Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫الكارثة بني اهلل والسلطة‬

‫لعازر عبود‬

‫حدثت كارثة زلزال سوريا وتركيا يف العام احلايل‪ ،‬فعاد السؤال من يسمح بالكوارث هل اهلل أم‬
‫آخر؟ ولكن امللفت أننا ال نسأل ملاذا يسمح بالزالزل‪ ،‬ألن الزلزال حيدث بسبب طبيعة تكوين الكرة‬
‫األرضية وحتركها‪ ،‬وهذا ندعه ليجيب عنه العلم (اجليولوجيني) ملاذا خلقت األرض كصفائح وليست صفيحة‬
‫واحدة؟‬

‫ولكن السؤال اجلوهري يف حديثنا اليوم هو ملاذا سح بالكارثة؟ أي من سح حبدوث الكارثة‬


‫ومقتل اآلالف‪ ،‬ومن الذي هيّئ هلا؟ اجلواب‪ :‬ليس اهلل‪ ،‬بل السلطة (الدولة) ومؤسساهتا‪.‬‬

‫سبب الكارثة‪:‬‬

‫حدثت الكارثة عند اهنيار املباين متسببة مبقتل االالف من ساكنيها‪ ،‬ويعود ذلك إىل أمرين‪ ،‬األمر‬
‫األول‪ :‬الفساد وسوء عملية البناء وهذا ما يؤكده وزير العدل الرتكي بكر بوزداغ حيث قال "إن وزارته‬
‫أنشأت مكاتب خاصة للتحقيق يف اهتامات بالغش يف أعمال البناء الذي قد يكون سبب اهنيار املباين يف‬
‫الزلزال"‪.‬‬

‫واألمر الثاين عدم التقيد مبعايري البناء والسالمة يف املناطق الزلزالية‪ ،‬وبسبب حالة الرتاخي يف‬
‫تطبيق معايري السالمة‪ ،‬وهو ما ساهم يف اهنيار العديد من املباين يف الزلزال األخري‪ ،‬الذي حصد أرواح‬
‫اآلالف يف البلد‪ ،‬فقد أعلنت وزارة العدل الرتكية اليوم االثنني اعتقال أكثر من ‪ 011‬مقاول بناء‪ ،‬يف إطار‬
‫التحقيقات باهنيار مبان جراء الزلزال بسبب عدم التقيد مبعايري البناء(‪ ،)0‬ويف سوريا فقط ‪ % 5‬من املباين‬
‫مبنية وفق معايري السالمة وكود الزالزل العاملي‪.‬‬

‫أما يف اليابان‪ ،‬قد دفع السلطات اليابانية خطر التعرض لزالزل‪ ،‬إىل ابتكار طرق خمتلفة حلماية األبنية‬
‫والبىن التحتية‪ ،‬وتصنّف طوكيو منذ عام ‪ ،7102‬بأهنا "أكثر املدن أماناً يف العامل" يف مؤشر املدن اآلمنة‬
‫التابع لوحدة املعلومات االقتصادية‪.‬‬

‫يوضح هذان األمران‪ :‬األول الفساد بالبناء‪ ،‬والثاين الفساد باملعايري‪ ،‬من املسؤول عن املأساة والكارثة‪ ،‬ومن‬
‫"سح" حبدوث الكارثة اليت تسببت بأالف الضحايا والقتلى واملصابني واملعاقني أثناء الزالزل‪ ،‬وهي السلطة‬
‫ومؤسساهتا والفساد فيها‪ ،‬متاما مثل انفجار مرفأ بريت اليت تسببت فيه السلطة بسبب اإلمهال اإلجرامي‪،‬‬
‫فاألمران سيان‪.‬‬

‫حيمل كل‬
‫أما اخلطاب الديين يف هذه الكوارث فهو خطاب عتيق‪ ،‬ال يراعي أبدا األسباب واملسببات‪ ،‬و ّ‬
‫شيء إىل اهلل بشكل جاهل وختديري وهنا يصدق ماركس بقوله "الدين أفيون الشعوب" هبذه احلالة‪ ،‬حيث‬
‫ُيعل (اهلل) غاضبا بسبب خطايا الضحايا‪ ،‬ويتناسى الواعظ الديين ويغفل عن دور املسؤولني وفسادهم‬
‫ولصوصيتهم حبدوث الكارثة‪.‬‬

‫يستند اخلطيب أو الوعظ على أقوال قديسني بدون أي مراعاة لزمن أقواهلم وظروفهم ومدى‬
‫االكتشافات العلمية يف عصرهم‪ ،‬فاليوم أصبحنا نفهم أحداث الطبيعة بطريقة خمتلفة كلياً عنهم‪ ،‬فما قرأه‬
‫القدماء على أنه غضب من اهلل‪ ،‬فهمناه بالعلم على أنه حركة طبيعية يف الكون‪ ،‬واهلل بريء من دم الضحايا‬
‫منذ الدهر‪.‬‬

‫لألسف نشوه هلل ونظهره كرئيس ديكتاتوري شرقي يغضب ويعذب‪ ،‬متناسني أنه املصلوب عنا‬
‫بسبب خطايانا‪ ،‬فال يعمل الواعظ الديين ال على تعزية املتأملني‪ ،‬وال على املسامهة يف تطوير البىن الفكرية‬
‫يف اجملتمع لعدم تكرار الكارثة‪ ،‬بتوجيه النظر للمسؤول احلقيقي ومعاقبة املقصرين والفاسدين‪ ،‬وال على‬
‫العمل يف توضيح ضرورة تطوير الطبيعية والسيادة عليها وتوجيه الفكر حنو األسباب احلقيقية حلدوث‬
‫الكارثة‪ ،‬وألن الفكر الديين مازال حيمل يف طياته بقايا الفكر الوثين عن غضب الطبيعة واآلهلة‪ ،‬ومكبّل‬
‫بقيود التفسري القدمي‪ ،‬فرتاه عاجزا على العمل على السيطرة الطبيعة وتفادي الكوارث كما يقول الفيلسوف‬
‫فرانسيس بيكون "لكي تسيطر على الطبيعة‪ُ ،‬يب عليك أوالً أن تدرسها"‪ ،‬وهذا متاما الفكر اإلهلي‬
‫التكويين الذي أعطى اإلنسان السيادة على الطبيعية‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ ،‬يعتقد الواعظ الديين أن بدعوته الناس إىل التوبة‪ ،‬يصنع أمراً عظيما باقتناصه الفرصة‬
‫ليعيد الناس إىل هلل‪ ،‬جاعال منه إهلا وثنيا والكوارث عالمات غضبه‪ ،‬فيقول الكاتب علي الوردي‬
‫"ينتهز الواعظ الفرصة فيهتف بالناس‪ :‬إنكم اذنبتم امام اهلل فحل عليكم الوباء من عنده‪ ،‬والواعظ‬
‫بذلك يرفع الظلم االجتماعي عن عاتق الظاملني فيضعها على عاتق املظلومني أنفسهم فيأخذون‬
‫باالستغفار وطلب التوبة"‪ ،‬فريتاح الظامل ويعترب ذاته أداة اهلل يف معاقبة الناس‪ ،‬وتثقل الناس بأمحال‬
‫ال تقوى على محلها‪ ،‬فهو بذلك ال يصلح حال البالد وال هو يرفع البالء عن العباد‪.‬‬
‫حيمل الذنب على املظلوم وحيمله وزر ما حدث‪ ،‬فرتاه يرفع يده بوجه‬
‫اخلطاب الديين لألسف‪ :‬خطاب ّ‬
‫الشعب والناس واملستضعفني مؤنب هلم ومؤدباً إياهم‪ ،‬جاعالً اهلل غاضب مستبد‪ ،‬وكل ما حيدث بسبب‬
‫آثام الناس وخطاياهم‪ ،‬ويتناسى اخلطيب الديين إن التطور األمريكي والغريب وقوة الدول هناك ليست كون‬
‫شعوهبم رهبان وقديسني بل كون شعوهبم شعب عمل وعقل ويضع املسؤولية احلقيقة على أصحاهبا‬
‫وحياسب املسؤول الفاسد‪.‬‬

‫ويقف الواعظ الديين عاجز عن أن يواجه الزعماء السياسيني والدينني واحلكام واملسؤولني‪ ،‬وأن يقول هلم‬
‫أنتم سبب البالء‪ ،‬إن مشكلة الوعاظ عندنا أهنم يأخذون جانب احلاكم وحياربون احملكوم فتجدهم يعرتفون‬
‫بنقائص الطبيعة حني يستعرضون أعمال احل ّكام‪ ،‬فإذا ظلم احلاكم رعيته أو ألقى هبا يف مهاون السوء قالوا‪:‬‬
‫إنه اجتهد فأخطأ وكل إنسان خيطئ والعصمة هلل وحده‪.‬‬

‫يف النهاية ُيب على اجلميع أن يتحمل مسؤولياته‪ ،‬وُيب وضع " اإلصبع على اجلرح" كما يقول املثل‬
‫الشعيب‪ ،‬وعدم إلقاء اللوم على اهلل بينما هناك من ُيب أن حياسب على تقصريه وفساده ولصوصيته‪،‬‬
‫وُيب على اخلطاب الديين أن يكون جبانب اإلنسان والدفاع عنه وعن كرامته بوجه السلطة ال العكس‪،‬‬
‫فيوحنا املعمدان كان (يبهدل) هريودس امللك‪ ،‬ويعزي الناس الضعفاء واملتأملني‪ ،‬واملسيح كان يرفع السوط‬
‫بوجه الرؤساء‪ ،‬ويفتح أحضانه للخطأة‪.‬‬

‫ولكن لدينا ال يتعظون‬

You might also like