Professional Documents
Culture Documents
سيرة خاتم الأنيياء
سيرة خاتم الأنيياء
دراسة وحتليل
إعداد
1
الطبعة الثالثة
1443هـ 2022 -م
طبعة منقحة
2
مقدمة الطبعة الثانية
ويف هذا الكتاب جرت احملاولة قدر اإلمكان لتصحيح بعض املفاهيم ،ومناقشة بعض املسائل مما له ارتباط وأتثري
يف واقعنا اليوم ،حىت وإن ظهر بعضها خمال ًفا للرواية الرمسية الرائجة يف معظم كتب السري والتاريخ.
الكتاب يف حلته اجلديدة
وبعد نفاد الطبعة األوىل وتزايد الطلب على الكتاب كان ال بُ َّد من إعادة طبعه مرة اثنية ،وكانت هذه فرصة
ساحنة للتدقيق يف بعض النصوص واملواضيع ،وإخضاعها ملزيد من البحث ،مستهدين مبا طرحه السيد عبد امللك
بدر الدين (حفظه هللا) يف العديد من خطاابت املولد النبوي ،إضافة إىل ما متت مناقشته معه مباشرة ،وهكذا مت
مراجعة العديد من املصادر املعتمدة ،هلذا حفلت هذه الطبعة ابلكثري من اإلضافة والتعديل والتنقيح حسب ما مسح
خالصا لوجهه الكرمي حبق حممد وآله الطاهرين.
به الوقت ،راجني هللا تعاىل قبول هذا اجلهد وأن جيعله ً
3
املقدمة
5
( )1السرية النبوية ومصادرها األصلية
ِّ
السرية تعين طريقة املشي واحلركة والسلوك. الس رِّري ،و َّ
السريُ يعين املشي واحلركة ،بينما ر كلمة السرية مشتقة من كلمة َّ
وبعبارة أخرى :السرية عبارة عن األسلوب والنمط الذي يتبعه اإلنسان يف حياته ويف أعماله اليومية.
وعندما نبحث يف السرية النبوية فإننا نريد التعرف على األسلوب والنمط الذي كان يتبعه النيب حممد بن عبد هللا
صلى هللا عليه وآله وسل م يف أعماله اليومية؛ للوصول إىل أهدافه النبيلة ،فمثال :كيف كان سلوكه؟ وكيف كانت
أخالقه وعالقاته مع أصحابه وزوجاته وجمتمعه؟ وكيف كان يبلغ رسالته؟ وما هي األحداث اليت واجهها يف طريق
بواي وتعليميًا؟ وغري
اقتصاداي وتر ً
ً الدعوة إىل هللا؟ وكيف كان يتعامل معها؟ وكيف كان يقود جمتمعه إدارًاي وسياسيًا و
ذلك.
إن الكشف عن جوانب شخصية النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وما يرتبط حبياته ومواقفه وسلوكه وأوضاعه
وطريقة تعامله مع األحداث والتحدايت واملستجدات وغري ذلك هو ما يراد حبثه عادة يف السرية النبوية.
ومن املعلوم أن السرية العظيمة للنيب صلى هللا عليه وآله وسلم قد تعرضت للكثري من االفرتاء والتشويه على أيدي
الكثريين من حكام ومندسني وغريهم؛ حيث كانت لدى هؤالء خطة خبيثة تستهدف النيل من شخصية النيب صلى
دس نصوص خمتلقة ومزيفة يف كتب السرية والتاريخ ِّ
هللا عليه وآله وسلم وسريته ،وقد ن رفذت هذه اخلطة عن طريق ر
تسيء إىل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وتنسب إليه ما ال يليق به.
نكون صورة واضحة ونقية عن حياة وسرية رسول هللا صلى هللا جدا إذا أردان أن ر
ولذلك أصبح من الضروري ً
عليه وآله وسلم أن نعتمد على مصادر صحيحة ،ومعايري وضوابط تكون قادرة على إعطائنا الصورة احلقيقية األكثر
نقاء وصفاء عن شخصية النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ،وتكون قادرة أيضا على إبعاد ذلك اجلانب املصطنع
واملزيف من النصوص عن حميطنا الفكري والعملي بصورة كاملة.
فما هي تلك املصادر اليت ينبغي اعتمادها الستخراج سرية رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم؟
وما هي تلك املعايري والضوابط اليت جيب أن نعتمدها لتمييز النصوص الصحيحة من النصوص املزيفة؟
هناك عدة مصادر ميكننا أن نستخلص ابالعتماد عليها معامل شخصية النيب وتفاصيل حياته وسريته وهي:
6
فقد أشار القرآن إىل مكانة النيب ومنزلته وعظمته ،وإىل صفاته وخصائصه :كالعصمة ،والطهارة ،والرأفة ،والرمحة،
والعطف ،والشجاعة .وأشار القرآن إىل أخالق النيب وصربه وثباته يف مواقع التحدي ،وإىل طريقة تبليغه للرسالة،
وإىل مواقفه من عدم استجابة قومه لدعوته ،وغري ذلك مما يرتبط حبياته وسريته يف كثري من اآلايت والسور.
فالرجوع إىل نفس القرآن واستخراج سرية النيب وصفاته وأفعاله من خالل ما عرضته اآلايت يُعترب من أوثق وأصح
الطرق واملصادر لدراسة شخصية النيب وتكوين صورة واضحة ونقية عن حياته وأخالقه وعالقاته ومواقفه وقيادته
والتحدايت اليت واجهها يف طريق الدعوة إىل هللا.
ثانيا :النصوص الواردة عن أهل البيت ‹عليهم السالم› التي عرضت سيرة وحياة
ا
رسول هللا
فإن هذه النصوص تعترب بعد القرآن أهم املصادر اليت أنخذ منها خصائص ومميزات شخصية النيب وتفاصيل
حياته؛ على اعتبار أن أهل البيت عليهم السالم أدرى مبا فيه ،وليس ألحد كائنا من كان أن يناقش فيما ينقل بطريق
صحيح عن علي بن أيب طالب عليه السالم الذي الزم رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يف مجيع مراحل حياته؛
حيث كان يتبعه اتباع الفصيل أثر أمه ،ويراه يف األوقات اليت ال يراه فيها غريه.
وقد ورد عن أهل البيت عليهم السالم الكثري من النصوص والرواايت اليت حتدثت عن حياة رسول هللا العامة،
واألحداث الكربى اليت عاشها يف حياته ،وعن سريته الذاتية واخلاصة.
عرض النصوص التارخيية وغريها على القرآن الكرمي :فما وافق كتاب هللا أنخذ به ،وما خالفه نرتكه ،وهذه قاعدة
ال بُ َّد أن نعتمدها ليس يف نصوص السرية فحسب بل يف كل األحاديث املنقولة عن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم
أو عن أهل البيت عليهم السالم سواء أكانت اترخيا ،أو فقها ،أو أخالقًا ،أو غري ذلك.
7
ب َعلَى ْاْلَنْبييَا يء يم ْن قَ ْبليي؛ فَ َما ي
ب َعلَ َّي َك َما ُكذ َ فقد روي عن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أنه قالَ « :سيُ ْك َذ ُ
س يم يِّن َوََلْ أَقُ لْهُ» (.)1 ي ي ي ي أ َََت ُك ْم َع يِّن فَا ْع ير ُ
ضوهُ َعلَى كتَاب هللا :فَ َما َوافَ َقهُ فَ ُه َو م يِّن َوأ َََن قُ لْتُهَُ ،وَما َخالََفهُ فَ لَْي َ
ال ش ك أن أص دق ش اهد على عظمة أخالق رس ول هللا ص لى هللا عليه وآله وس لم هو القرآن الكرمي ،وهو كالم هللا
هللا قي ريل﴾ ال ش ك أن أص دق ش اهد على عظمة أخالق رس ول هللا ص لى هللا عليه وآله تعاىل﴿ :ومن أَص َد ُق يمن ي
َ ََ ْ ْ
َص َد ُق يمن ي
هللا قي ريل﴾ [النساا]122 : :؛ فقد أش اد القرآن كثريًا وس لم هو القرآن الكرمي ،وهو كالم هللا تعاىلَ ﴿:وَم ْن أ ْ
َ
أبخالق ص احب الرس الة ص لى هللا عليه وآله وس لم ،وكثرت فيه اآلايت اليت تتحدث عن ش خص يته األخالقية
وخصائصه وصفاته الفاضلة ،وحنن سنستعرض ما تيسر من هذه اآلايت.
استَ غْ يف ْر
ف َع ْن ُه ْم َو ْ ْب ََلنْ َفضُّوا يم ْن َح ْولي َ
ك فَا ْع ُ ظ الْ َقل يت فَظًّا غَليي َ
ت ََلُ ْم َول َْو ُك ْن َ ﴿ -1فَبيما ر ْمحَ ٍة يمن ي
هللا ليْن َ َ َ َ
يي ت فَ ت وَّكل َعلَى ي
هللا إي َّن هللاَ ُيُي ُّ ي
ي﴾[آل عمران.]159 : ب ال ُْمتَ َوِكل َ ََلُ ْم َو َشا يوْرُه ْم يِف ْاْل َْم ير فَإذَا َع َزْم َ َ َ ْ
جانب العفو والرمحة والرفق واللني يف سلوك النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وتعامله مع َ فاآلية الكرمية حتكي لنا
اآلخرين.
ول يمن أَنْ ُف يس ُكم ع يزيز علَي يه ما عنيتُّم ح يريص علَي ُكم يِبلْم ْؤيمنيي رء ٌ ي
يم﴾[التوبة.]128 :
وف َرح ٌْ َ ٌ َ ْ َ َ ْ َ ٌ َ ْ ْ ُ َ َُ ﴿-2لََق ْد َجاءَ ُك ْم َر ُس ٌ ْ
لقد وصفت هذه اآلية الرسول األعظم صلى هللا عليه وآله وسلم أبوصاف تكشف عن مدى أتثره واهتمامه
ابملسلمني وشؤوهنم وحرصه عليهم ،وتُ َعِّرربُ عن مدى شفقته ورمحته هبم ،وكيف أنه صلى هللا عليه وآله وسلم حني
ظالال من األسى واحلزن خييم عليه صلى هللا عليه وآله وسلم. يصيب الواحد منهم بعض املشقة والتعب فإن ً
يي هلل وي ْؤيمن ليل ي
ي ي َّ ي ي
ين ْم ْؤمني َ
ي َوَر ْمحَةٌ للَّذ َ َِّب َويَ ُقولُو َن ُه َو أُذُ ٌن قُ ْل أُذُ ُن َخ ٍْي لَ ُك ْم يُ ْؤم ُن يِب َ ُ ُ ُ
ين يُ ْؤذُو َن الني َّ
َ ﴿-3وم ْن ُه ُم الذ َ
آمنُوا يم ْن ُك ْم﴾[التوبة.]61 :
َ
ك ل ََعلَى ُخلُ ٍق َع يظيم﴾[القلم.]4 : َ ﴿-4وإينَّ َ
يي ف َوأَ ْع ير ْ ُ ﴿-5خ يذ الْع ْفو وأْمر يِبلْعر ي
ي﴾[األعراف.]199 : ض َع ين ا ْْلَاهل َ َ َ َ ُْ ُْ
9
( )2حالة اجملتمعات العربية قبل اإلسالم
البداية الطبيعية للحديث عن رسول هللا حممد بن عبد هللا صلى هللا عليه وآله وسلم تفرض علينا إعطاء حملة عن
اتريخ ما قبل البعثة ،وما اتصل هبا من أحداث ووقائع؛ لنتعرف على الظروف واألوضاع اليت كانت حتكم اجملتمعات
العربية آنذاك ،واملنطقة اليت انطلقت فيها دعوة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم إىل اإلسالم.
وسوف نستعرض يف حديثنا هنا الظروف واألوضاع الدينية والسياسية واالجتماعية واألخالقية اليت كانت سائدة
يف منطقة شبه اجلزيرة العربية يف العصر اجلاهلي.
-1الوضع الديني:
على املستوى الديين :كانت الوثنية هي الداينة الكربى يف شبه اجلزيرة العربية ،وكانت عقيدة الشرك وعبادة
األصنام متفشية بني سكان هذه املنطقة.
أحياان وثن وطريقة يف العبادة، ويكفي أن نذكر أن عبادهتم كانت ملونة ابللون القبلي فلكل قبيلة ،بل لكل بيت ً
وابلرغم من أن الكثريين منهم كانوا يعتقدون بوجود هللا ،وأنه اخلالق إال أهنم كانوا يعتربون أن عبادهتم لألصنام تقرهبم
ين َّاَّتَ ُذوا يم ْن ُدونييه أ َْولييَاءَ َما نَ ْعبُ ُد ُه ْم إيََّل لييُ َق ِيربُ َ
وَن َّ ي
إىل هللا زلفى ،وقد أشار القرآن الكرمي إىل ذلك بقوله تعاىلَ ﴿:والذ َ
إي َىل ي
هللا ُزلْ َفى﴾ [الزمر.]3 :
أضف إىل ذلك أهنم ما كانوا يعتقدون ابملعاد واحلياة بعد املوت ،وقد أشار القرآن إىل ذلك يف كثري من اآلايت.
هذه حال الوثنية ،أما اليهودية والنصرانية فلم تستطيعا -بسبب عملية التحريف الكربى اليت تعرضتا هلا بعد
أمنوذجا إجيابيا بنَّاءً لإلنسان العريب ،ومل حتدث يف صفاته الذميمة وعاداته
ً موسى وعيسى ‹عليهما السالم› -أن تقدما
السيئة أي تغيري أو تبديل ،حىت أن بعض النصارى من العرب كقبيلة تغلب مل يكونوا يعرفون من النصرانية إال شرب
اخلمر.
إال أن اليهودية والنصرانية أسهمتا مع ذلك يف حتضري اإلنسان العريب للفجر اجلديد ،وذلك ابلتبشري بقرب ظهور
نيب عريب؛ فكان اليهود يتوعدون العرب الوثنيني ويقولون هلم :ليخرجن نيب فليكسرن أصنامكم ،وقد مسى مجاعة
منهم أبناءهم «حممدا»؛ رجاء أن يكون هو النيب املنتظر ..كل ذلك هيأ األجواء ً
معنواي لتقبل ظهور النيب صلى هللا
عدا حقيقيًّا
عليه وآله وسلم ،وبسبب وزن أهل الكتاب علميًا عند العرب يف اجلاهلية فقد اكتسبت هذه التنبؤات بُ ً
انعكس قبوًال للدعوة واستجابة هلا.
-2الوضع السياسي:
وأما على املستوى السياسي فإن سكان شبه اجلزيرة العربية آنذاك مل خيضعوا ألي نظام أو سلطة مركزية غري سلطة
القبيلة.
10
الرحل الذين ُميسون يف مكان ويصبحون يف آخر من جهة،
وبسبب أن معظم سكان هذه املنطقة كانوا من البدو ر
وبسبب رفضهم جلميع أنواع التسلط الذي حيد من حرية األفراد والقبيلة من جهة اثنية ،وبسبب بعض العوامل
االقتصادية؛ نظرا لكون طبيعة املنطقة صحراوية ال تصلح للزراعة والعمل ،وال تساعد على االستقرار وتنظيم احلياة
واإلنتاج من جهة اثلثة ألجل كل ذلك جند أن هذه املنطقة بقيت بعيدة عن سيطرة ونفوذ الدول الكربى آنذاك
كدولة الفرس ،ودولة الرومان ،فلم ختضع املنطقة حلكم أي من الرومان والفرس واألحباش ،ومل تتأثر مبفاهيمهم
كثريا.
وأدايهنم ً
ومن هنا فقد نشأت عن هذا الوضع ظاهرة الدويالت القبلية؛ فكان لكل قبيلة حاكم ،ولكل صاحب قوة
سلطان ،ومل يكن جيمعهم نظام مركزي واحد ،أو سلطة سياسية مركزية ،وإمنا كانوا يعيشون فراغا سياسيا يف هذا
اجلانب.
-3الوضع االجتماعي:
أما الوضع االجتماعي فإن احلياة الصعبة اليت كان يعيشها اإلنسان العريب يف البادية واحلكم القبلي ،وعدم وجود
بعضا كوسيلة من وسائل أتمني
روادع دينية أو وجدانية قوية دفعت ابلقبائل إىل ممارسة احلرب واالعتداء على بعضها ً
أحياان أخرى للثأر واالقتصاص ،فكانت تُغري هذه القبيلة على تلك وتستويلأحياان ،وأحياان لفرض السيطرة ،و ً
العيش ً
على أمواهلا ،وتسيب نساءها وأطفاهلا ،وتقتل أو أتسر من تقدر عليه من رجاهلا مث تعود القبيلة املنكوبة ترتبص ابلقبيلة
اليت غلبتها وهكذا.
ولذلك فإن من يطالع كتب التاريخ يرى بوضوح إىل أي حد كانت احلالة االجتماعية مرتدية يف ذلك العصر،
فالسلب والنهب واإلغارة والتعصب القبلي كان من مميزات ذلك اجملتمع ،حىت إذا مل جتد القبيلة من تُغري عليه من
أعدائها أغارت على أصدقائها وحىت على أبناء عمها!.
ومدمرة يذهب ضحيتها آالف الناس وتستمر لسنني طويلة، وكانت ألتفه األسباب حتدث بينهم حروب طاحنة ُ
ولعل من أبرز األمثلة على ذلك ما عرف (حبرب داحس والغرباء) ومها فَ َرسان ميلك أحدمها قيس بن زهري ،وميلك
اآلخر حذي فة بن فزارة؛ فقد استبقا واختلفا حول السابق منهما ،وقد أدى اختالفهما بسبب هذا األمر التافه إىل
التنازع ونشوب احلرب بني قبيلتيهما حيث استمرت احلرب بينهما أربعني سنة من سنة 568م وحىت سنة 608م.
وأفضل مرجع للتعرف إىل مالمح الوضع االجتماعي يف العهد اجلاهلي هو كلمات أمري املؤمنني عليه السالم اليت
يصف فيها حال العرب قبل بعثة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم حيث يقول يف بعض كلماته« :إي َّن هللاَ ُسبحانَه
ب َعلَى َش ِير يدين، العر ي
ش َر َ َ يَ ،وأ يَمينرا َعلَى التَّ ْن يز ي
يلَ ،وأَنْ تُ ْم َم ْع َ ي ي
ث ُحمَ َّم ردا صلى هللا عليه وآله وسلم نَذ ريرا لل َْعال يَم َ بَ َع َ
ي ي ويِف َش ير َدار ،منيي ُخو َن (أي مقيمون) ب ي
ب، ص ٍِم ،ت ْش َربُو َن ال َكد َرَ ،و ََتْ ُكلُو َن اْلَش َ جارة ُخ ْشنَ ،و َحيَّات ُ يح َ ََْ ُ َ ِ
َصنَ ي ي ي
صوبَةٌ». اْلَث ُم بي ُك ْم َم ْع ُ
صوبَةٌَ ،و َ ام في ُك ْم َم ْن َُوتَ ْسف ُكو َن د َماءَ ُك ْمَ ،وتَ ْقطَ ُعو َن أ َْر َح َام ُك ْم ،اْل ْ ُ
11
ويقول جعفر بن أيب طالب ‹رضوان هللا عليه› وهو يصف الوضع اجلاهلي ملا دخل على النجاشي وقد سأهلم
ِّ ِّ ِّ ِّ ٍّ
َصنَ َامَ ،و َأنر ُك ُل الر َمري تَةََ ،و َأنرِِّت الر َف َواح َ
شَ ،ونَ رقطَ ُع راأل رَر َح َام َونُسيءُ عن أحواهلم قالُ « :كنَّا قَ روًما أ رَه َل َجاهليَّة :نَ رعبُ ُد راأل ر
يف.».. ِّ ا رجلِّوار ،وَير ُكل الر َق ِّو ُّ ِّ
ي منَّا الضَّع َ ََ ََ ُ
ِّ
األميَّة ِّ «عندما جند َّ
جمتمعا رأميًّا ال ميتلك ثقافةً ،وال ميتلك معرفةً ،وال ميتلك وعيًا ،و ر أن اجملتمع العريب الذي كان ً
العربية ِّرأميَّة شاملة ،ليست فقط ِّرأميَّة يف القراءة والكتابة ،فتقول :املسألة أهنم كانوا يعانون أزمة يف هذا اجلانب
فحسب ،ال يستطيعون أن يقرأوا ،ليسوا أمة متعلمة تقرأ الكتب ،وحالة اندرة يف أوساطهم ،وكذلك أمة ال تستطيع
الكتابة ،والكتابة يف أوساطهم حالة بسيطة ،ومل تكن هذه املسألة الرئيسية ،ولذلك عندما بعث الرسول صلى هللا
عليه وآله وسلم مل يكن املوضوع الرئيسي يف الرسالة اإلهلية أن يكون له برانمج حمو ِّرأميَّة ،يتجه فقط وبشكل رئيسي
إىل أن يتعلم الناس كيف يكتبون وكيف يقرأون وانتهى املوضوع ،مل تكن املسألة هذه.
صحيحا، فهما ِّ
ً األميَّة األكرب من ذلك واألخطر -بكل ما تعنيه الكلمة -أهنم ال ميتلكون رؤيةً صحيحة ،وال ً
ر
وال معرفةً صحيحة أبشياء كثرية جدًّا ،ينقصهم الوعي ،املعرفة الصحيحة ،النظرة الصحيحة جتاه معظم األمور اليت
تتصل حبياهتم ،مبسؤوليتهم ،ويف خمتلف املسا ئل ،الدينية منها يف املقدمة ،لديهم أفكار خاطئة كثرية ،تصورات
مغلوطة ،ومفاهيم مغلوطة كثرية ،ليست صحيحة ،وخرافات كثرية ،مساحة واسعة من التصورات واملفاهيم كانت
عبارة عن خرافات ،ومفاهيم تنحرف هبم يف واقع حياهتم ،وضياع يف هذه احلياة ال هدف وال مسرية صحيحة
األميَّة كانت قائمة يف الواقع العام البشري ،يعين :لدى غريهم من األمم ،ولكنهم كانواِّ
يتحركون على أساسها ،وهذه ر
أيضا ِّ
أكثر رأميَّةً من غريهم ،واألمم األخرى واألقوام اآلخرون كان لديهم نفس املشكلة وبقدر متفاوت ،يعين البعض ً
كانت لديهم حالة من الضالل الرهيب ،ولكن اجملتمع العريب كان اجملتمع األكثر ِّرأميَّةً ،واألكثر بدائيةً ً
وجهال» (.)1
-4الوضع األخالقي:
وأما الوضع األخالقي العام :فقد كانت القسوة ،والفاحشة ،وتعاطي اخلمر والراب ،ووأد البنات واألبناء خشية
العار والفقر هي السمات العامة لألخالق املتفشية يف اجملتمع اجلاهلي.
ويكفي أن نشري إىل بعض النماذج من العادات والتقاليد غري األخالقية اليت كانت سائدة آنذاك؛ ملعرفة مدى
شيوع الفاحشة وظاهرة انعدام الغرية والتحلل األخالقي يف تلك اجملتمعات.
فقد أشار النص الذي ذكرانه آن ًفا عن أمري املؤمنني عليه السالم وعن أخيه جعفر إىل بعض املوبقات اليت كانت
كثريا من حاالهتا، معروفة بينهم ،وإىل بعض حاالهتم وأوضاعهم السيئة ،وقد أدان القرآن حياهتم اجلاهلية ،ونعى عليهم ً
فأشار على سبيل املثال إىل أن الزواج من اخلالة زوجة األب كان من مجلة سلوكهم اجلاهلي البغيض ،وقد أشار القرآن
اح َشةر َوَم ْقترا آِب ُؤُك ْم يم َن النيِ َس ياء إيََّل َما قَ ْد َسلَ َ
ف إينَّهُ َكا َن فَ ي ي
إىل حترمي هذا السلوك بقوله تعاىلَ ﴿:وََل تَ ْنك ُحوا َما نَ َك َح َ
اء َسبي ريل﴾ [النس.]22 : :
َو َس َ
( )1من كلمة للسيد عبد امللك بدر الدين مبناسبة املولد النبوي عام 1440ه .
12
وكانوا يُكرهون اجلواري واإلماء واخلدم على البغاء والزان؛ من أجل كسب املال! وقد أشار القرآن إىل ذلك بقوله:
ض ا ْْلَيَ ياة الدُّنْ يَا﴾ [النور.]33 : ﴿وََل تُ ْك يرهوا فَ ت ياتي ُكم َعلَى الْبيغَ ياء إي ْن أَر ْد َن ََتَ ُّ ي
صنرا لتَ ْب تَ غُوا َع َر َ َ ُ ََ ْ َ
ُيب (رئيس املنافقني) ست جوار ،وكان يكرههن على البغاء للحصول على املال!.
ويقال :إنه كانت لعبد هللا بن أ َر
ومن عاداهتم القبيحة أيضا الطواف حول الكعبة وهم عراة :سواء الرجال والنساء!.
وكان الرجل إذا هدده اإلفالس وشعر أبنه سيُصاب ابلفقر كان يبادر إىل قتل أوالده خوفًا من أن يراهم أذالء
ٍ ي
جائعني! وقد أشار القرآن إىل ذلك بقوله تعاىلَ ﴿ :وََل تَ ْقتُ لُوا أ َْوََل َد ُك ْم م ْن إي ْم َلق ََْن ُن نَ ْر ُزقُ ُك ْم َوإي ََّّي ُ ْ
هم﴾ [األنع:م:
.]151
كما أننا نستطيع معرفة مدى شيوع ظاهرة وأد البنات ودفنهن وهن أحياء من تعرض القرآن الكرمي هلذه العادة،
وإدانته هلذه اجلرمية ،وتعنيفه لتلك اجملتمعات على هذا السلوك الوحشي البشع؛ فقد قال تعاىلَ ﴿ :وإيذَا ال َْم ْوءُ َ
ودةُ
َح ُد ُه ْم يِب ْْلُنْ ثَى ظَ َّل َو ْج ُههُ ُم ْس َودًّا َو ُه َو ت﴾ [التكوير ،]9 ،8 :وقال أيضاَ ﴿ :وإيذَا بُ يِ
ش َر أ َ ب قُتيلَ ْ ت * يِب يِ
َي ذَنْ ٍ ُسئيلَ ْ
ٍ وء ما ب يِ ي ي ي ي ي ي ي
اب أ َََل َساءَ َما َُْي ُك ُمو َن﴾ ش َر بيه أَُيُْس ُكهُ َعلَى ُهون أ َْم يَ ُد ُّسهُ يِف َُّ
الُّت ي يم * يَتَ َو َارى م َن الْ َق ْوم م ْن ُس َ ُ
َكظ ٌ
[النحل.]59 ،58 :
هذه هي بعض أوضاع وأحوال اجملتمع يف شبه اجلزيرة العربية آنذاك.
ومن قلب هذا اجملتمع ،ويف قلب هذا اجلو القبلي املعقد واملشرذم الذي توافرت فيه كل أنواع الفساد ،والبعد عن
القيم واألخالق الذي يتطلب عملية تغيري شاملة خرج رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ليكون قائد عملية التغيري
هذه ابلوحي اإلهلي ،وابلرعاية الرابنية ،وعلى أساس احلق والصدق والطهر ،وقد استطاع الرسول صلى هللا عليه وآله
جدا أن ينقل هذه األمة من حضيض الذل واملهانة إىل أوج العظمة والعزة والكرامة ،وأن يغرس
وسلم يف فرتة وجيزة ً
فيها شجرة اإلميان اليت من شأهنا أن تغري فيه كل عاداهتا ومفاهيمها اجلاهلية ،وأن تقضي على كل أسباب شقائها
وآالمها.
لقد استطاع اإلسالم يف فرتة ال تتجاوز سنواهتا عدد أصابع اليدين أن حيقق أعظم إجناز يف منطقة كانت هلا تلك
انقالاب حقيقيًا وجذرًاي يف عقلية ومواقف وسلوك وأخالق تلك األمة ويف مفاهيمها،
الصفات واملميزات ،وأن حيدث ً
وأن ينقلها من العدم إىل الوجود ،ومن املوت إىل احلياة.
وقد عرب عن ذلك جعفر بن أيب طالب مللك احلبشة بعدما بني له األوضاع املرتدية اليت كانوا يعيشوهنا قبل مبعث
ِّ ث هللاُ إِّلَري نَا َر ُس ًوال ِّمنَّا نَ رع ِّر ُ ِّ
ف نَ َسبَهُ َوص ردقَهُ َوأ ََمانَتَهُ ك َح َّىت بَ َع َ النيب صلى هللا عليه وآله وسلم فقال « :فَ ُكنَّا َعلَى ذَل َ
ص رد ِّقاان إِّ َىل هللا لِّنُو ِّح َده ونَعب َده ،وََنرلَع ما ُكنَّا نَعب ُد َرحنن وآاب ُؤ َان ِّمن دونِِّّه ِّمن ا رحلِّجارِّة و راألَو َاث ِّن ،وأَمرَان بِّ ِّ َو َع َفافَهُ ،فَ َد َع َ
رُ ُ َ َ ر ُ َ َ َ َ ر َ ََ َ ر ُ َ رُ ُ َ َ َ
شَ ،وقَ روِّل ُّ اان ع ِّن الر َفو ِّ ِِّّ ِّ ِّ ِّ يث ،وأَد ِّاء راألَمانَِّة ،و ِّصلَ ِّة َّ ِّ
ِّ ِّ
الز ِّ
ور، اح ِّ ف َع ِّن الر َم َحارم َوال رد َماءَ ،وَهنَ َ َ َ الرح ِّم َو ُح رس ِّن ا رجل َو ِّارَ ،والر َك ِّر ا رحلَد َ َ َ َ
ف الرمحصنَ ِّ ِّ ِّ ِّ
ات.».. َوأَ رك ِّل َمال الريَت ِّيمَ ،وقَ رذ ُ ر َ
13
()1
العوامل المساعدة على انتصار اإلسالم
ولعل أهم العوامل اليت ساعدت على انتصار اإلسالم وانتشاره يف سرعة قياسية هي:
أو ًل :نوع معجزة الرسول األكرم صلى هللا عليه وآله وسلم وهي هذا القرآن الكرمي الذي حري العرب مبا تضمنه
َّ
هدى وقيم وعلوم ومعارف وقوانني عامة وشاملة ،ومبا اشتمل عليه من بالغته وفصاحته وبيانه؛ حيث استطاع
من ً
بذلك أن يقهر العرب ويبهرهم فيما كانوا يعتربون أنفسهم ويعتربهم العامل أبسره قمة فيه.
ومن هنا ندرك قيمة اهلدي اإلهلي وعظمته ،وقدرته على التغيري الواسع والشامل ،وأنه املنهج الوحيد القادر على
أن يعاجل الوضعية اجلاهلية اليت تعيشها األمة اليوم .يقول السيد عبد امللك بدر الدين ‹رضوان هللا عليه›« :والحظوا
ِّ
األميَّة اليت نعيشها كعرب يف املقدمة ِّ
ما تعيشه البشرية يف هذا العصر من رأميَّة ،يف هذا الزمن ال ميكن أن يعاجل مشكلة ر
األميَّة ،غري ِّرأميَّة
ِّ
قبل كل الشعوب وقبل كل األمم ،مث من حولنا بقية األمم ،نعيش حالة رهيبة وفظيعة جدًّا من ر
يروج هلا ،من ينشرها ،واليت الكتابة ،وغري ِّرأميَّة القراءة ،املفاهيم الظالمية واخلاطئة ،املنتشرة بشكل كبري ،واليت هلا من رِّ
هلا حضور كبري يف املناهج التعليمية الرمسية ،ويف وسائل اإلعالم ،ويف األنشطة التثقيفية والتعليمية مبختلف أنواعها،
حضور واسع جدًّا.
األميَّة اليت جعلت األمة يف حرية ويف ختبط ،وانعكست آباثرها السلبية على واقع احلياة ،وعلى ِّ
ال ميكن أن تتغري هذه ر
واقع اإلنسان يف نفسه ،احلالة الرتبوية ،احلالة األخالقية ،الواقع العملي ،االهتمامات ،التصرفات ..أتثرت ابلثقافة السائدة،
األميَّة الشديدةِّ ،رأميَّة حينما ال ميتلك الناس الفكرة الصحيحة ،الرؤية الصحيحة،
ِّ ٍّ
وهي ثقافة جعلت األمة يف حالة من ر
الرؤية الرشيدة ،التوجه الصحيح ،النظرة الواعية إىل األمور ،هذه مفقودة يف واقع األمة إىل ح رٍّد كبري ،وال ميكن أن يعاجلها
َّإال هدى هللاَّ ،إال الرجوع إىل هذا اهلدى ،هذا اهلدى الذي أنقذان -فيما سبق -يف اجلاهلية األوىلَّ ،
وغري الواقع ٍّ
بشكل
جذري ،هو فقط الكفيل يف اجلاهلية األخرى إبنقاذ األمة واالنتقال هبا وانتشاهلا من هذه احلالة؛ حىت متتلك -من
جديد -رؤيةً صحيحة ،رؤية يف واقع حياهتا ،يف شئون حياهتا ،يف مواقفها ،ملعاجلة مشاكلها ،إلصالح وضعها ،رؤيةً
صحيحة ،رؤيةً إهلية ،رؤيةً رابنية من هدى هللا ‹سبحانه وتعاىل› » (.)2
ثانيًا :خصائص شخصية رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ومميزاته الذاتية واألخالقية والقيادية ،أي سريته،
وأخالقه ،وسلوكه ،وقيادته ،وإدارته وأسلوبه يف نشر الدعوة ،وإصراره وحتمله لكل املشاق واآلالم واألذى ،ورفضه
لكل املساومات ،وصربه وثباته يف مواقع التحدي؛ فقد كانت هذه املميزات عامل استقطاب وجذب ..وكان هلا
األثر الكبري يف ظهور دعوته وسرعة انتصار وانتشار رسالته.
ْب ََلنْ َفضُّوا يم ْن َح ْولي َ
ك﴾ [آل عمران.]159 : ت فَظًّا غَليي َ
ظ الْ َقل ي ت ََلُ ْم َول َْو ُك ْن َ قال تعاىل﴿:فَبيما ر ْمحَ ٍة يمن ي
هللا ليْن َ َ َ َ
( )1راجع الصحيح من سرية النيب األعظم صلى هللا عليه وآله وسلم :ج 2ص 210إىل .236
( )2من كلمة السيد عبد امللك بدر الدين مبناسبة املولد النبوي عام 1440ه .
14
ث
وقد أشار جعفر بن أيب طالب إىل بعض هذه اخلصائص واملميزات يف شخصية الرسول بقولهَ ..« :ح َّىت بَ َع َ
هللاُ إِّلَري نَا َر ُس ًوال ِّمنَّا نَ رع ِّر ُ
ف نَ َسبَهُ َو ِّص ردقَهُ َوأ ََمانَتَهُ َو َع َفافَهُ.»..
ثالثًا :احلالة االجتماعية واألخالقية املرتدية :اليت كانت سائدة يف اجملتمع العريب آنذاك مما أشران إليه فيما تقدم،
فإن هذه األوضاع القاسية اليت كانت هتيمن على األمة ،وذلك الضياع الذي كان يسيطر عليها قد هيأ اإلنسان
اجلاهلي املسحوق نفسيا لقبول احلق والتفاعل معه ،وجع له يتطلع إىل الدعوة على أهنا األمل الوحيد الذي يستطيع
أن خيفف من شقائه وآالمه وينقذه من واقعه املزري واملهني ذاك.
راب ًعا :بشائر أهل الكتاب (اليهود والنصارى) بقرب ظهور نيب يف املنطقة العربية ،فإن تلك البشارات قد
سهلت هي األخرى قبول دعوة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وانتشار رسالته بني الناس من ذوي الفطرة السليمة
كما تقدم.
سا :الفراغ العقائدي والسياسي :الذي كانت تعيشه املنطقة آنذاك.
خام ً
ساد ًسا :صمود أصحابه صلى هللا عليه وآله وسلم وثباهتم يف مواجهة الضغوط النفسية واالقتصادية واالجتماعية ،وحتملهم
اآلالم ،وصربهم على التعذيب واجلوع واالضطهاد مبختلف أنواعه ،مث اندفاعهم للجهاد والتضحية والشهادة بكل قوة وشجاعة
وشوق؛ من أجل الدفاع عن العقيدة والرسالة ،وطاعتهم املطلقة لرسول هللا ،وانض باطهم التام يف إطار قيادته والتكاليف اليت
ين َم َعهُ أ يَشدَّاءُ َعلَى الْ ُك َّفا ير ُر َمحَاءُ بَ ْي نَ ُه ْم تَ َر ُاه ْم ُرَّك رعا ُس َّج ردا يَ ْب تَ غُو َن كان حيددها هلم .قال تعاىلُ ﴿:حمَ َّم ٌد رس ُ ي ي
ول هللا َوالَّذ َ َُ
اْل ْيْن ييل﴾ [الفتح.]29 : ك َمثَ لُ ُه ْم يِف الت َّْوَراةي َوَمثَلُ ُه ْم يِف ْي ود ذَلي َ الس ُج يوه يه ْم يم ْن أَثَ ير ُّ
ضوا رَن يسيم ُاهم يِف وج ي
َ ْ ُُ
فَ ْ ي ي
ض رل م َن هللا َوير ْ َ
15
وقبل أن يتحد ث القرآن عن عظمة أخالقه فقد نطق الكفار واملشركون هبذه احلقيقة والنيب صلى هللا عليه وآله
وسلم مل يبعث بعد ،فاتصاف النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ابخللق العظيم مل يكن وليد الفرتة اليت بُعث فيها ،أو من
إفرازات تلك املرحلة متشيا مع أمهية الدور امللقى على عاتقه ،ال بل التاريخ يذكر أن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم
كان ذا منزلة أخالقية عظيمة يف العهد اجلاهلي ،وكان حمل إعجاب وتقدير قومه وجمتمعه ،بل ومضرب املثل يف ذلك،
وقد شهد الكفار أنفسهم لرسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم بصدق اللهجة واألمانة والعفاف ونزاهة الذات.
فقد روي أن األخنس بن شريق لقي أاب جهل يوم بدر فقال له :اي أاب احلكم ليس هنا غريي وغريك يسمع كالمنا
حممدا لصادق وما كذب قط.
ختربين عن حممد صادق أم كاذب؟ فقال أبو جهل :وهللا إن ً
غالما حداث أرضاكم فيكم ،وأصدقكم حديثا ،وأعظمكم
وقال النضر بن احلارث لقريش :قد كان حممد فيكم ً
أمانة ،حىت إذا رأيتم يف صدغيه الشيب ،وجاءكم مبا جاءكم به قلتم ساحر! ال وهللا ما هو بساحر.
وملا بَعث رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم إىل قيصر يدعوه إىل اإلسالم أحضر قيصر أاب سفيان وسأله بعض
األسئلة مستفسرا عن النيب ومما سأله قال :فهل كنتم تتهمونه ابلكذب قبل أن يقول ما قال؟ قال فقلت :ال ،قال:
عقال وال رأاي قط.
فهل يغدر؟ قلت :ال ،قال :كيف عقله ورأيه؟ قلت :مل نعب له ً
وروى الطربي :كانت قريش تسمي رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قبل أن ينزل عليه الوحي (األمني).
وروي عن أيب طالب ‹رضوان هللا عليه› يف حديث عن سرية النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف اجلاهلية قال :لقد
كنت أمسع منه إذا ذهب من الليل كالما يعجبين ،وكنا ال نسمي على الطعام والشراب حىت مسعته يقول :بسم هللا
كثريا ،فتعجبت منه ،وكنت رمبا أتيت غفلة فأرى من لدن رأسه
األحد ،مث َيكل فإذا فرغ من طعامه قال :احلمد هلل ً
حمدودا قد بلغ السماء ،مل أر منه كذبة قط ،وال جاهلية قط ،وال رأيته يضحك يف غري موضع الضحك ،وال
ً نورا
ً
وقف مع صبيان يف لعب ،وال التفت إليهم ،وكانت الوحدة أحب إليه والتواضع.
16
( )3النبي األعظم ..األسرة واملولد والنشأة
( )1من احملاضرة الرابعة مبناسبة املولد النبوي عام 1439ه .
17
نيب جديد يغري وجه هذا العامل ،ويسقط اآلخر هو :ما قد أُثِّر من بشارات وأخبار عن زمن أو عن ٍّ
عام يولد فيه ٌّ
ويغري هذا الواقع بكله ،على أساس
الكياانت القائمة للطاغوت واالستكبار والفساد والظلم واالحنراف ،نيب سيقدم ر
أن املؤشرات واألخبار تدل على مولده يف ذلك العام.
وفعال كان العام نفسه عام مولد رسول هللا ‹صلوات هللا وسالمه عليه وعلى آله› ،فذهب وكان معه فيل كبري،
ً
أو جمموعة من الفيلة -كما يف بعض األخبار -بينها فيل كبري ،والفيل كان يستخدم عسكرًاي لدى بعض الدول-
جدا من الفيل ،ينهزمون عسكرًاي،
آنذاك -والكياانت املتمكنة ،كما هو حال الروم والفرس ،والعرب كانوا خيافون ً
عتادا عسكرًاي غري مألوف ابلنسبة هلم؛ فيخافون منه ،وينهزمون بسرعة ،وال تثبت أمامه اخليول،
يعين :يرون فيه ً
وفعال مع العظمة اليت كانت للكعبة والتقديس الذي كان للبيت احلرام،
فاجته عسكرًاي ومعه الفيل هذا واألفيال تلكً ،
لكن الفجيعة من الفيل جعلت العرب كلهم يتنصلون عن محاية البيت ،وعن التصدي ألصحاب الفيل ،وغفلتهم
عن اهلدف الرئيسي للحملة العسكرية تلك ،اليت هي محلة كما كانت محلة فرعون لالستباق لوالدة موسى بقتل كل
األطفال ،ذهبت تلك احلملة وفشلت؛ ألن هللا ‹سبحانه وتعاىل› تصدى هلا ،وكان التصدي اإلهلي من خالل الطري
أيضا -من أكرب وأهم إرهاصات هذا املولد القادم الذي
األاببيل اليت أرسلها هللا إلابدة ذلك اجليش ،كانت هيً -
يوما يف بعض األخبار ،البعض أكثر ،البعض أقل ،لكن يف نفس ذلك العام ولد رسول
ولد بعد أايم ،بعد أربعني ً
آله›»)1(. هللا ‹صلوات هللا وسالمه عليه وعلى
المولد والنشأة
ولدته أمه آمنة بنت وهب يف مكة املكرمة يف منزل أبيه عبد هللا بن عبد املطلب يف شعب أيب طالب يوم اإلثنني
يف الثاين عشر من شهر ربيع األول يف عام الفيل املوافق لسنة 571للميالد(.)2
نضج عجيب،أيضا -ذا ٍّ
نباات حسنًا ،ونشأ ًة متميزة ،فكان سريع النمو ،وكانً -«نشأ نشأةً مباركة ،أنبته هللا ً
كان ينشأ ،يكرب ويكرب معه رشده ،فهمه ،متييزه ،حسن إدراكه ،أدبه ،وكان ملفتًا فيه هذه النشأة املتميزة من حيث
بنضج كبري وعجيب يف اإلدراك ،يف
النمو السليم واملبارك ،بركة يف منوه ،يكرب ،وينشأ نشأة مميزة ،ويف نفس الوقت ٍّ
الفهم ،يف حسن التصرف ،ومل يكن حاله كحال بقية الصبيان يف عبثهم ،يف هلوهم ،يف نقص اجلانب األخالقي
متميزا ،كان ملحوظًا فيه احلرص على الطهارة ،احلرص على صيانة
مثال يف التعري أو يف أي شيء ..ال ،كان ً
لديهم ً
النفس ،البعد عن بعض األشياء اليت تنم عن قلة األدب ،وعن ضعف اإلدراك لدى الصغار والصبيان ،كان خمتل ًفا
( )1احملاضرة الرابعة للسيد عبد امللك حفظه هللا مبناسبة املولد النبوي عام 1439ه .
( )2املشهور أنه ولد سنة 570م ،وهناك اختالف يف اليوم والشهر ال يتعلق به أمر شرعي .ينظر سرية النيب جلعفر العاملي ،64/2
والسرية للسبحاين ،190وفقه السرية للغزايل .60قال يف البحر الزخار :206/1عام الفيل لليلتني خلتا منه يوم اإلثنني،
يوما ،وينظر :اتريخ اإلسالم ،22/1واملستدرك ،603/2ودالئل النبوة للبيهقي يوما أو أربعني ًوقيل :بعد الفيل بثالثني ً
،76/1وعيون األثر ،79/1وسرية ابن هشام ،167/1وابن كثري ،198/1وطبقات ابن سعد ،83-80/1واملصابيح
ص .96
18
عال ور ٍّاق ،وأنه حمفوف من هللا بتنشئة خاصة ،ولديه
أدب ٍّ
عن كل الصبيان وعن كل الصغار ،نشأة مميزة وتنم عن ٍّ
‹جل شأنه› قابلية عالية.
يف نفسه قابلية أودعها هللا فيه ر
فطيما أعظم
مهم وعظيم ،قال« :ولقد قرن هللا به من لدن أن كان ر نص ٍّ
اإلمام علي عليه السالم حيكي لنا يف ٍّ
ٍ
ملك من ملئكته ،يسلك به طريق املكارم وحماسن أخلق العاَل ليله وهناره» ،فاهلل ‹سبحانه وتعاىل› مل يرتكه ليكون
صنيعة البيئة اجلاهلية اليت قد تؤثر سلبًا يف اإلنسان ،أو -كذلك -أن يكله إىل تربية الناس بكل ما فيها من القصور
جدا ،جتاه مستوى من املطلوب أن يصل إليه هذا القادم، جتاه دور ومستقبل كبري وعظيم ،جتاه مسؤولية كبرية وعظيمة ً
ل يكون هو يف الذروة بني كل البشر ،يبلغ إىل حيث مل يبلغ إليه بشر ومل يصل إليه بشر من الكمال اإلنساين ،فالرسول
حظي هبذه الرعاية اإلهلية فنشأ نشأةً مباركة وأنبته هللا نبا ًات حسنًا ،يف مرحلة الشباب ،يف بداية
صلى هللا عليه وآله وسلم َ
متميزا ،ومل يتأثر بكل تلك البيئة اجلاهلية يف مكة ويف غري مكة ،فلم يسجد ٍّ
لصنم قط ،ومل يدنس الشباب كذلك كان ً
( )1 نفسه ٍّ
أبي من دنس اجلاهلية».
كفالته ورضاعه:
أرضعته أمه آمنة بنت وهب بن عبد مناف ملدة سبعة أشهر ،وعاش يف كنفها وحظي بعطفها وحناهنا ورعايتها
مدة من الزمن ،وتوفيت وعمره ست سنوات على أشهر الرواايت ،توفيت ابألبواء بني مكة واملدينة ،وكانت قدمت
به على أخواله من بين عدي بن النجار فماتت وهي راجعة به إىل مكة( .)2كما أرضعته حليمة السعدية بنت أيب
ذؤيب من بين سعد.
أيضاٍّ -
بدور كبري يف العناية به يف مرحلة طفولته املبكرة فاطمة بنت أسد (زوجة أيب طالب) ،قال «وقامتً -
عنها صلى هللا عليه وآله وسلم« :إهنا كأمي ،أو إهنا أمي» كان يعتربها كأمه فيما أولته من عناية ورعاية واهتمام
يف طفولته» (.)3
( )1احملاضرة اخلامسة للسيد عبد امللك مبناسبة املولد النبوي عام 1439ه .
( )2انظر ابن هشام ،177/1والبداية والنهاية ،340/2والطبقات الكربى ،116/1واالستيعاب ،136/1والسرية البن كثري
.235/1واألبواء :قرية بينها وبني اجلحفة مما يلي املدينة ثالثة وعشرون ميال .معجم البلدان .79/1
( )3احملاضرة اخلامسة للسيد عبد امللك مبناسبة املولد النبوي عام 1439ه .
19
أو ًل :من الصفات واملالمح اليت كانت تظهر على النيب صلى هللا عليه وآله وسلم والربكات واألحداث اليت
َّ
رافقته منذ والدته.
وثانيًا :من البشائر واألخبار اليت كانت تنبئ مبستقبله ونبوته.
إن هذا النوع من املؤشرات والدالئل رسخت يف نفس عبد املطلب االعتقاد بنبوة حفيده ،أو أنه سيكون له شأن
عظيم ودور مهم ،فجعلت له صلى هللا عليه وآله وسلم مكانة خاصة عنده حبيث كان يعطيه من احلب والعطف
واحلنان واالهتمام ما مل يعطه ألحد غريه « ،كان يدنيه ويقربه ويكرمه لدرجة ملفتة ،كان َيِت رسول هللا يف طفولته
املبكرة إىل جده عبد املطلب وهو بفناء الكعبة ،وقد فرش له هناك وكان ال يفرش لغريه ،لكن لشأنه ومكانته الكبرية،
لشأان» يتوسم
فيأِت ليجلس مباشرةً جبواره أو يف حضنه ،فيذهب أعمامه ليأخذوه ،فيقول« :دعوا ابين فو هللا إن له ً
عظيما ،كذلك رويت أخبار ورؤاي كان يراها عبد املطلب يف منامه تبشر هبذا الدور الكبري والعظيم
شأان ًفيه أن له ً
هلذا الطفل الناشئ» (. )1
إال أن هذا احلنان الدافق وهذه الرعاية الكرمية مل تدم له صلى هللا عليه وآله وسلم طويال؛ فقد تويف عبد املطلب
والنيب يف الثامنة من عمره ،فانتقل بعده إىل دار عمه أيب طالب(.)2
( )1احملاضرة اخلامسة للسيد عبد امللك بدر الدين مبناسبة املولد النبوي عام 1439ه .
( )2اتريخ اليعقويب -13/2دار صادر.
( )3ابن هشام ،189/1والطبقات البن سعد ،119/1و الآليل املضيئة -خمطوط ص ،60و املصابيح أليب العباس ص ،117
والسرية البن كثري .240/1
20
وقد قام أبو طالب برعاية النيب خري رعاية ،وأدى األمانة وحفظ الوصية وبقي حممد صلى هللا عليه وآله وسلم
شغله الشاغل الذي شغله هو وزوجته فاطمة بنت أسد حىت عن أوالدمها يف أشد املراحل ضي ًقا وحرجا حىت النفس
األخري من حياهتما.
ومل يكن يعين أاب طالب شيء كما تعنيه رعاية النيب حممد صلى هللا عليه وآله وسلم واحملافظة عليه ،وقد بلغ من
عنايته به وحرصه عليه أنه كان إذا اضطر إىل السفر خلارج مكة أو احلجاز أخرجه معه.
ظروف هيأها هللا ،من هللا ‹سبحانه
ٌ «رسول هللا نشأ يف هذا اجلو من الرعاية ومن االهتمام ومن العناية ،وهذه
وتعاىل› أن يهيئ له هذا اجلو ،وأن حيفه أبولئك الذين أولوه كل هذه الرعاية واالهتمام واحلنو والعاطفة ،وعوضوه
عن فقدان أبيه وأمه يف يتمه ،فكانت رعايةً من هللا ،ورمحةً من هللا ،ونعمةً من هللا ،وهتيئةً إهلية من هللا ‹سبحانه
وتعاىل› »(.)1
حتدث املؤرخون عن رحلتني إىل الشام :إحدامها :بصحبة عمه ،واألخرى :بصحبة غالم خلدجية يف جتارة.
)1في الرحلة األولى :كان عمر النيب اثنيت عشرة سنة ،وكان مع عمه أيب طالب ضمن قافلة جتارية
لقريش ،ويف الطريق توقفت القافلة يف منطقة تسمى بُصرى ،وكان فيها راهب يدعى حبريا ،قال يف أنوار اليقني:
« وكان آخر من بقي من مجلة احلجة يف أهل دين النصرانية رجالن :حبريا بن عبد امللكوت راهب بُصرى الشام،
وهو الذي ورد عليه رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم مع عمه أيب طالب ورسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم
غالم مل يبلغ احللم» (.)2
وقد اتفق أن التقى الراهب قافلة قريش ولفتت نظره شخصية النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وراح يتأمل وحيدق
حممدا صلى هللا عليه وآله وسلم أينما جلس
يف صفاته ومالحمه ،خاصة بعد ما رأى أن سحابة من الغيم ترافق ً
لتحميه من حر الشمس؛ فسأل عنه بعض من يف القافلة ،فأشاروا إىل أيب طالب وقالوا له :هذا عمه ،فأتى الراهب
أاب طالب وبشره أبن ابن أخيه نيب هذه األمة وأخربه مبا سيكون من أمره ،ووجد فيه العالمات اليت وصفته هبا التوراة
واإلجنيل وغريها.
وتذكر النصوص أن حبريا أصر على أيب طالب أبن يعود به إىل مكة وأن يبقيه حتت رقابته خوفا عليه من اليهود
وغريهم ،فقطع أبو طالب رحلته ورجع به إىل مكة(.)3
( )1احملاضرة اخلامسة للسيد عبد امللك بدر الدين مبناسبة املولد النبوي عام 1439ه .
( )2أنوار اليقني لإلمام املنصور ابهلل احلسن بن بدر الدين ‹عليه السالم› .472/1
( )3ابن هشام ،191/1وابن سعد ،121/1واتريخ الطربي ،277/2والسرية احللبية ،117/1والبداية والنهاية ،349/2
والسرية البن كثري ،243/1والدالئل أليب نعيم ،168/1وعيون األثر .106-105/1
21
مخسا وعشرين سنة ،ويقول املؤرخون :إن سفره هذا
ويف الرحلة الثانية :كان عمر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ً
كان يف جتارة خلدجية بنت خويلد قبل أن يتزوج هبا ،وإن أاب طالب هو الذي أشار عليه العمل ابلتجارة مع خدجية؛
بسبب الوضع املادي الصعب الذي كان يعيشه آنذاك.
أجريا ألحد قط،
أجريا هلا؛ إذ مل يكن صلى هللا عليه وآله وسلم ً
فدخل مع خدجية يف شراكة جتارية ،ومل يكن ً
وسافر برفقة ميسرة -وهو موظف لدى خدجية -وربح يف جتارته أضعاف ما كان يرحبه غريه.
بقي النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف رعاية عمه أيب طالب حىت كرب وبلغ اخلامسة والعشرين من عمره فتزوج
خبدجية بنت خويلد.
الزواج من خديجة:
يذكر املؤرخون أن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم تزوج خبدجية بنت خويلد ،زوجته األوىل بعد عودته من رحلته
الثانية إىل الشام ،وكان قد بلغ اخلامسة والعشرين من عمره الشريف.
أوال وأبدت رغبتها يف الزواج من حممد صلى هللا
ونكاد نقطع بسبب كثرة النصوص أن خدجية هي اليت ابدرت ً
عليه وآله وسلم بعدما رأت فيه من الصفات النبيلة ما مل تره يف غريه.
ويرجح كثري من املؤرخني أن يكون عمر خدجية حني زواج النيب هبا ما بني اخلامسة والعشرين إىل السابعة والعشرين
حممد صلى هللا عليه وآله وسلم ()1
أحب رسول هللا ر عاما وليس أكثر من ذلك .ومل يتزوج غريها إال بعد وفاهتا؛ لقد ر ً
خدجية (رضوان هللا عليها) وأحبته ،وأخلص هلا وأخلصت له ،فلم يكن يرى يف الدُّنيا ِّمن النرِّساء من تُ ِّ
عادل خدجية :فهي َر َ ر
رأول َم رن آمنت برسالته ،وص ردقت دعوته ،وبذلت ماهلا وثروهتا الطائلة يف سبيل هللا تعاىل ،ومن أجل نشر الدعوة
فتحملت مع رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم عذاب قريش ومقاطعتها وحصارها .وكان هذا اإلخالصاإلسالمية؛ ر
احلب واإلخالص
احلب املخلص من خدجية حرًّاي أبن يقابله الرسول الكرمي مبا يستحق من ر
الفريد ،واإلميان الصادق ،و ر
احلب والوفاء مل يفارق رسول هللا صلى هللا عليه
والتكرمي ،وبلغ من حبره هلا ،وعظيم مكانتها يف نفسه الطاهرة ،أ رن هذا ر
حتتل مكانتها يف نفسه؛ فقد روى أبو العباس احلسين يف كتاب
حىت بعد موهتا ،ومل تستطع أي من زوجاته أن ر وآله وسلم ر
( )1اختلف يف عُ رم ِّر خدجية بني 25و 28و 30و 35و 40و ،45ورجح البيهقي ،وابن كثري أن النيب تزوجها وعمرها .25
ينظر دالئل النبوة للبيهقي ،71/2والسرية النبوية البن كثري ،265/1والبداية والنهاية ،359/3والسرية احللبية ،140/1
وأنساب األشراف ،112/1وسري أعالم النبالء .111/2فالبيهقي وابن كثري يف البداية والنهاية رجحا أن عمر خدجية حني
موت خدجية وعُ رم ُرها مخسون سنة هو األصح؛ فالنيب صلى هللا عليه
تزوجها النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ( )25سنة ،و راعتَََربا َ
وآله وسلم تزوجها وعمرها ،25وظلت معه قبل البعثة 15سنة ،و بعدها 10سنوات ،فاجلملة ،50وروى احلاكم يف
املستدرك 182/3من حديث :كان هلا يوم تزوجها مثان وعشرون سنة؛ لذا راعتَََرب قول من قال :إن خدجية توفيت وعمرها
( ) 65سنة شاذا ،وقال :وهذا عندي شاذ؛ ألهنا مل تبلغ ستني سنة ،وذكر الذهيب يف سري أعالم النبالء ،111/2عن ابن
عباس أن النيب تزوجها بنت مثان وعشرين سنة.
22
املصابيح يف السرية عن أنس قال :كان رسول هلل صلى هللا عليه وآله وسلم إذا أهدي إليه هدية قال« :اذهبوا هبا إىل
بيت فلنة ،فإهنا كانت صديقة خلدجية ،اذهبوا هبا إىل فلنة فإهنا كانت َتب خدجية»(.)1
وكانت رضوان هللا عليها أفضل نسائه بل إحدى أفضل نساء العاملني ففي املصابيح أيضا عن قتادة عن أنس
قال :قال رسول هللا « :حسبك من نساء العاملي ِبربع :مرمي بنت عمران ،وآسية بنت مزاحم ،وخدجية بنت
خويلد ،وفاطمة بنت حممد.)2( »..
ال َر ُس رو ُل هللاِّ صلى
ال :قَ َ
ب ،قَ َ فع رن َعرب ِّد هللا بر ِّن َج رع َف ِّر بر ِّن أَِّيب طَالِّ ٍّ
كما بشرها صلى هللا عليه وآله وسلم ابجلنة َ
ب»(.)3 بَ ،لَ ص َخ ي ي صٍ شر َخ يد ْجيةَ بيب ي ٍ ي
ي هللا عليه وآله وسلم« :أ يُم ْر ُ
صٌ ب ف ْيه َوَلَ نَ َ َ ٌ ت م ْن قَ َ ت أَ ْن أُبَ ِ َ َ َ ْ
( )1املصابيح أليب العباس احلسين ص 218رقم ،88وأمايل أيب طالب ص ،40واألمايل االثنينية ،204ويف البخاري رقم
،3607ومسلم .2435
( )2املصابيح أليب العباس احلسين ص 218رقم 89الرتمذي 660/5رقم 3878وقال :صحيح ،وذخائر العقىب ص ،43
والطرباين يف الكبري 402/22رقم ،1003واألوسط ،54/7واملستدرك 158/3ووافقه الذهيب ،ومصنف عبدالرزاق
430/11رقم ،20919وابن أىب شيبة 391/6رقم ،32291ومسند أمحد 273/4رقم ،12394وأبو يعلى 380/5
رقم ،3039وابن حبان 401/15رقم .6951
القصب :اجلوهر. 3
( ) البخاري رقم ،3609/3605ومسلم رقم 2435/2432فضائل خدجية .و ُ
23
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
نظرا ملا حتتله الصالة من مكانة عظمى يف اإلسالم؛ فقد كان اهتمام رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم هبا
ً
وتعاهده ألمرها منقطع النظري.
-فقد كان صلى هللا عليه وآله وسلم يصلي الصالة يف أول وقتها وحيث املسلمني على ذلك؛ وعن أيب ذر قال:
قلت اي رسول هللا :إنك أمرتين ابلصالة فما الصالة؟ فقال صلى هللا عليه وآله وسلم« :خي موضوع فمن
شاء أقل ومن شاء استكثر» احلديث(.)1
-وعن عائشة :كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم حيدثنا وحندثه فإذا حضرت الصالة فكأنه مل يعرفنا ومل
نعرفه(.)2
-ولعظيم شوقه للوقوف بني يدي هللا يف الصالة فقد كان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ينتظر وقت الصالة
ويرتقب دخوله ،ويقول لبالل مؤذنه« :أرحنا َّي بلل»(.)3
-عن احلسني بن علي ‹عليهما السالم› يف حديث عن خضوع رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يف صالته
يقول عليه السالم « :كان النِب صلى هللا عليه وآله وسلم يبكي حىت يبتل مصله خشية من هللا عز وجل
من غي جرم» (.)4
•••
( )1أمايل املرشد ابهلل 260/1احلديث العاشر :يف الصالة وفضل التهجد وما يتصل بذلك.
( )2أخالق النيب لألصبهاين ص.251
( )3أخرجه أمحد 39/9رقم ،23149وأبو داود 296/4رقم ،4986والطرباين يف الكبري 277/6رقم .6215
( )4أورده الطباطبائي يف امليزان .309 ،308/6
24
( )4مكانة النبي صلى اهلل عليه وآله وسلم قبل البعثة
حممدا صلى هللا عليه وآله وسلم أصبح يف مطلع شبابه موضع احرتام يف جمتمعه؛ ملا كان
اتفق املؤرخون على أن ً
ميتلكه يف شخصيته من وعي وحكمة وإخالص وبُعد نظر.
وقد اشتهر بسمو األخالق وكرم النفس ،والصدق واألمانة حىت عُرف بني قومه ابلصادق األمني ،كما اشتهر
ومرجعا هلم يف
ً سيدا من سادات العرب املوهوبني،
برجاحة عقله ،وصوابية رأيه حىت وجد فيه املكيون والقرشيون ً
املهمات وحل املشكالت واخلصومات.
فقد ذكر املؤرخون أن الناس كانوا يتحاكمون إىل النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف اجلاهلية؛ ألنه كان ال يداري
وال مياري.
وكان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يسهم يف بعض أحداث جمتمعه ويف جتارب قريش السياسية والعسكرية والدينية،
وعدال ،وقد شارك بشكل فاعل ومؤثر يف حدثني اترخييني حصال قبل البعثة مها :حلف
حيثما رأى يف هذه التجارب ح ًقا ً
ضول ،وجتديد بناء الكعبة.
ال ُف ُ
ضول
الف ُ
حلف ُ
بعد سلسلة من حوادث االعتداء على أموال وأعراض بعض الوافدين إىل مكة يف موسم احلج للزايرة أو التجارة-
دعا الزبري بن عبد املطلب إىل إقامة حتالف بني قبائل قريش؛ هبدف مواجهة كل من يعتدي على اآلخرين ،ووضع
حد لغطرسة بعض املكيني الذين كانوا يتعمدون اإلساءة ويقومون ابالعتداء على الزائرين.
اجتماعا يف دار عبد هللا بن جدعان
ً فاستجاب لدعوته بنو هاشم ،وبنو عبد املطلب ،وبنو أسد ،وغريهم ،وعقدوا
حتالفوا فيه على حماربة الظلم والفساد واالنتصار للمظلوم والدفاع عن احلق ،وكان هذا التحالف أشرف حتالف يعقد
ضول؛ ألن قريشا قالت بعد إبرامه :هذا فضول من احللف ،وقيل :ألن ثالثة ممن
يف اجلاهلية ،وقد مسي حبلف ال ُف ُ
اشرتكوا فيه كانوا يُعرفون ابسم الفضل ،وهم الفضل بن مشاعة ،والفضل بن بضاعة ،والفضل بن قضاعة ،فسمي بذلك
هؤالء)1(. تغليبًا ألمساء
( )1وقيل :مسي هبذا االسم تشبيها حبلف قدمي مبكة أايم جرهم :على التناصف ،واألخذ للضعيف من القوي ،وقيل :مسي حلف
فضوال ال جيب عليهم .وقيل :ألهنم حتالفوا أن ترد الفضول على أهلها ،وأال يغزو
الفضول لبذهلم فضول أمواهلم .وقيل :لتكلفهم ً
ظاملهم مظلوما .لسان العرب .527/11
25
تبىن أبو طالب وغريه من القرشيني احللف املذكور ،وقد حضره صلى هللا عليه وآله وسلم وشارك فيه ،وكان
يتجاوز العشرين من عمره الشريف ،وأثىن عليه بعد نبوته وأمضاه ،فقد ُروي أنه قال صلى هللا عليه وآله وسلم:
هللا ب ين ج ْد َعا َن يح ْل رفا ما يس ُّريِن به ُمحْر النَّع يم ،ولَو ُد يع ُ ي ي ي
ي ي
ت»(.)1 يت إي َىل مثْله َْل َ
َج ْب ُ ُ َ َْ َ َُ ت ِف َدا ير َعْبد ْ ُ
ض ْر ُ
«لََق ْد َح َ
إن نظرة حتليلية بسيطة على هذا احللف تقودان إىل تسجيل األمور التالية:
أو ًل :إن ثناء النيب صلى هللا عليه وآله وسلم على هذا احللف ومشاركته فيه وإمضاءه له يدل على أن هذا
َّ
احللف ينسجم يف أهدافه مع أهداف اإلسالم؛ ألنه قائم على أساس احلق والعدل واخلري.
ثانيًا :إن هذا يؤكد واقعية اإلسالم ،وأنه إمنا ينظر إىل مضمون العمل وقيمته وليس إىل شكله وصورته ،فاإلسالم
ال يغرت ابملظاهر ،وال ختدعه الشعارات مهما كانت ربراقة إذا كانت ختفي وراءها الوصولية واخليانة والتآمر.
ثالثًا :إن اهتمام النيب صلى هللا عليه وآله وسلم حبلف الفضول إمنا يدل على أن اإلسالم ليس منغلقا على
نفسه ،وإمنا هو يستجيب لكل عمل إجيايب فيه خري اإلنسان ،ويشارك فيه على أعلى املستوايت انطالقا من الشعور
انسجاما مع أهدافه الكربى ،ومع املقتضيات الفطرية والعقل السليم.
ً ابملسؤولية ،و
رابعًا :إن موقفه صلى هللا عليه وآله وسلم من هذا احللف ليس إال من أجل حتريك املشاعر وإيقاظ الضمائر
للتحالف والتكتل يف وجه الظلم والعدوان ،والتعاون على اخلري واإلحسان واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر يف كل
عصر وزمان وخاصة إذا احنرف احلاكم واتبع أهواءه واستغل أموال الناس وخريات البالد والعباد ملصاحله وأطماعه
الذاتية.
( )1طبقات ابن سعد ،128/1والسبل ،208/2وسنن البيهقي ،167/6والبداية ،355/4والروض األنف ،155/1والسرية
البن كثري ،257/1وسرية ابن هشام .141/1
( )2يف شرح الزرقاين على املوطأ :397/2اختلف يف أول من بناها :فحكى احملب الطربي أن هللا وضعها ً
أوال ال ببناء أحد.
ولألزرقي عن علي بن احل سني أن املالئكة بنتها قبل آدم .ولعبد الرزاق عن عطاء أول من بىن البيت آدم .وعن وهب بن منبه
أول من بناه شيث بن آدم .وقيل :أول من بناه إبراهيم .اه .وينظر الكشاف ،414/1وتفسري ابن كثري .216/1
26
وقيل :إهنا هتدمت بعد أن مرت عليها القرون الطويلة فأعاد العمالقة بناءها مث هتدمت بعد ذلك فبنتها ُج ررُهم
وأصبحت يف واليتهم.
ويقول بعض املؤرخني :إن قبيلة جرهم بغت واستحلت احملارم فأابدها هللا ،وانتقلت والية الكعبة من بعدها إىل
خزاعة ،مث من بعدهم إىل قريش.
يف أثناء والية قريش عليها وقبل النبوة خبمس سنوات أو أكثر مت هدمها وجتديد بنائها ورصدوا لذلك نفقة طيبة
ليس فيها مهر بغي ،وال بيع راب ،وال مظلمة مما أخذوه غصبًا ،أو قطعوا به رمحًا أو انتهكوا فيه حرمة وذمة.
ويقول املؤرخون :إن قريشا وزعت اهلدم والبناء على القبائل فكان لكل قبيلة جهة معينة ،وكان الوليد بن املغرية
أول من ابدر إىل هدمها بعد أن هتيب غريه من فعل ذلك.
وهكذا بدأت كل قبيلة جتمع احلجارة وتبين اجلهة املعينة هلا حسب اخلطة ،ويقال :إن النيب صلى هللا عليه وآله
وسلم شارك يف مجع احلجارة.
وملا بلغ البنيان موضع احلجر األسود اختلفوا فيمن يرفع احلجر إىل موضعه ،وأصبحت كل قبيلة تريد هي أن
تنال شرف رفعه إىل موضعه ألهنم كانوا يرون أن من يضع احلجر يف مكانه تكون له السيادة والزعامة.
وكاد األمر يؤدي هبم إىل فتنة كبرية حيث استعدوا للقتال وانضم كل حليف إىل حليفه ،حىت أن بعض القبائل
فس ُّموا لُ رع َقة الدم.
حتالفوا على املوت وغمسوا أيديهم يف الدم ُ
وملا وصلوا إىل هذا احلد اخلطري اقرتح عليهم أبو أمية بن املغرية -والد أم سلمة زوج النيب صلى هللا عليه وآله
وسلم -أن حي ركِّموا يف هذا النزاع أول داخل عليهم؛ فكان حممد بن عبد هللا أول الوافدين فلما رأوه استبشروا بقدومه
حكما.
وقالوا :لقد جاءكم الصادق األمني ،أو هذا األمني قد رضينا به ً
ثواب فأتوا له بثوب كبري ،فأخذ احلجر ووضعه فيه بيده،
فطلب منهم النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أن حيضروا له ً
مجيعا ،فاستحسنوا ذلك ووجدوا فيه حال
مث التفت إىل شيوخهم وقال :لتأخذ كل قبيلة بطرف من الثوب مث ارفعوه ً
امتيازا على اآلخر ففعلوا ما أمرهم به ،فلما أصبح احلجر مبحاذاة املوضع
حيفظ حقوق اجلميع ،وال يعطي ألحد ً
املخصص له أخذه رسول هللا بيده الكرمية ووضعه مكانه.
إن التأمل يف وقائع هذه احلادثة جيعلنا َنلص إىل النتائج التالية:
األوىل :إن اشرتاط ق ريش أن تكون نفقة الكعبة طيبة ال راب وال غصب فيها وال مظلمة ألحد ..إن دل على
شيء فإمنا يدل على شعور حقيقي بقبح هذه األمور وعدم رضا هللا والوجدان هبا ،وقد يفسر ذلك أيضا ابقتضاء
الفطرة لذلك ،وحكم العقل بقبحه.
الثانية :إن ما تقدم يدل على أن أهل مكة كانوا يتعام لون ابملنطق القبلي حىت يف تعاوهنم على بناء البيت ومحل
احلجارة له ،وهو أقدس مقدساهتم ورمز عزهم وجمدهم وكرامتهم ،بل وعليه تقوم حياهتم وإ رن حتالف لعقة الدم حينما
اختلفوا فيمن يرفع احلجر إىل موضعه يعترب الذروة يف هذا املنطق اجلاهلي الذي َيابه الوعي اإلنساين وتنبو عنه
الفطرة ويرفضه العقل السليم.
27
الثالثة :إن فرح قريش حينما رأوا النيب أول داخل عليهم مث وصفهم له أبنه الصادق األمني ،يكشف عن املكانة
االجتماعية اخلاصة اليت كان حيتلها النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف نفوس الناس يف مكة حىت أهنم كانوا حيكمونه
يف كثري مما كان يقع اخلالف فيه بينهم ويضعون كل ثقتهم به ،وبعقله ووعيه وحكمته.
نظرا لألمهية البالغة اليت حيتلها الصوم يف اإلسالم فإن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم كان شديد التعلق
• ً
به كأحد الوسائل األساسية للتقرب إىل هللا ونيل رضوانه فإنه صلى هللا عليه وآله وسلم فضال عن أدائه فرض
يوما وأفطر
الصيام يف شهر رمضان كان يكثر من الصيام املستحب؛ فقد صام كل يوم فرتة من الزمن ،مث صام ً
يوما ما شاء هللا من عمره ،مث صام شعبان واألايم البيض –أي ثالثة عشر وأربعة عشر ومخسة عشر -من كل ً
شهر .وكان صلى هللا عليه وآله وسلم إذا كان العشر األواخر من شهر رمضان اعتكف يف املسجد وضربت
له قبة من شعر ومشرر (أي أقبل على طاعة ربه) وشد املئزر (يعين اعتزل النساء)(.)1
• ويف حديث عن أمري املؤمنني عليه السالم ..« :فلم يزل يعتكف صلى هللا عليه وآله وسلم يف العشر األواخر
من رمضان حىت توفاه هللا» (.)2
• وروي كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم إذا دخل شهر رمضان أطلق كل أسري وأعطى كل سائل(.)3
•••
( )1األحكام لإلمام ا اهلادي ، 207/1ومسند اإلمام زيد .203 ،202 /1
( )2الدارقطين 201/2رقم ،10والبيهقي ،315/4وابن خزمية 345/3رقم ،2223وعبد الرزاق 247/4رقم .7682
( )3أمايل أيب طالب 376رقم 440واألمايل اخلميسية /2الباب الثالث عشر :يف ذكر ليلة القدر وفضلها.
28
29
( )5البعثة النبوية
لقد أع رد هللا نبيه حمم ًدا صلى هللا عليه وآله وسلم وهيأه حلمل الرسالة ،وأداء األمانة الكربى ،وإنقاذ البشرية ،وحني بلغ
وهاداي للبشرية مجعاء.
األربعني من عمره الشريف اختاره هللا رسوًال ً
واملروي عن أئمة اهل البيت عليهم السالم أن الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم بعث ابإلسالم بعد عام الفيل
أبربعني سنة(610م).
وقد بدأ نزول الوحي عليه صلى هللا عليه وآله وسلم بواسطة جربائيل األمني عليه السالم يف شهر رمضان املبارك،
ويقال :إن أول ما نزل من القرآن هو سورة العلق.
والصحيح املروي عن أئمة العرتة عليهم السالم وغريهم أن أول ما نزل به جربائيل على النيب صلى هللا عليه وآله
وسلم هو :سورة احلمد (الفاحتة) .قال اإلمام القاسم بن إبراهيم عليه السالم يف بداية تفسريه للقرآن الكرمي« :ونبدأ
من تفسري كتاب هللا مبا نرجو أن يكون هللا به بدأ ،من تفسري السورة اليت أمر نبيَّهُ أن يسأله فيها اهلدى ،ومساها
عو رام هذه األمة فاحتة الكتاب والفرقان ،وقال بعضهم :امسها ُّأم القرآن ،وذلك مما يدل من يستدل على أهنا أول ما
ك الَّ يذ ْي
نزل ،ال كما يقول بعض جهلة العو رام بغري ما دليل وال برهان؛ أن أول ما نزل من القرآن﴿ :اق َْرأْ يِب ْس يم َربيِ َ
سا َن يم ْن َعلَ ٍق﴾ [العلق.]2 ،1 :
َخلَ َق* َخلَ َق ا يْلنْ َ
جل ثناؤه أن قد رنزل عليه قبلها االسم
أال ترى كيف يقول :اقرأ ما يُ رقريك ،ابسم ربك الذي رنزل عليك ،فأخرب ر
الذي أمره أن يقرأ به فيها وهلا ،وأن يقدمه يف القراءة عليها ،مث يصري بعد القراءة به إليها.
اتم مفعول ،وقول قد تقدم ُمر عليه السالم أن يقرأ؛ لكان إمنا أُمر بفعل ر أال ترى أنه لو كان ما قد قرأ هو ما أ َ
مقول ،وإمنا اسم ربه الذي أ ُِّمَر أن يقرأ به ﴿بسم هللا الرمحن الرحيم﴾ الذي ق ردم به يف صدر كل سورة عند أول
كل تعليم» (.)1
( )1ينظر جمموع اإلمام القاسم بن إبراهيم .38/2قال يف الكشاف « :775/4ذهب ابن عباس وجماهد إىل أن أول سورة نزلت
"اقرأ" وأكثر املفسرين إىل أن أول سورة نزلت فاحتة الكتاب» .وقال البغوي « :21/1وهلا ثالثة أمساء معروفة :فاحتة الكتاب،
ئ القرآن.وأم القرآن ،والسبع املثاين ،مسيت فاحتة الكتاب؛ ألنه تعاىل هبا افتتح القرآن ،وأم الكتاب؛ ألهنا أصل القرآن؛ منها بُ ِّد َ
وأم الشيء :أصله ،ويقال ملكة :أم القرى؛ ألهنا أصل البالد ،دحيت األرض من حتتها .وقيل :ألهنا مقدمة وإمام ملا يتلوها من
السور يبدأ بكتابتها يف الصحف وبقراءهتا يف الصالة» .وللخازن :21/1حنو من كالم البغوي ،قال« :هبا افتتح القرآن ،وهبا
تفتتح كتابة املصاحف ،وهبا تفتتح الصالة ...إخل» .وللشهاب يف حاشيته على البيضاوي 109/1يف تفسري أم القرآن قوله:
«..أو يف النزول بناءً على أهنا أول سورة نزلت» .قال الدرويش يف إعراب القرآن « :20/1األرجح أن "الفاحتة" هي أول سورة
كاملة نزلت ،وأمر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم جبعلها أول القرآن ،وانعقد على ذلك اإلمجاع» .وقد لفت نظر أيب السعود
ورودها يف أول املصحف ،وأنه قد يرد دليال على نزوهلا َّأوًال فقال« :إن اعتبار املبدئية من حيث التعليم أو من حيث النزول
يستدعي مراعاة الرتتيب يف بقية أجزاء الكتاب .....إخل»( .تفسري أيب السعود .)8/1قال اإلمام حممد عبده يف تفسريه
املنار« : 66/1وحنن نقول :إن الفاحتة أول سورة نزلت كما قال اإلمام علي رضي هللا عنه ،وهو أعلم هبذا من غريه؛ ألنه ترىب
30
لقد كانت هناك هتيئة للنيب ِّم رن قِّبَ ِّل هللا تعاىل لتل رقي الوحي عرب طرق عدة؛ منها :اإلهلام واإللقاء يف نفسه ،وكذا
مرعواب مما جرى له ،بل كان
ً بعض األخبار ،ومل يكن خائ ًفا أو الصادقة ،ومل يُفاجأ به كما تُ رِّ
صوُر ُ الرؤاي ر
من خالل ر
عاملا بنبوة نفسه ،وكان ينتظر الل حظة اليت َيتيه فيها جربائيل ليعلن نبوته ورسالته ،بل بعد تلقني ذلك البيان اإلهلي
مسرورا مبا أكرمه هللا به من النبوة والرسالة مطمئنًا إىل املهمة
ً مستبشرا
ً عاد النيب صلى هللا عليه وآله وسلم إىل أهله
اليت شرفه هللا هبا ،فلما دخل على خدجية أخربها مبا أنزله هللا عليه وما مسعه من جربائيل فقالت له :أبشر فوهللا ال
خريا ،وأبشر فإنك رسول هللا حقا.
يفعل هللا بك إال ً
انتشر خرب نزول الوحي على النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف وسط البيت النبوي فبادر عدد من الذين وصلهم
اخلرب إىل تصديق النيب صلى هللا عليه وآله وسلم واإلميان برسالته ،ويوصف الذين ابدروا إىل اإلميان ب (السابقني)،
ومعيارا للفضل وعلو املنزلة.
ً امتيازا
وقد اعترب السبق إىل اإلسالم ً
وإمياان وتصدي ًقا
إسالما ًً وقد اتفق املؤرخون واحملدثون على أن علي بن أيب طالب عليه السالم هو أول الناس
برسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ،وكان عمره آنذاك عشر سنوات أو اثنيت عشرة سنة(.)1
وقد ورد ذلك يف النصوص الصحيحة عن أئمة أهل البيت عليهم السالم ،وورد عنهم عليهم السالم أن النيب
بعث يوم اإلثنني وأن عليًا صلى معه يوم الثالاثء(.)2
إسالما وإمياان.
وأن أمري املؤمنني عليه السالم هو أول األمة قاطبة ً
ورودا علي
وروى احلاكم النيسابوري بسند صحيح عن النيب األعظم صلى هللا عليه وآله وسلم أنه قال« :أولكم ر
إسلما علي بن أيب طالب»(.)3
ر اْلوض أولكم
يف حجر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ،وأو ل من آمن به ،وإن مل تكن أول سورة على اإلطالق ،فال خالف أهنا من أوائل
(وممن رجح أن الفاحتة هي أول ما نزل :النسفي يف تفسريه 662/3يف قول ،والزخمشري يف الكشاف ،775/4 السور».
واإلمام حممد عبده يف املنار ،35/1واخلليلي يف جواهر التفسري ،163/1ومال إليه الرازي ،14/32والطربي .317/15
ورواه أصحاب السري (البداية والنهاية ،)14/3وهو رأي أئمة أهل البيت (املصابيح ،)141/1وأمايل أمحد بن عيسى .357/1
( )1ابن هشام ،262/1والسرية احللبية ،268/1وأتريخ الطربي ،309/2وأسد الغابة ،88/4وعيون األثر ،179/1والبداية
والنهاية البن كثري ،35-34/3وحممد رسول هللا ،68ودالئل النبوة ،160/2واتريخ املسعودي ،176/2وابن كثري
،428/1والطربي ،310/2وأتريخ دمشق ،27/42واملصنف لعبد الرزاق .325/5وقد أوسع يف ذلك يف شرح النهج
عاما.
،219/4ورجح أبو جعفر اإلسكايف أن عمره حني أسلم ً 15
ول هللاِّ صلى هللا عليه وآله وسلم يَ روَم ِّاإلثرنَ ر ِّ
ني، ث َر ُس ُ س ب ِّن مالِّ ٍّ
ك قَ َال :بُعِّ َ 2
( ) ذخائر العقىب ،58وروى الرتمذي برقم َ 3728ع رن أَنَ ٍّ ر َ
صلَّى َعلِّ ٌّي يَ روَم الث َُّال َاث ِّء .وابن كثري يف البداية والنهاية ،369/7وابن عساكر يف اتريخ دمشق 303/17عن ابن رافع، َو َ
واحلاكم يف املستدرك ،122/3والطربي ،310-309/2واملنتظم البن اجلوزي ،67/5والكامل البن األثري ،37/2
واالستيعاب ،200/3وأسد الغابة .89/4
( )3احلاكم يف املستدرك ،136/3وابن عساكر يف اتريخ دمشق ،306/17وأسد الغابة ،90/4واهليثمي يف زوائده
،102/9واالستيعاب ،198/3ومصنف ابن أيب شيبة 371/6رقم ،32112واملغازيل .67
31
وروى أمحد بن حنبل أن النيب قال« :علي بن أيب طالب أول أصحايب إسلما»(.)1
كما أن ابن أيب احلديد روى عن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أنه أخذ بيد علي وقال« :هذا أول من آمن
يب وصدقّن وصلى معي»(.)2
وعلي نفسه يصرح يف أكثر من موقف أنه أول من أسلم ،وأنه مل يسبقه أحد يف الصالة مع رسول هللا صلى هللا
عليه وآله وسلم وأنه الص رِّديق األكرب ،وأنه ال يعرف ً
أحدا من هذه األمة َعبَد هللا قبله غري رسول هللا صلى هللا عليه
وآله وسلم(.)3
كما أنه عليه السالم احتج على خصومه يف مناسبات عديدة أبنه أول من آمن وصدق برسول هللا صلى هللا
عليه وآله وسلم ،وكذلك فعل أتباعه من الصحابة والتابعني؛ حيث احتجوا على خصومهم يف صفني وغريها أبن
إسالما ،ومل جند أحدا من أعدائه حاول إنكار ذلك ،أو التشكيك
إمامهم علي بن أيب طالب عليه السالم أول الناس ً
فيه ،أو طرح اسم بديل عنه ابلرغم من توافر الدواعي واملقتضيات السياسية واملذهبية وغريها لطرح اسم رجل آخر
على أنه صاحب هذه الفضيلة دون علي عليه السالم .
إن احتجاجه واحتجاج أصحابه على خصومهم أبنه أول من أسلم دون أن جيرؤ أحد على اإلنكار يدل داللة واضحة
ليس على كون علي عليه السالم هو أول من آمن يف هذه األمة فحسب بل على أن أسبقية علي لإلسالم كانت من األمور
املسلرمة لدى مجيع الناس آنذاك.
أيضا أن خدجية بنت خويلد زوجة النيب األوىل كانت أول امرأة آمنت وصدقت برسول هللا ومن املسلمات التارخيية ً
صلى هللا عليه وآله وسلم وقد صلت مع رسول هللا يف اليوم الثاين من مبعثه وما على وجه األرض أحد يعبد هللا على هذا
الدين إال النيب وعلي بن أيب طالب(.)4
البن كثري ،430/1والبداية ،34/2والطربي ،313/2واملنتظم ،359/2وأتريخ ابن الوردي ،99/1وأتريخ اإلسالم
للذهيب ،والسرية النبوية ،137واليعقويب ،343/1وسرية سيد املرسلني ،330/1والصحيح من سرية النيب،320/2
واالعتصام .274/1
( )1هنج البالغة :اخلطبة .192
( )2سرية ابن إسحاق :ص. 138
( )3فعن احلسن البصري أن اإلمام عليا أسلم وعمره 15سنة .وعن عروة 8سنوات .وعن أيب األسود 13سنة وصحح هذا القول
اإلمام أبو طالب .وعن شريك 11سنة .وقال الكليب :كان عمره تسع سنني وقيل إحدى عشرة سنة .قال ابن إسحاق :مث
بن أيب طالب ِّ ِّ كان أ ََّوَل ذَ َك ٍّر من الناس آمن برسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وصلَّى معه وصد َ ِّ
َّق مبَا جاءه من هللا تعاىل َعل ُّي ُ َ َ
بن عبداملطلب بن هاشم رضوان هللا وسالمه عليه ،وهو يومئذ ابن عشر سنني .ينظر ابن هشام ،262/1واحللبية ،268/1
33
ثالثًا :إن سن البلوغ قد حددت بعد اهلجرة يف غزوة اخلندق يف قضية رد ابن عمر وقبوله يف الغزو( ،)1أما قبل
ذلك فقد كان املعتمد هو التمييز واإلدراك وعليه يدور مدار التكليف والدعوة إىل اإلسالم واإلميان وعدمه ،ولوال أن
أمري املؤمنني عليه السالم كان يف مستوى اإلسالم واإلميان مل يقدم النيب األعظم صلى هللا عليه وآله وسلم على دعوته
سفها ،وال ميكن صدور السفه من الرسول األكرم صلى هللا عليه وآله إىل اإلسالم مث قبوله منه ،وإال لكان ذلك ً
وسلم.
رابعًا :لو كان األمر كما ذكره فال يبقى معىن لقول النيب صلى هللا عليه وآله وسلم عنه« :إنه أول من أسلم»،
أو «أولكم إسلما» فإن معىن ذلك هو أن أوليته ابلنسبة إىل النساء والرجال والعبيد واألحرار على حد سواء.
أحدا واجه احتجاج أمري املؤمنني عليه السالم والصحابة والتابعني حبجة من هذا القبيل.
سا :إننا مل جند ً
خام ً
إسالما؛ ولكنهم اختلفوا يف
الخالصة :أن املؤرخني واحملدثني قد اتفقوا على أن عليًّا عليه السالم أول النَّاس ً
سنه يوم إسالمه؛ فقيل :أن عمره يوم إسالمه كان يرتاوح بني العاشرة والثالثة عشرة ،وقيل أنه كان يف اخلامسة عشرة
من عمره كما ذهب إىل ذلك احلسن البصري ومجاع ة من احملدثني ،منهم حممد بن سليمان الكويف يروي بسنده عن
ست عشرة(.)2
علي بن أيب طالب وهو ابن مخس عشرة سنة أو ر
ابن عباس قالَّ :أول من أسلم ر
وحتدث العقاد عن مولد علي عليه السالم وإسالمه يف كتابه (عبقرية اإلمام علي ص )23وقد جاء فيه :إن
إيذاان بعهد جديد للكعبة والعبادة
عليًّا ولد يف داخل الكعبة وكرم هللا وجهه عن السجود لألصنام فكأمنا كان ميالده ً
مسلما على التحقيق إذا حنن نظران إىل ميالد العقيدة والروح ،ألنه فتح عينيه على اإلسالم ومل
فيها ،بل قد ولد ً
يعرف قط عبادة األص نام ،وقد تريب يف البيت الذي خرجت منه الدعوة اإلسالمية وعرف العبادة يف صالة صلى
هللا عليه وآله وسلم وزوجه الطاهرة.
وأتريخ الطربي ،309/2وأسد الغابة ،88/4وعيون األثر ،179/1والبداية والنهاية البن كثري ،35-34/3وحممد رسول
هللا ،68ودالئل النبوة ،160/2واتريخ املسعودي ،176/2وابن كثري ،428/1والطربي ،310/2وأتريخ دمشق
،27/42واملصنف لعبد الرزاق .325/5وقد أوسع يف ذلك يف شرح النهج ،219/4ورجح أبو جعفر اإلسكايف أن عمره
عاما.
حني أسلم ً 15
ِّ ِّ ِّ ِّ ض الرمستَطَابَِّة صِّ 164يف تَ رر َمجَ ِّة ِّ ي ِّيف كِّتَابِِّّه رِّ
ال الر َع ِّام ِّر ُّ
ني ،أ رَو َع رش ٍّر،
َسلَ َم رضي هللا عنه َوُه َو ابر ُن َمثَان سن َ اإل َم ِّام َعل ٍّري :أ ر الرَاي ِّ ُ ر وقَ َ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ أ رَو أ رَربَ َع َع رشَرَة ،أ رَو ِّس َّ
اإل رس َال ُم،...ف ِّ اب َع رن تَ روقيت إِّ رس َالمه؛ ألَنَّهُ َملر يَ ُك رن ُم رش ِّرًكا فَيُ رستَأرنَ ُ ضَر ُ اإل ر اب ِّالص َو ُ
ض ُه رمَ :و َّ ت َع رشَرَةَ .وقَ َال بَ رع ُ
َّيب صلى هللا عليه و آله وسلم.وينظر هبجة احملافل.73/1 ِّ
اجَر بَ رع َد الن ِّر َسلَ َم ُمطرلَ ًقاَ ،وأ ََّو ُل َم رن َه َ
الُ :ه َو أ ََّو ُل َم رن أ ر الَ :ويُ َق ُ َوقَ َ
تضُ ُح ٍّد َوأَ َان ابر ُن أ رَربَ َع َع رشَرَة َسنَةً فَلَ رم ُِّجي رزِّينَ ،وعُ ِّر ر
ت َعلَى َر ُسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يَ روَم أ ُ
ِّ ِّ
ضُ ال :عُ ِّر ر عن ابر ِّن عُ َمَر قَ َ (ِّ )1
َج َازِّين .البخاري ،948/2ومسلم 1490/3رقم ،1868وأبو داود362/3 علَي ِّه ي وم ر ِّ
س َع رشَرةَ َسنَةً فَأ َ اخلَنر َدق َوأَ َان ابر ُن مخَر َ َ ر َر َ
رقم ،2957والرتمذي 64/3رقم ،1361وابن ماجة 850/2رقم ،2543والنسائي 155/7رقم ،3431وعبدالرزاق
368/7رقم ،36766ومعاين اآلاثر .218/3
( )2انظر املناقب للكويف 295/1 :ح ،218وأنساب األشراف للمسعودي :ص.232-231
34
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
القرآن كتاب هللا الذي نزل على عبده ورسوله حممد صلى هللا عليه وآله وسلم؛ ليخرج الناس من الظلمات إىل
النور ،وقد تكفل القرآن من خالل آايته املباركة هبداية الناس إىل احلق والعدل واخلري يف مجيع شؤوهنم «..
ومن ابتغى اَلدى ِف غيه أضله هللا ،فهو حبل هللا املتي ،وهو الذكر اْلكيم ،وهو الصراط املستقيم،
وهو الذي َل تزيغ به اْلهواء ،وَل تلتبس به اْللسنة ،وَل يشبع منه العلماء.)1( »..
وقد شدد اإلسالم على االهتمام به ،واالعتصام حببله من خالل قراءته وتدبره ،ووعي تعاليمه ،وجتسيد
مفاهيمه يف احلياة الفردية واالجتماعية وغريها.
َّاس و ُه ردى ومو يعظَةٌ ليل ي ي
ي﴾ [آل عمران.]138 : ْمتَّق َ
ُ ََْ قال تعاىلَ ﴿ :ه َذا بَيَا ٌن للن ي َ
وتعليما
ً ونظرا ملكانة القرآن يف اإلسالم فقد كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم شديد العناية به تالوة ً
وحثا على تعاهده ورعايته ،وتدبر آايته ،واحلرص عليه.
وهذه بعض الرواايت اليت تشري إىل مدى اهتمامه صلى هللا عليه وآله وسلم ابلقرآن.
• كان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ال يرقد حىت يقرأ املسبحات ويقول :يف هذه السورة آية هي أفضل من
ألف آية ،قالوا :وما املسبحات؟ قال صلى هللا عليه وآله وسلم« :سورة اْلديد ،واْلشر ،والصف ،واْلمعة،
والتغابن»(.)2
• وعن أم هاين كنت أمسع قراءة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ابلليل وأان على عريشي(.)3
( )1أخرجه الرتمذي 172/5رقم ،2906وابن أيب شيبة 125/6رقم ،30007والبزار يف مسنده( ،البحر الزخار) ،72/3
والبيهقي يف شعب اإلميان 326/2رقم ،1935و الدارمي 527/2رقم.3332
( )2أخرجه النسائي يف السنن الكربى 179/6رقم ،10551وأبو داود 734/2رقم .5057
( )3أخرجه ابن أىب شيبة 321/1رقم ،3672وأمحد 261/10رقم ،26960والنسائي 178/2رقم ،1013وابن ماجة
429/1رقم ،1349والطحاوي يف شرح معاين اآلاثر ،344/1والطرباين يف الكبري 411/24رقم .999 ،998
35
• وعن أمري املؤمنني عليه السالم قال :كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ال حيجزه عن قراءة القرآن إال
اجلنابة(.)1
• ولشدة تفاعله مع القرآن كان يبكي عندما يقرأ بعض آايته؛ فقد روى ابن مسعود قال :قال رسول هللا صلى
علي القرآن» ،فقلت :اي رسول هللا أقرأ عليك وعليك أنزل؟! فقال صلى هللا
هللا عليه وآله وسلم يل« :اقرأ ِ
عليه وآله وسلم« :إِن أحب أن أْسعه من غيي» فقرأت عليه سورة النساء حىت جئت إىل هذه اآلية:
ك َعلَى َه ُؤََل يء َش يهي ردا﴾ [النس ]41 : :قال صلى هللا عليه وآله ف إيذَا يج ْئ نَا يم ْن ُك يِل أ َُّم ٍة بي َ
ش يه ٍ
يد َو يج ْئ نَا بي َ ﴿فَ َك ْي َ
فالتفت إليه فإذا عيناه تذرفان(.)2
ُّ وسلم« :حسبك اْلن»
دؤواب على تالوة كتاب هللا شغوفًا به ،فلم يرتك القراءة حىت يف حاالت
وهكذا كان صلى هللا عليه وآله وسلم ً
مرضه.
•••
( )1أخرجه أبو يعلى 436/1رقم ،579والطرباين يف األوسط 9/7رقم ،6697ورقم ،7039وابن حبان 79/3رقم ،799
وابن اجلعد يف مسنده 25/1رقم .59
( )2الرتمذي 238/5رقم ،3025والبيهقي ،231/10وأبو يعلى 5/9رقم ،5069وابن حبان 9/3رقم ،735والطرباين
يف الكبري 81/9رقم ،8464ويف األوسط 164/2رقم ،1587ويف الصغري 136/1رقم ،204وابن أيب شيبة 226/7
رقم.35540
36
( )6ما بني البعثة واهلجرة 1 /
37
المرحلة الثانية( :الدعوة العامة)
ي ي
[الشعرا :ي﴾ ك ْاْلَق َْربي َ
يتَ َ
ويف هذه املرحلة استجاب الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم لقوله تعاىلَ ﴿ :وأَنْذ ْر َعش َ
ي اص َد ْع يِبَا تُ ْؤَم ُر َوأَ ْع ير ْ
ي﴾ [الحجر ]94 :وبدأ بتنفيذ أمر ربه ابلدعوة العامة عرب ض َع ين ال ُْم ْش يرك َ ]214وقوله تعاىل﴿ :فَ ْ
خطوتني:
اخلطوة األوىل :دعوة األقربني من عشريته وقومه ،وهم بنو عبد املطلب إىل اإلسالم وإبالغهم رسالة هللا تعاىل
ي ي
ك ْاْلَق َْربي َ
ي﴾ [الشعرا .]214 : يتَ َ
تنفيذا لقوله تعاىلَ ﴿ :وأَنْذ ْر َعش َ
ي ي
ي﴾ [الشعرا ]214 :مجع النيب صلى هللاك ْاْلَق َْربي َ
يتَ َ
فعن الرباء بن عازب قال :ملا نزل قوله تعاىلَ ﴿ :وأَنْذ ْر َعش َ
س( ،)1فأمر عليًا
الع َّ ِّ
رجال الرجل منهم َيكل املُسنَّة ويشرب ُ عليه وآله وسلم بين عبد املطلب وهم يومئذ أربعون ً
برجل شاة فقال :ادنوا بسم هللا فدان القوم عشرة عشرة فأكلوا وشبعوا ،مث دان بقعب من لنب فشرب منه ،مث فأتى ر
قال :اشربوا على اسم هللا ،فشربوا حىت رووا ،فبدرهم أبو هلب وقال :هذا ما سحركم به الرجل ،فسكت رسول هللا
صلى هللا عليه وآله وسلم يومئذ ومل يتكلم ،مث دعاهم من الغد على مثل ذلك الطعام والشراب ،مث أنذرهم
ودعاهم إىل اإلميان فقال « :من يؤازرِن ويؤاخيّن ،ويكون وليي ووصيي بعدي ،وخليفيت ِف أهلي» .فسكت
القوم ،فقال علي« :أَن» ،فأعاد ثال ًاث والقوم سكوت وعلي يقول كل مرة :أان ،فقال يف املرة الثالثة :أنت .فقاموا
()2
يقولون أليب طالب :أطع ابنك فقد أ ِّرُمر عليك»
إن البتداء بذوي القربى والعشيرة يهدف إلى:
َّأوًال :تثبيت أوىل دعائم الدعوة؛ ألنه إذا استطاع أن يستقطب عشريته األقربني إىل اإلسالم يستطيع بعد ذلك
أن يتوجه إىل غريهم بقدم اثبتة وعزم راسخ وإرادة مطمئنة.
اثنيًا :دفع أبناء عشريته إىل الدفاع عنه بدافع القرابة على فرض أهنم مل يؤمنوا بدعوته.
اثلثًا :بلورة مدى استعداد البنية الداخلية من أقرابئه وقومه للوقوف إىل جانبه والتحمل معه؛ ليتم من خالل ذلك
تقدير املواقف املستقبلية يف مواجهة التحدايت.
( )1املصابيح أليب العباس احلسين ص ،183والبداية والنهاية ،63/3وابن هشام ،285/1واتريخ الطربي ،326/2وعيون
األثر ،189/1وسرية ابن كثري ،474 ،463/1ودالئل النبوة للبيهقي 63/2رقم ( ،)495والروض األنف .6/2
40
قدَّرت قريش أن هذه املقاطعة ستؤدي إىل أحد ثالثة أمور :إما قيام بين هاشم بتسليمهم النيب ليقتلوه ،وإما أن
وعطشا حتت وطأة احلصار.
ً جوعا
يرتاجع النيب عن دعوته ،وإما القضاء عليه وعلى مجيع من معه ً
استمرت املقاطعة ثالث سنوات من السنة السادسة حىت التاسعة للبعثة وكان املسلمون خالهلا ينفقون من أموال
خدجية وأيب طالب ،حىت نفدت واشتدت وطأة املقاطعة ،ومل يكونوا يستطيعون اخلروج من شعب أيب طالب إال يف
جدا.
موسم العمرة يف رجب وموسم احلج يف ذي احلجة ،فكانوا يشرتون حينئذ ويبيعون ضمن ظروف صعبة ً
وكان أبو طالب (رضي هللا عنه) حيرس النيب صلى هللا عليه وآله وسلم بنفسه خوفا من أن يتسلل أحد من
املشركني إليه ويغتاله على حني غرة أو غفلة ،بل كان إذا حل الظالم ينقل النيب من املكان الذي عرف أهل
ِّر
الشعب أنه ابت فيه إىل مكان آخر وجيعل ابنه عليًا عليه السالم يف مكان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم حىت
إذا حصل أمر أصيب ولده دونه.
انتهت املقاطعة بعدما أكلت األرضة ما يف صحيفة املشركني اليت تعاقدوا فيها على املقاطعة ،وقيام مجاعة منهم
ممن تربطهم ببين هاشم عالقات نسبية بنقض الصحيفة وإلغاء مفاعيلها(.)1
( )1طبقات ابن سعد ،209/1والروض األنف ،127/2وعيون األثر ،222/1والبداية والنهاية ،108/3وسرية ابن هشام
،379/1والسرية البن كثري .49/2
41
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
أذكاره وتسبيحه:
• كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يكثر من ذكر هللا بل ما فارق ذكر هللا شفتيه املباركتني قط ،ومل يُر
مستغفرا.
ً شاكرا
مسبحا أو ًً ذاكرا
إال ً
وَل قُ َّوةَ إَل يِبهلل» .وكان النيب صلى
ول َ
• روي عنه صلى هللا عليه وآله وسلم أنه كان يكثر من قولَ« :ل َح َ
هللا عليه وآله وسلم إذا جلس يف اجمللس فأراد أن يقوم قال« :سبحانك اللهم وحبمدك ،وأشهد أن َل إله
إَل أنت أستغفرك وأتوب إليك»
ي ي • ويقول صلى هللا عليه وآله وسلم« :إييِِن َْل ي
وب إيل َْيه يِف الْيَ ْوم َس ْبعي َ
ي َم َّرةر». َستَ غْف ُر هللاَ َوأَتُ ُ
ْ
مخسا وعشرين.
• وكان صلى هللا عليه وآله وسلم ال يقوم من جملس وإن خف حىت يستغفر هللا ً
• وعن اإلمام الصادق عليه السالم قال :كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يستغفر هللا عز وجل يف كل
يوم سبعني مرة ويتوب إىل هللا عز وجل سبعني مرة.
وها يِب يَل ْستيغْ َفا ير». وب ص َداء َك ي ي
َجلُ َ ُّح ي
اس فَأ ْ • وكان صلى هللا عليه وآله وسلم يقول« :إي َّن ل ْل ُقلُ ي َ ر َ
ص َداء الن َ
• وكما كان دائم االستغفار كان دائم الشكر هلل سبحانه على كل حال.
فعن أمري املؤمنني عليه السالم قال :كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم إذا أاته أمر يسره قال« :ا ْْلَ ْم ُد
ال» .وعنه عليه السالم ات» وإذا أاته أمر يكرهه قال« :ا ْْلم ُد ي
هلل َعلَى ُك يل َح ٍ الص ي
اْلَ ُ ي
هلل الَّ يذي بيني ْع َمتي يه تَتي ُّم َّ
ِ َْ
ساجدا.
ً خر هلل عز وجل قال :ما استيقظ رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم من نوم قط إال َّ
ب الْعال يَم َ ي ي
يا
ي َكث ر وعنه عليه السالم كان النيب يف كل يوم إذا أصبح وطلعت الشمس يقول« :ا ْْلَ ْم ُد هلل َر يِ َ
ٍ ي
طَِبرا َعلَى ُك يِل َحال» يقول ثالمثائة وستني مرة ً
شكرا.
42
( )7ما بني البعثة واهلجرة2 /
( )1املشهور يف كتب السري أن املهاجرين أقاموا أبرض احلبشة عند النجاشي يف أحسن جوار؛ فلما مسعوا مبهاجرة النيب صلى هللا
عليه وآله وسلم إىل املدينة رجع منهم ثالثة وثالثون رجال ومن النساء مثاين نسوة فمات منهم رجالن مبكة وحبس مبكة سبعة
نفر ،وشهد بد را منهم أربعة وعشرون رجال ،فلما كان شهر ربيع األول وقيل :احملرم سنة سبع من هجرة رسول هللا صلى هللا
عليه وآله وسلم إىل املدينة كتب رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم إىل النجاشي كتااب يدعوه فيه إىل اإلسالم ،وكتب إليه أن
43
اثلثًا :توجيه ضربة لكربايء قريش ،ولتدرك أن قضية اإلسالم تتجاوز حدود تصوراهتا وقدراهتا ،وأن املسلمني
قادرون على جتاوز حدود الوطن والتخلي عن كل شيء يف سبيل إنقاذ عقيدهتم وإسالمهم.
بيعة العقبة
متنقال بني
بعد أن عاد النيب صلى هللا عليه وآله وسلم من الطائف استأنف جهوده عند حلول موسم احلج ً
وفودها حيث اجتمع بستة من أهل يثرب (املدينة) يف السنة احلادية عشرة من البعثة فدعاهم لرسالته ،فآمنوا به،
وأقسموا أن يعملوا يف سبيلها عند عودهتم إىل بلدهم.
مقصودا حيث اجتمع هبم بشكل شبه سري ،وركز على عدد
ً عفواي بل كان
ومل يكن اجتماعه هبؤالء الستة عمال ً
حمدود ،ال كما فعل مع ابقي الوفود حيث كان يدعوها عالنية.
وكان هدف الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم من هذا االجتماع هو حث هؤالء األشخاص على القيام بنشاط
يف بالدهم لتهيئة اجلو وخلق مناخ مؤيد ومتعاطف مع الدعوة ومبادئها اجلديدة يف املدينة.
يزوجه أم حبيبة بنت أيب سفيان ،وكتب إليه أن يبعث إليه من بقي عنده من أصحابه وحيملهم ففعل فجاءوا حىت قدموا املدينة.
ينظر عيون األثر ،156/1ونور اليقني يف سرية سيد املرسلني ص .152
44
العقبة األولـى:
وعندما حل موسم احلج يف العام الثاين أي يف السنة الثانية عشرة من البعثة التقى النيب صلى هللا عليه وآله وسلم
سرا يف و ٍّاد ضيق ابلعقبة بني مكة ومىن ،وهي العقبة األوىل ،وقد أعلنوا
رجال من اليثربيني واجتمع هبم ً
مع اثين عشر ً
فيها إمياهنم واستعدادهم للعمل على نشر اإلسالم ،وابيعوا النيب على ذلك(.)1
فلما أرادوا االنصراف إىل بلدهم بعث رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم معهم مصعب بن عمري من أجل أن
يعلمهم اإلسالم ،ويفقههم يف الدين ،وجيعل منهم قوة أكثر فاعلية ودقة يف نشر الدين اجلديد يف صفوف أهل
املدينة.
استطاع مصعب بن عمري -بفعل وعيه وخربته بشىت أساليب العمل والتبليغ -أن يقوم بواجبه كما أراد رسول
مؤيدا
يوما بعد يوم ،وأصبح جو املدينة العام ًهللا صلى هللا عليه وآله وسلم ،وكان عدد املسلمني يف املدينة يزداد ً
للرسول صلى هللا عليه وآله وسلم ومهيأً لقدومه.
العقبة الثانية:
ويف العام التايل أي يف السنة الثالثة عشرة من البعثة وبعد مرور عام كامل على بيعة العقبة األوىل عاد مصعب
بن عمري إىل مكة ومعه مجع كبري من مسلمي املدينة ،خرجوا مستخفني مع حجاج قومهم املشركني.
اعا بني الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم وبني مسلمي
ويبدو أن مصعبًا قبل حضوره إىل مكة كان قد رتب اجتم ً
يثرب بعد انتهاء موسم احلج ،فالتقى بعضهم ابلنيب صلى هللا عليه وآله وسلم وواعدهم أن جيتمع هبم يف العقبة يف
ليال ،وأمرهم ابحلفاظ على سرية االجتماع ،ويف الليلة املعينة مت االجتماع حبضور علي
اليوم الثاين من أايم التشريق ً
عليه السالم واحلمزة يف الدار الذي كان ينزل فيه الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم وهو دار عبد املطلب ،فبايعوه
على محايته ،وعلى أن مينعوه وأهله مما مينعون منه أنفسهم وأهليهم ،وعلى أن ينصروه ويقفوا إىل جانبه يف الشدة
والرخاء ،كما ابيعوه على السمع والطاعة واألمر ابملعروف والنهي عن املنكر ،وعلى أن يدعوا إىل هللا وال خيافوا يف
هللا لوم ة الئم ،وقد مسيت هذه البيعة ببيعة العقبة الثانية ،وبذلك بدأ األمل يشرق على القلوب بوجود حاضنة
جديدة لدين اإلسالم والرسول اخلامت.
لقد جنح النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف هناية املطاف بفعل إصراره على مواصلة الدعوة وعدم َيسه أو
استسالمه أمام الفشل الظاهري يف الطائف ويف مكة ،وبفعل الثقة بوعد هللا سبحانه ابلنصر يف إجياد القاعدة املناسبة
اليت يرتكز عليها اإلسالم فكانت يثرب موضع اختياره اجلديد.
مهد فيها النيب صلى هللا عليه وآله وسلم للهجرة إىل املدينة املنورة.
وكانت بيعة العقبة هي اخلطوة الرئيسية اليت ر
وابهلجرة إىل املدينة تبدأ املرحلة الثالثة من مراحل الدعوة وهي مرحلة بناء الدولة ،والدفاع عن اإلسالم.
سلوكه الشخصي1-
كان أمري املؤمنني عليه السالم إذا وصف رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم قال« :كان أجود الناس ك رفا،
وأجرأ الناس صدرا ،وأصدق الناس َلجة ،وأوفاهم ذمة ،وألينهم عريكة ،وأكرمهم عشرة ،ومن رآه بديهة
()1 – ْلول مرة -هابه ،ومن خالطه فعرفه أحبهَ ،ل أر مثله قبله وَل بعده»
وعن يونس عن احلسن قال :سئلت عائشة عن خلق رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فقالت :كان خلقه
القرآن.
ومن صف اته الكرمية :كان صلى هللا عليه وآله وسلم ال مينعه احلياء أن حيمل حاجته من السوق إىل أهله،
ويسلم على من استقبله من غين وفقري وكبري وصغري ،وال حيقر ما دعي إليه ،ولو إىل حشف التمر ،وكان خفيف
اضعا من
وحمزوان من غري عبوس ،متو ً
ً بس ًاما من غري ضحك،
املؤونة ،كرمي الطبيعة ،مجيل املعاشرة ،طلق الوجه ،ر
غري مذلة ،جو ًادا من غري سرف ،رقيق القلب ،رحيما بكل مسلم ،ومل يتجشأ من شبع قط ،ومل ميد يده إىل طمع
قط.
وقال العلماء يف أخالقه الفردية :كان صلى هللا عليه وآله وسلم أسخى الناس على اإلطالق.
وكان جيلس على األرض وينام عليها ،وَيكل عليها ،وكان خيصف النعل ،ويرقع الثوب ،ويفتح الباب ،وحيلب
الشاة ،ويعقل البعري فيحلبها ،ويطحن مع اخلادم إذا أعيا (تعب).
وكان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أبعد الناس غضبًا وأسرعهم رضا ،وكان أصرب الناس على أوزار الناس.
وكان إذا أكل مسى ،وَيكل بثالث أصابع ،ومما يليه ،وال يتناول من بني يدي غريه ،ويؤتى ابلطعام فيشرع
كف عنه.
قبل القوم مث يشرعون وذلك لكي ال يستحي أحد من تناول الطعام إذا هو ر
ذم رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم طعاما قط ،وكان إذا أعجبه أكله وإذا كرهه تركه ،بل يف بعض
وما ر
الرواايت كان َيكل ما حضر وال يرد ما وجد ،وما رؤي َيكل متكئًا قط.
وكان صلى هللا عليه وآله وسلم إذا فرغ من طعامه يغسل يديه من الطعام حىت ينقيها فال يوجد ملا أكل ريح.
( )1أخرجه ابن أيب شيبة 328/6رقم ،31805واخلطيب ،30/11والبيهقي يف الشعب 148/2رقم .1415وروي بلفظ:
صدرا.
صدرا ،ولفظ ،أجود الناس ً
صدرا ،ولفظ :أشرح الناس ً
صدرا ،ولفظ :أوسع الناس ً
أرحب الناس ً
46
وكان صلى هللا عليه وآله وسلم ال يلبس ثوبني ويلبس الغليظ من القطن والكتان ،إذا لبس جديدا أعطى
خلَف ثيابه مسكينا.
وكا ن جيالس الفقراء ،ويؤاكل املساكني ،ويناوهلم بيده ،ال يرتفع على عبيده وإمائه يف مأكل وال ملبس.
وكان يركب ما أمكنه من فرس أو بغلة أو محار.
•••
47
( )8اهلجرة إىل املدينة
بعد بيعة العقبة مسح النيب صلى هللا عليه وآله وسلم للمسلمني وخاصة ألولئك الذين كانوا يتعرضون لإليذاء
والضغوط ابهلجرة إىل املدينة ،وقال هلم فيما يروى عنه صلى هللا عليه وآله وسلم« :إن هللا عز وجل قد جعل لكم
ودارا َتمنون هبا».
إخواَن ر
ر
سرا وعالنية ،مضحني بوطنهم وبعالقاهتم وكثري منهم
فأخذ املسلمون يتوافدون إىل املدينة أفر ًادا ومجاعاتً ،
مبمتلكاهتم ومكانتهم يف جمتمعهم اجلاهلي يف سبيل عقيدهتم ودينهم.
خطرا على وجودها ومستقبلها؛ ملا يشكله املهاجرون مع أهل املدينة من قوة تستطيع
ورأت قريش يف هذه اهلجرة ً
أن تقف يف وجه قريش ومصاحلها ،خاصة أن جتارهتا إىل الشام متر عرب املدينة ،فأخذت متنع املسلمني من اهلجرة
وتالحقهم وتُلحق العذاب واإلرهاب بكل من كان يقع يف قبضتها.
وبرغم كل هذه اإلجراءات مت ركن معظم املسلمني من اهلجرة ومل يبق يف مكة بعد بيعة العقبة بفرتة وجيزة سوى
النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وعلي عليه السالم وعدد قليل من املسلمني املستضعفني.
بقي النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف مكة ينتظر اإلذن اإلهلي ابهلجرة وشعرت قريش حبجم اخلطر فيما لو
التحق النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أبصحابه خاصة بعدما ق ردرت أن املدنيني سيحمونه وينصرونه بكل طاقتهم
بعدما ابيعوه على السمع والطاعة واجلهاد ،فاختذت قر ًارا حامسًا ابلتخلص من النيب صلى هللا عليه وآله وسلم قبل
فوات األوان ،واستطاعت أن تنتزع قر ًارا مبشاركة كل قبائل قريش يف عملية االغتيال من أجل أن يتفرق دمه يف
القبائل كلها فال يعود إبمكان بين هاشم أن يثأروا لدمه.
ليال من مكة وأن جيعل عليًّا عليه السالم مكانه ليبيت على
ولكن هللا أخرب رسوله هبذه املؤامرة وأمره ابخلروج ً
ليفوت عليهم كيدهم ،فخرج رسول هللا إىل غار ثور ،وعندما اقتحم املشركون دار
فراشه من أجل التمويه واإليهام ،ر
النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وجدوا أنفسهم أمام علي عليه السالم !.
شري َمرضاة ِّ
بكل إخالص وتضحية وشجاعة ،وابع نفسه ليَ َ علي عليه السالم أوامر هللا ورسوله ر لقد ن رفذ اإلمام ر
مثاال للتضحية والفداء ،وقُدوة يف الشجاعة والثبات ،ويف ومدح الوحي ،فكان ً فنال بذلك َ ِّ هللاَِّ ،
شرف الثناء اإلهلي َ
ض ياة ي اس من ي ْش يري نَ ْف ي ي
وف
هللا َوهللاُ َرُؤ ٌ اء َم ْر َ
سهُ ابْتغَ َ
َ علي عليه السالم وموقفه الفدائي نزل قول هللا تعاىلَ ﴿ :وم َن النِ ي َ َ
يِبلْعيب ي
اد﴾[.البقرة ]207 :
َ
وكان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم قد خرج قبل ذلك من بينهم وهو يقرأ هذه اآليةَ ﴿ :و َج َعلْنَا يم ْن بَْ ي
ي أَيْ يدي يه ْم
ص ُرو َن﴾ [يس ]9 :وتوجه حنو غار ثور حيث بقي يف الغار ثالثة أايم اهم فَ ُهم ََل ي ْب ي
ش ْي نَ ُ ْ ْ ُ َسدًّا َويم ْن َخل يْف يه ْم َسدًّا فَأَ ْغ َ
إىل أن متكن من الوصول إىل قرية قباء يف املدينة املنورة برغم مالحقة قريش له.
وك َوُيَْ ُك ُرو َنوك أ َْو ُُيْ ير ُج َ ين َك َف ُروا لييُ ثْبيتُ َ
وك أ َْو يَ ْقتُ لُ َ وقد حتدث القرآن عن ذلك بقوله تعاىل﴿ :وإي ْذ ُيَْ ُكر بي َ َّ ي
ك ال ذ َ ُ َ
ي
ين﴾ [األنف:ل.]30 :َوُيَْ ُك ُر هللاُ َوهللاُ َخ ْيُ ال َْماك ير َ
48
ول لي ي ي ي
صاحبيه ََل ََتْ َز ْن إي َّن هللاَ َم َعنَا فَأَنْ َز َل هللاُ
ي إي ْذ ُُهَا يِف الْغَا ير إي ْذ يَ ُق ُ َ وقال تعاىل﴿ :إي ْذ أَ ْخ َر َجهُ الَّذ َ
ين َك َف ُروا ََثيِنَ اثْ نَ ْ ي
يز حكييم﴾ [التوبة: ي يي ي ي ي ٍ ي ي
الس ْفلَى َوَكل َمةُ هللا ه َي الْعُلْيَا َوهللاُ َع يز ٌ َ ٌ ين َك َف ُروا ُّ َسكينَ تَهُ َعلَْيه َوأَيَّ َدهُ ِبُنُود ََلْ تَ َرْو َها َو َج َع َل َكل َمةَ الَّذ َ
.]40
وكانت هجرة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف شهر ربيع األول بعدما كان أمضى ثالث عشرة سنة يف مكة
وكانت هذه اهلجرة بداية التاريخ اإلسالمي(.)1
دوافع الهجرة
فعال خطط له النيب صلى هللا عليه وآله وسلم؛
مل تكن اهلجرة إىل املدينة رد فعل الضطهاد قريش بل كانت ً
لتكون املدينة قاعدة ارتكاز للدعوة.
كانت املدينة مهيأة جغرافيًا واجتماعيًا واقتصاداي لتكون قاعدة صلبة لإلسالم:
-1فمن الناحية اجلغرافية تبعد املدينة عن مكة أكثر من أربعمائة كيلو مرتا مما جيعلها مبأمن من هجمات قريش
املفاجئة واملباغتة من جهة ،ومن جهة أخرى هي قريبة من طريق جتارة مكة الشام حبيث يتمكن النيب صلى هللا عليه
( )1ابن هشام ،123/1والبداية والنهاية ،214/3والكامل ،71/2ومغلطاي ،153والطربي ،376/2وجممع الزوائد ،62/6
ومروج الذهب ،286/2واملصابيح أليب العباس احلسين ص ،229والسرية ألمحد الشريف ص ،69وعيون األثر ،286/1
والسرية النبوية البن كثري ،226/2وطبقات ابن سعد ،227/1والروض األنف ،229/2والسرية احللبية .27/2
49
وآله وسلم من فرض سيطرته وممارسة نوع من الضغط السياسي واالقتصادي وحىت العسكري على قريش يف الوقت
املناسب.
-2ومن الناحية االجتماعية فإن طول النزاع القبلي بني سكاهنا من األوس واخلزرج واليهود جعلها منطقة مفككة
اجتماعيًا فكما أهنا ال تستطيع أن تتماسك أمام قوة اإلسالم فإهنا كانت تتطلع إىل رجل تلتف حوله لينزع عنها
إىل األبد هذه العصبيات املستعصية.
-3ومن الناحية االقتصادية تعترب املدينة غنية إبمكانياهتا الزراعية مبا ميكنها من املقاومة واالحتفاظ بنوع من
احلياة يف حال تعرضت لضغوط اقتصادية من قبل املشركني وغريهم.
« أصبحت املدينة جاهزة الستقبال الرسول والرسالة ،حظي أهل يثرب (األوس واخلزرج القبيلتان اليمانيتان)
بدال من قريش ومكة اليت عصت وأبت ومتردت ،وترك ابلشرف أن يكونوا هم الذين اختارهم هللا حلمل هذه الرسالة ً
رسول هللا مكة رغم قداستها ،وبرغم أمهيتها ،برغم وجود بيت هللا احلرام فيها ،وأصبح خادم احلرم -الذي يتزعم
الوضع يف مكة ويزعم أنه األوىل ابهلل وببيته وبدينه وبكل شيء -أصبح أاب جهل وأاب سفيان ومن معهم ،وأاب هلب
مسجدا بيتًا
ً وغريهم من املشركني ،وترك الرسول مكة ببيتها احلرام وبكل ما فيها وذهب إىل املدينة ،بىن يف املدينة
هلل تتحرك منه رسالة اإلسالم.
وقام خبطواته بعد أن وصل إىل املدينة :من بناء املسجد ،من اإلخاء بني املهاجرين واألنصار وبني املؤمنني
كمؤمنني ،الوثيقة اليت نظَّم هبا الوضع يف تعايش س ركان املدينة ،وتعزيز الروابط بينهم ليلتفوا حول اإلسالم ،والتعايش
بشكل عظيم ،وكانت مرحلةٍّ ين فيها كيان اإلسالم ِّ
حول دولة اإلسالم اليت سيبنيها هناك ،بدأت مرحلة جديدة بُ َ
اهلجرة هي مرحلة ميالد األمة ،وهلذا اختريت للهجرة»(. )1
( )1احملاضرة اخلامسة للسيد عبد امللك بدر الدين مبناسبة املولد النبوي عام 1439ه .
50
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه الشخصي2-
• كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم شديد االهتمام ابلطهارة والنظافة؛ فلم يكن مياثله أحد يف نظافة
جسمه ومالبسه وطيب رائحته.
معتربا ذلك جزءا من العبادات ،وكان يداوم على الوضوء؛ ليبقى على طهارة
فقد كان يغتسل يف أغلب األايم ً
حىت ورد عن بعض أصحابه ما رأيت أوضأ من رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ،وكان يغسل رأسه الذي
كان يصل إىل شحمة أذنه مباء السدر ،وميشطه ويدهنه بزيت البنفسج ويعطر جسده ومالبسه ابملسك،
وكان يعرف يف الليلة الظلماء -قبل أن يُرى -ابلطيب فيقال :هذا النيب صلى هللا عليه وآله وسلم.
كثريا؛ وقد ورد عن أنس بن مالك :صحبت رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلموكان حيب الطيب ويهتم به ً
عشر سنني ومشمت العطر كله فلم أشم نكهة أطيب من نكهة رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وكان
صلى هللا عليه وآله وسلم ينظف أسنانه ابملسواك عدة مرات يف اليوم والسيما عند الوضوء وقبل النوم وعند
االستيقاظ منه.
• كان يغسل يديه وفمه قبل تناول الطعام وبعده ،متجنبا أكل اخلضروات الكريهة الرائحة ،وكان شديد العناية
مبظهره وهندامه؛ فقد روي أنه كان يتجمل ألصحابه فضال عن جتمله ألهله.
• وكان يوصي أصحابه وأتباعه أن يلزموا نظافة أبداهنم ومالبسهم وأن يعتنوا مبظهرهم اخلارجي.
وذات يوم رأته إحدى زوجاته وهو ينظر يف ركوة فيها ماء يف حجرهتا ويسوي فيها مجته (شعر رأسه)؛ إذ مل
يك ن لديه مرآة ينظر فيها ،وهو خارج إىل أصحابه ،فقالت :أبيب وأمي تتمرأ يف الركوة وتسوي مجتك وأنت النيب
وخري خلقه؟!
ج إي َىل إي ْخ َوانييه أَ ْن يَتَ َهيَّأَ ََلُ ْم َويَتَ َج َّم َل». يي فقال النيب صلى هللا عليه وآله وسلم« :إي َّن هللا ُيُي ُّ ي
ب م ْن َعْبده إيذَا َخ َر َ َ
وعن علي عليه السالم قال :قال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم« :إن هللا ُيب من عبده إذا خرج إىل
آدم ُخ ُذوا يزينَ تَ ُكم يعْن َد ُك يل مس يج ٍ
د﴾ [األعراف:
َِْ ْ إخوانه أن يتزين َلم ويتجمل» يعضده قول هللا تعاىلََّ ﴿ :يبَيّن َ َ
[الضحى)1( ]11 :
ك فَ َح ِيد ْ
ث﴾ قائالَ ﴿ :وأ ََّما بيني ْع َم ية َربيِ َ
،]31وقوله عز ً
•••
ابشر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم فور وصوله إىل املدينة املنورة أبعمال أتسيسية ترتبط ببناء اجملتمع السياسي
اإلسالمي ،ومبستقبل الدعوة اإلسالمية وأبرزها:
وكان يعمل فيه بيده الشريفة إىل جانب املسلمني حىت أمتوا بناءه ،واملسجد هو أول مركز عىن النيب إبنشائه ،وقد
طويال بعد وفاة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم فلم
كزا للعبادة والتعليم واحلكم ،واإلدارة ،وبقي كذلك زمنًا ً
كان مر ً
يكن حلكومة النيب مقر خاص ،وكان املقر العام الوحيد يف الدولة هو املسجد ،وال تذكر املصادر أن النيب صلى هللا
عليه وآله وسلم مارس مهمات حكومية وإدارية –يف حال كونه يف املدينة -يف مكان آخر غري املسجد.
وأول مسجد بين يف اإلسالم هو مسجد قباء يف قرية قباء القريبة من املدينة ،حيث كانت حمطة النيب األخرية يف
س َعلَى التَّ ْق َوى ي ي
ُس َ
رحلة اهلجرة قبل دخوله إىل املدينة وهو املسجد الذي أشار إليه القرآن بقوله تعاىل﴿ :ل ََم ْسج ٌد أ ِ
َّروا َوهللاُ ُيُي ُّ يمن أ ََّو يل ي وٍم أَح ُّق أَ ْن تَ ُقوم في ييه في ييه يرج ٌ ي
ين﴾ [التوبة.]108 : ب ال ُْمطَّ يِه ير َ ال ُُيبُّو َن أَ ْن يَتَطَه ُ َ َ َْ َ ْ
إن اهتمام اإلسالم ابملسجد وإعطائه هذه األولوية إىل درجة أن يكون أول عمل يقوم به النيب صلى هللا عليه وآله
وسلم يف قباء مث يف املدينة املنورة يدل على أن اإلسالم يريد منا أن نتعامل مع املسجد كمركز روحي وثقايف وجهادي،
حمال للعبادة والرتبية والتعليم ،ومكاان للتعارف كما تعامل معه رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ،وأنه ينبغي أن يبقى ً
والتآلف والوحدة بني املسلمني ،ومركزا يتخرج منه اجملاهدون يف سبيل هللا.
ثانيا :المؤاخاة:
ا
يف سبيل ترمجة الرؤية النظرية يف اإلسالم إىل واقع معاش ،ويف سبيل التمهيد لوالدة األمة اجلديدة برتكيب جمتمعي
ذي صيغة منظورة ذات مالمح ،ويف سبيل توكيد وحدة املسلمني والتغلب على التناقضات الداخلية القائمة بني
األوس واخلزرج ،والتناقضات املتوقعة بني املهاجرين واألنصار ،ويف سبيل حتطيم االعتبار الطبقي القبلي واالقتصادي،
وعالج مشكلة التفاوت يف املستوى املعيشي والتعبري العملي عن مبدأ املواساة والعدالة اإلسالمية ،إىل جانب تعميق
العالقة اإلميانية بني املسلمني؛ أقدم النيب صلى هللا عليه وآله وسلم على أول خطوة تنظيمية للمجتمع اجلديد هي
املؤاخاة بني املهاجرين واألنصار.
52
فقد دعا رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم أصحابه من املهاجرين واألنصار بعد مخسة أو مثانية أشهر من وصوله
إىل املدينة وقال هلم :آتخوا يف هللا أخوين أخوين ،فتآخى هو صلى هللا عليه وآله وسلم مع علي بن أيب طالب حيث
كل ونظريه(.)1
أخذ بيده وقال :هذا أخي ،وآخى بني املسلمني وكان يؤاخي بني ٍّ
وهذه هي املؤاخاة الثانية ،وكانت املؤاخاة األوىل يف مكة بني أصحابه من قريش ومواليهم (العبيد املعتَقني) فآخى
بني عمه محزة بن عبد املطلب وزيد بن حارثة ،وبني عبيدة بن احلارث بن عبد املطلب وبالل موىل رسول هللا صلى
هللا عليه وآله وسلم وبني أيب عبيدة بن اجلراح وسامل موىل أيب حذيفة ،وقد آخى بينهم على احلق واملواساة.
وكان اهلدف الذي توخاه اإلسالم من هذه األخوة هو أن يتحول املسلمون األولون من جمتمع مفكك يعيش
أبناؤه األحقاد والبغضاء والعداوة إىل جمتمع متماسك متآلف يعيش احملبة واملودة.
وكانت هلذه اخلطوة –املؤاخاة -نتائ ج مهمة على املستوى اجلهادي يف اتريخ املواجهة مع أعداء اإلسالم؛ فقد
استطاع املسلمون املتآخون حتقيق انتصارات كربى يف بدر واخلندق وغريها برغم قلة العدد وبساطة العتاد ،وقد امنت
ك هللاُ ُه َو الَّ يذي وك فَيإ َّن َح ْسبَ َ
هللا على نبيه صلى هللا عليه وآله وسلم يف بدر بقوله تعاىلَ ﴿ :وإي ْن يُ يري ُدوا أَ ْن َُيْ َدعُ َ
ي قُلُوهبيي ْم َولَكي َّن هللاَ أَلَّ َ ي قُلُوهبيي ْم ل َْو أَنْ َف ْق َ ي أَيَّ َد َك بينَ ي
ف ت بَ َْ ض َي
َج ريعا َما أَلَّْف َ ت َما يِف ْاْل َْر ي ف بَ َْ ص يره َو يِبل ُْم ْؤمني َ
ي * َوأَلَّ َ ْ
ي
يم﴾ [األنف:ل.]63 ،62 : بَ ْي نَ ُه ْم إينَّهُ َع يز ٌيز َحك ٌ
54
فضال من أن يسيطروا -مل يستطيعوا أن يستقلوا
مع زعماء من قبائل املدينة وما جاورها ،أي مل يستطع اليهود ً -
يف احلفاظ على أنفسهم ،وأن حيققوا ألنفسهم أمنًا» (.)1
أيضا« :وابلرغم مما يف كتب السرية من احلديث عن صلح وقع منه كما يقول السيد حسني بدر الدين ً
مع اليهود! .إال أنك عندما ترجع إىل الوثيقة اليت صاغها الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم فور وصوله املدينة
املنورة -جتد أنه ذكر فيها كل بطون وبيواتت القبائل الساكنة يف املدينة وحوهلا ،و ليست بصدد الصلح مع
اليهود.
اليهود كانوا حول املدينة حلفاء لبيوت أو أشخاص من األوس واخلزرج داخل املدينة ،مرتبطني مبعاهدات معهم؛
ابعتبارهم حلفاء يسري على اليهود ما يسري على حلفائهم .وهذا شيء طبيعي يف املواثيق ويف املعاهدات العربية
أنه يسري على األولياء -الذين يسموهنم َوِّيل آل فالن أو حليف آل فالن -يسري عليهم ما يسري على من هو
ٍّ
معاهدة معه. يف حلفه ،أو يف والئه ،أو يف
فمن العجيب أن َيِت كتراب السرية ويعنونون املوضوع ب (الصلح مع اليهود)! وعندما اجته الرئيس املصري (أنور
السادات) إىل القدس ليستسلم أمام إسرائيل ينطلق من علماء مصر لتربير املوقف ليقولوا أبن الرسول صلى هللا عليه
وآله وسلم قد صاحل اليهود أول ما وصل املدينة؛ فنحن إمنا نصاحلهم كما صاحلهم رسول هللا صلى هللا عليه وآله
وسلم مع الفارق الكبري من كل الوجوه بني ما وقع عندما وصل الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم إىل املدينة وبني
ما وقع من السادات عندما اجته إىل القدس» (.)2
فعال يف اإلسالم معاهدات ،ومواثيقويف الدرس اخلامس من دروس رمضان يقول« :وهلذا الحظ :هو حصل ً
مثال اتفاقيات معينة أو صلحمثال يف مراحل يف صدر اإلسالم ،يف أايم رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ً حصل ً
جدا ما بني املواثيق واهلدن
معني على أن ال يعملوا كذا وأن ال يتآمروا وأن ال ..لكن القضية مرتبة ،هناك فارق كبري ً
والصلح الذي كان يتم يف أايم رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وبني ما حيصل بينهم وبني العرب اآلن ،هناك
فارق كبري.
الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم يعرف طبيعة هؤالء الناس (اليهود) سيعمل معهم معاهدة ،هدنة معينة ،لكنه
جمهز نفسه عندما ينقضون سيضرهبم ،ليس املعىن أنه عندما يدخل معهم يف صلح أنه واثق هبم .ال ...إمنا هذه يف
أانسا يتقبلون ويندجمون يف اجملتمع املسلم ويذوبون فيه
نفس الوقت جتعلهم أمام واحدة من اثنتني :إما أن يكونوا ً
ويسلمون ،أو مىت ما ظهر منهم النقض الذي هو الشيء الطبيعي عندهم ،فيكون معناه أهنم فتحوا على أنفسهم
الثغرة لِّيُ ر
ضَربُوا».)3(.
56
وعلى أي حال فقد كان التدرب على السالح وفنون القتال من مقومات الثقافة العامة للمجتمع اإلسالمي
آنذاك؛ حبيث كان يعترب غري اخلبري بفنون القتال شاذا عن النمط العام.
ابعا :مل يظهر من نصوص السرية النبوية أن النيب أسس جيشا متفرغا على غرار ما يسمى اآلن اجليش احملرتف رً
وهو :تفرغ عدد من املقاتلني حلياة اجلندية مدة من الزمان يف حال السلم ،فلم يؤسس يف حياة النيب صلى هللا عليه
وآله وسلم جيش من هذا النوع ،وإمنا كان االَنراط الفعلي يف العمل العسكري يتم حني تدعو احلاجة ،أي حني
يقرر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم القيام حبملة عسكرية ،وحني يتهدد املدينة خطر الغزو.
وعلى أي حال فإن هناك الكثري من النظم العسكرية يف سرية النيب غري ما ذكران من قبيل إحصاء عدد املسلمني
ألغراض عسكرية ،ومن قبيل التسليح العسكري والصناعات العسكرية ،واالستطالع العسكري ،وغري ذلك من
املالمح اليت تكشف عن دقة التنظيم العسكري الذي كان له دور كبري يف حتقيق إجنازات عسكرية كربى يف عهد
النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف فرتة زمنية قصرية نسبيا.
57
( )10الصراع املسلح مع قريش1 /
تقديم
بعد أن استقر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف املدينة ورتب أوضاعها الداخلية وجتذر الوجود اإلسالمي فيها-
بدأت مرحلة الدفاع عن اإلسالم واجلهاد ضد القوى اجلاهلية ويف مقدمها قريش واليهود ،بعد أن أذن هللا له ابلقتال
ين أُ ْخ ير ُجوا يم ْن يد ََّي يريه ْم بيغَ ْيي َّ ي يف قوله تعاىل﴿ :أ يُذ َن ليلَّ يذين ي َقاتَلُو َن يِب ََّهنُم ظُليموا وإي َّن هللا َعلَى نَ ْ ي ي
ص يره ْم لََقد ٌير * الذ َ ْ ُ َ َ َُ
ات ومس ي ت ي ضهم بيب ْع ٍ ي ي
اج ُد يُ ْذ َك ُر صلَ َو ٌ َ َ َ ص َوام ُع َوبييَ ٌع َو َ
ض ََلُِد َم ْ َ َّاس بَ ْع َ ُ ْ َ ي
َح ٍِق إ ََّل أَ ْن يَ ُقولُوا َربُّنَا هللاُ َول َْوََل َدفْ ُع هللا الن َ
ص ُرهُ إي َّن هللاَ لََق يو ٌّ يها ْ ي ي ي
ي َع يز ٌيز﴾ [الحج.]40 ،39 : ص َر َّن هللاُ َم ْن يَ ْن ُ
يا َولَيَ ْن ُ
اس ُم هللا َكث ر فَ
وقد واجه النيب صلى هللا عليه وآله وسلم عسكراي ثالث فئات من األعداء هم:
-1املشركون (من قريش وغريها من القبائل األخرى).
-2اليهود.
-3النصارى (يف حرب مؤتة وتبوك).
وللمؤرخني اصطالحان يف املعارك اليت خاضها املسلمون يف حياة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم مها:
الغزوة ويقصدون هبا :املعركة اليت حيضرها النيب صلى هللا عليه وآله وسلم نفسه ويتوىل هو قيادهتا.
السرية وهي :اجملموعة اجلهادية اليت ال يكون فيها النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ويتوىل أحد أصحابه
قيادهتا.
وقد أحصى املؤرخون عدد الغزوات والسرااي يف حياة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم فبلغت أكثر من مثانني بني
غزوة وسرية ،وكلها كانت يف فرتة ما بعد اهلجرة.
58
من املهاجرين دون األنصار ،وكان اهلدف منها :إرابك قريش وحلفائها وإضعافهم وحتطيم معنوايهتم ،وضرب نشاطهم
التجاري الذي ميثل عصب حياهتم وشراين وجوده م ،وإنذار أعداء الدولة الناشئة من غري قريش وحلفائها كاليهود
يف الداخل ومجاعات البدو يف اخلارج أبن املسلمني قادرون على الرد ومستعدون للتصدي ألي عدوان يستهدف
اإلسالم وكيانه السياسي.
ول وكان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم إذا بعث سرية أوصاهم وعلمهم ،فعن علي عليه السالم َ « :كا َن َر ُس ُ
ال« :انْطَلي ُقوا بيس يم ي ي ي ث جي ر ي ي
هللا، ْ ياُ ،مثَّ قَ َ ث َعلَْي يهم أَم ر شا م َن ال ُْم ْسل يم َ
ي بَ َع َ هللا صلى هللا عليه وآله وسلم إيذَا بَ َع َ َ ْ
ادةي أَ ْن َلَ إيل ََههلل ،ا ْد ُعوا إي َىل َش َه َ هللا ،تُ َقاتيلُو َن من َك َفر يِب ي هللا ،أَنْ تم ج ْن ُد ي
ُْ ُ
ول ي هللا ،و َعلَى يملَّ ية ر ُس ي يل ي هللَ ،ويِف َسبي ي ويِب ي
َْ َ َ َ َ
ي ي ي ي ي َن ُحمَ َّم ردا رس ُ ي
آمنُوا ول هللا صلى هللا عليه وآله وسلمَ ،وا يْلق َْرا ير يِبَا َجاءَ بيه ُحمَ َّم ٌد م ْن ع ْند هللا ،فَيإ ْن َ َُ إيََّل هللاَُ ،وأ َّ
اصبوهم حرِب ،واستعيينُوا َعلَي يهم يِب ي
هلل ،فَيإ ْن ْ فَيإ ْخ ُوانُ ُك ْم يِف ال ِيدي ينََ ،لُ ْم َما لَ ُك ْمَ ،و َعلَْي يه ْم َما َعلَْي ُك ْمَ ،وإي ْن ُه ْم أَبَ ْوا فَنَ ي ُ ُ ْ َ ْ ر َ ْ َ
يق قيتَالَ ُك ْمَ ،وَلَ تُغَ ِيوُروا َع ْي نراَ ،وَلَ تَ ْقطَعُوا يا َلَ يُ يط ُ ي ي
أَظ َْه َرُك ُم هللاُ َعلَْي يهم فَلَ تَ ْقتُ لُوا َولي رداَ ،وَلَ ْام َرأَةرَ ،وَلَ َش ْي رخا َكب ر
يم ٍةَ ،وَلَ تَظْلي ُمواَ ،وَلَ تَ ْعتَ ُدوا. ي ي ي َش َج ررا إيََّل َش َج ررا يَ ُ
ض ُّرُك ْمَ ،وَلَ ُُتَثِلُوا يِب َدم ٍِي َوَلَ َهب َ
ار إيل َْي يه بييَ يدهي، ي يي ي ي
َح َرا يرُك ْم أ َْو َعبيد ُك ْم ،أَ ْعطَى َر ُجل م ْن ُه ْم أ ََم راَن ،أ َْو أَ َش َ َوأَُُّيَا َر ُج ٍل م ْن أَق َ
ْصا ُك ْم ،أ َْو أَ ْد ََن ُك ْم ،م ْن أ ْ
هللا؛ فَيإ ْن قَبي َل فَأَ ُخوُك ْم يِف يديني ُك ْمَ ،وإي ْن أ َََب فَ ُردُّوهُ إي َىل َمأ َْمني يه، فَأَقْبل إيلَي يه ِبيي َشارتييه ،فَ لَه اْلَما ُن ح َّىت يسمع َكلَم ي
ُ َ َ َََْ َ َ ََ ْ
ي ي ي ي
وه ْماستَعيينُوا يِبهلل َعلَْي يهَ ،لَ تُ ْعطُوا الْ َق ْوَم يذ َّم ييت َوََل يذ َّمةَ هللا ،فَال ُْم ْخ يف ُر يذ َّمةَ هللا ََل ٍق هللاَ َو ُه َو َعلَْي يه َساخطٌَ ،وأَ ْعطُ ُ َو ْ
هللا َو يذ َّمةَ َر ُسولي يه»
يذ َّمت ُكم و يذمم آِبئي ُكم وفُوا ََلم؛ فَيإ َّن أَح َد ُكم ْلَ ْن ُُيْ يفر يذ َّمته و يذ َّمةَ أَبي ييه َخ ْي لَه يمن أَ ْن ُُيْيفر يذ َّمةَ ي
َ ٌ ُ ْ َ َُ َ َ ْ َ ْ َ َ َ َ ْ َ ُْ
(.)1
وقد حققت هذه السراَّي املنجزات التالية:
-1عقد تحالفات بين المسلمين وبين بعض القبائل المتواجدة في المنطقة بعدما شعرت
تلك القبائل بقوة المسلمين ،وقدرتهم على التحرك ،وبتصميمهم على مواجهة حتى
قريش بالحرب.
-2التدريب على القتال في ظروف جديدة تختلف عن ظروف معارك الجاهلية ،وفي
إطار موازين قوى مادية ومعنوية مختلفة.
-3استطالع المناطق المحيطة بالمدينة وما فيها من مسالك وطرق مواصالت
ومصادر مياه.
-4تهديد قريش بالحصار القتصادي عن طريق جعل ممرات تجارة قريش مع بالد
الشام مهددة وغير آمنة.
-5تثبيت هيبة اإلسالم والمسلمين بين القبائل المجاورة للمدينة.
ب -معركة بدر
( )1من احملاضرة اخلامسة مبناسبة ذكرى املولد النبوي الشريف 11ربيع أول1439ه .
ص أمساؤهم كلهم؛ فقد أحصى الواقدي اثنني ومخسني 2
( ) اتفق املؤرخون وأصحاب السري أن عدد القتلى من املشركني سبعون ،ومل ُرحت َ
قتيال ،قتل اإلمام علي أربعة وعشرين ،شاركه يف نفر منهم غريه ،وذكر ابن هشام مخسني قتيال ،اشرتك اإلمام علي يف قتل واحد
60
لقد حقق املسلمون يف بدر مكاسب مادية وأمنية وعقيدية وإعالمية أسهمت يف خدمة الدعوة وتثبيت أركاهنا،
وحتقيق نقلة نوعية يف جممل األحداث يف اجلزيرة العربية.
وعشرين رجال .الواقدي ،152/1وابن هشام ،365/2وشرح هنج البالغة .425/4وأمساء من قتلهم اإلمام علي عليه
السلم يوم بدر من املشركني أو اشرتك مع غريه يف قتلهم -من كتايب (املغازي) للواقدي ،و(سرية ابن هشام) -هم-1 :
حنظلة بن أيب سفيان-2 .العاص بن سعيد-3 .الوليد بن عتبة بن ربيعة-4 .عامر بن عبد هللا-5 .احلارث بن ربيعة-6 .
نوفل بن خويلد -7 .النضر بن احلارث بن كلدة-8 .زيد بن ُمليص موىل عُمري بن هاشم-9 .عمري بن عثمان بن عمرو من
متيم-10 .يزيد بن متيم التميمي-11 .مسعود بن أيب أمية-12 .عبد هللا بن أيب رفاعة-13 .حاجز بن السائب بن عُمري بن
عائذ -14 .منبه بن احلجاج-15 .نبيه بن احلجاج-16 .العاص بن منبه بن احلجاج-17 .أبوالعاص بن قيس بن عدي بن
سعد بن سهم-18 .طعيمة بن عدي بن نوفل-19 .حرملة بن عمرو-20 .أبو قيس بن الفاكه بن املغرية-21 .عبد هللا بن
صى
املنذر بن أيب رفاعة-22 .معاوية بن عامر .وهؤالء قتلهم مبفرده على اختالف يف بعضهم ،قال الواقدي :فجميع من ُرحي َ
قَ رت لُهُ تسعة وأربعون رجال منهم من قتله أمري املؤمنني علي عليه السلم ،وشارك اإلمام علي مع عمه احلمزة يف قتل-1 :
شيبة بن ربيعة -2 .عقيل بن األسود بن املطلب.
61
واثنيًا :إن النص ر حباجة إىل عنص ر روحي معنوي هو اإلميان ابهلل واإلخالص له ،واالعتماد عليه والثقة به وغري
ذلك مما يوفر لإلنسان قوة روحية ومعنوية تبعده عن الشعور ابلقلق واخلوف والضياع أمام مواقف التحدي ،وقد
كان هذا العنصر حاضرا بقوة يف بدر وجماهديها ،وقد أسهم بصورة أساسية يف حتقيق االنتصار يف هذه املعركة ويف
كل املعارك اليت خاضها املسلمون يف مواجهة أعدائهم.
أسباب االنتصار:
مثة أسباب عديدة متخض عنها انتصار القلة على الكثرة يف معركة بدر نعرض هنا ألمهها؛ ألهنا ميكن أن تعد
األسباب النموذجية اليت تفسر لنا الكثري من االنتصارات اليت حققها املسلمون ضد أعدائهم الذين يفوقوهنم عددا
وعتادا ليس يف عصر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم فقط بل فيما تاله من عصور وحىت عصران ،وهذه األسباب
ً
هي:
َّأوًال :املدد والعون والتوفيق اإلهلي ،وألهنا كانت أول معركة كربى خيوضها املسلمون ،وألهنا كانت مواجهة مع
رموز الكفر وجبابرة الشرك على مستوى اجلزيرة العربية ،ومع ضعف العتاد وقلة العدد لدى املسلمني ..لذلك كان
حجم التدخل اإلهلي ،والعناية اإلهلية مبا يتطلبه الوضع وحجم القضية.
اثنيًا :وحدة القيادة :فقد كان الرسول األعظم صلى هللا عليه وآله وسلم هو القائد العام للمسلمني يف معركة بدر
وكان املسلمون يعملون كيَ ٍّد واحدة حتت قيادته ،يوجههم وحيدد هلم التكاليف للقيام بعمل حاسم ،وكان انضباط
منوذجا رائعا لالنضباط احلقيقي ،ومعىن االنضباط هو طاعة األوامر وتنفيذها والقيام
املسلمني يف تنفيذ أوامر قائدهم ً
ابلتكاليف احملددة حبرص وأمانة وعن طيبة خاطر.
اثلثًا :العقيدة الراسخة واملعنوايت العالية :فقد متتع املسلمون يف بدر بروح معنوية عالية انبعة من عقيدة راسخة
وإرادة قوية وإخالص وتفان يف سبيل هللا قل نظريه ،ومل تكن معنوايت الذين خربوا احلرب ومارسوها طويال عالية
فحسب وإمنا كانت معنوايت الفتية الذين مل ميارسوا حراب وال قتاال عالية أيضا.
لقد أثبتت بدر وكافة احلروب اليت خاضها النيب صلى هللا عليه وآله وسلم واملسلمون أن التسليح والتنظيم اجليدين
يتحل املقاتلون ابإلميان والتوكل والصرب والشجاعة والثبات واإلخالص
والقوة العددية غري كافية لنيل النصر ما مل ر
والطاعة والوعي والتضحية والتعاون واإليثار والروحية العالية.
ابعا :وضوح اهلدف ومسو الغاية :فقد كان املسلمون يف بدر يقاتلون يف سبيل رضوان هللا ،وطلبًا لآلخرة ،وكانترً
لديهم أهداف واضحة يعرفوهنا ويؤمنون هبا وهي إزالة كل احلواجز املادية من أمام الدين اجلديد وترك احلرية الكاملة
هلم لنشر اإلسالم الذي حيرر اإلنسان من العبودية للطاغوت لتكون كلمة هللا هي العليا.
62
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه الشخصي3/
شجاعته وثباته:
نكون فكرة واضحة عن مدى شجاعة رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فلنستمع إىل شهادة
إذا أردان أن ر
أمري املؤمنني علي بن أيب طالب عليه السالم وهو يصف شجاعة رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم حيث يقول:
«لقد رأيتنا يوم بدر وَنن نلوذ ِبلنِب صلى هللا عليه وآله وسلم وهو أقربنا إىل العدو وكان من أشد الناس
يومئذ ِبسا».
القوم اتقينا برسول هللاصلى هللا عليه وآله وسلم
القوم َ
وقال عليه السالم أيضا« :كنا إذا امحر البأس ولقي ُ
فما يكون أحد أقرب إىل العدو منه».
وروي عن اإلمام الصادق عليه السالم أنه قال :أغار املشركون على سرح املدينة فنادى فيها مناد :اي سوء
صباحاه ..فسمعها رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يف اجلبل فركب يف طلب العدو وكان أول أصحابه حلقه أبو
قتادة على فرس له وكان حتت رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم سرج دفتاه ليف ليس فيه أشر وال بطر ،فطلب
أحدا وتتابعت اخليل فقال أبو قتادة :اي رسول هللا إن العدو قد انصرف فإن رأيت أن نستبق
العدو فلم يلقوا ً
فقال :نعم ،فاستبقوا فخرج رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ساب ًقا عليهم ،مث أقبل عليهم فقال« :أَن ابن
()1 العواتك».
جنوت
ُيب بن خلف اجلمحي وهو يقول :ال ُ وملا انصرف رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يوم أحد أدركه أ ر
ُيب قبل
جنوت ،فقال القوم :اي رسول هللا أال يعطف عليه رجل منا؟ فقال :دعوه ،حىت إذا دان منه ..وكان أ َر
إن َ
ذلك يلقى رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فيقول :عندي رمكة ( )2أعلفها كل يوم فرق ذرة أقتلك عليها.
فقال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم :بل أان أقتلك إن شاء هللا فلما كان يوم أحد ودان منه تناول رسول هللا
الصمة مث استقبله فطعنه يف عنقه فخدش خدشة فتدهده عن صلى هللا عليه وآله وسلم احلربة من احلارث بن ر
فرسه وهو خيور خوار الثور وهو يقول :قتلين حممد فاحتمله أصحابه وقالوا :ليس عليك أبس ،فقال :بلى لو
( )1العواتك :مجع عاتكة :يعين جداته صلى هللا عليه وآله وسلم.
معرب .لسان العرب .432/10 ِّ
الرب َذ رونةُ اليت تتخذ للنسل ،ر (َّ )2
الرَمكةُ :الفرس و ر
63
كانت هذه الطعنة بربيعة ومضر لقتلهم أليس قال يل :أقتلك؟ لو بصق علي بعد تلك املقالة لقتلين فلم يلبث إال
يوما حىت مات(.)1
•••
( )1مصنف عبدالرزاق ،355/5والبداية والنهاية ،26/4واحلاكم ،327/2ومغلطاي ،334/2والبيهقي يف الدالئل -258/3
،259وطبقات ابن سعد ،46/2وعيون األثر .24/2
64
( )11الصراع املسلح مع قريش2 /
65
أهل بيته ويف مقدمتهم أمري املؤمنني علي بن أيب طالب عليه السالم الذي راح يقاتل إىل جانب رسول هللا صلى هللا
شديدا ويصد كتائب املشركني ويفرقها وجيدل كماهتا.
قتاال ً
عليه وآله وسلم ً
روي أنه ملا اهنزم الناس يوم أحد وبقي علي عليه السالم جياهد عن الدين ،ويعني بنفسه رسول هللا صلى هللا عليه
وآله وسلم ،ويقاتل القوم حىت فض مجعهم واهنزموا ،فقال جربيل عليه السالم لرسول هللا« :إن هذه َلي املواساة»
فقال النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ،اي جربيل« :إنه مّن وأَن منه» فقال جربيل« :وأَن منكما»( )1عندها عرج
جربائيل عليه السالم إىل السماء وهو يناديَ« :ل سيف إَل ذو الفقار وَل فىت إَل علي».
وملا رأى املسلمون الفارون صرب وثبات رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وعلي عليه السالم وقوة جهادمها يف
سبيل هللا وعرفوا أنه صلى هللا عليه وآله وسلم مل يقتل وهو يدعوهم إليه بدأوا يعودون تدرجييا إىل ميدان املعركة حىت
اجتمعوا حوله صلى هللا عليه وآله وسلم فطلب منهم أن يرجعوا إىل مراكزهم األوىل يف القتال ،متاما كما يف اخلطة
شديدا ومتكنوا من صد هجمات املشركني املتواصلة ،وأدرك املشركون استحالة إابدةقتاال ً األوىل ،فقاتلوا من جديد ً
املسلمني وتفتيتهم وحتقيق انتصار عليهم ،وكانوا قد أصاهبم التعب واجلراح ،فآثروا االنسحاب عائدين إىل مكة دون
حتقيق أهدافهم(.)2
شهيدا ويف
ومع ذلك فإن ما أصاب املسلمني يف هذه املعركة كان خسارة فادحة ،فقد سقط فيها حوايل سبعني ً
مقدمهم محزة بن عبد املطلب ومصعب بن عمري ،وعدد كبري من اجلرحى حىت إن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم
أصيب ببعض اجلراح يف وجهه ،وبلغت جراحات علي عليه السالم ني ًفا وستني جراحة ،وقيل :أكثر من ذلك ،بني
طعنة ورمية وضربة أثناء دفاعه عن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وصده كتائب األعداء.
ُحد بصدمة عنيفة وحزن عميق وشعروا ابلضعف واإلحباط حىت كاد
لقد أصيب املسلمون بفعل النكسة يف أ ُ
اليأس يتسرب إىل البعض ،والشك إىل البعض اآلخر.
وقد تعرض القرآن الكرمي لبعض هذه املواقف وغريها على النحو التايل:
-1استنكر القرآن حاالت الوهن واحلزن واإلحباط اليت أصابت املسلمني يف أحد ،وحاول أن يبعث األمل يف
نفوسهم وجيدد عزميتهم وإرادهتم ويعيد إليهم الثقة أبنفسهم ،وذلك عن طريق التشجيع واملواساة فقال تعاىل:
ح يمثْ لُهُ َوتيل َ
ْك س الْ َق ْوَم قَ ْر ٌ
ح فَ َق ْد َم َّ
س ْس ُك ْم قَ ْر ٌ ﴿ َوََل ََتينُوا َوََل ََتْ َزنُوا َوأَنْ تُم ْاْلَ ْعلَ ْو َن إي ْن ُك ْن تُ ْم ُم ْؤيمني َ ي
ي * إ ْن ُيَْ َ ُ
َّاس﴾ [آل عمران.]140 ،139 : ي الن ي ْاْلَ ََّّي ُم نُ َدا يو َُلَا بََْ
( )1أخرجه أمحد بن حنبل يف فضائل الصحابة 656/2رقم ،1120 ،1119والطرباين يف الكبري 318 /1رقم ،941والكويف
مناقبه 495/1رقم .403
( )2حماسن األزهار ،153واتريخ الطربي ،514/2والكامل البن األثري ،107/2وذخائر العقىب ،74وابن هشام ،106/3
وسرية ابن كثري ،707/4والبداية والنهاية ،6/6 ،54/4وفرائد السمطني 251/1رقم ،195 ،194ومناقب ابن املغازيل
191 ،190رقم ،236 -234وكفاية الطالب ،280-277والعمدة البن البطريق 442رقم ،680 -679وابن أيب
احلديد .453/4
66
فليس هناك انتصار دائم ،وال انكسار دائم؛ ألن الدنيا مداولة بني احلق والباطل فقد ينتصر احلق يف معركة ،وقد
ينتصر الباطل يف معركة أخرى ،وهذه هي سنة هللا يف الكون واحلياة ،فال ينبغي للمؤمن أن ييأس أو يضعف أو يشعر
ابحلزن واإلحباط واليأس عندما ينهزم يف أي موقع من مواقع الصراع مع الباطل ،وإمنا عليه أن َيخذ العربة من
األحداث ،ويدرس أسباب اهلزمية ،ويتفحص مواطن القوة والضعف؛ ليتعلم من أخطائه ،وليتفادى عوامل االنكسار
واهلزمية ،وليحذر وليواجه أحداث املستقبل ابلرصد والوعي واالتزان.
اختبارا وابتالء من أجل متحيص الناس ومتييزهم؛ ألن جوهر شخصية
-2إن الفشل يف بعض مواقع الصراع قد يكون ً
اإلنسان يتضح عندما ختضع الشخصية للبالء ،وهذا الواقع أكدته أحداث أحد؛ فاهلزمية الطارئة زلزلت ضعاف
وثباات
إمياان وصدقًا ،وإصر ًارا ً
النفوس وجعلتهم يعيشون حاالت الشك والريب ،بينما زادت هذه التجربة الصادقني ً
يف مواجهة التحدي ،وبذلك انكشف اإلميان املزيف من اإلميان اخلالص ،واإلميان القوي الراسخ يف العقول
والنفوس من اإلميان املتزلزل.
وكذلك فإن املسلمني يف أُحد كانوا يتمنون املوت والشهادة يف سبيل هللا ولكن حني خضع بعضهم للتجربة،
وفُرضت عليهم املعركة من جديد ،وأصبحوا قاب قوسني أو أدىن من الشهادة سقطوا يف االختبار ،وحاولوا الفرار من
ساحة اجلهاد ،ومل يثبت مع رسول هللا صلى هللا عليه وآله وس لم إال القلة ،برغم أهنم كانوا يرونه يتعرض هلجوم واسع
ي ي
ص هللاُ من قبل املشركني حىت أصيب ببعض اجلراحات وقد صور القرآن الكرمي هذا الواقع بقوله تعاىلَ ﴿ :وليُ َم ِح َ
ين اه ُدوا يم ْن ُك ْم َويَ ْعلَ َم َّ
الصابي ير َ
ي ي
ين * أ َْم َحس ْب تُ ْم أَ ْن تَ ْد ُخلُوا ا ْْلَنَّةَ َول ََّما يَ ْعلَ يم هللاُ الَّذ َ
ين َج َ ي
آمنُوا َوُيَْ َح َق الْ َكاف ير َ ين َ
ي
الَّذ َ
ت يم ْن قَ ْب يل أَ ْن تَ لْ َق ْوهُ فَ َق ْد َرأَيْ تُ ُموهُ َوأَنْ تُ ْم تَ ْنظُُرو َن﴾ [آل عمران.]143 -141 : * َولََق ْد ُك ْن تُ ْم ُتََن َّْو َن ال َْم ْو َ
-3إن من أخطر املواقف اليت واجهت املسلمني يف أُحد هو موقف البعض الذي بدأ يفتش عمن َيخذ له األمان
من العدو ليسلم بنفسه ،أو بدأ يشكك بصدق رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ورسالته ،وذلك بعدما
انتشرت إشاعة مقتل النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وشعر املسلمون ابلقلق والضياع.
فقد قال البعض :ليتنا جند من َيخذ لنا األمان من أيب سفيان.
وقال البعض :لو كان حممد نبيًا مل يقتل ،احلقوا بدينكم األول.
ات أ َْو قُتي َل ت يم ْن قَ ْبلي يه ُّ
الر ُس ُل أَفَيإ ْن َم َ وقد حتدث القرآن عن ذلك بقوله تعاىلَ ﴿ :وَما ُحمَ َّم ٌد إيََّل َر ُس ٌ
ول قَ ْد َخلَ ْ
ض َّر هللا َشي ئرا وسيج يزي هللا َّ ي ي ي ي
ين﴾ [آل عمران.]144 : الشاك ير َ ُ ب َعلَى َعقبَ ْيه فَ لَ ْن يَ ُ َ ْ َ َ َ ْ انْ َقلَْب تُ ْم َعلَى أَ ْع َقابي ُك ْم َوَم ْن يَ ْن َقل ْ
فاملز َلزلون يف إمياهنم ينقلبون على أعقاهبم ،ويرتاجعون عن دينهم وعن احلق بعد أن يسمعوا مبقتل الرسول ويشعروا
بغياب القائد ،ولكن يف مقابل هؤالء جند من الرجال املؤمنني من ميثلون حقيقة اإلميان والثبات على احلق حىت يف
حال غياب القائد أو موته.
حممدا قد
مر برجل من األنصار يتشحط بدمه فقال له :أعلمت أن ً
رجال من املهاجرين ر
فقد روي يف أُحد أن ً
قتل؟ فأجابه األنصاري :إن كان حممد قد قتل فقد بلرغ فقاتلوا عن دينكم.
67
مر برجال من املهاجرين واألنصار يف معركة أُحد وقد انكفأوا عن اجلهاد
ويف رواية أخرى :أن أنس بن النضر ر
فقال هلم :ما جيلسكم؟ فقالوا :قتل حممد ..فقال :إن كان حممد قد قتل فإن رب حممد مل يقتل وما تصنعون ابحلياة
بعده؟ فقاتلوا على ما قاتل عليه ،وموتوا على ما مات عليه.
فغياب القائد ال يوقف املسرية وال يلغي الرسالة والقضية ،ولذلك فال جيوز أن ينحرف املسلمون عن خط الرسالة
وال أن يتخلوا عن قضيتهم ويرتاجعوا إذا مات القائد أو أصيب ،وإمنا عليهم أن جيردوا أنفسهم حلمل مسؤولية الرسالة
وإكمال املسرية بعده بقوة وعزم وإرادة صلبة.
أح ِّد فصول معركة أُحد وما ميكن أن نستفيده من هذه التجربة
إن األسباب اليت أدت إىل فشل املسلمني يف َ
كثرية منها:
خصوصا حني يكون
ً -1أمهية االنضباط والتقيد أبوامر القائد وتوجيهاته مهما كانت الظروف؛ فإن االنضباطية-
حكيما -هي أساس النجاح واالنتصار ،ورمبا تكون خمالفة أفراد معدودين سببا يف دمار جيش بكامله،
ً القائد
كما كان احلال يف أحد ،فإن من الواضح أن السبب األول للهزمية يعود إىل هتاون الرماة يف تنفيذ األوامر،
يثارا هلا على اآلخرة. طمعا يف الدنيا وإ ً واختالفهم وعصياهنم لرسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ً
صري تُ رم ِّم رن بَ رع ِّد ِّ قال هللا تعاىل﴿ :ولََق رد ص َدقَ ُكم هللا و رع َده إِّ رذ َحت ُّس َ ِِّّ
وهنُرم ِّإبِّ رذنه َح َّىت إِّذَا فَشلرتُ رم َوتَنَ َاز رعتُ رم ِّيف راأل رَم ِّر َو َع َ َ َ ُ َُ ُ ُ
صَرفَ ُك رم َعرن ُه رم لِّيَ رب تَلِّيَ ُك رم َولََق رد َع َفا َعرن ُك رم َوهللاُ ذُو يد الدُّنريا وِّمرن ُكم من ي ِّر ُ ِّ
يد راآلخَرةَ ُمثَّ َ
ِّ ِّ
َما أ ََرا ُك رم َما ُحتبُّو َن مرن ُك رم َم رن يُِّر ُ َ َ ر َ ر ُ
ِّ ِّ
ني﴾ [آل عمران.]152 : ض ٍّل َعلَى الر ُم رؤمن َفَ ر
-2إن النصر ال يرتبط بكثرة العدد ،ولذلك فال ينبغي االغرتار ابلكثرة بل جيب االعتماد على النفس والتوكل على
هللا ،والطاعة للقيادة ،وحتمل املسؤولية والقيام ابلتكاليف ،فقد كان الغرتار املسلمني أبنفسهم وبكثرهتم أثر كبري
يف حلول اهلزمية هبم؛ فقد قالوا للنيب صلى هللا عليه وآله وسلم :قد كنت يف بدر يف ثالمثائة رجل ،فأظفرك هللا
اّللِّ صلى هللا
ول ر هبم ،وحنن اليوم بشر كثري ،نتمىن هذا اليوم وندعو هللا له ،وقد ساقه هللا إىل ساحتنا هذهَ ،وَر ُس ُ
ول (.)1 ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ
الح َخيرط ُرو َن بسيوف ِّه رم يَتَ َ
سامو َن َكأَ رهنم الر ُف ُح ُ الس َ
ِّ
عليه وآله وسلم ل َما يَرى من إحلاحه رم َكارهٌ َوقَ رد لَبسوا ر
وواضح أن االغرتار ابلكثرة يفقد العناصر امل ِّ
شاركة الشعور ابالعتماد على النفس ،وجيعلهم يعيشون روح التواكل
والالمسؤولية.
-3إن سنن احلياة ال تتبدل فاملسلمون عندما َيخذون أبسباب النصر ينتصرون وتشملهم عناية هللا ،وعندما
يتهاونون فيها يصابون ابهلزمية ،إهنا سنة هللا يف احلياة ،ولن جتد لسنة هللا تبديال.
-4إن عناية هللا ابملؤمنني وتسديده هلم ال يعين إلغاء مجيع األسباب الطبيعية كلية ،كما ال يعين أن هذه العناية
قطعا ابلسعي من قبلهم حنو اهلدف األمسى ،والعطاء والبذل
وذلك اإلمداد مطلق غري مشروط ،بل هو مشروط ً
69
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه الشخصي4-
لقد اتفق مجيع الذين وصفوا منطق رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم على أنه صلى هللا عليه وآله وسلم
كان أحسن الناس منط ًقا ،دائم الفكر ،ال يتكلم يف غري حاجة ،طويل السكوت ،يفتتح الكالم وخيتتمه أبشداقه
(األشداق جوانب الفم أي ال يفتح فاه كله) ويتكلم جوامع الكلم ،ليس ابجلايف وال املهني ،يعظم النعمة وإن
ُ
دقت وال يذم منها شيئا ،وال تغضبه الدنيا وما كان هلا ،إذا تعوطي احلق مل يعرفه أحد ،ومل يقم لغضبه شيء حىت
ينتصر له ،وال يغضب لنفسه وال ينتصر هلا ،إذا أشار أشار بكفه كلها ،وإذا تعجب قلربها ،وإذا حتدث أشار هبا
فضرب براحته اليمىن ابطن إهبامه اليسرى ،وإذا غضب أعرض وأشاح ،وإذا فرح غض من طرفه ،جل ضحكه
التبسم ،ويفرت عن مثل حب الغمام(.)1
وإذا أردان أن نبحث عن مكوانت حالوة منطقه صلى هللا عليه وآله وسلم وحسنه حلصلنا من ذلك على
العناصر التالية:
فحاشا بل كان أبعد ما يكون
سبااب وال ً
• ترك الفاحش من القول فلم يكن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ً
عن الفحش والبذاءة يف الكالم.
• فصاحة لسانه فقد كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فصيح اللسان إذا تكلم تكلم أبانة وهدوء.
• تبسمه أثناء التكلم ،قال أبو الدرداء :كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم إذا حدث حبديث تبسم يف
حديثه(.)2
• تكليمه للناس على قدر عقوهلم فكانت أساليب عرضه لألفكار وإجاابته على األسئلة ختتلف يف البعد
واملستوى من شخص آلخر طبقا للقابليات الذهنية اليت يتمتع هبا األفراد ،وإىل هذا أشار الرسول صلى هللا
عليه وآله وسلم بقوله« :إَن معشر اْلنبياء أمرَن أن نكلم الناس على قدر عقوَلم»(.)3
•••
( )1املصابيح يف السرية ،155/1والرتمذي يف الشمائل احملمدية 34/1رقم ،8والطرباىن يف الكبري 155/22رقم ،414والبيهقي
يف شعب اإلميان 154/2رقم ،1430وابن عساكر ،343/3ومكارم األخالق ص.13
( )2أخالق النيب .92
( )3الفردوس مبأثور اخلطاب 398/2رقم .1611
70
( )12الصراع املسلح مع قريش3 /
فَ َك َم َن هلم ،فَ َح َملَهُ َر ُج ٌل منهم -وقد أخذه النوم -فأمكنه هللا من الرجل وقتله! وحلق ابلنيب صلى هللا عليه وآله وسلم
اش بن قيس يف عشرة من اليهود يريد املدينة؛ ففطن هبم نفر من أصحاب سلمة بن أسلم فرموهم فأخربه ،وخرج نَبَّ ُ
ات(.)3
ومَّر سلمة فيمن معه فأطاف حبصون اليهود فخافوه وظنوا أنه البَ يَ ُ
حىت هزموهمَ ،
( )1وهذا العدد هو الذي ذكره ابن حزم الظاهري يف كتابه جوامع السرية ص 178وقال فيه :وخرج رسول هللا صلى هللا عليه وآله
وسلم يف ثالثة آالف من املسلمني ،وقد قيل :يف تسعمائة فقط ،وهو الصحيح الذي ال شك فيه ،واألول َو ره ٌم.اه .ولعل القائل
بذلك ذهب إىل ما ورد يف حديث جابر (البخاري 1505/4رقم )3876؛ حيث قال :يف سياق احلديث الذي فيه القصة
اليت استضاف فيها جابر صلى هللا عليه وآله وسلم على عناق وصاع من شعري … وجاء الرسول صلى هللا عليه وسلم أبهل
اخلندق إىل أن قال … وهم ألف .واملشهور يف كتب السري أن عدد املسلمني يف غزوة اخلندق ثالثة آالف .ينظر الواقدي
،440/2وابن سعد ،65/2وابن هشام ،224/3وسبل اهلدى ،512/4وسرية ابن كثري ،205-202/3والروض األنف
،279/3والسرية احللبية .309/2
( )2السرية احللبية.315/2
( )3اإلمتاع ،233/1ومغازي الواقدي .493/2
71
إرجاف المنافقين:
ُ
وعظُ َم البالء ،واشتد اخلوف ،وكانت شائعةُ املنافقني تقول :كان حممد يَعِّ ُدان
عقارب النفاق تبث مسومهاَ ،
ُ ت
َدبَّ ر
َح ُد َان اليوم ال َيمن على نفسه أن يذهب إىل الغائط(.)1
بكنوز كس رى وقيص ر ،وأ َ
بنو حارثة الذين قالوا :إن بيوتنا عورة :فقد بعثوا أوس بن قيظي إىل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يقول:
إن بيوتنا عورة (أي مكشوفة للعدو) وليس يف دور األنصار مثل داران؛ ليس بيننا وبني غطفان أحد يردهم عنا؛ فَأرذَ رن
لنا فَلرنَ ررِّج رع إىل دوران فنمنع ذرارينا ونساءان؛ فَأ َِّذ َن هلم صلى هللا عليه وآله وسلم ،فبلغ سعد بن معاذ ذلك فقال :اي
َصابَنَا وإايهم ِّش َّدةٌ قط إال صنعوا هكذا! فَ َرَّد ُه رم(.)2 رسول هللا! ال أتذن هلم؛ إان وهللا ما أ َ
الرِّرميَّا وهيمث أقام رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وأقام املشركون قريبًا من شهر مل تكن بينهم حرب إال رِّ
َس َف َل يم ْن ُك ْم َوإي ْذ ي ي ي
الر ُمَر َاماةُ ابلنبل ،واحلصار؛ وقد حتدث القرآن عن هذا فقال﴿ :إي ْذ َجاءُوُك ْم م ْن فَ ْوق ُك ْم َوم ْن أ ْ
ك ابْ تُلي َي ال ُْم ْؤيمنُو َن َوُزلْ يزلُوا يزل َْز راَل َش يدي ردا *
وَن * ُهنَالي َ هلل الظُّنُ َاجر وتَظُنُّو َن يِب ي ي
وب ا ْْلَنَ َ َ
ي
ار َوبَلَغَت الْ ُقلُ ُ صُ ت ْاْلَبْ ََزاغَ ي
َت طَائيَفةٌ يم ْن ُه ْم ََّي أ َْه َل ورا * َوإي ْذ قَال ْ ض َما َو َع َد ََن هللاُ َوَر ُسولُهُ إيََّل غُ ُر ر ين يِف قُ لُوهبيي ْم َم َر ٌ َّ ي ي
ول ال ُْمنَاف ُقو َن َوالذ َ َوإي ْذ يَ ُق ُ
ام لَ ُك ْم فَ ْار يجعُوا َويَ ْستَأ يْذ ُن فَ يري ٌق يم ْن ُه ُم الني َّ
َِّب يَ ُقولُو َن إي َّن بُيُوتَنَا َع ْوَرةٌ َوَما يه َي بي َع ْوَرٍة إي ْن يُ يري ُدو َن إيََّل ب ََل ُم َق َ يَثْ ير َ
ي ي ي ي ي ي في َر رارا * َول َْو ُد يخلَ ْ
يا﴾ [األحزاب.]14-10 : ت َعلَْي يه ْم م ْن أَقْطَا يرَها ُُثَّ ُسئلُوا الْف ْت نَةَ َْلتَ ْو َها َوَما تَ لَبَّ ثُوا هبَا إ ََّل يَس ر
المبارزة:
بن أيب
وهبَ رريَةُ ُ
بن اخلطابُ ،
ِّ
بن أيب جهل ،وضَر ُار ُ ُوٍّرد العامريَ ،وعِّك ِّ
ررَمةُ ُ بن َعرب ِّد
ال َع رم ُرو ُ يف أثناء احلصار َج َ
مكاان ضي ًقا ابخلندق أغفله املسلمون؛ فَ َع َربُوا إىل ساحة املسلمني ،فطلب بن عبد هللا خبيوهلم فوجدوا ً وهب ،ونَ روفَ ُل ُ
عمرو املبارزة ثالث مرات فلم جيبه من املسلمني أحد سوى علي بن أيب طالب عليه السالم الذي كان يقول للنيب
قائال :أتزعمون أن قتالكم يف اجلنة
صلى هللا عليه وآله وسلم -يف كل مرة :-أان أابرزه اي رسول هللا! وأردف عمرو ً
وع َّم َمهُ بعمامته، يل؟! فَأ َِّذ َن صلى هللا عليه وآله وسلم رٍّ
لعلي عليه السالم َ ، ِّ
وقتالان يف النار؛ فما لكم ال خترجون إ ر
ابن عمي؛ فال تَ َذ ررِّين فَ ررًدا وأنت خري الوارثني.
وقَلَّ َدهُ سيفه ،وقال :اللهم إن هذا أخي و ُ
ب له؛ فقال :اي ابن أخي ،كان أبوك ندميي وصديقي؛ فارجع فال أحب أن أقتلك! فقال عمروَ :م رن أنت؟ فَانرتَ َس َ
يشا
فقال علي :لكين أحب أن أقتلك! فقال عمرو :إين ألكره أن أقتل الرجل الكرمي مثلك فارجع؛ فقال علي :إن قر ً
أجبت ولو إىل واحدة منها ،قال :أجل ،فقال :أدعوك إىل اإلسالم ،قال: ث عنك أنك ال تُ رد َعى إىل ثالث إال َ ُحتَ رِّد ُ
غالما خدعين! قال :فإين أن ً َد رع عنك هذه ،قال :أدعوك إىل أن ترجع مبن معك ،قال :إذن تتحدث نساء قريش َّ
أحدا من العرب يرومها ،فَََرت َّج َل عن فرسه فَ َع َقَرهُ ،فتجاوال
أدعوك إىل الرباز؛ فحمي َع رمٌرو وقال :ما كنت أظن أن ً
( )1يقال :إن القائل هو ُم َعتِّرب بن قشري .ينظر :الواقدي ،494/2والروض األنف .422/3
( )2اإلمتاع .233/1
72
ص رد َره َحيُُّز َرأر َسهُ! ت الغربةُ ِّ ِّ علي كرم هللا وجهه ،و راجنلَ ِّ
ب َ وعل ٌّي َراك ٌ َ َ َ َ تكبري رٍّ
وحجبهما الغبار عن الناس إىل أن مسعوا َ
أحسن من هذه اي معشر َ فَ َفَّر أصحابه إال نوفال فوقع يف اخلندق مع فرسه ،فَ ُرِّم َي ابحلجارة ،فجعل يقول :قَتر لَةً
علي كرم هللا وجهه فقطعه ابلسيف نصفني! وَك َُرب ذلك على املشركني؛ فأرسلوا إىل رسول هللا صلى العرب ،فنزل إليه ٌّ
ِّ
ي يِف ُجثَّتي يهَ ،وََل يِف ََثَني يه؛ ا ْدفَ عُوهُ هللا عليه وآله وسلم :إان نعطيك الدية على أن تدفعه إلينا فَنَ ردفنَهُ ،فقالََ « :ل َخ ْ َ
إيل َْي يه ْم».
وشاء هللا سبحانه وتعاىل أن ينصر دينه ويوفر لنبيه صلى هللا عليه وآله وسلم عوامل النصر فيهزم أحزاب الكفر
والضالل من دون قتال عنيف بني الطرفني(.)1
وقد أسهمت ثالثة عناصر أساسية يف حتقيق النصر يف هذه املعركة هي:
-1التخطيط العسكري الذي متثل حبفر اخلندق وغري ذلك ،حيث أسهم حفر اخلندق يف محاية املسلمني واملدينة
ويف حرمان العدو من سرعة احلركة ،ويف تطويل أمد املعركة وجعلها على شكل حماور لكي تتفاقم أزمات األحزاب
نتيجة لطول زمن احلرب.
الفعال الذي قام به رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم حيث أدى إىل إيقاع اخلالف بني
-2العمل االستخباري ر
قوى األحزاب.
-3الدور البطويل الذي قام به علي بن أيب طالب عليه السالم ؛ حيث م ركنه هللا من قتل عمرو بن عبد ود وهو
من أبرز صناد يد قريش ورجاالهتا فاهنارت قوة قريش ويئسوا وشعروا ابلضعف واهلزمية.
وقد وصف النبي صلى هللا عليه وآله وسلم موقف علي عليه السالم يوم الخندق بقوله:
«لَمبارزة علي بن أيب طالب لعمرو بن عبد ود يوم اخلندق أفضل من أعمال أميت إىل يوم القيامة»( ).
-4التأييد اإلهلي الذي متثل جبنود هللا الغيبيني الذين نزلوا ساحة املعركة ،والذي متثل أيضا ابلرايح والعواصف اهلوجاء
اليت أصابت معسكر األعداء فزلزلت استقرارهم ،وفرضت عليهم الفرار أذالء من دون حتقيق شيء ،ويف ذلك
يقول هللا تعاىلَّ﴿ :ي أَيُّها الَّ يذين آمنُوا اذْ ُكروا نيعمةَ ي
هللا َعلَْي ُك ْم إي ْذ َجاءَتْ ُك ْم ُجنُو ٌد فَأ َْر َسلْنَا َعلَْي يه ْم يرُيرا َو ُجنُ ر
ودا ُ َْ َ َ َ َ
ََلْ تَ َرْو َها َوَكا َن هللاُ يِبَا تَ ْع َملُو َن بَ يص ريا﴾ [األحزاب.]9 :
( )1ابن هشام ،224/3والبداية والنهاية ،122/4والسبل ،534/4والسرية احللبية ،320/2والواقدي .471/2واالكتفاء
،125/1ودالئل البيهقي ،438/3واملستدرك 32/3وأقره الذهيب ،والكامل البن األثري ،280-279/2و
الطربي ،574/2وسرية ابن كثري ،205-202/3والروض األنف .280-279/3
( )2انظر :احلاكم .املستدرك على الصحيحني :ج 3ص.32
73
-1ضعاف اإلميان :وهم الذين وقعوا حتت أتثري الوساوس الشيطانية والظنون السيئة فعاشوا اخلوف والقلق عندما
رأوا األعداء قد حتالفوا ضدهم ،فاهتز إمياهنم وفقدوا عمق الثقة ابهلل وبنصره.
َس َفل يم ْن ُكم وإي ْذ َزاغَ ي ي ي ي
ت وقد صور القرآن الكرمي موقف هذه الفئة بقوله تعاىل﴿ :إي ْذ َجاءُوُك ْم م ْن فَ ْوق ُك ْم َوم ْن أ ْ َ ْ َ
ك ابْ تُلي َي ال ُْم ْؤيمنُو َن َوُزلْ يزلُوا يزل َْز راَل َش يدي ردا﴾
وَن * ُهنَالي َ اجر وتَظُنُّو َن يِب ي
هلل الظُّنُ َ ي
وب ا ْْلَنَ َ َ
ي
ار َوبَلَغَت الْ ُقلُ ُ
صُ ْاْلَبْ َ
[األحزاب .]11،10
-2املنافقون :وقد اختذوا عدة مواقف ذكرها القرآن الكرمي هي:
غرورا؛ ألن هللا ورسوله كاان قد وعداهم النصر والفتح وهاهم أمام حشود القوى أ -قالوا ما وعدان هللا ورسوله إال ً
ين يِف قُ لُوهبيي ْم َم َر ٌ َّ ي ي املتحالفة ال يقوون على شيء ،قال تعاىلَ ﴿ :وإي ْذ يَ ُق ُ
ض َما َو َع َد ََن هللاُ ول ال ُْمنَاف ُقو َن َوالذ َ
َوَر ُسولُهُ إيََّل غُ ُر ر
ورا﴾ [األحزاب.]12 :
َت طَائيَفةٌ يم ْن ُه ْم ََّي أ َْه َل
ب -تثبيط العزائم وشل اإلرادات عن اجلهاد ،قال تعاىل حكاية عن املنافقنيَ ﴿ :وإي ْذ قَال ْ
ام لَ ُك ْم فَ ْاريجعُوا﴾ [األحزاب ]13 :أي ال تقدرون على فعل شيء أمام قدرات األعداء فارجعوا من ب َل ُم َق َ يَثْ ير َ
حيث أتيتم.
ج -خلق األعذار الواهية؛ من أجل الفرار من ساحة اجلهاد .قال تعاىلَ ﴿ :ويَ ْستَأ يْذ ُن فَ يري ٌق يم ْن ُه ُم الني َّ
َِّب يَ ُقولُو َن
إي َّن بُيُوتَنَا َع ْوَرةٌ َوَما يه َي بي َع ْوَرٍة إي ْن يُ يري ُدو َن إيََّل في َر رارا﴾ [األحزاب.]13 :
-3املؤمنون احلقيقيون :وهم الذين ملا رأوا األحزاب مل ينحرفوا قيد أمنلة عن عقيدهتم وإمياهنم ومل يضعفوا ومل يشككوا
عربوا عن ثقتهم بوعد هللا ورسوله وعن صدقهم وإخالصهم وعمق إمياهنم وثباهتم يف مواقع ومل يتزلزلوا ،وإمنا ر
ص َد َق هللاُ َوَر ُسولُهُ َوَما ي
اب قَالُوا َه َذا َما َو َع َد ََن هللاُ َوَر ُسولُهُ َو َ
َح َز َ
التحدي قال تعاىلَ ﴿ :ول ََّما َرأَى ال ُْم ْؤمنُو َن ْاْل ْ
َز َاد ُه ْم إيََّل إيُيَ راَن َوتَ ْسلي ريما﴾ [األحزاب.]22 :
74
غري مسريه
عليه وآله وسلم خرب قريش واستعدادها لقتاله ،ولكي يتجنب املواجهة –حيث مل يكن هدفه احلرب -ر
وسلك طريقا غري الطريق الذي سلكته قريش حىت استقر يف وادي احلديبية( ،)1فشكا أصحابه جفاف الوادي
وانعدام املاء فيها ،فأجرى هللا سبحانه معجزة خالدة على يده املباركة ،جتلت عندما توضأ صلى هللا عليه وآله وسلم
وألقى ماء املضمضة يف البئر اليت كان قد نضب ماؤها فانفجر املاء وارتوى اجلمع.
بعدما حط جيش املسلمني يف احلديبية بدأت رحلة التفاوض بني الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم وقريش فبعثت
قريش عدة مندوبني على التوايل للتفاوض مع الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم واستيضاح أهدافه ،فأبلغهم صلى
هللا عليه وآله وسلم جبواب واحد« :إَن َل ْنئ لقتال ولكنا جئنا معتمرين» ولكن قريشا مل تقتنع بذلك واهتمت
سفريا إىل قريش ليوضح هلا
بعض مبعوثيها ابجلنب والكذب فقرر صلى هللا عليه وآله وسلم أن يبعث من جهته ً
اهلدف الذي جاء املسلمون من أجله فاختار خراش بن أمية من خزاعة ألداء املهمة إال أن خراشا ما إن بلغ مكة
حىت عقروا بعريه وأرادوا الفتك به لوال أن منعته األحابيش ،فرجع إىل معسكر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وأخربه
مبا جرى معه.
مل ييأس رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم رغم التصلب الذي أبدته قيادة قريش ضد حماوالته صلى هللا عليه
وآله وسلم السلمية ،وكأنه كان يرى بنظره الثاقب النتائج الطيبة اليت ستجنيها الدعوة اإلسالمية إذا ما سادت
العالقات السلمية فرتة من الوقت مع قريش ،فأرسل عثمان بن عفان إىل مكة فاعتقلته قريش ثالثة أايم حىت ظن
املسلمون أنه قتل.
مل جيد الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم بُدًّا من التهيؤ للقتال ..بعد فشل كل حماوالته الودية لدخول مكة..
وبعد املوقف السيء الذي وقفته قريش من سفرائه إليها ،فدعا الناس إىل البيعة على الصمود بوجه قريش ،فاهنال
عليه املسلمون يبايعونه وهو واقف حتت شجرة مسيت فيما بعد شجرة الرضوان نسبة إىل البيعة اليت متت حتتها(.)2
ختوفت قريش من استعداد املسلمني للقتال ومبايعتهم الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم على الصمود بعدما
سفريا إىل النيب صلى هللا عليه وآله
بلغتهم أنباء بيعة الرضوان فقررت استئناف املفاوضات ،وأرسلت سهيل بن عمرو ً
وسلم وكلفته أن يسعى ملصاحلة حممد صلى هللا عليه وآله وسلم شرط أن يرجع عنهم هذا العام ،فالتقى سهيل
أخريا ابالتفاق على إبرام معاهدة هدنة بني
ابلرسول صلى هللا عليه وآله وسلم وجرت مفاوضات طويلة انتهت ً
الطرفني ،ومتت املوافقة على مجيع بنودها ،ودعا الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم اإلمام عليًا عليه السالم فكتب
الوثيقة وكان من أبرز بنودها:
-1اتفق الطرفان على وضع الحرب عشر سنين يأمن فيها الناس ويكف بعضهم عن
بعض.
حممدا من قريش بغري إذن وليه َررده عليهم ،ومن جاء قريشا ممن مع حممد مل يردوه عليه.
-2من أتى ً
مرتا. 1
( ) وادي احلديبية :مكان يبعد عن مكة حوايل عشرين كيلو ً
( )2ينظر السرية احللبية ،717/3وعيون األثر .125/2
75
-3من أحب أن يدخل يف عقد حممد وعهده (أي يتحالف معه) كان له ذلك ،ومن أحب أن يدخل يف عقد
قريش وعهدهم كان له ذلك أيضا من غري حرج عليه من أحد الطرفني.
-4أن يرجع صلى هللا عليه وآله وسلم مبن معه هذا العام على أن َيِت يف العام القادم فيدخل مكة ويقيم فيها ثالثة
أايم وال يدخل عليها بسالح إال سالح املسافر ،السيوف يف ال ُق ُرب.
عري.
ظاهرا مبكة ،ال يكره أحد على دينه ،وال يؤذى وال يُ ر
-5أن يكون اإلسالم ً
-6ال إسالل (سرقة) وال إغالل (خيانة) ،بل حيرتم الطرفان أموال الطرف اآلخر ،فال خيونه وال يعتدي عليه بسرقة.
-7أن ال تعني قريش على حممد وأصحابه بنفس وال سالح.
ومبوجب هذه املعاهدة (البند )3حتالفت خزاعة مع الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم ،وحتالفت كنانة مع قريش.
نتائج الحديبية:
يعرب عن املعاهدة اليت أبرمت يف احلديبية ب (اهلدنة) حسب مصطلح الفقه اإلسالمي ،واهلدنة هي :املعاقدة على
ترك احلرب وجتميد حالة الصراع مع العدو مدة معينة ،وهي جائزة إذا تضمنت مصلحة للمسلمني.
واملصلحة إمنا يشخصها ويل أمر املسلمني -الذي بيده أمر احلرب والسلم -تبعا للظروف واألوضاع السياسية
واالجتماعية واألمنية وغريها ،فهو وحده الذي حيدد حبسب طبيعة املرحلة يف كل عسر ما إذا كانت مصلحة املسلمني
كامنة يف اجلهاد أو يف اهلدنة.
وعلى هذا األساس فال يصح تعميم أحكام مرحلة اترخيية هلا ظروفها وأوضاعها اخلاصة على مرحلة حالية من
الصراع ،فمن اخلطأ االستدالل مثال هبدنة احلديبية أو بصلح اإلمام احلسن عليه السالم مع معاوية على جواز الصلح
مع الكيان الصهيوين الختالف طبيعة األوضاع والظروف والعدو والصراع وتبعا لذلك اختالف مصلحة املسلمني
اليت قد تقتضي هدنة يف زمن وحرًاب يف زمن آخر.
ويبدو من نظرة معمقة ألوضاع اإلسالم واملسلمني قبل معاهدة احلديبية وبعدها وما متخض عنها من نتائج..
عظيما ،مل يدرك أمهيتها
ونصرا ً
كبريا ً
فتحا ً
أن هذه املعاهدة جاءت يف مصلحة اإلسالم واملسلمني ابلكامل بل كانت ً
معظم املسلمني الذين احتجوا على بعض بنودها واعتربوها جمحفة حبقهم ومكانتهم.
املهمة يف اتريخ اإلسالم اليت مهدت لنتائج عقائدية وعسكرية
بل لقد كانت هذه املعاهدة من األحداث السياسية َّ
أمرا حمسوما وحتميًا ،وهذه بعض نتائجها:
وسياسية كربى يف مصلحة اإلسالم واملسلمني وجعلت انتصار اإلسالم ً
-1أن اهلجمات واملؤامرات املتوالية اليت قامت هبا قريش على امتداد السنوات الست املاضية ضد اإلسالم ودولته
الفتية مل ترتك للنيب صلى هللا عليه وآله وسلم فرصة لنشر اإلسالم على نطاق واسع يف شبه اجلزيرة وخارجها؛ فقد
كان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يصرف معظم أوقاته يف الدفاع عن اإلسالم ولكن بعد صلح احلديبية وجتميد
الصراع مع قريش عاشت املنطقة فرتة من اهلدوء واالستقرار أاتحت للرسول صلى هللا عليه وآله وسلم القيام
بنشاط تبليغي واسع يف املناطق كافة ،فقد نشط صلى هللا عليه وآله وسلم منذ أواخر السنة السادسة ،وحىت فتح
76
مكة يف توجيه سفرائه إىل كبار أمراء العرب املشركني وزعمائهم يدعوهم إىل اإلسالم يف نفس الفرتة اليت كان قد
مجيعا.
وجه فيها سفراءه ومبعوثيه إىل أابطرة العامل وملوكه يعرض عليهم الدعوة اليت بُعث هبا إىل الناس ً
-2أزال صلح احلديبية املوانع املادية والنفسية اليت كانت قد وضعتها قريش بني الناس وبني اإلسالم ،ومسح ملختلف
القبائل املشركة املنتشرة يف اجلزيرة االتصال ابملسلمني والتعرف عن قرب على مبادئ اإلسالم ومفاهيمه وأحكامه،
بعد أن منح الصلح تلك القبائل احلرية املطلقة يف أن ختتار املعسكر الذي تراه مناسبًا لتدخل يف دينه أو يف
حتالف معه ،كما فتح الصلح اجملال أمام املسلمني لينطلقوا حبرية يف الدعوة إىل اإلسالم داخل مكة وخارجها،
فدخل الكثري من الناس يف اإلسالم ،بل لقد دخل فيه خالل سنتني أكثر مما دخل فيه على امتداد السنوات
املاضية؛ بدليل أن الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم خرج إىل احلديبية يف ألف وأربعمائة بينما خرج يف فتح مكة
بعد سنتني على رأس عشرة آالف مقاتل.
-3فسح االتفاق اجملال أمام خزاعة لالنضمام إىل معسكر املسلمني وكان انضمامها إىل معسكر اإلسالم نصرا
كبريا من األحابيش الذين كانت قريش تعتمد عليهم يف حروهبا
كبريا للرسول ولإلسالم واملسلمني ذلك أن جزءا ً
ً
كبريا من هذه القوة إىل جانبه وأضعف بذلك مركز قريش احلريب ،ومهد
يعدون من بطوهنا ،وبذلك ضم ص جزءا ً
هبذا وذاك لفتح مكة والقضاء على قاعدة الوثنية يف املنطقة.
-4أاتح صلح احلديبية فرصة للنيب صلى هللا عليه وآله وسلم ليخوض هبدوء صراعا ضد القوى األخرى املضادة
لإلسالم كاليهود الذين مت القضاء عليهم يف خيرب واملواقع اجملاورة له ،والبيزنطيني وحلفائهم العرب الذين ازداد
تكالبهم يف اجلهات الشمالية ابزدايد نشاط اإلسالم هناك فضال عن التجمعات القبلية البدوية املشركة املنتشرة
يف الصحراء واليت كانت تنتظر الفرصة إلنزال الضرابت ابملسلمني.
77
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه اًلجتماعي1-
مناذج من آداب معاشرته للناس:
امتاز رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم خبلق إنساين رفيع وسلوك اجتماعي مميز مع الناس على اختالف
شرائحهم وانتمائهم مما جعله ميتلك عقول وقلوب الناس ويكسب حمبتهم وجيذهبم إىل طريق هللا.
ونستعرض هنا مناذج من خلقه االجتماعي وآداب معاشرته للناس حسبما ورد يف األحاديث عن أهل البيت
عليهم السالم الذين هم أعرف الناس برسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وسلوكه الفردي واالجتماعي.
• كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم طلق الوجه ،دائم البشر ،يواجه الناس ابالبتسامة ،وحيسن لقاءهم،
بشوشا
ً ويعاملهم ابلرفق واللني والرمحة ،ومل يكن يبدو على وجهه العبوس أو احلزن أو االنقباض ،بل كان
وخيفي أحزانه وآالمه.
وكان خياطب قومه ويقولَّ« :ي بّن عبد املطلب إنكم لن تسعوا الناس ِبموالكم فسعوهم ِبخلقكم»(.)1
• وكان صلى هللا عليه وآله وسلم شديد املداراة للناس وأرأف الناس ابلناس ،وخري الناس للناس ،وأنفع الناس
للناس ،حىت لقد روي عنه صلى هللا عليه وآله وسلم أنه قال« :أمرِن ريب ِبداراة الناس كما أمرِن ِبلفرائض»
وقال صلى هللا عليه وآله وسلم« :أعقل الناس أشدهم مداراة للناس ،وأذل الناس من أهان الناس».
• وكان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أبعد الناس عن التعايل على جمتمعه أو متييز نفسه عن أفراده؛ فقد كان
يعيش مع الناس كواحد منهم ال خيتلف عنهم يف شيء.
• وكان يتفقد أحوال الناس ويسأل الناس عما يف الناس ليطلع على أوضاعهم ،بل لقد روي أنه صلى هللا عليه
شاهدا زاره،
وآله وسلم كان إذا فقد الرجل من إخوانه ثالثة أايم سأل عنه فإن كان غائبا دعا له ،وإن كان ً
يضا عاده.
وإن كان مر ً
• ومن مصاديق رفقه ابألمة ومعاملته هلا ابحلسىن ما رواه يونس الشيباين قال :قال أبو عبد هللا -الصادق -
عليه السالم كيف مداعبة بعضكم بعضا؟ قلت :قليل ،قال عليه السالم :فال تفعلوا فإن املداعبة من حسن
اخللق ،وإنك لتدخل هبا السرور على أخيك ،ولقد كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يداعب الرجل
يريد أن يسره.
( )1شرح هنج البالغة ،338 /6وابن أيب شيبة 212/5رقم ،25333وأبو يعلى 428/11رقم ،6550بلفظ« :لن تسعوا
الناس أبموالكم فليسعهم منكم بسط وجه وحسن خلق» ،وليس فيه « :اي بين عبد املطلب».
78
س ِر الرجل من أصحابه إذا رآه
وعن علي عليه السالم « :كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم لَيَ ُ
مغموما ِبملداعبة».
ر
• وكان صلى هللا عليه وآله وسلم يفشي السالم بني الناس فيسلم حىت على الصغري منهم.
• وكان صلى هللا عليه وآله وسلم يدعو أصحابه بكناهم إكر ًاما هلم واستمالة لقلوهبم ،ويكين من مل يكن له كنية
فكان يدعى مبا كناه ،ويكين أيضا النساء الالِت هلن أوالد والالِت مل يلدن ،ويكين الصبيان فيستلني به قلوهبم.
• وكان صلى هللا عليه وآله وسلم ال َيتيه أحد حر أو عبد أو أمة إال قام معه يف حاجته.
وعن علي عليه السالم « :ما فاوضه أحد قط ِف حاجة أو حديث فانصرف حىت يكون الرجل هو الذي
ينصرف ،وما َنزعه اْلديث أحد حىت يكون هو الذي يسكت».
• وكان يكرم من يدخل عليه حىت رمبا بسط له ثوبه ،ويؤثر الداخل ابلوسادة اليت حتته.
أحدا بشيء يكرهه ،بل كان شديد احلياء
أحدا وال يكلم ً
يعري ً
أحدا وال ر
• وكان صلى هللا عليه وآله وسلم ال يذم ً
حىت لقد ورد أنه صلى هللا عليه وآله وسلم كان إذا أراد لوم أحد أو عتابه يعاتبه بكل حياء وخجل.
أحدا من أصحابه ميشي معه إذا كان راكبًا حىت حيمله معه
• وروي أنه صلى هللا عليه وآله وسلم كان ال يدع ً
فإن أىب قال :تقدم أمامي وأدركين يف املكان الذي تريد.
79
( )13الصراع املسلح مع قريش4 /
80
َّخ ُذوا َع ُد ِيوي َو َع ُد َّوُك ْم أ َْولييَاءَ تُ ْل ُقو َن
ويقول املؤرخون :إن هللا أنزل هبذه املناسبةَّ﴿ :يأَيُّها الَّ يذين آمنُوا ََل تَت ي
َ َ َ
َّة َوقَ ْد َك َف ُروا يِبَا َجاءَ ُك ْم يم َن ا ْْلَيِق﴾ [الممتحنة.]1 :
إيلَي يهم يِبلْمود ي
ْ ْ ََ
سرا حىت وصل إىل مشارف مكة
حترك جيش املسلمني يف العاشر من شهر رمضان املبارك سنة مثان للهجرة ً
وطوقها.
استخدم النيب صلى هللا عليه وآله وسلم احلرب النفسية يف هذه الغزوة فأشعل النريان على اجلبال على مقربة من
يشا بقوة وكثرة اجليش ويثري الرعب يف قلوب الطغاة وحيملهم على االستسالم واخلضوع من غري قتال.
مكة ليشعر قر ً
خرج أبو سفيان ،وحكيم بن حزام ،وبديل بن ورقاء؛ ليتجسسوا األخبار ففوجئوا ابلنريان تطوق مكة ،ويف هذه
األثناء التقى العباس بن عبد املطلب أبيب سفيان يف الطريق خارج مكة ،فأشار عليه أن يذهب به إىل رسول هللا صلى
هللا عليه وآله وسلم ،وبعد أن أخذ له األمان رتب له لقاء مع النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وحصل اللقاء صبيحة اليوم
التايل؛ فقال له النيب صلى هللا عليه وآله وسلم :وحيك اي أاب سفيان أمل َين لك أن تعلم أنه ال إله إال هللا؟ قال :أبيب
أنت وأمي ما أحلمك وأكرمك وأوصلك وهللا لقد ظننت أن لو كان مع هللا إله غريه لقد أغىن عين شيئا بعد.
فقال صلى هللا عليه وآله وسلم :وحيك اي أاب سفيان أمل َين لك أن تعلم أين رسول هللا؟ قال :أبيب أنت وأمي ما
أحلمك وأكرمك وأوصلك ،أما هذه وهللا فإن يف النفس منها حىت اآلن شيئا.
حممدا رسول هللا
قائال له :وحيك أسلم واشهد أن ال إله إال هللا وأن ً
تدخل العباس إلنقاذ أيب سفيان فخاطبه ً
فشهد بذلك ،ويف نفسه من نبوة حممد صلى هللا عليه وآله وسلم أشياء وأشياء وظلت تلك األشياء إىل أن مات.
وقد حاول العباس أن يتعامل مع الرتكيب النفسي لشخصية أيب سفيان ويوجه موقعه االجتماعي لصاحل الفتح
املبني فقال لرسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم :اي رسول هللا إنه حيب الفخر ،فاجعل له شيئا يكون يف قومه ،فأمر
صلى هللا عليه وآله وسلم من ينادي يف الناس « :من دخل دار أيب سفيان فهو آمن ،ومن ألقى سلحه فهو آمن،
ومن دخل داره وأغلق عليه ِببه فهو آمن».
بعد أن أعطى الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم هذه امليزة إرضاء خلصلة الفخر يف نفسه أخذه العباس إىل املكان
الذي عينه له رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم لريى جنود هللا وهي متر أمامه يف استعراض عسكري إلظهار القوة
نظريا من قبل.
مما مل تعهد له مكة ً
ودخل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم مكة بتلك احلشود اليت تنساب خلفه فاحتا من غري قتال ،فلما انتهى
إىل الكعبة تقدم على راحلته فاستلم الركن وكرب ،فكرب املسلمون لتكبريه ،مث طاف ابلبيت وكان حول الكعبة ثالمثائة
صنما وكان هبل أعظمها؛ فقال ألمري املؤمنني عليه السالم أعطين اي علي كفا من احلصى فقبض له أمري وستون ً
اطل إي َّن الْب ي
ي
اط َل َكا َن َزُهوقرا﴾َ املؤمنني عليه السالم كفا فناوله فرماها به ،وهو يقولَ ﴿ :وقُ ْل َجاءَ ا ْْلَ ُّق َوَزَه َق الْبَ ُ
[اإلسرا ]81 :فما بقي منها صنم إال خر لوجهه.
مث أمر هبا فأخرجت من املسجد فطرحت وكسرت ،مث أمر أن تفتح الكعبة ففتحت له ،ودخلها فصلى فيها
وأزال كل ما كان فيها من متاثيل وصور ،مث أشرف من ابهبا على الناس وقال صلى هللا عليه وآله وسلم« :اْلمد هلل
81
رِب ِف اْلاهلية فهو َتت الذي صدق وعده ،ونصر عبده ،وهزم اْلحزاب وحده ،أَل إن كل مأثرةٍ أو ٍ
دم أو ر
قدمي هاتي ،إَل سدانة الكعبة وسقاية اْلج» مث توجه إىل املكيني وسأهلم :ماذا ترون أين فاعل بكم؟ قالواً :
خريا
أخ كرمي وابن أخ كرمي ،فقال صلى هللا عليه وآله وسلم« :إِن أقول لكم ما قال أخي يوسف ْلخوتهَ :ل تثريب
عليكم اليوم يغفر هللا لكم وهو أرحم الرامحي ،اذهبوا فأنتم الطلقاء».
وبذلك ضرب الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم لألجيال يف كل عصر وزمان مثال يف الرمحة والعفو والرتفع عن
احلقد واالنتقام(.)1
( )1ابن هشام ،31/4والطبقات ،143/2وعيون األثر ،223/2والواقدي ،781/2وابن كثري ،526/3وشرح املواهب
اللدنية ،288/2والسرية النبوية للشريف ص ،199ومغلطاي ص . 306
82
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه اًلجتماعي2-
عن اإلمام احلسني عليه السالم قال :سألت أيب عن جملس رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فقال عليه
السالم كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم َل جيلس وَل يقوم إَل على ذكر هللا جل اْسه -إىل قوله:
يعطي كل من جلسائه نصيبه حىت َل ُيسب جليسه أن أح ردا أكرم عليه منه ،من جالسه أو قاومه ِف حاجة
صابره حىت يكون هو املنصرف عنه ،ومن سأله حاجة َل يرده إَل هبا أو ميسور من القول ،قد وسع الناس
منه بسطه وخلقه ،فكان َلم رأِب وصاروا عنده ِف اْلق سواء .جملسه جملس حلم وحياء وصرب وأمانة ،وَل
متعادلون متفاضلون فيه ِبلتقوى متواضعون فلتاته()1 ترفع فيه اْلصوات وَل يوهن فيه اْلرم ،وَل تُ ْنث ى
()2 يوقرون فيه الكبي ويرمحون فيه الصغي ،ويؤثرون ذا اْلاجة وُيفظون الغريب.
وأما سيته مع جلسائه فيقول اْلسي عليه السالم نقل عن أبيه أمي املؤمني عليه السالم :كان رسول هللا
صلى هللا عليه وآله وسلم دائم البشر ،سهل اخللق ،لي اْلانب ،ليس بفظ وَل غليظ ،وَل صخاب (من
الصخب وهو شدة الصوت) وَل فحاش ،وَل عياب وَل مداح ،يتغافل عما َل يشتهي فل يؤيس منه ،وَل
ُييب فيه مؤمليه ،قد ترك نفسه من ثلث :املراء ،واْلكثار ،ومما َل يعنيه ،وترك الناس من ثلث :كان َل
يذم أحدا ،وَل يعيه ،وَل يطلب عورته (عيوبه) ،وَل يتكلم إَل فيما يرجو ثوابه ،إذا تكلم أطرق جلساؤه
كأن على رؤوسهم الطي ،فإذا سكت تكلموا وَل يتنازعون عنده اْلديث ،من تكلم أنصتوا له حىت يفرغ،
حديثهم عنده حديث أوَلم ،يضحك مما يضحكون منه ،ويتعجب مما يتعجبون منه ،ويصرب للغريب على
اْلفوة ِف منطقه ومسألته حىت إن كان أصحابه ليستجلبوهنم .ويقول :إذا رأيتم طالب حاجة يطلبها فأرشدوه
إيل ،وَل قبل الثناء إَل عن مكافئ ،وَل يقطع على أحد حديثه حىت جيوز فيقطعه ِبنتهاء أو قيام(.)3
وحت َكى.
ظ ُرات فتُ رن ثَى أَي تُ رذ َك ُر أَو ُرحت َف ُ ات امل رجلِّ ِّ
سَ :ه َف َواتُه َوزَّالتُه .واملعىن :أَنَّه صلَّى هللا عليه وسلرم مل يَ ُك رن يف جملسه فَلَتَ ٌ ُ ( )1فَلَتَ
َ
اتج العروس..103 /3 :
( )2املصابيح يف السرية ص .158
( )3أخرجه الرتمذي يف الشمائل احملمدية 34/1رقم ،8والطرباين يف الكبري 155/22رقم ،414والبيهقي يف شعب اإلميان
154/2رقم ،1430وابن عساكر 343/3عن احلسن بن علي قال :سألت خايل هند بن أيب هالة التميمي وكان وصافا
عن حلية النيب صلى هللا عليه وآله وسلم .....وينظر أخالق النيب لألصبهاين ص .17واملصابيح يف السرية ص .159
83
ويف مسو أخالقه مع جلسائه أيضا ما يروى أنه كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يقسم حلظاته (نظراته)
بني أصحابه فينظر إىل ذا ،وينظر إىل ذا ابلسوية ،ومل يبسط (ميد) رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم رجليه بني
أصحابه ،وإن كان ليصافحه الرجل فما يرتك رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يده من يده حىت يكون هو
التارك ،فلما فطنوا لذلك كان الرجل إذا صافحه مال بيده فنزعها من يده(.)1
•••
غزوة حنين
َولَّد فتح مكة واالنتصار العظيم الذي حققه املسلمون على قريش وقاعدهتم الوثنية َّ
رد فعل عنيف لدى القبائل
العربية املشركة يف الشمال وعلى رأسها هوازن وثقيف ،ورأت أن تتحرك لتوجيه ضربة للمسلمني قبل أن يستفحل
اخلطر وجتد هذه القبائل نفسها حماطة ابملسلمني من كل مكان.
وكانت هذه القبائل ولدى مساعها مبغادرة النيب صلى هللا عليه وآله وسلم املدينة -قبل فتح مكة على رأس عشرة
آالف مقاتل -قد جتمعت خوفًا من أن يغزوها املسلمون ،وقال زعماؤها بعد فتح مكة :قد فرغ لنا حممد ،فال انهية
له دوننا ،والرأي أن نغزوه.
فنظموا جيشا كبريا من هوازن وثقيف -وحلق هبما فيما بعد قبائل نصر بن معاوية ،وجشم ،وسعد بن بكر-
بقيادة مالك بن عوف زعيم هوازن ،فرأى هذا أن يسري مع املقاتلني نساؤهم وأطفاهلم وأمواهلم كي يستميتوا يف
القتال.
عندما مسع صلى هللا عليه وآله وسلم نبأ هذا التحرك الوثين بعث أحد أصحابه عبد هللا بن أيب حدرة األسلمي
مستخربا ،وأمره أن يدخل يف الناس فيقيم فيهم حىت يعلم علمهم مث َيتيه خبربهم ،فتسلل الرجل إىل مواقع العدو
ً
ومجع املعلومات الالزمة وعاد ليخرب الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم مبا أمجع عليه هؤالء من قتال املسلمني.
فانطلق صلى هللا عليه وآله وسلم من مكة يف مطلع شوال على رأس اثين عشر ألف مقاتل كان من ضمنهم
ألفان من املكيني الذين أسلموا بعد الفتح ،وسرعان ما وجد املسلمون أنفسهم مضطرين إىل اجتياز واد من أودية
هتامة ،شديد االحندار يُدعى حنينًا يف طريقهم ملواجهة التجمع الوثين ،وكان املشركون قد سبقوهم إىل الوادي واختذوا
مواقع هلم يف شعابه وعند مضيقه ،وهتيئوا لالنقضاض على املسلمني يف جو يسوده املطر والضباب.
وما إن دخل املسلمون الوادي حىت فاجأهم أعداؤهم هبجوم مباغت ،فأصاهبم الفزع واالضطراب وفروا راجعني
ال يلوون على شيء ،ومل يثبت مع رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم غري علي بن أيب طالب عليه السالم ومجاعة
إيل أَن رسول هللا ،أَن حممد بن
من بين هاشم فأخذ صلى هللا عليه وآله وسلم يناديَّ« :ي أيها الناس هلموا ِ
عبد هللا».
مث أمر عمه العباس -وكان جهوري الصوت -أن يلحق ابلفارين ويناديهم ويذكرهم ابلعهد الذي بينهم وبني
النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ،فأخذ العبا س يناديهم :اي معشر املهاجرين واألنصار اي أصحاب سورة البقرة ،اي
أهل بيعة الشجرة ،إىل أين تفرون؟ هذا رسول هللا..
85
فسمع املسلمون صوت العباس وأنزل هللا السكينة على قلوب املؤمنني منهم فبادروا للعودة إىل ساحة املعركة
واستقبلوا العدو بصدورهم وقاتلوا ببسالة على قلت هم بعدما رأوا رسول هللا يباشر القتال بنفسه بشجاعته ومن حوله
علي عليه السالم ومن معه من بين هاشم يقاتلون إىل جانبه.
وعندما رأى صلى هللا عليه وآله وسلم أصحابه جياهبون الشرك وقد احتدم القتال بينهم قال صلى هللا عليه وآله
وسلم« :اْلن محي الوطيس».
ومتكن علي عليه السالم من قتل حامل راية هوازن وبدأت الكفة متيل لصاحل املسلمني ،وما لبث املشركون أن
أسرا فأصيبوا هبزمية نكراء وفروا ال يلوون على شيء اتركني
قتال و ً
أخذوا ابلرتاجع ،وانقض عليهم املؤمنون يعملون فيهم ً
وراءهم النساء واألوالد واألموال ،وما إن عاد إىل امليدان أولئك الذين تراجعوا إىل اخللف من املسلمني حىت وجدوا
أسارى املشركني مكتفني بني يدي رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم(.)1
معركة أوطاس
تراجع املشركون بقيادة مالك بن عوف صوب الطائف ،وعسكر بعضهم يف أوطاس وتوجهت فئة أخرى حنو
َنلة فقرر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم مالحقتهم ومل يتح هلم فرصة يسرتدون فيها قواهم ويعيدون تنظيم صفوفهم،
فأرسل صلى هللا عليه وآله وسلم على الفور قوة من فرسان املسلمني ملطاردة أولئك الذين توجهوا حنو َنلة ،وقوة
اثنية ُكلفت بقتال املشركني يف أوطاس ،وهناك أوقع املسلمون هبم شر هزمية.
وقد حصل املسلمون نتيجة معركة حنني وأوطاس على غنائم كثرية بلغت على حد بعض الرواايت ستة آالف
من السيب ،وأربعة وعشرين ألف بعري ،وأربعني ألف شاة وأربعة آالف أوقية من الفضة.
(اجلعرانة) جمم ًدا التصرف
وقد أمر رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم حببس السبااي واألموال الكثرية يف مكان يدعى َّ
هبا إىل أن يعود من مطاردة العدو الذي جلأ إىل الطائف.
حصار الطائف
متكن مالك بن عوف من الفرار مع جيش هوازن وثقيف إىل الطائف ،فانطلق صلى هللا عليه وآله وسلم جبيش
املسلمني صوب الطائف حيث اعتصم املنهزمون حبصوهنا املنيعة ،وأعدوا العدة للقتال ،ونزل صلى هللا عليه وآله
وسلم قريبا من احلصون حيث عسكر هناك ،وجرت مناوشات بني الطرفني استشهد خالهلا مجاعة من املسلمني
بنبال العدو ،األمر الذي دفع الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم إىل إبعاد معسكره عن مدى النبال اليت كانت تنطلق
ومتقطعا أحياان،
ً يوما ،حيث استمر القتال خالهلا عنيفا حينا،
بضعا وعشرين ً من حصون ثقيف ،وظل حياصرهم ً
( )1ابن هشام ،80/4والطبقات ،149/2والواقدي ،885/3ومغلطاي ،317وسرية ابن كثري ،610/3وعيون األثر
،253/2وحممد رسول هللا ص ،325واإلمتاع .14/2
86
وقد استعمل فيه املسلمون آالت احلصار ألول مرة كاملنجنيق والداببة( ،)1وقد متكنت قوة من املسلمني من الزحف
بدابابهتم إىل جدار الطائف وبدأوا خبرقه لوال أن أرسلت عليهم ثقيف قطعا من حديد حممية ابلنار اضطرهتم إىل
االنسحاب.
وردا على املقاومة العنيفة اليت أبداها املشركون أمر صلى هللا عليه وآله وسلم بتقطيع كروم ثقيف املنتشرة يف البساتني
ً
اجملاورة إلرغامهم على االستسالم ولكن من دون جدوى.
عندها مل ير النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ضرورة لالستمرار يف احلصار خاصة وأنه صلى هللا عليه وآله وسلم
أصبح على أبواب شهر ذي القعدة الذي هو من األشهر احلرم ،وكان صلى هللا عليه وآله وسلم يدرك أن الطائف
آجال طالبة
عاجال أم ً
ستجد نفسها يف يوم قريب أشبه جبزيرة منعزلة بعد أن بدأ اإلسالم يعم املنطقة وأهنا ستسعى إليه ً
خطرا من ترك الطائف إىل فرصة أخرى االنتماء إىل الدين اجلديد ،إضافة إىل أنه صلى هللا عليه وآله وسلم مل يعد يرى ً
إن هي أصرت على موقفها املعادي لإلسالم واملسلمني ،لذلك كله قرر الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم رفع احلصار
اجلعرانة
يوما من احلصار -إىل ر
عنهم ،وأمر أن يؤذن يف الناس ابلرحيل فقفل املسلمون عائدين -بعد بضع وعشرين ً
حيث مجعت السبااي والغنائم الكثرية اليت استوىل عليها املسلمون يف حنني.
أدركت هوازن حراجة املوقف وأن نساءهم وأمواهلم ستصبح غنيمة للمسلمني فيما لو أصروا على موقفهم ونتيجة
التداول فيما بينهم اتفق رأي أكثريتهم على االستسالم ،فأرسلوا وفدا منهم إىل رسول هللا صلى هللا عليه وآله
وسلم وأعلنوا إسالمهم ،وكان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ال يزال يف اجلعرانة ،مث تتابعت وفودهم معلنة إسالمها،
فرد عليهم صلى هللا عليه وآله وسلم نساءهم وأمواهلم وجاء زعيمهم مالك بن عوف إىل رسول هللا صلى هللا عليه
وآله وسلم فأسلم ،ورد عليه الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم أهله وماله حيث كان صلى هللا عليه وآله وسلم قد
وعده بذلك إن جاءه مسلما.
بعد تقسيم الغنائم على املسلمني يف اجلعرانة رجع صلى هللا عليه وآله وسلم إىل مكة فأدى مناسك العمرة ،ووىل
عتاب بن أسيد إمرة مكة ،ومعاذ بن جبل تفقيه الناس يف الدين وتعليمهم القرآن ،وعاد صلى هللا عليه وآله وسلم
ابملهاجرين واألنصار إىل املدينة املنورة ،حيث دخلها يف أواخر ذي القعدة بعد انتصارين من أعظم االنتصارات اليت
حق قها يف صراعه مع الوثنية ومها فتح مكة ،وهزمية جيش مؤلف من ثالثني ألف مقاتل يف حنني ،وبذلك مت القضاء
على أكرب معاقل الشرك والوثنية يف املنطقة.
إن نظرة حتليلية على أحداث معركة حنني تقودان إىل تسجيل األمور التالية:
َّأوًال :إن السبب يف هزمية املسلمني يف بداية املعركة هو غرور املسلمني أبنفسهم وإعجاهبم بكثرهتم وقوهتم؛ حيث
عدوا هبذا العدد الكبري من املقاتلني ،فأراد هللا سبحانه أن يعلمهم أن الكثرة ال تغين شيئا
مل يسبق هلم أن واجهوا ً
عندما تفقد عناصر اإلميان واإلخالص والصرب والتوكل على هللا.
( )1الداببة هنا تعين :آلة تتخذ من جلود وخشب يدخل فيها الرجال ويقربوهنا من احلصن احملاصر لينقبوه وتقيهم ما يرمون به من
فوقهم .لسان العرب .371/1
87
وقد كانت الكثرة يف حنني تفقد هذه العناصر فقد كان فيهم ألفا شخص ممن أسلم حديثا وبعد فتح مكة ،وكان
فيهم مجاعة من املنافقني ،وفيهم من سيطرت عليه روح الكسب والغنيمة ،فخلى هللا بينهم وبني عدوهم ومل يتدخل
يف البداية لغرورهم حىت ظهرت آاثر اهلزمية فيهم.
ت
ضاقَ ْ يٍة َويَ ْو َم ُحنَ ْ ٍ
ي إي ْذ أَ ْع َجبَ ْت ُك ْم َكثْ َرتُ ُك ْم فَ لَ ْم تُ ْغ ين َع ْن ُك ْم َش ْي ئرا َو َ ي ي
ص َرُك ُم هللاُ يِف َم َواط َن َكث َ قال تعاىل﴿ :لََق ْد نَ َ
ي ض يِبَا َر ُحبَ ْ َّ
ين﴾ [التوبة.]25 : ت ُُثَّ َول ْي تُ ْم ُم ْدب ير َ َعلَْي ُك ُم ْاْل َْر ُ
وهذا يعين أن الكثرة ليست سببا للنصر ،وأن العربة ليست يف الكمية وإمنا يف النوعية اليت متلك اإلميان وروح
االستشهاد يف سبيل هللا.
اثنيًا :إن الذين عادوا إىل ساحة القتال وقاتلوا بشجاعة فائقة إىل جانب النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وعلي عليه
السالم هم القلة املؤمنة فهؤالء هم الذين حققوا االنتصار يف حنني وهم الذين أنزل هللا عليهم السكينة والطمأنينة
والدعة فثبتوا يف الظروف احلرجة؛ ملا ميلكونه من عقيدة راسخة ،وإميان قوي ،وشجاعة فائقة ،وإرادة صلبة ،ويقني
راسخ بلطف هللا ونصره.
ودا ََل تَرو َها و َع َّذ َّ ي ي يي ي
ين َك َف ُروا
ب الذ َ قال تعاىلُُ ﴿ :ثَّ أَنْ َز َل هللاُ َسكينَ تَهُ َعلَى َر ُسوله َو َعلَى ال ُْم ْؤمني َ
ي َوأَنْ َز َل ُجنُ ر ْ َ ْ َ َ
ين﴾ [التوبة.]26 : ي َوذَلي َ
ك َج َزاءُ الْ َكاف ير َ
وعليه فالسر يف انتصارهم النهائي هو ثبات النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وعلي عليه السالم والقلة من الصحابة
نوعا من اهلدوء واالطمئنان الذي يبعد
الذين ميلكون اإلميان؛ فهؤالء هم الذين أنزل هللا عليهم السكينة اليت تعين ً
عنهم كل أنواع الشك واخلوف والقلق وأيدهم وسد أزرهم وقوى معنوايهتم وأوجد روح الثبات واالستقامة يف نفوسهم
وقلوهبم جبنود من املالئكة مل يروها.
ي يي
ومجلة قوله تعاىلَ ﴿ :علَى َر ُسوله َو َعلَى ال ُْم ْؤمني َ
ي﴾ إشارة إىل أن املنافقني وأهل الدنيا الذين كانوا مع املسلمني
يف املعركة مل ينالوا سهما من السكينة واالطمئنان بل كانت السكينة من نصيب املؤمنني فقط ،ولذا قالَ ﴿ :و َعلَى
ي
ي﴾ ومل يقل (وعليكم) مع أن مجيع اجلمل يف اآلية بصيغة ضمري اخلطاب (كم). ال ُْم ْؤمني َ
ونزول السكينة على الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم لرفع اخلوف الذي كان خوفا على الرسالة واملؤمنني خاصة
بعد فرار أصحابه من املعركة وإال فهو كاجلبل الشامخ ال تزلزله الرايح والعواصف وكذلك ابن عمه علي عليه السالم
.
اثلثًا :إن على املسلمني أن يعتربوا من حوادث حنني فال يغرتوا بكثرة العدد والعتاد؛ فالكثرة وحدها ال تغين شيئا
بل املهم يف ساحة اجلهاد وجود املؤمنني املنصهرين ابإلميان ذوي اإلرادة الصلبة والعزمية الراسخة حىت لو كانوا قلة.
فإن القلة هي اليت استطاعت أن حتول الفشل يف حنني إىل انتصار كبري وكانت الكثرة بسبب غرورها يف ابدئ
األمر سببا للفشل والفرار من ساحة املعركة.
88
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه اًلجتماعي3-
الَ ( :كا َن ول النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ف َق َ ت أَِّيبَ ،عن ُدخ ِّ عن اإلمام احلسني عليه السالم قالَ :سأَلر ُ
ر ُ
ِّ ُد ُخولُهُ لِّنَ رف ِّس ِّه َمأرذُ ً
ك. وان لَهُ ِّيف ذَل َ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ وَكا َن إِّذَا أَوى إِّ َىل منر ِّزلِِّّه جَّزأَ دخولَه ثََالثَةَ أ ٍّ
َجَزاءُ :ج رزءًا َّّلل َعَّز َو َج َّلَ ،و ُج رزءًا أل رَهلهَ ،و ُج رزءًا لنَ رفسهُ ،مثَّ َجَّزأَ ُج رزأَهُ ر َ َ ُُ ُ َ َ
ِّ
اصةَ ،وَال يَدَّخ ُر َعنر ُه رم َشري ئًا. ِّ ِّ
ك َعلَى الر َع َّامة وا رخلَ َّ ِّ ني الن ِّ
َّاس ،فََريَُّد ذَل َ بَري نَهُ َوبَر َ
اج ِّة، ضلِّ ِّهم ِّيف ال رِّد ِّ ِّ فَ َكا َن ِّمن ِّسريتِِّّه ِّيف جزِّء راأل َُّم ِّة إِّيثَار أَه ِّل الر َف ر ِِّّ ِِّّ
ين :فَمرن ُه رم ذُو ا رحلَ َ سمهُ َعلَى قَ رد ِّر فَ ر ر ض ِّل إب رذنهَ ،وقَ ُ ُ ر ُر ر َ
ِّ هم َعرنهُ وإِّ رخبَ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ وِّمرن ُهم ذُو ا رحلَ َ ِّ
اره رم صل ُح ُه رم َو راأل ََمةَ م رن َم رسأَلَت ِّ َ يما يُ ر اجتَ رنيَ ،ومرن ُه رم ذُو ا رحلََوائ ِّج ،فَيَ تَ َشا َغ ُل هب رم َويَ رشغَلُ ُه رم ف َ َ ر
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّابلَّ ِّذي يَرن بَغي َهلُرمَ ،ويَ ُق ُ
ِّ
اجتَهُ.يع إِّبر َالغي َح َ اجةَ َم رن َال يَ رستَط ُ بَ ،وأَبرلغُ ِّوين َح َ ول َهلُرم :ليُبَ لر ِّغ الشَّاه ُد منكم الرغَائ َ
صنَ ُع فِّ ِّيه؟ ف َكا َن يَ ر ول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم َكري َ
وميضي احلسني عليه السالم قائال :وسأَلرته عن خمَررِّج رس ِّ ِّ
َ َ ُُ َ ر َ َ ُ
ول هللاِّ صلى هللا عليه وآله وسلم َخيرُز ُن لِّ َسانَهُ إَِّّال ِّممَّا يَ رعنِّ ِّيهمَ ،ويُ َؤلرُِّف ُه رم َوَال يُ َفرِّرقُ ُه رم، ال عليه السالم َ :كا َن َر ُس ُ فَ َق َ
َح ٍّد منهم بِّ رشَرهَ ،وَال ُخلُقه، ررم َك ِّرمي ُك ِّل قَوٍّم وي ولرِّ ِّيه علَي ِّهم ،وَحي َذر النَّاس وَحي ِّرت ِّ ِّ
س مرن ُه رم م رن َغ رِّري أَ رن يَطر ِّوي َعن أ َ َويُك ُ َ ر ر َ ُ َ َ ر ر َ ر ُ َ َ ر َ ُ
ِّ
ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ ِّ َّد أَصحابه ويسأ َُل النَّاس ع َّما ِّيف الن ِّ ِّ
يح َويُ َورهيهُ ،م رعتَد ُل راأل رَم ِّر َغ رريُ َّاس َوُحيَ رس ُن ا رحلَ َس َن َويُ َق رِّويهَ ،ويُ َقبر ُح الر َقب َ َ َ َويَتَ َفق ُ ر َ َ ُ َ َ ر
ين يَلُونَهُ ِّم َن َّ ِّ ِّ خمُرتَلِّ ٍّ
ِّ
عن ا رحلَ رق َوَال ُجيَ رِّوُزهُ ،الذ َ ص ُر َ ادَ ،وال يَ رق ُ فَ ،ال يَغر ُف ُل َخمَافَةَ أَ رن يَغ ُفلُوا أ رَو ميََلُّوا ،ل ُك ِّرل َح ٍّال عِّنر َدهُ َعتَ ٌ
اساةً َوُم َؤ َازَرةً» (.)1 ِّ ِّ ِّ الن ِّ ِّ
َح َسنُ ُه رم ُم َو َ يحةً َوأ رَعظَ ُم ُه رم عنر َدهُ َمنر ِّزلَةً أ ر َع ُّم ُه رم نَص َ ضلُ ُه رم عرن َدهُ أ ََّاس خيَ ُارُه رم ،أَفر َ
•••
( )1الرتمذي يف الشمائل احملمدية 34/1رقم ،8والطرباين يف الكبري 155/22رقم ،414والبيهقي يف شعب اإلميان 154/2
رقم ،1430وابن عساكر ،343/3وأخالق النيب وآدابه لألصبهاين ،111/1ودالئل النبوة للبيهقي .290/1وانظر املصابيح
يف السرية .157/1
89
( )15الصراع مع اليهود 1 /
حقدا على اإلسالم واملسلمني ،وقد وقفوا يفمن املعلوم اترخييا ومن خالل سري األحداث أن اليهود أشد الناس ً
استنادا إىل ما بشرت به توراهتم
ً مواجهة هذا الدين من أول يوم ظهوره ابلرغم من كل احلقائق اليت كانوا يعرفوهنا عنه؛
وكتبهم.
90
حول اليهود من موقع القوة والنفوذ بسبب سياساهتم وطروحاهتم إىل موقع الضعف واهلوان،
واخلالصة :إن اإلسالم ر
وأبطل ادعاءاهتم ابلتفوق االجتماعي والعلمي ،وقضى على اليهودية احملرفة وعلى أحالم بين إسرائيل فامتألت قلوهبم
ابلغيظ واألحقاد على هذا الدين وأتباعه؛ فبدأوا مبعاداة اإلسالم ومواجهته أبشكال التآمر والغدر واخليانة.
91
موقفه صلى هللا عليه وآله وسلم من اليهود
إن مجيع حماوالت اليهود للقضاء على اإلسالم واملسلمني ابءت ابلفشل الذريع؛ بسبب وعي القيادة اإلسالمية
العليا.
ولقد صرب النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف البداية على مؤامراهتم وخياانهتم الكبرية تلك؛ تفاداي حلرب جتر
الويالت على الناس يف مقره اجلديد ،وانتظارا للمرحلة املناسبة اليت يسهل فيها ضرهبم دون املساس ابألولوايت امللحة
ودون تشتيت قوته العسكرية يف مرحلة هو أحوج ما يكون لرتكيزها مع العدو الذي ميثل خطرا وجوداي حينها ،حىت
خطرا حقيقيًا السيما وأهنم يعيشون يف قلب اجملتمع اإلسالمي،
وصعدوا من حتدايهتم وأصبحوا يشكلون ً طفح الكيل ر
ويعرفون كل مواقع الضعف والقوة فيه؛ فكان ال بُ َّد من صياغة التعامل معهم على أساس احلزم والقوة ً
بدال من العفو
فسادا ،وينقضون العهود واملواثيق ويسددون
والتسامح والرفق ،فليس من املصلحة أن يُرتك اليهود يعيثون يف األرض ً
ضرابهتم للمسلمني كيف وأىن شاءوا ،بل ال بُ َّد من الرد احلاسم واحلازم والعادل على كل اعتداء ،ومواجهة كل حتد
وآتمر وكيد وخيانة قبل أن يكون الندم حيث ال ينفع الندم.
وميكننا أن نقول :إن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم واجههم بعد أن اتضح نقضهم لكل العهود واملواثيق أبسلوبني
أو اجتاهني:
االجتاه األول :عمليات القتل املنظمة لرموزهم وبعض أفرادهم.
االجتاه الثاين :احلرب الشاملة واملصريية ضدهم.
االجتاه األول :وفيه اتبع صلى هللا عليه وآله وسلم أسلوب عمليات القتل املنظمة لبعض أفرادهم ورموزهم الذين
ظهر كيدهم ،وأعلنوا احلرب على اإلسالم من خالل اجلهر ابلتحريض على النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وهجائه،
جداي على صعيد استقرار املنطقة ،فتم القضاء على أيب
خطرا ً
والتعرض لنساء املسلمني ابألذى ،وكانوا يشكلون ً
عفك اليهودي الذي كان حيرض على رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ويقول فيه الشعر ،على يد سامل بن عمري،
ليال ،حيث كانت تعيب اإلسالم واملسلمني ،وتؤنب وقُتلت العصماء بنت مروان اليهودية على يد عمري بن عون ً
األنصار على اتباعهم لرسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وتقول الشعر يف هجوه صلى هللا عليه وآله وسلم وحترض
عليه.
وأرسل صلى هللا عليه وآله وسلم أحد أصحابه يف السنة الثالثة بعد اهلجرة فقتل كعب بن األشرف الذي كان
قد ذهب إىل مكة بعد حرب بدر ،وحرض املشركني ومل خيرج منها حىت مجع أمرهم على حرب رسول هللا صلى هللا
عليه وآله وسلم وعندما سأله املشركون :أديننا أحب إىل هللا أم دي ن حممد وأصحابه؟ أجاهبم :بل أنتم أهدى منهم
ت والطَّاغُ ي صيبا يمن الْكيت ي ي َّ ي
وت َويَ ُقولُو َن ي ي
اب يُ ْؤمنُو َن يِب ْْل ْب َين أُوتُوا نَ ي ر َ َ
سبيال ،ويف ذلك يقول تعاىل﴿ :أَََلْ تَ َر إي َىل الذ َ ً
آمنُوا َسبي ريل﴾ [النس ]51 : :وكان يهجو النيب يف شعره ،ويتعرض ابألذى لنساء ي َّ ي ي يي
ين َ للَّذ َ
ين َك َف ُروا َه ُؤََلء أ َْه َدى م َن الذ َ
املسلمني ،وهكذا تتابعت عمليات القتل لبعض أفراد اليهود فقتل ابن سنينة ،وأبو رافع بن أيب احلقيق من يهود خيرب
وغريمها.
92
لقد كانت هذه العمليات مبثابة جزاء عادل وإنذار حازم لكل من ينقض عهدا ويتآمر على مصلحة اإلسالم
العليا ،وقد نظمت هذه العمليات ونفذت برباعة فائقة وذكاء وعبقرية ،فأرعبت اليهود وأخافتهم ،والسيما بعد قتل
بن األشرف ،حىت أنه مل يبق يف املدينة وحميطها يهودي إال وهو خائف على نفسه.
االجتاه الثاين :ولكن ابلرغم من ذلك فإن اليهود مل يرتاجعوا عن الدس والتحريض والتآمر واستمروا يف عنادهم
ومتاديهم يف إيذاء املسلمني ونشر الفساد ونقضهم للمعاهدات اليت وقعوا عليها مبلء اختيارهم وكان ذلك يتفاقم بني
حني وآخر إىل درجة ابلغة اخلطورة؛ فكان ال بُ َّد من التعامل معهم أبسلوب آخر فكانت احلرب الشاملة واملصريية
ضدهم حيث ال ميكن اجتثاث مادة فسادهم بغري ذلك.
فحارهبم النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف داخل املدينة (بين قينقاع ،وبين النضري) وحارب يف حميطها (بين قريظة)
وحارهبم يف (خيرب) اليت كانت متثل املعقل األساسي هلم يف شبه اجلزيرة العربية.
93
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه االجتماعي4-
تواضعه صلى هللا عليه وآله وسلم:
كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم بقدر ما حيث على التزام فضيلة التواضع يف التعامل والعالقات
االجتماعية فإنه من انحية عملية كان املتواضع األول يف املسلمني بل النموذج املثايل الرائع يف التواضع وبساطة
العيش.
• فقد روي أنه صلى هللا عليه وآله وسلم ما أكل متكئا منذ أن بعثه هللا عز وجل حىت قبض تواضعا هلل عز
وجل.
• وعن ابن عباس قال :كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم جيلس على األرض وَيكل على األرض ويعقل
البعري وحيلب الشاة وجييب دعوة اململوك على خبز الشعري.
فردا من الناس مل حيط نفسه هبالة خاصة؛
• وعلى عظمته وعلو مقامه فإنه صلى هللا عليه وآله وسلم كان يبدو ً
سهال يلتقي أببعد الناس وأقرهبم ،أصحابه وأعداءه،
فقد كان جيلس بني أصحابه كواحد منهم ،وكان قريبا ً
وأهل بيته ،والسفراء والوفود بال تصنع وال تكلف ( )1فكل شيء كان يصدر عنه كان طبيعيا على سجيته.
• ومن تواضعه أنه كان يبدأ ابلسالم على الناس وينصرف إىل حمدثه بكله ،الصغري والكبري واملرأة والرجل.
• كان آخر من يسحب يده إذا صافح ،مل يكن َينف من عمل يعمله لقضاء حاجته أو حاجة صاحب أو
جار أو مسكني ،وكان يذهب إىل السوق وحيمل بضاعته بنفسه ،ومل يستكرب عن اإلسهام يف أي عمل يقوم
به أصحابه وجنده ،فقد أسهم يف بناء املسجد يف املدينة وعمل يف حفر اخلندق يف غزوة األحزاب ،وشارك
أصحابه يف مجع احلطب يف إحدى سفراته ،وعندما قال له أصحابه حنن نقوم بذلك عنك قال صلى هللا عليه
متميزا عن
وآله وسلم :قد علمت أنكم تكفونين ولكن أكره أن أمتيز عنكم فإن هللا يكره من عبده أن يراه ً
أصحابه.
• وكان متواضعا يف ملبسه ومشربه ومأكله ومسكنه.
• وروي عنه صلى هللا عليه وآله وسلم أنه قال« :أمرِن ريب بسبع خصال :حب املساكي والدنو منهم ،وأن
أكثر من َل حول وَل قوة إَل ِبهلل ،وأن أصل رمحي وإن قطعّن ،وأن أنظر إىل من هو أسفل مّن وَل
( )1هذا ال يعين اإلمهال وعدم أخذ احليطة واحلذر ،فقد تقدم الكالم عن مدى اهتمامه ابجلانب األمين وحذره من الناس .انظر
سلوكه االجتماعي .3
94
مرا ،وأن َل أسأل أح ردا
أنظر إىل من هو فوقي ،وأن َل أيخذِن ِف هللا لومة َلئم ،وأن أقول اْلق وإن كان ر
شيئا».
•••
95
( )16الصراع مع اليهود2 /
إن ممارسة اليهود قد هيأت اجلو للتخلص من بغيهم وإفسادهم ومكرهم على مراحل ،وكان أول ما قام به صلى
هللا عليه وآله وسلم هو مواجهة بين قينقاع وإجالئهم عن املدينة املنورة.
والسبب الذي محل الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم على البدء إبجالء بين قينقاع دون سائر اليهود هو :أهنم
كانوا يسكنون داخل املدينة ويف حي من أحيائها ،وكانوا أول من غدر وخان من اليهود؛ فكان ال بُ َّد للنيب صلى
هللا عليه وآله وسلم من أن يطهر املدينة من هذا العدو الداخلي الذي يطعن يف الظهر ،وحييك املؤامرات ويرتكب
اخلياانت.
ويذكر املؤرخون يف هذا الصدد :أ ن بين قينقاع كانوا قد عاهدوا صلى هللا عليه وآله وسلم على املساملة وعدم
معاونة األعداء ،فلما كانت حرب بدر أظهروا البغي واحلسد ونقضوا العهد ،وكانوا أول من استجاب لطلب قريش
يف نصب العداء للمسلمني والغدر هبم.
وقد صعدوا من حتديهم للمسلمني عندما دخلت امرأة مسلمة سوق الصاغة يف املدينة الذي كان حتت سيطرهتم،
فجلست عند صائغ منهم ألجل حلي هلا ،فاجتمع عليها مجاعة من اليهود وأرادوها أن تكشف عن وجهها فأبت
فعمد يهودي من خلفها من حيث ال تعلم فعقد ثوهبا إىل ظهرها ،فلما قامت انكشفت سوأهتا فضحكوا منها،
فصاحت تستغيث ابملسلمني فوثب رجل من املسلمني على من فعل ذلك فقتله ،وشد اليهود على املسلم فقتلوه،
فاستنجد أهل املسلم ابملسلمني ووقع بينهم وبني بين قينقاع الشر ،فجمعهم النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف سوقهم
وحذرهم وطلب منهم أن يكفوا عن أذى املسلمني ،وأن يلتزموا بعهد املوادعة ،أو ينزل هبم ما أنزله بقريش ،فقال
هلمَّ « :ي معشر اليهود احذروا من هللا مثل ما نزل بقريش من النقمة وأسلموا ،فإنكم قد عرفتم أِن نِب مرسل
جتدون ذلك ِف كتابكم وعهد هللا إليكم» فاستخفوا بوعيده وأجابوه :ال يغرنك اي حممد أنك لقيت قوما ال علم
هلم ابحلرب فأصبت منهم فرصة مكنتك من رقاهبم إان وهللا لئن حاربناك لتعلمن أان حنن الناس ،وسرتى منا ما مل تره
من غريان.
ين َك َف ُروا َستُ ْغلَبُو َن َو َُتْ َش ُرو َن إي َىل يي
فأنزل هللا على نبيه صلى هللا عليه وآله وسلم هبذه املناسبة قوله تعاىل﴿ :قُ ْل للَّذ َ
هللا َوأُ ْخ َرى َكافي َرةٌ يَ َرْو َهنُ ْم يمثْ لَْي يه ْم َرأْ َي
يل ي ي الْتَ َقتَا فيئَةٌ تُ َقاتي ُل يِف َسبي ياد * قَ ْد َكا َن لَ ُك ْم آيَةٌ يِف فيئَ تَ ْ ي س ال يْم َه ُ َج َهن ي
َّم َوب ْئ َ
َ
صا ير﴾ [آل عمران ،]13 ،12 :وقوله تعاىلَ ﴿ :وإي َّما ََّتَافَ َّن ي ي
ك لَع ْ َربرة ْل ي ي ي
ص يره َم ْن يَ َشاءُ إي َّن يِف َذل َي َوهللاُ يُ َؤيِ ُد بينَ ْال َْع ْ ي
ُويل ْاْلَبْ َ
ي﴾ [األنف:ل.]58 : اخلَائيني َ
ب ْ يم ْن قَ ْوٍم يخيَانَةر فَانْبي ْذ إيل َْي يه ْم َعلَى َس َو ٍاء إي َّن هللاَ ََل ُيُي ُّ
96
ولذلك مل يبق أمام النيب صلى هللا عليه وآله وسلم إال أن يقاتلهم فسار إليهم ،وكان عددهم حوايل سبعمائة
مقاتل ،وسلم الراية لعلي عليه السالم وحاصرهم يف حصنهم مخس عشرة ليلة أشد حصار ،فقذف هللا يف قلوهبم
الرعب ،واستسلموا وطلبوا من النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أن خيلي سبيلهم وينفيهم من املدينة ،على أن يكون
هلم نساؤهم والذرية ،وله أمواهلم والسالح فقبل منهم ذلك ،وأخذ أمواهلم وأسلحتهم ووزعها بني املسلمني ،وطردهم
مجيعا(.)1
من املدينة إىل أ رذ ِّر َعات ابلشام ،ويقال :إنه مل تدر عليهم السنة حىت هلكوا ً
( )1ابن هشام ،50/3الطبقات ،28/2الواقدي ،176/1والطربي ،479/2وابن سيد الناس ،443/1وأسباب النزول
.167
( )2انظر السرية النبوية البن هشام :ج. 200/3
97
يطمعون ابلبقاء يف أرضهم فإن عليهم أن يقبلوا هبا أرضا حمروقة ،جرداء ليس فيها أي أثر للحياة ،وال تستطيع أن
توفر هلم حىت لقمة العيش اليت ال بُ َّد منها.
يي ي
ي﴾ فقد كان قطع النخل وهذا هو ما يفسر لنا قوله تعاىل يف تعليل اإلذن اإلهلي بقطع النخل ﴿ َوليُ ْخ يز َ
ي الْ َفاسق َ
أيضا ،وخزيهم وخزي سائر حلفائهم ويف مقدمهم ضرورًاي والزما من أجل قطع آمال بين النضري وكل آمال غريهم ً
عبد هللا بن أيب ومن معهم من املنافقني ،مث كل من يرقب الساحة ويطمع يف أن يستفيد من حتوالهتا يف حتقيق مآربه
ضد اإلسالم واملسلمني.
ويظهر أن قطع النخيل وإحراقه كان سببًا يف تسرب اليأس إىل قلوهبم ،إذ وجدوا أنفسهم أمام خيارين :إما
اإلذعان حلكم النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ،وإما اخلروج من املدينة ملهامجة املسلمني ومنعهم من حرق َنيلهم،
فاختاروا اإلذعان حلكم النيب صلى هللا عليه وآله وسلم خاصة بعد أن متكن اإلمام علي بن أيب طالب عليه السالم
من قتل عشرة من فرساهنم فطلبوا منه صلى هللا عليه وآله وسلم أن جيليهم ويكف عنهم على أن هلم ما محلت اإلبل
من أمواهلم إال السالح ،فرضي النيب صلى هللا عليه وآله وسلم بذلك فحملوا من أمواهلم ما استقلت به فخرجوا إىل
خيرب ،ومنهم من سار إىل الشام.
ويشري القرآن إىل غرور بين النضري وامتناعهم حبصوهنم ظانني أهنا ستمنعهم من أمر هللا كما يشري إىل هزميتهم
اب يم ْن
ين َك َفروا يم ْن أ َْه يل الْكيتَ ي َّ ي َّ ي
وختريبهم بيوهتم أبيديهم وأيدي املؤمنني اجملاهدين بقوله تعاىلُ ﴿ :ه َو الذي أَ ْخ َر َج الذ َ ُ
هللا فَأ َََت ُه ُم هللاُ يم ْن َح ْي ُ
ث ََلْ َُْيتَ يسبُوا يدَّي يريهم يْل ََّو يل ا ْْل ْش ير ما ظَنَ ْن تم أَ ْن َُيْرجوا وظَنُّوا أ ََّهنُم مانيعت هم حصو ُهنُم يمن ي
ْ َ َُ ُ ْ ُ ُ ْ َ ُُ َ ُْ َ َ َ ْ
ي ي الر ْعب ُُيْ يربو َن ب ي َ ي يي
صا ير﴾ [الحشر.)1( ]2 : ُويل ْاْلَبْ َ وَتُ ْم يِبَيْدي يه ْم َوأَيْدي ال ُْم ْؤمني َ
ي فَا ْعتَيربُوا ََّي أ ي ف يِف قُلُوهب ُم ُّ َ ُ ُ ُ َوقَ َذ َ
( )1الطبقات ،57/2والطربي ،550/2وابن هشام ،199/3والواقدي ،363/1وعيون األثر ،73/2ومغلطاي ص .243
98
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه اًلجتماعي5-
من أبرز ما اتصفت به األخالق النبوية هو احللم عن أخطاء اآلخرين والعفو عن سيئاهتم.
ومن املعلوم أن احللم هو عبارة عن ضبط النفس والضغط على املشاعر واالنفعاالت النفسية إزاء أخطاء
وحقدا وغيظًا ينعكس سلبًا على السلوك واملمارسات.
اآلخرين وممارساهتم السلبية؛ لئال تتفجر غضبا ً
وقد كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يف فضيلة احللم عن املسيء منوذجا رائعا كسائر أخالقه ،فهو ال
يعرف الغضب إال حني تنتهك للحق حرمته ،أما سوى ذلك فإنه كان أبعد الناس عن الغضب واالنفعال ،فهو
أحلم إنسان عمن أساء إليه بكلمة أو تصرف خاطئ أو سلوك مشني.
• قال أنس بن مالك :خدمت رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم سنني فما سبين سبة قط ،وال ضربين ضربة،
وال انتهرين ،وال عبس يف وجهي ،وال أمرين أبمر فتوانيت فيه فعاتبين عليه.
خادما قط ،وال ضرب بيده شيئًا قط،
• وروي أن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ما ضرب امرأة قط ،وال ضرب ً
إال أن جياهد يف سبيل هللا عز وجل ،وال نِّري َل منه فانتقم من صاحبه إال أن تنتهك حمارمه فينتقم.
• وعن أنس أيضا قال :كنت أمشي مع رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وعليه برد جنراين غليظ احلاشية
فأدركه أعرايب فأخذ بردائه فجبذه (جذبه) جبذة شديدة حىت نظرت إىل صفحة عنق رسول هللا صلى هللا عليه
وآله وسلم وقد أثرت به حاشية الرداء من شدة جبذته ،مث قال :اي حممد ُم رر يل من مال هللا الذي عندك،
فالتفت إليه رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فضحك وأمر له بعطاء.
• وكان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يقول :أوصاين ريب بتسع :أوصاين ابإلخالص يف السر والعالنية،
والعدل يف الرضا والغضب ،والقصد يف الفقر والغىن ،وأن أعفو عمن ظلمين ،وأعطي من حرمين ،وأصل من
فكرا ،ومنطقي ذكرا ،ونظري عِّ ًَربا.
قطعين ،وأن يكون صميت ً
أيضا.
وكما كان يف صفة احللم فقد كان يف صفة العفو ً
• ومن عظيم عفوه ما جتلى يوم فتح مكة؛ فبالرغم من القسوة والوحشية اللتني عومل هبما جسد عمه محزة بن
عبد املطلب يف معركة أحد مل يلجأ إىل االنتقام من وحشي قاتل محزة وال من هند زوجة أيب سفيان اليت مثلت
جبسده مع أهنما كاان يف قبضته وكان يستطيع معاقبتهما والنيل منهما.
99
رحيما ابلرغم من كل
• كما أنه صلى هللا عليه وآله وسلم عفا عن أهل مكة يوم الفتح ووقف منهم موقفا ً
العذاب واملعاانة واآلالم وأنواع األذى الذي صنعته قريش ابملسلمني قبل اهلجرة وبعدها ،وابلرغم من مؤامراهتا
وحروهبا وإرهاهبا؛ فإنه صلى هللا عليه وآله وسلم وقف على ابب الكعبة بعد الفتح خماطبًا أهل مكة ما ترون
خريا أخ كرمي وابن أخ كرمي.
أين فاعل بكم؟ قالواً :
قال :فإين أقول لكم كما قال أخي يوسف :ال تثريب عليكم اليوم يغفر هللا لكم وهو أرحم الرامحني اذهبوا
فأنتم الطلقاء.
وعندما قال أحد أصحابه :اليوم يوم امللحمة اليوم نسيب احلرمة.
قال صلى هللا عليه وآله وسلم :اليوم يوم املرمحة اليوم ترعى احلرمة.
نظريا يعامل رسول هللا
هبذه النفس الرحيمة وهبذا اخللق الرفيع والسلوك احلضاري الذي مل يعرف التاريخ له ً
صلى هللا عليه وآله وسلم أشد الناس عداوة له بعد أن متكن منهم ومن رقاهبم إنه اخللق النبوي احملمدي األصيل.
•••
100
( )17الصراع مع اليهود 3 /
101
هناك إشكاالن يف املوضوع؛ األول حول من الذي حكم يف بين قريظة؟ والثاين فيما يتعلق بقتلهم بعد األسر.
وال شك أن املوضوع -خاصة األخري -يتطلب شيئًا من البحث والتدقيق من قبل الباحثني واملهتمني ،لصلته الوثيقة
بواقعنا اليوم ،واجملال يف هذا الكتاب ال خيولنا لبحث مستفيض ،لكن ابإلمكان اإلشارة ابختصار شديد ملا قد ميكن
أن يكون منطل ًقا للباحث فنقول:
ابلنسبة ملا قيل من حتكيم سعد فالذي يظهر ،والذي يبدو منطقيًا يف هكذا مسألة أن احلكم فيهم لن يكون إال
بتوجيه إهلي عرب النيب حممد صلى هللا عليه وآله وسلم .ومن خالل مراجعة بعض مصادر أئمتنا ‹عليهم السالم›
اطلعت على نص لإلمام أيب الفتح الديلمي عليه السالم حكاه الشريف يف املصابيح حيث قال( :قال يف الربهان:
حىت نزلوا على حكم رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم الذي نزل به جربيل عليه السالم بقتل مقاتلتهم وسيب
ذراريهم ،وعلى أن عقارهم للمهاجرين دون األنصار ،وأرسل هبذا احلكم سعد بن معاذ ومل يكن لسعد فيهم حكم،
انتهى) (.)1
ويف شرح النهج جاء فيما أمساه (مفاخرة بني احلسن بن علي ورجاالت من قريش) عن اإلمام احلسن بن علي
‹صلَّى هللاُ َعلَري ِّه
‹عليهما السالم› مناشدته للرهط الذي استدعاهم معاوية؛ يقول عليه السالم ...« :وأن رسول هللا َ
َوآله› بعث أكابر أصحابه إىل بين قريظة فنزلوا من حصنهم فهزموا ،فبعث عليا ابلراية ،فاستنزهلم على حكم هللا
وحكم رسوله ..إخل» ( )2وقريب من هذا أشار إليه السيد الوالد ‹رمحة هللا عليه› يف كتابه (التيسري يف التفسري).
أيضا مع ما ذكر حول احلادثة ،ولو أهنا هي الرائجة واملتداولة يف
أما ابلنسبة ملا قيل من قتل األسرى فلنا وقفة ً
كتب التاريخ ،واألقرب من خالل النص القرآين وبعض النقل التارخيي ومن خالل نظرة السيد عبد امللك (حفظه هللا)
يف مناقشيت للموضوع معه؛ أهنا وقعت اشتباكات بينهم وبني املسلمني ،فالنص القرآين يقول ﴿فري رقا تقتلون وَتسرون
وهذا يفهم منه أن الذي حدث حالتان :حالة قتل لفريق قتلوا أثناء معركة ،ورمبا رموز القوم [األحزاب ]26 فري رقا﴾
حزب على املسلمني ،وحالة أسر لفريق آخر ،واآلية توحي أبن األسرى مل يقتلوا ،ولو كان األسرى
ورؤوسهم ممن َّ
معىن للفرز بني القتل واألسر املذكور يف اآلية.
أيضا ملا كان هناك ً
قتلوا ً
وكالم اإلمام احلسن آن ًفا يصرح بنزوهلم من حصوهنم مقاتلني ،ويف كالم اإلمام املرتضى حممد بن اهلادي ‹عليهما
السالم› ما يدلل على وقوع االشتباك معهم حيث يقول يف معىن اآلية املذكورة« :هذه نزلت يف اليهود ملا حاربوا
النيب صلى هللا عليه وتظاهروا عليه (ووالوا)عدوه ،فلما حاصرهم صلى هللا عليه وآله وسلم وحارهبم أذهلم هللا وأنزهلم
ي ي
صيَاصي يه ْم﴾ وهو اإلذالل هلم واإلرغام والقهر ،غري طائعني ،فكان إنزاله هلم من عزهم ً
إرغاما ،وإمنا كما قال ﴿م ْن َ
اشتقت الصياصي من النواصي ألنه إذا أخذ بناصية اإلنسان فقد بلغ ذله ،وكذلك هؤالء هدم عزهم وأذل خدودهم
ابلقهر هلم ،فأذهب بذلك َنوهتم وفرق أمرهم ،وقد قيل :إن الصياصي احلصون اليت أخرجوا منها وكانوا فيها ،وليس
هذا مبخرجها ،وال جيوز يف اللغة ،ألنه لو كان اسم احلصون صياصيًا جلاز أن يقال يف احلصن الواحد صيصيًا ولو
( )1حديث الراية روي بعدة طرق وعدة ألفاظ :فأخرجه البخاري 1096/3رقم ،2847ورقم ،3973ورقم ،3499 ،3498
و مسلم 1871/4رقم ،3404والرتمذي 596/5رقم ،3724وأمحد 214/1رقم 778ورقم ،1608و430/8
رقم ،22884والنسائي يف اخلصائص ص 32رقم ،9وص 70رقم ،52وابن ماجة 44 ،43/1رقم ،117واحلاكم
.108/3وجممع الزوائد ،151/5و ،124/9واحلاكم ،83/3وأبو نعيم يف احللية 101/1رقم ،،190 ،189وصحيح
ابن حبان 377/15رقم ،6932والطرباين يف الكبري 152/6رقم ،5818واملغازيل يف املناقب 180رقم ،217واجلامع
الكبري للسيوطي 244/16رقم ،7819وقال :أخرجه الدارقطين واخلطيب البغدادي ،5/8وابن البطريق يف العمدة .77
( )2ابن هشام ،342/3والبداية والنهاية ،206/4وطبقات ابن سعد ،106/2والواقدي 633/2وما بعدها .وأتريخ الطربي
،16-9/3وعيون األثر ،181/2ومغلطاي ص.
( )3ورد أبلفاظ كثرية ،انظر الطرباين يف األوسط رقم ،2003ويف الكبري رقم ،1470 ،1469واحلاكم ،664/2وابن أيب شيبة
380/6وغريهم.
105
-1التخطيط العسكري والتكتيك احلريب الدقيق.
-2حتصيل املعلومات الدقيقة عن متركز العدو داخل احلصون.
-3تفاين اإلمام علي بن أيب طالب عليه السالم وشجاعته وبطولته النادرة والتسديد اإلهلي الذي مكنه من قتل
أبطال اليهود وفرساهنم وقلع ابب خيرب وفتح احلصن على يديه(.)1
أما وادي القرى اليت كان أهلها من اليهود احلربيني الذين آتمروا على اإلسالم واملسلمني فقد توجه إليها النيب
صلى هللا عليه وآله وسلم وفرض احلصار عليها ،ودعا أهلها إىل اإلسالم ،وأخربهم أهنم إن أسلموا أحرزوا أمواهلم
وحقنوا دماءهم وحساهبم على هللا ،ولكنهم أبوا وأصروا على القتال ،وجرت بني الطرفني مناوشات حمدودة والنيب
يعرض عليهم اإلسالم وهم َيبون مما دفعه إىل تشديد احلصار عليهم حيث متكن من فتح بلدهم عنوة ،وبقي هناك
أربعة أايم قسم خالهلا الغنائم على أصحابه وترك املزارع بيد اليهود مناصفة عليها.
وملا بلغت يهود تيماء أ نباء االنتصارات اإلسالمية صاحلوا الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم على اجلزية وأقاموا
يف بلدهم(.)1
وبسقوط خيرب واملواقع اجملاورة مت تصفية آخر جتمع يهودي لعب دوره يف مواجهة اإلسالم ووضع العوائق يف
اتما على القوة السياسية واالقتصادية والعسكرية ليهود احلجاز ،وغدت
طريقه ،وحبك املؤامرات ضده ،وقضي قضاء ً
كلمة اإلسالم وحدها هي العليا يف معظم مساحات اجلزيرة العربية.
( )1انظر :املغازي للواقدي :ج 2ص 711 -709والفتوح للبالذري :ج 1ص ،39والتنبيه واإلشراف للمسعودي ص-224
.225
108
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه اًلجتماعي6-
مدرسة الوفاء:
من اخلصال اإلنسانية واألخالقية يف شخصية رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم هي خصلة الوفاء ،الوفاء
ابلوعد ،والوفاء مبعناه اإلنساين واألخالقي الواسع الذي يقود إىل صنع اجلميل جتاه من أحسن ،أو أسدى خدمة
أو معروفًا.
• فقد كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم شديد التقيد بالوعود التي يعطيها لآلخرين مهما
كانت صعبة.
رجال إىل صخرة فقال :أان
فعن أيب عبد هللا عليه السالم أنه قال :إن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وعد ً
هاهنا حىت أتِت ،فاشتدت الشمس عليه فقال له أصحابه :اي رسول هللا لو أنك حتولت إىل الظل فقال صلى هللا
عليه وآله وسلم« :وعدته إىل هنا وإن َل جيئ كان منه احملشر»(.)1
مكاان
وعن أيب احلمساء قال :ابيعت النيب صلى هللا عليه وآله وسلم (أي بعته شيئا) قبل أن يبعث فواعدته ً
علي أَن هنا منذ
فنسيته يومي والغد فأتيته يوم الثالث فقال صلى هللا عليه وآله وسلمَّ« :ي فىت لقد شققت ِ
ثلثة أَّيم»(.)2
• وكان صلى هللا عليه وآله وسلم وفيا جتاه كل من أحسن وعمل معروفا أو وقف موق ًفا إجيابيًّا جتاه اإلسالم
واملسلمني.
فقد كان يتحني الفرصة ليسدي إىل النجاشي ملك احلبشة بعض إحسانه ويكافئه على صنيعه وموقفه جتاه املسلمني
الذين هاجروا إىل بالده فأكرمهم ورحب هبم.
فقد روي أن وفدا أتى من عند النجاشي إىل النيب صلى هللا عليه وآله وسلم فقام صلى هللا عليه وآله وسلم
خيدمهم فقال له أصحابه :حنن نكفيك ؛ فقال النيب صلى هللا عليه وآله وسلم :إهنم كانوا ألصحابنا مكرمني وإين
أحب أن أكافئهم(.)3
( )1لعله :اجلشر :يقال :جشر عن أهله أي غاب عنهم ،فاملعىن :وإن مل جيئ كان منه التباعد والغيبة .احمليط يف اللغة .84/2
( )2أبو داود 299/4رقم ،4996والبيهقي .198/10
( )3هناية األرب .174 /18
109
وروي أنه ملا أتى جربائيل إىل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ينعي النجاشي وموته بكى عليه وقال :إن
أخاكم أصحمة (وهو اسم النجاشي) مات ،مث خرج إىل اجلبانة وكرب مخس تكبريات(.)1
• وكان صلى هللا عليه وآله وسلم وفيا لزوجته خدجية إلحساهنا فكان يذكرها ابستمرار ،وكان يردد« :خدجية
وأين مثل خدجية؟! صدقتّن حي كذبّن الناس ،وآزرتّن على دين هللا وأعانتّن ِباَلا»(.)2
• وروي أن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم حني جاءه خرب استشهاد جعفر بن أيب طالب وزيد بن حارثة كان إذا
مجيعا.
دخل بيته كثر بكاؤه عليهما ويقول :كاان حيداثين ويؤنساين فذهبا ً
وروي أنه صلى هللا عليه وآله وسلم دخل على آل جعفر فَ َش َّم أوالده وذرفت عيناه! وجعل يقول ألمساء امرأة
ي ي
س َن َما َح َابَ ،وا ْخلُ ْفهُ يِف ذُ ِيريَّتيه يِب ْ
َحس ين الث ََّو ي ي جعفرََ « :ل تَ ُق يويل ُه ْج ررا َوََل تَ ْ
ض يرييب َخدًّاُ ،
الله َّم قَ ِد ْم َج ْع َفرَ إ َىل أ ْ َ
اصنَ عُوا ََلُ ْم طَ َع راما فَ َق ْد ُش يغلُوا اد َك يِف ذُ ِيريَّتي يه» ،وقال ألهلهَ« :لَ تَغْ ُفلُوا َع ْن ي
آل َج ْع َف ٍر؛ ْ ت أَح ردا يمن يعب ي
َخلَ ْف َ َ ْ َ
اع َّماه؛ فقالَ « :علَى يمثْ يل ج ْع َف ٍر فَ لْتَ ْب ي يِبَم ير ي
ك َ صاحبي يه ْم» .ودخل على ابنته فاطمة عليها السالم وهي تقولَ :و َ ُ ْ َ
الْبَ َواكي ْي» (.)3
( )1أخربان السيد أبو العباس احلسين رمحه هللا قال :أخربان حممد بن احلسني السويدي قال :حدثنا عمران بن موسى بن جماشع قال:
حدثنا أمحد بن إبراهيم الدورقي قال :حدثنا إبراهيم بن عبد هللا قال :حدثنا كثري بن عبد هللا عن أبيه عن جده أن رسول هللا
صلى هللا عليه وآله وسلم كرب على النجاشي مخس تكبريات(.إعالم األعالم أبدلة األحكام ص 150رقم .)334
وروى اإلمام اهلادي عليه السلم يف األحكام ( )142/1عن أبيه ،عن جده قوله( :وقد ذكر عن النيب صلى هللا عليه وآله
مخسا )..إخل .و التكبري على اجلنازة مخسا هو مما أمجع عليه أهل البيت عليهم السالم كما حكاه
وسلم أنه كرب على النجاشي ً
اإلمام اهلادي عليه السلم يف األحكام (.)140/1
وعند الطرباين يف الكبري 20/17رقم ،24ويف األوسط 64/9رقم :9133أن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم كرب على
النجاشي مخسا.
مجعا بني
وما روي أن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم كرب أر ًبعا فيحتمل أن يكون املراد به غري تكبرية اإلحرام ،وهو أوىل ليكون ً
األخبار أمجع.
وقد أخرج علي بن بالل يف إعالم األعالم ص ،151-147والطيالسي 93رقم ،674وأمحد 76/7رقم ،19292
والدارقطين 73/2رقم 6ورقم 8ورقم ،9والنسائي 72/4رقم ،1982والطرباين يف الكبري 168/5رقم 4976و 199/5
رقم ،5081ويف األوسط 228/2رقم - 1823أن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم كان يكرب مخَر ًسا.
( )2أمحد يف املسند 429/9رقم ،24918وقال يف جممع الزوائد :224/9إسناده حسن.
( )3ينظر مصنف عبدالرزاق 550/3رقم ،6666وذخائر العقىب ص . 218
110
( )18املواجهة بني اإلسالم واجلبهة البيزنطية النصرانية
معركة مؤتة
كان الدافع هلذه املعركة هو االنتقام حلادثة مقتل احلارث بن عمري األزدي مبعوث الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم
إىل ملك بُصرى على يد شرحبيل بن عمرو الغساين –عامل هرقل -يف مؤتة؛ فقد كان هلذه احلادثة وقع شديد على
املسلمني وكان ال بُ َّد للنيب صلى هللا عليه وآله وسلم أن يتخذ موق ًفا حامسا إزاء املعتدي بعد هذا املوقف الغادر.
جيشا من ثالثة آالف مقاتل بقيادة جعفر بن أيب طالب رضي هللا عنه،
فجهز النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ً
وكان ذلك يف مجادى األوىل من السنة الثامنة للهجرة وأمرهم ابالنطالق صوب الشمال لتأديب القوى املعادية على
فعلتها ،وإشعارها بقوة الدولة اإلسالمية وقدرهتا على ردع الغادرين واملعتدين الذين جيدون يف احلماية البيزنطية سببًا
يدفعهم إىل اجلرأة والعدوان.
وتشري الشواهد الصحيحة إىل أنه صلى هللا عليه وآله وسلم جعل القيادة جلعفر بن أيب طالب ،ومن بعده لزيد
بن حارثة ،ومن بعدمها لعبد هللا بن رواحة ،وترك للجيش أن خيتار لقيادته من يراه صاحلًا إذا أصيب الثالثة.
جيشا كثي ًفا قوامه مائة ألف مقاتل وعسكر يف مآب من أرض
أعد هرقل بعدما مسع نبأ التحرك اإلسالمي ً
البلقاء.
111
جنويب األردن بلغته م أخبار تلك احلشود ..فأقاموا ليلتني يتداولون الرأي معان()1 وملا وصل املسلمون إىل منطقة
بينهم وقال بعضهم :نكتب إىل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم فنخربه بعدد عدوان ،فإما أن ميدان ابلرجال ،وإما
أن َيمران أبمره فنمضي له ،وكاد هذا الرأي أن يتغلب لوال الرتبية اإلميانية واملعنوية اليت كان هلا دورها يف صنع القرار
وحتديد املوقف يف اللحظات احلرجة حيث وقف عبد هللا بن رواحة وقال بكل إميان وقوة وشجاعة :اي قوم وهللا ما
نقاتل الناس بعدد وال قوة وال كثرة ،ما نقاتلهم إال هبذا الدين الذي أكرمنا هللا به ،فانطلقوا فإمنا هي إحدى احلسنيني
إما ظهور ،وإما شهادة.
فكان هلذه الكلمات أثرها الطيب على تلك النفوس املؤمنة اجملاهدة فصمموا على املضي والقتال مهما كانت
النتائج.
مشاال حىت إذا بلغوا ختوم البلقاء لقيتهم مجوع الروم وحلفاؤهم العرب
غادر املسلمون معسكرهم يف معان وانطلقوا ً
يف قرية تدعى مؤتة ،وهناك دارت معركة طاحنة بني الطرفني ،استشهد خالهلا القادة الثالثة على التوايل فقرر خالد
بن الوليد الذي توىل قيادة اجليش االنسحاب والعودة إىل املدينة(.)2
غزوة تبوك
بعد عودة الرسول األعظم صلى هللا عليه وآله وسلم إىل املدينة يف أواخر السنة الثامنة يف أعقاب دخول مكة
وانتصاره يف حنني بلغته أنباء عن حتركات عسكرية خطرية يعتزم الروم وحلفاؤهم العرب من خلم وجذام وغسان القيام
هبا ضد اإلسالم واملسلمني وقد قامت هذه القبائل فعال إبرسال طالئعها إىل البلقاء فقرر صلى هللا عليه وآله وسلم
أن يتصدى هلم.
ويف معظم الغزوات كان صلى هللا عليه وآله وسلم ال حيدد هدفه العسكري زايدة يف الكتمان والسرية بل إنه كان
يعمد إىل التمويه لتضليل األعداء ،أما يف غزوة تبوك فقد ربني صلى هللا عليه وآله وسلم اهلدف للناس لبعد الشقة
وكثرة العدو ،ليتأهب الناس لذلك أ رُهبَ تَهُ.
فأرسل إىل القبائل املسلمة يف خمتلف املناطق يعلمهم مبا عزم عليه ويستنهضهم للجهاد معه ،فأجابوا دعوته إال
املنافقني فإهنم راحوا خيتلقون األعذار الواهية حىت ال خيرجوا لقتال الروم وقد حكى القرآن عنهم ذلك فقال تعاىل:
ي
﴿ َوقَالُوا ََل تَ ْنف ُروا يِف ا ْْلَِير قُ ْل ََن ُر َج َهن َ
َّم أَ َش ُّد َح ًّرا ل َْو َكانُوا يَ ْف َق ُهو َن﴾ [التوبة.]81 :
مث متادى املنافقون يف موقفهم فلم يكتفوا بتخلفهم عن اجلهاد بل راحوا يثبطون الناس عنه وحيرضون على التخلف
والتخاذل ،وقد اجتمعوا هلذه الغاية يف بيت أحد اليهود ،فعلم صلى هللا عليه وآله وسلم هبم فحرق عليهم الدار
وكانوا عربة لغريهم.
( )1مدينة يف طرف ابدية الشام تلقاء احلجاز من نواحي البلقاء ،تقع اآلن يف جنوب األردن .معجم البلدان .153/5
( )2الطبقات ،128/2والواقدي ،755/2وابن هشام ،15/4والبداية ،275/4والطربي ،36/3واملواهب اللدنية ،300/1
ومغلطاي ص ،298وعيون األثر .208/2
112
استكمل صلى هللا عليه وآله وسلم جتهيز املسلمني ،واستخلف عليار عليه السالم على املدينة فشق عليه التخلف،
فقال له النيب صلى هللا عليه وآله وسلم« :أما ترضى أن تكون مّن ِبنزلة هارون من موسى إَل أنه َل نِب
بعدي»(.)1
مث ما لبث أن انطلق صلى هللا عليه وآله وسلم يف رجب من السنة التاسعة أبكرب جيش عرفه اتريخ الدعوة إىل
ذلك احلني ،قيل إنه بلغ ثالثني أل ًفا تصحبه عشرة آالف فرس.
بدأ املسلمون مسريهتم اليت قطعوا فيها آالف األميال ،وعانوا آالم العطش واجلوع واحلر وقلة وسائل الركوب وبُعد
الطريق ،حىت انتهى هبم املطاف إىل تبوك يف أقصى الشمال ،ويبدو أن الروم وحلفاءهم مسعوا أنباء هذا اجليش الكبري
وقدرته على اجتياز املصاعب وإصراره على جهاد األعداء ،وقدروا أنه لو انتصر يف هذه املعركة فسوف ال يقف عند
حد ،وابلتايل قد تتعرض مواقعهم للخطر ،فآثروا االنسحاب إىل الداخل عرب أراضي األردن وفلسطني ،ورمبا كانوا
يهدفون من ذلك يف الوقت نفسه جر املسلمني إىل الداخل واالنقضاض عليهم هناك إال أن النيب صلى هللا عليه وآله
جاعال إايها آخر نقطة يف توغله
وسلم مل يتح هلم حتقيق هدفهم هذا وقرر عدم التوغل إىل الداخل ،وعسكر يف تبوك ً
مشاال.
أحدا ،وأخذ
يوما يراقب حتركات الروم من دون أن يقاتل ًبقي صلى هللا عليه وآله وسلم يف تبوك حوايل عشرين ً
يتصل يف الوقت نفسه بزعماء القبائل النصرانية املنتشرة يف املنطقة املتامخة للحدود ،وعقد مع بعضهم معاهدات
صلح وتعاون ،فقطع بذلك والءهم للدولة البيزنطية وحوهلم إىل مواطنني أو حلفاء للدولة اإلسالمية ،وهو اهلدف
الذي كان يسعى إىل حتقيقه منذ بدء صراعه مع الروم(.)2
( )1حديث املنزلة من األحاديث املتواترة ،وله عدة ألفاظ تؤدي نفس املعىن .انظرها يف اجملموع ص 268رقم ،149واألحكام
،25/1ومناقب الكويف 524/1رقم ،457واألمايل الصغرى ص ،104وتيسري املطالب ص 110رقم ،69والبخاري رقم
،3503 ،4154ومسلم 1870/4رقم ،2404وابن ماجة 42/1رقم ،121 ،115والنسائي يف اخلصائص ،60
والطرباين يف الكبري 146/1رقم ،148و 247/2رقم ،2035و 20/4رقم ،220والطرباين يف األوسط ،2728وأبو
يعلى رقم ،379وابن حبان يف صحيحه 369/15رقم 6926ورقم ،6927واحلاكم يف املستدرك ،109 -108/3
وعبدالرزاق رقم ،20390واحلميدي يف مسنده رقم ،71والرتمذي ،3731 – 3730وأمحد بن حنبل 379/1رقم ،154
307/10رقم ،27149وابن ماجة ،45/1وأسد الغابة ،100/4وابن كثري ،11/5وفتح الباري ،91/8واالستيعاب
،201/3واإلصابة ،502/2وجممع الزوائد ،109/9واجلامع الكبري للسيوطي 26/16رقم ،7887و 195/2رقم
،4799والتاريخ الكبري للبخاري ،115/1وابن أيب شيبة 366/6رقم ،32072ورقم ،32075وطبقات ابن سعد
،25-23/3والبداية والنهاية ،11/5وكفاية الطالب ،281وشواهد التنزيل 150/1رقم ،205-204والطربي ،104/3
واملناقب البن املغازيل 87-79رقم ،56-40وأتريخ دمشق 393-306/1يف ترمجة اإلمام علي ،وعيون األثر برقم ،294
وأتريخ بغداد ،204/4والسرية النبوية البن كثري ،13-12/4واالكتفاء ،273/2والسرية احللبية ،132/3وحلية األولياء
.196/7
( )2ابن هشام ،159/4والواقدي ،990/3والبداية والنهاية ،5/5واالكتفاء ،271/2والطبقات .165/2
113
نتائج تبوك ومالمح االنتصار
وبعد عشرين ليلة قضاها صلى هللا عليه وآله وسلم وقواته يف تبوك قفل عائدا إىل املدينة بعد أن حقق حبركته
الصعبة تلك انتصارا على اجلبهة النصرانية البيزنطية ،ال يقل أمهية عن انتصاراته احلامسة على جبهات الوثنية واليهودية،
وهذه أبرز مالمح االنتصار:
-1فقد كسب النيب صلى هللا عليه وآله وسلم عددا من القبائل القاطنة يف جنوب الشام على احلدود إىل جانب
الدولة اإلسالمية وقطع عالقاهتا ابلروم ،وحصل منها على عهد أبن ال تتعاون مع أحد عليه وال تتخذ من بلداهنا
كزا للعدوان على احلجاز ،وبذلك ضمن صلى هللا عليه وآله وسلم أمن املسلمني وحدود دولتهم.
مر ً
-2االنتصار األهم هو أن استجابة الرسول لتحدي الروم وتقدمه لقتاهلم وانسحاهبم من طريقه وانتظاره إايهم قرابة
عشرين يوما دون أن حيركوا ساكنًا جاء ضربة قاسية للسيادة البيزنطية يف بالد الشام وإضعافا ملركزها وهيمنتها
كسرا جلدار اخلوف من القوة البيزنطية وهو انتصار نفسي حاسم مكن أهايل على القبائل اليت تعيش هناك ،و ً
البالد بعد سنني قليلة من جتاوز والئهم القدمي واالنطالق لضرب البيزنطيني وإحلاق اهلزائم هبم وطردهم إىل بالدهم
اليت جاءوا منها.
-3صعود مسعة املسلمني وهيبتهم داخل احلجاز وخارجها حبيث أن القبائل كانت تتأرجح بني أتييد الروم اليت شعرت
مبدى قوة الدولة اجلديدة وامتداد نفوذها حىت إىل قلب الداير اليت كان أهلها يعملون لصاحل الروم ،فبادرت هذه
القبائل إىل حسم خيارها وأخذت تتهافت على الرسول يف املدينة بعد رجوعه من تبوك خاضعة مذعنة معلنة إسالمها
وأتييدها حىت مسي ذلك العام (التاسع) بعام الوفود.
-4إن غزوة تبوك متثل خطوة من خطوات حركة املسلمني ابجتاه اخلارج وختطيا لنطاق العرب وجزيرهتم إىل العامل،
وابدرة متقدمة مهدت الطريق حلركة الفتوحات اإلسالمية اليت شهدهتا العصور التالية لعصر النيب صلى هللا عليه
وآله وسلم.
ويف غزوة تبوك أكثر من درس وعربة نذكر هنا أبرزها:
-1ميزت غزوة تبوك مرة أخرى املنتمني إىل معسكر اإلسالم فكشفت املنافقني الذين ختلفوا عن اجلهاد ألعذار
واهية وحمصتهم عن املؤمنني اجملاهدين الذين سارعوا لالَنراط يف اجليش اإلسالمي رغبة يف اجلهاد وعشقا
للشهادة.
نزلت مبناسبة تبوك ،مقارنة بني موقف املنافقني وموقف التوبة()1 وقد ذكر املفسرون أن عددا من آايت سورة
املؤمنني من اجلهاد ،وفاضحة املنافقني وأساليبهم حمذرة من مكرهم ومؤامراهتم ،مشددة على عدم التساهل معهم
أو االستعانة هبم أو قبول أعذارهم.
( )1راجع سورة التوبة اآلايت.96 -95 -94 -89 -88 -87 -86 -83 -82 -81 :
114
-2يف الوقت الذي ختلف فيه البعض عن اجلهاد يف تبوك ملتمسني األعذار الواهية كان البعض من الفقراء اجملاهدين
تفيض أعينهم من الدمع؛ ألهنم مل يتمكنوا من اخلروج إىل اجلهاد بسبب عدم امتالكهم ملؤونته وإمكاانته.
وقد ورد أن سبعة من فقراء املسلمني جاءوا إىل النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وتوسلوا إليه أن يهيئ هلم ما
ُميكنهم من اخلروج م عه شوقا إىل اجلهاد يف سبيل هللا ،فأجاهبم :ال أجد ما أمحلكم عليه فتولوا عنه وأعينهم تفيض
ُّع َف ياء
س َعلَى الض َ من الدمع حزان وأس ًفا؛ حلرماهنم من شرف املشاركة ،وأنزل هللا هبذه املناسبة قوله تعاىل﴿ :ل َْي َ
ي يم ْن ي يي
ص ُحوا َّّلِل َوَر ُسوله َما َعلَى ال ُْم ْحسني َ
يي ي
ين ََل َيجي ُدو َن َما يُ ْنف ُقو َن َح َر ٌ
ج إيذَا نَ َ
َّ ي
ضى َوََل َعلَى الذ َ
َوََل َعلَى ال َْم ْر َ
َمحلُ ُك ْم َعلَْي يه تَ َولَّ ْوا َوأَ ْعيُ نُ ُه ْم يل وهللا غَ ُفور ريحيم * وََل َعلَى الَّ يذين إيذَا ما أَتَ و َك ليتَ ْح يملَ ُهم قُ ل َ ي
َج ُد ما أ ْي ي
ْت ََل أ َ ْ َ َ ْ َسب ٍ َ ُ ٌ َ ٌ َ
َّم يع َح َزرَن أ َََّل َيجي ُدوا َما يُ ْن يف ُقو َن﴾ [التوبة.]92 ،91 : تَيفي ي
ض م َن الد ْ ُ
-3شارك املسلمون األغنياء يف جتهيز اجليش اإلسالمي واإلنفاق عليه ،حىت أن الرجل كان َيِت ابلبعري إىل الرجل
والرجلني فيقول :هذا البعري بينكما تتعاقبانه ،وَيِت الرجل ابلنفقة فيعطيها بعض من خيرج بل ورد أيضا أن النساء
أسهمن حبليهن يف تبوك وشاركن الرجال يف النفقة ،حيث اشرتكن بكل ما قدرن عليه من مسك وأسورة ومعاضد
وخالخيل وقراط وخواتيم.
-4إن اختيار علي عليه السالم ابلذات ليكون مكان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يف املدينة يدير شؤوهنا يف
غيابه كان إجراء ضرورًاي يستهدف محاية املدينة وحفظ كياهنا من املنافقني واألعراب الذين ختلفوا عن تبوك
أبعداد كبرية ،وكان من احملتمل أن يستفيدوا من فرصة غياب النيب صلى هللا عليه وآله وسلم لالنقضاض على
املدينة والعبث أبمنها ،فكا نت الدولة حباجة إىل شخصية مرهوبة اجلانب متلك كفاءة القيادة والوالية وال حتسب
حسااب مهما بلغ من القوة واملكانة وتقف سدا منيعا يف وجه كل من حياول التآمر أو العبث أبمن الدولة
ً ألحد
وكياهنا ،وكان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم يعلم أبنه ال يصلح ملهمة كهذه غري علي عليه السالم ،وقد قال
له صلى هللا عليه وآله وسلم على ما جاء يف مستدرك الصحيحني« :إن املدينة َل تصلح إَل يب أو بك»(.)1
( )1أخرجه احلاكم 367/2رقم 3294وقال :صحيح اإلسناد ،والبزار 59/3رقم .817
115
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
سلوكه القيادي
عظيما يف أخالقه الشخصية واالجتماعية فقد كان عظيما يف
كما كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ً
خلقه السياسي كرجل دولة.
وهذه بعض مالمح سلوكه القيادي وخلقه السياسي:
حكيما مدبِّرًرا ،وقد روي أنه كان صلى هللا
ً عادال
أ -العدل والتدبري :فقد كان النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ً
عليه وآله وسلم يقسم صدقة أهل البوادي يف أهل البوادي ،وصدقة أهل احلضر يف أهل احلضر.
واستطاع حبكمته وتدبريه احلد من العداوات واألحقاد والبغضاء واحلروب اليت كانت سائدة بني القبائل.
يصا على حفظ النظام العام ،ورعاية التشريعات ب -محاية القوانني :فقد كان صلى هللا عليه وآله وسلم حر ً
أحدا فيما يعين تطبيق الشريعة وإنزال العقوبة ابملذنب كائنا من
اإلسالمية ومحايتها وعدم خمالفتها ،ومل جيامل ً
كان.
ففي فتح مكة ارتكبت امرأة من بين خمزوم جرمية السرقة ،وثبتت السرقة عليها من الوجهة القضائية لكن قومها
الذين كانت الرتسبات القبلية ما تزال تعشعش يف أدمغتهم رأوا أن إنزال العقاب هبا خيدش مكانتهم ويلحق العار
بشرفهم؛ فبذلوا جهدهم وتوسطوا لعلهم يستطيعون رفع العقاب عنها فأرسلوا أسامة بن زيد الذي كان موضع
احرتام عند النيب صلى هللا عليه وآله وسلم مثل أبيه وسيطًا يتشفع هلا عند النيب فغضب صلى هللا عليه وآله وسلم
وقال له« :ما هذا حمل شفاعة» وأصدر أمره صلى هللا عليه وآله وسلم إبنزال العقوبة هبا وإجراء حدود هللا.
ولكي يزيل عن أذهان الناس فكرة احملاابة يف تطبيق التشريع وإقامة حدود هللا خطب يف الناس ذلك اليوم
مشريا إىل هذه احلادثة وقال ما مضمونه :إن األقوام واألمم السابقة قد ابدت وانقرضت؛ ألهنا مل تعدل يف إجراء
ً
احلدود ،فعندما كان أحد أفراد الطبقات العليا يرتكب جرما كان يُعفى من العقاب ،وإذا ارتكب أحد أفراد الطبقة
الدنيا جرمية مماثلة عوقب عليها ،مث أقسم أنه صلى هللا عليه وآله وسلم ال يتساهل يف إجراء حدود هللا حىت على
أقرب املقربني إليه.
ومل يكن يرى نفسه صلى هللا عليه وآله وسلم أنه فوق التشريع ،بل إنه التزم وطبق بدقة ما ألزم به اجملتمع وقد
أعطى ال َق َود من نفسه وعرض القصاص منها ملن كان له قِّبَله مظلمة ،مسجال بذلك نقطة انصعة بيضاء مل يشهد
التاريخ هلا مثيال.
فقد روي أن النيب صلى هللا عليه وآله وسلم كان يعدل صفوف أصحابه يوم بدر وبيده قِّ رد ٌح (سهم) يعدل
به القوم فمر بسواد بن غزية وهو متقدم من الصف فدفعه النيب يف بطنه ابلقدح ،وقال« :استو َّي سواد».
116
فقال اي رسول هللا أوجعتين وقد بعثك هللا ابحلق والعدل فأقدين فكشف رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم
عن بطنه ،وقال :استقد.
فاعتنقه سواد فقبل بطنه.
فقال صلى هللا عليه وآله وسلم :ما محلك على هذا اي سواد؟
قال :حضر ما ترى (من احلرب) فأردت أن يكون آخر العهد بك أن ميس جلدي جلدك .فدعا له رسول
هللا صلى هللا عليه وآله وسلم خبري.
ج -االلتزام ابلع هود واملواثيق :فلم حيدث إطالقا أن أخل صلى هللا عليه وآله وسلم بعهوده اليت أبرمها مع أعدائه
أبدا بعهده معهم.
وقد أخلت قريش بعهدها معه ،وأخل اليهود بعهودهم ومواثيقهم ولكنه مل خيل ً
د -االلتزام مببدأ احرتام اآلخرين :وهو املبدأ اخللقي الذي اتبعه صلى هللا عليه وآله وسلم مع زعماء الدول الذين مل يكونوا
على دينه؛ ففي الرسائل اليت بُعِّث هبا الرسول األعظم صلى هللا عليه وآله وسلم إىل زعماء العامل آنذاك جتد أنه
صلى هللا عليه وآله وسلم رغم تصلب ه وتشدده يف ذات هللا قد طبق مبدأ االحرتام مع هؤالء عندما خاطب
كسرى ب (عظيم فارس) وقيصر ب (عظيم الروم)؛ وذلك من أجل أن يكشف هلم أبن اإلسالم هو الدين الذي
مجع كل املبادئ السامية والقيم األخالقية.
ه -بعد النظر :إن الدارس لسرية الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم يرى أن هللا تعاىل أعطاه من بُعد النظر ما مل
يعط غريه ،لقد رأينا بُعد نظره يوم وضعت قريش الشروط لصلح احلديبية؛ فقد رأى بعض أصحابه أن يف هذه
الشروط إجحافا ابملسلمني بينما رأى فيها رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم-مبا آاته هللا من بُعد النظر-
النصر للمسل مني ورأى أن قريشا بوضعها هذه الشروط إمنا حتفر قربها بيدها وتكتب دمار أطروحتها بقلمها.
ورأينا بُعد نظره يف أتلفه عبد هللا بن أيب بن سلول -وكان ذا شوكة -يوم قينقاع ويوم بين النضري ويوم بين
املصطلق وبقي رسول هللا يتألفه حىت انكشف نفاقه ،وظهرت عداوته لإلسالم واملسلمني فجعل قومه بعد ذلك
إذا أساء اإلساءة هم الذين يعاتبونه وَيخذونه ويعنفونه ،فقال رسول هللا لعمر بن اخلطاب حني بلغه ذلك من
أنف لو أمرُهتا اليوم بقتله لقتلرته،
شأهنم :كيف ترى اي عمر ؛ أما وهللا لو قتلته يوم قلت يل :اقتله ألرعدت له ٌ
فقال عمر :قد -وهللا -علمت أن أمر رسول هللا أعظم بركة من أمري(.)1
•••
وجد الوثنيون يف املدينة أنفسهم يف وضع حرج بعد االنتصار الكبري الذي حققه املسلمون يف بدر على القيادة
الوثنية املتمثلة بقريش ،فهم إما أن يبقوا على كفرهم فيعرضوا أنفسهم للعقاب ،وإما أن ينتموا للدين اجلديد وهم مل
َيلفوا االنضباط واالنقياد لسلطة موحدة ،وال االلتزام مببادئ وشعائر وأخالقيات دائمة اثبتة كما يريد اإلسالم.
وسرعان ما وجد زعيمهم عبد هللا بن أيب بن سلول -الذي كان قد ُرِّرشح لتتوجيه ملكا على عرب املدينة قبل
هجرة الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم -أن خري وسيلة للخروج من هذا املأزق هو أن يعلن هو وأتباعه إسالمهم
ظاهرا ،ويبقوا على اعتقاداهتم وعالقاهتم وممارساهتم اجلاهلية ابطنًا ،وهبذا ينجون من شبح العقاب وحيتفظون يفً
فضال عن أن تظاهرهم ابإلسالم واندساسهم يف صفوف املسلمني سيتيح هلم فرصةالوقت نفسه مبعطياهتم اجلاهليةً ،
أوسع لتخريب اجملتمع اجلديد من الداخل والتنفيس عن حقدهم وهزميتهم فاستجابوا لنداء زعيمهم الذي قال هلم يف
أعقاب مساع نبأ االنتصار احلاسم جليش اإلسالم يف بدر :هذا أمر توجه فال مطمع يف إزالته .فانضووا إىل اإلسالم.
ومنذ ذلك احلني برزت إىل الوجود قوة جديدة يف مواجهة اإلسالم –وهذه املرة من داخل اجملتمع اإلسالمي-
سببت له الكثري من املتاعب واحملن ،ووضعت يف دربه الكثري من احلواجز والعقبات ،ومارست إزاءه من الداخل
عمليات ختريبية ال حصر هلا.
118
يي ي ي ي ي
َس ُّروا يِف أَنْ ُفس يه ْم ََندم َ
ي﴾ [املائدة51 : سى هللاُ أَ ْن َأييِْتَ يِبلْ َف ْت يح أ َْو أ َْم ٍر م ْن عْن يده فَ يُ ْ
صبي ُحوا َعلَى َما أ َ
ي
َدائ َرةٌ فَ َع َ
.]52،
ب-ويف حصار بين النضري القبيلة اليهودية الثانية اليت طُردت من املدينة يف أعقاب آتمرها على حياة رسول هللا صلى
هللا عليه وآله وسلم أعاد ابن أيب وكبار املنافقني متثيل نفس الدور الذي مثلوه مع بين قينقاع؛ إذ بعثوا إىل بين
النضري وهم يعانون من حصار املسلمني وقبضتهم احملكمة أن اثبتوا ومتنعوا فإان لن نسلمكم إن قاتلتم قاتلنا معكم،
َّ ي
ين ََنفَ ُقوا يَ ُقولُو َن وإن أخرجتم خرجنا معكم ،فنزلت آايت القرآن فاضحة منددة كاشفة موقفهم﴿ :أَََلْ تَ َر إي َىل الذ َ
َح ردا أَبَ ردا َوإي ْن قُوتيلْتُ ْم اب لَئين أُ ْخ يرجتُم لَنَ ْخرج َّن مع ُكم وََل نُ يط ي ي ي ي يي َّ ي
يع في ُك ْم أ َُ ين َك َف ُروا م ْن أ َْه يل الْكتَ ي ْ ْ ْ ُ َ َ َ ْ َ يْل ْخ َواهن ُم الذ َ
اذبو َن * لَئين أُ ْخ يرجوا ََل َُيْرجو َن مع ُهم ولَئين قُوتيلُوا ََل ي ْنصر َ ي ي
وه ْم
ص ُر ُ وهنُ ْم َولَئ ْن نَ َ َ ُُ ُ ُ ََ ْ َ ْ ْ ُ ص َرنَّ ُك ْم َوهللاُ يَ ْش َه ُد إي َّهنُ ْم لَ َك ُ
لَنَ ْن ُ
ص ُرو َن﴾ [احلشر.]12 ،11 : لَيُ َولُّ َّن ْاْلَ ْد َِب َر ُُثَّ ََل يُ ْن َ
اثنيًا :ارتكاب اخليانة ابالنسحاب من ميادين اجلهاد يف اللحظات احلرجة ،وتثبيط الناس وتفريقهم عن رسول
هللا صلى هللا عليه وآله وسلم وشل إرادهتم عن اجلهاد ،وإظهار الشماتة يف ساعات احملنة ،وتشكيك املسلمني بصحة
موقفهم وسالمة هنجهم ،وهذا ما برز يف الوقائع التالية:
ُيب بثلث املقاتلني من منتصف الطريق؛ احتجاجا على عدم األخذ برأيه القائل بقتال
أ -ففي يوم أحد انسحب ابن أ ر
مربرا موقفه :أطاعهم وعصاين ما ندري عالم نقتل أنفسنا هاهنا أيها الناس.
قريش يف داخل املدينة حيث قال ً
ب -وهذا األسلوب تكرر مرة أخرى يف غزوة تبوك اليت ال تقل خطورة عن معركة أحد؛ إذ انطلق ابن أيب يف أعقاب
رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم على رأس مجاعة (املنافقني) ،وما إن اجتاز املسلمون مسافة قصرية حنو
هدفهم حىت ختلف املنافقون وقفلوا عائدين إىل املدينة(.)1
وإذا كان هلم عذر يف ذلك أول مرة وقد أعلنوه النسحاهبم فإهنم قد افتقدوا األعذار هذه املرة ومل يعلنوا شيئًا إال
أن املوقف يف كال احلالتني هو نفس املوقف :عدم إميان ابهلدف الذي يتحرك إليه املسلمون ،وخوف من املوت
جياهبوا هبزة خطرية تقضي عليهم
يف سبيل قضية ال يؤمنون هبا ،وختذيل للمسلمني يف اللحظات احلرجة لعلهم َ
أيب حلمه القدمي يف أن يكون ملكا على قومه!!
وتعيد املنافقني إىل حياة اجلاهلية القدمية ،ويرجع البن ر
فسيحا إلظهار أحقادهم
ج-وبعدما تلقى املسلمون ضربة قاسية يف بعض جوالت معركة أحد وجد املنافقون ميداان ً
وشكوكهم والكشف عن موقفهم الصريح من األحداث فأظهروا الشماتة والسرور مبا أصاب املسلمني وأساءوا
للنيب صلى هللا عليه وآله وسلم ابلقول؛ فقد قال ابن أيب البنه عبد هللا الذي ُجرح يف أحد :ما كان خروجك
معه إىل هذا الوجه بر ٍّ
أي!! عصاين حممد وأطاع الولدان ،وهللا لكأين كنت أنظر إىل هذا .فقال ابنه :الذي صنع
هللا لرسوله وللمسلمني خري(.)2
120
ادا ليمن حارب هللا ورسولَهُ يمن قَبل ولَيحلي ُف َّن إي ْن أَر ْد ََن إيََّل ا ْْلسَن وهللا ي ْشه ُد إي َّهنُم لَ َك ي ي
اذبُو َن * َُْ َ َُ َ ْ َ ْ ُْ ََْ ص ر َ ْ َ َ َ َ ََ ُ ي َوإي ْر َ ال ُْم ْؤمني َ
ُسس َعلَى التَّ ْقوى يمن أ ََّو يل ي وٍم أَح ُّق أَ ْن تَ ُقوم في ييه في ييه يرج ٌ ي
ي ي يي
َّروا َوهللاُ
ال ُُيبُّو َن أَ ْن يَتَطَه ُ َ َ َْ َ َ ْ ََل تَ ُق ْم فيه أَبَ ردا ل ََم ْسج ٌد أ ِ َ
ين﴾ [التوبة.]108 ،107 : ب ال ُْمطَّ يِه ير َُيُي ُّ
121
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
( )1ابن هشام ،80/4وطبقات ابن سعد ،149/2والواقدي ،885/3وسرية ابن كثري .610/3
( )2سرية ابن هشام ،302/3وعيون األثر ،134/2والواقدي ،404/1وابن سعد .62/2
وخ َّوات
وعبدهللا بن رواحةَ ، وسعد بن عبادة سيد اخلزرجَ ، سعد بن معاذ سيد األوسَ ، ( )3بعث النيب صلى هللا عليه و آله وسلم َ
احلَنُوا يل حلنًا أ رَع ِّرفُهُ ،وال تَ ُفتُّوا يف
بن ُجبري للتحري عن نقض كعب بن اخلزرج للعهد واستجالء اخلرب ،وقال هلم :إن كان حقًّا فَ ر
أعضاد الناس ،وإن كانوا على الوفاء فاجهروا به للناس! فخرجوا فوجدوهم على أخبث ما بلغهم عنهم ،فرجعوا إىل رسول هللا
القارةُ! فقال رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم :هللا أكرب ،أبشروا اي معشر املسلمني. ض ُل و َ صلى هللا عليه وآله وسلم ،وقالوا :عُ َ
الواقدي ،440/2وابن سعد ،65/2وابن هشام ،224/3وسبل اهلدى ،512/4وعيون األثر ،84/2والطربي ،574/2
وسرية ابن كثري ،202/3والروض األنف .279/3
122
النيب صلى هللا عليه وآله وسلم فتح مكة أخفى نياته ومل يطلع املسلمني على وجهته ،وقال« :اللهم خذ
العيون واْلخبار عن قريش حىت نبغتها ِف بلدها».
ومل يكتف النيب صلى هللا عليه وآله وسلم ابختاذ هذه االحتياطات بل كان يراقب الطرق ويتخذ إجراءات أمنية
مشددة كمنع السفر وحنوه كما يف فتح مكة؛ لئال تتسرب املعلومات عن حتركاته العسكرية عن طريق املنافقني
والذين يف قلوهبم مرض وغريهم من أعداء اإلسالم.
-3احلرب النفسية :واستخدم النيب صلى هللا عليه وآله وسلم احلرب النفسية ضد العدو بغية حتطيم معنوايته وشل إرادته
وتفتيت وحدته الداخلية وبث الرعب واخلوف واليأس يف قلوب أعدائه.
فقد كان َيمر أصحابه هبجاء قريش ،وقد كان يقوم هبذه املهمة حسان بن اثبت ،وعبد هللا بن رواحة،
يشا فإنه أشد عليها من رشق ابلنبل.
وغريمها ،وكان يقول صلى هللا عليه وآله وسلم :اهجوا قر ً
ويف عمرة القضاء قال ألصحابه :ارملوا ابلبيت ثالاث؛ لريى املشركون قوتكم ،فلما رملوا قالت قريش :ما
وهنتهم.
وعندما سار لفتح مكة ووصل إىل مشارفها أمر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم أصحابه يف النهار جبمع
احلطب ،وملا دخل الليل أمرهم ابلتفرق وإشعال النريان يف كل مكان؛ ليوهم العدو ابنه أمام حشد كبري ال طاقة
له على مواجهته حىت أن أحد أصحابه يقول :لقد كنا تلك الليايل نوقد مخسمائة انر حىت تُرى من املكان البعيد،
وذهب ذكر معسكران ونرياننا يف كل وجه حىت كان مما كبت هللا تعاىل عدوان.
كما أنه صلى هللا عليه وآله وسلم قبل أن يدخل مكة فاحتًا استعرض جيش املسلمني وأمر العباس بن عبداملطلب
أن حيبس أاب سفيان يف املضيق الذي تزدحم فيه اخليل حىت ينظر إىل املسلمني وقوهتم ،فحبسه العباس وجعلت
القبائل املسلمة متر مع النيب صلى هللا عليه وآله وس لم كتيبة كتيبة على أيب سفيان يف أكرب استعراض للقوة شهدته
املنطقة آنذاك.
•••
123
( )20حركة النفاق يف العصر املدني2 /
124
-3إن ممارسة القتل اجلماعي أو الفردي جتاه أشخاص من أتباع النيب يف الظاهر حمسوبني على معسكره ،سوف
ممتازا ملهامجة اإلسالم ،وذريعة لتخويف الناس من الدخول يف اإلسالم؛
سالحا دعائيًا ً
يعطي ألعدائه يف اخلارج ً
حبجة أهنم لن جيدوا فيه الضماانت الكافية على حياهتم.
وقد قال صلى هللا عليه وآله وسلم لعمر بن اخلطاب معرتضا على إحلاحه عليه مبمارسة هذا األسلوب جتاه
املنافقني وذلك يف غزوة بين املصطلق عندما حاولوا إاثرة الفتنة بني املسلمني ويف غريها من املناسبات« :أتريد
أن يتحدث الناس أن حمم ردا يقتل أصحابه»(.)1
وهذا حق ،فهم على املستوى السياسي والقانوين من أتباع حممد صلى هللا عليه وآله وسلم وما دام أي منهم مل
حمددا فإن من الصعوبة مبكان قتله أو عزله.
عمال (إجراميا) ً
ميارس ً
-4مث إن النفاق قد ال يتخذ صفة العنف بل يظهر املنافق اإلسالم حفاظًا على مصاحله ،أو ألسباب خاصة أخرى
مع عدم إابئه عن الدخول فيه ،وتقبله طبيعيا له ،فهو ال يهتم هبدم اإلسالم والكيد له ،فتربز احلاجة –واحلالة
هذه -إىل إعطائهم الفرصة للتعرف أكثر فأكثر على تعاليم اإلسالم وأهدافه ،ولكي يعيشوا أجواء من الداخل
وليكتشفوا ما أمكنهم من أسرار عظمته وأصالته فتلني له قلوهبم ،وختضع له عقوهلم ،وال أقل من أن أبناءهم ومن
يرتبط هبم يصبح أقدر على مالمسة واقع املسلمني والتفاعل مع تعاليم اإلسالم ما دام أنه يعيشها بنفسه ،وتقع
حتت مسعه وبصره.
وهذا ابلذات ما كان يهدف إليه اإلسالم من التألف على اإلسالم ،وإعطاء األموال واإلقطاع وحىت بعض
املناصب والقيادات ملن عرفوا ب (املؤلفة قلوهبم) ابإلضافة إىل ما كان يهدف إليه من دفع كيدهم وشرهم.
أشر
وما تقدم يفسر لنا السبب الذي جعل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم كان يُقبل بوجهه وحديثه على ر
القوم ،يتألفهم بذلك ،حىت إن عمرو بن العاص ظن بنفسه أنه خري القوم ،مث صار يسأل النيب صلى هللا عليه وآله
وسلم عن املفاضلة بني نفسه وغريه ،فلما عرف أهنم أفضل منه قال :فلوددت أين مل أكن سألته.
-5إن سكوته صلى هللا عليه وآله وسلم عن املنافقني وقبوهلم كأعضاء يف اجملتمع اإلسالمي إمنا يريد به احملافظة
على من أسلم من أبنائهم وإخواهنم وآابئهم وأقارهبم حىت ال تنشأ املشاكل العائلية احلادة فيما بينهم ،وال يتعرض
املسلمون منهم للعقد النفسية ،واملشكالت االجتماعية اليت رمبا تؤثر على صمودهم واستمرارهم.
-6وكذلك فإن اختاذ أي إجراء ضد املنافقني لرمبا كان سببا يف تقليل إقبال الناس على اإلسالم ،وعدم وثوقهم
مبصريهم وما سوف يؤول إليه أمرهم معه فيه ،والسيما إذا مل يستطيعوا أن يتفهموا سر ذلك اإلجراء ،وال أن
يطلعوا على أبعاده وخلفياته ،ولسوف َيِت أن سبب إظهار وحشي لإلسالم هو أنه كان معروفا عن النيب صلى
هللا عليه وآله وسلم أنه كان ال يتعرض ملن يظهر اإلسالم بشيء يسوؤه.
ظاهرا
-7إن اختاذ أي إجراء ضد املنافقني معناه فتح جبهة جديدة كان ابإلمكان جتنبها واضطرار هؤالء الساكتني ً
جدا يعرف
-انصياعا لظروفهم -إىل اجملاهرة ابلعداء واإلعالن ابلتحدي ،وهم عدو داخلي كثري العدد وخطري ً
( )1راجع يف النقاط املتقدمة :الصحيح من سرية صلى هللا عليه وآله وسلم ج6ص.127 -126
( )2راجع سورة التوبة اآلايت .85 -84 -83 /
( )3حول صفات املنافقني وأقواهلم راجع :سورة البقرة اآلايت .206 -204 ،16 ،8 :سورة النساء اآلايت،138 ،137 :
.146 ،145 ،143 ،142سورة التوبة اآلايت،98 ،97 ،85 ،84 ،77 ،73 ،68 ،67 ،61 ،62 ،57 ،56 :
126
وهكذا مضت املراحل األخرية من حياة رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم واإلسالم يزداد قوة ومنعة وانتشا ًرا
وزعماء القبائل العربية ينهالون على املدينة معلنني إسالمهم أمام رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ومل جيد املنافقون
منفذا يتسللون منه لتسديد ضربة مؤذية أو تنفيذ خمطط خترييب جديد ،السيما وأن زعيمهم عبد هللا بن أيب كان قد
تويف يف أواخر السنة التاسعة وكانت اآلايت القرآنية يف سورة التوبة قد نزلت أخريا تندد مبا فعل ويفعل أولئك
املنافقون ومتزق بشكل هنائي األستار اليت يتوارون خلفها ،وكانت أالعيبهم قبل تبوك وبعدها هي النهاية احلامسة
طويال ومل يقدروها حق قدرها حيث أ ُِّمر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم بعد ذلك
للسماحة اليت أبداها الرسول معهم ً
أن يُعلن على الناس ذبذبتهم وكيدهم وُكلف أال يقبل منهم وال يصلي عليهم ،بل اعلم أن استغفاره هلم لن جياب،
مث طُولب املسلمون كافة أن يقاطعوهم.
إال أن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم ما إن تويف حىت وجد املنافقون فرصتهم الساحنة هذه املرة حلرف خالفة
النيب صلى هللا عليه وآله وسلم عن مسارها احلقيقي الذي كان قد أعد له صلى هللا عليه وآله وسلم يف حياته ،وتغيري
جمرى التاريخ اإلسالمي إىل غري وجهته ،فإان هلل وإان إليه راجعون.
.101سورة حممد اآليتان .30 ،29 :سورة احلديد اآليتان .14 ،13 :سورة املنافقني اآليتان( .8 ،1 :وحول مواقفهم
الكيدية والساخرة راجع سورة النساء اآلايت .141 ،140 ،139 ،138 ،61 ،60 :سورة التوبة اآلايت،61 ،58 :
.127 ،124 ،110 ،107 ،80 ،79 ،65 ،64سورة اجملادلة اآلايت ،6 ،14 ،10 ،8 :سورة البقرة اآليتان،11 :
.14سورة األنفال اآلية .49 :سورة النور اآليتان .63 ،62 :سورة األحزاب اآلايت .71 ،69 ،61 ،57 :سورة حممد
اآلايت .26 ،25 ،16 :سورة املائدة اآليتان.53 ،50 :
وحول مواقفهم من اجلهاد ووقائعه راجع سورة آل عمران اآلايت .168 ،166 ،156 :سورة النساء اآلايت،73 ،71 :
.81 ،77سورة التوبة اآلايت.96 ،93 ،90 ،87 ،86 ،83 ،81 ،53 ،50 ،49 ،42 :
127
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
كما كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم مثال أعلى يف شىت ألوان تعامله وأمناط سلوكه ،كان كذلك يف
عالقاته أبزواجه كي يكون قدوة ألمته يف كل شأن من شؤوهنا يف احلياة كما يشاء هللا تعاىل:
وهذه بعض أساليب تعامله مع أزواجه:
-1التزام العدل الكامل يف معاملتهن يف :النفقة واملسكن وامللبس واملبيت والزايرات والوقت فبالرغم من أنه صلى
هللا عليه وآله وسلم كانت يف أزواجه الشابة واجلميلة واملسنة والعادية يف مجاهلا ،لكن ذلك ال يصرفه حبال عن
التزام أعلى درجات الكمال يف العدل بينهن فال تفضيل لواحدة على أخرى.
لقد خصص لكل واحدة منهن ليلة ،وكان إذا زار إحداهن زار اجلميع بعد ذلك ،وإن عزم على سفر من
اختيارا
ً أجل جهاد أو حج أقرع بني نسائه فيصحب من تفوز بقرعته حىت ال يؤذي قلوهبن إن اختار واحدة
من عنده.
-2مداراته ألزواجه ورعايتهن ابلرفق واحلب :فمن مظاهر ذلك مسامرهتن يف الليل والتداول معهن يف بعض
الشؤون وعدم إيذاء واحدة منهن أبدا.
فبالرغم من كثرة مضايقات بعض نساء النيب صلى هللا عليه وآله وسلم له فإن ذلك مل يصرفه عن التزام الرفق
أحياان أو يبدو منه
والشفقة والعدل يف معاملتهن حىت إنه مل يضرب واحدة منهن طوال حياته ،وإن كان يوخبهن ً
الغضب ملواقفهن غري املرضية ،وإىل هذا أشارت عائشة بقوهلا :ما ضرب النيب صلى هللا عليه وآله وسلم امرأة قط
خادما(.)1
وال ضرب ً
ومن أخالقه صلى هللا عليه وآله وسلم يف إطار بيته أنه ال َينف أبدا من مساعدة زوجاته سواء فيما يتعلق
ابلشؤون اخلاصة به أو ما يتعلق هبن.
وكان صلى هللا عليه وآله وسلم يقول« :خيكم خيكم لنسائه وأَن خيكم لنسائي»« ،خيكم خيكم ْلهله
وأَن خيكم ْلهلي»(.)2
عندما حان موعد احلج من العام العاشر للهجرة أعلن رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم أنه سيحج بنفسه يف
الناس هذا املوسم ،فاجتمع إليه الناس من كل مكان ،مث ما لبث أن غادر املدينة يف اخلامس والعشرين من ذي
القعدة مصطحبا معه نساءه وابنته فاطمة الزهراء عليها السالم.
وبدأت مراسيم احلج فانطلق آالف املسلمني يؤدون مناسكهم كما بينها هلم رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم
شامال يف عرفة أكد فيه القيم
خطااب ً ً ورأى صلى هللا عليه وآله وسلم أن يستفيد من هذا التجمع الكبري فألقى
والتعاليم اليت بُعث من أجلها.
( )1حديث الغدير روي أبلفاظ كثرية وهو متواتر ،وقد ذكره السيوطي يف األحاديث املتواترة .100/37وقال الذهيب يف سري أعالم
النبالء :415/5احلديث اثبت بال ريب ،وقال يف :334/8متنه متواتر .وقال الذهيب يف تذكرة احلفاظ 713/2يف ترمجة
حممد بن جرير الطربي :وملا بلغ ابن جرير أن ابن أيب داود تكلم يف حديث غدير خم عمل كتاب الفضائل ،وتكلم على
جملدا من طرق احلديث البن جرير فاندهشت له ولكثرة تلك الطرق .قال السيد اهلادي أيت ً
الذهيب :ر ُ
ُّ تصحيح احلديث ،قال
بن إبراهيم الوزير يف هناية التنويه ص : 92هذا اخلرب قد بلغ حد التواتر ،وليس خلرب من األخبار ما له من كثرة الطرق ،وطرقه
مائة ومخس طرق ،ويف هذا زايدة على احلد املعترب يف التواتر .قال حممد بن جرير الطربي :خرب الغدير طرقه من مخس وسبعني
أيضا .قال املقبلي يف األحباث
طري ًقا ،وله كتاب مساه الوالية ،وقال ابن عقدة :خرب الغدير له مائة ومخس طرق وقد أفرد له كتااب ً
130
وجاء يف رواية :أن عمر بن اخلطاب لقي عليا عليه السالم بعد أن فرغ صلى هللا عليه وآله وسلم من خطابه
وقال له :هنيئا لك اي ابن أيب طالب لقد أصبحت وأمسيت موىل كل مؤمن ومؤمنة(.)1
وبعد أن أخذ صلى هللا عليه وآله وسلم بيد علي عليه السالم وقال« :من كنت موَله فهذا علي موَله» أنزل
اْل ْس َل َم يدينرا﴾ [الم:ئدة.]3 :
يت لَ ُك ُم ْي
ض ُ ْ َ ََ ْت لَ ُك ْم يدينَ ُك ْم َوأ َُْتَ ْم ُ
ت َعلَْي ُكم ني ْعم ييت ور ي هللا على نبيه﴿ :الْيَ ْوَم أَ ْك َمل ُ
وروي أن عمر بن اخلطاب قال له يوم ذاك :بَ ٍّخ بَ ٍّخ لك اي علي أصبحت موالي وموىل كل مؤمن ومؤمنة.
وجاءه حسان بن اثبت يستأذنه أن يصف موقفه من علي يف ذلك اليوم فأذن له فوقف على مرتفع من األرض
وتطاول املسلمون لسماع كالمه فأنشأ يقول:
مناداي ابلنيب و رِّ
أمس رع خبم نبيهم الغدير يوم يناديهم
ُ
فقالوا ومل يبدوا هناك التعاميا وقال فمن موالكم ووليكم
وهاداي
ً إماما
رضيتك من بعدي ً فقال له قم اي علي فإنين
وكن للذي عادى عليًا معاداي هناك دعا اللهم وال وليه
فقال له صلى هللا عليه وآله وسلم :ال تزال اي حسان مؤيدا بروح القدس ما نصرتنا بلسانك(.)2
وهكذا مارس الرسول صلى هللا عليه وآله وسلم ما من شأنه أن حيفظ الرسالة ومستقبل اإلسالم.
جيش أسامة
الوصية األخيرة
اشتد املرض ابلنيب صلى هللا عليه وآله وسلم فمكث ثالثة أايم موعوًكا ،مث خرج إىل املسجد معصوب الرأس
معتمدا على أمري املؤمنني عليه السالم وعلى الفضل بن العباس حىت صعد املنرب فجلس عليه مث قال« :معاشر
الناس قد حان مّن خفوق من بي أظهركم فمن كان له عندي يع َدة فليأتّن أعطه إَّيها ،ومن كان له علي دين
فليخربِن به ،معاشر الناس ليس بي هللا وبي أحد شيء يعطيه به خيا أو يصرف به عنه شرا إَل العمل.
أيها الناس َل ي ِدعي مدع وَل يتمَن متمن والذي بعثّن ِبْلق َل ينجي إَل عمل مع رمحة ولو عصيت َلويت،
اللهم هل بلغت».
مث نزل فصلى ابلناس صالة خفيفة ودخل بيته.
وجاء بالل واملرض قد اشتد به عند طلوع الفجر فنادى للصالة فقام صلى هللا عليه وآله وسلم وهو ال يستقل
على األرض من الضعف؛ فأخذ بيد علي عليه السالم والفضل بن العباس فاعتمد عليهما ورجاله ختطان األرض
من الضعف فلما دخل املسجد وجد أاب بكر قد سبق إىل احملراب فأومأ إليه أن أتخر عنه ،فتأخر وقام صلى هللا
عليه وآله وسلم مقامه وابتدأ الصالة.
فلما انتهى انصرف إىل منزله واستدعى أاب بكر وعمر ومجاعة ممن حضر املسجد من املسلمني مث قال« :أَل آمر
فلم َتخرمت عن أمري»؟ فقال أبو بكر :إنين كنت
أن تنفذوا جيش أسامة»؟ قالوا :بلى اي رسول هللا قالَ « :
عهدا.
خرجت مث عدت ألجدد بك ً
،455-451/42ومسند أمحد 67/4برقم 163 ،11288برقم ،11773وابن أيب شيبة 367/6برقم ،32082
ومسند أيب يعلى 341/2رقم ،1086وسنن النسائي الكربى 154/5رقم ،8541والغدير لألميين ..366/5
( )1لوامع األنوار ،610 /2واملصابيح يف السرية ص .248
( )2عيون األثر ،369/2وابن هشام ،299 ،291/4واتريخ اإلسالم (املغازي) ص ،713وأسد الغابة ،194/1واالستيعاب
.170/1
133
وقال عمر :اي رسول هللا مل أخرج ألنين مل أحب أن أسأل عنك الركب؛ فقال صلى هللا عليه وآله وسلم« :أنفذوا
جيش أسامة ،أنفذوا جيش أسامة» وكرر ذلك ثال ًاث مث أغمي عليه من التعب ومما حلقه من األذى لتجاهلهم
أوامره.
ومكث فرتة من الزمن مغمى عليه؛ فبكى املسلمون وارتفع النحيب من أزواجه وابنته صلى هللا عليه وآله وسلم
ونساء املؤمنني ومجيع من حضر.
وملا أفاق نظر إليهم وقال« :ائتوِن بدواة وكتف ْلكتب لكم كتاِب َل تضلوا بعده أب ردا» مث أغمي عليه ،فقام
بعض من حضر يلتمس دواة وكتفا؛ فقال له عمر :ارجع فإنه يَ ره ُجر ،فرجع ،فلما أفاق قال بعضهم :أال أنتيك
خيا» وأعرض بوجهه عن
بكتف اي رسول هللا ودواة؟ قال« :أبعد الذي قلتم!! َل ،ولكّن أوصيكم ِبهل بييت ر
القوم فنهضوا (.)1
أتكيدا ملا صرح ولوح به مر ًارا من قبل خبصوص
وواضح أن الكتاب الذي أراد أن يكتبه ال يعدو أن يكون ً
استخالف علي عليه السالم والوصية أبهل بيته.
كتااب
وكان صلى هللا عليه وآله وسلم يعلم أبنه ال قيمة لكتابه عند هؤالء بعد الذي قالوا بل لو كتب هلم عشرين ً
حيورون ويؤولون مضامينها مبا يتفق مع مصاحلهم ،وقد يذهبون إىل أبعد من ذلك ،وهذا هو الذي دعاه صلى سوف رِّ
هللا عليه وآله وسلم إىل عدم الكتابة حينما أفاق.
( )1البخاري ،4169وفتح الباري 132/8رقم ،4432والطرباين يف الكبري ،1226/11ومسند ابن حنبل ،437/4وكنز
العمال .554/11
( )2الرواية بلفظها يف األنوار البهية ،للشيخ عباس القمي ص ،32ومبعناها يف طبقات ابن سعد ،263/2ومصنف ابن أيب شيبة
365/6رقم .29066
134
تويف لليلتني بقيتا من صفر سنة 11للهجرة ،وهو ابن ثالث وستني سنة ،ومل حيضر دفن رسول هللا صلى هللا عليه
وآله وسلم أكثر الناس؛ ملا جرى بني املهاجرين واألنصار من التشاجر يف أمر اخلالفة(.)1
( )1طبقات ابن سعد ،272 /2والبداية والنهاية ،257/5وأتريخ خليفة ،96وسرية ابن كثري ،507/4والطربي ،217/3
ابن هشام ،302/4ومروج الذهب ،219/2واتريخ اخلميس .166
135
للمطالعة :وإنك لعلى خلق عظيم
األب المثالي:
كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يعامل أوالده (فاطمة واحلسن واحلسني عليهم السالم ) بكل عطف
وحمبة ورفق ولني ،وروي أنه صلى هللا عليه وآله وسلم رأى احلسن واحلسني ميشيان فحملهما ،مث التفت إىل
أصحابه ،وقال« :أوَلدَن أكبادَن ُتشي على اْلرض»( )1وكان يسعى يف تربيتهم وتعليمهم آداب اإلسالم.
فقد روي أن فاطمة عليها السالم كانت إذا جاء إليها رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم لقيته وقبرل كل
واحد منهم صاحبه وجلسا معا.
وكان يقول صلى هللا عليه وآله وسلم« :فاطمة مّن ،يريبّن ما يريبها ،ويؤذيّن ما يؤذيها»(.)2وقال صلى
هللا عليه وآله وسلم« :إن هللا ليغضب لغضبك َّي فاطمة»(.)3
وكان احلسن واحلسني عليها السالم ومها صغريان يعلوان ظهر النيب صلى هللا عليه وآله وسلم وهو ساجد
يصلي فكان يطيل سجوده حىت ينزال عن ظهره أو ينزهلما برفق.
وروي عن ابن مسعود أنه قال :كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم يصلي ،فإذا سجد وثب احلسن
حج ِّرِّه ،وقال:
ومهَا؛ فَلَ َّما انصرف من صالته وضعهما يف ر
واحلسني على ظهره! فإذا أرادوا َمرن َع ُه َما أشار إليهمَ :دعُ ُ
َحبَّيّن فَ لْيُ يح َّ
ب َه َذيْ ين»(.)4 « َم ْن أ َ
وعن بريدة قال :كان رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم خيطب على املنرب فجاء احلسن واحلسني ‹عليهما
السالم› وعليهما قميصان أمحران ميشيان ويعثران فنزل رسول هللا صلى هللا عليه وآله وسلم من املنرب فحملهما
( )1األمايل االثنينية 541 /1و الرتمذي 616/5رقم ،3774والنسائي 108/3رقم ،1413وابن ماجة 1190/2رقم
،3600ومسند أمحد 19/9رقم ،23056وأبو داود 663/1رقم ،1109وفضائل الصحابة 966/2رقم ،1358
وذخائر العقىب ص ،131 ،130وأسد الغابة .16/2
137
138
املصادر واملراجع
.1اإلحسان برتتيب صحيح ابن حبان :حممد بن حبان البسيت -حتقيق :شعيب األرنؤوط– مؤسسة الرسالة-
ط1414(2ه 1993 -م).
.2أحكام اإلمام اهلادي إىل احلق حيىي بن احلسني -حتقيق د .املرتضى بن زيد احملطوري احلسين رمحه هللا تعاىل -
مكتبة بدر للطباعة والنشر -صنعاء -ط1435 -2ه 2014-م.
.3أخالق النيب وآدابه -عبد هللا بن حممد بن جعفر بن حيان األصبهاين -حتقيق :صاحل بن حممد الونيان -دار
املسلم للنشر والتوزيع1998 -م.
.4أسباب الن زول :أليب احلسن علي بن أمحد الواحدي النيسابوري – دار ابن كثري – دمشق – بريوت –
ط(1408ه 1988 -م).
.5االستيعاب :أليب عمر يوسف بن عبد هللا بن عبد هللا بن حممد بن عبد الرب القرطيب – دار الكتب العلمية
– بريوت -ط(1415ه 1995 -م).
.6أسد الغابة يف معرفة الصحابة ،أليب احلسن علي بن حممد الشيباين املعروف اببن األثري ،حتقيق الشيخ علي
حممد معوض +الشيخ عادل أمحد عبد املوجود -دار الكتب العلمية -بريوت1994( -م).
.7اإلشارة إىل سرية املصطفى -مغلطاي بن قليج -دار القلم دمشق دار الشامية بريوت – الطبعة األوىل.
.8اإلصابة يف متييز الصحابة :البن حجر العسقالين – دار الكتاب العريب – بريوت 1359ه .
.9االعتصام حببل هللا املتني -اإلمام القاسم بن حممد -مطابع اجلمعية امللكية.
.10إعراب القرآن الكرمي وبيانه ،حملي الدين الدرويش -اليمامة -دار ابن كثري -دار اإلرشاد للشؤون اجلامعية-
محص – سوراي 1408ه 1988 -م.
.11االكتفاء مبا تضمنه من مغازي رسول هللا والثالثة اخللفاء -أيب الربيع سليمان بن موسى الكالعي-عامل الكتب-
ط .1
.12األمايل ا إلثنينية ،لإلمام املرشد ابهلل حيىي بن اإلمام املوفق ابهلل احلسني بن إمساعيل اجلرجاين -مؤسسة اإلمام
زيد بن علي الثقافية -اليمن -الطبعة األوىل1429ه 2008-م.
.13األمايل اخلميسية :لإلمام املرشد ابهلل حيىي بن احلسني بن إمساعيل الشجري -عامل الكتب ط1403( 3ه -
1983م).
.14أنساب األشراف ،للبالذري ،حتقيق :حممود العظم -دار اليقظة العربية.
.15أنوار اليقني لإلمام املنصور ابهلل احلسن بن بدر الدين عليه السالم .املكتبة الشاملة.
.16البحر الزخار -اإلمام املهدي أمحد بن حيىي املرتضى-دار احلكمة اليمانية -ط .1
.17البداية والنهاية ،أليب الفداء إمساعيل بن كثري -دار إحياء الرتاث العريب -بريوت – 1383ه 1964 -م.
139
.18هبجة احملافل ،وبغية األماثل يف تلخيص املعجزات والسري والشمائل ،أتليف :حيىي بن أيب بكر العامري-مطبعة
اجلمالية -مصر – الطبعة األوىل 1330ه .
.19اتج العروس -حممد مرتضى الزبيدي -دار الفكر1994-م1414 -ه .
.20اتريخ ابن الوردي ،لزين الدين عمر بن مظفر الشهري اببن الوردي -دار الكتب العلمية -بريوت -لبنان-
1417ه 1996 -م.
.21اتريخ أيب الفداء املسمى املختصر يف أخبار البشر ،أتليف امللك املؤيد عماد الدين أيب الفداء إمساعيل ابن علي
بن حممد -دار الكتب العلمية -ط1417(1ه 1997-م).
.22اتريخ اإلسالم ،ووفيات املشاهري واألعالم ،أتليف :احلافظ حممد بن أمحد بن عثمان الذهيب (ت748 :ه )،
حتقيق :د .عمر عبدالسالم تدمري -دار الكتاب العريب -بريوت -ط1418(2ه 1998-م).
.23أتريخ اخللفاء -احلافظ السيوطي -دار الفكر -بريوت.
.24اتريخ الطربي ،أتليف :أيب جعفر حممد بن جرير الطربي ،حتقيق :حممد أيب الفضل إبراهيم– دار الرتاث بريوت
– ط1387( 3ه 1967 -م).
.25التأريخ الكبري -البخاري -دار الكتب العلمية -بريوت.
.26اتريخ اليعقويب أمحد بن أيب يعقوب بن جعفر بن وهب بن واضح الكاتب العباسي ،حتقيق :عبد األمري مهنا-
مؤسسة األعلمي للمطبوعات -ط1413(1ه 1993-م).
.27اتريخ بغداد :للحافظ أيب بكر أمحد بن علي اخلطيب البغدادي -دار الفكر.
.28اتريخ دمشق :البن عساكر – دار الفكر – ط1415(1ه 1995 -م).
.29تفسري أيب السعود املسمى :إرشاد العقل السليم إىل مزااي القرآن الكرمي ،أليب السعود حممد بن حممد العمادي-
دار إحياء الرتاث العريب -بريوت -لبنان 1411ه 1990-م.
.30تفسري اخلازن ومعه تفسري البغوي – دار الكتب العلمية -بريوت -لبنان –ط1415-1ه 1995-م.
.31تفسري القرآن احلكيم الشهري بتفسري املنار -دار املعرفة -بريوت -لبنان.
.32تنبيه الغافلني عن فضائل الطالبني -احملسن بن كرامة اجلشمي البيهقي -حتقيق :إبراهيم الدرسي -منشورات
أهل البيت للدراسات اإلسالمية -اليمن ،صعدة1421 -ه 2000 -م.
.33التنبيه واإلشراف -املسعودي -دار ومكتبة اهلالل.
.34هتذيب الكمال يف أمساء الرجال :احلافظ مجال الدين أيب احلجاج يوسف املزي -مؤسسة الرسالة – بريوت
– ط1408(1ه 1988 -م).
.35تيسري املطالب يف أمايل أيب طالب-اإلمام أبو طالب-مؤسسة األعلمي ،بريوت +طبعة مؤسسة اإلمام زيد.
.36جامع البيان (تفسري الطربي) :حممد بن جرير الطربي – دار الفكر – 1415ه 1995 -م .حتقيق :صدقي
العطار.
140
.37اجلامع الصحيح :أيب عيسى حممد بن عيسى الرتمذي -دار الكتب العلمية -الطبعة األوىل 1408ه -
1987م .حتقيق :كمال احلوت.
.38حاشية الشهاب املسماة عناية القاضي وكفاية الراضي على تفسري البيضاوي -دار صادر -بريوت.
.39حلية األولياء وطبقات األصفياء :أليب نعيم أمحد بن عبد هللا األصفهاين -دار بيضون -الطبعة األوىل
1418ه 1997 -م .حتقيق :مصطفى عطاء.
.40خصائص أمري املؤمنني علي :النسائي – دار الكتاب العريب – بريوت -ط1407(1ه 1987 -م).
.41الدر املنثور يف التفسري املأثور :للسيوطي – دار الكتب العلمية – ط1411(1ه 1990 -م).
.42دالئل النبوة ،ألمحد بن احلسني البيهقي -دار الراين للرتاث -ط1408(1ه 1988-م).
.43ذخائر العقىب يف مناقب ذوي القرىب ،العالمة حمب الدين أمحد بن عبد هللا الطربي -دار املعرفة -بريوت-
لبنان -بدون اتريخ.
.44رأب الصدع ختريج أمايل أمحد بن عيسى ،حققه وخرج أحاديثه وشرحها :علي بن إمساعيل املؤيد -دار النفائس
الطبعة األوىل .وإذا أشران إىل األمايل فاملراد به هو أمايل أمحد بن عيسى.
.45الروض األنف -السهيلي -دار الفكر.
.46الروضة الندية ،أتليف حممد بن إمساعيل األمري الصنعاين -مركز بدر -الطبعة األوىل.
.47الرايض املستطابة يف مجلة من روى يف الصحيحني من الصحابة ،أتليف :حيىي بن أيب بكر العامري اليمين-
مكتبة املعارف –بريوت الطبعة الثالثة 1983م.
.48سبل اهلدى والرشاد -اإلمام حممد بن يوسف الصاحلي -جلنة إحياء الرتاث -القاهرة.1413-1992 -
.49السنة ،أليب بكر عمرو بن أيب عاصم الضحاك ،البن خملد الشيباين ،حتقيق :حممد انصر الدين األلباين-
املكتب اإلسالمية (1419ه 1998-م).
.50سنن ابن ماجة :أيب عبد هللا حممد بن يزيد القزويين .حتقيق :حممد عبدالباقي .دار الكتب العملية – بريوت.
.51سنن أيب داود :سليمان بن األشعث – إعداد :عزة عبيد الدعاس ،وعادل السيد -دار الكتب العلمية –
ط1388(1ه ).
.52سنن البيهقي :أيب بكر أمحد بن احلسني– دار املعرفة –
.53سنن الدارمي :أيب حممد عبد هللا بن عبدالرمحن الدارمي – دار الكتب العلمية.
.54سنن النسائي .حتقيق :أيب غدة – دار البشارة اإلسالمية -بريوت – ط1406(2ه 1986 -م).
.55سري أعالم النبالء :مشس الدين حممد بن أمحد الذهيب – مؤسسة الرسالة – الطبعة الرابعة 1406ه -
1986م.
.56السرية النبوية -ابن كثري -دار إحياء الرتاث +طبعة دار املعرفة للطباعة والنشر والتوزيع1396 -ه -
1971م.
.57السرية النبوية :البن هشام – مطبعة البايب احلليب – 1355ه 1963 -م.
141
.58السرية النبوية :للدكتور املرتضى بن زيد احملطوري – مكتبة بدر
.59سرية سيد املرسلني -جعفر سبحاين -دار األضواء -ط .2
.60شرح التجريد يف فقه الزيدية ،لإلمام املؤيد ابهلل أمحد بن احلسني اهلاروين -مركز الرتاث والبحوث اليمين-
الطبعة األوىل1427 -ه 2006 -م.
.61شرح الزرقاين على موطأ اإلمام مالك -حممد بن عبد الباقي بن يوسف الزرقاين -دار الكتب العلمية -بريوت
1411ه .
.62شرح املواهب اللدنية -الزرقاين -املطبعة األزهرية -القاهرة -ط .1
.63شرح معاين اآلاثر :أليب جعفر أمحد بن حممد بن سالمة الطحاوي .حتقيق :حممد زهري النجار ،وحممد سيد
جاد احلق -عامل الكتب -الطبعة األوىل 1414ه 1994 -م.
.64شرح هنج البالغة :عبداحلميد بن حممد بن احلسني بن أيب احلديد – دار مكتبة احلياة بريوت 1963م .حتقيق:
حسن متيم .وكذلك طبعة دار إحياء الكتب العربية – عيسى البايب احلليب وشركاه.
.65شعب اإلميان :للبيهقي – دار الكتب العلمية -الطبعة األوىل1410 -ه 1990م .حتقيق :أيب هاجر حممد
السعيد بن بسيوين زغلول.
.66شفاء األُوام :األمري احلسني بن بدر الدين – مجعية علماء اليمن – ط 1416(1ه 1996 -م).
.67صحيح ابن خزمية .حتقيق :حممد مصطفى األعظمي – املكتب اإلسالمي – الطبعة الثانية 1412ه -
1992م.
.68صحيح البخاري :أيب عبد هللا حممد بن إمساعيل البخاري .حتقيق :مصطفى البغا – دار ابن كثري –
ط1407(3ه 1987 -م).
.69صحيح مسلم -دار إحياء الرتاث -حتقيق حممد فؤاد عبدالباقي.
.70الصحيح من سرية النيب ص -جعفر العاملي -دار اهلادي -ط .4
.71الطبقات الكربى :البن سعد – دار الفكر.
.72عيون األثر -ابن سيد الناس -مكتبة دار الرتاث -ط .1
.73الغدير يف الكتاب والسنة واآلداب ،للشيخ عبداحلسني األميين -دار الكتاب العريب -بريوت-ط(1397ه -
1977م).
.74فتح الباري شرح صحيح البخاري :للحافظ أيب الفضل شهاب الدين أمحد ابن علي بن حممد بن حجر
القسطالين -دار الفكر.
.75فرائد السمطني :للخراساين -مؤسسة احملمودي -بريوت ط1398 -1ه .
.76الفردوس مبأثور اخلطاب :أليب شجاع شريويه الديلمي -دار الكتب العلمية -الطبعة األوىل 1406ه -
1986م .حتقيق :السعيد زغلول.
142
.77فضائل الصحابة :أليب عبد هللا أمحد بن حممد بن حنبل – دار ابن اجلوزي – الطبعة الثانية 1420ه -
1999م .حتقيق :وصي هللا بن حممد عباس.
.78فقه السرية -حممد الغزايل -دار الكتب احلديثة.
.79فقه املرتضى اإلمام حممد بن حيي بن احلسني ‹عليهم السالم› .املكتبة الشاملة.
.80الكامل يف التأريخ :أليب احلسن علي بن حممد الشيباين املعروف اببن األثري – دار الكتاب العريب – بريوت
– الطبعة الرابعة 1403ه 1983 -م.
.81الكشاف عن حقائق التنرزيل :حممود بن عمر الزخمشري – دار الراين – ط1407(3ه 1987 -م).
.82كفاية الطالب يف مناقب علي بن أيب طالب -احلافظ أيب عبد هللا حممد بن يوسف القرشي -حتقيق حممد
هادي األميين -منشورات املطبعة احليدرية -النجف -ط1390 2ه 1970م.
.83الكفاية يف علم الرواية -أمحد بن علي بن اثبت أبو بكر اخلطيب البغدادي -املكتبة العلمية -املدينة املنورة.
.84كرنز العمال يف سنن األقوال واألمثال :للعالمة عالء الدين املتقي اهلندي – مؤسسة الرسالة -بريوت 1409ه
1989 -م.
.85لسان العرب -ابن منظور -دار صادر -بريوت -ط .1
.86لوامع األنوار :السيد العالمة جمد الدين بن حممد بن منصور املؤيدي رمحه هللا – مكتبة الرتاث اإلسالمي –
الطبعة األوىل 1414ه 1993 -م.
.87جممع الزوائد ومنبع الفوائد :للحافظ نور الدين علي بن أيب بكر اهليثمي – دار الكتاب العريب -الطبعة الثالثة
1407ه 1987-م -بريوت.
.88جمموع كتب ورسائل اإلمام القاسم بن إبراهيم– دار احلكمة اليمانية – 1422ه 2002 -م.
.89جمموع كتب ورسائل اإلمام املرتضى حممد بن حيىي اهلادي – مكتبة الرتاث اإلسالمي – اليمن -صعدة-
الطبعة األوىل 1423ه 2002 -م.
.90جمموع كتب ورسائل اإلمام زيد – مركز أهل البيت للدراسات اإلسالمية – صعدة1422 -ه 2001 -م.
.91اجملموعة الفاخرة :لإلمام اهلادي حيىي بن احلسني -دار احلكمة اليمانية.
.92حماسن األزهار يف مناقب العرتة األطهار ،محيد بن أمحد احمللي الوادعي اهلمداين ،حتقيق :محود األهنومي،
وعبد هللا عامر -مركز أهل البيت للدراسات اإلسالمية -صعدة -ط1421(1ه 2002 -م)
.93احملاضرة اخلامسة للسيد عبد امللك بدر الدين مبناسبة املولد النبوي عام 1439ه .
.94احملاضرة الرابعة للسيد عبد امللك حفظه هللا مبناسبة املولد النبوي عام 1439ه
.95حممد رسول هللا (ص)-حممد رضا -دار الكتب العلمية -ط .1
.96املراتب يف فضائل أمري املؤمنني سيد الوصيني ،أبو القاسم إمساعيل بن أمحد البسيت املعتزيل ،حتقيق :حممد رضا
األنصاري القمي-ط1421(1ه ).
143
.97مروج الذهب ومعادن اجلوهر ،أتليف :أيب احلسن علي بن احلسني بن علي املسعودي ،دققها ووضعها
وضبطها :يوسف أسعد داغر –دار األندلس –بريوت -ط1983(5م).
.98املستدرك على الصحيحني :احلافظ أيب عبد هللا حممد بن عبد هللا احلاكم النيسابوري – دار الكتاب العريب
– بريوت – 1335ه .
.99مسند أيب يعلى املوصلي– دار الثقافة العربية– ط1413(2ه 1993 -م).
.100مسند أمحد بن حنبل .حتقيق :صدقي العطار – دار الفكر -املكتبة التجارية – بريوت – ط1414(2ه
1994 -م).
.101مسند اإلمام زيد بن علي -دار مكتبة احلياة -بريوت 1966 -م.
.102مسند الربيع بن حبيب بن عمر األزدي البصري :ترتيب أيب يعقوب يوسف بن إبراهيم الورجالين -مكتبة
مسقط -سلطنة عمان -ط1415(1ه 1994-م).
.103مسند الروايين -حممد بن هارون الروايين -حتقيق أمين علي أبو مياين -مؤسسة قرطبة1416 -ه -القاهرة.
.104املصابيح الساطعة األنوار(تفسري أهل البيت) :مجع وأتليف العالمة عبد هللا بن أمحد الشريف– مكتبة
الرتاث– صعدة – الطبعة األوىل 1998 -1418م.
.105املصابيح :أليب العباس احلسين – مؤسسة اإلمام زيد بن علي – ط1421(1ه 2001-م).
.106املصنف :البن أيب شيبة – دار التاج -ط1409(1ه 1989 -م).
.107املصنف :للحافظ أيب بكر عبدالرزاق الصنعاين – املكتب اإلسالمي – ط1403(2ه 1983 -م).
حتقيق :حبيب الرمحن األعظمي.
.108املعجم األوسط :للطرباين – منشورات دار احلرمني 1415ه 1995 -م.
معجم البلدان :ايقوت احلموي – دار الفكر – الطبعة الثانية 1995م. .109
املعجم الكبري :للطرباين .حتقيق :محزة عبداجمليد -الزهراء احلديثة 1984م. .110
املغازي -الواقدي -مؤسسة األعلمي. .111
مفاتيح الغيب :تفسري الفخر الرازي املشهور ابلتفسري الكبري :لإلمام حممد الرازي فخر الدين (-544 .112
604ه ) -قدم له خليل حمي الدين امليس -دار الفكر -بريوت -لبنان -ط(1993م1414-ه ).
.113من كلمة للسيد عبد امللك بدر الدين مبناسبة املولد النبوي عام 1440ه .
.114مناقب اإلمام علي بن أيب طالب ،أليب احلسن علي بن حممد الشافعي الشهري اببن املغازيل -الطبعة الثانية
1412/2ه 1992 -م.
.115مناقب أمري املؤمنني (ع) ،ل محمد بن سليمان الكويف ،حتقيق :حممد ابقر احملمودي -جممع إحياء الثقافة
اإلسالمية -الطبعة األوىل 1412ه -ايران – قم.
144
.116املنتظم يف اتريخ األمم وامللوك ،أتليف :أيب الفرج عبدالرمحن بن علي بن حممد ابن اجلوزي ،دارسة وحتقيق:
حممد عبدالقادر عطا ،مصطفى عبدالقادر عطا ،راجعه وصححه :نعيم زرزور –دار الكتب العلمية – بريوت
– لبنان – ط1412(1ه 1992-م).
.117املواهب اللدنية -ابن حجر العسقالين -دار الكتب العلمية -ط .1
.118املوطأ ،لإلمام مالك بن أنس األصبحي – دار الراين للرتاث – القاهرة -الطبعة األوىل 1408ه -
1988م.
.119امليزان تفسري القرآن ،للعالمة حممد حسني الطباطبائي -مؤسسة األعلمي للمطبوعات -بريوت -لبنان-
الطبعة الثانية 1390ه 1971 -م.
.120هنج البالغة :ألمري املؤمنني علي بن أيب طالب عليه السالم -ط -1دار املعارف.
.121نور اليقني يف سرية سيد املرسلني -حممد اخلضري -دار الفكر.
•••
145