ينظر لها كنتاج حاصل عالقات اإلنتاج المادية المهيمنة أو بموجب التقسيم‬
‫االجتماعي التقني للعمل بعبارة ألتوسير (‪ ،)1‬كأداة المهيمن إلدامة وشرعنة الهيمنة ‪ .‬فهي‬
‫الجهاز األيديولوجي للمهيمن الستنساخ النظام االجتماعي وللدفاع عن سيطرته ضمن‬
‫الصراع الذي تنقله الطبقات غير المحظوظة الى داخل المدرسة ‪ .‬ويبيّن بودلو وإستابليه ّ‬
‫أن‬
‫المدرسة هي في خدمة هذا التقسيم االجتماعي للعمل حسب التقسيم المرحلي لدرجات التعليم‬
‫الذي هو تطابق له أو أداة إلعادة إنتاجه أكثر منه تمظهر فوقي ‪.‬‬
‫إتّجه دوركايم من قبلهم إلى تعقّل المدرسة كأداة المجتمع المشتركة لتكييف األفراد إلى‬
‫ي أي جمعنة السلوك الفردي عبر التنشئة االجتماعية من خالل قناته‬ ‫مقتضيات العيش المع ّ‬
‫التنوع في أشكال التربية إلى التقسيم التقني واالجتماعي‬
‫ّ‬ ‫المؤسسة التربوية (‪ )2‬وهو يعزو‬
‫للعمل ‪ .‬أالّ أنّه يعتبر التن ّوع والتجانس آليتين لتحقيق التكامل الوظيفي والوحدة في النسق‬
‫االجتماعي ‪.‬‬
‫تقوم التربية التي تصنع اإلنسان الجماعي والمجتمعي ‪ ،‬لديه ‪ ،‬على اإلكراه لكونها تفردن‬
‫الجماعي وتجمعن الفردي لخلق اإلرتباط الالشعوري للفرد بالجماعة المرجع ‪ ،‬بإعتبارها‬
‫قوة دمج إجتماعي لألفراد ‪ .‬وهو ما ينفي الطابع األيديولوجي الطبقي المسند اليها من قبل‬ ‫ّ‬
‫لتتحول لدى دوركايم‬
‫ّ‬ ‫التو ّجهات الماركسية في قراءة وظيفة المدرسة وآلياتها اإلجتماعية ‪،‬‬
‫الى أداة جماعية إصطنعها المجتمع لتك ّمل دور العائلة في التطبيع المجتمعي لألفراد ‪ .‬وهي‬
‫ناقلة بإمتياز لديه ألخالق المجتمع بمعزل عن إثارة مضمونها السياسي أي غائية الفعل‬
‫التربوي غير التعليمية كما لدى ألتوسير أو بورديو وباسرون ‪.‬‬
‫تتغاير التفسيرات المعطاة للظواهر التربوية بالنظر الى تباين التموقعات النظرية لتمثّل‬
‫أن باين التمثّالت لوظيفية المدرسةهو تمظهر إلختالف التموقعات‬
‫المدرسة ووظيفتها‪ .‬على ّ‬
‫البراديغمية التي تمايز التيّارات السوسيولوجية ومنه تباعا تبرز إختالف وحدات البحث‬
‫ومناهج المقاربة لذات الموضوع‬
‫تتّجه التيّارات الدوركايمية مثلما الماركسية المنشأ الى تعقّل كليّة المجتمع واآلليات‬
‫اإلجتماعية المرتبطة بالتراتب اإلقتصادي ـ اإلجتماعي ‪ ،‬في تفسيرها للعالقة التربوية بين‬
‫متعدّد أطراف الوضعية التربوية داخل المدرسة ‪ .‬فهي تخضع ك ّل الظواهر التربوية المتّصلة‬
‫بالنجاح أو الفشل الدراسي والالمساواة في التحصيل الدراسي ‪،‬التي هي موضوع بحثنا هذا‪،‬‬
‫أن إمتياز هذه التيّارات رغم النزعة المغالية في‬ ‫ّ‬
‫المخطط التفسيري النظري ‪ .‬إالّ ّ‬ ‫الى ذات‬
‫إثبات مجتمعية الظواهر الفردية ‪ ،‬ينكشف في القطع مع الفردوية في التناول العلمي لظواهر‬
‫النجاح والفشل المدرسي ‪.‬‬
‫تحيل المقاربات الفردوية النفسية التباينات في التحصيل الدراسي الى فروق فردية نفسية ‪،‬‬
‫سع المقاربة النفسية‬‫كفروق الذكاء الخاضعة لتأثيرات الوراثة مثال ‪ .‬وعلى خالفها تتو ّ‬
‫اإلجتماعية نحو البحث في تفاوت الحظوظ إجتماعيا كأرضية تفسيرية للفروق في القدرة‬
‫تروج له المضامين التعليمية ‪.‬‬
‫على التكيّف والتطابق مع األنموذج الثقافي الذي ّ‬
‫التحليل النفسي للوضعية التربوية ‪ :‬التفاعل النفسي وآثاره الدراسية‪:‬‬
‫المحركة لفعل‬
‫ّ‬ ‫يدعو التحليل النفسي الى إستدعاء الالشعور بغية إكتشاف آثار اآلليات الخفية‬
‫المدرس والمتعلّم في‬
‫ّ‬ ‫التعلّم والتعليم ‪ .‬فهو يبحث في العمليات النفسية التي تكيّف العالقة بين‬
‫اإلتّجاهين وبين المتعلّمين فيما بينهم لغاية فهم وتعقّل سلوك أطراف العالقة التربوية‬
‫والوقوف على المؤثّرات الحاسمة في فعل التعلّم وحاصله المتمظهر في النتائج الدراسية ‪:‬‬
‫النجاح والفشل المدرسي ‪.‬‬
‫يش ّكل الفصل ضمن المقاربة النفسية حقل تفاعل القوى الالشعورية التي تتالقى أو تتقاطع أو‬
‫تتعارض أو تتدعّم أو تتفتّت حيث يتّجه المتعلّمون الى إسقاط العالقات األولى الفعلية أو‬
‫اإلستيهامية‪ Fantasmiques‬للطفل مع محيطه العائلي أي والديه ‪ ،‬على المدرس ‪ .‬فميالني‬
‫أن عالقة التلميذ بالمعلّم والمدرسة تتحدّد سلفا بعالقاته مع‬
‫كلين ‪ KLEIN‬يذهب حدّ إعتبار ّ‬
‫أبيه وأ ّمه ‪ .‬فالنجاح المدرسي من هذا المنظور التحليلي ليس هو تحصيل جهد ذكائي أو‬
‫توظيف ثقافي إلنجاز هدف مستقبلي مو ّجه إجتماعيّا من قبل الجماعة المرجع أي العائلة عبر‬
‫آلية التنشئة اإلجتماعية ‪ ،‬بقدر ما هو وسيلة يخضعها ويو ّجهها الالشعور نحو تحرير طاقة‬
‫تمرد أو ردّ فعل نفسي كامنة مصدرها ووجهتها الماضي الطفولي والصلة النفسية‬ ‫تح ٍد أو ّ‬
‫بالوالدين ‪ .‬يترتّب عن هذه الصلة ك ّل كيفيات التفاعل والتواصل مع أطراف العالقة التربوية‬
‫التي يجد نفسه الطفل ضمنها ‪.‬‬
‫يخضع التحليل النفسي ‪ ،‬أكثر من ذلك ‪ ،‬سلوك المعلّم ذاته الى نفس آليات التفسير النفسية ـ‬
‫فإن تواصل المعلّم مثلما المتعلّم مع الوضعية التربوية ومع شركائه‬
‫الفردوية كما لدى موكو ‪ّ .‬‬
‫يتوسطه الماضي الطفولي لكليهما والذي يحدّد الشحنة العاطفية لهذا‬ ‫ّ‬ ‫في العالقة التربوية‬
‫التواصل ويش ّكل المرجعية التفسيرية لك ّل أشكال اإلخفاق أو النجاح الدراسي للمتعلّم والمهني‬
‫التصورات والتمثّالت بين أطراف العالقة التربوية ‪ .‬يبدو‬
‫ّ‬ ‫للمدرس ‪ ،‬مثلما لتبادل‬
‫ّ‬ ‫أو الوظيفي‬
‫المعلّم للتلميذ لدى القاش‪ LAGACHE‬وكأنّه األنا المثالي والمدرسة على أنّها الفضاء الذي‬
‫يطبّق فيه القانون مثلما ينتهك ‪.‬‬
‫يردّ التحليل النفسي لدى أتباع ‪ KLEIN‬أشكال التواصل والتفاعل البنائية أو التدميرية أو‬
‫التنافرية ‪ ،‬المتقاطعة أو المتناقضة بين طرفي الفعل التعليمي داخل الفصل الى اإلستيهامات‬
‫الالشعورية الطفولية للمتعلّمين التي تعود الى عالقته السلبية واإليجابية باأل ّم ‪ .‬وتتناقض هذه‬
‫المدرس والمتعلّم‬
‫ّ‬ ‫العالقة لديه مع العالقة التي تنشأ بين الطفل والمعلّم ‪ .‬بمعنى ّ‬
‫أن العالقة بين‬
‫تحركها كوامن نفسية تعود الى الماضي الطفولي للتلميذ ‪.‬‬ ‫هي عالقة صراعية الشعورية ّ‬
‫وهو ما ينفي المسؤولية األخالقية لظواهر التحدي والتعدّي على سلطة المعلّم ‪ ،‬عن التلميذ‬
‫مثلما يردّ أسباب اإلخفاق المدرسي الى عوامل خارجة عن العالقة التربوية أو النظام‬
‫التربوي في حدّ ذاته ‪ ،‬لكنّها تخضعها الى تأثيراتها التي هي ذات طابع الشعوري ‪.‬‬
‫والمقصود باإلستيهام ‪ FANTASME‬ال تحقيق رغبة أو تصحيح حال غير مرض كما لدى‬
‫األولي للعمليات الالشعورية والممثّل النفسي لإلندفاع أو هو لدى سوزان‬ ‫فرويد بل المضمون ّ‬
‫إيزاكس ‪ ،‬المضمون الخاص للحاجات أو المشاعر مثل المخاوف والقلق وأحاسيس النجاح أو‬
‫الفشل أو الحبّ أو الكره …‪.‬‬
‫المقاربة النفسية ـ اإلجتماعية للعالقة التربوية ‪:‬‬
‫يبحث التحليل النفسي ـ اإلجتماعي للظواهر التربوية التي منها الالمساواة في التحصيل‬
‫الدراسي ‪ ،‬في التفاعل بين متعدّد شركاء الوضعية التربوية ‪ ,‬وتمثّل مقوالت الدور والمكانة‬
‫أو الموقع المفاهيم المحورية التي يستند لها التحليل ‪ .‬وتستدعي مقاربة األمكنة واألدوار‬
‫كالتصور والتوقّعات واإلنتظارات المتبادلة بين األطراف المتش ّكلة منها‬
‫ّ‬ ‫مفاهيم فرعية‬
‫الوضعية التربوية‪.‬‬
‫ينفصل التفكير البسيكوـ إجتماعي حول الوضعية التربوية عن التحليل النفسي حينما يؤ ّكد‬
‫تصورات مختلف‬ ‫ّ‬ ‫لتكون وتغاير أو تقاطع أو تناقض‬
‫ّ‬ ‫والمحركة‬
‫ّ‬ ‫مجتمعية األصول الدافعة‬
‫شركاء الوضعية ‪ .‬فهو يبحث في الوضع اإلجتماعي للمؤسسة التربوية كمنطلق لتعقّل‬
‫خاصيات الوضعية التربوية والروابط بينها وبين سلوك الشركاء بالنظر الى أمكنتهم‬
‫وأدوارهم ‪.‬‬
‫تتمظهر المدرسة ضمن هذا النمط من التفكير حول الفعل التربوي ‪ ،‬كحقل تفاعل ديناميكي‬
‫بين ال أشخاص بل ممثلين لشخصيات األدوار المتقيّدة بالمواقع واألمكنة المتراتبة تفاضليا‬
‫لتصورات مختلفة لدى مختلف أطراف الوضعية التربوية ‪ .‬ويمارس نتاج التفاعل‬ ‫ّ‬ ‫والحاملة‬
‫وبنيته تأثيرا تحديديّا في الحاصل التربوي للمدرسة ‪ .‬من هنا تعتبر المقاربة النفسية ـ‬
‫اإلجتماعية دراسة التفاعل اإلجتماعي المرجعي‪ ،‬ضمن المدرسة ‪ ،‬وحدة البحث األساسية‬
‫سرة لعديد الظواهر التربوية التي تفرزها‬ ‫لفهم وتبيّن األسباب الرئيسية المحدّدة والمف ّ‬
‫المؤسسة ‪ ،‬كالصراع والتحدّي واإلنحراف في العالقة المقنّنة بين مختلف شركاء الوضعية‬
‫التربوية أو أيضا ظواهر الفشل والنجاح المدرسي والالمساواة في التحصيل الدراسي بين‬
‫المتعلّمين ‪.‬‬
‫أن تستدعي المجتمع ( الخارج) لفهم المدرسة ( الداخل ) بك ّل الظواهر التي تفرزها في‬
‫التصورات المتبادلة واألصل اإلجتماعي للتغاير ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫وضعية إجتماعية معيّنة ‪ ،‬فذلك لفهم تباين‬
‫التي تمثّل المواقع واألدوار المتباينة بين متعدّد عناصر الفعل النفسي ـ اإلجتماعي الذي هو‬
‫المؤسسة التربوية ‪ ،‬كأن نقول مثال ّ‬
‫أن تراجع النتائج المدرسية يعود الى اإلختالل الوظيفي‬
‫يمس المدرسة كنسق أدوار وأمكنة ‪ .‬يفرز هذا الخلل الوظيفي ظواهر مرضية كتراجع‬ ‫ّ‬ ‫الذي‬
‫لتفوق أو الحاصل العام للتحصيل الدراسي للمدرسة أو تعاظم درجات الفشل الدراسي‬ ‫نسب ا ّ‬
‫‪ .‬فالعوامل ‪ ،‬من وجهة النظر هذه ‪ ،‬ال يستبطنها النظام اإلجتماعي وآلياته العضوية إلستنساخ‬
‫أن إثارة المرجعية اإلجتماعية يتّخذ بعدا توظيفيا يجتهد في فهم أسباب اإلختالل‬‫نفسه ‪ ،‬بل ّ‬
‫الوظيفي للنسق التفاعلي النفسي الذي هو المدرسة ‪.‬‬
‫المدرس ‪ ،‬كأحد أه ّم شركاء الوضعية ‪ ،‬المبني من قبله عن الطرف اآلخر في‬‫ّ‬ ‫تصور‬
‫ّ‬ ‫يتأثّر‬
‫الفعل التعليمي ( التلميذ ) لدى ميشال جيللي ‪ )GILLY (3‬بالشروط العا ّمة كالقيم اإلجتماعية‬
‫المرجعية وأهداف المؤسسة التعليمية المعلنة مثلما التاريخ الشخصي أي الخصائص الذاتية‬
‫المدرس ‪ .‬ويمثّل التفاعل البيداغوجي مع المتعلّمين العامل الثالث المؤثّر‬
‫ّ‬ ‫وحاجات وإتّجاهات‬
‫في بنية الفصل النفسية التي هي حاصل متعدّد أنماط التقاطعات في األهداف والغايات‬
‫والتصورات والمواقف المتبادلة بالنظر للمواقع التي يحتلّها مختلف أطراف الوضعية‬ ‫ّ‬
‫واألدوار التي يلعبونها ‪ .‬يموقع هذا التحليل المعلّم في محور الفعل التعليمي وبالتالي يسند له‬
‫الدور األكبر في تحديد وجهة التفاعل وبنيته ومنه تباعا المسؤولية في الظواهر الناتجة عنه ‪.‬‬
‫تصورات الشركاء المتبادل ضمن الوضعية التربوية ‪ ،‬تأثيرية العوامل الفردية (‬ ‫ّ‬ ‫تعكس‬
‫التصور الذي ينعكس في‬
‫ّ‬ ‫النفسية ) والجماعية ( اإلجتماعية ) وتفاعلهما ‪ .‬ويحيل موضوع‬
‫وتصور الذات الذي هو‬
‫ّ‬ ‫المدرس ‪ ،‬الى موضوعات الدافعية للتعلّم‬
‫ّ‬ ‫األداء التعليمي للتلميذ مثلما‬
‫تصورات الذات وحدة البحث في المقاربة البسيكو ـ إجتماعية‬ ‫ّ‬ ‫مصدر الدافعية ‪ .‬وتش ّكل‬
‫مخططات للسلوك ‪،‬‬‫ّ‬ ‫سد‬
‫لكونها مرجعا في فهم تداخل العوامل المعرفية والنزوعية ولكونها تج ّ‬
‫تصور الذات العالئقية بين‬‫ّ‬ ‫كما لدى روشلين (‪ . )4‬ومن أبرز الدراسات المعالجة لموضوع‬
‫المعلّم والمتعلّم نذكر ك ّل من ‪robert rosenthal‬و‪. lenorè jacobson‬‬
‫ينقطع الفصل كحقل نفسي عن إطاره المجتمعي والمؤسسي المرجعي‪ ،‬بعد أن يستوعب‬
‫تأثيراته ‪ ،‬لتش ّكل بنية التفاعل ضمنه أرضية تفسيرية لإلخفاق أو النجاح أو ما يسميه علم‬
‫المدرس يتأثّر ببنية تفاعله وتواصله مع التالميذ‬
‫ّ‬ ‫النفس اإلجتماعي التربوي باآلداء ‪ .‬فأداء‬
‫تصورات الطرف اآلخر في العالقة التربوية‬ ‫ّ‬ ‫الذين يستوعبون أو يتقبّلون تأثيرات‬
‫تصورات الذات‬
‫ّ‬ ‫ولتصوره لذاته مثلما في نظرية ‪ . freinet‬تتداخل أو تتقاطع أو تتعارض‬‫ّ‬
‫وتصور اآلخر بين متعدّد عناصر الوضعية وتتحدّد بنية التفاعل بالنظر لهذه الوضعيات ‪.‬‬ ‫ّ‬
‫تؤ ّكد المقاربة البسيكوـ إجتماعية على التسلسل التعاقبي للتأثيرات إنطالقا من الوضعيات‬
‫اإلجتماعية لألطراف الشريكة في العالقة التربوية وانتهاء إلى األداء أو التحصيل الدراسي ‪.‬‬
‫تتّجه مثل هذه المقاربات على غرار جيللي إلى ردّ الخيبة الدراسية أو التباين في التحصيل‬
‫الدراسي ال إلى فروقات الذكاء الشخصية كما في التحليل النفسي ‪ ،‬بل إلى تمثّالت شركاء‬
‫أن إخفاق ذوي الوضعيات اإلقتصادية ـ‬ ‫العالقة التربوية ‪ .‬فجيللي على سبيل المثال يعتبر ّ‬
‫المدرس وإنتظاراته من المتعلّمين المحتلّين لهذه‬
‫ّ‬ ‫تصور‬
‫ّ‬ ‫اإلجتماعية الدنيا هو تحصيل‬
‫الوضعية ‪ .‬فالتباين في التحصيل الدراسي هنا هو إفرازة الالمساواة التي ليس مصدرها كما‬
‫تصورات المعلّم‬
‫ّ‬ ‫لدى برديو وباسرون تفاوت الحظوظ التي ينتجها التقسيم اإلجتماعي ‪ ،‬بل‬
‫التي تفاضل بين المتعلّمين حسب إنتظاراته المع ّممة من ك ّل وضعية إقتصادية ـ إجتماعية ‪.‬‬
‫وهو ما اشتغل عليه ميدانيا ك ّل من جيللي (‪ 1711‬م) وفيري (‪ 1791‬م) ولينارد حول الفعل‬
‫اإلرتجاعي ‪ ، )feed-back (5‬ضمن تواصل المعلّم مع تالمذة الفصل أو أسلوب تدريسه‬
‫للمادّة ‪.‬‬

‫سسي للحالة التربوية‪:‬‬


‫التحليل المؤ ّ‬
‫المدرس والتلميذ كوحدة للبحث ‪ ،‬إالّ أنّه‬ ‫ّ‬ ‫سسي بالصلة التربوية بين‬ ‫يحتفظ التحليل المؤ ّ‬
‫يفرغها من مضمونها الالشعوري لدى التحليل النفسي وشحنتها التفاعلية الذهنية والنفسية‬
‫المدرس بالمتعلّم‬
‫ّ‬ ‫أن مسألة عالقات‬‫لدى المقاربة البسيكوـ إجتماعية ‪ .‬فغيغو ‪ guigou‬يعتبر ّ‬
‫هي قضية حاجبة وبالتالي على التحليل أن ال يجعلها محور التفكير في الحالة التربوية ‪.‬‬
‫أن التحليل البسيكوـ إجتماعي وقع في خطإ أيكولوجي يقلّل نتاجا من إستنتاجاته‬ ‫فمعنى ذلك ّ‬
‫سسية للمعلّم داخل‬ ‫حول الوضعية التربوية ‪ .‬فوحدة البحث األساسية لديه هي التضمينات المؤ ّ‬
‫الحالة التربوية ‪ .‬فالعالقة التربوية ال تت ّم كما تبدو في ظاهرها التضليلي بين األشخاص إنّما‬
‫هي وليدة النماذج اإلجتماعية التي تقوم بإستنساخها وإعادة تكوينها في تمظهرات يومية ‪ .‬من‬
‫سسي هي وسيلة تحقيق غاية تتجاوزها أي ليست من طبيعتها‬ ‫فإن المدرسة في التعقّل المؤ ّ‬
‫هنا ّ‬
‫سسة كالمتفقّدين‬ ‫التربوية ‪ .‬تخضع هذه الغاية الى مراقبة صارمة من أشخاص يمثّلون المؤ ّ‬
‫المدرسين الى التع ّهد بالمه ّمة المقنّنة ‪،‬‬
‫ّ‬ ‫والمديرين ‪ .‬ويلعب هؤالء دور الضبط (‪ )9‬ودفع‬
‫بمعنى التقيّد بالنماذج والمناهج والبرامج ونظام اإلمتحانات وطرق التقييم الجزائي أو‬
‫سسة كالنظام الداخلي وقواعد االنضباط‬ ‫لمقومات العمل التربوي داخل المؤ ّ‬ ‫ّ‬ ‫اإلنضباط‬
‫والسلوك والهندام ‪ .‬وهو ما يخلق حالة صراعية تفرز مشاعر معادية لإلدارة وحتّى لزمالء‬
‫المهنة أو بين المعلّم والتالمذة أي تفرز حالة تؤثّر في حاصل الوضعية التربوية الذي تطلق‬
‫سسة‬ ‫سسية عبارة الحالة التربوية ‪ .‬فموضوع الصراع هنا هو ضوابط المؤ ّ‬ ‫عليه المقاربة المؤ ّ‬
‫يحول الصراع‬ ‫سسة ‪ّ .‬‬ ‫والمسافة الفاصلة التي يتموقع بالنظر لها ك ّل طرف من أطراف المؤ ّ‬
‫الى تجاذب بين قوى المحافظة وقوى التجديد ‪ .‬وقد يكون الهدف هو ذاته أي تأمين ديمومة‬
‫سسة بعبارة روشي ‪.‬‬ ‫المؤ ّ‬
‫سسية وإفرازاتها العالئقية بين متعدّد أطراف‬ ‫تتحدّد الحالة التربوية بهذه التضمينات المؤ ّ‬
‫العالقة التربوية ‪ .‬وينعكس تحصيل الحالة على األداء أو مستوى الفعل التعليمي وبالتالي‬
‫أن عوامل اإلخفاق الدراسي‬ ‫سسيا ‪ّ ،‬‬‫يمكن القول إستنادا لمنطق التناول البحثي للمدرسة مؤ ّ‬
‫وأسباب تباين مستويات التحصيل الدراسي ال تردّ مثلما الشأن في التحليل النفسي لشخصية‬
‫المتعلّم وماضيه الطفولي في عالقته بأوليائه وال الى حاصل التفاعل ضمن العالقة التربوية‬
‫التصورات والتمثّالت المتبادلة بين شركاء العالقة ‪ ،‬بل بتأثيرات المحدّدات‬
‫ّ‬ ‫سطه‬
‫الذي تتو ّ‬
‫سسية على آداء المعلّم وعالقته اإلنسجامية أو الصراعية مع اإلدارة والزمالء والتالميذ‪.‬‬‫المؤ ّ‬

You might also like