Professional Documents
Culture Documents
2020-2019
نظرية الحتمية التكنولوجية
( )Theory Technological Determinism
أوال :مفهوم النظرية :
تُ َعد النظرية التكنولوجية لوسائل اإلعالم ،من النظريات الحديثة التي ظهرت عن دور وسائل
االعالم وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات ،ومبتكر هذه النظرية (مارشال ماكلوهان) كان
يعمل أستاذاً للغة اإلنجليزية بجامعة تورنتو بكندا ،ويعتبر من أشهر المثقفين في النصف الثاني
من القرن العشرين.
يقول مارشال ماكلوهان ان (مضمون) وسائل االعالم ال يمكن النظر إليه مستقالً عن تكنولوجية
الوسائل اإلعالمية نفسها .فالكيفية التي تعرض بها المؤسسات اإلعالمية الموضوعات،
والجمهور الذي توجه له رسالتها ،يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل ،ولكن طبيعة وسائل اإلعالم
التي يتصل بها اإلنسان تشكل المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون االتصال ،فحينما ينظر
ماكلوهان إلى التاريخ يأخذ موقفا نستطيع أن نسميه (بالحتمية التكنولوجية) فبينما كان كارل
ماركس يؤمن بالحتمية االقتصادية ،وبأن التنظيم االقتصادي للمجتمع يشكل جانباً أساسياً من
جوانب حياته ،وبينما كان فرويد يؤمن ان الجنس يلعب دو اًر أساسياً في حياة الفرد والمجتمع،
يؤمن ماكلوهان بأن االختراعات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر تأثي اًر أساسياً على
المجتمعات .ويقول ماكلوهان ان التحول األساسي في االتصال التكنولوجي يجعل التحوالت
الكبرى تبدأ ،ليس فقط في التنظيم االجتماعي ،ولكن أيضا في الحساسيات اإلنسانية .والنظام
االجتماعي في رأيه يحدده المضمون الذي تحمله هذه الوسائل .وبدون فهم األسلوب الذي تعمل
بمقتضاه وسائل األعالم ال نستطيع أن نفهم التغيرات االجتماعية والثقافية التي تط أر على
المجتمعات.
ويعرض ماكلوهان أربع مراحل تعكس في رأيه تطور التاريخ اإلنساني:
1ـ المرحلـة الشفوية كلية ،مرحلة ما قبل التعلم ،أي المرحلة القبلية.
2ـ مرحلة كتابة النسخ التي ظهرت بعد هومر في اليونان القديمة واستمرت ألفي عام
3ـ عصر الطباعة :من سنة 1500إلى سنة 1900تقريباً
4ـ عصر وسائل االعالم اإللكترونية :من سنة 1900تقريباً ،حتى الوقت الحالي.
وتعد نظرية ماكلوهان التكنولوجية لوسائل اإلعالم من النظريات الحديثة التي ظهرت عن دور
وسائل اإلعالم وطبيعة تأثيرها على مختلف المجتمعات.
وفي الوقت الذي يؤمن فيه ماكلوهان بما أسماه بـ «الحتمية التكنولوجية» ،يبقى السؤال هل تلغي
هذه الحتمية شعور اإلنسان بأنه مخلوق له كيان مستقل قادر على التغلب على هذه الحتمية التي
تنشأ نتيجة لتجاهل الناس لما يحدث حولهم ،حيث توثر االختراعات التكنولوجية المهمة تأثي ار
أساسيا على المجتمعات.
هذا االتجاه المعاكس بين حتمية التكنولوجيا واالستقاللية عنها ،يطرح استفهاما آخر :هل يمكن
اعتبار التغير التكنولوجي حتميا ال مفر منه؟ ،يجيب ماكلوهان عن ذلك في أنه إذا فهمنا عناصر
التغير يمكن السيطرة على التكنولوجيا واستخدامها في الوقت الذي نريده بدال من الوقوف في
وجهها.
ولكن السؤال األهم الذي يجيب عليه ماكلوهان :هل يمكن أن تعالج وسائل اإلعالم مشاكل
المجتمع ،فيوضح أن وسائل اإلعالم التي يستخدمها المجتمع أو يضطر إلى استخدامها ستحدد
طبيعته (أي المجتمع) وكيفية معالجة مشاكله ،وأي وسيلة أو امتداد لإلنسان تشكل ظروفا تؤثر
على الطريقة التي يفكر بها ويعمل وفقا لها.
وتربط نظرية ماكلوهان بين الرسالة والوسيلة اإلعالمية ،ففي الوقت الذي يرى فيه بعض
الباحثين اإلعالميين أن الوسيلة هي المحددة لنوعية االتصال وتأثيره ،فإن ماكلوهان يرى أن
الوسيلة هي الرسالة ،مبينا أن مضمون وسائل اإلعالم ال يمكن النظر إليه مستقال عن تقنيات
الوسائل اإلعالمية ،فالموضوعات والجمهور يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل ،ولكن طبيعة
وسائل اإلعالم التي يتصل بها اإلنسان تشكل المجتمعات أكثر ما يشكلها مضمون االتصال.
وإذا تطرقنا إلى المراحل األربع المطروحة من قبل ماكلوهان حول تطور التاريخ اإلنساني:
الشفوية ما قبل التعلم ،والكتابة أو النسخ ،وعصر الطباعة ،وعصر وسائل اإلعالم اإللكترونية،
فيشير ماكلوهان إلى أن طبيعة وسائل اإلعالم المستخدمة في كل مرحلة تساعد على تشكيل
المجتمع أكثر مما يساعد مضمون تلك الوسائل على التشكيل .ويرى ماكلوهان في نظريته أن
الكيفية التي تعرض بها المؤسسات اإلعالمية الموضوعات والجمهور الذي توجه له رسالتها
يؤثران على ما تقوله تلك الوسائل ،ولكن طبيعة وسائل اإلعالم التي يتصل بها اإلنسان تشكل
المجتمعات أكثر مما يشكلها مضمون االتصال.
ويقسم ماكلوهان وسائل االتصال إلى
اوال :الباردة :التي تتطلب من المستقبل جهدا إيجابيا في المشاركة والمعايشة واالندماج فيها،
مثل :الكتابة والهاتف والتلفزيون،
ثانيا :الساخنة :هي الوسائل الجاهزة المحددة نهائيا فال يحتاج من المتلقي بذل جهد أو مشاركة
أو معايشة ،مثل :الطباعة واإلذاعة والسينما .وبما أن الكرة األرضية أصبحت «قرية عالمية»،
فإن ماكلوهان يؤكد أن ذلك أدى إلى ما أسماه «عصر القلق» ،حيث توضح نظرية ماكلوهين أن
وسائل اإلعالم اإللكترونية ساعدت في انكماش الكرة األرضية وتقلصها في الزمان والمكان حتى
وصفت بـ «القرية العالمية» ،فزاد وعي اإلنسان بمسؤوليته إلى درجة قصوى ،وهذه الحالة أدت
إلى ما يمكن تسميته بـ «عصر القلق» ،ألن الثورة اإللكترونية الفورية الجديدة تجبر الفرد على
االلتزام والمشاركة بعمق.
هذه الرؤية من قبل ماكلوهان كانت موضع انتقاد وتشكيك من بعض الباحثين في األعوام
األخيرة ،فيرى البعض منهم أن «القرية العالمية» في حاجة لتعديل يتناسب مع العصر ويتسق
مع معطياته ،فيشير ريتشارد بالك إلى أن «القرية العالمية» لم يعد لها وجود حقيقي في المجتمع
المعاصر ،موضحا أن التطور التقني الذي استند إليه ماكلوهان عند وصفه للقرية العالمية استمر
في مزيد من التطور ،وأدى إلى تحطيم هذه القرية العالمية وتحوليها إلى شظايا ،مبينا أن العالم
اآلن أقرب ما يكون إلى البناية الضخمة التي تضم عشرات الشقق السكينة يقيم داخلها أناس
كثيرون ،وكل منهم يعيش في عزلة وال يدري عن جيرانه الذين يقطنون معه في البناية.
ويشير ذلك إلى أن التطور التقني كما يؤكد بعض الباحثين ،تحول من «التجميع» إلى
«التفتيت» ،حيث أتاحت تقنيات االتصال الحديثة عددا من خدمات االتصال المتنوعة (اندمجت
جمعيها في الشبكة العالمية «اإلنترنت») مخاطبة األفراد وتلبية رغباتهم الذاتية ،وقد نتج عن هذه
التقنية الجديدة تقلص أعداد الجماهير التي تشاهد برامج الشبكات الرئيسية وخدمات اإلذاعة
المسموعة والتلفزيون التي تعمل بنظام البث الهوائي التقليدي .وتفسي ار لرؤية «التجميع»
و«التفتيت» ،فإن االتجاه الجديد لالتصال وتدفق المعلومات عالميا بدأ يتجه نحو الال مركزية في
االتصال ،حيث يقدم رسائل متعددة تالئم األفراد والجماعات ،من خالل مظهر يتحكم فيه المرسل
وآخر يتحكم فيه المستقبل ،بعد أن ظل االتجاه السابق لوسائل االتصال الجماهيرية يميل إلى
توحيد الرسائل وتعدد الجماهير المستقبلة .ومما تقدم اعاله يمكن تعريف النظرية بأنها
الحتمية التكنولوجية :هي نظرية اختزالية تهدف إلى توفير صلة سببية بين
التكنولوجيا وطبيعة المجتمع .يحاول أن يشرح لمن أو ما يمكن أن يكون له سلطة
مسيطرة في الشؤون اإلنسانية .تتساءل النظرية عن مدى تأثر الفكر أو الفعل
البشري بالعوامل التكنولوجية.
وتعتبر النظرية من النظريات الحديثة التي ظهرت نتيجة التطورات في تكنولوجيات االعالم
واالتصال والتي تعبر عن الدور الذي تلعبه وسائل االعالم في الوسط االجتماعي واهم
التأثيرات الجوهرية التي كان سببها الرئيسي وسائل االعالم وتكنولوجياتها التي غيرت نمطيا
في نضام المعلومات والسلوك االنساني
ثانيا :ما المقصود باالنجراف التكنولوجي وما عالقته بالنظرية الحتمية
أحيانا نتائج وآثار غير مقصودة أو غير
ً يعتقد وينر أن التغييرات في التكنولوجيا كانت لها
أيضا .وصف وينر هذه الظاهرة بأنها "انحراف تكنولوجي" حيث يبدأ الناس في االنجراف
متوقعة ً
أكثر فأكثر وسط بحر من العواقب غير المتوقعة وغير المتوقعة .وفًقا لـ وينر ،فإن التكنولوجيا
ليست عبداً لإلنسان بل هي باألحرى عبيد للتكنولوجيا حيث يضطرون للتكيف مع البيئة
التكنولوجية التي تحيط بهم .وهنا وجهة نظر تقول :أن التكنولوجيا تخدم وظيفة وسيطة ألنه
على الرغم من أنها تؤدي إلى تغييرات في الثقافة ،إال أنها تتحكم بها في الواقع من قبل البشر.
تماما
عندما تقل السيطرة على التكنولوجيا ببطء من كونها في أيدي قلة من البشر ،فإنها تنتقل ً
إلى السيطرة على التكنولوجيا نفسهاُ .يشار إلى وجهة النظر هذه عن البشر الذين ليس لديهم
سيطرة على أنها "الحتمية التكنولوجية المستقلة".
ثالثا :الحتمية التكنولوجية ووسائل االعالم
أيضا تقنيات جديدة ،
إن الوسائط الجديدة ليست مجرد إضافة إلى الوسائط الموجودة ،بل هي ً
أيضا .أدلى مارشال ماكلوهان بتصريح مشهور بأن "الوسيط هووبالتالي لديها عامل حاسم ً
الرسالة" .وهذا يعني أن الوسيلة المستخدمة للتواصل تؤثر على عقل المتلقي .لقد أظهر إدخال
المطبوعات اإلخبارية والتليفزيون واإلنترنت كيف أن للتقدم التكنولوجي تأثير على المجتمع الذي
نعيش فيه.
رابعا :افتراضات النظرية الحتمية التكنولوجية
نظرية "مارشال ماك لوهان" هي عبارة عن تصورات لتطور وسائل االتصال وتأثيراتها على
المجتمعات الحديثة ،وتعتمد هذه النظرية على ثالثة افتراضات أساسية هي كاآلتي:
أوال:وسائل االتصال هي امتداد لحواس اإلنسان :يرى مارشال ماك لوهان "أن الناس يتكيفون
مع ظروف البيئة في كل عصر من خالل استخدام حواس معينة ذات صلة وثيقة بنوع الوسيلة
االتصالية المستخدمة ،فطريقة عرض وسائل اإلعالم للموضوعات ،وطبيعة الجمهور الذي تتوجه
إليه ،توثران على مضمون تلك الوسائل ،فطبيعة وسائل االتصال التي تسود في فترة من الفترات
هي التي تكون المجتمعات أكثر مما يكونها مضمون الرسائل االتصالية ،حيث يعتقد "ماك
لوهان" فيما يسميه بالحتمية التكنولوجية " ،" Technological Determinismأي أن
المخترعات التكنولوجية المهمة هي التي تؤثر على تكوين المجتمعات ،فأي وسيلة جديدة هي
امتداد لإلنسان ،تؤثر على طريقة تفكيره وسلوكه ،فكامي ار التلفزيون تمد أعيننا ،والميكروفون يمد
أسماعنا ،واآلالت الحاسبة توفر الجهد العقلي وتؤدي إلى امتداد الوعي .يرى "ماك لوهان" أن
وسائل االتصال االلكترونية غيرت في توزيع االدراك الحسي ،أو كما يسميها "نسب استخدام
الحواس" ، Sensory Rationفامتداد أي حاسة يعدل من طريقة تفكيرنا وتصرفاتنا واد ا ركنا
للعالم من حولنا .ومن الناحية السياسية يرى ماك لوهان أن وسائل اإلعالم االلكترونية حولت
العالم إلى "قرية عالمية" Global Villageتتصل جميع أجزئها ببعضها البعض ،وتحث تلك
الوسائل على العودة للحياة القبلية.
ثانيا:الوسيلة هي الرسالة :لقد أولت نظرية ماك لوهان أهمية كبرى لدور الوسيط الوسيلة ،وتزداد
خطورة الوسيط في العصر الحديث ،حيث تمكن من االستحواذ على كل الفضاء ،مهيمنا على
كل أبعاد الحياة اإلنسانية ،حيث أن الرسالة في العصر الحديث على أهميتها غدت أسيرة الوسيط
الذي يثمنها ويضخمها رغم تفاهتها أو عدميتها ،أو يقزمها ويقتلها رغم جالل شأنها ,إن الرسالة
باعتبارها مدلوال ،تذوب كلية في الوسيط الذي أصبح رسالة وداال ومدلوال في الوقت نفسه ،حيث
يرى "ماك لوهان" أن الرسالة األساسية في الكتاب هي المطبوع،والرسالة األساسية في التلفزيون
هي التلفزيون نفسه ،فالمضمون غير مهم ،وأن المهم هو الوسيلة التي تنقل المحتوى ،كما سبق
ذكره من خالل األمثلة المقدمة سابقا ،والتي تؤكد على أن الوسيلة هي الرسالة ،ويشير ماك
لوهان إلى أن لكل وسيلة خصائص خاصة بها جمهور من الناس الذين يفوق حبهم لهذه الوسيلة
اهتمامهم بمضمونها ،فالتلفزيون كوسيلة هو محور الهتمام كبير ،فكما يحب الناس القراءة من
أجل االستمتاع بتجربة المطبوع ،فإنهم يحبون التلفزيون بسبب الشاشة التي تعرض الصور
والصوت والحركة واأللوان ،حيث أن هناك وسيلة أفضل من وسيلة أخرى في إثارة تجربة معينة،
فمثال :مشاهدة مبارة في كرة القدم أفضل في التلفزيون عنها في الراديو أو الجريدة ،ومبارة كرة
القدم الرديئة على الشاشة أكثر إثارة من مبارة عظيمة تذاع بالراديو .ويبدو أن لكل وسيلة
خصائص خاصة بها تجعل األفضل في إثارة موضوعات معينة.
ثالثا :وسيلة االتصال الساخنة ووسائل االتصال الباردة:
إن ماك لوهان في تقسيمه لمراحل التغيير حسب نظرية الحتمية التكنولوجية في االتصال ،والتي
انتقلت من المرحلة الشفوية إلى مرحلة الكتابة إلى عصر الطباعة إلى عصر وسائل االتصال
الجماهيري ،ففي مستوى آخر كان هذا االنتقال من االتصال الساخن إذ العالقة مباشرة متفاعلة
بين المرسل والمستقبل وهو عالم الكتب والسينما ،إلى االتصال البارد إذ تكون هذه العالقة ساكنة
غير مباشرة مثل التلفزيون ،فكلما كانت الوسيلة باردة ،بدت الحاجة إلى تزويد الجمهور
بمعلومات أكثر ،من هنا أتت الشاشة السينمائية العريضة ساخنة ،والصورة التلفزيونية "القزمية"
باردة.
خامسا :االنتقادات الموجهة لنظرية الحتمية التكنولوجية.
يعتبر الباحث "ريتشارد دبالك" من أكثر الباحثين انتقادا لهذه النظرية ،حيث يعتبر أن مصطلح
القرية "العالمية" التي زعم "ماك لوهان" وجودها لم يعد لها وجود حقيقي في المجتمع المعاصر،
وفي هذا الصدد يقول "بالك" إن التطور الذي استند إليه "ماك لوهان" عند وصفه للقرية العالمية
استمر في مزيد من التطور ،بحيث أدى إلى تحطيم هذه القرية العالمية وتحويلها إلى شظايا،
فالعالم اآلن أقرب ما يكون إلى البناية التي تضم عشرات الشقق السكنية التي يقيم فيها أناس
كثيرون ،ولكن لكل فرد منهم يعيش في عزلة وال يدري شيئا عن جيرانه الذين يقيمون معه في
البناية ،وما يسميه "ماك لوهان" باالندماج الثقافي بين الشعوب بتحول العالم إلى قرية كونية
هو غير موجود ،حيث نجد أنفسنا مستقطبين Polarizdإلى آالف المقاطعات المنعزلة يستخدم
كل فرد وسيلته الخاصة ،ويطور اللغة التي تناسبه ،وبالتالي تزداد الفروق والتمايز بين االفراد
بدال من ترسيخ التماسك والدمج في أمة واحدة .من بين مميزات التلفزيون المعاصر ،أنه خلق ما
يسمى "تلفزيون المشاركة" ، Television Interactiveلتنمية مشاركة المشاهد ،فهذا التغيير
سيقلب موازين نظرية "ماك لوهان" ،من حيث تصنيفه لوسائل اإلعالم ،إلى وسائل باردة وأخرى
ساخنة ،ووضع التلفزيون ضمن الوسائل الباردة التي ال تقتضي ما يسمى بمشاركة المستقبل في
صنع الرسالة اإلعالمية ،ومن األمثلة على ذلك ما توصلت إليه إحدى الشركات الكندية ،إذ
حولت المشاهدين من وضعية االستقبال السلبي إلى مشارك أو "مخرج إضافي" ،إذ بإمكانه أن
يختار وضعية الكامي ار أو الزوايا التي تلتقط منها الصورة ،وامكانية إعادة اللقطات التي ي ر
يدها وخاصة في المقابالت الرياضية ،أو منازالت المالكمة إضافة إلى هذه االنتقادات نجد
نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم قد جاءت كنقد لنظرية الحتمية التكنولوجية ل"مارشال ماك
لوهان" ،حيث أن الدكتور "عزي عبد الرحمن" ال يتفق مع تقديمات "ماك لوهان" على مستوى كل
من عملية ربط التطور التاريخي بشكل االتصال ودمج السمع والبصر كوحدة في مقابل النص
المطبوع ،فالتطور التاريخي في نظر المفكر الجزائري "عزي عبد الرحمن" يرتبط بالتحوالت أو
القطائع على مستوى البنى المعرفية أو المعاني ،كما أن نظرية الحتمية القيمية للدكتور "عزي
عبد الرحمن" تقع في االتجاه المعاكس من نظرية الحتمية التكنولوجية ،وذلك على أكثر من
مستوى:
المستوى األول :تتخذ نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم مبدأ أولية الرسالة )القيمة( ،في مقابل
"الوسيلة هي الرسالة".
المستوى الثاني :تعتبر نظرية الحتمية القيمية أن الحواس مثل السمع والبصر فعل قيمي،
وليست مسائل فنية فحسب في العالقة مع وسائل اإلعالم.
المستوى الثالث :ترى نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم أن القيمة هي األصل في اتخاذ البعد
اإلنساني العالمي ،بينما "القرية العالمية" المقترحة والمهيمنة من صنع وسائل إعالم مهيمنة.
وبالتالي ما يمكن قوله في األخير أن فكر "مارشال ماك لوهان" يعكس زمانه أو تاريخه اكتشاف
الراديو ،والتلفزيون والكمبيوتر ،األقمار الصناعية ،والتي تشير إلى بداية التطور التكنولوجي
ومدخل إلى المجتمع االتصالي . Societies Communicationalوبالعكس ،إن فكر "عزي
عبد الرحمن" يعكس تطور األفكار والحضارات وصراع القيم نحو الوسائل ،فحسب الدكتور
"نصير بوعلي" يتبن أن النموذج السياقي ل "مارشال ماك لوهان" مرتبط بالحتمية التكنولوجية
الوسيلة في سنوات الخمسينيات والستينيات والسبعينيات من القرن العشرين في المجتمع الغربي،
أما الدكتور "عزي عبد الرحمن" مرتبط بأهلية القيم وروحانية الرسالة خالل العقدين األخيرين من
القرن العشرين ،وذلك في كل المجتمعات اإلسالمي وغيره.
سادسا :عالقة النظرية بالنظرية الحتمية القيمية في االعالم
كان التنظير في مجال اإلعالم واالتصال في خمسينات وستينات وسبعينات القرن العشرين،
حك ار على الغرب مع نظرية الحتمية التكنولوجية لمارشال ماك لوهان ،ولم يكن للعرب المسلمين
نصيب إال مجرد محاوالت إلسقاط نظرية "ماك لوهان" على المجتمعات المحلية .إلى أن جاء
المفكر الجزائري الدكتور "عزي عبد الرحمن * " الذي ازاح الخجل ،الذي كان يتسم به الواقع
األكاديمي آنذاك ،ونتيجة ألبحاثه ودراسته العلمية أنتج نظرية جديدة سميت ب "نظرية الحتمية
القيمية في اإلعالم" ،وذلك تفنيدا "للحتمية التكنولوجية" ،حيث جاء بمفهوم جديد هو مفهوم
"القيمة" ،وبذلك هو يعتبر "الرسالة هي الوسيلة" أو "الرسالة هي القيمة" ،فنظرية الحتمية القيمية
تختلف عن النظريات الغربية السابقة ،هي تعتبر القيمة نوع من التعبير عن الذات والتميز
الثقافي والحضاري ،حيث يعتمد على القيم لتحقيق التنوع الثقافي االيجابي والوقوف كسد منيع
ضد أخطار العولمة ،ولحفظ ثقافة بعض البلدان من الذوبان ،وان القيم األصيلة إذا خرجت عن
مصدرها الصحيح الذي هو الدين تحولت إلى ثقافة بال معلم ثابت ،وبذلك تفقد خاصيتها
األساسية وهي الثبات .فالجديد الذي جاءت به النظرية الحتمية القيمية هو أثر وسائل اإلعالم
على الجمهور ،فالنظريات السابقة درست أثر وسائل اإلعالم ،لكنها تعتبر دراسات ناقصة تناولت
جوانب وأهملت جوانب أكثر أهمية ،األمر الذي أدى بالبروفسور عزي عبد الرحمن اإلتيان بهذه
النظرية الجديدة من منطلق أن االتصال ظاهرة ذات أبعاد متعددة ،وتجلياتها قد تكون فكرية أكثر
منها إمبريقية ،فكلما كان مضمون الرسالة اإلعالمية مرتبطا بالقيم كان التأثير ايجابيا ،أما إذا
حاد عن القيم فيكون التأثير سلبيا ،وهذا جوهر النظرية ،فنجد مفهوم السالب والموجب مقارنة
بمفهومي الكامن والظاهر في الدراسات اإلمبريقية ،والتأثير المباشر وغير المباشر ،وتأثير المدى
البعيد والمدى القصير .لقد ارتبطت فكرة نظرية الحتمية القيمية بإرتباط العلم بالقيمة على ثالث
مستويات،
المستوى األول :هو نشأة العلم في أحضان القيمة في مرحلة تاريخية معينة.
المستوى الثاني :فيتمثل في القيم الباطنة في العلم من حيث منهج له افتراضاته الثقافية
والحضارية.
المستوى الثالث :وهناك القيمة التي يؤدي إليها العلم ويضيفها إلى قيم العالم اإلنساني .وبنا ء
على هذه المستويات الثالثة ولدت نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم ،فالمحيط الثقافي والقيمي
هو عامل رئيسي قد يولد العلم في أحضانه ويترعرع.
إن مفاهيم نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم ،هي وليدة البيئة ومنسجمة مع الحضارة التي
ينتمي إليها أصحاب هذه النظرية ،ولعل محاولة اكتشاف هذه المفاهيم والتوغل الصحيح في
فهمها يشكل نقطة ارتكاز في فهم نظرية الحتمية القيمية في اإلعالم.
المصادر المعتمدة
.1عاطف عدلي العبد ،نهى عاطف العبد ،نظريات اإلعالم وتطبيقاته العربية ،دار الفكر العربي ،القاهرة
.2011
.2حسن عماد المكاوي ،ليلى حسين السيد ،االتصال ونظرياته المعاصرة ،الدار المصرية اللبنانية القاهرة
.2006 ،
.3بسام عبد الرحمن المشاقبة :نظريات اإلعالم ، ،دار أسامة ،األردن ،عمان .2011
.4ابومدين كريمة :التلفزيون والنسق القيمي دراسة تحليلية لقناة فرانس 24الناطقة باللغة العربية من
منظور الحتمية القيمية في اإلعالم ،اطروحة دكتوراه غير منشورة ،جامعة مستغانم كلية العلوم
االجتماعية فرع علوم اإلعالم واالتصال .2016،
https://www.albayan.ae/one-world/perspective .5
https://ar.wikipedia.org/wiki .6
مجلة علوم االعالم واالتصال https://web.facebook.com/2189908281060481 .7
جامعة مستغانم
https://www.okaz.com.sa/Homepage .8
https://www.communicationtheory.org/technological-determinism/ .9