Download as docx, pdf, or txt
Download as docx, pdf, or txt
You are on page 1of 25

‫بسم اهلل الرحمن الرحيم‬

‫األسباب الداعية للقتال في سبيل اهلل‬

‫‪:‬إعداد‬

‫المالزم إمام‪ :‬اكرم زيد الزواهرة‬

‫‪:‬مشرف البحث‬

‫النقيب إمام‪ :‬سعيد الهزايمة‬


‫الملخص‬

‫إن مسألة القتال في سبيل اهلل ذات أهمية بالغة في الدين اإلسالمي ال سيما في الوقت الحاضر‬

‫لما تعانيه شعوب الدول اإلسالمية من ظلم وإ ضطهاد‪.‬‬

‫لذا رأى الباحث أن يجعل هذه المسألة موضع بحثه‪ ،‬عازمًا على التوجه إلى إستقراء‬

‫النصوص‪ ،‬لتوضيح المسألة من جميع جوانبها‪.‬‬

‫وليس ثمة أدق من النص القرآني للتعويل عليه في فهم هذه المسألة‪ ،‬حيث تم اإلستناد في‬

‫المقام األول على آيات القرآن الكريم‪ ،‬كونه صالحًا ألن يكون مصدرًا موثوقًا للوصول إلى‬

‫نتائج توضح المسألة بشكل دقيق‪.‬‬

‫إن هذا البحث ينطلق من إشكالية محددة تتمثل في سؤال مركزي‪ ،‬هو‪ :‬ما هي األسباب‬

‫المشروعة الداعية للقتال في سبيل اهلل؟‬

‫وتتفرع عنه األسئلة الفرعية اآلتية‪:‬‬

‫هل دفع العدوان وحماية العهود والمواثيق أسبابًا مشروعة وداعية للقتال في سبيل‬ ‫‪.1‬‬

‫اهلل؟‬

‫هل القتال لدرء الفتنة ومنع الردة والبغي أسبابًا مشروعة وداعية للقتال في سبيل اهلل؟‬ ‫‪.2‬‬
‫ولقد اتخذ الباحث المنهج الوصفي التحليلي طريقًا لبلوغ غايته‪ ،‬ملتجئًا إلى االستقراء المعزز‬

‫باألدلة في كل موضوع‪.‬‬

‫ومن أجل اإلجابة عن السؤال المركزي الذي طرحه البحث‪ ،‬واألسئلة الفرعية المتولدة عنه‬

‫كان لزامًا على مقدمته أن تضع خطة تفي بهذا الغرض‪ ،‬وتحيط بالموضوع من جميع‬

‫أطرافه‪ .‬فكان المبحث األول يتناول مشروعية القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية‬

‫العهود والمواثيق‪ ،‬أعقبه المبحث الثاني الذي تناول مشروعية القتال في سبيل اهلل لمنع الردة‬

‫ولدرء الفتنة ومنع البغي‪ ،‬وذلك من خالل توضيح المفاهيم الواردة في كال المبحثين‪ ،‬مع‬

‫اإلستدالل من القرآن الكريم وأحاديث السنة النبوية الصحيحة‪ ،‬مبينًا وجه الداللة من كل آية‬

‫أو حديث‪ ،‬ألستخلص من كل ذلك الجواب النهائي على كل سؤال طرحه البحث‪.‬‬

‫وقد تبع ذلك كله خاتمة استخلصت أهم ما أفضى إليه البحث من نتائج وتوصيات‪.‬‬
‫المقدمة‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على نبينا محمد المبعوث رحمة للعالمين‪ ،‬وعلى‬

‫آله‪ ،‬وأصحابه أجمعين‪ ،‬ومن تبعهم إلى يوم الدين‪ ،‬وسلم تسليما كثيرا‪.‬‬

‫اإلسالم حضارة كاملة‪ ،‬ودستور شامل ألمور الحياة دينًا ودنيا‪ ،‬ولما كانت الحرب ظاهرة‬

‫إجتماعية جاءت مبادئ اإلسالم واضحة أشد الوضوح فيما يتعلق بالحرب‪ ،‬فقد أنشا لها‬

‫اإلسالم من اآلداب والتقاليد ما لم يسبق للبشرية أن عرفت مثله قبل اإلسالم وال تقيدت‬

‫بنظائره أمة في جميع العصور واألزمان‪.‬‬

‫والقتُل لمجّر د القتل ليس مقصوًد ا وال مراًد ا؛ ألَّن األصل أَّن اإلنساَن بنياُن الرِّب ؛ فال مسّو غ‬

‫ألحد في هدمه إال بإذٍن من الرِّب تبارك وتعالى‪ ،‬وعندما يتولى القرآن الكريم تحديد الغاية‬

‫والمقصد فال ُم َّتَس ع لغايات ومقاصد ُتولد من رحم الهوى‪ ،‬أو َتْن ُبت في أرض النزوات‬

‫والنزغات‪ ،‬لذلك ُش رع القتال في اإلسالم لدفع العدوان‪ ،‬وكف الطغيان‪ ،‬والتخلية بين الدعوة‬

‫والناس‪.‬‬

‫لذلك يمكن القول أن العرب بعد اإلسالم أصبح لهم مدرسة عسكرية ألول مرة في تاريخهم‪.‬‬

‫مشكلة الدراسة‪:‬‬
‫‪2‬‬
‫تتمثل مشكلة هذه البحث في دراسة األسباب الداعية للقتال في سبيل اهلل الذي سيتضح من‬

‫خالل اإلجابة على التساؤالت اآلتية‪:‬‬

‫ما حكم القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية العهود والمواثيق؟‬ ‫‪.1‬‬

‫ما حكم القتال في سبيل اهلل لدرء الفتنة ومنع الردة والبغي؟‬ ‫‪.2‬‬

‫أهداف الدراسة‪:‬‬

‫يهدف هذه البحث إلى تحقيق‪:‬‬

‫بيان حكم القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية العهود والمواثيق‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫بيان حكم القتال في سبيل اهلل لدرء الفتنة ومنع الردة والبغي‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫أهمية الدراسة‪:‬‬

‫إفادة طلبة العلم الشرعي بدراسة متخصصة حول القتال في سبيل اهلل‪.‬‬ ‫‪.1‬‬

‫بيان األسباب المشروعة الداعية للقتال في سبيل اهلل‪.‬‬ ‫‪.2‬‬

‫منهج الدراسة‪:‬‬

‫‪3‬‬
‫سيعتمد الباحث في كتابة هذا البحث على المنهج الوصفي التحليلي وذلك بوصف القتال في‬

‫سبيل اهلل وصفا دقيقا وموضوعيا ثم العمل على تحليله كذلك سيعتمد الباحث على المنهج‬

‫االستقرائي وذلك من خالل استقراء وتتبع كل ما يتعلق بموضوع القتال في سبيل اهلل من‬

‫كتب المصادر والمراجع الدينية القديمة والمعاصرة‪.‬‬

‫الدراسات السابقة‪:‬‬

‫الحسن‪ ،‬علي حسين محمد (‪2013‬م) بعنوان ‪ " :‬الجهاد في سبيل اهلل وأهدافه‬ ‫‪.1‬‬

‫واإلعداد له "‪ ،‬رسالة ماجستير غير منشورة‪ ،‬قسم الدراسات اإلسالمية‪ ،‬كلية اآلداب‪،‬‬

‫جامعة الخرطوم‪ ،‬السودان‪ .‬وقد تناولت هذه الدراسة موضوعات توضح أن الجهاد‬

‫مشروع في اإلسالم باإلجماع‪ ،‬وذلك لما اشتمل عليه القران من األمر به‪ ،‬وما جاءت‬

‫به السنة النبوية قوال وعمال‪ ،‬وللحفاظ على مصلحة الدين أوجب اهلل الجهاد في سبيله‬

‫إلعالء كلمته وإ قامة دينه في األرض‪ ،‬وللرد والدفاع عن النفس والمال والعرض‪.‬‬

‫ويؤكد المقال على أهمية الجهاد‪ ،‬وعلى مكانته في اإلسالم‪ ،‬وعلى دوره الكبير في‬

‫تحقيق مكانة األمة اإلسالمية‪.‬‬

‫خطة الدراسة‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫سيقسم هذا البحث إلى مبحثين وخاتمة‪ ،‬ويشتمل كل مبحث منها عددا من المطالب والفروع‪،‬‬

‫وذلك على النحو اآلتي‪:‬‬

‫المبحث األول‪ :‬القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية العهود والمواثيق‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القتال في سبيل اهلل لحماية العهود والمواثيق‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القتال في سبيل اهلل لدرء الفتنة ومنع الردة والبغي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القتال في سبيل اهلل لمنع الردة‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القتال في سبيل اهلل لدرء الفتنة ومنع البغي‪.‬‬

‫الخاتمة‪:‬‬

‫نتائج وتوصيات‬

‫المصادر والمراجع‬

‫المبحث األول‪ :‬القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان وحماية العهود والمواثيق‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫كان القتال قبل الهجرة محظورا بآيات كثيرة‪ ،1‬منها‪‌﴿ :‬ٱۡد َفۡع ِبٱَّلِتي ِه َي َأۡح َسُن ﴾ [فصلت‪،]34 :‬‬

‫﴿َفٱۡع ُف ‌َع ۡن ُهۡم َو ٱۡص َفۚۡح ِإَّن ٱلَّلَه ُيِح ُّب ٱۡل ُم ۡح ِس ِنيَن ﴾ [المائدة‪َ‌﴿ ،]13 :‬و َٰج ِد ۡل ُهم ِبٱَّلِتي ِه َي َأۡح َس ُۚن ﴾‬
‫‌‬

‫[النحل‪ ،]125 :‬أي من احتاج منهم إلى مناظرة وجدال‪ ،‬فليكن بالوجه الحسن برفق ولين‬

‫وحسن خطاب ‪ ،‬ثم نسخ اهلل وجوب هذا كله في المدينة بقوله تعالى‪َ﴿ :‬فاْقُتُلوا اْلُم ْش ِر ِك يَن َحْي ُث‬
‫‪2‬‬

‫َو َج ْدُتُم وُهْم ﴾ [التوبة ‪َ﴿ ،]5:‬و ٱۡق ُتُلوُهۡم ‌َح ۡي ُث ‌َثِق ۡف ُتُم وُهۡم َو َأۡخ ِر ُج وُهم ِّم ۡن َح ۡي ُث َأۡخ َر ُج وُك ۚۡم ﴾ [البقرة‪:‬‬

‫‪ ،] 191‬أي لتكون همتكم منبعثة على قتالهم كما همتهم منبعثة على قتالكم وعلى إخراجهم من‬
‫‪3‬‬
‫بالدهم التي أخرجوكم منها قصاصا‪.‬‬

‫وهذا ال يعني البدء بالقتال‪ ،‬وال بقتال المسالمين‪ ،‬وال بقتال غير المقاتلة من النساء والصبيان‬

‫والعجزة والشيوخ‪ ،‬وال بتخريب الدور وقطع األشجار‪ ،‬وإ حراق الزروع والثمار‪ ،‬فإن اهلل‬

‫يكره االعتداء‪ ،‬لذلك شرع اهلل القتال ألسباب واضحة وجلية بحيث ال يتجاوز فيه ما تقتضيه‬
‫‪4‬‬
‫الضرورة الحربية‪ ،‬وليس الهدف منه التدمير والتخريب‪ ،‬وال اإلرهاب المجرد‪.‬‬

‫والقتال في سبيل اهلل أسباب وجوبه متعددة‪ ،‬وله شروط وأركان وواجبات‪ ،‬فإذا توفرت‬

‫األسباب والشروط اجتمع أولو األمر وجوبا للمشاورة‪.‬‬

‫‪1‬الزحيلي‪ ،‬وهبة الزحيلي‪ ،‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر المعاصر‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ ‪1991 -‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.178‬‬
‫‪2‬الصابوني‪ ،‬محمد علي‪ ،‬مختصر تفسير ابن كثير‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار القران الكريم‪ ،‬ط‪1402 ،7‬هـ ‪1981 -‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.352‬‬
‫‪3‬الصابوني‪ ،‬مختصر تفسير ابن كثير‪ ،‬ج‪ ،1‬ص‪.169‬‬
‫‪4‬الزحيلي‪ ،‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج‪ ،‬ج‪ ،2‬ص ‪ 183 – 179‬بتصرف‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫وسيأتي تفصيل األسباب في المطالب التالية‪:‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القتال في سبيل اهلل لدفع العدوان‪.‬‬

‫مفهوم العدوان‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫قال الَّر اِغ ُب األصفهانُّي في تعريفه للعدوان أنه‪" :‬اإلخالُل بالعدالِة في المعاَم لِة "‪.5‬‬

‫مشروعية القتال بسبب العدوان‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫إن أول أية نزلت لتأذن للمسلمين بالقتال في القرآن‪ ،‬هي قوله تعالى‪ُ﴿ :‬أِذ َن ِلَّلِذ يَن ُيَٰق َتُلوَن ِبَأَّنُهۡم‬

‫ُظِلُم وْۚا َو ِإ َّن ٱلَّلَه َع َلٰى َنۡص ِر ِه ۡم َلَقِد يٌر ‪ ٣٩‬ٱَّلِذ يَن ُأۡخ ِر ُج وْا ِم ن ِد َٰي ِر ِه م ِبَغ ۡي ِر َح ٍّق ِإٓاَّل َأن َيُقوُلوْا َر ُّبَنا‬

‫ٱلَّلُۗه َو َلۡو اَل َد ۡف ُع ٱلَّلِه ٱلَّناَس َبۡع َض ُهم ِبَبۡع ٖض َّلُهِّد َم ۡت َص َٰو ِم ُع َو ِبَي‪ٞ‬ع َو َص َلَٰو ‪ٞ‬ت َو َم َٰسِج ُد ُيۡذ َك ُر ِف يَها‬

‫ٱۡس ُم ٱلَّلِه َك ِثيٗر ۗا َو َلَينُص َر َّن ٱلَّلُه َم ن َينُص ُر ۚٓۥُه ِإَّن ٱلَّلَه َلَقِو ٌّي َع ِز يٌز ‪[ ﴾٤٠‬الحج‪.]40-39 :‬‬

‫كان المسلمون في أول اإلسالم ممنوعين من قتال الكفار‪ ،‬ومأمورين بالصبر عليهم‪ ،‬لحكمة‬

‫إلهية‪ ،‬فلما هاجروا إلى المدينة‪ ،‬وأوذوا‪ ،‬وحصل لهم منعة وقوة‪ ،‬أذن لهم بالقتال‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬

‫{‌أذن‌للذين يقاتلون} يفهم منه أنهم كانوا قبل ممنوعين‪ ،‬فأذن اهلل لهم بقتال الذين يقاتلون‪ ،‬وإ نما‬
‫‪6‬‬
‫أذن لهم‪ ،‬ألنهم ظلموا‪ ،‬بمنعهم من دينهم‪ ،‬وأذيتهم عليه‪ ،‬وإ خراجهم من ديارهم‪.‬‬

‫‪5‬األصفهاني‪ ،‬الحسين بن محمد‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار القلم‪ ،‬ط‪1412 ،1‬هـ ‪1992 -‬م‪ ،‬ص‪.553‬‬
‫‪6‬السعدي‪ ،‬عبد الرحمن بن ناصر‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ ‪2000 -‬م‪ ،‬ص‪.539‬‬

‫‪7‬‬
‫وقد ُأِذ َن في هذه اآلية بالقتال بعد ما ُنهَي عنه في نيف وسبعين آية‪ ،‬وكان أصحاب النبي‬

‫صلى اهلل عليه وسلم يأتون إليه طوال العهد المكي ما بين مضروب ومشجوج‪ ،‬يتظلمون إليه‬

‫فيصبرهم ويقول لهم لم ُأومر بقتال‪ ،‬فأنزل اهلل عليه هذه اآلية‪ ،‬وفي ضوء هذه اآلية يتضح‬

‫أَّن أول أسباب مشروعية القتال في اإلسالم‪ :‬نصرة المظلومين ودفع العدوان والظلم عنهم‪،‬‬
‫‪7‬‬
‫وتمكينهم من حياة آمنة مثل غيرهم‪.‬‬

‫وقد دل أيضا القتال في سبيل اهلل ردا على العدوان قوله تعالى‪( :‬فمن اعتدى عليكم فاعتدوا‬

‫عليه بمثل ما اعتدى عليكم) (البقرة‪.)194 :‬‬

‫كما إن القتال في سبيل اهلل واجب للدفاع عن األفراد يجب أيضًا لحماية حدود دولة اإلسالم‬

‫من عدو مقاتل‪ 8‬لقوله تعالى‪( :‬يا أيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم‬

‫غلظة) (التوبة‪ )123 :‬يقول الطبري في تفسيره لهذه اآلية‪" :‬أي اْبَد ُءوا ِبِق َتاِل اَأْلْق ِب َفاَأْلْق ِب‬
‫َر‬ ‫َر‬
‫ِب ِب ِذِه ِة ِئٍذ‬ ‫َّلِذ‬ ‫ِد‬ ‫ِد‬ ‫ِإ‬
‫َلْي ُك ْم َد اًر ا ُد وَن اَأْلْب َع َفاَأْلْب َع ‪َ .‬و َك اَن ا ي َي ُلوَن اْلُم َخ اَط يَن َه اآْل َي َيْو َم الُّر وُم ‪َ ،‬أِلَّنُهْم‬
‫‪9‬‬
‫َك اُنوا ُس َّك اَن الَّش اِم َيْو َم ِئٍذ ‪َ ،‬و الَّش اُم َك اَنْت َأْقَر َب ِإَلى اْلَم ِد يَنِة "‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القتال في سبيل اهلل لحماية العهود والمواثيق‪.‬‬

‫‪7‬الطيب‪ ،‬احمد الطيب‪ ،‬مفهوم الجهاد في اإلسالم‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬دار الحكماء للنشر‪ ،‬ط‪1440 ،2‬هـ ‪2019 -‬م‪ ،‬ص ‪.29 – 28‬‬
‫‪8‬عبد اهلل‪ ،‬فضل بن عبد اهلل‪ ،‬المقدمة في فقه العصر‪ ،‬صنعاء‪ ،‬دار الجيل الجديد ناشرون‪ ،‬ط‪1437 ،2‬هـ ‪2016 -‬م‪ ،‬ج‪ ،2‬ص‪.734‬‬
‫‪9‬الطبري‪ ،‬محمد بن جرير‪ ،‬تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬الجيزة‪ ،‬دار هجر للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ‪2001 -‬م‪ ،‬ج‪،12‬‬
‫ص‪.85‬‬

‫‪8‬‬
‫جاء اإلسالم بحفظ العهود والمواثيق‪ ،‬واهتم بالوفاء بالعقود‪ ،‬وحث المسلمين على االلتزام‬

‫بها‪ ،‬وجعل نقضها من الغدر‪ ،‬ومن إحدى صفات المنافقين‪ ،‬كما جاء في القرآن الكريم في‬

‫قوله تعالى‪َٰٓ﴿ :‬يَأُّيَها ٱَّلِذ يَن َء اَم ُنٓو ْا َأۡو ُفوْا ِبٱۡل ُعُقوِۚد ﴾ [المائدة‪ ،]1 :‬يعني‪ :‬أوفوا بالعهود التي‬

‫عاهدتموها ربكم والعقود التي عاقدتموها إياه‪ ،‬وأوجبتم بها على أنفسكم حقوقا وألزمتم أنفسكم‬

‫بها هلل فروضا‪ ،‬فأتموها بالوفاء والكمال والتمام منكم هلل بما ألزمكم بها‪ ،‬ولمن عاقدتموه منكم‬

‫بما أوجبتموه له بها على أنفسكم‪ ،‬وال تنكثوها فتنقضوها بعد توكيدها‪ 10.‬وفي السنة النبوية في‬

‫قوله ‪-‬صلى اهلل عليه وسلم‪َ" :-‬م ْن َك اَن َبْيَنُه َو َبْي َن َقْو ٍم َع ْهٌد ‪َ ،‬فاَل َيِحَّلَّن ُع ْقَدًة َو اَل َيُش َّد َه ا َح َّتى‬
‫‪11‬‬
‫َيْن َقِض َي َأَم ُد َه ا‪َ ،‬أْو َيْن ِبَذ ِإَلْي ِه ْم َع َلى َس َو اٍء "‪.‬‬

‫مفهوم العهود والمواثيق‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪12‬‬
‫هو حفظ الشيء ومراعاته حاًال بعد حال‪ ،‬ويسمى الوعد الموثق الذي يلزم مراعاته‪ :‬عهدًا‪.‬‬

‫مشروعية القتال بسبب العهود والمواثيق‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫﴿َو ِإ ن‬
‫يقول اهلل تعالى في سورة التوبة موضحًا أن نقض العهد هو سبب في قتال المشركين‪‌ :‬‬

‫َّل‬ ‫ِف ِد ِن َٰق ِت ِئ ۡل ۡف‬ ‫ِد ِدِه‬


‫‌َّنَك ُثٓو ْا َأۡي َٰم َنُهم ِّم ۢن َبۡع َع ۡه ۡم َو َطَع ُنوْا ي ي ُك ۡم َف ُلٓو ْا َأ َّم َة ٱ ُك ِر ِإَّنُهۡم ٓاَل َأۡي َٰم َن َلُهۡم َلَع ُهۡم َينَتُهوَن‬
‫‪10‬‬
‫الطبري‪ ،‬تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪ ،‬ج‪ ،8‬ص‪.5‬‬
‫‪11‬بن حنبل‪ ،‬احمد بن حنبل‪ ،‬مسند اإلمام احمد بن حنبل‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ ‪2001 -‬م‪ ،‬مسند الشاميين‪ ،‬حديث عمرو بن‬
‫عبسة‪ ،‬رقم‪ ،17015‬ج‪ ،28‬ص‪.229‬‬
‫‪12‬المناوي‪ ،‬زين الدين محمد‪ ،‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عالم الكتب‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ ‪1990 -‬م‪ ،‬ص‪.248‬‬

‫‪9‬‬
‫‪َ ١٢‬أاَل ُتَٰق ِتُلو َقۡو ٗم ا َّنَك ُثٓو ْا َأۡي َٰم َن ۡم ُّم وْا ِبِإۡخ اِج ٱلَّر وِل م َد وُك ۡم َأَّو َل َّر ٍۚة َأَتۡخ َش ۡو َن ۚۡم‬
‫ُه‬ ‫َم‬ ‫ُس َو ُه َب ُء‬ ‫َر‬ ‫ُه َو َه‬ ‫َن‬

‫َفٱلَّلُه َأَح ُّق َأن َتۡخ َش ۡو ُه ِإن ُك نُتم ُّم ۡؤ ِمِنيَن ‪[ ﴾ ١٣‬التوبة‪.]13-12 :‬‬

‫أي‪ :‬نقضوها وحلوها‪ ،‬أي‪ :‬ال عهود وال مواثيق يالزمون على الوفاء بها‪ ،‬بل ال يزالون‬
‫‪13‬‬
‫خائنين‪ ،‬ناكثين للعهد‪ ،‬ال يوثق منهم‪ .‬فإن اهلل أمركم بقتالهم‪ ،‬وأكد ذلك عليكم غاية التأكيد‪.‬‬

‫وقد طبق النبي ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬هذه األوامر الربانية في تعامله مع األعداء في‬

‫حروبه ومغازيه‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪ :‬فتح مكة المكرمة‪ ،‬وكان غْز ُو ُه لها ألجل قيام قريش بنقض‬

‫العهد والميثاق الذي وقعوا عليه في الحديبية عام ‪ ٦‬هـ‪ ،‬فجّهز جيشا ولم يعلن بذلك بل فاجأ‬

‫العدو بالهجوم على مكة المكرمة وهذا ما تبعه النبي الكريم‪ .‬صلى اهلل عليه وسلم مع العدو‬

‫الناكث للعهد‪ ،‬والناقض للميثاق؛ أنه ال بد من الكتمان والسرية لجميع االستعدادات لشن‬
‫‪14‬‬
‫الغارة على العدو الغادر الخائن‪.‬‬

‫وكان يهود بني قينقاع أول من نقض العهد مع النبي – صلى اهلل عليه وسلم ‪ ،-‬وهددوا النبي‬

‫‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬والمسلمين؛ قالوا‪" :‬يا محمد ال يغرّنك من نفسك أنك قتلت نفرًا من‬

‫قريش كانوا أغمارًا ال يعرفون القتال‪ ،‬إنك لو قاتلتنا لعرفت أنا نحن الناس" ‪ .‬وتطبيقًا‬

‫لتهديداتهم قاموا بكشف عورة مسلمة عفيفة‪ ،‬فصاحت واستغاثت؛ فكان هذا الفعل نقض للعهد‬
‫‪13‬السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص‪.331‬‬
‫‪14‬ابو زيد‪ ،‬وصفي عاشور‪ ،‬الجهاد في سبيل اهلل مقاصد وآثار‪ ،‬بحث على شبكة اإلنترنت ( ‪13/4/2024‬م)‪،‬‬
‫‪.https://ketabonline.com/ar/books/92851/read?part=1&page=14&index=1766066/1766070‬‬

‫‪10‬‬
‫صريح منهم‪ ،‬فأخبرهم الرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه و سلم ‪ -‬بانتهاء الميثاق وانتقاض العهد ثم‬

‫حاصرهم وأجالهم من المدينة‪ ،‬وعادت للرسول ‪ -‬صلى اهلل عليه وسلم ‪ -‬أموالهم فيئًا‬
‫‪15‬‬
‫ولحقوا بالشام ونزلوا بـ "أذرعات"‪ ،‬وهلك أكثرهم فيها‪.‬‬

‫المبحث الثاني‪ :‬القتال في سبيل اهلل لمنع الردة وبسبب الفتنة والبغي‪.‬‬

‫المطلب األول‪ :‬القتال في سبيل اهلل لمنع الردة‪.‬‬

‫مفهوم الردة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ِف‬ ‫ِم ِن ِة‬


‫ذكر النووي في المنهاج تعريفه لها فقال هي‪َ" :‬قْطُع اِإْل ْس اَل ِب َّي َأْو َقْو ِل ُكْفٍر َأْو ْع ٍل ‪َ ،‬س َو اٌء‬
‫‪16‬‬
‫َقاَلُه اْس ِتْهَز اًء َأْو ِع َناًد ا َأْو اْع ِتَقاًد ا"‪.‬‬

‫ففي نطاق اإلعتقاد‪ :‬فقد كفر من نفى الربوبية أو الوحدانية أو عبد مع اهلل غيره‪ ،17‬ويكفر‬

‫المسلم إذا جحد شيئًا جاءت األدلة القاطعة على أنه من عقائد اإلسالم‪ ،‬كإنكار شيء من‬

‫األحكام الشرعية القطعية‪ ،‬كإنكار وجوب الصالة‪ ،‬وإ نكار وجوب الزكاة ومثلها بقية أركان‬

‫اإلسالم‪.‬‬

‫‪15‬البوطي‪ ،‬محمد سعيد‪ ،‬فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخالفة الراشدة‪ ،‬دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1426 ،25‬هـ ‪2006 -‬م‪ ،‬ص‪.167‬‬
‫‪16‬الشربيني‪ ،‬شمس الدين محمد الخطيب‪ ،‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ ‪1994 -‬م‪ ،‬ج‪ ،5‬ص‬
‫‪.427‬‬
‫‪17‬ابن جزي الكلبي‪ ،‬محمد بن احمد‪ ،‬القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ ‪2013 -‬م‪ ،‬ص‪.601‬‬

‫‪11‬‬
‫وأما في نطاق األفعال فكل شيء يدل على اعتقاد ما يناقض اإلسالم يكون القيام به ارتدادًا‬
‫‪18‬‬
‫عن اإلسالم‪ ،‬كالسجود للصنم‪ ،‬أو السعي إلى الكنائس بزي النصارى‪.‬‬

‫وفي نطاق األقوال التي ُيكفر صاِح ُب ها‪ :‬كفر مسلم بصريح من القول أو قول يقتضيه‪ ،‬كأن‬
‫‪19‬‬
‫يَس ُّب اهلل َع َّز َو َج َّل ‪ ،‬أو يسُّب نبيًا‪.‬‬

‫مشروعية القتال بسبب الردة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫وقتال المرتدين هو جهاد في سبيل اهلل بمعناه الشرعي‪ ،‬ألن تعريف الجهاد ينطبق عليه‪ ،‬فهو‬

‫قتال الكفار إلعالء كلمة اهلل والمرتدون كفار‪ ،‬وقتالهم هو إلعالء كلمة اهلل‪ 20.‬وعلى اإلمام‬

‫قتالهم‪ ،‬فإن أبا بكر الصديق ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قاتل أهل الردة بجماعة الصحابة‪ ،‬وألن اهلل‬

‫تعالى قد أمر بقتال الكفار في مواضع من كتابه‪ ،‬وهؤالء أحقهم بالقتال؛ ألن‌تركهم‌ربما‬
‫‪21‬‬
‫‌أغرى‌أمثالهم بالتشبه بهم واالرتداد معهم‪ ،‬فيكثر الضرر بهم‪.‬‬

‫ويقول الشوكاني‪ ،‬عن طوائف من المسلمين خرجت عن اإلسالم‪ ،‬فيقول وهؤالء جهادهم‬

‫واجب وقتالهم متعين‪ ،‬حيث يجب على كل فرد من أفراد المسلمين إنكارها‪ ،‬ويتعين على كل‬

‫‪18‬هيكل‪ ،‬محمد خير هيكل‪ ،‬الجهاد والقتال في السياسة الشرعية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار البيارق‪ ،‬ص‪.55‬‬
‫‪19‬سعد‪ ،‬محمد محمد‪ ،‬دليل السالك لمذهب اإلمام مالك‪ ،‬مصر‪ ،‬دار الندوة‪ ،‬ط‪ ،1‬د‪.‬ت‪ ،‬ص‪.142‬‬
‫‪20‬هيكل‪ ،‬الجهاد والقتال في السياسة الشرعية‪ ،‬ص‪.58‬‬
‫‪21‬بن قدامة‪ ،‬عبداهلل بن احمد‪ ،‬المغني البن قدامة‪ ،‬مصر‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬ط‪1388 ،1‬هـ ‪1968 -‬م‪ ،‬ج‪ ،9‬ص‪.10‬‬

‫‪12‬‬
‫قادر أن يقاتل أهلها‪ ،‬حتى يقبلوا أحكام اإلسالم‪ ،‬ويذعنوا لها‪ ،‬ويحكموا بينهم بالشريعة‬
‫‪22‬‬
‫المطهرة ويخرجوا من جميع ما هم فيه من تحكيم الطواغيت الشيطانية‪.‬‬

‫المطلب الثاني‪ :‬القتال في سبيل اهلل بسبب الفتنة والبغي‪.‬‬

‫إن القتال لمنع الفتن وإ خمادها‪ ،‬أمر مشروع في اإلسالم؛ ألجل اإلصالح والمحافظة على‬

‫كيان المجتمع اإلسالمي وأمنه واستقراره‪ .‬واإلسالم يأمر بالجهاد‪ ،‬لدفع كل فتنة‪ ،‬تهدد وحدة‬

‫المسلمين وأمنهم‪.‬‬

‫مفهوم الفتنة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫ذكر ابن القيم في كتابه زاد المعاد أكثر من مفهوم للفتنة فقال مرة أنها تأتي بمعنى الشرك‬

‫وذكر معنى آخر فقال‪ " :‬وهي بمعنى االمتحان واالختبار واالبتالء من اهلل لعباده بالخير‬
‫‪23‬‬
‫والشر بالِّنَع م والمصائب "‪.‬‬

‫مشروعية القتال بسبب الفتنة‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫‪22‬الشوكاني‪ ،‬محمد بن علي‪ ،‬رسالة الدواء العاجل لدفع العدو الصائل‪ ،‬المملكة العربية السعودية‪ ،‬الجامعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ ‪1989 -‬م‪ ،‬ص‬
‫‪.62 – 61‬‬
‫‪23‬ابن القيم الجوزية‪ ،‬محمحد بن ابي بكر‪ ،‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬الرياض‪ ،‬دار عطاءات العلم‪ ،‬ط‪1440 ،3‬هـ ‪2019 -‬م‪ ،‬ج‪ ،3‬ص‪198‬‬
‫– ‪.199‬‬

‫‪13‬‬
‫قال اهلل تعالى‪َ﴿ :‬و َٰق ِتُلوُهۡم ‌َح َّتٰى ‌اَل ‌َتُك وَن ِف ۡت َن‪ٞ‬ة َو َيُك وَن ٱلِّد يُن ِلَّلِۖه َفِإِن ٱنَتَهۡو ْا َفاَل ُع ۡد َٰو َن ِإاَّل َع َلى‬
‫َّٰظ‬
‫ٱل ِلِم يَن ﴾ [البقرة‪.]193 :‬‬

‫وقال اهلل تعالى‪َ﴿ :‬و َٰقِتُلوُهۡم ‌َح َّتٰى ‌اَل ‌َتُك وَن ِف ۡت َن‪ٞ‬ة َو َيُك وَن ٱلِّد يُن ُك ُّل ۥُه ِلَّلِۚه ﴾ [األنفال‪.]39 :‬‬

‫قال الشيخ السعدي في تفسيره آلية سورة البقرة السابقة‪ " :‬ذكر تعالى المقصود من القتال في‬

‫سبيله‪ ،‬وأنه ليس المقصود به‪ ،‬سفك دماء الكفار‪ ،‬وأخذ أموالهم‪ ،‬ولكن المقصود به أن {يكون‬

‫الدين هلل} تعالى‪ ،‬فيظهر دين اهلل [تعالى] ‪ ،‬على سائر األديان‪ ،‬ويدفع كل ما يعارضه‪ ،‬من‬
‫‪24‬‬
‫الشرك وغيره‪ ،‬وهو المراد بالفتنة "‪.‬‬

‫وقال في تفسيره آلية سورة األنفال بعدها‪ " :‬فهذا المقصود من القتال والجهاد ألعداء الدين‪،‬‬

‫أن يدفع شرهم عن الدين‪ ،‬وأن يذب عن دين اهلل الذي خلق الخلق له‪ ،‬حتى يكون هو العالي‬
‫‪25‬‬
‫على سائر األديان "‪.‬‬

‫ولقد قرر القرآن أن الفتنة في الدين أكبر من القتل وأشد من القتل‪ ،‬ولهذا شرع القتال لدرء‬

‫ِق ۡف‬
‫هذه الفتنة ومنعها‪ ،‬قال تعالى‪َ :‬و ٱ ُتُلوُهۡم ‌َح ۡي ُث ‌َث ُتُم وُهۡم َو َأ ِر ُج وُهم ِّم ۡن َح ۡي ُث َأ َر ُج‬
‫وُك ۚۡم‬ ‫ۡخ‬ ‫ۡخ‬ ‫ۡق‬

‫َو ٱۡل ِف ۡت َنُة َأَش ُّد ِم َن ٱۡل َقۡت ِۚل [البقرة‪.]191 :‬‬

‫‪24‬السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص‪.89‬‬


‫‪25‬السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪ ،‬ص‪.321‬‬

‫‪14‬‬
‫مفهوم البغي‪:‬‬ ‫‪‬‬

‫أما البغي فهناك إختالف بين الفقهاء في تعريفه اصطالًح ا الختالف مذاهبهم فيه‪ ،‬حيث يعرف‬

‫الحنفية البغاة ويستخرجون منها تعريف البغي بأنه الخروج عن طاعة إمام الحق بغير حق‪،‬‬
‫‪26‬‬
‫والباغي بأنه الخارج عن طاعة إمام الحق بغير حق‪.‬‬

‫والمالكية يعرفون البغي بأنه االمتناع عن طاعة من ثبتت إمامته في غير معصية بمغالبته‬
‫‪27‬‬
‫ولو تأويًال‪.‬‬

‫ويعرف الشافعية البغاة بأنهم المسلمون مخالفو اإلمام بخروج عليه وترك االنقياد له أو منع‬
‫‪28‬‬
‫حق توجه عليهم بشرط شوكة لهم وتأويل‪.‬‬

‫أما عن مشروعية القتال بسبب البغي فقتال البغاة ال يعد من الجهاد بمعناه الشرعي‪ ،‬وذلك‬

‫ألن الجهاد هو قتال الكفار إلعالء كلمة اهلل‪ ،‬وقتال البغاة هو قتال المسلمين خرجوا عن‬

‫الطاعة‪ ،‬لتأديبهم‪ ،‬وإ عادتهم إلى حكم الطاعة‪ ،،‬وألن من عالمة «الجهاد» أن قتلى المسلمين‬

‫فيه ُيعتبرون شهداء الدنيا واآلخرة‪ ،‬ال ُيَغ َّس ُلون‪ ،‬وال ُيَك ِّفُنون‪ ،‬بما يزيد عن ثيابهم ما دامت‬

‫سابغة‪ ،‬وُي دفنون على هذه الحال‪ .‬بينما غيرهم من المسلمين ممن مات أو قتل في غير الجهاد‬

‫‪26‬ابن عابدين‪ ،‬محمد أمين‪ ،‬حاشية رد المحتار على الدر المختار‪ ،‬مصر‪ ،‬مطبعة مصطفى البابي ‪ ،‬ط‪1386 ،2‬هـ ‪1966 -‬م‪ ،‬ج‪ ،4‬ص‪.261‬‬
‫‪27‬الزرقاني‪ ،‬عبد الباقي بن يوسف‪ ،‬شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية البناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ‪2002 -‬م‪ ،‬ج‪،8‬‬
‫ص‪.103‬‬
‫‪28‬الرملي‪ ،‬محمد بن ابي العباس‪ ،‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط أخيرة‪1404 ،‬هـ ‪1984 -‬م‪ ،‬ج‪ ،7‬ص‪.402‬‬

‫‪15‬‬
‫فإنهم يبقون على حكم األصل في الغسل والتكفين والصالة‪ ،‬ولو كانوا شهداء اآلخرة‪،‬‬

‫كالغريق‪ ،‬وصاحب الهدم وقتيل أهل العدل في قتاله للبغاة هو من هذا القبيل‪ ،‬ألنه ينطبق‬

‫عليه أحد الوجوه الواردة في شهداء اآلخرة ‪ ،‬في قوله صلى اهلل عليه وسلم‪َ« :‬م ْن َقاَتَل ُد وَن‬
‫‪29‬‬

‫َم اِلِه َفُقِتَل َفُهَو ‌َش ِه يٌد ‪َ ،‬و َم ْن َقاَتَل ُد وَن َد ِمِه َفُهَو ‌َش ِه يٌد ‪َ ،‬و َم ْن َقاَتَل ُد وَن َأْه ِلِه ‪َ ،‬فُهَو ‌َش ِه يٌد »‪ 30‬يقول‬

‫ابن حزم ‪َ« :‬فَص َّح َأَّن َم ْن َقَتَلُه ِم ْن ‌اْلُبَغ اِة َفِإَّنَم ا ُقِتَل َع َلى َأَح ِد َه ِذِه اْلُو ُج وِه ‪َ ،‬فُهَو ِف ي َظاِه ِر‬

‫اَأْلْم ِر ‌َش ِه يٌد ‪َ ،‬و َلْي َس ُك ُّل ‌َش ِه يٍد ُيْد َفُن ُد وَن ُغ ْس ٍل َو اَل َص اَل ٍة »‪ 31‬أي‪ :‬من شهداء اآلخرة فقط‪ ،‬فال‬

‫ُي عامل كشهيد الدنيا واآلخرة في ترك غسله وتكفينه بما يزيد عن ثيابه إذا كانت تستر جميع‬

‫بدنه‪.‬‬

‫وعلى هذا‪ ،‬فما دام القتلى في غير حرب الكفار إلعالء كلمة اهلل ال ُيعتبرون شهداء الدنيا‬

‫واآلخرة‪ ،‬فإن معنى ذلك ‪ :‬أن حربهم التي قتلوا فيها ليست جهادًا في سبيل اهلل‪ ،‬وإ ن كان لهم‬
‫‪32‬‬
‫ثواب المجاهدين الشهداء‪.‬‬

‫‪29‬هيكل‪ ،‬الجهاد والقتال في السياسة الشرعية‪ ،‬ص‪.67 – 66‬‬


‫‪30‬النسائي‪ ،‬احمد بن شعيب‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1421 ،1‬هـ ‪2001 -‬م‪ ،‬كتاب المحاربة‪ ،‬باب من مات دون أهله‪ ،‬رقم‬
‫‪ ،3543‬ج‪ ،3‬ص‪.454‬‬
‫‪31‬ابن حزم‪ ،‬احمد بن سعيد‪ ،‬المحلى باألثار‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪ ،‬ج‪ ،11‬ص‪.348‬‬
‫‪32‬هيكل‪ ،‬الجهاد والقتال في السياسة الشرعية‪ ،‬ص‪.67‬‬

‫‪16‬‬
‫الخاتمـــة‬

‫‌‌ومسك الختام لقد إجتهد الباحث في حدود بحثه واطالعه الضيق ونظره القاصر‪ ،‬حيث جمع‬

‫الباحث هذه المادة وقد حاول أن يقرب موضوع األسباب الداعية للقتال في سبيل اهلل‪ ،‬في‬

‫ضوء القرآن الكريم وصحيح السنة المطهرة وكالم أئمة التفسير وعلماء األمة ومربيها‬

‫ومصلحيها وذلك بأسلوب ميسر ومنهجية علمية مؤصلة‪ ،‬نسأل اهلل تعالى أن يتقبلها بقبول‬

‫حسن وأن ينفع بها‪ ،‬كاتبها وقارئها والدال عليها‪.‬‬

‫ولعل فيما مضى معتبًر ا ألهل البحث والنظر‪ ،‬والباحث ال يزعم أنه أتى بجديد‪ ،‬ولكن حسبه‬

‫قول ربنا‪ِ{ :‬إَّن ِفي َذ ِلَك َلِذ ْك َر ى ِلَم ْن َك اَن َلُه َقْلٌب َأْو َأْلَقى الَّس ْم َع َو ُهَو َش ِه يٌد } [ق‪.]37 :‬‬

‫النتائج‪:‬‬

‫لقد توصل الباحث الى عدة نتائج تلخص مضمون ما قدم في البحث‪:‬‬
‫‪17‬‬
‫أن القتال في سبيل اهلل أسباب وجوبه متعددة‪ ،‬وله شروط وأركان وواجبات‪ ،‬فإذا‬ ‫‪.1‬‬

‫توفرت األسباب والشروط اجتمع أولو األمر وجوبًا للمشاورة‪.‬‬

‫أن دفع العدوان وحماية العهود والمواثيق ومنع الردة ودرء الفتنة ومنع البغي هي‬ ‫‪.2‬‬

‫أسباب مشروعة وداعية للقتال في سبيل اهلل‪.‬‬

‫أن البغي وإ ن كان سببًا مشروعًا للقتال في سبيل اهلل إال أنه ال يعد من الجهاد بمعناه‬ ‫‪.3‬‬

‫الشرعي‪ ،‬وذلك ألن البغاة كما تم تعريفهم سابقًا هم مسلمين خرجوا عن الطاعة‪.‬‬

‫أن الجهاد مر بمراحل أربع‪:‬‬ ‫‪.4‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬الكف عن القتال والدعوة إلى اإلسالم من غير قتال‪.‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬مرحلة اإلذن بالقتال من غير أمر به‪.‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬مرحلة قتال من قاتل المسلمين والكف عمن لم يقاتلهم‪.‬‬

‫المرحلة الرابعة‪ :‬مرحلة قتال المشركين كافة حتى يسلموا أو يدفعوا الجزية‪.‬‬

‫التوصيات‪:‬‬

‫الجهاد هو خيار األمة الوحيد ألعالء كلمة اهلل في األرض‪ ،‬وإلعادة البالد‬ ‫‪.1‬‬

‫واألمجاد‪ ،‬فال بد من تحديث النفوس بالجهاد‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫وضع مناهج دراسية تبين فضل الجهاد في سبيل اهلل‪ ،‬لمختلف المراحل‬ ‫‪.2‬‬

‫العمرية‪.‬‬

‫غرس العقيدة القتالية اإلسالمية في نفوس الجيوش اإلسالمية‪.‬‬ ‫‪.3‬‬

‫‪19‬‬
‫المصادر والمراجــــــــع‬

‫‪ .1‬وهبة الزحيلي‪ ،‬التفسير المنير في العقيدة والشريعة والمنهج‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬

‫الفكر المعاصر‪ ،‬ط‪1411 ،1‬هـ ‪1991 -‬م‪.‬‬

‫‪ .2‬محمد علي الصابوني‪ ،‬مختصر تفسير ابن كثير‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار القران الكريم‪ ،‬ط‬

‫‪1402 ،7‬هـ ‪1981 -‬م‪.‬‬

‫‪ .3‬الحسين بن محمد األصفهاني‪ ،‬المفردات في غريب القرآن‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار القلم‪،‬‬

‫ط‪1412 ،1‬هـ ‪1992 -‬م‪.‬‬

‫‪ .4‬عبد الرحمن بن ناصر السعدي‪ ،‬تيسير الكريم الرحمن في تفسير كالم المنان‪،‬‬

‫بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪1420 ،1‬هـ ‪2000 -‬م‪.‬‬

‫‪ .5‬احمد الطيب‪ ،‬مفهوم الجهاد في اإلسالم‪ ،‬اإلمارات العربية المتحدة‪ ،‬دار الحكماء‬

‫للنشر‪ ،‬ط‪1440 ،2‬هـ ‪2019 -‬م‪.‬‬

‫‪ .6‬فضل بن عبد اهلل‪ ،‬المقدمة في فقه العصر‪ ،‬صنعاء‪ ،‬دار الجيل الجديد ناشرون‪،‬‬

‫ط‪1437 ،2‬هـ ‪2016 -‬م‪.‬‬

‫‪20‬‬
‫‪ .7‬محمد بن جرير الطبري‪ ،‬تفسير الطبري جامع البيان عن تأويل آي القرآن‪،‬‬

‫الجيزة‪ ،‬دار هجر للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫‪ .8‬احمد بن حنبل‪ ،‬مسند اإلمام احمد بن حنبل‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫‪1421‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫‪ .9‬زين الدين محمد المناوي‪ ،‬التوقيف على مهمات التعاريف‪ ،‬القاهرة‪ ،‬عالم‬

‫الكتب‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ ‪1990 -‬م‪.‬‬

‫‪ .10‬وصفي عاشور ابو زيد‪ ،‬الجهاد في سبيل اهلل مقاصد وآثار‪ ،‬بحث على شبكة‬

‫اإلنترنت ( ‪13/4/2024‬م)‪،‬‬

‫?‪https://ketabonline.com/ar/books/92851/read‬‬

‫‪.part=1&page=14&index=1766066/1766070‬‬

‫‪ .11‬محمد سعيد البوطي‪ ،‬فقه السيرة النبوية مع موجز لتاريخ الخالفة الراشدة‪،‬‬

‫دمشق‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬ط‪1426 ،25‬هـ ‪2006 -‬م‪.‬‬

‫‪ .12‬شمس الدين محمد الخطيب الشربيني‪ ،‬مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ‬

‫المنهاج‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1415 ،1‬هـ ‪1994 -‬م‪.‬‬

‫‪21‬‬
‫‪ .13‬محمد بن احمد بن جزي الكلبي‪ ،‬القوانين الفقهية في تلخيص مذهب المالكية‪،‬‬

‫بيروت‪ ،‬دار ابن حزم‪ ،‬ط‪1434 ،1‬هـ ‪2013 -‬م‪.‬‬

‫‪ .14‬محمد خير هيكل‪ ،‬الجهاد والقتال في السياسة الشرعية‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار البيارق‪.‬‬

‫‪ .15‬محمد محمد سعد‪ ،‬دليل السالك لمذهب اإلمام مالك‪ ،‬مصر‪ ،‬دار الندوة‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪ .16‬عبداهلل بن احمد بن قدامة‪ ،‬المغني البن قدامة‪ ،‬مصر‪ ،‬مكتبة القاهرة‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫‪1388‬هـ ‪1968 -‬م‪.‬‬

‫‪ .17‬محمد بن علي الشوكاني‪ ،‬رسالة الدواء العاجل لدفع العدو الصائل‪ ،‬المملكة‬

‫العربية السعودية‪ ،‬الجامعة اإلسالمية‪ ،‬ط‪1410 ،1‬هـ ‪1989 -‬م‪.‬‬

‫‪ .18‬محمد بن ابي بكر بن قيم الجوزية‪ ،‬زاد المعاد في هدي خير العباد‪ ،‬الرياض‪،‬‬

‫دار عطاءات العلم‪ ،‬ط‪1440 ،3‬هـ ‪2019 -‬م‪.‬‬

‫‪ .19‬محمد أمين بن عابدين‪ ،‬حاشية رد المحتار على الدر المختار‪ ،‬مصر‪ ،‬مطبعة‬

‫مصطفى البابي ‪ ،‬ط‪1386 ،2‬هـ ‪1966 -‬م‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫‪ .20‬عبد الباقي بن يوسف الزرقاني‪ ،‬شرح الزرقاني على مختصر خليل وحاشية‬

‫البناني‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الكتب العلمية‪ ،‬ط‪1422 ،1‬هـ ‪2002 -‬م‪.‬‬

‫‪ .21‬محمد بن ابي العباس الرملي‪ ،‬نهاية المحتاج إلى شرح المنهاج‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار‬

‫الفكر‪ ،‬ط أخيرة‪1404 ،‬هـ ‪1984 -‬م‪.‬‬

‫‪ .22‬احمد بن شعيب النسائي‪ ،‬السنن الكبرى‪ ،‬بيروت‪ ،‬مؤسسة الرسالة‪ ،‬ط‪،1‬‬

‫‪1421‬هـ ‪2001 -‬م‪.‬‬

‫‪ .23‬احمد بن سعيد بن حزم‪ ،‬المحلى باألثار‪ ،‬بيروت‪ ،‬دار الفكر‪ ،‬د‪.‬ط‪ ،‬د‪.‬ت‪.‬‬

‫‪23‬‬

You might also like