Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 3

‫الطاعة والعبودية املقنعة‬

‫األب لعازر عبود‬

‫كيف نفهم الطاعة يف الكنيسة‪ ،‬كيف نطيع؟ هل تتشابه املؤسسة الكنسية باملؤسسة العسكرية‪،‬‬
‫ٍ‬
‫عندئذ ما‬ ‫فيصري األقل رتبة خاضع ملن أعلى رتبة؟ هل الطاعة هي أوامرية (تلقي أوامر‪ ،‬قيادة حكيمة)‪،‬‬
‫هو الفارق بني الطاعة يف الكنيسة عن الطاعة يف اجليش واحلزب والعسكرية؟ هل فقط تبدل الرئاسات‬
‫ومن يُطاع؟ علينا أن نطرح العديد من األسئلة اليت لن نستطيع أن نعاجلها هنا‪ ،‬ما هي الطاعة؟ ما أشكاهلا؟‬
‫ما مراتبها؟ يتسائل املطران جورج خضر" هل جتب الطاعة للمطران ألنه ُجعل يف هذا املنصب فوجب‬
‫عليك باسم حقوق ما طاعته؟(‪ )1‬هل املوضوع ح لسأسقف وواجب على املؤمن أو الكاهن؟ ما‬
‫حدودها‪ ،‬هل هي خضوع ملرشد كخضوع لضابط؟ ما هي أخالقيات التلميذ؟ وهل يبقى تلميذاً طوال‬
‫حياته؟ من هو األب الروحي ما هي أخالقيات األب الروحي؟ إذا كان التلميذ يطيع األب الروحي‪ ،‬واألب‬
‫الروحي مثال الكاهن يطيع املرتبوليت أو البطريرك؟ فالبطريرك‪/‬املرتبوليت من يطيع؟ وهل الطاعة تراتبية إذا‬
‫نكون منوذج‬
‫كانت تراتبية‪ ،‬أال توصلنا هبذا املعىن بالنهاية إىل نظام املرشد األعلى على النس اإليراين؟ أو ّ‬
‫بابوي قدمي أو مشيخية إجنيلية؟‬

‫مثالً حنن نطيع املطران و وكل عمل نقوم به حيتاح ألخذ الربكة(اإلذن)‪ ،‬وهيك قال (االب الروحي‬
‫أو املرشد) وهذه حكمته ورؤيته‪ ،‬حنن ال ندرك حكمته ومن حنن لنفهمها‪ ،‬وهذا ما يشابه متاما الفكرة‬
‫السائدة يف الدوائر احلكومية (القيادة احلكيمة ورؤيتها وهي بتعرف أكثر منا)‪ ،‬ومن املستغرب أن يكون‬
‫لدينا فقط أب روحي واحد والباقي كلهم بنني وتالميذ كل حياهتم‪.‬‬

‫اليوجد باملسيحية ما يسمى الطاعة كما هي سائدة اليوم‪ ،‬يوجد شكلني مما يطل عليهما‬
‫الطاعة‪ ،‬أوىل هلل‪ ،‬وهي (مطلقة) وتعين‪ :‬أن يتبىن اإلنسان التدبري اإلهلي وفكر اهلل بفكر واعي‪ ،‬وثانية‬
‫(كاملة) للجماعة بإدراك وحكمة وذهن متقد "أطيعوا بعضكم بعضاً" وتعين‪ :‬أن نعمل معاً‪ ،‬لن أتكلم‬
‫عنهما حيتجان لفرد مساحة أكرب وما أورده يف السطور التالية بضع أفكار‪ ،‬ومن املهم أال خنلط بني الشكل‬
‫الرهباين والشكل العلماين يف املدن هذا أمر خطر ومبالغ فيه كما يقول املطران بولس يازجي(‪.)2‬‬

‫إن النموذج الذي ميكن أن نقتدي به‪ ،‬العالقة اليت ربطت يسوع بتالميذه كانت فرتة تلمذة‬
‫لثالث سنوات جعلهم أخوة مث أطلقهم رسل للعامل‪ ،‬درهبم وعلمهم وأوصاهم مث أعطاهم السلطان الذي‬
‫لديه ليصنعوا أعماالً أعظم مما صنعها‪ ،‬مث بدورهم علموا آخرين‪ ،‬نرى أن القديس اغناطيوس االنطاكي هو‬
‫تلميذ يوحنا اإلجنيلي‪ ،‬وتيموثاوس وتيطس ولوقا تالميذ بولس الرسول ومرقس تلميذ بطرس‪ ،‬وال تستعمل‬
‫مصطلح ابنه الروحي أو أباهم الروحي‪.‬‬

‫ف العالقة اليت تربط بني املسيحي ومرشد ما(كاهن‪ ،‬راهب‪/‬ة‪ ،‬علماين‪/‬ة)‪ ،‬هي عالقة "تلمذة"‪،‬‬
‫"مدرب" أو مرشد كما يسميه‬
‫مبصطلح آخر "أستاذية" وإن شئنا أن ندق أكثر مبصطلح ال ُـمعلم نسميه ُ‬
‫يوحنا السلمي‪ ،‬باعتبار أن ال ُـمعلم الواحد هو يسوع‪ ،‬وال تتجاوز حدود العالقة بني االثنني حدود عالقة‬
‫ُمدرب وتلميذ (بدون أن نتخيل أن األب الروحي‪/‬املرشد هو يسوع‪ ،‬هذه مبالغة)‪ ،‬والطاعة هبذه العالقة‬
‫تعين االلتزام واالنضباط حتت يد معلم لفرتة زمنية ما ختتلف باختالف األعمار‪ ،‬أما الطاعة السائدة اليوم‬
‫متأثرة بالعوامل الطائفية واملذهبية السياسية اليت أوصلتنا إىل ما حنن عليه اليوم‪ ،‬وحىت مصطلح األب الروحي‬
‫هو مصطلح حديث نسبياً وحيتاج للتدقي مستنداً على الكنيسة األوىل‪.‬‬

‫يعلم املعلم تلميذه وف هنج يسوع (الذي ترمجه الرسل واآلباء القديسون) على أصول اإلميان‬
‫والصالة والصوم والعيش والسلوك‪ ،‬وميسك بيده ليقوده يف طري املسيح كما ميسك أب يد ابنه الطفل‪،‬‬
‫ويعلمه املشي واألكل والركض واخل‪ ،‬وعندما يكرب االبن يستقيل عن أبيه يف معارك احلياة ويصري أبا بدوره‪،‬‬
‫ويعمل هذا األب خالل فرتة تربيته على أن يرتك يد ابنه على مهل‪ ،‬إىل أن يدعه ميشي مبفرده بطري‬
‫املسيح‪ ،‬هبذه األثناء كلها يربز أمام التلميذ معلمه دائما مصلي وصائم منوذج يقتدي به‪ ،‬ولكن جيب أن‬
‫ِ‬
‫َين أَنَا أَنْـ ُق ُ‬
‫ص‪ ".‬ليربز فقط وجه املسيح‪.‬‬ ‫يد َوأ ِ‬ ‫يتالشى يف هناية هذه املرحلة "يـَْنبَغِي أَن ذل َ‬
‫ك يَِز ُ‬
‫وبالتايل تتالشى الطاعة‪ ،‬األب مع بنيه يربيهم ليحلقوا‪ ،‬ومىت بلغوا أطلقهم ليحلقوا يف فضاء‬
‫اهلل‪ ،‬عندئذ يطريون معاً وحيلقون كأخوة معاً‪ ،‬وينقل بنيه من أبوته ألبوة اهلل اآلب‪ ،‬فالطاعة األبوية تنتفي‬
‫عندما يصري االبن أباً وتنتهي‪ ،‬ليصغي لصوت اهلل بدون وسيط‪ ،‬وجيعل من كل واحد من بنيه أباً جديداً‪،‬‬
‫فيجب أن يعرفوه أباً وخيتربوه آخاً لآلب السماوي‪ ،‬كان ارسطو يعترب معلمه أفالطون صديقاً‪ ،‬حنن لدينا‬
‫خلالق هو‬
‫أكثر يصري املعلم أخ تلميذه الذي يصري معلماً بدوره وكالمها رسل للمسيح‪ ،‬واألب الروحي ا ّ‬
‫اإلنسان الذي خيل أفرادا متميزيني للمسيح يف عامل الكنيسة‪ ،‬وال خيل نسخاً مشاهبة‪ ،‬ال يستنسخ ذاته‬
‫مبن حتت يديه وال خيون هذه األمانة‪ ،‬واملعلم الفذ هو الذي ينشأ تلميذ ال يعمل أعمال مثله فقط‪ ،‬بل‬
‫" َويـَ ْع َم ُل أ َْعظَ َم ِمْنـ َها" (يو ‪ ،)12 :11‬بينما إن مل يُنشأ األب الروحي من أبنائه أخوة له ويُطلقهم من‬
‫ومسيح دجال‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫طاعته‪ ،‬فهو لص وسارق مل يدخل احلظرية من باهبا‪،‬‬
‫يف النهاية‪ ،‬ال يهم ما تكون التسمية أكان مرشد أو أب روحي أو معلم وإن كان حباجة كل‬
‫شيء إلصالح الهويت‪ ،‬املهم األصول والوصول‪ ،‬إن ما نسميها الطاعة هو مصطلح يعين التزام وانضباط‪،‬‬
‫ودور الكنيسة خلق أُناس مسؤولين واعيين على شبه يسوع ويحملون فكره‪ ،‬وإن الشكل احلايل للطاعة السائد شكل‬
‫معوج ومنايف الستقامة اإلميان‪ ،‬فمن املستغرب أن ترى إنساناً شيخا ما زاالً مطيعا كتلميذ يف أول عمره‬
‫ويعامل كابن مل ينضج بعد‪ ،‬يقول القديس يوحنا السلمي "علينا أن ننتبه جيداً أال نلبث يف صف املبتدئني‬
‫بعد أن كنا قد قضينا زمنا طويال يف التعلم‪ ،‬ألنه عار كبري أن يُرى شيخ كبري طاعن يف السن ذاهباً إىل‬
‫املدرسة"(‪ ،)3‬وهذا إن دل على شيء يدل على عدم القدرة يف كنيستنا‪ ،‬على خل أُناس مسؤولني أحرار‬
‫قادرين أن يكونوا رجاالً بالروح يقودهم الروح مباشرة‪ ،‬كما أن الروح قاد التالميذ بعدما قاد املعلم يسوع‪،‬‬
‫فقالوا "رأى الروح القدس وحنن" (أع ‪.)22 :11‬‬

‫املراجع‪:‬‬

‫املطران جورج خضر‪ ،‬احلياة اجلديدة(مقالة الطاعة)‪ ،‬دار النهار‪ ،‬ص ـ ‪212‬‬ ‫‪.1‬‬
‫املطران بولس يازجي‪ ،‬مقالة الطاعة‪.‬‬ ‫‪.2‬‬
‫القديس يوحنا السلمي‪ ،‬سلم السماء‪ ،‬دير الشفيعة احلارة‪-‬احلرش‪-‬بدبا الكورة‪ ،‬ص‪303‬‬ ‫‪.3‬‬
‫األباء الرسوليني‪ ،‬عربه املثلث الرمحات البطريرك الياس الرابع(معوض)‪ ،‬منشورات النور‪،‬‬ ‫‪.1‬‬
‫‪.1822‬‬

You might also like