Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 9

‫نظرية احلمتية التكنولوجية‬

‫املادة ‪ :‬نظرايت التأثري‬


‫أعداد ‪ :‬م‪.‬م‪ .‬حيدر فاحل زايد‬

‫جامعة ذي قار _لكية الإعالم‬

‫‪2020-2019‬‬
‫نظرية الحتمية التكنولوجية‬
‫( ‪)Theory Technological Determinism‬‬
‫أوال ‪ :‬مفهوم النظرية ‪:‬‬
‫تُ َعد النظرية التكنولوجية لوسائل اإلعالم‪ ،‬من النظريات الحديثة التي ظهرت عن دور وسائل‬
‫االعالم وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات‪ ،‬ومبتكر هذه النظرية (مارشال ماكلوهان) كان‬
‫يعمل أستاذاً للغة اإلنجليزية بجامعة تورنتو بكندا‪ ،‬ويعتبر من أشهر المثقفين في النصف الثاني‬
‫من القرن العشرين‪.‬‬
‫يقول مارشال ماكلوهان ان (مضمون) وسائل االعالم ال يمكن النظر إليه مستقالً عن تكنولوجية‬
‫الوسائل اإلعالمية نفسها‪ .‬فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات اإلعالمية الموضوعات‪،‬‬
‫والجمهور الذي توجه له رسالتها‪ ،‬يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل‪ ،‬ولكن طبيعة وسائل اإلعالم‬
‫التي يتصل بها اإلنسان تشكل المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون االتصال‪ ،‬فحينما ينظر‬
‫ماكلوهان إلى التاريخ يأخذ موقفا نستطيع أن نسميه (بالحتمية التكنولوجية) فبينما كان كارل‬
‫ماركس يؤمن بالحتمية االقتصادية‪ ،‬وبأن التنظيم االقتصادي للمجتمع يشكل جانباً أساسياً من‬
‫جوانب حياته‪ ،‬وبينما كان فرويد يؤمن ان الجنس يلعب دو اًر أساسياً في حياة الفرد والمجتمع‪،‬‬
‫يؤمن ماكلوهان بأن االختراعات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر تأثي اًر أساسياً على‬
‫المجتمعات‪ .‬ويقول ماكلوهان ان التحول األساسي في االتصال التكنولوجي يجعل التحوالت‬
‫الكبرى تبدأ‪ ،‬ليس فقط في التنظيم االجتماعي‪ ،‬ولكن أيضا في الحساسيات اإلنسانية‪ .‬والنظام‬
‫االجتماعي في رأيه يحدده المضمون الذي تحمله هذه الوسائل‪ .‬وبدون فهم األسلوب الذي تعمل‬
‫بمقتضاه وسائل األعالم ال نستطيع أن نفهم التغيرات االجتماعية والثقافية التي تط أر على‬
‫المجتمعات‪.‬‬
‫ويعرض ماكلوهان أربع مراحل تعكس في رأيه تطور التاريخ اإلنساني‪:‬‬
‫‪ 1‬ـ المرحلـة الشفوية كلية‪ ،‬مرحلة ما قبل التعلم‪ ،‬أي المرحلة القبلية‪.‬‬
‫‪ 2‬ـ مرحلة كتابة النسخ التي ظهرت بعد هومر في اليونان القديمة واستمرت ألفي عام‬
‫‪ 3‬ـ عصر الطباعة‪ :‬من سنة ‪ 1500‬إلى سنة ‪ 1900‬تقريباً‬
‫‪ 4‬ـ عصر وسائل االعالم اإللكترونية‪ :‬من سنة ‪ 1900‬تقريباً‪ ،‬حتى الوقت الحالي‪.‬‬
‫وتعد نظرية ماكلوهان التكنولوجية لوسائل اإلعالم من النظريات الحديثة التي ظهرت عن دور‬
‫وسائل اإلعالم وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات‪.‬‬
‫وفي الوقت الذي يؤمن فيه ماكلوهان بما أسماه بـ «الحتمية التكنولوجية»‪ ،‬يبقى السؤال هل تلغي‬
‫هذه الحتمية شعور اإلنسان بأنه مخلوق له كيان مستقل قادر على التغلب على هذه الحتمية التي‬
‫تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم‪ ،‬حيث توثر االختراعات التكنولوجية المهمة تأثي ار‬
‫أساسيا على المجتمعات‪.‬‬
‫هذا االتجاه المعاكس بين حتمية التكنولوجيا واالستقاللية عنها‪ ،‬يطرح استفهاما آخر‪ :‬هل يمكن‬
‫اعتبار التغير التكنولوجي حتميا ال مفر منه؟‪ ،‬يجيب ماكلوهان عن ذلك في أنه إذا فهمنا عناصر‬
‫التغير يمكن السيطرة على التكنولوجيا واستخدامها في الوقت الذي نريده بدال من الوقوف في‬
‫وجهها‪.‬‬
‫ولكن السؤال األهم الذي يجيب عليه ماكلوهان‪ :‬هل يمكن أن تعالج وسائل اإلعالم مشاكل‬
‫المجتمع‪ ،‬فيوضح أن وسائل اإلعالم التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد‬
‫طبيعته (أي المجتمع) وكيفية معالجة مشاكله‪ ،‬وأي وسيلة أو امتداد لإلنسان تشكل ظروفا تؤثر‬
‫على الطريقة التي يفكر بها ويعمل وفقا لها‪.‬‬
‫وتربط نظرية ماكلوهان بين الرسالة والوسيلة اإلعالمية‪ ،‬ففي الوقت الذي يرى فيه بعض‬
‫الباحثين اإلعالميين أن الوسيلة هي المحددة لنوعية االتصال وتأثيره‪ ،‬فإن ماكلوهان يرى أن‬
‫الوسيلة هي الرسالة‪ ،‬مبينا أن مضمون وسائل اإلعالم ال يمكن النظر إليه مستقال عن تقنيات‬
‫الوسائل اإلعالمية‪ ،‬فالموضوعات والجمهور يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل‪ ،‬ولكن طبيعة‬
‫وسائل اإلعالم التي يتصل بها اإلنسان تشكل المجتمعات أكثر ما يشكلها مضمون االتصال‪.‬‬
‫وإذا تطرقنا إلى المراحل األربع المطروحة من قبل ماكلوهان حول تطور التاريخ اإلنساني‪:‬‬
‫الشفوية ما قبل التعلم‪ ،‬والكتابة أو النسخ‪ ،‬وعصر الطباعة‪ ،‬وعصر وسائل اإلعالم اإللكترونية‪،‬‬
‫فيشير ماكلوهان إلى أن طبيعة وسائل اإلعالم المستخدمة في كل مرحلة تساعد على تشكيل‬
‫المجتمع أكثر مما يساعد مضمون تلك الوسائل على التشكيل‪ .‬ويرى ماكلوهان في نظريته أن‬
‫الكيفية التي تعرض بها المؤسسات اإلعالمية الموضوعات والجمهور الذي توجه له رسالتها‬
‫يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل‪ ،‬ولكن طبيعة وسائل اإلعالم التي يتصل بها اإلنسان تشكل‬
‫المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون االتصال‪.‬‬
‫ويقسم ماكلوهان وسائل االتصال إلى‬
‫اوال ‪ :‬الباردة‪ :‬التي تتطلب من المستقبل جهدا إيجابيا في المشاركة والمعايشة واالندماج فيها‪،‬‬
‫مثل‪ :‬الكتابة والهاتف والتلفزيون‪،‬‬
‫ثانيا‪ :‬الساخنة‪ :‬هي الوسائل الجاهزة المحددة نهائيا فال يحتاج من المتلقي بذل جهد أو مشاركة‬
‫أو معايشة‪ ،‬مثل‪ :‬الطباعة واإلذاعة والسينما‪ .‬وبما أن الكرة األرضية أصبحت «قرية عالمية»‪،‬‬
‫فإن ماكلوهان يؤكد أن ذلك أدى إلى ما أسماه «عصر القلق»‪ ،‬حيث توضح نظرية ماكلوهين أن‬
‫وسائل اإلعالم اإللكترونية ساعدت في انكماش الكرة األرضية وتقلصها في الزمان والمكان حتى‬
‫وصفت بـ «القرية العالمية»‪ ،‬فزاد وعي اإلنسان بمسؤوليته إلى درجة قصوى‪ ،‬وهذه الحالة أدت‬
‫إلى ما يمكن تسميته بـ «عصر القلق»‪ ،‬ألن الثورة اإللكترونية الفورية الجديدة تجبر الفرد على‬
‫االلتزام والمشاركة بعمق‪.‬‬
‫هذه الرؤية من قبل ماكلوهان كانت موضع انتقاد وتشكيك من بعض الباحثين في األعوام‬
‫األخيرة‪ ،‬فيرى البعض منهم أن «القرية العالمية» في حاجة لتعديل يتناسب مع العصر ويتسق‬
‫مع معطياته‪ ،‬فيشير ريتشارد بالك إلى أن «القرية العالمية» لم يعد لها وجود حقيقي في المجتمع‬
‫المعاصر‪ ،‬موضحا أن التطور التقني الذي استند إليه ماكلوهان عند وصفه للقرية العالمية استمر‬
‫في مزيد من التطور‪ ،‬وأدى إلى تحطيم هذه القرية العالمية وتحوليها إلى شظايا‪ ،‬مبينا أن العالم‬
‫اآلن أقرب ما يكون إلى البناية الضخمة التي تضم عشرات الشقق السكينة يقيم داخلها أناس‬
‫كثيرون‪ ،‬وكل منهم يعيش في عزلة وال يدري عن جيرانه الذين يقطنون معه في البناية‪.‬‬
‫ويشير ذلك إلى أن التطور التقني كما يؤكد بعض الباحثين‪ ،‬تحول من «التجميع» إلى‬
‫«التفتيت» ‪ ،‬حيث أتاحت تقنيات االتصال الحديثة عددا من خدمات االتصال المتنوعة (اندمجت‬
‫جمعيها في الشبكة العالمية «اإلنترنت») مخاطبة األفراد وتلبية رغباتهم الذاتية‪ ،‬وقد نتج عن هذه‬
‫التقنية الجديدة تقلص أعداد الجماهير التي تشاهد برامج الشبكات الرئيسية وخدمات اإلذاعة‬
‫المسموعة والتلفزيون التي تعمل بنظام البث الهوائي التقليدي‪ .‬وتفسي ار لرؤية «التجميع»‬
‫و«التفتيت»‪ ،‬فإن االتجاه الجديد لالتصال وتدفق المعلومات عالميا بدأ يتجه نحو الال مركزية في‬
‫االتصال‪ ،‬حيث يقدم رسائل متعددة تالئم األفراد والجماعات‪ ،‬من خالل مظهر يتحكم فيه المرسل‬
‫وآخر يتحكم فيه المستقبل‪ ،‬بعد أن ظل االتجاه السابق لوسائل االتصال الجماهيرية يميل إلى‬
‫توحيد الرسائل وتعدد الجماهير المستقبلة‪ .‬ومما تقدم اعاله يمكن تعريف النظرية بأنها‬
‫الحتمية التكنولوجية ‪ :‬هي نظرية اختزالية تهدف إلى توفير صلة سببية بين‬
‫التكنولوجيا وطبيعة المجتمع‪ .‬يحاول أن يشرح لمن أو ما يمكن أن يكون له سلطة‬
‫مسيطرة في الشؤون اإلنسانية‪ .‬تتساءل النظرية عن مدى تأثر الفكر أو الفعل‬
‫البشري بالعوامل التكنولوجية‪.‬‬
‫وتعتبر النظرية من النظريات الحديثة التي ظهرت نتيجة التطورات في تكنولوجيات االعالم‬
‫واالتصال والتي تعبر عن الدور الذي تلعبه وسائل االعالم في الوسط االجتماعي واهم‬
‫التأثيرات الجوهرية التي كان سببها الرئيسي وسائل االعالم وتكنولوجياتها التي غيرت نمطيا‬
‫في نضام المعلومات والسلوك االنساني‬
‫ثانيا ‪ :‬ما المقصود باالنجراف التكنولوجي وما عالقته بالنظرية الحتمية‬
‫أحيانا نتائج وآثار غير مقصودة أو غير‬
‫ً‬ ‫يعتقد وينر أن التغييرات في التكنولوجيا كانت لها‬
‫أيضا‪ .‬وصف وينر هذه الظاهرة بأنها "انحراف تكنولوجي" حيث يبدأ الناس في االنجراف‬
‫متوقعة ً‬
‫أكثر فأكثر وسط بحر من العواقب غير المتوقعة وغير المتوقعة‪ .‬وفًقا لـ وينر ‪ ،‬فإن التكنولوجيا‬
‫ليست عبداً لإلنسان بل هي باألحرى عبيد للتكنولوجيا حيث يضطرون للتكيف مع البيئة‬
‫التكنولوجية التي تحيط بهم‪ .‬وهنا وجهة نظر تقول ‪ :‬أن التكنولوجيا تخدم وظيفة وسيطة ألنه‬
‫على الرغم من أنها تؤدي إلى تغييرات في الثقافة ‪ ،‬إال أنها تتحكم بها في الواقع من قبل البشر‪.‬‬
‫تماما‬
‫عندما تقل السيطرة على التكنولوجيا ببطء من كونها في أيدي قلة من البشر ‪ ،‬فإنها تنتقل ً‬
‫إلى السيطرة على التكنولوجيا نفسها‪ُ .‬يشار إلى وجهة النظر هذه عن البشر الذين ليس لديهم‬
‫سيطرة على أنها "الحتمية التكنولوجية المستقلة"‪.‬‬
‫ثالثا ‪ :‬الحتمية التكنولوجية ووسائل االعالم‬
‫أيضا تقنيات جديدة ‪،‬‬
‫إن الوسائط الجديدة ليست مجرد إضافة إلى الوسائط الموجودة ‪ ،‬بل هي ً‬
‫أيضا‪ .‬أدلى مارشال ماكلوهان بتصريح مشهور بأن "الوسيط هو‬‫وبالتالي لديها عامل حاسم ً‬
‫الرسالة"‪ .‬وهذا يعني أن الوسيلة المستخدمة للتواصل تؤثر على عقل المتلقي‪ .‬لقد أظهر إدخال‬
‫المطبوعات اإلخبارية والتليفزيون واإلنترنت كيف أن للتقدم التكنولوجي تأثير على المجتمع الذي‬
‫نعيش فيه‪.‬‬
‫رابعا‪ :‬افتراضات النظرية الحتمية التكنولوجية‬
‫نظرية "مارشال ماك لوهان" هي عبارة عن تصورات لتطور وسائل االتصال وتأثيراتها على‬
‫المجتمعات الحديثة‪ ،‬وتعتمد هذه النظرية على ثالثة افتراضات أساسية هي كاآلتي‪:‬‬
‫أوال‪:‬وسائل االتصال هي امتداد لحواس اإلنسان‪ :‬يرى مارشال ماك لوهان "أن الناس يتكيفون‬
‫مع ظروف البيئة في كل عصر من خالل استخدام حواس معينة ذات صلة وثيقة بنوع الوسيلة‬
‫االتصالية المستخدمة‪ ،‬فطريقة عرض وسائل اإلعالم للموضوعات‪ ،‬وطبيعة الجمهور الذي تتوجه‬
‫إليه‪ ،‬توثران على مضمون تلك الوسائل‪ ،‬فطبيعة وسائل االتصال التي تسود في فترة من الفترات‬
‫هي التي تكون المجتمعات أكثر مما يكونها مضمون الرسائل االتصالية‪ ،‬حيث يعتقد "ماك‬
‫لوهان" فيما يسميه بالحتمية التكنولوجية " ‪ ،" Technological Determinism‬أي أن‬
‫المخترعات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر على تكوين المجتمعات‪ ،‬فأي وسيلة جديدة هي‬
‫امتداد لإلنسان‪ ،‬تؤثر على طريقة تفكيره وسلوكه‪ ،‬فكامي ار التلفزيون تمد أعيننا‪ ،‬والميكروفون يمد‬
‫أسماعنا‪ ،‬واآلالت الحاسبة توفر الجهد العقلي وتؤدي إلى امتداد الوعي‪ .‬يرى "ماك لوهان" أن‬
‫وسائل االتصال االلكترونية غيرت في توزيع االدراك الحسي‪ ،‬أو كما يسميها "نسب استخدام‬
‫الحواس" ‪ ، Sensory Ration‬فامتداد أي حاسة يعدل من طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا واد ا ركنا‬
‫للعالم من حولنا‪ .‬ومن الناحية السياسية يرى ماك لوهان أن وسائل اإلعالم االلكترونية حولت‬
‫العالم إلى "قرية عالمية" ‪ Global Village‬تتصل جميع أجزئها ببعضها البعض‪ ،‬وتحث تلك‬
‫الوسائل على العودة للحياة القبلية‪.‬‬
‫ثانيا‪:‬الوسيلة هي الرسالة‪ :‬لقد أولت نظرية ماك لوهان أهمية كبرى لدور الوسيط الوسيلة‪ ،‬وتزداد‬
‫خطورة الوسيط في العصر الحديث‪ ،‬حيث تمكن من االستحواذ على كل الفضاء‪ ،‬مهيمنا على‬
‫كل أبعاد الحياة اإلنسانية‪ ،‬حيث أن الرسالة في العصر الحديث على أهميتها غدت أسيرة الوسيط‬
‫الذي يثمنها ويضخمها رغم تفاهتها أو عدميتها‪ ،‬أو يقزمها ويقتلها رغم جالل شأنها‪ ,‬إن الرسالة‬
‫باعتبارها مدلوال‪ ،‬تذوب كلية في الوسيط الذي أصبح رسالة وداال ومدلوال في الوقت نفسه‪ ،‬حيث‬
‫يرى "ماك لوهان" أن الرسالة األساسية في الكتاب هي المطبوع‪،‬والرسالة األساسية في التلفزيون‬
‫هي التلفزيون نفسه‪ ،‬فالمضمون غير مهم‪ ،‬وأن المهم هو الوسيلة التي تنقل المحتوى‪ ،‬كما سبق‬
‫ذكره من خالل األمثلة المقدمة سابقا‪ ،‬والتي تؤكد على أن الوسيلة هي الرسالة‪ ،‬ويشير ماك‬
‫لوهان إلى أن لكل وسيلة خصائص خاصة بها جمهور من الناس الذين يفوق حبهم لهذه الوسيلة‬
‫اهتمامهم بمضمونها‪ ،‬فالتلفزيون كوسيلة هو محور الهتمام كبير‪ ،‬فكما يحب الناس القراءة من‬
‫أجل االستمتاع بتجربة المطبوع‪ ،‬فإنهم يحبون التلفزيون بسبب الشاشة التي تعرض الصور‬
‫والصوت والحركة واأللوان‪ ،‬حيث أن هناك وسيلة أفضل من وسيلة أخرى في إثارة تجربة معينة‪،‬‬
‫فمثال‪ :‬مشاهدة مبارة في كرة القدم أفضل في التلفزيون عنها في الراديو أو الجريدة‪ ،‬ومبارة كرة‬
‫القدم الرديئة على الشاشة أكثر إثارة من مبارة عظيمة تذاع بالراديو‪ .‬ويبدو أن لكل وسيلة‬
‫خصائص خاصة بها تجعل األفضل في إثارة موضوعات معينة‪.‬‬
‫ثالثا‪ :‬وسيلة االتصال الساخنة ووسائل االتصال الباردة‪:‬‬
‫إن ماك لوهان في تقسيمه لمراحل التغيير حسب نظرية الحتمية التكنولوجية في االتصال‪ ،‬والتي‬
‫انتقلت من المرحلة الشفوية إلى مرحلة الكتابة إلى عصر الطباعة إلى عصر وسائل االتصال‬
‫الجماهيري‪ ،‬ففي مستوى آخر كان هذا االنتقال من االتصال الساخن إذ العالقة مباشرة متفاعلة‬
‫بين المرسل والمستقبل وهو عالم الكتب والسينما‪ ،‬إلى االتصال البارد إذ تكون هذه العالقة ساكنة‬
‫غير مباشرة مثل التلفزيون‪ ،‬فكلما كانت الوسيلة باردة‪ ،‬بدت الحاجة إلى تزويد الجمهور‬
‫بمعلومات أكثر‪ ،‬من هنا أتت الشاشة السينمائية العريضة ساخنة‪ ،‬والصورة التلفزيونية "القزمية"‬
‫باردة‪.‬‬
‫خامسا ‪ :‬االنتقادات الموجهة لنظرية الحتمية التكنولوجية‪.‬‬
‫يعتبر الباحث "ريتشارد دبالك" من أكثر الباحثين انتقادا لهذه النظرية‪ ،‬حيث يعتبر أن مصطلح‬
‫القرية "العالمية" التي زعم "ماك لوهان" وجودها لم يعد لها وجود حقيقي في المجتمع المعاصر‪،‬‬
‫وفي هذا الصدد يقول "بالك" إن التطور الذي استند إليه "ماك لوهان" عند وصفه للقرية العالمية‬
‫استمر في مزيد من التطور‪ ،‬بحيث أدى إلى تحطيم هذه القرية العالمية وتحويلها إلى شظايا‪،‬‬
‫فالعالم اآلن أقرب ما يكون إلى البناية التي تضم عشرات الشقق السكنية التي يقيم فيها أناس‬
‫كثيرون‪ ،‬ولكن لكل فرد منهم يعيش في عزلة وال يدري شيئا عن جيرانه الذين يقيمون معه في‬
‫البناية‪ ،‬وما يسميه "ماك لوهان" باالندماج الثقافي بين الشعوب بتحول العالم إلى قرية كونية‬
‫هو غير موجود‪ ،‬حيث نجد أنفسنا مستقطبين ‪ Polarizd‬إلى آالف المقاطعات المنعزلة يستخدم‬
‫كل فرد وسيلته الخاصة‪ ،‬ويطور اللغة التي تناسبه‪ ،‬وبالتالي تزداد الفروق والتمايز بين االفراد‬
‫بدال من ترسيخ التماسك والدمج في أمة واحدة‪ .‬من بين مميزات التلفزيون المعاصر‪ ،‬أنه خلق ما‬
‫يسمى "تلفزيون المشاركة" ‪ ، Television Interactive‬لتنمية مشاركة المشاهد‪ ،‬فهذا التغيير‬
‫سيقلب موازين نظرية "ماك لوهان"‪ ،‬من حيث تصنيفه لوسائل اإلعالم‪ ،‬إلى وسائل باردة وأخرى‬
‫ساخنة‪ ،‬ووضع التلفزيون ضمن الوسائل الباردة التي ال تقتضي ما يسمى بمشاركة المستقبل في‬
‫صنع الرسالة اإلعالمية‪ ،‬ومن األمثلة على ذلك ما توصلت إليه إحدى الشركات الكندية‪ ،‬إذ‬
‫حولت المشاهدين من وضعية االستقبال السلبي إلى مشارك أو "مخرج إضافي"‪ ،‬إذ بإمكانه أن‬
‫يختار وضعية الكامي ار أو الزوايا التي تلتقط منها الصورة‪ ،‬وامكانية إعادة اللقطات التي ي ر‬
‫يدها وخاصة في المقابالت الرياضية‪ ،‬أو منازالت المالكمة إضافة إلى هذه االنتقادات نجد‬
‫نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم قد جاءت كنقد لنظرية الحتمية التكنولوجية ل"مارشال ماك‬
‫لوهان"‪ ،‬حيث أن الدكتور "عزي عبد الرحمن" ال يتفق مع تقديمات "ماك لوهان" على مستوى كل‬
‫من عملية ربط التطور التاريخي بشكل االتصال ودمج السمع والبصر كوحدة في مقابل النص‬
‫المطبوع‪ ،‬فالتطور التاريخي في نظر المفكر الجزائري "عزي عبد الرحمن" يرتبط بالتحوالت أو‬
‫القطائع على مستوى البنى المعرفية أو المعاني‪ ،‬كما أن نظرية الحتمية القيمية للدكتور "عزي‬
‫عبد الرحمن" تقع في االتجاه المعاكس من نظرية الحتمية التكنولوجية‪ ،‬وذلك على أكثر من‬
‫مستوى‪:‬‬
‫المستوى األول‪ :‬تتخذ نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم مبدأ أولية الرسالة )القيمة(‪ ،‬في مقابل‬
‫"الوسيلة هي الرسالة"‪.‬‬
‫المستوى الثاني‪ :‬تعتبر نظرية الحتمية القيمية أن الحواس مثل السمع والبصر فعل قيمي‪،‬‬
‫وليست مسائل فنية فحسب في العالقة مع وسائل اإلعالم‪.‬‬
‫المستوى الثالث‪ :‬ترى نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم أن القيمة هي األصل في اتخاذ البعد‬
‫اإلنساني العالمي‪ ،‬بينما "القرية العالمية" المقترحة والمهيمنة من صنع وسائل إعالم مهيمنة‪.‬‬
‫وبالتالي ما يمكن قوله في األخير أن فكر "مارشال ماك لوهان" يعكس زمانه أو تاريخه اكتشاف‬
‫الراديو‪ ،‬والتلفزيون والكمبيوتر‪ ،‬األقمار الصناعية‪ ،‬والتي تشير إلى بداية التطور التكنولوجي‬
‫ومدخل إلى المجتمع االتصالي ‪ . Societies Communicational‬وبالعكس‪ ،‬إن فكر "عزي‬
‫عبد الرحمن" يعكس تطور األفكار والحضارات وصراع القيم نحو الوسائل‪ ،‬فحسب الدكتور‬
‫"نصير بوعلي" يتبن أن النموذج السياقي ل "مارشال ماك لوهان" مرتبط بالحتمية التكنولوجية‬
‫الوسيلة في سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين في المجتمع الغربي‪،‬‬
‫أما الدكتور "عزي عبد الرحمن" مرتبط بأهلية القيم وروحانية الرسالة خالل العقدين األخيرين من‬
‫القرن العشرين‪ ،‬وذلك في كل المجتمعات اإلسالمي وغيره‪.‬‬
‫سادسا ‪ :‬عالقة النظرية بالنظرية الحتمية القيمية في االعالم‬
‫كان التنظير في مجال اإلعالم واالتصال في خمسينات وستينات وسبعينات القرن العشرين‪،‬‬
‫حك ار على الغرب مع نظرية الحتمية التكنولوجية لمارشال ماك لوهان‪ ،‬ولم يكن للعرب المسلمين‬
‫نصيب إال مجرد محاوالت إلسقاط نظرية "ماك لوهان" على المجتمعات المحلية‪ .‬إلى أن جاء‬
‫المفكر الجزائري الدكتور "عزي عبد الرحمن * " الذي ازاح الخجل‪ ،‬الذي كان يتسم به الواقع‬
‫األكاديمي آنذاك‪ ،‬ونتيجة ألبحاثه ودراسته العلمية أنتج نظرية جديدة سميت ب "نظرية الحتمية‬
‫القيمية في اإلعالم"‪ ،‬وذلك تفنيدا "للحتمية التكنولوجية"‪ ،‬حيث جاء بمفهوم جديد هو مفهوم‬
‫"القيمة"‪ ،‬وبذلك هو يعتبر "الرسالة هي الوسيلة" أو "الرسالة هي القيمة"‪ ،‬فنظرية الحتمية القيمية‬
‫تختلف عن النظريات الغربية السابقة‪ ،‬هي تعتبر القيمة نوع من التعبير عن الذات والتميز‬
‫الثقافي والحضاري‪ ،‬حيث يعتمد على القيم لتحقيق التنوع الثقافي االيجابي والوقوف كسد منيع‬
‫ضد أخطار العولمة‪ ،‬ولحفظ ثقافة بعض البلدان من الذوبان‪ ،‬وان القيم األصيلة إذا خرجت عن‬
‫مصدرها الصحيح الذي هو الدين تحولت إلى ثقافة بال معلم ثابت‪ ،‬وبذلك تفقد خاصيتها‬
‫األساسية وهي الثبات‪ .‬فالجديد الذي جاءت به النظرية الحتمية القيمية هو أثر وسائل اإلعالم‬
‫على الجمهور‪ ،‬فالنظريات السابقة درست أثر وسائل اإلعالم‪ ،‬لكنها تعتبر دراسات ناقصة تناولت‬
‫جوانب وأهملت جوانب أكثر أهمية‪ ،‬األمر الذي أدى بالبروفسور عزي عبد الرحمن اإلتيان بهذه‬
‫النظرية الجديدة من منطلق أن االتصال ظاهرة ذات أبعاد متعددة‪ ،‬وتجلياتها قد تكون فكرية أكثر‬
‫منها إمبريقية‪ ،‬فكلما كان مضمون الرسالة اإلعالمية مرتبطا بالقيم كان التأثير ايجابيا‪ ،‬أما إذا‬
‫حاد عن القيم فيكون التأثير سلبيا‪ ،‬وهذا جوهر النظرية‪ ،‬فنجد مفهوم السالب والموجب مقارنة‬
‫بمفهومي الكامن والظاهر في الدراسات اإلمبريقية‪ ،‬والتأثير المباشر وغير المباشر‪ ،‬وتأثير المدى‬
‫البعيد والمدى القصير‪ .‬لقد ارتبطت فكرة نظرية الحتمية القيمية بإرتباط العلم بالقيمة على ثالث‬
‫مستويات‪،‬‬
‫المستوى األول‪ :‬هو نشأة العلم في أحضان القيمة في مرحلة تاريخية معينة‪.‬‬
‫المستوى الثاني‪ :‬فيتمثل في القيم الباطنة في العلم من حيث منهج له افتراضاته الثقافية‬
‫والحضارية‪.‬‬
‫المستوى الثالث‪ :‬وهناك القيمة التي يؤدي إليها العلم ويضيفها إلى قيم العالم اإلنساني‪ .‬وبنا ء‬
‫على هذه المستويات الثالثة ولدت نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم‪ ،‬فالمحيط الثقافي والقيمي‬
‫هو عامل رئيسي قد يولد العلم في أحضانه ويترعرع‪.‬‬
‫إن مفاهيم نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم‪ ،‬هي وليدة البيئة ومنسجمة مع الحضارة التي‬
‫ينتمي إليها أصحاب هذه النظرية‪ ،‬ولعل محاولة اكتشاف هذه المفاهيم والتوغل الصحيح في‬
‫فهمها يشكل نقطة ارتكاز في فهم نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم‪.‬‬

‫المصادر المعتمدة‬
‫‪ .1‬عاطف عدلي العبد‪ ،‬نهى عاطف العبد‪ ،‬نظريات اإلعالم وتطبيقاته العربية‪ ،‬دار الفكر العربي ‪،‬القاهرة‬
‫‪.2011‬‬
‫‪ .2‬حسن عماد المكاوي‪ ،‬ليلى حسين السيد‪ ،‬االتصال ونظرياته المعاصرة‪ ،‬الدار المصرية اللبنانية القاهرة‬
‫‪.2006 ،‬‬
‫‪ .3‬بسام عبد الرحمن المشاقبة‪ :‬نظريات اإلعالم‪ ، ،‬دار أسامة‪ ،‬األردن‪ ،‬عمان ‪.2011‬‬
‫‪ .4‬ابومدين كريمة‪ :‬التلفزيون والنسق القيمي دراسة تحليلية لقناة فرانس‪ 24‬الناطقة باللغة العربية من‬
‫منظور الحتمية القيمية في اإلعالم ‪ ،‬اطروحة دكتوراه غير منشورة ‪ ،‬جامعة مستغانم كلية العلوم‬
‫االجتماعية فرع علوم اإلعالم واالتصال ‪.2016،‬‬
‫‪https://www.albayan.ae/one-world/perspective .5‬‬
‫‪https://ar.wikipedia.org/wiki .6‬‬
‫مجلة علوم االعالم واالتصال‬ ‫‪https://web.facebook.com/2189908281060481 .7‬‬
‫جامعة مستغانم‬
‫‪https://www.okaz.com.sa/Homepage .8‬‬
‫‪https://www.communicationtheory.org/technological-determinism/ .9‬‬

You might also like