Professional Documents
Culture Documents
اكرم الزواهرة
اكرم الزواهرة
:إعداد
:مشرف البحث
إن مسألة القتال في سبيل اهلل ذات أهمية بالغة في الدين اإلسالمي ال سيما في الوقت الحاضر
لذا رأى الباحث أن يجعل هذه المسألة موضع بحثه ،عازمًا على التوجه إلى إستقراء
وليس ثمة أدق من النص القرآني للتعويل عليه في فهم هذه المسألة ،حيث تم اإلستناد في
المقام األول على آيات القرآن الكريم ،كونه صالحًا ألن يكون مصدرًا موثوقًا للوصول إلى
إن هذا البحث ينطلق من إشكالية محددة تتمثل في سؤال مركزي ،هو :ما هي األسباب
هل دفع العدوان وحماية العهود والمواثيق أسبابًا مشروعة وداعية للقتال في سبيل .1
اهلل؟
هل القتال لدرء الفتنة ومنع الردة والبغي أسبابًا مشروعة وداعية للقتال في سبيل اهلل؟ .2
ولقد اتخذ الباحث المنهج الوصفي التحليلي طريقًا لبلوغ غايته ،ملتجئًا إلى االستقراء المعزز
باألدلة في كل موضوع.
ومن أجل اإلجابة عن السؤال المركزي الذي طرحه البحث ،واألسئلة الفرعية المتولدة عنه
كان لزامًا على مقدمته أن تضع خطة تفي بهذا الغرض ،وتحيط بالموضوع من جميع
أطرافه .فكان المبحث األول يتناول مشروعية القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية
العهود والمواثيق ،أعقبه المبحث الثاني الذي تناول مشروعية القتال في سبيل اهلل لمنع الردة
ولدرء الفتنة ومنع البغي ،وذلك من خالل توضيح المفاهيم الواردة في كال المبحثين ،مع
اإلستدالل من القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الصحيحة ،مبينًا وجه الداللة من كل آية
أو حديث ،ألستخلص من كل ذلك الجواب النهائي على كل سؤال طرحه البحث.
وقد تبع ذلك كله خاتمة استخلصت أهم ما أفضى إليه البحث من نتائج وتوصيات.
المقدمة
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين ،وعلى
آله ،وأصحابه أجمعين ،ومن تبعهم إلى يوم الدين ،وسلم تسليما كثيرا.
اإلسالم حضارة كاملة ،ودستور شامل ألمور الحياة دينًا ودنيا ،ولما كانت الحرب ظاهرة
إجتماعية جاءت مبادئ اإلسالم واضحة أشد الوضوح فيما يتعلق بالحرب ،فقد أنشا لها
اإلسالم من اآلداب والتقاليد ما لم يسبق للبشرية أن عرفت مثله قبل اإلسالم وال تقيدت
والقتُل لمجّر د القتل ليس مقصوًد ا وال مراًد ا؛ ألَّن األصل أَّن اإلنساَن بنياُن الرِّب ؛ فال مسّو غ
ألحد في هدمه إال بإذٍن من الرِّب تبارك وتعالى ،وعندما يتولى القرآن الكريم تحديد الغاية
والمقصد فال ُم َّتَس ع لغايات ومقاصد ُتولد من رحم الهوى ،أو َتْن ُبت في أرض النزوات
والنزغات ،لذلك ُش رع القتال في اإلسالم لدفع العدوان ،وكف الطغيان ،والتخلية بين الدعوة
والناس.
لذلك يمكن القول أن العرب بعد اإلسالم أصبح لهم مدرسة عسكرية ألول مرة في تاريخهم.
مشكلة الدراسة:
2
تتمثل مشكلة هذه البحث في دراسة األسباب الداعية للقتال في سبيل اهلل الذي سيتضح من
ما حكم القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية العهود والمواثيق؟ .1
ما حكم القتال في سبيل اهلل لدرء الفتنة ومنع الردة والبغي؟ .2
أهداف الدراسة:
بيان حكم القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية العهود والمواثيق. .1
بيان حكم القتال في سبيل اهلل لدرء الفتنة ومنع الردة والبغي. .2
أهمية الدراسة:
إفادة طلبة العلم الشرعي بدراسة متخصصة حول القتال في سبيل اهلل. .1
منهج الدراسة:
3
سيعتمد الباحث في كتابة هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي وذلك بوصف القتال في
سبيل اهلل وصفا دقيقا وموضوعيا ثم العمل على تحليله كذلك سيعتمد الباحث على المنهج
االستقرائي وذلك من خالل استقراء وتتبع كل ما يتعلق بموضوع القتال في سبيل اهلل من
الدراسات السابقة:
الحسن ،علي حسين محمد (2013م) بعنوان " :الجهاد في سبيل اهلل وأهدافه .1
واإلعداد له " ،رسالة ماجستير غير منشورة ،قسم الدراسات اإلسالمية ،كلية اآلداب،
جامعة الخرطوم ،السودان .وقد تناولت هذه الدراسة موضوعات توضح أن الجهاد
مشروع في اإلسالم باإلجماع ،وذلك لما اشتمل عليه القران من األمر به ،وما جاءت
به السنة النبوية قوال وعمال ،وللحفاظ على مصلحة الدين أوجب اهلل الجهاد في سبيله
إلعالء كلمته وإ قامة دينه في األرض ،وللرد والدفاع عن النفس والمال والعرض.
ويؤكد المقال على أهمية الجهاد ،وعلى مكانته في اإلسالم ،وعلى دوره الكبير في
خطة الدراسة:
4
سيقسم هذا البحث إلى مبحثين وخاتمة ،ويشتمل كل مبحث منها عددا من المطالب والفروع،
المبحث األول :القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية العهود والمواثيق.
المبحث الثاني :القتال في سبيل اهلل لدرء الفتنة ومنع الردة والبغي.
الخاتمة:
نتائج وتوصيات
المصادر والمراجع
المبحث األول :القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية العهود والمواثيق.
5
كان القتال قبل الهجرة محظورا بآيات كثيرة ،1منها﴿ :ٱۡد َفۡع ِبٱَّلِتي ِه َي َأۡح َسُن ﴾ [فصلت،]34 :
﴿َفٱۡع ُف َع ۡن ُهۡم َو ٱۡص َفۚۡح ِإَّن ٱلَّلَه ُيِح ُّب ٱۡل ُم ۡح ِس ِنيَن ﴾ [المائدةَ﴿ ،]13 :و َٰج ِد ۡل ُهم ِبٱَّلِتي ِه َي َأۡح َس ُۚن ﴾
[النحل ،]125 :أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال ،فليكن بالوجه الحسن برفق ولين
وحسن خطاب ،ثم نسخ اهلل وجوب هذا كله في المدينة بقوله تعالىَ﴿ :فاْقُتُلوا اْلُم ْش ِر ِك يَن َحْي ُث
2
َو َج ْدُتُم وُهْم ﴾ [التوبة َ﴿ ،]5:و ٱۡق ُتُلوُهۡم َح ۡي ُث َثِق ۡف ُتُم وُهۡم َو َأۡخ ِر ُج وُهم ِّم ۡن َح ۡي ُث َأۡخ َر ُج وُك ۚۡم ﴾ [البقرة:
،] 191أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم كما همتهم منبعثة على قتالكم وعلى إخراجهم من
3
بالدهم التي أخرجوكم منها قصاصا.
وهذا ال يعني البدء بالقتال ،وال بقتال المسالمين ،وال بقتال غير المقاتلة من النساء والصبيان
والعجزة والشيوخ ،وال بتخريب الدور وقطع األشجار ،وإ حراق الزروع والثمار ،فإن اهلل
يكره االعتداء ،لذلك شرع اهلل القتال ألسباب واضحة وجلية بحيث ال يتجاوز فيه ما تقتضيه
4
الضرورة الحربية ،وليس الهدف منه التدمير والتخريب ،وال اإلرهاب المجرد.
والقتال في سبيل اهلل أسباب وجوبه متعددة ،وله شروط وأركان وواجبات ،فإذا توفرت
1الزحيلي ،وهبة الزحيلي ،التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج ،بيروت ،دار الفكر المعاصر ،ط1411 ،1هـ 1991 -م ،ج ،2ص.178
2الصابوني ،محمد علي ،مختصر تفسير ابن كثير ،بيروت ،دار القران الكريم ،ط1402 ،7هـ 1981 -م ،ج ،2ص.352
3الصابوني ،مختصر تفسير ابن كثير ،ج ،1ص.169
4الزحيلي ،التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج ،ج ،2ص 183 – 179بتصرف.
6
وسيأتي تفصيل األسباب في المطالب التالية:
قال الَّر اِغ ُب األصفهانُّي في تعريفه للعدوان أنه" :اإلخالُل بالعدالِة في المعاَم لِة ".5
إن أول أية نزلت لتأذن للمسلمين بالقتال في القرآن ،هي قوله تعالىُ﴿ :أِذ َن ِلَّلِذ يَن ُيَٰق َتُلوَن ِبَأَّنُهۡم
ُظِلُم وْۚا َو ِإ َّن ٱلَّلَه َع َلٰى َنۡص ِر ِه ۡم َلَقِد يٌر ٣٩ٱَّلِذ يَن ُأۡخ ِر ُج وْا ِم ن ِد َٰي ِر ِه م ِبَغ ۡي ِر َح ٍّق ِإٓاَّل َأن َيُقوُلوْا َر ُّبَنا
ٱلَّلُۗه َو َلۡو اَل َد ۡف ُع ٱلَّلِه ٱلَّناَس َبۡع َض ُهم ِبَبۡع ٖض َّلُهِّد َم ۡت َص َٰو ِم ُع َو ِبَيٞع َو َص َلَٰو ٞت َو َم َٰسِج ُد ُيۡذ َك ُر ِف يَها
ٱۡس ُم ٱلَّلِه َك ِثيٗر ۗا َو َلَينُص َر َّن ٱلَّلُه َم ن َينُص ُر ۚٓۥُه ِإَّن ٱلَّلَه َلَقِو ٌّي َع ِز يٌز [ ﴾٤٠الحج.]40-39 :
كان المسلمون في أول اإلسالم ممنوعين من قتال الكفار ،ومأمورين بالصبر عليهم ،لحكمة
إلهية ،فلما هاجروا إلى المدينة ،وأوذوا ،وحصل لهم منعة وقوة ،أذن لهم بالقتال ،قال تعالى:
{أذنللذين يقاتلون} يفهم منه أنهم كانوا قبل ممنوعين ،فأذن اهلل لهم بقتال الذين يقاتلون ،وإ نما
6
أذن لهم ،ألنهم ظلموا ،بمنعهم من دينهم ،وأذيتهم عليه ،وإ خراجهم من ديارهم.
5األصفهاني ،الحسين بن محمد ،المفردات في غريب القرآن ،بيروت ،دار القلم ،ط1412 ،1هـ 1992 -م ،ص.553
6السعدي ،عبد الرحمن بن ناصر ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،بيروت ،مؤسسة الرسالة ،ط1420 ،1هـ 2000 -م ،ص.539
7
وقد ُأِذ َن في هذه اآلية بالقتال بعد ما ُنهَي عنه في نيف وسبعين آية ،وكان أصحاب النبي
صلى اهلل عليه وسلم يأتون إليه طوال العهد المكي ما بين مضروب ومشجوج ،يتظلمون إليه
فيصبرهم ويقول لهم لم ُأومر بقتال ،فأنزل اهلل عليه هذه اآلية ،وفي ضوء هذه اآلية يتضح
أَّن أول أسباب مشروعية القتال في اإلسالم :نصرة المظلومين ودفع العدوان والظلم عنهم،
7
وتمكينهم من حياة آمنة مثل غيرهم.
وقد دل أيضا القتال في سبيل اهلل ردا على العدوان قوله تعالى( :فمن اعتدى عليكم فاعتدوا
كما إن القتال في سبيل اهلل واجب للدفاع عن األفراد يجب أيضًا لحماية حدود دولة اإلسالم
من عدو مقاتل 8لقوله تعالى( :يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم
غلظة) (التوبة )123 :يقول الطبري في تفسيره لهذه اآلية" :أي اْبَد ُءوا ِبِق َتاِل اَأْلْق ِب َفاَأْلْق ِب
َر َر
ِب ِب ِذِه ِة ِئٍذ َّلِذ ِد ِد ِإ
َلْي ُك ْم َد اًر ا ُد وَن اَأْلْب َع َفاَأْلْب َع َ .و َك اَن ا ي َي ُلوَن اْلُم َخ اَط يَن َه اآْل َي َيْو َم الُّر وُم َ ،أِلَّنُهْم
9
َك اُنوا ُس َّك اَن الَّش اِم َيْو َم ِئٍذ َ ،و الَّش اُم َك اَنْت َأْقَر َب ِإَلى اْلَم ِد يَنِة ".
7الطيب ،احمد الطيب ،مفهوم الجهاد في اإلسالم ،اإلمارات العربية المتحدة ،دار الحكماء للنشر ،ط1440 ،2هـ 2019 -م ،ص .29 – 28
8عبد اهلل ،فضل بن عبد اهلل ،المقدمة في فقه العصر ،صنعاء ،دار الجيل الجديد ناشرون ،ط1437 ،2هـ 2016 -م ،ج ،2ص.734
9الطبري ،محمد بن جرير ،تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن ،الجيزة ،دار هجر للطباعة والنشر ،ط1422 ،1هـ 2001 -م ،ج،12
ص.85
8
جاء اإلسالم بحفظ العهود والمواثيق ،واهتم بالوفاء بالعقود ،وحث المسلمين على االلتزام
بها ،وجعل نقضها من الغدر ،ومن إحدى صفات المنافقين ،كما جاء في القرآن الكريم في
قوله تعالىَٰٓ﴿ :يَأُّيَها ٱَّلِذ يَن َء اَم ُنٓو ْا َأۡو ُفوْا ِبٱۡل ُعُقوِۚد ﴾ [المائدة ،]1 :يعني :أوفوا بالعهود التي
عاهدتموها ربكم والعقود التي عاقدتموها إياه ،وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقا وألزمتم أنفسكم
بها هلل فروضا ،فأتموها بالوفاء والكمال والتمام منكم هلل بما ألزمكم بها ،ولمن عاقدتموه منكم
بما أوجبتموه له بها على أنفسكم ،وال تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها 10.وفي السنة النبوية في
قوله -صلى اهلل عليه وسلمَ" :-م ْن َك اَن َبْيَنُه َو َبْي َن َقْو ٍم َع ْهٌد َ ،فاَل َيِحَّلَّن ُع ْقَدًة َو اَل َيُش َّد َه ا َح َّتى
11
َيْن َقِض َي َأَم ُد َه اَ ،أْو َيْن ِبَذ ِإَلْي ِه ْم َع َلى َس َو اٍء ".
12
هو حفظ الشيء ومراعاته حاًال بعد حال ،ويسمى الوعد الموثق الذي يلزم مراعاته :عهدًا.
﴿َو ِإ ن
يقول اهلل تعالى في سورة التوبة موضحًا أن نقض العهد هو سبب في قتال المشركين :
9
َ ١٢أاَل ُتَٰق ِتُلو َقۡو ٗم ا َّنَك ُثٓو ْا َأۡي َٰم َن ۡم ُّم وْا ِبِإۡخ اِج ٱلَّر وِل م َد وُك ۡم َأَّو َل َّر ٍۚة َأَتۡخ َش ۡو َن ۚۡم
ُه َم ُس َو ُه َب ُء َر ُه َو َه َن
َفٱلَّلُه َأَح ُّق َأن َتۡخ َش ۡو ُه ِإن ُك نُتم ُّم ۡؤ ِمِنيَن [ ﴾ ١٣التوبة.]13-12 :
أي :نقضوها وحلوها ،أي :ال عهود وال مواثيق يالزمون على الوفاء بها ،بل ال يزالون
13
خائنين ،ناكثين للعهد ،ال يوثق منهم .فإن اهلل أمركم بقتالهم ،وأكد ذلك عليكم غاية التأكيد.
وقد طبق النبي -صلى اهلل عليه وسلم -هذه األوامر الربانية في تعامله مع األعداء في
حروبه ومغازيه ،ومن أمثلة ذلك :فتح مكة المكرمة ،وكان غْز ُو ُه لها ألجل قيام قريش بنقض
العهد والميثاق الذي وقعوا عليه في الحديبية عام ٦هـ ،فجّهز جيشا ولم يعلن بذلك بل فاجأ
العدو بالهجوم على مكة المكرمة وهذا ما تبعه النبي الكريم .صلى اهلل عليه وسلم مع العدو
الناكث للعهد ،والناقض للميثاق؛ أنه ال بد من الكتمان والسرية لجميع االستعدادات لشن
14
الغارة على العدو الغادر الخائن.
وكان يهود بني قينقاع أول من نقض العهد مع النبي – صلى اهلل عليه وسلم ،-وهددوا النبي
-صلى اهلل عليه وسلم -والمسلمين؛ قالوا" :يا محمد ال يغرّنك من نفسك أنك قتلت نفرًا من
قريش كانوا أغمارًا ال يعرفون القتال ،إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس" .وتطبيقًا
لتهديداتهم قاموا بكشف عورة مسلمة عفيفة ،فصاحت واستغاثت؛ فكان هذا الفعل نقض للعهد
13السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان ،ص.331
14ابو زيد ،وصفي عاشور ،الجهاد في سبيل اهلل مقاصد وآثار ،بحث على شبكة اإلنترنت ( 13/4/2024م)،
.https://ketabonline.com/ar/books/92851/read?part=1&page=14&index=1766066/1766070
10
صريح منهم ،فأخبرهم الرسول -صلى اهلل عليه و سلم -بانتهاء الميثاق وانتقاض العهد ثم
حاصرهم وأجالهم من المدينة ،وعادت للرسول -صلى اهلل عليه وسلم -أموالهم فيئًا
15
ولحقوا بالشام ونزلوا بـ "أذرعات" ،وهلك أكثرهم فيها.
المبحث الثاني :القتال في سبيل اهلل لمنع الردة وبسبب الفتنة والبغي.
ففي نطاق اإلعتقاد :فقد كفر من نفى الربوبية أو الوحدانية أو عبد مع اهلل غيره ،17ويكفر
المسلم إذا جحد شيئًا جاءت األدلة القاطعة على أنه من عقائد اإلسالم ،كإنكار شيء من
األحكام الشرعية القطعية ،كإنكار وجوب الصالة ،وإ نكار وجوب الزكاة ومثلها بقية أركان
اإلسالم.
15البوطي ،محمد سعيد ،فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخالفة الراشدة ،دمشق ،دار الفكر ،ط1426 ،25هـ 2006 -م ،ص.167
16الشربيني ،شمس الدين محمد الخطيب ،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج ،دار الكتب العلمية ،ط1415 ،1هـ 1994 -م ،ج ،5ص
.427
17ابن جزي الكلبي ،محمد بن احمد ،القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية ،بيروت ،دار ابن حزم ،ط1434 ،1هـ 2013 -م ،ص.601
11
وأما في نطاق األفعال فكل شيء يدل على اعتقاد ما يناقض اإلسالم يكون القيام به ارتدادًا
18
عن اإلسالم ،كالسجود للصنم ،أو السعي إلى الكنائس بزي النصارى.
وفي نطاق األقوال التي ُيكفر صاِح ُب ها :كفر مسلم بصريح من القول أو قول يقتضيه ،كأن
19
يَس ُّب اهلل َع َّز َو َج َّل ،أو يسُّب نبيًا.
وقتال المرتدين هو جهاد في سبيل اهلل بمعناه الشرعي ،ألن تعريف الجهاد ينطبق عليه ،فهو
قتال الكفار إلعالء كلمة اهلل والمرتدون كفار ،وقتالهم هو إلعالء كلمة اهلل 20.وعلى اإلمام
قتالهم ،فإن أبا بكر الصديق -رضي اهلل عنه -قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة ،وألن اهلل
تعالى قد أمر بقتال الكفار في مواضع من كتابه ،وهؤالء أحقهم بالقتال؛ ألنتركهمربما
21
أغرىأمثالهم بالتشبه بهم واالرتداد معهم ،فيكثر الضرر بهم.
ويقول الشوكاني ،عن طوائف من المسلمين خرجت عن اإلسالم ،فيقول وهؤالء جهادهم
واجب وقتالهم متعين ،حيث يجب على كل فرد من أفراد المسلمين إنكارها ،ويتعين على كل
18هيكل ،محمد خير هيكل ،الجهاد والقتال في السياسة الشرعية ،بيروت ،دار البيارق ،ص.55
19سعد ،محمد محمد ،دليل السالك لمذهب اإلمام مالك ،مصر ،دار الندوة ،ط ،1د.ت ،ص.142
20هيكل ،الجهاد والقتال في السياسة الشرعية ،ص.58
21بن قدامة ،عبداهلل بن احمد ،المغني البن قدامة ،مصر ،مكتبة القاهرة ،ط1388 ،1هـ 1968 -م ،ج ،9ص.10
12
قادر أن يقاتل أهلها ،حتى يقبلوا أحكام اإلسالم ،ويذعنوا لها ،ويحكموا بينهم بالشريعة
22
المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من تحكيم الطواغيت الشيطانية.
إن القتال لمنع الفتن وإ خمادها ،أمر مشروع في اإلسالم؛ ألجل اإلصالح والمحافظة على
كيان المجتمع اإلسالمي وأمنه واستقراره .واإلسالم يأمر بالجهاد ،لدفع كل فتنة ،تهدد وحدة
المسلمين وأمنهم.
ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد أكثر من مفهوم للفتنة فقال مرة أنها تأتي بمعنى الشرك
وذكر معنى آخر فقال " :وهي بمعنى االمتحان واالختبار واالبتالء من اهلل لعباده بالخير
23
والشر بالِّنَع م والمصائب ".
22الشوكاني ،محمد بن علي ،رسالة الدواء العاجل لدفع العدو الصائل ،المملكة العربية السعودية ،الجامعة اإلسالمية ،ط1410 ،1هـ 1989 -م ،ص
.62 – 61
23ابن القيم الجوزية ،محمحد بن ابي بكر ،زاد المعاد في هدي خير العباد ،الرياض ،دار عطاءات العلم ،ط1440 ،3هـ 2019 -م ،ج ،3ص198
– .199
13
قال اهلل تعالىَ﴿ :و َٰق ِتُلوُهۡم َح َّتٰى اَل َتُك وَن ِف ۡت َنٞة َو َيُك وَن ٱلِّد يُن ِلَّلِۖه َفِإِن ٱنَتَهۡو ْا َفاَل ُع ۡد َٰو َن ِإاَّل َع َلى
َّٰظ
ٱل ِلِم يَن ﴾ [البقرة.]193 :
وقال اهلل تعالىَ﴿ :و َٰقِتُلوُهۡم َح َّتٰى اَل َتُك وَن ِف ۡت َنٞة َو َيُك وَن ٱلِّد يُن ُك ُّل ۥُه ِلَّلِۚه ﴾ [األنفال.]39 :
قال الشيخ السعدي في تفسيره آلية سورة البقرة السابقة " :ذكر تعالى المقصود من القتال في
سبيله ،وأنه ليس المقصود به ،سفك دماء الكفار ،وأخذ أموالهم ،ولكن المقصود به أن {يكون
الدين هلل} تعالى ،فيظهر دين اهلل [تعالى] ،على سائر األديان ،ويدفع كل ما يعارضه ،من
24
الشرك وغيره ،وهو المراد بالفتنة ".
وقال في تفسيره آلية سورة األنفال بعدها " :فهذا المقصود من القتال والجهاد ألعداء الدين،
أن يدفع شرهم عن الدين ،وأن يذب عن دين اهلل الذي خلق الخلق له ،حتى يكون هو العالي
25
على سائر األديان ".
ولقد قرر القرآن أن الفتنة في الدين أكبر من القتل وأشد من القتل ،ولهذا شرع القتال لدرء
ِق ۡف
هذه الفتنة ومنعها ،قال تعالىَ :و ٱ ُتُلوُهۡم َح ۡي ُث َث ُتُم وُهۡم َو َأ ِر ُج وُهم ِّم ۡن َح ۡي ُث َأ َر ُج
وُك ۚۡم ۡخ ۡخ ۡق
َو ٱۡل ِف ۡت َنُة َأَش ُّد ِم َن ٱۡل َقۡت ِۚل [البقرة.]191 :
14
مفهوم البغي:
أما البغي فهناك إختالف بين الفقهاء في تعريفه اصطالًح ا الختالف مذاهبهم فيه ،حيث يعرف
الحنفية البغاة ويستخرجون منها تعريف البغي بأنه الخروج عن طاعة إمام الحق بغير حق،
26
والباغي بأنه الخارج عن طاعة إمام الحق بغير حق.
والمالكية يعرفون البغي بأنه االمتناع عن طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبته
27
ولو تأويًال.
ويعرف الشافعية البغاة بأنهم المسلمون مخالفو اإلمام بخروج عليه وترك االنقياد له أو منع
28
حق توجه عليهم بشرط شوكة لهم وتأويل.
أما عن مشروعية القتال بسبب البغي فقتال البغاة ال يعد من الجهاد بمعناه الشرعي ،وذلك
ألن الجهاد هو قتال الكفار إلعالء كلمة اهلل ،وقتال البغاة هو قتال المسلمين خرجوا عن
الطاعة ،لتأديبهم ،وإ عادتهم إلى حكم الطاعة ،،وألن من عالمة «الجهاد» أن قتلى المسلمين
فيه ُيعتبرون شهداء الدنيا واآلخرة ،ال ُيَغ َّس ُلون ،وال ُيَك ِّفُنون ،بما يزيد عن ثيابهم ما دامت
سابغة ،وُي دفنون على هذه الحال .بينما غيرهم من المسلمين ممن مات أو قتل في غير الجهاد
26ابن عابدين ،محمد أمين ،حاشية رد المحتار على الدر المختار ،مصر ،مطبعة مصطفى البابي ،ط1386 ،2هـ 1966 -م ،ج ،4ص.261
27الزرقاني ،عبد الباقي بن يوسف ،شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني ،بيروت ،دار الكتب العلمية ،ط1422 ،1هـ 2002 -م ،ج،8
ص.103
28الرملي ،محمد بن ابي العباس ،نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ،بيروت ،دار الفكر ،ط أخيرة1404 ،هـ 1984 -م ،ج ،7ص.402
15
فإنهم يبقون على حكم األصل في الغسل والتكفين والصالة ،ولو كانوا شهداء اآلخرة،
كالغريق ،وصاحب الهدم وقتيل أهل العدل في قتاله للبغاة هو من هذا القبيل ،ألنه ينطبق
عليه أحد الوجوه الواردة في شهداء اآلخرة ،في قوله صلى اهلل عليه وسلمَ« :م ْن َقاَتَل ُد وَن
29
َم اِلِه َفُقِتَل َفُهَو َش ِه يٌد َ ،و َم ْن َقاَتَل ُد وَن َد ِمِه َفُهَو َش ِه يٌد َ ،و َم ْن َقاَتَل ُد وَن َأْه ِلِه َ ،فُهَو َش ِه يٌد » 30يقول
ابن حزم َ« :فَص َّح َأَّن َم ْن َقَتَلُه ِم ْن اْلُبَغ اِة َفِإَّنَم ا ُقِتَل َع َلى َأَح ِد َه ِذِه اْلُو ُج وِه َ ،فُهَو ِف ي َظاِه ِر
اَأْلْم ِر َش ِه يٌد َ ،و َلْي َس ُك ُّل َش ِه يٍد ُيْد َفُن ُد وَن ُغ ْس ٍل َو اَل َص اَل ٍة » 31أي :من شهداء اآلخرة فقط ،فال
ُي عامل كشهيد الدنيا واآلخرة في ترك غسله وتكفينه بما يزيد عن ثيابه إذا كانت تستر جميع
بدنه.
وعلى هذا ،فما دام القتلى في غير حرب الكفار إلعالء كلمة اهلل ال ُيعتبرون شهداء الدنيا
واآلخرة ،فإن معنى ذلك :أن حربهم التي قتلوا فيها ليست جهادًا في سبيل اهلل ،وإ ن كان لهم
32
ثواب المجاهدين الشهداء.
16
الخاتمـــة
ومسك الختام لقد إجتهد الباحث في حدود بحثه واطالعه الضيق ونظره القاصر ،حيث جمع
الباحث هذه المادة وقد حاول أن يقرب موضوع األسباب الداعية للقتال في سبيل اهلل ،في
ضوء القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة وكالم أئمة التفسير وعلماء األمة ومربيها
ومصلحيها وذلك بأسلوب ميسر ومنهجية علمية مؤصلة ،نسأل اهلل تعالى أن يتقبلها بقبول
ولعل فيما مضى معتبًر ا ألهل البحث والنظر ،والباحث ال يزعم أنه أتى بجديد ،ولكن حسبه
قول ربناِ{ :إَّن ِفي َذ ِلَك َلِذ ْك َر ى ِلَم ْن َك اَن َلُه َقْلٌب َأْو َأْلَقى الَّس ْم َع َو ُهَو َش ِه يٌد } [ق.]37 :
النتائج:
لقد توصل الباحث الى عدة نتائج تلخص مضمون ما قدم في البحث:
17
أن القتال في سبيل اهلل أسباب وجوبه متعددة ،وله شروط وأركان وواجبات ،فإذا .1
أن دفع العدوان وحماية العهود والمواثيق ومنع الردة ودرء الفتنة ومنع البغي هي .2
أن البغي وإ ن كان سببًا مشروعًا للقتال في سبيل اهلل إال أنه ال يعد من الجهاد بمعناه .3
الشرعي ،وذلك ألن البغاة كما تم تعريفهم سابقًا هم مسلمين خرجوا عن الطاعة.
المرحلة الرابعة :مرحلة قتال المشركين كافة حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية.
التوصيات:
الجهاد هو خيار األمة الوحيد ألعالء كلمة اهلل في األرض ،وإلعادة البالد .1
18
وضع مناهج دراسية تبين فضل الجهاد في سبيل اهلل ،لمختلف المراحل .2
العمرية.
19
المصادر والمراجــــــــع
.2محمد علي الصابوني ،مختصر تفسير ابن كثير ،بيروت ،دار القران الكريم ،ط
.4عبد الرحمن بن ناصر السعدي ،تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان،
.5احمد الطيب ،مفهوم الجهاد في اإلسالم ،اإلمارات العربية المتحدة ،دار الحكماء
.6فضل بن عبد اهلل ،المقدمة في فقه العصر ،صنعاء ،دار الجيل الجديد ناشرون،
20
.7محمد بن جرير الطبري ،تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن،
.8احمد بن حنبل ،مسند اإلمام احمد بن حنبل ،بيروت ،مؤسسة الرسالة ،ط،1
.9زين الدين محمد المناوي ،التوقيف على مهمات التعاريف ،القاهرة ،عالم
.10وصفي عاشور ابو زيد ،الجهاد في سبيل اهلل مقاصد وآثار ،بحث على شبكة
اإلنترنت ( 13/4/2024م)،
?https://ketabonline.com/ar/books/92851/read
.part=1&page=14&index=1766066/1766070
.11محمد سعيد البوطي ،فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخالفة الراشدة،
.12شمس الدين محمد الخطيب الشربيني ،مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ
21
.13محمد بن احمد بن جزي الكلبي ،القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية،
.14محمد خير هيكل ،الجهاد والقتال في السياسة الشرعية ،بيروت ،دار البيارق.
.15محمد محمد سعد ،دليل السالك لمذهب اإلمام مالك ،مصر ،دار الندوة ،ط،1
د.ت.
.16عبداهلل بن احمد بن قدامة ،المغني البن قدامة ،مصر ،مكتبة القاهرة ،ط،1
.17محمد بن علي الشوكاني ،رسالة الدواء العاجل لدفع العدو الصائل ،المملكة
.18محمد بن ابي بكر بن قيم الجوزية ،زاد المعاد في هدي خير العباد ،الرياض،
.19محمد أمين بن عابدين ،حاشية رد المحتار على الدر المختار ،مصر ،مطبعة
22
.20عبد الباقي بن يوسف الزرقاني ،شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية
.21محمد بن ابي العباس الرملي ،نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج ،بيروت ،دار
.23احمد بن سعيد بن حزم ،المحلى باألثار ،بيروت ،دار الفكر ،د.ط ،د.ت.
23