العقيدة الواسطية للشيخ صالح سندي

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 195

‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.

‬د صالح سنذي حفظه‬


‫‪1‬‬ ‫هللا‬
‫إف اغبمد ﵁‪ ،‬كبمده كنستعينو كنستغفره‪ ،‬كنعوذ با﵁ من شركر أنفسنا‪ ،‬كمن سيئات أعمالنا‪ ،‬من‬
‫يهده ا﵁ فبل مضل لو‪ ،‬كمن يضلل فبل ىادم لو‪ ،‬كأشهد أف ال إلو إال ا﵁ كحده ال شريك لو‪ ،‬كأشهد‬
‫أف نبينا ؿبمدا عبده كرسولو صلى ا﵁ عليو كعلى آلو كأصحابو‪ ،‬كسلم تسليما كثَتا أما بعد‪:‬‬

‫ُب ىذه الليلة‪ :‬ليلة السابع من الشهر ا﵀رـ عاـ ( ‪ )1438‬من اؽبجرة‪ ،‬قبتمع بعوف ا﵁ كبتوفيقو‪،‬‬
‫هبذا اؼبسجد اؼببارؾ ‪-‬اؼبسجد النبوم‪ ،-‬لنتدارس منت من متوف اعتقاد أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬أال كىو‬
‫العقيدة الوسطية‪ ،‬كإف من توفيق ا﵁ عز كجل على طبلب العلم أف يكوف عندىم نبة لدراسة اؼبعتقد‪،‬‬
‫فإف ىذا من أعظم أسباب النجاح كالنجاة‪ ،‬فإف ا﵁ تعاىل قد أخرب ُب كتابو أف شرط النجاة عنده يوـ‬
‫ال َوال بَنُو َن * إِاال َم ْن أَتَى‬
‫القيامة‪ :‬أف يوافيو اؼبسلم بقلب سليم‪ ،‬قاؿ جل كعل‪﴿ :‬يَ ْوَم ال يَ ْن َف ُع َم ٌ‬
‫يم﴾‬‫ْب َسلِ ٍ‬
‫اللاوَ بَِقل ٍ‬

‫كالقلب السليم ىو الذم سلم من كل ما يبنع من الوصوؿ إىل ا﵁ عز كجل‪ ،‬من شبهة أك شهوة‪،‬‬
‫كعقيدة أىل السنة كاعبماعة حبمد ا﵁ عقيدة منصورة‪ ،‬كعقيدة سهلة ميسورة‪ ،‬كيزداد الطالب للعلم‬
‫فيها‪ ،‬يزداد حبمد ا﵁ إيبانا كيقيننا‪ ،‬كيشعر بلذة عظيمة اليت ىي أعظم اللذات‪ ،‬اللذة العلمية أعظم‬
‫متصبل بعلم االعتقاد؟ كالذم يدكر حوؿ أشرؼ اؼبطالب أال كىو‪:‬‬ ‫أنواع اللذات‪ ،‬فكيف إذا كاف العلم ن‬
‫اإليباف با﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬ىذه العقيدة اليت بُت أيدينا ألفها شيخ اإلسبلـ أضبد بن عبد اغبليم بن‬
‫عبد السبلـ بن عبد ا﵁ بن اػبضر بن ؿبمد بن تيمية‪ ،‬اؼبعركؼ بابن تيمية اغبراين‪ ،‬كتيمية ىو لقب‬
‫جده اػبامس ؿبمد رضبة ا﵁ تعاىل على اعبميع‪ ،‬كابن تيمية حراين مبَتم‪ ،‬فهو من حيث األصل‪ :‬مبَتم‬
‫القبيلة‪ ،‬حراين اؼبنشأ من حيث األسرة‪ ،‬كحراف من ببلد الشاـ‪ٍ ،‬ب إنو نشأ كترعرع ُب دمشق‪ ،‬كتنقل ُب‬
‫طلب العلم بُت مدف شىت‪ ،‬كأخذ العلم عن علماء كثر‪ ،‬حىت أهنم زادكا عن مائيت شيخ من أىل العلم‪.‬‬

‫كشيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ كاف آية ُب العلم كالذكاء كاغبفظ‪ ،‬ككانت عبلمات النبوغ كالذكاء ظاىرة‬
‫عليو منذ نشأتو عليو رضبة ا﵁‪ ،‬حىت أف برز ُب سنة مبكرة‪ ،‬فقد أفىت كناظر كعمره سبعة عشر عاـ‪،‬‬
‫كجلس للتدريس كعمره عشركف عاـ‪ ،‬كأما ما يسره ا﵁ عز كجل على يديو من النتاج العلمي الوفَت فإنو‬
‫شيء عظيم‪ ،‬فابن تيمية رضبو ا﵁ ألٌف ما يزيد عن ألف مصنف‪ ،‬كما ذكر ذلك الذىيب‪ ،‬كىذه‬
‫اؼبصنفات كقعت ُب كبو طبسمائة ؾبلد‪ُ ،‬ب أربعة آالؼ كراسة‪ ،‬ىذا ما أمكن إحصاءه‪ ،‬كإال فتمت‬
‫فتاكل كرسائل مل يربصى من مؤلفات الشيخ عليو رضبة ا﵁‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪2‬‬ ‫هللا‬
‫كىذا اإلماـ اعبليل قد كلد ُب سنة ( ‪ )661‬كتوُب ( ‪ )728‬من اؽبجرة‪ ،‬بالتايل يكوف عاش سبعة‬
‫كستُت عاـ‪ ،‬قضاىا رضبة ا﵁ عليو ُب العلم كالتعليم كالدعوة كاعبهاد ُب سبيل ا﵁ عز كجل‪ ،‬ابن تيمية‬
‫درس لطالب العلم‪ ،‬درس ُب اعبدية ُب اغبياة‪ ،‬فإنو مل يكن يضيع دقيقة من حياتو‪ ،‬فاللحظة كاف ؽبا‬
‫كتعليما‪ ،‬أفٌت حياتو ُب درس العلم كُب تدريسو عليو ‪-‬رضبة ا﵁‪،-‬‬
‫ن‬ ‫درسا ُب العلم طلبنا‬
‫عنده شبن‪ ،‬ككاف ن‬
‫كاف هبلس الساعات الطويلة يومينا بعد صبلة الفجر‪ ،‬كبعد أف يذكر ا﵁ عز كجل إىل شركؽ الشمس‪،‬‬
‫هبلس لتدريس العلم‪ ،‬كىكذا يبضي سحابة يومو بُت تعليم كإفتاء كتدريس‪ ،‬حىت بلغ الغاية ُب العلم‪،‬‬
‫علما‪ ،‬قيل عنو إنو كقبة الصخرة مؤلت كتبنا‪ ،‬زبيل قبة الصخرة‬‫حىت قيل عنو إنو كقبة الصخرة مؤلت ن‬
‫مليئة بالكتب!! ىذا كاف علمو‪ ،‬كىذه كانت رأسو شيخ اإلسبلـ ابن تيمية رضبو ا﵁‪.‬‬

‫حىت قيل عنو أف كل حديث ال يعرفو ابن تيمية ليس حبديث‪ ،‬كاف يبر بالكتاب مرة كاحدة فكأنو‬
‫ينقشو ُب ذىنو‪ ،‬كالكبلـ عن علم شيخ اإلسبلـ كسعة اطبلعو شيء عجيب‪ ،‬ىو أيضا درس ُب اؽبمة‬
‫العالية‪ ،‬لساف حالو يقوؿ‪ :‬أسعى إىل أف أدخل إىل اعبنة من كل باب من األبواب الثمانية‪ ،‬كلذلك‬
‫مهما جئت إىل مناخ حياة شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ كجدت البحر الشاسع الواسع‪ ،‬إف جئتو إىل العلم‪،‬‬
‫إف جئتو إىل التعليم‪ ،‬إف جئتو من جهة الدعوة إىل ا﵁ عز كجل‪ ،‬إف جئتو من جهة اعبهاد ُب سبيل ا﵁‬
‫عز كجل باليد كاللساف كالقلم‪ ،‬إف جئتو من جهة الكرـ كحسن اػبلق كسبلمة الصدر‪ ،‬إف جئتو من‬
‫أيضا درس ُب الزىد ُب الدنيا‪،‬‬ ‫جهة بذؿ نفسو إىل الناس‪ ،‬كنفعو الناس‪ ،‬فحدث حينئذ كال حرج‪ ،‬كىو ن‬
‫كالصدؽ مع ا﵁ عز كجل‪ ،‬كال أظن أنو قد بلغ ما بلغ من ىذه الشهرة كمن ىذا القبوؿ عند الناس إال‬
‫أنو قد صدؽ ا﵁ عز كجل‪ ،‬فصدقو ا﵁‪ ،‬لعل ا﵁ عز كجل بلغو مرتبة اإلمامة ُب الدين‪ ،‬ؼبا كاف عليو‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿و َج َعلْنَا م ْن ُه ْم أَئ امةً يَ ْه ُدو َن بِأ َْم ِرنَا لَ اما َ‬
‫صبَ ُروا َوَكانُوا‬ ‫َ‬ ‫من الصدؽ كالصرب كاليقُت‪ ،‬قاؿ جل كعل‪:‬‬
‫بِآيَاتِنَا يُوقِنُو َن﴾‬

‫كاف رضبو ا﵁ ثابتا مع اغبق‪ ،‬مع كثرة ما أذم ُب سبيل ا﵁ عز كجل‪ ،‬تقلب عليو اؼبتقلبوف‪ ،‬كأكغركا‬
‫صدكر اغبكاـ‪ ،‬كسعوا ُب أذيتو‪ ،‬بل سعوا ُب قتلو‪ ،‬كناظركه‪ ،‬كحاكموه‪ ،‬كسجنوه‪ ،‬سجن رضبو ا﵁ سبع‬
‫درسا‬
‫مرات‪ ،‬استغرقت طبس سنُت‪ ،‬كما تزحزح عن اغبق الذم يدين ا﵁ عز كجل بو قيد شعره‪ ،‬كاف ن‬
‫ُب الثبات على اغبق‪ ،‬كالصدؽ مع ا﵁ عز كجل‪ ،‬ككاف زاىدا ُب الدنيا‪ ،‬مل يعرؼ شيخ اإلسبلـ رضبو‬
‫ا﵁ باؼباؿ‪ ،‬كال بالعقارات‪ ،‬كال بالتجارات‪ ،‬لكنو عرؼ دبا ىو أشهر من ذلك كلو‪ ،‬كىو الدعوة إىل ا﵁‬
‫عز كجل‪ ،‬كاعبهاد ُب سبيلو سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪3‬‬ ‫هللا‬
‫كلذلك ما ترؾ موقعة ييوصل ا﵁ عز كجل فيها إال كشارؾ فيها‪ ،‬ما ترؾ ضاال كال فرقة منحرفة إال‬
‫نازؽبا‪ ،‬كأبطل شبهاهتا‪ ،‬ال توجد فرقة إال كلشيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ إسهاـ ُب مؤلف‪ ،‬أك كبوه ُب الرد‬
‫عليها‪ ،‬ناىيك عن ما تناكؿ من الرد على اليهود كالنصارل كغَتىم من ملل الكفر‪ ،‬ابن تيمية أيضا‬
‫درس ُب سبلمة الصدر‪ ،‬كاإلزراء على النفس‪ ،‬كعدـ االنتصار ؽبا‪ ،‬ؼبا سجن ُب إحدل اؼبرات‪ ،‬كسجن‬
‫معو أخوه‪ ،‬رفع أخوه يده يدعو على ىؤالء الذين ظلمونبا‪ ،‬فنهاه عن ذلك‪ ،‬كقاؿ‪ :‬ال تفعل‪ ،‬بل قل‪:‬‬
‫نورا يهتدكف بو إىل اغبق‪ ،‬كؼبا جاءه أحد تبلميذه يبلغو كيبشره ُب ظنو دبوت أحد ألد‬
‫اللهم ىب ؽبم ن‬
‫أعداءه‪ ،‬ما كاف منو إال أف زجر كقاؿ‪ :‬تبشرين دبوت مسلم؟ ٍب قاـ من ساعتو إىل بيت أىلو‪ ،‬كقاؿ‬
‫ؽبم‪ :‬أنا مثل الوالد لكم‪ ،‬ىكذا تكوف النفوس الشريفة‪ ،‬كالنفوس العفيفة‪ ،‬كالنفوس اليت تريد كجو ا﵁‬
‫عز كجل‪ ،‬كىكذا يكوف أثر العلم ُب السلوؾ كالعمل‪.‬‬

‫ماذا يبكن أف نتكلم كأف نقوؿ ُب ىذه الشخصية الفاذة‪ ،‬اليت مل يأٌب مثلها‪ ،‬قبلو بقركف‪ ،‬كال بعده‬
‫فيما نعلم إىل ىذا اليوـ‪ ،‬كلذلك الناظر ُب ما كتب عن شيخ اإلسبلـ الشيخ ابن تيمية رضبو ا﵁‪ ،‬هبد‬
‫أنو قل نظَت ىذا الرجل من حيث اىتماـ أىل العلم بًتصبتو‪ ،‬أك دراسة آراءه رضبو ا﵁‪ ،‬ال تكاد ذبد‬
‫عاؼبا كتب فيو كألف فيو‪ ،‬كدرست آراءه كما كاف ىذا لشيخ اإلسبلـ ابن تيمية رضبو ا﵁‪ ،‬مع كثرة‬
‫معارضيو الذين ما تركوا فرية إال كألصقوىا بو رضبو ا﵁‪.‬‬

‫كلنا ا﵁ العجب!! كيف أف موت شيخ اإلسبلـ رضبو اللهكاف أشهر لو من حياتو؟ بل لعلنا‬
‫نقوؿ‪ :‬أف حياتو بعد موتو كانت أشهر من حياتو أثناء كجوده‪ ،‬كلعل ىذا باللساف الصدؽ‪ ،‬الذم جعلو‬
‫ا﵁ لو رضبو ا﵁ فإف الشهرة العلمية ؼبؤلفاتو كمصنفاتو كانت بعد كفاتو أكثر منها ُب حياتو‪ ،‬كىا كبن‬
‫اليوـ نرل أنو ال يكاد ىبلو طالب علم من التوفر على شيء من مؤلفات شيخ اإلسبلـ‪ ،‬حىت كلو كاف‬
‫معارضا لو‪ ،‬ال يكاد أف يستغٍت عن مؤلفاتو رضبو ا﵁ أحد‪ ،‬كىذا لعلو من شبرات صدقو مع ا﵁ سبحانو‬ ‫ن‬
‫كتعاىل‪ ،‬كالعجيب أنو كاف وبارب ُب حياتو‪ ،‬ككانت مؤلفاتو ربارب‪ ،‬ككذلك بعد كفاتو‪ ،‬حىت إف‬
‫مؤلفاتو كانت من ا﵀ظورات بعد كفاتو‪ ،‬ككاف يؤذل من يوجد معو شيء من مؤلفات شيخ اإلسبلـ‪،‬‬
‫ككاف قلة قليلة هتتم بعلمو كإرثو‪ ،‬حىت أف اؼبقريزم ُب ترصبتو لو ُب اػبطط ذكره‪ ،‬كالعهد بينهما قليل‪،‬‬
‫يعٍت قرابة اؼبائة سنة بينهما‪ ،‬كؼبا ترجم لو قاؿ‪ :‬كاليوـ يتبع ابن تيمية قلة قليلة ُب الشاـ كمصر‪ ،‬أك عبارة‬
‫كبو ىذه‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪4‬‬ ‫هللا‬
‫لكن انظر ىذا اػبَت الوفَت الذم جعلو ا﵁ سبحانو كتعاىل ؽبذا اإلماـ كمؤلفاتو ؽبذا اليوـ‪ ،‬بعد ىذه‬
‫القركف اؼبتطاكلة من كفاتو عليو رضبة ا﵁‪ ،‬كلذلك ىذا درس لطالب العلم‪ ،‬كىو أنو ال ينبغي أف يكوف‬
‫يصا على أف يشاىد نتيجة دعوتو‪ ،‬كنتائج تعليمو‪ ،‬بل عليو أف يكوف نبو ىو ُب بذؿ اعبهد ُب نشر‬ ‫حر ن‬
‫اغبق كإببلغو‪ ،‬كأما الثمرات كأما النتائج فأمرىا إىل ا﵁ عز كجل‪ ،‬كعلي أف أسعى‪ ،‬كليس علي إدراؾ‬
‫النجاح‪ ،‬ىذا ىو ابن تيمية‪ ،‬كلسنا حبمد ا﵁ غبلة فيو كال غبلة ُب غَته‪ ،‬لكن من حقو على أىل السنة‬
‫أف يذكركه دبا ىو أىلو‪ ،‬كىذا من بعض شكره على ما قدـ إلينا من العلم العظيم‪ ،‬الذم انتفعنا بو عليو‬
‫رضبة ا﵁‪ ،‬كالنيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ‪« :‬ليس منا من لم يجل كبيرنا‪ ،‬ويرحم صغيرنا‪ ،‬ويعرف‬
‫لعالمنا حقو»‪.‬‬

‫وىا ىنا وقفة أمام شبهة‪ ،‬يروج لها من يروج‪ ،‬من المخالفين لمعتقد أىل السنة والجماعة‪،‬‬
‫فإنهم يزعمون‪ :‬أف العقيدة اليت عليها أىل السنة كاعبماعة ليست عقيدة السلف‪ ،‬كإمبا ىي عقيدة ابن‬
‫تيمية‪ ،‬أنشأىا ابن تيمية‪ ،‬كما أنو يصفوف أىل السنة كاعبماعة كعقيدهتم بأهنا كىابية‪ ،‬كأهنم كىابية‪،‬‬
‫ككبل الشبهتُت الشك أهنا من الشبو الباطلة الكاذبة‪ ،‬فابن تيمية مل يكن منشأ ؽبذه العقيدة‪ ،‬كالعقيدة‬
‫ال تؤخذ ال من ابن تيمية كال ًمن ىمن فوقو‪ ،‬العقيدة إمبا تؤخذ عن ا﵁‪ ،‬كعن رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم‪ ،‬كعما اتفق عليو السلف‪.‬‬

‫كلذلك القاعدة عند أىل العلم من اؼبوصفُت‪ :‬أف العلماء مظهركف للحق‪ ،‬كليسوا منشئُت للحق‪،‬‬
‫يظهركنو‪ ،‬يبينونو‪ ،‬يدعوف الناس إليو‪ ،‬يزيلوف الشبهات عنو‪ ،‬يدفعوف الباطل الذم يركج لو أىل الضبلؿ‬
‫كالبدع ذباىو‪ ،‬أما أف يكوف اغبق منهم فهذا ليس بصحيح‪ ،‬كلذلك ال يسًتيب أحد من أىل السنة‬
‫كاعبماعة قط‪ ،‬أنو لو قيدر خركج ابن تيمية كابن عبد الوىاب من قربيهما‪ ،‬لو خرجا كقاال لنا‪ :‬لقد‬
‫رجعنا عن ما كنا عليو من االعتقاد‪ ،‬فإف أىل السنة كاعبماعة على لساف كاحد سيقولوف‪ :‬ىذا‬
‫شأنكما‪ ،‬أما كبن فبل نرجع عن اغبق الذم دؿ عليو كتاب ا﵁ كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬

‫كانت ميزة ابن تيمية أنو جعل اغبق ُب قوالب من حيث التنظَت‪ ،‬كمن حيث الرد‪ ،‬ككافح كنافح‬
‫عن ىذا اؼبعتقد‪ ،‬كرد شبهات ـبالفيو‪ ،‬كأما مضموف ما دعا إليو كما بينو من اؼبعتقد‪ ،‬فبل شك أنو ىو‬
‫الذم كاف عليو معتقد النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬ككاف عليو معتقد أصحابو‪ ،‬كىلم جر إىل آخر عهد‬
‫السلف الصاحل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪5‬‬ ‫هللا‬
‫كلذلك ذكر شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ ُب منهاج السنة ُب اعبزء السابع‪ :‬أنو لو مل يىبلق البخارم‬
‫كمسلم ما نقص من الدين شيء‪ ،‬ككبن نقوؿ لو مل يىبلق ابن تيمية ما نقص من الدين شيء مل؟ ألف‬
‫ىذا الدين ؿبفوظ حبفظ ا﵁ عز كجل‪ ،‬كليس باستحفاظ أىل العلم‪ ،‬مل هبعل ا﵁ عز كجل حفظ ىذا‬
‫الدين للعلماء‪ ،‬إمبا توىل ىو سبحانو حفظ ىذا الدين‪ ،‬كلذلك فإف ا﵁ عز كجل يقيد من أىل العلم‬
‫من يدعو إىل ىذا اغبق‪ ،‬كينصره‪ ،‬كيبينو‪ ،‬كالسيما إذا كاف الزماف زماف فًتة‪ ،‬كإذا كاف الزماف زماف غلبة‬
‫لؤلىواء‪ ،‬كىكذا كاف ؼبا قيد ا﵁ عز كجل ؽبذه العقيدة‪ ،‬عقيدة أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬األئمة األجبلء‬
‫كابن تيمية رضبو ا﵁ كغَته‪.‬‬

‫ؼبا ني ًظىر شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ على ىذه العقيدة اليت بُت أيدينا‪ ،‬كسأتكلم عن ىذا إف شاء ا﵁‬
‫بعد قليل‪ ،‬ذكر أنو ؼبا كثر الكبلـ ككثر الصراخ عند األمَت الذم ىو نائب السلطاف‪ ،‬كأنو خاؼ على‬
‫شيخ اإلسبلـ من مناكئيو‪ ،‬فقاؿ ؽبم‪ :‬إف الرجل كتب عقيدة اإلماـ أضبد‪ ،‬الذم ىو إمامو‪ ،‬كىذا ال‬
‫يعًتض عليو فيو‪ ،‬كأنو أراد أف ينهي األمر دبثل ىذا االعتبار‪ ،‬أف ىذه العقيدة اليت ىي العقيدة‬
‫الوسطية‪ ،‬إمبا ىي عقيدة اإلماـ أضبد بن حنبل رضبو ا﵁‪ ،‬فأىب ذلك شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁‪ ،‬كقاؿ‪ :‬ىذه‬
‫عقيدة ؿبمد‪ ،‬ليست عقيدة أضبد‪ ،‬ىذه عقيدة ؿبمد بن عبد ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كاإلماـ أضبد‬
‫ليس لو ميزة ُب ىذا األمر‪ ،‬بل إف اإلماـ أضبد إمبا نبل؛ ألنو تكلم دبا جاء ُب الكتاب كالسنة‪ ،‬كلو‬
‫تكلم خببلؼ ذلك ما قبل منو‪.‬‬

‫إذنا ىذه العقيدة كذلك كبن نقوؿ ليست عقيدة أضبد ابن تيمية‪ ،‬إمبا ىي عقيدة ؿبمد بن عبد ا﵁‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬ىذا الذم ينبغي أف ينبو عليو‪ٍ ،‬ب نقوؿ مع ذلك‪ :‬ليس ذنب شيخ اإلسبلـ أف‬
‫يكوف موفق للحق‪ ،‬أف يكوف ا﵁ عز كجل قد فتح عليو بإصابة اغبق‪ ،‬حىت إنو مل يعرؼ لو خطأ ُب‬
‫باب االعتقاد‪ ،‬ىذا ليس ذنبو‪ ،‬ىذا من توفيق ا﵁ سبحانو كتعاىل لو‪ ،‬كلكن كبن مل نأخذ ىذا االعتقاد‬
‫منو ألنو أنشأه كقالو‪ ،‬لكن كبن نستفيد منو كما نستفيد من غَته من أىل العلم‪ ،‬أىل السنة كاعبماعة‬
‫نظرىم إىل العلماء على ميزاف نظرىم إىل قبوـ السماء‪ ،‬من حيث أف النجوـ كسيلة ؼبعرفة جهة القبلة‪،‬‬
‫كبن ال نصلي جهة النجوـ‪ ،‬إمبا نستعُت بالنجوـ بعد ا﵁ عز كجل على معرفة القبلة‪ ،‬كذلك إذا عرفنا‬
‫القبلة كرأيناىا‪ ،‬كربققناىا‪ ،‬فإننا ال كبتاج حينئذ إىل ىذه النجوـ‪ ،‬العلماء كالنجوـ اليت يهدم هبا ا﵁‬
‫عز كجل السائرين إىل اغبق‪ ،‬إىل القبلة‪ ،‬إىل حيث يرضى ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كأما أف يكوف ذلك ألنو‬
‫ىو الذم قالو‪ ،‬كألنو ىو الذم أنشأه‪ ،‬فإف ىذا ليس بصحيح‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪6‬‬ ‫هللا‬
‫ٍب نقوؿ أيضا أم شيء تأخذكنو عن ابن تيمية‪ ،‬ىاتوا مسألة عقدية كاحدة خالف فيها مقتضى‬
‫الكتاب كالسنة‪ ،‬ؼبا ني ًظىر شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ ُب ىذه العقيدة‪ ،‬ربدل اؼبناظرين لو‪ ،‬ككانوا من‬
‫اؼبتكلمُت الكبار من القضاة‪ ،‬من اؼبذاىب اؼبختلفة‪ ،‬ربداه رضبو ا﵁ أف يؤتوا حبرؼ كاحد‪ ،‬مل يقل‬
‫كلمة‪ ،‬بل قاؿ‪ :‬أربداكم أف تأتوا حبرؼ كاحد قلتو ُب ىذه العقيدة خالفت فيو ما كاف عليو السلف‬
‫الصاحل‪ ،‬الذين ىم أىل القركف ا﵀مودة‪ ،‬الذين أثٌت عليهم النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كما فعلوه‪ ،‬مضت‬
‫ثبلث سنوات‪ ،‬كثبلثوف سنة‪ ،‬كثبلشبائة سنة‪ ،‬كمضت قركف طويلة كإىل اليوـ ما استطاعوا أف يثبتوا شيء‬
‫ُب ىذه الكلمة‪ ،‬كال شيء ُب مؤلفاتو رضبو اللهقررىا ُب معتقد أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬خالفت ما كاف‬
‫عليو السلف الصاحل‪.‬‬

‫اؼبقصود يا أيها اإلخوة‪ :‬أف ىذه شبو زائفة‪ ،‬ينبغي على أىل السنة كاعبماعة أف يتنبهوا‪ ،‬كأف‬
‫وبذركا‪ ،‬مع معرفتهم باغبق‪ ،‬كمعرفتهم بقدر أىل اغبق‪ ،‬كأف يستفيدكا من كبلـ ىذا اإلماـ اجملاىد رضبو‬
‫ا﵁‪ ،‬كما أف عليهم أف يستفيدكا من كبلـ غَته من أئمة أىل السنة كاعبماعة رضبة ا﵁ عليهم أصبعُت‬
‫كجازاىم عنا خَت اعبزاء‪.‬‬

‫أما ىذا اؼبؤلف الذم بُت أيدينا‪ :‬فهو العقيدة الوسطية‪ ،‬ىكذا ظباه شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ ُب‬
‫مناظراتو ُب شأف العقيدة الوسطية‪ ،‬كما أكدع ىذه اؼبناظرة كحكاىا كما ُب ؾبموع الفتاكل ُب اعبزء‬
‫الثالث من صحيفة ستُت كمائة‪.‬‬

‫سبب تأليف ىذه الرسالة‪ :‬ىو أف أحد قضاة كاسط‪ ،‬ككاسط مدينة ُب العراؽ‪ ،‬بناىا اغبجاج بن‬
‫يوسف‪ ،‬كقيل أهنا ظبيت بذلك؛ ألهنا متوسطة بُت البصرة كالكوفة‪ ،‬اؼبقصود‪ :‬أف أحد قضاهتا كاظبو‬
‫رضي الدين الواسطي‪ ،‬قدـ بعد كفولو من اغبج إىل الشاـ‪ ،‬كلقي شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ كجالسو كانتفع‬
‫بعلمو‪ٍ ،‬ب أنو شكا إليو ما يعيشو أىل بلدتو من انتشار األىواء‪ ،‬كظلم التتار‪ ،‬ككبو ذلك‪ ،‬فطلب منو‬
‫أف يكتب عقيدة تكوف لو عمدة‪ ،‬كألىل بيتو‪ ،‬فاستعفى شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁‪ ،‬كقاؿ‪ :‬إف أىل السنة‬
‫كاعبماعة قد كتبوا عقائد كثَتة‪ ،‬فخذ كاحدة من ىذه كتكفي‪ ،‬فأحل عليو ُب ذلك‪ ،‬فرضخ شيخ اإلسبلـ‬
‫إىل ىذا الطلب‪ ،‬ككتب ىذه العقيدة‪ ،‬قاؿ‪ :‬كتبتها كأنا قاعد بعد العصر‪ ،‬يعٍت ُب جلسة بعد العصر‪،‬‬
‫كتب ىذه العقيدة اليت يدرسها الناس ُب أياـ طويلة‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪7‬‬ ‫هللا‬
‫كىكذا فعل ُب رسالة الفتول اغبموية‪ ،‬كتبها ُب جلسة بُت الظهر كالعصر‪ ،‬ككاف شيخ اإلسبلـ‬
‫رضبو ا﵁ عجيبنا ُب سرعة التأليف‪ ،‬ؼبا عيرض لو قصيدة أحد اؼبعتزلة كاظبو السكاكيٍت‪ ،‬حيث كتبها على‬
‫لساف أحد علماء أىل الذمة‪.‬‬
‫بأكضح ً‬
‫حجة‬ ‫ً‬ ‫ربَت يدلُّوه‬
‫َّ‬ ‫ذم ُّي دينكم‬
‫أيا علماءى الدين ِّ‬

‫عرضت على شيخ اإلسبلـ ىذه القصيدة‪ ،‬كفيها مباحث تتعلق باؼبعارضة بُت األمر الشرعي‬
‫كالقدر‪ ،‬تأملها شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ ُب غبظة‪ٍ ،‬ب إنو ثٌت إحدل رجليو على األخرل‪ ،‬ككتب ُب تلك‬
‫اعبلسة ( ‪ )119‬بيتا‪ ،‬كىو جالس ُب تلك اللحظة كتب ىذه القصيدة العظيمة اؼبشهورة بالتائية ُب‬
‫القدر‪:‬‬
‫رب العرش بارم ً‬
‫الربية‬ ‫ـباص ًم ِّ‬ ‫سؤاليك يا ىذا سؤ ياؿ و‬
‫معاند‬

‫إىل آخر ما ذكر رضبو ا﵁‪ ,‬اؼبقصود أف شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ ألف ىذه الرسالة‪ ،‬كالظاىر كا﵁‬
‫عاما‪ ،‬كذلك أنو ذكر ُب مفتتح اؼبناظرة‬
‫أعلم أنو ألفها سنة (‪ ،)698‬كبالتايل يكوف عمره حينها (‪ )37‬ن‬
‫على الواسطية‪ :‬أف اؼبناظرة كقعت سنة ( ‪ٍ ،)705‬ب أنو طلب إحضار ىذه العقيدة حىت تقرأ ُب ؾبلس‬
‫اؼبناظرة‪ ،‬يقوؿ ككتبتها من كبو سبع سنُت‪ ،‬بالتايل يكوف قد كتبها ُب ىذه السنة‪ ،)698 ( ،‬كا﵁ تعاىل‬
‫أعلم‪.‬‬

‫مباحث ىذه الرسالة‪ :‬تناكؿ فيها شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ بعد اؼبقدمة‪ :‬مبحث الصفات الذم أخذ‬
‫أكثر من نصف الرسالة‪ٍ ،‬ب أنو تناكؿ بعد ذلك ما يتعلق دببحث اليوـ اآلخر‪ ،‬كالقدر‪ ،‬كمسائل اإليباف‪،‬‬
‫كالصحابة‪ ،‬كاإلمامة‪ٍ ،‬ب ذكر مكمبلت االعتقاد عند أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬كعنايتهم باألخبلؽ‪ ،‬كاألمر‬
‫باؼبعركؼ‪ ،‬كالنهي عن اؼبنكر‪ ،‬كما إىل ذلك‪ ،‬فتجد أهنا عقيدة شاملة لكل مباحث االعتقاد عند أىل‬
‫السنة كاعبماعة‪ ،‬باستثناء مبحث األلوىية‪ ،‬كبالتايل فمن صبع بُت دراسة كتاب التوحيد كالعقيدة‬
‫الوسطية فإنو يكوف أشرؼ على مهمات اؼبسائل ُب االعتقاد عند أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫كما ذكرت لكم حصل لشيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ ؿبنة عظيمة بسبب تأليف ىذه الرسالة‪ ،‬عقب‬
‫كثَتا بُت مصر كالشاـ كالعراؽ‪ ،‬كتناكؽبا‬
‫تأليفو ؽبا كما يقوؿ ىو رضبو ا﵁ ُب مناظرتو‪ :‬انتشرت انتشارا ن‬
‫أعداءه‪ ،‬كألبوا عليو بسببها‪ ،‬فبلغ مرسوما من السلطاف إىل نائبو على الشاـ أف هبمع ابن تيمية مع‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪8‬‬ ‫هللا‬
‫العلماء كاؼبقدمُت من القضاة ككبوىم‪ ،‬كتكوف مناظرة ُب حضرتو حوؿ ىذه العقيدة‪ ،‬كجلسوا عدة‬
‫ؾبالس‪ ،‬كأبرزكا عندىم من اؼبآخذ على شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁‪ ،‬كتلخصت تلك اؼبآخذ اليت زعموىا ُب‬
‫ما يتعلق دبسألة االستواء على العرش‪ ،‬كاؼبعية‪ ،‬ككذلك العلو‪ ،‬ككذلك قولو ُب مفتتح ىذه العقيدة‪ :‬إهنا‬
‫عقيدة الفرقة الناجية‪ ،‬فيلزـ من ىذا من مل يكن ملتزما هبا ىال نكا كال بد‪ ،‬إىل آخر ما أكردكا على ىذه‬
‫العقيدة‪ ،‬توقف ؽبم شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁‪ ،‬ككاف حالو معهم كحاؿ السيل العرمرـ إذا القى ساقية‬
‫صغَتة‪ ،‬كىم أنفسهم اعًتفوا دبا ُب ىذه العقيدة من اؼبباحث الفاضلة‪ ،‬كشكركه عليها‪ ،‬كأثنوا عليو هبا‪،‬‬
‫ذكر رضبو ا﵁ عدة مسائل‪.‬‬

‫أنو ؼبا قرأت ىذه اؼبسائل أمامهم فرحوا هبا جدا‪ ،‬كذكركا أنو قد ذبلت ؽبم الشبهة بسبب ما ذكره‪،‬‬
‫كاقرأ ُب ىذه اؼبناظرة‪ ،‬فإهنا مناظرة نافعة فبتعة‪.‬‬

‫مميزات ىذه الرسالة‪:‬‬

‫أوال‪:‬أهنا رسالة كجيزة ـبتصرة‪ ،‬كىي على إهبازىا شاملة كما ذكرت لك كثَتا من مباحث االعتقاد‬
‫ً‬
‫عند أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫ووانياً‪:‬أف عماد ىذه الرسالة أدلة الكتاب كالسنة‪ ،‬قد أكثر اؼبؤلف رضبو ا﵁ من االستدالؿ على ما‬
‫يذكر بأدلة القرآف كالسنة‪ ،‬كىذه ك﵁ اغبمد ظبة بارزة لكل مؤلفات أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫ضا من مميزاتها ‪ :‬أف مؤلفها قد ربرل ذكر ألفاظ النصوص‪ ،‬كمل يرغب أف ىبرج عن ألفاظها ُب‬
‫أي ً‬
‫تأليف ىذه الرسالة‪ ،‬حىت ُب اؼبسائل الدقيقة‪ ,‬كلذلك ذبد أنو قد ذبنب لفظ التأكيل اؼبذموـ إىل لفظ‬
‫التحريف‪ ،‬كذبنب لفظ التشبيو إىل لفظ التمثيل‪ ،‬ال ؛ ألف ىذه األلفاظ ال يصح استعماؽبا ُب جهة‬
‫النفي‪ ،‬إمبا ألجل موافقة أدلة الكتاب كالسنة‪ ،‬كىذا قد أشار إليو رضبو ا﵁ ُب مناظرتو على ىذه‬
‫العقيدة‪ ،‬كاؼبقصود أف ىذه العقيدة كتب ؽبا ا﵁ عز كجل االنتشار كالقبوؿ عند الناس‪ ،‬كانتشرت منذ‬
‫حياتو كإىل ىذا اليوـ ك﵁ اغبمد‪ ،‬كاعتٌت هبا أىل العلم كطبلبو‪ ،‬من حيث اغبفظ‪ ،‬كمن حيث الدراسة‪،‬‬
‫كمن حيث الشرح‪ ،‬كلذلك ألفت ُب ىذه العقيدة مؤلفات شىت من حيث الشرح‪ ،‬كأنا أكصي طالب‬
‫العلم بالعناية حبفظ ىذه العقيدة‪ ،‬فإهنا عقيدة نافعة كما ذكرت‪ ،‬كمفيدة‪ ،‬كألفاظها مطابقة أللفاظ‬
‫النصوص‪ ،‬فهي من أحسن مؤلفات عقيدة أىل السنة كاعبماعة الوجيزة‪ ،‬فحبذا لو أف طالب العلم‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪9‬‬ ‫هللا‬
‫حرص على أف وبفظ ىذه العقيدة‪ ،‬كلعلنا نشرع إف شاء ا﵁ ُب دراسة ما تيسر ُب ىذه العقيدة‪ ،‬اسأؿ‬
‫ا﵁ عز كجل يل كلكم العلم النافع كالعمل الصاحل‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم رحمو اهلل تعالى‪( :‬بسم اهلل الرحمن الرحيم‪ ،‬الحمد هلل الذي أرسل رسولو‬
‫بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كلو وكفى باهلل شهيدا)‪.‬‬

‫افتتح اؼبؤلف رضبو ا﵁ ىذه الرسالة بالبسملة‪ ،‬اقتضاء بكتاب ا﵁ عز كجل‪ ،‬كسنة رسولو صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم‪ ،‬كما مضى عليو أىل العلم‪ ،‬كقد ذكر اغبافظ بن اغبجر ُب اعبزء األكؿ من الفتح ُب أكلو‪،‬‬
‫ذكر أف عمل اؼبصنفُت ُب العلم‪ ،‬قد استقر على افتتاح كتب العلم بالبسملة‪ ،‬ذلك أف أىل العلم‬
‫جعلوا ىذه اؼبؤلفات كالكتب دبثابة الرسائل‪ ،‬ىي رسالة تنفع قارئها‪ ،‬كالنيب صلى ا﵁ عليو كسلم كاف‬
‫يفتتح رسائلو بالبسملة‪ ،‬سواء كانت رسالة تتضمن الدعوة‪ ،‬كرسالتو إىل ىرقل‪ ،‬أك ما فعل أصحابو ‪-‬‬
‫رضي ا﵁ عنهم‪ -‬كأيب بكر رضي ا﵁ عنو ُب رسالة العلم كاألحكاـ‪ ،‬كما ُب رسالة الصدقة اليت زكد هبا‬
‫أنس رضي ا﵁ عنو حينما بعثو إىل البحرين‪ ،‬كما أخرج ىذا البخارم رضبو ا﵁ ُب صحيحو‪.‬‬

‫كقد جرل الكبلـ عن البسملة‪ ،‬كما يتعلق دبباحثها ُب مقدمة شرح كتاب التوحيد‪ٍ ،‬ب أنو ثٌت حبمد‬
‫أيضا ىو الثناء‬ ‫ا﵁ عز كجل‪ ،‬كالصبلة كالسبلـ على رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كاغبمد كما مر معنا ن‬
‫على ا﵀مود‪ ،‬مع ؿببتو كإجبللو كتعظيمو‪ ،‬كىذا اغبمد الذم افتتح بو ىذه الرسالة‪ :‬اغبمد ﵁ الذم‬
‫﴿ى َو الا ِذي أ َْر َس َل‬
‫ُ‬ ‫أرسل رسولو باؽبدل كدين اغبق ليظهره على الدين كلو مقتبس من آية الفتح‪:‬‬
‫ْح ٍّق لِيُظْ ِه َرهُ َعلَى الدٍّي ِن ُكلٍّ ِو َوَك َفى بِاللا ِو َش ِهي ًدا﴾ كا﵁ عز كجل أرسل رسولو‬ ‫ِ‬
‫َر ُسولَوُ بِال ُْه َدى َودي ِن ال َ‬
‫باؽبدل كدين اغبق‪ ،‬كاؽبدل كما بُت شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ ىو العلم النافع‪ ،‬كدين اغبق ىو العمل‬
‫الصاحل‪ ،‬كمن صبعهما كانت لو النجاة كالفبلح كالتوفيق‪.‬‬

‫الهدى‪ :‬العلم النافع‪ ،‬دين الحق‪ :‬ىو العمل الصاحل‪ ،‬قاؿ‪﴿ :‬لِيُظْ ِه َرهُ َعلَى الدٍّي ِن ُكلٍّ ِو﴾ ‪ ،‬جعل‬
‫ا﵁ عز كجل الغلبة كالظهور لدين النيب ؿبمد صلى ا﵁ عليو كسلم على سائر األدياف‪ ،‬كىذا ما ىو‬
‫مشاىد بالعياف حبمد ا﵁ عز كجل‪ ،‬ا﵁ عز كجل جعل الظهور كالظفر كالغلبة ؽبذا الدين العظيم‪،‬‬
‫اجا‪ ،‬عقب دعوة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كمل يزؿ‬ ‫كمكن لو ُب األرض‪ ،‬فدخل الناس ُب دين ا﵁ أفو ن‬
‫األمر ُب زيادة‪ ،‬كمل تنقضي األياـ كالليايل حىت يزيد ىذا االنتشار‪ ،‬كيزيد ىذا اػبَت‪ ،‬حىت ال يدع بيت‬
‫حجر كال مدر إال دخلو‪ ،‬كما أخرب هبذا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪10‬‬ ‫هللا‬
‫كظهور الدين قد يكوف بالسناف‪ ،‬كقد يكوف بالقلم كاللساف‪ ،‬الظهور قد يكوف باعبهاد العملي‪،‬‬
‫كقد يكوف باعبهاد العلمي‪ ،‬كالنصر حاصل حبمد ا﵁ ُب كليهما‪ ،‬ىو حاصل غالبنا ُب اعبهاد العملي‪،‬‬
‫كحاصل دائما ُب اعبهاد العلمي‪ ،‬قاؿ‪﴿ :‬لِيُظْ ِه َرهُ َعلَى الدٍّي ِن ُكلٍّ ِو َوَك َفى بِاللا ِو َش ِهي ًدا﴾ كفى با﵁‬
‫شهيدا‪ :‬أف ؿبمدا صلى ا﵁ عليو كسلم رسولو‪ ،‬ككفى با﵁ شهيدا‪ :‬أف أرسلو بدينو‪ ،‬ككفى با﵁ شهيدا‪:‬‬
‫أنو أظهره على الدين كلو‪ٍ ،‬ب صلى على نبينا صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬

‫قال رحمو اهلل‪( :‬وأشهد أن ال إلو إال اهلل وحده ال شريك لو إقرار بو وتوحيده‪ ،‬وأشهد أن‬
‫تسليما مزي ًدا)‬
‫ً‬ ‫محمد عبده ورسولو‪ ،‬صلى اهلل عليو وعلى آلو وسلم‬

‫قدـ بُت يدم صبلتو على النيب صلى ا﵁ عليو كسلم شهادتو بشهادٌب اغبق‪ ،‬شهادة أف ال إلو إال‬
‫ا﵁‪ ،‬كأف ؿبمدا رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كمضى الكبلـ بالتفصيل عن الشهادتُت ُب شرح‬
‫كتاب التوحيد‪.‬‬

‫كأما الصبلة على النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ :‬األمر فيها كما قاؿ أبو العالية رضبو ا﵁ فيما أكرده‬
‫البخارم رضبو ا﵁ ُب صحيحو‪ :‬أف الصبلة من ا﵁ ثناءه على عبده عند اؼببلئكة‪ ،‬كأما صبلة اؼببلئكة‬
‫فإهنا دعاءىم لو‪ ،‬الصبلة من ا﵁ على نبيو صلى ا﵁ عليو كسلم ىو ثناءه على ىذا النيب الكرًن صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم عند مبلئكتو‪ ،‬كأما من العباد من اؼببلئكة كمن اؼبؤمنُت فإف ىذا دعاءىم لو صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم‪ ،‬ككذلك السبلـ‪ :‬فإنو يدعى لو عليو الصبلة كالسبلـ بالسبلمة‪ ،‬السبلمة لو ُب حياتو عليو‬
‫الصبلة كالسبلـ‪ ،‬كالسبلمة بعد كفاتو لدينو كلدعوتو عليو الصبلة كالسبلـ‪.‬‬

‫قال رحمو اهلل‪( :‬وأشهد أن ال إلو إال اهلل وحده ال شريك لو‪ ،‬إقرار بو وتوحيده‪ ،‬وأشهد أن‬
‫تسليما مزي ًدا)‪.‬‬
‫ً‬ ‫محمد عبده ورسولو‪ ،‬صلى اهلل عليو وعلى آلو وسلم‬

‫صلى عليو ٍب على آلو‪ ،‬كسنتكلم إف شاء ا﵁ على ما يتعلق باآلؿ كالصحابة ُب موضع ذلك من‬
‫ىذه الرسالة‪ ،‬كإذا ذيكر آؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كأصحابو‪ ،‬فاؼبراد بآؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫على كجو اإلهباز‪- ،‬أقدـ ىذا اآلف على كجو اإلهباز‪ -‬أقوؿ‪ :‬أف آؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كصف‬
‫أكال‪ :‬ذريتو عليو الصبلة كالسبلـ كذريتهم‪ ،‬كثانينا‪ :‬زكجاتو أمهات اؼبؤمنُت‪ ،‬كثالثنا‪:‬‬
‫يراد بو ثبلثة أصناؼ‪ ،‬ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪11‬‬ ‫هللا‬
‫قرابتو الذين ىم بنو ىاشم‪ ،‬ىذا ما يشملو لفظ آؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬أك أىل بيت النيب صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬

‫(أما بعد) ىذه كلمة تسمى كلمة فصل‪ ،‬يعٍت يؤتى هبا للفصل بُت كبلـ ككبلـ‪ ،‬يعٍت تكوف‬
‫(أما‬ ‫متكلما ُب شيء معُت ٍب تريد االنتقاؿ منو إىل غَته‪ ،‬فإنك تأٌب هبذه الكلمة‪ ،‬كالضم ىا ىنا‪:‬‬
‫بعد) فإنو إشارة إىل كبلـ ؿبذكؼ‪ ،‬يعٍت كأنك تقوؿ‪ :‬أما بعد ضبد ا﵁ كالصبلة كالسبلـ على رسولو‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬فإين أقوؿ‪ :‬كذا ككذا‪ ،‬إذنا إذا أتيت هبذا ا﵀ذكؼ فإنك تفتح الداؿ‪ ،‬إذا أتيتو‬
‫كقدرت الكبلـ ىكذا‪ :‬أما بعد ضبد ا﵁ ككذا ككذا‪ ،‬فإين أقوؿ كذا ككذا‪ ،‬أما إذا حذؼ كما ىي عادة‬
‫العرب ُب كثَت من كبلمهم‪ ،‬فإف ىذا يشَت إىل ىذا الكبلـ ا﵀ذكؼ‪ ،‬أما بعد ما تقدـ فإين أقوؿ‪ :‬كذا‬
‫ككذا‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميةرحمو اللهتعالى في رسالتو العقيدة الوسطية اعتقاد الفرقة الناجية‬
‫المنصورة إلى قيام الساعة أىل السنة والجماعة‪( :‬أما بعد اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى‬
‫قيام الساعة أىل السنة والجماعة)‬

‫أفصح اؼبؤلفرضبو اللهبعد ما قدـ فيما ظبعت ُب الدرس الفائت‪ ،‬أفصح بغايتو من ىذا التأليف‪،‬‬
‫كىو بياف اعتقاد الفرقة الناجية اؼبنصورة إىل قياـ الساعة الذين ىم أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫واالعتقاد‪ :‬ىو ما يعتقد يعٍت ما يصدؽ بو القلب تصدي نقا ن‬


‫جازما‪ ،‬ىذا ىو االعتقاد كاؼبعتقد‬
‫جازما‪ ،‬فييعقد عليو القلب‪.‬‬
‫كالعقيدة‪ ،‬ما يصدؽ بو القلب تصدي نقا ن‬
‫كالشك كال ريب أف الدين منقسم إىل ما يقوـ بالقلب كإىل ما يقوـ باعبوارح‪ ،‬كباب االعتقاد‬
‫متعلق بالقسم األكؿ‪ ،‬كىو ما يقوـ بالقلب‪.‬‬

‫قالرضبو ا﵁ (فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة) الفرقة الطائفة من الناس‪،‬‬
‫يعٍت اعبماعة من الناس‪ ،‬كذكر اؼبؤلفرضبو اللههاىنا ثبلثة ألقاب ؽبذه الفرقة‪:‬‬

‫اللقب األكؿ‪ :‬أهنم الفرقة الناجية‪.‬‬

‫كاللقب الثاين‪ :‬أهنم الفرقة اؼبنصورة‪.‬‬


‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪12‬‬ ‫هللا‬
‫كاللقب الثالث‪ :‬أهنم أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫أما اللقب األكؿ‪ ،‬كىو أهنم أىل الفرقة الناجية‪ ،‬فإف كوف ىؤالء فرقة من فرؽ ىذه األمة‪ ،‬قد دؿ‬
‫عليو أدلة من سنة نبينا صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬ففي الصحيحُت أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ «ال‬
‫تزال طائفة من أمتي على الحق ظاىرين ال يضرىم من خذلهم حتى يأتي أمر اهلل وىم‬
‫كذلك»فهذه الطائفة ىي الفرقة‪.‬‬

‫إ نذا من ىذه األمة طائفة كافقت اغبق كالتزمتو كثبتت عليو‪ ،‬كشبة طائفة أك طوائف مل تكن كذلك‪،‬‬
‫أيضا ما جاء ُب حديث افًتاؽ األمة‪ ،‬كىو ما ركل أبو ىريرة كأنس كغَتنبا من‬
‫كيدؿ على ىذا ن‬
‫أصحاب النيب عليو الصبلة كالسبلـ أنو قاؿ «افترقت اليهود على إحدى وسبعين فرقة وافترقت‬
‫النصارى على اونتين وسبعين فرقة وستفترق ىذه األمة على والث وسبعين فرقة كلها في النار إال‬
‫واحدة» قالوا‪ :‬كما ىي يا رسوؿ ا﵁؟ قاؿ‪« :‬الجماعة»‪.‬‬

‫إ نذا ىذه ىي الفرقة اليت قبت‪ ،‬من كاف من ىذه اعبماعة‪ ،‬يعٍت اليت اجتمعت على اغبق‪ ،‬على‬
‫الكتاب كالسنة كجاء ُب ركاية أخرل أنو قاؿ‪« :‬ىم من كان على مثل ما أنا عليو وأصحابي» ‪ ،‬فدؿ‬
‫ىذا على أنو ىذه الفرقة ناجية‪ ،‬ناجية من أمرين ناجية من الضبلؿ ُب الدنيا‪ ،‬كناجية من النار ُب‬
‫اآلخرة‪.‬‬

‫أما كوهنا ناجية من الضبلؿ ُب الدنيا‪ ،‬فالدليل على ذلك أهنم اعتصموا بالكتاب كالسنة‪ ،‬كمن‬
‫ف تَ ْك ُف ُرو َن‬ ‫اعتصم بالكتاب كالسنة فإنو يكوف مهدينا ناجينا من الضبللة‪ ،‬قاؿ سبحانو كتعاىل ﴿ َوَك ْي َ‬
‫اط ُم ْستَ ِق ٍ‬ ‫صر ٍ‬
‫صم بِاللا ِو فَ َق ْد ُى ِد ِ ِ‬
‫ِ‬ ‫وأَنْ تُم تُ ْت لَى َعلَي ُكم آَي ُ ِ ِ‬
‫يم﴾ كُب‬ ‫ي إلَى َ‬
‫َ‬ ‫ات اللاو َوفي ُك ْم َر ُسولُوُ َوَم ْن يَ ْعتَ ْ‬‫ْ ْ َ‬ ‫َ ْ‬
‫صحيح مسلم من حديث جابر رضي ا﵁ عنو ُب حديث اغبج الطويل حيث أف النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫«وقد تركت فيكم ما إن‬ ‫كسلم خطب أصحابو ُب اجملمع العظيم‪ُ ،‬ب يوـ عرفو ككاف فيما قاؿ‬
‫تمسكتم بو لن تضلوا بعده كتاب اهلل»‪.‬‬

‫إ نذا أىل السنة كاعبماعة ىم الناجوف من الضبلؿ‪ ،‬كىم الناجوف ُب اآلخرة من النار‪ ،‬كما دؿ عليو‬
‫اغبديث الذم سلف‪ ،‬كلها ُب النار إال كاحدة‪.‬‬

‫إذنا كصف الفرقة الناجية كصف مستنبط من ىذا اغبديث الشريف عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪13‬‬ ‫هللا‬
‫أما كوهنم الطائفة اؼبنصورة فهذا ما جاء التنصيص عليو ُب حديث النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫الذم خرجو الًتمذم كابن ماجو كأضبد كغَتىم أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ «ال تزال طائفة من‬
‫أمتي على الحق منصورين ال يضرىم من خذلهم حتى يأتي أمر اهلل» فهذا نص صريح ُب أف ىذه‬
‫الفرقة فرقة منصورة‪ ،‬كيدؿ على ىذا ُب اؼبعٌت ما خرجاه ُب الصحيحُت من قولو صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫«ال تزال طائفة من أمتي على الحق منصورين ال يضرىم من خذلهم حتى يأتي أمر اهلل وىم‬
‫كذلك»إ نذا ىؤالء منصوركف‪ ،‬منصوركف بالسناف غالبنا‪ ،‬كمنصوركف باغبجة كالقلم كاللساف ن‬
‫دائما‪،‬‬
‫دائما ؽبذه الفرقة من صورة باغبجة كغالبة بالدليل‪ ،‬كلذلك ال يبكن أف يكوف غَتىم‬
‫فالغلبة العلمية ن‬
‫منصور عليهم بدليل من اغبق ليس معهم‪ ،‬ألف ىذه الفرقة كما سيأٌب البياف إف شاء ا﵁‪ ،‬كاف معها‬
‫اغبق اػبالص الذم جاء ُب كتاب ا﵁ كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬

‫كىم اؼبنصوركف بالسناف كالقوة العملية غالبنا‪ ،‬كقد يبتحنهم ا﵁ عز كجل كقد يديل عليهم غبكمة‬
‫يعلمها سبحانو كتعاىل‪ ،‬إال كإف العاقبة للتقول كإال أف العاقبة للمتقُت‪ ،‬اؼبقصود أف األلقاب أىل اغبق‬
‫ا﵀ط أهنم أىل الفرقة الناجية كأىل الفرقة اؼبنصورة كما ذكر اؼبؤلفرضبو ا﵁‪.‬‬

‫أيضا هبذا‬
‫أيضا باإلضافة إىل أهنا العقيدة الواسطية‪ ،‬كانت تلقب ن‬ ‫كىذه العقيدة كانت تلقب ن‬
‫االفتتاح‪ ،‬كانت تلقب بعقيدة الفرقة الناجية اؼبنصورة‪ ،‬كاؼبؤلف ُب ذلك كاف على نسق من تقدمو من‬
‫أىل العلم‪ ،‬كمن ذلك ابن بطو فإنو عنوف كتابو باإلبانة عن شريعة الفرقة الناجية كؾبانبة الفرؽ‬
‫اؼبذمومة‪.‬‬

‫أما الوصف الثالث أك قبل ذلك‪ ،‬قاؿ اؼبؤلفرضبو ا﵁ (إلى قيام الساعة) كاؼبقصود بذلك أف ىذه‬
‫الفرقة ظاىرة منصورة إىل قرب قياـ الساعة‪ ،‬فقوؽبرضبو اللهإىل قياـ الساعة يعٍت إىل قرب قياـ الساعة‪،‬‬
‫موضحا ُب الراكية األخرل كىي حىت يأٌب أمر ا﵁‪ ،‬كأمر ا﵁ ىو الذم يأٌب قبيل قياـ‬‫ن‬ ‫كذلك جاء‬
‫الساعة‪ ،‬كاؼبعٍت أنو الريح اليت يرسلها ا﵁ تبارؾ كتعاىل قبيل قياـ الساعة‪ ،‬فتقبض ركح كل مؤمن كمؤمنة‬
‫حىت ال يبقى إال من ال خَت فيو‪ ،‬كعلى ىؤالء تقوـ الساعة‪.‬‬

‫قاؿ (أىل السنة والجماعة) ىكذا بالكسر على البدلية‪ ،‬فالفرقة الناجية كالفرقة اؼبنصورة ىم ُب‬
‫اغبقيقة أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪14‬‬ ‫هللا‬
‫أىل السنة كاعبماعة ظبوا هبذا؛ ألهنم اعتصموا بسنة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كأخذكا هبا‬
‫كقدموىا على كل قوؿ‪ ،‬فإمامهم اؼبطلق ىو ؿبمد رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬فهو الذم ال‬
‫يغضبوف إال لقولو كال ينتصركف إال غبديثو كال يعتقدكف العصمة ُب غَته‪ ،‬فاجتمعوا على ىذا فكانوا‬
‫أىل سنة ككانوا أىل صباعة‪.‬‬

‫كىذا اللقب لقب أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬لقب أحوج إليو ضركرة التمييز بُت أىل اغبق ا﵀ض كمن‬
‫سواىم من اؼبنتسبُت إىل اإلسبلـ‪ ،‬دبعٌت ال ىبفى أف ىذا الدين كاف صافينا نقينا من حيث ما كاف يعتقد‬
‫كيعمل أتباعو ُب الصدر األكؿ ٍب إنو قد دخلت الدكاخل فصار االختبلؼ الكثَت‪ ،‬فإف النيب صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم قد أخرب ككاف ما أخرب بو عليو الصبلة كالسبلـ‪.‬‬

‫«فإنو من يعش منكم‬ ‫ففي حديث العرباض رضي ا﵁ عنو أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ‬
‫كثيرا» إذنا دخلت الدكاخل كشاب اإلسبلـ من حيث ما يعتقد الناس كيعملوف‬
‫بعدي فسيري اختالفًا ً‬
‫شاب ذلك الشوائب كحصل االختبلؼ الكثَت ُب ىذه األمة حىت تفرقت ىذا االفًتاؽ الكبَت‪ ،‬حىت‬
‫فاقت ىذه األمة ُب افًتاقها اليهود كالنصارل‪.‬‬

‫إذنا امتزج كاختلط الناس من كاف على اغبق ا﵀ض‪ ،‬كمن كاف على خبلؼ ذلك فبن ينتسبوا إىل‬
‫اإلسبلـ كمل ىبرج عنو‪ ،‬لكنو مل يكن على البيضاء اليت توُب عنها رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪،‬‬
‫فاحتاج أىل السنة كاعبماعة حينها أف يتميزكا حبقهم كأف يبتازكا عن غَتىم‪ ،‬حبيث أف اغبق يبقى‬
‫ظاىرا فيقصده مريده‪ ،‬كال شك أف ىذا مقصد شرعي حسن‪.‬‬ ‫اضحا كيبقى ن‬‫ك ن‬
‫إذنا تلقب أىل اغبق الذين ثبتوا على اإلسبلـ ا﵀ض هبذا اللقب‪ ،‬أىل السنة كاعبماعة‬

‫والمراد بأىل السنة والجماعة‪ :‬ىم من عرفهم اؼبؤلفرضبو اللهفي آخر ىذه العقيدة‪ ،‬الذين سبسكوا‬
‫باإلسبلـ ا﵀ض الذم مل يدخلو شوب من الشوائب‪ ،‬الذين ثبتوا على اإلسبلـ ا﵀ض الذم جاء بو‬
‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كمضى عليو أصحابو‪ ،‬كمل يشوبو بشائب مل وبدثوا ُب دين ا﵁ عز كجل كمل‬
‫يبتدعوا فيو‪ ،‬ىؤالء ىم أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫كإذا قلت من ىم من ىذه الطوائف الكثَتة من أىل ىذه األمة‪ ،‬فاعبواب أهنم ىم السلف الصاحل‬
‫كأتباع السلف الصاحل‪ ،‬ىم السلف الصاحل تلك الطبقة النَتة اػبَتة اؼبمدكحة على لساف رسوؿ ا﵁‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪15‬‬ ‫هللا‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬فإنو القائل «خير الناس» كُب ركاية «خير أمتي وم الذين يلوونهم وم الذين‬
‫يلوونهم» إذنا الصرب من ىذه األمة ىم أىل السنة كاعبماعة الصحابة كالتابعوف كأتباعهم‪ ،‬ك ن‬
‫أيضا من‬
‫صار على هنجهم كاقتفى أثرىم إىل قياـ الساعة‪ ،‬كل أكلئك ىم أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫إ نذا أىل السنة كاعبماعة ىم الوصف الدقيق الذم ال يتجاكز ىؤالء إىل غَتىم‪ ،‬ىم السلف الصاحل‬
‫كأتباعهم كىذا اللقب لقب قدًن ليس لقبنا حادثنا‪ ،‬ركم ىذا اللقب ُب كبلـ ابن عباس رضي ا﵁ عنهما‬
‫إال أف اإلسناد إليو ال يصح‪ ،‬لكنو ثابت ُب كبلـ التابعُت فمن أكلئك الذين بلغنا نطقهم هبذا اللقب‪،‬‬
‫من كاف ُب عهد أكساط التابعُت كابن سَتينرضبو اللهكما أخرج ذلك مسلم ُب مقدمة صححو‪ ،‬كابن‬
‫سَتينرضبو اللهمتوَب سنة عشر كمائة كما ال ىبفاكم‪.‬‬

‫كذلك جاء ىذا اللقب ُب كبلـ اغبسن البصريرضبو اللهوىو قرينة كمتوَب ُب السنة نفسها‪ ،‬كذلك‬
‫جاء ُب كبلـ بعض من تأخر عن ىؤالء من صغار التابعُت كأيوب السختياين فإنو توَب سنة إحدل‬
‫كثبلثُت كمائة للهجرة‪ٍ ،‬ب كاف األمر أظهر كأشهر ُب الطبقة اليت تلت تلك الطبقة‪ ،‬كما ذبده ُب كبلـ‬
‫سفياف الثوريرضبو اللهوكما ذبده ُب كبلـ الفضيل بن عياضرضبو اللهوكما ذبده ُب كبلـ اإلماـ‬
‫الشافعَتضبو اللهفإنو نص على ىذا اللقب ُب كتابو األـ‪.‬‬

‫ٍب إف األمر أصبح أظهر‪ ،‬كأصبح تداكؿ ىذا اللقب أكثر ُب الطبقة اليت تلت ذلك‪ ،‬كطبقة القاسم‬
‫ابن سبلـ ككطبقة اإلماـ أضبدرضبو اللهثم فشي األمر كانتشر أكثر كأكثر ُب الطبقة اليت تلت ذلك‬
‫كطبقة ابن جرير الطربم كالطحاكم كأمثاؽبما من أىل العلم كىلم جره إىل ىذا اليوـ‪.‬‬

‫متداكال ُب‬
‫ن‬ ‫إذنا ىذا لقب أثرم قدًن مل يكن ناشئنا نشأة ؿبدثة ُب العصور اؼبتأخرة‪ ،‬إمبا كاف لقبنا‬
‫صدر ىذه األمة كمل يزؿ يشتهر كيفشوا فيما بُت أىل العلم إىل يومنا ىذا‪.‬‬

‫إ نذا الذين سبسكوا باإلسبلـ ا﵀ض كمل يشوبوه بشائب ىم ىؤالء‪ ،‬الفرقة الناجية‪ ,‬الطائفة اؼبنصورة‪,‬‬
‫أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬كذلك ؽبم ألقاب أخرل تلقبوا هبا كأىل اغبديث ككأىل األثر‪ ،‬كمن عدا الطبقة‬
‫األكىل أتباع السلف أك السلفيوف فإف ىذا اللقب أعٍت لقب السلفيُت اؼبراد بو من أتبع السلف‪،‬‬
‫فالسلف ىم الصدر األكؿ كالسلفيوف ىم من صار على هنجهم كأىل السنة كاعبماعة ىم ؾبموع‬
‫الطائفتُت‪ ،‬أىل السنة ىم السلف كالسلفيوف‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪16‬‬ ‫هللا‬
‫إذنا ىذا ىو لقب أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬كىذا معناه كىذا سبب التسمية كىذه ألقاب مرادفة ؽبذا‬
‫اللقب‪ ،‬يبقى بعد ذلك أف يقاؿ أف كل أحد يبكن أف يدعي أنو من أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬لكن ينبغي‬
‫أف يعلم أف ىذا اللقب ال يكتسب بالدعوة‪ ،‬كال يكتسب باعباه كال يكتسب بالقوة‪ ،‬كال يكتسب‬
‫حبشد الوفود كعقد اؼبؤسبرات‪ ،‬إمبا يكتسب باغبجة كالدليل كالربىاف كالسَت الصادؽ على هنج الكتاب‬
‫كالسنة‪ ،‬األسعد هبذا اللقب ىم من كاف كتاب ا﵁ عز كجل كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم مورده‬
‫كمصدره‪ ،‬من كاف ذلك من كاف كذلك كاف أحق هبذا اللقب دكف ريب كال شك‪.‬‬

‫أىل السنة والجماعة لهم سمات لهم عالمات يتميزون بها عمن سواىم‪ ،‬فاسمع يا من‬
‫رعاك اهلل إ ًذا تلك السمات‪.‬‬

‫أول تلك السمات ألىل السنة والجماعة ‪ :‬أف مصدرىم ُب الًتقب كاالستدالؿ كتاب ا﵁ كسنة‬
‫رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم؛ ألهنم يعتقدكف أف أحسن اغبديث كتاب ا﵁‪ ،‬كأف خَت اؽبدم ىدم ؿبمد‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم لذا فهم ال يتجاكزف القرآف كاغبديث‪ ،‬يعتقدكف أف النجاة معلقة بإتباع الكتاب‬
‫كالسنة ال غَت‪ ،‬كلذلك فإهنم يتحققوف بقولو تعاىل ﴿اتابِعُوا َما أُنْ ِز َل إِلَْي ُك ْم ِم ْن َربٍّ ُك ْم َوَال تَ تابِعُوا ِم ْن‬
‫اء قَلِ ًيال َما تَ َذ اك ُرو َن﴾ ىذا ىو اغبق ا﵀ض الذم كانوا عليو كأما الذين آمنوا اتبعوا اغبق من‬ ‫ِِ ِ‬
‫ُدونو أ َْوليَ َ‬
‫رهبم‪.‬‬

‫السمة الثانية ألىل السنة والجماعة‪ :‬أهنم يسلموف للنصوص‪ ،‬كال يعارضوهنا بشيء البتة‪ ،‬أىل‬
‫السنة كاعبماعة ىم أىل اإلسبلـ اغبق‪ ،‬الذين استسلموا ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كسلموا ؼبا جاء بو‪ ،‬فلم‬
‫فضبل عن أف يقدموا عليو شيئنا‪ ،‬إذا جاءىم النص فإهنم يقبلونو كيضعونو على رؤكسهم‬ ‫يعارضوه بشيء ن‬
‫كفوؽ رؤكسهم‪ ،‬إذا جاءىم الدليل من كتاب ا﵁ كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم ‪ ،‬فإهنم يقًتحوف‬
‫أمامو كلو شيء كلو كاف مذىبنا كلو كاف قوؿ إماـ كلو كاف ما يدعى أنو عقل‪ ،‬كلو كاف ىول كلو كاف‬
‫كش نفا كلو كاف رؤية كلو كاف ما كاف‪ ،‬ىذه ظبة بارزة ألىل السنة كاعبماعة يقدموف الكتاب كالسنة‬
‫على ما سوانبا كال يقبلوف البتة أف تكوف شبة معارضة أدىن معارضة ؼبا جاء ُب كتاب ا﵁ كسنة رسولو‬
‫يما َش َج َر بَ ْي نَ ُه ْم‬ ‫ك َال ي ْؤِمنُو َن حتاى يح ٍّكم َ ِ‬
‫وك ف َ‬ ‫َ َُ ُ‬ ‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ,‬يعملوف بقولو تعاىل ﴿فَ َال َوَربٍّ َ ُ‬
‫يما﴾‬ ‫ِ‬
‫سلٍّ ُموا تَ ْسل ً‬
‫ت َويُ َ‬ ‫وُ ام َال يَ ِج ُدوا فِي أَنْ ُف ِس ِه ْم َح َر ًجا ِم اما قَ َ‬
‫ض ْي َ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪17‬‬ ‫هللا‬
‫صبيعا كيؤمنوف بالكتاب كلو‪،‬‬ ‫السمة الثالثة ألىل السنة والجماعة‪ :‬كىي أهنم يقبلوف النصوص ن‬
‫كيدخلوف ُب السلم كافة‪ ،‬كيدرءكف ما يتوىم من تعارض بُت أدلة الكتاب كالسنة‪ ،‬ىذه الفرقة ىي‬
‫الفرقة الوحيدة اليت كفقها ا﵁ عز كجل إىل ىذه اؼبيزة العظيمة‪ ،‬ال توجد فرقة قط تنتسب إىل ىذا الدين‬
‫إال كىي تأخذ بطائفة من أدلة كتًتؾ طائفة‪ ،‬اللهم إال أىل السنة كاعبماعة ح نقا كصدقنا‪ ،‬فإهنم ال يبكن‬
‫أف يكوف ىناؾ شيء من اغبق قد شذ عنهم كند عنهم ىذا أمر مستحيل ؼبا؟ ألهنم يأخذكف بأطراؼ‬
‫ين آ ََمنُوا ا ْد ُخلُوا فِي ٍّ‬
‫السل ِْم َكافاةً‬ ‫اِ‬
‫صبيعا‪ ،‬كيقبلوهنا كلها يتحققوف بقولو تعاىل ﴿يَا أَيُّ َها الذ َ‬ ‫النصوص ن‬
‫ات ال ا ِ‬‫وَال تَ تابِعوا ُخطُو ِ‬
‫صبيعا‪ ،‬أما من عداه كما‬ ‫ين﴾ يعٍت خذكا اإلسبلـ ن‬ ‫ش ْيطَان إِناوُ لَ ُك ْم َع ُد ٌّو ُمبِ ٌ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬
‫أسلفت فإهنم يأخذكف بعضا كيعرضوف عن بعض‪.‬‬

‫إ نذا أىل السنة كاعبماعة يأخذكف بالنصوص كافة‪ ،‬كيضموف بعضها إىل بعض‪ ،‬كيعاملوهنا معاملة‬
‫النص الواحد كبالتايل فإف ما يتوىم من حصوؿ تعارض بُت دليل كدليل‪ ،‬فإهنم يألفوف كهبمعوف بُت‬
‫تلك األدلة اليت يتوىم فيها ىذا التعارض‪ ،‬مع اعتقادىم اعبازـ أنو ال يبكن البتة أف يعارض دليل‬
‫صحيحا‪ ،‬ىذا أمر ُب غاية االستحالة‪ ,‬مستحيل أف يتعارض دليبلف صحيحاف‪ ،‬أية كأية‬ ‫ن‬ ‫دليبل‬
‫صحيح ن‬
‫﴿ولَ ْو َكا َن ِم ْن ِع ْن ِد‬
‫َ‬ ‫أك حديث كحديث أك أية كحديث ىذا ال يبكن أف يكوف‪ ،‬فإف ا﵁ تعاىل يقوؿ‬
‫غَْي ِر اللا ِو لََو َج ُدوا فِ ِيو ا ْختِ َالفًا َكثِ ًيرا﴾ أما ؼبا كاف من عند ا﵁ فإنو ال يبكن البتة أف يكوف فيو أدىن‬
‫اختبلؼ ك﵁ اغبمد كاؼبنة‪.‬‬

‫السمة الرابعة ألىل السنة والجماعة‪ :‬ىي أهنم يدرءكف التعارض بُت العقل كالنقل‪ ،‬كعند توىم‬
‫أيضا ظبة من ظبات أىل السنة كاعبماعة الظاىرة‪ ،‬كىي‬
‫التعارض يقدموف النقل كيتهموف العقل‪ ،‬ىذه ن‬
‫أبدا أف يتعارض نص صحيح كعقل صريح‪ ،‬مستحيل فإف‬ ‫جازما أنو ال يبكن ن‬
‫اعتقادا ن‬
‫ن‬ ‫أهنم يعتقدكف‬
‫الذم أنزؿ ىذا النقل ىو ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كالذم خلق ىذه العقوؿ ىو ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كبالتايل فبل يبكن‬
‫أف وبصل تضاد أك تعارض بُت نقل صريح كبُت عقل صحيح‪ ،‬كبالتايل كل ما يتوىم أنو حصل فيو‬
‫تعارض بُت النقل كالعقل‪ ،‬بُت الدليل النقلي السمعي من الكتاب كالسنة كما يدعى أنو دليل عقلي‪،‬‬
‫فإنو ال ىبرج عن األحواؿ اآلتية‪:‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪18‬‬ ‫هللا‬
‫أما أف يكوف الدليل الذم يذكر نقلينا غَت صحيح أك أف يكوف الدليل الذم يزعم عقلينا غَت‬
‫صحيح‪ ،‬أك أف يكوف ىناؾ خطأ ُب الفهم كاالستدالؿ‪ ،‬ال يبكن أف ىبرج شيء فبا يدعى التعارض فيو‬
‫بُت العقل كالنقل عن ىذه األحواؿ الثبلثة‪.‬‬

‫إ نذا أىل السنة كاعبماعة ليس مقًتحُت للدالالت العقلية‪ ،‬بل العقل عندىم آلة لفهم النصوص‬
‫حاكما على النصوص‪ ،‬كىذا فارؽ منهجي بُت أىل السنة كمن عداىم‪ ،‬العقل عن أىل السنة‬ ‫كليس ن‬
‫كاعبماعة آلة كنعمة جعلها ا﵁ عز كجل ُب الناس ألجل أف يتفهموا النصوص كألجل أف يعقلوىا‬
‫كألجل أف وبملوىا على ؿباملها ال أف العقل حاكم على النصوص كبالتايل فإف كل األدلة تعرض على‬
‫ما يزعم أنو العقل الصحيح فما كافقو قوبل كما رده فإنو يقًتح ليس األمر كذلك‪ ،‬بل ىذه طريقة أىل‬
‫البدع كاألىواء‪ ،‬كإف عجز اإلنساف لضعف علمو عن التوفيق بُت ما يذكر من أدلة نقليو كما يذكر من‬
‫أدلة عقلية فإف أىل السنة كاعبماعة الشك أهنم يقدموف النقل كيتهموف العقل‪.‬‬

‫عقل اإلنساف مهما كاف عقل عاجز قاصر ضعيف‪ ،‬ؿبدكد حبدكد ال يستطيع أف يتجاكزىا‪ ,‬ىي‬
‫اغبواس اػبمس‪ ،‬ال يبكن أف وبكم عقل ُب شيء خارج عن ىذه اغبدكد‪ ،‬كبالتايل ؼبا كاف هبذا القدر‬
‫مقدما على نقل جاء من عند العليم اػببَت الذم كسع‬
‫من القصور كالعجز‪ ،‬ال يبكن بالتايل أف يكوف ن‬
‫علما تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫كل شيء ن‬
‫السمة الخامسة ألىل السنة والجماعة‪ :‬ىي أهنم يعتقدكف أف الدين كامل‪ ،‬يعتقدكف مضموف‬
‫اإل ْس َال َم ِدينًا‬
‫يت لَ ُك ُم ِْ‬
‫ض ُ‬ ‫ْ َ ََ‬ ‫ْت لَ ُك ْم ِدينَ ُك ْم َوأَتْ َم ْم ُ‬
‫ت َعلَْي ُكم نِ ْعمتِي ور ِ‬ ‫قوؿ ا﵁ عز كجل ﴿الْيَ ْوَم أَ ْك َمل ُ‬
‫﴿ما فَ ارطْنَا فِي‬ ‫ف ِِإلوْ ٍم فَِإ ان اللاو غَ ُف ِ‬ ‫ص ٍة غَْي ر متَ َجانِ ٍ‬ ‫فَم ِن ا ْ ِ‬
‫يم﴾ كقولو تعاىل َ‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫ضطُار في َم ْخ َم َ َ ُ‬ ‫َ‬
‫اب ِم ْن َش ْي ٍء﴾ كبالتايل فإهنم يعتقدكف أف ىذا الدين ال يقبل زيادة كال يقبل أف يبتزج فيو غَته‪،‬‬ ‫ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫بل ىو حق كامل أتى باػبَت كلو كدفع الشر كلو‪ ،‬صبع بُت مصاحل الدين كمصاحل الدنيا‪ ،‬فكانت‬
‫السعادة حبذافَتىا ؿبفوظة ؼبن أخذ هبذا الدليل أك هبذه األدلة من الكتاب كالسنة‪.‬‬

‫وبالتالي كانت سمتهم السادسة‪ :‬أهنم وبذركف من البدع‪ ،‬كوبذركف من أىلها‪ ,‬كمن أعظم‬
‫اىتمامهم أهنم وبذركف من البدع من اإلحداث ُب دين ا﵁ عز كجل‪ ،‬كينصحوف كوبذركف من ارسبى ُب‬
‫أحضاهنا كذلك؛ ألف البدعة كاإلحداث ُب دين ا﵁ عز كجل ما ىو إال إتباع للهول ال غَت‪ ،‬كل ما‬
‫أمرا ؿبدثنا ُب ىذا الدين ليس عليو خاًب النبوة‪ ،‬فإنو كال شك إتباع للهول‪ ،‬دليل ىذا ُب كتاب ا﵁‬
‫كاف ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪19‬‬ ‫هللا‬
‫ك فَا ْعلَم أَناما ي تابِعو َن أ َْىواءىم ومن أ َ ِ‬ ‫قولو سبحانو كتعاىل ﴿فَِإ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِجيبُوا لَ َ‬
‫َض ُّل م ام َن اتابَ َع َى َواهُ‬ ‫َ َُ ْ ََ ْ‬ ‫ْ َ َ ُ‬
‫صلْنَا لَ ُه ُم الْ َق ْو َل لَ َعلا ُه ْم يَتَ َذ اك ُرو َن﴾ إذنا‬ ‫ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬
‫بغَْي ِر ُى ًدى م َن اللاو إِ ان اللاوَ َال يَ ْهدي الْ َق ْوَم الظاالم َ‬
‫ين * َولََق ْد َو ا‬
‫كل ابتداع فهو إتباع للهول‪ ،‬كىذا ما كاف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يكثر من ربذير أمتو عنو‪ ،‬كاف‬
‫«أما بعد فإن‬ ‫كثَتا قولو عليو الصبلة كالسبلـ‬
‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يعيد على أصحابو كيكرر ن‬
‫أصدق كتاب اهلل وخير الهدي ىدي محمد صلى اهلل عليو وسلم وشر األمور محدواتها وكل‬
‫إ نذا أىل السنة كاعبماعة يعتقدكف أف شر‬ ‫محدوة بدعة وكل بدعة ضاللة وكل ضاللة في النار»‬
‫األمور ؿبدثاهتا‪ ،‬كأف البدعة ال تزيد صاحبها من ا﵁ جل كعبل إال بعد‪.‬‬

‫السمة السابعة ألىل السنة والجماعة‪ :‬ىي أهنم يعتقدكف أف خَت ىذه األمة السلف الصاحل‪،‬‬
‫فهم اؼبقدموف ُب كل علم كعمل كبالتايل فاػبَت كل اػبَت ُب إتباعهم‪ ،‬أىل السنة كاعبماعة الذين‬
‫تأخركا عن الصدر األكؿ عن القركف اؼبفضلة‪ ،‬يعتقدكف أف السلف الصاحل من الصحابة كالتابعُت‬
‫كأتباعهم ىم فوقهم كأمامهم كمقدموف عليهم ُب كل خَت‪ ،‬ال يبكن أف يتوفر خَت للمتأخرين عجز عن‬
‫الوصوؿ إليو اؼبتقدموف‪ ،‬ال يصلح آخر ىذه األمة إال ما أصلح أكؽبا‪ ،‬ال يبكن أف يكوف شيء يقرب‬
‫إىل ا﵁ عز كجل كإىل مرضاتو كجنتو مل يكن عليو حاؿ أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ٍب من‬
‫بعدىم من التابعُت كأتباعهم‪ ،‬كما أحسن ما قالو ابن كثَترضبو اللهفي تفسَته عند قولو تعاىل ﴿لَ ْو َكا َن‬
‫ِ ِ‬
‫َخ ْي ًرا َما َسبَ ُقونَا إلَْيو﴾ ىذا الذم حكي ا﵁ عز كجل عن قوؿ اؼبشركُت‪ ،‬قالوا لو كاف ن‬
‫خَتا يعٍت ىذا‬
‫خَتا ما سبقونا إليو‪ ،‬ما سبقنا إليو أصحاب ؿبمد‬
‫الدين الذم جاء بو نيب صلى ا﵁ عليو كسلم لو كاف ن‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ,‬قاؿ ابن كثَت ىنا فقاؿ أىل السنة كاعبماعة ُب كل قوؿ كعمل كاعتقاد مل يكن‬
‫خَتا لسبقونا إليو‪ ،‬انظر الفارؽ بُت مقالة أىل‬
‫عليو أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم لو كاف ن‬
‫الضبلؿ كبُت مقالة أىل اغبق الذين ىم أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫إ نذا أىل السنة كاعبماعة يتبعوف السلف الصاحل‪ ،‬كيسَتكف على هنجهم كيضعوف نصب أعينهم قوؿ‬
‫ان ر ِ‬‫وىم بِِإ ْح ٍ‬ ‫اِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا﵁ كجل كعبل ﴿وال ا ِ‬
‫ض َي اللاوُ‬ ‫س َ‬ ‫ين اتابَ عُ ُ ْ َ‬ ‫صا ِر َوالذ َ‬ ‫ساب ُقو َن ْاأل اَولُو َن م َن ال ُْم َهاج ِر َ‬
‫ين َو ْاألَنْ َ‬ ‫َ‬
‫ِ‬ ‫ين فِ َيها أَبَ ًدا ذَلِ َ‬ ‫ِِ‬ ‫ٍ‬
‫يم﴾‬‫ك الْ َف ْوُز ال َْعظ ُ‬ ‫ار َخالد َ‬ ‫َع اد لَ ُه ْم َجناات تَ ْج ِري تَ ْحتَ َها ْاألَنْ َه ُ‬‫ضوا َع ْنوُ َوأ َ‬
‫َع ْن ُه ْم َوَر ُ‬
‫ين﴾ قاؿ‬ ‫يضعوف نصب أعينهم قوؿ ا﵁ جل كعبل ﴿يا أَيُّها الا ِذين آَمنُوا اتا ُقوا اللاوَ وُكونُوا مع ال ا ِ ِ‬
‫صادق َ‬ ‫ََ‬ ‫َ‬ ‫َ َ‬ ‫َ َ‬
‫بعض أىل التفسَت مع أيب بكر كعمر كأصحاهبما رضي ا﵁ عنهم كأرضاىم‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪20‬‬ ‫هللا‬

‫السمة الثامنة ألىل السنة والجماعة‪ :‬ىي أهنم ن‬


‫دائما أىل توسط بُت اإلفراط كالتفريط‪ ،‬بُت‬
‫الغلو كاعبفاء‪ ،‬كىذا التوسط ا﵀مود ال اؼبدعي الذم كاف عليو أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬إمبا استفادكه من‬
‫كوهنم يسَتكف على هنج الكتاب كالسنة‪ ،‬كما كاف عليو السلف الصاحل فأكرثهم ذلك أف كانوا أىل‬
‫توسط بُت االكبرافيُت كبُت الضبللتُت بُت الغلو كبُت اعبفاء بُت اإلفراط كبُت التفريط‪ ،‬كتأمل ىذا يا‬
‫من رعاؾ ا﵁ إف شئت ُب مسلك أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬كقوؽبم ُب كل مسائلة من مسائل االعتقاد‪،‬‬
‫ذبد أىل السنة كاعبماعة أىل توسط كاعتداؿ‪.‬‬

‫السمة التاسعة ألىل السنة والجماعة‪ :‬أهنم أىل اتفاؽ كأىل اجتماع على اغبق‪ ،‬كألجل ىذا‬
‫كانوا أىل السنة كاعبماعة كانوا أىل اعبماعة‪ ،‬كانوا اعبماعة ىذه األلقاب الثبلثة كلها مستعملة عند‬
‫أىل العلم‪ ،‬كإف كاف االستعماؿ األشهر ىو عطف اعبماعة على السنة‪ ،‬فيقاؿ أىل السنة كاعبماعة‪،‬‬
‫كىذا االجتماع كاإلتبلؼ فيما كاف عليو هنج أىل السنة كاعبماعة ظاىر ك﵁ اغبمد‪ ،‬خذ ما شئت ما‬
‫مؤلفات االعتقاد عند أىل ىذه الفرقة الناجية اؼبنصورة‪ ،‬كعارضو بغَته من اؼبؤلفات ذبد ذلك كأنو‬
‫خرج من قلب كاحد كقلم كاحد‪ ،‬خذ مؤل نفا أيلف ُب القرف الثالث أك الرابع‪ ،‬كخذ مؤلف ألف ُب ىذا‬
‫العصر كقارف بُت ىذا كىذا‪ ،‬ذبد أف اؼبكتوب ىاىنا كىاىنا كأف مؤلفو كاحد‪ ،‬كالسبب أف أىل السنة‬
‫كاعبماعة صبع ا﵁ عز كجل قلوهبم على اغبق كاالعتقاد‪ ،‬فكاف اعتقادىم متفق عليو ليس فيو خبلؼ‪.‬‬

‫كلذلك تأمل ُب أقواؿ أىل البدع كالضبلؿ من صبيع الفرؽ‪ ،‬كيف ذبد بينهم ُب مسائل االعتقاد‬
‫كثَتا‪ ،‬حىت أنك ذبد بعضهم يبدع بعضهم كذبد بعضهم‬ ‫كبَتا ك ن‬
‫بل ُب أصوؿ مسائل االعتقاد اختبلؼ ن‬
‫ييكفر بعضهم‪ ،‬ككل ذلك بسبب أهنم هنجوا األىواء‪ ،‬ما اتبعوا الكتاب كالسنة كاعتصموا هبما فأكرثهم‬
‫ذلك االتفاؽ‪ ،‬إمبا كاف كل يقدـ ىواه كيقدـ عقلو كالعقوؿ ما يبكن أف تتفق إال على كحي معصوـ‪،‬‬
‫إال على ما يأٌب ُب كتاب ا﵁ كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬

‫السمة العاشرة ألىل السنة والجماعة‪ :‬أهنم يعتقدكف أنو ال عصمة ألحد بعد رسوؿ ا﵁ صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كأف كل أحد يؤخذ من قولو كيًتؾ‪ ،‬أىل السنة كاعبماعة اؼبعصوـ عندىم رسوؿ ا﵁‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كأما من عداه فإنو يعرض قولو على اؼبيزاف الذم ال يبكن أف يتجاكز العدؿ‪ ،‬أال‬
‫كىو الكتاب كالسنة ككل إنساف سول ما استدرؾ يؤخذ من كبلمو كيًتؾ‪ ،‬كل أحد سول صاحب ىذا‬
‫اػبرب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬فإنو يؤخذ من قولو كيًتؾ كلذلك فأىل السنة كاعبماعة ال يتعصبوف لقوؿ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪21‬‬ ‫هللا‬
‫أحد من األئمة كال لرأم شيخ من األشياخ‪ ،‬إمبا اعتقادىم أف كل من كافق اغبق فإف قولو مقبوؿ‪ ،‬كمن‬
‫خالف اغبق كلو كاف حبيبنا كلو كاف قريبنا فإف قولو مطرح‪ ،‬كبالتايل إف ىذا الذم كاف عليو أىل السنة‬
‫كاعبماعة أكرثهم الثبات على اغبق‪.‬‬

‫أىل السنة ال يتنقلوف‪ ،‬أىل السنة ليسوا على تزعزع كتشتت؛ ألهنم يأخذكف بقوؿ ىذا اليوـ‪،‬‬
‫غدا‪ ،‬كبالتايل فيكثركف التنقل بُت اآلراء كاؼبذاىب كبل أىل السنة كاعبماعة ثابتوف‪،‬‬
‫كيعجبهم قوؿ ذاؾ ن‬
‫ألهنم ال يتلقوف دينهم كاعتقادىم ُب كل اؼبسائل‪ ،‬سواء تعلقت بالعمل ال يأخذكف ذلك إال من مورد‬
‫معصوـ ال يتطرؽ إليو خلل البتة‪ ،‬إال كىو كتاب ا﵁ كما جاء بو رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم من عنده‪.‬‬

‫إ نذا كل أحد عند أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬فإف قولو يعرض على الكتاب كالسنة فما كافقو فإنو‬
‫مقبوؿ‪ ،‬كما خالفو فإنو مردكد‪ ،‬كال يبايل السٍت إذا كاف مع الكتاب كالسنة بأحد كلو كاف أىل األرض‪،‬‬
‫صبيعا لكنو مع الكتاب كالسنة فإنو ال يستوحش‪ ،‬كيف يستوحش كمعو اغبق‬ ‫لو خالف أىل األرض ن‬
‫ا﵀ض أال كىو كتاب ا﵁ كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬

‫عشر ىي بعض ظبات أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬فمن كاف عليها متصف هبا‪ ،‬فهو الذم‬
‫ىذه ظبات ه‬
‫يكوف من أىل السنة كاعبماعة كمن ادعي دعاكة عريضة بعد ذلك‪ ،‬فإنو قد استباف ىل ىو صاحب‬
‫دعوة صحيحة أك أنو صاحب دعوة غَت صحيحة كا﵁ عز كجل أعلم‪.‬‬

‫قالرحمو اهلل‪(:‬أما بعد فهذا اعتقاد الفرقة الناجية المنصورة إلى قيام الساعة أىل السنة‬
‫والجماعة اإليمان باهلل وكتبو ورسلو والبعث بعد الموت واإليمان بالقدر خيره وشره)‪.‬‬

‫افتتح اؼبؤلفرضبو اللههذه العقيدة بعد بياف حد موضوعو‪ ،‬اؼبعٌت الذم دار عليو ىذا التأليف‪ ،‬كىو‬
‫إصباال ما ىو ىذا االعتقاد‪ ،‬ذكر أف ىذا االعتقاد يدكر على‬
‫أنو يبُت اعتقاد أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬ذكر ن‬
‫أركاف اإليباف الستة‪ ،‬قاؿ كىو اإليباف با﵁ كمبلئكتو ككتبو كرسلو كالبعث بعد اؼبوت كبالقدر خَته‬
‫كشره‪ ،‬ىذه األركاف الستة اليت أخرب هبا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كما ُب حديث عمر رضي ا﵁ عنو‬
‫الذم ركاه عنو ابنو عبد ا﵁ كخرجو اإلماـ مسلم أك كما ُب حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو الذم‬
‫خرجاه ُب الصحيحُت ككبلنبا فيهما قصة ؾبيء جربيل عليو السبلـ للنيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬لكن‬
‫اغبديث األكؿ أبسط كاغبديث الثاين أخصر‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪22‬‬ ‫هللا‬
‫اؼبقصود أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم بُت أف األمر اؼبعتقد ىو اإليباف‪ ،‬كيدكر على األركاف الستة‬
‫كما ظبعت‪ ،‬ككل مسائل االعتقاد عند أىل السنة كاعبماعة فإهنا راجعة إىل ىذه األركاف الستة‪ ،‬أما‬
‫مطابقة كإما تضمننا كإما التز ناما‪ ،‬ال زبرج مسائل االعتقاد عند أىل السنة كاعبماعة عما ذكرت لك من‬
‫ىذه األركاف الستة‪ ،‬كسيستبُت لك ذلك إف شاء ا﵁ أثناء دراستنا ؽبذه العقيدة اليت بُت أيدينا‪.‬‬

‫كيلحظ ىنا أف شيخ اإلسبلمرضبو اللهذكر البعث بعد اؼبوت‪ ،‬كليس اليوـ اآلخر‪ ،‬يعٍت ذكر أف‬
‫الذم يؤمن بو البعث بعد اؼبوت كمل يذكر كلمة اليوـ اآلخر‪ ،‬كبالتايل قد يكوف قد عدؿ عن لفظ‬
‫حديث جربيل اؼبشهور الذم ركاه لنا عمر رضي ا﵁ عنو إىل ما جاء ُب ركاية أيب ىريرة اؼبخرجة ُب‬
‫الصحيحُت‪ ،‬فإف ىذا اللفظ قد جاء ُب ىذه الراكية قاؿ كالبعث‪ ،‬كُب ركاية كالبعث بعد اؼبوت‪.‬‬

‫فعلى كل حاؿ البعث ىو من مباحث اليوـ اآلخر‪ ،‬كبالتايل فيكوف فيو داللة على ما يكوف بعد‬
‫ذلك‪.‬‬

‫مباحث اليوم اآلخر عند أىل السنة والجماعة تدور على والوة موضوعات‪:‬‬

‫‪ ‬ما يتعلق بالربزخ يعٍت بالقرب كما يكوف فيو‪.‬‬

‫‪ ‬كالثاين‪ :‬ما يكوف ُب عرصات القيامة ابتداء من البعث كإىل أف يدخل أىل اعبنة اعبنة كأىل‬
‫النار النار نسأؿ ا﵁ اعبنة كنعوذ بو من النار‪.‬‬

‫‪ ‬كالثالث‪ :‬ما يتعلق بالدار األبدية ُب اعبنة أك ُب النار نسأؿ ا﵁ السبلمة كالعافية‪ ،‬كقولو عليو‬
‫الصبلة كالسبلـ البعث فيو إشارة إىل ىذا كإف كانت الركاية اليت فيها اؼبعٌت بتمامو ىو ما جاء ُب ركاية‬
‫عمر رضي ا﵁ عنو كما خرج ذلك اإلماـ مسلم‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمو اهلل تعالى في رسالتو العقيدة الواسطية‪( :‬ومن اإليمان باهلل‬
‫اإليمان بما وصف بو نفسو في كتابو‪ ،‬وبما وصفو بو رسولو محم ٌد صلى اهلل عليو وسلم)‪.‬‬

‫فهذا ىو اؼبوضوع األكؿ الذم ابتدأ بو اؼبؤلف رضبو ا﵁ ُب ىذه العقيدة‪ ,‬حيث شرع ُب بياف معتقد‬
‫السنة كاعبماعة ُب باب األظباء كالصفات‪ ,‬فقاؿ‪( :‬ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف اهلل بو‬
‫أىل ي‬
‫نفسو في كتابو‪ ،‬وما وصفو بو رسولو صلى اهلل عليو وسلم)‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪23‬‬ ‫هللا‬
‫قاؿ رضبو ا﵁‪( :‬من اإليمان) "من" ىا ىنا تبعيضيو‪ ,‬كذلك أف اإليباف با﵁ يشمل اإليباف بثبلثة‬
‫أمور‪:‬‬

‫‪ ‬اإليباف بربوبية ا﵁ عز كجل‪.‬‬

‫‪ ‬كاإليباف بألوىيتو‪.‬‬

‫‪ ‬كاإليباف بأظبائو كصفاتو‪.‬‬

‫كاؼبؤلف رضبو ا﵁ شرع ىا ىنا ُب بياف ىذا القسم‪ ,‬كىو اإليباف بأظباء ا﵁ كصفاتو‪ ,‬كقد ذكرت‬
‫لك أف ىذا الشطر من العقيدة الذم تعلق بباب األظباء كالصفات‪ ,‬ىو الذم كاف لو اغبظ األكفر من‬
‫مساحة ىذه الرسالة‪.‬‬

‫باب عظيم‪ ,‬حيث أنو أساس اؽبداية كأصل الدين‪ ,‬كأعظم ما اكتسبتو‬ ‫باب األظباء كالصفات ه‬
‫القلوب كحصلتو النفوس‪ ,‬فليست النفس اؼبؤمنة أحوج إىل شيئنا منها إىل معرفة ا﵁ عز كجل بأظبائو‬
‫كصفاتو تبارؾ كتعاىل‪ ,‬ىذا ىو أصل العلم كىذا ىو كل العلم فمن عرؼ ا﵁ عز كجل عرؼ ما سواه‪,‬‬
‫كمن جهل ا﵁ عز كجل فهو ؼبا سواه أجهل‪.‬‬

‫العلم بأظباء ا﵁ كصفاتو أشرؼ العلوـ على اإلطبلؽ‪ ,‬كىو مع ما ينبٍت على ىذا العلم‪ ,‬من‬
‫﴿اللاوُ الا ِذي َخلَ َق َس ْب َع‬ ‫العمل من ربقيق العبودية‪ ,‬ىو الغاية اليت خلق ا﵁ ىذا اػبلق ألجلها‪,‬‬
‫ض ِمثْ لَ ُه ان يَتَ نَ از ُل األ َْم ُر بَ ْي نَ ُه ان لِتَ ْعلَ ُموا أَ ان اللاوَ َعلَى ُك ٍّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير َوأَ ان اللاوَ قَ ْد‬‫ات َوِم َن األ َْر ِ‬ ‫سمو ٍ‬
‫َ ََ‬
‫ط بِ ُك ٍّل َش ْي ٍء ِعل ًْما﴾ ىذا الكوف كلو خلقو ا﵁ عز كجل حىت يعرؼ‪ٍ ,‬بٌ يعبد سبحانو كتعاىل‬ ‫َحا َ‬‫أَ‬
‫ك لِتَ ْعلَ ُموا أَ ان‬
‫ي َوالْ َقالئِ َد َذلِ َ‬
‫ْح َر َام َوال َْه ْد َ‬ ‫ْح َر َام قِيَ ًاما لِلن ِ‬
‫ااس َوال ا‬
‫ش ْه َر ال َ‬ ‫ت ال َ‬ ‫﴿ج َع َل اللاوُ الْ َك ْعبَةَ الْبَ ْي َ‬
‫َ‬
‫يم * ا ْعلَ ُموا أَ ان اللاوَ َش ِدي ُد‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ات َوَما فِي األ َْر ِ‬ ‫سمو ِ‬ ‫ِ‬
‫ض َوأَ ان اللاوَ ب ُك ٍّل َش ْيء َعل ٌ‬ ‫اللاوَ يَ ْعلَ ُم َما في ال ا َ َ‬
‫اب وأَ ان اللاو غَ ُف ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫َ ٌ‬ ‫الْع َق ِ َ‬
‫إ نذا العلم بأظباء ا﵁ كصفاتو من األمر العظيم اؼبهم‪ ,‬الذم ينبغي أف يكوف أىم مقاليد العبد ُب‬
‫توجو و‬
‫كتألو للمعبود سبحانو دكف معرفة ا﵁ عز كجل كأظبائو كصفاتو؟!‬ ‫ىذه اغبياة‪ ,‬فأم عبادةو؟ كأم و‬
‫العبد و‬
‫حباجة إىل مواله بل لو ضركرةه إليو تبارؾ كتعاىل‪ ,‬من حيث كونو ربو‪ ,‬كمن حيث كونو إؽبو‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪24‬‬ ‫هللا‬
‫مفتقر إىل مواله جل كعبل من حيث كونو ربو الذم خلقو‪ ,‬كالذم يرزقو‪ ,‬كالذم يتوىل تدبَت‬
‫ىو ه‬
‫تاما‪ ,‬من حيث كونو‬‫افتقارا ن‬
‫مفتقر إليو ن‬
‫أمره‪ ,‬كالذم يتوكل عليو‪ ,‬كالذم يفوض األمور إليو‪ ,‬كىو كذلك ه‬
‫إؽبو‪ ,‬الذم يتألو لو‪ ,‬فييحبو‪ ,‬كهبلو‪ ,‬كيعظمو‪ ,‬كىبافو‪ ,‬كيرجوه ‪ -‬سبحانو كتعاىل‪ -‬فأم و‬
‫ربقيق ؽبذين‬
‫األمرين؟!‬

‫ربقيق اعتقاد ربوبية ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ,‬أك التألو لو دكف معرفة أظباء ا﵁ كصفاتو‪ ,‬زبيل ُب نفسك‬
‫صفة على اإلطبلؽ‪ ,‬انظر كيف‬‫أف يقاؿ لك‪ :‬اعتقد أف ا﵁ ربك‪ ,‬كاعبده دكف أف تعلم عنو أم و‬
‫ؾبهوال لك‪ ,‬ال تعلم عنو‬
‫يستويل على قلبك ذلك الظبلـ العظيم كذاؾ الضيق الكبَت‪ ,‬أف يكوف معبودؾ ن‬
‫شيئنا؛ لذا فإف أعظم و‬
‫نعمة من ا﵁ تبارؾ كتعاىل على عبده‪ ,‬أف عرفو إياه‪.‬‬

‫إذا أردت أف ربصي شيئنا من نعمة ا﵁ عليك‪ ,‬من الصحة‪ ,‬كالرزؽ‪ ,‬كاؼباؿ‪ ,‬كالسمع‪ ,‬كالبصر فبل‬
‫تنسى ما ىو أعظم من ذلك كلو‪ ,‬كىو أف عرفك نفسو تبارؾ كتعاىل‪ ,‬ىذه النعمة الكربل كىذه اؼبلة‬
‫ط هبذا العلم‪ ,‬أف تعلم ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ,‬كأف‬ ‫العظمى‪ ,‬اليت ليس ىناؾ نعمةه تدانيها‪ ,‬فإف كل خ وَت مرتب ه‬
‫حرص على معرفة العبادة‪ ,‬دكف أف يكوف‬ ‫تعرفو حق معرفتو؛ كلذلك من العجب أف يكوف عند اإلنساف ه‬
‫حرص على معرفة اؼبعبود‪ ,‬مع أف معرفة اؼبعبود مقدمةه على معرفة العبادة‪ ,‬فكيف بالذين ردبا‬
‫منو ه‬
‫زبصص كما يقولوف‪ :‬هبد كهبتهد ُب معرفتو‪ ,‬لكنو من أجهل‬ ‫و‬ ‫حرصوا على كل علم‪ ,‬ككل فن‪ ,‬ككل‬
‫كثَتا من نعوت جبللو كصبالو سبحانو كتعاىل‪.‬‬ ‫الناس بربو‪ ,‬ال يدرم ن‬
‫كيف تتعبد لو با﵀بة كاػبوؼ‪ ,‬كالرجاء‪ ,‬كأنت ال تعلم أنو اعبميل سبحانو‪ ,‬كأنو الودكد‪ ,‬كأنو‬
‫الرضبن الرحيم‪ ,‬كأنو الغفور‪ ,‬كأنو العزيز‪ ,‬كأنو شديد العقاب‪ ,‬كأنو الذم ال يرد بأسو عن القوـ اجملرمُت؟‬
‫جاىل بو تبارؾ كتعاىل؟ كلذا "كلما كنت باهلل أعلم كنت لو‬
‫ه‬ ‫كيف تتعبد لو بأنواع العبوديات كأنت‬
‫أعبد"‪ ,‬ىذا قاعدة ينبغي أف ال تغيب عن بالك‪ ,‬كلما كنت با﵁ أعلم‪ ,‬كنت لو أعبد"؛ كلذا ؼبا كاف‬
‫كتعبدا‪.‬‬
‫نبينا الكرًن صلى ا﵁ عليو كسلم أعلم الناس با﵁ كاف أعظمهم لو خشيةن ن‬
‫قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ‪«:‬أنا أعلمكم باهلل‪ ,‬وأشدكم لو خشية»‪ ,‬قاؿ عليو الصبلة كالسبلـ‪:‬‬
‫ي بي كالحلس البالي من خشية اهلل» ‪ ,‬كاغبلس‪ :‬كقطعة الكساء أك‬ ‫ُس ِر َ‬
‫«رأيت جبريل ليلة أ ْ‬
‫علما بأظبائو كصفاتو‪.‬‬
‫القماش البالية من خشية ا﵁ تبارؾ كتعاىل؛ ألنو من أعظم خلق ا﵁ ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪25‬‬ ‫هللا‬
‫ىذا العلم با﵁ عز كجل بأظبائو كنعوت جبللو كصبالو‪ ,‬أعظم طر ويق يوصل إىل ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪,‬‬
‫جل كعبل‪ -‬إىل رضبتو‪ ,‬كمرضاتو‪ ,‬كجنتو‪ ,‬فدكنك ىذا الطريق‪ ,‬الذم‬ ‫إف كنت تركـ أف تصل إىل ربك‪ٌ -‬‬
‫يق أفضل منو كال أعظم منو‪ ,‬الطريق إىل ا﵁ جل كعبل من طريق أظبائو كصفاتو صاحبو قد‬ ‫ليس شبة طر ه‬
‫مشرد عن كطنو؛ كلذا ا﵁ سبحانو‬ ‫مكدكد كال و‬
‫و‬ ‫حيزت لو السعادة‪ ,‬كإف كاف مستلقينا على فراشو‪ ,‬غَت‬
‫كثَتا من أظبائو كصفاتو‪ ,‬كجعل يكتبو اليت أنزؽبا على رسلو‪ ,‬فيو بياف‬
‫كتعاىل من نعمتو على عباده ٌبُت لو ن‬
‫كثَت من أظباء ا﵁ كصفاتو‪ ,‬كالسيما ما جاء ُب كتاب ا﵁ القرآف‪ ,‬الذم أرسل ا﵁ عز كجل نبيو صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم بو‪ ,‬فإف فيو صبلةن كبَتة من أظباء ا﵁ كصفاتو‪ ,‬بل أنو جل كعبل ضرب األمثاؿ ككذا نبيو‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم اليت تبُت كتعرؼ العباد دبوالىم‪ ,‬كمعبودىم‪ ,‬كرهبم سبحانو كتعاىل تأمل ُب قوؿ‬
‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ُب فعل تلك اؼبرأة اليت كانت تبحث بُت السيب‪ ,‬حىت كجدت طفلها‬
‫فألقمتو ثديها‪ ,‬قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم‪« :‬هلل أرحم بعباده من ىذه بولدىا» ‪ ,‬كقاؿ صلى ا﵁ عليو‬
‫«هلل أفرح‬ ‫كسلم ُب شأف توبة عبده‪ ,‬قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ُب شأف توبة العبد ﵁ تبارؾ كتعاىل‪:‬‬
‫بتوبة عبده من ٍ‬
‫رجل كان في فالة مدوية‪ ,‬ومعو دابتو التي عليو طعامو وشرابو‪ ,‬ففقدىا حتى أيس‬
‫وم جلس تحت ظل شجرةٍ ينتظر الموت‪ ,‬وإذا بدابتو فوق رأسو‪ ,‬فأخذ بخطامها وقال‪:‬‬ ‫منها‪ّ ,‬‬
‫اللهم أنت عبدي وأنا ربك»‪ ,‬أخطأ من شدة الفرح‪.‬‬

‫انظر كيف أف ا﵁‪-‬عز كجل‪ ,‬فيما ٌبُت نبيو صلى ا﵁ عليو كسلم قد ضرب األمثاؿ اليت تقرب‬
‫معرفتك بربك ‪ -‬سبحانو كتعاىل‪ ,-‬بل إف ا﵁ جل كعبل أمر دبعرفة أظبائو كصفاتو‪ ,‬كىذا يدؿ على أنو‬
‫أمرا شرعينا إال كىو وببو تبارؾ كتعاىل‪ ,‬كم ُب كتاب ا﵁ من‬ ‫و‬
‫جل كعبل‪ -‬فما أمر ا﵁ بشيء ن‬ ‫أمر وببو ‪ٌ -‬‬ ‫ه‬
‫ِ‬ ‫أم ور دبعرفة أظباء ا﵁ كصفاتو! ﴿وا ْعلَموا أَ ان اللاو س ِم ِ‬
‫ين﴾‬ ‫﴿وا ْعلَ ُموا أَ ان اللاوَ َم َع ال ُْمتاق َ‬
‫يم﴾ َ‬ ‫يع َعل ٌ‬‫َ َ ٌ‬ ‫َ ُ‬
‫اصير﴾ ﴿ا ْعلَ ُموا أَ ان اللاوَ َش ِدي ُد ال ِْع َق ِ‬
‫اب َوأَ ان اللاوَ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ا‬
‫﴿فَا ْعلَ ُموا أَ ان اللوَ َم ْوال ُك ْم ن ْع َم ال َْم ْولَى َون ْع َم الن ُ‬
‫و‬ ‫يم﴾ ُب‬ ‫غَ ُف ِ‬
‫نصوص كثَتة ُب كتاب ا﵁ عز كجل إ نذا ىذا من العلم الواجب الذم ينبغي أف ال‬ ‫ور َرح ٌ‬ ‫ٌ‬
‫يتواىن اؼبسلم ُب اغبرص كاعبد ُب ربصيلو‪.‬‬

‫باب األظباء كالصفات فبا يؤكد أنبيتو يا أيها الكراـ! أف االكبراؼ الكبَت قد كقع فيو مع األسف‬
‫الشديد‪ ,‬ىذا الباب مع كونو من أكضح األبواب‪ ,‬كأظهرىا من حيث الداللة عليو‪ ,‬إال انو قد كقع فيو‬
‫خبلؼ كبَته ُب ىذه األمة‪ ,‬كاكبرؼ فئاـ من الناس عن اعبادة‪ ,‬كعن اغبق اؼببُت فيو‪ ,‬فكاف فبا يتعُت‬
‫ه‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪26‬‬ ‫هللا‬
‫كسنة‬
‫على من أراد قباة نفسو من االكبراؼ كالضبلؿ‪ ,‬أف يتبُت اغبق ُب ىذا الباب ُب ضوء كتاب ا﵁‪ ,‬ي‬
‫رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬

‫الناس في الجملة في ىذا الباب ينقسمون إلى والوة أقسام‪:‬‬

‫‪ ‬أىل تعطيل‪.‬‬

‫‪ ‬كإىل أىل سبثيل‪.‬‬

‫‪ ‬كإىل أىل سواء السبيل‪.‬‬

‫ط على جادة اغبق ىو مسلك‬


‫اؼ إىل شق سبثيل‪ ,‬كشبة توس ه‬
‫اؼ إىل شق التعطيل‪ ,‬كشبة اكبر ه‬
‫شبةن اكبر ه‬
‫أىل سواء السبيل‪ ,‬كأىل التعطيل انفصلوا إىل أقساـ‪:‬‬

‫‪ ‬إىل أىل و‬
‫زبييل‪.‬‬

‫‪ ‬كإىل أىل و‬
‫ذبهيل‪.‬‬

‫‪ ‬كإىل أىل تأكيل‪.‬‬

‫السنة كاعبماعة ح نقا كصدقنا‪ ,‬يدلك‬


‫إ نذا ىذه األقساـ الكثَتة اليت اكبرفت عن اغبق باستثناء أىل ي‬
‫ىذا االكبراؼ الكثَت كالكبَت على أف ىذا الباب فبا يتعُت على طالب العلم بل اؼبسلم‪ ,‬أف هبد ُب‬
‫البحث فيو‪ ,‬كالتأمل‪ ,‬كالنظر‪ ,‬كالتعلم‪ ,‬حىت يصيب اغبق كحىت يسلم من االكبراؼ ُب ىذا اؼبقاـ‪,‬‬
‫االكبراؼ ُب ىذا الباب ليس باألمر اؽبُت؛ ألف الكبلـ ُب ىذا الباب عن ا﵁ العظيم تبارؾ كتعاىل‪,‬‬
‫كالكبلـ عنو ليس ع الكبلـ عن غَته‪ ,‬من تكلم عن ا﵁ بغَت علم‪ ,‬فقد كقع ُب آمر عظيم‪.‬‬

‫﴿وأَ ْن تَ ُقولُوا َعلَى اللا ِو َما ال تَ ْعلَ ُمو َن﴾‬


‫جل كعبل‪َ :‬‬
‫قاؿ سبحانو ؼبا ٌبُت ا﵀رمات الشريعة‪ ,‬قاؿ ٌ‬
‫جد كالبحث كالنظر ُب موضوع األظباء‬
‫إذنا ىذه مقدمةه تشهد نبة طالب العلمإف شاء ا﵁ من ِّ‬
‫السنة كاعبماعة‪.‬‬
‫كالصفات‪ ,‬كفق الطريق اؼبثلى اليت كاف عليها سلف ىذه األمة‪ ,‬كمضى عليها أىل ي‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪27‬‬ ‫هللا‬
‫قال المؤلف رحمو اهلل‪( :‬ومناإليمان باهلل اإليمان بما وصف اهلل بو نفسو في كتابو‪ ،‬وما‬
‫مهم‪ ,‬بُت أىل اغبق‬
‫كفارؽ ه‬
‫أساس ه‬ ‫وصفو بو رسولو صلى اهلل عليو وسلم) ىذه قاعدةه أكىل كمر ه‬
‫تكز ه‬
‫باب توقيفي‪,‬‬
‫السنة كاعبماعة يعتقدكف أف ىذا الباب ه‬
‫كأىل الضبلؿ ُب ىذا الباب‪ ,‬اال كىو أف أىل ي‬
‫سمى ا﵁ كال يوصف ا﵁ إال بدليل جاء ُب كتاب‬‫السنة‪ ,‬فبل يي َّ‬
‫يوقف فيو عند حد ما جاء ُب الكتاب ك ي‬
‫كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم كال يتجاكز القرآف كاغبديث‪ ,‬كال يزيل عن ا﵁ عز كجل اظبنا أك‬
‫ا﵁‪ ,‬ي‬
‫أحدا من الشانعُت من اؼبشنعُت‪.‬‬
‫صفةن لشناعة ن‬
‫إذنا ىذا ىو األساس األكؿ‪ ,‬الذم ينبغي أف ال يغيب عن بالك يا طالب العلم! كىو أف ىذا‬
‫غيب‬
‫بنص من الوحي؛ كسبب ذلك أف ا﵁ عز كجل ه‬ ‫باب توقيفي‪ ,‬فبل هبوز أف يتكلم فيو إال و‬
‫الباب ه‬
‫بالنسبة لنا‪ ,‬الغيب ما غاب عنك‪ ,‬ومعرفة أم ٍر ُم ٍ‬
‫غيب عنك ال تكون إال بطر ٍيق من طر ٍيق والث‪:‬‬

‫‪ ‬إما بأن ينقلب الغيب إلى شهادة‪ :‬دبعٌت أف ترل ىذا الذم كاف غائبنا عنك‪ ,‬فلم يعد األمر ىا‬
‫جل كعبل‪ -‬مل نره كلن نراه ُب الدنيا‪ ,‬قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم كما اخرج‬
‫ىنا ماذا؟ غيبنا‪ ,‬كا﵁ ‪ٌ -‬‬
‫اإلماـ مسلم ُب صحيحو‪« :‬تعلموا أنكم لن تروا ربكم حتى تموتوا»‪.‬‬

‫﴿ى ْل‬
‫جل كعبل‪ -‬ليس كمثلو شيء‪َ ,‬‬ ‫‪ ‬الطريقة الثانية‪ :‬اف ترل ن‬
‫مثيبل ؽبذا األمر الغييب‪ ,‬كا﵁ ‪ٌ -‬‬
‫َح ٌد﴾‬ ‫ِ‬
‫﴿ولَ ْم يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫تَ ْعلَ ُم لَوُ َسميًّا﴾ َ‬
‫‪ ‬الطريقة الثالثة‪ :‬أف يأتيك عنو خربه صادؽ‪ ,‬كبالتايل فإذا جاءؾ اػبرب الصادؽ فإف عليك أف‬
‫تقف عنده كال تتجاكزه‪.‬‬

‫قائبل بغَت علم؛ كلذا‬ ‫كمىت تكلمت عن أم ور غييب بغَت ىذه األمور الثبلثة‪ ,‬فإنك ال شك تكوف ن‬
‫﴿و َج َعلُوا ال َْمالئِ َكةَ‬
‫أنكر ا﵁ ‪-‬سبحانو كتعاؿ‪ -‬على اؼبشركُت‪ ,‬الذين تكلموا ُب أم ور غي ويب ما شهدكه‪َ ,‬‬
‫اد ال ار ْح َم ِن إِنَاوًا﴾‪ ,‬قاؿ ا﵁ جل كعبل‪﴿ :‬أَ َش ِه ُدوا َخ ْل َق ُه ْم﴾ يعٍت ىل كانوا حاضرين حىت‬ ‫ِ‬ ‫اِ‬
‫ين ُى ْم عبَ ُ‬
‫الذ َ‬
‫يتكلموف هبذا الكبلـ‪ ,‬الذم ال أثر عليو من علم‪ ,‬تكلموا ُب شأف خلق اؼببلئكة كأهنم إناث بغَت علم‪.‬‬
‫ألحد أف يتكلم ُب و‬
‫شيء يتعلق بو إال بطريق من ىذه الطرؽ‪ ,‬كطريقاف‬ ‫إ نذا ا﵁ عز كجل ال يبكن و‬
‫منها موصداف‪ ,‬فبقي عندنا الطريق الثالث‪ ,‬كىو أف يأٌب خربه صادؽ‪ ,‬كاػبرب الصادؽ جاءنا عن ا﵁ عز‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪28‬‬ ‫هللا‬
‫ب بِ َ ِ‬
‫﴿وَما ُى َو َعلَى الْغَْي ِ‬
‫ضني ٍن﴾ َ‬
‫﴿وَما‬ ‫كجل من طريق نبيو صلى ا﵁ عليو كسلم الذم قاؿ ا﵁ عنو‪َ :‬‬
‫ب بِظنِي ٍن﴾ قراءتاف متواترتاف‪.‬‬
‫ُى َو َعلَى الْغَْي ِ‬

‫كبالتايل فإف على اإلنساف أف يؤمن دبا جاء من طريق النيب صلى ا﵁ عليو كسلم عن ربو جل كعبل‬
‫من األظباء كالصفات‪ ,‬كال هبوز لو أف يتجاكز ذلك‪ ,‬ىذا السبب األكؿ الذم هبعلنا نقف عند حدكد‬
‫السنة ُب ىذا الباب‪ ,‬كال نتجاكزه إىل غَته‪.‬‬
‫الكتاب ك ي‬
‫السنة نبا اغبق ا﵀ض‪ ,‬الذم ال يتطرؽ إليو خطأه البتة‪.‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬أف الكتاب ك ي‬
‫اط ُل ِم ْن‬ ‫اللهعز كجل يقوؿ‪﴿ :‬وبِالْح ٍّق أَنزلْنَاهُ وبِالْح ٍّق نَز َل﴾ كيقوؿ تبارؾ كتعاىل ‪﴿:‬ال يأْتِ ِيو الْب ِ‬
‫َ َ‬ ‫َ َ َ َ َ َ‬
‫﴿وَما يَ ْن ِط ُق‬ ‫ب ي ِن ي َدي ِو وال ِمن َخل ِْف ِو تَن ِزيل ِمن ح ِك ٍ ِ ٍ‬
‫يم َحميد﴾ كقاؿ عن نبيو ‪-‬عليو الصبلة كالسبلـ‪َ :-‬‬ ‫ٌ ْ َ‬ ‫َْ َ ْ َ ْ‬
‫وحى﴾ فإذا كاف ذلك كذلك فعلى اإلنساف أف يعتصم دبا جاء ُب‬ ‫َع ِن ال َْه َوى ( ‪ )3‬إِ ْن ُى َو إِاال َو ْح ٌي يُ َ‬
‫السنة فحسب‪ ,‬ىذا ىو األمر األسلم الذم ربفظ بو عن الوقوع ُب اػبطأ‪ ,‬كأما ما سول‬ ‫الكتاب ك ي‬
‫كحي‬ ‫و‬
‫السنة ُب ىذه اؼبطالب اإلؽبية‪ ,‬فإنو عن ىول كال بيد‪ ,‬ال ٍبَّ إال ه‬ ‫ذلك فكل كبلـ ذباكز الكتاب ك ي‬
‫ك فَا ْعلَ ْم أَنا َما‬‫جل كعبل‪﴿ :-‬فَِإ ْن لَ ْم يَ ْستَ ِجيبُوا لَ َ‬ ‫أمر ثالث‪ ,‬تأمل ُب قوؿ ا﵁ ‪ٌ -‬‬ ‫كىول‪ ,‬ليس ىناؾ ه‬
‫﴿وَما يَ ْن ِط ُق َع ِن ال َْه َوى * إِ ْن ُى َو إِاال َو ْح ٌي‬ ‫َ‬ ‫جل كعبل‪:-‬‬ ‫اء ُى ْم﴾ تأمل ُب قوؿ ا﵁ ‪ٌ -‬‬
‫ِ‬
‫يَتابعُو َن أ َْى َو َ‬
‫ِ‬ ‫يوحى﴾ تأمل قوؿ ا﵁ ‪ -‬جل كعبل‪﴿ :-‬وأ ِ‬
‫اء ُى ْم﴾ ن‬
‫دائما‬ ‫اح ُك ْم بَ ْي نَ ُه ْم بِ َما أ َ‬
‫َنز َل اللاوُ َوال تَ تاب ْع أ َْى َو َ‬ ‫َن ْ‬ ‫َ‬ ‫ٌ‬ ‫ُ َ‬
‫كحي أك ىول‪ ,‬مهما تشكل كمهما تسمى كمهما‬ ‫اؼبقابلة تكوف بُت الوحي كاؽبول‪ ,‬إذنا ما ٍبَّ إال ه‬
‫علم بباط ون أك ظاىر‪ ,‬أك‬ ‫تصور‪ ,‬مهما قاؿ صاحب ىذا اؽبول‪ ,‬إنو حديث القلب عن الرب‪ ,‬أك أنو ه‬
‫شيء يكوف سول ذلك‪ ,‬فاغبقيقة ُب‬ ‫معقوؿ عندم‪ ,‬أك أنو كشف‪ ,‬أك أنو رؤية مناـ‪ ,‬أك أنو أم و‬ ‫أنو و‬
‫ه‬
‫متكلم‬ ‫شيء كاحد‪ ,‬أف كل متكل وم ُب ا﵁ تبارؾ كتعاىل من غَت طريق الوحي‪ ,‬فإنو‬ ‫ىذا كلو راجعةه إىل و‬
‫ه‬
‫َض ُّل ِم ام ِن اتابَ َع َى َواهُ بِغَْي ِر ُى ًدى ِم َن اللا ِو﴾‪.‬‬ ‫﴿وَم ْن أ َ‬
‫أمر مذموـ َ‬ ‫باؽبول‪ ,‬كال شك أف اؽبول ه‬
‫السنة كاعبماعة عن‬
‫مهم‪ ,‬يتميز بو منهج أىل ي‬
‫ط ه‬ ‫كالحظ يا رعاؾ ا﵁‪ُ ,‬ب ىذا الباب ضاب ه‬
‫ـبالفيهم‪ ,‬كىذا ما أشار إليو اؼبؤلف رضبو ا﵁ ُب اعبملة اليت بُت أيدينا‪.‬‬

‫قاؿ‪( :‬ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف اهلل بو نفسو في كتابو‪ ،‬وما وصفو بو رسولو صلى‬
‫اهلل عليو وسلم) القاعدة عند أىل ي‬
‫السنة كاعبماعة‪ ,‬عدـ التفريق بُت األدلة السمعية من حيث األخذ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪29‬‬ ‫هللا‬
‫السنة كاعبماعة أىل اغبق‪ ,‬أىل اإلتباع الصادؽ ىم‬
‫هبا‪ ,‬انتبهوا إىل ىذا الفارؽ اؼبهم بيننا كبينهم! أىل ي‬
‫السنة فعلى الرأس كعلى العُت‪,‬‬
‫الذين ال يفرقوف بُت األدلة من حيث األخذ هبا‪ ,‬فما جاء ُب الكتاب ك ي‬
‫السنة فحسب فعلى الرأس كالعُت‪,‬‬‫كما جاء ُب الكتاب فحسب فعلى الرأس كعلى العُت‪ ,‬كما جاء ُب ي‬
‫كما جاء ُب يسنةه متواترةو أك آحاد فعلى الرأس كعلى العُت‪ ,‬ال يفرقوف بُت األدلة ُب ىذا الباب الكل‬
‫كحي‪ ,‬كالكل حجةه‪ ,‬كالكل مقبوؿ‪.‬‬ ‫ه‬
‫والدليل على ىذا‪:‬‬

‫جل كعبل‪ : -‬كما آتاكم الرسوؿ و‬


‫بدليل‬ ‫ول فَ ُخ ُذوهُ﴾ كما قاؿ ا﵁ ‪ٌ -‬‬ ‫﴿وَما آتَا ُك ُم ال ار ُس ُ‬
‫قولو تعاىل‪َ :‬‬
‫ِ ِ ِِ‬ ‫و‬
‫دليل من الوحي‪ ,‬من‬ ‫جل كعبل‪﴿ :‬ألُنذ َرُك ْم بو َوَم ْن بَلَ َغ﴾ كل من بلغو ه‬‫متواتر فحسب فخذكه‪ ,‬قاؿ ٌ‬
‫ُنذ َرُك ْم بِ ِو َوَم ْن بَلَ َغ﴾ كمل‬
‫﴿أل ِ‬
‫ِ‬ ‫ثابت كاف فإف النذارة متحققةه و‬
‫حينئذ‬ ‫أم طر ويق كاف‪ ,‬من أم طر ويق و‬
‫ائد على ذلك‪ ,‬أقوؿ ىذا؛ ألف طوائف من أىل البدع اكبرفت ُب ىذا‬ ‫يشًتط ا﵁ عز كجل شرطنا ز ن‬
‫اؼبقاـ‪.‬‬

‫خصوصا‪,‬‬
‫ن‬ ‫كبالتايل فإهنم يقرركف أصلُت‪ ,‬نبا من أعظم أصوؿ الضبلؿ كاالكبراؼ ُب باب الصفات‬
‫عموما‪:‬‬
‫كُب غَته من أبواب االعتقاد ن‬
‫السنة اآلحاد‬ ‫أوال‪ :‬أهنم يزعموف أف اغبجة ُب باب الصفات إمبا ىي ي‬
‫بالسنة اؼبتواترة‪ ,‬كأما ي‬ ‫‪ً ‬‬
‫السنة جاءت من طريق‬ ‫السنة‪ ,‬بل عامة ي‬
‫فمقًتحةه غَت مقبولة‪ ,‬كبالتايل فإهنم يكونوف قد اطرحوا أكثر ي‬
‫اترا معنوينا‪ ,‬أك‬ ‫ً‬ ‫و‬
‫آحاد‪ ,‬بل األحاديث اليت يحكم عليها بأهنا متواترة أحاديث قليلة‪ ,‬سواءن كاف ذلك تو ن‬
‫اترا لفظينا‪ ,‬اؼبقصود أف األحاديث اؼبتواترة قليلةه بالنسبة إىل األحاديث اآلحاد‪ ,‬كبالتايل فهؤالء‬
‫كاف تو ن‬
‫السنة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم غَت مفيدة ُب ىذا اؼبقاـ‪ ,‬ىذا أصل‪.‬‬ ‫جعلوا أكثر ي‬
‫كتفصيبل سواءن عادت إىل آيات الكتاب‪ ,‬أك‬
‫ن‬ ‫‪ ‬واألصل الثاني‪ :‬أهنم زعموا أف األدلة النقلية صبلةن‬
‫إىل أحاديث متواترة‪ ,‬أك على أحاديث آحاد كلها داللتها ظنية‪ ,‬كإف كانت قطعية الثبوت‪ ,‬دبعٌت أف‬
‫السنة فإنو ال ىبرج عن الظن عندىم‪ ,‬بل كا﵁ قد قاؿ بعض‬ ‫كل و‬
‫دليل نقلي جاء ُب الكتاب ك ي‬
‫أساطينهم ‪ :‬إهنا ال زبرج عن الظن كالتخمُت‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪30‬‬ ‫هللا‬
‫مفيدا‬
‫كبالتايل إذا صبعت ىذا على األكؿ‪ ,‬تبُت لك أهنم عزلوا كحي رب العاؼبُت عن أف يكوف ن‬
‫للعلم كاليقُت ُب أعظم مطالب الدين‪ ,‬كبالتايل فتكوف اؽبداية مستفادةن من غَت طريق الوحي‪ ,‬كال شك‬
‫﴿وإِ ِن ْاىتَ َديْ ُ‬
‫ت‬ ‫َ‬ ‫أف ىذا من أبطل الباطل‪ ,‬فبل ىداية غبل من طريق الوحي‪ ,‬امل يقل ا﵁ جل كعبل‪:‬‬
‫فَبِما ي ِ‬
‫وحي إِلَ اي َربٍّي﴾ سبب اؽبداية ككسيلتها‪ ,‬كطريقها ليس إال كحي رب العاؼبُت سبحانو كتعاىل‬‫َ ُ‬
‫السنة‪.‬‬
‫الذم ىو الكتاب ك ي‬
‫فإذا ضممت إىل ىذين فقرة ثالثة‪ ,‬تبُت لك مدل االكبراؼ العظيم الذم كقع ىؤالء فيو‪ ,‬كىو‬
‫السنة كثَته منها يفيد الضبلؿ كالتشبيو‪ ,‬كالتشبيو‬
‫أهنم يزعموف إف ظواىر نصوص الصفات ُب الكتاب ك ي‬
‫كثر كما ال ىبفاكم‪ ,‬كعليو فيكوف ىذا الكتاب إذا كاف كما زعموا يكوف إىل أف يوصف باإلضبلؿ‬
‫ه‬
‫أقرب من أف يوصف على أف يكوف كتاب و‬
‫ىداية للمؤمنُت كبشرل للمسلمُت‪.‬‬

‫باطن مراد‪ ,‬كاف‬


‫إذا كاف ظاىر نصوص الصفات تفيد التشبيو‪ ,‬كؽبا ظاىر مفهوـ عند القارئ‪ ,‬كؽبا ه‬
‫كإضبلال‪ ,‬أك على األقل كتاب ألغا وز كأحاجي يقرئو اإلنساف ُب أعظم ما اشتمل‬
‫ن‬ ‫تشبيها‬
‫ىذا القرآف ن‬
‫عليو كمع ذلك فإنو ال يفهم منو شيئنا‪.‬‬

‫كتاب يؤدم دبن قراه كاعتقده على ظاىره‪ ,‬على أف يضل كيشقى‪ ,‬مع أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬ ‫إذنا ىذا ه‬
‫ِ‬
‫ك الْ ُق ْرآ َن لتَ ْش َقى﴾ ‪ ,‬ىذا الكتاب كتاب ىداية‪ ,‬ىذا الكتاب ه‬
‫نور مبُت‪,‬‬ ‫يقوؿ‪﴿ :‬طو * َما أَنْ َزلْنَا َعلَْي َ‬
‫ىذا الكتاب شفاءه ؼبا ُب الصدكر‪ ,‬ىذا الكتاب يهدم ا﵁ عز كجلبو يمريد اغبق على الصراط اؼبستقيم‪,‬‬
‫فإذا صبعت ىذه األصوؿ الثبلثة‪ ,‬تبُت لك مدل اكبراؼ القوـ‪ ,‬كمدل اعتدائهم على نصوص الكتاب‬
‫بالسنة حقِّا‬
‫السنة كاعبماعة‪ ,‬كأف اؼبتمسكوف ي‬
‫السنة‪ ,‬كيا ﵁ العجب! أهنم يقولوف بعد ذلك‪ :‬إهنم أىل ي‬ ‫ك ي‬
‫السنة كاعبماعة‪.‬‬
‫كصدقنا‪ ,‬الذين يقدموهنا على كل ما سواىا‪ ,‬فإهنم عندىم خارجوف عن أىل ي‬
‫السنة‪ ,‬كال‬
‫مهم ينبغي أف يتنبو إليو ىذا الباب توقيفي كدليلو الكتاب ك ي‬ ‫المقصود‪ :‬أف ىذا ه‬
‫أصل ه‬
‫السنة كاعبماعة‪ ,‬بُت أف تثبت الصفة أك أف يثبت االسم و‬
‫بدليل من القرآف‪ ,‬أك من‬ ‫فرؽ عند أىل ي‬
‫السنة‪ ,‬فكثَته من صفات ا﵁ عز كجل كصفة العلو‪ ,‬كصفة العزة‪ ,‬كصفة الوجو‪ ,‬كصفة‬
‫القرآف ك ي‬
‫السنة فحسب‪ ,‬كصفة الضحك‬ ‫ثابت ُب ي‬
‫الغضب‪ ,‬كصفة االستواء على غَت ما ىنالك‪ ,‬أك أف يكوف ه‬
‫﵁ ‪-‬عز كجل‪ ,‬أك صفة الفرح ﵁ عز كجل‪ ,‬أك صفة القدـ ﵁ عز كجل‪ ,‬أك صفة األصابع ﵁ عز كجلبل‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪31‬‬ ‫هللا‬
‫كحي كالكل مقبوؿ‪ ,‬كما أنو ال فرؽ عندىم بُت‬
‫السنة كاعبماعة بُت ىذا كىذا‪ ,‬فالكل ه‬ ‫فرؽ عند أىل ي‬
‫أف تثبت الصفة من طر ويق متواترة‪ ,‬أك أف تثبت من طر ويق آحاد‪.‬‬

‫السنة والجماعة الثبوت ال التواتر ‪ ,‬انتبو على ىذا األصل اؼبهم‪ ,‬القاعدة عند‬
‫الشرط عند أىل ُ‬
‫السنة كاعبماعة‪ :‬ثبوت الدليل كليس تواتر الدليل‪.‬‬
‫السنة كاعبماعة‪ ,‬كشرط االحتجاج عند أىل ي‬
‫أىل ي‬
‫قال المؤلف رحمو اهلل‪( :‬ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف اهلل بو نفسو في كتابو‪ ،‬وما‬
‫وصفو بو رسولو صلى اهلل عليو وسلم) كل ما جاء ُب كتاب ا﵁ عز كجل ي‬
‫كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو‬
‫اجب على العبد أف يؤمن بو‪ ,‬كأف يصدؽ‪ ,‬كأف يوقن‪ ,‬كأف يعتقد بأف‬ ‫كسلم من أظباء ا﵁ كصفاتو‪ ,‬فو ه‬
‫متصف بتلك الصفة‪ٍ ,‬ب ذكر اؼبؤلف رضبو ا﵁ بعد ذلك ا﵀اذير اليت‬ ‫ه‬ ‫ا﵁ متس وم هبذا االسم‪ ,‬كأف ا﵁‬
‫ربوؿ بُت العبد‪ ,‬كبُت الوصوؿ على اغبق ُب ىذا اؼبقاـ اؼبهم‪ ,‬ذكر أربعة ؿباذير‪ ,‬ينبغي أف هبتنبها اؼبؤمن‬
‫بالصفات‪ ,‬كاؼبثبت لؤلظباء كالصفات لربنا سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫قال رحمو اهلل‪( :‬ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف اهلل بو نفسو في كتابو‪ ،‬وما وصفو بو‬
‫عندنا‬ ‫رسولو صلى اهلل عليو وسلم من غير تحريف‪ ،‬وال تعطيل‪ ،‬ومن غير تكييف‪ ،‬وال تمثيل)‬
‫كتكييف‪ ,‬كسبثيل)‪.‬‬
‫ه‬ ‫كتعطيل‪,‬‬
‫ه‬ ‫يف‪,‬‬
‫اآلف كما رأيت أربعة ؿباذير‪( :‬ربر ه‬
‫كمشدد من حرؼ‪ ,‬وبرؼ‪ ,‬ربري نفا‪ ,‬كالتشديد‬
‫ه‬ ‫مضعف‬
‫ه‬ ‫أما األمر األول‪ :‬فهو التحريف‪ :‬التحريف‬
‫ؼ) من باب طرد‪ ,‬كالتحريف دبعٌت االكبراؼ يعٍت اػبركج عن‬
‫ىا ىنا للمبالغة‪ ,‬أصل الفعل ( ىحىر ى‬
‫السمت‪ ,‬كاػبركج عن اغبق‪ ,‬كاالبتعاد عن الصواب‪ ,‬كاؼبؤلف رضبو ا﵁ ُب ىذه الكلمة آثر استعماؽبا‪,‬‬
‫على استعماؿ و‬
‫كلمة أخرل أشهر‪ ,‬كىي التأكيل‪ ,‬كالسبب ُب ذلك أمراف‪:‬‬

‫السنة من كل كجو‪.‬‬
‫‪ -‬أنو أراد أف تكوف ىذه العقيدة موافقةن ُب ألفاظها للكتاب ك ي‬
‫‪ -‬كثانينا‪ :‬أهنا أكضح ُب الداللة على اؼبقصود‪ ,‬كلمة التحريف أكضح ُب الداللة على اؼبقصود‪,‬‬
‫معاف ـبتلفة‪ ,‬فلو‬ ‫كأكقع ُب النفوس من حيث بياف الشناعة من كلمة التأكيل‪ ,‬ذلك أف كلمة التأكيل ؽبا و‬
‫﴿وَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَوُ إِاال‬
‫تأكيل فقد يقوؿ قائل‪ :‬كماذا ُب التأكيل‪ ,‬كا﵁ جل كعبل يقوؿ ‪َ :‬‬ ‫قاؿ‪ :‬من غَت و‬
‫اس ُخو َن فِي ال ِْعل ِْم﴾ على القولُت ُب شاف الوقف كالوصل ُب‬ ‫اللاوُ﴾ أك ﴿وما ي ْعلَم تَأْ ِويلَوُ إِاال اللاوُ وال ار ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫ىذه اآلية‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪32‬‬ ‫هللا‬
‫مثبل‪ :‬النيب صلى ا﵁ عليو كسلم دعا البن عباس رضي ا﵁ عنهما باف يرزقو ا﵁ التأكيل‪,‬‬ ‫أك يقوؿ ن‬
‫تأكيبل‪,‬‬
‫قاؿ‪ :‬دعا لو النيب صلى ا﵁ عليو كسلم بأف يعلمو التأكيل‪ ,‬فكيف يكوف التأكيل على ىذا ن‬
‫مذموما؟ إ نذا عدؿ اؼبؤلف رضبو ا﵁ عن الكلمة اليت قد ربتمل‪ ,‬أك‬ ‫ن‬ ‫كيف يكوف التأكيل على ىذا شيئنا‬
‫تشتبو على كلمة الواضحة‪ ,‬اليت جاء ذمها ُب كتاب ا﵁ عز كجل فقاؿ سبحانو‪﴿ :‬يُ َح ٍّرفُو َن الْ َكلِ َم َع ْن‬
‫اض ِع ِو﴾ إ نذا التحريف اؼبراد بو اؼبصطلح عليو عند اؼبتأخرين بالتأكيل‪ ,‬ىو صرؼ اللفظ عن ظاىره‬ ‫مو ِ‬
‫ََ‬
‫معٌت آخر‪ ,‬أىل التحريف ال ينكركف الصفات‪ ,‬ال يقولوف‪ :‬إف ىذه الصفة غَت ثابتةه ﵁ تبارؾ‬ ‫على ن‬
‫كتعاىل‪ ,‬لو جئت على ؿبرر كقلت لو‪ :‬عن ا﵁ عز كجل مل يست ًو على العرش‪ ,‬فإنو يكفرؾ‪ ,‬أليس‬
‫استَ َوى﴾‬
‫ش ْ‬‫كذلك؟ ألف اآلية صروبة ﴿ال ار ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬

‫لكنو يأٌب إليك فيقوؿ‪ :‬كلكن ما معٌت استول؟ أىو ما تفهمو ُب ضوء لغة العرب؟ كىو أنو العلو‬
‫معٌت آخر‬
‫كاالرتفاع على الشيء أـ أنو شيءه آخر فيقوؿ لك‪ :‬ال؟ ال تفهم ىذا اؼبعٌت الظاىر‪ ,‬إمبا شبة ن‬
‫كىو أف االستواء ىو االستيبلء‪ ,‬فتجد أنو حرؼ ىذه الكلمة عن معناىا الظاىر إىل غَتىا‪ ,‬ذبدىم‬
‫ِ‬
‫يما﴾ يثبت ىذه اآلية كيثبت أف اللهعز‬ ‫﴿وَكلا َم اللاوُ ُم َ‬
‫وسى تَ ْكل ً‬ ‫مثبل يقولوف ُب قوؿ ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪َ :‬‬
‫ن‬
‫كجل كلم موسى‪ ,‬لكنو يأٌب بعد ذلك فيقوؿ لك‪ :‬كلكن ما معٌت التكليم؟ التكليم ىنا منالكلم‪ ,‬كليس‬
‫من الكبلـ‪ ,‬يعٍت أنو جرحو بألفاظ اغبكمة ذبروبنا‪ ,‬انظر كيف أنو أثبت اللفظ لكنو حرؼ اؼبعٌت عما‬
‫ظاىر ُب‪ ,‬كما ىو ظاىر لفظ كتاب ا﵁ ‪ -‬سبحانو كتعاىل‪.-‬‬ ‫أراده ا﵁ تبارؾ كتعاىل كما ىو ه‬
‫مثبل ُب حديث النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪« :‬إن اهلل تعالى ينزل إلى سماء الدنيا‪,‬‬
‫ذبد أنو يقوؿ ن‬
‫إذا بقي ولث الليل اآلخر» اغبديث‪ ,‬ىو ال ينكر اغبديث‪ ,‬لكنو يقوؿ‪ :‬أف النزكؿ ىا ىنا ليس نزؿ‬
‫ملك من مبلئكتو‪ ,‬إذا ىو التحريف‪ ,‬كالتحريف من حيث‬ ‫ا﵁ عز كجل إمبا ىو نزكؿ أمره‪ ,‬أك نزؿ و‬
‫كتبديبل ُب اغبركؼ كالكلمات‪ ,‬قد يكوف‬ ‫ن‬ ‫كتبديل ُب اغبركات‪ ,‬كقد يكوف تغي وَت‬
‫و‬ ‫األصل قد يكوف بتغي وَت‬
‫ِ‬
‫يما﴾‬ ‫﴿وَكلا َم اللاوُ ُم َ‬
‫وسى تَ ْكل ً‬ ‫قليل نادر كما حرؼ بعضهم قولو تعاىل‪َ :‬‬ ‫تغيَت ُب اغبركات كىذا شيءه ه‬ ‫ن‬
‫ِ‬
‫يما﴾ ‪ ,‬كل ذلك فر هار عن إثبات الكبلـ للهعز كجل كاألكثر أف يكوف‬ ‫وسى تَ ْكل ً‬‫﴿وَكلا َم اللاوَ ُم َ‬
‫إىل َ‬
‫متعلق باغبركؼ كالكلمات كفعل من ٌأكؿ صفة االستواء بصفة االستيبلء‪ ,‬قالوا‪ :‬إف االستواء‬ ‫التحريف ه‬
‫ىو االستيبلء‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪33‬‬ ‫هللا‬
‫أم ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػر اليه ػ ػ ػ ػ ػػود بػ ػ ػػأف يقولوا حط ػػةفأبػ ػ ػوا كقالػ ػ ػوا حن ػ ػػطةه ؽب ػ ػ ػواف‬

‫كك ػ ػ ػ ػ ػػذلك اعبهمي قيػػل لو است ػ ػػول فأب ػػى كزاد اغب ػ ػػرؼ للنقصػػاف‬

‫قاؿ استول استوىل كذا من جهلو لغػة كعق ػ نػبل ليػ ػ ػػس يستويػ ػ ػ ػػاف‬

‫نوف اليه ػػود كالـ جهم ػ ػ ػ ػ هػي نب ػ ػ ػ ػ ػػا ُب كحي رب العرش زائدتػػاف‬

‫ىكذا قاؿ ىؤالء القوـ‪ ,‬كقد يكوف ربريفهم ربريف الكبلـ بزيادةو أك نقصاف كما ىو الشأف ُب‬
‫صفة النزكؿ ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ,‬كغَتىا من الصفات‪.‬‬

‫ا﵀ذكر الثاين‪ :‬كىو ذك عبلقةه كثيقة با﵀ذكر األكؿ كىو‪:‬‬

‫﴿وبِْئ ٍر ُم َعطالَ ٍة‬


‫التعطيل‪:‬التعطيل ُب اللغة التخلية‪ ,‬ترؾ الشيء كزبليتو ىذا تعطيل‪ ,‬قاؿ جل كعبل‪َ :‬‬
‫يد﴾ ‪ ,‬يعٍت مهجورة تركها أىلها‪ ,‬التعطيل اؼبراد هبا ىا ىنا ُب باب الصفات‪ ,‬ىو إنكار‬‫ص ٍر م ِش ٍ‬
‫َوقَ ْ َ‬
‫صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ,‬إما كلينا‪ ,‬كإما جزئية‪ ,‬يعٍت أنو ال يثبت ﵁ عز كجل صفةن من صفاتو‪ ,‬كالحظ‬
‫يا رعاؾ ا﵁! أنو ليس أح هد من ىذه األمة الذين ينتسبوف إليها يقوؿ بالتعطيل الصريح‪ ,‬إال ُب باب‬
‫و‬
‫حديث من‬ ‫األحاديث اآلحاد ىذه اليت قوم ىؤالء على تعطيلها صراحةن فقالوا‪ُ :‬ب و‬
‫صفة جاءت ُب‬
‫طريق آحاد‪ ,‬قالوا ىذه صفةه غَت و‬
‫ثابت ﵁‪ ,‬ينكركهنا صراحةن‪.‬‬

‫اقع من أىل االكبراؼ من أىل التعطيل ُب ماذا؟ ُب باب األحاديث‬ ‫إذنا التعطيل الصريح‪ ,‬إمبا ىو ك ه‬
‫مثبل إىل صفة ا﵀بة ﵁‪-‬‬‫اآلحاد‪ ,‬أما اؼبتواترة فبل يبكن أف يكوف من ىؤالء من ينكر الصفة صراحةن يأٌب ن‬
‫عز كجل‪﴿ -‬يُ ِحبُّ ُه ْم َويُ ِحبُّونَوُ﴾فيقوؿ أف أنكر أف يكوف ا﵁ عز كجل ؿببنا ىكذا بكل صراحةن ككقاحة‪,‬‬
‫أحد ينتسب على ىذه األمة‪ ,‬لكن ىؤالء يقع منهم التعطيل غَت الصريح‪ ,‬بالتايل تبُت‬ ‫ىذا ال يقع من و‬
‫لنا أف التعطيل ينقسم إلى‪:‬‬

‫‪ ‬تعطيل صريح‪.‬‬

‫‪ ‬كإىل و‬
‫تعطيل غَت صريح‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪34‬‬ ‫هللا‬
‫التعطيل غَت الصحيح‪ ,‬إمبا ىو من طريق التحريف‪ ,‬من طريق التأكيل‪ ,‬دبعٌت لو قيل لنا‪ :‬ما العبلقة‬
‫بُت التعطيل كالتأكيل الذم ىو التحريف‪ ,‬يعٍت سواء عربت بالتأكيل أك التحريف أرجو أف يكوف‬
‫اضحا‪.‬‬
‫اؼبقصود ك ن‬
‫ما العبلقة بُت التعطيل كالتأكيل؟ العبلقة بينهما عبلقة السبب باؼبسبب‪ ,‬عبلقة الوسيلة بالنتيجة‪,‬‬
‫فالتأكيل كسيلة كالتعطيل نتيجة‪ ,‬دبعٌت ىذا الذم قاؿ‪ :‬بالتأكيل ُب قولو تعاىل‪﴿ :‬ال ار ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫ش‬
‫استَ َوى﴾ حقيقة األمر انو عطل صفة ا﵁ عز كجل اليت اخربنا اللهعز كجل هبا‪ ,‬ىل ا﵁ عز كجل‬ ‫ْ‬
‫أخربنا بصفة االستواء أك بصفة االستيبلء؟ كنبا حقيقتاف ـبتلفتاف ُب ضوء لغة العرب‪ ,‬ما الذم أراد ا﵁‬
‫عز كجل؟ أراد أف يعلمنا أنو اتصف بصفة االستواء كبالتايل ىذه الصفة اليت أراد ا﵁ عز كجل إخبارنا‬
‫هبا‪ ,‬حقيقة األمر أف اؼبؤكلة عطلوىا‪ ,‬فكانت النتيجة أف التأكيل يقود كينتج التعطيل‪ ,‬العبلقة إ نذا عبلقة‬
‫كسيلة بنتيجة‪ ,‬عبلقة و‬
‫سبب دبسبب‪.‬‬ ‫و‬

‫يعني التعطيل لو‬ ‫كلكن ليس كل و‬


‫تعطيل ناشئنا عن تأكيل‪ ,‬فقد يكوف ناشئنا عن تفويض‪,‬‬
‫وسيلتان‪:‬‬

‫الوسيلة األولى‪ :‬التأكيل‪.‬‬

‫الوسيلة الثانية‪ :‬التفويض‪.‬‬

‫قرب كبَت‪ ,‬حىت إف علماء أىل الكبلـ يقولوف‪ :‬إف التأكيل‪,‬‬


‫كعلى كل حاؿ بُت التأكيل كالتفويض ه‬
‫مصطلح التأكيل ىو التأكيل التفصيلي‪ ,‬كالتفويض ىو التأكيل اإلصبايل‪ ,‬لكن على كل حاؿ‪ ,‬يعٍت نبا‬
‫أمراف بينهما اختبلؼ‪ ,‬ككبن بإذف ا﵁ عز كجل سنتكلم على كجو التفصيل ُب قادـ ىذه العقيدة ‪-‬إف‬
‫شاء ا﵁‪ -‬فيما يتعلق بتأكيل الصفات‪ ,‬كفيما يتعلق بتفويض الصفات‪ ,‬كما ىو الفرؽ بُت ىذا كىذا‪,‬‬
‫ككيف يكوف الرد على أىل التأكيل؟ ككيف يكوف الرد على أىل التفويض‪ ,‬ككبن ال نزاؿ ُب ذكر‬
‫اؼبقدمات‪.‬‬

‫اؼبقصود كاؼبهم عندم اآلف ىو أف نفهم أف من ا﵀ذكر ُب باب اإليباف با﵁ عز كجل دبا تعلق‬
‫بأظبائو كصفاتو أف وبذر اإلنساف من الوقوع ُب التعطيل‪ ,‬كربريف الذم ىو التأكيل‪ ,‬فإف ىذا و‬
‫مناؼ‬
‫لتحقيق اإليباف الذم أراده ا﵁ تبارؾ كتعاىل منٌا ُب باب األظباء كالصفات‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪35‬‬ ‫هللا‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيميةرحمو اللهتعالي في رسالتو العقيدة الواسطية‪( :‬ومن اإليمان باهلل‬
‫اإليمان بما وصف بو نفسو في كتابو وبما وصفو بو رسولو محمد صلى اهلل عليو وسلم من غير‬
‫تحريف وال تعطيل ومن غير تكييف وال تمثيل)‬

‫توقفنا ُب الدرس اؼباضي‪ ،‬عند الكبلـ عن ا﵀اذير األربعة اليت ذكرىا شيخ اإلسبلمرضبو اللهواليت‬
‫تناُب كماؿ اإليباف با﵁ سبحانو كتعاىل ُب باب األظباء كالصفات أك تناُب أصل ذلك‪ ,‬مضى الكبلـ‬
‫عن ؿبذكرين‪ :‬التحريف كالتعطيل‪.‬‬

‫والمحذور الثالث ىو التكييف ‪ :‬كالتكييف كالتمثيل كبلنبا ؿبذكراف يقاببلف ؿبذكرم التحريف‬
‫كالتعطيل كالذين انتهجوا ا﵀ذكرين األكلُت ىم فريق "اؼبعطلة"‪ ،‬كالذين انتهجوا هنج التكييف كالتمثيل‬
‫فريق "اؼبمثلة اؼبشبهة"‪ ,‬كأىل السنة كاعبماعة قد عفاىم ا﵁ عز كجل من ىذه األمراض كالببليا اليت‬
‫هنجها ىؤالء اؼببتدعة‪.‬‬

‫قالرضبو ا﵁ (ومن غير تكييف) التكييف ىو اعتقاد أك حكاية كيفية صفات ا﵁ سبحانو كتعاىل‪،‬‬
‫كالكيفية ىي ما هباب بو عن السؤاؿ بكيف‪ ،‬ىذه ىي الكيفية ما هباب بو عن السؤاؿ بكيف ىذا‬
‫الذم يطلق عليو الكيفية‪.‬‬

‫مسرعا جاء راكبنا جاء مصاحبنا لفبلف كما شاكل‬


‫فإذا قلت لك كيف جاء ؿبمد؟ فتقوؿ يل جاء ن‬
‫ذلك‪ ،‬أنت ىاىنا ُب جوابك ذكرت الكيفية كاؼبعٍت أف تكييف صفات ا﵁ جل كعبل‪ ،‬ذكر كنيو‬
‫الكيفية كشكلها ككيفيتها كحقيقتها‪ ،‬كالشك أف ىذا أمر فبنوع أعٍت أف ىبوض اإلنساف ُب الكبلـ عن‬
‫كيفية اتصاؼ ا﵁ سبحانو كتعاىل بصفاتو‪ ،‬فهذا الشك أنو فبنوع من جهة الشرع‪ ،‬كما أنو فبنوع من‬
‫جهة العقل‪.‬‬

‫أما من جهة الشرع فإف األدلة قد دلت على ربريبو الكبلـ ُب ا﵁ جل كعبل بغَت علم‪ ،‬قاؿ‬
‫ش َما ظَ َه َر ِم ْن َها َوَما بَطَ َن َو ِْ‬
‫اإلوْ َم َوالْبَ غْ َي بِغَْي ِر ال َ‬
‫ْح ٍّق َوأَ ْن تُ ْش ِرُكوا‬ ‫ِ‬
‫سبحانو ﴿قُ ْل إِنا َما َح ارَم َربٍّ َي الْ َف َواح َ‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َجلُ ُه ْم‬ ‫َج ٌل فَِإذَا َج َ‬
‫اء أ َ‬ ‫بِاللاو َما لَ ْم يُنَ ٍّز ْل بِو ُس ْلطَانًا َوأَ ْن تَ ُقولُوا َعلَى اللاو َما َال تَ ْعلَ ُمو َن * َول ُك ٍّل أُامة أ َ‬
‫اعةً َوَال يَ ْستَ ْق ِد ُمو َن﴾ فأم كيفية يذكرىا اؼبكيف لصفة ا﵁ سبحانو‪ ،‬فإنو فيها قائل‬ ‫ِ‬
‫َال يَ ْستَأْخ ُرو َن َس َ‬
‫على ا﵁ عز كجل بغَت علم‪ ،‬فإنو مل يتكلم بذلك عن دليل مأثور ُب كتاب ا﵁ أك ُب سنة رسوؿ ا﵁‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪36‬‬ ‫هللا‬
‫متكلما عن ا﵁ عز كجل بغَت علم‪ ،‬فيكوف قد كقع ُب ىذا األمر‬
‫ن‬ ‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كبالتايل يكوف‬
‫العظيم‪ ،‬كىو من أشنع ا﵀رمات‪.‬‬

‫كذلك يدؿ على منع التكييف كأنو من ا﵀ذكرات العظيمة‪ ,‬هني ا﵁ جل كعبل عن أف يكفر‬
‫ْم﴾ فليس لئلنساف أف‬ ‫ف ما لَيس لَ َ ِ ِ ِ‬
‫ك بو عل ٌ‬ ‫﴿وَال تَ ْق ُ َ ْ َ‬
‫َ‬ ‫اإلنساف ما ليس لو بو علم‪ ،‬قاؿ جل كعبل‬
‫ىبوض كأف يتتبع‪ ،‬كأف يتناكؿ بالبحث كالكبلـ شيء ببل علم عنده عليو‪ ،‬فإف ا﵁ سبحانو إمبا بُت لنا‬
‫أنو متصف بالصفات‪ ،‬كىكذا نبيو صلى ا﵁ عليو كسلم غَت أنو مل يرد ُب كتاب ا﵁ أك سنة رسولو‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كيف يتصف ا﵁ هبذه الصفات‪ ,‬إ نذا علينا أف نقف عند حدكد ما كرد‪ ،‬كأف ال‬
‫نتجاكز القرآف كاغبديث‪.‬‬

‫أما من جهة العقل فقد مر بنا ُب درس فائت أف كل غيب فإنو ال يبكن أف يعلم إال بواحد من‬
‫طرؽ ثبلث‪ ،‬إما بأف يرم كبالتايل فبل يعود غيبو‪ ،‬كإما بأف يرل مثيلو كا﵁ جل كعبل ليس كمثلو شيء‪،‬‬
‫كإما بأف ىبرب خبرب صادؽ يطمئن إىل خربه‪ ،‬كالشك أف ىذه الطرؽ الثبلث منفية ُب شأف كيفية‬
‫مثيبل لو ‪-‬تعاىل ا﵁ على أف يكوف لو مثيل‪ -‬ككذلك‬
‫صفات ا﵁ جل كعبل‪ ،‬فنحن مل نرل ا﵁ كمل نرل ن‬
‫مل ىبربنا ا﵁ كال رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم بشيء من ذلك‪ ،‬فتعُت إذنا أف نقف عند حدكد إثبات‬
‫الصفة دكف اػبوض ُب كيفيتها‪.‬‬

‫القاعدة عند أىل السنة‪ :‬أف إثباهتم للصفات إثبات كجود ال إثبات تكييف‪ ،‬أىل السنة‬
‫كاعبماعة يثبتوف الصفات إثبات كجود يعٍت أف ا﵁ متصف هبذه الصفات على اغبقيقة‪ ،‬ال على اجملاز‬
‫كما يدعوف‪ ،‬كليس إثباهتم ؽبذه الصفات إثبات تكييف‪ ،‬كغٍت عن البياف أف أىل السنة كاعبماعة‬
‫قاطبة قد اتفقوا على ىذه الكلمة إذا ذكركا صفات ا﵁ جل كعبل‪ ،‬فإهنم يذكركف أف ا﵁ متصف‬
‫بالصفات ببل كيف‪.‬‬

‫يقولوف أف ا﵁ جل كعبل استوم على عرشو ببل كيف‪ ،‬كأنو ينزؿ إىل السماء الدنيا إذا بقي ثلث‬
‫الليل اآلخر ببل كيف‪ ،‬كىكذا ُب بقية الصفات الواردة ُب الكتاب كالسنة‪ ،‬كغٍت عن البياف أيضا أهنم‬
‫إذا قالوا أف ا﵁ جل كعبل متصف بالصفة ببل كيف‪ ،‬يعٍت ببل كيف نعلمو كبن ننفي علمنا بالكيفية‪،‬‬
‫كبن ننفي تكييفنا للصفات كليس أف صفة ا﵁ جل كعبل ؽبا كيفية ُب الواقع كاغبقيقة‪ ،‬بل أف نفينا‬
‫للكيف من حيث ىو ال شك أنو تعطيل للصفة‪ ،‬كل صفة الشك أف ؽبا كيفية‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪37‬‬ ‫هللا‬
‫لكن علم ذلك موكوؿ إىل ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كيفية نزكؿ ا﵁ ال يعلمها إال ا﵁‪ ،‬ككيفية استواءه على‬
‫العرش ال يعلمها إال ا﵁‪ ،‬فنحن إذنا إذا قلنا ببل كيف فإننا ننفي التكييف كإف شئت فقل ننفي علمنا‬
‫بكيفية اتصاؼ ا﵁ عز كجل بالصفة‪ ،‬كليس أف ىذه الصفة ؽبا كيفية ُب اغبقيقة‪.‬‬
‫كالتكييف ُب اعبملة داخل ُب ذـ السلف رضبهم ا﵁ للتمثيل كالتشبيو‪ ،‬يعٍت ما تناكلو السلف من‬
‫الطعن كالعيب على التمثيل كاؼبمثلة‪ ،‬فإنو يتناكؿ أىل التكييف؛ ألهنم داخلوف ُب ىذا األمر ُب اعبملة‪،‬‬
‫فإف اغبقيقة أف كل فبثل فإنو مكيف كالبد‪ ,‬كال يلزـ العكس‪ ،‬كىذا ىو الذم يتبُت بو الفرؽ بُت‬
‫التمثيل كالتكييف‪ ،‬كل فبثل فإنو مكيف؛ ألنو إذا مثل فإنو بالتايل قد خاض ُب كيفية صفة ا﵁ عز‬
‫كجل‪ ،‬ألنو سيمثل دبعلوـ‪ ,‬كاؼبعلوـ كيفية صفتو معلومة‪.‬‬

‫كأما العكس فإف األمر ليس ببلزـ‪ ،‬فقد يكيف اؼبكيف بشيء ليس لو مثيل ُب علم اإلنساف‪،‬‬
‫كبالتايل كاف مكي نفا غَت فبثل‪.‬‬

‫إ نذا ا﵀ذكر الرابع ُب باب اإليباف بأظباء ا﵁ كصفاتو ىو ؿبذكر التمثيل‪.‬‬

‫والتمثيل‪ :‬ىو اعتقاد اؼبثبت للصفة أف صفة ا﵁ عز كجل مثل صفة اؼبخلوؽ‪ ،‬اعتقاد اؼبثبت‬
‫للصفة أف صفة ا﵁ تعاىل مثل صفة اؼبخلوؽ‪ ,‬إذنا ىو هبعل صفات اؼبخلوؽ هبعل صفات اػبالق من‬
‫جنس صفات اؼبخلوؽ سبحانو كتعاىل‪ ،‬فيقوؿ أف ا﵁ عز كجل متصف بصفة اليد كيده كيد اإلنساف‪،‬‬
‫أك يقوؿ أف ا﵁ عز كجل ينزؿ إذا شاء كنزكلو كنزكؿ اؼبخلوؽ‪.‬‬

‫إ نذا ىذا ىو ا﵀ذكر الرابع القريب ُب اؼبعٍت من ؿبذكر التكييف‪ ،‬كالشك أف التمثيل أيضا فبنوع‬
‫بداللة الشرع كالعقل‪ ،‬أما بداللة الشرع فإف األدلة قد دلت على انتفاء فباثلة ا﵁ جل كعبل ػبلقو‪،‬‬
‫﴿ولَ ْم يَ ُك ْن‬ ‫ِ‬ ‫كاألدلة ُب ىذا عدة‪ ،‬قاؿ سبحانو ﴿لَْيس َك ِمثْلِ ِو َشيء و ُىو ال ا ِ‬
‫يع الْبَص ُير﴾ قاؿ تعاىل َ‬ ‫سم ُ‬ ‫ٌْ َ َ‬ ‫َ‬
‫ال﴾ قاؿ تعاىل‬ ‫ض ِربُوا لِلا ِو ْاأل َْمثَ َ‬
‫﴿ى ْل تَ ْعلَ ُم لَوُ َس ِميًّا﴾ قاؿ تعاىل ﴿فَ َال تَ ْ‬
‫َح ٌد﴾ قاؿ تعاىل َ‬ ‫لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫ادا﴾ إ نذا األدلة قد تضافرت على نفي فباثلة ا﵁ تبارؾ كتعاىل ُب خلقو ال ُب ذاتو‬ ‫﴿فَ َال تَ ْج َعلُوا لِلا ِو أَنْ َد ً‬
‫كال ُب صفاتو جل كعبل‪ ،‬كبالتايل فإف اؼبمثل ُب سبثيلو مكذب ألدلة القرآف الصروبة ُب ىذا الباب‪.‬‬

‫أما من جهة العقل‪ ،‬فإف العقل قد دؿ داللة صروبة على انتفاء أف يكوف ا﵁ العظيم فباثبلن ُب‬
‫صفاتو للمخلوؽ الضعيف الفقَت‪ ,‬كيف يشبو اػبالق باؼبخلوؽ‪ ،‬ككيف يباثل بُت الصانع كاؼبصنوع!‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪38‬‬ ‫هللا‬
‫ىذا ال يكوف إال لبلنتكاس ُب فًتة ىذا القائل‪ ،‬إف كل عاقل يدرؾ أنو ال يبكن أف يتماثل خالق‬
‫ناقصا‬
‫كـبلوؽ‪ ،‬كال يبكن أف يتماثل صانع كمصنوع‪ ،‬كال يبكن أف يتماثل الكامل من كل كجو دبن كاف ن‬
‫من كل كجو‪ ،‬ىذا ال يبكن أف يكوف إال ُب عقوؿ ضعيفة كقلوب مريضة ما عظمت ا﵁ كال قدرتو حق‬
‫قدره‪.‬‬

‫أما شبهة القوم بشأن التمثيل ‪ :‬فهي أهنم ادعوا أف ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬إمبا خاطب الناس ُب ىذا‬
‫القرآف بالشيء الذم‪ ,‬يعقلوف كىم ال يعقلوف من الصفات إال ما ىو من جنس صفات اؼبخلوقُت‪،‬‬
‫كبالتايل كاف البلزـ من ذلك أف تكوف صفات ا﵁ سبحانو من جنس صفات اؼبخلوقُت فباثلة لصفات‬
‫الشبهة يقولوف ا﵁ عز كجل خاطبنا ُب القرآف بالشيء الذم نعقل‪ ،‬ككبن ال نعقل‬
‫اؼبخلوقُت‪ ،‬فإف كجو ي‬
‫من الصفات ال نعقل من صفة النزكؿ ال نعقل من صفة االستواء ال نعقل من صفة اليد ال نعقل من‬
‫صفة الوجو‪ ،‬إال الشيء الذم يتصف بو اؼبخلوؽ‪.‬‬

‫كفباثبل لصفة اؼبخلوقُت‪،‬‬


‫مشبها ن‬‫إ نذا الزـ ذلك أف يكوف اتصاؼ ا﵁ سبحانو كتعاىل بالصفة ن‬
‫كالشك كال ريب أف ىذه يشبهة ضاحية كحكايتها تغٍت عن إبطاؽبا كمع ذلك فإنو يقال في الجواب‬
‫عنها ما يأتي‪:‬‬

‫س َك ِمثْلِ ِو َش ْيءٌ﴾ كىو‬


‫أوال‪ :‬أف يقاؿ ؽبم أف الذم كصف نفسو بالصفات ىو الذم قاؿ ﴿لَْي َ‬ ‫ً‬
‫﴿ى ْل تَ ْعلَ ُم لَوُ َس ِميًّا﴾‪،‬فإف كنتم تؤمنوف بالكتاب كلو فواجب عليكم أف تعتقدكا صحة ىذا‬ ‫الذم قاؿ َ‬
‫ص ُير﴾ اليت دلت على إثبات الصفات مع قولو‬ ‫س ِميع الْب ِ‬
‫﴿و ُى َو ال ا ُ َ‬
‫كىذا‪ ،‬كأف ذبمعوا بُت قولو سبحانو َ‬
‫س َك ِمثْلِ ِو َش ْيءٌ﴾ لكن الواقع أف القوـ أمنوا ببعض الكتاب ككفركا ببعض‪.‬‬
‫تعاىل ﴿لَْي َ‬
‫إ نذا ا﵁ جل كعبل ؼبا كصف نفسو بالصفات‪ ،‬فإنو بُت لنا أف صفاتو ليست كصفات اؼبخلوقُت‪,‬‬
‫كبالتايل كاف الذم هبب أف يؤمن اإلنساف هبذا كىذا‪.‬‬

‫واألمر الثاني‪ :‬أف يقاؿ ؽبم كيف يكوف شأف ا﵁ عز كجل ُب صفاتو كشأف اؼبخلوقُت‪ ،‬كيف‬
‫يباثل ىذا هبذا‪ ،‬كأين كجدًب من صفات اؼبخلوقُت من يباثل صفات ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬أين كجدًب أف‬
‫يد اؼبخلوؽ يبكن أف تطوم السماء‪ ،‬كأف تكوف األرض ُب قبضتو‪ ،‬أين كجدًب يد كهذه اليد‪ ،‬أين‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪39‬‬ ‫هللا‬
‫كجدًب كجها متصف باعببلؿ كاإلكراـ حجابو النور‪ ،‬لو كشفو ألحرؽ سبحات كجهو ما انتهى إليو‬
‫بصره من خلقو‪.‬‬

‫صبيعا كمن بصره مل يفتو شيء حبيث أنو يرل كل‬


‫أين كجدًب ُب اؼبخلوقُت من ظبعو كسع األصوات ن‬
‫شيء كيسمع كل شيء‪ ،‬أين كجدًب ىذا كلو ُب صفات اؼبخلوقُت حىت تدعوا أف ما اتصف ا﵁ عز‬
‫كجل بو ىو من جنس اتصاؼ اؼبخلوقُت‪.‬‬

‫ويقال لهم والثًا ‪ :‬إف ا﵁ سبحانو كتعاىل قد أخربنا بأنو متصف بصفات مضافة إليو‪ ،‬إذنا الزـ ىذا‬
‫ُب كل عقل أف تكوف الئقة با﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬دبعٌت ىل ا﵁ عز كجل أخربنا ُب القرآف بصفات لو‬
‫سبحانو ىكذا مطل نقا أك ىي صفات مضافة إىل تبارؾ كتعاىل؟ مضافة إىل ا﵁ تعاىل‪ ،‬ككل عاقل يدرؾ‬
‫قائما‬
‫أف صفات كل موصوؼ تناسب ذاتو‪ ،‬كتبلءـ حقيقتو إذنا ؼبا كصف ا﵁ نفسو بالصفات كاف ىذا ن‬
‫على أساس أف ىذه الصفات مناسبة للموصوؼ كىو ا﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫فكيف تقولوف أف ىذه الصفات مشاهبة كفباثلة لصفات اؼبخلوقُت‪ ،‬كل عاقل يدرؾ أف ا﵁ جل‬
‫كعبل ىو الغٍت من كل كجو‪ ،‬إ نذا صفاتو تبلءـ ىذا الغٌت الذم استحقو ا﵁ تبارؾ كتعاىل بذاتو‪ ،‬فكيف‬
‫يقاؿ أف صفات ا﵁ عز كجل كانت مثل صفات اؼبخلوقُت‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬أنكم يا معشر اؼبمثلة عاجزكف عن معرفة إدراؾ يكنيو كحقيقتو صفات كثَت من‬
‫وم يقال لهم ً‬
‫قليبل من صفات اؼبخلوقُت‪ ،‬فأكثر‬
‫اؼبخلوقُت‪ ،‬كل ما تعلمونو من صفات اؼبخلوقُت ال يبثل إال شيئنا ن‬
‫اؼبخلوقات ما رأيتموىا كال عرفتم حقيقتها كإال فبينوا لنا كيفية اتصاؼ اؼببلئكة بصفتها‪ ،‬كاتصاؼ اعبن‬
‫بصفاهتا‪ ,‬بل كثَت من اؼبخلوقات اؼبوجودة على كجو األرض أنتم ال تعرفوف حقيقتها‪ ,‬دكنكم أقرب‬
‫شيء إىل أنفسكم كىو الركح‪ ،‬فما كيفية اتصافها بالصفات دلت األدلة على أف الركح تصعد كهتبط‬
‫كأهنا تيقبض كأهنا تكفن كأهنا ربنط‪ ،‬فكيف يكوف ذلك يبُت لنا حىت يصح قولكم ُب األصل أف ا﵁‬
‫تعاىل قد خاطبنا بصفات ناقلها‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬أنو قد ثبت ُب الشاىد أف اؼبخلوقات مل تتماثل ن‬


‫صبيعا ُب صفاهتا‪،‬‬ ‫ً‬ ‫وم يقال لهم‬
‫اؼبخلوقات ما سباثلت ُب صفاهتا مع اشًتاكها ُب كوهنا ـبلوقة أليس كذلك‪ ،‬أيقوؿ عاقل أف رأس اإلبرة‬
‫فباثل لرأس اعببل‪ ،‬باعتبار أف ىذا رأس كىذا رأس أيقوؿ ىذا أحد؟ ال يقوؿ ىذا أحد‪ ،‬أيقوؿ أحد أف‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪40‬‬ ‫هللا‬
‫كجو الفيل يشبو كجو النملة باعتبار أف ىذا كجو كىذا كجو أيقوؿ ىذا عاقل يدرؾ ما يقوؿ؟ فإذا امتنع‬
‫ىذا بُت ـبلوؽ كـبلوؽ فبل أف يبتنع ىذا بُت اؼبخلوؽ كاػبالق أك بُت اػبالق كاؼبخلوؽ من باب أكىل‪.‬‬

‫كعلى كل حاؿ الشك كال ريب أف التمثيل يؤدم إىل نفي إثبات كجود ا﵁ عز كجل من حيث‬
‫أصل‪ ،‬كجو ذلك أف لو كاف ا﵁ عز كجل متصف بصفات سباثل صفات اؼبخلوقُت‪ ،‬القتضى ىذا‬
‫ناقصا كاؼبخلوؽ‪ ،‬كبالتايل ال يبكن أف يكوف خال نقا كال يبكن أف يكوف‬
‫بالضركرة أف يكوف ا﵁ عز كجل ن‬
‫كامبل من كل كجو كإال إذا كاف غنينا من كل كجو‪ ،‬كىذا‬
‫ربنا‪ ،‬ال يبكن أف يكوف خال نقا ربنا إال إذا كاف ن‬
‫يتناَب مع كونو فباثبل لصفات اؼبخلوقُت فاتضح لنا أف اعتقاد التمثيل ُب شأف صفات ا﵁ سبحانو‬
‫كتعاىل ما ىو إال فساد ُب التصور كالعقل‪ ،‬كضعف إيباف كتعظيم ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كأف القائل بذلك‬
‫الشك أنو قد خاض فيما ال علم لو بو‪.‬‬

‫أخرج البللكائي ُب السنة عن عبد الرضبن بن مهدم اإلماـ الناقدرضبو اللهأنو بلغو عن رجل من‬
‫كلد جعفر بن سليماف أنو كاف ىبوض ُب باب التشبيو كالتكييف‪ ،‬فرآه ُب اؼبسجد فقاؿ لو‪ :‬كما أنت‬
‫حىت انفض الناس ٍب دعاه فكلمو‪ ,‬كقاؿ لو‪ :‬بلغٍت أنك زبوض ُب صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل يعٍت يتكلم‬
‫بالتشبيو كالتكييف ُب صفات ا﵁ عز كجل‪ ،‬فبدأ ىذا الرجل يتكلم فقاؿ لو‪ :‬على رسلك‪ ,‬دعنا‬
‫نتحدث أكالن عن صفة اؼبخلوؽ‪ ،‬فإف عجزنا عن ذلك فنحن عن صفة اػبالق أعجز‪ ،‬قد أخربنا ربنا‬
‫سبحانو كتعاىل ُب كتابو عن نبيو صلى ا﵁ عليو كسلم ﴿لََق ْد رأَى ِمن آَي ِ‬
‫ات َربٍِّو الْ ُك ْب َرى﴾ كجاء ُب‬‫َ ْ َ‬
‫تفسَت ذلك كساؽ ىذا بإسناده أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم رأل جربيل لو ستمائة جناح سد هبا‬
‫األفق‪ ،‬فقاؿ لو‪ :‬بُت يل ـبلوقنا لو ستمائة جناح! يعٍت اشرح يل كفصل يل كيف يكوف عبربيل كىو‬
‫ـبلوؽ ستمائة جناح كيف يكوف ذلك؟ فسكت الرجل‪ ,‬فقاؿ‪ :‬دعٍت أىوف عليك األمر لن أسالك عن‬
‫جناحا‪ ،‬سأسلك عن ثبلثة أجنحة كقد علمت جناحُت فركب يل الثالث‪،‬‬‫طبسمائة كسبعة كتسعُت ن‬
‫يعٍت أنا أدرؾ ُب معقويل أف شبة ـبلوؽ لو جناحُت لكن حدد يل أف يكوف اعبناح الثالث‪ ،‬فما كاف من‬
‫الرجل إال أف قاؿ‪ :‬كبن عاجزكف عن معرفة صفة اؼبخلوؽ كعجزنا عن معرفة صفة اػبالق من باب أكىل‪،‬‬
‫ٍب استغفر ا﵁ تبارؾ كتعاىل عما كاف ىبوض فيو‪.‬‬

‫إ ًذا العصمة في ىذا الباب ‪ :‬أف يوفق اإلنساف إىل إيباف كحكمة‪ ،‬إىل إيباف يعظم ا﵁ عز كجل بو‬
‫حق التعظيم‪ ،‬كيقدره حق التقدير كإىل حكمة يفهم هبا األدلة‪ ،‬كينزؽبا منازؽبا كالقوـ الذين اكبرفوا لباب‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪41‬‬ ‫هللا‬
‫التمثيل كالتكييف‪ ،‬أك حىت ُب باب التعطيل إمبا أتوا من خلل ُب أحد ىذين األمرين‪ ،‬إما من ضعف‬
‫إيباف أك من ضعف حكمة‪.‬‬

‫كينبغي على اإلنساف أف يتنبو ُب ىذا الباب إىل ضركرة قطع الطمع‪ ،‬عن إدراؾ النفس كيفية‬
‫صفات ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬ىذا أمر ينبغي على اإلنساف أف يتنبو لو‪ ،‬كإذا ابتلي بشيء من ذلك أف‬
‫يعاعبو ُب مهده حىت ال يكرب كيعظم‪ ،‬كألجل ىذا لو تأملت ُب كصايا السلف رضبهم ا﵁ لوجدت‬
‫التنبيهات الكثَتة عن أف يعصم اإلنساف ذىنو عن اػبوض ُب كيفية ذات ا﵁ عز كجل كصفاتو‪ ،‬بل‬
‫ىذا من كصية رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم فقد أخرج الطرباين ُب الكبَت كالبيهقي ُب الشعب من‬
‫حديث ابن عمر رضي ا﵁ عنو‪ ,‬أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ «تفكروا في آالء اهلل وال تفكروا‬
‫في اهلل عز وجل» قاؿ األلبانَتضبو اللهحديث حسن‪.‬‬

‫إذنا من الوصايا اليت ينبغي أف يوصى هبا كل مسلم‪ ،‬أف وبافظ على ذىنو عن أف ىبرج عن دائرة‬
‫اإلتباع بأف يسرح ذىنو فيما ال ؾباؿ لو فيو أصبلن‪ ،‬كىو اػبوض ُب كيفية اتصاؼ ا﵁ سبحانو كتعاىل‬
‫على اؼبسلم أف يتنبو لذلك كأف يعلم أف ىذا الباب باب قد يورده اؼبوارد ىذه كساكس كىذه خطرات‬
‫لو أف اإلنساف اسًتسل مع الشيطاف فيها‪ ،‬فإف ىذا لن يعود بعاقبة ضبيدة على ىذا اإلنساف‪.‬‬

‫بقي التنبيو على عدة أمور في ىذا المقام‪:‬‬

‫أوال‪ :‬قد علمنا الفرؽ بُت التمثيل كالتكييف‪ ،‬فالتمثيل فيو تقييد دبماثل فيقاؿ صفة كذا مثل صفة‬
‫ً‬
‫كذا‪ ،‬أما التكييف فإنو ال يلزـ منو ذلك‪ ،‬فقد يذكر اإلنساف كيفية يتخيلها ُب ذىنو دكف أف يكوف ؽبا‬
‫مثل ُب الواقع معلوـ لدل ىذا اؼبمثل‪ ،‬كبالتايل يكوف كل فبثل مكي نفا‪ ،‬كال يلزـ العكس ليس كل مكيف‬
‫فبثل‪.‬‬

‫كيبقي عندنا البحث ُب كلمة ثالثة مستعملة عند أىل العلم ُب ىذا الباب‪ ،‬كىي كلمة التشبيو‪.‬‬

‫فما ىو التشبيو؟ وما ىو الفرق بينو وبين التمثيل؟ التشبيو من الكلمات اليت زبتلف أك ذبتمع‬
‫مع التمثيل حبسب االقًتاف كاالشًتاؾ دبعٌت أف ىاتاف الكلمتُت من الكلمات اليت إذا اجتمعت افًتقت‬
‫كإذا افًتقت اجتمعت‪ ،‬فمىت ما ذكر كاحد من ىاتاف الكلمتُت على حده‪ ،‬فإنو يشمل ما تدؿ عليو‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪42‬‬ ‫هللا‬
‫معا فإف التمثيل ىو اؼبساكاة‬
‫معا ُب سياؽ كاحد اشًتنكا ُب اؼبعٌت‪ ،‬إذا ذكرا ن‬
‫الكلمة األخرل‪ ،‬كإذا ذكرا ن‬
‫ُب صبيع اػبصائص‪.‬‬

‫وأما التشبيو‪ :‬فإنو اؼبساكاة ُب بعض اػبصائص‪ ،‬التمثيل‪ :‬ىو اؼبساكاة ُب صبيع اػبصائص‪ ،‬ىذا إذا‬
‫ذكرا معا‪ ،‬إما إذا ذكر كل كاحد على حدا فإف التمثيل يشمل معٌت التشبيو كالعكس صحيح‪ ،‬كيدؿ‬
‫ين َال يَ ْعلَ ُمو َن لَ ْوَال يُ َكلٍّ ُمنَا اللاوُ أ َْو‬ ‫على ىذا الفرؽ بُت ىاتُت الكلمتُت قوؿ ا﵁ جل كعبل ﴿وقَ َ ا ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫َ‬
‫ت قُلُوبُ ُه ْم﴾ ؼبا كانت اؼبقالة عند اؼبتأخرين‬ ‫ين ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم ِمثْ َل قَ ْولِ ِه ْم تَ َ‬
‫شابَ َه ْ‬ ‫ال الذ َ‬ ‫تَأْتِينَا آَيَةٌ َك َذلِ َ‬
‫ك قَ َ ا ِ‬
‫ؼبا كانت ىي مقالة اؼبتقدمُت سواء بسواء كىي ﴿لَ ْوَال يُ َكلٍّ ُمنَا اللاوُ أ َْو تَأْتِينَا آَيَةٌ﴾ ىذه قاؽبا اؼبتقدموف‬
‫ين ِم ْن قَ ْبلِ ِه ْم ِمثْ َل قَ ْولِ ِه ْم﴾‪ ،‬اؼبقالة ىي اؼبقالة‬ ‫ك قَ َ ا ِ‬
‫ال الذ َ‬ ‫كقاؽبا نفس اؼبتأخركف فقاؿ جل كعبل ﴿ َك َذلِ َ‬
‫ت قُلُوبُ ُه ْم﴾ كما قاؿ سباثلت‬ ‫شابَ َه ْ‬
‫لكن القلوب ال تتساكم من صبيع الوجوه‪ ،‬فؤلجل ىذا قاؿ ﴿تَ َ‬
‫كظاىرا‪،‬‬
‫ن‬ ‫قلوهبم‪ ،‬كلذلك الناس تقوؿ فبلف يشبو فبلنا؛ ألنو ال يبكن أف يتطابق معو من كل كجو باطننا‬
‫بل البد من كجود ترؾ أك أكثر فدؿ ىذا على أف التمثيل ىو اؼبساكاة ُب صبيع اػبصائص‪ ،‬كعلى كل‬
‫حاؿ فإف ىذا منفي عن ا﵁ تعاىل كىذا منفي عن ا﵁ تعاىل كبلنبا منفي عن ا﵁ سبحانو كتعاىل فليس‬
‫لو مثيل كليس لو شبيو جل ربنا كعز‪.‬‬

‫والتنبيو الثاني‪ :‬ىو أف التمثيل قد جاء نفيو عن ا﵁ عز كجل ُب كتابو‪ُ ،‬ب موضعُت من‬
‫ض ِربُوا لِلا ِو ْاأل َْمثَ َ‬
‫ال﴾ كأما التشبيو فلم يرد‬ ‫س َك ِمثْلِ ِو َش ْيءٌ﴾ ككذلك ُب قولو تعاىل ﴿فَ َال تَ ْ‬
‫القرآف﴿لَْي َ‬
‫كثَتا كمن ذلك ما‬
‫فيما أعلم دليل على نفيو ُب الكتاب كالسنة‪ ،‬لكن جرل على ىذا كبلـ السلف ن‬
‫ادا﴾ قاؿ أشباىا‪ ,‬كذلك جاء‬ ‫جاء عن ابن عباس رضي ا﵁ عنهما بقولو تعاىل ﴿فَ َال تَ ْج َعلُوا لِلا ِو أَنْ َد ً‬
‫﴿ى ْل تَ ْعلَ ُم لَوُ َس ِميًّا﴾ قاؿ شبيهو‪ ,‬كذلك جاء عن ؾباىدرضبو ا﵁ ُب اآلية السابقة‬ ‫عنو بقولو تعاىل َ‬
‫كثَتا‪ ،‬من‬
‫أنو فسر السمي بالشبيو‪ ،‬ككذلك جاء الكبلـ عن نفي الشبيو ُب كبلـ الطبقة اليت بعد ذلك ن‬
‫ذلك قوؿ نعيم بن ضباد اػبزاعي الذم ىو شيخ اإلماـ البخاريرضبو ا﵁ قاؿ من شبو ا﵁ خبلقو قد كفر‪،‬‬
‫كمن جحد ما كصف بو نفسو قد كفر‪ ،‬كليس فيما كصف ا﵁ بو نفسو كال رسولو تشبيو‪ ،‬كىذا أثر‬
‫عظيم كنافع كمفيد‪ ,‬كيدؿ على حكم أىل التعطيل كأىل التشبيو عند أىل السنة‪ ,‬كما يدؿ على‬
‫توسط أىل السنة كاعبماعة بُت طرُب الدالؿ كاالكبراؼ‪ ,‬كىذا األثر أثر صحيح‪ ,‬قاؿ ذىيب ُب السَت‬
‫ظبعناه بأصح إسناد‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪43‬‬ ‫هللا‬
‫كذلك جاء نفي التشبيو ُب كبلـ اإلماـ أضبد كُب كبلـ اإلماـ الشافعي كُب كبلـ اإلماـ إسحاؽ‬
‫ككثر ىذا فيمن بعده أكثر‪ ،‬ذبده مثبلن ُب كبلـ ابن خزيبة كُب كبلـ عثماف بن سعيد الدرامي كُب كبلـ‬
‫كثَتا ُب كتبو‪،‬‬
‫األئمة بعدىم ىلم جره إىل اؼبتأخرين إىل شيخ اإلسبلمرضبو اللهفإنو قد ذكر ىذه الكلمة ن‬
‫كذلك تلميذه ابن القيمرضبو اللهوىو القائل ُب النونية‪:‬‬

‫ليس نشبو كصفو بصفاتنا أف اؼبشبو عابد األكثاف‪.‬‬

‫كبالتايل فإف كقفة بعض الناس مع ىذه الكلمة من اؼبعاصرين حينما يقولوف أف ا﵀بذ عدـ‬
‫استعماؿ ىذه الكلمة الذم يظهر كا﵁ اعلم أف ىذا ليس جبيد فهذه كلمة مشهورة مستعملة عند أىل‬
‫العلم‪ ،‬من عهد الصدر األكؿ فمن بعد‪.‬‬

‫كشيخ اإلسبلمرضبو اللهلم يستعمل كلمة التشبيو ُب العقيدة‪ ،‬كما ذكر ىذا ُب مناظرتو على ىذه‬
‫العقيدة؛ ألنو أراد أف تكوف ىذه العقيدة موافقة أللفاظ القرآف كالسنة‪ ،‬كليس ألف كلمة التشبيو كلمة‬
‫كثَتا ُب كتبو‪ ،‬كقد يقوؿ قائل أف كلمة التشبيو‬
‫ال يليق أك ال ينبغي استعماؽبا‪ ،‬بدليل أنو ىو استعملها ن‬
‫قد يستعملها اؼبعطلة على معٌت باطل كمر واد غَت صحيح‪ ،‬فإهنم يستعملوهنا أك يتضرعوف هبا إىل إنكار‬
‫اتصاؼ ا﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫كىذا ليس بوجيو‪ ،‬يعٍت أف ىذه العلة ليست علة صحيحة تًتؾ هبا اآلثار كالكلمات األثرية‪،‬‬
‫كذلك أف اغبق ال يًتؾ باستعماؿ أىل الباطل‪ ،‬ىذا ىو األصل إذا استعمل اؼببطلوف كلمة صحيحة فبل‬
‫توجيها غَت صحيح‪ ،‬كإال فليقوؿ مثل ىذا ُب كلمة التوحيد مثبلن‪ ،‬كم‬
‫تًتؾ ألف أىل البدع كجهوىا ن‬
‫استعملها الضالوف اؼبضلوف استعماؿ غَت صحيح‪ ،‬قل ىذا مثبلن ُب كلمة العدؿ‪ ,‬قل ىذا ُب كلمة‬
‫التنزيو‪ ,‬قل ىذا ُب كلمات كثَتة جاءت ُب الكتاب كالسنة أك ُب كبلـ السلف‪ ،‬كمع ذلك استعملها‬
‫استعماال غَت صحيح فليس لنا أف نًتؾ اغبق ألف اؼببطل قد استعمل ىذه الكلمة أك تلك ُب‬
‫ن‬ ‫اؼببطلوف‬
‫معٍت باطل‪ ،‬لكن يينبو على ما أخطأ فيو اؼبخطئوف ُب ربميل الكلمة ما ال ربتمل‪.‬‬

‫بقي التنبيو على كلمة ثالثة أك باألحرل قلنا التمثيل كقلنا التشبيو كبقيت كلمة ثالثة‪ ،‬قد تستعمل‬
‫ُب ىذا الباب كىي كلمة التجسيم فبعض الناس قد يقوؿ أننا ال قبسم صفات ا﵁ عز كجل أك نثبت‬
‫الصفات من غَت تكييف كال ذبسيم ‪-‬مثبلن‪ ،-‬كلمة التجسيم ليست ككلميت التمثيل كالتشبيو‪,‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪44‬‬ ‫هللا‬
‫الكلمتاف األكلياف أىل العلم كأىل السنة يطلقوف النفي فيهما‪ ،‬يقولوف ببل سبثيل كيقولوف ببل تكييف‬
‫كيقولوف التمثيل باطل كالتكييف باطل كالتشبيو باطل‪ ،‬لكن كلمة التجسيم ليست كذلك‪ ،‬كذلك أف‬
‫التجسيم ىو اعتقاد أف إثبات الصفة يستلزـ أف ا﵁ تعاىل جسم‪ ,‬ككلمة اعبسم مل ترد ُب كتاب ا﵁ كال‬
‫ُب سنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم ال إثباتنا كال نفينا كبالتايل كانت ىذه الكلمة كلمة ؿبتملة‪ ،‬وبتمل‬
‫باطبل‪ ،‬فإف من أىل البدع من يزعم أف التجسيم ىو إثبات الصفات‪ ،‬مىت ما‬ ‫نفيها ح نقا كوبتمل نفيها ن‬
‫أثبت صفة ؼبوصوؼ فإنك تكوف قد جسمتو‪ ,‬كبالتايل ىل يصح نفي التجسيم هبذا اؼبعٌت؟‬

‫اعبواب‪ :‬ال؛ ألف ا﵁ تعاىل متصف بالصفات كبعضهم يقوؿ أف التجسيم يعٍت إثبات جسم‬
‫كأجساـ اؼبخلوقات‪ ,‬كبالتايل فنحن نقوؿ ليس جبسم‪ ،‬ىل ىذا النفي هبذا اؼبعٌت ىنا صحيح؟‬

‫نقوؿ نعم صحيح فا﵁ عز كجل ليس كمثلو شيء فانظر يا رعاؾ ا﵁ كيف أف ىذه الكلمة وبتمل‬
‫باطبل كؼبا كاف ذلك كذلك‪ ،‬فإن القاعدة عند أىل العلم في‬
‫نفيها معٍت صحيح كقد وبتمل معٍت ن‬
‫مثل ىذه الكلمات المحتملة للحق والباطل أف ال ىبوض فيها أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬ال بإثبات كال‬
‫بنفي مطل نقا‪ ،‬ال يستعملوهنا البتة فبل يقولوف ا﵁ جسم كال يقولوف ا﵁ ليس جبسم‪ ،‬كال يقولوف نثبت‬
‫التجسيم كال يقولوف ننفي التجسيم؛ ألف ىذه الكلمة ربتمل استعماؽبا حبق‪ ,‬كربتمل استعماؽبا بباطل‪،‬‬
‫كىذا الباب ليس لئلنساف أف يتكلم فيو دبثل ىذه الكلمات ا﵀تملة؛ ألف الكبلـ ىاىنا عن ا﵁‬
‫احتماال‪.‬‬
‫ن‬ ‫سبحانو كتعاىل‪ ،‬فيجب على اإلنساف أف يصوف نفسو عن الوقوع ُب اػبطأ‪ ،‬ربقي نقا أك‬

‫أيضا أىل البدع كاألىواء قد تضرعوا هبذه الكلمة؛ ألهنا فيها شيء من الثقل على النفس‪ ،‬تضرعوا‬
‫ك ن‬
‫هبا إىل نفي اتصاؼ ا﵁ عز كجل بالصفات‪ ،‬فينبغي على أىل السنة أف يكونوا متنبهُت ؽبذا األمر‪ ،‬كإذا‬
‫استعمل من استعمل ىذه الكلمة من اؼبخالفُت ألىل السنة‪ ،‬فقاعدة أىل السنة ُب ذلك ىي‬
‫االستفصاؿ دبعٌت أف يسأؿ مستعمل ىذه الكلمة عن مراده‪ ،‬ماذا تريد بقولك إىل ببل جسم؟ إذا تكلم‬
‫عن صفات ا﵁ فقاؿ ببل ذبسيم أك أف ا﵁ ليس جبسم ماذا تريد هبذا النفي؟ فإف ذكر معٍت ح نقا قبلنا‬
‫اؼبعٍت اغبق دكف اللفظ‪.‬‬

‫كإذا ذكر معٍت باطل رددنا اؼبعٍت الباطل‪ ،‬دكف أف يرد اللفظ‪ ،‬اللفظ ال يتعرض لو أىل العلم ال‬
‫بنفي كال بإثبات إمبا ينصب قبوؽبم أك رفضهم على اؼبعٍت الباطل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪45‬‬ ‫هللا‬
‫التنبيو الرابع‪ :‬أف داء التمثيل ُب األمة أقل من داء التعطيل‪ ،‬كبلنبا داء ككبلنبا مرض عضاؿ‪،‬‬
‫فرؽ شىت كؽبا‬
‫كلكن ابتليت ىذه األمة بداء التعطيل أكثر فبا ابتليت من داء التمثيل‪ ،‬كلذلك اؼبعطلة ه‬
‫مدارسها كؽبا أئمتها كؽبا مؤلفاهتا كؽبا شبهها خببلؼ التمثيل‪ ،‬فإنو شذكذ ُب األمة‪ ،‬اؼبنسوبوف إىل ىذا‬
‫اؼبذىب ىم ُب اغبقيقة شذاذ على ىذه العصور‪ ,‬مل وبصل أف كقع ُب الناس ىذا اؼبرض كما كقع ُب‬
‫صنما‪ ،‬كالشك‬
‫عدما كاؼبمثل يعبد ن‬‫التعطيل‪ ،‬كإف كاف مرض التعطيل أشنع كأقبح كذلك أف اؼبعطل يعبد ن‬
‫كثَتا ُب‬
‫أف من يعبد العدـ أقبح كأضل فبن يعبد الصنم‪ ،‬هنيك عن أف التمثيل كالرمي هبذه الفرية يقع ن‬
‫كثَتا إذا قرأت ُب كتب اؼبتعلمُت أهنم يذموف‬
‫كتب اؼبعطلة‪ ،‬ذباه أىل السنة كاعبماعة‪ ,‬يعٍت ردبا تقرأ ن‬
‫اؼبمثل كينسبوف أقواؽبم إليو‪ ،‬كالواقع أف الذم ينسبوف إليو ذلك ما إال قوؿ أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬ىم‬
‫جعلوا كلمة التمثيل ككلمة التشبيو ككذلك كلمة التجسيم ككلمة التكييف استعملوىا ألجل التنفَت عن‬
‫مذىب أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫كيا ﵁ العجب كيف يكوف ذلك كذلك‪ ،‬كأىل السنة كاعبماعة قد كفركا اؼبمثلة‪ ,‬كأىل السنة‬
‫كاعبماعة قد حذركا من منهجهم‪ ,‬كأىل السنة كاعبماعة ال يدعوف فرصة إال كىم ينبهوف على نفي‬
‫تكييف صفات ا﵁ عز كجل أـ سبثيلو ٍب مع كل ذلك فإهنم يرموف بالتمثيل كأذكر ُب ذلك شاىد لك‬
‫ظلما كعدكانا يرموهنم هبذه‬ ‫على أف أىل التعطيل ما أكثر ما يذموف أىل السنة كاعبماعة بغَت حق‪ ،‬ن‬
‫الفرية كأهنم فبثلة ال لذنب إال لكوهنم قد قالوا دبا قالت بو األدلة‪ ،‬كسكتوا عما سكتت عنو األدلة‪،‬‬
‫ْجبَ ِل فَِإ ِن‬ ‫ِ ِ‬
‫ال لَ ْن تَ َراني َولَك ِن انْظُْر إِلَى ال َ‬
‫خذ مثبلن ما رمى الزـبشرم ُب تفسَته عند قولو تعاىل ﴿قَ َ‬
‫ِ‬ ‫استَ َق ار م َكانَوُ فَسو َ ِ‬
‫ْجبَ ِل َج َعلَوُ َد ًّكا﴾ شنع الزـبشرم ‪-‬كىو من كبار‬ ‫ف تَ َراني فَ لَ اما تَ َجلاى َربُّوُ لل َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ َ‬
‫كثَتا‪ ،‬كذـ من ظباىم الفرقة اليت تدعي‬ ‫اؼبعتزلة اؼبعطلة‪ -‬شنع على أىل السنة كاعبماعة ُب ىذا اؼبقاـ ن‬
‫أهنا أىل السنة كاعبماعة كقاؿ الواقع أهنم فبثلة كأف تضرعوا بالبلكفة يعٍت كإف كانوا يقولوف إف إثباهتم‬
‫صبيعا‪ ،‬كانوا يقولوف نثبت ﵁ الصفات‬ ‫للصفات ببل كيف‪ ،‬كما ىي الكلمة اليت أطبق عليها السلف ن‬
‫ببل كيف‪ ،‬يعٍت ببل تكييف‪.‬‬

‫يقوؿ ىذه فقط ستارة ىبدعوف هبا اعبهاؿ‪ ،‬كإال ُب كاقع أمرىم أهنم فبثلة‪ٍ ،‬ب حكي عن بعض‬
‫العدلية ‪-‬يعٍت اؼبعتزلة‪ -‬أنو قاؿ‪:‬‬

‫عبماعة ظبوا ىواىم سنٌة كصباعة ضبر لعمرم موكفو‬


‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪46‬‬ ‫هللا‬
‫يقوؿ ىؤالء ُب اغبقيقة ضبَته كعلى اغبمار إكاؼ يعٍت مثل الربدعة اؼبهم أنو يشنع هبذا اللفظ‬
‫القبيح على أىل السنة‪.‬‬

‫عبماعة ظبوا ىواىم سنٌة كصباعة ضبر لعمرم موكفػ ػػو‬

‫فتسًتكا بالبػلكفو‬
‫كزبوفػوا شنع الورل ٌ‬
‫قد شبٌهوه خبلقو ٌ‬
‫كلمة بلكفة منحوتة من ببل كيف‪ ،‬فهذه ُب اغبقيقة ما ىو منهم إال يقوؿ "تسًت"‪ ،‬كإال فالواقع‬
‫أهنم فبثلة‪.‬‬

‫كالعجيب أف الزـبشرم كأمثالو يلزمهم مثل ما ألزـ أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬اؼبعتزلة معطلة لصفات ا﵁‬
‫عز كجل‪ ،‬كلكنهم يثبتوف ذات ا﵁ تبارؾ كتعاىل أليس كذلك؟ كإذا تكلموا عن الذات فقيل ؽبم كيف‬
‫ذات ا﵁ عز كجل؟ فماذا يقولوف؟ يقولوف نثبت ذاتو ببل كيف‪.‬‬

‫إ نذا ىم يستعملوف الكلمة نفسها كلذلك أحسن ما شاء ا﵁ أف وبسن من رد على ىذا الكبلـ من‬
‫أىل السنة حُت قاؿ‪ ،‬كمبلكف للذات ‪-‬قاؿ تعجب من شدة استنكاره للبلكفة‪:-‬‬

‫كمبلكػف لل ػ ػػذات قاؿ تعج ػػب م ػػن ش ػ ػ ػػدة استنك ػ ػػاره للبلك ػػفة‬

‫أيضػ ػػا كق ػػل ىي كػ ػ ػ ػػال ػ ػػذكات مكيفػػة‬


‫إف كنت تنكره فكيف ذاتو ن‬
‫بل أنت تثبته ػػا كال تدرم كمػ ػ ػػا مل تدرم قط من اغبمَت اؼبكػ ػػوفة‬

‫أبدا تدؿ على اغبػمَت العج ػ ػػرفة‪.‬‬


‫كلقد ىجػػوت كما دللت كإمب ػ ػػا ن‬
‫كرد آخر عليو بقولو‪:‬‬

‫يػ ػػا عائب من جهلو للبلكفة ىي قولكم ُب الذات دع عنك الصفة‬

‫السفػ ػ ػ ػػو‪.‬‬
‫كا﵁ ليس كمثلو شيء كما ال لست تنكػ ػ ػػره فػ ػ ػ ػ ػ ػدع عن ػ ػ ػػك ػ ػ ػ‬

‫كعلى كل حاؿ ال ينبغي ألىل السنة كاعبماعة أف يتخوؼ من إثبات ما أثبت ا﵁ لنفسو أك‬
‫أثبت رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم ألجل شناعة يمشنع‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪47‬‬ ‫هللا‬
‫قاؿ اإلماـ أضبدرضبو ا﵁‪" :‬ال نزيل عن ا﵁ صفة من صفاتو ألجل شناعة اؼبشنعُت"‪ ،‬ينبغي على‬
‫أىل اغبق على أىل السنة كاعبماعة أف يثبتوا على حقهم‪ ،‬كلو خالفهم أىل األرض صبيعا؛ ألهنم إذا‬
‫كانوا مع اغبق كاف ا﵁ تبارؾ كتعاىل جل كعبل معهم بنصره كتأييده كإعانتو ككانت ؽبم العقبة اغبميدة‬
‫ُب الدنيا كاآلخرة‪.‬‬

‫قادما إف شاء ا﵁ تعاىل‪.‬‬


‫لعل ؽبذا الكبلـ يعٍت تأصيبل كتفصيبل ن‬
‫قال شيخ االسالم ابن تميمة رحمو اهلل في رسالتو العقيدة الوسطية‪( :‬فيؤمنون بان اهلل تعالى‬
‫ليس كمثلة شيء وىو السميع البصير)‬
‫فبعد أف بُت اؼبؤلف رضبو ا﵁ ا﵀اذير اليت هبب على اؼبؤمن بأظباء ا﵁ كصفاتو أف هبتنبها‪ ,‬بُت أف‬
‫أىل السنو كاعبماعة قد قباىم ا﵁ من ىذه ا﵀اذير؛ فكانوا مؤمنُت بأف ا﵁ ليس كمثلة شيء كىو‬
‫س ِميع الب ِ‬
‫ص ُير﴾ آية عظيمة‬ ‫السميع البصَت‪ ,‬كىذه اآلية من سورة الشورل ﴿لَي ِ ِ ِ‬
‫س َكمثْلو َش ْيءٌ َو ُى َو ال ا ُ َ‬
‫ْ َ‬
‫ؽبا شأف ُب ىذا الباب‪ ,‬فإهنا دستور أىل السنة كاعبماعة ُب باب األظباء كالصفات‪ ,‬كجل كبلـ أىل‬
‫السنة ُب ىذا الباب يدكر عليها ك يرجع اليها‪.‬‬
‫‪ ‬ىذه القاعدة دليل ىذه اآلية دليل على قواعد كعلى أصوؿ عدة ُب باب األظباء كالصفات‬
‫فأهنا قد دلت على أف ا﵁ تعاىل موصوؼ بالصفات الثبوتية كموصوؼ بالصفات اؼبنفية‪.‬‬

‫‪ ‬كما دلت ن‬
‫أيضا على اعبمع بُت االثبات كالتنزيو؛ كأف االيباف بأظباء ا﵁ كصفاتو ؾبموع‬
‫االمرين‪ ,‬فليس االثبات كحده إيبانان كليس التنزيو كحده إيبانان؛ بل البد من اعبمع بُت األمرين بُت‬
‫اإلثبات كالتنزيو‪.‬‬

‫‪ ‬كما دلت ن‬
‫أيضا على قاعدة النفي اجململ‪ ،‬كاإلثبات اؼبفصل‪ ,‬كما ىي طريقو الرسل عليهم‬
‫الصبلة كالسبلـ ُب باب األظباء كالصفات كسيأٌب الكبلـ عن ىذا قريبنا أف شاء ا﵁‪.‬‬

‫‪ ‬كما دلت رابعا على‪ :‬قاعدة القدر اؼبشًتؾ كالقدر الفارؽ كىذه قاعدة مهمة سيأٌب تفصيل‬
‫ؽبا‪ ،‬سنحتاجها ُب مواضع عدة أثناء الشرح‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪48‬‬ ‫هللا‬
‫كما أكبرؼ من أكبرؼ هبذا الباب إال لعدـ مبلحظة ىذه القاعدة اؼبهمة‪ ،‬فأنا اؼبمثلة اؼبكيفة قد‬
‫الحظوا القدر اؼبشًتؾ كما الحظوا القدر الفارؽ اؼبميز فوقعوا ُب التمثيل‪ ،‬كاؼبعطلة الحظوا القدر الفارؽ‬
‫اؼبميز كما الحظوا القدر اؼبشًتؾ فوقعوا ُب التعطيل‪.‬‬
‫كىدل ا﵁ عز كجل أىل السنة كاعبماعة إىل اعبمع بُت االمرين؛ فاثبتوا القدر اؼبشًتؾ كاثبتوا القدر‬
‫اؼبميز كعملوا أف التمثيل اؼبمنوع ليس ىو االشًتاؾ هبذا القدر اؼبشًتؾ الذم ىو الصفة قبل اإلضافة‪،‬‬
‫كىذا أمر معلوـ من جهة اللغة العربية‪ ,‬ككونو صفو ا﵁ عز كجل كصفة اؼبخلوؽ تشًتكاف ُب ىذا‬
‫اإلطبلؽ الذل ىو قبل اإلضافة إىل اػبالق أك اؼبخلوؽ ال ؿبذكر فيو كليس ىذا التمثيل اؼبمنوع‪ ,‬فإف‬
‫معاف مطلقو ك أكصاؼ مطلقو كمع ذلك مل تكن متماثلو فيها فكيف يكوف‬ ‫اؼبوجودات تشًتؾ ُب و‬
‫ذلك بُت اػبالق كاؼبخلوؽ‪.‬‬
‫كقد ضربت لك مثاالن ُب درس األمس فأنك تقوؿ رأس اإلبرة كرأس اعببل كرأس الفيل كرأس‬
‫البعوضة‪ ,‬ىاىنا رأس كرأس كرأسورأس كمع ذلك ما حصل التماثل‪ ,‬كال يقوؿ عاقل أف رأس اإلبرة مثل‬
‫رأس اعببل‪.‬‬
‫كذلك تقوؿ مثبلن عنق الزرافة كتقوؿ عنق النملة‪ ,‬ىل للنملة عنق؟ نعم للنملة عنق؛ كىا العنق لو‬
‫فائدة كبَتة بالنسبة للنملة كقد ذكرت بعض األحباث اؼبعاصرة أف عنق النملة ىو السبب الذل يبكن‬
‫النملة من ضبل أشياء ىي أضعاؼ كزهنا ‪-‬سبحاف ا﵁ العظيم‪-‬النملة كلها ما حجمها؟ كالحظ عنق‬
‫ىذه النملة ـبلوؽ من مادة لينة كفيها نتوءات كتكوف سببان بعوف ا﵁ سبحانو إىل أف ربمل أضعاؼ‬
‫أضعاؼ كزهنا ‪-‬سبحاف ا﵁‪ -‬ىل ىذه نتاج صدفة؟ أـ نتاج التطور كاالرتقاء؟ أك ذلك من خلق عليم‬
‫سماو ِ‬
‫ات‬ ‫حكيم قدير سبحانو كتعاىل‪﴿ ,‬أَم ُخلِ ُقوا ِمن غَي ِر َشي ٍء أَم ىم ال َ ِ‬
‫ْخال ُقو َن * أ َْم َخلَ ُقوا ال ا َ َ‬ ‫ْ ْ ْ ْ ُُ‬ ‫ْ‬
‫ض بَ ْل َال يُوقِنُو َن ﴾اؼبقصود أف الزراقة كالنملة اشًتكتا ُب أصل الصفة‪ ,‬ماىي؟ العنق فهل يقوؿ‬ ‫َو ْاأل َْر َ‬
‫عاقل ىذه النملة ما شاء ا﵁ عنقها يشبو عنق الزرافة‪ ،‬ما شاء ا﵁ صبيل كجماؿ عنق الزرافة‪ ,‬أيقوؿ‬
‫ىذا عاقل؟ مع كوف الزرافة كالنملة كبلنبا ـبلوؽ ﵁ عز كجل‪ ,‬فإذا إذا كاف ىذا ثابتنا ‪-‬أعٌت القدر‬
‫تشبيها فبل أف يكوف ذلك بُت اػبالق‬ ‫اؼبشًتؾ كالقدر الفارؽ‪ -‬بُت اؼبخلوقات كمل يكن ىذا سبثيبلن أك ن‬
‫كاؼبخلوؽ من باب أكىل‪.‬‬
‫كا﵁ جل كعل كصف نفسو بأكصاؼ ككصف هبذه األكصاؼ اؼبخلوقات‪ ,‬أعٌت أف ق حصل‬
‫ظبيعان بصَتان كقاؿ عن‬ ‫اشًتاؾ بأصل الوصف‪ ،‬ا﵁ جل كعبل أخرب عن نفسو ُب ىذه اآلية أف ق‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪49‬‬ ‫هللا‬
‫اؼبخلوؽ‪ :‬فجعلناه ظبيعان بصَتان‪ ,‬حصل اشًتاؾ ُب اصل الوصف كمل يكن شبة سبثيل‪ ،‬ألف ا﵁ قاؿ قبل‬
‫س َك ِمثْلِ ِو َش ْيءٌ ﴾فليس السمع كالسمع كليس البصر كالبصر ‪،‬كماف أف ق ليس السميع‬ ‫ذلك‪ ﴿ :‬لَْي َ‬
‫كالسميع كليس البصَت كالبصَت‪.‬‬
‫أيضا من فوائد ىذه اآلية أهنا ردت علي جانبياالكبراؼ‪ ,‬أىل التعطيل ك أىل التمثيل‬ ‫‪ ‬ن‬
‫ِ‬
‫رد على أىل التعطيل‪,‬‬ ‫س ِميع الب ِ‬
‫صير ﴾ ه‬ ‫﴿و ُى َو ال ا ُ َ‬
‫رد على أىل التمثيل‪ ,‬كقولو َ‬‫س َك ِمثْل ِو َش ْيءٌ ﴾ ه‬
‫فقولو﴿لَْي َ‬
‫إىل غَت ذلك من اؼبسائل اؼبستفادة من ىذه اآلية العظيمة‪.‬‬

‫س َك ِمثْلِ ِو َش ْيءٌ﴾ ىنا حبث طويل عند أىل العلم ُب الكاؼ فقولو‬
‫قاؿ جل كعبل‪ ﴿ :‬لَْي َ‬
‫تعاىل﴿ َك ِمثْلِ ِو﴾كتعددت اقواؿ أىل العلم ُب توجيو ىذه الكاؼ إىل أقواؿ أقواىا كا﵁ تعاىل اعلم‬
‫قوالف‪:‬‬
‫القول األول ‪ :‬أف ىذه الكاؼ للتوكيد‪ ،‬كالتوكيد ىا ىنا توكيد لفظي كتوكيد معنوم أف ظر إىل‬
‫الفائدة العظيمة من اآلتياف هبذه الكاؼ‪ ,‬كىى اليت يسميها اللغويُت أك النحويوف أف ىا زائدة ىي‬
‫زائدة من جهة األعراب لكنها من حيث اؼبعٌت ؽبا فائدة كبَتة‪ ,‬فإهنا صبعت بُت التوكيد اللفظي كالتوكيد‬
‫اؼبعنوم‪.‬‬
‫ككجو ذلك أف اغبرؼ الزائد عند أىل اللغة يفيد ما تفيدة اؼبؤكدات اللفظية؛ اغبرؼ الزائد الذم‬
‫يدخل على اعبملة يفيد عند أىل اللغة ما تفيدة اؼبؤكدات اللفظية‪ ,‬كالتأكيد اللفظي عند العرب يفيد‬
‫االعتناءباعبملة إذا ىذه الفائدة األكىل كىي التوكيد اللفظي‪.‬‬
‫كأما التوكيد اؼبعنوم فأف اغبرؼ الزائد عند العرب يقوـ مقاـ إعادة اعبملة مرة ثانية‪ ,‬قاؿ ابن ىشاـ‬
‫ُب مغٌت اللبيب‪" :‬زيادة اغبػػرؼ عند العػرب يقوـ مقاـ إعادة اعبملة مرة ثانية قالو ابن جٌت"‪ ,‬إذا اذ‬
‫دخل حرؼ زائ هد على اعبملة سواء كاف ىذا ُب أكؽبا أك كسطها أك آخرىا فإنو يفيد تكرار اعبملة ‪-‬‬
‫كأنك اعدت اعبملة مرة ثانية‪ -‬كأنك قلت ليس مثلة شيء‪ ،‬ليس مثلة شيء كىذا التكرار‪ ,‬الشك أف‬
‫ق يفيد تأكيد اؼبعٌت كغاية االىتماـ بو‪ ,‬إذا ىذه اآلية جاءت فيها الكاؼ ألجل ىذا التوكيد الذل‬
‫استقدناه منها جهةاللفظي كمن جهة اؼبعٌت‪.‬‬
‫والتوجيو الثاني ‪ :‬أف مثل ىا ىنا تفيد معٌت النفس قاؿ ابن قتيبة رضبة ا﵁ ُب غريب القرآف‪:‬‬
‫"العرب تقيم اؼبثلة مقاـ النفس" فكأنو قاؿ‪ :‬ليس كهوشيء‪ ,‬كىذا كقوؿ القائل مثبل‪ :‬مثلك ال يبخل‬
‫أك مثلي ال ييقاؿ لو ىذا الكبلـ‪ ,‬ما اؼبراد هبذه اعبملة كتلك؟ يعٌت أف ا ال يقاؿ يل ىذا الكبلـ كأنت ال‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪50‬‬ ‫هللا‬
‫تبخل‪ ,‬لكن ىذا األسلوب عند العرب أبلغ من اعبملة بدكف ىذا األسلوب‪ :‬يعٌت قولك مثلك ال‬
‫يبخل‪ ,‬أبلغ من قولك أف ت ال تبخل؛ ألف ىذه اعبملة تفيد أف السبب الذل آلجلة يبكن أف تكوف‬
‫خبيل مفقود‪ ,‬كآلجل ىذا ال يبكن التصور أصبلن أف يكوف منك خببلن كال شك أف ىذا أبلغ من قولك‬
‫أف ت ال تبخل‪ ,‬كىذا أسلوب مستعمل عند العرب كأشدكا قوؿ الشاعر‪:‬‬
‫يا عاذيل دعٍت من عذلك مثلي ال يقبل من مثلك‬
‫ما اؼبراد هبذه اعبملة؟ يعٌت أف ا ال أقبل منك لكنو جعل اؼبثل ىا ىنا قائم مقاـ النفس كىذا أبلغ‪,‬‬
‫يعٌت ال ىبطر بالباؿ كال يتصور أصبلن أىن أنا اقبل منك ىذا العذؿ ‪ ،‬إذا حصل لنا أف اؼبثل ُب ىذه‬
‫اآلية على ىذا القوؿ الثاين دبعٌت الذات يعٌت نفس ا﵁ عز كجل ليس كهوشيء كىو السميع البصَت‪.‬‬
‫كمن لطائف ىذه اآلية اليت ذكرىا بعض أىل العلم أف ا﵁ جل كعبل ذكر ُب ىذا اؼبقاـ الذل نفى‬
‫فباثبل لشيء من اؼبخلوقات قط‪ ،‬أتى ُب ىذا‬ ‫فيو حصوؿ التمثيل أم أف ال يكوف ا﵁ جل كعبل ن‬
‫السياؽ هبديناالظبُت اعبليلُت السميع كالبصَت‪ ,‬كنبا يدالف على ثبوت صفيت السمع كالبصر ﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل‪ ,‬كأف ىذا كا﵁ تعاىل أعلم‪ ،‬لتحقيق ىذه القاعدة اليت ذكرناىا كىى‪" :‬أف اشًتاؾ اػبالق‬
‫كاؼبخلوؽ ُب أصل الوصف ليس فيو ؿبذكر كليس ىو التمثيل اؼبمنوع"‪.‬‬
‫كذلك أف ق ال يكاد يوجد ـبلوؽ حي إال كىو موصوؼ بالسمع كالبصر؛ خببلؼ كثَت من‬
‫الصفات األخرل كالقوة كالقدرة كالعظمة كالعزة كاألصابع ك كبو ذلك ىذه قد ال تكوف موجودة ُب‬
‫كثَت من اؼبخلوقات اغبية‪.‬‬
‫أما السمع كالبصر فجل اؼبخلوقات اغبية أف مل يكن صبيعها متصف هبدين الوصفُت كمع ذلك ا﵁‬
‫س َك ِمثْلِ ِو َش ْيءٌ﴾ إذا مىت ما ظبعت صفو كصف‬
‫عز كجل متصف بالسمع كالبصر‪ ,‬كمع ذلك ا﵁ ﴿لَْي َ‬
‫ا﵁ هبا نفسو كاتصف اؼبخلوؽ بأصل الصفة؛ فأف ىذا ال ؿبذكر فيو‪ ,‬ا﵁ جل كعبل أخرب عن نفسو أف‬
‫َت ال َْع ِزي ِز﴾ فليس العزيز كالعزيز كليست العزة بالعزة مع‬ ‫ق العزيز‪ .‬كقاؿ سبحانو ُب كتابو‪﴿ :‬قَالَ ِ‬
‫ت ْام َرأ ُ‬
‫ثبوت الوصف ُب اؼبوصوفُت‪ُ ,‬ب ا﵁ سبحانو كتعاىل كَب اؼبخلوؽ‪ ,‬الوصف ىا ىنا كصف حقيقي‬
‫كالوصف ىا ىنا كصف حقيقي‪ ,‬كمع ذلك مل وبصل سبثيل كال تشبيو أف ما حصل االشًتاؾ ُب اصل‬
‫الوصف كىذا ال ؿبذكر فيو‪ ,‬يعٌت حصل االشًتاؾ ُب الصفة قبل اإلضافة؛ كىذا ما يعرؼ معناه من‬
‫حيث أصل الوضع اللغويوبالتايل فأنو ال اشًتاؾ؛ أما إذا اضيفت الصفةكبالتايل مل يكن اشًتاؾ إذا‬
‫اضيفت الصفة إذا اضيفت الصفة إىل اػبالق أك اضيفت الصفة إىل اؼبخلوؽ فها ىنا ال اشًتاؾ مىت ما‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪51‬‬ ‫هللا‬
‫اضفت السمع إىل ا﵁ جل كعبل فانو ال يشًتؾ فيو ظبع ا﵁ مع ظبع اؼبخلوؽ كال يتماثبل بل ﵁ ظبعا‬
‫ىبتص بو كللمخلوؽ ظبعان ىبتص بو‪ ,‬كىذه مقدمة ؽبذه القاعدة اؼبهمة اليت سنتكلم عنها ُب موضعها‬
‫بعوف ا﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫قاؿ رضبة ا﵁ تعاىل‪( :‬فال ينفون عنو ما وصف بو نفسو وال يحرفون الكلم عن مواضعو) فبل‬
‫ينفوف عن نفسو ما كصف بو نفسو كىذا ىو التعطيل؛ كقلنا أف النفي ا﵀ض كالتعطيل ا﵀ض الصريح‬
‫ىذا ال يكوف من منتسب إىل ىذا الدين فيما جاء ُب الكتاب أك ُب السنة اؼبتواترة إمبا يكوف من أىل‬
‫البدع كالكبلـ فيما يتعلق دباذا ُب أخبار اآلحاد كىم يزعموف أف ىذه الصفات الواردة ىا ىنا كبن ال‬
‫نثبتها ألهنا عندنا غَت ثابتو كال نعتقد أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قد قاؽبا؛ كألجل ىذه الشبو فأهنم‬
‫ال يي ىكفركف‪ ,‬أما أف تيدعى ىذه الشبهة فيما يتعلق بالقرآف أك السنة اؼبتواترة فهذا غَت كارد‪ ,‬ىذه الشبهة‬
‫حينئذ ال يلتفت إليها‪ ,‬كبالتايل فمن عمد إىل صفو ثابتو ُب القراف أك ثابتة ُب سنة متواترة فنفاىا عن‬
‫ا﵁ عز كجل فقاؿ ا﵁ ال يستول على العرش أصبلن؛ ليس أنو اثبت االستواء ٍب حرؼ اؼبعٌت كإمبا نفى‬
‫ىذه الصفة من حيث ىي‪ ,‬فإف ىذا الشك تكذيب لكتاب ا﵁ عز كجل كىذا كفر باتفاؽ اؼبسلمُت‬
‫(ومن جحد بما وصف بو نفسو فقد كفر) أك يكوف التعطيل عن طريق التحريف كقد تكلمنا عن ىذا‬
‫ُب درس و‬
‫ماض‪.‬‬
‫(وال يحرفون الكلم عن مواضعو) التحريف‪ :‬يعٌت التغيَت كالتبديل كالذل يقع من أىل البدع ُب‬
‫باب األظباء كالصفات ىو الذل تواضع اؼبتأخركف على إطبلؽ لقب التأكيل عليو كىو صرؼ اللفظ‬
‫استَ َوى﴾ بأستوىل كتأكيل‬
‫ش ْ‬‫عن ظاىره إىل غَته لقرينو تيدعى‪ ,‬كتأكيل قولة تعاىل‪﴿ :‬ال ار ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫الوجو بالذات‪ ,‬كقد يؤكلونو بالثواب تأكيل الرضبة بإرادة التفضل كاإلنعاـ إىل غَت ذلك فبا يذكركف من‬
‫التحريف‪ ,‬ال شك أف التحريف أمر مزموـ كا﵁ جل كعبل ذـ أىلو‪.‬‬
‫التحريف صنعو اليهود كاإلغباد ‪-‬كما سيأٌب‪ -‬صنعة اؼبشركُت كىذاف الصنفاف أشد الناس عداكة‬
‫للذين آمنوا‪ ,‬كمع االسف الشديد اشًتؾ معهم ُب ىذين األمرين أعٌت التحريف كاإلغباد أىل البدع‬
‫كالكبلـ كقبى ا﵁ سبحانو أىل السنو كاعبماعة‪ ،‬أىل االتباع اغبق للكتاب كالسنة قباىم من ىذين‬
‫الوصفُت من متابعة أىل الكتاب ُب ىذين األمرين اؼبذمومُت‪.‬‬
‫إ نذا التحريف ىو صنعة لليهود كا﵁ جل كعبل قد ذمهم ُب القراف على ذلك قاؿ‬
‫قاؿ‬ ‫اض ِع ِو﴾﴿يح ٍّرفُو َن الْ َكلِم ِمن ب ْع ِد مو ِ‬
‫اض ِع ِو‬ ‫سبحانو‪﴿:‬يح ٍّرفُو َن الْ َكلِم َعن مو ِ‬
‫َ ْ َ ََ‬ ‫َُ‬ ‫َ ْ ََ‬ ‫َُ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪52‬‬ ‫هللا‬
‫الم اللا ِو وُ ام يُ َح ٍّرفُونَوُ ِم ْن بَ ْع ِد‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫سبحانو‪﴿:‬أَفَ تَط َْمعُو َن أن يُ ْؤمنُوا لَ ُك ْم َوقَ ْد َكا َن فَ ِري ٌق م ْن ُه ْم يَ ْس َمعُو َن َك َ‬
‫َما َع َقلُوهُ َو ُى ْم يَ ْعلَ ُمو َن﴾إذنا ىذا ىو التحريف كىو الذم قلنا أنو يعرؼ دبعٌت أك باصطبلح التأكيل‬
‫(وال يلحدون في أسماء اهلل وآياتو) اإلغباد ُب اللغة‪ :‬ىو اؼبيل كا﵁ جل كعبل قد بُت ُب كتابة‬
‫نوعُت من اإلغباد اؼبذموـ بل توعد ا﵁ عز كجل أصحاهبم‪.‬‬
‫ْح ُدو َن فِي آيَاتِنَا ال يَ ْخ َف ْو َن‬
‫األول‪ :‬اإلغباد ُب آيات ا﵁ جل كعبل قاؿ سبحانو‪﴿ :‬إِ ان الا ِذين ي ل ِ‬
‫َُ‬
‫َعلَْي نَا﴾ كىذا أسلوبان يتضمن معٌت التهديد كالوعيد؛ كاإلغباد ُب آيات ا﵁ جل كعبل يعود إىل اإلغباد‬
‫ُب آياتو الكونية كإىل اإلغباد ُب آياتو الشرعية‪.‬‬
‫آيات اهلل عز وجل الكونية‪ :‬ىي ما أكدع سبحانو كتعاىل ُب ىذا اؼبلكوت كاإلغباد فيها يكوف‬
‫بنسبتها إىل غَت ا﵁ عز كجل من جهة اػبلق كاالهباد أك من جهة نسبة اؼبعاكف كالشريك ﵁ سبحانو‬
‫كتعاىل ُب إهبادىا كاف شئت فقل كل خلل ُب توحيد الربوبية فأنو داخل ُب معٌت اإلغباد ُب آيات ا﵁‬
‫الكونية‪.‬‬
‫أما اإللحاد في آياتو الشرعية‪ :‬فآيات ا﵁ عز كجل الشرعية ما أنزؿ على رسلو عليهم الصبلة‬
‫كالسبلـ‪ ,‬كاإلغباد فيها أما بالتكذيب كإما بالتحريف‪ ,‬فمن كذب شيء من آيات ا﵁ عز كجل فإنو‬
‫يكوف قد اغبد ُب آياتو كمن حرفها عن مواضعها فإنو يكوف قد اغبد ُب آيات ا﵁ جل كعبل؛ ألنو ماؿ‬
‫هبذه اآليات عن اغبق الواجب فيها‪.‬‬
‫شرعا‪ :‬ىو اؼبيل هبا عن اغبق الواجب فيها‪.‬‬
‫اإللحاد في آيات اهلل كونًا أو ً‬
‫﴿ َولِلا ِو‬
‫أما النوع الثاني من اإللحاد المذموم‪ :‬فهو اإلغباد ُب أظباء ا﵁ تعاىل قاؿ سبحانو‪:‬‬
‫َس َمائِِو َسيُ ْج َزْو َن َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾ فهذه‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ين يُلْح ُدو َن في أ ْ‬
‫اِ‬ ‫ِ‬
‫ْح ْسنَى فَا ْدعُوهُ ب َها َوذَ ُروا الذ َ‬
‫األسماء ال ُ‬
‫اآلية تتضمن النهى عن ىذا اإلغباد ُب أظباء ا﵁ جل كعبل‪ ,‬كالوعيد ؼبن كقع ُب ىذا األمر اؼبذموـ‪.‬‬
‫ككبلـ أىل العلم ُب معٌت اإلغباد ُب أظباء ا﵁ جل كعبل كثَت كالغالب أف العلماء ال سيما أىل‬
‫التفسَت يذكركف أفرادا كأمثلة ؽبذا اإلغباد‪.‬‬
‫والضابط الذى يجمع لك ما تفرق من ىذا الكالم في ىذا المقام‪ :‬ىو أف اإلغباد ُب أظباء ا﵁‬
‫اؼبيل هبا عن اغبق الواجب فيها كبالتايل أف حراقات اؼبنحرفُت ُب باب األظباء كالصفات سواء اذبهوا‬
‫إىل جهة التعطيل أك اذبهوا إىل جهة التمثيل ككل ذلك داخل ُب معٌت اإلغباد ُب أظباء ا﵁ جل كعبل‪.‬‬
‫وأمثلة ىذا اإللحاد ُمجلها يعود إلى ما يأتي‪:‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪53‬‬ ‫هللا‬
‫أوالً‪ :‬اعتقاد الشركة فيها؛ يعٌت أف يشارؾ ا﵁ سبحانو كتعاىل فيما يستحقو من ىذه األظباء مع‬
‫غَته كمن ذلك ما كاف من اؼبشركُت الذين اشتقوا آلؽبتهم أظباء من أظباء ا﵁ تبارؾ تعاىل فقالوا البلت‬
‫من اإللو أك من ا﵁ ‪-‬على قولُت‪ ,-‬أك العزل من العزيز أك مناة من اؼبناف‪.‬‬
‫وانياً‪ :‬اإلغباد باإلنكار ككذلك كحاؿ اعبهمية الذين أنكركا أظباء ا﵁ تعاىل‪.‬‬
‫والثاً‪ :‬اإلغباد بالتعطيل‪ ,‬كاؼبراد بالتعطيل ىا ىنا تفريغ األظباء عن معانيها دبعٌت‪ :‬جعلها أظباء ال‬
‫تدؿ على معاين أمبا ىي أظباء ؾبرده كليست أظباء مشتقو ال تتضمن أكصاؼ جليلة كمعاىن كاملة‪,‬‬
‫أيضا اؼبتكلمُت غَتىم الذين أكلوا معاىن صفات ا﵁ جل كعبل‪ ,‬أك نفوا‬ ‫كىذا كحاؿ اؼبعتزلة ككحاؿ ن‬
‫بعض معاىن ىذه األظباء‪ ,‬ذبد من اؼبتكلمُت من يثبت ﵁ جل كعبل اظبو العلى‪ ،‬لكنو يقصر معٌت‬
‫العلى على علو القدر كعلو القهر‪ ،‬مع نفي علو الذات كال شك أف ىذا من اإلغباد ُب أظباء ا﵁ جل‬
‫كعبل كىذا راجع اىل إغباد التعطيل ُب أظباء ا﵁ جل كعبل‪.‬‬
‫إذنا ىذه ثبلثة أف كاع كقد صبعها ابن القيم ُب نونيتو ُب قولة‪:‬‬
‫كحقيقة اإلغباد فيها اؼبي ػ ػػل بػ ػ ػػاالشراؾ كالتعطيل كالنكراف‬
‫الرحمػن‬
‫فاؼبلحدكف إذا ثبلث طوائف فعليهم غضػػب من ػ ػ‬
‫ومة نوع رابع‪ :‬زيادة على ما ذكر رضبو ا﵁ كىو اإلغباد بالتشبيو‪ ,‬دبعٌت جعلوا أظباء ا﵁ جل كعبل‬
‫دالو على معاىن ييشبو فيها ا﵁ عز كجل ـبلوقات‪ ,‬كىذا كحاؿ أىل التمثيل كالتكييف‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬ىو تسمية ا﵁ جل كعبل دبا ال يليق بو؛ من ذلك قوؿ اليهود عليهم من‬ ‫ومة نوع خامس ً‬
‫ِ‬
‫أب‪ ,‬من ذلك قوؿ الفبلسفة‪ :‬إف‬ ‫ا﵁ ما يستحقوف‪﴿:‬إِ ان اللاوَ فَق ٌير﴾كمن ذلك قوؿ النصارل‪ :‬إ ف ا﵁ ه‬
‫ا﵁ ىو العلة األكىل‪ ،‬من ذلك قوؿ بعض العواـ اعبهلة عن ا﵁ تبارؾ كتعاىل يقولوف‪ :‬يا أبا اؼبكارـ‪ ،‬يا‬
‫أبيض الوجو‪ ,‬من ذلك قوؿ بعض اؼبثقفُت اؼبعاصرين‪ :‬بتسميو ا﵁ عز كجل دبا مل يرد‪ ,‬كدبا ال يليق با﵁‬
‫عز كجل كقوؽبم مثبلن‪ :‬أنو مهندس الكوف كما شاكل ىذا من ىذه اعبمل اليت ال يليق أف يىبرب هبا عن‬
‫ا﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫أيضا‪ :‬كىو اغباد أىل الوحدة كاالرباد‪ ,‬الذين جعلوا كل اسم ﵁ عز كجل اسم‬
‫ومة نوع سادس ً‬
‫للمخلوقُت كالعكس جعلوا كل اسم للمخلوقُت اسم ﵁ تعاىل‪ ,‬كلذلك قاؿ زعيمهم عليو من ا﵁ ما‬
‫يستحق أنو تعاىل موصوؼ بكل اسم ؿبمود شرعان كعقبلن كعرفان‪ ,‬كبكل اسم مذموـ شرعان كعقبلن كعرفان‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪54‬‬ ‫هللا‬
‫قبحو ا﵁ فيما قاؿ‪ ,‬ك ىذا كلو راجع بالتأكيد إىل اعتقادىم أنو ال فارؽ أصبلن بُت خالق كـبلوؽ فالكل‬
‫شيء كاحد ُب األصل أك الكل شيء اربد‪.‬‬
‫إ نذا ىذه ُب إصباؿ معٌت أك ىذه أنواع ما يدخل ُب اإلغباد ُب أظباء ا﵁ تعاىل ككل ذلك ال شك‬
‫مذموـ قبيح ؿبرـ ُب الشرع‪ ,‬كقد يصل إىل حد الكفر با﵁ عز كجل‪ ,‬كقد يكوف اغبكم فيو دكف ذلك‬
‫كا﵁ تعاىل أعلم‪.‬‬
‫قاؿ رضبو ا﵁‪( :‬وال يكيفون وال يمثلون صفاتو بصفات خلقو) كما أف ىم يتجنبوف مذىيب‬
‫التحريف كالتعطيل كالعبلقة بينهم كما ذكرت لك قد تكوف عبلقو سبب كمسبب كقد يكوف ىناؾ أف‬
‫انفراد على التفصيل الذل ذكرتو لك‪ ،‬كذلك هبتنبوف مذىيب أىل التمثيل كالتكييف فأهنم يؤمنوف بقولو‬
‫ِ‬
‫َح ٌد﴾ كذلك هبتنبوف تكييف‬ ‫ا﴾﴿ولَ ْم يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫ِ‬ ‫س َك ِمثْل ِو َش ْيءٌ َ‬
‫﴾﴿ى ْل تَ ْعلَ ُم لَوُ َسميًّ َ‬ ‫تعاىل ﴿لَْي َ‬
‫صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل كيعتقدكف أف ىذا من اعظم ا﵀رمات كأف ىذا من ضعف االيباف كتعظيم ا﵁‬
‫﴿ال ار ْح َم ُن َعلَى‬ ‫جل كعبل كلذلك ؼبا جاء رجل إىل اإلماـ مالك رضبو ا﵁ كقاؿ لو‪ :‬يا أبا عبد ا﵁‬
‫استَ َوى﴾ كيف استول؟ السؤاؿ اآلف عن الكيفية اليس كذلك ؟ ألننا قلنا اعبواب عن كيف‬ ‫ش ْ‬‫ال َْع ْر ِ‬
‫الكيفية‪ .‬فاستعظم اإلماـ مالك رضبو ا﵁ مثل ىذا السؤاؿ كيف لعبد ناقص ضعيف فقَت أف يسأؿ ىذا‬
‫السؤاؿ الذل يريد بو أف وبيط علمو با﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ,‬فأطرؽ رضبة ا﵁ كعبله الرحباء ٍب رفع راسو‬
‫كقاؿ االستواء غَت ؾبهوؿ كالكيف غَت معقوؿ‪،‬كاإليباف بو كاجب كالسؤاؿ عن ىذا بدعة كما ايراؾ اال‬
‫مبتدع ٍب أيمر بو فاخرج من اؼبسجد‪.‬‬
‫مقصود أف الكيف بالنسبة لنا ُب صفات ا﵁ جل كعبل غَت معقوؿ كال يبكن للعباد أف يصلوا لعلم‬
‫ذلك؛ ألهنم ما راك ا﵁ كما رأكا مثيبل ﵁ كما جاءىم لذلك خرب عن الصادؽ اؼبصدكؽ صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم‪ ,‬إذنا الواجب أف يكف اؼبسلم عن التطلع عن كيفيو صفات ا﵁ جل كعبل‪.‬‬
‫ككبلـ اإلماـ مالك رضبو ا﵁ كبلـ عظيم يكتب دباء العُت كىو قانوف مطرد ُب صبيع الصفات‬
‫تلقاه أىل العلم عنو بالقبوؿ قاطبة‪ ,‬كل أىل السنو لساف حاؽبم كمقاؽبم ىو ما قالو اإلماـ مالك رضبو‬
‫ا﵁ ُب ىذه الصفة‪.‬‬
‫بقيت مسالة تذكرهتا اآلف كىي أف مذىيب التمثيل كالتعطيل مذىباف متقاببلف متعارضاف كمع ذلك‬
‫نبا مذىباف يشًتكاف ُب أمر‪ ،‬كذلك أف القاعدة ىي أف كل فبثل معطل كما أف كل معطل فبثل‪,‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪55‬‬ ‫هللا‬
‫عجيب أف يكوف اؼبمثل الذم ىو على النقيض من مذىب اؼبعطل قد صبع بُت التمثيل كالتعطيل‪,‬‬
‫ككذلك اغباؿ بالنسبة للمعطل كتوضيح ذلك‪:‬‬
‫أف اؼبعطل أف ما عطل بعد أف مثل ٍب كانت نتيجة تعطيلو التمثيل‪ ,‬دبعٌت أف تعطيل اؼبعطل‬
‫ؿبفوؼ بتمثيل من قبل كمن بعد‪ ,‬بياف ذلك أف كل من عطل صفات ا﵁ تعاىل فأنو مل يلجأ إىل ذلك‬
‫إال ألنو قد سبق إىل قلبو اؼبريض التمثيل؛ فؤلجل دفع ىذا الذم كقع ُب قلبو عبأ إىل التعطيل كاال فأف‬
‫ال داعى يدعو أصبلن إىل أف ييعطل؛ لكن ألنو غلب على نفسو أف إثبات ىذه الصفة التمثيل فأنو راـ‬
‫أف يدفع ذلك إىل التعطيل‪.‬‬
‫فهو فبثل أكالن‪ ,‬معطل ثانيان فبثل ثالثان‪ ,‬بياف ذلك أف كل تعطيل كاف من ىؤالء اؼبعطلة نتيجتو سبثيل‬
‫ا﵁ عز كجل أما باعبامدات‪ ،‬أك بالناقصات‪ ،‬أك باؼبعدكمات‪ ،‬أك باؼبمتنعات‪ .‬كتأمل ُب كل ما يذكره‬
‫اؼبعطلة ذبد ىذا الكبلـ مستقيم كل تعطيل يقع فيو اؼبعطلة نتيجتو سبثيل ا﵁ عز كجل أما بشيء ناقص‪،‬‬
‫أك بشيء جامد‪ ،‬أك دبعدكـ‪ ،‬أك بأمر فبتنع أصبلن ‪-‬يبتنع عقبلن كجوده‪ -‬كبالتايل كانوا ُب النتيجة‪ :‬فبثلة‪,‬‬
‫معطل ٍب فبثل‪ ،‬كذلك اغباؿ بالنسبة للممثلة فإف الممثلة معطلة من جهات‪:‬‬
‫فاؼبعطل فبثبلن ٍب ه‬
‫أوالً‪ :‬أهنم عطلوا ا﵁ جل كعبل عن كمالو الواجب بإثبات ىذه الصفة؛ ألف ا﵁ جل كعبل متصف‬
‫بصفات الكماؿ‪ ,‬فمىت ما عطل اؼبعطل شيء منها فإنو يكوف قد عطل ا﵁ عز كجل عن كمالو‬
‫الواجب لو‪.‬‬
‫وانياً‪ :‬أنو عطل النص الذل جاءت فيو الصفة عن مراد ا﵁ تعاىل‪ ,‬ا﵁ جل كعبل ؼبا أخربنا ُب‬
‫كتابو هبذه الصفة ىل أراد أف نفهم التمثيل ؟ ال‪ ,‬إ نذا ىو ؼبا كاف منو ذلك عطل مراد ا﵁ عز كجل ا﵁‬
‫عز كجل أراد أف نفهم أنو متصف بصفو تليق بو سبحانو كتعاىل كليس أهنا فباثلة للمخلوقُت فكاف‬
‫اغباؿ أف ىذا اؼبمثل عطل النص عن مراد ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫ووجو والث‪ :‬ىو أف كل فبثل فهو معطل لؤلدلة اليت دلت عن نفى اؼبماثلة بُت ا﵁ عز كجل‬
‫﴾﴿ولَ ْم يَ ُك ْن‬ ‫كاؼبخلوقُت‪ ,‬ىذا اؼبمثل كاقع اغباؿ أنو ما أثبت بل عطل قولو تعاىل‪﴿ :‬لَي ِ ِ ِ‬
‫س َكمثْلو َش ْيءٌ َ‬
‫ْ َ‬
‫َح ٌد﴾ ؛ إىل غَت ذلك من اآليات اليت دلت على نفى التماثل بُت اػبالق كاؼبخلوؽ‪ ,‬فاػببلصة‬ ‫لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫أف كل فبثل معطل كما أف كل معطل فبثل‪.‬‬
‫قاؿ رضبو ا﵁‪( :‬ألنو سبحانو ال سمي لو وال كفوا لو وال ند لو) ذكر ثبلثة امور ا﵁ عز كجل ال‬
‫كفوا لو‪ ،‬ا﵁ عز كجل ال ند لو؛ ىذه كلمات ثبلث معانيها متقاربة‪ ,‬جاء‬
‫ظبى لو‪ ،‬ا﵁ عز كجل ال ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪56‬‬ ‫هللا‬
‫﴿ولَ ْم يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا‬ ‫ِ‬
‫﴿ى ْل تَ ْعلَ ُم لَوُ َسميًّا﴾ قاؿ سبحانو‪َ :‬‬
‫نفيها ُب كتاب ا﵁ جل كعبل قاؿ سبحانو‪َ :‬‬
‫﴿ى ْل تَ ْعلَ ُم لَوُ َس ِميًّا﴾ دبعٌت‬
‫ادا﴾ (السمي) ُب قولو تعاىل َ‬ ‫َح ٌد﴾ قاؿ سبحانو‪﴿ :‬فَال تَ ْج َعلُوا لِلا ِو أن َد ً‬
‫أَ‬
‫النظَت أك على القوؿ الثاين ىل تعلم من يستحق اظبا لو سبحانو؛ الشك أف أظباء ا﵁ تعاىل على ما‬
‫تستحقو ىذه األظباء من العظمة كاعببلؿ كالكماؿ ال هبوز أف تضاؼ لغَت ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ,‬فا﵁ عز‬
‫يستحق ىذه األظباء سواه كاضح‪.‬‬ ‫ي‬ ‫كجل ال ظبى لو دبعٌت ال أحد‬
‫اؼبعٌت أك الكلمة الثانية ىي كلمة (الكفؤ) كىى دبعٌت اؼبكافئ كدبعٌت اؼبساكم كدبعٌت اؼبشابو‪،‬‬
‫ادا﴾ الند‪ :‬أما أف يكوف ُب اآلية دبعٌت‬ ‫الكلمة الثالثة (الند) نفاىا ا﵁ جل كعبل ﴿فَال تَ ْج َعلُوا لِلا ِو أن َد ً‬
‫اؼبثيل أك دبعٌت اؼبناكئ اؼبعارض‪ ,‬ىذا ندا ؽبذا يعٌت يعارضو‪ ،‬كيشاكلو‪ ،‬كوباكؿ أف يتغلب عليو‪ ,‬كا﵁ جل‬
‫مثل كما أنو منزه عن أف يكوف لو من يناكئو‪ ،‬كمن يغالبو ُب‬ ‫كعبل ال شك أنو منزه عن أف يكوف لو ه‬
‫ض إِاال آتِي‬ ‫سماو ِ‬ ‫ِ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِ‬ ‫ملكوتو؛ إذ اعبميع ـبلوقوف عبي هد لو تبارؾ كتعاىل ﴿إِ ْن ُك ُّل َم ْن في ال ا َ َ‬
‫ال ار ْح َم ِن َع ْب ًدا﴾‬
‫قاؿ رضبو ا﵁‪( :‬وال يقاس بخلقو سبحانو وتعالى) أتى اؼبؤلف رضبو ا﵁ إىل ذكر سبب الشرؾ‬
‫كاالكبراؼ عند التحقيق ُب ىذا اؼبقاـ‪ ,‬أال كىو القياس الباطل الذم كاف من اؼبنحرفُت اؼبلحدين ُب‬
‫ي‬
‫ىذا الباب‪ ،‬كذلك أف القياس الفاسد الباطل ىو الذل أدل إىل اكبراؼ اؼبعطلة كىو الذل أدل إىل‬
‫اكبراؼ اؼبمثلة قياس ا﵁ عز كجل خبلقو؛ ىو الذل أدل اؼبعطل إىل التعطيل؛ ألنو كما ذكرت سابقان‬
‫قاس ا﵁ عز كجل خبلقو ٍب أنو أراد الفرار من ىذا القياس فلجأ إىل التعطيل‪.‬‬
‫أما اؼبمثل فإنو قاس ا﵁ خبلفو كفرض ىذا القياس كثبت على ىذا القياس فكاف منو التمثيل كال‬
‫شك أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل منزه عن أف ييقاس خبلقو قياسان يقتضى اؼبساكاة بينو كبُت خلقو‪ ،‬كذلك أف‬
‫القياس اؼبعركؼ عند العلماء كعند الناس يرجع إىل نوعُت‪:‬‬
‫قياس ىو قياس المناطقة‪ :‬كىو االستدالؿ بكلي على جزئيان من حيث أف دراجو مع غَته من‬
‫اعبزئيات ربت ىذا الكلى فيعرؼ حكمو ‪-‬يعٌت حكم ىذا اعبزئي‪ -‬من خبلؿ معرفة حكم اعبزئيات‬
‫األخرل كىذا كما ذكرت لك يسمى القياس عند اؼبناطقة كأشهر أنواع ىذا القياس ىو "القياس‬
‫االقًتاين اغبملي" كىو قوؿ مألف من مقدمات‪ ،‬كأقواؿ تنتج نتيجة يكوف فيها مساكاه كاشًتاؾ بُت ىذا‬
‫الكلى بُت اعبزئيات اليت تندرج ربت ىذا الكلى مثاؿ ذلك يقولوف مثبلن‪ :‬كل أنساف حيواف‪ ،‬ككل‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪57‬‬ ‫هللا‬
‫حيواف حساس‪ ,‬إذا كل أنساف فهو حساس‪ ,‬خذ مثبلن ُب "جاءين زيد" يقولوف كل فاعل مرفوع كزي هد‬
‫مرفوع إذنا زيد فاعبلن‪ ,‬تبلحظ أف ُب قياس اؼبناطقة كاف االستدالؿ بالكلي على اعبزئي‪.‬‬
‫أما في النوع الثاني وىو‪ :‬قياس التمثيل كىو قياس الفقهاء كاألصوليُت؛ فهذا فيو االستبلؿ‬
‫جبزئي على جزئي؛ األكؿ استدالؿ بكلى على جزئي كالثاين استدالؿ جبزئي على جزئي كالقياس عند‬
‫األصوليُت معركؼ إغباؽ فرع بأصل لعلو جامعة ُب حكم هبمع بُت ىذا كىذا‪ ,‬مثاؿ ىذا تقوؿ أف‬
‫النبيذ ؿبرـ قياسان على اػبمر لعلو اإلسكار‪ ,‬فأنت اغبقت جزئية معينو كىو النبيذ جبزئي آخر كىو اػبمر‬
‫الشًتاكهم ُب معٌت كاحد‪.‬‬
‫فالخالصة‪ :‬أف القياس األكؿ أك القياس الثاين كبلنبا يقتضى مساكة لو طيبق ىذا ُب حق ا﵁ عز‬
‫كجل لكاف ىذا يقتضى مساكاه ا﵁ عز كجل خبلقو كالشك أف ا﵁ تعاىل ليس كمثلو شيء‪ ,‬ا﵁ ال‬
‫يقاس خبلقو أف ما الذل يصح ُب ىذا اؼبقاـ قياس األكىل ىذا القياس ليس فيو ؿبذكر كليس فيو مساكة‬
‫كليس فيو ىذا االشًتاؾ اؼبذموـ‪ ,‬كىو أف كل صفو كماؿ ال نقص فيها بوجو من الوجوه كانت ُب‬
‫اؼبخلوؽ فاػبالق أكىل هبا كل صفو كماؿ بشرط أال يكوف فيها نقص بوجو من الوجو كانت ُب اؼبخلوؽ‬
‫فا﵁ تبارؾ كتعاىل أكىل هبا كىذا من معناه قولو تعاىل ﴿ َولِلا ِو ال َْمثَ ُل ْاألَ ْعلَى﴾كسياٌب أف شاء ا﵁ كبلـ ُب‬
‫تفصيل ىذا القياس ‪-‬أعٌت قياس األكىل‪ -‬ىذا الكتاب بعوف ا﵁ سبحانو كتعاىل‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمو اهلل تعالى في رسالتو العقيدة الواسطية‪ ( :‬فال ينفون عنو‪:‬‬
‫ما وصف بو نفسو ‪ ،‬وال يحرفون‪ :‬الكلم عن مواضعو ‪ ,‬وال يلحدون في‪ :‬أسماء اهلل‪ ،‬وآياتو ‪ ,‬وال‬
‫يمثلون‪ :‬صفاتو بصفات خلقو؛ ألنو سبحانو؛ ال سمي لو‪ ،‬وال كفو لو‪ ،‬وال ند لو‪ ،‬وال يقاس بخلقو‬
‫سبحانو وتعالى‪ ,‬فإنو سبحانو؛ أعلم بنفسو وبغيره‪ ،‬وأصدق قيال‪ ،‬وأحسن حديثا من خلقو)‪.‬‬

‫ذكر اؼبؤلف رضبو ا﵁ تعاىل ًعلة كقوؼ أىل السنة كاعبماعة عند حد ما جاء ُب القرآف كالسنة ُب‬
‫باب األظباء كالصفات‪ ،‬ذكر رضبو ا﵁ ثبلثة أمور‪( :‬أنو سبحانو اعلم بنفسو وبغيره‪ ،‬وأنو أصدق‬
‫حديثًا‪ ،‬وأنو أحسن حديثًا من خلقة) فإذا كاف ذلك كذلك كجب على العباد أف يىبًربكا عن ا﵁‬
‫سبحانو كتعاىل دبا جاء ُب الكتاب كالسنة فحسب‪ ،‬كأف يعتقدكا ثبوت ما جاء ُب النصوص دكف زيادةو‬
‫أك نقصاف‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪58‬‬ ‫هللا‬
‫﴿قُ ْل أَأَنْ تُ ْم أَ ْعلَ ُم أَِم‬
‫قاؿ رضبو ا﵁‪ :‬إنو سبحانو أعلم بنفسو كبغَته‪ ،‬كما قاؿ جل كعبل‪:‬‬
‫اسأ َْل بِ ِو َخبِ ًيرا﴾ ‪ ،‬على أحد أقواؿ أىل التفسَت يعٍت ا﵁‬
‫اللاوُ﴾ككذلك قاؿ جل كعبل‪﴿ :‬ال ار ْح َم ُن فَ ْ‬
‫اجب أف ييؤخذ ما أخرب بو جل كعبل‬
‫جل كعبل أعلم بنفسو كدبا يستحقو من نعوت اعببلؿ كاعبماؿ‪ ،‬فو ه‬
‫ُب ىذا الباب العظيم على ؿبمل التسليم‪.‬‬

‫قيبل كأصدؽ حديثنا‪ ،‬قاؿ‪:‬‬ ‫قاؿ‪ :‬فإنو أعلم بنفسو كبغَته كأصدؽ حديثنا‪ ،‬ا﵁ جل كعبل أصدؽ ن‬
‫َص َد ُق ِم َن اللا ِو َح ِديثًا﴾‬
‫﴿وَم ْن أ ْ‬ ‫قيبل‪ ،‬قاؿ سبحانو‪﴿ :‬ومن أ ْ ِ ِ ِ‬
‫َص َد ُق م َن اللاو ق ًيال﴾ كقاؿ‪َ :‬‬ ‫ََ ْ‬ ‫كأصدؽ ن‬
‫آيتاف ُب سورة النساء‪ ،‬كذلك ا﵁ جل كعبل أحسن حديثنا من خلقو‪ ،‬دؿ على ذلك قولو تعاىل‪﴿ :‬اللاوُ‬
‫و‬ ‫يث﴾كجاء ُب حديث جاب ور رضي ا﵁ عنو كما ُب ركاية اإلماـ أضبد ُب اؼبسند‬ ‫َحسن الْح ِد ِ‬
‫بإسناد‬
‫ي‬ ‫نَ از َل أ ْ َ َ َ‬
‫صحيح‪« :‬أن النبي صلى اهلل عليو وسلم كان يقول في خطبتو بعد التشهد أما بعد فإن أحسن‬
‫حمد صلى اهلل عليو وسلم»‪.‬‬‫الكالم كالم اهلل‪ ،‬وأحسن الهدي ىدي م ٍ‬
‫ُ‬

‫قيبل‪ ،‬كأحسن‬
‫فإذا اجتمعت ىذه األمور الثبلثة كىي‪ :‬أف ا﵁ أعلم بنفسو كبغَته‪ ،‬كأنوي أصدؽ ن‬
‫حديثنا من خلقو‪ ,‬استفدنا من ىذا فائدتين‪:‬‬

‫األولى‪ :‬كجوب أف يقف اإلنساف فيما جاء ُب باب األظباء كالصفات عند حدكد الوارد‪ ،‬فبل‬
‫الباب كما قلنا ساب نقا‪ ،‬باب توقيفي ليس لئلنساف أف يتكلم عن ا﵁ جل كعبل‬
‫يتجاكز ذلك إىل غَته‪ ،‬ي‬
‫حديث عن رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬ ‫و‬ ‫إال و‬
‫بآية أك‬

‫ط‬ ‫والفائدة الثانية‪ :‬أف نعلم أف كل ما أخرب ا﵁ عز كجل بو ُب كتابو عن نفسو فإنو ه‬
‫حق ال ىبتل ي‬
‫بأدىن شائبةه من باطل‪ ،‬كُب ىذا أدىن ٌبُت على اؼبتكلمُت الذين يزعموف أف ما جاء ُب كتاب ا﵁ كالسنة‬
‫اجب إ نذا صرفيوي عن ىذا الظاىر إىل غَته‪ ،‬كىذا ىو‬
‫من نصوص الصفات ظاىره يوبيط التشبيو‪ ،‬فو ه‬
‫مسلك التأكيل‪.‬‬
‫ي‬

‫أساس البالء عند ىؤالء‪ :‬أهنم ظنوا أف ا﵁ تعاىل ييبكن أف يىبرب ُب كتابو دبا ظاىره الضبلؿ‬
‫كالبيطبلف‪ ،‬كالرد على ىؤالء بأف ييقاؿ إف ا﵁ أعلم بنفسو كبغَته‪ ،‬ا﵁ أعلم بنفسو كخبلقو‪ ،‬أعلم دبا‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪59‬‬ ‫هللا‬
‫يستحقو سبحانو كتعاىل‪ ،‬كأعلم دبا يستحقو خلقو‪ ،‬فإذا أخرب سبحانو بثبوت الصفات لو كاف ذلك‬
‫اجع‬
‫خلل ُب الفهم‪ ،‬فهذا ر ه‬
‫ح نقا‪ ،‬كدؿ ذلك على أنو ال شائبة تعًتم ىذا اإلخبار‪ ،‬إمبا إذا كاف ىناؾ ه‬
‫فساد ُب التصور أك و‬
‫فساد ُب القصد‪.‬‬ ‫إما إىل و‬

‫إ نذا إذا أخرب إنسا هف فقاؿ ُب كبو قوؿ ا﵁ جل كعبل الرضبن على العرش استوم‪ ،‬إمبا أثبت ﵁ عز‬
‫كجل االستواء على حقيقتو؛ ألف االستواء على حقيقتو ال يليق با﵁ جل كعبل‪ ،‬فإننا نقوؿ لو‪ :‬أأنت‬
‫أعلم أـ ا﵁؟!‬

‫ا﵁ جل كعبل أعلم بنفسو كأعلم بغَته‪ ،‬فهو سبحانو كتعاىل ؼبا أخرب أنو استوم على العرض فإننا‬
‫نعلم أف ىذا ىو البلئق بو جل كعبل؛ ألنو أصدؽ حديثنا؛ كألنو أحسن حديثنا تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كإذا كاف‬
‫خلل‬
‫كبلموي صدقنا ال كذب فيو‪ ،‬كإذا كاف كبلمو بلغ من اغبيسن الغاية فإنو ال يبكن أف يتطرؽ إليو ه‬
‫ي‬
‫حق كال يبكن أف يكوف ىذا الظاىر‬
‫بأم كجو من الوجوه‪ ،‬فظاىر ما أخرب ا﵁ جل كعبل بو ُب كتابو ه‬
‫فرا كما يدعي بعد أىل الضبلؿ‪.‬‬
‫ضبلال كيك ن‬
‫ضبلال‪ ،‬كال يبكن أف يكوف إتباع ىذا الظاىر ن‬
‫ن‬

‫أصل أصيل ينبغي أف يعتمد عليو أىل السنة كاعبماعة ُب ىذا الباب‪ ,‬كىو‬
‫إ نذا ىذه قاعدةه مهمة ك ه‬
‫أف ا﵁ سبحانو كتعاىل أعلم بنفسو كبغَته‪ ،‬كأف كبلمو الصدؽ اؼبطابق للواقع‪ ،‬كأنو سبحانو أحسن‬
‫حق ال‬
‫حديثنا من غَته‪ ،‬فمع اجتماع ىذه األمور الثبلثة يتبُت لك أف كلما أخرب ا﵁ جل كعبل بو فإنو ه‬
‫و‬
‫احتماؿ للضبلؿ كاػبطأ ُب الفهم كالتصور‪.‬‬ ‫يبكن أف يرد عليو أم‬

‫قاؿ رضبو ا﵁‪(:‬وم رسلو صادقون مصدقون؛ بخالف الذين يقولون عليو ما ال يعلمون)‪.‬‬

‫أمر ثامن يؤكد لك القاعدة السابقة‪ ،‬كىي أف ىذا الباب توقيفي‪ ،‬كأف كل ما جاء من أخبا ور‬
‫ىذا ه‬
‫حق على ظاىره‪ ،‬كال يبكن أف يكوف ظاىره الضبلؿ‪ ،‬كال يبكن أف يكوف ظاىره التشبيو‬‫فيو؛ فإف ذلك ه‬
‫كما يدعي أكلئك‪.‬‬

‫والصد ُق‪:‬‬ ‫علةه ثانية كىي أف رسل ا﵁ عز كجل صادقوف مصدقوف اجتمع ُب حقهم الصدؽ‪،‬‬
‫مطابقة اػبرب للواقع‪ ،‬كاإلصباع الضركرم يمنعقد عند أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬بل عند اؼبسلمُت كافة‪ ،‬على‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪60‬‬ ‫هللا‬
‫أف الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ صادقوف معصوموف من الوقوع ُب الكذب‪ ،‬فإذا كاف ذلك كذلك‬
‫مطابق للواقع‪ ،‬ناىيك عن اجتماع ذلك‬
‫ه‬ ‫حق‬
‫فكل ما أخرب بو الرسل عن ا﵁ جل كعبل فبل شك أنوي ه‬
‫نصحا للخلق‪ ،‬كأهنم‬
‫علما با﵁ جل كعبل‪ ،‬كأهنم األعظم ن‬
‫أيضا إىل غَته ُب حقهم‪ ،‬كىو أهنم األكمل ن‬
‫ن‬
‫األبلغ ُب الفصاحة كالكبلـ‪.‬‬

‫فاجتمع ُب حق الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ أربعة أسباب ذبعل من الواجب على كل مسلم أف‬
‫يأخذ ىذا الباب عن الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ على ؿبمل التسليم التاـ‪ ،‬فبل ييعارض ذلك الذين‬
‫بعقل كال و‬
‫بقياس منطقي‪ ،‬كال هبول‪ ،‬كال دبا ييزعم من أنو أنواع‬ ‫ىبربكف بو بأم و‬
‫كجو من أنو ًاع اؼبعارضة ال و‬
‫الفصاحة كاجملاز كالببلغة كما إىل ذلك‪ ،‬كل ذلك ينبغي أف ييطرح أماـ ما يىبرب بو الرسل الذين ىم‬
‫صادقوف يمصدقوف‪.‬‬

‫قاؿ رضبو ا﵁‪( :‬مصدقون) يعٍت صدقوا من غَتىم‪ ،‬كالرسل عليهم الصبلة كالسبلـ يصدقهم‬
‫اؼبؤمنوف هبم‪ ،‬بل يصدقهم رهبم تبارؾ كتعاىل‪ ،‬لكن ا﵁ يشهد دبا أنزؿ إليك أنزلو بعلمو‪ ،‬قاؿ جل‬
‫ؿبمدا صلى ا﵁‬
‫تصديق من ا﵁ جل كعبل أف النيب ن‬
‫ه‬ ‫ول اللا ِو﴾ ىذه شهادة من ا﵁‪،‬‬
‫﴿م َح ام ٌد َر ُس ُ‬
‫كعبل‪ُ :‬‬
‫َنزلْنَاهُ‬ ‫﴿وبِال َ‬
‫ْح ٍّق أ َ‬ ‫َ‬ ‫رسوؿ من عند ا﵁ ح نقا‪ ،‬أف ما جاء ُب ىذا الوحي حق ال مرية فيو‬
‫عليو كسلم ه‬
‫حق‬
‫تصديق من ا﵁ جل كعبل كشهادة بأف ما جاء بو النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ه‬ ‫ه‬ ‫َوبِال َ‬
‫ْح ٍّق نَ َز َل﴾ ىذا‬
‫كصدؽ‪ ،‬كإذا كاف ذلك كذلك‪ ،‬كاف كاجب اإلتباع‪ ،‬كاف كاجب التصديق‪ ،‬كاف هبب على صبيع‬
‫العاؼبُت أف ينقادكا إىل ىذا اغبق الذم ص ٌدؽ ا﵁ عز كجل يرسلىوي عليهم الصبلة كالسبلـ عليو‪.‬‬

‫كصف ينطبق على صبيع الذين قالوا على‬ ‫ه‬ ‫قاؿ‪( :‬بخالف الذين يقولون عليو ما ال يعلمون) ىذا‬
‫اس ُج ُدوا لِل ار ْح َم ِن‬
‫يل لَ ُه ُم ْ‬
‫ا﵁ عز كجل بغَت علم‪ ،‬كما كاف اؼبشركُت‪ ،‬قاؿ ا﵁ عز كجل عنهم‪ِ ِ :‬‬
‫﴿وإ َذا ق َ‬
‫َ‬
‫ينطبق على اليهود الذين قالوا ﴿إِ ان اللاوَ فَِق ٌير َونَ ْح ُن أَ ْغنِيَاءُ﴾ ينطبق على‬
‫ي‬ ‫قَالُوا َوَما ال ار ْح َم ُن﴾‬
‫ينطبق على صبيع اؼبنحرفُت‬
‫ثالث ثبلثة‪ ،‬ي‬
‫أب كأف عيسى ابنو كأنوي ي‬
‫النصارل الذين زعموا أف ا﵁ عز كجل ه‬
‫ُب ىذا الباب؛ سواء توجهوا جهة التمثيل أك توجهوا جهة التعقيد‪ ،‬كل من تكلم عن ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪61‬‬ ‫هللا‬
‫بغَت ما جاءت بو الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ فبل شك كال مرية ُب أهنم قالوا على ا﵁ عز كجل بغَت‬
‫درس و‬
‫ماض‪.‬‬ ‫علم‪ ،‬كىذا من أعظم ا﵀رمات‪ ،‬كما قلنا الدليل على ىذا ُب الدرس أك ُب و‬

‫كذلك دؿ القرآف على أف كل كبلـ ُب ا﵁ عز كجل بغَت علم ما ىو إال كسوسة من الشيطاف‪،‬‬
‫الس ِ‬
‫وء‬ ‫﴿إِنا َما يَأ ُْم ُرُك ْم﴾ ‪-‬يعٍت الشيطاف‪﴿ -‬بِ ُّ‬ ‫كا﵁ جل كعبل أخرب عن ىذا ُب كتابو ُب قولو‪:‬‬
‫ش ِاء َوأَ ْن تَ ُقولُوا َعلَى اللا ِو َما ال تَ ْعلَ ُمو َن﴾ كل ما يتكلم بو اؼبتكلوف ُب باب األظباء كالصفات‬
‫َوالْ َف ْح َ‬
‫من غَت أف يكوف متلقى من طريق الوحي ما ىو إال كسوسة من الشيطاف ال يتجاكز ذلك‪ ،‬إذا كاف‬
‫األمر كذلك فكل و‬
‫قوؿ كاف من ىذا الباب‪ ،‬يعٍت من الباب الذم فيو كبلـ عن ا﵁ بغَت علم كاف‬
‫كاجبنا أف ييطرح كأف ال ييلتفت إليو‪.‬‬

‫ىما منهجان متمايزان‪ :‬منهج الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ‪ ،‬كمنهج الذين يقولوف على ا﵁ عز‬
‫كجل بغَت علم‪ ،‬كعلى كل مسلم أف ينهج النهج الذم يرضاه لنفسو‪ ،‬كالذم يظن أف النجاة فيو دكنك‬
‫ىذين الطريقُت؛ طريق الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ الذين ىم أعلم باغبق‪ ،‬كالذين ىم صادقوف‬
‫هنج آخر كىو هنج الذين يقولوف على ا﵁ ما ال يعلموف‪ ،‬فاخًت لنفسك ما شئت من‬
‫مصدقوف‪ ،‬كىناؾ ه‬
‫ىذين الطريقُت‪.‬‬

‫قال رحمو اهلل‪( :‬وم رسلو صادقون مصدقون؛ بخالف الذين يقولون عليو ما ال يعلمون‪,‬‬
‫ين *‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ر ٍّ ِ ِ‬
‫ب الْع ازة َع اما يَص ُفو َن * َو َس َال ٌم َعلَى ال ُْم ْر َسل َ‬‫﴿س ْب َحا َن َربٍّ َ َ‬
‫ولهذا قال سبحانو وتعالى‪ُ :‬‬
‫ين﴾) ىذه آيةه عظيمة كفيها فوائد كبَتة تتعلق هبذا اؼبوضوع الذم معنا‪ ،‬يقوؿ‬ ‫ِ‬
‫ب ال َْعالَم َ‬‫ْح ْم ُد لِلا ِو َر ٍّ‬
‫َوال َ‬
‫ِ‬ ‫ك ر ٍّ ِ ِ‬
‫مر بنا ساب نقا أف كلمة يسبحاف‪ :‬اسم مصدر‪،‬‬ ‫ب الْع ازة َع اما يَص ُفو َن ﴾ ٌ‬ ‫ا﵁ جل كعبل‪ُ ﴿ :‬س ْب َحا َن َربٍّ َ َ‬
‫مفعوؿ يمطلق يسبح نفسو سبحانا‪ ،‬أك تقوؿ أنت سبحاف ا﵁ سباحننا‬ ‫كأهنا منصوبة ىا ىنا على أهنا ه‬
‫ىذا اسم مصدر‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪62‬‬ ‫هللا‬
‫والمعنى في كلمة التسبيح‪ :‬ترجع إىل التنزيو‪ ،‬فا﵁ جل كعبل يينزه عن كل و‬
‫نقص كعيب‪ ،‬كعن‬
‫مشاركة غَته لو سبحانو ُب كمالو‪ ،‬كىذا ينسحب على صبيع األبواب‪.‬‬

‫ا﵁ جل كعبل ييسبىح ُب إلوىيتو عن أف يكوف لو فيها شريك‪ ،‬كا﵁ ييسبى يح ُب ربوبيتو عن أف يكوف‬
‫نقص فيما‬
‫لو يمعاك هف أك ظهَت‪ ،‬كا﵁ ييسبىح بأظبائو كصفاتو على أف يكوف لو مثيل‪ ،‬أك أف يكوف شبة ه‬
‫ظلم أك منافاة للحكمة‪ ,‬كذلك‬ ‫يتصف بو جل كعبل‪ ،‬كذلك ييسبىح أمره الكوين عن أف يكوف فيو ه‬
‫ييسبى يح ُب أمره الشرعي على أف يكوف فيو ما ىبالف اؼبصلحة كما يىبالف اغبكمة‪.‬‬

‫إ نذا كل ذلك ا﵁ جل كعبل ييسبى يح فيو‪ ،‬كمن ذلك كما قد ظبعت ما يتعلق هبذا الباب الذم قد‬
‫ب‬
‫ك َر ٍّ‬‫﴿س ْب َحا َن َربٍّ َ‬
‫ُ‬ ‫ظبعت بو كىو ما يتعلق بباب األظباء كالصفات‪ٌ ،‬نزه ا﵁ سبحانو نفسو‪ ،‬فقاؿ‪:‬‬
‫ص ُفو َن﴾ كىذا التسبيح ىو ُب معٌت النفي الذم سيأٌب الكبلـ فيو؛ ألف ا﵁ جل كعبل‬ ‫ال ِْع ازةِ َع اما ي ِ‬
‫َ‬
‫اتصف بالنفي كاإلثبات‪.‬‬

‫السنة‬
‫كاأللفاظ اليت تتعلق هبذا الباب التنزيو كالنفي ككذلك كلمةه ثالثة قد يستعملها أىل ي‬
‫كيستعملها اؼبتكلموف أكثر كىي كلمة السلب‪ ،‬سنتكلم على ذلك بعد قليل إف شاء ا﵁ كنعرؼ‬
‫ضوابط أىل السنة كاعبماعة ُب ىذا الباب‪.‬‬
‫ب ال ِْع ازةِ َع اما ي ِ‬
‫ص ُفون﴾ ‪ ،‬الحظ الفرؽ بُت اإلضافتُت‪ ،‬إضافة‬ ‫ك َر ٍّ‬
‫﴿س ْب َحا َن َربٍّ َ‬
‫َ‬ ‫قاؿ جل كعبل‪ُ :‬‬
‫الرب سبحانو كتعاىل إىل نبيو ؿبمد صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬يعٍت إضافة ىذه الكلمة النيب و‬
‫ؿبمد صلى ا﵁‬
‫ب ال ِْع ازةِ﴾ ‪ ،‬رب ُب الكلمة األكىل‬
‫﴿ر ٍّ‬
‫َ‬ ‫ك﴾ زبتلف عن اإلضافة ُب قولو‬
‫﴿ربٍّ َ‬
‫عليو كسلم ُب قولو َ‬
‫ك﴾ دبعٌت اػبالق سبحانو كتعاىل‪ ،‬فا﵁ رب ؿبمد صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كىو خالقو تبارؾ كتعاىل‪،‬‬
‫﴿ربٍّ َ‬
‫َ‬
‫كصلى ا﵁ على نبينا كسلم‪.‬‬

‫ب ال ِْع ازةِ﴾ فهو دبعٌت الصاحب‪ ،‬يعٍت صاحب العزة‪ ،‬كذك العزة‬
‫﴿ر ٍّ‬
‫أما الرب ُب الكلمة الثانية َ‬
‫كصف ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كسنتكلم إف شاء ا﵁ عن صفة العزة ُب موضعها عن ىذه العقيدة إف شاء ا﵁‬
‫تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫ين﴾ ‪ ،‬سلم ا﵁ على رسلو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ر ٍّ ِ ِ‬


‫ب الْع ازة َع اما يَص ُفو َن * َو َس َال ٌم َعلَى ال ُْم ْر َسل َ‬‫﴿س ْب َحا َن َربٍّ َ َ‬
‫قاؿ‪ُ :‬‬
‫الصادقُت اؼبصدقُت لسبلمة ما قالوه‪ ،‬كما ذكره اؼبؤلف رضبو ا﵁‪ ،‬فإهنم مل يىبربكا عن ا﵁ إال باغبق‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪63‬‬ ‫هللا‬
‫ا﵀ط‪ ،‬أما من قاؿ عليو بغَت علم فإف ا﵁ نزه نفسو عن أف يكوف كما قاؿ ىؤالء اؼبفًتكف عليو‪،‬‬
‫ب ال ِْع ازةِ َع اما ي ِ‬
‫ص ُفو َن * َو َس َال ٌم َعلَى‬ ‫ك َر ٍّ‬
‫اؼبخالفوف لنهج الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ‪ُ ﴿ ,‬س ْب َحا َن َربٍّ َ‬
‫َ‬
‫ين﴾‪ ،‬نزه نفسو عن اؼبنهج اؼبخالف للحق‪ ،‬كأثٌت على اؼبنهج اغبق كأثٌت على اؼبرسلُت؛ ألهنم ما‬ ‫ِ‬
‫ال ُْم ْر َسل َ‬
‫تكلموا ُب ا﵁ إال دبا أكحى ا﵁ إليهم الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ أكحى إليهم بالضركرة أهنم ما‬
‫قياسا منطقينا كما ييدعى‪ ،‬إمبا أخربكا عن ا﵁‪،‬‬
‫كصفوا ا﵁ من تلقاء أنفسهم دبا أملتو عقوؽبم‪ ،‬دبا قاستو ن‬
‫ظبوا ا﵁‪ ،‬كصفوا ا﵁ ُب ما أكحى بو إليهم سبحانو كتعاىل‪ ،‬فاستحقوا أف ييسلم ا﵁ عليهم بأهنم قالوا‬
‫بالقوؿ السليم عن الضبلؿ كاػبطأ ُب قولو تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫ب‬‫ْح ْم ُد لِلا ِو َر ٍّ‬


‫ين * َوال َ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك ر ٍّ ِ ِ‬
‫ب الْع ازة َع اما يَص ُفو َن * َو َس َال ٌم َعلَى ال ُْم ْر َسل َ‬‫﴿س ْب َحا َن َربٍّ َ َ‬
‫قاؿ‪ُ :‬‬
‫ين﴾ ختم ا﵁ جل كعبل حبمد نفسو جل كعبل‪ ،‬والحمد‪ :‬يدؿ بالتضمن على ثبوت الكماؿ‬ ‫ِ‬
‫ال َْعالَم َ‬
‫اؼبطلق ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كما أف التسبيح‪ :‬يدؿ بداللة اؼبطابقة على تنزيو ا﵁ جل كعبل‪ ،‬ككل كاحدة‬
‫من الكلمتُت تدؿ على ما تدؿ عليو األخرل بداللة اللزكـ انتبو ؽبذا‪.‬‬

‫يدؿ بداللة اؼبطابقة على تنزيو ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كاغبمد يدؿ بداللة التضمن على ثبوت‬
‫التسبيح ي‬
‫الكماؿ ﵁ جل كعبل‪ ،‬كيدؿ التسبيح بداللة اللزكـ على ثبوت الكماؿ ﵁‪ ،‬كيدؿ اغبمد بداللة اللزكـ‬
‫على ضبد ا﵁ جل كعبل‪.‬‬

‫إذنا ىذا يدلك على أف اإلثبات كحدهي ليس ىو التوحيد كاإليباف اؼبطلوب‪ ،‬كأف التنزيو كحدهي ليس‬
‫إثبات إال بالتنزيو‪ ،‬كال‬
‫ىو التوحيد كاإليباف اؼبطلوب‪ ،‬إمبا التوحيد ؾبموع اإلثبات كالتنزيو‪ ،‬فبل يصح ه‬
‫صب ىع ُب التسبيح كالتحميد‪ ،‬كلذلك كاف أحب الكبلـ إىل ا﵁ جل‬ ‫يصح تنزيو إال بإثبات‪ ،‬كىذا ما يً‬
‫ه‬
‫كعبل "سبحاف ا﵁ كاغبمد ﵁"؛ ألنو يدؿ على توحيد ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فإنو باجتماع التسبيح‬
‫كالتحميد هبتمع اإلثبات كالتنزيو‪ ،‬كىذا ىو حقيقة اإليباف ُب باب األظباء كالصفات‪.‬‬

‫باب توقيفي‪،‬‬
‫ىذه اآلية تدؿ على فائدة مهمة عند أىل السنة كىي أف باب األظباء كالصفات ه‬
‫كأنو ال يوصف ا﵁ إال دبا كصف بو نفسو‪ ،‬أك كصفو بو رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم ال ييتجاكز القرآف‬
‫كاغبديث كما قاؿ اإلماـ أضبد رضبو ا﵁‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪64‬‬ ‫هللا‬
‫للرسل؛ ألهنم‬ ‫عما كصفوي بو اؼبخالفوف ي‬ ‫وجو الداللة على ذلك‪ :‬أف ا﵁ جل كعبل سبٌح نفسوي ٌ‬
‫تكلموا فيو بغَت علم كسلم على اؼبرسلُت لسبلمة ما قالوه فيو؛ ألهنم تكلموا عن طريق الوحي‪،‬‬
‫ي‬
‫كتاب أك سنة‪ ،‬ال هبوز أف يوصف‬ ‫كاجتمعوا من ىذا كذاؾ أنو ال هبوز أف يقاؿ ُب ا﵁ إال بدليل من و‬
‫ي‬
‫ب ال ِْع ازةِ َع اما‬
‫ك َر ٍّ‬
‫ا﵁ جل كعبل إال دبا دؿ عليو آيةه أك حديث؛ ألف ا﵁ جل كعبل قاؿ‪ُ ﴿ :‬س ْب َحا َن َربٍّ َ‬
‫ين ﴾‪ ،‬فمن أراد أف يكوف سال نكا اؼبسلك الذم أثٌت ا﵁ عز كجل عليو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يَص ُفو َن * َو َس َال ٌم َعلَى ال ُْم ْر َسل َ‬
‫كىو مسلك الرسل‪ ،‬فعليو أف يقوؿ دبا قاؿ بو الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ‪.‬‬

‫كقلت لك إف الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ ما قالوا ُب ا﵁ إال عن طريق الوحي‪ ،‬إال عن طريق ما‬
‫أخربىم ا﵁ تبارؾ كتعاىل بو‪ ،‬نعم‪.‬‬

‫قال رحمو اهلل‪ ( :‬فسبح نفسو عما وصفو بو المخالفون للرسل‪ ،‬وسلم على المرسلين لسالمة‬
‫ما قالوه من النقص والعيب‪ ،‬وىو سبحانو قد جمع فيما وصف وسمى بو نفسو بين‪ :‬النفي‬
‫واإلوبات)‪.‬‬

‫ىذه صبلة كجيزة كربتها معٌت كثَت‪ ،‬ا﵁ جل كعبل صبع فيما كصف بو نفسو بُت النفي كاإلثبات‪،‬‬
‫إذنا ىذا يدلك يا رعاؾ ا﵁ على أف الصفات تنقسم إلى قسمين‪:‬‬
‫و‬
‫صفات يمثبتو‬ ‫‪‬‬
‫و‬
‫كصفات منفية‪.‬‬ ‫‪‬‬

‫كمفصبل؛ يعٍت عندنا‪:‬‬


‫ن‬ ‫ؾبمبل‬
‫ككبل القسمُت جاء ُب األدلة ن‬

‫مفصل‪.‬‬
‫ه‬ ‫كإثبات‬
‫ه‬ ‫ؾبمل‬
‫إثبات ه‬
‫‪ ‬ه‬
‫كنفي مفصل‪.‬‬
‫نفي ؾبمل ه‬
‫‪ ‬كعندنا ه‬
‫‪ ‬أما اإلوبات المجمل‪ :‬فهو ما دؿ على ثبوت كما اؼبطلق ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كمن ذلك صبيع‬
‫ضبد ا﵁ تبارؾ كتعاىل يدؿ كما ذكرت لك بداللة التضمن على أف ا﵁ عز كجل‬
‫أدلة التحميد‪ ,‬ي‬
‫موصوؼ بالكماؿ اؼبطلق‪.‬‬
‫ه‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪65‬‬ ‫هللا‬

‫‪ ‬أما اإلوبات المفصل‪ :‬فإنو ما جاء ُب الكتاب كالسنة ن‬


‫كثَتا من أدلة إثبات الصفات ﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل على كجو التفصيل‪ ،‬كثبوت اؼبغفرة كثبوت الرضبة‪ ،‬كثبوت العزة كثبوت االستواء‪ ،‬كثبوت الوجو‪،‬‬
‫كثَتا ُب كتاب ا﵁ كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬ىذا‬‫كثبوت القوة كالقدرة إىل غَت ذلك فبا جاء ن‬
‫ما ييسمى بالصفات اؼبثبتة التفصيلية أك اؼبفصلة‪.‬‬

‫المجمل‪ :‬كالنفي اجململ ىو الذم يدؿ على تنزيو ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬


‫أمر ثالث كىو النفي ُ‬
‫‪ ‬عندنا ه‬
‫إصباال‪ ،‬كالنفي ُب باب الصفات يعود إىل أمرين‪:‬‬
‫ن‬
‫‪ )1‬إىل نفي كل و‬
‫نقص كعيب جل كعبل؛ ألنو يتناَب ككما ا﵁ سبحانو ىذا أمر‪.‬‬

‫‪ )2‬كاألمر الثاين أف يينفى عن ا﵁ جل كعبل مشاركة غَته لو ُب كمالو‪.‬‬

‫جمال‪ ،‬وذلك في‬


‫والسنة ُم ً‬
‫النفي الذي يرجع إلى ىذين األمرين جاء في الكتاب ُ‬
‫إ ًذا ىذا ُ‬
‫أنواع من األدلة‪:‬‬
‫والوة ٍ‬

‫﴿ولَ ْم‬ ‫أوال أدلة النفي العامة‪ :‬من ذلك قولو تعاىل‪﴿ :‬لَي ِ ِ ِ‬
‫س َكمثْلو َش ْيءٌ﴾‪ ،‬من ذلك قولو تعاىل‪َ :‬‬ ‫ْ َ‬ ‫ً‬
‫﴿ى ْل تَ ْعلَ ُم لَوُ َس ِميًّا﴾ من ذلك قولو تعاىل‪﴿:‬فَال تَ ْج َعلُوا لِلا ِو‬
‫َح ٌد﴾ من ذلك قولو تعاىل‪َ :‬‬ ‫يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫ال﴾ ىذه األدلة اػبمسة أشهر أدلة النفي العامة‪،‬‬ ‫ض ِربُوا لِلا ِو األ َْمثَ َ‬
‫ادا﴾ من ذلك قولو تعاىل‪﴿ :‬فَال تَ ْ‬ ‫أَن َد ً‬
‫ىذا نوع‪.‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬أظباء ا﵁ تعاىل اليت دلت معانيها على النفي اجململ‪ ،‬على التنزيو اجململ‪ ،‬اتفقنا قبل‬
‫عربت اؼبعٌت كاحد‪ ،‬فمهما قلت التنزيو أك قلت النفي‪،‬‬ ‫قليل أف الكلمات ُب ىذا الباب ثبلثة‪ ،‬فمهما ٌ‬
‫فاؼبعٌت كاحد ككذلك لو قلت السلب‪ ،‬ككلمة السلب فيها يعٍت كقفو؛ ألف أصل استعماؽبا كاف من‬
‫ٍت فإنو يريد هبا ما يريد من‬
‫الس ُّ‬ ‫و‬
‫السنة‪ ،‬فإذا استعملها ي‬
‫جهة اؼبتكلمُت‪ ،‬لكنها شاعت عند كثَت من أىل ي‬
‫كلميت النفي أك التنزيو‪.‬‬

‫طيب شبة أظباءه ﵁ تبارؾ كتعاىل دلت معانيها ككل اسم ﵁ كما تعلم يدؿ على صفة ﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل ‪-‬كىذا ما سيأٌب إف شاء ا﵁ تفصيلو‪ -‬دلٌت معانيها على ثبوت التنزيو اجململ ﵁ تبارؾ كتعاىل‪،‬‬
‫من ذلك اظبو تعاىل السبوح‪ ،‬كمن ذلك اظبو تعاىل القدكس‪ ،‬كمن ذلك اظبو تعاىل السبلـ‪ ،‬كمن ذلك‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪66‬‬ ‫هللا‬
‫اظبو تعاىل اؼبتكرب‪ ،‬كمن ذلك اظبو تعاىل الواحد‪ ،‬كمن ذلك اظبو تعاىل األحد‪ ،‬ىذه أظباءه ستة دلت‬
‫معانيها على ثبوت التنزيو اجململ‪.‬‬

‫كاألظباء األربعة األكىل تدؿ على ثبوت التنزيو اجململ ﵁ تبارؾ كتعاىل كإف كانت أدؿ أك أخص ُب‬
‫الداللة على ثبوت النفي اؼبتصل؛ يعٍت صفات النقص اليت ال تليق با﵁ تبارؾ كتعاىل يدؿ على نفيها‬
‫متكربا عن كل و‬
‫نقص‬ ‫سبلما ككونو جل كعبل ن‬ ‫قدكسا ككونو ن‬
‫سبوحا ككونو ن‬
‫عن ا﵁ جل كعبل صبلةن كونو ن‬
‫عيب كاالظباف األخَتاف الواحد كاألحد أخص ُب الداللة على ثبوت النفي اؼبجمل اؼبنفصل‬ ‫كعن كل و‬
‫ي‬
‫كالولد كالصاحبة كالشريك‪ ،‬كالند كما إىل ذلك‪ ،‬اؼبقصود أف ىذه األظباء أدلةه على أف النفي اجململ‬
‫ثابت ُب حق ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫ه‬
‫النوع الثالث‪ :‬كل أدلة التسبيح‪ ،‬كل و‬
‫نص جاء ُب القرآف كالسنة على تسبيح ا﵁ تبارؾ كتعاىل إما‬
‫دليل على النفي اجململ كأدلة التسبيح‬
‫من جهة اإلخبار‪ ،‬كإما من جهة األمر إىل غَت ذلك‪ ،‬كل ذلك ه‬
‫ُب القرآف كحده كثَتة أكثر من ( ‪ )90‬آية دلت على تسبيح ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كالتسبيح يدؿ على‬
‫ماذا؟ التنزيو اجململ‪ ،‬يدؿ على التنزيو اجململ‪.‬‬

‫‪ ‬أما النفي المفصل‪ :‬كبو تكتمل القسمة فهو ما جاء ُب نصوص الكتاب كالسنة من أدلة دلت‬
‫فمثبل ا﵁ سبحانو كتعاىل نفى عن نفسو اؼبوت‪،‬‬ ‫على صفات تفصيلية منفية عن ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ن‬
‫وت﴾ إ نذا اؼبوت صفةه منفيةه عن ا﵁‪ ،‬مثاؿ ذلك السنة كالنوـ‪،‬‬ ‫ْح ٍّي الا ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫﴿وتَ َواك ْل َعلَى ال َ‬
‫قاؿ‪َ :‬‬
‫اء‬
‫س َم َ‬
‫﴿وَما َخلَ ْقنَا ال ا‬
‫َ‬ ‫قاؿ جل كعبل‪﴿ :‬ال تَأْ ُخ ُذهُ ِسنَةٌ َوال نَ ْوٌم﴾ كمن ذلك اللعب‪ ،‬قاؿ تعاىل‪:‬‬
‫ين﴾ من ذلك الولد‪ ،‬كمن ذلك الصاحبة‪ ،‬قاؿ سبحانو كتعاىل أنو مل يكن لو‬ ‫ِِ‬
‫ض َوَما بَ ْي نَ ُه َما العب َ‬
‫َواأل َْر َ‬
‫ادا﴾ إىل غَت ذلك فبا جاء ُب الكتاب‬ ‫كلد كمل تكن لو صاحبة‪ ،‬من ذلك األنداد ﴿فَال تَ ْج َعلُوا لِلا ِو أَن َد ً‬
‫أدلة على نفي مفصل ُب صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬ ‫كالسنة من و‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪67‬‬ ‫هللا‬
‫فيينفى عن ا﵁ عز كجل ىذا الذم أخرب بانتفائو عنو‪ ،‬كيوصف ا﵁ عز كجل بنفي ىذه الصفات‬
‫عنو‪ ،‬فيوصف ا﵁ عز كجل بأنو ال يناـ‪ ،‬يوصف ا﵁ عز كجل بأنو ال يبوت‪ ،‬إىل غَت ذلك فبا جاء ُب‬
‫ىذا الباب‪.‬‬

‫كاؼبقصود يا إخوة أف منهج أىل السنة والجماعة في باب الصفات المنفية يرجع إىل طوابق‬
‫ؿبررة كمقعدة عند أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬كنظر ُب طي الكبلـ السابق اإلشارة إىل بعض ذلك‪ ،‬كإنٍت‬
‫أسوؽ لك ىذا على سبيل الًتتيب‪:‬‬

‫أوال‪ :‬أف تعلم أف النفي عائ هد إىل معنيُت نبا؛ نفي النقائص كالعيوب عن ا﵁‪ ،‬كنفي اؼبشاركة لو ُب‬
‫ً‬
‫كمالو‪.‬‬

‫وانيًا‪ :‬أف النفي جاء ُب القرآف كالسنة على دربُت‪ :‬اجململ كاؼبفصل‪.‬‬

‫الضابط الثالث‪ :‬أف كل نفي جاء ُب الكتاب كالسنة‪ ،‬فإمبا ييراد بو إثبات كما الضد‪ ،‬ن‬
‫ؾبمبل كاف‬
‫مفصبل‪،‬‬
‫ن‬ ‫ؾبمبل كاف أك‬
‫مفصبل‪ ،‬كل نف وي جاء ُب الكتاب كالسنة فإف ما يراد بو إثبات كماؿ الضد ن‬
‫ن‬ ‫أك‬
‫كل‬ ‫دبعٌت أنو إذا كرد النفي اجململ ُب الصفات فإنو يدؿ على ثبوت الكماؿ اؼبطلق ﵁ تبارؾ كتعاىل‪،‬‬
‫نف ٍي مجمل‪ :‬فإنو ه‬
‫دليل على ثبوت الكماؿ اؼبطلق كما علمنا قبل قليل كقلت أف ىذا دؿ عليو أك يدؿ‬
‫عليو بداللة اللزكـ‪.‬‬
‫أما النفي المفصل‪ :‬فإف كل و‬
‫صفة منفية ﵁ تبارؾ كتعاىل إمبا أيريد هبا كإمبا ي‬
‫تدؿ على ثبوت كما‬ ‫ُ‬
‫ضدىا‪ ،‬فإذا اخرب ا﵁ جل كعبل بأنو ال يبوت فهذا ييستفاد منوي إثبات اغبياة الكاملة ﵁ سبحانو‬
‫وب﴾ يعٍت تعب‪ ،‬فإف ىذا يدؿ على‬ ‫سنَا ِم ْن لُغُ ٍ‬
‫﴿وَما َم ا‬
‫كتعاىل‪ ،‬إذا أخرب ا﵁ جل كعبل أنو ال يتعب َ‬
‫كماؿ قدرة ا﵁ جل كعبل‪ ،‬فإذا نفى ا﵁ عز كجل نفسو عن اللعب فإف ىذا يدؿ على كماؿ حكمة‬
‫اجملرة‪.‬‬
‫كىلم ٌ‬‫ا﵁ تبارؾ كتعاىل َّ‬
‫الضد ىي‬
‫ككل نف وي للنصوص فإنو يدؿ على ثبوت ضد ىذه الصفة اليت ىي صفة الكماؿ؛ يعٍت ي‬
‫صفة الكماؿ ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪68‬‬ ‫هللا‬
‫السنة والجماعة ذلك؟‬ ‫ِ‬
‫لما يقول أىل ُ‬
‫الجواب‪ :‬أف النفي من حيث ىو ال ييراد لذاتًًو إمبا ييراد لغَته‪ ،‬كيبكن أف قبعل ىذه قاعد نة ُب ىذا‬
‫الباب ُب أف نيعيد صياغة الضابط الثالث فنقوؿ النفي ُب النصوص ‪-‬يعٍت النفي ُب الصفات‪ -‬جاءت‬
‫النصوص يمر نادا لغَته ال لذاتو‪.‬‬

‫أيعيد النفي ُب الصفات جاءت النصوص يمر نادا لغَته ال لذاتو؛ دبعٌت أف النفي اؼبجمل إمبا أيريد بو‬
‫ي‬
‫تدؿ على‬
‫مفصبل‪ ،‬فكل صفةن ي‬ ‫ن‬ ‫فصبل يعٍت الصفات اؼبنفية‬ ‫إثباتو‪ ،‬كالنفي اؼبفصل يعٍت الصفات اؼبنفية يم ن‬
‫إثبات كماؿ ضدىا‪ ،‬لما؟‬

‫‪ )1‬ألف النفي كما ذكرت لك ال ييراد لذاتو‪ ،‬إمبا يير ياد لغ ًَتهً‪ ،‬كىو ُب ىذه اغبالة يكوف ح نقا ك ن‬
‫كماال‪.‬‬

‫مدحا‪ ،‬كا﵁ ال‬


‫فضبل عن أف يكوف ن‬ ‫بياف ذلك أف النفي من حيث ىو عدـ‪ ،‬كالعدـ ليس بشيء ن‬
‫يوصف إال دبا ييبدح بو‪ ،‬فبل أحد أحب إليو اؼبدح منوي تبارؾ كتعاىل‪ ،‬أما العدـ ا﵀ض ال ييستفاد منو‬
‫مدحا‪ ،‬فبأم شيء يوصف ا﵁ جل كعبل بو‪.‬‬
‫شيء‪ ،‬ليس كماؿ‪ ،‬كليس ن‬
‫كماال كقد اتفقنا على‬
‫‪ )2‬األمر الثاين أف النفي يكوف لعدـ قابلية ا﵀ل كىو ُب ىذه اغباؿ ليس ن‬
‫مدح ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ,‬قد ينفى الشيء لعدـ قابلية ا﵀ل‪،‬‬
‫أف ا﵁ ال يصدؽ إال بالكماؿ‪ ،‬كإال دبا ىو ه‬
‫بشر يعٍت‬
‫كما قاؿ عبد العزيز الكناين رضبو ا﵁ ُب اغبيدة‪ ،‬قاؿ‪ :‬إف نفي السوء ال تثبت بو اؼبدحة‪ ،‬قاؿ ه‬
‫اؼبريسي مناظره قاؿ‪ :‬ككيف ذلك؟ قاؿ‪ :‬كإف قويل إف ىذه األسطوانة‪ ،‬يعٍت ىذا العمود أك السارية ال‬
‫ذبهل ليس إثباتنا للعلم ؽبا‪ ,‬دبعٌت لو قلت لك اآلف إف ىذه السارية ال ذبهل ىل مدحتها؟ ىل كلميت‬
‫مدح ؽبا؟ لو قلت ىذا الكرسي ال يظلم‪ ،‬ىذا الكرسي ال يظلم صدقت أـ كذبت؟ صدقت‪ ،‬ىل‬ ‫ىذه ه‬
‫مدحا؛ ألف‬
‫كبلـ صادؽ‪ ،‬لكن ىل ىو مدح؟ ال ليس ن‬ ‫أحدا ظلمو ىذا الكرسي؟ ال‪ ،‬إذنا ىذا ه‬‫تعرفوف ن‬
‫قادرا عليو‪.‬‬
‫أصبل للظلم‪ ،‬كترؾ الظيلم إمبا ييبدح بو من كاف ن‬ ‫أصبل للظلم‪ ،‬غَت و‬
‫قابل ن‬ ‫الكرسي غَت و‬
‫قابل ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪69‬‬ ‫هللا‬
‫ِ‬ ‫ِ ا‬
‫إ نذا ؼبا نفى ا﵁ عز كجل عن نفسو الظلم‪ ،‬فقاؿ جل كعبل‪﴿ :‬إ ان اللوَ ال يَظْل ُم الن َ‬
‫ااس َش ْيئًا﴾ دؿ‬
‫مدح عظيم لو تبارؾ كتعاىل كىو ثبات كماؿ عدلو جل كعبل‪ ،‬ىا ىنا كاف ىذا النفي ُب حقو‬ ‫ىذا على و‬
‫كدليبل على ثبوت الكماؿ‪.‬‬
‫مدحا ن‬ ‫ن‬
‫كماال‪ ،‬فإذا‬
‫مدحا كال ن‬ ‫و‬
‫أمر ثالث‪ -‬قد يكوف النفي للعجز‪ ،‬كىو حينئذ ليس ن‬ ‫‪ )3‬كقد يكوف ‪-‬كىذا ه‬
‫قائل فبل هف ال يظلم‪ ،‬كفبل هف ىذا ضعيف‪ ،‬مسكُت‪ ،‬ليس عنده قدرة‪ ،‬لو جاءه أحد فأخذ مالوي فإنو‬
‫قاؿ ه‬
‫ال يستطيع أف يدفع عن نفسو شيئنا‪ ،‬فإذا يكصف ىذا اإلنساف بقولك إنو ال يظلم‪ ،‬أىذا ُب حقو‬
‫مدح؟ ال ليس دبدح‪ ،‬كمر بنا لو تذكركف ُب و‬
‫دركس قديبو‪ ،‬قوؿ الشاعر‪:‬‬ ‫ه‬
‫قيبيلػ ػ ػ ػ ػةه ال يغػ ػ ػ ػػدركف بذم ػ ػ ػػة كال يظلموف الناس حبة و‬
‫خردؿ‬

‫الصحيح من كبلـ األدباء عن ىذا البيت أنوي يسوؽ مساؽ اؽبجاء كليس مساؽ اؼبدح؛ ألنو إمبا‬
‫ربصل من ىذا الوصف أهنم ضعفاء‪ ،‬فكاف يهجوىم هبذا‪ ،‬مهما غزهتم القبائل كاعتدكا عليهم فإهنم ال‬
‫يستطيعوف أف يدفعوا عن نفسهم شيئنا‬
‫قبيلةه‪-‬الحظ التصغَت‪ -‬قيبيلةه ال يغدركف و‬
‫بذمة‬
‫كال يظلموف النػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاس حبػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة خ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ و‬
‫ػردؿ‬

‫كقاؿ آخر‪:‬‬
‫لكن قومي كإف كانوا ذكم و‬
‫عدد ليسوا من الشر ُب شيء كإف ىانا‬

‫جدا‪ ،‬فمهما تسلط‬


‫ىو يبدحهم اآلف كال يذمهم؟ ىو ُب اغبقيقة يذمهم‪ ،‬ىو يقوؿ ىم ضعفاء ن‬
‫عليهم اؼبتسلطوف فإهنم فإهنم ال وبركوف ساكننا‪ ،‬كال يستطيعوف أف يدفعوا عن أنفسهم‪ ،‬كال يستطيعوف‬
‫يردكا الغارة دبثلها‪.‬‬

‫داال على عدـ قابلية ا﵀ل‪ ،‬أك يكوف‬‫داال على العدـ‪ ،‬أك يكوف ن‬
‫إ نذا ؼبا كاف النفي وبتمل أف يكوف ن‬
‫داال على العزـ‪ ،‬ال هبوز أف يوصف ا﵁ عز كجل بنفي و‬
‫شيء عنو إال هبذا الوجو‪ ،‬إمبا يكوف ىذا النفي‬ ‫ن‬
‫مدحا ككماال إذا تضمن إثبات كماؿ الضد ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫ُب ا﵁ عز كجل ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪70‬‬ ‫هللا‬
‫كلتعلم يا رعاؾ ا﵁ أف طريقة القرآف كالسنة بل طريقة األنبياء عليهم الصبلة كالسبلـ فيما أخربكا‬
‫مسلك ىبتلف عن مسلك اؼبتكلمُت أىل البدع‪ ،‬دبعٌت أنك إذا‬ ‫و‬ ‫بو عن ا﵁ تبارؾ كتعاىل ترجع إىل‬
‫السنة‪ ،‬كما قرره السلف الصاحل ُب ىذا الباب‪ ،‬كقارنتو دبا قربو اؼبتكلموف كأىل‬
‫طالعت أدلة الكتاب ك ي‬
‫سباما ؽبذا‪.‬‬
‫الف ن‬‫البدع فإنو يتبُت لك امتياز اؼبنهجُت‪ ،‬كأف ىذا يـب ه‬
‫بيا ُن ذلك طريقة القرآن ومنهج الرسل عليهم الصالة والسالم األصل فيها أن يكون النفي‬
‫مفصال إال ‪-‬ىذه حالة استثناء‪ -‬إال إذا اقتضت المصلحة التفصيل‬
‫ً‬ ‫جمال‪ ،‬وأن يكون اإلوبات‬
‫ُم ً‬
‫في النفي‪.‬‬

‫بياف ذلك أف التفصيل ُب اإلثبات؛ يعٍت كونك سبدح ا﵁ عز كجل بصفات تفصيلية كثَتة‪ ،‬ىذا‬
‫أبلغ ُب اؼبدح التفصيل باإلثبات أبلغ ُب اؼبدح‪ ،‬التفصيل باإلثبات أبلغ ُب اؼبدح‪ ،‬كاإلصباؿ ُب النفي‬
‫أبلغ ُب دفع النقص‪ ،‬كاإلصباؿ ُب النفي أبلغ ُب دفع النقص‪ ،‬كلذا إذا تأملت ىذا كذاؾ تبُت لك‬
‫السبب ُب أف الصفات التفصيلية اؼبثبتة أكثر ُب النصوص من الصفات اؼبنفية اؼبفصلة‪ ،‬ىذا واحد‪.‬‬
‫ي‬
‫ووانيًا كجدت أف األدلة اليت دلت على النفي اجململ أكثر من األدلة اليت دلت على النفي اؼبفصل‪,‬‬
‫أيعيد‪ ،‬إذا تأملت ُب نصوص الكتاب كالسنة كجدت أف أدلة اإلثبات اؼبفصل أكثر من أدلة النفي‬
‫اؼبفصل‪ ،‬ككجدت أف أدلة النفي اجململ أكثر من أدلة اليت دلت على النفي اؼبفصل‪ ،‬أدلة التسبيح فقط‬
‫ن‬
‫تفصيبل‪.‬‬
‫ن‬ ‫أكثر من صبيع أدلة الصفات اؼبنفية‬

‫إذنا ىذا يدلك على أف ىذا ىو األصل ُب ىذا الباب‪ ،‬األصل ُب باب كصف ا﵁ تبارؾ كتعاىل ىو‬
‫أف يذبمل ُب النفي ليكوف ىذا أبلغ ُب دفع النقص‪ ،‬كأف تيفصل ُب اإلثبات ألف ىذا أبلغ ُب اؼبدح‪،‬‬
‫مفصبل‪ ،‬فإف ىذا‬
‫ن‬ ‫و‬
‫بصفات كثَتة فبا ييبتدح بو‬ ‫و‬
‫سلطاف فأثٌت عليو‬ ‫كىذا ما يعقلو الناس‪ ،‬من قاـ دبا لدية‬
‫مدحا إذا أثٌت عليو بالكرـ‪ ،‬كإذا أثٌت عليو باغبلم‪ ،‬كإذا أثٌت عليو بالقوة‪ ،‬كإذا أثٌت عليو‬
‫ييعترب أكثر ن‬
‫بالشجاعة‪ ،‬كاف ىذا أبلغ ُب مدحو‪.‬‬

‫كذلك إذا أصبل ُب النفي فإنو أبلغ من التفصيل ُب النفي‪ ،‬فإذا قاؿ أنت لست كأحد من‬
‫كضيعا‪،‬‬
‫حقَتا كأنت لست ن‬ ‫رعيتك‪ ،‬ىذا نفي ؾبمل‪ ،‬فهو أبلغ فبا قاؿ لو أنت لست جبانا كأنت لست ن‬
‫كسخا‪ ،‬كأنت لست كذا‪ ،‬كأنت لست كذا كلست كذا‪ ،‬تبلحظ أف ىذا ال ييعترب ُب حقو‬ ‫كأنت لست ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪71‬‬ ‫هللا‬
‫مدحا‪ ،‬كال يعترب فيو دفع للنقص‪ ،‬بل يكوف إىل العكس أقرب‪ ،‬لكن عندنا استثناءه ىا ىنا كىو أف‬
‫ن‬
‫تفصيال ‪،‬‬
‫ً‬ ‫تقتضي اؼبصلحة التفصيل ُب النفي‪ ،‬وىذه قاعدة مضطردة في جميع الصفات المنفية‬
‫فإنك إذا رزقت حسن التأمل ذبد أف لكل صفة منفية على كجو التفصيل سببنا يدعو إليها‪ ,‬إ نذا اقتضت‬
‫اغبكمة كاؼبصلحة أف ييفصل فيها النفي‪ ،‬من تلك األسباب‪:‬‬

‫﴿وتَ َواك ْل َعلَى ال َ‬


‫ْح ٍّي‬ ‫ً‬
‫النقص ُب صفة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬مثاؿ ذلك‪ ،‬قولو تعاىل‪َ :‬‬ ‫أوال‪ :‬دفع توىم‬
‫ً‬
‫وت﴾ذكر ا﵁ عز كجل نفي اؼبوت عنو ُب ىذا السياؽ‪ ،‬كا﵁ تعاىل أعلم لدفع ظن أف حياة‬ ‫الا ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫ا﵁ تبارؾ كتعاىل قد يعًتيها نقص كما ىو ُب حياة اؼبخلوقُت‪ ،‬دفع ا﵁ عز كجل ىذا التوىم ُب‬
‫وت﴾‪.‬‬‫قولو‪﴿:‬الا ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫كذلك قوؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ؼبا ظبع أصحابو يرفعوف أصواهتم بذكر ا﵁ كدعاءه‪ ،‬قاؿ‪:‬‬
‫أيضا لدفع أم توى وم‬
‫«يا أيها الناس أربعوا على أنفسكم أنكم ال تدعون أصم وال غائبًا» كاف ذلك ن‬
‫للنقص بكماؿ ا﵁ عز كجل أك ُب صفاتو الكاملة جل كعبل‪.‬‬

‫الرد على ما افًتاه‬ ‫السبب الثاني‪ :‬الذم يبكن أف يلتمس من ىذه األدلة التفصيلية ُب النفي ي‬
‫ض َوَما‬ ‫ات َواأل َْر َ‬ ‫سمو ِ‬
‫﴿ولََق ْد َخلَ ْقنَا ال ا َ َ‬
‫َ‬ ‫اؼبفًتكف ُب حق ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬من ذلك قولو جل كعبل‪:‬‬
‫وب﴾ ؼبا قاؿ اليهود عليهم من ا﵁ ما يستحقوف إف ا﵁ تعب‬ ‫سنَا ِم ْن لُغُ ٍ‬‫بَ ْي نَ ُه َما فِي ِست ِاة أَيا ٍام َوَما َم ا‬
‫وب﴾ ‪ ،‬ؼبا‬ ‫سنَا ِم ْن لُغُ ٍ‬ ‫﴿وَما َم ا‬
‫بعد خلق السماكات كاألرض‪ ،‬رد ا﵁ عز كجل عليهم ىذا االفك فقاؿ‪َ :‬‬
‫ادعى النصارل أف ﵁ جل كعبل ك نلدا‪ ،‬أف ﵁ ك نلدا رد ا﵁ تبارؾ كتعاىل ذلك‪ ،‬قاؿ‪﴿ :‬أَ ْن َد َع ْوا لِل ار ْح َم ِن‬
‫ولَ ًدا‪ ،‬وما ي ْنب ِغي لِل ارحم ِن أَ ْن ي ت ِ‬
‫اخ َذ َولَ ًدا﴾‬ ‫َ‬ ‫َْ‬ ‫َ ََ َ َ‬
‫﴿وَما‬
‫َ‬ ‫األمر الثالث‪ :‬أف يكوف النفي ن‬
‫مفيدا معٌت التحديد‪ ،‬كما جاء ُب قوؿ ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪:‬‬
‫ا ِ ِ‬
‫اللوُ بغَاف ٍل َع اما تَ ْع َملُو َن﴾ الحظ أف ىذه اآلية ُب ه‬
‫نفي ييستفاد منو التحديد‪ ،‬فكاف من اغبكمة كركد‬
‫ىذا النفي ُب ىذا اؼبوضع‪.‬‬

‫أيضا‪ :‬أف يؤتى بالنفي من أجل تكميل معٌت الصفة‬


‫سبب رابع ً‬‫مسلك أو ٌ‬
‫ٌ‬ ‫تجد من ذلك وىو‬
‫الثابتة‪ ،‬أيعيد أف يؤتى بالنفي من أجل تكميل معٌت الصفة الثابتة من ذلك قولو صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫كما ُب صحيح مسلم‪« :‬اللهم أنت األول فليس قبلك شيء‪ ،‬وأنت اآلخر فليس بعدك شيء‪،‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪72‬‬ ‫هللا‬
‫وأنت الظاىر فليس فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء» تبلحظ أف ىذا النفي سيق‬
‫ألجل تكميل معٌت الصفة الثابتة كىي صفى األكلية كصفة اآلخرية إىل الظاىرية إىل الباطنية ﵁ تعاىل‪،‬‬
‫يعٍت كونو الظاىر‪ ،‬ككونو الباطن جل كعبل‪.‬‬

‫مفصبل إال‬
‫ن‬ ‫ؾبمبل كأف يكوف اإلثبات‬
‫إ نذا أعود فأقوؿ إف األصل ُب ىذا الباب أف يكوف النفي ن‬
‫القتضاء اغبكمة التفصيلية ُب النفي‪ ،‬ىذا الضابط الرابع‪.‬‬

‫‪ )5‬الضابط اػبامس عند أىل السنة ُب ىذا الباب كبو أختم كبلمي ُب ىذا اؼبوضوع ىو أف النفي‬
‫توقيفي كاإلثبات‪ ،‬يعٍت كما أننا ال نثبت ﵁ صفةن إال بدليل‬
‫ه‬ ‫توقيفي كاإلثبات‪ ،‬النفي ُب باب الصفات‬
‫ه‬
‫اردا ُب الكتاب كالسنة صراحة‪ ،‬كقد‬
‫فكذلك ال ننفي عن ا﵁ صفةن إال بدليل‪ ،‬كىذا الدليل قد يكوف ك ن‬
‫مستفادا من كونو ضد الصفة الثابتة‪.‬‬
‫ن‬ ‫يكوف‬

‫ضدا فإف دليل الصفة الثابتة ىو الدليل على نفي الصفة اؼبنفية‪ ،‬صفة‬
‫صفة أف ؽبا ن‬‫إذا ثبت ُب و‬
‫اغبزف ﵁ تبارؾ كتعاىل نثبتها أك ننفيها؟ ننفيها لثبوت األدلة على أف ا﵁ عز كجل لو القدرة الكاملة كلو‬
‫دليبل على‬
‫القوة‪ ،‬كىذا يتناَب مع اغبزف كيتناَب مع كماؿ القدرة‪ ،‬ككماؿ القوة‪ ،‬فصار دليل القوة كالقدرة ن‬
‫و‬
‫صفات يمستفادة من ىذا اؼبسلك إال‬ ‫نفي اػبزف كإف كاف أىل السنة كىذا تنبيو ال يتطرقوف للكبلـ عن‬
‫عند اؼبصلحة‪.‬‬

‫مدع ثبوت مثل ىذه الصفات ﵁ تبارؾ كتعاىل عند اليهود أهنم نسبوا إىل عز كجل‬ ‫يعٍت لو أدعى و‬
‫اغبزف‪ ،‬نسبوا إىل عز كجل البكاء‪ ،‬ذكركا افًتاءات كثَتة على ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ىا ىنا على اؼبسلمُت‬
‫نقص أدلة صفات ثبوتيو تدؿ على بطبلف ىذه‬ ‫أف ينفوا ىذا‪ ،‬طيب ما الدليل؟ أف ىذه صفات و‬
‫الصفات كعدـ جواز كصف ا﵁ تبارؾ كتعاىل هبا‪ ،‬تدؿ على نفيها عن ا﵁ عز كجل‪.‬‬

‫ىذا ملخص كبلـ أىل السنة كاعبماعة ُب باب اإلثبات كالنفي‪ ،‬كأعود أقوؿ إذا تأملتو كجدتو‬
‫ـبال نفا سباـ اؼبخالفة ؼبا عليو مسلك اؼبتكلمُت‪ ،‬إذا أخذت كتابنا ُب كتب اؼبتكلمُت‪ ،‬كنظرت فيو ُب باب‬
‫الصفات ذبد أف األصل عندىم ُب معرفة ا﵁ النفي‪ ،‬ذبد أهنم أكؿ ما يبدءكف ُب الكبلـ عن صفات‬
‫ا﵁ عز كجل ذبدىم يقولوف ليس فوؽ كال ربت‪ ،‬كال عن يبُت كال عن مشاؿ كال داخل العامل كال خارج‬
‫كثَتا على اآلذاف كمل‬
‫العامل‪ ،‬كال بذم جسم كال بذم غبم كال بذم عظم‪ ،‬كال‪ ..‬كال‪ ..‬كال‪ ..‬كُب نف وي ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪73‬‬ ‫هللا‬
‫يأت ُب كتاب ا﵁ كال كاف على ىذا هنج رسل ا﵁‪ ،‬أهنم هبعلوف األصل ُب معرفة ا﵁ عز كجل ىذا‬
‫أصبل عليو‪ ،‬ال دليل على نفسو‬ ‫األسلوب ُب النهي‪ ،‬ىذا األسلوب ُب النفي عدا كوف كثَت فبا ذكركا ن‬
‫﴿ى َو اللاوُ الا ِذي ال إِلَوَ إِاال ُى َو َعالِ ُم الْغَْي ِ‬
‫ب‬ ‫عن ا﵁ تبارؾ كتعاىل خببلؼ ما عليو هنج القرآف كالسنة ُ‬
‫الم ال ُْم ْؤِم ُن‬
‫س ُ‬ ‫وس ال ا‬ ‫يم * ُى َو اللاوُ الا ِذي ال إِلَوَ إِاال ُى َو ال َْملِ ُ‬
‫ك الْ ُق ُّد ُ‬
‫ِ‬
‫ادة ُى َو ال ار ْح َم ُن ال ارح ُ‬
‫شه َ ِ‬
‫َوال ا َ‬
‫ار ال ُْمتَ َكبٍّ ُر ُس ْب َحا َن اللا ِو َع اما يُ ْش ِرُكو َن﴾‬ ‫ِ‬
‫ال ُْم َه ْيم ُن ال َْع ِز ُيز ال َ‬
‫ْجبا ُ‬
‫ىو كيف تلحظ الفرؽ بُت اؼبتكلمُت كما جاء ُب كتاب ا﵁‪ ،‬كما مضى عليو أىل السنة كاعبماعة‬
‫األصل عند أىل السنة كاعبماعة أف يكوف العلم با﵁ تبارؾ كتعاىل من باب الصفات اؼبثبتة‪ ،‬كالصفات‬
‫اؼبنفية مل تيرد لذاهتا‪ ،‬إمبا أيريدت لغَتىا‪ ،‬إمبا أيريدت لتكميل اإلثبات‪ ,‬ألننا قلنا أف كل و‬
‫صفة منفية فإمبا‬
‫ييراد هبا إثبات كما الضد‪ ،‬إثبات كماؿ الضد‪.‬‬

‫قاؿ رضبو ا﵁‪( :‬فال عدول ألىل السنة والجماعة عما جاءت بو المرسلون‪ ,‬فإنو الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬صراط الذين)‪.‬‬

‫إخبارا عن‬
‫فبل عدكؿ ألىل السنة كاعبماعة عما جاء بو اؼبرسلوف‪ ،‬ىذه اعبملة ربتمل أف تكوف ن‬
‫إخبارا عن حاؿ أىل السنة كاعبماعة كهنجهم‪ ،‬أك‬
‫حاؿ أىل السنة كاعبماعة كهنجهم‪ ،‬ربتمل أف تكوف ن‬
‫إخبارا عن الواجب على أىل‬
‫إخبارا عن الواجب على أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬أك أف تكوف ن‬
‫أف تكوف ن‬
‫السنة كاعبماعة‪.‬‬

‫على االحتماؿ األكؿ اؼبعٌت أنو ال عدكؿ أىل السنة كاعبماعة عما جاء بو اؼبرسلوف‪ ،‬يعٍت هنج أىل‬
‫السنة كاعبماعة ليس فيو خركج كال فيو اكبراؼ عما جاء بو اؼبرسلوف عليهم الصبلة كالسبلـ‪ ،‬كالسبب‬
‫صحيحا ال غبار عليو‪،‬‬
‫ن‬ ‫هنجا‬
‫أهنم أخذكا هنجهم من طريق الكتاب كالسنة‪ ،‬كإف كاف ذلك كذلك كاف ن‬
‫كليس فيو شيءه البتة ما ىبالف فيو الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ‪.‬‬

‫إخبارا‪ ،‬أف يكوف مراده إخبار عن األمر الواجب على أىل السنة كىو أف‬
‫أك يكوف مراده رضبو ا﵁ ن‬
‫اجب ال خيار فيو‪ ،‬ليس عليك يا‬
‫أمر ك ه‬‫عليهم أف يثبتوا على طريق اؼبرسلُت كال وبيدكا عنو‪ ،‬كأف ىذا ه‬
‫مأمور ككاجب عليك أف تسلك‬
‫عبد ا﵁ خيار ُب أف تلزـ هنج األنبياء أك تدع ذلك‪ ،‬أنت تلزـ كأنت ه‬
‫مسلك األنبياء كاؼبرسلُت عليهم الصبلة كالسبلـ‪ ،‬لما؟ ألف ىذا ىو اغبق‪ ،‬كما عداه فباطل‪ ،‬فماذا بعد‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪74‬‬ ‫هللا‬
‫اغبق إال الضبلؿ‪ ،‬ال يوجد عاقل يطلب أف يكوف على باطل‪ ،‬بل كل و‬
‫عاقل يريد أف يكوف على أف‬ ‫ً‬
‫اجب على أىل‬
‫يكوف على اغبق‪ ،‬أين اغبق؟ ُب ما جاءت بو الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ‪ ،‬إذنا ك ه‬
‫السنة أف يبقوا أف يثبتوا على طريق األنبياء كاؼبرسلُت‪ٍ ،‬ب بُت علة ذلك فقاؿ‪.‬‬

‫قاؿ رضبو ا﵁‪ ( :‬فال عدول ألىل السنة والجماعة عما جاءت بو المرسلون‪ ,‬فإنو الصراط‬
‫المستقيم‪ ،‬صراط الذينأنعم اهلل عليهم من النبيين‪ ،‬والصديقين‪ ،‬والشهداء‪ ،‬والصالحين)‪.‬‬

‫قاؿ ألنو الصراط اؼبستقيم‪ ،‬الصراط في اللغة‪ :‬الطريق‪ ،‬كبعضهم ييقيٌد ذلك بالواسع‪ ،‬يقوؿ الطريق‬
‫الواسع‪.‬‬

‫والصراط جاء في النصوص على ضربين‪:‬‬

‫حسي‪ ،‬كصراط معنوم‪.‬‬


‫صراط ٌ‬
‫أما الصراط الحسي‪ :‬فهو الصراط األخركم الذم ييضرب على منت جهنم‪ ،‬كيعرب عليو الناس يوـ‬
‫القيامة‪.‬‬
‫وأما الصراط المعنوي‪ :‬فهو الصراط الدنيوم‪ ،‬كىو اإلسبلـ الذم جاء بو النيب و‬
‫ؿبمد صلى ا﵁‬
‫اغبسي‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫عليو كسلم‪ ،‬كبقدر ثباتك على الصراط اؼبعنوم يكوف ثباتك على الصراط‬

‫ىذا الصراط ىو الذم مضى عليو خَتة خلق ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كإيراد اؼبؤلف رضبو ا﵁ ىذه اعبملة فيو‬
‫السالك ىذا الطريق ال تستوحش‬
‫ي‬ ‫ٍت‬
‫الس ُّ‬
‫نكتو لطيفو كىي أال يستوحش أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬يا أيها ي‬
‫من الغربة‪ ،‬فإنو ُب آخر الزماف يكوف أىل اغبق غرباء‪ ،‬فردبا أنتاب النفس ما ينتاهبا شيء من الوحشة‪،‬‬
‫مسلك سلكو ىخَتة خلق ا﵁ عز كجل‪،‬‬‫ه‬ ‫فيتعزل اإلنساف كيتسلى بأف ىذا اؼبسلك الذم يسلكو‬
‫فيطمئن كيسًتيح‪ ،‬كإف كاف خالفوي كثَت من أىل زمانو‪.‬‬

‫أم خَت أفضل من أف تسلك على طريق هنجو قبلك األنبياء كالصديقوف كالشهداء كالصاغبوف‪ ،‬إذا‬
‫علمت ذلك استبشرت كاطمئننت كازددت ثباتنا على ىذا األمر‪ ،‬األنبياء معركفوف‪ ،‬والصديقون صبع‬
‫صديق‪ ،‬كالص ٌديق ىو الذم اجتمع فيو كماؿ الصدؽ كاإلخبلص‪ ،‬ككماؿ االنقياد كاؼبتابعة‪ ,‬كأعظم‬
‫الصديقُت كالشك أبو بك ور رضي ا﵁ عنو كأرضاه‪ ،‬كا﵁ جل كعبل أثٌت على ىذه األصناؼ األربعة‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪75‬‬ ‫هللا‬
‫الش َه َد ِاء‬
‫ين َو ُّ‬ ‫ك مع الا ِذين أَنْ عم اللاوُ َعلَي ِهم ِمن النابِيٍّين و ٍّ ِ‬
‫الصدٍّيق َ‬ ‫ََ‬ ‫ْ ْ َ‬
‫﴿ومن ي ِط ِع اللاوَ وال ارس َ ِ‬
‫ول فَأ ُْولَئ َ َ َ َ َ َ‬ ‫َ ُ‬ ‫ََ ْ ُ‬
‫ين﴾الشهداء نوعاف كما نبٌو الفقهاء‪ ،‬ىناؾ شهداء ُب الدنيا كاآلخرة‪ ،‬كىناؾ شهداء ُب‬ ‫وال ا ِ ِ‬
‫صالح َ‬ ‫َ‬
‫اآلخرة‪ ،‬أما الشهداء ُب الدنيا كاآلخرة فكل من مات أك قيتل ُب معركة ُب سبيل ا﵁ جل كعبل‪ ،‬فإنو ُب‬
‫الدنيا لو أحكاـ الشهيد‪ ،‬كللشهيد لو أحكاـ خاصة عن غَته من اؼبوتى‪ ،‬كىو ُب اآلخرة ماذا؟ من‬
‫الشهداء‪ ،‬كشبة شهداء اغبكم األخركم ال الدنيوم‪ ،‬يعٍت ليس من جهة األحكاـ الدنيوية مثل الغريق‪،‬‬
‫مثل من مات حري نقا‪ ،‬منهم اؼبطعوف؛ يعٍت الذم أصيب بالطاعوف‪ ،‬إىل غَت ذلك فبا جاء ُب النصوص‬
‫ين‬ ‫ِ ِ‬
‫الدنيا فإهنم ال يأخذكف أحكاـ الشهداء ﴿م َن النابيٍّ َ‬ ‫فبا يدؿ على أف ىؤالء شهداء ُب اآلخرة‪ ،‬أما ُب ي‬
‫الشه َد ِاء وال ا ِ ِ‬ ‫و ٍّ ِ‬
‫ين﴾‬
‫صالح َ‬ ‫ين َو ُّ َ َ‬ ‫الصدٍّيق َ‬ ‫َ‬
‫أسأؿ ا﵁ تبارؾ كتعاىل أف يسلك بنا سبيلهم كأف هبعلنا من ىؤالء الغرة اؼبيامُت من الصديقُت أك‬
‫الشهداء أك الصاغبُت إف ربنا لسميع الدعاء‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمو اهلل تعالى في رسالتو العقيدة الواسطية‪ :‬وقد دخل في ىذه‬
‫﴿قُ ْل ُى َو‬ ‫الجملة ما وصف بو نفسو في سورة اإلخالص‪ ،‬التي تعدل ولث القرآن حيث يقول‪:‬‬
‫ِ‬ ‫َح ٌد * اللاوُ ال ا‬
‫َح ٌد﴾‬
‫ص َم ُد * لَ ْم يَل ْد َولَ ْم يُولَ ْد * َولَ ْم يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬ ‫اللاوُ أ َ‬
‫قاؿ اؼبؤلف رضبو ا﵁ (وقد دخل في ىذه الجملة) الجملة‪ :‬ىي القطعة من الكبلـ اؼبكونة من‬
‫اؼبسند كاؼبسند إليو‪ ،‬ذكر رضبو ا﵁ (أنو قد دخل في ىذه الجملة ما ذكر اهلل سبحانو في سورة‬
‫(إن اهلل تعالى قد وسط نفسو‪ ،‬وقد‬ ‫اإلخالص) فهل يريد باعبملة ما سبق قريبا من قولو رضبو ا﵁‬
‫جمع اهلل فيما وصف بو نفسو بين النفي واإلوبات) أك يريد اعبملة اليت قبلها كىي قولو رضبو ا﵁‬
‫إىل آخر ما ذكر‪ ،‬األمراف ؿبتمبلف‪ ،‬كلعل الثاين‬ ‫(ومن اإليمان باهلل اإليمان بما وصف بو نفسو)‬
‫أقرب؛ ألف اؼبؤلف رضبو ا﵁ سوؼ يسرد صبلة كبَتة من أدلة الكتاب كالسنة اليت اشتملت على أنواع‬
‫من صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ككلها يعطفها على ىذه اعبملة (وقد دخل)‪ ،‬كىو يقوؿ‪ :‬كقولو‪ ،‬كقولو‪،‬‬
‫كقولو‪ ،‬كما سيأٌب من ىذه الصفات فيما ىو من صفات اإلثبات‪ ،‬كفيو ما ىو من صفات النفي‪،‬‬
‫كليس صبيع ما ذكر هبمع بُت صفات اإلثبات كصفات النفي‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪76‬‬ ‫هللا‬
‫اؼبقصود أف من اإليباف با﵁ تبارؾ كتعاىل‪ :‬اإليباف دبا أخرب بو ُب كتابو‪ ،‬كدبا أخرب بو رسولو صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم من األظباء كالصفات‪ ،‬كاؼبؤلف رضبو ا﵁ يريد أف يبثل على ىذه الصفات بذكر صبلة من‬
‫األدلة اليت اشتملت على طائفة منها‪ ،‬فبدأ رضبو ا﵁ بسورة اإلخبلص اليت تعدؿ ثلث القرآف‪ ،‬سورة‬
‫َح ٌد﴾ ىذه سورة اإلخبلص‪ ،‬كىي سورة اإلخبلص؛ ألهنا‬ ‫اإلخبلص كىي سورة‪﴿ :‬قُ ْل ُى َو اللاوُ أ َ‬
‫ـبىلًصة‪ ،‬أك ألهنا ـبىلىصة‪.‬‬

‫أما كونها مخلِصة‪ :‬فؤلهنا تورث اؼبؤمن هبا اإلخبلص كالتوحيد‪ ،‬فإهنا قد صبعت بُت التوحيدين‬
‫العلمي كالعملي‪ ،‬كما سيأٌب بياف ذلك إف شاء ا﵁‪ ،‬كلذا ظبيت بالتوحيد‪ ،‬كما جاء ُب حديث جابر‬
‫رضي ا﵁ عنو ُب ذكر حجة النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ُب ركاية اإلماـ أضبد قاؿ رضي ا﵁ عنو‪ :‬بعد أف‬
‫ذكر أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم أتى إىل مقاـ إبراىيم فصلى ركعتُت فقرأ فيهما بالتوحيد ك ﴿قُ ْل يَا‬
‫أَيُّ َها الْ َكافِ ُرو َن﴾ فأراد بالتوحيد سورة اإلخبلص‪ ،‬فهي سورة اإلخبلص ألهنا ـبلًصة‪.‬‬

‫وىي سورة اإلخالص ألنها مخلَصة‪ :‬يعٍت أخلصت لذكر ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كذلك أنو ال سورة‬
‫ُب القرآف مثلها ُب إخبلص ذكر ا﵁ تبارؾ كتعاىل كنعوتو جل كعل دكف أف يىبالط ذلك بشيء آخر من‬
‫األحكاـ أك القصص كاألخبار‪.‬‬

‫فهي سورة أخلصت لذكر ا﵁ جل كعل‪ ،‬ليس فيها إال صفة الرضبن سبحانو‪ ،‬كلذلك ثبت ُب‬
‫الصحيحُت من حديث عائشة رضي ا﵁ عنها‪« :‬أن رجل كان في غزاة مع أصحاب النبي صلى اهلل‬
‫عليو وسلم‪ ،‬فكان يصلي بهم‪ ،‬فيختم قراءتو ب ﴿قُ ْل ُى َو اللاوُ أ َ‬
‫َح ٌد﴾‪ ،‬فلما رجعوا سألوا النبي‬
‫صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬فقال‪ :‬أخبروه‪ :‬لم صنع ذلك؟ فقال‪ :‬ألنها صفة الرحمن فأنا أحبها‪ ،‬فقال‬
‫النبي صلى اهلل عليو وسلم‪ :‬أخبروه بأن اهلل يحبو» فاؼبقصود أهنا سورة اإلخبلص؛ ألنو ليس فيها إال‬
‫ذكر ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كصفاتو كنعوت جبللو جل كعل‪.‬‬

‫قاؿ‪( :‬التي تعدل ولث القرآن) ىذا ما دؿ عليو الدليل من حديث رسوؿ ﵁ صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم‪ ،‬أف ىذه السورة تعدؿ ثلث القرآف‪ ،‬كاألحاديث ُب ىذا عن رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫كثَتة‪ ،‬بلغت مبلغ التواتر‪ ،‬ركم ىذا اؼبعٌت عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم من ركاية عشرين من‬
‫أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬ركايتهم مبثوثة ُب الصحاح كالسنن كاؼبسانيد كغَتىا من كتب‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪77‬‬ ‫هللا‬
‫السنة‪ ،‬كمن ذلك ما ثبت عند البخارم من حديث أيب سعيد رضي ا﵁ عنو‪« :‬أن رجل سمع رجال‬
‫يقرأ سورة اإلخالص‪ ،‬يكررىا‪ ،‬فلما أصبح أتى النبي صلى اهلل عليو وسلم‪ ،‬فأخبره بما فعل‬
‫الرجل‪ ،‬كأنو يتقالها‪ ،‬فقال النبي صلى اهلل عليو وسلم‪ :‬والذي نفسي بيده‪ ،‬إنها لتعدل ولث‬
‫القرآن»فهذا اؼبعٌت جاء ُب أحاديث شىت عن رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬أف ىذه السورة تعدؿ‬
‫ثلث القرآف‪.‬‬

‫وكونها تعدل ولث القرآن فيو فائدتان عن أىل السنة والجماعة‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أف ىذه السورة جزاءىا كثواهبا كثواب قراءة ثلث القرآف‪ ،‬كىذا ما دؿ عليو ما جاء ُب‬
‫صحيح مسلم من حديث أيب الدرداء رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كجاء معناه أيضا ُب صحيح البخارم‪ ،‬من‬
‫حديث أيب سعيد رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كىو أنو صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ‪« :‬أيعجز أحدكم أن يقرأ ولث‬
‫َح ٌد﴾ تعدل ولث‬‫القرآن في ليلة؟ قالوا‪ :‬فأينا يطيق ذلك يا رسول اهلل؟ قال‪﴿ :‬قُ ْل ُى َو اللاوُ أ َ‬
‫القرآن»فالظاىر كا﵁ أعلم من ىذا اغبديث‪ :‬أف تبلكة ىذه السورة تعدؿ ُب ثواهبا كجزاءىا تبلكة ثلث‬
‫القرآف‪ ،‬كىذا فضل عظيم جعلو ا﵁ سبحانو كتعاىل ؼبن يتلو ىذا الكتاب العظيم‪.‬‬

‫كبعض أىل العلم نازع ُب ىذا اؼبعٌت‪ ،‬كمنهم ابن عقيل اغبنبلي رضبو ا﵁ فإنو رأل أف ىذا اؼبعٌت‬
‫«أن من قرأ حرفا من كتاب اهلل فلو بو عشر‬ ‫يتعارض مع ما أخرب بو النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫حسنات»فقاؿ‪ :‬كيف يبكن أف تكوف ىذه السورة القصَتة تعادؿ ُب ثواهبا ثلث القرآف؟‬

‫كالصواب الذم يظهر كا﵁ تعاىل أعلم أنو‪ :‬ال تعارض بُت ىذا كىذا‪ ،‬فثبوت أجر اغبسنات العشر‬
‫ؼبن قرأ حرؼ من كتاب ا﵁ ثواب عاـ‪ ،‬كىذا الذم بُت أيدينا ثواب خاص‪ ،‬فبل تعارض بُت ىذا كىذا‪،‬‬
‫ار ﴾فمسألة الثواب أمر غييب‪ ،‬ا﵁‬
‫شاءُ َويَ ْختَ ُ‬
‫ك يَ ْخلُ ُق َما يَ َ‬
‫كا﵁ جل كعل ىبلق ما يشاء كىبتار‪َ ﴿ ،‬وَربُّ َ‬
‫جل كعل يقدر فيو ما يشاء سبحانو كتعاىل‪ ,‬إذا ىذا األمر األكؿ الذم يشملو معٌت كوف سورة‬
‫اإلخبلص تعدؿ ثلث القرآف‪.‬‬

‫المعنى الثاني‪ :‬أف ىذه السورة أفضل من غَتىا‪ ،‬كذلك أهنا إذا كانت تعدؿ ثلث القرآف فإف ىذا‬
‫يعٍت أهنا أفضل من غَتىا‪ ،‬كإال ما كاف ؽبذا الوصف فائدة‪ ،‬كىذا الذم مضى عليو السلف الصاحل‪،‬‬
‫كاستقر عليو أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬من أف بعض القرآف أفضل من بعض‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪78‬‬ ‫هللا‬
‫كىذه اؼبسألة مبنية على مسألة أكرب منها‪ ،‬كىي مسألة تفاضل صفات ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬فالذم‬
‫تكرر عند أىل السنة كاعبماعة بناء على دالئل الكتاب كالسنة‪ :‬أف بعض صفات ا﵁ عز كجل أفضل‬
‫من بعض‪ ،‬كأف بعض أفراد الصفة الواحدة أفضل من بعض‪ ،‬أما كوف بعض الصفات أفضل من بعض‬
‫فدؿ على ىذا صبلة من األدلة‪ ،‬كاليت دلت على أف رضبة ا﵁ سبقت أك غلبت غضبو‪ ،‬أك استعادة النيب‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم برضاه من سخطو‪ ،‬أك كىذا ما يتعلق بالصفة الواحدة‪ :‬ما جاء ُب تفضيل اليد‬
‫اليمُت على اليد األخرل‪ ،‬كما ثبت ُب صحيح مسلم‪ :‬أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ‪:‬‬
‫«المقسطون على منابر من نور‪ ،‬عن يمين الرحمن‪ ،‬وكلتا يديو يمين» فكوهنم عن يبُت الرضبن؛ ألف‬
‫اليد اليمُت أفضل من اليد األخرل‪ ،‬كإف كاف ال نقص يعًتم اليد األخرل‪ ،‬كلتا يديو يبُت ُب الفضل‬
‫كاػبَت كالربكة‪.‬‬

‫ْت بِ َخ ْي ٍر ِم ْن َها﴾ كإف قاؿ بعض‬ ‫كذلك قولو سبحانو كتعاىل‪﴿ :‬ما نَنس ْخ ِمن آي ٍة أَو نُ ِ‬
‫نس َها نَأ ِ‬
‫َ َ ْ َ ْ‬
‫اؼبتكلمُت ُب داللة ىذه اآلية على تفضيل بعض آيات القرآف على بعض‪ ،‬كالصواب الذم عليو السلف‬
‫كما ذكرت لك‪ :‬أف بعض صفات ا﵁ سبحانو كتعاىل أفضل من بعض‪ ،‬كبعض أفراد الصفة الواحدة‬
‫أفضل من بعض‪ ،‬كمن ذلك أف القرآف بعض آياتو أفضل من بعض‪ ،‬كذلك أف القرآف من كبلـ ا﵁‬
‫سبحانو كتعاىل فبعض القرآف أفضل من بعض‪ ،‬كىذا ما ال ينبغي أف يعترب الناظر فيو شك البتة‪ ،‬كذلك‬
‫أف األحاديث ثابتة صحيحة‪ ،‬بأف ىذه السورة تعدؿ ثلث القرآف‪ ،‬كأف سورة الفاربة أعظم سورة ُب‬
‫كتاب ا﵁‪ ،‬كما ثبت ُب البخارم من حديث أيب سعيد بن اؼبعلى رضي ا﵁ عنو‪ ،‬ككما جاء أيضا أف‬
‫ُب آية الكرسي أعظم آية ُب كتاب ا﵁ كما ثبت ُب صحيح مسلم من حديث أيب بن كعب رضي ا﵁‬
‫عنو إىل غَت ذلك من األدلة اليت دلت على ىذا اؼبعٌت‪.‬‬

‫إ نذا ال شك كال ريب أف التفضيل ُب آيات القرآف كسوره‪ :‬يرجع إىل ىذه اآليات نفسها‪ ،‬كإىل ىذه‬
‫السور نفسها‪ ،‬فبعض اآليات أفضل من بعض‪ ،‬كما أف بعض السور أفضل من بعض‪ ،‬ونازع في ىذا‬
‫المعنى طائفتان من الناس‪:‬‬

‫األولى‪ :‬قلة من أىل العلم‪.‬‬

‫والثانية‪ :‬طوائف من اؼبتكلمُت‪.‬‬


‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪79‬‬ ‫هللا‬
‫أما الفئة األولى‪ :‬فقد ذىب قلة من أىل العلم إىل التوقف كعدـ القوؿ بأف بعض القرآف أفضل‬
‫من بعض‪ ،‬من أكلئك ابن جرير رضبو ا﵁‪ ،‬ككذلك ابن عبد الرب‪ ،‬ككذلك ابن حباف‪ ،‬رضبة ا﵁ على‬
‫اعبميع‪ ،‬لكن مأخذىم ُب ىذا ليس كمأخذ أىل البدع اؼبتكلمُت‪ ،‬فإن مأخذىم في ىذا‪ :‬أهنم تونبوا‬
‫أف تفضيل بعض القرآف على بعض يعود بالنقص على اؼبفضوؿ‪ ,‬إذا قلنا إف ىذه اآلية أفضل من‬
‫غَتىا‪ ،‬إذا اؼبفضوؿ ناقص‪ ،‬كألجل ىذا فإهنم رأكا‪ :‬أنو ال ينبغي أف يقاؿ إف بعض القرآف أفضل من‬
‫بعض‪ ،‬كذلك خوفان من الوقوع ُب ىذا األمر‪ ،‬فالقرآف كلو كبلـ ا﵁ عز كجلوكلو كبلـ عظيم‪ ،‬ال يعًتيو‬
‫نقص بوجو من الوجوه‪ ،‬فاألكىل السكوت عن ىذا الكبلـ كاإلعراض عنو‪ ،‬كتأكيل ما جاء ُب ىذا‬
‫الباب من ىذه األدلة‪.‬‬

‫التفاضل في كالم اهلل عز وجل‬ ‫كال شك أف ىذا اؼبسلك غَت جيد‪ ،‬كالصواب ما ذكرتو لك‪،‬‬
‫ينظر إليو من جهتين‪ :‬إف نظر إليو من جهة اؼبتكلم فبل تفاضل بُت القرآف‪ ،‬فالكل "كل القرآف" كل‬
‫آياتو كسوره‪ :‬قد تكلم هبا سبحانو كتعاىل‪ ،‬فبل فرؽ بالنظر إىل جهة اؼبتكلم‪ ،‬لكن البحث عند أىل‬
‫العلم إمبا ىو من جهة النظر اآلخر‪ ،‬كىو من جهة اؼبتكلم بو‪ ،‬فمنها ىنا‪ :‬كاف بعض القرآف أفضل من‬
‫بعض‪.‬‬

‫كما ذكر من أف تفضيل بعض القرآف على بعض يعود باغبكم بالنقص على اؼبفضوؿ غَت صحيح‪،‬‬
‫فإف القاعدة ىي أف التفاضل ال يستلزـ انتقاص اؼبفضوؿ‪ ،‬فإف كل القرآف فاضل‪ ،‬ككلو كبلـ كامل‪ ،‬ال‬
‫يعًتيو نقص البتة‪ ،‬كإف كاف بعضو أفضل من بعض‪ ،‬كىذا لو نظائر كثَتة‪ ،‬كبالتايل فإنو ال يستشكل‬
‫بوجو من الوجوه‪ ،‬ىل إذا قيل أف النيب ؿبمد صلى ا﵁ عليو كسلم أفضل من إبراىيم‪ ،‬يعٍت أف إبراىيم‬
‫عليو السبلـ ناقص؟ ىل تفضيل أيب بكر رضي ا﵁ عنو عن عمر يعٍت أف عمر رضي ا﵁ عنو مذموـ؟‬
‫ال يلزمو ىذا البتة‪ ،‬كبلنبا فاضل‪ ،‬كإف كاف أحدنبا أفضل من اآلخر‪ ،‬فالتفضيل ليس مبلزمان النتقاص‬
‫حباؿ‪ ،‬قد يستلزـ ذلك‪ ،‬كقد ال يستلزمو‪.‬‬

‫كُب البحث الذم نبحث فيو فيما يتعلق بتفضيل بعض القرآف على بعض‪ :‬الشك أف اؼبفضوؿ ال‬
‫ينالو شيء من النقص كالعيب حباؿ من األحواؿ‪.‬‬

‫أما الطائفة الثانية ‪ :‬اليت نازعت ُب ىذا اؼبعٌت‪ ،‬فإهنا بنت ىذا اؼبذىب على مذىب بدعي باطل‪،‬‬
‫كاف قوؽبم ُب كتاب ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كُب كبلـ ا﵁ عز كجل‪ ،‬كىو أهنم اعتقدكا أف كبلـ ا﵁ تعاىل‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪80‬‬ ‫هللا‬
‫صفة نفسية قائمة بذات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ :‬ىي شيء كاحد ال يتبعض‪ ،‬كالشك أف ىذا اؼبذىب‬
‫مذىب ؿبدث مبتدع‪ ،‬نقطع بأف الرسل عليهم الصبلة كالسبلـ كأتباعهم كالسلف الصاحل صبيعان ما‬
‫اعتقد منهم أحد ذلك‪ ،‬إمبا ىذا كاف من ؿبدثات كبلـ أىل الكبلـ‪ ،‬كالرد على مذىبهم الباطل يدكر‬
‫على أكجو كثَتة سنتكلم عنها بإذف ا﵁ عز كجل على كجو التفصيل‪ ،‬إذا كصلنا إىل البحث ُب صفة‬
‫الكبلـ‪.‬‬

‫المقصود أن المتقرر عند أىل السنة والجماعة أن كون سورة اإلخالص تعدل ولث القرآن‬
‫يستفاد منو فائدتان‪:‬‬

‫األولى‪ :‬أف سورة القرآف ثواهبا كفضلها كجزاءىا يعدؿ ثواب كجزاء تبلكة ثلث القرآف‪.‬‬

‫واألمر الثاني ‪ :‬أهنا أفضل من غَتىا؛ ألف بعض القرآف أفضل من بعض‪ ،‬كىذا كما ذكرت لك‬
‫أمر ال يستنكر عند أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬كقد بسط شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ ُب رسالة لو ىذا اؼبعٌت دبا‬
‫ال مزيد عليو ُب رسالة تسمى جبواب أىل العلم كاإليباف‪ ،‬بأف سورة اإلخبلص تعدؿ ثلث القرآف‪.‬‬

‫كحبث العلماء ىنا توضيح كوف سورة اإلخبلص تعدؿ ثلث القرآف‪ ،‬يعٍت ما اغبكمة ُب كوف سورة‬
‫اإلخبلص تعدؿ ثلث القرآف؟ كالذم يقرب ُب ىذا اؼبقاـ أف يقاؿ‪ :‬أف سورة اإلخبلص اشتملت على‬
‫ما ىو من أفضل ما ُب كتاب ا﵁ عز كجل‪ ،‬كىو ما يتعلق بالتوحيد كمعلوـ أف تفضيل الكبلـ بعضو‬
‫على بعض مرجعو إىل موضوع الكبلـ‪ ،‬كإىل متعلق الكبلـ‪ ،‬فلما كانت سورة اإلخبلص ـبتصة بالكبلـ‬
‫عن ا﵁ عز كجل عن توحيده‪ ،‬كعن كصفو جل كعل‪ ،‬فإهنا استحقت أف تكوف تعدؿ ثلث القرآف‪ ،‬فإف‬
‫القرآف يشتمل على ثبلثة أصناؼ من الكبلـ ُب اعبملة‪ ،‬اشتملت آيات القرآف على األحكاـ‪،‬‬
‫كاشتملت على القصص كاألخبار‪ ،‬كاشتملت على التوحيد‪ ،‬كىذه السورة قد أيخلصت ؽبذا القسم‬
‫الثالث‪ ،‬كإف شئت فقل‪ :‬القرآف إنشاء كإخبار‪ ،‬فإما اإلنشاء‪ :‬فاألحكاـ اليت جاءت فيو‪ ،‬كأما األخبار‪:‬‬
‫فمنها أخبار تعلقت باػبالق‪ ،‬كمنها أخبار تعلقت باؼبخلوقُت‪ ،‬فاستتمت القسمة إىل ثبلثة أقساـ‪،‬‬
‫كىذه السورة كاف فيها الكبلـ فحسب عن توحيد ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬صبعت ىذه السورة بُت التوحيدين‬
‫العلمي كالعملي‪ ،‬بُت توحيد اؼبعرفة كاإلثبات‪ ،‬كتوحيد القصد كالطلب‪ ،‬كما سنبينو ُب ؿبلو قريبا إف‬
‫شاء ا﵁ تعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪81‬‬ ‫هللا‬

‫﴿قُ ْل ُى َو اللاوُ‬ ‫إذا ىذه السورة العظيمة تعدؿ ثلث القرآف‪ ،‬قاؿ ا﵁ عز كجل ُب ىذه السورة‪:‬‬
‫َح ٌد﴾قل‪ :‬ىذا األمر الذي افتتحت بو ىذه السورة‪ ،‬نستفيد منو فائدتين‪:‬‬
‫أَ‬
‫األولى‪ :‬أف القرآف كبلـ ا﵁؛ ألف قل أمر‪ ،‬كاألمر إمبا يكوف بالقوؿ‪ ،‬األمر كما علمنا ُب أصوؿ‬
‫الفقو استدعاء الفعل بالقوؿ على جهة االستعبلء‪ ،‬فالقرآف إذا كبلـ ا﵁‪.‬‬

‫ووانيا‪:‬أف األمر بالقوؿ‪ ،‬يعٍت أمر ا﵁ عز كجل نبيو صلى ا﵁ عليو كسلم أف يقوؿ‪ :‬ا﵁ أحد‪ ،‬ا﵁‬
‫الصمد‪ ،‬مل يلد كمل يولد‪ ،‬كمل يكن لو كفوا أحد‪ .‬فيو نقطة كىي كجوب الدعوة إىل التوحيد‪ ،‬ككجوب‬
‫الصدع بذلك‪ ،‬كبوجوب معالنة الناس بذلك‪ ،‬ىذا أمر ال ينبغي السكوت عنو‪ ،‬بل هبب أف يقاؿ‪،‬‬
‫كهبب أف يذاع‪ ،‬كهبب أف يدع الناس إليو‪ ،‬توحيد ا﵁ عز كجل أمر عظيم‪ ،‬هبب أف يفشى‪ ،‬كأف يقاؿ‬
‫ُب الناس‪﴿ :‬قُ ْل ُى َو اللاوُ أ َ‬
‫َح ٌد﴾‪.‬‬

‫اسم الجاللة (اهلل) أعظم األظباء كأشرفها‪ ،‬كأصبعها ؼبعاين الربوبية كاأللوىية كاألظباء كالصفات‪،‬‬
‫ككل ما يتعلق بصفات ا﵁ سبحانو كتعاىل راجع عند التأمل كالتفكر إىل ىذا االسم العظيم‪ ،‬كصبيع‬
‫أظباء ا﵁ جل كعل إمبا تضاؼ إىل ىذا االسم‪ ،‬كإمبا تنسب إىل ىذا االسم‪ ،‬فا﵁ ىو الرحيم‪ ،‬كا﵁ ىو‬
‫اب‬ ‫ِ‬
‫﴿الر كتَ ٌ‬ ‫العزيز‪ ،‬كا﵁ ىو اؼبلك‪ ،‬كال يستشكل عند ذكر ىذا ما جاء ُب مفتتح سورة إبراىيم‪:‬‬
‫يد * اللا ِو‬ ‫ِ ِ‬
‫اط الْع ِزي ِز الْح ِم ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ك لِت ْخ ِرج الن ِ‬
‫َ‬ ‫ااس م َن الظُّلُ َمات إِلَى النُّوِر بِِإ ْذن َربٍّ ِه ْم إِلَى ص َر َ‬ ‫أَ ِ‬
‫َنزلْنَاهُ إلَْي َ ُ َ َ‬
‫ض﴾ ال يستشكل ىذا بناء على ىذا اؼبعٌت‪ ،‬كىو أف يكوف‬ ‫ات َوَما فِي األ َْر ِ‬
‫سمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫اِ‬
‫الذي لَوُ َما في ال ا َ َ‬
‫االسم الذم تضاؼ األظباء إليو ىو اسم اعببللة (ا﵁)‪ ،‬كذلك أف ىذه اآلية اليت ُب مفتتح سورة‬
‫إبراىيم قيرأت قراءتُت‪ ،‬قرأ نافع كابن عامر كأبو جعفر برفع اسم اعببللة‪ ،‬يعٍت اؽباء ُب كلمة ا﵁‬
‫مضمومة‪ ،‬كبالتايل خرجت عن حبثنا كموضوعنا‪ ،‬ىذه صبلة مستقلة‪.‬‬

‫وعلى قراءة الجمهور بالكسر‪ :‬فإهنا ؿبمولة على أحد توجيهُت‪ ،‬أف يكوف اعبر ىا ىنا‪ :‬على‬
‫البدلية‪ ،‬ال على إهنا صفة للحميد‪ ،‬إىل صراط العزيز اغبميد ا﵁‪.‬‬

‫كالوجو الثاين‪ :‬أف يكوف ىذا اعبر مبنيا على تقدًن الصفة على اؼبوصوؼ‪ ،‬فالصفة ىا ىنا مقدمة‪،‬‬
‫كاؼبوصوؼ مؤخر‪ ،‬كالغالب ُب كبلـ العرب تقدًن اؼبوصوؼ على الصفة‪ ،‬لكنو جاء على قلة تقدًن‬
‫الصفة على اؼبوصوؼ‪ ،‬كلذلك يصح أف تقوؿ‪ :‬مررت بالكرًن ؿبمد‪ ،‬فما اؼبوصوؼ ؿبمد ككاف متأخر‪،‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪82‬‬ ‫هللا‬
‫كليس ىو صفة للكرًن‪ ،‬فيكوف الكرًن ىو اؼبوصوؼ‪ ،‬فتحمل ىذه اآلية على التوجيو الثاين أيضان‪ ،‬كىو‬
‫توجيو صحيح‪.‬‬

‫اؼبقصود أف اسم اعببللة (ا﵁) ىو االسم العظيم الذم ترجع إليو صبيع األظباء كصبيع الصفات‪،‬‬
‫كىذا االسم العظيم مشتق على الصحيح‪ ،‬فاألصل ُب ىذه الكلمة (اإللو) ٍب صار حذؼ كإدغاـ‪،‬‬
‫حذفت اؽبمزة كأدغمت البلماف فصار النطق هبا ا﵁‪ ،‬كاألصل أف اإللو‪ :‬فعاؿ دبعٌت مفعوؿ‪ ،‬من ألو‪:‬‬
‫يألو‪ ،‬دبعٌت عبد‪ :‬يعبد‪.‬‬

‫﵁ در الغانيات اؼبده سبحن كاسًتجعن من تأؽبي‬

‫يعٍت من تعبد‪ ،‬فإذا معٌت ىذا االسم العظيم ا﵁ ىو‪ :‬اؼبألوه‪ ،‬اؼبعبود‪ ،‬فا﵁ جل كعل ىو اؼبعبود‬
‫اغبق الذم ال يستحق العبادة سواه جل ربنا كعز‪.‬‬

‫ص َم ُد﴾ ىذاف اظباف جليبلف كرد ُب ىذه السورة ُب القرآف‬ ‫َح ٌد * اللاوُ ال ا‬
‫قاؿ‪﴿ :‬قُ ْل ُى َو اللاوُ أ َ‬
‫فحسب‪ ،‬ما جاء اسم األحد كال اسم الصمد ُب موضع آخر ُب كتاب ا﵁ سول ىذا اؼبوضع‪ ،‬كىذاف‬
‫َح ٌد * اللاوُ‬
‫االظباف يدالف على صفيت‪ :‬األحدية كالصمدية ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬قاؿ‪﴿ :‬قُ ْل ُى َو اللاوُ أ َ‬
‫ص َم ُد﴾‪ ،‬األحد‪ :‬يعٍت الذم توحد جبميع الكماالت من صبيع اعبهات‪ ،‬فهو األحد ُب ذاتو فبل نظَت‬ ‫ال ا‬
‫لو‪ ،‬كىو األحد ُب صفاتو فبل مثيل لو‪ ،‬كىو األحد ُب عبادتو فبل شريك لو‪.‬‬

‫واألحد‪ :‬أبلغ ُب الداللة على كحدانية ا﵁ عز كجل‪ ،‬كعدـ اإلشراؾ بو ُب شيء من األظباء‬
‫كالصفات‪ ،‬أك العبودية‪ ،‬أك الربوبية‪ ،‬أفضل كأبلغ من الواحد‪ ،‬كذكر علماء اللغة فركؽ تبلغ إىل سبعة أك‬
‫كبوىا تفرؽ بُت الواحد كاألحد‪ ،‬اؼبقصود أف األحد أبلغ ُب الداللة على االنفراد من الواحد‪ ،‬حىت إنو‬
‫ال تقاؿ ىذه الكلمة األحد مثبتة مفردة على ذات إال ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ال تطلق مفردة‪ ،‬لكن هبوز أف‬
‫تكوف مضافة‪ ،‬تقوؿ‪ :‬أحد الرجلُت ىذا ال بأس بو‪ ،‬فابعث أحدكم‪ :‬ىذا ال بأس بو‪ ،‬ىذا كاحد‪:‬‬
‫مفردة‪ ،‬اثنُت‪ :‬مثبتة‪ ،‬أما إذا كانت ُب سياؽ النفي‪ ،‬أك فيما ىو ُب معٌت النفي‪ ،‬تقوؿ‪ :‬ال أحد ُب‬
‫ِ‬ ‫الدار‪ ،‬أك ما ىو ُب معٌت النفي‪﴿ ،‬وإِ ْن أ ِ‬
‫ار َك﴾ فهذا ال بأس بو‪ .‬كأيضان حُت‬
‫استَ َج َ‬ ‫َح ٌد م َن ال ُْم ْش ِرك َ‬
‫ين ْ‬ ‫َ َ‬
‫تطلق على ذات‪ ،‬أما إذا أطلقت على زماف‪ :‬فبل بأس كما تقوؿ يوـ األحد‪ ،‬أما أف تكوف مثبتة مفردة‬
‫مطلقة على ذات فبل تكوف إال ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فبل تقوؿ‪ :‬أحد ُب البيت‪ ،‬إمبا تقوؿ‪ :‬كاحد ُب البيت‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪83‬‬ ‫هللا‬
‫أك اثناف‪ ،‬أما أف تقوؿ‪ :‬أحد ُب البيت‪ ،‬فبل هبوز أف يكوف ىذا‪ ،‬ال تطلق ىذه الكلمة مفردة مثبتة على‬
‫ذات إال على ا﵁ تبارؾ كتعاىل؛ ألنو ىو الذم تفرد بالوحدانية جل كعل من صبيع الوجوه‪.‬‬

‫وتنبو يا طالب العلم‪ :‬إذا كصلت إىل الكبلـ عن معٌت كلمة أك معٌت اسم األحد‪ ،‬كصفة األحدية‬
‫﵁ تبارؾ كتعاىل تنبو إىل مزلق قد يقع فيو من مل ينعم النظر ُب كبلـ اؼبتكلمُت‪ ،‬فإف كثَتان من اؼبتكلمُت‬
‫ينفذكف من خبلؿ الكبلـ عن ىذا االسم كعن ىذه الصفة إىل نفي صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل الذاتية‪،‬‬
‫فإنك ذبد ُب كتبهم تقرير أف ا﵁ تعاىل ىو األحد الذم ال يتجزأ كال يتبعض كال ينقسم‪ ،‬كمرادىم‬
‫بذلك ‪-‬مرادىم هبذه األلفاظ اجململة‪ -‬مرادىم بذلك‪ :‬أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل ال يتصف بصفة الوجو‪ ،‬كال‬
‫يتصف بصفة القدـ‪ ،‬كال يتصف بصفة الساؽ‪ ،‬كال يتصف بصفة األصابع‪ ،‬إىل غَت ذلك فبا جاء ُب‬
‫كتاب ا﵁ كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم من ىذه الصفات الذاتية‪ ،‬كال شك أف ىذا مسلك باطل‬
‫ضاؿ‪ ،‬مصادما لنصوص الكتاب كالسنة‪.‬‬

‫أىل السنة كاعبماعة ال يستعملوف البتة ُب مقاـ تقرير االعتقاد مثل ىذه األلفاظ‪ ،‬ذبزء كتبعض‬
‫كانقساـ فيما يتعلق بصفات ا﵁ عز كجبللذاتية‪ ،‬ىذا شيء ال يستعملو أىل السنة كاعبماعة؛ ألهنا صبل‬
‫ربتمل معٌت حقا كربتمل معٌت باطل‪ ،‬كإمبا إذا ناظركا كناقشوا أىل البدع الذين يستعملوهنا فإهنم‬
‫يسلكوف معهم مسلك االستفصاؿ‪ ،‬دبعٌت أف يقاؿ ؼبن يستعمل ىذه األلفاظ‪ :‬ماذا تريد هبذه‬
‫الكلمات؟ فإف أراد معٌت حقان مشهود بو بالقبوؿ ُب ضوء الكتاب كالسنة‪ ،‬قبل اؼبعٌت اغبق دكف قبوؿ‬
‫اللفظ‪ ،‬كإذا ذكر اؼبعٌت الباطل فإنو يرد ىذا اؼبعٌت دكف التعرض للفظ أيضان بالرد‪ ،‬اؼبقصود أف مثل ىذه‬
‫الشبو اليت يذكركهنا ُب الصفات لعلو يأٌب تفصيبلن ؽبا إف شاء ا﵁ ُب قادـ الكبلـ عن صفات ا﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل‪.‬‬

‫ص َم ُد﴾ اظبو تعاىل الصمد‪ ،‬الصمد يطلق على عدة معاف ذكرت ُب تفسَت ىذا‬ ‫قاؿ‪﴿ :‬اللاوُ ال ا‬
‫االسم العظيم ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كأنت إذا نظرت ُب كبلـ العلماء ُب ىذا االسم كجدت أف ما ذكر كلو‬
‫صحيح‪ ،‬كيصح إضافتو إىل ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬يعٍت يصح أف يفسر ىذا االسم بو‪ ،‬فبا فسر بو الصمد‪:‬‬
‫أنو السيد الذم كمل ُب سؤدده فلم يكن فوقو أحد‪ ،‬كىذا ال شك أنو معٌت صحيح‪ ،‬كىذا معٌت‬
‫مستعمل ُب كبلـ العرب‪ ،‬كلذلك يقوؿ الشاعر‪:‬‬

‫أال بكر الناعي خبَت بٍت أسػ ػ ػ ػ ػػد بعمرك بن مسعود كبالسيد الصمد‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪84‬‬ ‫هللا‬
‫يعٍت السيد الذم كمل ُب سؤدده‪ ,‬كال شك أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل ىو السيد الذم لو السؤدد‬
‫اؼبطلق من صبيع الوجوه تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كما مر بنا ُب دركس كتاب التوحيد‪ :‬السيد على اإلطبلؽ إمبا‬
‫ىو رب العزة تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ككونو السيد الذم كمل ُب سؤدده‪ :‬ىذا يشمل صبيع نعوت اعببلؿ‬
‫كاعبماؿ ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كلذلك فسر ابن عباس رضي ا﵁ عنهما كما ُب ركاية علي بن أيب طلحة‬
‫كلمة الصمد‪ :‬بأنو السيد الذم كمل ُب سؤدده‪ ،‬كالكرًن الذم كمل ُب كرمو‪ ،‬كاغبليم الذم كمل ُب‬
‫حق‬
‫حلمو‪ ،‬كالغٍت الذم كمل ُب غناه‪ ،‬إىل آخر ما ذكر رضي ا﵁ عنو كأرضاه‪ ،‬كىذا ال شك أنو ه‬
‫كصحيح كثابت‪ ،‬فا﵁ تبارؾ كتعاىل لو الكماؿ اؼبطلق الذم ال يشوبو شيء من النقص كالعيب البتة‪.‬‬

‫المعنى الثاني‪ :‬أف الصمد ىو الذم تصمد إليو اػببلئق ُب حاجتها‪ ،‬تصمد‪ :‬يعٍت تقصد كتتوجو‬
‫ُب حاجتها إليو‪ ،‬كالشك أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل ىو الذم ييقصد ُب صبيع اغبوائج‪ ،‬كال شك أنو ىو الذم‬
‫يطلب ُب صبيع األمور‪ ،‬كلذلك كاف ىذا اؼبعٌت متفرعان عن اؼبعٌت السابق‪ ،‬ؼبا كاف ا﵁ جل كعل متصف‬
‫بالكماؿ اؼبطلق استحق أف يتوجو إليو اػببلئق أصبعوف‪ ،‬كلذلك قاؿ ابن القيم رضبو ا﵁ ُب النونية‪:‬‬

‫كىو اإللو السيد الصمد الذم صمدت إليو اػبلق باإلذعاف‬

‫ككجو ذلك‪ :‬أف لو الكماؿ اؼبطلق منو صبيع الوجوه تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫المعنى الثالث‪ :‬أف الصمد من ال جوؼ لو‪ ،‬كىذا اؼبعٌت جاء ُب كبلـ صبع من السلف رضبهم‬
‫ا﵁‪ -‬كىي ركاية عن ابن عباس كطائفة من السلف الصاحل رضبة ا﵁ تعاىل عليهم أصبعُت‪ ،‬كابن قتيبة‬
‫رضبو ا﵁ يرل أف الداؿ ىا ىنا كأف ىذه الكلمة حصل فيها إبداؿ بُت الداؿ كالتاء‪ ،‬أف أصل الكلمة‪:‬‬
‫الصمت‪ ،‬الشيء اؼبصمت الذم ال جوؼ لو‪ ،‬كىذا رجحو بعض أىل اللغة‪ ،‬كناقش ىذا ابن تيمية‬
‫رضبو ا﵁‪ ،‬كرأل أنو ال إبداؿ ُب ىذه الكلمة لكن بُت الصمت كالصمد اشتقاؽ أكرب‪ ،‬اؼبقصود أف ا﵁‬
‫تبارؾ كتعاىل ال جوؼ لو‪ ،‬كىذا يستلزـ غناه تبارؾ كتعاىل عن كل شيء‪ ،‬الصمت الذم ال جوؼ لو‪،‬‬
‫كلذلك العرب تقوؿ عن الشيء الذم ليس بأجوؼ إنو صمت‪ ،‬قاؿ الشاعر‪:‬‬

‫شهاب حركب ال تزاؿ خيولو عوابس يعلكن الشكيم اؼبصمدا‬

‫يعلكن الشكيم‪ :‬اغبديدة من اللجاـ اليت توضع ُب فم الفرس‪ ،‬قاؿ‪ :‬الشكيم اؼبصمدا يعٍت الذم‬
‫ليس أجوؼ‪ ،‬الشكيم حديدىا ليس أجوؼ‪ ،‬كلذلك تكوف حديدة قوية‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪85‬‬ ‫هللا‬
‫إذا ا﵁ تبارؾ كتعاىل ىو الذم ال جوؼ لو‪ ،‬كلذلك ال يدخل إليو شيء‪ ،‬كال ينفصل عنو شيء‪،‬‬
‫كىوة الذم سبحانو كتعاىل يطعم كال ييطعم‪ ،‬كىذا دليل على غناه‪ ،‬كعلى ربوبيتو تبارؾ كتعاىل‪ ،‬أما ما‬
‫كاف لو جوؼ فيدخل فيو شيء‪ ،‬أك ىبرج منو شيء‪ ،‬فإف ىذا ال يستحق أف يكوف ربنا‪ ،‬فبل يكوف إلو‪،‬‬
‫الرسل وأ ُُّموُ ِ‬
‫صدٍّي َقةٌ َكانَا‬ ‫ول قَ ْد َخلَ ْ ِ ِ ِ‬
‫يح ابْ ُن َم ْريَ َم إِاال َر ُس ٌ‬ ‫ِ‬
‫ت م ْن قَ ْبلو ُّ ُ ُ َ‬ ‫﴿ما ال َْمس ُ‬
‫قاؿ جل كعل‪َ :‬‬
‫ِ‬
‫يَأْ ُكالن الطا َع َ‬
‫ام﴾‬

‫إذنا بالتايل ال يبكن أف يكونا ربُت‪ ،‬كبالتايل ال يبكن أف يكونا إؽبُت‪ ،‬أما ا﵁ تبارؾ كتعاىل فإنو‬
‫الصمد كىذا يستلزـ غناه عن كل شيء‪ ،‬كيستلزـ عدـ افتقاره إىل أم شيء تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫المعنى الرابع‪ :‬كىو راجع إىل اؼبعٌت الذم قبلو‪ ،‬أنو الذم ال يأكل كال يشرب‪.‬‬

‫والمعنى الخامس‪ :‬أنو الذم ال يدخل فيو شيء‪ ،‬كال ىبرج منو شيء‪.‬‬

‫والمعنى السادس‪ :‬أنو الذم ال يلد كال يولد‪ ،‬كىذه كلها يبكن أف تكوف متفرعة عن اؼبعٌت الثالث‬
‫الذم ذكرتو لك‪.‬‬

‫بقي معنى أخير‪ :‬كىو ما ذكره طائفة من أىل العلم‪ ،‬من أف الصمد ىو الذم يبقى كال يفٌت‪ ،‬كال‬
‫شك أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل ىو األكؿ كاآلخر‪ ،‬األكؿ الذم ليس قبلو شيء‪ ،‬كاآلخر الذم ليس بعده‬
‫ْج ِ‬
‫الل َوا ِإل ْك َرام﴾‬ ‫شيء‪ُ ﴿ ،‬ك ُّل من َعلَْي َها فَ ٍ‬
‫ك ذُو ال َ‬
‫ان * َويَ ْب َقى َو ْجوُ َربٍّ َ‬ ‫َْ‬
‫كأنت إذا تأملت‪ ،‬يا رعاؾ ا﵁‪ ،‬فيما ذكر من ىذه اؼبعاين ُب اسم ا﵁ عز كجبللصمد كجدت أف‬
‫اإليمان بهذا االسم هلل تبارك وتعالى‪ :‬وبقق توحيدم اؼبعرفة كاإلثبات‪ ،‬كالقصد كالطلب‪ ،‬التوحيد‬
‫العلمي كالتوحيد العملي‪ ،‬فاعتقاد كماؿ ا﵁ عز كجل كاعتقاد غناه وبقق لك التوحيد العلمي‪ ،‬كقصده‬
‫تبارؾ كتعاىل باغباجات كالطلب منو سبحانو كتعاىل ال إىل غَته وبقق لك التوحيد العملي‪ ،‬كلذلك‬
‫ىؤالء الذين يشركوف مع ا﵁ غَته‪ ،‬عباد القبور‪ ،‬ما آمنوا بأف ا﵁ ىو الصمد‪ ،‬لو فعلوا ذلك‪ ،‬لو حققوا‬
‫اإليباف بأنو الصمد‪ ،‬ما توجهوا إىل غَت ا﵁ سبحانو كتعاىل بطلب اغباجات‪.‬‬

‫قاؿ سبحانو‪﴿ :‬لَ ْم يَلِ ْد َولَ ْم يُولَ ْد﴾ ىذه السورة صبعت بُت ذكر الصفات اؼبثبتة ﵁‪ ،‬ككذلك‬
‫الصفات اؼبنفية‪ ،‬كما أهنا صبعت بُت النفي اؼبفصل كالنفي اجململ‪ ،‬إذا ىذه السورة العظيمة كتاب ُب‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪86‬‬ ‫هللا‬
‫االعتقاد‪ ،‬اغبق‪ :‬أف الذم يتأمل ُب ىذه السورة هبد أهنا كتاب عظيم ُب االعتقاد‪ ،‬قاؿ سبحانو‪﴿ :‬لَ ْم‬
‫يَلِ ْد﴾ ىذا فيو نفي الوالدة عن ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فا﵁ جل كعل ليس لو كلد‪ ،‬كىذا ما جاء نفيو كثَتان‬
‫ُب كتاب ا﵁ تبارؾ كتعاىل؛ ألف طوائف من اػبلق افًتت على ا﵁ عز كجل ىذا االفًتاء العظيم‪ ،‬قالوا‬
‫ات بِغَْي ِر ِعل ٍْم﴾ يعٍت افًتكا افًتاء عظيم على ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬أف لو‬ ‫سبحانو‪﴿ :‬و َخرقُوا لَوُ بنِين وب نَ ٍ‬
‫َ َ ََ‬ ‫َ َ‬
‫البنُت كالبنات‪ ،‬كما قالت النصارل‪ :‬إف عيسى ابن ا﵁‪ ،‬ككما قالت اليهود‪ :‬إف عزير ابن ا﵁‪ ،‬ككما‬
‫قالت اؼبشركوف‪ :‬إف اؼببلئكة بنات ا﵁‪ ،‬كال شك أف ىذا افًتاء كبَت عظيم‪ ،‬كمنكر ال يوازيو منكر‪،‬‬
‫ش ُّق‬‫ات يَتَ َفطاْر َن ِم ْنوُ َوتَن َ‬
‫س َم َو ُ‬‫اد ال ا‬‫﴿وقَالُوا اتا َخ َذ ال ار ْح َم ُن َولَ ًدا*لََق ْد ِج ْئتُ ْم َش ْيئًا إِدًّا﴾ يعٍت عظيم ﴿تَ َك ُ‬
‫َ‬
‫اخ َذ َولَ ًدا * إِ ْن ُك ُّل َم ْن‬‫ال َى ًّدا* أَ ْن َد َعوا لِل ارحم ِن ولَ ًدا*وما ي ْنب ِغي لِل ارحم ِن أَ ْن ي ت ِ‬
‫ْجبَ ُ‬ ‫ض وتَ ِخ ُّر ال ِ‬
‫َ‬ ‫َْ‬ ‫ْ ْ َ َ ََ َ َ‬ ‫األ َْر ُ َ‬
‫ض إِاال آتِي ال ار ْح َم ِن َع ْب ًدا﴾ نسبة الولد إىل ا﵁ عز كجل تستلزـ لوازـ تدؿ على‬ ‫ات َواأل َْر ِ‬ ‫سمو ِ‬ ‫ِ‬
‫في ال ا َ َ‬
‫نقص ا﵁ جل كعز عن ذلك‪ ،‬نسبة الولد إىل ا﵁ جل كعل تستلزـ أف ال يكوف أحدا‪ ،‬كأال يكو‬
‫كاحدا‪ ،‬كذلك أف الولد إف كاف فإنو يأخذ خصائص كالده‪ ،‬كا﵁ جل عن أف يكوف لو أحد يكافئو‬
‫كيباثلو كيناظره‪.‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬أف ازباذ الولد إمبا يكوف عن طريق صاحبة‪ ،‬كعن طريق زكج‪ ،‬كا﵁ جل كعل نفى ىذا‬
‫عن نفسو‪﴿ :‬أَناى ي ُكو ُن لَو ولَ ٌد ولَم تَ ُكن لَو ص ِ‬
‫احبَةٌ﴾ كال شك أف الصاحبة "يعٍت الزكجة" إمبا تكوف‬ ‫َُ َ ْ ْ ُ َ‬ ‫َ‬
‫من جنس الزكج‪ ،‬ال يتزكج اإلنساف إال من كانت من جنسو‪ ،‬ال يتزكج اإلنساف من صخرة‪ ،‬كال يتزكج‬
‫اإلنساف هبيمة‪ ،‬إمبا يتزكج ما ىو من جنسو‪ ،‬فإذا كاف شبة من يتخذ صاحبة ﵁ تبارؾ كتعاىل إذا مل يكن‬
‫ا﵁ تبارؾ كتعاىل أحدا‪.‬‬

‫أمر ثالث‪ :‬أف ازباذ الولد يتناَب مع غٌت ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ازباذ الولد يستلزـ اغباجة النفسية‬
‫كاغباجة اؼبادية‪ ،‬فإف الوالد وبتاج إىل كلده من جهة النفسية‪ ،‬ىو ُب حاجة أف يشفي غليلو من ىذه‬
‫اغباجة إىل االبن من حيث قربو منو‪ ،‬كمن حيث سد ىذا النقص الذم يشعر بو‪ ،‬كلذلك كل من مل‬
‫يولد لو يشعر هبذا النقص‪ ،‬اسأؿ ا﵁ عز كجل أف يرزؽ كل من مل يكن لو كلد‪ ،‬أيضا اغباجة اؼبادية‪:‬‬
‫فإف األب ينتظر أف يكوف لو ابن يساعده‪ ،‬كيبد لو يد العوف‪ ،‬كا﵁ جل كعل ىو الغٍت عن كل ما‬
‫سواه‪ ،‬كلذلك ما حاجة ا﵁ عز كجل إىل الولد كىو اػبالق الذم ىبلق سبحانو كتعاىل‪ ،‬كالذم كل ما‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪87‬‬ ‫هللا‬
‫ُب السموات كاألرض يأتيو عبده‪ ،‬كلذلك تأمل نفي ىذا ُب قولو تعاىل‪﴿ :‬أَناى يَ ُكو ُن لَوُ َولَ ٌد َولَ ْم تَ ُك ْن‬
‫احبَةٌ َو َخلَ َق ُك ال َش ْي ٍء﴾ؼبا كاف خالقان لكل شيء كاف غنيان عن ازباذ الولد سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫لَو ص ِ‬
‫ُ َ‬
‫قاؿ سبحانو‪﴿ :‬لَ ْم يَلِ ْد َولَ ْم يُولَ ْد﴾ انتفى عن ا﵁ عز كجل اؼبولودية‪ ،‬يعٍت أف يكوف كلد لوالد‪،‬‬
‫كىذا اؼبعٌت ما جاء نفيو ُب كتاب ا﵁ إال ُب ىذا اؼبوضع‪ ،‬ككأف ذلك كا﵁ أعلم؛ ألف ىذا االفًتاء مل‬
‫وبصل من أحد من البشر‪ ،‬ال أعلم أف أحد من البشر زعم كافًتل أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل مولود لوالد‪،‬‬
‫تعاىل ا﵁ عن ذلك‪ ،‬ككأف نفي ىذا ُب ىذا اؼبوضع إلثبات أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل ال كلد لو‪ ،‬دبعٌت أف‬
‫الذين أثبتوا ﵁ عز كجل الولد يسلموف بأف ا﵁ تعاىل ال كالد لو‪ ،‬فكأنو يقاؿ ؽبم‪ :‬إذا كاف ال كالد لو‬
‫لغناه‪ ،‬فإنو ال كلد لو لغناه‪ ،‬يلزمكم إذا قلتم‪ :‬إف غٌت ا﵁ تبارؾ كتعاىل ككونو اػبالق لكل شيء‪ ،‬ككونو‬
‫األكؿ الذم مل يسبقو شيء‪ ،‬يستلزـ أف يكوف غَت مولود‪ ،‬فكذلك يلزمكم أف غناه تبارؾ كتعاىل يستلزـ‬
‫الدا‪،‬‬
‫أف يكوف سبحانو كتعاىل غَت كالد‪ ،‬فغٌت ا﵁ تبارؾ كتعاىل يستلزـ انتفاء األمرين‪ ،‬انتفاء أف يكوف ك ن‬
‫لودا سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫كانتفاء أف يكوف مو ن‬
‫َح ٌد﴾ الكفؤ‪ :‬ىو اؼبكافئ النظَت‪ ،‬كال شك أف ا﵁‬ ‫ِ‬
‫قاؿ‪﴿ :‬لَ ْم يَل ْد َولَ ْم يُولَ ْد * َولَ ْم يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫تبارؾ كتعاىل ليس لو نظَت‪ ،‬كليس لو مكافئ‪ ،‬كليس لو مثيل جل كعل‪ ،‬كما سبق الكبلـ عن ىذا‬
‫مرات عدة‪ ،‬كىذا أحد األدلة اليت جاء فيها إثبات النفي اجململ‪ ،‬كقلنا‪ :‬إف النفس اجململ يدؿ على‬
‫الكماؿ اؼبطلق‪ ،‬كما أف النفي اؼبفصل يدؿ على كماؿ ضد ىذه الصفة اؼبنفية‪ ،‬كلذلك نفي الوالدة‪،‬‬
‫كنفي أف يكوف ا﵁ عز كجل كالدا أك مولودا‪ :‬يدؿ على كماؿ غناه سبحانو كتعاىل ككماؿ كحدانيتو‬
‫تبارؾ كتعاىل‪ ،‬مل يكن النفي مراد بو النفي فحسب‪ ،‬إمبا أريد بو إثبات كماؿ الضد ﵁ تبارؾ كتعاىل‪،‬‬
‫إذا ىذه السورة صبعت بُت الصفات اؼبفصلة اؼبثبتة‪ ،‬كذكر الصفات اؼبفصلة اؼبنفية‪ ،‬كذكر النفي اجململ‬
‫﵁ تبارؾ كتعاىل كمن علم ذلك علم أهنا من أعظم سور القرآف‪ ،‬كأهنا تستحق أف تكوف ثلث القرآف‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمو اهلل تعالى في رسالتو العقيدة الواسطية‪( :‬وما وصف بو‬
‫نفسو في أعظم آية في كتابو حيث يقول)‬
‫فثن اؼبؤلف رضبو ا﵁ بعد سورة اإلخبلص بآية الكرسي‪ ،‬كقد أحسن عليو رضبة ا﵁ ما شاء ا﵁ أف‬
‫يوبسن حينما قدـ بُت يديو اآليات كاألحاديث اليت يستشهد هبا على إثبات الصفات‪ ،‬قدـ هبذين‬
‫اؼبوضعُت من كتاب ا﵁ عز كجل‪ ،‬كنبا سورة اإلخبلص‪ ،‬كآية الكرسي فإهنما من أصبع اؼبواضع ُب‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪88‬‬ ‫هللا‬
‫كتاب ا﵁ اليت دلت على إثبات التوحيد للبارم جل كعبل‪ ,‬سورة اإلخبلص كما مر معنا ُب درس‬
‫البارحة من أعظم السور ُب إثبات التوحيد‪ ,‬صبعت بُت إثبات توحيد اؼبعرفة كاإلثبات‪ ،‬كتوحيد القصد‬
‫كالطلب التوحيد العلمي‪ ،‬كالتوحيد العملي‪ ,‬فإهنا اشتملت على صفة ا﵁ تبارؾ كتعاىل بل أيخلصت‬
‫لذلك كما جاء ُب حديث عائشة رضي ا﵁ عنها ُب الصحيحُت ُب قصة الصحايب الذم كاف ىبتم‬

‫تبلكتو ُب الصبلة بػ ﴿قُ ْل ُى َو اللاوُ أ َ‬


‫َح ٌد﴾ ٍب أخرب أهنا صفة الرضبن؛ كألجل ىذا فإنو يوببها كذلك ثبت‬
‫و‬
‫بإسناد حسن كما قاؿ اغبافظ‬ ‫عباس رضي ا﵁ عنهما كما عند البيهقي ُب األظباء كالصفات‬ ‫عن ابن و‬
‫ابن حجر‪ :‬أف اليهود قالوا للرسوؿ صلى ا﵁ عليو كسلم ًصف لنا ربك الذم تعبد فأنزؿ ا﵁ ﴿قُ ْل ُى َو‬
‫َح ٌد﴾ فتبلىا عليهم‪ ،‬كقاؿ ىذه صفة ريب عز كجل‪ ،‬كذلك جاء عند الًتمذم من حديث أيب‬ ‫اللاوُ أ َ‬
‫بكر أيب بن و‬
‫كعب رضي ا﵁ عنو أف اؼبشركُت سألوا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم فقالوا أينسب لنا ربك؟‬

‫فأنزؿ ا﵁﴿قُ ْل ُى َو اللاوُ أ َ‬


‫َح ٌد﴾ كىذا األثر ه‬
‫حسن دبجموع طرقو إف شاء ا﵁‪.‬‬

‫إ نذا ىذه السورة فيها صفة البارم سبحانو كتعاىل‪ ،‬كذكرنا أهنا اشتملت على الصفات الثبوتية ﵁‬
‫تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ككذا على الصفات اؼبنفية النفي اإلصبايل‪ ،‬كالنفي التفصيلي كذلك اشتملت على توحيد‬
‫القصد كالطلب التوحيد العملي توحيد العبادة‪ ،‬كذلك ُب ثبلثة مواضع من ىذه السورة‪:‬‬
‫أكال‪ُ :‬ب قولو جل كعبل‪ :‬أحد ﴿قُ ْل ُى َو اللاوُ أ َ‬
‫َح ٌد﴾ كذكرنا أف من معٌت األحد‪ :‬أنو الذم تفرد ُب‬ ‫ن‬
‫عبادتو فبل شريك لو‪ ،‬كالنيب صلى ا﵁ عليو كسلم ؼبا مر بأحد أصحابو كىو يدعي بإصبعيو فقاؿ لو‪:‬‬
‫ببلال رضي ا﵁ عنو ؼبا عيذب كأيذم ُب سبيل ا﵁‪،‬‬
‫بإسناد حسن أف ن‬ ‫و‬ ‫أحد‪ ،‬كثبت عند ابن ماجو‬‫أحد ِّ‬
‫ِّ‬
‫ككاف الولداف يطوفوف بو ُب مكة كاف يقوؿ‪ :‬أح هد أحد‪ ،‬فأحدية ا﵁ جل كعبل ُب كبلمو ترجع إىل‬
‫أحديتو ُب عبادتو‪.‬‬
‫ص َم ُد﴾ كقلنا إف من معاين الصمد الذم تصمد إليو اػببلئق‬ ‫اؼبوضع الثاين ُب قولو تعاىل‪﴿ :‬اللاوُ ال ا‬
‫ُب حاجتها فهو كحده جل كعبل اؼبدعو دكف ما سواه‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪89‬‬ ‫هللا‬
‫مكافئ ال ُب‬
‫ه‬ ‫َح ٌد﴾ فا﵁ جل كعبل ليس لو‬
‫﴿ولَ ْم يَ ُك ْن لَوُ ُك ُف ًوا أ َ‬
‫كاؼبوضع الثالث‪ُ :‬ب قولو تعاىل‪َ :‬‬
‫مكافئ ُب عبادتو‪ ,‬بل ىو الواحد ُب عبادتو تبارؾ كتعاىل فبل‬
‫ه‬ ‫ذاتو‪ ،‬كال ُب صفاتو‪ ،‬ككذلك ليس لو‬
‫يستحقها أح هد سواه‪.‬‬

‫إذنا ىذه ثبلثة مواضع ُب ىذه السورة العظيمة دلت على أهنا سورة التوحيد صبعت بُت التوحيد‬
‫العلمي‪ ،‬كالتوحيد العملي كذلك الشأف ُب ىذه اآلية العظيمة اليت ىي أعظم آية ُب كتاب ا﵁ آية‬
‫الكرسي صبعت بُت إثبات التوحيد العلمي‪ ،‬كإثبات التوحيد العملي كما سيأٌب بياف ذلك إف شاء ا﵁‪.‬‬

‫اؼبقصود أف اؼبؤلف رضبو ا﵁ ذكر أف فبا يدخل ُب اإليباف با﵁ عز كجل اإليباف دبا كصف بو نفسو‬
‫خرج بو‬
‫ُب آية الكرسي اليت ىي أعظم آية ُب كتاب ا﵁‪ ،‬ككوهنا أعظم آية ُب كتاب ا﵁ دؿ عليو ما َّ‬
‫اإلماـ مسلم أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ ألييب بن كعب ‪» :‬أتدري يا أبا المنذر أي آية في‬
‫كتاب اهلل معك أعظم!؟ فقال‪ :‬اهلل ورسولو أعلم فكرر عليو النبي صلى اهلل عليو وسلم السؤال‬
‫فقال‪ :‬اهلل ال إلو إال ىو الحي القيوم‪ ،‬قال‪ :‬ليهنك العلم أبا المنذر «بل الركاية ُب اؼبسلم »واهلل‬
‫ليهنك العلم أبا المنذر«فهذا من العلم الذم ييهنئ عليو صاحبو‪ ،‬فكوف اإلنساف يعلم قدر ىذه اآلية‬
‫العظيمة‪ ،‬كيقوموا دبا هبب عليو ذباه ىذا العلم من االعتقاد‪ ،‬كالعمل ال شك أنو أمر عظي وم يستحق‬
‫صاحبو أف يهنئ عليو‪ ,‬ال شك كال ريب أف ىذه اآلية أعظم و‬
‫آية ُب كتاب ا﵁‪.‬‬ ‫ي‬
‫مضمرا سبعة عشر مرة إال ُب‬
‫ن‬ ‫ما جاء ُب آية كاحدة ُب كتاب ا﵁ ًذكر ا﵁ جل كعبل صروبنا أك‬
‫ىذه اآلية العظيمة‪ ،‬كال جاء تقرير توحيد ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كذكر نعوت جبللو‪ ،‬كصبالو ُب و‬
‫آية كاحدة‬
‫كما جاء ُب ىذه اآلية الكريبة فاستحقت إ نذا أف تكوف أعظم و‬
‫آية ُب كتاب ا﵁‪.‬‬

‫وسميت آية الكرسي‪ :‬ألنو ما جاء ذكر الكرسي ُب كتاب ا﵁ إال ُب ىذا اؼبوضع فحسب‬
‫ُ‬
‫فسميت آية الكرسي‪ ،‬كالكرسي عند أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬كىذا إصباعه عندىم ُب شأف أنو موضع‬
‫ي‬
‫و‬
‫بإسناد صحيح كما خرجو عبد‬ ‫قدمي البارم سبحانو كتعاىل‪ ،‬ثبت ىذا عن ابن عباس رضي ا﵁ عنهما‬
‫ا﵁ بن أضبد ُب السنة‪ ،‬كغَته من أىل العلم‪ ،‬ككذلك ثبت ىذا عن أيب موسى األشعرم رضي ا﵁ عنو‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪90‬‬ ‫هللا‬
‫و‬
‫بإسناد صحيح فهذاف صحابياف نص على أف تفسَت الكرسي أنو‬ ‫أيضا ُب السنة‬
‫كما عند عبد ا﵁ ن‬
‫موضع قدمي الرب تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كمثل ىذا ال شك أف لو حكم الرفع للنيب صلى ا﵁ عليو كسلم فإنو‬
‫ـبتلف ؽبذين الصحابيُت اعبليلُت بل ىذا ما توارد عليو السلف‬
‫لبس من موارد االجتهاد‪ ،‬كال ييعرؼ ه‬
‫و‬
‫كمجاىد رضبو ا﵁‪ ،‬كأطبق أىل السنة كاعبماعة على ىذا اؼبعٌت اف الكرسي موضع‬ ‫كاألئمة من بعدنبا‬
‫ـبلوؽ عظيم فوؽ السماء السابعة بينو‪ ،‬كبُت السماء السابعة مسَتة‬
‫قدمي البارم سبحانو كتعاىل‪ ،‬كأنو ه‬
‫طبسمائة عاـ‪ ،‬كالعرش فوؽ ذلك ٍب ربنا تبارؾ كتعاىل مست وو على العرش فهو و‬
‫ـبلوؽ عظيم بُت يدم‬
‫العرش كاؼبرقاة إليو كاف بُت يدم العرش كاؼبرقاة إليو كما جاء ىذا عن السلف رضبة ا﵁ تعاىل عليهم‪.‬‬

‫غييب ما اطلعنا‬
‫أمر ه‬‫كأما كيفية ذلك فإف علم ذلك ـبزكف عنا ا﵁ أعلم كيف يكوف ذلك؛ ألنو ه‬
‫﴿و ِس َع‬
‫َ‬ ‫عليو‪ ،‬كشبت أقو هاؿ غَت صحيحة ُب تفسَت الكرسي من أشهرىا تفسَت الكرسي بالعلم‬
‫ِ‬
‫ضعيف ال يصح عنو‬
‫ه‬ ‫كركم ىذا عن ابن عباس رضي ا﵁ تعاىل عنهما لكنو‬‫ُك ْرسيُّوُ﴾يعٍت‪ :‬كسع علمو‪ ،‬ي‬
‫كعفا ابن منده‪ ،‬كابن كثَت‪ ،‬الذىيب كغَتىم من أىل العلم فإف اإلسناد كما ركاه ابن جرير ُب تفسَته فيو‬
‫و‬
‫رجل ضعيف ىو جعفر بن أيب اؼبغَتة األضبر كىو ضعيف فبل يصح ىذا عن ابن عباس رضي ا﵁‬
‫عنهما كيف كقد ثبت عنو ما ىو أصح منو‪ ،‬كىو تفسَت الكرسي بأنو موضع قدمي البارم سبحانو‬
‫كتعاىل‪.‬‬

‫كىذا الذم ذىب إليو صباعة كبَتة من اؼبتكلمُت نفوا ثبوت الكرسي‪ ،‬ككونو ـبلوقنا ﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫عظيما بُت يدم العرش‪ ،‬كأنو موضع قدمي البارم سبحانو كتعاىل عبأ طائفة من اؼبتكلمُت إىل تأكيل‬
‫ن‬
‫ذلك بالعلم‪ ،‬كال شك أف ىذا ال يصح‪ ،‬كاآلية دليل على ذلك فإف ا﵁ تعاىل ذكر ُب ىذه اآلية‬
‫ض﴾ كال شك أف علم ا﵁ عز كجل كسع كل شيء ليس‬ ‫سمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫قاؿ‪ِ :‬‬
‫ات َواأل َْر َ‬ ‫﴿وس َع ُك ْرسيُّوُ ال ا َ َ‬
‫َ‬
‫ت ُك ال َش ْي ٍء َر ْح َمةً َو ِعل ًْما﴾ فا﵁ عز كجل بكل‬
‫﴿ربانَا َو ِس ْع َ‬
‫السماكات كاألرض فحسب قاؿ جل كعبل َ‬
‫شيء عليم‪ ،‬كليس علمو كسع السموات كاألرض فحسب‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪91‬‬ ‫هللا‬
‫كالتفسَت الثاين اػباطئ للكرسي‪ ,‬ىو تفسَت الكرسي بأنو العرش‪ ،‬فالعرش كالكرسي عند أصحاب‬
‫أيضا فإف ىذا األثر‬
‫ىذا القوؿ شيءه كاحد‪ ،‬يركم ىذا عن اغبسن البصرم رضبو ا﵁ لكنو ال يصح عنو ن‬
‫جدا كما قاؿ اغبافظ ابن حجر ُب‬
‫ضعيف ن‬
‫ه‬ ‫أخرجو الطربم ُب تفسَته‪ ،‬كُب اإلسناد جويربه األذدم كىو‬
‫التقريب إ نذا ىذاف تفسَتاف خاطئاف للكرسي‪ ،‬كشبت تفسَتات أخرل دكهنما ُب الشهرة؛من ذلك أف‬
‫الكرسي قدرة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كمن ذلك أف الكرسي ىو الفلك الثامن من أفبلؾ السماء إىل غَت‬
‫ذلك من ىذه األقواؿ اػباطئة اليت ال تصح حباؿ‪.‬‬

‫والصواب كما ذكرت لك كىو الذم عليو أىل السنة كاعبماعة أف الكرسي موضع قدمي البارم‬

‫سبحانو كتعاىل يقوؿ ا﵁ جل كعبل ُب ىذه اآلية العظيمة ﴿اللاوُ ال إِلَوَ إِاال ُى َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫وم﴾ مضى‬
‫الكبلـ عن اسم اعببللة ا﵁‪ ،‬كبُت سبحانو كتعاىل أف ىذا اإللو العظيم ال إلو إال ىو‪.‬‬

‫ذكر ا﵁ جل كعبل ُب ىذه اآلية كلمة التوحيد اؼبشتملة على جزئيُت على النفي كاإلثبات‪ ،‬على‬
‫توحيدا؛ ألف النفي من حيث ىو‬ ‫التخلية كعلى التحلية‪ ،‬على التجريد كالتفريد فإف النفي كحده ليس ن‬
‫توحيدا؛ ألنو ال يبنع اؼبشاركة إمبا التوحيد ؾبموع النفي‬ ‫عدـ‪ ،‬كالعدـ ليس بشيء‪ ،‬كاإلثبات كحده ليس ن‬
‫كاإلثبات‪.‬‬
‫التوحيد ىو‪ :‬التجريد مع التفريد قاؿ سبحانو كتعاىل‪﴿ :‬ذَلِ َ‬
‫ك بِأَ ان اللاوَ ُى َو ال َ‬
‫ْح ُّق َوأَ ان َما يَ ْدعُو َن‬
‫اطل﴾ فمن مل يعتقد بطبلف عبادة كل ما سول ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كأف كل و‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫معبود سول‬ ‫م ْن ُدونو ُى َو الْبَ ُ‬
‫معبود بباطل‪ ،‬كأف العبادة ال يستحقها إال ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كأنو اؼبعبود اغبق جل كعبل من مل‬ ‫ا﵁ فإنو و‬

‫تفصيبل ُب‬
‫ن‬ ‫يعتقد هبذا فإهنما أتى بكلمة التوحيد‪ ،‬كال استمسك بالعركة الوثقى‪ ،‬كىذا مضى الكبلـ فيو‬
‫شرح كتاب التوحيد‪.‬‬

‫قاؿ جل كعبل‪﴿ :‬اللاوُ ال إِلَوَ إِاال ُى َو ال َ‬


‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫وم﴾ ذكر ا﵁ جل كعبل ىا ىنا اظبُت من أظبائو‬
‫اغبسٌت اغبي‪ ،‬كالقيوـ‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪92‬‬ ‫هللا‬
‫داؿ على ثبوت القيومية ﵁ تبارؾ‬ ‫داؿ على ثبوت اغبياة الكاملة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬والقيوم‪ :‬ه‬ ‫الحي‪ :‬ه‬
‫كتعاىل‪.‬‬
‫كالقيوـ يدؿ على معنيُت كبلنبا حق‪ ،‬ككبلنبا ثابت ﵁ جل كعبل فهو القائم بنفسو اؼبقيم لغَته‬
‫ىذا كمن أكصافو القيوـ كالػ قيوـ ُب أكص ػ ػ ػ ػػافو أم ػ ػ ػراف‬
‫إحدانبا القيػ ػػوـ قاـ بنفس ػػو كالكوف قاـ بو نبا األمراف‬
‫فاألكؿ استغنػ ػػاؤه عن غػ ػػَته كالفقر من كل إليو الثػ ػػاين‬
‫فا﵁ جل كعبل القائم بنفسو اؼبستغٍت عن غَته‪ ،‬كاؼبعٌت الثاين‪ :‬أنو اؼبقيم لغَته‪ ،‬كالكل فقَته إليو‬
‫تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كالحظ كيف كاف الكماؿ ُب اجتماع ىذين االظبُت العظيمُت‪.‬‬
‫القيوم جاء في كتاب اهلل في والوة مواضع‪ُ :‬ب آية الكرسي‪ ،‬كُب مفتتح آؿ عمراف ﴿الم * اللاوُ‬
‫ت الْوجوه لِلْحي الْ َقيُّ ِ‬
‫وم﴾ كالحظ أنو ُب ىذه اؼبواضع‬ ‫﴿و َعنَ ِ ُ ُ ُ َ ٍّ‬ ‫ال إِلَوَ إِاال ُى َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫وم﴾ كُب طو َ‬
‫الثبلثة ما جاء القيوـ فيها إال مقًتنا باغبي‪ ،‬كذلك ألف ىذا الكماؿ الذم ليس بعده كماؿ فإف اظبو‬
‫تعاىل اغبي يدؿ بداللة اللزكـ على صبيع الصفات الذاتية‪ ،‬كالقيوـ يدؿ بداللة اللزكـ على صبيع‬
‫الصفات الفعلية ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ,‬فكاف الكماؿ فوؽ الكماؿ ُب اجتماع اظبيو تبارؾ كتعاىل اغبي‬
‫كالقيوـ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫ْخ ُذهُ ِسنَةٌ َوال نَ ْوٌم﴾ ا﵁ جل كعبل‬ ‫قاؿ ا﵁ جل كعبل‪﴿ :‬اللاوُ ال إِلَوَ إِاال ُى َو ال َ‬
‫ْح ُّي الْ َقيُّ ُ‬
‫وم ال تَأ ُ‬
‫السنة‪ ،‬كالنوـ‪.‬‬ ‫نفى عن نفسو ىنا ىاتُت الصفتُت اللتُت ال تليقاف بو تبارؾ كتعاىل ً‬

‫ِ‬
‫السنة‪ :‬مبدأ النوـ ذاؾ الفتور الذم يعًتم اإلنساف‪ ،‬كلكنو ال يفقد معو ذىنو ىذا الذم ييسمى‬
‫بالنيعاس‪ ،‬كييسمى بالوسن‪ ،‬كأما النوـ فهو‪ :‬الثقيل الذم يفقد اإلنساف معو شعوره ُب عينو ًسنةه‪ ،‬كليس‬
‫بنائم كما قاؿ الشاعر‪.‬‬
‫ككبلنبا يدالف على الضعف‪ ،‬كنقص القدرة‪ ،‬كلذا نفى ا﵁ تبارؾ كتعاىل عن نفسو ىاتُت الصفتُت‪,‬‬
‫داال على كماؿ قوتو كقدرتو جل كعبل‪ ،‬فا﵁ ال تأخذه سنة كال نوـ؛ لكماؿ قوتو‬ ‫بالتايل كاف ىذا النفي ن‬
‫فضبل عن أف يعًتيو شيء من النوـ‪.‬‬
‫كقدرتو تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فا﵁ جل كعبل ليس يعًتيو شيءه من النيعاس ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪93‬‬ ‫هللا‬
‫ُب صحيح مسلم من حديث أيب موسى رضي ا﵁ عنو أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ ‪» :‬إن‬

‫اهلل ال ينام وال ينبغي لو أن ينام « ال يبكن أف وبصل شيء من النوـ ﵁ تبارؾ كتعاىل ىذا ه‬
‫أمر ال يليق‬
‫با﵁‪ ،‬ال ينبغي لو أف يناـ كيف يكوف ذلك كا﵁ جل كعبل ىو القائم على كل شيء‪ ،‬القائم على كل‬
‫نفس دبا كسبت‪ ،‬كىو الذم قامت السموات كاألرض بأمره‪ ،‬كىو الذم ما ربرؾ متحرؾ‪ ،‬كال سكن‬ ‫و‬
‫ساكن إال بأمره الكوين تبارؾ كتعاىل فكيف يكوف مع ىذا أف يناـ جل كعبل؟‪ ،‬كىذا أيضا م و‬
‫ناؼ‬ ‫ن ي‬
‫لكماؿ حياتو تبارؾ كتعاىل؛ ألنو قد سبق أنو اغبي‪ ،‬كألنو القيوـ انتفى عنو ً‬
‫السنة كالنوـ‪ ،‬كلذلك لكماؿ‬
‫حياة أىل اعبنة فإنو ماذا ال يناموف ثبت عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم أنو قاؿ‪» :‬النوم أخو الموت‪،‬‬

‫وال ينام أىل الجنة« ن‬


‫نظرا لكماؿ حياهتم فكيف حبياة البارم سبحانو كتعاىل الشك أهنا أكىل بالكماؿ‪،‬‬
‫ْخ ُذهُ ِسنَةٌ َوال نَ ْوٌم لَوُ َما فِي‬ ‫كلذا انتفى عنو جل كعبل أف ينالو شيء من ً‬
‫السنة كالنوـ قاؿ‪﴿ :‬ال تَأ ُ‬ ‫ه‬
‫ض﴾ الحظ تقدًن اػبرب ىا ىنا‪ ،‬كىو قولو‪﴿:‬لَوُ﴾‪ ،‬كتقدًن اػبرب ييفيد اغبسرة إذنا‬ ‫ات َوَما فِي األ َْر ِ‬
‫سمو ِ‬
‫ال ا َ َ‬
‫ا﵁ عز كجل لو اؼبًلك‪ ،‬كلو اؼبلك السموات كاألرض بل ا﵁ جل كعبل لو ملكوت كل شيء ﴿قُ ْل َم ْن‬
‫ي‬
‫ٍ‬
‫ار َعلَْيو﴾ أيكوف أح هد سواه؟! ال شك كال ريب أف ىذا ال‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫بِيَ ِدهِ َملَ ُك ُ‬
‫وت ُك ٍّل َش ْيء َو ُى َو يُج ُير َوال يُ َج ُ‬
‫ض َم ْن َذا الا ِذي يَ ْش َف ُع ِع ْن َدهُ إِاال بِِإ ْذنِِو﴾ عرجت اآلية ىا‬‫ات َوَما فِي األ َْر ِ‬ ‫سمو ِ‬ ‫ِ‬
‫يكوف﴿لَوُ َما في ال ا َ َ‬
‫ىنا بعد أف بينت كماؿ ا﵁ العظيم على موضوع الشفاعة‪ ،‬كموضوع الشفاعة إف كنتم تذكركف ما‬
‫تكلمنا عنو ُب درس كتاب التوحيد من اؼبوضوعات اؼبهمة اليت كثير ُب القرآف ذكرىا فإف اؼبنازعة من‬
‫اؼبشركُت إمبا كانت للنيب صلى ا﵁ عليو كسلم ابتداءن كأكلينا ُب شأف موضوع الشفاعة‪ ,‬أنكركا أف تكوف‬
‫آؽبتهم‪ ،‬كأف تكوف معبوداهتم شفعاء عند ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كىم ما أشركوا إال الزباذىم ىذه اآلؽبة شفعاء‬
‫مع ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كا﵁ جل كعبل قد نفى ىذا ُب كتابو‪ ،‬كأنت إذا تأملت كجدت أف موضوع‬
‫الشفاعة إمبا جاء ُب أغلب آيات القرآف منفيا؛ ألجل أف ينتفي ُب أذىاف الناس ما يظنونو كيتونبونو‬
‫من الشفاعة اليت تكوف بُت الناس ُب الدنيا أف تكوف الشفاعة بُت يدم ا﵁ جل كعبل يوـ القيامة أك ُب‬
‫الدنيا من ىذا الباب حاشا ككبل ىذا ال يكوف البتة بل ىذا من أعظم النقص أف يينسب ذلك إىل ا﵁‬
‫تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪94‬‬ ‫هللا‬
‫الشفاعة ُب الدنيا يهجم فيها الشافع على اؼبشفوع عنده دكف استئذاف لو كاف أعظم اؼبلوؾ من‬
‫رغما عنو حىت لو‬ ‫ملوؾ الدنيا فإنو يتقدـ بُت يديو بالشفاعة زكجو أك ابنو أك صديقو أك حبيبو‪ ،‬كذلك ن‬
‫منفي ُب حق‬ ‫كارىا أف تكوف شفاعة بُت يديو فإنو ييشفع عنده كلو مل يأذف‪ ،‬كال شك أف ىذا ه‬ ‫كاف ن‬
‫﴿م ْن َذا الا ِذي يَ ْش َف ُع ِع ْن َدهُ إِاال بِِإ ْذنِِو﴾‬
‫الشفاعة اليت تكوف عند ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ,‬قاؿ سبحانو ىا ىنا‪َ :‬‬
‫مضمن معٌت التحدم يعٍت أنو ال أحد يشفع إال بإذنو‪،‬‬ ‫ه‬ ‫انكارم‬
‫ه‬ ‫استفهاـ‬
‫ه‬ ‫الحظ أف ىذا االستفهاـ‬
‫كمن هبرؤ من الذم هبرؤ أف يشفع عند ا﵁ تبارؾ كتعاىل دكف أف يأذف بذلك جل ربنا كعز؟ ال شك‬
‫أف ىذا من أبطل الباطل نفاه سبحانو كتعاىل عن نفسو؛ ألنو ال يليق بو‪.‬‬
‫الشفاعة عند ا﵁ تبارؾ كتعاىل ال تكوف إال بإذف البارم جل كعبل مع رضاه عن اؼبشفوع لو‪ ,‬حىت‬
‫أشرؼ اػبلق كسيد الشفعاء عليو الصبلة كالسبلـ ال يشفع عند ا﵁ جل كعبل من تلقاء نفسو بل إنو‬
‫ال يشفع إال بعد أف يوبرؾ ا﵁ قلبو للشفاعة‪ ،‬كإال بعد أف يستأذف بُت يدم شفاعتو‪ ،‬كإال بعد أف يأذف‬
‫ا﵁ عز كجل لو بل إال بعد أف يأمره ا﵁ عز كجل بالشفاعة يقوؿ ا﵁ جل كعبل‪ :‬اشفع تيشفع إ نذا األمر‬
‫اعةُ َج ِم ًيعا﴾‬ ‫ابتداءن‪ ،‬كانتهاءن ﵁ تبارؾ كتعاىل إذا علمت ىذا ربققت بقوؿ ا﵁ جل كعبل﴿قُ ْل لِلا ِو ال ا‬
‫ش َف َ‬
‫حقيقة األمر أن اهلل شفع من نفسو إلى نفسو‪ ،‬وأراد إكرام عبده حقيقة الحال أن اهلل شفع‬
‫من نفسو إلى نفسو‪ ،‬وأراد إكرام عبده‪.‬‬
‫أما الشفاعة اليت تكوف ُب الدنيا فالشأف فيها ـبتلف الشفاعة اليت تكوف فيها اليت تكوف ُب الدنيا‪،‬‬
‫كيعرفها الناس شفاعة فيها اشًتاؾ ُب الرضبة ما حصل اؼبقصود من حصوؿ اػبَت أك دفع الضرر إال‬
‫باجتماع إرادتُت؛ إرادة الشافع‪ ،‬كاؼبشفوع عنده‪ ،‬كحصل تأثَته من الشافع ُب اؼبشفوع عنده فكاف نتيجة‬
‫الشفاعة‪ ،‬كال شك أف ىذا ال ييظن‪ ،‬كال يليق أف ييظن با﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫ا﵁ جل كعبل ىو األحد‪ ،‬كىو الواحد تبارؾ كتعاىل فإنو إذا رحم عبده جل كعبل كعفا عن عبده‬
‫رضبة منو تبارؾ كتعاىل دكف أف ييشاركو ُب ذلك غَته جل ُب عبله‬ ‫جل كعبل فإف ىذا إمبا يكوف عن و‬
‫سمو ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ‬ ‫اِ‬
‫ض﴾ مضى‬ ‫ات َواأل َْر َ‬ ‫﴿م ْن َذا الذي يَ ْش َف ُع ع ْن َدهُ إِاال بِإ ْذنو * َوس َع ُك ْرسيُّوُ ال ا َ َ‬
‫قاؿ سبحانو‪َ :‬‬
‫ـبلوؽ عظيم بُت يدم العرش كاؼبرقاة إليو قاؿ جل‬
‫الكبلـ فيو‪ ،‬كأنو موضع قدـ البارم جل كعبل‪ ،‬كأنو ه‬
‫جدا حىت إنو يشمل‪ ،‬كيسع السموات كاألرض‪.‬‬
‫كعبل ُب كصف ىذا الكرسي‪ ،‬كأنو كرسي عظيم ن‬

‫فالسموات كاألرض بالنسبة إىل الكرسي ـبلوقات صغَتة‪.‬‬


‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪95‬‬ ‫هللا‬
‫مر معنا ُب كتاب التوحيد أف السموات كاألرض ُب الكرسي كدراىم ستة أيلقيت ُب تيرس‪،‬‬
‫ككدراىم السموات ُب الكرسي كدراىم سبعة أيلقيت ُب تيرس‪ ،‬ككذلك أخرب صلى ا﵁ عليو كسلم ُب‬
‫و‬
‫كحلقة يملقاة ُب فبلت فدؿ ىذا على أف الكرسي‬ ‫اغبديث اآلخر أف السموات كاألرض ُب الكرسي‬
‫ـبلوؽ عظيم تضائل أماـ سعتو‪ ،‬ككربه تضائل ما يتعلق بسعة ىذه السموات‪ ،‬كىذه األرض فكيف‬
‫ه‬
‫بالعرش الذم ىو أعظم أكسع من الكرسي فكيف بالبارم تبارؾ كتعاىل الذم ىو العظيم الذم ىو‬
‫سمو ِ‬
‫ات‬ ‫ِ‬ ‫أعظم من كل شيء‪ ،‬كأكرب من كل شيء كىو الواسع سبحانو كتعاىل قاؿ‪ِ :‬‬
‫﴿وس َع ُك ْرسيُّوُ ال ا َ َ‬
‫َ‬
‫يم﴾ يعٍت‪ :‬السموات كاألرض‪ ،‬كفسر اؼبؤلف رضبو ا﵁ ُب‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫واألَرض وال ي ئُ ِ‬
‫ودهُ ح ْفظُ ُه َما َو ُى َو ال َْعل ُّي ال َْعظ ُ‬
‫َ ْ َ َ َ ُ‬
‫ودهُ﴾ييثقلو‪ ،‬ييكرثو‪ ،‬كييثقلو أكرثو األمر إذا اشتد عليو‪ ،‬كبلغ منو مبلغنا شاقنا‪ ،‬كمنو‬ ‫ىذه العقيدة قولو‪﴿:‬يَئُ ُ‬
‫قيلك كارثة يعٍت األمر الذم ىو نازلة شديدة‪ ،‬كعظيمة‪.‬‬

‫ا﵁ جل كعبل ال يشتد عليو شيء‪ ،‬ال يثقل عليو شيء فا﵁ سبحانو كتعاىل يسَت عليو أف وبفظ‬
‫ودهُ ِح ْفظُ ُه َما﴾ كىذا النفي يدؿ على كماؿ قدرة البارم تبارؾ‬ ‫﴿وال يَئُ ُ‬
‫السموات كاألرض كما فيهما‪َ ،‬‬
‫كتعاىل‪ ،‬ككماؿ سلطانو‪ ،‬كنفوذ أمره‪ ،‬كتدبَته جل كعبل لكل شيء فهو الذم يدبر كل شيء كىو‬
‫يم﴾ اظباف جليبلف يدالف‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫القيوـ القائم على كل شيء قاؿ‪﴿ :‬وال ي ئُ ِ‬
‫ودهُ ح ْفظُ ُه َما َو ُى َو ال َْعل ُّي ال َْعظ ُ‬
‫َ َ ُ‬
‫على ثبوت صفيت العلو‪ ،‬كالعظمة‪.‬‬

‫العيلو سيأٌب الكبلـ عنو بالتفصيل إف شاء ا﵁ ُب قادـ ىذه العقيدة‪ ،‬كىو باختصار أعٍت اظبو‬
‫العلي يدؿ على ثبوت العلو‪.‬‬
‫والعلو في صفات اهلل تبارك وتعالى والوة أضرب كلها وابتة هلل تبارك وتعالى‪:‬‬
‫فا﵁ جل كعبل لو العلو من صبيع اعبهات لو علو الذات‪ ،‬كلو علو القدر‪،‬لو العلو من اعبهات‬
‫كقهرا مع علو الشأف‪.‬‬
‫صبيعها ذاتنا‪ ،‬ن‬
‫أما العظيم‪ :‬فاسم داؿ على ثبوت صفة العظمة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كا﵁ جل كعبل لو العظمة من‬
‫صبيع اعبهات كىو العظيم بكل معٌت ييوجب التعظيم ال يوبصيو من إنساف كما قاؿ ابن القيم رضبو ا﵁‬
‫و‬
‫صفات كثَتة ربتها‪.‬‬ ‫العظمة صفة من الصفات اعبامعة يعٍت اليت تدؿ على‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪96‬‬ ‫هللا‬
‫يب من الشأف ُب صفة الصمدية قلنا إف الصمد السيد الذم كمل ُب‬ ‫الشأف ُب العظمة قر ه‬
‫صفات الكماؿ فهو الكرًن الذم بلغ الغاية ُب الكرـ كىو اغبليم الذم بلغ الغاية ُب اغبلم كىو الغٍت‬
‫الذم بلغ الغاية ُب الغٌت‪ ،‬كىو السيد الذم بلغ الغاية السؤدد ‪.‬‬
‫كذلك الشأف ُب العظيم فإنو يدؿ على كماؿ صفاتو تبارؾ كتعاىل من صبيع الوجوه‪ ،‬كىذا يدلك‬
‫صفات جامعة تدؿ على غَتىا‪ ،‬كتتضمن غَتىا ليس فقط تدؿ بداللة‬
‫ه‬ ‫أف من صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫ودهُ‬
‫﴿وال يَئُ ُ‬
‫اللزكـ بل تدؿ بداللة التضمن على غَتىا من الصفات اعبليلة العظيمة ﵁ تبارؾ كتعاىل قاؿ َ‬
‫يم﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ح ْفظُ ُه َما َو ُى َو ال َْعل ُّي ال َْعظ ُ‬
‫قاؿ رضبو ا﵁‪( :‬ولهذا كان من قرأ ىذه اآلية في ليلة لم ينزل عليو من اهلل حافظ‪ ،‬وال يقربو‬
‫شيطا ٌن حتى يُصبح)‬
‫ختم الكبلـ عن ىذه اآلية بعد أف أكردىا ببياف فضيلة من فضائل ىذه اآلية الكريبة‪ ،‬كىي أف من‬
‫قرأىا ُب و‬
‫ليلة فاز جبائزتُت‪:‬‬
‫األكىل‪ :‬أنو ال يزاؿ عليو من ا﵁ حافظ‪.‬‬
‫كالثانية‪ :‬أنو ال يقربو شيطا هف حىت ييصبح‪ ,‬يعٍت حىت يدخل ُب الصباح‪ ،‬كحىت ينتهي الليل‪ ،‬كىذا ما‬
‫ثبت ُب البخارم عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم أكرده البخارم رضبو ا﵁ ُب صحيحو تعلي نقا فإنو قاؿ‬
‫رضبو ا﵁ ُب الصحيح ُب ثبلثة مواضع‪ ،‬ككلها كانت معلقة‪ ،‬كقاؿ عثماف بن اؽبيثم قاؿ‪ :‬حدثنا عوؼ‬
‫عن ؿبمد بن سَتين عن أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كساؽ اغبديث‪ ،‬كىذا من األحاديث اليت علقها‬
‫ؾبزكما هبا عن أحد مشاىبو رضبو ا﵁ فإف عثماف بن اؽبيثم من مشايخ البخارم‪ ،‬كركاه عنو ربديثنا ُب‬
‫ن‬
‫صحيحو ُب مواضع عدة‪ ،‬كالسبب ُب ىذا التعليق عن مشاىبو يعٍت ما أف ما ذكر لفظنا من ألفاظ‬
‫السماع كالتحديث من شيخو لو ألسباب يعرفها طبلب اغبديث‪ ،‬كاغبديث كصلو النسائي كغَته‬
‫بإسناد صحيح‪ ،‬كفيو قصة أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو مع الشيطاف‪ ،‬كخبلصة ما جاء فيها أنو قد‬‫و‬
‫أيستحفظ من النيب صلى ا﵁ عليو كسلم على زكاة رمضاف يعٍت زكاة الفطر فأمسك من جاء وبذك من‬
‫ىذه الصدقة يعٍت‪ :‬جاء يأخذ من ىذا الطعاـ أمسكو‪ ،‬كقاؿ‪ :‬ألرفعنك إىل رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم فاشتكى أنو صاحب حاجة‪ ،‬كعياؿ فرؽ لو رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كتركو ٍب أخرب النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم ؼبا أصبح فأخربه النيب صلى ا﵁ عليو كسلم أنو سيعود أخرب فأبا ىريرة رضي ا﵁ عنو أنو علم أنو‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪97‬‬ ‫هللا‬
‫سيعود؛ إلخبار النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ,‬أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم لعظيم إيباهنم‪ ،‬بنبوة‬
‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم فإمبا ىبربىم بو ىو عندىم ُب اليقُت كأنو األمر اؼبشاىد قاؿ‪ :‬علمت أنو‬
‫سيعود؛ إلخبار النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬ككاف كما كاف‪ ،‬عاد ُب الليلة الثانية ككاف منو ما كاف ُب‬
‫الليلة األكىل‪ ،‬ككاف من أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو ما كاف منو ُب الليلة األكىل فًتكو ٍب عاد فأخرب النيب‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم ؼبا أصبح فأخربه أنو سيعود حىت استتم األمر ثبلث مرار ٍب إنو قاؿ لو‪ :‬دعٍت‪،‬‬
‫أمرا ينفعك ا﵁ بو‪ ،‬كذكر أبو ىريرة ُب اغبديث أف الصحابة كانوا أحرص الناس على اػبَت‬ ‫كإين أخربؾ ن‬
‫بشيء ينفعو ا﵁ بو كاف عندىم من اغبرص على اػبَت ما‬ ‫ؼبا ظبع أف ىذا الذم يتحدث معو سيخربه و‬
‫حث لنا على أننا ال ينبغي أف نًتؾ فائدة لعل ا﵁‬ ‫جعلو يًتكو مقابل أف يأخذ ىذا اػبَت‪ ،‬كىذا فيو ه‬
‫سبحانو أف ينفعنا هبا‪.‬‬
‫اؼبقصود أف ىذا ككاف الشيطاف منذ تلك الليايل ىو يتحاكر مع أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو أكصاه‬
‫بأنو إذا أخذ مضجعو تبل آية الكرسي حىت ىبتمها ٍب قاؿ لو‪ :‬إنو ال يزاؿ عليك من ا﵁ حافظ‪ ،‬كال‬
‫يقربك شيطا هف حىت تيصبح فأخذىا رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كأخرب هبا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم فقاؿ عليو‬
‫الصبلة كالسبلـ »صدقك وىو كذوب«‪.‬‬
‫الشأف ُب الشيطاف أنو كذكب كثَت الكذب لكن قد يصدر الكذاب‪ ،‬كمن ذلك ىذه اؼبرة صدؽ‬
‫فيها الشيطاف‪ ،‬كُب ىذا فائدة لنا‪ ،‬كىي أف اؼببطل إذا أخرب باغبق مل يكن لنا أف ندع اغبق؛ ألف الذم‬
‫أخرب بو مبطل بل ينبغي أف يكوف الرائد لنا اغبق فمىت كجده اؼبسلم فإف عليو أف يتشبث بو كال يدعو‪.‬‬
‫المقصود‪ :‬اف من فضائل ىذه اآلية العظيمة أف وبصل‪ ،‬كأف يفوز تاليها إذا جاء إىل فراش نومو‬
‫أف يفوز هبذا الفضل كىو أنو ال يزاؿ عليو من ا﵁ حافظ‪ ،‬كماذا يريد العبد أكثر من ذلك إذا رعاؾ‬
‫ا﵁‪ ،‬كإذا حفظك ا﵁ فأم سوء ينايلك؟ كإذا مل بقربك شيطاف بفضل ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬ككبلءتو‪،‬‬
‫كرعايتو فإنك تناـ ىنيئنا قرير العُت‪.‬‬
‫أما إذا مل يكن عديك من ا﵁ عز كجل حافظ‪ ،‬كمل تكن ىناؾ حراسة من ا﵁ تبارؾ كتعاىل لك‬
‫تدفع عنك أذل الشيطاف فإنو ردبا ينالك من أذاه ما ينالك فبل ينبغي للمسلم أف ييفرط ُب ىذه السنة‬
‫اليت علمنا إياىا نبينا صلى ا﵁ عليو كسلم كما ُب ىذا اغبديث ينبغي على اإلنساف إذا أتى فراش نومو‬
‫أف وبرص على أف يتلوا ىذه اآلية‪ ،‬كأف ييغالب النوـ ال يغلبو النوـ فكم من الناس إذا جاء إىل فراشو‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪98‬‬ ‫هللا‬
‫فإف الشيطاف يينسيو‪ ،‬كهبعلو يناـ قبل أف يتلوا ىذه اآلية فيفوتو ما جاءه ُب ىذه اآلية العظيمة من‬
‫الفضل‪.‬‬
‫خَتا على صبلة ُب اآلية‪ ،‬كنسيت أف أتكلم عنها ﴿يَ ْعلَ ُم َما بَ ْي َن أَيْ ِدي ِه ْم َوَما‬
‫نبهٍت األخ جزاه ا﵁ ن‬
‫َخ ْل َف ُه ْم﴾‬

‫ِ‬
‫﴿وَما َخ ْل َف ُه ْم﴾ يعٍت األمور اؼباضية‪ ،‬فا﵁ جل كعبل‬ ‫﴿يَ ْعلَ ُم َما بَ ْي َن أَيْدي ِه ْم﴾ األمور اؼبستقبلة‪َ ،‬‬
‫علم كل شيء من اؼباضيات‪ ،‬كاغباضرات‪ ،‬كاؼبستقببلت قاؿ‪﴿ :‬يَ ْعلَ ُم َما بَ ْي َن أَيْ ِدي ِه ْم َوَما َخ ْل َف ُه ْم َوال‬
‫يُ ِحيطُو َن بِ َ ٍ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ش ْيء م ْن علْمو إِاال ب َما َش َ‬
‫اء﴾‪.‬‬

‫ش ْي ٍء ِم ْن ِعل ِْم ِو﴾ يعٍت فبا يعلم سبحانو كتعاىل يعٍت من‬
‫﴿وال يُ ِحيطُو َن بِ َ‬
‫الصحيح أف قولو‪َ :‬‬
‫معلومة جل كعبل إال دبا شاء فالعلم ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كالعباد ال يعلموف شيئنا حىت ييعلمهم ا﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل‪﴿ .‬واللاوُ أَ ْخرج ُكم ِمن بطُ ِ‬
‫ون أُام َهاتِ ُك ْم ال تَ ْعلَ ُمو َن َش ْيئًا﴾ األصل أف اإلنساف ظامله جاىل ليس‬ ‫ََ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫ْم لَنَا إِاال َما َعلا ْمتَ نَا﴾ فالتعليم من‬ ‫عنده من العلم شيء حىت علمو ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪﴿ ,‬سبحانَ َ ِ‬
‫ك ال عل َ‬ ‫ُْ َ‬
‫ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كالعلم إمبا ىو نعمة ييعطيها ا﵁ سبحانو كتعاىل ؼبن شاء‪ ،‬كال شك أف ما يعلمو ا﵁‬
‫تبارؾ كتعاىل بالنسبة ؼبا يعلمو العباد ال شك أنو ال مناسبة بُت ىذا كىذا ما يعلمو العباد بالنسبة ؼبا‬
‫يعلمو ا﵁ تبارؾ كتعاىل كنقطة من حبر‪ ،‬كىذا سبثيل كإال فاألمر أعظم من ذلك‪.‬‬

‫قال شيخ اإلسالم بن تيمية رحمو اهلل تعالى في رسالتو (العقيدة الوسطية)‪ :‬وقولو سبحانو‪:‬‬
‫ْح ٍّي الا ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫وت﴾‬ ‫﴿وتَ َواك ْل َعلَى ال َ‬
‫َ‬

‫ال يزاؿ اؼبؤلف رضبو ا﵁ يوايل ذكر األدلة اليت دلت على ثبوت صفات ا﵁ سبحانو‪ ,‬سواءن كانت‬
‫و‬
‫صفات ثبوتية أك منفية‪.‬‬

‫ْح ٍّي الا ِذي ال‬


‫﴿وتَ َواك ْل َعلَى ال َ‬
‫َ‬ ‫قاؿ‪( :‬وقولو)يعٍت كدخل ُب ىذه اعبملة ن‬
‫أيضا قولو تعاىل‪:‬‬
‫كصفة و‬
‫منفية ﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كالصفة الثبوتية ىا ىنا ىي‬ ‫صفة ثبوتية و‬
‫وت﴾؛ىذه اآلية فيها ذكر و‬
‫يَ ُم ُ‬
‫﴿وتَ َواك ْل َعلَى ال َ‬
‫ْح ٍّي﴾ كقد علمنا أف كل أس وم ﵁ عز كجل فإنو يتضمن صفةن‬ ‫صفة اغبياة ألنو قاؿ‪َ :‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪99‬‬ ‫هللا‬
‫متصف بصفة اغبياة‪ ،‬كحياة ا﵁ جل جبللو حياةه كاملة مل‬
‫ه‬ ‫عليةن لو تبارؾ كتعاىل‪ ،‬إذنا ا﵁ جل كعبل‬
‫تسبق بعدـ‪ ،‬كال يلحقها فناء‪ ،‬كالصفة اؼبنفية ىا ىنا صفة اؼبوت؛ فا﵁ جل كعبل منزهه عن اؼبوت؛‬
‫وت﴾ككأف اؼبراد كا﵁ تعاىل أعلم من ذكر ىذه الصفة اؼبنفية بعد ذكر‬‫ْح ٍّي الا ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫﴿وتَ َواك ْل َعلَى ال َ‬
‫َ‬
‫أسم اغبي‪ :‬التنبيو على أف حياة ا﵁ سبحانو كتعاىل حياة كاملة‪ ،‬فبل يتوىم طركء اؽببلؾ أك الفناء على‬
‫ىذه اغبياة‪ ،‬إذ إف من اؼبشاىد ُب األحياء أف حياهتم تفٌت كتنتهي كيلحقها اؼبوت‪ ،‬أما ا﵁ سبحانو‬
‫ىبلؾ كال فناء‪ ،‬فلدفع توىم النقص ُب صفة ا﵁ جل كعبل كاف ىذا‬
‫كتعاىل فإف حياتو حياةه ال يلحقها ه‬
‫النفي ُب ىذه أك ُب ىذا السياؽ أك ُب ىذه اآلية‪ ،‬فإف حياة ا﵁ تبارؾ كتعاىل حياةه كاملة ال يطرأ عليها‬
‫ْح ٍّي الا ِذي ال يَ ُم ُ‬
‫وت﴾‪.‬‬ ‫﴿وتَ َواك ْل َعلَى ال َ‬
‫فناءه أك موت‪َ ،‬‬

‫كمضى شيءه من الكبلـ عن صفة اغبياة ُب الدرس اؼباضي‪ ،‬كىذه اآلية من أعظم األدلة ُب تقرير‬
‫شعر بكوف التوكل‬‫توحيد العبادة؛ ألف ا﵁ سبحانو كتعاىل أمر بالتوكل عليو‪ ،‬كما ذكر بعد ىذا األمر يم ه‬
‫كل على ح وي ال يبوت‪ ،‬فما أخسر صفقة من توكل على ح وي سيموت‪،‬‬ ‫صحيحا‪ ،‬كىو أنو تو ه‬
‫ن‬ ‫كبل ثابتنا‬
‫تو ن‬
‫ميت غَت حي‪ ،‬يا ﵁ العجب!! كيف يًتؾ التوكل على اغبي الذم‬ ‫كأضل منو كأخسر من توكل على و‬
‫ال يبوت‪ ،‬كيتوكل متوكل على و‬
‫ميت غَت حي؟ كما يفعل ٌعباد القبور قديبنا كحديثنا؟ فإهنم يقولوف‪- :‬‬ ‫ه‬ ‫ي‬
‫عافاين ا﵁ كإياكم من ىذا الببلء‪ ،‬كىذه ا﵀نة‪ -‬يصرخوف كينادكف؛ أنا ُب حسبك يا أبن عيلواف‪ ،‬ثقيت‬
‫كل عليك كليس يل إال سواؾ يا سيدم عبد القادر‪ ،‬إىل غَت ذلك فبا‬ ‫عليك يا سيدم أضبد‪ ،‬أنا متو ه‬
‫يذكركف من ىذه اعبمل الشركية اليت صاحبها من أضل خلق ا﵁ جل كعبل‪.‬‬

‫دليل عظيم ؼبن تدبر‪ ،‬فالتوكل كالعبادة أمبا يصح أف تتوجو إىل اغبي الذم ال‬
‫اؼبقصود أف ىذه اآلية ه‬
‫يبوت‪ ،‬كليس ذلك إال ىو سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫و‬
‫كتفويض على ا﵁ سبحانو كتعاىل مع بزؿ األسباب‬ ‫كثقة‪،‬‬ ‫و‬
‫اعتماد‪ ،‬و‬ ‫والتوكل‪ :‬حقيقةه مركبةه من‬
‫شرعا‪.‬‬
‫قدرا‪ ،‬كاؼبمكنة ن‬
‫اؼبمكنة‪ ،‬اؼبمكنة ن‬
‫كل إال باجتماع األمرين‪ :‬أف يبذؿ اإلنساف اؼبستطاع لو من األسباب‪ ،‬مع التفويض‬
‫فال يكون تو ٌ‬
‫كالثقة كاالعتماد على ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪100‬‬ ‫هللا‬
‫كلذلك ذكر أبن حجر رضبو ا﵁ ُب (فتح البارم) عن بعض أىل العلم‪ :‬أنو فسر التوكل بأنو‪:‬قطع‬
‫النظر عن األسباب بعد بذؿ األسباب‪ ,‬يبذؿ اإلنساف ما يستطيع من األسباب؛ ٍب بعد ذلك ال‬
‫يلتفت بقلبو إىل ىذه األسباب‪.‬‬

‫اب ببل سكوف‪،‬‬


‫كنقل أبن القيم رضبو ا﵁ عن بعضهم ُب كتابو (مدارج السالكُت)‪:‬أف التوكل اضطر ه‬
‫كسكو هف ببل اضطراب‪.‬‬

‫كمراده ببل اضطراب ببل سكوف‪ :‬أنو العمل كاالجتهاد ُب بذؿ السبب دكف كسل‪ ،‬كدكف تر واخ‪.‬‬

‫اب ببل سكوف؛ ٍب سكو هف ببل اضطراب‪ ،‬سكو هف بالقلب‪ ،‬كطمأنينةه برب العزة سبحانو‬
‫اضطر ه‬
‫و‬
‫التفات إىل غَته سبحانو كتعاىل‪ ،‬ىذه حقيقة التوكل على ا﵁ جل كعبل نعم‪.‬‬ ‫و‬
‫اضطرب كال‬ ‫كتعاىل ببل‬

‫اط ُن َو ُى َو بِ ُك ٍّل َش ْي ٍء‬


‫اىر والْب ِ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ى َو األ اَو ُل َواآلخ ُر َوالظا ُ َ َ‬
‫قال رحمو اهلل‪( :‬وقولو سبحانو‪ُ :‬‬
‫يم﴾)‬ ‫ِ‬
‫َعل ٌ‬
‫و‬
‫صفات لو جل كعبل‪:‬فا﵁ جل‬ ‫ىذه آيةه عظيمة فيها ذكر أربعة أظباء للبارم سبحانو تتضمن أربع‬
‫كعبل األكؿ كاألخر‪ ،‬كالظاىر كالباطن‪.‬‬

‫كختم اآلية بثبوت صفة العلم لو جل كعبل‪ ،‬كنتكلم عن صفة العلم فيما بعد ىذه اآلية إف شاء‬
‫ا﵁‪.‬‬

‫اؼبقصود أف ىذه اآلية فيها ثبوت صفة األكلية ﵁ جل كعبل‪ ،‬كصفة اآلخرية‪ ،‬كصفة الظهور‪،‬‬
‫كصفة البطوف‪ ،‬فا﵁ جل كعبل ىو الظاىر‪ ،‬كا﵁ جل كعبل ىو الباطن‪.‬‬

‫كأحسن من فسر ىذه األظباء أعلم اػبلق با﵁ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم حيث قاؿ عليو‬
‫الصبلة كالسبلـ كما ُب صحيح مسلم ضمن دعائو عليو الصبلة كالسبلـ عند النوـ‪ :‬جاء ُب ىذا‬
‫الدعاء كما ُب حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو قاؿ‪« :‬اللهم أنت األول فليس قبلك شيء‪ ،‬وأنت‬
‫األخر فليس بعدك شيء‪ ،‬وأنت الظاىر فليس فوقك شيء‪ ،‬وأنت الباطن فليس دونك شيء‪،‬‬
‫أقضي عني الدين‪ ،‬وأغنيني من الفقر »إ نذا ىذا ىو التفسَت الذم ال ينبغي أف يتجاكزه اؼبسلم ُب ىذه‬
‫األظباء األربعة‪ ،‬كما قاؿ أبن القيم رضبو ا﵁‪:‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪101‬‬ ‫هللا‬
‫ظاىر ى ػػو باطػ ػ ػ ػ ػ ػ هػن ىػ ػ ػ ػ ػػي أرب ػ ػ ػ ػ ػػع ىبوٌزاف‬
‫أخر ىو ه‬
‫أكؿ ك ه‬
‫ىو ه‬

‫ما قبلو شيءه كذا ما بع ػ ػ ػ ػػده شيءه تعاىل ا﵁ ذك السلطػاف‬

‫ما فوقو شيءه كذا ما دكن ػ ػ ػػو شيءه كال تفسَت ذم الربىاف‬

‫الصفة األولى‪( :‬صفة األولية)‬

‫كاالسم الوارد ُب ىذه اآلية فيها ككذا ُب اغبديث (األكؿ)‪ ،‬كاؼبعٌت‪ :‬أنو الذم ليس قبلو شيء‪ ،‬إمبا‬
‫ىو سابق األشياء سبحانو كتعاىل‪ ،‬مل يزؿ كال يزاؿ جل ُب عبله‪.‬‬

‫كثبت ُب صحيح البخارم من حديث عمراف بن حصُت رضي ا﵁ عنو‪ :‬أف النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم قاؿ ألناس أتوه من اليمن‪« :‬أقبلوا البشرة يا أىل اليمن إذ لم يقبلها بنو تميم » ٍب قالوا‪ :‬قبلنا‬
‫يا رسوؿ ا﵁؛ ٍب إهنم قالوا‪ :‬إنا جئنا نسألك عن ىذا األمر؛ ما أكؿ ىذا األمر؟ يعٍت ما ىو أكؿ ىذا‬
‫الكوف اؼبشاىد الذم نعلمو؟ كانوا يسألوف عن ىذا اػبلق اؼبعلوـ ؽبم‪ ،‬فكاف جوابو عليو الصبلة‬
‫ي‬
‫كالسبلـ‪« :‬كان اهلل ولم يكن شيءٌ قبلو» فا﵁ جل كعبل ىو األكؿ الذم ليس قبلو شيء‪.‬‬

‫كخلف ُب ىذا اؼبعٌت أراذؿ من اػبلق ىم الفبلسفة الذين أثبتوا قًدـ العامل‪ ،‬فمبدأ العامل عندىم‬
‫مبلزـ لو‪ ،‬فلم يزؿ قديبنا كما أف ا﵁ تعاىل عن قوؽبم‬
‫قدًن‪ ،‬حيث إنو فاض عن ا﵁ عز كجل إذ ىو ه‬
‫قدًن‪ ،‬كىذا أحد األسباب اليت كفر هبا أىل العلم الفبلسفة حيث إهنم أنكركا حدكث العامل كأثبتوا‬
‫قديبنا مع ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪:‬‬

‫حق كثبت ػػا‬ ‫و‬


‫بثبلثة كفر الفبلسفة العدا إذ أنكركىا كىي ه‬
‫و‬
‫ألجساد ككانت ميتة‬ ‫حشر‬ ‫ئي حدكث ع ػ ػ ػ ػوا ومل‬
‫ه‬ ‫علم جبز ه‬
‫ه‬
‫اؼبقصود أف ىذه ىي الصفة األكىل ﵁ تبارؾ كتعاىل كىي صفة (األولية)‪.‬‬

‫الصفة الثانية‪( :‬صفة األخرية)‬


‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪102‬‬ ‫هللا‬
‫كا﵁ جل كعبل ىو األخر‪ ،‬كفسر ىذا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم بأنو‪« :‬األخر الذي ليس بعده‬
‫الل َوا ِإل ْك َر ِام﴾ ا﵁ جل كعبل ىو الذم‬ ‫ْج ِ‬ ‫شيء»‪ُ ﴿ ,‬ك ُّل من َعلَْي َها فَ ٍ‬
‫ك ذُو ال َ‬
‫ان* َويَ ْب َقى َو ْجوُ َربٍّ َ‬ ‫َْ‬
‫يبقى بعد إفناء اػببلئق ‪ ،‬فإنو إذا نفخ ملك الصور بأمر ا﵁ سبحانو كتعاىل نفخة الصعق فإف اػببلئق‬
‫تيصعق كيبقى البارم تبارؾ كتعاىل ‪ ،‬يقبض فإنو يطوم السماء ‪ ،‬كيقبض األرض كينادم أنا اؼبلك أين‬
‫اعبباركف؟ أين اؼبتكربكف؟ ينادم سبحانو ُب ذلك اليوـ‪﴿ :‬لِ َم ِن ال ُْمل ُ‬
‫ْك الْيَ ْوَم﴾ ؟فبل هبيبو أحد؛‬
‫فيجيب﴿لِلا ِو الْو ِ‬
‫اح ِد الْ َق اها ِر﴾‪.‬‬ ‫َ‬

‫إ نذا ا﵁ عز كجل ىو الذم يبقى كاػببلئق يهلكوف؛ ﴿ ُك ُّل َش ْي ٍء َىالِ ٌ‬


‫ك إِاال َو ْج َهوُ﴾ ىذه الصفة‬
‫الثانية‪،‬كأخرية ا﵁ تبارؾ كتعاىل أخريةه ذاتية ‪ ،‬يعٍت‪ :‬صفة ا﵁ تبارؾ كتعاىل صفةه ذاتية ‪ ،‬حيث إنو جل‬
‫كعبل يستحيل عليو الفناء ‪ ،‬كأما ما يبقى من اؼبخلوقات كاعبنة كما فيها ‪ ،‬كالنار كما فيها ‪ ،‬فإهنا باقيةه‬
‫مستحيبل ضده عليها؛ كبل‬
‫ن‬ ‫بإبقاء ا﵁ تبارؾ كتعاىل ليس أف بقائها كليس أف دكامها من جهة كوف ذلك‬
‫بل إمبا ىي باقيةه بإبقاء ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كلو شاء أف يفٍت ذلك كلو ُب غبظة لفعل فا﵁ على كل و‬
‫شيء‬
‫قدير‪.‬‬

‫إ نذا ينبغي التفريق بُت ثبوت صفة األخرية ﵁ تبارؾ كتعاىل من حيث كوهنا صفةن ذاتيةن ﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل ينتفي عنو كيستحيل عليو تبارؾ كتعاىل ضدىا كىو الفناء ‪ ،‬أما ما سواىا من اػببلئق فإنو ليس‬
‫شبة شيء من اؼبخلوقات يبقى لذاتو؛ إمبا ذلك ﵁ تبارؾ كتعاىل فحسب قاؿ‪﴿ :‬ىو األَ او ُل و ِ‬
‫اآلخ ُر‬ ‫َ‬ ‫َُ‬ ‫ه‬
‫والظا ِ‬
‫اى ُر﴾‬ ‫َ‬

‫الصفة الثالثة‪( :‬صفة الظهور)‬

‫«الذي ليس فوقو شيء »‪،‬‬ ‫كاظبو تعاىل الظاىر ‪ ،‬كفسر ذلك النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ :‬بأنو‪:‬‬
‫اسطَاعُوا أَ ْن يَظ َْه ُروهُ﴾ يعٍت‪ :‬أف يعلوه ‪ ،‬كألجل‬
‫كىذا ىو اؼبعركؼ ُب اللغة الظهور دبعٌت‪ :‬الفوقية ‪﴿،‬فَ َما ْ‬
‫متصف بصفة العلو ‪ ،‬فهو و‬
‫عاؿ على كل‬ ‫ه‬ ‫ىذا يقاؿ‪ :‬ظهر الدابة ‪ ،‬ألنو أعلى ما فيها ‪ ،‬فا﵁ جل كعبل‬
‫شيء‪ ،‬كفوؽ كل شيء ‪ ،‬ككل و‬
‫شيء فهو دكنو سبحانو كتعاىل ‪ ،‬ا﵁ جل كعبل من اؼبقطوع بو ُب مئات‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪103‬‬ ‫هللا‬
‫عاؿ على كل و‬
‫شيء ‪ ،‬صفة العلو كالفوقية صفةه ذاتية‬ ‫كعقبل كفطرةن أف ا﵁ تعاىل و‬
‫شرعا ن‬‫بل آالؼ األدلة ن‬
‫بشيء من التفصيل عن‬‫﵁ تبارؾ كتعاىل ‪ ،‬فإنو ال يزاؿ عليا جل كعبل ‪ ،‬كسنتكلم بإذف ا﵁ جل كعبل و‬
‫ن‬
‫ىذه الصفة فيما يأٌب بعوف ا﵁ تبارؾ كتعاىل ُب ىذه العقيدة‪.‬‬

‫أما الصفة الرابعة‪( :‬فهي صفة البطون)‬

‫كاظبو تعاىل الباطن‪ ،‬كفسر ىذا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪ :‬بأنو‪« :‬الذي ليس دونو شيء» كأىل‬
‫السنة كاعبماعة يفسركف ىذه الصفة بأهنا‪ :‬بطوف علمو كإحاطتو تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فا﵁ جل كعبل ال ىبفى‬
‫مطلع على كل شيء‪،‬‬
‫عليو شيء‪ ،‬كال يسًت بصره كإحاطتو كقدرتو شيء جل كعبل؛ إمبا ا﵁ سبحانو ه‬
‫ط بكل شيء سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫كعليم بكل شيء‪ ،‬كؿبي ه‬
‫ه‬

‫كلذلك األجرم رضبو ا﵁ ُب كتابو (الشريعة) ؼبا أشار إىل أف اغبلولية استدلوا هبذه اآلية كىو الباطن‬
‫حاؿ ُب ـبلوقاتو‪ٌ ،‬بُت التفسَت الصحيح ؽبذه الصفة كؽبذا االسم كىو‬
‫على قوؽبم الباطل بأف ا﵁ تعاىل ه‬
‫أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل الباطن‪ ،‬أنو سبحانو كتعاىل الباطن الذم ال ىبفى عليو شيءه من األشياء كلو كاف‬
‫ُب باطن األراضُت‪.‬‬

‫يم﴾ ؛‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿و ُى َو ب ُك ٍّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫ٍب قاؿ‪ :‬كيدؿ على ذلك أخر اآلية‪ ،‬فإف ا﵁ تعاىل قاؿ ُب ختامها‪َ :‬‬
‫فهذه قرينة على أف اؼبعٌت بطوف علم ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫كذلك الذىيب رضبو ا﵁ ركل ُب كتابو (العرش) ككذلك ُب كتابو (العلو)‪ ،‬عن مقاتل بن حياف‬
‫معاصرا لؤلكزاعي رضبة ا﵁ تعاىل عليهما‪ :‬ؼبا جاء إىل تفسَت قولو تعاىل‪:‬‬
‫ن‬ ‫اإلماـ الثقة الذم كاف‬
‫﴿والْب ِ‬
‫اط ُن﴾قاؿ‪ :‬ىذا البطوف قربو‪ ،‬كقربو بعلمو كقدرتو كإحاطتو سبحانو كتعاىل‪ ،‬فهذا الذم عليو‬ ‫َ َ‬
‫السلف الصاحل‪ ،‬كىذا الذم عليو أىل العلم‪.‬‬

‫﴿ىو األ اَو ُل و ِ‬


‫اآلخ ُر‬ ‫كذلك أبن أيب زمٍت ذكر ُب كتابو (أصوؿ السنة) ؼبا جاء إىل قولو تعاىل‪:‬‬
‫َ‬ ‫َُ‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾قاؿ‪ :‬ىو ه‬
‫باطن بعلمو خبلقو جل كعبل‪.‬‬ ‫َوالظااى ُر َوالْبَاط ُن َو ُى َو ب ُك ٍّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪104‬‬ ‫هللا‬
‫كالكبلـ ُب ىذا عن أىل العلم كثَت فحذارم من تلبيس أىل اغبلوؿ كأىل اإلرباد‪ ،‬ا﵁ جل كعبل‬
‫عاؿ على كل شيء‪ ،‬إمبا قربو كعلمو كإحاطتو ؿبيطةه بكل و‬
‫شيء من خلقو تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فهو‬ ‫بذاتو و‬
‫ط بكل و‬
‫شيء بعلمو كقدرتو كظبعو كبصره تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فهذا الذم يفسر بو قولو‪ :‬الباطن‪ ،‬كىذا‬ ‫ؿبي ه‬
‫الذم تيفسر بو الصفة ﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫يم﴾)‬ ‫قال رحمو اهلل‪( :‬وقولو سبحانو‪﴿ :‬و ُىو الْعلِيم ال ِ‬


‫ْحك ُ‬
‫َ َ َ ُ َ‬

‫يم﴾ آيةه دلت على ثبوت أظبُت ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ :‬العليم‬ ‫قاؿ سبحانو‪﴿ :‬و ُىو الْعلِيم ال ِ‬
‫ْحك ُ‬
‫َ َ َ ُ َ‬
‫كاغبكيم‬

‫والعليم‪:‬يتضمن صفة العلم ﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كاغبكيم يتضمن ما سيأٌب الكبلـ عنو إف شاء‬
‫ا﵁‪.‬‬

‫كركدا ُب كتاب ا﵁ جل كعبل‪ ،‬حىت إنو كرد ُب كتاب ا﵁ ُب‬


‫كأسم ا﵁ العليم من أكثر األظباء ن‬
‫موضعا‪ ،‬جاء أنو سبحانو العليم‪ ،‬كجاء أنو عامل الغيب‪ ،‬كجاء أنو عبلـ الغيوب تبارؾ‬
‫أكثر من ( ‪ )90‬ن‬
‫دليل على ثبوت صفة العلم لو جل كعبل‪ ،‬كال شك أف صفة العلم من أجل‬
‫كتعاىل‪ ،‬ككل ذلك ه‬
‫﴿ربانَا‬
‫َ‬ ‫متصف بالعلم الواسع‪،‬‬
‫ه‬ ‫كركدا ُب الكتاب كالسنة‪ ،‬فا﵁ سبحانو كتعاىل‬
‫الصفات‪ ،‬كمن أكثرىا ن‬
‫شامل للماضي كاغباضر‬
‫شامل لكل شيء‪ ،‬ه‬ ‫ت ُك ال َش ْي ٍء َر ْح َمةً َو ِعل ًْما﴾ علم ا﵁ تبارؾ كتعاىل و‬
‫َو ِس ْع َ‬
‫شامل للممكن كاؼبستحيل‪ ،‬علم ا﵁ ما كاف كما ىو كائن كما‬
‫شامل للموجود كاؼبعدكـ‪ ،‬ه‬ ‫كاؼبستقبل‪ ،‬ه‬
‫سيكوف كما مل يكن لو كاف كيف يكوف من اؼبمكنات كاؼبستحيبلت‪ ،‬ما ال يكوف كلن يكوف كلكن‬
‫هبوز ُب العقل كجوده كىو اؼبمكن لو قدر كجوده علًم ا﵁ كيف سيكوف اغباؿ‪﴿ ،‬لَ ْو َخ َر ُجوا فِي ُك ْم َما‬
‫َز ُ ِا‬
‫دليل على علم ا﵁ تبارؾ كتعاىل دبا مل يكن لو كاف كيف يكوف إذا كاف فبكنا‪،‬‬ ‫ادوُك ْم إال َخبَ ًاال﴾ىذا ه‬
‫يعٍت يبكن ُب حكم العقل كجوده؛ بل اؼبستحيل الذم ما كاف كال يكوف كيستحيل أف يكوف لو ق ٌدر‬
‫ِ‬
‫﴿لَ ْو َكا َن فِي ِه َما آل َهةٌ إِاال اللاوُ‬ ‫لو فرض كجوده علًم ا﵁ كيف سيكوف اغباؿ‪ ،‬قاؿ جل كعبل‪:‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪105‬‬ ‫هللا‬

‫ب ُك ُّل إِلَ ٍو بِ َما َخلَ َق َولَ َعال بَ ْع ُ‬ ‫ِ ٍ‬ ‫ِ ٍ‬


‫ض ُه ْم‬ ‫﴿ما اتا َخ َذ اللاوُ م ْن َولَد َوَما َكا َن َم َعوُ م ْن إِلَو إِذًا لَ َذ َى َ‬
‫س َدتَا﴾ َ‬ ‫لََف َ‬
‫ض﴾ أؿبل ا﵀االت أف يكوف مع ا﵁ عز كجل إلو ‪ ،‬كأف يكوف معو رب ‪ ،‬كلو فيرض ذلك مع‬ ‫َعلَى بَ ْع ٍ‬
‫كونو مستحيبل علًم ا﵁ ما الذم سيًتتب على كجوده‪.‬‬

‫ط بكل شيء ‪ ،‬ما من ذرةو ُب ىذا الكوف ‪ ،‬ما من شعرة كال‬ ‫اسع ؿبي ه‬
‫إ نذا علم ا﵁ تبارؾ كتعاىل ك ه‬
‫منبتها‪ ،‬ما من كرقة كال شجرة ‪ ،‬ما من ذرة ‪ ،‬ما من حبة رمل إال كا﵁ عز كجل علًمها على كجو‬
‫ط ِم ْن َوَرقَ ٍة‬ ‫﴿و ِع ْن َدهُ َم َفاتِ ُح الْغَْي ِ‬
‫ب ال يَ ْعلَ ُم َها إِاال ُى َو َويَ ْعلَ ُم َما فِي الْبَ ٍّر َوالْبَ ْح ِر َوَما تَ ْس ُق ُ‬ ‫التفصيل‪َ ،‬‬
‫اب ُمبِي ٍن﴾ ىذا العلم الواسع‬ ‫س إِاال فِي كِتَ ٍ‬ ‫ْب َوال يَابِ ٍ‬ ‫ض َوال َرط ٍ‬ ‫ات األ َْر ِ‬‫إِاال ي ْعلَم َها وال حبا ٍة فِي ظُلُم ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬
‫﵁ تبارؾ كتعاىل شيءه تفرد ا﵁ تبارؾ كتعاىل بو ‪ ،‬ككل ما عند اػببلئق من العلوـ فإنو كاال شيء أماـ‬
‫ظلوـ جهوؿ ىذا أصلو‪ ،‬كلذلك‬ ‫علم ا﵁ جل كعبل؛ بل إف العباد ُب أصلهم فاقدكف للعلم ‪ ،‬اإلنساف ه‬
‫أخرج ا﵁ عز كجل العباد من بطوف أمهاهتم ال يعلموف شيئا‪﴿ ،‬واللاوُ أَ ْخرج ُكم ِمن بطُ ِ‬
‫ون أُام َهاتِ ُك ْم ال‬ ‫ََ ْ ْ ُ‬ ‫َ‬
‫سمع واألَبصار واألَفْئِ َد َة لَعلا ُكم تَ ْش ُكرو َن﴾ٍب من ا﵁ تبارؾ كتعاىل و‬
‫بشيء‬ ‫ٌ‬ ‫ُ‬ ‫َ ْ‬ ‫تَ ْعلَ ُمو َن َش ْيئًا َو َج َع َل لَ ُك ُم ال ا ْ َ َ ْ َ َ َ‬
‫ْم لَنَا إِاال َما‬ ‫من علمو الذم يعلمو سبحانو كتعاىل فجعلو ُب اؼبخلوقُت‪﴿ ،‬قَالُوا سبحانَ َ ِ‬
‫ك ال عل َ‬ ‫ُْ َ‬
‫َعلا ْمتَ نَا﴾فا﵁ عز كجل ىو الذم علم اػببلئق كمع ذلك فكل علومهم كبل شيء أماـ علم ا﵁ تبارؾ‬
‫عصفور على‬
‫ه‬ ‫كتعاىل‪،‬كُب الصحيحُت ؼبا كاف اػبضر كموسى عليهما السبلـ ُب السفينة ‪ ،‬كقفت كقف‬
‫حرؼ السفينة ‪ ،‬فنقر ُب البحر نقرةن أك نقرتُت ‪ ،‬فقاؿ اػبضر ؼبوسى عليهما السبلـ ما نقص علمي‬
‫كعلمك من علم ا﵁ جل كعبل إال كنقرة ىذا العصفور من البحر ‪ ،‬بالنسبة بُت نقرة عصفور كحب ور كاسع‬
‫متبلطم‪ ،‬ال شك أف ذلك كبل شيء‪ ،‬كعلم ا﵁ تبارؾ كتعاىل أكسع كأكرب من ذلك كلو‪.‬‬

‫خالف الحق في ىذا الباب‪ ،‬أعني في إوبات العلم هلل تبارك وتعالى والث طوائف‪:‬‬

‫الطائفة األولى‪ :‬الفالسفة‪ :‬فإهنم قالوا و‬


‫بقوؿ مآلو‪ :‬إنكار علم ا﵁ جل كعبل ‪ ،‬حيث إهنم يقولوف‪:‬‬
‫إف ا﵁ تعاىل يعلم األشياء الكلية ال اعبزئية ‪ ،‬يعٍت يعلم األشياء من حيث كوهنا كليةن ال من حيث كوهنا‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪106‬‬ ‫هللا‬
‫كمعلوـ عند صبيع العقبلء أف الكليات ؿبلها ُب األذىاف ‪ ،‬كال شيء خارج األذىاف ‪ ،‬ال شيء ُب‬
‫ه‬ ‫جزئية‪،‬‬
‫ئي‪.‬‬
‫الوجود كاغبقيقة إال كىو جز ه‬

‫الكلي عند المناطقة ‪ :‬ما ال يبنع تصوره من كقوع الشركة فيو ‪ ،‬فإنسا هف حيوا هف ىذا ه‬
‫أمر كلي ‪ ،‬ال‬
‫يوجد خارج الذىن إنساف ‪ ،‬ىكذا مطلق ‪ ،‬بل ال توجد األشياء خارج األذىاف إال كىي إال جزئية‬
‫مقيدة‪ ،‬يوجد فبلف كفبلف ‪ ،‬كيوجد أنا ‪ ،‬كتوجد أنت ‪ ،‬أما عند ىؤالء فا﵁ جل كعبل ال يعلم اعبزئيات ‪،‬‬
‫حبرا دكف أف‬
‫حبرا ‪ ،‬ن‬
‫شجرا ‪ ،‬كيعلم ن‬
‫فعبل ‪ ،‬كيعلم إنسانا ‪ ،‬كيعلم حيوانا ‪ ،‬كيعلم ن‬
‫إمبا يعلم األشياء كلية ‪ ،‬يعلم ن‬
‫علم باعبزئي ‪ ،‬كىذا مصَته منهم إىل إنكار علم ا﵁ تبارؾ كتعاىل ألف األشياء ال توجد إال‬
‫يكوف ىناؾ ه‬
‫أيضا‪.‬‬
‫جزئية كألجل ىذا كفَّر السلف كما ذكرت لك قبل قليل الفبلسفة على ىذا القوؿ ن‬

‫حق مثبتا‬ ‫و‬


‫بثبلثة كفر الفبلسفة العدا إذ أنكركىا كىي ه‬

‫علم جبزئ وي‪...‬‬


‫ه‬

‫فهذه ىي الطائفة األكىل اليت خالفت اغبق ُب ثبوت صفة العلم ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫الطائفة الثانية‪ :‬القدرية األوائل‪ :‬الذين خرجوا أخر عهد الصحابة رضي ا﵁ عنهم ‪ ،‬كىم الذين‬
‫تربأ منهم أبن عمر كما قد علًمت ُب حديث جربيل اؼبشهور ُب مطلعو ‪ ،‬كىؤالء ىم الذين اتفق‬
‫السلف على تكفَتىم ‪ ،‬ىؤالء يقولوف‪ :‬إف ا﵁ تعاىل ال يعلم األشياء إال بعد كقوعها ‪ ،‬أما قبل كقوعها‬
‫علوا كبَتا ‪ ،‬كال شك أف ىذا من أبطل الباطل فإف ا﵁‬ ‫معلوما ﵁ تبارؾ كتعاىل عن قوؽبم ن‬ ‫فإف ىذا ليس ن‬
‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫عموـ ؿبفوظ ما خرج منو شيء ‪ ،‬كال يخص منو شيء ‪،‬‬ ‫يم﴾ كىذا ه‬ ‫﴿و ُى َو ب ُك ٍّل َش ْيء َعل ٌ‬
‫تعاىل يقوؿ‪َ :‬‬
‫ض يَ ْبتَ غُو َن ِم ْن فَ ْ‬
‫ض ِل‬ ‫ض ِربُو َن فِي األ َْر ِ‬
‫ضى َوآ َخ ُرو َن يَ ْ‬‫﴿علِ َم أَ ْن َسيَ ُكو ُن ِم ْن ُك ْم َم ْر َ‬
‫كذلك قولو تعاىل‪َ :‬‬
‫آخرو َن ي َقاتِلُو َن فِي سبِ ِ ا ِ‬ ‫ِ‬
‫يل اللو﴾ ىذا ه‬
‫أمر مل يكن بعد علمو ا﵁ ماذا؟ قبل كونو‪ ،‬كىذا من األمر‬ ‫َ‬ ‫اللاو َو َ ُ ُ‬
‫الذم ال ىبالف فيو من شم لئليباف رائحة‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪107‬‬ ‫هللا‬
‫الطائفة الثالثة‪ :‬ىم القدرية المتأخرون‪ :‬الذين ىم اؼبعتزلة فإهنم أثبتوا العلم ﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫لكنهم أرجعوه إىل الذات ‪ ،‬فليس عندىم صفةه تتميز عن الذات ‪ ,‬يقولوف‪ :‬أف ا﵁ تعاىل عليم بعل وم‬
‫عليم ببل عل وم‪.‬‬
‫كعلمو ذاتو‪ ،‬أك يقولوف‪ :‬بأنو ه‬

‫اؼبقصود أف الصفات عندىم يرجعوهنا إىل الذات ‪ ،‬كاغبق الذم ال شك فيو كال ريب كال ينبغي أف‬
‫قدر زائ هد على الذات ‪ ،‬كأف الصفة قائمة بالذات ‪ ،‬كأف ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫ىبالف فيو عاقل؛ أف الصفة ه‬
‫متصف بالعلم ‪ ،‬كالعلم ليس ىو الذات ‪ ،‬كما أف العلم ليس ىو الصفات األخرل ‪ ،‬كما أف العلم ليس‬
‫ه‬
‫ىو الصفات األخرل ‪ ،‬علم ا﵁ جل كعبل ليس ىو رضبتو ‪ ،‬كرضبتو ليست عزتو ‪ ،‬كعزتو ليست استوائو ‪،‬‬
‫أيضا من األقواؿ الضالة اؼبخالفة للحق اليت ذىب غليها ىؤالء الذين تنكبوا طريقة‬
‫كىكذا‪ ،‬إ نذا ىذا ن‬
‫السلف الصاحل أسأؿ ا﵁ جل كعبل أف يعافيٍت كإياكم من األىواء‪.‬‬

‫يم﴾؛ االسم الثاين ُب ىذه اآلية الحكيم كىو يدؿ على‬ ‫قاؿ سبحانو كتعاىل‪﴿ :‬و ُىو الْعلِيم ال ِ‬
‫ْحك ُ‬
‫َ َ َ ُ َ‬
‫و‬
‫صفات ﵁ جل كعبل‪.‬‬ ‫صفات ﵁ تبارؾ كتعاىل اغبكيم ىذا االسم ﵁ جل كعبل يتضمن ثبلث‬ ‫و‬ ‫ثبلث‬

‫ْح ْك ُم إِاال لِلا ِو﴾‬ ‫ِ‬


‫حكيم دبعٌت‪( :‬حاكم) يعٍت‪ :‬الذم لو اغبكم‪ ،‬قالسبحانو‪﴿:‬إِن ال ُ‬
‫ه‬ ‫فا﵁‬

‫حكيم) دبعٌت‪ :‬أنو (حاكم)‪ ،‬كا﵁‬


‫فعيل) دبعٌت‪( :‬فاعل)‪ ،‬فا﵁ ( ه‬
‫كبالتايل تكوف كلمة حكيم ىا ىنا ( ه‬
‫جل كعبل لو اغبكم الكوين كالشرعي‪.‬‬

‫شرعي ككوينه كال يتبلزماف كما نبا سياف‬


‫كاغبكم حكماف ه‬
‫كمضى الكبلـ ُب ىذا اؼبوضوع غَت مرة ُب و‬
‫دركس سابقة ا﵁ جل كعبل لو اغبكم الكوين ‪﴿،‬فَ لَ ْن‬
‫ض َحتاى يَأْذَ َن لِي أَبِي أ َْو يَ ْح ُك َم اللاوُ لِي﴾ ىذا ىو اغبكم الكوين‪.‬‬
‫ح األ َْر َ‬
‫أَبْ َر َ‬

‫﴿وَما ا ْختَ لَ ْفتُ ْم فِ ِيو ِم ْن َش ْي ٍء فَ ُح ْك ُموُ إِلَى اللا ِو﴾ ىذا ىو‬
‫حكم شرعي قاؿ سبحانو كتعاىل‪َ :‬‬
‫كشبة ه‬
‫اغبكم الشرعي‪ ,‬إ نذا ىذا ىو اؼبعٌت األكؿ كىو اغبكيم كدبعٌت اغباكم‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪108‬‬ ‫هللا‬
‫يب من ىذا اؼبعٌت ما جاء ُب أسم ا﵁ تبارؾ كتعاىل اغبكم ‪ ،‬فا﵁ جل كعبل ىو "اغبكم "‪ ،‬كمر‬
‫كقر ه‬
‫بنا ُب دركس كتاب (التوحيد) الكبلـ عن ىذا االسم ُب حديث أيب داكد عن النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم «إن اهلل ىو الح اكم وإليو الحكم»‬

‫اغبكم كاغبكيم أك اغباكم بأف َّ‬


‫اغبكم ىو‬ ‫كذكرت إف كنتم تذكركف أف بعض أىل العلم فرؽ بُت َّ‬
‫الذم ال وبكم إال بالعدؿ‪ ،‬أما اغباكم فقد وبكم و‬
‫بعدؿ كبغَته‪.‬‬

‫ؿبكم)‪( ،‬فعيل) دبعٌت‪ ( :‬يمفعل) دبعٌت‪ :‬أنو تعاىل أتقن‬ ‫أما اؼبعٌت الثاين‪ :‬فهو أف (حكيما) دبعٌت‪ً ( :‬‬
‫ن‬
‫﴾﴿ص ْن َع اللا ِو الا ِذي أَتْ َق َن ُك ال﴾﴿الا ِذي‬ ‫ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿ما تَ َرى في َخل ِْق ال ار ْح َم ِن م ْن تَ َف ُاوت ُ‬
‫كأحسن شرعو كخلقو َ‬
‫كؿبكم ككذلك خلقو –سبحانو كتعاىل يؿبكم‬ ‫س َن ُك ال َش ْي ٍء َخلَ َقوُ﴾ فشرعو –تبارؾ كتعاىل يمتقن ي‬ ‫َح َ‬
‫أْ‬
‫كمتقن‪،‬‬
‫ي‬

‫حكيما‬
‫ن‬ ‫كىذا اؼبعٌت ُب حقيقتو راجع إىل اؼبعٍت الثالث الذم سنتكلم عنو إف شاء ا﵁ كىو أف‬
‫متصف باغبكمة تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫ه‬ ‫حكيم دبعٌت‪ :‬أنو ذك اغبكمة‪ ،‬فهو‬
‫ه‬ ‫دبعٍت‪ :‬ذك اغبكمة‪ ،‬ا﵁ جل كعبل‬

‫واإلحكام‪ :‬ىو ُب حقيقتو أمبا ىو فرعه عن ثبوت اغبكمة؛ ألف الذم يوبكم كييتقن ي‬
‫كوبسن ال‬
‫يكوف ذلك منو إال إذا كاف متص نفا إذا كاف متص نفا باغبكمة‪.‬‬

‫الحكمة‪ :‬كضع الشيء ُب مواضعها كإنزاؽبا منازؽبا‪ ،‬كا﵁ جل كعبل لو اغبكمة البالغة تبارؾ كتعاىل‪،‬‬
‫ظاىر الشك فيو‪،‬‬
‫أمر ه‬‫لو اغبكمة اليت ألجلها ىبلق كألجلها يقدر كألجلها يشرع سبحانو كتعاىل‪ ،‬كىذا ه‬
‫متصف باغبكمة كأف لو جل كعبل‬
‫ه‬ ‫مئات من أدلو الكتاب كالسنة أف ا﵁ تعاىل‬
‫ات بل ه‬
‫كاألدلة عليو عشر ه‬
‫ُب شرعو كقدره كُب خلقو حكمة ألجلها ىبلق‪ ،‬كألجلها يقدر‪ ،‬كألجلها يشرع وببها سبحانو كتعاىل‪،‬‬
‫ىذه اغبكمة وببها‪ ،‬كألجل ذلك ىبلق‪ ،‬كألجل ذلك يشرع‪ ،‬كأنت إذا تأملت ُب أدلة الكتاب كالسنة‬
‫مثبل األدلة‬
‫اعا كأصنافنا من إثبات اغبكمة ُب ما يقدره كُب ما يشرعو سبحانو كتعاىل‪ ،‬تأمل ن‬
‫كجدت أنو ن‬
‫نس إِاال‬ ‫ِ‬ ‫﴿وما َخلَ ْق ُ ِ‬
‫ت الْج ان َواإل َ‬ ‫ََ‬ ‫الذم فيها إثبات الـ اغبكمة أك الـ الغاية أك الـ التعليل‪،‬‬
‫ون﴾كيف ذبد ىذه اآلية دالة على ثبوت حكمةن ﵁ تبارؾ كتعاىل ألجلها فعل ‪ ،‬كألجلها خلق‪،‬‬ ‫لِي ْعب ُد ِ‬
‫َُ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪109‬‬ ‫هللا‬

‫َج ِل ذَلِ َ‬
‫ك َكتَْب نَا َعلَى بَنِي‬ ‫ِ‬
‫﴿م ْن أ ْ‬ ‫مثبل ُب األدلة اليت فيها التعليل الصريح‪ ،‬كقولو سبحانو‪:‬‬
‫تأمل ن‬
‫و‬ ‫يل﴾ إ نذا كاف ىذا الكتب أك كانت ىذه الكتابة‬ ‫ِ ِ‬
‫غبكمة ألجلها كاف منو سبحانو كتعاىل ىذا‬ ‫إ ْس َرائ َ‬
‫مثبل ُب األدلة اليت فيها حرؼ (كي) اليت تدؿ على التعليل‪ ،‬قاؿ‬ ‫األمر جل كعبل‪ ،‬تأمل ن‬
‫سبحانو‪َ ﴿:‬ك ْي ال يَ ُكو َن ُدولَةً بَ ْي َن األَ ْغنِيَ ِاء ِم ْن ُك ْم﴾ ؛ كيف ذبدىا صروبةن ُب إثبات التعليل‪ ،‬كأف ا﵁‬
‫كمنثور ُب أدلة الكتاب‬ ‫و‬
‫اضح ه‬ ‫تبارؾ كتعاىل إمبا يشرع غبكمو بالغة وببها سبحانو كتعاىل‪ ،‬كىذا األمر ك ه‬
‫دليل على أف ىذا‬
‫كالسنة؛ بل ُب اآليات الكونية اؼبشاىدة‪ ،‬فكل ما تراه بعينك الشك كال ريب أنو ه‬
‫أمر ال يبًتل‪ ،‬كال ينبغي أف يبًتم فيو عاقل‪ ،‬كمن العجيب‬
‫متصف باغبكمة‪ ،‬كىذا ه‬
‫ه‬ ‫اػبالق تبارؾ كتعاىل‬
‫البُت الظاىر طوائف من اؼبتكلمُت أنكركا ثبوت اغبكمة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬إمبا‬
‫أف يىبالف ُب ىذا اغبق ٌ‬
‫داال‬
‫ـبتصا بكونو اغباكم الذم لو اغبكم تبارؾ كتعاىل‪ ،‬أما أف يكوف اغبكيم ن‬
‫هبعلوف اظبو تعاىل اغبكيم ن‬
‫على ثبوت اغبكمة اليت يفعل ا﵁ عز كجل كيشرع ألجلها فإف ىذا عندىم غَت صحيح‪ ،‬كال يثبت‬
‫عندىم ﵁ جل كعبل حكمة‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬كما يكوف ُب شرع ا﵁ عز كجل من ىذا اإلتقاف كاإلحكاـ أك ما يكوف ُب ىذا الكوف من‬
‫ىذا اإلتقاف كاإلحكاـ إمبا كاف كحصل غَت مقصود‪ ،‬حصل عقيب التشريع كحصل عقيب اػبلق‪ ،‬أما‬
‫شرع ألجل ذلك فهذا عندىم غَت صحيح‪ ،‬كُب زعمهم يقتضي‬
‫أف يكوف ا﵁ عز كجل قد خلق أك َّ‬
‫عقل كُب إم و‬
‫لغة يكوف‬ ‫عدـ غٌت ا﵁ جل كعبل كافتقاره إىل غَته‪ ،‬كيا ا﵁ العجب ُب أم شرع‪ ،‬كُب أم و‬
‫مفتقرا إىل غَته إذا كاف قد فعل أك شرع غبكمة؟ أليست اغبكمة صفةه‬
‫سبحانو كتعالىعلى زعمهم ن‬
‫مفتقر إىل ذاتو أك مفتقرا إىل ما يقوـ بذاتو؟ ىذا ال يقوؿ‬ ‫و‬
‫قائمةه بذاتو تبارؾ كتعاىل؟ فهل يقوؿ أحد أنو ه‬
‫عاقل‪.‬‬
‫بو ه‬
‫قائم بذات ا﵁ تبارؾ كتعاىل كبالتايل أم افتقا ور ييزعم بل ىذا ىو الكماؿ الذم‬
‫كصف ه‬‫ه‬ ‫اغبكمة‬
‫ليس كرائو كماؿ‪ ،‬القوـ مثلوا كوف ىذه اغب ٌكم حاصلة لكنها غَت مقصودة‪ ،‬مثلوىا بشجرة زرعها‬
‫ظل فيستظل منها الناس ىذا‬
‫إنسا هف كإمبا كاف قصده حصوؿ الثمرة‪ ،‬أما كوف ىذه الشجرة يكوف منها ه‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪110‬‬ ‫هللا‬
‫اقع كحاصل لكنو بالنسبة لو غَت مقصود‪ ،‬كذلك األمر ُب الشريعة كانت ىناؾ ح ٌكم‪ ،‬ككانت‬
‫أمر ك ه‬
‫ه‬
‫ىناؾ علل‪ ،‬ككاف ىناؾ إحكاـ كإتقاف كلكن ذلك كل غَت مقصود‪ ،‬إمبا حصل اتفاقنا‪.‬‬

‫والرد عليهم في ىذا المثال أن يقال‪ :‬ال شك كال ريب أف من زرع ىذه الشجرة فأراد حصوؿ‬
‫من قصد‬
‫من أراد حصوؿ الثمرة‪ ،‬من قصد األمرين أكمل من ٍ‬
‫الثمرة كحصوؿ االستظبلؿ أكمل من ٍ‬
‫األمر الواحد‪.‬‬

‫جدا من جهة الشرع كمن جهة‬


‫كعلى كل حاؿ ال شك أف القوـ قد عموا عن شواىد كأدلة كثَتة ن‬
‫اغبس كالواقع تدؿ على ثبوت اغبكمة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫كقد ذكر ابن القيم رضبو ا﵁ ُب (شفاء العليل) أنو لو ذىب يذكر ما يعرؼ من حكمة ا﵁ جل‬
‫كعبل ُب شرعو كخلقو لزاد ما يذكره على عشرة أالؼ موضع‪ ،‬يقوؿ ىذا من ضعف العلم ككبلؿ‬
‫أمر ال ينبغي أف يناقش فيو أحد‪.‬‬
‫الذىن‪ ،‬فهذا ه‬

‫كمن رضبة ا﵁ بأىل البدع اضطراهبم‪ ،‬أقوؿ من رضبو ا﵁ بأىل البدع أهنم يضطربوف كال يطردكف‬
‫قوؽبم الباطل‪ ،‬كإال فإهنم لو طردكا قوؽبم الباطل ألدل هبم إىل اكبر و‬
‫اؼ عظيم؛ بل إىل زندقة كاغباد‪،‬‬
‫لكن من رضبة ا﵁ عز كجل هبم أهنم يقرركف القوؿ كلكنهم يناقضوف أنفسهم‪ ،‬يقرركف ُب موضع ما‬
‫يناقضونو ُب مواضع‪ ،‬كلذلك انظر إىل ىؤالء الذين ينكركف حكمة ا﵁ تبارؾ كتعاىل كثبوت ذلك لو‬
‫جل كعبل كيف ذبدىم تناقضوا حينما اثبتوا القياس ُب الشريعة؟ ككل من أثبت القياس ُب الشريعة فإنو‬
‫دليل‬
‫ملزـ بإثبات اغبكمة صفةن ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فاعبمع بُت اؼبتماثبلت كالتفريق بُت اؼبختلفات ىذا ه‬
‫ه‬
‫قطعي على أف اؼبشرع على أف الشارع ؽبذه األحكاـ ال شك كال ريب أنو حكيم‪ ،‬كمن يناقش ُب ىذا‬‫ه‬
‫ال شك أنو ىبالف ُب أم ور بدىي‪ ،‬كال ينبغي أف يناظر من كاف شأنو كذلك‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪111‬‬ ‫هللا‬
‫المقصود من العرض السابق‪ :‬التنبو إىل ىذا األمر اؼبهم الذم قد ذبده ُب بعض التفاسَت أك قد‬
‫ذبده ُب بعض شركح اغبديث حينما يصل الكبلـ إىل اغبكمة كالتعليل ُب أفعاؿ ا﵁ عز كجل‪ ،‬أك ُب‬
‫كثَتا ُب ىذه اؼبسألة‪.‬‬
‫شرع ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬فإنك قد ذبد زببطنا ن‬

‫كالصحيح الذم قامت عليو شواىد كالسنة كمضى عليو قوؿ السلف الصاحل ىو ما ذكرتو لك من‬
‫متصف باغبكمةالبالغة‪ ،‬كأنو جل كعبل اغبكيم ُب كل ما يشرع‪ ،‬كاغبكيم ُب كل ما‬
‫ه‬ ‫أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫يفعل‪ ،‬كاغبكيم ُب كل ما ىبلق‪ ،‬كاغبكيم ُب كل ما يقدر سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫يم‬ ‫ِ‬
‫ال َْعل ُ‬ ‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمو اهلل تعالى في رسالتو العقيدة الوسطية وقولو‪﴿ :‬‬
‫ْخبِ ُير﴾‬
‫ال َ‬
‫فاستكماال ؼبا ذكر اؼبؤلف رضبو ا﵁ من أدلة إثبات صفة العلم ﵁ جل كعبل‪ ،‬أكرد رضبو ا﵁ قولو‬
‫ن‬
‫ْخبِ ُير ﴾‪- ،‬على كل حاؿ ا﵁ جل عبل ىو العليم كىو اغبكيم كىو اػببَت‬
‫يم ال َ‬ ‫ِ‬
‫تعاىل كىو ﴿ال َْعل ُ‬
‫كثَتا ُب‬
‫أمر موجود ككارد فهذا الكتاب كما ذكرنا قد انتشرت نسخو ن‬ ‫كاختبلؼ النسخ ُب الواسطية ه‬
‫فضبل عما بعد ذلك‪ -‬اؼبقصود كأنو سبق الكبلـ عن إثبات صفة العلم ﵁ جل‬ ‫حياة اؼبؤلف رضبو ا﵁‪ ،‬ن‬
‫كعبل‪ ،‬ككذلك الكبلـ عن صفة اغبكمة‪ ،‬كبقي الكبلـ عن صفة اػبربة‪.‬‬
‫فا﵁ جل كعبل قد ظبى نفسو ُب ىذه اآلية الخبير‪ ،‬كاػبربة كالعلم معنياف متقارباف‪ ،‬كالفرؽ بينهما‬
‫أف اػبربة أخص من العلم كالعلم أعم من اػبربة‪ ،‬ذلك أف اػبربة أخص بالعلم ببواطن األشياء‬
‫كحقائقها‪ ،‬كلذا تقوؿ العرب‪ ،‬قد خربت فبلنا‪ ،‬يعٍت عرفتو معرفة تامة‪ ،‬عرفت مدخلو كـبرجو كحقيقة‬
‫داخل ُب اظبو تعاىل العليم‪ ،‬يعٍت ىذا اؼبعٌت كىو‬
‫حالو‪ ،‬كىذا أخص من يمطلق العلم‪ ،‬كىذا ال شك أنو ه‬
‫العلم ب يكنو األشياء كحقائقها‪ ،‬ال شك أنو فبا يدؿ عليو اظبو العليم بعمومو‪ ،‬لكنو ألصق باظبو اػببَت‬
‫كصفة اػبربة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫كعليو فإف العلم حبقائق األشياء‪ ،‬قد دؿ عليو إظباف ﵁ تبارؾ كتعاىل نبا‪ :‬العليم ككذلك اػببَت‪.‬‬
‫ومن ىذا نستفيد فائدة‪ :‬كىي أف بعض األظباء أخص من بعض‪ ،‬ليس ُب أظباء ا﵁ جل كعبل‬
‫ادؼ تاـ‪ ،‬يعٍت ليس ُب أظباء ا﵁ جل كعبل ما يكوف االسم من ىذه األظباء فيو ىو دبعٌت االسم‬
‫تر ه‬
‫فرؽ بُت األظباء كإف كانت تتقارب ُب معانيها كالعلم‬
‫االخر من كل كجو‪ ،‬بل ال بد أف يكوف ىناؾ ه‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪112‬‬ ‫هللا‬
‫مثبل ُب ثبوت صفة اػبلق‪ ،‬كصفة الربء ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فهو اػبالق كىو البارئ إىل‬ ‫كاػبربة كما جاء ن‬
‫أيضا من صفة القوة كصفة القدرة كصفة اؼبتانة ﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬ ‫غَت ذلك‪ ،‬كما سيأٌب معنا ن‬
‫جلي‬
‫عليم بكل شيء بالظاىر كالباطن‪ ،‬حبقيقة األمور كخفاياىا كما ىو ه‬ ‫اؼبقصود أف ا﵁ جل كعبل ه‬
‫منها فبل يعزب عن علمو شيء جل ربنا كعز‪.‬‬
‫ج فِ َيها﴾)‬ ‫ض وما ي ْخرج ِم ْن ها وما ي ْن ِز ُل ِمن ال ا ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫س َماء َوَما يَ ْع ُر ُ‬ ‫َ‬ ‫وقولو ﴿يَ ْعلَ ُم َما يَل ُج في ْاأل َْر ِ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ‬
‫ىذه اآلية جاءت ُب كتاب ا﵁ سبحانو كتعاىل ُب موضعُت‪ ،‬يقوؿ جل كعبل ﴿يَ ْعلَ ُم َما يَلِ ُج فِي‬
‫ج فِ َيها ﴾‪ ،‬إذنا ُب ىذه اآلية إثبات علمو تعاىل‬ ‫ض وما ي ْخرج ِم ْن ها وما ي ْن ِز ُل ِمن ال ا ِ‬
‫س َماء َوَما يَ ْع ُر ُ‬ ‫َ‬ ‫ْاأل َْر ِ َ َ َ ُ ُ َ َ َ َ‬
‫دليل على سعة علم ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كأف علمو قد أحاط‬ ‫هبذه األمور األربعة كال شك أف ىذه اآلية ه‬
‫نازؿ كما من باط ون كما من ظاى ور إال كا﵁ جل كعبل قد علمو‪ ،‬قاؿ‬ ‫بكل شيء‪ ،‬فما من صاعد كما من و‬
‫ض﴾ يلج‪ :‬يعٍت يدخل‪.‬‬ ‫﴿يَ ْعلَ ُم َما يَلِ ُج فِي ْاأل َْر ِ‬
‫فكل ما يدخل ُب األرض كقد علمت ُب أصوؿ الفقو أف ما اؼبوصولة كهذه اليت بُت أيدينا من‬
‫ألفاظ العموـ‪ ،‬فا﵁ جل كعبل يعلم كل ما يلج ُب األرض فيشمل ذلك اؼباء الذم يتخلل إىل باطن‬
‫األرض ككذلك اغببوب اليت تلج إىل األرض‪ ،‬ككذلك األموات الذين يدفنوف ُب األرض إىل غَت ذلك‬
‫فبا يلج ُب األرض‪ ،‬فا﵁ سبحانو كتعاىل قد علم ذلك على كجو التعيُت كالتفصيل‪ ،‬ما من شيء يلج‬
‫عليم بو على كجو التفصيل كالتعيُت‪.‬‬
‫كيدخل ُب األرض إال كا﵁ سبحانو كتعاىل ه‬
‫ج ِم ْن َها ﴾ كل ما ىبرج من األرض فا﵁ سبحانو كتعاىل بو عليم‪ ،‬سواء كاف ذلك‬ ‫قاؿ ﴿ َوَما يَ ْخ ُر ُ‬
‫كنوزا أك ما ىبرج منها من اؼبعادف أك ما ىبرج منها إذا بيعثر ما ُب القبور كل ما يكوف ُب األرض‬ ‫نباتنا أك ن‬
‫عليم بو على كجو التفصيل‪.‬‬
‫فيخرج منها‪ ،‬فا﵁ سبحانو كتعاىل ه‬
‫تفصيبل‬
‫ن‬ ‫س َم ِاء ﴾‪ ،‬أم شيء ينزؿ من السماء‪ ،‬قد علمو ا﵁ عز كجل‬ ‫قاؿ ﴿ َوَما يَ ْن ِز ُل ِم َن ال ا‬
‫كتعييننا‪ ،‬ما ينزؿ من السماء من األمطار كمن الثلوج كمن الرعود كالربكؽ‪ ،‬كما ينزؿ من السماء من‬
‫األرزاؽ كما ينزؿ من السماء من اؼببلئكة‪ ،‬إىل غَت ذلك من كل ما ينزؿ من السماء‪ ،‬فإف ا﵁ سبحانو‬
‫ج فِ َيها﴾ يعٍت ما يصعد إىل السماء‪ ،‬فكل ما يصعد من األرض إىل‬ ‫كتعاىل بو عليم‪ ،‬كذلك ﴿ َوَما يَ ْع ُر ُ‬
‫اجعا إىل اؼببلئكة الذين يعرجوف من األرض إىل السماء‪ ،‬أك‬
‫السماء فا﵁ تعاىل بو عليم‪ ،‬سواءن ما كاف ر ن‬
‫ما كاف من األعماؿ الصاغبة أك ما كاف من الدعاء‪ ،‬إليو يصعد الكلم الطيب العمل الصاحل يرفعو إىل‬
‫األركاح اليت ترتفع إىل السماء عند مفارقتها لؤلبداف إىل غَت ذلك فبا يعرج إىل السماء‪ ،‬فا﵁ جل كعبل‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪113‬‬ ‫هللا‬
‫بو عليم‪ ،‬كإذا كاف سبحانو قد علم ما يلج ُب األرض كما ىبرج منها‪ ،‬فعلمو دبا يدب عليها من باب‬
‫أكىل‪ ،‬كذلك إذا علم ما ينزؿ من السماء كما يعرج فيها‪ ،‬فعلمو دبا يسبح فيها من باب أكىل‪.‬‬
‫شيء جل ربنا كأعز‪.‬‬ ‫إ نذا ىذه اآلية دليل على سعة علم ا﵁ عز كجل كمشوؿ علمو بكل و‬
‫ه‬
‫ب َال يَ ْعلَ ُم َها إِاال ُى َو َويَ ْعلَ ُم َما فِي الْبَ ٍّر َوالْبَ ْح ِر َوَما‬‫قال رحمو اهلل وقولو‪َ ﴿ :‬و ِع ْن َدهُ َم َفاتِ ُح الْغَْي ِ‬
‫اب ُمبِي ٍن﴾)‬ ‫س إِاال فِي كِتَ ٍ‬ ‫ْب َوَال يَابِ ٍ‬ ‫ض َوَال َرط ٍ‬ ‫ط ِمن ورقَ ٍة إِاال ي ْعلَم َها وَال حبا ٍة فِي ظُلُم ِ‬
‫ات ْاأل َْر ِ‬ ‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫تَ ْس ُق ُ ْ َ َ‬
‫دليل على سعة علم‬ ‫ب َال يَ ْعلَ ُم َها إِاال ُى َو﴾‪ ،‬ن‬ ‫يقوؿ جل كعبل ﴿ َو ِع ْن َدهُ َم َفاتِ ُح الْغَْي ِ‬
‫أيضا ىذه اآلية ه‬
‫صبعا ؼبًفتح بكسر اؼبيم‪ ،‬كاؼبًفتح ىو اؼبفتاح‪ ،‬كقاؿ‬ ‫ا﵁ جل كعبل كمفاتح إما أف تكوف ىذه الكلمة ن‬
‫صبعا ؼبفتح بفتح اؼبيم كاؼبفتح ىو‬ ‫ن‬ ‫بعض أىل العلم إف اؼبًفتح أفصح من اؼبفتاح‪ ،‬كإما أف تكوف مفاتح‬
‫ى‬
‫اػبزف‪.‬‬
‫كاؼبقصود أف كل ما يرجع إىل الغيب فإف ا﵁ سبحانو كتعاىل ىو العليم بو‪ ،‬فا﵁ عز كجل عامل‬
‫الغيب‪.‬‬
‫كثيرا في مفاتح الغيب‪ ،‬ما ىي؟‬
‫واختلف العلماء اختالفًا ً‬
‫كالعجيب أف يقع ىذا االختبلؼ مع ثبوت تفسَت معٌت ىمفاتح الغيب ُب كبلـ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم كىو الذم ال ينبغي أف يتجاكز ُب التفسَت كبلمو صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬ففي أفراد البخارم‬
‫خمس» ىذا‬
‫ٌ‬ ‫من حديث ابن عمر رضي ا﵁ عنهما أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ‪« :‬مفاتح الغيب‬
‫خمس ال يعلمها إال اهلل» ٍب تبل النيب صلى ا﵁‬ ‫ٌ‬ ‫ُب ركاية‪ ،‬كُب ركاية أخرل ُب البخارم «مفاتح الغيب‬
‫ث َويَ ْعلَ ُم َما فِي‬
‫اع ِة َويُنَ ٍّز ُل الْغَْي َ‬ ‫ِ ا ِ ِ‬
‫سَ‬ ‫ْم ال ا‬‫عليو كسلم على ما جاء ُب الركاية األكىل ﴿إ ان اللوَ ع ْن َدهُ عل ُ‬
‫يم َخبِ ٌير ﴾‬ ‫ِ‬ ‫س بِأ ٍّ‬ ‫ِ‬
‫وت إِ ان اللاوَ َعل ٌ‬ ‫ض تَ ُم ُ‬ ‫َي أ َْر ٍ‬ ‫ب غَ ًدا َوَما تَ ْد ِري نَ ْف ٌ‬
‫س َما َذا تَ ْكس ُ‬ ‫ِ‬
‫ْاأل َْر َحام َوَما تَ ْد ِري نَ ْف ٌ‬
‫فهذه ىي اؼبفاتح اليت جاءت ُب اآلية اليت معنا‪ ،‬مفاتح الغيب ىي ىذه األمور اػبمسة‪ ،‬اليت بينها‬
‫سبحانو كتعاىل ُب ىذه اآلية‪ ،‬كأفصح عن تفسَتىا رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬
‫ب َال يَ ْعلَ ُم َها إِاال ُى َو َويَ ْعلَ ُم َما فِي الْبَ ٍّر َوالْبَ ْح ِر﴾‪" ،‬ما " كما قد علمنا‬ ‫﴿و ِع ْن َدهُ َم َفاتِ ُح الْغَْي ِ‬
‫قاؿ َ‬
‫من أدكات العموـ‪ ،‬فكل ما ُب الرب كالبحر فا﵁ بو عليم‪ ،‬كاألظهر كا﵁ أعلم أف الرب ىو اليابس كالبحر‬
‫ىو اؼباء الكثَت‪ ،‬سواءن أكاف ماغبنا أك عذبنا حىت األهنار ىي معدكدة عند العرب من البحار‪ ،‬فيقولوف‬
‫حبر دجلة كحبر الفرات‪ ،‬كقيل إف الرب ىو القفر الصحارم ىي الرب كالبحار ىي القرل‪ ،‬يعٍت اؼبأىولة‬
‫كاؼبسكونة كلكن األكؿ ىو األظهر‪ ،‬فكل ما يكوف ُب الرب كالبحر من أموور راجعة إىل األعياف إىل‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪114‬‬ ‫هللا‬
‫اعبواىر أك إىل األعراض كاؼبعاين كل ذلك فا﵁ سبحانو كتعاىل بو عليم‪ٍ ،‬ب ذكر ما ىو أخص فبا قبلو‬
‫ط ِم ْن َوَرقَ ٍة إِاال يَ ْعلَ ُم َها﴾ عامة اؼبفسرين إىل أف الورقة ىا ىنا ىي الورقة من‬
‫﴿وَما تَ ْس ُق ُ‬
‫قاؿ سبحانو‪َ :‬‬
‫كرؽ الشجر‪ ،‬ما من كرقة إال كا﵁ عز كجل قد علمها على كجو التعيُت ثابتة كساقطة‪ ،‬يعلمها سبحانو‬
‫كتعاىل حُت كانت ثابتة كيعلمها سبحانو كتعاىل حُت سقطت كيعلم مىت سقطت كيعلم إىل أين‬
‫ذىبت‪.‬‬
‫ض﴾ أم حبة كانت مهما نزلت ُب‬ ‫ات ْاأل َْر ِ‬ ‫ط ِمن ورقَ ٍة إِاال ي ْعلَم َها وَال حبا ٍة فِي ظُلُم ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫﴿وَما تَ ْس ُق ُ ْ َ َ‬ ‫َ‬
‫عليم هبا على كجو التعيُت كال ىبتلط عليو سبحانو ًعلم ىذه اغببة‬ ‫باطن األرض فا﵁ سبحانو كتعاىل ه‬
‫ْب َوَال‬ ‫ض َوَال َرط ٍ‬‫ات ْاأل َْر ِ‬‫ط ِمن ورقَ ٍة إِاال ي ْعلَم َها وَال حبا ٍة فِي ظُلُم ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُ َ َ‬ ‫﴿وَما تَ ْس ُق ُ ْ َ َ‬ ‫عن علم تلك‪ ،‬قاؿ َ‬
‫اب ُمبِي ٍن﴾ كاألشياء ُب الغالب إما أف تكوف رطبة أك تكوف يابسة ككل ذلك ليس‬ ‫س إِاال فِي كِتَ ٍ‬ ‫يَابِ ٍ‬
‫أيضا مكتوب ُب اللوح ا﵀فوظ كالكتاب اؼببُت األظهر من‬ ‫معلوما عند ا﵁ عز كجل فحسب‪ ،‬بل إنو ن‬ ‫ن‬
‫كبلـ اؼبفسرين كا﵁ تعاىل أعلم أنو اللوح ا﵀فوظ‪ ،‬الذم كتب ا﵁ عز كجل فيو كل ما يكوف إىل يوـ‬
‫معلوما عند ا﵁ عز كجل من باب أكىل‪ ،‬اػببلصة أف ىذه‬ ‫القيامة‪ ،‬كإذا كاف ذلك كذلك‪ ،‬فبل أف يكوف ن‬
‫دليل بُت على سعة كإحاطة كمشوؿ علم ا﵁ تبارؾ كتعاىل كصدؽ ا﵁ ربنا كسعت كل شيء رضبة‬ ‫اآلية ه‬
‫كعلما‪.‬‬
‫ن‬
‫ض ُع إِاال بِ ِعل ِْم ِو﴾‬ ‫ِ‬
‫قال رحمو اهلل وقولو‪َ ﴿ :‬وَما تَ ْح ِم ُل م ْن أُنْ ثَى َوَال تَ َ‬
‫ض ُع‬ ‫أيضا ذكرىا ا﵁ سبحانو كتعاىل ُب موضعُت من كتابو‪َ ﴿ ،‬وَما تَ ْح ِم ُل ِم ْن أُنْ ثَى َوَال تَ َ‬ ‫ىذه اآلية ن‬
‫اب ﴾‪ ،‬ككذلك قاؿ سبحانو ﴿إِلَْي ِو يُ َر ُّد‬ ‫ص ِم ْن عُ ُم ِرهِ إِاال فِي كِتَ ٍ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬
‫إِاال بِعلْمو َوَما يُ َع ام ُر م ْن ُم َع ام ٍر َوَال يُ ْن َق ُ‬
‫ض ُع إِاال بِ ِعل ِْم ِو﴾ كالحظ‬ ‫ات ِم ْن أَ ْك َم ِام َها َوَما تَ ْح ِم ُل ِم ْن أُنْ ثَى َوَال تَ َ‬‫اع ِة وما تَ ْخرج ِمن وَمر ٍ‬
‫س َ ََ ُ ُ ْ ََ‬ ‫ْم ال ا‬ ‫ِ‬
‫عل ُ‬
‫كيف أف ىذه اآلية األخَتة قد دلت على ثبوت علم ا﵁ عز كجل هبذه األمور الثبلثة‪ ،‬قاؿ سبحانو‪:‬‬
‫اع ِة﴾ ‪ ،‬كل ما يرجع إىل علم الساعة من حيث كونو ما يكوف فيها‪ ،‬كمن حيث‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫سَ‬ ‫ْم ال ا‬ ‫﴿إلَْيو يُ َر ُّد عل ُ‬
‫كقت قيامها فإف ذلك علمو إىل ا﵁ تبارؾ كتعاىل قد اختص بو‪ ،‬إليو يرد علم الساعة‪ ،‬كإليو ُب ىذا‬
‫كتابنا كسنة كثَتة‪.‬‬
‫ات ِم ْن أَ ْك َم ِام َها﴾ أكمام الشجرة‪ :‬صبع يكم كالكم ىو كعاء الثمرة‪،‬‬ ‫قاؿ ﴿وما تَ ْخرج ِمن وَمر ٍ‬
‫ََ ُ ُ ْ ََ‬
‫عليم هبا على كجو‬ ‫كجف النخلة‪ ،‬فالثمرات زبرج من ىذه األكماـ‪ ،‬ما من شبرة قط‪ ،‬إال كا﵁ تعاىل ه‬
‫يوـ ُب ىذه الدنيا على سعتها‪ ،‬ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬علم كل شبرة على‬ ‫التعيُت‪ ،‬كم من شبرة زبرج ُب كل و‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪115‬‬ ‫هللا‬
‫﴿وَما‬
‫كجو التفصيل كالتعيُت‪ ،‬من مبدئها إىل منتهاىا‪ ،‬سبحاف ا﵁ العلي‪ ،‬كالحظ أف ما ُب قولو تعاىل َ‬
‫ات﴾ إما أف تكوف ما ىا ىنا موصولة فتكوف متعلقة بأكؿ اآلية‪ ،‬يعٍت إليو يرد علم‬ ‫تَ ْخرج ِمن وَمر ٍ‬
‫ُ ُ ْ ََ‬
‫﴿وَما‬
‫الساعة كإيل يرد علم ما ىبرج من شبرات األشجار‪ ،‬أك تكوف ما نافية فتكوف متعلقة بآخر اآلية‪َ ،‬‬
‫ات ِم ْن أَ ْك َم ِام َها﴾ إال بعلمو جل‬
‫ضع إِاال بِ ِعل ِْم ِو﴾‪ ،‬كذلك ﴿وما تَ ْخرج ِمن وَمر ٍ‬
‫ََ ُ ُ ْ ََ‬
‫ِ ِ‬
‫تَ ْحم ُل م ْن أُنْ ثَى َوَال تَ َ ُ‬
‫ربنا كعز‪.‬‬
‫﴿وَما تَ ْح ِم ُل ِم ْن أُنْ ثَى َوَال تَ َ‬
‫ض ُع إِاال بِ ِعل ِْم ِو﴾ ىذا ىو األمر الثالث الذم علمو ا﵁ تبارؾ‬ ‫قاؿ‪َ :‬‬
‫كتعاىل بعلمو الواسع الذم ال يشركو فيو أحد‪ ،‬ما ربمل من أنثى كال تضع إال بعلمو‪ ،‬أم أنثى كانت‬
‫سواء كانت من اإلنس أك كانت من اغبيواف‪ ،‬فإف ا﵁ سبحانو كتعاىل يعلم شأف ىذا اغبمل ابتداءن‬
‫معلوـ عند ا﵁‬ ‫كانتهاءن‪ ,‬منذ أف وبصل التلقيح إىل أف وبصل الوضع ال يكوف شيء من ذلك إال كىو ه‬
‫اجعا إىل الوقت أك‬ ‫تبارؾ كتعاىل على كجو التعيُت‪ ،‬كل ما يرجع إىل كالدة اؼبولودين سواءن كاف ذلك ر ن‬
‫اجعا إىل الكيف‪ ،‬كل ذلك علمو إىل ا﵁ سبحانو كتعاىل قد علمو جل‬ ‫اجعا إىل الكم‪ ،‬أك كاف ر ن‬‫كاف ر ن‬
‫كعبل بعلمو الواسع ا﵀يط بكل شيء‪.‬‬
‫إ نذا ىذه اآلية كسابقاهتا يذكر فيها ربو سبحانو كتعاىل شيئنا يعرفنا سعة علمو سبحانو كتعاىل كىذا‬
‫من األمر الذم هبب اإليباف بو‪ ،‬قلنا فيما سبق إف صفة العلم من أجل الصفات ُب الكتاب كالسنة‪،‬‬
‫كركدا فيهما‪ ،‬كمن اؼبعلوـ من الدين بالضركرة ثبوت ىذه الصفة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪،‬‬ ‫كمن أكثر الصفات ن‬
‫كائن كما سيكوف كما مل يكن لو كاف كيف يكوف من‬ ‫كأهنا شاملة لكل شيء‪ ،‬ما كاف كما ىو ه‬
‫اؼبمكنات كاؼبستحيبلت‪ ،‬كل شيء على اإلطبلؽ‪ ،‬فا﵁ عز كجل بو عليم‪ ،‬سواء تعلق بو سبحانو‬
‫كتعاىل من أظبائو كصفاتو ككونو ذاتو‪ ،‬أك ما تعلق دبخلوقاتو على كجو التفصيل كالتعيُت‪ ،‬اعبملة‬
‫داخل ُب علم ا﵁ تبارؾ‬ ‫كالتفصيل كالدقيق كالكبَت كالظاىر كالباطن كالصاعد كالنازؿ‪ ،‬كل ذلك فهو ه‬
‫كتعاىل سبحانو جل ُب عبله‪.‬‬
‫ط بِ ُك ٍّل َش ْي ٍء‬ ‫ٍ ِ‬ ‫ِ‬
‫قال رحمو اهلل‪( :‬وقولو‪ ﴿ :‬لتَ ْعلَ ُموا أَ ان اللاوَ َعلَى ُك ٍّل َش ْيء قَد ٌير َوأَ ان اللاوَ قَ ْد أ َ‬
‫َحا َ‬
‫ِعل ًْما﴾‪.‬‬
‫ىذه اآلية الشاىد فيها إثبات إحاطة علم ا﵁ عز كجل بكل شيء‪ ،‬فهي كالتلخيص ؼبا سبق‪ ،‬كأف‬
‫زبصيص قط‪ ،‬ىذه‬ ‫ه‬ ‫عموما ؿبفوظنا ما دخلو‬ ‫عاـ ن‬ ‫علما‪ ،‬ككل شيء ىا ىنا ه‬ ‫ا﵁ قد أحاط بكل شيء ن‬
‫زبصيص قط‪ ،‬فبل يبكن أف يستثٌت من ىذا العموـ شيء‪ ،‬كال يبكن أف‬ ‫ه‬ ‫اآلية عمومها ؿبفوظ ما دخلها‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪116‬‬ ‫هللا‬
‫علما دبا‬‫ىبص من ىذا العموـ شيء‪ ،‬بل ا﵁ عز كجل علم كل شيء‪ ،‬كأف ا﵁ قد أحاط بكل شيء ن‬
‫أفعاال أك إىل ما يرجع إىل اؼبخلوقات أك إىل ما‬ ‫كصفات كأظباءن ك ن‬ ‫و‬ ‫يرجع إليو ىو سبحانو كتعاىل ذاتنا‬
‫يرجع إىل اؼبوجودات أك إىل ما يرجع إىل اؼبعدكمات أك حىت إىل ما يرجع إىل اؼبمتنعات كل ذلك قد‬
‫علمو ا﵁ بعلمو الواسع‪.‬‬
‫كمطلع اآلية يدلك على فائدة أظن أنٍت ذكرهتا كىي أنبية العلم بأظباء ا﵁ كصفاتو‪ ،‬قاؿ جل كعبل‬
‫ض ِمثْ لَ ُه ان يَتَ نَ از ُل ْاأل َْم ُر بَ ْي نَ ُه ان ﴾ كل ذلك‬ ‫ات َوِم َن ْاأل َْر ِ‬‫ُب ىذه اآلية‪﴿ :‬اللاوُ الا ِذي َخلَ َق س ْبع سماو ٍ‬
‫َ َ ََ َ‬
‫ؼبا؟ الحظ الـ التعليل‪ ،‬الحظ الـ الغاية‪ ،‬الحظ الـ اغبكمة‪﴿ ،‬لِتَ ْعلَ ُموا أَ ان اللاوَ َعلَى ُك ٍّل َش ْي ٍء قَ ِد ٌير‬
‫ٍ ِ‬ ‫َحا َ ِ‬
‫لعلم شبُت‪ ،‬ا﵁ خلق‬ ‫ط ب ُك ٍّل َش ْيء عل ًْما﴾‪ ،‬ال تستهن يا عبد ا﵁ هبذا العلم‪ ،‬فإنو كا﵁ ه‬ ‫َوأَ ان اللاوَ قَ ْد أ َ‬
‫ىذا الكوف كلو ألجل أف تعلمو‪ ،‬لتعلموا أف ا﵁ على كل شيء قدير‪ ،‬كأف ا﵁ قد أحاط بكل شيء‬
‫علما‪ ،‬ا﵁ جل كعبل ما خلق كل ىذه الكائنات إال لكي تعرفو ٍب أف تعمل دبقتضى ىذه اؼبعرفة فتعبده‬ ‫ن‬
‫كحده ال شريك لو‪ ،‬كىذا ىو الذم ػبصو أىل العلم بقوؽبم‪ ،‬التوحيد العلمي كالتوحيد العملي‪.‬‬
‫ِ ِ‬
‫ين﴾‪.‬‬ ‫قال رحمو اهلل‪﴿ :‬إِ ان اللاوَ ُى َو ال ارزاا ُق ذُو الْ ُق اوة ال َْمت ُ‬
‫ثبلث ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬قاؿ سبحانو ﴿إِ ان اللاوَ ُى َو ال ارزاا ُق ﴾ الرزاؽ‬ ‫صفات و‬ ‫و‬ ‫ىذه اآلية فيها إثبات‬
‫ِ‬
‫ين﴾ ‪ ،‬كذلك جاء أنو‬ ‫﴿وإِ ان اللاوَ لَ ُه َو َخ ْي ُر ال ارا ِزق َ‬‫اظبو‪ ،‬كالرزؽ صفتو‪ ،‬كذلك جاء أنو خَت الرازقُت‪َ ،‬‬
‫الرازؽ‪ ،‬كما أخرج أبو داكد كابن ماجو كغَتنبا بإسناد صحيح أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قاؿ‪« :‬إن‬
‫اهلل ىو المسعر القابض الباسط الرازق» ‪ ،‬كالًتمذم ركل ىذا اغبديث‪ ،‬الرزاؽ هبذه الركاية‪ ،‬لكن‬
‫ثابت ﵁ تبارؾ كتعاىل الرزاؽ‬
‫الذم عند أيب داكد كابن ماجو كغَتنبا الرازؽ‪ ،‬كاؼبقصود أف كبل االظبُت ه‬
‫كالرازؽ‪ ،‬كإف كاف الرزاؽ أبلغ ُب اؼبعٌت من الرازؽ‪ ،‬فإنو صيغة مبالغة فهو كثَت الرزؽ سبحانو كتعاىل‪،‬‬
‫كهبذا نستفيد فائدة تتعلق بفقو األظباء كىي أف بعض األظباء أبلغ من بعض‪ ،‬بعض األظباء من جهة‬
‫اؼبعٌت أبلغ من بعض‪.‬‬
‫اؼبقصود أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل متصف بصفة الرزؽ‪ ،‬الصفة اليت ىي اؼبصدر كىي ما يقوـ با﵁ تبارؾ‬
‫الرزؽ‪ ،‬بفتح الراء كأما ال ًرزؽ فإنو اؼبفعوؿ الذم خلقو ا﵁‬
‫كتعاىل أعٍت ىذه الصفة الفعلية‪ ،‬يقاؿ فيها ى‬
‫تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فالشيء الذم يعطيو كيبنحو كيهبو سبحانو كتعاىل يسمى الرزؽ بكسر الراء‪ ،‬ىذا ىو‬
‫األصل ُب ىذا الباب‪ ،‬كقد يستعمل ىذا ُب ؿبل ىذا‪ ،‬اؼبقصود أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل من صفاتو أنو‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪117‬‬ ‫هللا‬
‫الرزاؽ الذم ينعم كيعطي كاألصل ُب كلمة الرزؽ يعٍت العطاء كال ًرزؽ يعٍت الشيء اؼبعطى كا﵁ سبحانو‬
‫كتعاىل ما من ـبلوؽ إال كرزقو عليو‪ ،‬كما من دابة ُب األرض إال على ا﵁ رزقها‪.‬‬
‫كتنبو يرعاؾ ا﵁ إىل أف أىل السنة كاعبماعة يقولوف إف الرزؽ ينقسم إىل قسمُت كبلنبا يرجعاف إىل‬
‫داخل ُب فعلو سبحانو كتعاىل الذم‬
‫ازؽ ىذين النوعُت كبلنبا ه‬ ‫الرزؽ ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فا﵁ ر ه‬
‫معٌت صفة ى‬
‫الرزؽ‪.‬‬
‫ىو ى‬
‫الرزق ينقسم إلى‪:‬‬
‫ٍ‬
‫رزق خاص‪ :‬كىذا الرزؽ اػباص ينقسم إىل قسمُت ن‬
‫أيضا‪.‬‬
‫إ نذا عندنا قسمُت ُب رزؽ ا﵁ جل كعبل‪ ،‬ما يرزقو ا﵁ عز كجل ينقسم إىل قسمُت‪ ،‬إىل رزؽ‬
‫أيضا إلى قسمين‪:‬‬
‫خاص‪ ،‬وىذا الرزق الخاص يتفرع ً‬
‫األول‪ :‬رزؽ القلوب العلم كاإليباف‪.‬‬
‫الثاني‪ :‬الرزؽ اؼبباح الذم أباح ا﵁ عز كجل االنتفاع بو‪.‬‬
‫اجع إىل ىذا اؼبعٌت‬‫إذنا كل ما يرجع إىل ما ينتفع العباد بو فبا أباحو ا﵁ سبحانو كتعاىل فإنو ر ه‬
‫اػباص‪ ،‬كىو ما فصلو ابن القيم رضبو ا﵁ ُب النونية حيث قاؿ‪:‬‬
‫رزؽ القلوب العلم كاإليباف كالرزؽ اؼبعد ؽبذه األبداف‬
‫ىذا ىو الػ ػ ػ ػ ػػرزؽ اغب ػ ػ ػ ػػبلؿ كربنا رزاقو كالفضل للمناف‬
‫كىذا النوع من الرزؽ ىو الذم يدعوا العبد بو‪ ،‬يعٍت ىو الذم يدعوا ا﵁ عز كجل بو‪ ،‬كارزقنا كأنت‬
‫كثَتا من الناس إذا‬‫خَت الرازقُت ال يراد من دعاء اؼبسلم إال ىذا النوع اػباص‪ ،‬كىا ىنا تنبيو كىو أف ن‬
‫دعوا ا﵁ عز كجل بالرزؽ فإنو إمبا يقصدكف النوع الثاين الذم ىو رزؽ األبداف باغببلؿ رزؽ اؼباؿ‪ ،‬رزؽ‬
‫الطعاـ كالشراب‪ ،‬كما إىل ىذا اؼبعٌت‪ ،‬كربصل ؽبم غفلة عن إرادة اؼبعٌت األكؿ كىو أف يرزقهم ا﵁ عز‬
‫كجل العلم كاؽبداية كاإليباف‪ ،‬مع أف ىذا أكىل كأىم من النوع الثاين‪.‬‬
‫رزؽ خاص‪ ،‬ىو الذم يدعوا اؼبسلم بو‪ ،‬كىو الذم كصفو ا﵁ عز كجل‬ ‫اؼبقصود أف ىذين النوعُت ه‬
‫ات ِم َن‬ ‫ج لعبَ َ َ‬
‫ات ما رَزقْنَا ُكم ﴾ ﴿قُل من ح ارم ِزينَةَ اللا ِو الاتِي أَ ْخر ِ ِ ِ‬
‫ادهِ والطايٍّب ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ َْ َ َ‬ ‫ْ‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بالطيب‪ُ ﴿ ،‬كلُوا م ْن طَيٍّبَ َ َ‬
‫ِ‬ ‫ٍّ ِ‬
‫سنًا ﴾‪ ،‬ىذا النوع‬ ‫الرْزق﴾ ىذا النوع ىو الذم كصفو ا﵁ عز كجل باغبسٍت‪َ ﴿ ،‬وَم ْن َرَزقْنَاهُ مناا ِرْزقًا َح َ‬
‫ات َما َرَزقْنَا ُك ْم ﴾‪ ،‬كلوا كاشربوا من رزؽ ا﵁‪ ،‬يعٍت‬ ‫ىو الذم أمر العباد باألكل منو‪ُ ﴿ ،‬كلُوا ِمن طَيٍّب ِ‬
‫ْ َ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪118‬‬ ‫هللا‬
‫من ىذا الرزؽ اػباص الذم أباح ا﵁ عز كجل االنتفاع بو‪ ،‬الرزؽ اغببلؿ الذم يؤمر اإلنساف باألكل‬
‫منو ىذا ىو الرزؽ الذم أمر ا﵁ عز كجل باإلنفاؽ منو‪﴿ ،‬أَنْ ِف ُقوا ِم اما َرَزقَ ُك ُم﴾‪.‬‬
‫أما النوع الثاني‪ :‬فهو الرزؽ العاـ‪ ،‬كمعناه يرجع إىل كل ما ينتفع بو‪ ،‬كالحظ أف الكلية ىا ىنا‬
‫كلية عامة ترجع إىل العموـ ُب اؼبرزكؽ يعٍت ُب الرزؽ الذم يبد ا﵁ عز كجل العباد بو‪ ،‬فاغببلؿ يسمى‬
‫رزقنا هبذا االعتبار‪ ،‬كاغبراـ يسمى رزقنا هبذا االعتبار فمن حيث كونو معطى من ا﵁ عز كجل‪ ،‬كالعباد‬
‫داخل ُب رزؽ ا﵁ عز كجل‪.‬‬ ‫ينتفعوف بو فإنو ه‬
‫ككذلك العموـ من جهة من يرزؽ‪ ،‬فهذا الرزؽ يعطيو ا﵁ عز كجل للمؤمن كيعطيو للكافر كيعطيو‬
‫للدكاب كيعطيو للحشرات كيعطيو لكل الكائنات العلوية كالسفلية‪ ،‬إ نذا ىذا ىو الرزؽ العاـ‪ ،‬كىو الذم‬
‫جاء ُب كبو قولو تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما ِم ْن َداباٍة فِي ْاأل َْر ِ‬
‫ض إِاال َعلَى اللا ِو ِرْزقُ َها ﴾‪ ،‬كىذا الرزؽ ىو الذم‬
‫يكتبو اؼبلك إذا مضت ‪ 120‬على اعبنُت ُب بطن أمو‪ ،‬فإف ا﵁ عز كجل يرسل اؼبلك كيأمره بكتب‬
‫أربع كلمات‪ ،‬يأمره بكتب رزقو كأجلو كعملو كشقي أك سعيد‪ ،‬ىذا ىو الرزؽ العاـ‪ ،‬كبالتايل يتضح لنا‬
‫داخل ُب الرزؽ باؼبعٌت العاـ ال باؼبعٌت اػباص‪ ،‬دبعٌت لو قيل لنا‬ ‫الفرؽ بُت األمرين‪ ،‬كىذا النوع الثاين ه‬
‫رزؽ أـ‬
‫رزؽ من ا﵁ عز كجل أـ ال؟ ىذا اؼباء ه‬ ‫ماال مسركقنا‪ ،‬ىل ىذا ه‬ ‫ىل اؼباؿ اؼبسركؽ‪ ،‬لو قدرنا ىذا ن‬
‫كداخل ُب اؼبعٌت األكؿ دكف إشكاؿ‪ ،‬لكن لو قدرنا‬ ‫ه‬ ‫مباح كحبلؿ‬ ‫ال؟ رزؽ‪ ،‬ال شك ُب ذلك ىو رزؽ ه‬
‫ىذا شيئنا مسركقنا ىل يقاؿ ىو من رزؽ ا﵁؟ ال يبكن أف يطلق اعبواب بل ال بد من التفصيل‪ ،‬يقاؿ‬
‫إف كنت تريد الرزؽ الذم ىو باؼبعٌت اػباص كىو الذم أباحو ا﵁ كأمر باألكل منو كاإلنفاؽ منو‪ ،‬فإف‬
‫رزؽ من ا﵁ عز كجل أباح‬ ‫ماؿ مسركؽ ه‬ ‫ىذا ليس من ىذا الرزؽ يعٍت ليس لئلنساف أف يقوؿ كا﵁ ىذا ه‬
‫ا﵁ األكل منو‪ ،‬قاؿ كلوا كاشربوا من رزؽ ا﵁‪.‬‬
‫طيب ال يقبل إال طيبنا‪ ،‬لكن‬
‫أيضا‪ ،‬أنفقوا فبا رزقناكم‪ ،‬نقوؿ ال إف ا﵁ ه‬ ‫كبالتايل أنا أتصدؽ منو ن‬
‫ك ﴾‪ ،‬ا﵁ عز كجل كل و‬
‫ـبلوؽ‬ ‫باؼبعٌت العاـ نعم قاؿ جل كعبل‪ُ ﴿ :‬ك ًّال نُ ِم ُّد َى ُؤَال ِء َو َى ُؤَال ِء ِم ْن َعطَ ِاء َربٍّ َ‬
‫فإنو رازقو جل كعبل‪.‬‬
‫كلذلك يقوؿ ابن القيم رضبو ا﵁‪ ،‬كالثاين يعٍت النوع الثاين من الرزؽ قاؿ‪:‬‬
‫كالثاين سوؽ القػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ً‬
‫ػوت ُب تلك اجملػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػارم سوقػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػو بػ ػ ػ ػ ػ ػػوز ًاف‬
‫ىذا يكوف من اغبػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػبلؿ كما يكوف من اغبراـ ك ػػبلنبا رز ً‬
‫قاف‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪119‬‬ ‫هللا‬
‫كبلنبا راجعاف إىل إعطاء ا﵁ سبحانو كتعاىل كمنح ا﵁ سبحانو كتعاىل كداخبلف ُب تقدير ا﵁‬
‫سبحانو كتعاىل‪ ،‬أما أف يكوف من الرزؽ اػباص الذم أباحو ا﵁ للمؤمنُت ُب الدنيا‪ ،‬أ﵁ ما أباح‬
‫ات ِم َن‬ ‫ادهِ والطايٍّب ِ‬
‫ج لعبَ َ َ‬
‫الطيبات من رزقو جل كعبل للناس كافة‪﴿ ،‬قُل من ح ارم ِزينَةَ اللا ِو الاتِي أَ ْخر ِ ِ ِ‬
‫ََ‬ ‫ْ َْ َ َ‬
‫ْحيَاةِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ْحيَاةِ ُّ‬ ‫ِ‬ ‫ِ ِِ‬ ‫ٍّ ِ‬
‫الدنْ يَا ﴾ يعٍت أهنا‬ ‫آمنُوا في ال َ‬ ‫ين َ‬ ‫الدنْ يَا ﴾ ﴿ قُ ْل ى َي للاذ َ‬ ‫آمنُوا في ال َ‬ ‫الرْزق قُ ْل ى َي للاذ َ‬
‫ين َ‬
‫ال ربل إال ؽبم‪ ،‬ملكهم ا﵁ سبحانو كتعاىل أباحها ا﵁ عز كجل للذين آمنوا فقط‪ ،‬كإف كاف من حيث‬
‫صةً يَ ْوَم ال ِْقيَ َام ِة ﴾‬ ‫ِ‬
‫الوقوع شبة اشًتاؾ للمؤمن كالكافر‪ ،‬كلكن ُب اآلخرة ال اشًتاؾ قاؿ جل كعبل ﴿ َخال َ‬
‫ستكوف خالصة للمؤمنُت يوـ القيامة‪.‬‬
‫اؼبقصود أف أىل السنة كاعبماعة يعتقدكف أف الرزؽ يشمل النوعُت هبذا التفصيل‪ ،‬كبذلك يفارقوف‬
‫قوؿ اؼبعتزلة الذين يقولوف‪ :‬إف اغبراـ ليس رزقنا من ا﵁ جل كعبل‪ ،‬اغبراـ عندىم ليس رزقنا من ا﵁ جل‬
‫داخل ُب قوؿ ا﵁ جل كعبل‪َ ﴿ :‬وَما ِم ْن َداباٍة فِي‬ ‫كعبل‪ ،‬كاعبواب أف ىذا النفي غَت صحيح‪ ،‬بل ىذا ه‬
‫اِ‬ ‫ْاأل َْر ِ ِ‬
‫باطبل كىو أف يكوف من عاش كل أك يج َّل حياتو‬ ‫الزما ن‬ ‫ض إ اال َعلَى اللو ِرْزقُ َها ﴾ كقوؽبم يستلزـ ن‬
‫خارجا عن رزؽ ا﵁‬ ‫خارجا عن رزؽ ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬ن‬ ‫على اؼباؿ اغبراـ أف ىذا اإلنساف يكوف ن‬
‫ض إِاال َعلَى اللا ِو‬ ‫مناؼ لقولو تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما ِم ْن َداباٍة فِي ْاأل َْر ِ‬ ‫سبحانو كتعاىل‪ ،‬كىذا ال شك أنو و‬
‫مرزكؽ من ا﵁ سبحانو كتعاىل ال من‬ ‫ِرْزقُ َها﴾ فدؿ ىذا على أف كل ما ىو من ىذه اؼبخلوقات فإنو ه‬
‫غَته‪.‬‬
‫الرزؽ كال ًرزؽ فيو ىذا التفصيل عند أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬ينقسم إىل ىذين‬ ‫فاؼبقصود أف موضوع ى‬
‫القسمُت‪:‬‬
‫إىل رزؽ خاص كىو الرزؽ اغببلؿ الذم أباحو ا﵁ إىل غَت ذلك‪ ،‬كىذا قد يكوف رزقنا معنوينا يرجع‬
‫إىل العلم كاإليباف كاؽبداية كما إىل ىذه اؼبعاين‪.‬‬
‫كقد يكوف رزقنا مادينا كىو الطيبات اليت أباحها ا﵁ لعباده كضابط ذلك‪ ،‬كل ما وبل االنتفاع بو‪،‬‬
‫داخل ُب ىذا الرزؽ اػباص‪.‬‬
‫كل ما أباح الشرع االنتفاع بو فإنو ه‬
‫حبلؿ أك حراـ فبا يعطاه كل أحد من مسلم ككافر‬ ‫كالنوع الثاين‪ :‬كل ما يعطى فبا ينتفع بو من و‬
‫داخل ُب الرزؽ العاـ‪ ،‬ككبلنبا يشملو قولو تعاىل‪﴿ :‬إِ ان اللاوَ ُى َو ال ارزاا ُق ﴾ ا﵁ عز كجل‬
‫فإنو داخل ُب ه‬
‫اؽ ؽبذا‪.‬‬
‫اؽ ؽبذا كرز ه‬
‫رز ه‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪120‬‬ ‫هللا‬
‫قاؿ جل كعبل‪﴿ :‬إِ ان اللاوَ ُى َو ال ارزاا ُق ذُو الْ ُق اوةِ ﴾ذو القوة‪ :‬يعٍت صاحب القوة أك اؼبتصف بالقوة‬
‫قوم شديد العقاب‪ ،‬كالقوة كصفو تبارؾ‬‫فا﵁ جل كعبل من أظبائو القوم كىو القوم العزيز‪ ،‬إف ا﵁ ه‬
‫كتعاىل‪ ،‬القوة صفتو سبحانو جل ُب عبله‪ ،‬كالقوة معلومة اؼبعٌت من جهة اللغة ىي مقابل الضعف‪،‬‬
‫كبالتايل إذا ثبت ﵁ جل كعبل صفة القوة فإنو ينزه من ضدىا كل صفة ثابتة كل صفة ثابتة ﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل فإنو ينزه عن ضدىا‪ ،‬ىذه قاعدة ُب باب التنزيو‪ ،‬كل صفة ثابتة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فإف ا﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل ينزه عن ضدىا‪ ،‬فإذا كاف ا﵁ ىو القوم‪ ،‬فإنو ينزه عن صفة الضعف‪ ،‬كاألمر كما علمت فإف‬
‫القوة من حيث لغة العرب معٌت معلوـ‪ :‬القوة‪ ،‬الغضب‪ ،‬الفرح‪ ،‬العلم‪ ،‬ىذه تسمى معاين كلية ال ربتاج‬
‫إىل تعريف يعلمها الناس بداىة‪ ،‬يعلمها الناس بفطرهتم‪ ،‬ككل ما يذكر من تعريفات فإنو أغمض من‬
‫الكلمة نفسها‪ ،‬يعٍت مهما عرفت أك حاكلت تعريف القوة‪ ،‬فإنك ذبد أف كلمة القوة أكضح من‬
‫التعريف‪ ،‬بعضهم قاؿ القوة صفة يتمكن هبا من الفعل‪ ،‬صفة يتمكن هبا من الفعل‪ ،‬كالذم يبدكا كا﵁‬
‫أعلم‪ ،‬أننا لسنا حباجة إىل تعريف اؼبعاين الكلية‪ ،‬التعريف إمبا ينبغي أف يلجأ إليو كوبرص عليو عند‬
‫كجود الغموض‪ ،‬عند كجود االلتباس‪.‬‬
‫أما مثل ىذه اؼبعاين الكلية اؼبعلومة بالبداىة فإهنا ال ربتاج إىل أف ىبوض اإلنساف ُب تعريفها‪ ،‬يعٍت‬
‫مثبل ُب العلم أك كتبوا ُب ا﵀بة‪ ،‬ذبد عشرات التعريف‪،‬‬
‫لو حبثت ُب بعض كبلـ العلماء الذين كتبوا ن‬
‫ذكركا تعريفات كثَتة للمحبة‪ ،‬فهل ا﵀بة ربتاج إىل تعريف؟‬
‫كل ما ذكركه من تعريف ا﵀بة فا﵀بة أكضح فبا ذكركا‪ ،‬ىل وبتاج اإلنساف إىل تعريف ؼبعٌت كلمة‬
‫العلم؟ ما الذم يعلمو إذا كاف هبهل كلمة العلم‪ ،‬يعٍت أنت حىت تفهم التعريف ال بد أف يكوف عندؾ‬
‫علم من قبل‪.‬‬
‫ه‬
‫كبالتايل إذا كنت ذبهل معٌت ىذه الكلمة فما الذم تعلمو حىت تفهم ىذا التعريف؟‬
‫اؼبقصود أف القوة ثابتة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فهو القوم الذم يتنزه عن ضد ىذه القوة كىي صفة‬
‫الضعف‪ ،‬ك﵁ جل كعبل ثبلث صفات متقاربات ُب اؼبعٌت‪( :‬القوة‪ ،‬والقدرة‪ ،‬والمتانة) ‪ ،‬كىذه اآلية‬
‫جاء فيها ذكر صفتُت من الثبلثة‪ ،‬القوة كاؼبتانة‪.‬‬
‫أما القوة والقدرة‪ :‬فبُت ىتُت الكلمتُت ه‬
‫قرب ال ىبفى‪ ،‬كاختلف العلماء ُب التفريق بُت الكلمتُت‪،‬‬
‫من أىل العلم من قاؿ إف القوة أعم من القدرة فالقوة يتصف هبا اغبي كيتصف هبا غَت اغبي‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪121‬‬ ‫هللا‬
‫قادر كمن أىل‬ ‫قوم كال تقوؿ اغبديد ه‬ ‫أما القدرة‪ :‬فبل يتصف هبا إال اغبي‪ ،‬كلذلك تقوؿ اغبديد ه‬
‫العلم من قاؿ إف القوة أخص من القدرة من جهة أف القوة كماؿ القدرة أف القوة كماؿ القدرة كبالتايل‬
‫تكوف اؼبتانة كماؿ القوة‪ ،‬دبعٌت أف بعض ىذه اؼبعاين أبلغ من بعض‪ ،‬فالقدرة أبلغها القوة كأبلغ القوة‬
‫اؼبتانة‪ ،‬كىذا ما كصف ا﵁ عز كجل بو نفسو‪ ،‬فبا تضمنو معٌت اظبو تعاىل اؼبتُت‪﴿ ،‬إِ ان اللاوَ ُى َو ال ارزاا ُق‬
‫ِ ِ‬
‫ين ﴾‪ ،‬كما جاء ُب القرآف كصف ا﵁ عز كجل هبذه الصفة أك حىت كركد ىذا االسم ﵁‬ ‫ذُو الْ ُق اوة ال َْمت ُ‬
‫جل كعبل إال ُب ىذه اآلية من سورة الذاريات ُب ىذا اؼبوضع فقط‪ ،‬ظبى ا﵁ عز كجل نفسو باؼبتُت‪،‬‬
‫والمتين ىو الذم لو القوة البالغة أبلغ القوة ثابت ﵁ تبارؾ كتعاىل بصفة اؼبتانة لو تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫أعود إىل الفرؽ القوة كالقدرة‪ ،‬بعضهم فرؽ بُت الكلمتُت من جهة األضداد فالقوة تقابل الضعف‬
‫كالقدرة تقابل العجز‪ ،‬كا﵁ تعاىل أعلم‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية رحمو اهلل تعالى في رسالتو العقيدة الوسطية‪ ﴿ :‬لَي ِ ِ ِ‬
‫س َكمثْلو َش ْيءٌ‬
‫ْ َ‬
‫س ِميع الْب ِ‬
‫ص ُير﴾‪.‬‬ ‫َو ُى َو ال ا ُ َ‬
‫أكرد اؼبؤلف رضبو ا﵁ ىذه اآلية الكريبة العظيمة للداللة على إثبات صفيت السمع كالبصر ﵁‬
‫أصل عند أىل السنة كاعبماعة‬
‫سبحانو كتعاىل‪ ،‬كقد مضى الكبلـ عن ىذه اآلية العظيمة كعلمنا أهنا ه‬
‫ُب تقرير مباحث األظباء كالصفات‪ ،‬كأف يج َّل كبلـ أىل السنة ُب ىذا الباب يرجع إىل ىذه اآلية‪:‬‬
‫‪ ‬فإهنا قد دلت على أف ا﵁ تعاىل قد صبع فيما كصف بو نفسو بُت النفي كاإلثبات‪.‬‬
‫‪ ‬كما أهنا قد دلت على قاعدة النفي اجململ كاإلثبات اؼبفصل‪.‬‬
‫‪ ‬كما أهنا دلت على أف اغبق ُب باب األظباء كالصفات اعبمع بُت التنزيو كاإلثبات‪ ،‬كىذا ما‬
‫ىدل ا﵁ جل كعبل أىل السنة إليو‪ ،‬فإهنم يثبتوف ﵁ إثباتنا ال يبلغوف بو ‪-‬أعٍت دبا يثبتوف من و‬
‫أظباء‬
‫كصفات‪ -‬ال يبلغوف هبذا اإلثبات إىل حد التمثيل‪.‬‬
‫كما أهنم ينزىوف ا﵁ تبارؾ كتعاىل تنز نيها ال يبلغ هبم إىل حد التعطيل‪.‬‬
‫‪ ‬كما دلت اآلية على ثبوت قاعدٌب القدر اؼبشًتؾ كالقدر الفارؽ‪.‬‬
‫‪ ‬كىذه اآلية فيها من كنوز العلم ؼبن تأمل كتدبر شيء كثَت‪.‬‬
‫والمقصود‪:‬أف اآلية قد دلت على أف من أظباء ا﵁ تعاىل السميع كأف من أظبائو البصَت‪ ،‬كأف من‬
‫صفاتو السمع كأف من صفاتو البصر‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪122‬‬ ‫هللا‬
‫كظبيع أبلغ من‬
‫فعيل دبعٌت فاعل‪ ،‬ه‬ ‫فسميع ه‬ ‫ه‬ ‫أما اسم اهلل السميع‪:‬فإنو يدؿ على ثبوت صفة السمع‪،‬‬
‫سامع‪ ،‬فإنو يدؿ على أف ا﵁ ذك ظب وع عظيم‪ ،‬قد كسع ظبعو كل شيء‪ ,‬يسمع ا﵁ جل ُب عبله كل‬
‫سبُو َن أَناا َال نَ ْس َم ُع ِس ارُى ْم َونَ ْج َو ُ‬
‫اى ْم بَلَى َوُر ُسلُنَا لَ َديْ ِه ْم يَ ْكتُبُو َن ﴾ قاؿ النيب‬ ‫و‬
‫صوت كإف دؽ ﴿أ َْم يَ ْح َ‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم ؼبا ظبع بعض أصحابو يرفعوف صوهتم بذكر ا﵁ جل كعبل قاؿ عليو الصبلة‬
‫سميع قريب‬
‫كالسبلـ‪« :‬اربعوا على أنفسكم فإنكم ال تدعون أصم وال غائب إن الذي تدعونو ٌ‬
‫وىو أقرب إلى أحدكم من عنق راحلتو» ‪ ،‬كالسمع كما ىو ه‬
‫معلوـ ُب اللغة كالعقل إدراؾ األصوات‪،‬‬
‫عاقل يعرؼ شيئنا عن لغة العرب إال ىو السمع إدراؾ األصوات فا﵁ جل كعبل‬ ‫ىذا الذم ال يعقل ه‬
‫يدرؾ كل صوت‪ ،‬كذلك بسمعو العظيم الذم كسع كل شيء‪ ,‬كما أحسن ما قالت عائشة رضي ا﵁‬
‫عنها فيما علق اإلماـ البخارم ككصلو أضبد كغَته‪" ،‬اغبمد ﵁ الذم كسع ظبعو األصوات"‪ ،‬كعند‬
‫اغباكم ُب اؼبستدرؾ تبارؾ "الذم كسع ظبعو األصوات"‪ ،‬قالت رضي ا﵁ عنها‪" :‬كنت ُب اغبجرة‬
‫علي بعض كبلمها"‪ ،‬كا﵁ جل كعبل‬ ‫كخولة بنت ثعلبة ذبادؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كىبفى َّ‬
‫ك فِي َزْو ِج َها ﴾‪ ،‬فا﵁ سبحانو كتعاىل ال يفوتو صوت بل‬ ‫يقوؿ‪﴿ :‬قَ ْد س ِمع اللاوُ قَ و َل الاتِي تُج ِ‬
‫ادلُ َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ َ‬
‫يسمع كل صوت‪ ،‬كلو كاف دبيب النمل على صخر‪ ،‬كالقاعدة عند أىل السنة كاعبماعة ُب ىذه‬
‫الصفة أهنم يعتقدكف أف ىذه الصفة صفة ذاتية فعلية‪ ،‬صفة ذاتية باعتبار فعلية اختيارية باعتبا ور آخر‪.‬‬
‫كصف قدًن ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كأعٍت بقويل‬ ‫ه‬ ‫فأما من حيث ثبوت كصف السمع ﵁ عز كجل‪ ،‬فإنو‬
‫معطبل ُب كقت من األكقات عن ىذا‬ ‫ظبيعا‪ ،‬ما كاف ن‬
‫إنو قدًن يعٍت أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل مل يزؿ كال يزاؿ ن‬
‫الكماؿ ٍب اتصف بو‪ ،‬بل ال يزاؿ ا﵁ جل كعبل يسمع‪.‬‬
‫كأما كوف السمع صفة اختيارية فعلية فإف ذلك باعتبار آحاد الصفة يعٍت باعتبار تعلق السمع‬
‫بالصوت اغبادث‪ ،‬فا﵁ جل كعبل إمبا يسمع األصوات عند حدكثها كليس قبل ذلك‪ ،‬بل القوؿ بأف‬
‫كعقبل كما سيأٌب التنبيو‬ ‫شرعا ن‬ ‫قوؿ ال شك ُب بطبلنو ن‬
‫ا﵁ جل كعبل يسمع الصوت اغبادث ُب األزؿ ه‬
‫عليو قريبنا إف شاء ا﵁‪.‬‬
‫إ نذا ا﵁ جل كعبل يسمع األصوات عند حدكثها كما قاؿ جل كعبل ﴿قَ ْد َس ِم َع اللاوُ قَ ْو َل الاتِي‬
‫ك فِي َزْو ِج َها ﴾‪ ،‬فحينما كانت ذبادؿ رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ُب زكجها ظبع ا﵁ عز‬ ‫تُج ِ‬
‫ادلُ َ‬ ‫َ‬
‫كجل ذلك الصوت‪ٍ ،‬ب قاؿ تعاىل‪َ ﴿ :‬واللاوُ يَ ْس َم ُع تَ َح ُاوَرُك َما ﴾ يعٍت ُب ذلك الوقت‪ ،‬ا﵁ سبحانو‬
‫يسمع رباكركما‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪123‬‬ ‫هللا‬
‫كذلك الشأف ُب صفة البصر الكبلـ فيها على كزاف الكبلـ ُب صفة السمع‪ ،‬فهي من حيث أصل‬
‫مبصرا‪ ،‬مل يزؿ ا﵁ متص نفا بصفة البصر‪ ،‬أما باعتبار تعلق ىذه‬ ‫الوصف صفة ذاتية فلم يزؿ ا﵁ عز كجل ن‬
‫الصفة بآحاد الذكات فإف ا﵁ جل كعبل يبصر الذات أك ما قاـ بالذات كاأللواف ككبوىا‪ ،‬يبصر ذلك‬
‫سبحانو كتعاىل عند حدكثها عند كجودىا إذا كجدت فإف ا﵁ سبحانو كتعاىل يراىا كمن أدلة ذلك قولو‬
‫ض ِم ْن بَ ْع ِد ِى ْم لِنَ ْنظَُر َك ْي َ‬
‫ف تَ ْع َملُو َن ﴾‪ ،‬كذلك قولو سبحانو‬ ‫ف فِي ْاأل َْر ِ‬
‫تعاىل ﴿وُ ام َج َعلْنَا ُك ْم َخ َالئِ َ‬
‫سيَ َرى اللاوُ َع َملَ ُك ْم َوَر ُسولُوُ ﴾‪ ،‬فا﵁ جل كعبل سَتل ذلك عند حدكثو كعند‬ ‫كتعاىل﴿ َوقُ ِل ا ْع َملُوا فَ َ‬
‫حصولو‪ ،‬فدؿ ىذا على أهنا صفة فعلية اختيارية ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫وخذ قاعدة عامة في الصفات االختيارية‪ :‬كل ما يوجد بعد عدمو فإف ا﵁ يفعلو دبشيئتو‪ ،‬كل ما‬
‫يوجد بعد عدمو فإف ا﵁ تعاىل يفعلو دبشيئتو ال يكوف إال دبشيئة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كأحيلك ُب ربقيق‬
‫ىذا اؼبطلب اؼبهم إىل رسالة الصفات االختيارية لشيخ اإلسبلـ ابن تيمية رضبو ا﵁ كىي مودكعة ُب‬
‫ؾبموع الفتاكل‪.‬‬
‫متصف بصفة السمع‬
‫ه‬ ‫اؼبقصود أف ىذا ىو اغبق الذم ال شك فيو كىو أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫كالبصر‪ ،‬كأف ظبعو كبصره هبمع بُت كوهنما صفتُت ذاتيتُت باعتبار فعليتُت اختياريتُت باعتبار آخر‪.‬‬
‫وخالف الحق في ىذا الباب‪ :‬طوائف من اؼبتكلمُت‪ ،‬من أالئك من زعم أف السمع كالبصر دبعٌت‬
‫العلم‪ ،‬فمعٌت قوؿ القائل إف ا﵁ يسمع أك ظبع ا﵁ ىو علم أك يعلم ا﵁‪ ،‬كذلك الشأف ُب البصر فإف‬
‫ُت بُت صفيت السمع كالبصر‪ ،‬كصفة‬ ‫ظاىر بى ه‬
‫تأكيل باطل كالفرؽ ه‬
‫ا﵁ يبصر دبعٌت يعلم‪ ،‬كال شك أف ىذا ه‬
‫العلم‪ ،‬فإف كل عاقل يدرؾ أف األصم ال يسمع األصوات‪ ،‬لكنو يعلم أف الناس تتكلم‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫كذلك األعمى يعلم أف شبة أشياء كأشخاص كذكات كلكنو ال يراىا‪ ،‬فدؿ ىذا على الفرؽ بُت‬
‫السمع كالبصر كالعلم‪ ،‬كإال فييقاؿ ؽبؤالء ما فائدة التفريق بُت السمع كالعًلم ُب كبو قوؿ ا﵁ تعاىل﴿ َو ُى َو‬
‫يم ﴾ كا﵁ ىو السميع العليم‪ ،‬فدؿ ىذا على أهنما صفتاف‪ ،‬كليستا صفتُت مًتادفتُت‪،‬‬ ‫ِ‬ ‫ال ا ِ‬
‫يع ال َْعل ُ‬
‫سم ُ‬
‫ليست صفة السمع صفة العلم‪ ،‬كليس العكس كذلك‪ ،‬كذلك الشأف ُب صفة البصر ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫ضبلؿ ـبالف للحق الذم دؿ عليو الكتاب‬ ‫فالقوؿ بأف السمع كالبصر نبا دبعٌت العًلم ال شك أنو ه‬
‫كالسنة‪ ،‬كما أصبع عليو سلف ىذه األمة‪.‬‬
‫كالقوـ ُب ىذا التأكيل أرادكا الفرار من يشبهة التشبيو اليت زعموا أهنا الزمة إلثبات السمع كالبصر ﵁‬
‫تبارؾ كتعاىل‪ ،‬حيث إف ىذا يقتضي عندىم حلوؿ اغبوادث كما حل باغبادث فهو حادث‪ ،‬كبالتايل‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪124‬‬ ‫هللا‬
‫يقتضي ىذا تشبيو ا﵁ تبارؾ كتعاىل باغبوادث ‪-‬أعٍت باؼبخلوقات‪ ،-‬كىذا القوؿ ال شك ُب بطبلنو‬
‫كمسألة حلوؿ اغبوادث اليت ألجلها تذرع اؼبتكلموف إىل نفي صفاة ا﵁ عز كجل االختيارية لعلو يأٌب‬
‫مناسب للكبلـ عن ىذه الشبهة على كجو التفصيل‪ ،‬اؼبقصود أف القوـ ما صنعوا شيئنا إف كانوا‬ ‫ه‬ ‫كقت‬
‫ه‬
‫قد فركا من تشبيو فقد كقعوا ُب تشبيو أسوأ من األكؿ‪ ،‬إف كانوا قد فركا من إثبات السمع كالبصر ﵁‬
‫جل كعبل فر نار من تشبيهو دبخلوؽ يسمع كيبصر فإهنم قد كقعوا ُب تشبيو أسوأ كىو تشبيو ا﵁ تعاىل‬
‫كبَتا‪ ،‬كإف كاف ال بد من التشبيو فبل شك أف التشبيو األكؿ‬ ‫علوا ن‬
‫باألصم كاألعمى تعاىل ا﵁ عن ذلك ن‬
‫أىوف‪ ،‬كلكن الذم ال شك فيو كال ريب أف إثبات صفيت السمع كالبصر ﵁ جل كعبل ال تقتضي‬
‫التشبيو كالتمثيل حباؿ من األحواؿ‪ ،‬اللهم إال عند ذكم العقوؿ اؼبعوجة كالقلوب اؼبريضة‪.‬‬
‫أما من ىدل ا﵁ عز كجل قلبو إىل اغبق فبل شك كال ريب أنو يعتقد بثبوت السمع كالبصر ﵁‬
‫ـبالف لسمع اؼبخلوؽ‪ ،‬كأف بصره‬ ‫جل كعبل‪ ،‬مع عدـ فباثلة ظبعو كبصره للمخلوؽ‪ ،‬ال شك أف ظبعو ه‬
‫دليل بُت على‬ ‫ـبالف لبصر اؼبخلوؽ‪ ،‬كيف ذلك كاآلية كيف ال يكوف ذلك كاآلية اليت بُت أيدينا ه‬ ‫ه‬
‫س َك ِمثْلِ ِو َش ْيءٌ﴾‪ ،‬كذلك حىت تزكؿ صبيع أمراض التشبيو من القلوب‪،‬‬ ‫ذلك‪ ،‬أمل يقل ا﵁ جل كعبل ﴿لَْي َ‬
‫س ِميع الْب ِ‬ ‫ٍب وبي ُّل اإلثبات بعد ذلك عل و‬
‫ص ُير﴾‪.‬‬ ‫قلب سلي وم معظم ﵁ جل كعبل‪ ،‬قاؿ ﴿ َو ُى َو ال ا ُ َ‬
‫بصر ال كبصر اؼبخلوقات‪ ،‬كيف يكوف ذلك كذلك‪ ،‬ككل‬ ‫ظبع ال كسمع اؼبخلوقات‪ ،‬ك﵁ ه‬ ‫إذنا ﵁ ه‬
‫ؿبدكد دبسافة معينة‬ ‫حدكدا معينة فهو ه‬ ‫ظبع ؿبدكد ال شك أنو ال يتجاكز‬ ‫و‬
‫ن‬ ‫إنساف يعلم أف ظبع اؼبخلوؽ ه‬
‫معدكما ُب السابق‪ ،‬مل يكن‬ ‫ن‬ ‫ال يستطيع أف يسمع ما كراءىا كذلك الشأف ُب كوف ىذا السمع كاف‬
‫سا َن ِم ْن نُطْ َف ٍة‬ ‫اإلنساف ذا ظب وع منذ األزؿ بل إنو فاق هد للسمع كالبصر‪ ،‬قاؿ تعاىل ﴿إِناا َخلَ ْقنَا ِْ‬
‫اإلنْ َ‬
‫ص ًيرا ﴾ كمل يكن من قبل كذلك‪ ،‬كذلك ىذا السمع سوؼ يفٌت إذا‬ ‫اج نَ ْبتَلِ ِيو فَجعلْنَاهُ س ِميعا ب ِ‬
‫شٍ‬ ‫أ َْم َ‬
‫ََ َ ً َ‬
‫معرض غبصوؿ خلل‪ ،‬كم من و‬
‫أناس‬ ‫ه‬ ‫مات اإلنساف‪ ،‬فإف ظبعو سينتهي دبوتو‪ ،‬كذلك ىو ُب ىذه اغبياة‬
‫الئق بو‪ ،‬ؼبا‬ ‫كانوا يسمعوف فأصاهبم الصمم أك أصاهبم ضعف السمع‪ ،‬فدؿ ىذا على أف ظبع اؼبخلوؽ ه‬
‫مبلئما كمناسبنا لذلك‪ ،‬أما ا﵁ تعاىل فإف ظبعو ال شك‬ ‫فقَتا كاف ظبعو ن‬
‫كاف ذا ظب وع‪ ،‬ؼبا كاف ىو ضعي نفا ن‬
‫اسع‬ ‫و‬
‫ـبالف لسمع اؼبخلوقات‪ ،‬ظبع ا﵁ مل يزؿ متص نفا بو جل كعبل‪ ،‬ظبع ا﵁ باؽ ال يفٌت‪ ،‬ظبع ا﵁ ك ه‬ ‫أنو ه‬
‫مشل صبيع األصوات‪ ،‬كذلك القوؿ ُب البصر على كزاف القوؿ ُب السمع‪.‬‬
‫أيضا من االكبرافات اليت كقع فيها اؼبتكلموف ما ذىب إليو طائفة أخرل من التفريق بُت صفيت‬ ‫ن‬
‫السمع كالبصر مع صفة العلم‪ ،‬يقولوف‪ :‬إف صفة السمع كالبصر ليستا من جنس أك ليستا ُب معٌت‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪125‬‬ ‫هللا‬
‫صفة العلم‪ ،‬لكنو ُب اغبقيقة حاركا ككقعوا ُب و‬
‫خط عظيم ُب ىذا اؼبقاـ‪ ،‬فإهنم زعموا أف ا﵁ تعاىل‬
‫سامعا ؽبا‪ ،‬يعٍت الصوت اغبادث كصوٌب اآلف‬‫يسمع األصوات اغبادثة ُب األزؿ‪ ،‬فلم يزؿ ا﵁ عز كجل ن‬
‫قد ظبعو ا﵁ جل كعبل ُب األزؿ‪ ،‬كليس أنو ظبعو سبحانو كتعاىل ُب الوقت الذم حدث فيو الصوت‪،‬‬
‫كذلك الشأف ُب البصر‪ ،‬وىذا القول يلزم عليو أحد الزمين‪:‬‬
‫معدكما‪،‬‬
‫ن‬ ‫‪ )1‬إما القوؿ بأف السمع كالبصر قد تعلق دبعدكـ؛ ألف السمع اغبادث ُب األزؿ كاف‬
‫ككذلك الشأف ُب الذات اؼببصرة كانت ُب األزؿ معدكمة فيكوف السمع كالبصر قد تعلق قد تعلق‬
‫دبعدكـ‪.‬‬
‫‪ )2‬أك كىو البلزـ الثاين‪ :‬أف يكوف السمع كالبصر من جنس صفة العلم‪ ،‬فبل فرؽ بُت ىذا كىذا‪،‬‬
‫ألف الذم يكوف من حيث تعلقو من حيث تعلق الصفة باألزؿ‪ ،‬إمبا ىو صفة العلم‪ ،‬فا﵁ جل كعبل‬
‫علم بعلمو األزيل أف فبل نا سيتكلم‪ ،‬كسيكوف منو صوت‪ ،‬كبالتايل رجعت صفة السمع كرجعت صفة‬
‫ـبالف للمعقوؿ‪ ،‬كما أنو‬
‫البصر إىل صفة العلم‪ ،‬كمل يكن شبة فرؽ بُت األمرين‪ ،‬كال شك أف ىذا كىذا ه‬
‫ظبع إال كقد تعلق بأم ور حادث ال بأم ور معدكـ‪،‬‬ ‫و‬
‫ـبالف للمنقوؿ‪ ،‬فكل أحد يدرؾ أنو ال يبكن أف يكوف ه‬
‫ه‬
‫عاقل يدرؾ الفرؽ كما أسلفت بُت صفيت السمع كالبصر كصفة‬ ‫كذلك الشأف ُب البصر‪ ،‬كذلك كل و‬
‫العلم‪.‬‬
‫أيضا من االكبرافات الواقعة ُب ىذا الباب من بعض اؼبتكلمُت أهنم يضيفوف إىل إثبات صفيت‬
‫ن‬
‫دليل ُب الكتاب كالسنة على نفيها‪ ،‬كىذا من الكبلـ الباطل‬ ‫السمع كالبصر ﵁ تعاىل‪ ،‬نفي أشياء مل يرد ه‬
‫الذم ذمو السلف‪ ،‬كالذم جانب فيو ىؤالء اؼبتكلموف طريقتهم‪ ،‬فإنك قد ذبد بعض ىؤالء إذا كرد‬
‫كبلمو إىل إثبات صفة السمع ﵁ جل كعبل‪ ،‬ذبده يقوؿ‪ :‬إف ا﵁ يسمع كلكن ال بأذف كال بصماخ كال‬
‫بآلة كال بكذا كال بكذا‪ ،‬كذلك إذا جاء إىل صفة البصر فإنو يقوؿ إف ا﵁ تعاىل يرل ال حبدقة كال‬
‫ـبالف لطريقة السلف الصاحل‪ ،‬أىل السنة‬
‫مسلك ه‬ ‫ه‬ ‫بأجفاف كال بكذا كال بكذا‪ ،‬ككل ذلك ال شك أنو‬
‫كاعبماعة كما قد علمنا منهجهم كطريقتهم‪ ،‬يقولوف دبا قالت بو النصوص‪ ،‬يثبتوف ما أثبتتو النصوص‪،‬‬
‫كينفوف ما نفتو النصوص‪ ،‬كيسكتوف عما سكتت عنو النصوص‪.‬‬
‫مل يأٌب و‬
‫دليل ال ُب آية كال ُب حديث نفي ىذه األمور اليت ذكركىا‪ ،‬كبالتايل فإف أىل السنة‬
‫كاعبماعة يربؤكف بأنفسهم عن أف ىبوضوا ىذا اػبوض الذم خاضو ىؤالء إذا أثبت أىل السنة‬
‫كاعبماعة السمع ﵁ فإهنم ال يضيفوف ىذه األشياء اليت ينفوهنا‪ ،‬كذلك الشأف ُب صفة البصر ﵁ تبارؾ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪126‬‬ ‫هللا‬
‫باطبل ينزه ا﵁ تبارؾ كتعاىل عنو‪ ،‬فإف كاف مراد ىؤالء بالصماخ ما‬
‫كتعاىل فإهنم ال ينفوهنا إال ما استلزـ ن‬
‫يستلزـ حصوؿ ذبويف ُب السامع فبل شك أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل ىو الصمد كقد علمنا تفسَت الصمد‬
‫الذم ال جوؼ لو‪ ،‬فهذا اؼبعٌت يعٍت كوف حصوؿ فراغ‪ ،‬كما نبو على ىذا شيخ اإلسبلـ ابن تيمية رضبو‬
‫ا﵁‪ ،‬ال شك أف ا﵁ تعاىل ينزه عن ىذا اؼبعٌت‪ ،‬لكنهم ال ىبوضوف ُب و‬
‫إثبات أك نفي عن ىذا اللفظ ُب‬
‫حاؿ من األحواؿ‪.‬‬
‫القاعدة عندىم واضحة أن ىذه األلفاظ المجملة المحتملة للحق والباطل من استعملها من‬
‫أىل الكالم فإنو يستفصل ويستفسر منو ماذا أراد بذلك‪ ،‬فالمعنى الحق ٌ‬
‫مقبول بدليلو الشرعي‬
‫والمعنى الباطل مردو ٌد بدليلو الشرعي‪ ،‬مع عدم إوبات ىذا اللفظ في أي حال وال نفيو في أي‬
‫حال‪.‬‬
‫إ نذا ىذه نظرة ؾبملة ُب مسالك اؼبخالفُت ُب ىاتُت الصفتُت العظيمتُت‪.‬‬
‫أيضا إىل أف السمع قد جاء ُب األدلة دبعٌت آخر سول إدراؾ األصوات أك إف شئت فقل جاء‬ ‫أنبو ن‬
‫دبعٌت زائد على إدراؾ األصوات أال كىو إجابة الدعاء‪ ،‬كيدؿ على ىذا قوؿ ا﵁ تبارؾ كتعاىل عن زكريا‬
‫الد َع ِاء ﴾‪ ،‬يعٍت ؾبيبو‪ ,‬كذلك قوؿ إبراىيم عليو السبلـ كما بُت ا﵁ عز‬
‫يع ُّ‬ ‫عليو السبلـ ﴿إِنا َ ِ‬
‫ك َسم ُ‬
‫الد َع ِاء ﴾ كاؼبعٌت أنو ؾبيب الدعاء‪ ،‬كذلك ما ثبت ُب السنة من قوؿ‬
‫يع ُّ‬
‫سم ُ‬
‫كجل ُب كتابو ﴿إِ ان ربٍّي لَ ِ‬
‫َ َ‬
‫اؼبصلي يعٍت فيما يشرع للمصلي أف يقولو إذا رفع من ركوعو فإنو يقوؿ‪« :‬سمع اهلل لمن حمده» يعٍت‬
‫أجاب ا﵁ دعاء من دعاه‪.‬‬
‫ككذلك ما ثبت ُب السنن كاؼبسند كغَتىا من حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو كمن حديث أنس‬
‫«اللهم‬ ‫أيضا رضي ا﵁ عنو أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم استعاذ من أربع قاؿ عليو الصبلة كالسبلـ‬‫ن‬
‫دعاء ال يسمع» ىل‬ ‫قلب ال يخشع ومن ٍ‬ ‫نفس ال تشبو ومن ٍ‬ ‫علم ال ينفع ومن ٍ‬‫إني أعوذ بك من ٍ‬
‫دعاء ال يسمعو ا﵁ عز كجل صوتنا؟‬‫اؼبقصود من ىذا أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم استعاذ من و‬
‫دعاء ال هباب‪ ،‬يدؿ على ىذا ما فسرتو الركاية‬ ‫اعبواب‪ :‬ال‪ ،‬فا﵁ كسع ظبعو كل صوت‪ ،‬إمبا مراده كمن و‬
‫األخرل ؽبذا اغبديث ‪-‬أعٍت باغبديث اؼبنت‪ -‬كإال فاغبديث من حديث زيد بن أرقم رضي ا﵁ عنو فيما‬
‫يد رضي ا﵁ عنو كاف فيها كمن دعوة‬ ‫خرج اإلماـ مسلم رضبو ا﵁‪ ،‬فإف الركاية عند مسلم من حديث ز و‬
‫دعاء ال يسمع‪ ،‬فدؿ ىذا على أف السمع‬ ‫ال يستجاب ؽبا‪ ،‬فدعوة ال يستجاب ؽبا فسرت لنا كلمة و‬
‫يأٌب دبعٌت اإلجابة كىو هبذا يكوف صفة فعلية اختيارية ﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪127‬‬ ‫هللا‬
‫كاسم ا﵁ عز كجل السميع كصفتو السمع تشمل ىذا كىذا‪ ،‬فنحن نؤمن بأف ا﵁ تعاىل يسمع‬
‫أيضا أف ا﵁ تعاىل هبيب الدعاء إذا شاء جل ربنا كعز‪.‬‬
‫األصوات دبعٌت يدركها كنؤمن ن‬
‫داؿ على ثبوت صفة البصر ﵁ تعاىل‪ ،‬كالبصر كما قد علمت آن نفا‬ ‫أما اسمو تعالى البصير‪ :‬فإنو ه‬
‫ىو إدراؾ الذكات‪ ،‬كجاء ُب النصوص صفتُت نبا ُب معٌت صفة البصر كنبا‪( :‬النظر كالرؤية) ﴿إِنانِي‬
‫َس َم ُع َوأ ََرى﴾ فإف مل تكن تراه فإنو يراؾ‪ ،‬كالنظر ُب قولو تعاىل ﴿لِنَ ْنظَُر َك ْي َ‬
‫ف تَ ْع َملُو َن﴾‪ ،‬فدؿ‬ ‫َم َع ُك َما أ ْ‬
‫ىذا على أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل يرل كل شيء جل ُب عبله كال يغيب ذلك عنو شيءه سبحانو كتعاىل‬
‫غامضا كمهما كاف ُب طباؽ األرض كمهما كاف فوقو أشياء كأشياء‪ ،‬فإف ا﵁ تعاىل ال يفوتو‬ ‫مهما كاف ن‬
‫أيضا ُب صفة البصر من حيث أف كلمة‬ ‫رؤية شيء جل ُب عبله‪ ،‬كما ذكرناه ُب صفة السمع جا ور ن‬
‫فعيل دبعٌت فاعل كىي أبلغ من كلمة مبصر‪ ،‬كذلك األمر ُب كوف ىاتُت الصفتُت من‬ ‫بص وَت على كزف و‬
‫جنس كاحد من جهة أهنما ذاتيتاف فعليتاف‪ ،‬كما بينت لك ساب نقا كا﵁ تعاىل أعلم‪.‬‬ ‫و‬
‫ص ًيرا﴾‪.‬‬ ‫قال رحمو اهلل (وقولو‪﴿ :‬إِ ان اللاوَ نِ ِع اما ي ِعظُ ُكم بِ ِو إِ ان اللاوَ َكا َن س ِميعا ب ِ‬
‫َ ً َ‬ ‫َ ْ‬
‫دليل آخر على إثبات السمع كالبصر ﵁ جل كعبل‪ ،‬وفي ىذه اآلية مبحثان‪:‬‬ ‫إف اآلية ه‬
‫عباس رضي ا﵁ عنهما‪،‬‬ ‫ص ًيرا ﴾ فإف تفسَت ذلك كما قاؿ ابن و‬ ‫األول‪ُ :‬ب قولو ﴿ َكا َن س ِميعا ب ِ‬
‫َ ً َ‬
‫كاف كمل يزؿ‪ ،‬إذا كجدت ُب النصوص ُب شأف صفاة ا﵁ تبارؾ كتعاىل كلمة كاف فاؼبعٌت ما قاؿ ابن‬
‫عباس رضي ا﵁ عنهما‪ :‬كاف كمل يزؿ‪.‬‬
‫أما البحث الثاني‪ :‬فَتجع إىل ما خرج أبو داكد ُب سننو‪ ،‬كقاؿ ابن حجر ُب الفتح و‬
‫بسند على‬
‫بسند قوم على شرط مسلم‪ ،‬من حديث أيب ىريرة رضي ا﵁ عنو كىو أنو قاؿ رضي ا﵁ عنو‬ ‫شرط‪ ،‬و‬
‫ات إِلَى أَ ْىلِ َها َوإِ َذا‬
‫رأيت النيب صلى ا﵁ عليو كسلم تبل ىذه اآلية ﴿إِ ان اللاوَ يأْمرُكم أَ ْن تُ َؤدُّوا ْاألَمانَ ِ‬
‫َ‬ ‫َ ُُ ْ‬
‫ص ًيرا﴾ ‪ ،‬قاؿ‬ ‫ااس أَ ْن تَ ْح ُكموا بِالْع ْد ِل إِ ان اللاوَ نِ ِع اما ي ِعظُ ُكم بِ ِو إِ ان اللاوَ َكا َن س ِميعا ب ِ‬
‫َح َك ْمتُ ْم بَ ْي َن الن ِ‬
‫َ ً َ‬ ‫َ ْ‬ ‫ُ َ‬
‫رأيتو‪ :‬كضع إهباميو على أذنيو كالسبابتُت على العينُت‪ ،‬ىكذا فعل أبا ىريرة رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كبُت أنو قد‬
‫رأل النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قد فعل ىذا‪.‬‬
‫كىذا اغبديث لو شاىد آخر‪ ،‬من حديث عقبة بن عامر رضي ا﵁ عنو جاء عنو عند البيهقي‬
‫أيضا ُب فتح البارم‪.‬‬ ‫و‬
‫بإسناد حسن كما قاؿ اغبافظ بن حجر ن‬
‫ىذا اغبديث ينبغي أف ييفهم على قاعدة أىل العلم كطريقتهم‪ ،‬قاؿ أىل السنة كالتوحيد إف ىذه‬
‫اإلشارة من النيب صلى ا﵁ عليو كسلم إمبا أراد هبا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ربقيق الصفة‪ ،‬يعٍت ربقيق‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪128‬‬ ‫هللا‬
‫ثبوت الصفة‪ ،‬يعٍت أهنما صفتُت حقيقتُت ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فبل يظن ظا هف أف السمع أك البصر ﵁ تبارؾ‬
‫كبلـ ؾبازم بل إف ىاتُت الصفتُت‬ ‫كتعاىل صفة ال حقيقة ؽبا أك أف اؼبقاـ كما يظن بعض الناس‪ ،‬مقاـ و‬
‫ثابتتاف ﵁ تبارؾ كتعاىل على اغبقيقة فيكوف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قد بُت لؤلمة ثبوت ىاتُت‬
‫الصفتُت بقولو كفعلو عليو الصبلة كالسبلـ‪.‬‬
‫إذنا حذارم من أف تظن أف ىذه اإلشارة كانت على سبيل التمثيل أك التشبيو حاشا ككبل‪ ،‬فالنيب‬
‫كبَتا كحاشا نبينا صلى‬ ‫علوا ن‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم أعلم بربو من أف يشبهو دبخلوؽ تعاىل ا﵁ عن ذلك ن‬
‫ا﵁ عليو كسلم من ذلك‪.‬‬
‫سبثيبل‪ ,‬انتبو ؽبذا الضابط اإلشارة ُب ىذه الصفة كجاء على كزاهنا‬ ‫إ نذا ىذه اإلشارة كانت ربقي نقا ال ن‬
‫سبثيبل‪ ،‬حذارم‬ ‫أحاديث أخرل تتعلق بصفات أخرل‪ ،‬كل ذلك كاف منو صلى ا﵁ عليو كسلم ربقي نقا ال ن‬
‫من الوقوع ُب ىذا األمر‪ ،‬كىذا اغبديث ال شك أنو من أعظم ما ييرد بو على من زعم أف السمع‬
‫كالبصر ُب معٌت صفة العلم‪ ،‬ا﵁ جل كعبل غبكمتو أكحى إىل نبيو صلى ا﵁ عليو كسلم أف يفعل ىذا‬
‫الفعل‪ ،‬لكي تنتفع األمة هبذا الفعل ُب الرد على اؼبخالفُت للحق‪ ،‬النيب صلى ا﵁ عليو كسلم حقق‬
‫بصر حقيقي‪ ،‬كلو كاف اؼبعٌت ىو العلم ألشار النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬ ‫ظبع حقيقي كأنو ه‬‫ذلك‪ ،‬كأنو ه‬
‫إىل قلبو؛ ألف القلب ىو ؿبل العلم‪.‬‬
‫بصر حقيقي‪ ،‬كما أف ىذا‬ ‫ظبع حقيقي كأنو ه‬‫لكن ؼبا أشار إىل أذنو كإىل عينو تبُت من ذلك أنو ه‬
‫اغبديث كأمثالو يدؿ كتدؿ على قاعدة القدر اؼبشًتؾ كالقدر الفارؽ اؼبميز‪ ،‬فإف إشارة النيب صلى ا﵁‬
‫معلوـ عند الناس‪ ،‬ال‬ ‫عليو كسلم ىا ىنا تدؿ على أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل متصف بصفة السمع‪ ،‬كالسمع ه‬
‫هبهلوف حقيقتو من حيث أصل الوضع اللغوم‪ ،‬فالسمع إدراؾ األصوات‪ ،‬كالبصر إدراؾ الذكات‪ ،‬فدؿ‬
‫كبصر حقيقي‪ ،‬كأف االشًتاؾ ُب أصل الصفة ليس التمثيل اؼبمنوع‪ ،‬إمبا‬ ‫ظبع حقيقي ه‬ ‫ىذا على أنو ه‬
‫ظبع ا﵁ عز كجل كسمع اؼبخلوؽ‪ ،‬ىذا ىو‬ ‫التمثيل اؼبمنوع ىو االشًتاؾ ُب اػبصائص‪ ،‬أف يقوؿ إف ى‬
‫التمثيل كىذا ىو الضبلؿ‪ ,‬بل ىذا ىو الكفر‪.‬‬
‫أما إثبات أف ا﵁ تعاىل يسمع كاؼبخلوؽ يسمع كأف ا﵁ يبصر كاؼبخلوؽ يبصر‪ ،‬فهذا ما نطق بو‬
‫سبثيبل فالقرآف إذنا نطق بالتمثيل‪ ،‬كحاشا كتاب ا﵁ عز كجل من ذلك‪ ،‬فا﵁ جل‬ ‫القرآف‪ ،‬إف كاف ىذا ن‬
‫كعبل قاؿ ُب ىذه اآلية ﴿إِ ان اللاوَ َكا َن س ِميعا ب ِ‬
‫ص ًيرا ﴾‪ ،‬كقاؿ عن اؼبخلوؽ‪﴿ :‬فَ َج َعلْنَاهُ َس ِم ًيعا‬ ‫َ ً َ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪129‬‬ ‫هللا‬
‫ص ًيرا﴾ مع اعتقادنا القطعي بأف السمع ليس كالسمع يعٍت من حيث اغبقيقة كال يكن‪ ،‬كليس السامع‬ ‫بِ‬
‫َ‬
‫أك السميع كالسميع كال البصَت كالبصَت‪.‬‬
‫إ نذا هبتمع عند أىل السنة كاعبماعة ُب قاعدة اإلثبات بُت هبمع أىل السنة كاعبماعة ُب إثباهتم‬
‫بُت إثبات القدر اؼبشًتؾ كإثبات القدر اؼبميز كىذه القاعدة سنفصل القوؿ فيها إف شاء ا﵁ ُب قوت‬
‫أكسع‪ ،‬ألنبية الكبلـ فيها‪ ،‬فإف من فهم ىذه القاعدة كما ينبغي‪ ،‬زاؿ عنو كل إشكاؿ يتعلق بباب‬
‫الصفات إف شاء ا﵁‪.‬‬
‫إشكاؿ يتعلق بباب‬ ‫و‬ ‫من فهم ىذه القاعدة كما ينبغي فإنو سيزكؿ عنو بتوفيق ا﵁ كعونو كل‬
‫الصفات فإف ىذا األمر أعٍت سبق معٌت التشبيو عند إثبات الصفة ىو العقدة‪ ,‬عقدة بٍت آدـ كما قاؿ‬
‫ابن القيم رضبو ا﵁‪ ،‬فمن حلها ُب فهم ىذه القاعدة فما بعدىا أيسر منها كا﵁ تعاىل أعلم‪.‬‬
‫اء اللاوُ َال قُ اوةَ إِاال بِاللا ِو﴾‪.‬‬
‫ْت َما َش َ‬
‫ك قُل َ‬ ‫قال رحمو اهلل وقولو‪َ ﴿ :‬ولَ ْوَال إِ ْذ َد َخل َ‬
‫ْت َجناتَ َ‬
‫ىذه اآلية دلت على إثبات صفيت اؼبشيئة كالقوة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كالكبلـ ُب القوة سبق ُب الدرس‬
‫اؼباضي‪ ،‬كيبقى معنا اآلف إثبات صفة اؼبشيئة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫المشيئة‪:‬صفة فعلية ﵁ تبارؾ كتعاىل فا﵁ جل كعبل يشاء األشياء اليت سبق ُب علمو سبحانو‬
‫كتعاىل كوهنا‪ ،‬كال شك أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬يشاء دبشيئة مقًتنة باغبكمة‪ ،‬كما ىي قاعدة أىل السنة‬
‫كاعبماعة ‪-‬كأظن أنٍت تكلمت عن ىذا فيما مضى‪.-‬‬
‫أدلة إثبات اؼبشيئة ﵁ تبارؾ كتعاىل كثَتة كمنها ىذه اآلية اليت بُت أيدينا كمنها قولو تعاىل‪َ ﴿ :‬وَما‬
‫اء اللاوُ َما‬
‫اء اللاوُ َما اقْتَتَ َل ﴾ ﴿ َولَ ْو َش َ‬ ‫اء اللاوُ ﴾‪ ،‬كمنها ن‬
‫أيضا قولو تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َش َ‬ ‫شَ‬ ‫شاءُو َن إِاال أَ ْن يَ َ‬
‫تَ َ‬
‫فَ َعلُوهُ﴾ إىل غَت ذلك من األدلة اليت تدؿ على إثبات اؼبشيئة ﵁ تبارؾ كتعاىل كاؼبسلموف قاطبة‪ ،‬تلهج‬
‫ألسنتهم بقوؽبم ما شاء ا﵁ كاف كما مل يشأ مل يكن‪ ،‬ككاف ىا ىنا تامة‪ ،‬يعٍت حصل‪.‬‬
‫كال شك كال ريب أف مشيئة ا﵁ تبارؾ كتعاىل ىي اؼبقتضية كاؼبوجبة على اغبقيقة‪ ،‬ليس شبة شيء‬
‫يقتضي حصوؿ األشياء كيوجبها إال مشيئة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كل ما شاءه ا﵁ فإنو يكوف عقيب‬
‫حباؿ من األحواؿ‪ ،‬كل ما شاء ا﵁ عز كجل كونو‪ ،‬فإنو يكوف‬ ‫مشيئتو كال بد‪ ،‬ال يبكن أف يتخلف ىذا و‬
‫كوبصل عقيب مشيئتو تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ما شاء ا﵁ كاف‪ ،‬كما مل يشأ مل يكن‪.‬‬
‫أيضا كل ما مل يشأ ا﵁ عز كجل كونو فعدـ كونو راجع إىل عدـ مشيئتو كليس إىل عدـ‬ ‫كذلك ن‬
‫قدرتو ‪-‬كما سيأٌب الكبلـ عن ىذا ُب اآلية القادمة إف شاء ا﵁‪.-‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪130‬‬ ‫هللا‬
‫حبث ُب مشركعية قوؿ ىذه الكلمة إذا رأل اإلنساف ما يعجبو أك دخل إىل‬ ‫كيتعلق هبذه اآلية ه‬
‫دفعا لؤلذل كالعُت أف يقوؿ ما شاء ا﵁ ال قوة إال با﵁‪ ،‬جاء ُب ىذا‬ ‫و‬
‫مكاف يستحسنو ىل يشرع لو ن‬
‫حديثُت عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يدالف على مشركعية ذلك أحد اغبديثُت عند البيهقي كالطرباين‬
‫ضعيف ال يصح عن رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬كال أعلم‬ ‫ه‬ ‫كغَتنبا‪ ,‬كاآلخر عند ابن السٍت ككبلنبا‬
‫ذكر يقاؿ عند رؤية ما يستحسن كلكن اآلية قد نزع منها‬ ‫صحيحا فيو التنصيص على أف ىذا ه‬‫ن‬ ‫حديثنا‬
‫بعض أىل العلم مشركعية ذلك‪ ،‬كمن أكلئك ابن الزبَت التابعي اعبليل رضبو ا﵁‪ ،‬فإنو كاف إذا دخل‬
‫النزع أك‬
‫حائطنا أك كبوه فبا ييستحسن يعٍت فإنو كاف يقوؿ ما شاء ا﵁ ال قوة إال با﵁‪ ،‬كاآلية ربتمل ىذا ى‬
‫ىذه أك ىذا االستدالؿ منها‪ ،‬كا﵁ تعاىل أعلم‪.‬‬
‫اؼبقصود أف الذم جاء ُب السنة الصروبة الدعاء بالربكة‪ ،‬أف يربؾ اإلنساف عند رؤية ما يعجبو‪،‬‬
‫«من رأى في نفسو أو أخيو شيء فليدعوا بالبركة فإن العين حق» ‪ ،‬إذا رأل اإلنساف شيئنا يعجبو‬
‫فليدعوا بالربكة كما أمر بذلك النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬
‫ات‬
‫اءتْ ُه ُم الْبَ يٍّ نَ ُ‬ ‫قال رحمو اهلل‪( :‬وقولو ﴿ولَو َشاء اللاوُ ما اقْتَتَل الا ِذ ِ ِ ِ ِ ِ‬
‫ين م ْن بَ ْعدى ْم م ْن بَ ْعد َما َج َ‬ ‫َ َ‬ ‫َْ َ َ‬
‫اء اللاوُ َما اقْتَتَ لُوا َولَ ِك ان اللاوَ يَ ْف َع ُل َما يُ ِري ُد﴾‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫َولَك ِن ا ْختَ لَ ُفوا فَم ْن ُه ْم َم ْن َ‬
‫آم َن َوم ْن ُه ْم َم ْن َك َف َر َولَ ْو َش َ‬
‫ىذه اآلية فيها فائدتان‪:‬‬
‫األولى‪ :‬إثبات صفة اؼبشيئة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫الثانية‪ :‬ما أسلفتو من أف أىل السنة كاعبماعة يعتقدكف أف كل ما مل يقع فإف عدـ كقوعو راجع‬
‫إىل عدـ مشيئة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كليس إىل عدـ قدرة ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كإال فا﵁ جل ُب عبله على‬
‫اجع إىل عدـ مشيئة‬ ‫قدير عليو‪ ،‬كلكن إذا مل يقع الشيء فإف ىذا ر ه‬ ‫كل شيء قدير‪ ،‬كل شيء فا﵁ ه‬
‫قادر على ذلك‪.‬‬ ‫اء اللاوُ َما اقْتَتَ َل﴾‪ ،‬كا﵁ ه‬
‫ا﵁‪َ ﴿ ،‬ولَ ْو َش َ‬
‫اء اللاوُ‬
‫قادر على ذلك‪َ ﴿ ،‬ولَ ْو َش َ‬ ‫اء اللاوُ َألَ ْعنَتَ ُك ْم ﴾‪ ،‬إ نذا ا﵁ ه‬
‫كذلك قولو تعاىل‪َ ﴿ :‬ولَ ْو َش َ‬
‫قادر على أف هبمعهم على اؽبدل‪ ،‬كلو شاء ذلك لوقع‪ ،‬كال يبكن أف‬ ‫لَ َج َم َع ُه ْم َعلَى ال ُْه َدى ﴾ ا﵁ ه‬
‫اء اللاوُ َما فَ َعلُوهُ ﴾‪ُ ،‬ب‬
‫يغالب ا﵁ أح هد ُب ىذا الكوف الذم تدبَته كملكو لو سبحانو كتعاىل ﴿ َولَ ْو َش َ‬
‫اجع إىل عدـ مشيئة ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كإال فا﵁‬ ‫أدلة كثَتة دلت على أف عدـ كقوع األشياء إمبا ىو ر ه‬
‫سبحانو كتعاىل على كل شيء قدير فبا كاف أك مل يكن‪ ،‬فبا كاف أك مل يكن سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪131‬‬ ‫هللا‬
‫قال رحمو اهلل‪﴿ :‬فَمن ي ِرِد اللاوُ أَ ْن ي ْه ِديوُ ي ْشرح ص ْدرهُ لِ ِْْل ْس َالِم ومن ي ِر ْد أَ ْن ي ِ‬
‫ضلاوُ يَ ْج َع ْل‬ ‫ُ‬ ‫ََ ْ ُ‬ ‫َ َ َ َْ َ َ‬ ‫َْ ُ‬
‫س َم ِاء﴾‪.‬‬ ‫صعا ُد فِي ال ا‬ ‫ضيٍّ ًقا َح َر ًجا َكأَنا َما يَ ا‬
‫ص ْد َرهُ َ‬
‫َ‬
‫انتقل اؼبؤلف رضبو ا﵁ إىل إيراد ما يدؿ على ثبوت اإلرادة ﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كأىل السنة‬
‫كاعبماعة يعتقدكف بثبوت صفة اإلرادة ﵁ جل كعبل‪ ،‬كإيراد اؼبؤلف رضبو ا﵁ ىذه اآلية‪ ،‬بعد أف أكرد ما‬
‫يدؿ على إثبات صفة اؼبشيئة ﵁ سبحانو من يحسن التأليف كالتصنيف‪ ،‬فإن بين الصفتين عالقة‪ ،‬بين‬
‫صفتي المشيئة واإلرادة عالقة ‪ :‬كجو ىذه العبلقة أف صفة اإلرادة أعم من صفة اؼبشيئة‪ ،‬صفة اإلرادة‬
‫أعم من صفة اؼبشيئة‪ ،‬دبعٌت اإلرادة‪ ,‬اإلرادة تنقسم كما دل على ىذا أدلة الكتاب والسنة‪ ،‬تنقسم‬
‫إلى‪:‬‬
‫‪ )1‬إرادة كونية‪.‬‬
‫‪ )2‬إرادة شرعية‪.‬‬
‫اإلرادة الكونية‪ :‬ىي دبعٌت اؼبشيئة‪ ،‬اإلرادة الكونية ىي دبعٌت اؼبشيئة‪.‬‬
‫اإلرادة الشرعية‪ :‬فإنو ليس ؽبا عبلقة بكلمة اؼبشيئة أك بصفة اؼبشيئة بل ؽبا معٌت آخر‪ ،‬صفة‬
‫اإلرادة الشرعية ىي ُب معٌت ا﵀بة‪.‬‬
‫إذنا اإلرادة الكونية ُب معٌت اؼبشيئة‪ ،‬كاإلرادة الشرعية ُب معٌت ا﵀بة‪.‬‬
‫كأما اؼبشيئة فإهنا ال تنقسم‪ ،‬اؼبشيئة شيء كاحد‪ ،‬ال يقاؿ إف اؼبشيئة كذلك مشيئة كونية كمشيئة‬
‫شرعية‪ ،‬بل اؼبشيئة شيء كاحد ىي دبعٌت اإلرادة الكونية‪ ،‬من األدلة اليت تدؿ على إثبات اإلرادة‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الكونية ُب كتاب ا﵁ جل كعبل ىذه اآلية اليت بُت أيدينا ﴿فَ َم ْن يُ ِرد اللاوُ أَ ْن يَ ْهديَوُ يَ ْش َر ْح َ‬
‫ص ْد َرهُ‬
‫س َم ِاء ﴾‪ ،‬تستطيع ُب غَت‬ ‫صعا ُد فِي ال ا‬ ‫ضيٍّ ًقا َح َر ًجا َكأَنا َما يَ ا‬
‫ص ْد َرهُ َ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫ل ِْْل ْس َالِم َوَم ْن يُ ِر ْد أَ ْن يُضلاوُ يَ ْج َع ْل َ‬
‫القرآف أف تضع بدؿ كلمة يريد ىا ىنا كلمة يشاء كيستقيم لك اؼبعٌت‪ ،‬فيدؿ ىذا على أف اإلرادة ىا‬
‫ىنا ىي اإلرادة الكونية‪.‬‬
‫وب َعلَْي ُك ْم ﴾‪ ،‬كُب قولو‬ ‫أما اإلرادة الشرعية فهي اليت كردت ُب كبو قولو تعاىل ﴿ َواللاوُ يُ ِري ُد أَ ْن يَتُ َ‬
‫تعاىل‪﴿ :‬يُ ِري ُد اللاوُ بِ ُك ُم الْيُ ْس َر َوَال يُ ِري ُد بِ ُك ُم الْعُ ْس َر﴾‬
‫كينبغي التنبو ُب ىذه اؼبواضع اليت جاء فيها إثبات اإلرادة ﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬ينبغي التنبو إىل اؼبعٌت‬
‫اؼبراد‪ ،‬ىل اؼبراد ُب ىذه اآلية اإلرادة الكونية أك اإلرادة الشرعية‪ ،‬ىذا من العلم اؼبهم‪ ،‬كإال فإف اػبطأ ُب‬
‫ىذا الفهم قد هبر إىل ما ال ربمد عقباه‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪132‬‬ ‫هللا‬
‫فإن من الناس من انحرف في باب القدر‪ :‬بسبب عدـ تفريقو بُت اإلرادة الكونية كاإلرادة‬
‫الشرعية‪ ،‬ظن طوائف من أىل البدع أف اإلرادة شيء كاحد‪ ،‬بعضهم جعلوا اإلرادة كلها كونية كبعضهم‬
‫جعلوا اإلرادة كلها شرعية‪ ،‬والصواب‪ :‬ىو التفصيل كىو الفرقاف الذم أثبتو كقرره أىل السنة كاعبماعة‪.‬‬
‫ينبغي أن يعلم في ىذا المقام أن بين اإلرادتين فروقًا‪:‬‬
‫أوال‪ :‬اإلرادة الكونية مبلزمة للوقوع‪ ،‬دبعٌت كل ما أراده ا﵁ جل كعبل كونا فإنو ك ه‬
‫اقع كال بد‪ ،‬كال‬ ‫ً‬
‫اقع كال بد‪.‬‬
‫يبكن أف يتخلف ذلك‪ ،‬ما أراده ا﵁ كونا فإنو ك ه‬
‫شرعا كال يقع‪ ،‬أراد ا﵁ عز‬
‫أما اإلرادة الشرعية‪ :‬فبل تبلزـ بينها كبُت الوقوع‪ ،‬فقد يريد ا﵁ الشيء ن‬
‫كجل من صبيع الناس‪ ،‬أف يؤمنوا بو كلكن ىذا مل يقع من كثَت من الناس‪ ،‬بل من أكثر الناس غبكمة‬
‫يعلمها تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫الفرق الثاني‪ :‬أف اإلرادة الشرعية مبلزمة أك ُب معٌت ا﵀بة‪ ،‬كأما اإلرادة الكونية فإهنا ال تستلزـ‬
‫ا﵀بة‪ ،‬فقد وبب ا﵁ كونا ما وبب‪ ،‬كقد يريد ا﵁ كونا ما يكره‪ ,‬أما اإلرادة الشرعية‪ :‬فإهنا مبلزمة‬
‫للمحبة‪.‬‬
‫الفرق الثالث‪:‬أف األمر الشرعي يستلزـ اإلرادة الشرعية‪ ,‬كال يستلزـ اإلرادة الكونية‪ ،‬األمر الشرعي‬
‫يستلزـ اإلرادة الشرعية كال يستلزـ اإلرادة الكونية‪ ،‬كىذا فصل اػبطاب ُب اؼببحث األصويل اؼبشهور‪،‬‬
‫ىل األمر يستلزـ اإلرادة أـ ال؟‬
‫كقد سبق تفصيل ذلك ُب درس أصوؿ الفقو‪ ،‬كعلمنا أف األمر الشرعي يستلزـ اإلرادة الشرعية‬
‫شرعا‪ ،‬كل ما جاء األمر بو ُب الكتاب كالسنة‬
‫دكف اإلرادة الكونية‪ ،‬كبالتايل كل ما أمر ا﵁ عز كجل بو ن‬
‫تبلزـ بُت األمرين‪ ،‬كل شيء ظبعت ُب الكتاب كالسنة أف ا﵁ أمر بو‪،‬‬ ‫شرعا‪ ،‬شبة ه‬
‫للمؤمنُت فإنو مر هاد ﵁ ن‬
‫شرعا‪ ،‬كىل ىو مر هاد ﵁‬
‫كإقاـ الصبلة كإيتاء الزكاة كصوـ رمضاف إىل غَت ذلك فاعلم أنو مر هاد ﵁ ن‬
‫كونا؟ال تبلزـ‪ ,‬كإال لو قيل إف كل ما أمر ا﵁ عز كجل بو فقد أراده كونا‪ ،‬فإف الزـ ذلك أف ال يكوف‬
‫ـبالف ؽبذه األكامر‪ ،‬بل كاف يتعُت أف وبصل ىذا اؼبأمور بو من صبيع الناس كأنت ترل أف ا﵁‬ ‫ىناؾ ه‬
‫تعاىل قد أمر بالصبلة ككثَته من الناس‪ ،‬بل أكثر أىل األرض ال يقيموف الصبلة‪ ،‬فدؿ ىذا على أف‬
‫شرعا كليس كونا‪.‬‬
‫إقامة الصبلة شيء مر هاد ﵁ ن‬
‫ابع‪ :‬ىو أف اؼبراد ن‬
‫شرعا‪ :‬مر هاد لذاتو‪ ،‬أما اؼبراد كونا‪ :‬فإف تعلق باؼبعصية فإنو مر هاد لغَته ال‬ ‫فر ٌق ر ٌ‬
‫لذاتو‪ ،‬انتبو ؽبذا‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪133‬‬ ‫هللا‬
‫شرعا‪ :‬مر هاد لذاتو‪ ،‬أراد ا﵁ الصبلة من حيث ىي صبلة وببها ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كوبب كقوعها‬ ‫اؼبراد ن‬
‫من اؼبؤمن‪ ،‬ا﵁ أراد الزكاة من حيث ىي زكاة‪ ،‬فا﵁ وببها كوبب كقوعها‪.‬‬
‫أما اؼبراد كونا فإف تعلق باؼبعاصي‪ ،‬فإف اؼبراد ىا ىنا‪ ،‬مر هاد لغَته ال لذاتو‪ ،‬كىذا وبل اإلشكاؿ الذم‬
‫قد يقرأ على بعض الناس كيف يكره ا﵁ شيئنا كيشاء كقوعو‪ ،‬كيف يكره ا﵁ اؼبعاصي كيريد بإرادتو‬
‫الكونية كقوعها؟‬
‫كاعبواب الفصل ىا ىنا‪ :‬أف يقاؿ إف ا﵁ تعاىل أرادىا لغَتىا ال لذاهتا‪ ،‬دبعٌت أرادىا ا﵁ جل كعبل‬
‫ألجل ما يًتتب على كجودىا فبا وبب‪ ،‬قد يشاء ا﵁ عز كجل ما يكره؛ ألنو يًتتب على كجوده ما‬
‫وبب‪ ،‬انتبو ؽبذه القاعدة‪.‬‬
‫مثبل على ذلك‪ ،‬شاء ا﵁ كقوع‬ ‫قد يشاء ا﵁ ما يكره ألجل أنو يًتتب على كجوده ما وبب‪ ،‬خذ ن‬
‫اؼبعاصي‪ ،‬اؼبعاصي كاقعة؟إ نذا ىي كاقعة دبشيئة ا﵁‪ ،‬ا﵁ جل كعبل أجل كأعظم من أف يقع شيء ُب‬
‫ملكوتو دكف مشيئتو‪ ،‬ا﵁ ال يغالب مل تكن مشيئة ا﵁ معدكمة ىنا ككانت مشيئة اؼبخلوؽ موجودة‬
‫فغلبت مشيئتو مشيئة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬أعٍت شاء ا﵁ عدـ كقوع اؼبعاصي كشاء اؼبخلوؽ كقوع‬
‫اؼبعاصي‪ ،‬فغلبت مشيئتو مشيئة ا﵁ تعاىل ا﵁ عن ذلك‪ ،‬ال يقوؿ ىذا من يقدر ا﵁ قدره كيعظمو حق‬
‫قسرا كالعباد‬
‫تعظيمو‪ ،‬إمبا كقعت اؼبعاصي دبشيئة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ا﵁ جل كعبل أعز من أف يعصى ن‬
‫أذؿ كأحقر من ذلك‪.‬‬
‫إمبا شاء ا﵁ عز كجل كقوع اؼبعاصي؛ ألنو يًتتب على كقوعها ما وبب‪ ،‬إذا كقعت اؼبعاصي كقعت‬
‫ين ﴾كال يبكن أف تكوف توبة إال إذا‬‫اواب َ‬ ‫األشياء اليت وببها ا﵁ جل كعبل كالتوبة‪﴿ ،‬إِ ان اللاوَ يُ ِح ُّ‬
‫ب الت ا ِ‬
‫كجدت ماذا؟ إال إذا كجدت اؼبعاصي‪ ،‬إذا كجدت اؼبعاصي كجدت آثار صفات ا﵁ عز كجل‪ ،‬كا﵁‬
‫وبب ذلك‪ ،‬فا﵁ غفور‪ ،‬إ نذا ال بد من مغفرة‪ ،‬إ نذا ال بد من كجود معاصي‪ ،‬كذلك ما يتعلق بغضب ا﵁‬
‫عز كجل كانتقامو كعقابو سبحانو كتعاىل‪ ،‬كل ذلك من اآلثار اليت تًتتب على كجود اؼبعاصي‪ ،‬كىذا‬
‫باب كاسع للتأمل كالتفكر كالتدبر‪ ،‬كمن كفق إىل فهم ىذا اؼبوضوع فإنو يهتدم إىل و‬
‫باب نفيس‬ ‫الباب ه‬
‫ي‬
‫كحسن التأمل فيو‪ ،‬أكصيك بقراءة ما دكف اإلماـ ابن‬
‫من باب الفقو‪ ،‬كأكصيك ُب فهم ىذا اؼبوضوع ي‬
‫مثاال ُب‬
‫القيم رضبو ا﵁ ُب كتابو مفتاح دار السعادة‪ ،‬فإنو قد أشار إىل ىذا اؼبعٌت اعبليل‪ ،‬كضرب لو ن‬
‫شأف اؼبعاصي‪ ،‬ككيف أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل شاء كجودىا كترتب على كجودىا أشياء فبا وبب سبحانو‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪134‬‬ ‫هللا‬
‫كبوا من ثبلثُت من فوائد تقدير كمشيئة ا﵁ سبحانو كتعاىل للمعاصي فارجع إىل ىذا‬
‫كتعاىل‪ ،‬ذكر ن‬
‫الفصل ُب ىذا الكتاب‪ ،‬فإنو نافع لك إف شاء ا﵁‪.‬‬
‫أيضا إلى أن اإلرادتين الكونية الشرعية‪ ،‬قد تجتمعان وقد تنفصل أو‬
‫تنبو يا رعاك اهلل ىا ىنا ً‬
‫تنفرد إحداىما عن األخرى وقد ترتفعان‪:‬‬
‫قد ذبتمعاف ُب الطاعات اليت كقعت‪ ،‬الطاعة اليت كقعت أرادىا ا﵁ تعاىل كونا‪ ،‬كالدليل على‬
‫ذلك؟ كوهنا كقعت ال يبكن أف يقع شيء ال يبكن أف يوجد شيء إال كىو مر هاد ﵁ سبحانو كتعاىل‬
‫كونا‪ ،‬قلنا قبل قليل اإلرادة الكونية مبلزمة للوقوع‪ ،‬فإف كل شيء حصل‪ ،‬فإنو مل وبصل إال بإرادة ا﵁‬
‫عز كجل الكونية‪ ،‬ما شاء ا﵁ كاف كما مل يشأ مل يكن‪.‬‬
‫شرعا‪ ،‬من أم جهة؟من جهة أف ا﵁ عز كجل وببها‪،‬‬ ‫أيضا الطاعة اليت كقعت مرادة ﵁ عز كجل ن‬ ‫ن‬
‫كقد قلنا قبل قليل األمر يستلزـ اإلرادة الشرعية كاإلرادة الشرعية تستلزـ ؿببة ا﵁ عز كجل ؼبتعلق‬
‫شرعا‪.‬‬
‫اإلرادة‪ ،‬إ نذا كل ما أحبو ا﵁ عز كجل فإنو مر هاد لو ن‬
‫تنفرد اإلرادة الكونية فقط‪ ،‬يعٍت توجد كال توجد اإلرادة الشرعية ُب اؼبعاصي اليت كقعت‪ ،‬إذا‬
‫شرعا؟كونا‪ ،‬كيف‬‫كقعت معصية من أحد‪ ،‬فإننا حينئذ نعلم أف ىذه اؼبعصية أرادىا ا﵁ كونا أك ن‬
‫علمتم؟ؼبا كقعت‪ ،‬دؿ ىذا على أهنا مرادة ﵁ كونا ال يبكن أف يقع شيء إال بإرادة ا﵁ الكونية‪ ،‬كإف‬
‫شئت فقل دبشيئة ا﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫طيب اؼبعصية اليت كقعت من فبلف يوـ أمس علمنا أف ا﵁ أرادىا كونا ألهنا كقعت‪ ،‬طيب أرادىا‬
‫شرعا؟ال‪ ،‬ؼباذا؟ا﵁ ال وبب اؼبعاصي‪ ،‬ا﵁ ال وبب اؼبعاصي‪ ,‬إذنا كجدت ىا ىنا اإلرادة الكونية‬ ‫ا﵁ ن‬
‫فحسب‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬تنفرد اإلرادة الشرعية ُب الطاعة اليت مل تقع‪ُ ،‬ب الطاعة اليت مل تقع‪.‬‬
‫فصبلة العشاء اليت صليناىا من فبلف أك صبلة اؼبغرب باعتبار أف كقت اؼبغرب‪ ،‬صبلة اؼبغرب من‬
‫شرعا؟ نعم‪ ،‬أليس ا﵁ جل كعبل قد قاؿ‪﴿ :‬يَاأَيُّ َها‬
‫فبلف ابن فبلف الكافر النصراين‪ ،‬أرادىا ا﵁ عز كجل ن‬
‫ااس ا ْعبُ ُدوا َربا ُك ُم ﴾ الصبلة عبادة‪ ،‬إذنا أمر ا﵁ عز‬
‫ااس﴾ ىذه الكملة تعم صبيع الناس‪﴿ ،‬يَاأَيُّ َها الن ُ‬
‫الن ُ‬
‫شرعا صبيع الناس بالصبلة‪ ،‬كبالتايل دخل ُب ىذا األمر فبل هف ابن فبلف النصراين‪ ،‬إ نذا أراد ا﵁‬
‫كجل ن‬
‫شرعا ىذه‬
‫مبلزـ لئلرادة الشرعية‪ ،‬األمر يستلزـ اإلرادة الشرعية‪ ،‬كبالتايل أراد ا﵁ ن‬
‫شرعا‪ ،‬كقلنا األمر ه‬
‫ن‬
‫الصبلة من فبلف‪ ،‬فوجدت ىا ىنا اإلرادة الشرعية‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪135‬‬ ‫هللا‬
‫طيب أراد ا﵁ ىذه الصبلة صبلة اؼبغرب من فبلف كونا؟ ؼباذا يا صباعة؟ألهنا مل تقع‪ ،‬دخل الوقت‬
‫كخرج كىو ما صبل فدؿ ىذا على أف اإلرادة الكونية ىا ىنا منفية غَت موجودة‪ ،‬كاضح؟‬
‫قطعا كال‬‫قطعا ما ُب تردد ُب ىذا‪ ،‬لو أرادىا ا﵁ منو كونا لوقعت ن‬‫كلو أرادىا ا﵁ منو كونا لوقعت ن‬
‫يبكن أف يغالب ا﵁ عز كجل ُب كونو‪ ،‬ترتفع اإلرادتاف ُب اؼبعصية اليت مل تقع‪ ،‬يعٍت تنتفي اإلرادتاف ُب‬
‫شأف معصية مل تقع‪ ،‬اؼبعصية اليت مل تقع أثناء جلوسك ىا ىنا‪ ،‬أنت خبلؿ النصف ساعة أك الساعة‬
‫اؼباضية‪ ،‬ىل سرقت؟ أنت فبلف ابن فبلف سرقت؟ ما سرقت‪.‬‬
‫إ نذا ىذا األمر يعٍت السرقة خبلؿ ىذا الوقت معصية ما كقعت‪ ،‬كبالتايل ما أرادىا ا﵁ كونا‪ ،‬ألنو لو‬
‫أرادىا كونا لوقعت‪.‬‬
‫شرعا‪ ،‬كالدليل أف ا﵁ ال وبب اؼبعاصي‪ ،‬يتعاىل سبحانو كتعاىل عن‬ ‫ثانينا‪ :‬ما أرادىا ا﵁ عز كجل ن‬
‫ؿببة اؼبعاصي‪ ،‬إ نذا انفصل لنا من العرض السابق أيها اإلخوة أف األحواؿ ُب شأف العبلقة بُت اإلرادتُت‬
‫ترجع إىل ىذه األحواؿ األربع‪ ،‬كيبثل أىل السنة كالعلم ؽبذا دبثاؿ ردبا يقرب لك فهم اؼبوضوع‪ ،‬قاؿ‬
‫العلماء اجتمعت اإلرادتاف الكونية كالشرعية ُب إيباف أيب بكر رضي ا﵁ عنو‪ ،‬إيباف أيب بكر مر هاد ﵁‬
‫شرعا‪ ،‬طيب قالوا كجدت اإلرادة أك انفردت اإلرادة الكونية فحسب ُب كفر أيب جهل‪،‬‬ ‫كونا كمر هاد ﵁ ن‬
‫شرعا؟ال ألف ا﵁ ال وبب الكفر كال وبب‬
‫كفر أيب جهل أراده ا﵁ كونا؟ نعم‪ ،‬ألنو كقع‪ ,‬أراده ا﵁ ن‬
‫الفساد‪.‬‬
‫قاؿ العلماء‪ :‬انفردت اإلرادة الشرعية فقد يعٍت كجدت اإلرادة الشرعية فقط ُب إيباف أيب جهل‪،‬‬
‫جهل كصبيع الناس‪ ،‬أليس كذلك؟ ﴿يَاأَيُّ َها‬ ‫شرعا؟نعم ؼبا؟ ألف ا﵁ أمر بو أبا و‬‫إيباف أيب جهل أراده ا﵁ ن‬
‫ااس ا ْعبُ ُدوا َربا ُك ُم ﴾‪ ،‬كقلنا إف األمر يستلزـ اإلرادة الشرعية‪ ،‬كل مأموور بو فا﵁ أراده ن‬
‫شرعا كبالتايل‬ ‫الن ُ‬
‫شرعا‪ ،‬كالسؤاؿ اآلف ىل ىو مر هاد ﵁‬‫دخل ُب ىذا األمر باإليباف أليب جهل‪ ،‬إ نذا ىو مر هاد ﵁ عز كجل ن‬
‫كونا؟ال؛ كلو شاء ا﵁ لو أراد ا﵁ كونا إيباف أبا جهل ؼبا زبلف ذلك لوقع‪ ،‬كلكنو مل يقع إ نذا مل يرد ا﵁‬
‫أف يهديو‪.‬‬
‫ارتفعت اإلرادتاف ُب كفر أيب بكر رضي ا﵁ عنو‪ ،‬كفر أيب بكر ليس مر نادا ﵁ كونا؛ ألنو مل يقع‪،‬‬
‫شرعا؛ ألف ا﵁ ال وبب الكفر‪ ،‬كبالتايل يتبُت لك العبلقة بُت اإلرادتُت‬
‫ككفر أيب بكر ليس مر نادا ﵁ ن‬
‫كاؼبقاـ على كل حاؿ وبتاج أعٍت ُب موضوع اإلرادة كما يتعلق هبا من مباحث وبتاج إىل تفصيل أكثر‪،‬‬
‫لعلو يأٌب شيء من اإلضافة على ذلك حينما نرد موضوع القدر ُب كبلـ اؼبؤلف إف شاء ا﵁ تعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪136‬‬ ‫هللا‬
‫ص ْي ِد‬
‫يمةُ ْاألَنْ َع ِام إِاال َما يُ ْت لَى َعلَْي ُك ْم غَْي َر ُم ِحلٍّي ال ا‬ ‫قال رحمو اهلل (وقولو‪﴿ :‬أ ِ‬
‫ُحلا ْ‬
‫ت لَ ُك ْم بَ ِه َ‬
‫َوأَنْ تُ ْم ُح ُرٌم إِ ان اللاوَ يَ ْح ُك ُم َما يُ ِري ُد﴾‪.‬‬
‫عندنا ُب ىذه اآلية إثبات صفتُت ﵁ جل كعبل‪ ،‬اغبكم كاإلرادة‪ ،‬كقد مضى الكبلـ فيما سبق عن‬
‫صفة اغبكم ﵁ جل كعبل‪ ،‬حينما كردنا إىل اسم ا﵁ عز كجل اغبكيم‪.‬‬
‫كحكم كوين‪ ،‬كاغبكم كوين كشرعي كال يتبلزماف كما نبا‬ ‫ه‬ ‫كقلنا إف اغبكم ينقسم إىل حك وم شرعي‬
‫سياف‪ ،‬اغبكم ُب ىذه اآلية ىو اغبكم الشرعي؛ ألف اؼبقاـ يتعلق بالتشريع‪ ،‬كما اؼبناسب ؼبقاـ التشريع‪،‬‬
‫اغبكم الشرعي‪.‬‬
‫أما اإلرادة ىا ىنا فما رأيكم؟ ﴿إِ ان اللاوَ يَ ْح ُك ُم َما يُ ِري ُد ﴾ ىل اإلرادة ىا ىنا كونية؟ىذا ىو‬
‫الصحيح أف اإلرادة ىا ىنا إرادة كونية‪ ،‬كاؼبعٌت أف ا﵁ عز كجل وبكم دبا يشاء‪ ،‬اؼبعٌت أف ا﵁ وبكم دبا‬
‫قدير سبحانو كتعاىل‪ ،‬ؼبا كاف ا﵁ عز كجل ىو‬ ‫مالك ه‬ ‫يشاء كىذا شأف الذم وبكم كيشرع كيأمر كىو ه‬
‫اؼبلك الذم لو اؼبلكوت كبيده ملكوت كل شيء‪ ،‬فإنو حينئذ يشرع كيأمر دبا يشاء سبحانو كتعاىل‪،‬‬
‫ليس شأنو شأف العاجز تعاىل ا﵁ عن ذلك‪ ،‬الذم وبكم بالشيء الذم ال يشاءه كال يريده كونا‪ ،‬فدؿ‬
‫شرعا دبا يريد كونا‪ ،‬يعٍت دبا يشاء سبحانو كتعاىل‪ ،‬كقد علمت كما‬ ‫ىذا على أف ا﵁ عز كجل وبكم ن‬
‫قلت غَت مرة إف مشيئة ا﵁ كإرادتو الكونية مقًتنة مع اغبكمة‪ ،‬فا﵁ يشاء دبشيئتو اؼبقًتنة مع حكمتو‬
‫سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫ظ ُب الكتاب كالسنة‪ ،‬جاءت منقسمة كالتنبو ؽبذا الفرؽ بُت موارد ىذه الكلمات‬ ‫أخَتا‪ ،‬شبة ألفا ه‬ ‫ن‬
‫كجو ربمل ىذا من العلم اؼبهم الذم ينبغي أف تتنبو لو يا طالب العلم‪.‬‬ ‫كعلى أم و‬
‫فصبل ُب كتابو‬ ‫كقد أكرد ابن القيم رضبو ا﵁ صبلة من تلك الكلمات بلغت (‪ )12‬كلمة عقد لبياهنا ن‬
‫النافع اؼبستطاب (شفاء العليل) كمن تلك الكلمات اإلرادة كاغبكم كاعبعل كاإلرساؿ كاإلذف كالبعث‬
‫طبعا منها ما ىو لو عبلقة دببحث اؼبشيئة كاإلرادة الذم معنا كمنها ما ال عبلقة لو بو‪،‬‬ ‫كما إىل ذلك‪ ،‬ن‬
‫كلكنها كردت ُب النصوص منقسمة إىل شرعي كإىل كوين كلعلك تطالع ىذا الفصل ُب ىذا الكتاب‬
‫فتنتفع إف شاء ا﵁‪.‬‬
‫َح ِسنُوا إِ ان‬
‫﴿وأ ْ‬
‫قال شيخ اإلسالم بن تيمية رحمو اهلل في رسالتو العقيدة الوسطية‪( :‬وقولو‪َ :‬‬
‫ِِ‬ ‫ْسطُوا إِ ان اللاوَ يُ ِح ُّ‬ ‫ب الْمح ِسنِين﴾‪ ،‬وقولو‪﴿ :‬وأَق ِ‬ ‫ِ‬
‫استَ َق ُاموا‬
‫ين﴾‪ ،‬وقولو‪﴿ :‬فَ َما ْ‬ ‫ب ال ُْم ْقسط َ‬ ‫َ‬ ‫اللاوَ يُح ُّ ُ ْ َ‬
‫ين َويُ ِح ُّ‬
‫ب‬ ‫ب الت ا ِ‬
‫اواب َ‬ ‫ين﴾‪،‬وقولو‪﴿ :‬إِ ان اللاوَ يُ ِح ُّ‬ ‫لَ ُكم فَاستَ ِقيموا لَهم إِ ان اللاوَ ي ِح ُّ ِ‬
‫ب ال ُْمتاق َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ْ ُ ُْ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪137‬‬ ‫هللا‬
‫ف يأْتِي اللاوُ بَِقوٍم ي ِحبُّ هم وي ِحبُّونَوُ﴾‪ ،‬وقولو‪﴿ :‬إِ ان اللاوَ ي ِح ُّ ا ِ‬
‫ين‬
‫ب الذ َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ ُ ُ ْ َُ‬ ‫س ْو َ َ‬ ‫ين﴾‪ ،‬وقولو‪﴿ :‬فَ َ‬ ‫ال ُْمتَطَ ٍّه ِر َ‬
‫ِِ‬ ‫ِ ِ‬
‫وص﴾)‪.‬‬ ‫ص ٌ‬ ‫يُ َقاتلُو َن في َسبِيلو َ‬
‫ص ًّفا َكأَنا ُه ْم بُ ْن يَا ٌن َم ْر ُ‬
‫أما بعد فهذه اآليات اليت ظبعنا فيها إثبات صفة ا﵀بة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كىذه صفة فعلية اختيارية‬
‫﵁ جل ُب عبله‪ ،‬أطبق على إثباهتا لو سبحانو الرسل‪ ،‬كأتباعهم‪ ،‬كأصبع عليها أىل السنة‪ ،‬كاعبماعة‬
‫كفارقهم ُب ىذا طوائف من اؼببتدعة‪ ،‬كما سيأٌب بياف ذلك إف شاء ا﵁‪.‬‬

‫ا﵁ جل كعبل يوبب من شاء‪ ،‬إذا شاء‪ ،‬كدلت األدلة على أنو يوبب ذاتو تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كصفاتو‬
‫ً‬
‫كمقتضيات صفاتو‪ ،‬كما قاؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‪« :‬اللهم إنك عفو تُحب العفو فاعفواعني»‪،‬‬
‫جميل يُحب الجمال»‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫وتر‪ ،‬يُحب الوتر»‪ ،‬كقاؿ‪« :‬إن اهلل‬
‫كقاؿ‪« :‬إن اهلل ٌ‬
‫ؿببة لو تبارؾ كتعاىل؛ بل إف كل اػبلق كاألمر‬‫كال شك كال ريب أف ؿببتو لنفسو سبحانو أعظم و‬
‫اجع إىل ىذه ا﵀بة‪ ،‬فإف كل ما خلقو ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬أك أمر بو‪ ،‬فإمبا كاف ذلك منو جل كعبل‪،‬‬ ‫ر ه‬
‫حكمة وببها سبحانو كتعاىل‪ ،‬كل مر واد إرادةن شرعية فإنو وببو‪ ،‬ككل ما أراده بإرادتو الكونية فإنو‬
‫و‬ ‫ألجل‬
‫إما أف وببو‪ ،‬أك وبب ما يًتتب على كجوده‪ ،‬فعاد كل و‬
‫شيء إىل ؿببة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬إىل ؿببتو‬
‫سبحانو كتعاىل لنفسو‪ ،‬حىت قاؿ شيخ اإلسبلـ ابن تيمية رضبو ا﵁‪" :‬إف ؿببة ا﵁ جل كعبل لنفسو ىي‬
‫العلة الغائية لكل شيء" العلة الغائية لكل شيء‪ ،‬إمبا راجعةه إىل ىذه ا﵀بة‪ٍ ،‬ب إف ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫وبب من شاء من خلقو‪ ،‬كقد دلت األدلة على أنو وبب ذكاتنا‪ ،‬كوبب أعماالن‪ ،‬كوبب أقواالن‪ ،‬كوبب‬
‫صفات‪ ،‬فهو وبب طوائف دلت األدلة عليهم‪ ،‬كما ظبعنا ُب ىذه اآليات؛ تبلحظ فيما‬ ‫و‬ ‫بقاعا‪ ،‬كوبب‬
‫ن‬
‫ظبعت ؿببة ا﵁ جل كعبل لستة أصناؼ؛ فهو وبب اؼبتقُت‪ ،‬كوبب ا﵀سنُت‪ ،‬كوبب اؼبقسطُت‪ ،‬كوبب‬
‫التوابُت‪ ،‬كوبب اؼبتطهرين‪ ،‬كوبب الذين يقاتلوف ُب سبيلو ص نفا كأهنم بنياف مرصوص‪ ،‬كما أنو جل‬
‫كعبل وبب الصابرين‪ ،‬كوبب اؼبتوكلُت‪ ،‬ىذه شبانية أصناؼ‪ ،‬جاء القرآف بإثبات ؿببة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫ؽبم‪ ،‬كما جاء القرآف بإثبات أف ا﵁ ال وبب طوائف‪ ،‬من أكلئك الكافرين‪ ،‬كالظاؼبُت‪ ،‬كاؼبعتدين‪،‬‬
‫كاؼبسرفُت‪ ،‬كاؼبفسدين‪ ،‬كاؼبستكربين‪ ،‬كاػبائنُت‪ ،‬كالفرحُت‪ ،‬ىذه شبانية أصناؼ ال وببهم ا﵁ جل كعبل‪،‬‬
‫تقابل األصناؼ الثمانية اليت بُت ا﵁ ُب كتابو أنو وببهم جل كعبل‪.‬‬

‫كمن ذلك‪ ،‬أعٍت من األدلة على ؿببتو جل كعبل للذكات‪ ،‬ما ثبت ُب الصحيحُت‪« ،‬أن اهلل تبارك‬
‫وتعالى‪ ،‬إذا أحب عب ًدا نادى جبريل‪ ،‬فقال لو‪ :‬إني أحب فالنًا‪ ،‬فأحبو‪ ،‬فيحبو جبريل‪ ،‬وينادي في‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪138‬‬ ‫هللا‬
‫أىل السماء إن اهلل يحب فالنًا فأحبوه‪ ،‬فيحبو أىل السماء‪ ،‬وم يوضع لو القبول في األرض» ‪،‬‬
‫كا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬وبب أعماالن‪ ،‬وبب ما بُت سبحانو كتعاىل من ىذه األعماؿ اليت قامت هبا ىذه‬
‫األصناؼ‪ ،‬فإهنا علة ؿببتو تبارؾ كتعاىل ؽبم‪ ،‬ما أحبهم ا﵁ إال ؼبا قاموا بو‪ ،‬ؼبا قاموا باإلحساف‪ ،‬كؼبا‬
‫قاموا بالتقول‪ ،‬كؼبا قاموا بالقسط كىو العدؿ‪ ،‬كؼبا قاتلوا ُب سبيل ا﵁ ص نفا‪ ،‬أحبهم ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪،‬‬
‫فدؿ ذلك على أف ا﵁ وبب أعماؽبم‪ ،‬كقد مر معنا ُب درس أصوؿ الفقو‪ ،‬أف من الدالالت‪ ،‬داللة‬
‫تسمى داللة اإليباء كالتنبيو‪ ،‬كفيها أف يذكر الوصف‪ ،‬مقًتنا باغبكم فيفيد العلية‪ ،‬حينما قاؿ ا﵁ جل‬
‫ب الْمح ِسنِين﴾ أك ﴿ي ِح ُّ ِ‬ ‫ِ‬
‫ين﴾ ‪ ،‬فإف ىذا يفيد أف علة ؿببتو ؽبم‪ ،‬التقول‬ ‫ب ال ُْمتاق َ‬ ‫ُ‬ ‫كعبل‪﴿ ،‬إِ ان اللاوَ يُح ُّ ُ ْ َ‬
‫اليت قامت هبم‪ ،‬كاإلحساف الذم قاموا بو إىل غَت ذلك فبا جاء ُب األدلة‪.‬‬

‫كذلك جاءت األدلة بإثبات ؿببة ا﵁ جل كعبل ألقواؿ‪ ،‬من ذلك قوؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫«كلمتان حبيبتان إلى الرحمن‪ ،‬الحديث وىما سبحان اهلل‬ ‫فيما خرج البخارم ُب صحيحو‪:‬‬
‫وبحمده‪ ،‬سبحان اهلل العظيم» ‪ ،‬كمن ذلك ؿببتو سبحانو كتعاىل لبقاع‪ ،‬فأحب البقاع إىل ا﵁ تبارؾ‬
‫كتعالىاؼبساجد‪ ،‬إىل غَت ذلك فبا دلت األدلة‪ ،‬عليو كينبغي أف يعلم ىا ىنا‪ ،‬أف ؿببة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪،‬‬
‫تتفاكت‪ ،‬فقد وبب شيئنا أكثر من غَته‪ ،‬من ذلك أنو وبب بعض اغبسنات أكثر من بعض‪ ،‬كىذا قد‬
‫اجعا‪ ،‬إىل فضيلة اغبسنة ُب نفسها‪ ،‬فمن ذلك أف تكوف اغبسنة كاجبة‪ ،‬كلذلك قاؿ ا﵁ جل‬ ‫يكوف ر ن‬
‫كعبل ُب اغبديث القدسي‪« :‬وما تقرب إلي عبدي بشيء أحب إلي مما افترضتو عليو» ‪ ،‬كقد يكوف‬
‫اقعا ُب‬
‫اجعا إىل اعتبار ما‪ ،‬قاـ مع أك قاـ بالعمل الصاحل‪ ،‬من ذلك كوف العمل الصاحل ك ن‬
‫ىذا التفاكت ر ن‬
‫زم ون فاضل‪ ،‬قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم‪« :‬ما من أيام العمل الصالح فيهن أحب إلى اهلل تعالى من‬
‫ىذه العشر»‪.‬‬

‫كصف وببو ا﵁ جل كعبل‪ ،‬من ذلك أف النيب صلى ا﵁ عليو‬


‫ه‬ ‫أيضا‪ ،‬أف يقوـ بالعمل‬
‫كمن ذلك ن‬
‫كسلم سؤؿ‪ :‬أم العمل أحب إىل ا﵁؟‪ ،‬فقاؿ‪«:‬أدومو وإن قل»‪.‬‬
‫كمن ذلك أف يكوف نوع من األنواع‪ ،‬من أنواع العمل الواحد‪ ،‬قد قاـ على ىيئة معينة‪ ،‬أك و‬
‫بعدد‬ ‫ه‬
‫بوصف و‬
‫كىيئة معينة‪ ،‬فيحب ا﵁ عز كجل ىذا العمل أكثر من غَته‪ ،‬فبا يرجع إىل ىذا‬ ‫و‬ ‫معُت‪ ،‬أك‬
‫العمل‪ ،‬كما ثبت ُب الصحيح عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم «أحب الصالة إلى اهلل صالة داود‪،‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪139‬‬ ‫هللا‬
‫وأحب الصيام إلى اهلل صيام داود» ‪ ،‬فأحب صبلةو من صبلة الصلوات‪ ،‬ىي الصبلة اليت كاف يصليها‬
‫داكد عليو السبلـ‪ ،‬ككذلك الصياـ الذم كاف يصومو داكد عليو السبلـ‪.‬‬

‫إ نذا كل ذلك فبا نطقت بو األدلة‪ ،‬يقوؿ بو أىل السنة كاعبماعة كيعتقدكنو‪ ،‬كُب اعبملة ا﵁ تبارؾ‬
‫صالِح ِ‬ ‫ِ‬ ‫اِ‬
‫ات َسيَ ْج َع ُل لَ ُه ُم‬ ‫كتعاىل‪ ،‬وبب اؼبؤمنُت كوبب اإليباف كاغبسنات‪﴿ ،‬إِ ان الذ َ‬
‫ين آ ََمنُوا َو َعملُوا ال ا َ‬
‫ال ار ْح َم ُن ُودًّا﴾ قاؿ أىل التفسَت‪ ،‬سوؼ يودىم ا﵁ جل كعبل‪ ،‬كوبببهم إىل عباده‪ ،‬وببهم كوبببهم إىل‬
‫عباده‪ ،‬كأىل السنة كاعبماعة كما قد تعلمنا مر نارا‪ ،‬من أئمة أىل السنة كاعبماعة يقفوف فيما يثبتوف ﵁‬
‫من األظباء كالصفات‪ ،‬عند حد الوارد‪ ،‬فهم يثبتوف ا﵀بة ﵁ ألف النصوص قد كردت بذلك‪ ،‬كما أهنم‬
‫يثبتوف لو صفتُت كردتا ُب النصوص‪ ،‬قريبتاف ُب اؼبعٌت من ا﵀بة‪ ،‬كنبا "صفة الود‪ ،‬كصفة اػبلة"‪:‬‬

‫أما صفة الود‪ :‬فجاءت ُب كتاب ا﵁ ُب موضعُت‪ ،‬من ذلك ُب سورة ىود‪ ،‬فيما أخرب ا﵁ سبحانو‬
‫ِ‬
‫شعيب عليو السبلـ ﴿إِ ان َربٍّي َرح ٌ‬
‫يم َو ُدو ٌد﴾ ‪ ،‬كاؼبوضع الثاين ُب سورة الربكج‪ ،‬كىو‬ ‫و‬ ‫كتعاىل‪ ،‬عن قوؿ‬
‫ود﴾ ‪ ،‬كالود‪ :‬صفو ا﵀بة‪ ،‬أما اػبلة‪ :‬فإهنا أعلى ا﵀بة‪ ،‬كدليلها ما خرج اإلماـ مسلم‬ ‫﴿و ُى َو الْغَ ُف ُ‬
‫ور ال َْو ُد ُ‬ ‫َ‬
‫عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم أنو قاؿ‪« :‬إن اهلل اتخذني خليال‪ ،‬كما اتخذ إبراىيم خليال» ‪ ،‬كُب‬
‫يم َخلِ ًيال﴾‪.‬‬ ‫ا ِ ِ‬
‫﴿واتا َخ َذ اللوُ إبْ َراى َ‬
‫كتاب ا﵁ جل كعبل َ‬
‫أما األنواع األخرل فبا ترجع‪ ،‬أك فبا يرجع إىل مفهوـ ا﵀بة‪ ،‬فإف أىل السنة كاعبماعة يقفوف عن‬
‫إثباتو ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬جرينا على القاعدة‪ ،‬كىي أف ىذا الباب توقيفي‪ ،‬فبل يوصف ا﵁ إال دبا كصف‬
‫بو نفسو‪ ،‬أك كصفو بو رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬

‫المحبة كما ال يخفاكم درجات ‪:‬ذكرىا أىل العلم‪ ،‬شبة اؽبول‪ ،‬كشبة الصبابة‪ ،‬كشبة العبلقة‪ ،‬كشبة‬
‫أيضا العشق‪ ،‬كأىل السنة كاعبماعة إمبا يثبتوف ﵁‬
‫التتيم‪ ،‬كشبة اعبول‪ ،‬كشبة أشياء من ىذه األنواع‪ ،‬كمنها ن‬
‫جل كعبل ما ثبت ُب النصوص‪ ،‬ا﵀بة‪ ،‬كالود‪ ،‬كاػبلة‪ ،‬كيقفوف عما ما عدا ذلك‪ ،‬لعدـ الدليل عليو‪،‬‬
‫مثبل‪ ،‬فقد‬
‫السيما كأف بعض تلك الدرجات اؼبذكورة ال يليق إثباهتا با﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬من ذلك العشق ن‬
‫نص طائفة من أىل العلم‪ ،‬على أف العشق ؿببة مقركنة بشهوة‪ ،‬كما أشار العسكرم ُب فركقو‪،‬‬
‫كصاحب الكليات‪ ،‬كغَتنبا من اللغويُت كاألدباء‪ ،‬كال شك أف ىذا اؼبعٌت ال يصح إثباتو ﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل‪ ،‬فمن اػبطأ البُت أف يقاؿ إف ا﵁ عز كجل يعشق فبلنا‪ ،‬أك يعشق نبيو صلى ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪140‬‬ ‫هللا‬
‫أيضا كال هبوز أف يتفوه بو مسلم‪ ،‬أف يقوؿ إنسا هف‪ :‬إين أعشق ا﵁‪،‬‬
‫كما أف اؼبقابل لذلك‪ ،‬باطل ن‬
‫أك يتسمى بعض الناس دبثل ىذا‪ ،‬فيقولوف عاشق ا﵁‪ ،‬أك عاشق إؽبي‪ ،‬أك ما شاكل ذلك‪ ،‬ال شك أف‬
‫ىذا باطل كال هبوز‪ ،‬العشق ؿببة مقركنة بشهوة‪ ،‬كالشهوة ىي اؼبيل إىل التمكن من اؼبعشوؽ كا﵀بوب‬
‫لنيل الوطر منو‪ ،‬كال شك أف ىذا أبطل الباطل‪ ،‬كال هبوز‪ ،‬يعٍت أبطل الباطل من حيث نسبتو إىل ا﵁‬
‫تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫اؼبقصود أف صفة ا﵀بة ﵁ تبارؾ كتعاىل صفةه ثابتةه لو تبارؾ كتعاىل ُب و‬
‫أدلة كثَتة‪ ،‬ال تكاد أف‬
‫ربصى إال دبشقة‪.‬‬

‫والناس في ىذا المقام‪ ،‬أعني في مسألة المحبة‪ ،‬انقسموا إلى والوة أقسام‪:‬‬
‫ً‬
‫ب ا﵁‪ ،‬نفوا أف يكوف ا﵁ ؿببنا‪،‬‬ ‫‪ ‬منهم من نفى ا﵀بة من طرفيها‪ ،‬يعٍت نفوا أف يوب ى‬
‫ب ا﵁ كأف يوبى ى‬
‫كأف يكوف ا﵁ ؿببوبنا‪ ،‬كىؤالء طوائف من اؼبتكلمُت‪ ،‬ذىبوا إىل ىذا اؼبذىب الردمء‪.‬‬
‫‪ ‬كالقسم الثاين‪ :‬الذين أثبتوا ؿببة العبد لربو‪ ،‬كنفوا اؼبقابل ؽبا‪ ،‬كىو ؿببة ا﵁ لعباده‪.‬‬
‫‪ ‬كالطائفة الثالثة‪ :‬أك القسم الثالث‪ ،‬ىم أىل اغبق كالتوفيق‪ ،‬ىم أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬الذين‬
‫اعتقاد أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل كأف ا﵁ تعاىل وبب‪ ،‬كما نطقت بذلك‬ ‫ه‬ ‫أثبتوا ا﵀بة من طرفيها‪ ،‬فعندىم‬
‫ف يَأْتِي اللاوُ بَِق ْوٍم يُ ِحبُّ ُه ْم َويُ ِحبُّونَوُ﴾ ﴿قُ ْل إِ ْن ُك ْنتُ ْم تُ ِحبُّو َن‬
‫س ْو َ‬
‫النصوص‪ ،‬كمن ذلك ما بُت أيدينا ﴿فَ َ‬
‫اللاوَ فَاتابِعُونِي يُ ْحبِْب ُك ُم اللاوُ﴾ ‪ ،‬فثبت إذنا أف ا﵀بة تكوف من ا﵁ تبارؾ كتعاىل لعباده‪ ،‬كأهنا تكوف من‬
‫العباد لرهبم سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫ضبلؿ عظيم‪ ،‬مبناه على و‬
‫شبهة داحضة‪ ،‬مبٌت ذلك‬ ‫كالذين نفوا ؿببة العباد لرهبم‪ ،‬ىؤالء كقعوا ُب و‬
‫عندىم على أف ا﵀بة تستلزـ مبلئمةن‪ ،‬كموائمةن‪ ،‬بُت ا﵀ب كا﵀بوب‪ ،‬كليس شبة شيءه من ذلك بُت‬
‫اػبالق كاؼبخلوقسبحانو كتعاىل كألجل ذلك فإهنم نفوا أف يكوف العباد وببوف ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫أصل باطل غَت صحيح‪ ،‬من حيث إهنم أرادكا‪ ،‬أك إذا كانوا‬‫كال شك أف ىذا األصل الذم أصلوه ه‬
‫يريدكف‪ ،‬أف اؼببلئمة تقتضي مشاهبة كسبثيبلن بُت اػبالق كاؼبخلوؽ‪ ،‬فإف ىذا من أبطل الباطل‪ ،‬كدعول ال‬
‫تقوـ عليها أك ال يقوـ عليها دليل‪ ،‬ككل و‬
‫إنساف يعلم من نفسو بالضركرة أنو وبب ما ال يبلئمو كال‬
‫و‬
‫صبادات‪ ،‬كمن الناس من وبب أشياء‬ ‫يشاهبو‪ ،‬فإف من الناس من وبب حيو و‬
‫انات‪ ،‬كمن الناس من وبب‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪141‬‬ ‫هللا‬
‫كثَتة ال ترجع إىل الذات اليت ىو من جنسها‪ ،‬كىي ما يتعلق باإلنس‪ ،‬فمن أين لكم أف ا﵀بة تستلزـ‬
‫ىذا األمر‪ ،‬كيا ا﵁ العجب‪ ،‬كيف يصل الضبلؿ بأصحابو‪ ،‬إىل ىذه الدرجة اليت ينفوف فيها أعظم‬
‫و‬
‫شيء ُب العبودية‪ ،‬بل زبدة العبودية‪ ،‬كلبها كخبلصتها‪ ،‬إمبا ىي ؿببة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬ما ىي العبادة؟‬

‫إذا كانت ا﵀بة ليست منها‪ ،‬كما ىو التألو إذا مل يكن أساسو كأصلو كلبو‪ ،‬ؿببة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪،‬‬
‫كتعظيما كخوفنا كإجبلالن‪ ،‬فما الذم فات ىؤالء من ىذا الركن الركُت ُب‬
‫ن‬ ‫اإللو ىو الذم يأؽبو العباد ؿببةن‬
‫عبودية ا﵁ تبارؾ كتعاىل حينما يزعموف أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل ال وبب‪ ،‬سبحاف ا﵁ العظيم‪ ،‬ما الذم‬
‫يبكن أف وبب إال كؿببة ا﵁ تبارؾ كتعاىل أعظم منو‪ ،‬بل ليس شبة شيء ُب الوجود وبب لذاتو إىل ا﵁‬
‫سبحانو كتعاىل‪ ،‬ككل ؿببة سواه‪ ،‬ككل ؿببة لسواه‪ ،‬فإهنا ال ذبوز أف تقع أك تكوف‪ ،‬إال إذا كانت ألجلو‬
‫أك و‬
‫بإذف منو سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫كا﵁ جل كعبل بُت أف اػبلل ُب ىذا األمر ىو الذم سبيز بو أىل اإليباف‪ ،‬يعٍت ما كقع فيو ىؤالء‬
‫اؼبخالفوف للرسل عليهم الصبلة كالسبلـ‪ ،‬ىو الذم مايزىم كفارقهم فيو أىل اإليباف الصادؽ‪ ،‬قاؿ جل‬
‫ين آ ََمنُوا أَ َش ُّد ُحبًّا لِلا ِو﴾‬ ‫ادا ي ِحبُّونَهم َكح ٍّ ِ ا ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫ِ ِ‬ ‫﴿وِم َن الن ِ‬
‫ب اللاو َوالذ َ‬ ‫ااس َم ْن يَتاخ ُذ م ْن ُدون اللاو أَنْ َد ً ُ ُ ْ ُ‬ ‫كعبل َ‬
‫اعم‬
‫ىذه ميزهتم‪ ،‬كىذه عبلمتهم‪ ،‬كىذه اػباصية اليت كانوا هبا مؤمنُت‪ ،‬ؿبققُت لئليباف‪ ،‬فكيف يزعم ز ه‬
‫إف العبد ال وبب ا﵁ جل كعبل كإمبا وبب ثوابو‪ ،‬وبب جنتو‪ ،‬وبب إثابتو‪ ،‬أما ىو سبحانو كتعاىل فإنو‬
‫عند ىؤالء ال وبب‪.‬‬

‫ىكذا أكؿ النصوص الواردة ُب شأف إثبات ؿببة العباد لرهبم‪ ،‬يعٍت جاءكا إىل كبو قولو تعاىل‪،‬‬
‫ف يَأْتِي اللاوُ بَِق ْوٍم يُ ِحبُّ ُه ْم َويُ ِحبُّونَوُ﴾ ‪ ،‬قالوا وببونو دبعٌت‪ :‬وببوف جنتو‪ ،‬وببوف إثابتو‪ ،‬وببوف رضبتو‬
‫س ْو َ‬
‫﴿فَ َ‬
‫النازلة إليهم‪ ،‬إىل غَت ذلك‪ ,‬سبحاف ا﵁ العظيم! كالعجيب أف القوـ ما طردكا ىذا اؼبذىب‪ ،‬كلو طردكا‬
‫ىذا اؼبذىب‪ ،‬ػبرجوا إىل زندقة مكشوفة‪ ،‬لكن من رضبة ا﵁ عز كجل بأىل البدع‪ ،‬كوهنم يتناقضوف‪،‬‬
‫من رضبة ا﵁ عز كجل هبم أهنم يتناقدكف‪ ،‬كالفطرة تغلبهم‪ ،‬يقرركف أشياء لكن كاقعهم من حيث ما‬
‫يقوـ بقلوهبم‪ ،‬أك ما يقوـ بأعماؽبم‪ ،‬ىبالف ىذا التنظَت الفلسفي‪ ،‬النظرم الذم يقرركنو‪ ،‬كإال فلو أهنم‬
‫طردكا ىذا الذم قالوه‪ ،‬كما تناقضوا فبل شك أنو ال عبودية ؽبم‪ ،‬بل ال إيباف ؽبم با﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫فحقيقة اإليمان ولبو وخالصتو‪ :‬ؿببة ا﵁ تبارؾ كتعاىل ٍب ما يتبع ىذه ا﵀بة من الطاعة ﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل كالتصديق ألمره‪ ،‬كالتزاـ‪ ،‬كالتصديق ػبربه كالتزاـ أكامره سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪142‬‬ ‫هللا‬
‫أما الطرؼ الثاين‪ :‬كىو نفي ؿببة ا﵁ تبارؾ كتعاىل لعباده‪ ،‬كىذا الذم ذىب إليو كل اؼبتكلمُت‬
‫كصبيع الطوائف اؼبخالفة للحق‪ُ ،‬ب باب الصفات‪ ،‬كباؼبناسبة ىذه الصفة من أشد الصفات على أىل‬
‫كثَتا‪ ،‬إثبات صفة ﵁ تبارؾ كتعاىل مثل ما ذبده ُب صفة‬
‫الكبلـ‪ ،‬ال ذبدكا أف اؼبتكلمُت يشق عليهم ن‬
‫ا﵀بة‪ ،‬كصفة النزكؿ‪ ،‬كلذلك ردبا ذبد من ىؤالء اؼبتكلمُت من ىبالف مذىبو العاـ ُب بعض الصفات‪،‬‬
‫فيثبت شيئنا من الصفات‪ ،‬لكنك إذا كصلت معو إىل صفيت ا﵀بة كالنزكؿ‪ ،‬فإنو ال يثبت ذلك‪ ،‬ال يثبت‬
‫ىاتُت الصفتُت إىل أىل السنة ا﵀ضة‪.‬‬

‫اؼبقصود أف اؼبتكلمُت قاطبة نفوا ؿببة ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬يعٍت أف تكوف صفةن قائمة با﵁ جل كعبل‬
‫كشبهتهم ُب ذلك شبهة داحضة‪ ،‬ال قيمة ؽبا عند التحقيق‪ ،‬قاؿ القوـ‪" :‬إف ا﵀بة ميل القلب"‪ ،‬كىذه‬
‫صفة ال تكوف إال ُب ـبلوؽ‪ ،‬فينزه ا﵁ تبارؾ كتعاىل عنها؛ ألننا إذا أثبتناىا اقتضى ىذا تشبيو اػبالق‬
‫باؼبخلوؽ‪ ،‬كىذا من أعظم الباطل‪ ،‬كال شك أف ىذا الذم ذىبوا إليو شبهة غَت صحيحة‪ ،‬والجواب‬
‫عن ذلك من أوجو‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أف أىل السنة كاعبماعة الذين أثبتوا ىذه الصفة ﵁ تبارؾ كتعاىل إمبا يثبتوهنا على حد قوؿ‬
‫س َك ِمثْلِ ِو َش ْيءٌ﴾ فهم يثبتوف ﵁ ؿببةن تليق بو‪ ،‬كما أهنم يثبتوف ﵁ جبل كعبل بقية‬
‫ا﵁ جل كعبل ﴿لَْي َ‬
‫علوا كبَتا‪ ،‬فنحن نقوؿ‬
‫الصفات على ما يليق بو‪ ،‬ال على ما يباثل فيو اؼبخلوقُت‪ ،‬تعاىل ا﵁ عن ذلك ن‬
‫إف ا﵁ وبب‪ ،‬كإف ا﵁ يود‪ ،‬كإف ا﵁ يتخذ‪ ،‬خليبلن على ما يليق بو‪ ،‬كال شك أف ذلك كاف فيو سبحانو‬
‫كتعاىل ليس فباثبلن للمخلوقُت‪ ،‬بل ﵁ عز كجل الكماؿ اؼبطلق‪ُ ،‬ب ذاتو كصفاتو‪ ،‬كمن ذلك ا﵀بة‪ ،‬فللو‬
‫جبل كعبل ا﵀بة الكاملة اليت تليق بو سبحانو كتعاىل كللمخلوؽ ؿببة تليق بو سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫وم يقال لهم وانيًا‪ :‬من قاؿ لكم إف ا﵀بة ال تكوف إال ميبلن للقلب‪ ،‬من أين علمتهم ذلك‪ ،‬ما ىو‬
‫األساس اليت بنيتم عليو ىذا القوؿ‪ ،‬تنبيو رعاؾ ا﵁ إىل مشكلة منهجية عند ىؤالء كغَتىم من أىل‬
‫فاش‪ ،‬عدكل منتشرة كما يقولوف بُت أىل البدع قاطبة‪ ،‬كىي‪ :‬أهنم ينظركف‬ ‫مرض و‬
‫البدع‪ ،‬ىذه اؼبشكلة ه‬
‫جزئينا كوبكموف كلينا‪ ،‬ينظركف جزئينا كوبكموف كلينا‪ ،‬يعٍت‪ ،‬ؼبا جاءكا مثبل ُب ىذه اؼبسألة اليت بُت‬
‫نظرا جزئينا‪ ،‬كىو ما يتعلق دبحبة اإلنساف‪ ،‬فقالوا ا﵀بة ميل القلب‪،‬‬
‫أيدينا‪ ،‬كىي مسألة ا﵀بة نظركا ن‬
‫ؿببة جعلوىا ر و‬
‫اجعة إىل ىذا اؼبعٌت الذم استفادكه بالنظر‬ ‫جعلوا ىذا النظر اعبزئي حكما كليا عاما‪ ،‬كل و‬
‫ن ن ن‬
‫نظرا جزئينا إىل الكبلـ‪ ،‬الكبلـ اؼبعهود الذم‬
‫اعبزئي‪ ،‬كال شك أف ىذا غَت صحيح‪ ،‬كلذلك لو نظرنا ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪143‬‬ ‫هللا‬
‫نعهده كبن معشر البشر‪ ،‬إمبا ىو الكبلـ الذم يكوف بلساف كشفتُت‪ ،‬كؽبوات كأضراس‪ ،‬يعٍت ال بد من‬
‫كبلـ‪ ،‬أليس كذلك؟ كإذا نظرنا ُب النصوص‪ ،‬قبد أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل أثبت‬ ‫اجتماع ذلك‪ ،‬حىت يكوف ه‬
‫كبلما كشهاد نة كنط نقا‪ ،‬ألشياء ال نعهد أف ؽبا أضراس أك شفتُت أك أسناف‪ ،‬أليس ا﵁ تبارؾ كتعاىل قد‬ ‫ن‬
‫ود ِى ْم لِ َم َش ِه ْدتُ ْم َعلَْي نَا قَالُوا أَنْطََقنَا اللاوُ﴾‬
‫أخرب أنو يوـ القيامة تشهد اعبلود كتنطق‪﴿ ،‬وقَالُوا لِجلُ ِ‬
‫ُ‬ ‫َ‬
‫ْسنَتُ ُه ْم َوأَيْ ِدي ِه ْم َوأ َْر ُجلُ ُه ْم بِ َما َكانُوا يَ ْع َملُو َن﴾ مىت رأيتم رجبلن ؽبا شفتُت‬
‫﴿ي وم تَ ْشه ُد َعلَي ِهم أَل ِ‬
‫َْ َ َ ْ ْ‬
‫كأسناف تنطق كتتكلم‪ ،‬بل ؼبا نذىب إىل ما يكوف ُب الدار اآلخرة‪ ،‬دعونا ُب ما كاف ُب ىذه الدار‪،‬‬
‫شجرا يسلم عليو؟ أليس النيب صلى ا﵁ عليو‬ ‫أليس النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كبأصح إسناد قد ظبع ن‬
‫أيضا‪ ،‬كانوا يسمعوف تسبيح الطعاـ بُت يدم رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم؟‬ ‫كسلم بل كأصحابو ن‬
‫منكرا‪ ،‬مىت‬
‫كاألحاديث هبذا بأصح األسانيد‪ ،‬كمن أنكرىا‪ ،‬فهو لغَتىا من األحاديث ينبغي أف يكوف ن‬
‫اقعا‪ ،‬أليس النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬ ‫طعاما فيو أسناف‪ ،‬كشفتُت‪ ،‬كؽبوات‪ ،‬حىت يكوف الكبلـ ك ن‬ ‫رأيتم ن‬
‫قد ظبع مع أصحابو حنُت جذع؟ خشب لو حنُت كاشتياؽ كصوت‪ ،‬كبكاء‪ ،‬حىت قاـ النيب صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم إليو كىدأه‪ ،‬مىت علمتم أف للجذع قلبنا وبن؟ كلو حنجرة كلساف ىبرج منو صوت؟ إ نذا‬
‫اؼبشكلة أهنم نظركا جزئينا‪ ،‬كحكموا كلينا‪ ،‬حكمهم الكلي على اؼبخلوقات ُب ىذا النطاؽ غَت صحيح‪،‬‬
‫فكيف باغبكم على ا﵁ جل كعبل‪ ,‬أرأيتم ا﵁؟ أرأيتم مثيبل ﵁؟ تعاىل ا﵁ عن ذلك حىت تقولوا إف ىذه‬
‫الصفة ال تليق با﵁ يا ﵁ العجب ا﵁ سبحانو ىبرب عن نفسو‪ ،‬كأعلم اػبلق بو ىبرب عنو‪ ،‬بأنو وبب‬
‫كالقوـ يقولوف ال‪ ،‬ىذا يا ربنا ال يليق بك‪ ،‬كىذا يا رسوؿ ا﵁ ال يليق بربك سبحاف ا﵁ العظيم ماذا‬
‫نقوؿ؟ سول أف نذكرىم بقولو تعاىل ﴿قُ ْل أَأَنْ تُ ْم أَ ْعلَ ُم أَِم اللاوُ﴾ ٍب ىبرب ا﵁ جل كعبل هبذه الصفات‬
‫اليت يتمدح هبا كحقيقة األمر‪ ،‬أهنا ذـ‪ ،‬كحقيقة األمر أهنا تشبيو يا ﵁ العجب يذـ ا﵁ نفسو ليمدحها‪،‬‬
‫أىذا يفعلو أجهل اعباىلُت؟ فضبل عن أحكم اغباكمُت سبحانو كتعاىل كيف يتجرأ عب هد ىذه اعبرأة‬
‫على ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫وم إنو يقال لهم والثًا‪ :‬عامتكم أثبتٌم صفة اإلرادة‪ ،‬عامة اؼبتكلمُت يثبتوف ﵁ صفة اإلرادة‪ُ ،‬ب‬
‫مقابل نفيهم ؼباذا؟ لصفة ا﵀بة‪ ،‬قالوا ا﵀بة ميل القلب‪ ،‬كبالتايل فإننا نقوؿ ؽبم كاإلرادة ميل القلب‪،‬‬
‫فكما قلتم ُب ا﵀بة قولوا ُب اإلرادة‪ ،‬يلزمكم فيما نفيتم نظَت ما أثبتٌم‪ ،‬كلذلك إذا قلنا ؽبم ىذا‪ ،‬فإهنم‬
‫سيسارعوف‪ ،‬ىذا الظن هبم‪ ،‬إىل أف يقولوا ال‪ ،‬اإلرادة اليت ذكرًب إرادة تليق باؼبخلوؽ‪ ،‬ككبن نثبت إراد نة‬
‫تليق باػبالق سبحانو كتعاىل فإننا حينها سنقوؿ ؽبم‪ ،‬ككذلك ا﵀بة اليت أثبتناىا تليق با﵁‪ ،‬فإف قالوا ال‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪144‬‬ ‫هللا‬
‫يعقل‪ ،‬كال نعقل ُب الشاىد ؿببة إال ىي ميل قلب‪ ،‬فإننا نقوؿ‪ :‬ككذلك كبن ال نعقل إرادة إال كىي‬
‫ميل قلب‪ ،‬ككل جواب يقولونو‪ ،‬أك يذكركنو فإننا نلزمهم بنظَته ُب الشيء الذم نفوه من ىذه الصفة‪.‬‬

‫يب إف شاء ا﵁‪ ،‬لعلو يكوف ُب اللقاء القادـ بإذف ا﵁ عز كجل‬


‫موضع قر ه‬
‫ه‬ ‫كعلى كل حاؿ سيأٌب‬
‫صفات‬
‫ه‬ ‫نتكلم فيو عن مناقشة قانوف التأكيل؛ ألف ىذا اؼبوضوع يتكرر معنا ُب الصفات القادمة‪ ،‬كىي‬
‫ردكدا عامة تصلح للرد على‬
‫كثَتة‪ ،‬كال نريد أف نكرر الكبلـ‪ ،‬لكن نذكر قواعد‪ ،‬كنذكر ضوابط‪ ،‬كنذكر ن‬
‫صبيع ىذا التأكيل‪.‬‬

‫صبيعا النصوص اليت جاءت‬


‫اؼبقصود أف اؼبتكلمُت عامة فركا من إثبات ا﵀بة ﵁ عز كجل كأكلوا ن‬
‫بإثبات ىذه ا﵀بة‪ ،‬والتأويالت التي ذكروىا ترجع إلى ما يأتي‪ ،‬في مجملها ترجع إلى ما يأتي‪:‬‬

‫تأكيل ا﵀بة بالثناء‪ ،‬وبب يعٍت‪ :‬يثٍت‪ ،‬فعادت ىذه الصفة عندىم إىل صفة الكبلـ‪ ،‬كما ذكر‬
‫البيهقي ُب األظباء كالصفات‪ ،‬عادت ىذه الصفة عندىم إىل صفة الكبلـ‪ ،‬كسيأٌب معنا إف شاء ا﵁ أف‬
‫صفة الكبلـ عندىم صفة ذاتية قائمة بذات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫التأكيل الثاين‪ :‬أهنم أكلوا ا﵀بة باإلثابة‪.‬‬

‫كالتأكيل الثالث‪ :‬أهنم أكلوا ا﵀بة باإلرادة‪ ،‬كأكثرىم على ىذا التأكيل‪.‬‬

‫ٍب إهنم اختلفوا‪ ،‬ىل اإلرادة كا﵀بة صفتاف متساكيتاف‪ ،‬يعٍت مًتادفتاف‪ ،‬أك إف بينهما فرقنا‪ ،‬ذىب‬
‫أكثرىم إىل التسوية بُت ا﵀بة كاإلرادة‪ ،‬فأراد دبعٌت أحب‪ ،‬كأحب دبعٌت أراد‪.‬‬

‫كطائفة منهم‪ ،‬ذىبوا إىل أف ا﵀بة أخص من اإلرادة‪ ،‬فإف اإلرادة إذا تعلقت باػبَت كالثواب‪ ،‬كانت‬
‫بغضا‪ ،‬كمقتنا‪ ،‬كما إال ذلك‬
‫ؿببة‪ ،‬كإذا تعلقت دبا يتعلق بالتعذيب أك التأثيم كما إال ذلك‪ ،‬فإهنا تصبح ن‬
‫فبا جاء بو ُب معٌت ىذه الصفات‪.‬‬

‫اؼبقصود أف القوـ عامة أكثرىم ذىبوا إىل تأكيل ا﵀بة باإلرادة‪ ،‬كأكثر ىؤالء ذىبوا إىل التسوية بُت‬
‫ا﵀بة كاإلرادة‪.‬‬

‫ومر معنا في الدرس الماضي‪ ،‬بيان الفرق بين اإلرادة والمحبة‪:‬‬


‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪145‬‬ ‫هللا‬
‫فا﵀بة أخص من اإلرادة‪ ،‬فإف اإلرادة قد تكوف شرعية‪ ،‬كىذه دبعٌت ا﵀بة‪ ،‬كقد تكوف إراد نة كونية‪،‬‬
‫كىذه دبعٌت اؼبشيئة‪ ،‬كعلى كل حاؿ اػبلل ُب ىذا اؼبقاـ ليس باألمر السهل‪ ،‬ىذا اػبطأ أدل بطوائف‬
‫من أىل البدع إىل االكبراؼ ُب مسائل شىت‪ ،‬السيما ما يتعلق منها بباب القدر‪ ،‬فبسبب التسوية بُت‬
‫ا﵀بة كاإلرادة اكبرؼ‪ ،‬أك من أسباب اكبراؼ القدرية‪ ،‬كمن أسباب اكبراؼ اعبربية كنبا فرقتاف متقابلتاف‬
‫أيضا مثل ذلك من ىذه اآلثار فيما يرجع إىل نفي اغبكمة عن ا﵁‬ ‫التسوية بُت ا﵀بة كاإلرادة‪ ،‬كقل ن‬
‫تبارؾ كتعاىل أك فيما يرجع إىل مسألة التحسُت‪ ،‬كالتقبيح إىل غَت ذلك فبا لعلنا تطرؽ إليو إف شاء ا﵁‬
‫إذا كصلنا إىل الكبلـ عن موضوع القدر‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪146‬‬ ‫هللا‬
‫كنا قد توقفنا ُب الدرس اؼباضي عند الكبلـ عن صفة ا﵀بة ﵁ تعاىل ‪ ،‬كاقبر اغبديث إىل مناقشة‬
‫اؼبتكلمُت ُب تأكيلهم ىذه الصفة اعبليلة‪ ،‬ككاف الوعد إذ ذاؾ بتخصيص ىذا الدرس للكبلـ عن مناقشة‬
‫قانون التأويل الذم انتهجو أىل البدع كاألىواء‪ُ ،‬ب التعامل مع الصفات اليت مل يريدكا إثباهتا ﵁ سبحانو‬
‫كتعاىل‪ ,‬كقد رأيت أف قبعل الكبلـ ُب مناقشة تفصيلية ؼبنهج التأكيل ُب موضع كاحد‪ ،‬كبالتايل يستغٌت عن‬
‫تكرار الكبلـ بعد ذلك عند كل صفة‪.‬‬

‫علمنا ُب بدايات الدركس ُب ىذا اؼبنت‪ ،‬أن الناس انقسموا في الجملة في نصوص الصفات إلى‬
‫والوة أقسام‪:‬‬

‫‪ )1‬إىل أىل تعطيل‪.‬‬


‫‪ )2‬كأىل سبثيل‪.‬‬
‫‪ )3‬كأىل سواء السبيل‪.‬‬

‫وقلنا‪ :‬أن أىل التعطيل انفصلوا إلى والوة أقسام‪:‬‬

‫إىل أىل التخييل‪ ،‬كإىل أىل التجهيل‪ ،‬كإىل أىل التأكيل‪.‬‬

‫أىل التخييل‪:‬ىم الفبلسفة‪ ،‬الذين زعموا أف ما أخرب ا﵁ جبل كعبل بو عن نفسو‪ ،‬كما أخرب بو نبيو‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم ال يعدك إال أف يكوف إال خياالت ال حقيقة ؽبا‪.‬‬

‫وأما أىل التجهيل‪:‬فإهنم أىل مسلك التفويض‪ ،‬كلعل الوقت يسنح ُب الدرس القادـ إف شاء ا﵁‬
‫للكبلـ عن ىذا اؼبسلك‪.‬‬

‫كبقينا اآلف كاقفُت أماـ مذىب أىل التأويل‪ :‬كاؼبراد دبذىب أىل التأكيل‪ ،‬ىو ما يزعمو ىؤالء‬
‫أمر‬
‫اؼبتكلموف‪ ،‬من أف نصوص الصفات هبب ضبلها على خبلؼ ظاىرىا‪ ،‬القتضاء ظاىرىا التشبيو‪ ،‬ىذا ه‬
‫أكؿ‪.‬‬
‫كأمر و‬
‫ثاف‪ :‬كىو تعيُت اؼبراد من ىذه الصفات‪ ،‬فهم يزعموف مثبلن‪ ،‬أف قولو تعاىل‪﴿ :‬ال ار ْح َم ُن َعلَى‬ ‫ه‬
‫استَ َوى ﴾‪ ،‬لو ضبلناه على ظاىره‪ ،‬القتضى ذلك تشبيو ا﵁ عز كجل باؼبخلوقُت‪ ،‬فاالستواء من‬ ‫ش ْ‬‫ال َْع ْر ِ‬
‫صفات اؼبخلوقُت ‪-‬ىكذا زعموا‪ -‬كبالتايل يتعُت أف نقوؿ إف ىذا النص على خبلؼ ظاىره‪ٍ ،‬ب كرد سؤ هاؿ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪147‬‬ ‫هللا‬
‫عند من يسمع كبلمهم‪ ،‬كىو إذنا على أم شيء كبمل ىذا النص‪ ،‬فاجتهدكا ُب تعيُت اؼبراد‪ ،‬فقالوا‪:‬‬
‫إف"استوى" ليست على ظاىرىا‪ ،‬فالظاىر اؼبعلوـ ُب لغة العرب‪ ،‬أف استول فمعٌت عبل كارتفع‪ ،‬كىذا كما‬
‫زعموا يقتضي التشبيو‪ ،‬إ نذا ما الذم أراده ا﵁ عز كجل‪ ،‬بنسبة االستواء إليو؟‬

‫كب من ىاتُت‬‫قالوا‪ :‬كبمل ىذا على االستيبلء‪ ،‬نقوؿ‪ :‬أف معٌت استول‪ :‬استوىل‪ ،‬إ نذا منهجهم مر ه‬
‫اؼبرحلتُت‪ ،‬كاغبق أف القوـ كاف الببلء عندىم إمبا ىو من فساد ُب األصل ُب قلوهبم‪ ،‬أدل هبم إىل سلوؾ‬
‫فساد ُب قلوهبم‬
‫ىذا اؼبسلك‪ ،‬دبعٌت ليس اؼبسألة قضية علمية‪ ،‬أنتجت ىذا اؼبسلك‪ ،‬إمبا القوـ عندىم ه‬
‫كصدكرىم‪ ،‬فإف الشأف فيهم أهنم اعتقدكا ٍب استدلوا‪ ،‬اعتقدكا اعتقادات بنوىا على و‬
‫أصوؿ فاسدة‪ ،‬غَت‬
‫مستمدة من الكتاب كالسنة‪ٍ ،‬ب ؼبا اصطدموا بالنصوص اليت زبالف ىذه االعتقادات‪ ،‬ما كجدكا ملجأن‪،‬‬
‫مهرب كـبر هج‪ ،‬ألجل أف ال يفتضح األمر فيكونوا‬
‫ـبرجا إال أف يسلكوا معها مسلك التأكيل‪ ،‬فهو إذنا ه‬
‫كال ن‬
‫مصادمُت كمعارضُت للنصوص‪.‬‬

‫كعثماف بن سعيد الدارمي رضبو ا﵁ ُب نقده على بشر‪ ,‬قد ذكر مهمة ُب ىذا اؼبقاـ‪ ،‬قاؿ‪" :‬بلغٍت أف‬
‫بشرا اؼبريسي‪-‬الذم ىو أحد رؤكس التأكيل كالتحريف اعبهمية‪ ،-‬قاؿ بلغٍت أف أصحابو اشتكوا إليو‪،‬‬ ‫ن‬
‫قالوا‪" :‬ماذا نصنع باألحاديث اليت وبتج أىل السنة علينا هبا؟ كىي مركية بأسانيد جياد‪ ،‬كذكركا صبلة من‬
‫األسانيد‪ ،‬ماذا نصنع معها‪ ،‬كفيها ما ىبالف مذىبنا؟ فقاؿ ؽبم‪" :‬غالطوىم بالتأكيل‪ ،‬فتكونوف قد ردسبوىا‬
‫و‬
‫بلطف‪ ،‬إذ مل يبكنكم‪ ،‬أف تردكىا بعنف"‪.‬‬

‫منهج علم وي نزيو أفرز الوصوؿ إىل ىذه النتيجة‪ ،‬كىي أف نصوص‬
‫إ نذا مسلك التأكيل ليس شبرنة عن و‬
‫مهرب‪ ،‬كـبرج من االصطداـ بالنصوص اليت زبالف‬
‫الصفات هبب تأكيلها‪ ،‬إمبا ىو كما ذكرت لك ه‬
‫األصوؿ اليت اعتقدكىا كبنوا عليها ما يعتقدكف ُب صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫كالقاعدة اليت بينها ا﵁ جل كعبل ُب كتابو‪ُ ،‬ب شأف كل من هبادؿ بغَت حق‪ُ ،‬ب آيات ا﵁‪ ،‬ىي ما‬
‫ص ُدوِرِى ْم‬ ‫ِ‬
‫اى ْم إِ ْن في ُ‬
‫ات اللا ِو بِغَْي ِر س ْلطَ ٍ‬
‫ان أَتَ ُ‬ ‫ُ‬
‫ادلُو َن فِي آَي ِ‬
‫َ‬
‫أخرب سبحانو كتعاىل ُب قولو ﴿إِ ان الا ِذين يج ِ‬
‫َ َُ‬
‫ـبالف للحق‪ ،‬أذعن لسلطاف النص‪ ،‬كانقاد ؽبذا الوحي الذم جاء‬ ‫إِاال كِ ْب ر َما ُىم بِبَالِ ِغ ِيو ﴾ ‪،‬لو أف كل و‬
‫ْ‬ ‫ٌ‬
‫بو نبينا ؿبمد صلى ا﵁ عليو كسلم من عند ربو‪ ،‬ما حصل ىذا االفًتاؽ العظيم ُب أصوؿ الدين‪ ،‬مع‬
‫كضوح األدلة عليها‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪148‬‬ ‫هللا‬
‫شركرا عظيمة‪ ،‬على األمة‬
‫مسلك ُب غاية اػبطر‪ ،‬كأفرز إشكاالت كثَتة‪ ،‬بل ن‬
‫ه‬ ‫مسلك التأكيل‬
‫اإلسبلمية‪.‬‬

‫ىذا كأصل بلية اإلس ػ ػ ػػبلـ من ت ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػأكيل بالتحريف كالبط ػ ػ ػ ػػبلف‬

‫كىو الذم قد فرؽ السبعُت‪ ،‬بل ذادت ثبلثنا قوؿ ذم الربىاف‬

‫السبب الذي أدى إلى تفرق ىذه األمة في كثي ٍر من المسائل والمباحث‪ ،‬إنما كان ىذا‬
‫الطاغوت‪ ،‬الذي سلطوه على نصوص الكتاب والسنة‪.‬‬

‫الرد على ىذا المنهج يكون من وجهين‪:‬‬

‫أوالً‪:‬الرد اإلصبايل‪.‬‬

‫والثاني‪:‬الرد التفصيلي‪.‬‬

‫اضحا‪ ،‬فإنو يقاؿ لكل من أكؿ نصوص‬


‫قوم‪ ،‬ؿبكم‪ ،‬مع كونو سهبلن ك ن‬ ‫رد‪ ،‬ه‬ ‫أما الرد اإلجمالي‪:‬فإنو ه‬
‫الصفات‪ ،‬قد أخرب ا﵁ جل كعبل ُب كتابو ُب آيات كثَتةو ن‬
‫جدا‪ ،‬بثبوت صفات تبارؾ كتعاىل فقد أخرب‬
‫استَ َوى ﴾‪ ،‬كأخرب بثبوت صفة ا﵀بة لو‪،‬‬ ‫ش ْ‬‫تعاىل أنو استول على العرش‪ ،‬فقاؿ‪﴿ :‬ال ار ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫ب اللاوُ َعلَْي ِه ْم﴾‪ ،‬كأثبت لنفسو صفة الوجو‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫﴿وغَض َ‬ ‫فقاؿ‪﴿ :‬يُحبُّ ُه ْم َويُحبُّونَوُ﴾‪ ،‬كأثبت لو الغضب َ‬
‫ك﴾‪ ،‬كأثبت لنفسو صفة اليد فقاؿ‪﴿ :‬بل ي َداهُ م ْبسوطَتَ ِ‬
‫ان﴾‪ُ ،‬ب أدلة كثَتة ال‬ ‫﴿ويَ ْب َقى َو ْجوُ َربٍّ َ‬
‫َْ َ َ ُ‬ ‫فقاؿ‪َ :‬‬
‫يبكن أف ينازع إنسا هف ُب ثبوت ىذه الصفات ﵁ تبارؾ كتعاىل كأنتم تزعموف أف ىذه النصوص ليست على‬
‫تأكيل على خبلؼ‬‫نص من ىذه النصوص فيما زبالفوف ُب إثباتو ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬لو ه‬ ‫ظاىرىا‪ ،‬إمبا لكل و‬
‫ىذا الظاىر‪.‬‬

‫والسؤال‪:‬أكاف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يعلم أف اغبق ُب ىذه النصوص ما ذىبتم إليو أـ ال؟ ال‬
‫ىبلو اعبواب من أحد أمرين‪ ،‬إما أف تقولوا نعم‪ ،‬أك تقولوا ال‪ ،‬أكاف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يعلم أف‬
‫معٌت استول ُب كل ما كردنا ُب القرآف ىي دبعٌت استوىل أـ ال؟ إف قلتم مل يكن يعلم‪ ،‬فقد قلتم قوالن‬
‫عظيما‪ ،‬كذبتم قولو صلى ا﵁ عليو كسلم الثابت من حديث عائشة رضي ا﵁ عنها عند البخارم كغَته‬
‫ن‬
‫«إن أعلمكم‪ ،‬وأتقاكم هلل أنا» كأنتم تزعموف أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم مل يكن األعلم با﵁‪ ،‬بل أنتم‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪149‬‬ ‫هللا‬
‫األعلم با﵁‪ ،‬فليس ؽبم مناص من أف يقولوا‪ :‬إنو كاف يعلم أف اغبق ُب ىذه النصوص ىو ُب التأكيل الذم‬
‫ذكرناه‪.‬‬

‫وان‪:‬نقوؿ ؽبم‪ :‬أكاف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ذا فصاحة كبياف؟ عنده قدرةه‬ ‫فننتقل بعده إلى سؤال ٍ‬
‫على أف يوضح اغبق‪ ،‬كما فعلتم أنتم أـ ال؟ إف قلتم ال‪ ،‬فقد قدحتم ُب ا﵁ جل كعبل كقدحتم ُب نبيو‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم قدحتم ُب ا﵁ حيث قدحتم ُب حكمتو‪ ،‬حيث أرسل رسوال ال يستطيع أف يبُت‪ ،‬كال‬
‫يقدر على أف يفصح‪ ،‬كحاشا حكمة ا﵁ عز كجل من ذلك‪ ،‬كقدحتم ُب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم حيث‬
‫كصفتموه بالعي‪ ،‬كعدـ القدرة على البياف كالفصاحة‪ ،‬كحاشا رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم من ذلك‪،‬‬
‫قادرا على أف يفصح‪،‬‬
‫بل ىو أفصح اػبلق عليو الصبلة كالسبلـ إ نذا ال مناص لكم من أف تقولوا إنو كاف ن‬
‫استَ َوى ﴾‪ ،‬معناه‬
‫ش ْ‬‫كأف يبُت‪ ،‬كأف ىبرب‪ ،‬كأف ينطق‪ ،‬كأف يقوؿ لنا إف قولو تعاىل ﴿ال ار ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫استوىل‪.‬‬

‫وىا ىنا يرد عليكم السؤال الثالث‪:‬ىل كاف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم حر ن‬
‫يصا على أمتو‪ ،‬شفي نقا‪،‬‬
‫يدا لضد‬ ‫يريد ؽبا اػبَت‪ ،‬أـ ال؟ إف قلتم ال‪ ،‬ما كاف يريد ؽبا اػبَت‪ ،‬كال كاف يريد ؽبا اؽبداية‪ ،‬بل كاف مر ن‬
‫ول ِم ْن أَنْ ُف ِس ُك ْم َع ِز ٌيز َعلَْي ِو‬
‫اء ُك ْم َر ُس ٌ‬
‫﴿ج َ‬
‫عظيما‪ ،‬بل كذبتم حينها قوؿ ا﵁ جل كعبل َ‬ ‫ذلك‪ ،‬قلتم قوالن ن‬
‫ما عنِتُّم ح ِريص علَي ُكم بِالْم ْؤِمنِين رء ٌ ِ‬
‫يصا على‬ ‫يم﴾ ‪ ،‬فبل ؾباؿ لكم إال أف تذعنوا أنو كاف حر ن‬ ‫وف َرح ٌ‬ ‫َ َ ْ َ ٌ َ ْ ْ ُ َ َُ‬
‫ىذه األمة‪ ،‬يريد ؽبا اػبَت كاؽبداية‪.‬‬

‫كىا ىنا بعد اكتماؿ األسئلة الثبلثة‪ ،‬بعد اكتماؿ األسئلة الثبلث‪ ،‬يقاؿ ؽبم مع كماؿ العلم با﵁‪،‬‬
‫ككماؿ الفصاحة كالبياف كالببلغة‪ ،‬ككما النصح كالشفقة هبذه األمة‪ ،‬ما الذم منع النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫امتناعا بيننا‪ ،‬أف‬
‫كسلم أنا يقوؿ ُب صفات ا﵁ جل كعبل كما قلتم‪ ،‬ال يبكن ُب ىذه اغباؿ البتة‪ ،‬يبتنع ن‬
‫احدا منها‬
‫يسكت النيب صلى ا﵁ عليو كسلم عن البياف‪ ،‬إال لفقد ىذه األمور الثبلثة‪ ،‬أك اثنُت منها‪ ،‬أك ك ن‬
‫أيضا أف تكونوا أنتم قد حزًب الكماؿ ُب العلم با﵁‪ ،‬كالنصح‬ ‫و‬
‫على األقل‪ ،‬يستحيل‪ ,‬كالزـ ذلك عندئذ ن‬
‫كالشفقة‪ ،‬كالفصاحة كالبياف‪ ،‬كال شك أف ىذا ال يقولو مسلم‪ ،‬كىذه اؼبناقشة مناقشة ملزمة مفحمة‪ ،‬ال‬
‫يستطيع و‬
‫مؤكؿ أف يقوـ ؽبا‪.‬‬

‫كقد ػبصها ابن القيم رضبو ا﵁ ُب النونية ُب أبيات حسنة حيث قاؿ‪:‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪150‬‬ ‫هللا‬
‫فسل اؼبعطل عن ثبلث مس ػ ػ ػ ػ ػػائل تقضي على التعطيل بالبطبلف‬

‫ماذا تقوؿ أكػ ػ ػ ػػاف يع ػ ػػرؼ رب ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػههذا الرس ػ ػ ػ ػ ػػوؿ حقيقة العرف ػ ػ ػ ػ ػػاف‬

‫أـ ال كىل كانت نصيحتو لنػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػا كل النصيح ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػة ل ػػيس باػب ػ ػ ػواف‬

‫أـ ال كىل حاز الببلغة كلهػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػا فاللف ػ ػ ػػظ كاؼبع ػ ػ ػ ػ ػػٌت ل ػ ػ ػػو طوعػ ػ ػػاف‬

‫فإذا انتهت ىذم الثبلثة فيو كػ ػ ػػا م ػػلة مربأة م ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػن النقصػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاف‬

‫فؤلم شيء عػ ػػاش فينػ ػ ػ ػ ػ ػػا كاسب ػ ػ ػ ػ ػ ػػا للنف ػػي كالتعػػطيػ ػ ػ ػػل ُب األزمػ ػ ػ ػ ػػاف‬

‫بل مفصحا بالضد منو حقيقة اإل فصاح موضح ػػة بكل بي ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاف‬

‫كألم شيء مل يص ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ٌػرح بال ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػذم صرحتػػم ُب ربنػ ػػا الرضب ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػن‬

‫ألعػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػجزه عن ذاؾ أـ تقص ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػَته ُب النصح أـ ػبفاء ىذا الشاف‬

‫حاشاه بل ذا كصفكم يا أمػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػةالتعطيل ال اؼببعوث بالق ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػرآف‬

‫ننتقل بعد ذلك‪ ،‬إىل اؼبناقشة التفصيلية ؼبسلك التأكيل‪ ،‬مناقشة مسلك التأويل التفصيلية تتفرع‬
‫إلى أربع مناقشات‪:‬‬

‫‪ )1‬مناقشة ُب اؼبنهج الذم سلكو اؼبؤكلة‪.‬‬


‫‪ )2‬كمناقشة للتأكيل من حيث ىو‪.‬‬
‫‪ )3‬كمناقشة للتأكيل من حيث شبراتو‪.‬‬
‫‪ )4‬كمناقشة للتأكيل من حيث لوازمو‪.‬‬

‫أوالً‪:‬مناقشة منهج التأكيل من حيث اؼبنهج الذم سار عليو اؼبؤكلة‪ ،‬اؼبنهج الذم سار عليو اؼبؤكلة‪،‬‬
‫ىو أكالن أهنم زعموا أف نصوص الصفات ىي من قبيل الظاىر ال النص‪.‬‬

‫نصا‪،‬‬
‫نعلم ُب أصوؿ الفقو أف ما يقبل التأكيل إمبا ىو النص‪ ،‬إمبا ىو الظاىر للنص‪ ،‬إذا كاف الكبلـ ن‬
‫ال وبتمل غَت معناه‪ ،‬فإنو ال يتسلط عليو التأكيل‪ ،‬فجعلوا كل نصوص الصفات اليت ال يريدكف إثباهتا ﵁‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪151‬‬ ‫هللا‬
‫من قبيل الظاىر للنص‪ ،‬كالواقع أف جل نصوص الصفات إمبا ىي نصوص ُب معناىا‪ ،‬إما بألفاظها‪ ،‬أك‬
‫بألفاظها مع القرائن ا﵀يطة هبا‪ ،‬ىذا أكالن‪.‬‬

‫وانيًا‪:‬قالوا‪ :‬إف نصوص الصفات من قبيل اؼبتشابو‪ ،‬ؼبا؟ قالوا‪ :‬ألهنا تقتضي التشبيو‪ ،‬كىذا أس الببلء‬
‫مبٍت على سوء ظنهم با﵁ تبارؾ كتعاىل ‪-‬كما سيأٌب الكبلـ عن ىذا قريبنا إف شاء ا﵁‪ -‬كال‬
‫عندىم‪ ،‬كىو ه‬
‫شك أف ىذا أبطل الباطل‪ ،‬كدعول ؾبردة عن الدليل‪ ،‬بل مصادمة لنصوص الكتاب كالسنة من و‬
‫أكجو‬
‫كىدل‬
‫نورا مبيننا‪ ،‬كبشرل للمسلمُت‪ ،‬ن‬‫كثَتة‪ ،‬ال يبكن أف ينزؿ ا﵁ عز كجل كتابنا يريد بو أف يكوف ن‬
‫تفسَتا‪ ،‬كمع ذلك فعامتو ُب أفضل اؼبطالب فيو متشابو‪ ،‬ال يعرؼ‬
‫للمتقُت‪ ،‬كيصفو بأنو اغبق‪ ،‬كأنو أحسن ن‬
‫ضبلؿ ككفر‪ -‬ىذا ال يقولو من عظم ا﵁ عز كجل حق تعظيمو‪،‬‬ ‫فيو اغبق‪ ،‬بل ظاىره التشبيو ‪-‬كالتشبيو ه‬
‫ىذا ال يقولو من قدر ا﵁ عز كجل حق قدره‪ ،‬إمبا التشبيو إف كاف ىناؾ توىم لو‪ ،‬فهو راجع إىل و‬
‫فساد ُب‬
‫اجعا إىل كتاب ا﵁ جل كعبل كيف يكوف‬ ‫قلوب الناظر‪ُ ،‬ب قلوب الناظرين‪ ،‬كُب قلوب اؼبتأكلُت‪ ،‬كليس ر ن‬
‫ىذا التشبيو‪ ،‬كا﵁ جل كعبل إمبا أضاؼ ىذه الصفات إىل ذاتو‪ ،‬أين يىرد ىذا االحتماؿ كلو على بعد‪ ،‬كا﵁‬
‫جل كعبل يصف االستواء بأنو صفةه لو‪ ،‬كأنو متصف ىو سبحانو كتعاىل باليد كبالوجو‪ ،‬كيصف نفسو بأنو‬
‫وبب‪ ،‬كيغضب‪ ،‬كيبغض إىل غَت ذلك فبا جاء ُب النصوص‪ ،‬السيما كأف ىذه النصوص إذا قرأهتا‪،‬‬
‫كعلمت مقدار ما فيها من اعببلؿ كالعظمة‪ ،‬كأهنا مضافة إىل ا﵁ العظيم سبحانو كتعاىل‪ ،‬ال يبكن أف‬
‫ينتاب القلوب اليت آمنت با﵁ ح نقا‪ ،‬كعظمتو كما ينبغي‪ ،‬ال يبكن أف يناؿ ىذه القلوب شيءه من توىم‬
‫بيد تطوم‬‫التشبيو‪ ،‬أين كجدًب ما يقتضي التشبيو ُب إثبات صفة اليد؟ كا﵁ جل كعبل كصف نفسو و‬
‫لوجو حجابو النور‪ ،‬لو كشفو ألحرقت سبحات‬ ‫السماء‪ ،‬كتقبض األرض‪ ،‬أين كجدًب احتماؿ التشبيو و‬
‫كجهو ما انتهى إليو بصره من خلقو‪ ،‬أين كجدًب ىذا ُب ىذه الصفات اعبليلة العظيمة‪.‬‬

‫وم قالوا والثًا‪:‬اؼبسلك الذم سلكوه بعد ذلك‪ ،‬أهنم عينوا اؼبراد‪ ،‬قالوا ا﵁ جل جبللو أراد من قولو‪:‬‬
‫ك ﴾‪ :‬ذاتو‪ ،‬كأراد من ﴿يُ ِحبُّ ُه ْم﴾‪ :‬يثيبهم‪ ،‬عينوا‬
‫﴿استَ َوى﴾‪ :‬استوىل‪ ،‬كأراد من قولو‪َ ﴿ :‬ويَ ْب َقى َو ْجوُ َربٍّ َ‬
‫ْ‬
‫الشيء الذم أراده ا﵁ تبارؾ كتعاىل من ىذه النصوص‪ ،‬كلو سألت أم متأكؿ‪ ،‬أعندؾ دليل؟ أعندؾ برىاف‬
‫من كبلـ ا﵁ كرسولو صلى ا﵁ عليو كسلم أف ا﵁ أراد هبذه الكلمة ىذا اؼبعٌت؟ الجواب‪ :‬ال يبكن‪ ،‬ليس‬
‫دليل من الكتاب كالسنة فيو أف ا﵁ أراد من ىذه الكلمة ىذا اؼبعٌت‪ ،‬كبالتايل يكوف كبلمهم ُب ىذه‬ ‫ىناؾ ه‬
‫النصوص قوالن على ا﵁ بغَت علم‪ ،‬كىذا من أعظم اؼبنكرات ﴿أَتَ ُقولُو َن َعلَى اللا ِو َما َال تَ ْعلَ ُمو َن﴾‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪152‬‬ ‫هللا‬
‫مسلك غَت‬
‫ه‬ ‫مسلك ضعيف‪،‬‬
‫ه‬ ‫مسلك ىش‪،‬‬
‫ه‬ ‫إذنا ىذا ىو اؼبسلك الذم سلكو ىا ىنا‪ ،‬كاتضح لنا أنو‬
‫مسلك غَت مستقيم؟‬
‫ه‬ ‫مستقيم‪ ،‬اتضح لنا أنو‬

‫ٍب يقاؿ ؽبم ثانينا‪ :‬حقيقة حاؿ ىؤالء اؼبتأكلة‪ ،‬ىي أهنم شبهوا فعطلوا فشبهوا‪ ،‬ىناؾ أساس كىناؾ‬
‫كسيلة‪ ،‬كىناؾ نتيجة‪ ،‬ىذا ىو مسلك التأويل باختصار‪.‬‬

‫أساسو ىو التشبيو‪ ،‬ما الذم دفع ىؤالء إىل أف يؤكلوا الصفات‪ ،‬كقع ُب قلوهبم تشبيو ا﵁ عز كجل‬
‫باؼبخلوقات‪ ،‬كىو مل يكن ذلك كذلك ما أكلوا‪ ،‬أليس كذلك؟ بدليل أف كل طائفة من ىؤالء ال بد كأف‬
‫تثبت شيئنا من صفات ا﵁ جل كعبل كبالتايل ذبدكا أف ىذه الصفات‪ ،‬ما أكلوىا‪ ،‬ؼبا؟ ألهنم ما اعتقدكا‬
‫فيها التشبيو‪ ،‬إ نذا أساس الببلء عندىم أهنم مشبهة‪.‬‬

‫ثانينا‪ :‬ىناؾ كسيلة‪ ،‬ىذه الوسيلة اليت أرادكا أف يدفعوا هبا ىذا الشيء الذم كقع ُب قلوهبم‪ ،‬ىو التأكيل‬
‫الذم ُب حقيقتو كاف تعطيبلن‪ ،‬ألننا قد علمنا أف العبلقة بُت التعطيل كالتأكيل‪ ،‬عبلقة عبلقة سبب‬
‫دبسبب‪ ،‬عبلقة كسيلة بنتيجة‪ٍ ،‬ب كانت النتيجة أف كقعوا ُب التشبيو‪ ،‬كل تأكيبلت القوـ ترجع إىل تشبيو‬
‫ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬إما باعبامدات‪ ،‬أك بالناقصات‪ ،‬أك باؼبعدكمات‪ ،‬أك باؼبتناقضات‪ ،‬اعترب ىذا ُب كل ما‬
‫مستقيما‪.‬‬
‫ن‬ ‫جاء عن ىؤالء اؼبتأكلة‪ ،‬ذبده‬

‫كبالتايل كاف حقيقة حاؿ ىؤالء‪ ،‬أهنم عطلوا تعطيبلن ؿبفوفنا بالتشبيو مرتُت‪ ،‬إذا كاف اؼبشبهة‬
‫مذمومُت مرة‪ ،‬فهؤالء مذموموف مرتُت؛ ألهنم شبهوا مرتُت ‪ُ-‬ب الصفة اليت مرت معنا ُب الدرس اؼباضي‪-‬‬
‫صفة ا﵀بة‪ ،‬قلنا أف القوـ أكلوىا إىل عدة تأكيبلت‪ ،‬تذكركف ىذا‪ .‬ؼبا؟ فر نارا من تشبيو ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫باإلنساف الذم وبب‪ ،‬أليس كذلك؟ فنقوؿ ؽبم‪ :‬ما صنعتم شيئنا‪ ،‬فررًب من تشبيو ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫باإلنساف الذم وببو‪ ،‬فشبهتموه باعبماد الذم ال وبب‪ ،‬كإذا كاف كال بد من التشبيو‪ ،‬فبل شك أف التشبيو‬
‫بإنساف‪ ،‬أحسن حاالن من التشبيو باغبجارة‪ ،‬كالصخور كاعبباؿ ككبوىا‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫ككل و‬
‫عاقل يدرؾ انو لو كاف شبة ذاتاف‪ ،‬إحدانبا يربب اغبسن‪ ،‬كتكره القبيح‪ ،‬كاألخرل ال يربب كال‬
‫تكره‪ ،‬فبل شك أف الذات األكىل أفضل من الثانية‪ ،‬ىذا يدركو كل عاقل‪.‬‬

‫إ نذا حقيقة حاؿ ىؤالء اؼبؤكلة‪ ،‬أهنم فركا من التشبيو الواحد‪ ،‬فوقعوا ُب التشبيو مرتُت‪ ،‬ىذا الرد على‬
‫اؼبنهج الذم سار عليو اؼبؤكلة‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪153‬‬ ‫هللا‬
‫ننتقل بعد ذلك إلى مناقشة التأويل من حيث ذاتو‪:‬‬

‫يقال لهؤالء أوالً‪:‬إنو ليس شبة ه‬


‫فارؽ عند القوـ‪ ،‬بُت ما يصح تأكيلو‪ ،‬كما ال يصح‪ ،‬فهذا االضطراب‬
‫صحيح ؼبا يصح تأكيلو من‬
‫ه‬ ‫ط‪،‬‬
‫دليل على أف منهجهم‪ ،‬منهج غَت صحيح‪ ،‬أقوؿ ليس عند القوـ ضاب ه‬
‫ه‬
‫الصفات‪ ،‬كما ال يصح‪.‬‬

‫دبعٌت‪ ،‬نقوؿ ؽبم‪ :‬ما الذم جعلكم تؤكلوف ىذه الطائفة من الصفات‪ ،‬كتثبتوف تلك الطائفة‪ ،‬دعونا‬
‫نناقش ىؤالء الذين ىم أقرب إلينا من غَتىم‪ ،‬من ىؤالء اؼبؤكلة‪ ،‬الذين يزعموف أهنم من أىل السنة‪ ،‬بل‬
‫بعضا من الصفات‪ ،‬كفيما أثبتوا كبلـ‪ ،‬لكن دعونا نسلم أهنم مثبتوف‬
‫أهنم أىل السنة‪ ،‬ذبدىم قد أثبتوا ن‬
‫للصفات‪ ،‬أثبتوا ما زعموا أنو صفات اؼبعاين‪ ،‬كىو سبع صفات‪" :‬لو اغبياة‪ ،‬كالكبلـ‪ ،‬كالبصر‪ ،‬ظبع إرادة‬
‫كعلم كاقتدر" أثبتوا سبع صفات‪ٍ ،‬ب ذبدىم بعد ذلك ُب الصفات الفعلية‪ ،‬كُب كث وَت من الصفات الذاتية‬
‫اػبربية‪ ،‬مؤكلُت‪ ،‬أثبتوا السمع كالبصر‪ ،‬كأكلوا صفة االستواء كالنزكؿ‪ ،‬كاجمليء‪ ،‬كاإلتياف‪ ،‬كا﵀بة‪ ،‬كالغضب‪،‬‬
‫كاليد‪ ،‬كالساؽ إىل غَت ذلك‪.‬‬

‫والسؤال اآلن‪ :‬ما الذم جعلكم تثبتوف ىذه‪ ،‬كتنفوف ىذه؟! قالوا‪ :‬دليلنا على ذلك العقل‪ ،‬العقل‬
‫ىو الذم أرشدنا إىل ما يثبت‪ ،‬كما ال يثبت ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬فالذم أرشدنا إىل إثباتو العقل‪ ،‬أثبتناه‪،‬‬
‫كالذم مل يرشدنا إليو أكلناه‪ ،‬فنفيناه‪ ،‬كؽبم ُب تكرار منهجهم العقلي ُب إثبات صفات اؼبعاين‪ ،‬ؽبم حجة‬
‫ترتيبها كاآلٌب‪:‬‬

‫قالوا‪ :‬إف حصوؿ الفعل من ا﵁ تبارؾ كتعاىل من ا﵁ تبارؾ كتعاىل دليل القدرة‪ ،‬فالذم يفعل ىو‬
‫القادر غَت القادر ال يفعل‪ ،‬إ نذا الفعل دليل القدرة‪ ،‬كاإلتقاف دليل العلم‪ ،‬ىذا اػبلق ُب غاية من اإلتقاف‬
‫عليما‪ ،‬إذنا العقل‬
‫كاإلحساف‪ ،‬أليس كذلك؟ صنع ا﵁ الذم أتقن كل شيء‪ ،‬إذنا ال بد أف يكوف الفاعل ن‬
‫أرشد إىل إثبات صفة العلم‪ ،‬عندنا كم؟ صفتاف‪ ،‬قالوا كالتخصيص دليل اإلرادة‪ ،‬قالوا جل كعبل خص‬
‫ىذا بلوف‪ ،‬كىذا بلوف‪ ،‬كىذا بشكل‪ ،‬كىذا بشكل‪ ،‬كىذا حباؿ‪ ،‬كىذا حباؿ‪ ،‬ىناؾ زبصيص ُب اؼبخلوقات‬
‫دليل على إثبات صفة اإلرادة‪ ،‬ىذه ثبلثة‪.‬‬
‫أليس كذلك؟ قالوا‪ :‬ىذا ال يصدر إال عن إراد‪ ،‬إ نذا ه‬
‫قالوا‪ :‬كالقدرة كالعلم كاإلرادة‪ ،‬ال تكوف إىل ُب حي‪ ،‬إذنا العقل أرشدنا إىل ثبوت صفة اغبياة‪ ،‬كاغبي ال‬
‫متكلما‪ ،‬فكانت النتيجة أف العقل قد أرشدنا إىل إثبات ىذه الصفات السبع‪.‬‬
‫بصَتا‪ ،‬ن‬ ‫ظبيعا‪ ،‬ن‬‫بد أف يكوف ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪154‬‬ ‫هللا‬
‫والجواب عن ىذا من وجهين‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أف يقاؿ إف دليل العقل قد دؿ على إثبات غَت ىذه الصفات‪ ،‬فبا نفيتم‪ ،‬إذا كاف اإلتقاف دليل‬
‫أيضا دليل اغبكمة‪ ،‬كأنتم تنفوف اغبكمة‪ ،‬كالتخصيص بالفضل كالنعمة‪ ،‬دليل الرضبة‪ ،‬كأنتم‬ ‫العلم‪ ،‬فإنو ن‬
‫جرا ُب بقية‬
‫دليل على الغضب‪ ،‬كأنتم تنفوف صفة الغضب‪ ،‬كىلم ن‬ ‫تؤكلوف صفة الرضبة‪ ،‬كإيقاع العقوبة‪ ،‬ه‬
‫الصفات اليت تنفوهنا عن ا﵁ تبارؾ كتعاىل أك ُب كث وَت منها‪ ،‬فإف العقل يرشد ن‬
‫أيضا إىل إثباهتا‪.‬‬

‫ويقال وانيًا‪ :‬سلمنا جدالن أف العقل مل يرشد إىل تلك الصفات‪ ،‬فإنو مل ينفها‪ ،‬كعدـ العلم ليس ن‬
‫علما‬
‫بالعدـ‪ ،‬كعدـ الدليل ليس دليبلن على العدـ‪ ،‬ىبوا أف العقل ما أرشد إليها‪ ،‬فإف النقل قد دؿ عليها‪ ،‬كالثقة‬
‫بالنقل أعظم من الثقة بالعقل؛ ألف النقل معصوـ‪ ،‬كالعقل غَت معصوـ؛ ألف النقل متبوعه‪ ،‬كالعقل تابع‪،‬‬
‫فما الذم منعكم من إثبات ىذه الصفات‪ ،‬ليس شبة صفة كاحدة‪ ،‬هبزـ العقل بامتناع اتصاؼ ا﵁ عز‬
‫كجل هبا‪ ،‬فدؿ ىذا على أنو ليس عند القوـ ضابط‪ ،‬يصح بو أف يفرؽ بُت ما يثبت‪ ،‬كبُت ما يينفى‪.‬‬

‫صحيح آخر‪.‬‬
‫ه‬ ‫فارؽ‬
‫صحيحا‪ ،‬فعندنا ه‬
‫ن‬ ‫قال المؤول‪ :‬مهبل علينا إف كاف ىذا ليس فارقنا‬

‫قلنا‪ :‬ىاتوا‪.،‬قالوا‪ :‬الفارؽ ىو توىم التشبيو‪ ،‬الصفة اليت تقتضي التشبيو كتوىم التشبيو‪ ،‬ىي اليت‬
‫ننفيها‪ ،‬ننفيها عن طريق التأكيل‪ ،‬كاليت ال تقتضي التشبيو‪ ،‬فإننا ننفيها‪ ،‬فاليت ال تقتضي التشبيو‪ ،‬فإننا‬
‫نثبتها ﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬
‫ٍ‬
‫وحينئذ نقول لهم‪ :‬كىذا ن‬
‫أيضا ليس ضابطنا منضبطنا‪ ،‬إذا كنتم تثبتوف ﵁ جل كعبل السمع كالبصر‪،‬‬
‫فإف اعبهمية يقولوف‪ :‬إف ىاتُت الصفتُت تقتضي التشبيو‪ ،‬فيلزـ و‬
‫حينئذ نفيها عن ا﵁ عز كجل‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬ال‪ ،‬اعبهمية أخطئوا‪ ،‬ألهنم حينما قالوا‪ :‬إف السمع كالبصر يقتضي التشبيو‪ ،‬تونبوا أف الثابت‬
‫كبصرا يليقاف بو‪.‬‬
‫ظبعا ن‬
‫﵁ ما يباثل فيو اؼبخلوؽ‪ ،‬لكننا نثبت ﵁ ن‬
‫وىنا نقول‪ :‬يا ﵁ العجب سبحاف ا﵁ العظيم‪ ،‬كمن قاؿ لكم إف أىل السنة كاغبديث‪ ،‬إذا أثبتوا‬
‫الصفات ﵁‪ ،‬أثبتوا على ما يقتضي اؼبشاهبة‪ ،‬حاشا ككبل‪ ،‬إف الصفات اليت تثبت ﵁ جل كعبل كىذا ما‬
‫صفات ثابتةه ﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫ه‬ ‫مضى عليو الرسل كأتباعهم‪ ،‬كأصبع عليو السلف الصاحل قاطبة‪ ،‬إف ما ىي‬
‫س ِميع الْب ِ‬
‫ص ُير﴾‪.‬‬ ‫على ما يليق بو‪ ،‬على حد قولو تعاىل‪﴿ :‬لَي ِ ِ ِ‬
‫س َكمثْلو َش ْيءٌ َو ُى َو ال ا ُ َ‬
‫ْ َ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪155‬‬ ‫هللا‬
‫قالوا‪ :‬دعونا من الفارقُت الضابطُت السابقُت‪ ،‬كخذكا الضابط الثالث‪ ،‬لعلو يستقيم‪ ،‬قالوا‪ :‬الضابط‬
‫ىو اإلصباع‪ ،‬ما أصبعنا على ثبوتو ﵁ أثبتناه‪ ،‬كما مل قبمع على إثباتو ﵁ عز كجل نفيناه‪.‬‬

‫قلنا‪ :‬كىذا أضعف من سابقيو‪ ،‬فإننا نقوؿ ؽبم‪ :‬ؼباذا أثبتٌم صفيت السمع كالبصر ﵁ تعاىل‪ ،‬كنفيتم ُب‬
‫مقابل ذلك االستواء كالنزكؿ؟ قالوا‪ :‬غبصوؿ اإلصباع على ثبوت السمع كالبصر ﵁‪ ،‬بعكس النزكؿ‬
‫كاالستواء‪.‬قلنا لهم‪ :‬كلكن اعبهمية كاؼبعتزلة‪ ،‬أك كثَت من اؼبعتزلة‪ ،‬ىبالفونكم‪ ،‬ال يثبتوف ﵁ السمع كالبصر‪،‬‬
‫إ نذا من عقد اإلصباع؟قالوا‪ :‬ال اإلصباع منعق هد قبل بزكغ اعبهمية كاؼبعتزلة‪.‬قلنا‪ :‬صدقتم‪ ،‬كاإلصباع منعق هد‬
‫قبل بزكغكم‪ ،‬كبزكغهم‪ ،‬على إثبات صبيع الصفات ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬إذنا خذكا ىذا الضابط الرابع كليس عندنا بعده شيء‪ ,‬قالوا‪ :‬الصفة اليت جاء فيها أدلة كثَتة‬
‫نثبتها‪ ،‬كالسمع كالبصر كاغبياة كالعلم‪ ،‬إىل غَت ذلك فبا اثبتوا‪ ،‬أما الذم مل يأت من الصفات فيو ىذا‬
‫بدليل ك و‬
‫احد عند‬ ‫فارؽ عليل‪ ،‬اغبجة تثبت‪ ،‬و‬‫القدر من كثرة ُب األدلة ال نثبتو‪ ،‬كغٍت عن البياف أف ىذا ه‬
‫حديث كاحد‪ ،‬و‬
‫كاؼ ُب إثبات اػبرب‪ ،‬أك إثبات األمر‬ ‫ه‬ ‫اؼبسلمُت كافة‪ ،‬أليس كذلك؟ آيةه كاحدة‪ ،‬أك‬
‫كالنهي‪ ،‬وم أننا نقول لهم‪ :‬سلمنا جدالن بصحة ىذا اؼبسلك‪ ،‬أك ىذه اغبجة‪ ،‬أك ىذا الضابط‪ ،‬فإنكم مل‬
‫تلتزمو هبذا‪ ،‬فإنكم إف أثبتٌم ﵁ السمع كالبصر لكثرة األدلة‪ ،‬فما بالكم نفيتم صفة العلو‪ ،‬كفيها من األدلة‬
‫ما ىو أضعاؼ أضعاؼ ما جاء ُب صفة السمع كالبصر‪.‬‬

‫ألف ػ ػ ػا تدؿ عليو بل ألف ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػاف‬


‫ػػػػ‬ ‫لقػ ػ ػ ػ ػكلن ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػا‬
‫يا قومن ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػا كا﵁ إف ػ‬

‫عقبل كنقبل مع صريح الفطػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػرة األ كىل كذكؽ حبلكة الق ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػرآف‬

‫مبػاين األكواف‬
‫مػ ػ ػدؿ بأن ػ ػ ػ ػ ػػو سبحػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػانػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػ ػػو فوؽ السمػ ػ ػ ػ ػ ػاء ػ ػ ػ ػ ػ‬
‫كل ػ ػ ػ‬
‫و‬
‫منضبط يفرؽ بُت ما يصح إثباتو‪ ،‬كما ال يصح إثباتو‪ ،‬ىذا ىو‬ ‫إ نذا مل يكن القوـ أصحاب و‬
‫ضابط‬
‫الرد األول الرد األكؿ على التأكيل من حيث ذاتو‪.‬‬

‫الرد الثاني‪:‬يلزـ اؼبؤكلة ُب ما أكلوا إليو من اؼبعاين نظَت ما فركا منو ُب الصفات اليت أكلوىا‪ ،‬دبعٌت‪ ،‬كل‬
‫معننا يعينونو كيذكركف أف الصفة مؤكلة إليو‪ ،‬ىم ملزموف فيو بنظَت ما قالوا ُب الصفة األصلية‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪156‬‬ ‫هللا‬
‫مؤكؿ إىل االستيبلء‪ ،‬كإذا سألناىم ؼبا؟ قالوا‪ :‬ألف االستواء‬
‫خذ مثبلن‪ :‬ذبد القوـ يقولوف إف االستواء ه‬
‫كاىم التشبيو‪ ،‬فبل نعقل من يستوم إىل كىو ـبلوؽ‪ ،‬ىكذا قالوا‪.‬‬

‫قلنا يا قوـ‪ :‬ما صنعتم شيئنا‪ ،‬فإنو يلزمكم ُب االستيبلء مثل الذم قلتم ُب االستواء‪ ،‬إذا كاف االستواء‬
‫يقتضي التشبيو‪ ،‬فاالستيبلء يقتضي التشبيو‪ ،‬كإذا قلتم ال نعقل من يستوم إال كىو ـبلوؽ‪ ،‬قلنا‪ :‬كال نعقل‬
‫من يستويل إال كىو ـبلوؽ‪ ،‬فإف قلتم ال استيبلء ا﵁ يليق بو‪ ،‬ال كاؼبخلوقُت‪ ،‬فإننا نقوؿ ككذا استواءه يليق‬
‫بو‪ ،‬ال كاؼبخلوقُت‪ ،‬كل جو و‬
‫اب تقولونو فإننا نرجعو عليكم‪.‬‬

‫إف قالوا ال نثبت ﵁ صفة الوجو‪ ،‬بل نؤكؽبا بالذات‪ ،‬ؼبا؟ قالوا‪ :‬ألف الوجو ال يتصف بو إال ـبلوؽ‪ ،‬ال‬
‫ذات إال كىو ـبلوؽ‪ ،‬لباطبهم‬‫نعقل من لو كجوه إال كىو ـبلوؽ‪ ،‬ىكذا قالوا‪ ،‬قلنا ككبن ال نعقل من لو ه‬
‫هبذا األسلوب اعبديل‪ ،‬قالوا‪ :‬ال‪ ،‬ذات ا﵁ تليق بو‪ ،‬ال كاؼبخلوقُت‪ ،‬قلنا‪ :‬ككجو ا﵁ يليق بو ال كاؼبخلوقُت‪،‬‬
‫قالوا‪ :‬ؿببة نؤكؽبا إىل إرادة اإلنعاـ؛ ألف ا﵀بة ال يتصف هبا إال ـبلوؽ‪ ،‬فا﵀بة ميل القلب‪ ،‬قلنا‪ :‬كاإلرادة‬
‫أيضا‪ ،‬فإف قلتم‪ :‬ال أنتم عرفتم إرادة‬
‫يلزمها مثل الذم قلتم‪ ،‬فبل يتصف هبا إال ـبلوؽ؛ ألهنا ميل القلب ن‬
‫اؼبخلوؽ‪ ،‬قلنا‪ :‬كأنتم عرفتم ؿببة اؼبخلوؽ‪.‬‬
‫إذنا كل و‬
‫صفة أكؿ إليها القوـ‪ ،‬كل معٌت أكؿ إليو القوـ‪ ،‬ىم ملزموف بنظَته فيما فركا من‪ ،‬من إثباتو‪،‬‬
‫اب ثاين‪.‬‬
‫ىذا جو ه‬
‫جواب والث‪ :‬يلزـ على مسلك التأكيل‪ ،‬معارضة قاعدة ؾبمع عليها بُت أىل العلم‪ ،‬كىي أهنا ال‬
‫هبوز تأخَت البياف عن كقت اغباجة‪ ،‬ما باؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يتلو على أصحابو القرآف ليل هنار‪،‬‬
‫بل وبدثهم ىو عليو الصبلة كالسبلـ بأحاديث الصفات‪ ،‬أما كاف يفعل ىذا عليو الصبلة كالسبلـ؟ كمع‬
‫ذلك فإنو مل يقل ؽبم كال مرة كاحدة حذارم أف ربملوا ىذه النصوص على ظاىرىا‪ ،‬فإف ظاىرىا يقتضي‬
‫التشبيو‪ ،‬كلو اعتقدموه لكفرًب‪ ،‬أفعل ىذا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كلو مرة كاحدة؟ أما كاف النيب صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم وبدث أصحابو مرات كثَتة‪ ،‬بنصوص ال تطيقوف ظباعها‪ ،‬كا﵁ إف بعض نصوص‬
‫الصفات‪ ،‬ىؤالء اؼبتأكلة ال يطيقوا ظباعها‪.‬‬
‫و‬
‫حديث عند اعبهمية"‪ ،‬ال‬ ‫كما قاؿ عثماف بن سعيد الدارمي رضبو ا﵁ ُب حديث النزكؿ‪" :‬إنو أغلظ‬
‫يطيقوف ظباعو‪ ،‬فئلثبات العلو كالكبلـ كالنزكؿ‪ ،‬كىذه يفركف من إثباهتا أعظم فرار‪ ،‬أكد فأقوؿ‪ :‬ما باؿ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪157‬‬ ‫هللا‬
‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ما حذر من توىم اػبطأ كالتشبيو‪ ،‬مع أف القرآف مليء بإثبات الصفات اليت‬
‫تزعموف أهنا تقتضي التشبيو‪.‬‬

‫إ نذا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ما قاـ بالواجب كىو البياف مع كجود اغباجة‪ ،‬بدليل‪ ،‬يعٍت أثبت لك‬
‫أف اغباجة ُب اعتقادىم قائمة‪ ،‬أهنم ال يدعوف كل اؼبؤكلة ال يدعوف فرصة إال كنبهوا كحذركا من إثبات‬
‫ىذه الصفة أك تلك ﵁‪ ،‬أليس كذلك؟ ال ذبد اؼبتأكؿ يبر إذا كاف يفسر أيةن‪ ،‬على و‬
‫آية‪ ،‬ال يطيق إثباهتا‪،‬‬
‫إثبات الصفة ﵁ فيها‪ ،‬فإنك ذبده يقوؿ انتبو ىذه معناىا كذا‪ ،‬كال تعتقدىا على ظاىرىا‪ ،‬فهذا تشبيو ينزه‬
‫ا﵁ عنو‪ُ ،‬ب كل فرصة ذبد أنو يعلق ُب شرح اغبديث‪ُ ،‬ب تفسَت اآلية‪.‬‬

‫إ نذا اغباجة باعًتافكم قائمة‪ ،‬كمع ذلك ما نبو النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كال مرنة كاحدة‪ ،‬مع كجود‬
‫اغباجة‪ ،‬مع األمر العاـ للمؤمنُت بتبلكة القرآف‪ ،‬نصوص كثَتة فيها األمر بتبلكة القرآف‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫ك ﴾ اتل فعل أمر‪ ،‬كىذا األمر يتناكؿ كل اؼبسلمُت‪ ،‬أليس كذلك؟‬ ‫ك ِم ْن كِتَ ِ‬
‫اب َربٍّ َ‬ ‫﴿واتْل ما أ ِ‬
‫ُوح َي إِلَْي َ‬ ‫َ َُ‬
‫الصغَت‪ ،‬كالكبَت‪ ،‬الرجل‪ ،‬كاؼبرأة‪ ،‬كالعامل كاعباىل‪.‬‬

‫معرضا ؽبذه األمة ُب الوقوع ُب اػبطأ‪ ،‬تدرم ما ىو ىذا اػبطأ؟ ىذا التشبيو‪،‬‬
‫إ نذا كاف ىذا األمر ن‬
‫كتدرم ما ىو التشبيو؟ الكفر با﵁ عز كجل صح كال ال؟ فإف تشبيو ا﵁ عز كجل باؼبخلوقُت عندنا‬
‫كعندىم كفر با﵁ جبل كعبل من شبو ا﵁ خبلقو فقد كفر‪ ،‬كمع ذلك النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ما حذر‬
‫اؼبؤمنُت كال مرة كاحدة‪ ،‬فقاؿ حذا ًر أف تفهموا من قويل «ينزل ربنا إلى سماء الدنيا إذا بقي ولث الليل‬
‫اآلخر» إياؾ أف تظن أف ا﵁ الذم ينزؿ‪ ،‬بل الذم ينزؿ أمره‪ ،‬بل الذم ينزؿ ه‬
‫ملك من مبلئكتو‪ ،‬كىو‬
‫كثَتا‪ ،‬تدرم حديث النزكؿ كم ركاه‪ ،‬أكثر من عشرين من الصحابة‪ ،‬أحاديث الرؤية يركيها‬ ‫وبدث بو ن‬
‫أكثر من ثبلثُت من الصحابة‪ ،‬إىل غَت ذلك من نصوص كثَتة‪ ،‬تدؿ على أف النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫كاف يكرر على أصحابو ىذه األحاديث‪ ،‬فضبلن عما يتلوه من كتاب ا﵁‪ ،‬داخل الصبلة كخارجها‪ ،‬كمع‬
‫ذلك ما حذر الصحابة كلو مرة كاحدة‪ ،‬أف وبملوا ىذه النصوص على ظاىرىا‪ ،‬كقاؿ مثل ىذا ُب‬
‫الصحابة‪ ،‬الصحابة كانوا يرككف ىذه األحاديث‪ ،‬على التابعُت أـ ال؟ ىل قالوا ؽبم مرة انتبهوا! فما نركيو‬
‫لكم ىذا على خبلؼ ظاىره‪ ،‬كلو ضبلتموه على ظاىره‪ ،‬لضللتم كشبهتم فكفرًب‪ ،‬قالوا ىذا مرة كاحدة‬
‫على األقل؟ ٍب التابعوف مع أتباع التابعُت‪ ،‬أفعلوا ىذا؟‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪158‬‬ ‫هللا‬
‫يا ﵁ العجب أال ترل القوـ مسارعُت إىل التنبيو كالتحذير؟ كىم يزعموف أهنم يغاركف على دين ا﵁‬
‫جل كعبل أكانوا أغَت على دين ا﵁ من رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم كمن الصحابة كالتابعُت كأتباعهم‪،‬‬
‫الذين ىم خَت ىذه األمة‪ ،‬كأفضلها بشهادة رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‬

‫جواب رابع‪ :‬إف مسلك التأكيل يقتضي ن‬


‫أمرا باطل عند صبيع العقبلء‪ ،‬تدرم ما ىو؟‬ ‫ٌ‬ ‫وم يقال لهم‬
‫ىو استعارة اسم الذـ ألجل اؼبدح‪ ،‬مسلك التأكيل يقتضي صحة استعارة اسم الذـ إلرادة اؼبدح‪ ،‬القوـ إذا‬
‫نظرت إىل مسلكهم ُب نصوص الصفات‪ ،‬ذبدىم يقولوف إف نسبة االستواء إىل ا﵁ عز كجل ؾباز‪ ،‬كنسبة‬
‫الذ ٍّل﴾ نسبة‬
‫اح ُّ‬ ‫﴿وا ْخ ِف ْ‬
‫ض لَ ُه َما َجنَ َ‬ ‫اإلرادة للجدار‪ِ ﴿ ،‬ج َد ًارا يُ ِري ُد أَ ْن يَ ْن َق ا‬
‫ض ﴾ كنسبة اعبناح للذؿ‪َ ،‬‬
‫ؾبازية‪ ،‬ليست على اغبقيقة‪ ،‬ىكذا يزعموف‪ ،‬كىنا نقوؿ ؽبم تنبهوا إىل أمرين‪:‬‬

‫أكالن‪ :‬اعبدار ال يذـ بنسبة اإلرادة إليو‪ ،‬كالذؿ ال ينتقص قدره بنسبة اعبناح إليو‪ ،‬لكن نسبة تلك‬
‫الصفات اليت تزعموف أهنا مونبة للتشبيو‪ ،‬﵁ تبارؾ كتعاىل تقتضي أعظم الذـ كأعظم القبح؛ ألف حقيقتها‬
‫التشبيو كالتشبيو فبدكح كال مذموـ؟ مذموـ‪ ،‬فهذا يقتضي ‪-‬كىذا األمر الثاين‪ -‬أف ا﵁ تعاىل يلزـ من‬
‫قوؽبم‪ ،‬أف ا﵁ تعاىل مدح نفسو بذمها تعاىل ا﵁ عن ذلك انتبهوا ؽبذا األمر فإنو ُب غاية األنبية‪.‬‬

‫حقيقة مسلك اؼبؤكلة‪ ،‬أف ا﵁ تعاىل أراد أف يبدح نفسو‪ ،‬فذـ نفسو ليمدحها‪ ،‬أراد ا﵁ أف يثٍت على‬
‫نفسو‪ ،‬بأنو يريد اإلنعاـ على اؼبؤمنُت‪ ،‬فذـ نفسو بنسبة صفة تقتضي التشبيو‪ ،‬فقاؿ‪ :‬إنو وببهم‪ ،‬إذنا ذـ‬
‫نفسو ؼباذا؟ ليمدحها‪.‬‬

‫كيا ﵁ العجب أىذا يفعلو أجهل اعباىلُت؟ فضبلن عن العليم اػببَت أحكم اغباكمُت‪ ،‬سبحانو‬
‫ملك من اؼبلوؾ‪ ،‬قاـ ُب الناس‬
‫كتعاىل‪ ،‬فهمتم ىذا الوجو‪ ،‬تدرم ىذا اؼبسلك يشبو ماذا‪ ،‬يشبو ما لو قاؿ ه‬
‫يريد أف يبدح نفسو‪ ،‬يريد أف يبدح نفسو بالشجاعة‪ ،‬فقاؿ أنا جبا هف‪ ،‬يريد أف يبدح نفسو بالكرـ‪ ،‬فقاؿ أنا‬
‫خبيل‪ ،‬استعار اسم الذـ‪ ،‬إلرادة اؼبدح‪ ،‬ىذا ىو حقيقة مسلك التأكيل‪ ،‬ا﵁ عز كجل نسب إىل نفسو ما‬ ‫ه‬
‫يقتضي ذمها‪ ،‬ألجل أف يبدحها كيا ﵁ العجب ما أشد خطأ ىؤالء‪ ،‬كما أضعف تعظيمهم ﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل‪.‬‬

‫أىكذا يكوف عليو األمر ُب كتاب ا﵁؟ أىكذا ينسب ا﵁ جل كعبل إىل نفسو ما يقتضي التشبيو‪،‬‬
‫كىو الذم جل ُب عبله‪ ،‬ال أحد أحب إليو اؼبدح منو‪ ،‬كألجل ىذا أثٌت على نفسو عجيب كا﵁ أف يبؤل‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪159‬‬ ‫هللا‬
‫كتاب ا﵁ الذم تكلم بو جل كعبل دبا يقتضي الذـ كالقبح كنسبة ذلك إىل ذاتو العلية تعاىل ا﵁ عن ذلك‬
‫علوا كبَتا‪.‬‬
‫ن‬
‫الوجو الخامس‪ :‬أف يقاؿ أساس مسلك القوـ زعمهم أف ىذه النصوص تقتضي ماذا؟ التشبيو‪،‬‬
‫كألجل ىذا ىم حريصوف على الفرار من ىذا التشبيو بركوب مركب التأكيل‪ ،‬فيقاؿ ؽبم‪ :‬إف ىذا مل يكن‬
‫حاصبلن عند أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم مع كثرة تبلكهتم للقرآف‪ ،‬كذكرىم غبديث رسوؿ ا﵁‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم مع ذلك ما شعر كلو كاح هد فقط‪ ،‬كاحد‪ ،‬كنتحداىم أف يثبتوا خبلؼ ما نقوؿ‪ ،‬كال‬
‫كحد من أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم استشكل فقاؿ يا رسوؿ ا﵁‪ ،‬إف ىذه النصوص اليت تتلوىا‬
‫علينا‪ ،‬فيها ما يشكل‪ ،‬فيها ما يشعر أف ا﵁ عز كجل مشابوه للمخلوقُت فكيف اؼبخرج؟ أىذا فعلو النيب‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم يا صباعة؟ ال كا﵁ ما فعلو‪ ،‬بل كانوا إذا ظبعوا صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل يعظم إيباهنم‪،‬‬
‫كتعظيمهم ﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬يسمع أحدىم رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم يقوؿ‪« :‬يضحك ربنا»فيقولوا‪:‬‬
‫خيرا؛ أقاؿ ىذا الصحايب يا رسوؿ ا﵁‬ ‫ٍ‬
‫أيضحك ربنا؟ قاؿ‪« :‬نعم»‪ ،‬قاؿ‪:‬ال عدمنا من رب يضحك ً‬
‫أساس غَت صحيح‪.‬‬
‫إثبات الضحك موىم التشبيو‪ ،‬ال كا﵁‪ ،‬إ نذا ىذا دليل على أف أساس القضية عندىم ه‬
‫مسلك غَت صحيح بإصباع‬
‫ه‬ ‫لهمسادسا‪ٍ :‬ب يقاؿ ؽبم إف ىذا اؼبسلك الذم سلكتموه‬
‫ً‬ ‫وم يقال‬
‫احد فقط من أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم‬ ‫السلف الصاحل‪ ،‬فبل يعرؼ عن السلف‪ ،‬ال يعرؼ عن ك و‬
‫أنو أكؿ صفةن كاحدة‪ ،‬مع كثرة ىذه النصوص‪ ،‬مع كثرهتا ككفرهتا ُب الكتاب كالسنة‪ ،‬كمع كوهنم كانوا‬
‫يتكلموف ُب تفسَت القرآف‪ ،‬كُب بياف حديث رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم ىذا ؾباىد ىبرب عن نفسو‪،‬‬
‫أنو عرض القرآف على ابن عباس رضي ا﵁ عنهما‪ ،‬مرة‪ ،‬كُب ركاية مرتُت‪ ،‬كُب ركاية ثبلث مرات‪ ،‬يقفو عند‬
‫آية فيسألو عنها‪ ،‬إذنا كاف الصحابة يتكلموف ُب الصفات‪ ،‬كمع ذلك كال مرة كاحدة أثر عن‬ ‫كل و‬
‫الصحابة‪ ،‬أك صح عنهم‪ ،‬أهنم نفوا صفة ثابتة ﵁ تبارؾ كتعاىل بدعول أهنا تقتضي التشبيو‪ ،‬كيكفي ىذا‬
‫ُب نقض مسلك التأكيل من أساسو‪ ،‬كونو مسل نكا ـبال نفا إلصباع أصحاب رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫كرضي ا﵁ عنهم‪.‬‬

‫الجواب السابع‪ :‬أف يقاؿ مسلك التأكيل برمتو يناُب قصد البياف كاإلرشاد كالتيسَت‪ ،‬يناُب ماذا؟‬
‫قصد البياف كاإلرشاد كالتيسَت‪ ،‬يتنافياف‪ ،‬ال هبتمعاف‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪160‬‬ ‫هللا‬
‫س ْرنَا الْ ُق ْرَآ َن لِ ٍّ‬
‫لذ ْك ِر ﴾‪،‬‬ ‫دبعٌت‪ ،‬ا﵁ جل كعبل قد بُت أف كتابو ميسر للذكر‪ ،‬أليس كذلك؟ ﴿ َولََق ْد يَ ا‬
‫ااس﴾‪ ،‬كصفو بأنو مبُت‪ ،‬كصفو بأنو ىدل‪ ،‬كصفو بأنو بشرل للمسلمُت‪،‬‬ ‫﴿ى َذا بَيَا ٌن لِلن ِ‬
‫كصفو بأنو بياف َ‬
‫صفات تدؿ على أنو ُب غاية البياف كالوضوح‪ ،‬كالتيسَت‪ ،‬كأنو يهدم إىل اغبق‪ ،‬لكن مسلك التأكيل‬ ‫و‬ ‫ُب‬
‫يتناَب مع ذلك كلو‪ ،‬ككيف ذلك؟‬
‫ِ‬
‫تدرم مسلك التأكيل يقتضي أف تقرأ قوؿ ا﵁ تعاىل ﴿إِلَْي ِو يَ ْ‬
‫ص َع ُد الْ َكل ُم الطايٍّ ُ‬
‫ب﴾﴿يَ َخافُو َن َربا ُه ْم‬
‫سم ِاء﴾‪ ،‬كمع ذلك ال تعتقد أف ا﵁ و‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫عاؿ على خلقو‪ ،‬بل تعتقد أنو ال‬ ‫م ْن فَ ْوق ِه ْم﴾ ﴿أَأَم ْنتُ ْم َم ْن في ال ا َ‬
‫داخل العامل‪ ،‬كال خارجو‪ ،‬كال فوقو كال ربتو‪.‬‬

‫ك بِ َمثَ ٍل إِاال‬
‫﴿وَال يَأْتُونَ َ‬
‫ميسرا؟ أىذا يسبق عليو قولو تعاىل‪َ :‬‬
‫فصيحا‪ ،‬ن‬
‫ن‬ ‫مفسرا‪،‬‬
‫كبلما ن‬
‫أىذا يكوف ن‬
‫س َن تَ ْف ِس ًيرا﴾‪ ،‬ىذا ال يكوف مع إرادة البياف كاإليضاح‪ ،‬ىذا ال يكوف مع إرادة أف‬
‫َح َ‬ ‫ِج ْئ نَ َ‬
‫اك بِال َ‬
‫ْح ٍّق َوأ ْ‬
‫يكوف القرآف ىدايةن للبشرية‪ ،‬ىو إىل أف يكوف كتاب ألغا وز‪ ،‬كأحاجي‪ ،‬أك كتاب إضبلؿ أقرب‪ ،‬كحاشا‬
‫كتاب ا﵁ من ذلك‪.‬‬

‫سيدا قاؿ ػبادمو‪ ،‬أحضر يل ماءن‪ ،‬فلما أحضر لو اؼباء‪ ،‬قاؿ‪ :‬أنت ـبطئ‪ ،‬هبب‬
‫أنا أسألكم‪ ،‬لو أف ن‬
‫عليك أف ربمل كبلمي على خبلؼ ظاىره‪ ،‬هبب أف ذبتهد كتكد ذىنك‪ ،‬كتفكر‪ُ ،‬ب تأكيل كبلمي‪ ،‬أنا‬
‫طعاما‪ ،‬كأنت ـبطئ ُب ىذا الفهم‪ ،‬أىذا يفعلو من يريد التيسَت‬
‫ال أريد أحضر ماءن أنا أريد أحضر ن‬
‫كالتسهيل‪ ،‬كاؽبداية ؼبن يكلمو؟ أجيبوا يا صباعة‪.‬‬

‫إذنا كيف نصنع بعشرات‪ ،‬بل مئات من النصوص‪ ،‬اليت جاء فيها إثبات صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫كىي تدؿ على ما يقتضي الذـ ُب حق ا﵁ تبارؾ كتعاىل ٍب يراد من الناس أف يبحثوا ُب غريب اللغة‪،‬‬
‫ككحشيها‪ ،‬كأنواع الكنايات كاجملازات‪ ،‬كاألغاليط‪ ،‬حىت يصلوا إىل اؼبراد؟ أىذا يكوف حاؿ و‬
‫قرآف أريد بو أف‬
‫يكوف ىداية للناس! سبحاف ا﵁ العظيم‪.‬‬

‫القوـ ىنا يقولوف إمبا كاف اؼبراد أف يكدكا أذىاهنم ألجل كسب األجر‪ ،‬أجر االجتهاد للوصوؿ إىل‬
‫معٌت‪ ،‬أك مراد‪ ،‬فنقول‪ :‬سبحان اهلل العظيم‪:‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪161‬‬ ‫هللا‬
‫أوالً‪ :‬ىذا ـبالف ؼبا اطرد ُب كتاب ا﵁ جل كعبل ال يبكن أف يأٌب ُب الشريعة كال مثاؿ كاحد‪ ،‬يدؿ‬
‫على أف ا﵁ عز كجل ىبرب عباده دبا يقودىم إىل الضبلؿ‪ ،‬ألجل أف هبتهدكا ُب الوصوؿ إىل اغبق‪ ،‬ىذا ال‬
‫يبكن أف تأٌب بو الشريعة‪.‬‬

‫وم يقال لهم وانيا‪ :‬اطردت الشريعة على ضركرة قياـ البياف عند اغباجة‪ ،‬كاتفق العلماء على أنو ال‬
‫حاجة أعظم من عصمة الناس من الوقوع فيما يضلهم‪ ،‬بل فيما‬ ‫هبوز تأخَت البياف عن كقت اغباجة‪ ،‬كأم و‬
‫يوقعهم ُب الكفر‪ ،‬كىو تشبيو ا﵁ عز كجل خبلقو‪ٍ ،‬ب اطردت الشريعة على أنو كلما كاف األمر أخطر‪،‬‬
‫كاف بيانو أكثر‪ ،‬كلذلك اعترب بشأف الدجاؿ‪ ،‬أال ترل النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قد أكثر على أصحابو‬
‫ُب بياف حاؿ الدجاؿ؟‬

‫يوما الدجاؿ‪،‬‬
‫البخارم من حديث النواس رضي ا﵁ عنو يقوؿ‪ :‬ذكر النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ن‬
‫فخفض فيو كرفع حىت ظنناه ُب طائفة النخل‪ ،‬بياف كتوضيح‪ ،‬كربذير‪ ،‬ؼباذا؟ ػبطورة األمر‪ ,‬ىذا مع أف‬
‫مكتوب بُت عينيو كافر‪ ،‬كيقرؤىا‪-‬ىذه الكلمة‪ -‬القارئ كغَت القارئ‪ ،‬حىت األمي يقرأىا‪ ،‬ا﵁ عز‬
‫ه‬ ‫الدجاؿ‬
‫كجل سيعطيو القدرة على أف يقرأىا‪ ،‬كمع ذلك ما اكتفى النيب صلى ا﵁ عليو كسلم بذكاء الصحابة كعلم‬
‫الصحابة‪ ،‬بل أكثر عليهم ُب البياف كاإليضاح‪ ،‬فما بالو ما فعل عليو الصبلة كالسبلـ فيما ىو اغباجة فيو‬
‫أشد‪ ،‬ما فعل ىذا النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كال مرةن كاحدةن‪ ،‬منو عليو الصبلة كالسبلـ أليس ىذا دليبلن‬
‫على أف مسلك التأكيل يتناَب كقصد البياف كاإليضاح‪ ،‬الذم أنزؿ القرآف ألجلو؟ بلى كا﵁‪ ،‬كيدرؾ ىذا‬
‫كل منصف‪.‬‬

‫ننتقل بعد ذلك إلى الرد على مسلك التأويل من خالل ومراتو‪:‬‬

‫الرد على مسلك التأكيل من خبلؿ شبراتو‪ ،‬الثمرات اؼبرة العلقم تدؿ على أف األصل سيء‪ ,‬النتائج‬
‫ؾبانب للحق‪ ،‬تأمل معي فيما يأٌب‪:‬‬
‫كالثمرات اليت أنتجها مسلك التأكيل‪ ،‬تدؿ على أنو مسلك ي‬
‫أول ومرة ونتيجة على مسلك التأويل‪:‬ىو فتح باب االنسبلخ من الشريعة‪ ،‬فإنو إذا أمكن تسليط‬
‫التأكيل على مئات بل آالؼ من أدلة الكتاب كالسنة‪ ،‬فبل أف يبكن تسليط التأكيل على ما ىو دكف‬
‫ذلك‪ ،‬من باب أكىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪162‬‬ ‫هللا‬
‫دبعٌت‪ ،‬لو أمكن للمتكلمُت كصح ؽبم أف يؤكلوا نصوص الصفات‪ ،‬فإف الفيلسوؼ سوؼ يرفع يده‬
‫حينها كيقوؿ‪ :‬غبظة‪ ،‬ؼباذا هبوز لكم تأكيل نصوص الصفات‪ ،‬كال هبوز يل تأكيل نصوص اؼبعاد‪ ،‬أحراـ‪،‬‬

‫للطَت من كل جنس‬ ‫أحبلؿ على ببلبلو الدكح حراـ‬

‫عجيب كا﵁‪ ،‬أنتم كفرسبوين ألنٍت أكلت نصوص اؼبعاد‪ ،‬إىل اؼبعاد الركحاين‪ ،‬ال اعبسماين‪ ،‬أنا ما‬
‫رددت النصوص‪ ،‬أنا فعلت مثلما فعلتم أنتم ُب نصوص الصفات‪ ،‬فلماذا هبوز لكم تأكيل نصوص‬
‫الصفات‪ ،‬كال هبوز يل تأكيل نصوص اؼبعاد؟ مع أنك لو قارنت‪ ،‬لوجدت أف أدلة البعث أقل بكثَت من‬
‫أدلة الصفات‪ ،‬كاػبطأ فيما يتعلق باؼبخلوقُت‪ ،‬أىوف من اػبطأ اؼبتعلق با﵁ جل كعبل أليس كذلك؟ يعٍت‬
‫إذا أمكن للمتكلمُت أف يؤكلوا أل نفا أك ألفي دليل‪ ،‬فقط على علو ا﵁ عز كجل فبل أف يبكن أف نؤكؿ‬
‫فضبل عن القرب‪ ،‬كما يتعلق دبسائل عرصات القيامة‪ ،‬من اؼبيزاف من الصراط‪،‬‬
‫صفات البعث من باب أكىل‪ ،‬ن‬
‫أيضا يصح‬ ‫و‬
‫من القنطرة‪ ،‬كإذا أمكن ؽبؤالء ذلك األمر‪ ،‬فحينئذ يقوؿ القرمطي كقد رفع رأسو‪ :‬انتظركا‪ ،‬أنا ن‬
‫يل أف أيؤكؿ نصوص األمر كالنهي‪ ،‬ؼباذا هبوز لكم يا معشر اؼبتكلمُت تأكيل نصوص الصفات‪ ،‬كال هبوز‬
‫أيضا أقوؿ‪ :‬أقيموا الصبلة كأثبتوىا‪ ،‬كلكنٍت‬
‫يل‪ ،‬تأكيل نصوص الصبلة كالزكاة كاغبج كالصياـ‪ ،‬ؼباذا؟ أنا ن‬
‫أقوؿ الصبلة ليست ىي الركوع كالسجود‪ ،‬الصبلة اؼبعهودة عندكم‪ ،‬بل اؼبراد ماذا؟ شيءه آخر‪ ،‬كبالتايل ال‬
‫يبكن أف يثبت شيءه كاحد من أحكاـ الشريعة‪ ،‬لو فتح الباب ؽبؤالء اؼبؤكلة كأمكن صرؼ ىذه النصوص‬
‫عن ظاىرىا‪ ،‬فإنو لن تبقى الشريعة‪.‬‬

‫وم يقال لهم وانيًا‪:‬إف مسلك التأكيل‪ ،‬يؤدم إىل إساءة الظن با﵁ تبارؾ كتعاىل كذلك أف ا﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل قد أنزؿ على العباد كتابا‪ ،‬بُت فيو أنو ىدل ؽبم كحقيقة األمر أنو مليء و‬
‫بآيات تضلهم‪ ،‬مع عدـ‬ ‫ن‬ ‫ن‬
‫دليل كاحد ؿبكم‪ ،‬يرد اؼبتشابو إليو‪ ،‬ىذا فيو إساءة ظ ون با﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫البياف‪ ،‬كلو متشابو كليس فيو ه‬
‫أيضا‪ :‬إف من شبرات ىذا اؼبسلك اػباطئ‪ ،‬رفض الثقة بالنصوص‪ ،‬فإنو ال يكاد يبر على‬
‫كيقاؿ ؽبم ن‬
‫ؿبموؿ على ظاىره‪ ،‬أك على‬
‫نص مىت ما اطرد عنده تأكيل الصفات‪ ،‬إال كانتابو شك‪ ،‬ىل ىو ه‬ ‫مكلف ه‬
‫خبلؼ ظاىره‪ ،‬إذنا يبكن أف تضطرب األمور عند اؼبسلمُت كافة‪ ،‬يعٍت عشرات األدلة ُب إثبات صفة ما‬
‫أمكن ضبلها على خبلؼ ظاىرىا‪ ،‬مع أنٍت لو قرأهتا على ظاىرىا‪ ،‬فإنٍت سأعتقد موجبها‪ ،‬إ نذا كل نص‬
‫أيضا على‬
‫يأتيٍت ماذا سيكوف؟ سيكوف ىناؾ شك‪ ،‬كا﵁ لعل ىذا النص على خبلؼ ظاىره‪ ،‬كلعل اآلخر ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪163‬‬ ‫هللا‬
‫و‬
‫خبلؼ ظاىره‪ ،‬كيف سيكوف اإلتباع؟ كيف سيكوف االستمساؾ‪ ،‬بأىداب ىذه الشريعة حينئذ‪ ،‬سواءن‬
‫فيما يتعلق باألخبار‪ ،‬أك فيما يتعلق باألحكاـ‪.‬‬

‫رابعا‪:‬إف ىذا اؼبسلك فوت على أصحابو أعظم و‬


‫باب من أبوب اػبَت‪ ،‬أال كىو معرفة اػبالق‬ ‫وم يقال ً‬
‫عز كجل‪ ،‬كالتعبد لو سبحانو كتعاىل‪ ،‬بأظبائو كصفاتو‪ ،‬ماذا فات ىؤالء من أنواع العلم كاإليباف‪ ،‬حينما‬
‫أغلقوا على أنفسهم باب التدبر كالتأمل كالتفكر‪ُ ،‬ب ىذه الصفات‪ٍ ،‬ب التعبد ﵁ تبارؾ كتعاىل باإليباف هبا‪,‬‬
‫إذنا ىذه ىي بعض الثمرات اليت أدل إليها ىذا اؼبسلك‪.‬‬

‫واختم بالرد على مسلك التأويل من جهة ما يلزمو‪:‬‬

‫يلزم على مسلك التأويل أوالً‪ :‬أف يكوف ترؾ الناس ببل قرآف كسنة‪ ،‬ن‬
‫خَتا ؽبم من أف ينزؿ عليهم‬
‫كتاب‪ ،‬كتتلى عليهم سنة‪ ،‬تضلهم عن اغبق مع عدـ البياف‪ ،‬تأمل يا رعاؾ ا﵁ ُب ىذا البلزـ‪ ،‬ا﵁ جل‬
‫وحي إِلَ اي َربٍّي ﴾‪ ،‬كالقرآف ليس‬‫ت فَبِما ي ِ‬ ‫ِ‬
‫كعبل أخرب أف اؽبداية سبيلها الوحي‪ ،‬قاؿ سبحانو ﴿ َوإِن ْاىتَ َديْ ُ َ ُ‬
‫ِ‬
‫ك الْ ُق ْرَآ َن لتَ ْش َقى﴾‪ ،‬ككا﵁ إف مسلك التأكيل ه‬
‫مضاد‬ ‫سببنا للشقاء‪ ،‬قاؿ سبحانو‪﴿ :‬طو * َما أَنْ َزلْنَا َعلَْي َ‬
‫ؽبذه اآلية‪ ،‬فإنو هبعل آيات القرآف سببنا للشقاء؛ ألف ظاىر القرآف ُب أىم اؼبطالب‪ ،‬كىو اؼبطالب اإلؽبية‬
‫ُب كلو أك جلو‪ ،‬يقود إىل الضبلؿ‪ ،‬كيقود إىل اكبراؼ‪ ،‬يتلوف القرآف ككل ما فيو من نصوص كصفات‪ ،‬أك‬
‫اب أَنْ َزلْنَاهُ‬ ‫ِ‬
‫جل ما فيو يقتضي التشبيو‪ ،‬مع اؼبطالبة كاألمر بالتدبر‪ ،‬ا﵁ جل كعبل أمر بتدبر كتابو‪﴿ ،‬كتَ ٌ‬
‫ار ٌك لِيَ ادبا ُروا آَيَاتِِو﴾ ‪ ،‬إ نذا أنا مطلوب مٍت أف اقرأ كأتأمل‪ ،‬كإذا تأملت‪ ،‬أنا على شفَت ىلكة؛ ألنو‬ ‫إِلَْي َ‬
‫ك ُمبَ َ‬
‫قد أعتقد التشبيو‪ ،‬كأنا ال أدرم‪ ،‬كلذلك أسألك‪.‬‬

‫القوـ يقولوف ككما ذكرت قبل قليل‪ ،‬إف ا﵁ جل كعبل جعل القرآف هبذه اؼبثابة ألجل أف يزداد أجر‬
‫األمة‪ ،‬من خبلؿ االجتهاد ُب البحث عن اؼبعٌت اؼبؤكؿ إليو‪ ،‬أسألكم‪ :‬من اؼبؤىل أك كم نسبة اؼبؤىلُت من‬
‫ىذه األمة‪ ،‬للوصوؿ إىل ىذه اؼبعاين الغامضة؟ كم؟ إذا تأملنا ُب ىذه األمة‪ ،‬كبارىا‪ ،‬كصغارىا‪ ،‬كرجاؽبا‪،‬‬
‫كنسائها‪ ،‬كعلماءىا‪ ،‬كجهاؽبا‪ ،‬كم نسبة العلماء ا﵀ققُت‪ ،‬الذين يستطيعوف تتبع الغرائب ُب اللغة‪،‬‬
‫كالبحث ُب الكنايات كاجملاز‪ ،‬حىت يصلوا إىل أف اؼبراد باالستواء كذا‪ ،‬كالنزكؿ كذا‪ ،‬كاإلتياف كذا‪،‬‬
‫كالغضب كذا‪ ،‬كاألصابع كذا‪ ،‬كاليد كذا‪ ،‬كم نسبتهم ُب األمة؟ نسبة تذكر؟ عامة األمة ال تستطيع‬
‫ذلك‪ ،‬أليس كذلك؟ مع أف األمة كلها مطالبة بتبلكة القرآف كتدبره‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪164‬‬ ‫هللا‬
‫صحيحا‪ ،‬عامة األمة على‬
‫ن‬ ‫إذنا عامة األمة ىم على خطر‪ ،‬ىذه اغبقيقة‪ ،‬لو كاف مسلك التأكيل‬
‫جدا عليهم‪ ،‬ما أقرهبم إليو‪ ،‬صح كال ال؟‬
‫ارد ن‬
‫خطر‪ ،‬كاحتماؿ أف يعتقدكا الباطل‪ ،‬ك ه‬
‫خَتا ؽبم‪ ،‬أحسن من أف ينزؿ عليهم قرآف‪ ،‬ردبا‬
‫إ نذا كاف ترؾ األمة ببل قرآف‪ ،‬كإيكاؽبم إىل عقوؽبم‪ ،‬ن‬
‫يؤدم إىل إضبلؽبم‪ ،‬أليس كذلك يا صباعة؟‬

‫وم يقال وانيًا وأختم بهذا‪:‬يلزـ على مسلك التأكيل أف تكوف‪ ،‬أك أف يكوف الصدر األكؿ‪ ،‬من‬
‫أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كالتابعُت كأتباعهم‪ ،‬خائنُت لؤلمة‪ ،‬أك جاىلُت أعظم اعبهل‪ ،‬ألهنم إما‬
‫سكتوا عن بياف اغبق ُب ىذه النصوص‪ ،‬عن جهل‪ ،‬كبالتايل فيكوف ىؤالء اؼبتأخرين‪ ،‬يكوف ىؤالء‬
‫اؼبتأخركف‪ ،‬الذين تربوا على منطق اليوناف‪ ،‬كفلسفة اإلغريق‪ ،‬أعلم بدين ا﵁ ككتابو‪ ،‬كسنة رسولو صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم من أصحاب رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم أك أف يكوف سكوهتم عن خبيئة ُب نفوسهم‪ ،‬ال‬
‫يريدكف اػبَت للناس‪ ،‬كال يرغبوف ُب األمر باؼبعركؼ‪ ،‬كالنهي عن اؼبنكر‪ ،‬كالنصح للمسلمُت‪ ،‬ال وببوف ؽبم‬
‫اؽبداية‪ ،‬دعهم يضلوف‪ ،‬ىذا لساف حاؽبم؛ ألهنم عرفوا اغبق فكتموا‪ ،‬كبالتايل يكونوا ىؤالء ىم القائمُت‪،‬‬
‫بواجب األمر باؼبعركؼ كالنصيحة للمسلمُت‪.‬‬

‫كيكفيك ُب فساد مسلك التأكيل‪ ،‬ىذا األمر اؼبسلك الذم مل يسلكو أبو بك ور كعمر رضي ا﵁‬
‫عنهما‪ ،‬كمل يسلكو أصحاهبما‪ ،‬كبن نقطع أنو ال خَت فيو‪ ،‬أيشك مسلم ُب ذلك؟ كا﵁ أف كل أحد‪ ،‬حىت‬
‫تأكيل كاح هد عن أيب بك ور كعمر‪ ،‬كالسابقُت األكلُت من اؼبهاجرين كاألنصار‪.‬‬
‫ىم يسلموف بأنو ال يؤثر ه‬
‫خَتا‪ ،‬أيكوف‬
‫إ نذا ىذا اؼبسلك الذم ما عرفو أصحاب رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم أتظنوف أف فيو ن‬
‫خَته مدخر ؽبؤالء اؼبتأخرين‪ ،‬يضيع عن أفضل ىذه األمة كغرهتا‪ ،‬ال كاف ذلك كال يكوف‪.‬‬

‫اغبديث ىذه الليلة صلة غبديث البارحة‪ ،‬فقد مضى الكبلـ عن مناقشة مذىب أىل التأكيل‪،‬‬
‫واليوم بعون اهلل سبحانو تكون مناقشة مذىب أىل التفويض‪.‬‬

‫كاألمة ابتليت هباتُت البدعتُت‪ ،‬بدعة التأكيل‪ ،‬كبدعة التفويض‪ ،‬كىذاف اؼبذىباف نبا أكثر اؼبذاىب‬
‫انتشارا ُب األمة‪ ،‬من بُت اؼبذاىب اؼبخالفة‪ُ ،‬ب باب األظباء كالصفات‪.‬‬
‫ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪165‬‬ ‫هللا‬
‫كمذىب التأكيل‪ ،‬كمذىب التفويض‪ ،‬مذىباف متقارباف‪ ،‬يشًتكاف ُب شيء‪ ،‬كيفًتقاف ُب شيء‬
‫آخر‪ ،‬كما سيتبُت ذلك قريبنا إف شاء ا﵁‪.‬‬

‫التفويض في اللغة‪ :‬ىو الرد‪ ،‬كالتوكيل‪ ،‬المراد بو في االصطالح‪ :‬اعتقاد أف ظواىر النصوص‪،‬‬
‫نصوص الصفات‪ ،‬ؾبهولة اؼبعٌت‪ ،‬اعتقاد أف ظواىر نصوص الصفات ؾبهولة اؼبعٌت‪ ،‬مع اعتقاد أهنا‬
‫مبني على أمرين‪:‬‬
‫ليست على ظاىرىا‪ ،‬إذًا ىذا المذىب ٌ‬
‫األول‪ :‬اغبكم بأف نصوص الصفات على خبلؼ ظاىرىا‪ ،‬فإذا تلوت مثبلن قولو تعاىل ﴿ال ار ْح َم ُن‬
‫جزما على‬ ‫استَ َوى﴾فبل ينبغي ن‬
‫أبدا أف تفهم من ىذه اآلية أف ا﵁ استول حقيقة‪ ،‬بل اآلية ن‬ ‫ش ْ‬‫َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫خبلؼ ظاىرىا‪.‬‬

‫واألساس الثاني‪ :‬ىو تفويض العلم دبعٌت ىذه الصفة إىل ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬أصحاب ىذا اؼبذىب‬
‫تأكيل ال يعلمو إال ا﵁‪ ،‬ؽبذه الكلمة‬
‫يقولوف‪ :‬ىي على غَت ظاىرىا‪ ،‬إ نذا ما معٌت ما نقرأه‪ ،‬قالوا‪ :‬ؽبذا ه‬
‫تأكيل على خبلؼ الظاىر‪ ،‬كلكن ال يعلم ذلك إال ا﵁ سبحانو كتعاىل‪،‬‬
‫كىي "استول"‪ ،‬ىا ىنا ه‬
‫ففوضوا علم نصوص الصفات‪ ،‬العلم دبعناىا إىل ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬مع قطعهم بأهنا على خبلؼ‬
‫ظاىرىا‪ ،‬ال ذبرل على ظاىرىا‪ ،‬كىذا الذم أحكيو لك‪ ،‬ىو الذم استقر عليو مذىب أىل التفويض‪،‬‬
‫كإال فإف التفويض قد يراد بو غَت ىذا اؼبعٌت ُب مذاىب عدة‪ ،‬لكن الذم استقر عليو أمر اؼبفوضة‪ ،‬ىو‬
‫الذم ذكرتو لك‪.‬‬

‫كىذا اؼبذىب أحدث من مذىب التأكيل‪ ،‬حدث مذىب التأكيل ُب األمة‪ ،‬قبل حدكث مذىب‬
‫التفويض‪ ،‬ككأف الذم دعى إىل حدكث ىذا اؼبذىب‪ ،‬أف مذىب التأكيل‪ ،‬قد تناكلو أىل السنة‬
‫كاعبماعة بالردكد‪ ،‬حىت تبُت عواره‪ ،‬فلجأ من كاف يركف تعطيل صفات ا﵁ سبحانو كتعاىل إىل ىذا‬
‫اؼبذىب‪ ،‬بزعم أنو يبكن أف يدفع باالستدالؿ الذم استدؿ بو ىؤالء‪ ،‬تدفع سهاـ أىل السنة كاعبماعة‬
‫عنهم؛ ألف النتيجة ُب اؼبذىبُت التعطيل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪166‬‬ ‫هللا‬
‫حىت قاؿ بعض اؼبتكلمُت‪ ،‬كمنهم اللقاين‪ ،‬شارح اعبوىرة‪ ،‬ذكر أف التأكيل ىو التأكيل التفصيلي‪،‬‬
‫كالتفويض ىو التأكيل اإلصبايل‪ ،‬فالنتيجة ُب اؼبذىبُت كاحدة‪ ،‬كىي تعطيل ا﵁ عز كجل عن صفاتو اليت‬
‫ـبالف ؼبا‬
‫أثبتها لنفسو‪ ،‬أك أثبتها لو رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم كال شك أف ىذا اؼبذىب‪ ،‬مذىب ه‬
‫مبٍت على‬
‫مضى عليو السلف الصاحل‪ ،‬كما أصبع عليو أىل السنة كاعبماعة‪ ،‬إذ مذىب أىل السنة ه‬
‫اإليباف‪ ،‬كاإلثبات‪ ،‬ؼبا أثبت ا﵁ لنفسو‪ ،‬كما أثبت رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم من صفاتو جل كعبل مع‬
‫معرفة اؼبعٌت‪ ،‬كتفويض كيفية ىذه الصفات إىل ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬أىل السنة آمنوا هبذه النصوص‪ ،‬كفق‬
‫ما جاء ُب كتاب ا﵁‪ ،‬كسنة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم كفهموىا ُب ضوء لغة العرب‪ ،‬اليت جاء القرآف‬
‫كالسنة هبا فاقتضى ىذا أهنم يعلموف معاين الصفات‪ ،‬إذا قرءكا مثبل قولو تعاىل‪﴿ :‬ال ار ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫ش‬
‫استَ َوى﴾علموا معٌت كلمة استول‪ ،‬كأف معٌت كلمة استول‪ :‬عبل كارتفع‪ ،‬كلكن كيفية استواء ا﵁ تبارؾ‬
‫ْ‬
‫أمر قبهلو‪ ،‬ال نعلمو‪.‬‬
‫كتعاىل‪ ،‬ىذا ه‬
‫كعلمنا ُب و‬
‫دركس سابقة‪ ،‬ما قرر اإلماـ مالك رضبو ا﵁ من تلك الكلمة العظيمة‪ ،‬اليت تلقاىا أىل‬
‫استَ َوى﴾ كيف استول؟ فقاؿ رضبو ا﵁‬ ‫العلم عنو بالقبوؿ‪ ،‬حينما يسئل ﴿ال ار ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫ش ْ‬
‫االستواء غَت ؾبهوؿ‪ ،‬يعٍت‪ ،‬معلوـ اؼبعٌت ُب لغة العرب‪ ،‬كالكيف غَت معقوؿ‪ ،‬كاإليباف بو كاجب‪،‬‬
‫كالسؤاؿ عن ذلك بدعة‪ ،‬فجمع رضبو ا﵁ بُت معرفة اؼبعٌت‪ ،‬كالتفويض لكيفية صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫ٍ‬
‫كدليل من اآلثار‪،‬‬ ‫مذىب المفوضة‪ ،‬استدل أصحابو عليو بأدلة‪ :‬أنبها دليبلف ه‬
‫دليل من القرآف‪ ،‬ه‬
‫تنبيو قبل ذلك إىل كجو اعبمع كالفرؽ بُت اؼبؤكلة‪ ،‬كاؼبفوضة‪.‬‬

‫قلنا إف مذىب التفويض مبٍت على أساسُت‪:‬‬

‫مشًتؾ بينهم كبُت اؼبؤكلة‪ ،‬ىم يعتقدكف أف ظواىر النصوص‪ ،‬يعتقدكف أف النصوص‬
‫ه‬ ‫األكؿ‪ :‬منهما‬
‫على خبلؼ ظاىرىا‪ ،‬كىذا القدر اشًتؾ فيو اؼبؤكلة كاؼبفوضة‪ٍ ،‬ب افًتقوا بعد ذلك‪ ،‬فقالت اؼبؤكلة ال بد‬
‫من تعيُت اؼبعٌت الذم أراده ا﵁ تعاىل‪ ،‬فبل يبكن أف ىباطبنا ا﵁ سبحانو كتعاىل ُب القرآف و‬
‫بشيء ؾبهوؿ‬
‫اؼبعٌت‪ ،‬ال بد أف يكوف ىا ىنا معٌت‪ ،‬كال بد أف قبتهد ُب الوصوؿ إليو‪ ،‬أما اؼبفوضة فقالوا‪ :‬إننا قبهل‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪167‬‬ ‫هللا‬
‫ىذا اؼبعٌت‪ ،‬لعدـ كجود الدليل عليو‪ ،‬كبالتايل فناقشوا اؼبؤكلة‪ ،‬كقالوا‪ :‬إنكم ُب تعيينكم‪ ،‬أف ا﵁ تعاىل‬
‫أراد مثبل باستول‪:‬استوىل‪ ،‬قلتم على ا﵁ بغَت علم‪ ،‬تكلمتم ببل دليل‪ ،‬ككاف الواجب عليكم‪ ،‬أف تقفوا‪،‬‬
‫كنورا مبينا‪،‬‬
‫اؼبؤكلة ناقشوا مذىب اؼبفوضة‪ ،‬قالوا‪ :‬ال يبكن أف ينزؿ ا﵁ عز كجل كتابنا ليكوف ىدايةن ن‬
‫كيأمرنا بتدبر آياتو‪ٍ ،‬ب يكوف فيو ما ال يبكن الوصوؿ إىل معناه‪ ،‬كالفريقاف أصابا كأخطئا‪.‬‬

‫أصاب المؤولة‪ :‬حينما ناقشوا اؼبفوضة بأنو ال يبكن أف يكوف ُب القرآف ما ال يبكن الوصوؿ إىل‬
‫معناه‪ ،‬ىذا القدر أصابوا فيو‪ ،‬لكنهم أخطئوا‪ ،‬حينما قالوا على ا﵁ بغَت علم‪ ،‬كحينما ضبلوا النصوص‬
‫على خبلؼ ظاىرىا‪.‬‬

‫في مقابل ذلك فإن المفوضة أصابوا‪ :‬حينما ناقشوا اؼبؤكلة ُب ردىم عليهم حُت قالوا‪ :‬إنكم يا‬
‫معشر اؼبؤكلة‪ ،‬قلتم على ا﵁ عز كجل ببل دليل‪ ،‬كلكنهم أخطئوا حينما ضبلوا النصوص على خبلؼ‬
‫ظاىرىا‪ ،‬كحينما زعموا أف آيات الصفات ؾبهولة اؼبعٌت‪ ،‬ال سبيل للعباد إىل الوصوؿ إىل معانيها‪.‬‬

‫والحق المحض مذىب أىل السنة والجماعة‪ :‬الذين اعتقدكا أف النصوص على ظاىرىا البلئق‬
‫با﵁ سبحانو كتعاىل كأهنا معلومة اؼبعٌت‪ُ ،‬ب ضوء لغة العرب‪ ،‬كإف كانت ؾبهولة الكيفية‪ ،‬فإننا مل نر ا﵁‬
‫كمل نر مثيبلن ﵁ تعاىل ا﵁ عن ذلك فتعُت أف يقف إثباتنا عند إثبات‪ ،‬الصفات ﵁ تبارؾ كتعاىل قاعدة‬
‫إثبات لصفة‪ ،‬كليس إثباتنا لكيفية الصفة ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫أىل السنة كما مر بنا‪ ،‬أف إثباهتم للصفات‪ ،‬ه‬

‫عوضا على بدأ‪ ،‬أقوؿ إف اؼبفوضة استدلوا بآية من القرآف‪ ،‬كآثار من السلف‪ ،‬ظنوا أف ىذا الدليل‬
‫ن‬
‫كذاؾ‪ ،‬يؤيداف اؼبذىب الذم ذىبوا إليو‪.‬‬

‫اب ِم ْنوُ آيَ ٌ‬


‫ات‬ ‫﴿ىو الا ِذي أَنْ ز َل َعلَي َ ِ‬
‫ك الْكتَ َ‬ ‫َ ْ‬ ‫أما اآلية فإهنم استدلوا بآية آؿ عمراف قاؿ سبحانو ُ َ‬
‫ات فَأَاما الا ِذين فِي قُلُوبِ ِهم َزي ٌغ فَ يتابِعو َن ما تَ َ ِ‬
‫شابِ َه ٌ‬ ‫ات ُى ان أ ُُّم ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬
‫شابَوَ م ْنوُ‬ ‫ْ ْ َ ُ َ‬ ‫َ‬ ‫ُخ ُر ُمتَ َ‬
‫اب َوأ َ‬ ‫ُم ْح َك َم ٌ‬
‫اء تَأْ ِويلِ ِو َوَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَوُ إِاال اللاوُ﴾ ىذا ىو موضع االستدالؿ من ىذه اآلية عند‬ ‫ابْتِغَ ِ ِ ِ‬
‫اء الْف ْت نَة َوابْتغَ َ‬
‫َ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪168‬‬ ‫هللا‬
‫﴿وَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَوُ إِاال اللاوُ﴾ كالضمَت ُب قولو تأكيلو‪ ،‬يرجع إىل ماذا؟ ما‬
‫اؼبفوضة‪ ،‬كىو قولو سبحانو‪َ :‬‬
‫تشابو منو‪ ،‬استدالل القوم بهذه اآلية فيو والث مقدمات ونتيجة‪:‬‬

‫أما المقدمة األولى‪ :‬فهي أهنم أكجبوا الوقف على اسم اعببللة‪ ،‬يعٍت هبب أف تقف عند قولو‬
‫﴿وَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَوُ إِاال اللاوُ﴾كال تصل‪.‬‬
‫َ‬

‫وانيًا‪ :‬زعموا أف آيات الصفات من اؼبتشابو الذم ال يعلم معناه إال ا﵁ تبارؾ كتعاىل آيات‬
‫شابَوَ ِم ْنوُ﴾‬
‫﴿ما تَ َ‬
‫الصفات عندىم من اؼبتشابو‪ ،‬فهي داخلة ُب قولو َ‬

‫﴿وَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَوُ﴾ فسركه باالصطبلح اؼبتأخر الذم ىو صرؼ‬


‫والثًا‪ :‬أنو فسر التأكيل ُب قولو َ‬
‫اللفظ عن ظاىره‪ ،‬إىل معٌت آخر‪ ،‬لقرينة تدؿ على ذلك‪ ،‬فهم إ نذا فسركا التأكيل هبذا اؼبعٌت الذم فشا‬
‫عند اؼبتأخرين لكلمة التأكيل‪.‬‬

‫النتيجة‪ :‬أف آيات الصفات ؾبهولة اؼبعٌت‪ ،‬كؽبا ه‬


‫تأكيل خبلؼ ظاىرىا‪ ،‬ال يعلمو إال ا﵁‪ ،‬ىذه ىي‬
‫نتيجة كؿبصلة مذىب أىل التأكيل‪ ،‬كىذه ىي نتيجة استدالؽبم هبذه اآلية‪.‬‬

‫كالقوـ قد أخطئوا ُب اؼبقدمات الثبلث‪ ،‬كبالتايل كانت النتيجة خاطئة‪ ،‬إذا كانت اؼبقدمة خاطئة‪،‬‬
‫فالنتيجة خاطئة‪.‬‬

‫﴿وَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَوُ إِاال اللاوُ﴾ كالصواب‬


‫أما المقدمة األولى‪ :‬فإهنم أكجبوا الوقف على قولو تعاىل‪َ :‬‬
‫أف الوقف كالوصل كبلنبا قراءةه صحيحةه‪ ،‬أثريةه‪ ،‬قاؿ هبا السلف‪ ،‬فمن كصل فقد أصاب‪ ،‬كمن كقف‬
‫فقد أصاب‪ ،‬كسيأٌب معنا تفسَت اآلية على قراءة الوقف‪ ،‬كعلى قراءة الوصل‪.‬‬

‫أما المقدمة الثانية‪ :‬فهي أهنم زعموا أف آيات الصفات من اؼبتشابو‪ ،‬كىذه دعول ادعاىا القوـ‪،‬‬
‫ىذه دعول ادعاىا القوـ ببل دليل‪ ،‬لو فتشت ُب كبلمهم لوجدت أهنم يذكركف ىذا الكبلـ مرسبلن ببل‬
‫كمعلوـ‬ ‫و‬
‫برىاف عليو‪ ،‬ما الدليل الذم يدؿ على أف آيات الصفات من صبلة اؼبتشابو؟ ال جواب عندىم‪،‬‬
‫ه‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪169‬‬ ‫هللا‬
‫من قواعد اعبدليُت‪ُ ،‬ب علم اعبدؿ أف الدعول اجملردة يكفي ُب ردىا عدـ التسليم هبا‪ ،‬يكفي ُب رد‬
‫لكبلـ غَت مسلم‪ ،‬كتسقط بالتايل ىذه الدعول‪ ،‬فالعربة بالدليل‪ ،‬كالعربة‬
‫ىذه الدعول أف نقوؿ إهنا ه‬
‫بالربىاف‪ ،‬كإننا ال نقطع أف السلف الصاحل ؾبمعوف على أف آيات الصفات ليست من اؼبتشابو‪ ،‬كال‬
‫ذكر أحد منهم ذلك‪ ،‬كال صح عن كاحد منهم فقط أف آيات الصفات من اؼبتشابو الذم ال يعلم‬
‫معناه إال ا﵁‪ .‬ىذا أمر‪.‬‬

‫كأمر آخر يتعلق هبذه اؼبقدمة‪ ،‬كىي أهنم زعموا أف ُب القرآف ما ىو متشابوه تشاهبنا مطل نقا؛ التشابو‬
‫ىو الغموض‪ ،‬غموض اؼبعٌت‪ ،‬متشابو يعٍت غامض‪ ،‬ال يعلم معناه‪ ،‬كالتشابو الذم أثبتو القوـ ُب كتاب‬
‫ا﵁ جل كعبل كظنوا أف اآلية قد دلت عليو‪ ،‬ىو التشابو اؼبطلق‪ ،‬كإف شئت فقل التشابو العاـ‪ ،‬دبعٌت أف‬
‫ُب القرآف ىكذا قالوا‪ُ ،‬ب القرآف ما ال سبيل إال معرفة معناه لكل أحد‪ ،‬ال يعلم معناه إال ا﵁ تبارؾ‬
‫كتعاىل أثبتوا ُب القرآف التشابو اؼبطلق‪ ،‬كال شك أف ىذا غَت صحيح‪ ،‬فليس ُب القرآف كلمةه كاحدة ال‬
‫كبلـ إال كيبكن معرفة‬
‫سبيل إىل العلم دبعناىا عبميع اػبلق‪ ،‬ىذا ال كاف كال يكوف‪ ،‬ليس ُب القرآف ه‬
‫كبلـ‪ ،‬بل كال كلمة إال كيبكن معرفة معناىا‪.‬‬
‫معناه‪ ،‬ليس ُب القرآف ه‬

‫أما التشابو الذم أثبتتو ىذه اآلية‪ ،‬فإنو التشابو النسيب‪ ،‬كىو التشابو الذم يعرض لبعض الناس ُب‬
‫أمر عارض‪ ،‬دبعٌت‪ ،‬أنا يبكن أف يغمض عليا‪ ،‬كيشتبو‬
‫الزما لآليات‪ ،‬إمبا ىو ه‬
‫أمرا ن‬
‫بعض األحواؿ‪ ،‬ليس ن‬
‫عليا‪ ،‬معٌت كلمة‪ ،‬كلكن ذلك معلوـ بالنسبة لك‪ ،‬كمعلوـ عند و‬
‫فبلف كفبلف‪ ،‬من العلماء‪ ،‬ىذا كاحد‪.‬‬ ‫ه‬ ‫ه‬

‫ثانينا‪ :‬أف ىذا األمر الذم ىو اآلف عندم متشابو‪ ،‬شبة سبيبلن إىل معرفة معناه‪ ،‬يبكن إزالة ىذا‬
‫التشابو دبراجعة كبلـ أىل العلم‪ ،‬بسؤاؿ أىل العلم‪ ،‬فإنو يبكن أف يزكؿ ىذا التشابو‪ ،‬أما أف يكوف ُب‬
‫قول باطل‪ ،‬ا﵁ جل كعبل أمر العباد بتدبر القرآف‬ ‫سبيل إىل معرفة معناه‪ ،‬فهذا ٌ‬ ‫و‬
‫كبلـ ليس ألحد ه‬ ‫القرآف ه‬
‫أمر مطل نقا‪ ،‬فالقرآف كلو فبا يبكن تفهمو كتعقلو‪ ،‬كتدبره‪ ،‬كال يستثٌت من ىذا شيء‪ ،‬ال آيات الصفات‬ ‫ه‬
‫ار ٌك لِيَ ادبا ُروا آيَاتِِو﴾ ٍب بعد‬ ‫َنزلْنَاهُ إِلَْي َ‬
‫ك ُمبَ َ‬ ‫اب أ َ‬
‫ِ‬
‫كال غَتىا‪ ،‬ال يبكن‪ ،‬أف يأمر ا﵁ بالتدبر للقرآف‪﴿ ،‬كتَ ٌ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪170‬‬ ‫هللا‬
‫و‬
‫موجود‪ ،‬كال يبكن القوؿ بو كليس‬ ‫ذلك يقاؿ إف فيو طائفة من اآليات ال سبيل إىل تدبرىا‪ ،‬ىذا غَت‬
‫مثاؿ يصح‪.‬‬
‫عليو ه‬

‫قد يقوؿ قائل‪ :‬قد ينتقد ىذا التقرير‪ ،‬باغبركؼ اؼبقطعة الواردة ُب بعض‪ ،‬أك ُب بداية بعض السور‪،‬‬
‫﴿الم﴾﴿حم﴾﴿كهيعص﴾ ﴿طو﴾‬ ‫فا﵁ جبل كعبل قاؿ ُب مفتتح بعض السور ىذه اغبركؼ‬
‫﴿يس﴾ إىل غَت ذلك‪ ،‬كىذه ال سبيل ألحد إىل معرفة معناىا‪ ،‬كبالتايل ثبت أف ُب القرآف ما ىو‬
‫متشابوه تشاهبنا مطل نقا‪ ،‬كىذا اإليراد غَت كارد‪.‬‬

‫ىذا الكبلـ غَت صحيح؛ ألف الذم يطلب لو اؼبعٌت‪ ،‬ىو الكبلـ أـ اغبركؼ؟ الكبلـ‪ ،‬كليس ىذا‬
‫عند اؼبسلمُت‪ ،‬كليس ىذا عند العرب‪ ،‬بل ىذا عند العقبلء كافة‪ ،‬الذم يطلب معرفة معناه إمبا ىو‬
‫قائل ما معٌت ﴿كهيعص﴾ فإننا مباشرة قباكبو بقولنا‪ :‬كما معٌت‬
‫الكبلـ للحركؼ‪ ،‬كلذلك إذا قاؿ لنا ه‬
‫(بتثجحخ)‪ ،‬إف أجبت على الثاين أجبناؾ عن األكؿ‪ ،‬أما إذا قلت ىذه حركؼ‪ ،‬كاؼبعٌت يطلب‬
‫للكلمات اؼبكونة من ىذه اغبركؼ‪ ،‬قلنا ككذلك األمر ُب ىذه اآليات‪ ،‬ىل كبن نقرأ كهيعص مثبلن‪ ،‬أك‬
‫ارد علينا‪ ،‬لكن ىذه اغبركؼ تقرأ حركفنا كال تقرأ كال؟ كال‬
‫حم‪ ،‬أك أمل‪ ،‬لو كاف األمر كذلك فاإليراد ك ه‬
‫تقرأ كلمات‪ ،‬كبالتايل ال أحد ببل كال ُب أم لغة يطلب للحرؼ معٌت‪ ،‬الذم يطلب معناه‪ ،‬أك الذم‬
‫يطلب اؼبعٌت لو‪ ،‬إمبا ىو الكبلـ اؼبكوف من اغبركؼ‪ ،‬أما اغبركؼ فبل يطلب ؽبا معٌت‪.‬‬

‫إمبا السؤاؿ الذم قد يرد ىنا‪ ،‬ما اغبكمة من إنزاؿ ا﵁ عز كجل ىذه اغبركؼ ُب القرآف‪ ،‬كاعبواب‬
‫موضوع آخر‪ ،‬ليس ىو ؾباؿ حبثنا‪ ،‬كبن نبحث ىل ُب القرآف ما هبهل معناه‬
‫و‬ ‫البحث اآلف انتقل إىل‬
‫عاما عبميع الناس؟ اعبواب‪ :‬ال‪ ،‬كىذا اإليراد غَت كارد‪ ،‬أما ما اغبكمة من إنزاؿ ا﵁ عز كجل‬
‫جهبل ن‬
‫و‬
‫اجتهاد ألىل العلم‪ ،‬تلمس كثَته من‬ ‫ىذه اغبركؼ ُب ىذا الكتاب العزيز؟ فاعبواب‪ :‬أف ىذا ؿبل‬
‫حبث طويل‪ ،‬كإف كنت طالبنا للفائدة‪ ،‬فإنٍت‬
‫العلماء اغبكمة ُب إنزاؿ ىذه اغبركؼ‪ ،‬كؽبم ُب ذلك ه‬
‫أحيلك إىل موض وع مه وم للكبلـ عن ىذه اغبركؼ‪ ،‬كما يبكن أف يلتمس من حك وم إلنزاؽبا ُب كتاب ابن‬
‫أيضا التبياف ُب أقساـ القرآف‪.‬‬
‫القيم رضبو ا﵁ التبياف ُب أيباف القرآف‪ ،‬كطبع ن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪171‬‬ ‫هللا‬
‫كبالذات عند كبلمو عن قولو تعاىل‪﴿ :‬ن َوالْ َقلَ ِم َوَما يَ ْسطُُرو َن﴾ ‪،‬ذبد ُب ىذا اؼبوضع ما يشفيك‬
‫كتستفيد منو إف شاء ا﵁ تعاىل‪.‬‬

‫أيضا أهنا غَت صحيحة‪.‬‬


‫عودا على ما ابتدأنا كبلمنا عنو‪ ،‬فإننا نقوؿ إف ىذه اؼبقدمة الثانية اتضح ن‬
‫ن‬

‫﴿وَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَوُ إِاال اللاوُ﴾ ‪،‬يعٍت ال‬


‫بقيت المقدمة الثالثة‪ :‬كىي أهنم قالوا‪ :‬إف التأكيل ُب قولو‪َ :‬‬
‫يعلم ما يصرؼ إليو ىذا اللفظ عن ظاىره إال ا﵁‪ ،‬كىذا ال شك أنو خطأه بُت‪ ،‬ذلك أف ىذا اؼبسلك‬
‫ىو ضبل آيات القرآف على اصطبلحات حادثة‪ ،‬كىذا فبا اتفق العلماء على أنو ال هبوز‪ ،‬الواجب أف‬
‫وبمل ما جاء ُب القرآف على ضوء لغة العرب‪ ،‬على ضوء لغة العرب الذين كانوا يتعاملوف هبا‪،‬‬
‫كيفهموهنا كقت نزكؿ الوحي‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫اعا‬
‫﴿متَ ً‬
‫ارةٌ﴾ َ‬
‫ت َسيا َ‬
‫اء ْ‬
‫﴿و َج َ‬
‫َ‬ ‫مفسرا ُب ىذا العصر‪ ،‬جاء إىل قولو تعاىل‪:‬‬
‫دبعٌت‪ ،‬ما رأيكم لو أف ن‬
‫ارةِ﴾ ففسر السيارة ىا ىنا هبذه السيارة اليت تقف ُب اػبارج‪ ،‬كتركبها بعد قليل‪ ،‬ما رأيكم؟‬ ‫لَ ُك ْم َولِل ا‬
‫سيا َ‬
‫ماذا نقوؿ؟ نقوؿ ىذا اؼبسلك خطأ بُت كـبالف إلصباع العلماء‪ ،‬بأنو ال هبوز ضبل كبلـ ا﵁ كرسولو‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم على اصطبلحات متأخرة‪ ،‬تواضع عليها اؼبتأخركف بعد نزكؿ القرآف‪ ،‬كبن نقطع‬
‫ارةٌ﴾ما كانوا يفهموف كلمة سيارة على ىذا اؼبعٌت؛‬
‫ت َسيا َ‬
‫اء ْ‬
‫﴿و َج َ‬
‫أف العرب الذين أنزؿ فيهم قولو تعاىل َ‬
‫ارةٌ﴾ يعٍت كجاء‬
‫ت َسيا َ‬
‫اء ْ‬
‫﴿و َج َ‬
‫َ‬ ‫ألف ىذه السيارة أصبل ما كانت موجودة‪ ،‬إمبا كانوا يفهموف من كلمة‬
‫مسافركف‪ ،‬سيارة يعٍت؟ مسافركف‪ ،‬صباعة من الناس مسافرة‪.‬‬

‫﴿وَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَوُ إِاال‬


‫َ‬ ‫كذلك األمر بالنسبة ؽبؤالء الذين استدلوا هبذه اآلية‪ ،‬ضبلوا قولو تعاىل‪:‬‬
‫حادث عند اؼبتأخرين‪ ،‬أما ُب لغة العرب فبل تعرؼ كلمة‬
‫ه‬ ‫اللاوُ﴾ على ىذا اؼبعٌت الذم ىو اصطبلح‬
‫التأكيل هبذا اؼبعٌت‪ُ ،‬ب عصر االحتجاج‪ُ ،‬ب الوقت الذم نزؿ فيو الوحي‪ ،‬ما كانت كلمة التأكيل تأٌب‬
‫ْك َو َعلا ْمتَنِي ِم ْن‬
‫ب قَ ْد آتَ ْيتَنِي ِمن الْمل ِ‬
‫َ ُ‬ ‫﴿ر ٍّ‬
‫َ‬ ‫هبذا اؼبعٌت‪ ،‬إمبا كانت تأٌب كلمة التأكيل دبعٌت التفسَت‪،‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪172‬‬ ‫هللا‬
‫يل األَح ِ‬
‫اد ِ‬
‫«اللهم فقهو في الدين‬ ‫يث﴾ ىنا التأكيل دبعٌت التفسَت‪ ،‬قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم‬ ‫تَأْ ِو ِ َ‬
‫وعلمو التأويل» يعٍت التفسَت‪.‬‬

‫ثانينا‪ :‬يأٌب التأكيل دبعٌت العاقبة‪ ،‬أك ما يؤكؿ إليو الشيء‪ ،‬ما يؤكؿ إليو األمر‪ ،‬قاؿ سبحانو ﴿ذَلِ َ‬
‫ك‬
‫﴿ى ْل يَنظُُرو َن إِاال تَأْ ِويلَوُ يَ ْوَم يَأْتِي تَأْ ِويلُوُ﴾ اغبقيقة اليت يؤكؿ إليها‬
‫س ُن تَأْ ِو ًيال﴾ يعٍت عاقبة‪َ ،‬‬
‫َح َ‬
‫َخ ْي ٌر َوأ ْ‬
‫الشيء‪ ،‬أك ما تكوف إليو العاقبة‪ ،‬ىذا يفسر بو‪ ،‬أك تفسر بو ىذه الكلمة ُب بعض اؼبواضع‪ ،‬إذنا التأكيل‬
‫على اؼبعٌت الذم ذكركا‪ ،‬ال يبكن ضبل اآلية عليو‪.‬‬

‫فاتضح إ نذا أف اؼبقدمة األكىل غَت صحيحة‪ ،‬كالثانية غَت صحيحة‪ ،‬كالثالثة غَت صحيحة‪ ،‬كبالتايل‬
‫كانت النتيجة‪ ،‬كانت النتيجة غَت صحيحة‪.‬‬

‫اضحا‪ ،‬أما على قراءة‬


‫ما معٌت ىذه اآلية‪ ،‬على قراءٌب الوصل كالوقف‪ ،‬أظن أف األمر أضحى ك ن‬
‫اس ُخو َن فِي ال ِْعل ِْم﴾ يعٍت كما يعلم‬
‫الوصل‪ ،‬فا﵁ جل كعبل يقوؿ‪﴿ :‬وما ي ْعلَم تَأْ ِويلَوُ إِاال اللاوُ وال ار ِ‬
‫َ‬ ‫ََ َ ُ‬
‫تفسَته إال ا﵁‪ ،‬ىذا الذم يتشابو كالذم يغمض على بعض الناس‪ ،‬يعلم تفسَته ا﵁ جل كعبل كيعلم‬
‫أيضا‪ ،‬أىل العلم بتعليم ا﵁ ؽبم‪ ،‬كأما على قراءة الوقف‪ ،‬فإف التأكيل ىو حقيقة الشيء‪ ،‬الذم‬
‫تفسَته ن‬
‫يؤكؿ إليو الكبلـ‪ ،‬كبالتايل يدخل ُب ذلك كيفية صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل أك كيفية حقائق اليوـ اآلخر‪،‬‬
‫﴿وَما يَ ْعلَ ُم تَأْ ِويلَوُ﴾ يعٍت ال يعلم حقيقة ما أخرب ا﵁ عز كجل‬
‫فهذا شأف ال يعلمو إال ا﵁ جل جبللو َ‬
‫بو من أمور الغيب‪ ،‬إال ىو سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫ىذا االستدالؿ األكؿ الذم كاف باآلية‪ ،‬فما استدالؽبم الثاين؟ قلنا استدلوا بآثار عن السلف‪،‬‬
‫ظنوا أهنا تسند قوؽبم‪ ،‬كتدعم قوؽبم‪ ،‬كالعجيب أف اؼبتكلمُت ينظركف إىل األدلة النقلية من القرآف‬
‫كالسنة‪ ،‬نظرة قد تكلمنا عنها ساب نقا‪ ،‬كقلنا إهنم يركف إف األدلة النقلية ظنية؛ ألهنا ربتمل احتماالت‬
‫نسخ‪ ،‬أك ؾبا وز‪ ،‬أك‬ ‫زبصيص أك و‬
‫تقييد أك و‬ ‫و‬ ‫نقلي‪ ،‬ال زبلو آية أك حديث من احتماؿ‬ ‫دليل ه‬
‫كثَتة‪ ،‬ال ىبلو ه‬
‫اشًت واؾ‪ ،‬إىل آخر ما يذكركف‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪173‬‬ ‫هللا‬
‫فاألدلة النقلية عندىم‪ ،‬ال يثقوف هبا سباـ الثقة‪ ،‬إمبا الثقة عندىم دبا يقولوف‪ ،‬إنو دليل العقل‬
‫القاطع‪ٍ ،‬ب نراىم ُب ىذه اؼبطالب اليت يقولوف ال نقبل فيها إال القطع‪ ،‬نراىم يستدلوف بآثار للسلف‪،‬‬
‫أنتم لو ذكرنا لكم حديثنا عن النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ُب البخارم‪ ،‬لردبا قلتم أخبار آحاد‪ ،‬أك قلتم‬
‫إف الداللة ظنية‪ ،‬كاآلف تستدلوف بآثار عن السلف‪.‬‬

‫أيضا‪ ،‬أف القوـ ىم الذين أطلقوا تلك اعبملة الشائعة اػباطئة‪" ،‬مذىب السلف أسلم‪،‬‬
‫كالعجيب ن‬
‫كمذىب اػبلف أعلم كأحكم" ؼباذا جعلوا مذىب السلف أسلم؟ ألهنم قالوا إف مذىب السلف ُب‬
‫ظنهم ىو التفويض‪ ،‬كمذىب اػبلف أعلم كأحكم‪ ،‬ألنو ىو مذىب التأكيل‪.‬‬

‫كما مذىب السلف عندىم‪ ،‬الذم ىو أسلم؟ ىو مذىب التجهيل‪ ،‬ىو اؼبذىب الذم يزعم‬
‫أصحابو أف أىلو عبهلهم سكتوا‪ ،‬فما تكلموا فسلموا كاف مذىبهم أسلم‪ ،‬فكيف ينسبوف السلف إىل‬
‫اعبهل الذم كاف أسلم‪ ،‬كليس إىل العلم الذم كاف أصحاب الطرؼ اآلخر بسببو أعلم‪ ،‬ينسبوف‬
‫السلف إىل اعبهل‪ٍ ،‬ب بعد ذلك يستدلوف بكبلمهم‪ ،‬أليس ىذا عجيبا؟‬

‫على كل حاؿ اعبملة السابقة على مرادىم غَت صحيحة‪ ،‬اعبملة السابقة على مرادىم غَت‬
‫صحيحة‪ ،‬غَت صحيحة من جهة نسبة اؼبذىب إىل السلف‪ ،‬كغَت صحيحة ُب ذاهتا‪.‬‬

‫أما من جهة النسبة إىل السلف‪ ،‬فبل شك كال ريب‪ ،‬أف مذىب السلف برمء من مذىب‬
‫التفويض‪ ،‬الذم زعموا أف ىذا ىو مذىبهم‪.‬‬

‫ثانينا‪ :‬اعبملة ُب نفسها غَت صحيحة‪ ،‬كيف يقابل بُت كوف ىذا اؼبذىب أسلم‪ ،‬كىذا اؼبذىب‬
‫أعلم كأحكم‪ ،‬كيف يقابل بُت ىذا‪ ،‬كىذين‪ ،‬مع أف ىذه األمور الثبلثة متبلزمة‪ ،‬ال تنفك عن بعضها‪،‬‬
‫إذا كاف اؼبذىب أعلم كأحكم‪ ،‬فبالضركرة يلزـ أف يكوف األسلم‪ ،‬كإذا كاف ىذا ىو األسلم فبالضركرة ال‬
‫بد أف يكوف أعلم كأحكم‪ ،‬كيف تكوف السبلمة مع اعبهل كالطيش‪ ،‬إف ىذا الذم يقابل العلم‬
‫كاغبكمة‪ ،‬أليس كذلك؟‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪174‬‬ ‫هللا‬
‫فبل يبكن أف تكوف السبلمة مع جهل‪ ،‬كال يبكن أف تكوف السبلمة مع طيش‪ ،‬إذنا ىذه اعبملة ُب‬
‫نفسها غَت صحيحة‪ ،‬كالصواب أف مذىب السلف الذم ىو اإلثبات للتفويض‪ ،‬أعلم كأحكم‪ ،‬كأسلم‪.‬‬

‫استدؿ القوـ جبملة من اآلثار عن السلف‪ ،‬كظنوا أف ىذا يدؿ على مذىبهم‪ ،‬من ذلك أكالن‪ :‬قالوا‬
‫يدؿ على مذىب التفويض‪ ،‬ما جاء عن صبلة كثَتة من السلف‪ ،‬أهنم قالوا‪ُ :‬ب أدلة الصفات "أمروىا‬
‫بُت كاضح‪ ،‬على أف مذىب السلف ىو التفويض‪ ،‬ألهنم قالوا أمركىا‪.‬‬ ‫كما جاءت"‪ ،‬قالوا‪ :‬ىذا ه‬
‫دليل ه‬

‫والجواب عن ىذا من وجهين‪:‬‬

‫أوالً‪ :‬أف تفسَتىم اإلمرار بالتفويض‪ ،‬الذم ىو تفويض اؼبعٌت‪ ،‬تفسَت غَت صحيح‪ ،‬ال دليل عليو‬
‫ال من اللغة‪ ،‬كال من العرؼ‪ ،‬كال من الشرع‪.‬‬

‫ما دليلكم على أهنم أرادكا بقوؽبم أمركىا يعٍت فوضوا معناىا؟ كأغمضوا أعينكم كقلوبكم عن‬
‫التفكَت فيها‪ ،‬ما دليلكم على ذلك؟ إف جئتم إىل اللغة‪ ،‬فاللغة ال تساعدكم على ىذا التفسَت‪ ،‬فإف‬
‫اإلمرار ُب اللغة‪ ،‬ىو اإلثبات‪ ،‬قاؿ اػبليل ابن أضبد ُب كتابو العُت‪« :‬اإلمرار نقيض النقد ُب كل‬
‫شيء»‪ ،‬كاستدؿ بقوؿ الشاعر‪:‬‬

‫ال يأمنن قوم النقد مرتو إين رأيت الدىر ذا و‬


‫نقد كإمرار‬

‫إ نذا اؼبقابلة اآلف بُت النقد كاإلمرار‪ ،‬كما الذم يقابل النقد‪ ،‬اإلثبات‪ ،‬فدؿ ىذا على أف كلمة‬
‫اإلمرار تعٍت اإلثبات‪.‬‬

‫ٍب يقاؿ أيضا‪ ،‬مل يأت عن و‬


‫أحد من السلف قط أنو قاؿ‪ :‬ال تفهموا لنصوص الصفات معٌت‪ ،‬إمبا‬ ‫ن‬
‫اقرءكىا قراءة الطبلسم‪ ،‬كقراءة األلغاز كاألحاجي اليت ال يعرؼ معناىا‪ ،‬أك أنزلوىا منزلة الكلمات‬
‫األعجمية‪ ،‬اليت ال يدرل معناىا‪ ،‬من أين لكم أف السلف أرادكا ىذا بقوؽبم‪ :‬أمركىا‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪175‬‬ ‫هللا‬
‫ٍب يقاؿ ثانيا‪ :‬يدؿ على أف السلف أرادكا باإلمرار اإلثبات كليس التعطيل‪ ،‬يعٍت اإلثبات الذم‬
‫يقابل التعطيل‪ ،‬يدؿ على ىذا أهنم ُب الغالب يعقبوف ىذه الكلمة بقوؽبم‪ :‬ببل كيف‪ ،‬ذبدىم يقولوف‬
‫أمركىا كما جاءت‪ ،‬ببل كيف‪ ،‬كالسؤاؿ من الذم ىو الذم يطالب بعدـ التكييف‪ ،‬أىو الذم يعرؼ‬
‫اؼبعٌت‪ ،‬أك الذم هبهل اؼبعٌت؟ أجيبوا يا صباعة‪ ،‬الذم يعرؼ اؼبعٌت‪.‬‬

‫يعٍت السلف يقولوف‪ :‬أثبتوا ىذه األدلة كإثباتكم ؽبا مبٍت على معرفة معناىا ُب ضوء لغة العرب‬
‫كلكن تنبهوا ال تبالغوا ُب اإلثبات حىت تصلوا إىل مرحلة التكييف‪ ،‬أثبتوا كلكن احذركا من التكييف‪،‬‬
‫جاىل للمعٌت أصبلن‪ ،‬كيف ينهى عن التكييف‪ ،‬الذم يبكن أف يكيف ىو الذم يعرؼ‬
‫ه‬ ‫أما الذم ىو‬
‫اؼبعٌت‪ ،‬فيبالغ ُب اإلثبات حىت يصل إىل التكييف‪.‬‬

‫أما شخص الكلمة بالنسبة لو طبلسم‪ ،‬يقاؿ لو ال تكيف؟ ىذا غَت معقوؿ‪ ،‬أليس كذلك؟ فدؿ‬
‫ىذا إ نذا على أف قوؽبم أمركىا كما جاءت ببل كيف‪ ،‬ال تفيد اؼبعٌت الذم أرادكا‪.‬‬

‫قالوا‪ :‬نستدل وانيا‪ :‬دبا جاء عن بعض السلف من نفي اؼبعٌت‪ ،‬فإهنم كانوا يقولوف ُب نصوص‬
‫الصفات‪ ،‬أمركىا كما جاءت ال كيف كال معٌت‪ ،‬ال كيف كال معٌت‪ ،‬كاعبواب‪:‬‬

‫أن المعنى الذي نفاه السلف رحمهم اهلل ىا ىنا‪ ،‬ىو أحد أمرين‪:‬‬

‫‪ )1‬إما اؼبعٌت الذم كاف يقولو اؼبعطلة‪ ،‬اؼبعٌت الذم كاف يقولو اؼبعطلة‪ ،‬فيكوف كبلمهم هنينا عن‬
‫طرُب الضبلؿ‪ ،‬ال كيف كما تقوؿ اؼبشبهة‪ ،‬كال معٌت كما تقولو اؼبعطلة‪ ،‬الذين كانوا وبملوف ىذه‬
‫النصوص على خبلؼ معناىا‪ ،‬فيقولوف ُب قولو تعاىل مثبل‪﴿ :‬يَ ُد اللا ِو﴾ يعٍت قوة ا﵁‪ ،‬كانوا يذكركف‬
‫ىذه اؼبعاين‪ ،‬كالسلف رضبهم ا﵁ لو تأملت يا رعاؾ ا﵁ ذبد أف كبلمهم ُب بياف معاين نصوص‬
‫ظن خاطئ‪ ،‬السبب يرجع إىل أهنم‬
‫الصفات قليل‪ ،‬ؼبا؟ ىل ألهنم جهاؿ باؼبعاين؟ اعبواب‪ :‬ال‪ ،‬ىذا ه‬
‫أىل لغة‪ ،‬يفهموف الكبلـ ُب ؾبار لساف العرب‪ ،‬كبالتايل فبل حاجة عندىم إىل معرفة‪ ،‬أك إىل الكبلـ‬
‫عن ىذه اؼبعاين‪ ،‬ليس فقط ُب نصوص الصفات‪ ،‬بل ُب الكبلـ اؼبعتاد‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪176‬‬ ‫هللا‬
‫يعٍت ىل ذبد عند اؼبتقدمُت‪ ،‬أىل اللغة كأىل اللساف‪ ،‬كأىل االحتجاج بكبلمهم‪ ،‬ىل ذبد أهنم‬
‫يفسركف معٌت الوجو‪ ،‬معٌت الساؽ‪ ،‬معٌت ا﵀بة‪ ،‬معٌت الغضب‪ ،‬كأمثاؿ ىذه اؼبعاين؟ ال‪ ،‬كلذلك كانوا‬
‫يقولوف‪ :‬إف قراءهتا تفسَتىا‪ ،‬أخرج الدار القطٍت‪ُ ،‬ب كتابو الصفات‪ ،‬عن سفياف بن عيينة رضبو ا﵁ أنو‬
‫قاؿ ُب نصوص الصفات‪ ،‬قاؿ فيها‪ :‬هبب اإليباف كالتصديق كتفسَتىا قراءهتا‪ ،‬تفسَتىا قراءهتا‪ ،‬دبجرد‬
‫أف تقرأىا فإنك تفهم اؼبعٌت‪ ،‬لكن اؼبؤكلة ىم الذين احتاجوا إىل ذكر اؼبعاين‪ ،‬ألهنم و‬
‫حينئذ أصبحوا‬
‫معلوـ ُب لغة العلم‪ ،‬فجاء كبلـ السلف‪ ،‬ال كيف‪ ،‬كال معٌت‪.‬‬
‫يذكركف تفسَتات ـبالفة ؼبا ىو ه‬

‫أيضا كبالتايل يكوف ىذا من الًتادؼ ُب‬


‫أك يكوف مرادىم بقوؽبم ال معٌت‪ ،‬كما تقوؿ اؼبكيفة ن‬
‫الكبلـ‪ ،‬من الًتادؼ ُب الكبلـ‪ ،‬أرادكا بو نفي مذىب أىل التكييف‪ ،‬كالتشبيو‪ ،‬الذين كانوا يتكلموف‬
‫ُب كيفية صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬

‫استدلوا والثًا‪ :‬و‬


‫جبمل جاءت عن السلف‪ ،‬بنفي التفسَت‪ ،‬بنفي التفسَت‪ ،‬كاعبواب عن ىذا يقاؿ‬
‫ضبل لكبلـ السلف على غَت ما أرادكا‪ ،‬فإن التفسير في كالم السلف‪ ،‬أرادوا بو أحد‬
‫أيضا‪ ،‬إف ىذا ه‬
‫ن‬
‫أمرين‪:‬‬

‫‪ )1‬إما التأكيبلت الباطلة اليت كاف يذكرىا اؼبعطلة‪ ،‬كفبا يستشهد بو على ىذا التوضيح‪ ،‬ما ذكر‬
‫اإلماـ الًتمذم رضبو ا﵁ ُب جامعو حينما قرر تقر نيرا حسننا‪ ،‬ما يتعلق بإثبات الصفات ﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫ٍب قاؿ عند قولو تعاىل ﴿يَ ُد اللا ِو فَ ْو َق أَيْ ِدي ِه ْم﴾ أك دليبلن آخر يدؿ على إثبات صفة اليد‪ ،‬قاؿ إف‬
‫اعبهمية يفسركف ىذا بالقوة‪ ،‬فتجد أف نفيو للتفسَت أراد بو التفسَت الذم كانوا يتكلموف بو‪ ،‬الذين ىم‬
‫اؼبعطلة‪ ،‬حيث كانوا وبملوف الكبلـ على غَت ظاىره من التأكيبلت الباطلة اليت يذكركهنا‪ ،‬أك يكوف‬
‫أيضا دبا أخرج‬
‫مرادىم بالتفسَت‪ ،‬ما يتكلم أك ما كاف يتكلم بو اؼبكيفة‪ ،‬كيستشهد على ىذا التوضيح ن‬
‫الدارقطٍت‪ُ ،‬ب كتابو الصفات‪ ،‬عن أيب عبيد القاظبي بن سبلـ حينما تكلم رضبو ا﵁ عما يتعلق بإثبات‬
‫الصفات‪ ،‬كذكر ما يتعلق بإثبات القدمُت‪ ،‬كغَتىا من الصفات ﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪177‬‬ ‫هللا‬
‫ٍب قاؿ‪" :‬فإف قيل لنا ما كيفية ذلك؟ قاؿ‪ :‬ال نفسر شيئنا من ذلك" ما ىو التفسَت الذم نفاه رضبو‬
‫ا﵁ ىنا‪ ،‬الكبلـ ُب التكييف‪ ،‬فدؿ ىذا على أهنم حينما نفوا التفسَت‪ ،‬مل يريدكا بو معرفة اؼبعٌت ُب أصل‬
‫لغة العرب‪ ،‬إمبا أرادكا بو إما تفسَت اؼبعطلة‪ ،‬كإما تفسَت اؼبكيفة‪.‬‬

‫رابعا‪ :‬دبا جاء عن بعض السلف بالسكوت من األمر بالسكوت‪ ،‬كالسكوت ن‬


‫أيضا راجع‬ ‫استدلوا ً‬
‫إىل ىذين اؼبعنيُت الذين ذكرهتما لك‪ ،‬فإف السلف رضبهم ا﵁ جاء عنهم كلو راجعت ما خرج‬
‫الدارقطٍت رضبو ا﵁ ُب الصفات‪ ،‬عن السلف رضبهم ا﵁ ُب ىذا الباب‪ ،‬لوجدت أهنم يتكلموف عن‬
‫السكوت هبذا اؼبعٌت‪ ،‬كذلك ُب كبلـ غَته فبن حكى كنقل كخرج كبلـ السلف رضبهم ا﵁ فإهنم‬
‫يريدكف بالسكوت‪ ،‬السكوت عن اؼبعاين اليت يذكرىا ىؤالء اؼبكيفة‪ ،‬أك أكلئك اؼبعطلة‪.‬‬

‫أخيرا وىو األمر الخامس‪ :‬استدلوا دبا جاء عن بعض السلف‪ ،‬من قوؽبم بالتفويض‪ ،‬نفوض ىذه‬
‫ً‬
‫اضح من منهج السلف رضبهم ا﵁ اؼبتكاثر الذم يدؿ على أهنم أرادكا‬
‫النصوص‪ ،‬كأظن أف اعبواب ك ه‬
‫بالتفويض تفويض الكيفية‪ ،‬ال اؼبعٌت‪.‬‬

‫ٍب إنو يقاؿ‪ :‬إف القوـ أخذكا دبتشابو من كبلـ السلف‪ ،‬كتركوا ا﵀كم الكثَت‪ ،‬كم جاء عن السلف‬
‫رضبهم ا﵁ من آثار كثَتة‪ ،‬فيها إثبات الصفات إصباالن‪ ،‬كفيها إثبات الصفات تفصيبلن‪ ،‬كفيها تبويبهم ُب‬
‫أيضا من آثار كثَتة‪ ،‬فيها‬
‫مصنفاهتم على ىذه الصفات‪ ،‬فبا يدؿ على أهنم عرفوا اؼبعٌت‪ ،‬كما جاء عنهم ن‬
‫الرد على من عطل صفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل أك تأكؿ هبا غَت ذلك فبا يدؿ على أف السلف رضبهم ا﵁‪،‬‬
‫كانوا يعلموف اؼبعٌت كلكنهم يفوضوف الكيفية لربنا سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫انتقل بعد ذلك إلى مناقشة أىل التفويض من والث جهات‪:‬‬

‫‪ ‬اؼبناقشة من جهة بياف ـبالفتهم لؤلدلة النقلية‪.‬‬


‫‪ ‬كثانينا‪ :‬اؼبناقشة من جهة ـبالفتهم لؤلدلة العقلية‪.‬‬
‫‪ ‬كثالثنا‪ :‬من جهة اللوازـ اليت تلزـ على ىذا اؼبذىب‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪178‬‬ ‫هللا‬
‫‪ ‬أما من جهة النقل‪ :‬فإف مذىب التفويض يرد عليو أكالن‪ ،‬بكل آية ُب القرآف‪ ،‬دلت على أف‬
‫كمبُت‪ ،‬فإف ىذا يتناَب سباـ اؼبنافاة‪ ،‬مع كوف ظاىره ضبلالن كتشبيهان‪ ،‬أك أنو‬
‫القرآف العظيم بيا هف‪ ،‬كتبيا هف‪ ،‬ه‬
‫ؿبتو وم على ما ىو ؾبهوؿ اؼبعٌت عبميع اػبلق‪ُ ،‬ب أشرؼ مطالبو‪ ،‬كىي اؼبطالب اإلؽبية‪ ,‬أمل يقل ا﵁ عز‬
‫اب ال ُْمبِي ِن﴾ أمل يقل ا﵁ عز كجل‪﴿ :‬تِْب يَانًا لِ ُك ٍّل َش ْي ٍء﴾ أمل يقل ا﵁ عز‬ ‫ات ال ِ‬
‫ْكتَ ِ‬ ‫ْك آيَ ُ‬ ‫كجل ﴿الر تِل َ‬
‫ااس﴾ كيف با﵁ يكوف‪ ،‬بيانا‪ ،‬كتبيانا‪ ،‬كمبيننا‪ ،‬كىو ُب ذاتو يقود إىل الضبلؿ‪،‬‬ ‫﴿ى َذا بَيَا ٌن لِلن ِ‬
‫كجل‪َ :‬‬
‫كيقود إىل االكبراؼ ألف ظاىره يدؿ على التشبيو؟ كيف يكوف بيانا‪ ،‬كمبيننا‪ ،‬كىو ُب نفسو ؾبهوؿ اؼبعٌت‬
‫ُب أىم ما فيو؟ ىذا ال يبكن أف يكوف‪.‬‬

‫وم قالوا وانيًا‪ :‬يرد مذىب التفويض‪ ،‬كل آية ُب القرآف‪ ،‬دلت على األمر بتدبره‪ ،‬كقولو تعاىل‪:‬‬
‫ار ٌك لِيَ ادبا ُروا آيَاتِِو﴾‬ ‫َنزلْنَاهُ إِلَْي َ‬
‫ك ُمبَ َ‬ ‫اب أ َ‬
‫ِ‬
‫﴿كتَ ٌ‬
‫بلغة عر و‬
‫بية‪،‬‬ ‫والثًا‪ :‬يرد على مذىب أىل التفويض‪ ،‬بكل آية ُب القرآف دلت على أف القرآف نزؿ و‬

‫ليعقل‪ ،‬كيعلم‪﴿ ،‬قُ ْرآنًا َع َربِيًّا لَ َعلا ُك ْم تَ ْع ِقلُو َن﴾ ﴿قُ ْرآنًا َع َربِيًّا لَِق ْوٍم يَ ْعلَ ُمو َن﴾‬

‫ؼبا جعلو ا﵁ عز كجل كذلك‪ ،‬ؼبا جعلو ا﵁ عز كجل عربينا‪ ،‬إال ليعقل كيعلم‪ ،‬أقاؿ ا﵁ تعاىل‪ :‬إال‬
‫آيات الصفات؟ أكجدًب قراءة هبذا؟ لعلكم تعقلوف إال آيات الصفات؟ ىل استثٌت النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم من ىذه اآلية‪ ،‬آيات الصفات؟ اعبواب ال‪ ،‬كما أنو ما استثٌت من قولو‪﴿ :‬لِيَ ادبا ُروا آيَاتِِو﴾ آيات‬
‫الصفات‪ ،‬أليس كذلك؟‬

‫رابعا‪ :‬يرد على مذىب أىل التفويض‪ ،‬كل آية ُب القرآف ذمت الذين ال يفهموف معناىا‪،‬‬ ‫وم نقول ً‬
‫ال آنًِفا﴾‬ ‫ِ‬ ‫ِِ‬ ‫ِ ِ ِ‬ ‫﴿وِم ْن ُه ْم َم ْن يَ ْستَ ِم ُع إِلَْي َ‬
‫ْم َماذَا قَ َ‬ ‫ك َحتاى إِذَا َخ َر ُجوا م ْن ع ْند َك قَالُوا للاذ َ‬
‫ين أُوتُوا الْعل َ‬ ‫َ‬
‫وب أَقْ َفالُ َها﴾ إ نذا ىذا ه‬
‫ذـ ؼبن‬ ‫﴿أَفَ لَ ْم يَ ادباروا الْ َق ْو َل﴾ القوؿ‪﴿ :‬أَفَال يَتَ َدبارو َن الْ ُق ْرآ َن أ َْم َعلَى قُلُ ٍ‬
‫ُ‬ ‫ُ‬
‫هبهل القرآف كلو‪ ،‬كىل استثٌت ا﵁ عز كجل آيات الصفات؟ اعبواب‪ :‬ال‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪179‬‬ ‫هللا‬
‫خامسا‪ :‬يرد مذىب التفويض‪ ،‬كل آية ُب القرآف دلت على أف القرآف ميسر للذكر‪ ،‬كلقد‬
‫ً‬ ‫وم يقال‬
‫ميسرا كظاىره يدؿ على التشبيو‪ ،‬فيتعُت ضبلو على‬
‫يسرنا القرآف للذكر‪ ،‬كبالتايل فإنو ال يبكن أف يكوف ن‬
‫ميسرا كىو ؾبهوؿ اؼبعٌت ُب أىم ما فيو؛ إ نذا ىذه أدلة نقلية‪ ،‬تدؿ‬
‫خبلؼ ظاىره‪ ،‬ال يبكن أف يكوف ن‬
‫مذىب غَت صحيح‪.‬‬
‫ه‬ ‫على أف مذىب التفويض‬

‫‪ ‬ننتقل إلى المناقشة العقلية‪:‬‬

‫يقال أوالً‪ :‬إف مذىب التفويض ه‬


‫باطل عقبلن؛ ألنو ال هبوز تأخَت البياف عن كقت اغباجة‪ ،‬كالقوـ‬
‫كفر‪ ،‬كمع ذلك النيب صلى‬
‫بنوا مذىبهم‪ ،‬على أف آيات الصفات يدؿ ظاىرىا على التشبيو‪ ،‬كالتشبيو ه‬
‫ا﵁ عليو كسلم ما بُت كال كضح‪.‬‬

‫وانيًا‪ :‬يرد مذىب التفويض أنو يلزـ منو الطعن ُب حكمة ا﵁ تبارؾ كتعاىل حيث أنزؿ على الناس‬
‫ىدل كنور كبياف كتبياف‪ ،‬كبشرل للمسلمُت‪ ،‬كظاىره يقود إىل الضبلؿ‪ ،‬بل الكفر‪.‬‬
‫كتابنا‪ ،‬كصفو بأنو ن‬

‫كبلـ أعجمي‪ ،‬إذا قرأه من يعرؼ لغة‬


‫كبلـ كأنو ه‬
‫كصفو ا﵁ هبذه الصفات‪ ،‬كىو ؾبهوؿ اؼبعٌت‪ ،‬فيو ه‬
‫العرب ال يفهمها‪ ،‬فيو ألفاظ أقرب ما تكوف إىل األحاجي كاأللغاز‪ ،‬أىذا يكوف ُب و‬
‫كتاب ىذا شأنو؟‬
‫أىذا يليق حبكمة ا﵁ تبارؾ كتعاىل؟‬

‫وم قالوا والثًا‪ :‬ىذا اؼبذىب يرده التأمل فيما يلزـ على ىذا القوؿ من الطعن ُب القرآف الكرًن‪،‬‬
‫معسرا‪ ،‬صعبنا‪ ،‬ألغاز كأحاجي‪ ،‬لو معٌت يبكن أف يفهم‪ ،‬كاغبقيقة أنو ال يبكن‬
‫الذم جعلو القوـ قرآنا ن‬
‫فهم معناه‪ ،‬كؽبذا الكبلـ تأكيل أنو ال يعلمو إال ا﵁‪ ،‬كمع ذلك مأمور اإلنساف أف يتدبره‪ ،‬كمع ذلك‬
‫و‬
‫حديث كاحد عليو الصبلة كالسبلـ ما‬ ‫النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ما بُت كال كضح‪ ،‬كال أرشد كال ُب‬
‫اؼبعٌت اؼبراد أك على األقل قاؿ للصحابة‪ :‬اقرءكا القرآف كحذا ًر أف تفهموا منو شيئا‪ ،‬كعلى األخص ما‬
‫يتعلق بصفات ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪180‬‬ ‫هللا‬
‫يلزـ على ىذا اؼبذىب‪ ،‬أك يرد ىذا اؼبذىب من جهة رابعة أنو يستلزـ تشغيل النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫﴿وَما‬
‫كسلم يا ﵁ العجب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم إمبا أنزؿ ا﵁ عليو ىذا القرآف؛ ليبُت للناس ما فيو؛ َ‬
‫ان قَ ْوِم ِو﴾ ؼبا؟ ﴿لِيُبَ يٍّ َن لَ ُه ْم﴾ كىم جعلوه عليو الصبلة كالسبلـ تالينا ؽبذا‬ ‫أ َْر َسلْنَا ِم ْن ر ُس ٍ‬
‫ول إِاال بِلِس ِ‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫القرآف الذم أرسل بإببلغو كىو هبهل معناه‪ ،‬كاف يتلوا كبلمان ال يدرم معناه‪ ،‬ألف أشرؼ ما فيو ال‬
‫يعلم معناه إال ا﵁ تبارؾ كتعاىل حىت النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يتلو القرآف كىو ال يعرؼ معناه ُب‬
‫أشرؼ كأفضل مطالبو‪.‬‬

‫عليهخامسا‪ :‬تشغيل السلف الصاحل‪ ،‬كأف أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم فضبلن‬
‫ً‬ ‫وم يلزم‬
‫عمن بعدىم‪ ،‬كانوا ال يعلموف الكتاب إال أماين‪ ،‬ألفاظ فقط‪ ،‬تقاؿ بدكف معٌت‪ ،‬كانوا يقرءكف القرآف‬
‫كيتأملوف كىم جهاؿ دبعناه‪ ،‬ال يفهموف ما يقرءكف‪ ،‬كحاشا أصحاب النيب صلى ا﵁ عليو كسلم من‬
‫ذلك‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬أنو ه‬
‫ـبالف إلصباع السلف الصاحل‪ ،‬من كوهنم كانوا يتدبركف القرآف‬ ‫ً‬ ‫يرد ىذا المذىب‬
‫كلو‪ ،‬من أكلو آلخره‪ ،‬كما قاؿ منهم أح هد قط‪ ،‬إف ُب القرآف ما ال يعلم‪ ،‬كما قاؿ أح هد منهم قط‪ :‬إف‬
‫ُب القرآف ما ال سبيل إال تدبره‪ ،‬مر بنا كيف كاف ؾباى هد رضبو ا﵁ يعرض القرآف على ابن عباس رضي‬
‫ؾباىدا رضبو ا﵁‪ ،‬استثٌت من ذلك آيات الصفات‪،‬‬
‫آية يسألو عنها‪ ،‬أظبعتم أف ن‬ ‫ا﵁ عنهما يقفو عند كل و‬

‫استَ َوى﴾ كاف يسكت‬


‫ش ْ‬‫أقاؿ ؾباىد رضبو ا﵁ إنو كاف إذا مر على قولو تعاىل‪﴿ :‬ال ار ْح َم ُن َعلَى ال َْع ْر ِ‬
‫كيصمت‪ ،‬كابن عباس كذلك‪ ،‬كيبضوف كال يقفوف؟ أمر بكم ذلك يا صباعة؟ ال‪ ،‬ما كاف؛ ىذا بن‬
‫مسعود رضي ا﵁ عنو كىو الذم يقوؿ‪" :‬كنا إذا نزؿ القرآف‪ ،‬كقفنا عند عشر آيات فحفظناىا‪ ،‬كعلمنا‬
‫ما فيها‪ ،‬كعملنا هبا‪ٍ ،‬ب انتقلنا إىل غَتىا"‪ ،‬السؤاؿ‪ :‬أقاؿ ابن مسعود رضي ا﵁ عنو باستثناء آيات‬
‫جرا ُب آثا ور كثَتة عن السلف‪.‬‬
‫الصفات؟ اعبواب‪ :‬ال‪ ،‬كىلم ن‬
‫بل النيب صلى ا﵁ عليو كسلم كاف وبث أمتو على مدارسة القرآف‪ ،‬النيب صلى ا﵁ عليو كسلم أخرب‬
‫قوم في ٍ‬
‫بيت من بيوت اهلل‪ ،‬يتلون كتاب اهلل‪ ،‬ويتدارسونو‬ ‫كما ُب الصحيح‪« :‬ال يجتمع ٌ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪181‬‬ ‫هللا‬
‫بينهم»أقاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم إال آيات الصفات؛ ألف ؽبا تأكيبلن ال يعلمو إال ا﵁‪ ،‬كىي متشاهبة‬
‫تشاهبنا مطل نقا‪ ،‬أىذا قالو النيب عليو الصبلة كالسبلـ؟ اعبواب‪ :‬ال‪.‬‬

‫إ نذا ىذه يا رعاكم ا﵁ أكجو تدؿ على بطبلف ىذا اؼبذىب‪.‬‬

‫وأخيرا من جهة اللوازم التي تلزم على ىذا المذىب‪ ،‬يلزم على ىذا المذىب‪:‬‬
‫ً‬

‫أوالً‪ :‬أف ترؾ الناس‪ ،‬كما قلنا ُب مذىب أىل التأكيل‪ ،‬نقوؿ ُب مذىب أىل التفويض‪ ،‬يلزـ على‬
‫ما قرركا ُب ىذا اؼبذىب‪ ،‬أف ترؾ الناس ببل قرآف خَته ؽبم من أف ينزؿ عليهم قرآف قد يقودىم إىل‬
‫الضبلؿ‪ ،‬كقد يقودىم إىل الكفر با﵁ عز كجل‪ ،‬فإف ظاىر ىذه النصوص يدؿ على التشبيو‪ ،‬كالتشبيو‬
‫كفر‪.‬‬
‫ه‬

‫أيضا‪ :‬فتح باب دخوؿ أىل الزندقة كاإلغباد‪ ،‬كالضبلؿ على‬


‫وم إنو يلزم على ىذا المذىب ً‬
‫اؼبسلمُت‪ ،‬فإف ىذا اؼبذىب مذىب ذبهيل‪ ،‬أصحابو يقولوف إف السلف كانوا أىل جهل‪ ،‬أىل دركشة‪،‬‬
‫كما يقولوف‪ ،‬يقرءكف القرآف فقط للربكة‪ ،‬أما العلم كاستنباط اؼبعاين‪ ،‬كفهم اؼبراد ىذا لنا كبن‪ ،‬فيفتح‬
‫اجملاؿ لكل صاحب بدعة كضبلؿ‪ ،‬وبرؼ الكلم عن مواضعو‪ ،‬أف ىبوض ُب كتاب ا﵁‪ ،‬كُب سنة رسولو‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم؛ ألف القوـ فتحوا ؽبم اجملاؿ‪ ،‬السلف كانوا أىل ذبهيل‪ ،‬كانوا جهاالن كهبهلوف‬
‫أيضا؛ كألجل ىذا كاف مذىبهم أسلم‪ ،‬ألهنم يسكتوف عن و‬
‫جهل‪ ،‬فبل يتكلموف فيقعوف ُب‬ ‫غَتىم ن‬
‫علما‪ ،‬أف يقوؿ ُب كتاب ا﵁ عز كجل‪ ،‬برأيو كما‬ ‫و‬
‫اػبطأ‪ ،‬لكن اؼبتأخركف يبكن لكل أحد‪ ،‬ألنو قد حاز ن‬
‫يبدك لو من ىول‪ ،‬كبالتايل فإنو يفتح اجملاؿ على مصراعيو للخركج عن هنج السلف الصاحل‪.‬‬

‫أخيرا‪ ،‬ىذا اؼبذىب لو مل يلزمو إال كونو يغلق على أصحابو باب التدبر كالتأمل كالتعبد ﵁‬
‫وم ً‬
‫تبارؾ كتعاىل‪ ،‬بأظبائو كصفاتو‪ ،‬أقوؿ لو مل يكن إال ىذا البلزـ لدؿ ىذا على بطبلف ىذا اؼبذىب‪،‬‬
‫كعلى أنو حرم بالرد كالنقد‪ ,‬سبحاف ا﵁ العظيم كيف يقوؿ أح هد إف أفضل ما ُب القرآف‪ ،‬كأعظم ما ُب‬
‫القرآف كىو الذم تشتد حاجة اؼبؤمنُت إليو‪ ،‬أعظم من كل شيء‪ ،‬كىو معرفة رهبم كخالقهم‪ ،‬كإؽبهم‪،‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪182‬‬ ‫هللا‬
‫الذم يذعنوف لو‪ ،‬كيذلوف لو‪ ،‬كوببونو‪ ،‬كيعظمونو‪ ،‬كيتوكلوف عليو‪ ،‬كيفوضوف أمورىم إليو‪ ،‬كيف يقاؿ‬
‫إف على اؼبؤمنُت أف ال يفهموا شيئنا من اآليات اليت تتكلم عنو؟ إمبا إذا مر اإلنساف على آيات فيها‬
‫بياف صفة ا﵁ تبارؾ كتعاىل فإف عليو أف يسرع أثناء القراءة‪ ،‬مع إغبلقو العقل كالقلب كالعُت‪ ،‬عن أف‬
‫يتدبر فيها‪ ،‬سبحاف ا﵁ العظيم‪ ،‬ماذا فات ىؤالء من أعظم باب يزيد اإليباف كيرقي العبد‪ُ ،‬ب مدارج‬
‫اإلحساف‪ ،‬كألجل ىذا‪ ،‬ألجل ما يلزـ على ىذا اؼبذىب‪ ،‬من ىذه اللوازـ الباطلة‪ ،‬كفتح باب الضبلؿ‬
‫على مصرعيو‪ ،‬قرر أىل العلم أف ىذا اؼبذىب من شر اؼبذاىب‪.‬‬

‫نص شيخ اإلسبلـ رضبو ا﵁ ُب اجمللد األكؿ من درء التعارض‪ :‬أف مذىب أىل التفويض بعد أف‬
‫بُت اللوازـ اليت تلزـ عليو‪ ،‬بُت أنو من شر مذاىب أىل البدع‪ ،‬إذا نظرت كتأملت ُب اللوازـ اليت تلزـ‬
‫كبلـ مستقيم‪ ،‬لعلنا نقف عند ىذا اغبد‪.‬‬
‫عليو‪ ،‬فبل شك كال ريب‪ ،‬أنك كبلمو رضبو ا﵁ ه‬

‫قال شيخ اإلسالم أحمد بن عبد الحليم رحمو اهلل تعالى في رسالة العقيدة الوسطية‪( :‬وقولو‬
‫تعالى ﴿ ار ِ‬
‫ض َي اللاوُ َع ْن ُه ْم َوَر ُ‬
‫ضوا َع ْنوُ﴾‪.‬‬

‫انتقل اؼبؤلف رضبو ا﵁ إىل إيراد الدليل على إثبات صفة الرضا ﵁ سبحانو كتعاىل كىذا ما دؿ عليو‬
‫ما ظبعت من قولو تعاىل ﴿ ار ِ‬
‫ض َي اللاوُ َع ْن ُه ْم َوَر ُ‬
‫ضوا َع ْنوُ ﴾ فإف من صفات ا﵁ جل كعبل الرضا فهو‬
‫يرضى عمن يشاء إذا يشاء سبحانو كتعاىل‪ ،‬كالرضا عند أىل السنة كاعبماعة صفة اختيارية؛ يعٍت ىي‬
‫متعلقة دبشيئة ا﵁ سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫الصفات االختيارية كإف شئت فقل الصفات الفعلية تقابل الصفات الذاتية‪ ،‬الصفات الذاتية ىي‬
‫اليت ال تنفك عن الذات فلم يزؿ كال يزاؿ سبحانو متصفان هبا كأما الصفات الفعلية فإهنا اؼبتعلقة دبشيئة‬
‫ا﵁ جل كعبل يتصف هبا إذا شاء‪.‬‬

‫والمبتدعة المخالفون ألىل السنة والجماعة خالفوا الحق في ىذه الصفة من جهتين‪:‬‬

‫أوالً‪:‬من جهة كوهنم أكلوا ىذه الصفة فلم يثبتوا ﵁ جل كعبل رضان يليق بو جل كعبل إمبا أكلوا ىذه‬
‫الصفة إىل إرادة اإلحساف فَتضى عندىم يعٍت يريد أف يوبسن‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪183‬‬ ‫هللا‬
‫وانيًا‪:‬كاإلرادة عندىم صفة ذاتية كىذا ىو اػبلل الثاين ُب منهجهم‪ ،‬أعٍت حينما تناكلوا ىذا الصفة‬
‫أخطأكا خطئان ثانيان حينما جعلوا ىذه الصفة صفة ذاتية‪ ،‬فالقوـ اإلرادة عندىم صفة ذاتية قائمة بذات‬
‫ا﵁ تبارؾ كتعاىل ىي صفة كاحدة ال تتعدد إمبا يكوف التعدد ُب التعلق؛ يعٍت إذا تعلق أك إذا تعلقت‬
‫إرادة ا﵁ جل كعبل باإلحساف فإهنا تسمى رضبة كإذا تعلقت إرادة ا﵁ باػبَت فإهنا تسمى ؿببة كإذا‬
‫تعلقت إرادة ا﵁ جل كعبل باالنتقاـ فإهنا تسمى غضبان‪ ..‬كىكذا‪.‬‬

‫كال شك أف ىذا كما قبلو غَت صحيح‪ ،‬بل الرضا صفة متعلقة باؼبشيئة‪ ،‬يدؿ على ىذا قوؿ ا﵁‬
‫ش َج َرةِ﴾ فاآلية صروبة ُب أف الرضى إمبا‬ ‫ين إِ ْذ يُبَايِعُونَ َ‬‫ِِ‬ ‫ِ‬
‫ت ال ا‬
‫ك تَ ْح َ‬ ‫سبحانو ﴿ل َق ْد َرض َي اللاوُ َع ِن ال ُْم ْؤمن َ‬
‫كاف منو سبحانو كتعاىل ؽبؤالء اؼبؤمنُت ُب تلك اغباؿ كىي حاؿ كوهنم يبايعوف النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم ربت الشجرة فدؿ ىذا على أف الرضى كاف منو سبحانو كتعاىل ؽبم بعد أف مل يكن‪ ،‬ككل ما‬
‫كاف منو سبحانو بعد أف مل يكن فإنو من الصفات االختيارية اؼبتعلقة دبشيئتو سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫دلت األدلة على أف رضا ا﵁ جل كعبل قد يتعلق بأعماؿ كأقواؿ كقد يتعلق بالعاملُت‪ ،‬قد يتعلق‬
‫بأشخاص كقد يتعلق بأعماؿ كأقواؿ‪ ،‬فا﵁ يرضى ىذه األقواؿ أك األعماؿ كا﵁ سبحانو يرضى عن‬
‫العاملُت بأقواؿ كأعماؿ‪ ،‬يدؿ على رضاه سبحانو كتعاىل عن العاملُت ما جاء ُب ىذه اآلية اليت بُت‬
‫أيدينا‪ ،‬فا﵁ جل كعبل رضي عن اؼبؤمنُت رضي ا﵁ عنهم‪ ،‬أما رضاه سبحانو عن العمل أك القوؿ فيدؿ‬
‫«إن اهلل يرضى لكم‬ ‫عليو ما خرج اإلماـ مسلم رضبو ا﵁ ُب صحيحو من قولو صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫والواً ويكره لكم والواً‪ ،‬يرضى لكم أن تعبدوه وال تشركوا بو شيئاً‪ ،‬وأن تعتصموا بحبل اهلل جميعاً‬
‫وال تتفرقوا» ‪ ،‬كالثالثة ما جاءت ُب ركاية مسلم لكن جاءت عند غَته ُب كثَت من كتب السنة‪ ،‬كىي‬
‫«أن تناصحوا من واله اهلل أمركم»فا﵁ جل كعبل يرضى ىذه األعماؿ اليت يقوـ هبا اؼبؤمنوف‪.‬‬

‫كاؼبقصود أف ىذه الصفة يثبتها أىل السنة كاعبماعة على ما ىو النهج القوًن ُب صبيع صفات ا﵁‬
‫س َك ِمثْلِ ِو‬
‫جل كعبل‪ ،‬يثبتوف رضان يليق با﵁ سبحانو ال يباثل رضا اؼبخلوقُت‪ ،‬كما قاؿ جل كعبل ﴿لَْي َ‬
‫س ِميع الْب ِ‬
‫ص ُير﴾‬ ‫َش ْيءٌ َو ُى َو ال ا ُ َ‬
‫قال رحمو اهلل‪( :‬وقولو﴿بِ ْس ِم اللا ِو ال ار ْح َم ِن ال ارِح ِ‬
‫يم﴾)‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪184‬‬ ‫هللا‬
‫﴿وىو‬ ‫كقع ُب عدة نسخ إضافة آية مل تقرأىا يا شيخ عبد ا﵁ ُب نسختك‪ ،‬كىي قولو تعاىل‬
‫الغفور الودود﴾ ىذه كاقعة ُب بعض النسخ ُب ثبلث أك أربع نسخ كال أظن أف اإلماـ رضبو ا﵁ يغفل‬
‫ما يتعلق بصفة الود ﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬ككذلك دلت ىذه اآلية صفة اؼبغفرة ﵁ جل كغبل‪ ،‬ىذه اآلية‬
‫فيها إثبات صفتُت ﵁ كاظبُت لو سبحانو‪ ،‬قاؿ ﴿وىو الغفور الودود﴾ الودكد صفة مضى اإلشارة إليها‬
‫عند الكبلـ عن صفة ا﵀بة‪ ،‬فالود قلنا إنو صفو ا﵀بة‪ ،‬كقلنا إف الودكد جاء ُب كتاب ا﵁ سبحانو ُب‬
‫موضعُت ُب ىذه السورة ُب الربكج كُب سورة ىود ﴿إن ربي رحيم ودود﴾ ‪ ،‬كاختلف العلماء ُب ىذا‬
‫االسم‪ ،‬ىل ىو على زنة اسم الفاعل أـ على زنة اسم اؼبفعوؿ‪ ،‬فأكثر العلماء على أف كدكد ىنا على‬
‫زنة اسم الفاعل؛ كدكد يعٍت ك هاد يعٍت يود يعٍت وبب‪ ،‬فهي أعٍت ىذه الكلمة على كبو قولك صبور‬
‫دبعٌت صابر كشكور دبعٌت شاكر كما إىل ذلك‪.‬‬

‫كذىبت طائفة من أىل العلم إىل أف كدكد على زنة اسم اؼبفعوؿ‪ ،‬كدكد دبعٌت مودكد يعٍت يوده‬
‫عباده‪ ،‬وببو عباده‪ ،‬فهو حبيب إىل عباده‪ ،‬كبالتايل يكوف فعوؿ ىاىنا على معٌت مفعوؿ‪ ،‬كما تقوؿ‬
‫ىيوب دبعٌت مهيب يهاب‪ ،‬فهو اسم مفعوؿ‪ ،‬كىذا ما جاء عن ابن عباس رضي ا﵁ عنهما كما ُب‬
‫ركاية علي بن أيب طلحة فإنو فسر قولو تعاىل الودكد بقولو‪ :‬اغببيب‪ ،‬كىذا أيضان ما نص عليو اإلماـ‬
‫البخارم رضبو ا﵁ ُب صحيحو‪.‬‬

‫كشبة قوؿ ثالث‪ ،‬كىو اعبمع بُت القولُت اؼباضيُت كىذا الذم انتصر لو صبع من أىل العلم ا﵀ققُت؛‬
‫كالبغوم رضبو ا﵁ ُب تفسَته‪ ،‬ككذلك ابن القيم‪ ،‬كأؼبح إليو إؼباحان الراغب األصفهاين ُب مفرداتو‪،‬‬
‫فيكوف كدكد اظبان داالن على معنيُت أال كىو أنو يًوبب كأنو يوبىب‪ ،‬فيكوف ىذا االسم قد دؿ على ما دؿ‬
‫ف يَأْتِي اللاوُ بَِق ْوٍم يُ ِحبُّ ُه ْم َويُ ِحبُّونَوُ﴾ كليس دبستنكر أف يدؿ اسم كاحد من‬
‫س ْو َ‬
‫عليو قولو تعاىل ﴿فَ َ‬
‫أظباء ا﵁ تعاىل على أكثر من معٌت‪ ،‬كأظن أنو قد مر بنا طرؼ من اإلشارة إىل ذلك كسيمر بإذف ا﵁‬
‫عز كجل علينا شيء من ذلك أيضان‪.‬‬

‫القصد أف ىذا االسم داؿ على ثبوت صفة الود ﵁ جل كعبل‪ ،‬كىي صفة ُب اعبملة راجعة إىل‬
‫صفة ا﵀بة كقد مضى تفصيل القوؿ ُب صفة ا﵀بة‪.‬‬

‫أما االسم الثاين فهو الغفور‪ ،‬كىذا ما يتضمن صفة اؼبغفرة‪ ،‬ىذا االسم يتضمن صفة اؼبغفرة ﵁‬
‫جل كعبل‪ ،‬كا﵁ سبحانو قد بُت ُب كتابو أنو غافر الذنب كأنو الغفور كما معنا ُب ىذه اآلية كأنو الغفار‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪185‬‬ ‫هللا‬
‫﴿أال ىو العزيز الغفار﴾ ‪ ،‬كذىب بعض أىل العلم إىل أف الغفار أبلغ من الغفور؛ كاؼبقصود أف الغفور‬
‫كالغفار كبلنبا من صيغ اؼببالغة اليت تدؿ على أف ا﵁ تعاىل عظيم اؼبغفرة ككاسع اؼبغفرة ككثَت اؼبغفرة‪،‬‬
‫سبحانو كتعاىل‪ ،‬كاألصل ُب ىذه الكلمة من جهة اللغة أف الغفر ىو السًت‪ ،‬كبالتايل فسر طائفة من‬
‫أىل العلم اؼبغفرة بأهنا سًت ا﵁ عز كجل الذنب على عبده‪ ،‬يسًت ا﵁ عز كجل عبده ُب الدنيا كاآلخرة‬
‫الذم عمل السيئات‪ ،‬غفر ا﵁ الذنب يعٍت سًته على صاحبو‪ ،‬كلكن ىذا ليس بذاؾ الوجيو كاألقرب‬
‫كا﵁ تعاىل أعلم أف اؼبغفرة تتضمن معنان زائدان على ؾبرد السًت‪ ،‬كىذا ما حققو شيخ اإلسبلـ ابن تيمية‬
‫رضبو ا﵁ ككذلك ابن رجب رضبة ا﵁ عليهما‪ ،‬فإف اؼبغفرة ُب فعل ا﵁ سبحانو كتعاىل تتضمن مع السًت‬
‫الوقاية‪ ،‬كىذا سائغ كصحيح لغة‪ ،‬فإف اؼبًغ ىفر مأخوذ من الغفر كلكنو ال يدؿ على ؾبرد السًت‪ ،‬بل يدؿ‬
‫على سًت الرأس ككقايتو أيضان‪ ،‬كىذا اؼبقصود من كضع اؼبًغ ىفر على الرأس‪ ،‬كلذلك العمامة تسًت الرأس‬
‫كلكنها ال تسمى مغفر ؼباذا؟ ألهنا ال تقي صاحبها‪ ،‬فدؿ ىذا على أف اؼبغفرة من ا﵁ سبحانو كتعاىل‬
‫تتضمن كقاية شر الذنب كاؼبؤاخذة عليو‪ ،‬اؼبغفرة كقاية ا﵁ سبحانو عبده شر ذنبو كمؤاخذتو عليو‬
‫سبحانو كتعاىل‪.‬‬

‫كجاء ُب االدلة ما يدؿ على ثبوت كصف آخر قريب من ىذه الصفة‪ ،‬أال كىو العفو‪ ،‬فا﵁ جل‬
‫كعبل اظبو العفو كصفتو العفو‪ ،‬كفبا وببو العفو‪" ،‬اللهم إنك عفو ربب العفو فاعف عٍت"‪.‬‬

‫ككلمة اؼبغفرة كالعفو من الكلمات اليت إذا اجتمعت افًتقت كإذا افًتقت اجتمعت؛ دبعٌت إذا ذكر‬
‫كل على حدا فإنو يتضمن ما دؿ عليو اآلخر من اؼبعٌت‪ ،‬كأما إذا جاء ُب سياؽ كاحد كبو قولو تعاىل‬
‫ف َعناا َوا ْغ ِف ْر لَنَا َو ْار َح ْمنَا﴾ فكيف يفسر كل من ىاتُت الكلمتُت؟ ىذا موضع خبلؼ بُت أىل‬
‫﴿وا ْع ُ‬
‫َ‬
‫العلم منهم من قاؿ إف اؼبغفرة أبلغ من العفو‪ ،‬فالعفو إسقاط‪ ،‬ا﵁ جل كعبل يًتؾ مؤاخذة عبده‬
‫كيسقط اؼبؤاخذة عن عبده‪ ،‬اؼبؤاخذة على ىذا الذنب يسقطها سبحانو كتعاىل بعفوه‪ ،‬كأما اؼبغفرة فإهنا‬
‫تتضمن معنان زائدان كىو اإلقباؿ على العبد كاإلحساف إليو‪ ،‬كمعلوـ أف العفو قد ال يتضمن ىذا‪ ،‬ردبا إذا‬
‫أخطأ عليك إنساف فانت تعفو عنو‪ ،‬يعٍت تساؿبو ال تقابلو بالعقوبة كال تقابلو باؼبثل‪ ،‬أنت اآلف ماذا‬
‫فعلت؟ عفوت عنو‪ ،‬كلكن ال يستلزـ ىذا أف يكوف منك ذباىو ؿببة كرضا كإنعاـ كإحساف‪ ،‬فردبا يكوف‬
‫ُب نفسك عليو شيء كردبا إذا لقيتو بعد ذلك تعرض عنو‪ ،‬كأما اؼبغفرة فإهنا تتضمن كما ذكرنا ما ىو‬
‫أكثر من ذلك كىذا ما رجحو طائفة من ا﵀ققُت كمنهم شيخ اإلسبلـ ابن تيمية رضبو ا﵁‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪186‬‬ ‫هللا‬
‫كقالت طائفة أخرل إف العفو أبلغ‪ ،‬فإف اؼبغفرة إمبا تتعلق بالصغائر كالعفو يتعلق بالصغائر كالكبائر‪،‬‬
‫﴿وا ْغ ِف ْر لَنَا﴾ ‪ ،‬عفوان العفو يتضمن العفو عن‬
‫ف َعناا﴾ أم ذباكز عن صغائرنا‪َ ،‬‬ ‫فمعٌت قولو ﴿ َوا ْع ُ‬
‫﴿وا ْغ ِف ْر لَنَا﴾ تكوف‬
‫الصغائر كالكبائر‪ ،‬كأما اؼبغفرة فإهنا تتضمن العفو عن الصغائر فقط‪ ،‬كبالتايل فإف َ‬
‫دبعٌت اؼبساؿبة عن الصغائر‪ ،‬كعلى كل حاؿ ليس شبة قاطع من ىذين القولُت كاؼبقاـ مقاـ اجتهاد عند‬
‫أىل العلم‪ ،‬كا﵁ سبحانو كتعاىل أعلم‪.‬‬

‫كاؼبقصود أف أىل السنة كاعبماعة يعتقدكف أف اؼبغفرة كالغفراف كصف ا﵁ سبحانو كتعاىل الذم يرجع‬
‫إىل صبلة الصفات االختيارية لو‪ ،‬فإنو يغفر إذا شاء سبحانو كتعاىل‪ ،‬قاؿ سبحانو ﴿إِ ان اللاوَ َال يَغْ ِف ُر أَن‬
‫شاءُ﴾ فاؼبغفرة متعلق دبشيئة ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كا﵁ جل كعبل قد‬ ‫ك لِ َمن يَ َ‬
‫يُ ْش َر َك بِ ِو َويَغْ ِف ُر َما ُدو َن َٰذَلِ َ‬
‫دلت األدلة على أنو متصف دبغفرة عظيمة‪ ،‬كأنو كثَت اؼبغفرة‪ ,‬يغفر اؼبرة بعد اؼبرة‪ ،‬كىذا ما يدؿ عليو ىذا‬
‫االسم الذم يدؿ على اؼببالغة كالذم تكرر كثَتان ُب كتاب ا﵁‪ ،‬جاء اسم الغفور ُب كتاب ا﵁ ُب أكثر‬
‫من تسعُت موضعان ابتداءن من البقرة كانتهاءن بسورة الربكج‪ ،‬ىذا يدلك على أف ا﵁ جل كعبل عظيم اؼبغفرة‬
‫كأف مغفرتو ال يتصورىا إنساف‪ ،‬حىت قاؿ ابن مسعود رضي ا﵁ عنو "ليغفرف ا﵁ مغفرة يوـ القيامة ال زبطر‬
‫على قلب بشر"‪ ،‬كال شك أف ما يتعلق هبذه الصفة من ىذا اؼبعٌت العظيم الذم ىو كثرة اؼبغفرة من ا﵁‬
‫سبحانو كسعة اؼبغفرة منو جل كعبل‪ ،‬ال شك أنو شيء فوؽ ما يتصوره اؼبتصور‪ ،‬كتعبد العبد ﵁ سبحانو‬
‫كتعاىل هبذا االسم ال شك أنو يزيده حبان فيو كرجاءن لو كإقباالن عليو‪ ،‬كما أنو وبث اؼبطايا على التعرض‬
‫ألسباب مغفرة ا﵁ تبارؾ كتعاىل أف وبسن اإلنساف عملو كأف يقبل على ربو بفعل طاعتو كاجتناب‬
‫معاصيو‪ ،‬حىت يكوف أىبلن ؼبغفرة ا﵁ جل كعبل‪.‬‬

‫ومغفرة اهلل دلت األدلة على أنها قد تكون متعلقة بالذنب الذي تاب منو العبد وقد تكون‬
‫متعلقة بالذنب الذي لم يتب منو العبد‪:‬‬

‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِو ال ار ْح َمةَ أَناوُ َم ْن‬


‫أما مغفرتو للذنب الذم تاب منو العبد‪:‬فأدلتو كثَتة ﴿ َكتَ َ‬
‫يم﴾ كمر بنا الكبلـ على أف ذكر‬ ‫ع ِمل ِم ْن ُكم سوءا بِجهالَ ٍة وُ ام تَاب ِمن ب ع ِدهِ وأَصلَح فَأَناو غَ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬ ‫َ ْ َْ َ ْ َ ُ ٌ‬ ‫َ َ ْ ُ ً ََ‬
‫الوصف ُب ىذا اؼبقاـ مشعر بأف ا﵁ سبحانو كتعاىل سيغفر ىذا الذنب لصاحبو‪ ،‬كىذا أمر ال شك فيو‬
‫كال ريب كىو قطعي اغبصوؿ؛ ألف ا﵁ تعاىل قد كعد كا﵁ ال ىبلف اؼبيعاد‪ ،‬ا﵁ جل كعبل قد كعد بأف من‬
‫تاب إليو فإنو يتوب عليو كيغفر لو ذنبو‪ ،‬كما مر بنا ُب ىذه اآلية‪ ،‬ككما سنتكلم عن ىذا قريبان إف شاء ا﵁‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪187‬‬ ‫هللا‬
‫فهذا األمر قطعي الوقوع بأف من تاب إىل ا﵁ فإف ا﵁ تعاىل سيغفر لو ذنبو قطعان‪ ،‬لكن اإلنساف ال هبزـ من‬
‫نفسو بذلك ألنو ال يدرم أستوُب شركط التوبة أـ ال‪ ،‬لكننا قبزـ أف من استوَب شركط التوبة فإف ا﵁ تعاىل‬
‫يغفر لو ذنبو‪ ،‬ىذا أمر قطعي ال شك فيو كال ريب‪.‬‬

‫كقد تكوف مغفرتو سبحانو ‪-‬كىذا يدلك على عظيمها عظيم ىذه اؼبغفرة‪ -‬قد تكوف لذنب مل يتب‬
‫ك لَ ُذو َمغْ ِف َرةٍ لٍّلن ِ‬
‫ااس َعلَى ظُل ِْم ِه ْم﴾ مع بقاء اإلنساف على الذنب قائمان كإصراره‬ ‫﴿وإِ ان َربا َ‬
‫اإلنساف منو‪َ :‬‬
‫عليو فإف ا﵁ تعاىل قد يغفر لو ذلك أيضان‪ ،‬لكن ىذا األمر ليس قطعي الوقوع ُب حق كل أحد‪ ،‬بل‬
‫شاءُ﴾‬ ‫ك لِ َم ْن يَ َ‬ ‫﴿ويَ ْغ ِف ُر َما ُدو َن َذلِ َ‬
‫األمر راجع إىل مشيئة ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬كعلى ىذا وبمل قولو َ‬
‫ىذه اآلية ُب التائبُت‪ ،‬ىذه اآلية ليست ُب التائبُت‪ ،‬إمبا التائبوف حظهم قولو تعاىل ﴿إِ ان اللاوَ يَ ْغ ِف ُر‬
‫ِ‬ ‫ِ ِ‬
‫َس َرفُوا َعلَى أَنْ ُف ِس ِه ْم ال تَ ْقنَطُوا م ْن َر ْح َم ِة اللا ِو إِ ان اللاوَ‬
‫ين أ ْ‬
‫اد ا ِ‬
‫ي الذ َ‬
‫ِ‬
‫وب َجم ًيعا﴾ ﴿قُ ْل يَا عبَ َ‬ ‫ُّ‬
‫الذنُ َ‬
‫شاءُ﴾‬ ‫ك لِ َم ْن يَ َ‬ ‫﴿ويَ ْغ ِف ُر َما ُدو َن َذلِ َ‬
‫وب َجم ًيعا﴾ ىذه اآلية ىي حظ التائبُت‪ ،‬أما قولو َ‬
‫ِ‬ ‫يَ ْغ ِف ُر ُّ‬
‫الذنُ َ‬
‫فهذا ُب حق من أذنب كمات كمل يتب إىل ا﵁ سبحانو كتعاىل من ذنبو‪ ..‬كا﵁ تعاىل أعلم‪.‬‬

‫قاؿ رضبو ا﵁‪( :‬كقولو﴿بِ ْس ِم اللا ِو ال ار ْح َم ِن ال ارِح ِ‬


‫يم﴾‬

‫ىذه اآلية بسم ا﵁ الرضبن الرحيم‪ ،‬أظن أننا تكلمنا عليها ُب دركس سابقة كذكرنا ما يتعلق‬
‫بتفسَتىا كالتعلق الذم ُب قوؿ بسم‪ ،‬كاؼبقصود ىنا التعليق على ما ىبتص باألظباء كالصفات؛ ألف ىذا‬
‫ىو اؼبوضوع الذم ألجلو أكرد اؼبؤلف رضبو ا﵁ ىذه اآليات‪.‬‬

‫ىذه اآلية اشتملت على ثبلثة أظباء ﵁ سبحانو‪ ،‬االسم اعبليل العظيم ا﵁‪ ،‬كمضى الكبلـ فيو‪،‬‬
‫كبقي معنا اظباه الرضبن كالرحيم‪.‬‬

‫كىذاف االظباف اتفق العلماء أكالن على أهنما يدالف على اتصاؼ ا﵁ عز كجل بصفة الرضبة‪ ،‬الرضبن‬
‫كالرحيم اظباف متفقاف ُب الداللة على صفة الرضبة يتضمناف كصف ا﵁ عز كجل هبذه الصفة‪.‬‬

‫كاتفق العلماء ثانيان على أف اظبو تعاىل الرضبن اسم ـبتص بو ال هبوز أف يتسمى بو أحد غَته‪ ،‬أما‬
‫ول ِم ْن‬
‫اء ُك ْم َر ُس ٌ‬
‫﴿لََق ْد َج َ‬ ‫الرحيم فيجوز أف يتسمى بو غَته؛ كيدؿ على ىذا قولو سبحانو كتعاىل‬
‫يم﴾ كاختلف العلماء بعد ذلك ُب‬ ‫أَنْ ُف ِس ُكم ع ِزيز علَي ِو ما عنِتُّم ح ِريص علَي ُكم بِالْم ْؤِمنِين رء ٌ ِ‬
‫وف َرح ٌ‬ ‫ْ َ ٌ َ ْ َ َ ْ َ ٌ َ ْ ْ ُ َ َُ‬
‫الفرؽ بُت ىذين االظبُت‪ ،‬الرضبن كالرحيم‪ ،‬كصبهور أىل العلم على أف الرضبن أبلغ من الرحيم‪ ،‬كأؼبح ابن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪188‬‬ ‫هللا‬
‫جرير رضبو ا﵁ إىل أف ىذا ؿبل اتفاؽ بُت أىل العلم لكن شبة خبلؼ عند بعض اؼبتأخرين‪ ،‬حيث‬
‫ذىب بعضهم إىل أف اسم الرحيم أبلغ من اسم الرضبن‪ ،‬لكن الصحيح الذم ال شك فيو أف اسم‬
‫الرضبن أبلغ ُب الداللة على صفة الرضبة من اسم الرحيم‪ ،‬فإف كزف فعبلف أبلغ من كزف فعيل‪.‬‬

‫كبعد ىذا القدر الذم يفرؽ بُت ىذين االظبُت اختلفوا اختبلفان طويل‪ ،‬كثَت من أىل العلم ذىب‬
‫إىل أف الرضبن اسم خاص ُب لفظو عاـ ُب معناه‪ ،‬كالرحيم بالعكس اسم عاـ ُب لفظو خاص ُب معناه‪،‬‬
‫ما معٌت ىذا الكبلـ؟‬

‫الذين قالوا هبذا القوؿ قالوا بأف الرضبن اسم خاص ُب لفظو دبعٌت أنو ال يطلق إال ا﵁ سبحانو‬
‫كتعاىل كما قد علمنا‪ ،‬كأما كونو عامان ُب معناه فإنو يدؿ على رضبة ا﵁ اليت كسعت كل شيء‪ ،‬كال شك‬
‫كال ريب أف رضبة ا﵁ جل كعبل قد نالت صبيع اؼبخلوقات‪ ،‬فاؼبسلم نالو حظ من الرضبة‪ ،‬كالكافر نالو‬
‫حظ من الرضبة‪ ،‬كاعبن ناؽبم حظ من اغبرمة‪ ،‬كاؼببلئكة ناؽبم حظ من الرضبة‪ ،‬كاغبيوانات ناؽبا حظ من‬
‫الرضبة‪ ،‬كىكذا ُب صبيع اؼبخلوقات‪ ،‬كىذا ما يدؿ عليو اظبو الرضبن؛ ألف الرضبن صيغة مبالغة تدؿ على‬
‫االمتبلء‪ ،‬فغضباف اسم أك عفوان كصف يدؿ على غضب عظيم كأف ىذا الغضب قد امتؤل بو ىذا‬
‫اإلنساف امتبلءن تامان‪ ،‬كذلك تقوؿ شبعاف‪ ،‬كذلك تقوؿ عطشاف‪ ،‬ىذه صفة تدؿ على مبالغة عظيمة‪.‬‬

‫إذف اظبو الرضبن يدؿ على ىذا اؼبعٌت العاـ‪ ،‬أما الرحيم فعلى العكس يدؿ أك عاـ ُب لفظو فيطلق‬
‫ُب حق ا﵁ جل كعبل اظبان كيطلق كذلك على اؼبخلوؽ كما قد علمنا‪ ،‬لكنو خاص ُب معناه فإنو يدؿ‬
‫يما ﴾ كما‬ ‫على رضبتو سبحانو اػباصة باؼبؤمنُت؛ كاستدلوا على ىذا بقولو تعاىل ﴿وَكا َن بِالْم ْؤِمنِ ِ‬
‫ين َرح ً‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫قاؿ ككاف باؼبؤمنُت رضبن‪ ،‬فدؿ ىذا على أف الرحيم يدؿ على صفة الرضبة اليت تعلقت باؼبؤمنُت‪ ،‬كلكن‬
‫ااس لَرء ٌ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم ﴾ فتبلحظ يرعاؾ ا﵁‬ ‫وف َرح ٌ‬ ‫ىذا التفريق فيو نظر‪ ،‬فإنو يقدح فيو قولو تعاىل ﴿إِ ان اللاوَ بالن ِ َ ُ‬
‫أف كلمة الناس تدؿ على عموـ كال زبتص باؼبؤمنُت فالناس كلمة يدخل فيها حىت الكافر كمع ذلك‬
‫تعلقت رضبة ا﵁ كما دلت على ىذا اآلية دباذا بعموـ الناس ال خبصوص اؼبؤمنُت‪ ،‬إذف ىذا الفرؽ‬
‫الذم يبدك كا﵁ تعاىل أعلم أنو ليس بدقيق‪ ،‬كاألقرب ُب التفريق بُت ىذين االظبُت ما حققو ابن القيم‬
‫رضبو ا﵁ ُب كتابو "بدائع الفوائد" كذكر بعد أف ذكر ىذا التحقيق أف ىذه فائدة نفيسة ال يكاد القارئ‬
‫ؽبا هبدىا ُب غَت ىذا الكتاب‪ ،‬حيث ذكر رضبو ا﵁ أف ىذين االظبُت كبلنبا يتضمن اتصاؼ ا﵁‬
‫تبارؾ كتعاىل بصفة الرضبة‪ ،‬لكن كأنا أيػبص أك أسهل لك كبلمو ليوحظ ُب اظبو سبحانو الرضبن‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪189‬‬ ‫هللا‬
‫الوصف‪ ،‬كلوحظ ُب اظبو الرحيم الفعل‪ ،‬ليوحظ ُب اظبو الرضبن الوصف ككوف ا﵁ تعاىل متصفان بصفة‬
‫الرضبة‪ ،‬كليوحظ ُب اظبو الرحيم تعلق ىذه الصفة باؼبخلوؽ ككونو يرحم عباده‪ ،‬كأنو يقوؿ الرضبن داؿ‬
‫على رضبتو الواسعة كالرحيم داؿ على رضبتو الواصلة‪ ،‬الرضبة داؿ على رضبتو الواسعة اليت اتصف هبا‬
‫سبحانو كتعاىل كما يدؿ على ىذا ىذا اؼببٌت ُب اللغة كىو فعبلف‪ ،‬أما الرحيم فإنو يدؿ على رضبة ا﵁‬
‫عز كجل الواصلة إىل عباده كلذلك ذبد ىذا بينان ُب القرآف ﴿وَكا َن بِالْم ْؤِمنِ ِ‬
‫يما ﴾ ﴿ إِ ان اللاوَ‬
‫ين َرح ً‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ااس لَرء ٌ ِ‬ ‫ِ‬
‫يم﴾‪.‬‬
‫وف َرح ٌ‬ ‫بالن ِ َ ُ‬
‫متصف برضبة عظيمة ال يتصورىا إنساف‪ ،‬قاؿ جل كعبل‪َ ﴿ ،‬وَر ْح َمتِي‬ ‫ه‬ ‫كاؼبقصود أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل‬
‫ت ُك ال َش ْي ٍء﴾‪ ،‬كىذا عموـ ؿبفوظ ما دخلو زبصيص‪ ،‬كل شيء ُب ىذا الكوف فإنو قد نالو حظ‬ ‫َو ِس َع ْ‬
‫فبا شاءه ا﵁ من رضبتو‪ ،‬حىت الكفار كحىت اؼبشركوف كحىت أعداء ا﵁ جل كعبل ناؽبم ُب الدنيا حظ من‬
‫رضبة ا﵁‪ ،‬فالكافر ما تنفس نفسان كال ربرؾ حركةن كال رقد رقد نة كال أكل أكلةن كال شرب شربةن إال برضبة‬
‫ت ُك ال َش ْي ٍء‬‫من ا﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬فرضبتو جل كعبل رضبة عامة كاسعة شاملة لكل شيء ﴿ َربانَا َو ِس ْع َ‬
‫َر ْح َمةً َو ِعل ًْما﴾‪ ،‬ىذه الرضبة العامة‪.‬‬

‫كشبة رضبة أخرل ىي الرضبة اػباصة فالنصوص تدؿ على انقساـ الرضبة إىل ىذين القسمُت‪ ،‬إىل‬
‫رضبة عامة كإىل رضبة خاصة‪ ،‬كيدؿ على ىذين القسمُت ما يظهر لك إذا تأملت قولو تعاىل ﴿ َوَر ْح َمتِي‬
‫ِِ‬ ‫ٍ‬ ‫َو ِس َع ْ‬
‫سأَ ْكتُبُ َها للاذ َ‬
‫ين يَتا ُقو َن﴾‪ ،‬كيف تفهم ىذه اآلية؟‬ ‫ت ُك ال َش ْيء﴾ ٍب قاؿ ﴿فَ َ‬
‫ت ُك ال َش ْي ٍء ﴾ ىذه دليل على القسم األكؿ كىو الرضبة العامة اليت نالت صبيع‬‫﴿ َوَر ْح َمتِي َو ِس َع ْ‬
‫اػببلئق‪ ،‬كىذه ىي الرضبة ُب الدنيا‪ ،‬يرًحم اػببلئق صبيعان هبذه الرضبة من ا﵁ تبارؾ كتعاىل‪ ،‬كىي اليت‬
‫بينها النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ُب الرضبة الواحدة اليت خلقها ا﵁ سبحانو كتعاىل مع تسعة كتسعُت‬
‫«فبها يتراحمون وبها تعطف‬ ‫رضبة‪ ،‬أنزؿ ىذه الرضبة الواحدة إىل اػبلق‪ ،‬قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫الوحش على وليدىا»‪ ،‬ىذه رضبة عامة جعلها ا﵁ سبحانو كتعاىل ُب اؼبخلوقات‪.‬‬

‫فالرضبة ىذا يعٍت جر إليو ىذا اغبديث البد من التنبيو على أف الرضبة جاءت ُب النصوص‬
‫بإطبلقُت‪ ،‬جاءت بالوصف الذم ىو قائم با﵁ تبارؾ كتعاىل كقلنا أف كل الصفات قائمة بذات ا﵁‬
‫جل كعبل‪ ،‬سواء كانت صفة ذاتية أك كانت صفة فعلية اختيارية‪ ،‬كشبة رضبة ـبلوقة‪ ،‬كمن رضبتو اليت ىي‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪190‬‬ ‫هللا‬
‫كصفو خلق ا﵁ ىذه الرضبة اؼبخلوقة اليت جعلها ُب قلوب العباد‪ ،‬كاليت جعلها ُب قلوب اغبيوانات‪،‬‬
‫فهذا أثر من آثار الرضبة اليت ىي صفة لو تبارؾ كتعاىل‪ ،‬الرضبة اؼبخلوقة اليت خلقها ا﵁ كاليت كضعها ا﵁‬
‫عز كجل ُب األرض ىي من آثار الرضبة اليت ىو متصف هبا‪ ،‬كىذه الرضبة العامة‪.‬‬
‫ِِ‬
‫سأَ ْكتُبُ َها للاذ َ‬
‫ين يَتا ُقو َن ﴾ىذه الرضبة ىي‬ ‫أما الرضبة اػباصة فهي اليت جاءت ُب قولو تعاىل ﴿فَ َ‬
‫سوا‬ ‫الرضبة األخركية خاصة باؼبؤمنُت ليس للكافرين فيها نصيب‪ ،‬قاؿ جل كعبل ُب شأهنم ﴿أُولَئِ َ ِ‬
‫ك يَئ ُ‬
‫ِم ْن َر ْح َمتِي﴾ ىؤالء ليس ؽبم ُب اآلخرة حظ من الرضبة نسأؿ ا﵁ السبلمة كالعافية‪.‬‬

‫إذن الرحمة تنقسم بحسب ما جاء في النصوص إلى ىذين القسمين‪:‬‬

‫‪ )1‬إىل الرضبة العامة‪.‬‬


‫‪ )2‬كإىل الرضبة اػباصة‪.‬‬

‫بقي بعد ذلك أن يشار إلى أن نيل رحمة اهلل سبحانو سبيلها‪:‬‬

‫‪ ‬طاعة ا﵁ عز كجل كطاعة رسولو صلى ا﵁ عليو كسلم أكالن‪ ،‬ىذا أعظم سبب لنيل رضبة ا﵁‬
‫ول لَ َعلا ُك ْم تُ ْر َح ُمو َن﴾‬ ‫سبحانو‪ ،‬من أراد رضبة ا﵁ فعليو بطاعة ا﵁‪ ،‬قاؿ جل كعبل ﴿وأ ِ‬
‫َطيعُوا اللاوَ َوال ار ُس َ‬ ‫َ‬
‫ك"لعل" من ا﵁ كاجبة‪ ،‬أعظم سبب تناؿ رضبة ا﵁ ُب الدنيا كاآلخرة أف تكوف مطيعان ﵁ كلرسولو صلى‬
‫ا﵁ عليو كسلم‪.‬‬
‫متصف بالرضبة‬ ‫ه‬ ‫‪ ‬السبب الثاين‪ :‬كىو متفرع أيضان من السبب األكؿ رضبة اػبلق؛ ا﵁ جل كعبل‬
‫كوبب الرضبة كلذلك فإنو سبحانو قد كعد برضبة من يتصف بالرضبة‪ ،‬كلذلك قاؿ النيب صلى ا﵁ عليو‬
‫كسلم «الراحمون يرحمهم الرحمن‪ ،‬ارحموا من األرض يرحمكم من السماء» ‪ ،‬فمن أراد رضبة ا﵁‬
‫فعليو أف يتنبو إىل ىذا السبب العظيم أال كىو أف يرحم اػبلق‪ ،‬كالنيب صلى ا﵁ عليو كسلم قد بُت‬
‫رحم» ‪،‬‬
‫«من ال يَرحم ال يُ َ‬ ‫كعيدان شديدان ُب ىذا الباب‪ ،‬ففي الصحيحُت قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم‬
‫كجاء أيضان ُب الصحيحُت قولو صلى ا﵁ عليو كسلم «من ال يرحم الناس ال يرحمو اهلل» ‪ ،‬إذف من‬
‫أسباب حصوؿ رضبة ا﵁ عز كجل لعبده أف يرحم ىو عباده كىذا يدلك على أنو كصف عظيم كأف‬
‫الفاقد لو قد فاتو اػبَت الكثَت بل إنو قد حاز الشقاء كالعياذ با﵁‪ ،‬فإف أبا داكد كغَته قد خرج باإلسناد‬
‫الصحيح عن أبو ىريرة رضي ا﵁ عنو أنو قاؿ ظبعت أبا القاسم الصادؽ اؼبصدكؽ صاحب ىذه اغبجرة‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪191‬‬ ‫هللا‬
‫صلى ا﵁ عليو كسلم يقوؿ «ال تنزع الرحمة إال من شقي» ‪ ،‬حذارم أف يكوف اإلنساف دكف أف يشعر‬
‫قد حكم عليو بالشقاء كالعياذ با﵁ ألنو فاتو ىذا األمر العظيم‪.‬‬

‫الرضبة من صفات اؼبؤمنُت‪ ،‬قاؿ ا﵁ جل كعبل ُب حق اؼبؤمنُت ﴿ ُر َح َماءُ بَ ْي نَ ُه ْم﴾‪ ،‬بل ىذا القدر‬
‫من اإليباف الواجب ليس من اإليباف اؼبستحب‪ ،‬قياـ اإلنساف برضبة إخوانو ىذا قدر كاجب‪ ،‬فعند‬
‫الطرباين بإسناد قاؿ عنو اغبافظ ُب الفتح رجالو ثقات من حديث أيب موسى رضي ا﵁ عنو قاؿ عليو‬
‫الصبلة كالسبلـ «لن تؤمنوا حتى تراحموا» ‪ ،‬كقد علمنا أف القاعدة عند أىل العلم أف النفي لئليباف‬
‫ال يتعلق إال بنفي القدر الواجب‪ ،‬ال يكوف النفي لئليباف متعلقان باإليباف اؼبستحب أك بكمالو‬
‫اؼبستحب‪ ،‬قالوا يا رسوؿ ‪-‬تتمة اغبديث‪ -‬كلنا رحيم‪ ،‬قاؿ صلى ا﵁ عليو كسلم كانتبو ؽبذا «ليست‬
‫رحمة أحدكم لصاحبو‪ ,‬إنما رحمة العامة» دبعٌت أف القدر الذم هبب على اؼبسلم ىو أف تكوف رضبتو‬
‫عامة للناس صبيعان‪ ،‬كمر بنا ُب صحيح مسلم مر بنا حديث صحيح مسلم كىو قولو صلى ا﵁ عليو‬
‫«ورجل رحيم رقيق القلب لكل ذي قربى‬ ‫كسلم ُب ذكر الثبلثة الذين ىم من أىل اعبنة قاؿ‬
‫ومسلم»رجل رحيم رقيق القلب نعم تتعلق رقتو كرضبتو كإحسانو بقرابتو أكالن لكنو ال ىبصهم بذلك‬
‫فحسب قاؿ لكل ذم قرىب كمسلم‪.‬‬

‫بل النيب صلى ا﵁ عليو كسلم قد بُت أف من أسباب الرضبة أف ترحم اغبيوانات فكيف باؼبسلمُت؟‬
‫فعند البخارم ُب األدب اؼبفرد كاإلماـ أضبد ُب اؼبسند بإسناد صحيح أف رجبلن سأؿ النيب صلى ا﵁‬
‫عليو كسلم فقاؿ يا رسوؿ ا﵁ إين أذبح الشاة كأنا أرضبها‪ ،‬انظر إىل ىذه الرضبة العظيمة اليت كانت‬
‫قائمة ُب قلوب أصحاب رسوؿ ا﵁ صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬قاؿ إين أذبح الشاة كأنا أرضبها فقاؿ عليو‬
‫الصبلة كالسبلـ «والشاة إن رحمتها رحمك اهلل» ىذا ىو دين اإلسبلـ كىذه ىي توجيهات رسوؿ‬
‫اإلسبلـ صلى ا﵁ عليو كسلم دين رضبة إىل ىذه الدرجة أف من رحم الشاة فإف ا﵁ سبحانو كتعاىل‬
‫يتواله برضبتو‪.‬‬

‫إذف ىذا مقاـ جدير أف نتواصى فيو بضركرة أف يكوف بيننا تراحم ىذا قدر كاجب ليس لئلنساف‬
‫فيو خيار‪ ،‬لن نؤمن حىت نًتاحم‪ ،‬ال سيما ‪-‬أعٍت ُب اػبطاب هبذا التوجيو‪ -‬ال سيما ما يكوف من‬
‫كنت متبعان للنيب صلى ا﵁ عليو كسلم فاتبعو‬
‫طبلب العلم ىم أكىل الناس باالتصاؼ بصفة الرضبة‪ ،‬إف ى‬
‫ُب ىذه السنة أيضان فإنو صلى ا﵁ عليو كسلم كاف رحيمان‪ ،‬كاألدلة ُب ىذا كثَت‪ ،‬تعلموف حديث مالك‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪192‬‬ ‫هللا‬
‫بن اغبويرث رضي ا﵁ عنو عندما كانوا شببة جاءكا إىل النيب صلى ا﵁ عليو كسلم يستفيدكف العلم‬
‫كالسنة مكثوا عنده عشرين يومان ٍب إنو شعر أهنم قد اشتاقوا إىل أىلهم فأذف ؽبم بالرجوع‪ ،‬الشاىد أف‬
‫رضي ا﵁ عنو قاؿ ككاف صلى ا﵁ عليو كسلم "رفيقان رحيما"‪ ،‬ما أحسن ىاتُت الصفتُت كما أكىل طالب‬
‫العلم هبما أف يكوف اإلنساف جامع بُت الرفق الذم ىو التؤدة كترؾ الطيش كالعجلة مع الرضبة اليت‬
‫تناُب القسوة كاليت تناُب الغلظة‪ ،‬عافاين ا﵁ كإياكم‪ ،‬اؼبسلم كال سيما طالب العلم عليو أف يكوف‬
‫رحيمان‪ ،‬رحيمان بكل الناس رحيمان بالعامة فيعلم كيوجو كيرشد‪ ،‬يكوف رحيمان بالعصاة فيأمرىم باؼبعركؼ‬
‫كينهاىم عن اؼبنكر كيعظهم كيذكرىم با﵁ سبحانو كتعاىل‪ ،‬رحيمان بأبنائو يربيهم على اغبق كعلى علو‬
‫اؽبمة كعلى طاعة ا﵁ كرسولو صلى ا﵁ عليو كسلم‪ ،‬يكوف رحيمان بإخوانو كزمبلئو فيشملهم برضبتو‬
‫كعطفو كبره كإحسانو‪ ،‬كليس أنو ينتظر منهم السقطة كيفرح منهم بالزلة‪ ،‬اؼبسلم الصادؽ ىو الذم‬
‫تكوف أك يكوف ُب قلبو رضبة للمؤمنُت صبيعان وبب أف الناس صبيعان يطيعوف ا﵁ كوبب أف الناس صبيعان‬
‫يصيبوف اغبق كيأسف كيتأثر كوبزف إذا أخطأ أحد‪ ،‬بل حىت الكافر تدعوه رضبتو لو بأف يدعوه إىل ا﵁‬
‫سبحانو كتعاىل‪ ،‬نعم هبتمع ُب القلب الشعوراف كاؼبعنياف يبغضو ُب ا﵁ جل كعبل كمع ذلك فإنو يرضبو‬
‫كىذه الرضبة تدعوه إىل أف يدعوه إىل ا﵁ سبحانو كتعاىل حىت يسلم من عذاب ا﵁ جل كعبل‪ ،‬ىذا‬
‫صفة عظيمة تقودؾ إىل رضبة ا﵁ جل كعبل‪ ،‬فهنيئان ؼبن مشَّر كىنيئان ؼبن حرص‪ ،‬الحظ كيف أف ىذه‬
‫اآلية تتكرر عليك كثَتان‪ ،‬جعلها ا﵁ سبحانو كتعاىل فاصلة بُت السور‪ ،‬تسمعها باستمرار‪ ,‬اظباف‬
‫متوالياف يدالف على صفة الرضبة حىت تكوف حريصان على بذؿ األسباب اليت تناؿ هبا رضبة ا﵁ سبحانو‬
‫كتعاىل‪ ,‬نسأؿ ا﵁ جل كعبل أف يرضبنا برضبتو‪.‬‬
‫ِ ِِ‬ ‫ِ‬ ‫ٍ‬
‫ين‬
‫ت ُك ال َش ْيء َر ْح َمةً َوعل ًْما ﴾ وقولو ﴿ َوَكا َن بال ُْم ْؤمن َ‬‫قال رحمو اهلل‪( :‬وقولو ﴿ َربانَا َو ِس ْع َ‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِو ال ار ْح َمةَ﴾‪.‬‬ ‫ِ‬
‫يما﴾ وقال ﴿ َكتَ َ‬
‫َرح ً‬
‫ىذه اآليات الثالث إذا تأملتها تبين لك انقسام الرحمة إلى ىذين القسمين‪:‬‬

‫ت ُك ال َش ْي ٍء﴾‪.‬‬
‫ىناؾ رحمة عامة‪َ ﴿ :‬وَر ْح َمتِي َو ِس َع ْ‬

‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى‬ ‫كىناؾ رحمة خاصة‪ :‬كىي ُب قولو تعاىل ﴿وَكا َن بِالْم ْؤِمنِ ِ‬
‫يما ﴾‪ ،‬كقولو ﴿ َكتَ َ‬ ‫ين َرح ً‬
‫ُ َ‬ ‫َ‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِو‬
‫نَ ْفسو ال ار ْح َمةَ﴾ يدؿ على ىذه الرضبة اػباصة؛ ألف تتمتها تدؿ على ذلك ﴿ َكتَ َ‬
‫ِِ‬
‫يم﴾‪.‬‬ ‫ال ارحمةَ أَناو من ع ِمل ِم ْن ُكم سوءا بِجهالَ ٍة وُ ام تَاب ِمن ب ع ِدهِ وأَصلَح فَأَناو غَ ُف ِ‬
‫ور َرح ٌ‬
‫َ ْ َْ َ ْ َ ُ ٌ‬ ‫ْ َ ُ َ ْ َ َ ْ ُ ً ََ‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪193‬‬ ‫هللا‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِو ال ار ْح َمةَ﴾ ىذه اآلية تدل على والث‬
‫وىنا بحث في قولو تعالى ﴿ َكتَ َ‬
‫مسائل‪:‬‬

‫‪ )1‬تدؿ على ثبوت صفة الرضبة ﵁ تبارؾ كتعاىل ككرد اغبديث ُب ذلك فلرضبة صفة فعلية اختيارية‬
‫﵁ تبارؾ كتعاىل‪.‬‬
‫‪ )2‬كاؼبسالة الثانية ما يتعلق بكلمة النفس فالنفس ليست صفة زائدة على الذات بل النفس ىي‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِو﴾ يعٍت عليو‪ ،‬عليو ىو‪ ،‬كتب على نفسو يعٍت كتب‬ ‫الذات‪ ،‬كقولو تعاىل ﴿ َكتَ َ‬
‫عليو ىو سبحانو كتعاىل‪ ،‬كىذا لو نظائر ُب كتاب ا﵁ سبحانو كتعاىل كلها تدؿ على أف النفس يعٍت‬
‫الذات‪ ،‬كأخطأ من جعل النفس صفة زائدة على الذات‪ ،‬يعٍت ا﵁ يتصف عند ىذا بصفة النفس كصفة‬
‫الرضبة كصفة االستواء‪ ،‬األمر ليس كذلك بل النفس ىي الذات‪ ،‬كنبو على ىذا اػبطأ شيخ اإلسبلـ‬
‫رضبو ا﵁ ُب مواضع من كتبو‪.‬‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِو﴾ ‪ ،‬فإف معٌت قولو‬
‫‪ )3‬اؼبسألة الثالثة كىي اؼبسألة اليت تتعلق بقولو ﴿ َكتَ َ‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِو ال ار ْح َمةَ﴾ تدؿ على أف ا﵁ تبارؾ كتعاىل يوجب على نفسو ما يشاء‪ ،‬كمن‬ ‫﴿ َكتَ َ‬
‫ذلك ىذه الرضبة اػباصة اؼبتعلقة بالتائبُت فا﵁ جل كعبل أكجب على نفسو أف من تاب إليو كأصلح ُب‬
‫عملو فأنو سبحانو يغفر لو ذنبو؛ دبعٌت ىل هبوز أف يقوؿ قائل إنو يبكن أف ال يغفر ا﵁ عز كجل‬
‫للتائبُت إليو؟ اعبواب ال‪ً ،‬ملى؟ أكالن‪ :‬ا﵁ عز كجل قد أخرب أنو ال يفعل ذلك كأنو سيغفر‪ ،‬كثانيان‪ :‬ا﵁‬
‫سبحانو قد كعد كا﵁ ال ىبلف اؼبيعاد‪ ،‬كثالثان‪ :‬أف ا﵁ تعاىل أكجب على نفسو كال يبكن أف يتخلف‬
‫الشيء الذم أكجبو على نفسو‪.‬‬

‫انتبو ا﵁ جل كعبل كىذا أصل عند أىل السنة كاعبماعة يعتقدكف أنو سبحانو يوجب على نفسو‬
‫كوبق على نفسو فيكوف الشيء كاجبان عليو‪ ،‬كيكوف حقيقان عليو سبحانو‪ ،‬كما أنو وبرـ على نفسو‬
‫فيكون محرماً على نفسه‪ ،‬وهل يكون ثمة شيء واجب على هللا عز وجل ؟ أجيبوا‪ :‬نعم كلكن بإهبابو على نفسو‬
‫كىذا موضع ينبغي أف تتنبو فيو إىل الفرقاف بُت اغبق كالباطل‪ ،‬فإذا قيل ىل هبب على ا﵁ شيء فبلبد‬
‫من التفصيل‪ ،‬أما أف يوجب العباد على ا﵁ شيءه فهذا أبطل الباطل كأؿبل ا﵀اؿ؛ العباد أذؿ كأقل‬
‫كأحقر من ذلك كا﵁ أعز من ذلك ‪-‬كاضح يا إخواين‪ -‬كىذا ما كبى إليو اؼبعتزلة كأتراهبم حيث إهنم‬
‫أكجبوا على ا﵁ عز كجل حقوقان على سبيل اؼبقابلة‪ ،‬العبد عمل إذف لو حق على ربو كأنو أجرة عامل‪،‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪194‬‬ ‫هللا‬
‫إذا عمل عندؾ عامل عمبلن ٍب بعد أف انتهى قلت لو تفضل ىذه أجرتك تفضبلن مٍت‪ ،‬ماذا يقوؿ؟‬
‫تفضل إمبا ىذا حق يل أستحقو على سبيل ماذا اؼبقابلة‪ ،‬عملت فأستحق األجرة‪،‬‬ ‫ه‬ ‫يقوؿ‪ :‬ال‪ ،‬ىذا ليس‬
‫ىكذا قالوا فيما يتعلق بالثواب‪ ،‬فيما يتعلق بالرضبة‪ ،‬فيما يتعلق باؼبغفرة‪ ،‬قدـ العبد شيئان إذف يستحق‬
‫على ا﵁ عز كجل ُب مقابلو اإلثابة كالرضبة كما إىل ذلك‪ ،‬كال شك أف ىذا مذىب باطل كفيو من سوء‬
‫األدب مع ا﵁ جل كعبل ما فيو‪ ،‬يقابل ىؤالء طائفة من اؼبتكلمُت الذين زعموا أف ا﵁ عز كجل ال‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِو‬
‫﴿ َكتَ َ‬ ‫هبب عليو شيءه مطلقان كأكؿ ما جاء ُب ىذه النصوص كبو قولو تعاىل‬
‫ين ﴾ «يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي» يقولوف‬ ‫ِِ‬ ‫ال ار ْح َمةَ﴾ ﴿ َوَكا َن َح ًّقا َعلَْي نَا نَ ْ‬
‫ص ُر ال ُْم ْؤمن َ‬
‫ىذه اآليات مؤكلة باإلخبار‪ ،‬كتب دبعٌت أخرب‪ ،‬أخرب أنو سبحانو كتعاىل سوؼ يفعل كذا سوؼ يغفر‬
‫الذنب ىذا القدر يسلمونو كال إشكاؿ عندىم فيو‪ ،‬لكن أىل السنة كاعبماعة ال يوافقوهنم على ذلك‬
‫بل ىذا النص كأمثالو يدالف على إخبار كإهباب‪ ،‬ليس إخبار فقط‪ ،‬بل ا﵁ عز كجل يوجب على نفسو‬
‫إذا شاء‪ ،‬كا﵁ عز كجل وبق على نفسو إذا شاء‪ ،‬فيكوف كاجب عليو‪ ،‬كما أنو وبرـ على نفسو فيكوف‬
‫ؿبرمان‪.‬‬

‫إذن الخالصة‪ :‬شبة أشياء أكجبها ا﵁ على نفسو كما معنا ُب ىذه اآلية‪ ،‬شبة حقوؽ أحقها ا﵁‬
‫على نفسو‪ ،‬قاؿ النيب صلى ا﵁ عليو كسلم ؼبعاذ «أتدري ما حق اهلل على العباد وما حق العباد على‬
‫اهلل»‪،‬إذف للعباد على ا﵁ حق‪ ،‬لكنو حق تفضل ال حق مقابلة‪ ،‬حق تفضل أكجبو سبحانو كأحقو على‬
‫نفسو فكاف ىذا األمر قطعي الوقوع‪ ،‬سوؼ يغفر ا﵁ عز كجل قطعان كيرحم قطعان من تاب إىل ا﵁ جل‬
‫ب َربُّ ُك ْم َعلَى نَ ْف ِس ِو ال ار ْح َمةَ﴾ما اآلية‬
‫كعبل ككانت توبتو توبة صادقة‪ ،‬ىذا ما يتضمنو قولو تعاىل ﴿ َكتَ َ‬
‫اليت بعدىا‪.‬‬

‫ظ وىو أرحمن الراحمين﴾)‪.‬‬


‫خير حاف ٌ‬
‫قال رحمو اهلل‪( :‬قولو ﴿فاهلل ٌ‬
‫ىذه اآلية أيضان تدؿ على اتصاؼ ا﵁ سبحانو كتعاىل بصفة الرضبة‪ ،‬كقد مضى الكبلـ ُب ذلك‬
‫كأف رضبة ا﵁ أعظم من رضبة عباده‪ ،‬شبة قدر مشًتؾ ُب أصل الصفة‪ ،‬كشبة قدر فارؽ فبيز يفًتؽ ألجلو‬
‫ما كاف قائمان با﵁ جل كعبل من الصفة كما كاف قائمان باؼبخلوؽ‪ ،‬كلعل ىذا اؼبوضع وبتاج إىل تفصيل‬
‫ُب موضع أك ُب كقت آخر‪.‬‬
‫شرح العقيذة الواسطية للشيخ أ‪.‬د صالح سنذي حفظه‬
‫‪195‬‬ ‫هللا‬
‫كلعل ىذا القدر فيو الكفاية‪ ،‬كا﵁ تعاىل أعلم‪ ،‬كصلى ا﵁ كسلم كبارؾ على عبده كرسولو نبينا‬
‫ؿبمد كعلى آلو كأصحابو كأتباعو بإحساف‪.‬‬

You might also like