Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫شبكة األلوكة ‪ /‬آفاق الشريعة ‪ /‬منبر الجمعة ‪ /‬الخطب ‪ /‬الرقائق واألخالق واآلداب‬

‫فضل الشكر وجزاء الشاكرين (خطبة)‬


‫الشيخ أحمد أبو عيد‬

‫مقاالت متعلقة‬

‫تاريخ اإلضافة‪ 1/8/2016 :‬ميالدي ‪ 26/10/1437 -‬هجري‬

‫الزيارات‪594200 :‬‬

‫فضل الشكر وجزاء الشاكرين‬

‫الحمد هلل رب العالمين واشهد أن ال إله إال اهلل ولي الصالحين واشهد أن محمدًا عبد اهلل ورسوله‪ ،‬وبعد‪:‬‬

‫العناصر‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬تعريف الشكر وأركانه‪.‬‬

‫ثانيًا‪ :‬فضل الشكر والشاكرين‪.‬‬

‫ثالثًا‪ :‬كيف نكون من الشاكرين؟‬

‫رابعًا‪ :‬الوسائل المعينة على شكر النعم‪.‬‬

‫خامسًا‪ :‬الترهيب من الجحود وعدم الشكر‪.‬‬

‫الموضوع‪:‬‬

‫أوًال‪ :‬تعريف الشكر وأركانه‬

‫الشكر لغة‪:‬‬
‫مصدر شكر يشكر‪ ،‬وهو عرفان اإلحسان ونشره‪ .‬والشكر من اهلل‪ :‬المجازاة والثناء الجميل‪ .‬والشكور‪ :‬كثير الشكر‪ ،‬والجمع ُش ُكر‪ ،‬وفي‬
‫التنزيل‪ِ ﴿ :‬إ َّن ُه َكاَن َع ْب ًد ا َش ُكوًر ا ﴾ [اإلسراء‪ ،]3 :‬وهو من أبنية البالغة‪.‬‬

‫وأما الشكور في صفات اهلل ‪ -‬عز وجل ‪ -‬فمعناه أنه يزكو عنده القليل من أعمال العباد فيضاعف لهم الجزاء‪ ،‬وشكره لعباده مغفرته‬
‫لهم‪ ،‬وقولهم‪( :‬شكر اهلل سعيه) أي بمعنى أثابه اهلل على ذلك‪.‬‬

‫اصطالحا‪:‬‬

‫هو ظهور أثر نعمة اهلل علي لسان عبده قوال او عمال‪.‬‬

‫وقيل‪ :‬االعتراف بنعمة المنعم على وجه الخضوع‪.‬‬

‫وقال ابن القيم‪ :‬الشكر ظهور أثر نعمة اهلل على لسان عبده‪ :‬ثناء واعترافا‪ ،‬وعلى قلبه شهودا ومحبة‪ ،‬وعلى جوارحه انقيادا وطاعة‪.‬‬
‫"مدارج السالكين (‪.")244 /2‬‬

‫وقال السعدي ‪ -‬رحمه اهلل ‪ -‬في تفسيره‪( :‬الشكر‪ :‬اعتراف القلب بمنة اهلل تعالى‪ ،‬وتلقيها افتقاًر ا إليها‪ ،‬وصرفها في طاعة اهلل تعالى‪،‬‬
‫وصونها عن صرفها في المعصية) "‪."11‬‬

‫وعرفه آخرون بقولهم‪ :‬الشكر هو الثناء على المنعم بما أوالكه من معروف‪.‬‬

‫أركان الشكر‪:‬‬

‫أ‌‪ -‬االعتراف بالنعمة‪:‬‬

‫أي تقر وتعترف وتوقن وتجزم أن الذي أسداك تلك النعمة هو اهلل؛ وما العبد إال وسيلة فقط للحصول عليها؛ فال تنسب النعمة للعبد‬
‫وتنس الرب؛ ألن هذا فعل الجهال الذين في عقيدتهم زيف وضالل؛ فهم ينسبون النعم لغير بارئها؛ فَع ْن َز ْي ِد ْب َخ اِلٍد اْلُج َه ِن ِّي أن َر ُس وَل‬
‫ِن‬
‫اِهَّلل َص َّلى اُهَّلل َع َلْي ِه َو َس َّلَم َق اَل ‪َ " :‬أ ْص َب َح ِم ْن ِع َب اِد ي ُم ْؤ ِم ٌن ِب ي َو َكاِف ٌر ‪َ .‬ف َأ َّم ا َم ْن َق اَل ‪ُ :‬م ِط ْر َن ا ِب َف ْض ِل اِهَّلل َو َرْح َم ِت ِه َذ ِلَك ُم ْؤ ِم ٌن ِب ي َكاِف ٌر‬
‫َف‬
‫ِب اْلَكْو َكِب ‪َ .‬و َأ َّم ا َم ْن َق اَل ُم ِط ْر َن ا ِب َن ْو ِء َكَذ ا َو َكَذ ا َف َذ ِلَك َكاِف ٌر ِب ي ُم ْؤ ِم ٌن ِب اْلَكْو َكِب ‪" " .‬متفق عليه"‪.‬‬

‫وعن ابن عباس رضي اهلل عنهما قال‪ :‬مطر الناس على عهد النبي صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فقال النبي صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬أصبح من‬
‫الناس شاكر ومنهم كافر‪ ،‬قالوا‪ :‬هذه رحمة اهلل‪ .‬وقال بعضهم‪ :‬لقد صدق نوء كذا وكذا" "مسلم"‪.‬‬

‫ب‌‪ -‬التحدث بها والثناء على المنعم‪.‬‬

‫بما أوالك من نعم وأسداك من معروف؛ ولهذا كان نبينا صلى اهلل عليه وسلم يحي ليله كله في الثناء على اهلل عز وجل‪.‬‬
‫فَع ْن َع اِئ َش َة َرِض َي اُهَّلل َع ْنَه ا َق اَلْت ‪َ " :‬ف َق ْد ُت َر ُس وَل اِهَّلل َص َّلى اُهَّلل َع َلْي ِه َو َس َّلَم َذ اَت َلْي َلٍة َف َلَم ْس ُت اْلَم ْس ِج َد َف ِإ َذ ا ُه َو َس اِج ٌد َو َق َد َم اُه‬
‫َم ْنُص وَبَت اِن َو ُه َو َي ُق وُل ‪َ :‬أ ُع وُذ ِب ِر َض اَك ِم ْن َس َخ ِط َك ؛ َو َأ ُع وُذ ِب ُم َع اَف اِتَك ِم ْن ُع ُق وَبِت َك ؛ َو َأ ُع وُذ ِب َك ِم ْنَك اَل ُأ ْح ِص ي َث َناًء َع َلْي َك َأ ْن َت َكَم ا َأْث َن ْي َت‬
‫َع َلى َنْف ِس َك ‪( ".‬مسلم)‪.‬‬

‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َأ َّم ا ِب ِنْع َم ِة َر ِّب َك َف َح ِّد ْث ﴾ [الضحى‪.]11 :‬‬

‫ت‌‪ -‬تسخيرها في طاعة مسديها والمنعم بها‪.‬‬

‫قال تعالى‪ ﴿ :‬اْع َم ُلوا آَل َد اُو وَد ُش ْكًر ا ﴾ [سبأ‪.]13 :‬‬

‫ومعنى اآلية‪ :‬يا آل داود‪ :‬اعملوا شكًر ا هلل على ما أعطاكم‪ ،‬وذلك بطاعته وامتثال أمره‪.‬‬

‫فاهلل أمر آل داوود بالعمل شكرًا ‪ ،‬ألن هناك فرقًا بين شكر القول وشكر العمل‪ ،‬فشكر القول باللسان يسمي حمدًا وبالعمل يسمي شكرًا ‪،‬‬
‫لذلك قال‪ :‬اعملوا‪ ،‬ولم يقل‪ :‬قولوا شكرًا ‪ ،‬ألن الشاكرين بالعمل قلة‪ ،‬لذلك زيل اآلية بقوله‪َ ﴿ :‬و َق ِل يٌل ِم ْن ِع َب اِد َي الَّش ُكوُر ﴾ [سبأ‪.]13 :‬‬

‫فإذا أكرمك اهلل بماٍل فال تنفقه في حرام‪ ،‬وإذا أنعم اهلل عليك بتلفاٍز فال تستعمله في حرام‪ ،‬وشبكة االنترنت تستخدمها في الدعوة‬
‫إلى اهلل‪ ،‬إلخ‪ ،‬ألن شكر هذه النعم استخدامها في طاعة اهلل‪ ،‬وكفرها استخدامها في الفساد واإلفساد‪.‬‬

‫وَم ن رزقه اهلل علًم ا فشكره باإلنفاق منه بأن يعلم غيره‪ ،‬ويفقه أهله وجاره‪ ،‬وَم ن رزقه اهلل جاًها‪ ،‬فشكره بأن يستعمله في تيسير‬
‫الحاجات لآلخرين‪ ،‬وقضاء مصالحهم‪.‬‬

‫وَم ن أفاض اهلل عليه إيماًن ا راسًخ ا‪ ،‬ويقيًنا ثابًت ا‪ ،‬فشكره أن يفيض على اآلخرين من إيمانه‪ ،‬وأن يسكب عليهم من يقينه؛ وذلك بأن‬
‫يذكرهم بنعم اهلل وآالئه‪ ،‬وأن يحيي في قلوبهم الرجاء والخوف والخشية من اهلل‪ ،‬وأن ُي َث ِّب ت في قلوبهم بأن اآلجال واألرزاق بيد‬
‫اهلل‪ ،‬وأن الخلق ال يملكون له نفًع ا وال ضًّر ا‪ ،‬وال موًت ا وال حياًة وال نشوًر ا‪ ،‬وأن من أسماء اهلل الحسنى أنه المحيي المميت‪ ،‬الرزاق‪،‬‬
‫النافع الضار‪ ،‬القابض الباسط‪.‬‬

‫ومن رزقه اهلل الذرية فإن شكرها يكون بأن يغرس في قلبها عقيدة التوحيد من الصغر‪ ،‬وأن ينشئها على طاعة اهلل‪ -‬عَّز وجَّل ‪ -‬وأن‬
‫يحصنها ويعيذها من الشيطان كما أعاذت امرأة عمران ابنتها حين قالت‪َ ﴿ :‬و ِإ ِّن ي ُأ ِع يُذ َها ِب َك َو ُذ ِّر َّي َت َه ا ِم ْن الَّش ْي َط اِن الَّر ِج يِم ﴾ [آل‬
‫عمران‪.]36 :‬‬

‫وكذلك شكر اهلل‪ -‬عَّز وجَّل ‪ -‬على ما أنعم به علينا من جوارح‪ ،‬كاليدين والرجلين والعينين واألذنين وغيرها؛ أن نستخدمها في طاعة‬
‫اهلل عز وجل؛ " فقد روي أن أبا حازم جاءه رجل فقال له‪ :‬ما شكر العينين؟ قال‪ :‬إن رأيت بهما خيًر ا أعلنته‪ ،‬وإن رأيت بهما شًّر ا‬
‫سترته‪.‬‬

‫قال‪ :‬فما شكر األذنين؟ قال‪ :‬إن سمعت خيًر ا وعيته‪ ،‬وإن سمعت بهما شًّر ا أخفيته‪ .‬قال‪ :‬فما شكر اليدين؟ قال‪ :‬ال تأخذ بهما ما ليس‬
‫لهما‪ ،‬وال تمنع حًّق ا هلل‪ -‬عَّز وجَّل ‪ -‬هو فيهما‪ ،‬قال فما شكر البطن؟ قال‪ :‬أن يكون أسفله طعاًم ا‪ ،‬وأعاله علًم ا‪ ،‬قال فما شكر الفرج؟ قال‪:‬‬
‫كما قال اهلل‪ -‬عَّز وجَّل ‪َ ﴿ :-‬و اَّلِذ يَن ُه ْم ِل ُف ُر وِج ِه ْم َح اِف ُظ وَن * ِإ َّال َع َلى َأ ْز َو اِج ِه ْم أْو َم ا َم َلَكْت َأ ْي َم اُن ُه ْم َف ِإ َّن ُه ْم َغ ْي ُر َم ُلوِم يَن * َف َم ْن اْبَت َغ ى‬
‫َو َر اَء َذ ِلَك َف ُأ ْو َلِئَك ُه ْم اْلَع اُد وَن ﴾ [المؤمنون‪ ،]7 - 5 :‬قال‪ :‬فما شكر الِّر ْج َلْي ِن ؟ قال‪ :‬إن رأيت حًّي ا غبطته بهما عمله‪ ،‬وإن رأيت ميًت ا‬
‫مقته كففتها عن عمله‪ ،‬وأنت شاكر هلل‪ -‬عَّز وجَّل ‪ ،‬فأما من شكر بلسانه‪ ،‬ولم يشكر بجميع أعضائه‪ ،‬فمثله كمثل رجل له كساء‪ ،‬فأخذ‬
‫بطرفه‪ ،‬ولم يلبسه‪ ،‬فلم ينفعه ذلك من الحر والبرد والثلج والمطر" "عدة الصابرين"‪.‬‬

‫ولذا قال الشاعر‪:‬‬

‫يِد ي‪ ،‬وَلَس اني‪َ ،‬و الَّض مير الُم َح َّج َب ا‬ ‫أَف اَد ْتُكُم الّنْع َم اء مِّن ي َثالثًة ♦♦♦‬
‫قال أبو عبد الرحمن الُح بلي‪" :‬الصالة شكر‪ ،‬والصيام شكر‪ ،‬وكل خير تعمله هلل شكر‪ .‬وأفضل الشكر الحمد" "رواه ابن جرير"‪.‬‬

‫الفرق بين الشكر والحمد‪:‬‬

‫من وجهين‪:‬‬

‫األول‪ :‬الشكر يكون بالجوارح‪ ،‬والحمد يكون باللسان وبالقلب‪.‬‬

‫ولذلك نسمع بسجود الشكر‪ ،‬وال نسمع بسجود الحمد‪ ،‬ألن الشكر يكون بالجوارح‪ .‬ومضى في أركان الشكر أنه يكون بتسخير النعمة‬
‫في طاعة اهلل‪ ،‬وهذا عمل‪ ،‬والعمل بالجوارح‪.‬‬

‫الثاني‪ :‬الشكر يكون عند البالء‪ ،‬والحمد يكون على كل حال‪ ،‬وقد كان النبي صلى اهلل عليه وسلم إذا أصابته سراء قال‪" :‬الحمد هلل‬
‫الذي بنعمته تتم الصالحات"‪ ،‬وإن نزل به بالء قال‪" :‬الحمد هلل على كل حال"‪ .‬صحيح الجامع‬
‫ثانيا‪ :‬فضل الشكر والشاكرين‬

‫‪ -1‬من أسماء اهلل‪ :‬الشاكر‪ ،‬والشكور‪:‬‬

‫قال تعالى‪ِ ﴿ :‬إ َّن الَّص َف ا َو اْلَم ْر َو َة ِم ْن َش َع اِئ ِر اِهَّلل َف َم ْن َح َّج اْلَبْي َت َأ ِو اْع َت َم َر َف ال ُج َناَح َع َلْي ِه َأ ْن َي َّط َّو َف ِب ِه َم ا َو َم ْن َت َط َّو َع َخ ْي ًر ا َف ِإ َّن اَهَّلل َش اِك ٌر‬
‫َع ِل يٌم ﴾ [البقرة‪.]158 :‬‬

‫وقال‪ِ ﴿ :‬إ َّن اَهَّلل َغ ُف وٌر َش ُكوٌر ﴾ [الشورى‪.]23 :‬‬

‫وقال‪َ ﴿ :‬و اُهَّلل َش ُكوٌر َح ِل يٌم ﴾ [التغابن‪.]17 :‬‬

‫وهو الذي ال يضيع أجر من أحسن عمال‪ ،‬ويشكر القليل من العمل الخالص‪ ،‬ويعفو عن الكثير من الزلل‪ ،‬بل يضاعفه أضعافا مضاعفة‬
‫بغير عد وال حساب‪.‬‬

‫ومن شكره أنه‪ :‬يعطي بالعمل في أيام معدودة نعيما في اآلخرة غير محدود‪ُ ﴿ ،‬كُلوا َو اْش َر ُبوا َه ِن يًئ ا ِب َم ا َأ ْس َلْف ُت ْم ِف ي اَأْلَّي اِم اْلَخ اِل َي ِة ﴾‬
‫[الحاقة‪.]24 :‬‬

‫ثبت عن أبي هريرة ‪ -‬رضي اهلل عنه ‪ -‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬بينا رجل يمشى فاشتد عليه العطش‪ ،‬فنزل بئرا‬
‫فشرب منها‪ ،‬ثم خرج فإذا هو بكلب يلهث يأكل الثرى من العطش‪ ،‬فقال‪ :‬لقد بلغ هذا مثل الذي بلغ بي‪ ،‬فمأل خفه ثم أمسكه بفيه‪ ،‬ثم‬
‫رقي فسقى الكلب‪ ،‬فشكر اهلل له فغفر له"‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل وإن لنا في البهائم أجرا؟ قال‪" :‬في كل كبد رطبة أجر" متفق عليه‪.‬‬

‫وفي كثير من األحاديث تجد من عمل كذا وكذا فله الجنة‪ ،‬وهذا دليل على أّن اهلل شكور يجزل المثوبة لعباده‪ ،‬ويعطي الكثير على‬
‫القليل‪ ،‬فما أرحمه من رب! وما أعظمه من إله!!‬

‫‪ -2‬الشكر صفة األنبياء‪:‬‬

‫قال تعالى عن نوح عليه السالم‪ُ ﴿ :‬ذ ِّر َّي َة َم ْن َح َم ْلَنا َم َع ُن وٍح ِإ َّن ُه َكاَن َع ْب ًد ا َش ُكوًر ا ﴾ [اإلسراء‪.]3 :‬‬

‫وقال عن إبراهيم عليه السالم‪ِ ﴿ :‬إ َّن ِإْبَر اِه يَم َكاَن ُأ َّم ًة َق اِنًت ا ِهَّلِل َح ِن يًف ا َو َلْم َي ُك ِم َن اْلُم ْش ِر ِك يَن * َش اِك ًر ا َأِلْن ُع ِم ِه اْج َت َب اُه َو َهَد اُه ِإ َلى ِص َر اٍط‬
‫ُم ْس َت ِق يٍم ﴾ [النحل‪.]121 ،120 :‬‬
‫وسيد الشاكرين نبينا صلى اهلل عليه وسلم‪ ،‬فعن المغيرة بن شبعة رضي اهلل عنه قال‪ :‬إن كان النبي صلى اهلل عليه وسلم ليقوم أو‬
‫ليصلي حتى ترم قدماه‪ ،‬فيقال له فيقول‪" :‬أفال أكون عبدا شكورا"؟ "البخاري‪.‬‬

‫‪ -3‬أمر اهلل بالشكر‪:‬‬

‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬ف اْذ ُكُر وِن ي َأ ْذ ُكْر ُكْم َو اْش ُكُر وا ِل ي َو اَل َتْكُف ُر وِن ﴾ [البقرة‪.]152 :‬‬

‫وقال‪َ ﴿ :‬و َو َّص ْي َنا اِإْل ْن َس اَن ِب َو اِلَد ْي ِه َح َم َلْت ُه ُأ ُّم ُه َو ْه ًنا َع َلى َو ْه ٍن َو ِف َص اُلُه ِف ي َع اَم ْي ِن َأ ِن اْش ُكْر ِل ي َو ِلَو اِلَد ْي َك ِإ َلَّي اْلَم ِص يُر ﴾ [لقمان‪.]14 :‬‬

‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َلَق ْد آَت ْي َنا ُلْق َم اَن اْلِح ْكَم َة َأ ِن اْش ُكْر ِهَّلِل َو َم ن َي ْش ُكْر َف ِإ َّن َم ا َي ْش ُكُر ِل َن ْف ِس ِه َو َم ن َكَف َر َف ِإ َّن اَهَّلل َغ ِن ٌّي َح ِم يٌد ﴾ [لقمان‪.]12 :‬‬

‫ْل‬ ‫ُل َل‬ ‫َل‬ ‫َل َأ‬ ‫َق‬ ‫َل َّل‬ ‫َل‬ ‫َل ُأ‬
‫وأمر به نبينا صلى اهلل عليه وسلم‪َ ﴿ :‬و َق ْد وِح َي ِإ ْي َك َو ِإ ى ا ِذ يَن ِم ْن ْب ِلَك ِئْن ْش َر ْكَت َي ْح َب َط َّن َع َم َك َو َت ُكوَن َّن ِم َن ا َخ اِس ِر يَن * َب ِل‬
‫اَهَّلل َف اْع ُب ْد َو ُكْن ِم َن الَّش اِك ِر يَن ﴾ [الزمر‪.]66 ،65 :‬‬

‫وأمر اهلل تعالى به موسى عليه السالم‪َ ﴿ :‬ي اُم وَس ى ِإ ِّن ي اْص َط َف ْي ُت َك َع َلى الَّناِس ِب ِر َس ااَل ِت ي َو ِب َكاَل ِم ي َف ُخ ْذ َم ا آَت ْي ُت َك َو ُكْن ِم َن الَّش اِك ِر يَن ﴾‬
‫[األعراف‪.]144 :‬‬

‫وأمر به المؤمنين‪َ ﴿ :‬ي اَأ ُّي َه ا اَّلِذ يَن آَم ُنوا ُكُلوا ِم ْن َط ِّي َب اِت َم ا َر َز ْق َناُكْم َو اْش ُكُر وا ِهَّلِل ِإ ْن ُكْنُت ْم ِإ َّي اُه َت ْع ُب ُد وَن ﴾ [البقرة‪.]172 :‬‬

‫وقال‪َ ﴿ :‬و آَي ٌة َلُه ُم اَأْلْر ُض اْلَم ْي َت ُة َأ ْح َي ْي َناَها َو َأ ْخ َر ْج َنا ِم ْنَه ا َح ًّب ا َف ِم ْن ُه َي ْأ ُكُلوَن * َو َج َع ْلَنا ِف يَه ا َج َّناٍت ِم ْن َن ِخ يٍل َو َأ ْع َناٍب َو َف َّج ْر َن ا ِف يَه ا ِم َن‬
‫اْلُع ُي وِن * ِل َي ْأ ُكُلوا ِم ْن َث َم ِر ِه َو َم ا َع ِم َلْت ُه َأ ْي ِد يِه ْم َأَف اَل َي ْش ُكُر وَن ﴾ [يس‪.]35 - 33 :‬‬

‫وقال‪َ ﴿ :‬أ َو َلْم َي َر ْو ا َأ َّن ا َخ َلْق َنا َلُه ْم ِم َّم ا َع ِم َلْت َأ ْي ِد يَنا َأ ْن َع اًم ا َف ُه ْم َلَه ا َم اِل ُكوَن * َو َذ َّلْلَناَها َلُه ْم َف ِم ْنَه ا َر ُكوُب ُه ْم َو ِم ْنَه ا َي ْأ ُكُلوَن * َو َلُه ْم ِف يَه ا َم َناِف ُع‬
‫َو َم َش اِرُب َأَف اَل َي ْش ُكُر وَن ﴾ [يس‪]73 - 71 :‬‬

‫‪ -4‬من صفات المؤمنين‪:‬‬

‫فَع ْن ُص َه ْي رضي اهلل عنه َق اَل ‪َ :‬ق اَل َر ُس وُل اِهَّلل صلى اهلل عليه وسلم‪َ" :‬ع َج ًب ا َأِلْم اْلُم ْؤ ِم ِإ َّن َأ ْم َر ُه ُكَّلُه َخ ْي ٌر ‪َ ،‬و َلْي َس َذ اَك َأِلَح ٍد ِإ اَّل‬
‫ِن‬ ‫ِر‬ ‫ٍب‬
‫ِل ْلُم ْؤ ِم ِن ؛ ِإ ْن َأ َص اَبْت ُه َس َّر اُء َش َكَر َكاَن َخ ْي ًر ا ُه ‪َ ،‬و ِإ ْن َأ َص اَبْت ُه َض َّر اُء َص َب َر َكاَن َخ ْي ًر ا ُه "‪ .‬صحيح مسلم‬
‫َل‬ ‫َف‬ ‫َل‬ ‫َف‬

‫‪ -5‬سبب لرضى اهلل عن عبده‪:‬‬


‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و ِإ ْن َت ْش ُكُر وا َي ْر َض ُه َلُكْم ﴾ [الزمر‪.]7 :‬‬

‫‪ -6‬أمان من العذاب‪:‬‬

‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬م ا َي ْف َع ُل اُهَّلل ِب َع َذ اِب ُكْم ِإ ْن َش َكْر ُت ْم َو آَم ْنُت ْم ﴾ [النساء‪.]147 :‬‬

‫قال قتادة رحمه اهلل‪" :‬إن اهلل جل ثناؤه ال يعِّذ ب شاكًر ا وال مؤمًنا" "تفسير الطبري‪."342/ 9 :‬‬

‫‪ -7‬سبب للزيادة‪:‬‬

‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و ِإ ْذ َت َأ َّذ َن َرُّب ُكْم َلِئْن َش َكْر ُت ْم َأَلِزيَد َّنُكْم ﴾ [إبراهيم‪]7 :‬‬

‫قال بعض لسلف رحمهم اهلل تعالى‪" :‬النعم وحشية فقيدوها بالشكر"‪.‬‬

‫وقال الحسن البصري‪" :‬إن اهلل ليمتع بالنعمة ما شاء‪ ،‬فإذا لم يشكر عليها قلبها عذابا‪ ،‬ولهذا كانوا يسمون الشكر‪ :‬الحافظ‪ ،‬ألنه يحفظ‬
‫النعم الموجودة‪ ،‬والجالب‪ ،‬ألنه يجلب النعم المفقودة"‪.‬‬

‫وقال علي بن أبي طالب ‪-‬رضي اهلل عنه ‪ -‬لرجل من همذان‪" :‬إن النعمة موصولة بالشكر‪ ،‬والشكر يتعلق بالمزيد‪ ،‬وهما مقرونان في‬
‫قرن فلن ينقطع المزيد من اهلل حتى ينقطع الشكر من العبد "‪.‬‬

‫‪ -8‬األجر الجزيل في اآلخرة‪:‬‬

‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َس َن ْج ِز ي الَّش اِك ِر يَن ﴾ [آل عمران‪ ،]145 :‬وقال سبحانه‪َ ﴿ :‬و َس َي ْج ِز ي اُهَّلل الَّش اِك ِر يَن ﴾ [آل عمران‪ .]144 :‬أهل الشكر هم‬
‫المخصوصون بمنة اهلل عليهم من بين عباده‪.‬‬

‫فقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َكَذ ِلَك َف َت َّنا َبْع َض ُه ْم ِبَب ْع ٍض ِل َي ُق وُلوا َأ َه ُؤ اَل ِء َم َّن اُهَّلل َع َلْي ِه ْم ِم ْن َب ْي ِن َنا َأ َلْي َس اُهَّلل ِب َأ ْع َلَم ِب الَّش اِك ِر يَن ﴾ [األنعام‪.]53 :‬‬

‫‪ -9‬رضا اهلل معلق بالشكر‪:‬‬

‫يقول ابن القيم ‪ -‬رحمه اهلل ‪" :-‬ومن منازل ﴿ ِإ َّي اَك َن ْع ُب ُد َو ِإ َّي اَك َن ْس َت ِع يُن ﴾ منزلة الشكر‪،‬‬

‫وهي من أعلى المنازل‪ ،‬وهي فوق منزلة ((الرضا)) وزيادة؛ فالرضا مندرج في الشكر إذ يستحيل وجود الشكر بدونه"‪.‬‬

‫وعن أنس بن مالك رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم قال إن اهلل ليرضى عن العبد أن يأكل األكلة فيحمده عليها‬
‫ويشرب الشربة فيحمده عليها " رواه مسلم‪.‬‬
‫‪ -10‬العافية مع الشكر خير من البالء مع الصبر‪:‬‬

‫قال مطرف رحمه اهلل تعالى‪" :‬ألن أعافى فأشكر‪ ،‬أحب إلي من أن أبتلى فأصبر" "مختصر منهاج القاصدين "‪."295‬‬

‫‪ -11‬إن اهلل وصف عباده الشاكرين بأنهم قلة من عباده فقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َق ِل يٌل ِم ْن ِع َب اِد َي الَّش ُكوُر ﴾‪.‬‬

‫ثالثا‪:‬كيف نكون من الشاكرين؟‬

‫‪ -1‬بتقوى اهلل والعمل بطاعته‬

‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َلَق ْد َن َص َر ُكُم اُهَّلل ِبَب ْد ٍر َو َأ ْن ُت ْم َأ ِذ َّلٌة َف اَّتُق وا اَهَّلل َلَع َّلُكْم َت ْش ُكُر وَن ﴾ [آل عمران‪ .]123 :‬قال ابن إسحاق‪":‬أي‪ :‬فاتقوني؛ فإنه‬
‫شكر نعمتي" "السيرة ‪."113/ 3‬‬

‫‪ -2‬بالقناعة والرضا بما قسم اهلل لك‪:‬‬

‫قال صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬كن قنعا تكن أشكر الناس" "ابن ماجة"‪.‬‬

‫ذهب رجل إلى أحد العلماء‪ ،‬وشكا إليه فقره‪،‬‬

‫فقال له العالم‪َ :‬أ يُس ُّر َك أنك أعمى ولك عشرة آالف درهم؟ فقال الرجل‪ :‬ال‪.‬‬

‫فقال العالم‪ :‬أيسرك أنك أخرس ولك عشره آالف درهم؟ فقال الرجل‪ :‬ال‪.‬‬

‫فقال العالم‪ :‬أيسرك أنك مجنون ولك عشرة آالف درهم؟ فقال الرجل‪ :‬ال‪.‬‬

‫فقال العالم‪ :‬أيسرك أنك مقطوع اليدين والرجلين ولك عشرون ألًف ا؟ فقال الرجل‪ :‬ال‪.‬‬

‫فقال العالم‪ ،‬أما تستحي أن تشكو موالك وله عندك نعم بخمسين ألًف ا‪.‬‬

‫فعرف الرجل مدى نعمة اهلل عليه‪ ،‬وظل يشكر ربه ويرضى بحاله وال يشتكي إلى أحد أبًد ا‪.‬‬

‫وبالمقابل‪:‬‬

‫رجل ابتاله اهلل بالعمى وقطع اليدين والرجلين‪ ،‬فدخل عليه أحد الناس فوجده يشكر اهلل على نعمه‪ ،‬ويقول‪ :‬الحمد اهلل الذي عافاني‬
‫مما ابتلى به غيري‪ ،‬وفَّض لني على كثير ممن خلق تفضيال‪ ،‬فتعجب الرجل من قول هذا األعمى مقطوع اليدين والرجلين‪ ،‬وسأله‪ :‬على‬
‫أي شيء تحمد اهلل وتشكره؟ فقال له‪ :‬يا هذا‪َ ،‬أ ْش ُكُر اهلل أن وهبني لساًن ا ذاكًر ا‪ ،‬وقلًب ا خاشًع ا وبدًن ا على البالء صابًر ا‪.‬‬
‫‪ -3‬بصالة الضحى‪:‬‬

‫فعن أبي ذر رضي اهلل عنه‪ ،‬عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه قال‪ُ" :‬ي ْص ِب ُح َع َلى ُكِّل ُس اَل َم ى ِم ْن َأ َح ِد ُكْم َص َد َق ٌة ‪َ ،‬ف ُكُّل َت ْس ِب يَح ٍة َص َد َق ٌة ‪،‬‬
‫َق ٌة‬ ‫ْل‬ ‫َق ٌة‬ ‫ْل‬ ‫َق ٌة َأ‬ ‫ُّل‬ ‫َق ٌة‬ ‫َل‬ ‫ُّل‬ ‫َق ٌة‬ ‫ُّل‬
‫َو ُك َت ْح ِم يَد ٍة َص َد ‪َ ،‬و ُك َت ْه ِل ي ٍة َص َد ‪َ ،‬و ُك َتْكِب يَر ٍة َص َد ‪َ ،‬و ْم ٌر ِب ا َم ْع ُر وِف َص َد ‪َ ،‬و َن ْه ٌي َع ْن ا ُم ْن َكِر َص َد ‪َ ،‬و ُي ْج ِز ُئ ِم ْن َذ ِلَك َر ْكَع َت اِن‬
‫َي ْر َكُع ُه َم ا ِم ْن الُّض َح ى" "البخاري ومسلم"‪.‬‬

‫‪ -4‬بسجود الشكر‪:‬‬

‫عن أبي بكرة عن النبي صلى اهلل عليه وسلم أنه كان إذا جاءه أمر سرور أو بشر به خر ساجدا شاكرا هلل " تحقيق األلباني‪ :‬صحيح‪،‬‬
‫وهذه السجدة ال تشترط لها طهارة‪ ،‬وال استقبال قبلة‪.‬‬

‫‪ -5‬بالدعاء‪:‬‬

‫وعن معاذ بن جبل رضي اهلل عنه أن رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم أخذ بيده يوما ثم قال يا معاذ واهلل إني ألحبك فقال له معاذ‬
‫بأبي أنت وأمي يا رسول اهلل وأنا واهلل أحبك قال أوصيك يا معاذ ال تدعن في دبر كل صالة أن تقول اللهم أعني على ذكرك وشكرك‬
‫وحسن عبادتك وأوصى بذلك معاذ الصنابحي وأوصى بها الصنابحي أبا عبد الرحمن وأوصى بها عبد الرحمن عقبة بن مسلم " رواه‬
‫أبو داود والنسائي واللفظ له وابن خزيمة وابن حبان في صحيحيهما والحاكم وقال صحيح على شرط الشيخين‪ .‬صحيح الترغيب‬
‫والترهيب‪.‬‬

‫وعن ابن عباس قال كان النبي صلى اهلل عليه وسلم يدعو رب أعني وال تعن علي وانصرني وال تنصر علي وامكر لي وال تمكر علي‬
‫واهدني ويسر هداي إلي وانصرني على من بغى علي اللهم اجعلني لك شاكرا لك ذاكرا لك راهبا لك مطواعا إليك مخبتا أو منيبا رب‬
‫تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي وثبت حجتي واهد قلبي وسدد لساني واسلل سخيمة قلبي‪( .‬سنن أبي داود) تحقيق‬
‫األلباني‪ :‬صحيح‪.‬‬

‫‪ -6‬بالتفكر في نعم اهلل عليك‪:‬‬

‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و اُهَّلل َأ ْخ َر َج ُكْم ِم ْن ُبُط وِن ُأ َّم َه اِت ُكْم ال َت ْع َلُم وَن َش ْي ًئ ا َو َج َع َل َلُكُم الَّس ْم َع َو األْبَص اَر َو األْف ِئَد َة َلَع َّلُكْم َت ْش ُكُر وَن ﴾ [النحل‪.]78 :‬‬

‫قال يونس بن عبيد رحمه اهلل تعالى لرجل يشكو ضيق حاله‪ :‬أيسرك ببصرك هذا مائة ألف درهم؟ قال الرجل‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فبيديك مائة‬
‫ألف؟ قال‪ :‬ال‪ .‬قال‪ :‬فبرجليك مائة ألف؟ قال‪ :‬ال‪ .‬فذكره نعم اهلل عليه ثم قال له‪ :‬أرى عندك مئين األلوف وأنت تشكو الحاجة؟‬

‫واحذر ان تكون من هؤالء الذين قال اهلل فيهم‪َ ﴿ .‬ي ْع ِر ُف وَن ِنْع َم َت اِهَّلل ُث َّم ُي ْن ِك ُر وَن َه ا َو َأ ْكَث ُر ُه ُم اْلَكاِف ُر وَن ﴾ [النحل‪.]83 :‬‬

‫تفكر في نعم اهلل عليك واشكر اهلل‪.‬‬


‫تذكر نعم اهلل عليك فإذا هي تغمرك من فوقك ومن تحت قدميك ﴿ َو ِإ ْن َت ُع ُّد وا ِنْع َم َت اِهَّلل اَل ُت ْح ُص وَها ﴾ [إبراهيم‪.]34 :‬‬

‫صحة في بدن‪ ،‬أمن في وطن‪ ،‬غذاء وكساء‪ ،‬وهواء وماء‪ ،‬لديك الدنيا وأنت ما تشعر‪ ،‬تملك الحياة وأنت ال تعلم" واسبغ عليكم نعمه‬
‫ظاهرة وباطنة "عندك عينان‪ ،‬ولسان وشفتان‪ ،‬ويدان ورجالن " فبأي االء ربكما تكذبان "هل هي مسألة سهلة أن تمشي على قدميك‪،‬‬
‫وقد بترت أقدام؟!وأن تعتمد على ساقيك‪ ،‬وقد قطعت سوق؟! أحقير أن تنام ملء عينيك وقد أطار األلم نوم الكثير؟!وأن تمأل‬
‫معدتك من الطعام الشهي وأن تكرع من الماء البارد وهناك من عكر عليه الطعام‪ ،‬ونغص عليه الشراب بأمراض وأسقام؟!‬

‫تفكر في سمعك وقد عوفيت من الصمم‪ ،‬وتأمل في نظرك وقد سلمت من العمى‪ ،‬وانظر إلى جلدك وقد نجوت من البرص والجذام‪،‬‬
‫بل المح عقلك وقد انعم اهلل عليك بحضوره ولم تفجع بالجنون والذهول‪،‬أتريد في بصرك وحده كجبل أحد ذهبا؟! أتحب بيع سمعك‬
‫وزن ثهالن فضة؟!هل تشتري قصور الزهراء بلسانك فتكون أبكم؟! هل تقايض بيديك مقابل عقود اللؤلؤ والياقوت لتكون أقطع؟!‬

‫إنك في نعم عميمة وأفضال جسيمة‪ ،‬ولكنك ال تدري‪ ،‬تعيش مهموما مغموما حزينا كئيبا! وعندك الخبز الدافئ‪ ،‬والماء البارد‪ ،‬والنوم‬
‫الهانئ والعافية الوارفة‪ ،‬تتفكر في المفقود وال تشكر الموجود‪ ،‬تنزعج من خسارة مالية وعندك مفتاح السعادة‪ ،‬ومن القناطير مقنطرة‬
‫من الخير والمواهب والنعم واألشياء‪ ،‬فكر واشكر ﴿ َو ِف ي َأ ْنُف ِس ُكْم َأَف اَل ُت ْب ِص ُر وَن ﴾ [الذاريات‪.]21 :‬‬

‫فكر في نفسك‪ ،‬انظر إلى قلبك ‪ -‬إلى الجهاز التنفسي ‪ -‬إلى المخ ‪ -‬الى المعدة ‪ -‬إلى البنكرياس ‪ -‬المريء ‪ -‬الكبد ‪ -‬االمعاء الدقيقة‬
‫واالمعاء الغليظة ‪ -‬الى االعصاب والشرايين ‪ -‬الى اجهزة االستقبال واالرسال فيك وقل‪:‬‬

‫يا رب‬

‫األمور‬ ‫كل‬ ‫وكفيَت ني‬ ‫أبوُح‬ ‫نعمًا‬ ‫أوليتني‬


‫بأسِر ها‬ ‫بُش كِر ها‬

‫فلَت شُكرّن ك أعُظ مي في‬ ‫فألشكرّن ك ما حييُت‬


‫قبِر ها‬ ‫َأ ُم ْت‬ ‫وإْن‬

‫‪ -7‬بشكر من أسدى معروفًا إليك من الناس‪:‬‬

‫لقول النبي صلى اهلل عليه وسلم "ال يشكر اهلل من ال يشكر الناس" "الترمذي"‪ .‬السلسلة الصحيحة عن ابن عمر عن النبي صلى اهلل‬
‫عليه وسلم قال‪ " :‬من استعاذكم باهلل فأعيذوه و من سألكم باهلل فأعطوه و من دعاكم فأجيبوه و من صنع إليكم معروفا فكافئوه‬
‫فإن لم تجدوا ما تكافئونه فادعوا له حتى تروا أنكم قد كافأتموه" صحيح الجامع‪.‬‬
‫وعن أسامة بن زيد رضي اهلل عنهما‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم‪" :‬من صنع إليه معروف فقال لفاعله‪ :‬جزاك اهلل خيرا‬
‫فقد أبلغ في الثناء" "الترمذي"‪.‬صحيح الجامع‬

‫رابعا‪ :‬الوسائل المعينة على شكر النعم‪:‬‬

‫‪ -1‬النظر إلى أهل الفاقة والبالء‪:‬‬

‫فإن ذلك يوجب احترام النعمة وعدم احتقارها‪ ،‬ولذلك قال النبي‪" :‬إذا نظر أحدكم إلى من ُف ّض ل عليه في المال والخلق فلينظر إلى‬
‫من هو أسفل منه ممن َف ُض ل عليه" [متفق عليه]‪.‬‬

‫قال النووي‪ :‬قال ابن جرير وغيره‪ :‬هذا حديث جامع ألنواع الخير‪ ،‬ألن اإلنسان إذا رأى من ُف ّض ل عليه في الدنيا طلبت نفسه مثل‬
‫ذلك‪ ،‬واستصغر ما عنده من نعمة اهلل تعالى‪ ،‬وحرص على االزدياد ليلحق بذلك أو يقاربه‪ ،‬هذا هو الموجود في غالب الناس‪ ،‬وأما إذا‬
‫نظر في أمور الدنيا إلى من هو دونه فيها‪ ،‬ظهرت له نعمة اهلل عليه وشكرها‪ ،‬وتواضع وفعل فيه الخير‪.‬‬

‫‪ -2‬معرفة أن اإلنسان بمنزلة العبد المملوك لسيده‪:‬‬

‫وأنه ال يملك شيئًا على اإلطالق‪ ،‬وأن كّل ما لديه إنما هو محض عطاء من سيده ولذلك ثبت في الصحيحين أن النبي قام حتى‬
‫تقطرت قدماه‪ .‬فقيل له‪ :‬أتفعل هذا وقد غفر اهلل لك ما تقدم من ذنبك وما تأخر؟ فقال عليه الصالة والسالم‪" :‬أفال أكون عبدًا‬
‫شكورًا "‪.‬أي أن كل ما فعله اهلل تعالى بي من االصطفاء والهداية والمغفرة هو محض عطاء منه سبحانه يستحق عليه الحمد والشكر‪،‬‬
‫فما أنا إال عبد له سبحانه‪.‬‬

‫‪ -3‬االنتفاع بالنعم وعدم كنزها‪:‬‬

‫فعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي قال‪" :‬كلوا واشربوا وتصّد قوا من غير مبخلة وال سرف‪ ،‬فإن اهلل يحب أن يرى أثر‬
‫نعمته على عبده" [أحمد والنسائي والترمذي وصححه الحاكم]‪ .‬تحقيق األلباني‪ :‬حسن‪ ،‬المشكاة (‪.)4381‬‬

‫‪ -4‬ذكر اهلل عز وجل‪:‬‬

‫فالشكر في حقيقته هو ذكر هلل عز وجل‪.‬‬

‫وورد عن مجاهد في قوله تعالى‪ِ ﴿ :‬إ َّن ُه َكاَن َع ْب دًا َش ُكورًا ﴾ [اإلسراء‪ .]3 :‬قال‪( :‬لم يأكل شيئًا إال حمد اهلل عليه‪ ،‬ولم يشرب شرابًا إال‬
‫حمد اهلل عليه‪ ،‬ولم يبطش بشيء قط إال حمد اهلل عليه‪ ،‬فأثنى اهلل عليه أنه كان عبدًا شكورًا ‪.‬‬
‫وقال النبي‪" :‬إن اهلل ليرضى عن العبد أن يأكل األكلة فيحمده عليها‪ ،‬أو يشرب الشرية فيحمده عليها" [مسلم]‪.‬‬

‫‪ -5‬التواضع وترك الِك بر‪:‬‬

‫فالكبر يضاد الشكر‪ ،‬ألن حقيقة الكبر هو ظن العبد أنه المالك المتصرف‪ ،‬والشكر هو االعتراف هلل عز وجل بذلك‪.‬‬

‫‪ -6‬شهود مشهد التقصير في الشكر‪:‬‬

‫وذلك بأن يعرف العبد أنه مهما بالغ في الشكر‪ ،‬فإنه لن يوفى حق نعمة واحدة من نعم اهلل تعالى عليه‪ ،‬بل إن الشكر نفسه نعمة‬
‫تحتاج إلى شكر‪.‬‬

‫ولذلك قيل‪:‬‬

‫علّي له في مثلها يجب‬ ‫إن كان شكري نعمُة اهلل‬


‫الشكر‬ ‫نعمًة‬

‫األيام‬ ‫طالت‬ ‫وإن‬ ‫فكيف وقوع الشكر إال‬


‫العمر‬ ‫واتصل‬ ‫بفضله‬

‫‪ -7‬مجاهدة الشيطان واالستعاذة باهلل منه‪:‬‬

‫قال ابن القّي م‪( :‬ولما عرف عدو اهلل إبليس قدر مقام الشكر وأنه من أجل المقامات وأعالها‪ ،‬جعل غايته أن يسعى في قطع الناس‬
‫عنه فقال‪ُ ﴿ :‬ث َّم آلِت َي َّنُه م ِّم ن َب ْي ِن َأ ْي ِد يِه ْم َو ِم ْن َخ ْلِف ِه ْم َو َع ْن َأ ْي َم اِن ِه ْم َو َع ن َش َم اِئِل ِه ْم َو َال َت ِج ُد َأ ْكَث َر ُه ْم َش اِك ِر يَن ﴾ [األعراف‪.]17:‬‬

‫‪ -8‬ترك مخالطة أهل الغفلة‪:‬‬

‫فإن مخالطتهم تنسي الشكر وتقطع العبد عن التفكر في النعم‪.‬‬

‫قيل للحسن‪ :‬هاهنا رجل ال يجالس الناس‪ ،‬فجاء إليه فسأله عن ذلك‪ ،‬فقال‪ :‬إني أمسي وأصبح بين ذنب ونعمة‪ ،‬فرأيت أن أشغل‬
‫نفسي عن الناس باالستغفار من الذنب‪ ،‬والشكر هلل على النعمة‪ ،‬فقال له الحسن‪ :‬أنت عندي يا عبد اهلل أفقه من الحسن!!‬

‫‪ -9‬الدعاء‪:‬‬
‫بأن يجعلك اهلل تعالى من الشاكرين‪ ،‬وأن يوفقك لطريق الشكر ومنزلته العالية‪.‬‬

‫• قال النبي لمعاذ رضي اهلل عنه‪" :‬واهلل إني ألحبك‪ ،‬فال تنسى أن تقول دبر كل صالة‪ :‬اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك"‬
‫[أحمد وأبو داود والنسائي وهو صحيح]‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬الترهيب من الجحود وعدم الشكر‪:‬‬

‫‪-1‬كفران النعمة مذهبة لها‪:‬‬

‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َم ْن َش َكَر َف ِإ َّن َم ا َي ْش ُكُر ِل َن ْف ِس ِه َو َم ْن َكَف َر َف ِإ َّن َر ِّب ي َغ ِن ٌّي َكِر يٌم ﴾ [النمل‪.]40 :‬‬

‫‪ -2‬بين اهلل طبيعة االنسان الماكرة الخبيثة التي ال تشكر‪:‬‬

‫قل تعالى‪َ ﴿ :‬و ِإ َذ ا َأ ْن َع ْم َنا َع َلى اِإْل ْن َس اِن َأ ْع َر َض َو َن َأ ٰى ِب َج اِن ِب ِه َو ِإ َذ ا َم َّس ُه الَّش ُّر َف ُذ و ُد َع اٍء َع ِر يٍض ﴾ [فصلت‪.]51:‬‬

‫وقال تعالى‪َ ﴿ :‬و َلَق ْد َم َّكَّناُكْم ِف ي اَأْلْر ِض َو َج َع ْلَنا َلُكْم ِف يَه ا َم َع اِي َش َق ِل يًال َم ا َت ْش ُكُر وَن ﴾ [األعراف‪.]10 :‬‬

‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َق ِل يٌل ِم ْن ِع َب اِد َي الَّش ُكوُر ﴾ [سورة سبأ‪.]13 :‬‬

‫‪ -3‬احذر االستدراج‪:‬‬

‫عن عقبة بن عامر قال قال رسول اهلل صلى اهلل عليه وسلم "إذا رأيت اهلل تعالى يعطي العبد من الدنيا ما يحب و هو مقيم على‬
‫معاصيه فإنما ذلك منه استدراج" صحيح الجامع‪.‬‬

‫ذلك حين ترى زيادة النعم و إسباغها بدون شكر هلل عز وجل‪ .‬فهذه عالمة خطر ينبغي الوقوف عندها‪ ،‬كما قال اهلل عز وجل ﴿‬
‫َأ َي ْح َس ُب وَن َأ َّن َم ا ُن ِم ُّد ُه ْم ِب ِه ِم ْن َم اٍل َو َبِن يَن * ُن َس اِرُع َلُه ْم ِف ي اْلَخ ْي َر اِت َب ْل اَل َي ْش ُع ُر وَن ﴾ [المؤمنون‪ ]56 ،55 :‬ولذا فسر سفيان ابن عيينة‬
‫قول اهلل عز وجل‪َ ﴿ :‬س َن ْس َت ْد ِرُج ُه ْم ِم ْن َح ْي ُث اَل َي ْع َلُم وَن ﴾ قال‪" :‬نسبغ عليهم النعم ونمنعهم الشكر"‪ .‬نعوذ باهلل من ذلك‪.‬‬

‫‪ -4‬تبديل النعم الي نقم‪:‬‬

‫قال تعالى‪َ ﴿ :‬لَق ْد َكاَن ِل َس َب ٍإ ِف ي َم ْس َكِن ِه ْم آَي ٌة َج َّنَت اِن َع ْن َي ِم يٍن َو ِش َم اٍل ُكُلوا ِم ْن ِرْز ِق َر ِّب ُكْم َو اْش ُكُر وا َلُه َب ْلَد ٌة َط ِّي َب ٌة َو َرٌّب َغ ُف وٌر َف َأ ْع َر ُض وا‬
‫َف َأ ْر َس ْلَنا َع َلْي ْم َس ْي َل اْلَع ِم َو َبَّد ْلَناُه ْم ِب َج َّنَت ْي ْم َج َّنَت ْي َذ َو اَت ُأ ُك َخ ْم ٍط َو َأْث َو َش ٍء ِم ْن ِس ْد َق ِل ي * َذ ِلَك َج َز ْي َناُه ْم ِب َم ا َكَف ُر وا َو َه ْل‬
‫ٍر ٍل‬ ‫ْي‬ ‫ٍل‬ ‫ْي ٍل‬ ‫ِن‬ ‫ِه‬ ‫ِر‬ ‫ِه‬
‫ُن َج اِزي ِإ اَّل اْلَكُف وَر ﴾ [سبأ‪.]17-16 :‬‬

‫العرم‪ :‬الماء الغزير‪ ،‬وهذا من باب إضافة االسم إلى صفته‪.‬‬


‫وخمط‪ :‬مر‪ ،‬وأثل‪ :‬ال ثمر فيه‪.‬‬

‫إذا كنت في نعمة فارعها فإن الذنوب تزيل النعم‬

‫وحطها بطاعة رب العباد فرب العباد سريع النقم‬

‫‪ -5‬الجوع والخوف‪ :‬قال تعالى‪َ ﴿ :‬و َض َر َب اُهَّلل َم َث اًل َق ْر َي ًة َكاَن ْت آِم َن ًة ُم ْط َم ِئ َّن ًة َي ْأ ِت يَه ا ِرْز ُق َه ا َر َغ ًد ا ِم ْن ُكِّل َم َكاٍن َف َكَف َر ْت ِب َأ ْن ُع ِم اِهَّلل َف َأ َذ اَق َه ا‬
‫اُهَّلل ِل َب اَس اْلُج وِع َو اْلَخ ْو ِف ِب َم ا َكاُن وا َي ْص َنُع وَن ﴾ [النحل‪.]112 :‬‬

‫وعبر باللباس لمالزمته صاحبه‪ ،‬فالجوع والخوف ال يبرحان ساحتهم‪ ،‬وهما لهم‬

‫كاللباس الذي يباشر صاحبه وال فكاك عنه‪.‬‬

‫وذكر اهلل عّز وجّل قصة قارون في سورة القصص‪ ،‬وما حصل له من النعم العظيمة التي توالت عليه؛ حتى إن مفاتحه لتنوء بالعصبة‬
‫أولي القوة‪ ،‬وقال إن ما أوتيه من هذه النعم لكونه حقيًق ا بذلك وأنه أهل لذلك؛ فَكَف ر هذه النعم ولم يشكرها‪ ،‬ولم يضفها إلى المنِع م‬
‫بها‪ ،‬ولم يصرفها في طاعة اهلل عّز وجّل ‪.‬‬

‫قال تعالى‪ِ ﴿ :‬إ َّن َق اُر وَن َكاَن ِم ن َق ْو ِم ُم وَس ى َف َب َغ ى َع َلْي ِه ْم َو آَت ْي َناُه ِم َن اْلُكُنوِز‪ ﴾ ..‬حتى قال‪َ ﴿ :‬ف َخ َس ْف َنا ِب ِه َو ِب َد اِرِه اَأْلْر َض ﴾‪.‬‬

‫هذه نتيجة كفران النعم‪ ،‬نتيجة كفران النعم‪ ،‬أن اهلل خسف به وبداره األرض‪ ،‬فهذه النعم التي أنعم اهلل تعالى بها عليه‪ ،‬لما لم يشكرها‬
‫صارت وباًال عليه‪ ،‬وذهبْت وذهب معها من غير أن يستفيد‪ ،‬بل تضرر وخسر الدنيا واآلخرة‪ ،‬وذلك هو الخسران المبين‪.‬‬

‫نسأل اهلل تعالى ان يرزقنا شكر نعمته وان يرزقنا رزقا حالال طيبا مباركا فيه وان يجنبنا الحرام ويبعدنا عنه انه ولي ذلك والقادر‬
‫عليه‪.‬‬

‫وصل اللهم وسلم وبارك على سيدنا محمد‬

‫حقوق النشر محفوظة © ‪1445‬هـ ‪2024 /‬م لموقع األلوكة‬


‫آخر تحديث للشبكة بتاريخ ‪13/8/1445 :‬هـ ‪ -‬الساعة‪10:19 :‬‬

You might also like