Professional Documents
Culture Documents
محاضرات في تحليل الخطاب
محاضرات في تحليل الخطاب
يعتبر االتصال نشاطا حيويا لإلنسان ،فهو يعيش في بيئة حافلة بالرسائل االتصالية المختلفة
التي تحيط به في حياته اليومية في مختلف المجاالت ،وإذا أدخلنا عنصر السياق )(contexte
على تلك الرسائل نجدنا نتحدث عن تعرضه إلى جملة من الخطابات (وليس الرسائل فقط)
التي تحاصره يوميا (خطابات ثقافية ،اجتماعية ،سياسية ،إشهارية .)...
بناء على ذلك ،يشتمل درسنا أوال على محور تمهيدي حول مفاهيم أساسية في تحليل الخطاب
ً
(مفهوم الخطاب /مفهوم النص /المقصود بعملية التحليل والهدف منها .يليه محور ثان يختص
بتعريف الطالب بمدارس ومقاربات تحليل الخطاب ،ثم محو ار أخي ار يشتمل على طريقة تحليل
الخطاب تمكن الطالب من ممارسة عملية التحليل .يتمثل الهدف العام من المادة في تمكين
الطالب من الفهم العميق لدور اللغة في است ارتيجيات االتصال وأساليب تحليل ونقد مختلف
أنواع الخطابات ،وذلك من خالل:
-تمكين الطالب من تحليل الخطاب ونقده من خالل المقاربات المختلفة (التحليل اللغوي/
التحليل السيميولوجي /التحليل الثقافي /التحليل النقدي...
-تعريف الطالب بمفاهيم أساسية ذات صلة بتحليل الخطاب كبنية الخطاب واستراتيجياته
2
مفهوم الخطاب وخصائصه .I
" ما هو الخطاب ؟ إنه سؤال بسيط في ظاهره ،معقد في حقيقته " Van Dijk
الخطاب مصطلح غير ثابت لغويا وهو من األلفاظ المتحولة دالليا والمتفرعة بمفاهيمها.
التعريف اللغوي:
)1جان نعوم طنوس ،تحليل الخطاب ،مفاهيم نظرية ونصوص تطبيقية ،ط ،3دار المنهل اللبناني ،بيروت،
،3232ص 7
)2المرجع نفسه ،ص 8
3
-فصل الخطاب هو الحجة الدامغة أو ما يفصل بين الحق والباطل بين المتحاورين
ط بين طب أو ال ُـمخا َ
-الخطاب كالم يتوجه من المتكلم إلى ال ُـمخا َ
-يرتبط الخطاب بمناسبة ما وال يمكن فهم الخطاب إال استنادا إلى سياق معين.
حسب ابن منظور في كتابه لسان العرب ،1فإن المعنى العام لكلمة خطاب هو الكالم الذي
له بداية ونهاية مع التأكيد على خاصية التفاعل" ،فيقال خاطبه (بالكالم) مخاطبة وخطابا،
وهما يتخاطبان .ومن ثم ،فالخطاب في لسان العرب كالم عادي أو مزخرف ،له أول وآخر
وهو يتم بين متخاطبين أو أكثر يدخالن (يدخلون) في تفاعل بينهم ،فالمعنى بمجمله يؤكد
على جوهر االشتراك في فعل الكالم " الذي يقصد به اإلفهام" .أما المفهوم الثاني للخطاب في
لسان العرب ،فهو مستنبط من قوله تعالى "وشددنا ملكه وآتيناه الحكمة وفصل الخطاب"[سورة
ص ،اآلية ،]32وهو معنى يدل على الكالم الراشد والمنطقي وفصل الخطاب أن يفصل بين
الحق والباطل ويميز بين الحكم وضده.
)1ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد ،لسان العرب ،دار المعارف ،القاهرة ،ج ،32مادة [خطب] ،ص
3312
)2عبد القادر سالمي " ،تحليل الخطاب :مقدمة للقارئ العربي " في
www.diwanalarab.com/spip.php ?article10843تاريخ الولوج 29/04/2015على 32سا
)3أبو البقاء أيوب الكفوي ،الكليلت ،معجم المصطلحات والفروق اللغوية ،ط ،3دار األصالة3111 ،
)4محمود عكاشة ،لغة الخطاب السياسي دراسة لغوية تطبيقية في ضوء نظرية االتصال ،ط ،3دار النشر
للجامعات ،مصر ،3221 ،ص . 12على الرابط اإللكتروني ، www.facebook.com/books4all.net :تاريخ
التحميل 3237/20/33على 31سا
4
والخطاب هو تعريب للكلمة الفرنسية ) (Discoursواالنجليزية ) (dicourseوالذي يتخذ معنى
الحديث ،المحاضرة أو المقالة ويقصد به على العموم الحديث والكالم الموجه من شخص آلخر
من أجل الفهم واإلفهام 1.وحسب المركز الوطني الفرنسي للموارد النصية والمعجمية ،2فإن كلتا
الكلمتين تنحدران من اللغة الالتينية وتحديدا من الفعل ) (Discurrereوالذي يعني الجري أو
السعي في اتجاهات مختلفة أو االنتشار والتفشي.و بالتالي تتخذ كلمة الخطاب عدة معاني:
-الحديث حول أشياء متنوعة وتبادل أطراف الحديث دون السعي لتعميق الموضوع
)(Parler-Converser
-الكالم مطوال بدون أهمية وبطريقة متعبة للمستمعين ). (Faire un discours
المفهوم االصطالحي:
إن القراءة االصطالحية لكلمة خطاب هي قراءة متحولة تنطبع بطبيعة الحقل المعرفي الذي
تستخدم فيه ،لذا نجد لها دالالت لغوية وفلسفية واتصالية وغيرها.
فجاء مفهوم الخطاب عند آرسطو موازيا لمدلول الخطابة Rhétoriqueالتي يعرفها بأنها
الكالم المقنع3.بالتالي ،يتعدى الخطاب مجرد الفعل الكالمي إلى البعد االقناعي ،فنجد اآلمدي
يعرف الخطاب على أنه" اللفظ المتواضع عليه المقصود به إفهام من هو متهيء لفهمه"،4
والتواضع هو االتفاق على مؤدى اللفظ .فالخطاب هو "توجيه الكالم نحو الغير لإلفهام ،وفي
5
اصطالح الحكماء مجموع قوانين يقتدر بها على اإلقناع الممكن في أي موضوع يراد ،واالقناع
حمل السامع على التسليم بصحة المقول وصواب الفعل أو الترك" .1
بالتالي ،يعد الخطاب فعال حيويا في إنتاج النص كمقابل للملفوظ الذي يعد الموضوع اللغوي
المنجز .كما يتضمن تعريف "بنفنست" أيضا اإلنجاز القولي والفعلي للخطاب وما يتعلق بهما،
وكذلك طرفي االتصال والمقصد من االتصال واألدوات المستخدمة في التأثير .وفي السياق
ذاته ،يعرف "برتنيتو" Bertenitoالخطاب بأنه متوالية منسقة من الدالئل اللغوية المنتجة في
صورة شخصية من قبل متكلم ومزودة بغرض تواصلي خاص ووظيفة ثقافية محددة.6
)1الشيخ علي محفوظ " ،فن الخطابة و إعداد الخطيب" ،دار االعتصام ،ص 31
)2محمود عكاشة ،لغة الخطاب السياسي ،مرجع سابق ،ص 10
يقترب مفهوم الخطاب هنا لدى هاريس من مفهوم النص كما سنوضحه الحقا في التعريف االصطالحي للنص *
إذ يركز على الملفوظ كمتتالية جمل تجمع بعضها ببعض عالقات نحوية وتركيبية وصوتية وداللية.
)3المرجع نفسه ،ص 17
)4محمد عزام ،فضاء النص الروائي ،مقاربة بنيوية تكوينية في أدب نبيل سليمان ،ط ،3دار الحوار للنشر
والتوزيع ،سوريا ،3110 ،ص 31
)5عبد السالم حيمر ،في سوسيولوجيا الخطاب :من سوسيولوجيا التمثالت إلى سوسيولوجيا الفعل ،الشبكة العربية
لألبحاث والنشر ،ص.31
6
أما لدى الالند ،Lalandeفإن الخطاب يعني التعبير عن الفكر وتطوره بواسطة متوالية من
الكلمات والقضايا المتسلسلة المترابطة.1
وعلى الرغم من االختالف القائم بين معظم الباحثين المهتمين بالخطاب حول تحديد مفهومه
الذي غالبا ما يتداخل مع مفهوم النص ،إال أنهم يتفقون على حقيقة أن مفهوم الخطاب هو
"من أكثر المفاهيم غموضا وأكثرها استخداما وانتشا ار على نطاق واسع في شتى ميادين
وتخصصات العلوم االجتماعية منذ الثمانينيات من القرن العشرين إلى يومنا هذا" .2وإذا أردنا
الرجوع إلى منبع استخدام كلمة خطاب في الدراسات المعاصرة" ،نجد أن العلوم اللسانية هي
أول من استعمله فكان حقال من حقولها إلى أن تلقفه المعجم النقدي للعلوم االنسانية ،فانزاح
عن خصوصيته اللسانية– اللغوية وعرف توسعا في االستعمال بالرغم من حرص بعض
الدارسين في حقول العلوم االنسانية واالجتماعية على االحتفاظ بجوهر مرجعيته اللسانية".3
من خالل االطالع على مجموعة من التعاريف المعطاة لمفهوم الخطاب ،يمكننا إدراجها ضمن
اتجاهات تعريفية مختلفة اهمها االتجاه اللغوي اللساني ،االتجاه االتصالي واالتجاه االجتماعي.
االتجاه اللغوي اللساني الذي يرى في الخطاب مجموعة من الملفوظات اللغوية -1
طب عبر تلك الملفوظات التي
التي تفترض وجود خطيب ذو نية تأثير في ُمخا َ
تشكل الخطاب .ويرجع فضل نشأة مفهوم الخطاب للباحثين في مجال دراسات
اللغة واأللسنية (علم اللغة الحديث) في القرن العشرين خاصة عالمي اللغة
"بايسنس" ) 3121 (Buyssensو"بنفنيست" ) .43122 (Benvenistهذا األخير
1
) André Lalande, Vocabulaire technique et critique de la philosophie, P.U.F, Paris, 1996, p277.
)2محمد شومان "،تحليل الخطاب االعالمي :أطر نظرية و مناهج تطبيقية" ،ط ، 3الدار المصرية اللبنانية ،
القاهرة ،3227 ،ص 37
)3عبد القادر سالمي ،موقع إلكتروني سبق ذكره .
7
الذي عرف الخطاب بأنه " كل تلفظ ) (Enoncéيفترض متكلما ومستمعا وعند
األول هدف التأثير على الثاني بطريقة ما ،فالخطاب يتجاوز الجملة ،"1وهذا ما
ُيعرف بـ "لسانيات الخطاب" .ويركز االتجاه اللغوي ( اللساني) في تعريف الخطاب
على مدلوله في فعل النطق أو المنطوق مفرقا بينه وبين اللغة واللسان مع اإلبقاء
على البعد التواصلي واإلقناعي للخطاب .فنجد مثال تعريف طه عبد الرحمن الذي
يشير إلى أنه" :المنطوق به الذي يصلح أن يكون كالما موجها إلى الغير بغرض
إفهامه مقصودا مخصوصا" .2وعليه ،فالخطاب بالنسبة التجاه لسانيات الخطاب
هو تفاعل يتجلى في المحادثات اّلتي يسعى فيها أصحابها إلى التّنسيق بين مختلف
كل ما يصدر عن المتكلم
النمط الخطابي ّ
ملفوظاتهم أثناء تحاورهم ،ويشمل هذا ّ
من خطاب ،أحضر المستمع فيه أو لم يحضر ،كالمحاضرات ،والخطابات
السياسة…وال يكون الخطاب خطابا إالّ إذا تبنته هيئة تشكل محور المعالم
و ّ
الزمانية ،والمكانية والشخصية ،وتشير إلى موقفها تجاه ما تقوله ،أو أن تسند
ّ
الدراسات اّلتي
التوجهّ ،
ّ مسؤولية هذا األخير إلى الغير .ومن بين ما يتضمنه هذا
أجريت على العناصر الذاتية الكامنة في الّلغة .كما يخضع الخطاب لمجموعة من
المعايير االجتماعية واألخالقية ،تتكفل قوانين الخطاب بتبيانها ،فاألفعال الكالمية
)1بسام مشاقبة " ،مناهج البحث االعالمي و تحليل الخطاب" ،دار أسامة ،األردن ،3232 ،ص 323
)2طه عبد الرحمن " ،اللسان و الميزان" ،طبعة المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء ،3118 ،ص 331
8
تكون بصيغة ألفاظ أو بصيغة إيماءات ،إشارات ،حركات أو أصوات يهدف من
ورائها المرسل إخبار أو تبليغ المستقبل بشيء ما أو بحدث ما أو بخبر ما وكذلك
إقناعه بوجهة نظر معينة 1.ومن المنظور االعالمي ،الخطاب هو" الرسالة من
حيث موضوعاتها وعناصرها وكافة مكوناتها الظاهرة والمستترة بما تنطوي عليه
من معان ودالالت وأهداف في سياقها الزمني والمؤسسي والمجتمعي.2
االتجاه االجتماعي لتعريف الخطاب الذي ينظر إليه على أنه طريقة معينة للتحدث -3
عن الواقع وفهمه ،كما ُيعتبر الخطاب في هذا االتجاه مجموعة من النصوص
والممارسات الخاصة بإنتاج النصوص وانتشارها واستقبالها مما يؤدي إلى فهم
الواقع االجتماعي .فالخطاب أداة ذات أهمية في "تكوين أفعال الجماعة وصناعة
سلوكيات في ممارساتهم االجتماعية ،والخطاب كفعل ) (Actيعني أنه يتحقق في
زمن معلوم ،فهو ليس خارج الزمن و المكان" 3.في هذا السياق ،ترى "ديان
مكدونيل" أن الخطاب يشمل جميع العالمات الكالمية وغير الكالمية ،وأية ممارسة
رسمية أو أية تقنية يتحقق فيها وعبرها االنتاج االجتماعي للمعنى" .4وفي المعنى
العام ،5يدل الخطاب على كل تلفظ يحتوي داخل بنياته الباث و المتلقي مع رغبة
األول في التأثير على اآلخر ،وهو بالتالي أشمل من الرسالة .بعبارة أخرى :
)1محمود شمال حسن"،الصورة و االقناع ،دراسة تحليلية ألثر خطاب الصورة في اإلقناع" ،ط ،3دار اآلفاق
العربية ،القاهرة ،3220 ،ص 33
)2بركات عبد العزيز" ،مناهج البحث االعالمي :األصول النظرية ومهارات التطبيق" ،ط ،3دار الكتاب الحديث،
القاهرة ،3233 ،ص 123
)3حسن مصدق " ،يورغن هابرماس و مدرسة فرانكفورت ،النظرية النقدية التواصلية "،ط ،3المركز الثقافي
العربي ،المغرب ،3221 ،ص 78
)4ديان ماكدونيل" ،مقدمة في نظرية الخطاب" ،ترجمة عز الدين اسماعيل ،ط ،3المكتبة األكاديمية ،القاهرة ،
، 3223ص 07
9
الخطاب = رسالة (ملفوظ) +وضعية اتصال (رغبة المرسل في التأثير على المتلقي)
وحسب "نورمان فيركالو" ) :1 (N.Faircloughتستخدم كلمة خطاب لإلشارة إلى استخدام اللغة
حديثا وكتابة وكل األنواع األخرى من النشاط العالماتي مثل الصور المرئية ،الصور
الفوتوغرافية ،األفالم ،الفيديو ،الرسوم البيانية واالتصال غير الشفوي والتي يستخدمها طرف
أول للتأثير على طرف ثان مع مراعاة الظروف المحيطة بإنتاج ذلك الخطاب وتلقيه.
لقد تعددت التعريفات التي قدمت للخطاب بتعدد التوجهات النظرية وأهداف التحليل ،لكن يمكن
تصنيفها عموما حسب "شفرن" إلى ثالثة أصناف:2
أ-النموذج أو البراديغم الصوري الذي يركز على اعتبار الخطاب وحدة متالحمة تتألف من
أكثر من جملة ،وتجمع المقاربات الصورية للخطاب بين خاصيتين اثنتين:
-التركيز على صورة الخطاب بمعنى شكله ،على اعتبار أن ما يميزه هو توفره على
بنية structureتعكس نموذجا ترد وتتوارد وفقه مقاطع الخطاب في عالقاتها ببعضها
البعض.
-عدم االستناد إلى معطيات خارجة عن هذه البنية من قبل المتخاطبين والسياق والمعنى،
حيث إن هذه المقاربة البنيوية تهتم بمختلف التعالقات القائمة بين مختلف الوحدات
وتغفل النظر إلى العالقات الوظيفية التي يقيمها الخطاب مع سياق إنتاجه.
10
ويعد هاريس عام 3113أول من اهتم بالخطاب في إطار النموذج الصوري من خالل تطبيق
المبادئ التوزيعية على الخطاب.
ب -النموذج /البراديغم الوظيفي الذي يربط اللغة باالستعمال ،language in useأي على
الوظيفة التي يؤديها الخطاب .لذلك يربط النموذج الوظيفي الخطاب بسياق استعماله إذ ينظر
إليه كنسق (طريقة تحدث منظمة اجتماعيا وثقافيا) تحقق عبره وظائف خاصة .وعلى الرغم
من اشتمال النموذج الوظيفي على إطرادات صورية/بنيوية فإنه يتجاوز األساس البنيوي لمثل
هذه اإلطرادات ليهتم باألخص بكيفية توظيف نماذج التكلم لتحقيق أغراض محددة في سياقات
محددة ،وبالتالي تفسر هذه اإلطرادات الصورية/البنيوية بكونها تابعة لالستراتيجيات التواصلية.
ج -النموذج التلفظي :وهو نموذج يزاوج بين النموذجين السابقين من خالل ربطه الخطاب
بالتلفظ وذلك لكون التلفظات Enonciationsهي وحدات اإلنتاج اللغوي سواء كانت مكتوبة
او منطوقة وهي بالضرورة مرتبطة بالسياق ،وهذا ما يجعل التلفظ معارضا للفظ (énonciation
) contre énoncéمعارضة الفعل للنتيجة المترتبة عنه .وكان من نتائج ربط الخطاب بالتلفظ
تحقيق اهداف متعددة منها ما يتعلق بالبعد التركيبي ومنها ما يتعلق بالبعدين الداللي والتداولي.
وبالتالي جمع هذا التصور بين اإللحاح الوظيفي على االستعمال اللغوي واإللحاح
الصوري/البنيوي على النماذج الموسعة ،إذ تتضمن دراسة التلفظ األخذ بعين االعتبار جملة
من العوامل المرتبطة بالمقام التواصلي كالمشاركين وزمن ومكان التلفظ وعموما كل عنصر
يمكن عده مالئما في إجراء التلفظ .وتنتهي سلس مورسيا إلى تعريف يمكننا اعتباره تعريفا
شامال للخطاب يؤالف بين البعد البنيوي والوظيفي يتحدد في اعتباره :نموذجا لغويا مكتوبا أو
منطوقا يمتلك تعالقات داخلية قابلة للوصف من حيث الشكل والمعنى ،وهو يرتبط بشكل
متالحم مع وظيفة تواصلية خارجية ،ال تتحدد هذه األخيرة إال باألخذ بعين االعتبار السياق
والمشاركين أي كل العوامل الثقافية واالجتماعية المالئمة .فربط الخطاب بالسياق ُي َم ّكن من
11
تحليل الخصائص الصورية والتوزيعية (أي البنيوية) كما ُي َم ّكن من تحليل المعنى واستعماالته
انطالقا من التركيز على المعلومات السياقية المالئمة.1
من أهم مميزات الخطاب بشكل عام انفتاحه وقفزه فوق النصوص ليشملها وكذا مساهمته في
تشكيل الواقع وليس عكسه فقط"،فال يتأتى إدراك الخطاب بالنظر إليه كنظام مغلق من العالمات
أو نسق مكتنف بذاته كما تتصوره البنيوية ،بل إن معانيه ودالالته ال تتكون إال في سياق
االلتقاء عبر الخطاب بين منتجيه بموقعهم االجتماعي والمتلقي بحمولته الثقافية وأصوله
السوسيو-مهنية .كما أن الخطاب ال يميل إلى تمثيل الواقع بحيث يعني ويدل بقدر ما يشارك
في حركية هذا الواقع وتحويله ".2
تحليل الخطاب:
1
) M.Murcia-Celce, Why it makes sense to teach Grammar in context and through discourse,
Hinkel and Fotos, eds. New perspectives on grammar teaching in second language classrooms,
Mahwa, Lawrence Erlbaum, New Jersey,2002, p 122
)2محمد فاوبار "،جدل الصورة و الخطاب" ،في مجلة البحرين الثقافية ،قطاع الثقافة و التراث الوطني ،و ازرة
االعالم ،مملكة البحرين ،العدد ،21جويلية ، 3220ص 01
)3بسام مشاقبة ،مرجع سابق ،ص 333
12
يقابل لفظ تحليل باللغة العربية Analyseبالفرنسية و Analysisباالنجليزية ،وهي كلمات ذات
أصل يوناني تتشكل من مقطعين :Ana ،أي إلى أعلي أو إلى وراء ،و :Luienبمعنى يفك.
فالمصطلح ينطوي في جذره على تجاه تجزيئي أو تفكيكي ويفترض أوال وجود موضوع كلي
قابل للتفكيك والتجزئة ،متركب من عناصر أو أجزاء نرده بواسطة التحليل إلى تلك العناصر
واألجزاء باكتشافها وتسميتها ومعرفة مكوناتها.1
فالتحليل إذن هو دراسة تفصيلية للشيء أو الظاهرة من أجل الكشف عن العناصر التي تشكلها،
ويهدف التحليل إلى معرفة وفهم الشيء من خالل تفكيكه ،أي التعرف على ما يدخل في
تركيبه لمعرفة خصائصه والكشف عن العالقات التي تجمع بين عناصره .أما في مجال تحليل
الخطاب ،فتشير كلمة تحليل إلى مفهوم تطبيقي ،وهي ال تقتصر على النظام الداخلي للنص،
أي على التحليل اللغوي واللساني ،بل تتعدى ذلك إلى ما يحيط بالنص من ظروف سياسية،
2
تاريخية ،اجتماعية ،نفسية...
)1حاتم الصكر ،ترويض النص ،دراسة للتحليل النصي في النقد المعاصر ،إجراءات ومنهجيات ،سلسلة دراسات
أدبية ،الهيئة المصرية للكتاب ،3118 ،ص 33
)2جان نعوم طنوس ،تحليل الخطاب ،مرجع سابق ،ص 1
13
مفصلة articulerتلفظه (أي النص) مع موقع اجتماعي بعينه ،وهكذا ،يجد تحليل الخطاب
نفسه حيال أنواع الخطابات المشتغلة في قطاعات الفضاء االجتماعي (المقهى ،المدرسة،
المحل التجاري ،الجامعة )...أو في الحقول الخطابية (السياسي ،العلمي .1)...من هنا نالحظ
أن تحليل الخطاب يقع بين تصورين أساسيين يتمحور األول حول النظر إليه باعتباره تقنية
بحث في العلوم االجتماعية Technique de rechercheتسمح بالتساؤل حول ما نفعله أثناء
الكالم وليس فقط ما نقوله اعتمادا على اإلجابة على أسئلة مركزية حول النشاط اللغوي لماذا؟
وكيف؟( عكس المناهج التقليدية التي كانت تركز على األسئلة من؟ ماذا؟ أين؟ متى؟ أما
أصحاب التصور اآلخر ،فهم يتحدثون عن نظرية للخطاب وليس .......
يقترح جوهانا ناتالي خمس خطوات أو عمليات تقوم عليها عملية التحليل:2
الوصف أو محاولة تفكيك النص إلى بعض المظاهر الدالة أو العناصر -3
التنظيم :أي وضع نظام لمالمح مميزة من النص المدروس -3
الـتأويل :البحث عن معنى النص المدروس فيما يتعلق باستقباله -1
التقويم الجمالي :إبراز قيم النص ومواطن تفرده -2
اختبار الصحة إلعطاء فكرة عن القيمة المعرفية المتولدة عن البنيان التحليلي. -1
وعلى صعيد آخر ،تهدف نظرية تحليل الخطاب إلى إعطاء وصف صريح ومنظم للوحدات
اللغوية تحت الدراسة وذلك من خالل بعدين لهذا الوصف هما النص والسياق (Texte et
:Contexte)3
-دراسة النصوص :أي دراسة وتحليل البنية الداخلية التي تتآلف منها المفردات والتراكيب
والجمل من خالل تحليل المستوى الصوتي في الخطاب المنطوق ،phonétique
) دومينيك مانغونو ،المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب ،ترجمة محمد يحياتن ،ط،3منشورات االختالف ،الدار
1العربية للعلوم ناشرون ،بيروت ،3228 ،ص 32
)2حميد لحمداني ،سحر الموضوع ،الدار البيضاء ،3112 ،ص .30
)3محمود عكاشة ،لغة الخطاب السياسي ،مرجع سابق ،ص ص ( 8-7بتصرف)
14
المستوى الصرفي ،grammaticalالمستوى التركيبي ، Syntaxiqueالمستوى المعجمي
(الخاص بالمفردات من حيث تعريفاتها ،مرادفاتها واشتقاقاتها) Lexicalوالمستوى
الداللي .sémantique
-دراسة السياق وفيه نوعان :
سياق لغوي يرتبط بالبنية الداخلية للنص
سياق غير لغوي (ظروف إنتاج وتلقي الخطاب) ،أي دراسة الخطاب في ضوء
الظروف الخارجية والمؤشرات المباشرة عليه ويدخل في ذلك :الموقف /الزمان/
المكان /المشاركون في الحدث /جنس الخطاب /موضوع الخطاب/المقصد من
الخطاب /خصائص السياق اإلدراكية واالجتماعية والثقافية /األثر االجتماعي
والثقافي والسياسي للخطاب وجميع المؤشرات الخارجية المباشرة التي تشارك في
البنية الداخلية في الداللة.
-1ابن منظور ،لسان العرب ،ط ،1دار صادر ،بيروت ،3112 ،ج ،7ص 23
2
) Définition du mot Texte : www.cnrtl.fr/lexicographie/texte, consulté le 10/10/2017 à 18h
15
النص اصطالحا :وفي إطار هذا المعنى اللغوي العام ،يعرف روالن بارث Roland Barthes
النص بأنه "نسيج من الكلمات المنطوقة في التأليف والمنسقة بحيث تفرض شكال ثابتا ووحيدا
والنص هو الذي ي ِ
وج ُد الضمان للشيء أي المكتوب .يرتبط النص بالجانب الشكلي للغة وتعد ُ
الكتابة الوعاء الذي يحفظه .1وهذا ما يتأكد مع التعريف الذي وضعه "بول ريكور" بأن النص
خطاب تم تثبيته بواسطة الكتابة.
ويعرف "روبرت ديبوجراند" Robert De Beaugrandالنص بأنه تشكيلة لغوية ذات معنى
(وحدة داللية) تستهدف االتصال ،مع ضرورة صدور النص عن مشارك واحد ضمن حدود
زمنية معينة .وليس من الضروري أن يتألف النص من الجمل ،فقد يتكون من جمل أو كلمات
مفردة (كما هو الحال في التنبيهات والعناوين واإلعالنات) أو أية مجموعة لغوية تحقق أهداف
2
االتصال.
"يرى البنيويون أن النص هو نسيج يشبه نسيج عنكبوت ،والماركسيون يرون النص ظاهرة
مصاحبة لاليديولوجيا ،وتقوم بنية النص بترجمة بنية األيديولوجيا وتعيد إنتاجها .والسيميوطيقون
يرون أنه مجموعة من العناصر المكونة (اللغة الطبيعية) تتألف وتتسق طبقا لقوانين محددة.
أما اللسانيون فيعرفونه بأنه مدونة أو مقولة لغوية وإطار لتوزيع الوحدات المكونة له".3
وفي السياق ذاته ،وبين النظر إلى النص كمجموعة كلمات أو كمجموعة جمل ،يرى "هاليداي"
Hallidayأن أفضل تعريف للنص هو اعتباره وحدة داللية ،وهذه الوحدة ال يمكن اعتبارها
شكال ألنها معنى ،لذلك فإن النص الممثل بالعبارة او الجملة إنما يتصل باإلدراك (الفهم) ال
بالحجم .4فيمكن أن يكون النص كلمة واحدة ،كما يمكن أن يكون جملة واحدة أو امتدادا من
الجمل.
-1صالح فضل ،بالغة الخطاب وعلم النص ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب ،الكويت ،ع،302
أغسطس ،3113ص 313
2
) Patrick Charaudeau, Langages et discours, Hachette, Pris, 1988, p69
-3ربيعة العربي ،الحد بين النص والخطاب ،في مجلة عالمات ،المغرب ،العدد ،3232 ،11ص 22على الرابط
www.saidbengrad.free.fr/al/n33/index.htmتاريخ الولوج 33 ، 3237/33/31سا اإللكتروني
4
) Greimas.A et Courtes.J, Semiotique :Dictionnaire raisonné de la théorie de langage,
Hachette, Paris, 1979, p389
17
االجتماعية التي تتأسس الداللة في إطارها وأشكال المهارات المفعلة في كل من نمطي
التعبير.1
على العموم ،يرى "غونتر كريس" 2Gunther Kressأن مصطلحي النص والخطاب قد استعمال
في النقاشات الحديثة حول بنية اللغة فيما وراء مستوى الجملة دون تمييز حاد بينهما ،وتوجهت
النقاشات ذات األساس أو الهدف اللغوي إلى استعمال مصطلح النص ،وعندما تكون مادية
اللغة وشكلها وبنيتها هي الموضوع يتجه التأكيد ليكون نصيا ،وحيث يكون محتوى اللغة
ووظيفتها وداللتها االجتماعية هي الموضوع ،تتجه الدراسة للخطاب.
هذا إلى جانب جدلية العالقة التي تربط بين النص والخطاب من حيث الشمول واالحتواء،
ففريق من الباحثين يؤكد على احتواء الخطاب في النصوص باعتبار إمكانية نقل النص الواحد
لخطابات عدة متداخلة ومتشابكة وربما متعارضة في ذات الوقت (شمولية النص) كما عبر
عن ذلك "سعيد يقطين" ،في حين يرى الفريق اآلخر أن الخطاب يتجلى عبر مجموعة من
النصوص مما يؤكد شمولية الخطاب كما يؤكد محمد مفتاح على سبيل المثال.3
وغير بعيد عن هذا التصور ،هناك من يربط كل مفهوم بالمجال البحثي الذي يتم استخدامه
فيه ،إذ استعمل مفهوم الخطاب في الدراسات األمريكية حيث كان االهتمام منصبا على اللغات
الشفوية التي لم تكن تتوفر على أي تقليد كتابي ،كما استعمل في الدراسات البريطانية التي
اهتمت بتحليل الخطاب الشفوي للتالميذ .في حين أن مفهوم النص استعمله اللسانيون
األوروبيون (بالتحديد في إطار المدرسة الفرنسية) الذين لم ينظروا إلى الفرق بين النحو واإلنجاز
اللغوي وإنما ركزوا على ربط الخطاب بسياقه االجتماعي.4
1
) Eimerl.K, Langage oral et langage écrit, divergences et interactions dans l’apprentissage de
la lecture, Dunod, Paris, 1995, p 150
-2غونتر كريس ،البنى اإليديولوجية في الخطاب ،ترجمة عادل الثامري ،في مجلة عالمات ،العدد،3227 ،38
المغرب ،ص 310على الرابط اإللكتروني :
www.saidbengrad.free.fr/al/n33/index.htmتاريخ الولوج 32 ، 3237/33/31سا
-3محمد مفتاح ،التشابه واالختالف ،نحو منهجية شمولية ،المركز الثقافي العربي ،بيروت-الدار البيضاء،
،3110ص 11
-4ربيعة العربي ،الحد بين النص والخطاب ،مرجع سابق ،ص 23
18
المحيط العام
المحيط العام
منشأ الخطاب
النص
1
الشكل رقم :3التداخل بين النص والخطاب والسياق
من خالل الشكل أعاله ،يتضح لنا أن تحليل النص جزء أساسي من تحليل الخطاب .مع
التأكيد على أن تحليل الخطاب ال يقتصر على التحليل اللساني للنصوص ،فتحليل الخطاب
يتأرجح بين التركيز على نصوص معينة والتركيز على نطاق الخطاب (Order of
)1صبيحة جمعة ،تحليل الخطاب في التراث اللغوي والتفكير اللساني الحديث ،مجلة فصول ،مصر ،المجلد
( )3/31العدد ،17خريف ،3230ص .132
19
) discourseعلى حد تعبير "نورمان فيركالو" ،أي البناء الثابت نسبيا للغة الذي يشكل
مكونا في بناء الممارسات االجتماعية والشبكة التي تؤلفها الثابتين نسبيا أيضا.1
خصائص الخطاب:2
-الخطاب نمط من األفعال :إذ هناك من يرى أن الّلغة هي أقوال تتحول إلى أفعال مختلفة
طورها
التوجه بنظرية األفعال الكالمية اّلتي ّ
ّ السياقات اّلتي ترد فيها .وقد تدعم هذا
باختالف ّ
"أوستين" و"سيرل".
-الخطاب تفاعل يتجلى في المحادثات اّلتي يسعى فيها أصحابها إلى التّنسيق بين مختلف
كل ما يصدر عن المتكلم من خطاب،
النمط الخطابي ّ
ملفوظاتهم أثناء تحاورهم .ويشمل هذا ّ
السياسة…
أحضر المستمع فيه أو لم يحضر ،كالمحاضرات ،والخطابات و ّ
-ال يكون الخطاب خطابا إالّ إذا تبنته هيأة تشكل محور المعالم ّ
الزمانية ،والمكانية والشخصية،
وتشير إلى موقفها تجاه ما تقوله ،أو أن تسند مسؤولية هذا األخير إلى الغير .ومن بين ما
الدراسات اّلتي أجريت على العناصر الذاتية الكامنة في الّلغة.
التوجهّ ،
ّ يتضمنه هذا
أخيرا ،ال يؤول الخطاب إالّ بإدراجه في خطابات أخرى ،فلكل نوع خطابي أسلوبه في التّكفل
إن تأويل أي خطاب من أي نوع كان ،يقتضي ربطه أو
بتسيير مختلف العالقات التّخاطبيةّ .
مقابلته بخطابات ألنواع خطابية أخرى.
-1نورمان فيركلوف ،الخطاب والتغيير االجتماعي ،ترجمة محمد عناني ،ط ،3المركز القومي للترجمة ،القاهرة،
،3231ص .31
2
) G. Mounin (1974) : Dictionnaire de la linguistique, Quadrige/PUF.
20
الخطاب والبالغة :التقاطعات
يتناص الخطاب مع البالغة التي تُعتبر من أسالف الخطاب من حيث العناصر أو المكونات
والتي حددها أرسطو في:1
أما فروع البالغة ،فهي تتقارب إلى حد كبير مع المعنى العام للخطاب من حيث:2
)1صفاء جبارة ،الخطاب االعالمي بين النظرية و التطبيق" ،مرجع سابق ،ص 38
)2المرجع نفسه ،ص 31
21
الفرق بين تحليل الخطاب وتحليل المضمون
يعتبر تحليل المحتوى من أهم األدوات التحليلية التي كثي ار ما تتداخل مع تحليل الخطاب مع
التأكيد األولي على ان تحليل الخطاب هو مقاربة نظرية قبل أن يكون منهجا بحثيا في أن
تحليل المحتوى هو تقنية بحث للوصف الموضوعي والكمي للمحتوى الظاهر لالتصاالت
بهدف تفسيرها.
أهم االختالفات:1
-أن تحليل المحتوى أداة نشأت ضمن العلوم االجتماعية في حين ان تحليل الخطاب
نشأ ضمن اللسانيات (اللغوية تحديدا) بحيث شكل قطيعة داخلية في هذا المجال
المعرف.
-يفترض تحليل المحتوى شفافية الخطاب بالنسبة للواقع ،أي اعتبار أن النصوص
والخطابات هي انعكاس شفاف للواقع ،أما تحليل الخطاب فهو توجه يفترض غموض
خطاب قائم بذاته بالنسبة للواقع.
-معايير التحليل في تحليل المضمون محددة مسبقة من طرف الباحث وبالتالي فهي
دخيلة على الخطاب محل الدراسة ،أما في تحليل الخطاب ،فمعايير التحليل منبثقة
من داخل الخطاب وتنشأ من ق ارءة النص المدروس (الطريقة االستقرائية) ،بالرغم من
أن التركم المعرفي والمنهجي يسمح اليوم بتحديد بعض معايير التحليل بشكل مسبق.
-يفترض تفكيك الخطاب والنصوص حسب تحليل المضمون ) (Atomiserتوزيع
عناصر النص على فئات ،حيث يتم العمل على وحدات معزولة .أما تحليل الخطاب،
فيقوم على احترام البنية العامة للنص وتعتبر أم ار ضروريا لفهم معنى النص.
-تحليل المضمون هو مقاربة كمية تعتمد بالدرجة األولى واألخيرة على العد والتكرار
والمعجالت وغيرها من المؤشرات الكمية التي تعتبر هدفا للتحليل .أما تحليال لخطاب
فهو يندرج ضمن المقاربات الكمية بما تحمله من صعوبات وانتقادات.
1
) Marlene Coulomb-Gully, Proposition pour une methode d’analyse du discours televisuel, In
« Mots Les langages du politique », N° 70, 2002, p 109
22
-ينطلق تحليل المضمون من التمثيالت اإلحصائية للنصوص ليصل إلى تفسيرات ال
تخرج عن تلك التمثيالت ،في حين يفضل تحليل الخطاب التركيز على شروط إنتاج
الخطابات ،تداولها وكذا ظروف تلقيها والتفاعل معها.
-يمنح تحليل المضمون األولوية للتحليل اإلحصائي الموضوعاتي ،أما تحليل الخطاب
فيعطي أفضلية للنشاط الكالمي التلفظي والتعبيري في عالقته بمكان ونوع وشكل
الخطاب.
-يشترط في العينة في تحليل المضمون الشمولية والتجانس وهما شرطان ينتفيان في
تحليل الخطاب ،مع الترأكيد على أن هذه النقطة من بين أهم االنتقادات الموجهة
للمناهج الكيفية عموما وتحليل الخطاب على وجه التحديد.
-يتيح تحليل المضمون إمكانية إعادة الطريقة ألن معايير التحليل من فئات ووحدات
خارجة وسابقة عن النصوص كما أشرنا إليه ،اما في تحليل الخطاب ،فإمكانية إعادة
االستنساخ المنهجي مستحيلة ،فكل خطاب يولد معايير تحليله حتى وإن سمحت
المعرفة التراكمية بنوع من اإلعادة في المعايير.
23
- IIأنواع الخطاب
تصنيفات الخطاب:
على العموم يصنف الخطاب إلى أنماط مختلفة استنادا إلى مجموعة من المعايير وهي المجال
والقصد واآللية والقناة على النحو التالي:1
-3من حيث المجال :لكل مجال مواضيع ومصطلحات خاصة به ،فالمجال األدبي مثال
يختلف عن العلمي وعن السياسي ،ومنه ينعت الخطاب باألدبي والعلمي والسياسي
وااليديولوجي...
-3من حيث القصد او الهدف ،تختلف أنماط الخطاب باختالف األهداف المنشودة من
الخطاب فيكون الخطاب إخباريا أو إقناعيا أو تضليليا أو تفسيريا أو العكس.
-1من حيث اآللية ،والتي ترتبط باألسلوب فيختلف الخطاب باختالف اآللية المستخدمة،
فيمكن أن نميز بين الخطاب السردي والخطاب الوصفي والخطاب الحجاجي.
-2من حيث القناة أي النسق التواصلي المستخدم إذ تلعب القناة المستخدمة في التواصل
دو ار بار از في اختالف أنماط الخطاب فيمكن أن يكون الخطاب لغويا كما يمكن أن
يكون صوريا (رسم ،شريط )...أو يكون إشاريا ،كما يمكن أن يكون خطابا يزاوج بين
أكثر من قناة.
يرى "دومينيك منغنو" Dominique Maingueneau 2أن التصنيف العام الذي يوزع الخطاب
حسب عائالت كبرى -حسب الموضوع -إلى خطاب ديني ،خطاب إشهاري ،خطاب
سياسي ...هو تصنيف غير واضح تماما ،فالتمييز بين نماذج الخطاب Types de discours
وأجناس الخطاب Genres de discoursيستلزم مواقف تحليلية مختلفة .على سبيل المثال،
)1صورية جغبوب ومريم بوقرة ،الخطاب :مفهومه أنماطه ووظيفته من وجهة نظر الوظيفية أحمد المتوكل نموذجا،
مجلة تاريخ العلوم ،العدد العاشر ،ديسمبر ،3237ص ص .303-302
2
) Roselyne Ringoot, Analyser le discours de presse, Armand Colin, Paris, 2014, p12
24
يصنف الخطاب حسب هدفه االتصالي ) (sa visée communicationnelleإلى خطاب تعليمي
وخطاب توجيهي.
أما "باتريك شارودو" Patrick Charaudeauفقد قسم الخطاب المنطوق أو المكتوب إلى أربعة
أنواع:1
-3الخطاب التعبيري :يربط بين الباث والمتلقي بعالقة تأثير وتأثر فالمتكلم يؤثر في
المتلقي ويجعله يستجيب لهذا التأثير بغض النظر عن نوع االستجابة .ويحصر
"شارودو" هذه العالقة بين الباث والمتلقي في نوعين من العالقات :إما عالقة قوة
(سلطة) مثل األمر والتحذير او عالقة دونية (عالقة ضعف) مثل االلتماس.
-3الخطاب الوصفي :يتحقق هذا الخطاب على ثالثة مستويات :وضعية التواصل وطريقة
تنظيم الخطاب ونوع الخطاب الذي تفرضه الوضعية .ويهدف هذا النوع من الخطاب
إلى اإلعالم أو التفسير أو الحث على فعل شيء ومثال ذلك وصفات الطبخ والنصوص
التعليمية وغيرها.
-1الخطاب السردي :يمكننا هذا النوع من اخطاب من ترتيب اعمال تهم الذوات وتهم
كيفية تحولها نتيجة أعمالها واعمال غيرها .ينخرط المتكلم في هذا النوع من الخطاب
ولو جزئيا من خالل نقل التجارب الشخصية.
-2الخطاب الحجاجي :والذي يستهدف من خالله المتكلم التأثير في موقف المتلقي،
ويشترط في هذا النوع من الخطاب طريقة انتظامية تقوم على ثالثة مؤشرات أساسية
هي إثبات البداية (معطى أو وعد) ،إثبات الوصول (ملخص ،نتيجة) ومجموعة من
اإلثباتات التي تضمن التنقل من حجة إلى أخرى.
ومن جهته ،يميز "أحمد المتوكل" بين نوعين من الخطاب خطاب علمي وخطاب أدبي:2
-الخطاب العلمي :هو أحد األنواع األساسية للخطاب ،ونجده يخلو من اإليحاء وتراكم
الداللة كما يغلب عليه أسلوب اإلخبار ويخلو من التكرار والترادف وتراكيبه
1
) Patrick Charaudeau, Grammaire du sens et de l’expression, Hachette, Paris, 1992, p 635.
)2المتوكل أحمد ،اللسانيات الوظيفية المقارنة ،دراسة في التنميط والتطوير ،دار األمان ،الرباط ،3233 ،ص .77
25
ومصطلحاته دقيقة حيث تستخدم المصطلحات الخاصة بالحقل العلمي الذي يتم
الحديث فيه.
-الخطاب األدبي :هو نوع رئيسي من أنواع الخطاب ،نجد اللغة فيه متكلمة عن ذاتها
ومتكلمة عن األشياء خارجها وفق الصورة التي ترى بها األشياء ،والبحث في لغة
الخطاب األدبي يكون في الوظائف واألشكال الخاصة باألنظمة االعتباطية للرموز
النصية ومحاولة تحديد داللتها ومعانيها.
إذا كانت المعرفة فيما مضى قد ركزت على السماع وثقافة األذن ،فإن عصرنا هذا قد أضاف
1
عنصر آخر يتكامل مع األول ويغنيه وهو عالم الصورة وثقافة العين والبصر
ا إلى ذلك
وبخاصة في ظل ما نشهده من تطورات تقنية وتكنولوجية في الميادين المختلفة ال سيما منها
مجال االعالم واالتصال.
ولم يكن الخطاب االعالمي بمعزل عن هذا التطور النوعي الذي ميز وسائل االتصال
الجماهيري "والذي احتلت معه القناة البصرية في اإلدراك والتواصل مقدمة االهتمامات ،كما
وفرت وسائل الطباعة والتصفيف والتصوير والنسخ جميع أسباب انتشار الخطاب المطبوع
والمصور في شكل جيد يوفر لقطبي التواصل إمكانيات تنويع تعبيري بمراعاة أبسط جزئيات
العرض وتفاصيل القناة المعتمدة للعرض سواء في مجال الطباعة والنشر أو في مجال اإلعالم
التجاري والفنون المستغلة للقنوات السمعية البصرية".2
-بشير إبرير ،الصورة في الخطاب االعالمي دراسة سيميائية في تفاعل األنساق اللسانية واإليقونية ،مداخلة في 1
إطار الملتقى الدولي الخامس حول السيمياء والنص األدبي ،جامعة بسكرة
-المرجع نفسه. 2
26
يصنف الخطاب اإلعالمي من بين الخطابات المتغلغلة في أعماق الحياة االجتماعية المؤثرة
فيها والمتأثرة بها .كما يعد الخطاب اإلعالمي صناعة ثقافية بأتم معنى الكلمة تتكاثف على
إنتاجها وسائط متعددة يظهر ذلك في طبيعة الرسائل التي تتدفق عبر هذا الخطاب وسرعتها
وطرائق توزيعها وكيفيات تلقيها األمر الذي جعل من اإلعالم محو ار أساسيا في منظومة
المجتمع.
إنه صناعة تجمع بين اللغة والمعلومة ومحتواها الثقافي واآلليات التقنية لتبليغها عبر الزمان
والمكان ،وقد عرفه أحمد العاقد على انه هو مجموع األنشطة اإلعالمية التواصلية الجماهيرية
من التقارير اإلخبارية ،اإلفتتاحيات ،البرامج التلفزية ،المواد اإلذاعية وغيرها من الخطابات
النوعية.1
تعريف بشير إبرير :الخطاب اإلعالمي هو منتوج لغوي إخباري منوع في إطار بنية اجتماعية
ثقافية محددة ،وهو شكل من أشكال التواصل الفعالة في المجتمع له قدرة على التأثير في
المتلقي وإعادة تشكيل وعيه ورسم رؤاه المستقبلية وبلورة رأيه بحسب الوسائط التقنية التي
يستعملها والمرتك ازت المعرفية التي يصدر عنها.2
الخطاب اإلعالمي نسق تفاعلي مركب متشابك يجمع بين اللساني واإليقوني تتالقى فيه
العالمات اللغوية وغير اللغوية يشترك في هذه الميزة مع خطابات أخرى ويختلف عنها في
الوقت ذاته وذلك مثل :الخطاب اإلشهاري والسياسي والدعائي وكل ذلك يشتغل عبر اللغة
وعبر الصورة في اآلن نفسه بما يجعل الخطاب اإلعالمي نسقا سيميائيا داال قابال للقراءة
والتأويل عاب ار للتخصصات ومعارف عديدة موظفا ومستثم ار إياها حسب ما تقتضي األوضاع.
-1أحمد العاقد ،تحليل الخطاب الصحفي من اللغة إلى السلطة ،ط ،3223 ،3ص 332
-2بشير إبرير ،مرجع سبق ذكره.
27
الخطاب في أي مجتمع هو الممارسة اإلجتماعية ،وهو مجمل القول والفعل ،ويقوم الخطاب
اإلعالمي بنقل هذه الممارسة االجتماعية إلى الجمهور عن طريق وسائل اإلعالم ،ومما ال
اء كانت معلنة أو غير معلنة ،لذلك فمنشك فيه أن معظم الخطاب اإلعالمي له تحيزاته سو ً
األفضل تحليل عمليات االتصال واإلعالم من حيث التكوين ،والملكية ،ونظم العمل ،وطبيعة
الجمهور ،والنظام السياسي ،وما تنتجه من خطابات للتعرف على مدى قدرتها ودقتها في نقل
الواقع ،وما الذي تخفيه أو تظهره ،ولمصلحة من تعمل ،وما هي استراتيجياتها.
28
– IIIمدارس تحليل الخطاب
يمثل تحليل الخطاب une super linguistiqueحيث يتم التوفيق بين الشكل والوظيفة ،النظام
واالستخدام . 1forme/fonction , système/usage
تحليل الخطاب
الشكل االستخدام
Forme Usage
يقوم تحليل الخطاب على إدراك الخطاب كتشابك بين نص ومكان اجتماعي ،بمعنى ان الهدف
من تحليل الخطاب ال يكمن في التعرف على تنظيم النص organisation textuelleأو التعرف
على الوضعية االتصالية situation de communicationبل فيما يربطهما من خالل ميكانيزم
تلفظي محدد ي تشكل من اللفظي والمؤسسي على حد سواء وال يمكن فصل جزء عن اآلخر في
تحليل الخطاب.
1
- Dominique Maingueneau, l’analyse du discours et ses frontières, in Marges linguistiques,
n°9, mai 2005, sur le lien electronique www.dominique .maingueneau.pagesperso-
orange.fr/texte01.html consulté le 26/09/2016 à 19h
29
وعليه يمكن لنفس االنتاجات اللفظية أن تؤسس مدونات Corpusلمقاربات مختلفة لتحليل
الخطاب ،فأثناء دراسة مناظرة سياسية على سبيل المثال ال يركز محلل المحادثة analyste
الخطاب .فيقوم األول بالتساؤل حول التفاوض حول أدوار الكالم والمحافظة على الطليعة
والظواهر المرافقة للغة ،في حين يقوم أخصائي الحجاج بالتركيز على الجمهور المستهدف
طبيعة الحجج وكيفية تسلسلها والملكة الخطابية .ethosأما محلل الخطاب فيتساءل عن:
جنس الخطاب ،التكوين النصي ،األدوار السوسيو خطابية التي ينطوي عليها الخطاب ...
-اختالف التقاليد العلمية والفكرية والتي تعود إلى تعدد التيارات في مجال تحليل الخطاب
وكذا المدارس وتوجهاتها.
-تنوع التخصصات الداعمة فتحليل الخطاب يأخذ شكل الحقل المعرفي الذي يمنحه
الدافع البحثي ،فنجد أن األنثروبولوجيا وعلم االجتماع قد لعبا دو ار أساسيا في تشكيل
تحليل الخطاب في و.م.أ اما في فرنسا فيعود الفضل للتحليل النفسي الفلسفة والتاريخ
كتخصصات أثرت فيه.
-تنوع التموضعات Positionnementومواقع المحللين داخل المدارس ذاتها.
-أنواع المدونات Corpusالتي يفضلها الباحثون
-مظهر النشاط الخطابي الذي يؤخذ في االعتبار في عملية التحليل :ظروف الظهور،
التداول ،استراتيجيات اإلنتاج ،التلقي ،التفسير..
30
مدارس تحليل الخطاب
انطالقا من هذا التصور ،اتّسع مجال البحث الّلساني ليشمل أبعدا عدة ،لم تكن تؤخذ بعين
االعتبار في البحث الّلساني البنيوي .فقد صارت شروط انتاج الملفوظ عناصر جديرة بالدراسة.
وصارت األنماط التعبيرية المختلفة للغة ،كونها حوا ار أو محادثة أو نصا مبنينا على شكل
فقرات ومقاطع ،مواضيع جديرة بالدراسة .وصار ينظر إلى الّلغة كونها أفعاال ذات أبعاد
كل ما يتلفظ
ووظائف اجتماعية ومؤسساتية .وتمت معرفة القوانين الخطابية اّلتي تتحكم في ّ
به اإلنسان من ملفوظ .ولم يعد الحديث ،بناء على ذلك ،عن مستوى واحد للغة ،وهو المستوى
الشكلي والمصرح به ،بل هناك المستوى اإلضماري اّلذي تتم معرفته بتوسل بعض عناصر
الّلغة ممزوجة بعنصر من السياق المتعدد األبعاد.
على العموم ،تصنف مدارس تحليل الخطاب حسب العديد من الدارسين إلى 1اتجاهات أو
تيارات كبرى وهي االتجاه الفرنسي ،االتجاه االنجلوسكسوني واالتجاه األلماني.2
1
) G. Mounin (1974) : Dictionnaire de la linguistique, Quadrige/PUF.
2
- Simone Bonnafous et Malika Temmar, Analyse de discours et sciences humaines et
sociales, ed Ophrys, Paris, 2007, pp 10
31
-1االتجاه الفرنسي :La tendance française1
استْل ِه َم هذا االتجاه من النقاش الذي أثير حول البنيوية في سنوات الستينيات ،وهو يجمع ما
ُ
بين المنظور السوسيري (نسبة إلى "فردناند دي سوسير" )F.De Saussureوالتحليل النفسي
النقدي للشخص المتحدث لــ"الكان" Lacanوالتحليل الماركسي لإليديولوجيا لــ"ألثوسير"
Althusserالذي بقي بصمة ميزت هذا التيار.
تأسست المدرسة الفرنسية لتحليل الخطاب إثر ظهور مجموعة من األبحاث منذ منتصف
الستينيات من القرن العشرين كرسها صدور العدد 31من مجلة Langagesالفرنسية الصادر
عام 3101الخاص بتحليل الخطاب وصدور كتاب "ميشال بيشو" « M.Pêcheuxالتحليل
اآللي للخطاب » عام .3181
من بين ما يميز تحليل الخطاب على الطريقة الفرنسية هو الوصف الدقيق والشامل لحياة
العالمات (اللغوية) ضمن المجتمع ،وعليه يؤثر هذا التيار المكتوب والمجموعات الكبرى
للنصوص من أجل اكتشاف قواعد البناء الكامنة في النصوص والحصول على نماذج تحليلية.
1
- Ibid, p 11.
2
P. Charaudeau, D. Maingueneau: Dictionnaire d’analyse du discours
32
منذ نهاية السبعينيات ،عرفت فرنسا تغيي ار في االتجاه بتراجع البنيوية وبروز تيار ما بعد البنيوية
والمنعطف التداولي ،ومنذ ذلك الحين ،أصبحت إشكالية التلفظ – أي القواعد التي تجعل من
األفعال الكالمية أحداثا خطابية -في مركز التفكير.
ينظر للخطاب في التوجه ما بعد البنيوي باعتباره لم يعد مجرد انعكاس للعالم بل إنه يبني
العالم االجتماعي في المعنى ،هذا المعنى الذي وتبعا لعدم االستقرار األصلي للغة ال يمكن
أن يكون ثابتا على نحو دائم أبدا .وعليه فالخطاب ليس كينونة مغلقة كما كان ينظر إليه في
الخمسينيات في ظل البنيوية ،إنه في حالة تحول دائم عبر التماس مع خطابات متعددة.1
تميز تحليل الخطاب منذ بدايته في فرنسا بتقليد التحليل اآللي lexico-métriqueباستخدام
برمجيات خاصة ) (lexico-3 Andre Salem // Alcest-e Max Reinertلتحليل الخطابات
المتعددة السيما منها السياسية.
من أهم الطرق التحليلية المستعملة في تحليل الخطاب حسب المدرسة الفرنسية:2
-تركز المدرسة الفرنسية في تحليل الخطاب على الجوانب اللغوية/اللسانية بشكل كبير،
حد أدنى من التحكم في
إذ يفترض في الباحث الذي يمارس هذا النوع من الدراسات ّ
بدي الباحث اهتماما باألفعال الكالمية والخطاب،
اللسانيات ،أو على األقل ،أن ُي َ
-االعتماد الكبير على التحليل النحوي-المعجمي ، l’analyse lexicaleسواء تم هذا
التحليل عن طريق تحليالت نوعية تقوم على مقارنة سياقات استعمال الكلمات أو عن
طريق تحليالت كمية ،وغالبا ما يتكامل هذان المقتربان إذ غالبا ما تسمح الطرق
اإلحصائية الكمية ) (lexicométrieباكتشاف ظواهر كيفية لم يكن باإلمكان كشفها
عبر القراءة البسيطة،
)1ماريان يورجنسن ولويز فليبس ،حقل تحليل الخطاب ،ترجمة السيد إمام ،مجلة فصول ،مصر ،المجلد (،)3/31
العدد ،17خريف ،3230ص .331
2
- Stéphane Olivesi et al, Sciences de l’information et de la communication : objets, savoirs,
discipline, édition PUG, Grenoble ; 2006, pp 222-224
33
-من جهة أخرى ،تعتمد تحليالت الخطاب على العبارة كوحدة للتحليل وليس الكلمة.
34
.imaginairesوقد عرف هذا التوجه ازدها ار معتب ار مع تطور االعالم اآللي والبرمجيات
المختلفة وأصبح هدف الدراسة اإلحصائية يتعدى اإلطار الضيق المتعلق بتكرار أحداث
المكونات األساسية باالهتمام بالشبكات التشاركية réseaux associatifsالتي تنسج بين
الكلمات داخل النصوص.
ميز مدرسة تحليل الخطاب الفرنسية باختالف نظرياتها وتوجهاتها ،هو عكوفها
أن ما ّ
المعروف ّ
على دراسة الخطابات االجتماعية ،خاصة الخطاب السياسي .فقد شكل خطاب رجل السياسة
الدراسة السوسيولوجية لقنواته وشفراته ،أو لسانية للخطاب السياسي نفسه .فمنغونو مثال،
محور ّ
اختص بدراسة الجانب اللفظي لهذا الخطاب العتقاده بوجود عالقة وطيدة بين اللفظ
واأليديولوجيا .تكفل ميشال بيشو بتحليل هذا الخطاب تحليال آليا ،مستخدما في ذلك الحاسوب
لمعرفة العالقة بين درجة اطراد الكلمات وورودها وعالقة ذلك باأليديولوجيا .هناك من حلله
تحليال نفسيا ،مستمدا أسسه من نظرية هاريس بهدف معرفة إلى أي مدى يمكن للكلمات أن
تثري مخزوناتها الداللية بثراء في تركيب العبارات.
استلهم هذا االتجاه من البراغماتية األمريكية والتحليل النفسي اإلنجليزي وكذا نظرية أفعال
الكالم ،وعلى خالف المقاربة التلفظية الفرنسية ،وحسب "لفنستن" ُ Levinstonي َرُّد الخطاب
حسب هذا االتجاه إلى مستوى الفعل اللغوي في وضعية اتصال محددة .بعبارة أخرى ،يبحث
تحليل الخطاب األمريكي في القواعد التي تنظم التفاعالت والمحادثات بين الفاعلين ،فنجد
محللو المحادثة يصفون الطريقة التي يصل بها المشاركون إلى إطار مشترك للوضع من خالل
التفاعل الخطابي ،ومن جهتهم يركز مختصو اإلثنوميثودولوجيا على المعرفة الضمنية التي
تتحكم في التفاعالت اليومية.
35
التداولية اللسانية Pragmatique linguistiqueالتي تتخذ من اللقاءات بين فاعلين في وضعية
مواجهة وتفاوض كمواضيع للبحث.
أما في بريطانيا ،فقد سمحت اللسانيات الوظيفية ل ـ "هاليداي" Hallidayلعدد كبير من علماء
اللغة بتحليل استخدامات النصوص في المجتمع ،وباعتمادها المتميز على أدوات إمبريقية،
نشأت في أحضان التيار األنجلوسكسوني العديد من الدراسات التطبيقية لمشكالت االتصال
التي تظهر في سياقات مؤسسية مختلفة :مهنية ،سجون ،مستشفيات...
1
- Schiffrin.D, Approaches to discourse, Blackwell, Oxford Uk and Cambridge, USA, 1994
36
-3االتجاه األلماني:La tendance allemande :
تم التركيز في بريطانيا على نظرية الخطاب أكثر من منهجية الخطاب .وقد سعت نظرية
الفعل االتصالي لـ "يورغن هابرماس" - Jurgen Habermasمتأثرة بالتيار التداولي
األنجلوسكسوني -إلى إجالء نموذج لشروط نقد السلطة والالمساواة .فعندما نتصل حسب
"هابرماس" ،ال يمكن إنكار بعض قواعد الخطاب التي تقوم على إجماع المشاركين في العملية،
كمساواة المشارك في الحديث وقابلية الحجج للنقد .وقد تنوعت المحاوالت التي سعت إلى
تطبيق األخالقية الخطابية الهبرماسية في البحث االجتماعي االمبريقي في العلوم االجتماعية
كتحليل الخطابات السياسية في إطار المتطلبات الديموقراطية للمجتمعات المعاصرة.1
ومنذ التسعينيات ،عرف نموذج "هابرماس" تراجعا ملحوظا وأصبح الخطاب موضوع علم
االجتماع الشامل وعلم اجتماع الفهم وتحديدا علم اجتماع المعرفة في انتسابه للظاهراتية
والتأويلية .وفي إطار المشروع التأويلي الذي يهدف إلى إعادة بناء المعنى المشترك لجماعة
ص ُد بالخطاب المعنى ،المعرفة ،التأويالت التي تدعم وحدة نظام اجتماعي وثقافي ،وعليه
ماُ ،يْق َ
يدل الخطاب على معرفة وخبرة ثقافية ضمنية مخزنة في وثائق ونصوص المجتمع.
وفي هذا االتجاه ،قام عالم االجتماع األلماني"كيلر" Reiner Kellerومساعدوه من جامعة
Augsburgبمزاوجة مقاربة "ميشيل فوكو" M.Foucaultبعلم اجتماع المعرفة في مسعى إلعادة
بناء المعنى المشترك للنص.2
تندرج ضمن المدرسة األلمانية المقاربة التّداولية ،L’approche pragmatiqueوهي تيار نشأ
طابع االستعمالي للغة .وأقدم
بامتزاج وتقاطع مجموعة كبيرة من األفكار والنظريات تتفق في ال ّ
السيميائية
السيميائي شارل موريس C.Morrisاّلذي حصرها في جزء من ّ
تعريف لها يعود إلى ّ
ثم بدأت تنحصر شيئا فشيئا
اّلذي يدرس العالقة بين العالمات ومستعملي هذه العالماتّ .
السياق
النظرية اّلتي تدرس الّلغة باعتبارها مجموعة من األفعال ،يسمح ّ
فأصبحت تطلق على ّ
)1
)2
37
بتحقيقها .أما فرنسيس جاك Francis Jacquesفهو يرى بأن التداولية تتعرض للغة كظاهرة
خطابية واجتماعية في ذات الوقت .وتتمحور التداولية حول مفاهيم أساسية تتمثل في:1
-الفعل الكالمي :أصبح مفهوم الفعل الكالمي ) (speech actنواة مركزية في الكثير من األعمال
التداولية ،وفحواه أنه كل ملفوظ ينهض على نظام شكلي داللي إنجازي تأثري ،وفضال عن
ذلك يعد نشاطا ماديا يتوسل أفعاال ) (Actes Locutoiresتخص ردود فعل المتلقي كالرفض
والقبول ،ومن ثم فهو فعل يطمح إلى أن يكون فعال تأثريا ،أي يطمح إلى أن يكون ذا تأثير
في المخاطب ،اجتماعيا أو مؤسساتيا ،ومن ثم إنجاز شيء ما .وقد الحظ أوستين أن للفعل
الكالمي الكامل ثالث خصائص هي:
-أنه فعل دال
-فعل إنجازي (أي ينجز األشياء واألفعال االجتماعية بالكلمات)
-أنه فعل تأثري (أي يترك آثا ار معينة في الواقع ،خصوصا إذا كان فعال ناجحا)
-القصدية :Intentionnalitéيعد مفهوم القصدية من اآلراء السائدة اآلن في النظرية التأويلية
المعاصرة ،والتيار التداولية في مجال اللسانيات ،إذ أصبح النص عبارة عن أفعال كالمية منجزة
من المؤلف ،يقصد بها أنماطا من التأثير المتلقي .ولهذا أصبحت مقاصد المتكلم مؤشرات
حاسمة في عملية التأويل ،فلن يكون هناك "نص" وال "خطاب" دون "قصد".
-السياق :يمثل السياق الوضعية المجسدة التي يصدر الخطاب فيها وهو يشتمل المكان ،الزمان،
هوية وطبيعة العالقات التي تجمع المشاركين .بعبارة أدق السياق هو كل األشياء التي نحتاجها
لفهم وتقييم الخطاب.
-دراسة "استعمال اللغة" فال تدرس البنية اللغوية في ذاتها ،بل تدرس اللغة عند
استعمالها في الطبقات المقامية المختلفة ،أي بالنظر إليها بأنها :
38
-موجه إلى مخاطب محدد
-وفق لفظ محدد
-في مقام تواصلي محدد
من هنا ،يمكن تحديد المجموعات الكبرى لتحليل الخطاب في أوربا والمتمثلة في:
في هذا اإلطار ،يؤكد يرى "د.مانغونو" أن الخطاب يقع ما بين الطريقة التحليلية والطريقة
التكاملية .أما الطريقة األولى فهي متأثرة بالمدرسة الفرنسية وتهدف بتحليل الخطاب إلى تفكيك
المتتاليات من أجل إظهار شبكات العالقات غير المرئية بين الملفوظات في النصوص .من
جهتها ،تهدف الطريقة التكاملية integrativeإلى الربط بين مكونات النشاط الخطابي في
بعدها االجتماعي والنصي المزدوج.
وقبل تحديد معالم المدارس التحليلية المختلفة ،نؤكد مرة أخرى على إمكانية استخدام تحليل
الخطاب في مجاالت بحثية عدة مع ضرورة ربطه باألسس النظرية والمنهجية ،بمعنى أن كل
39
مدرسة وكل مقاربة نقدمها لتحليل الخطاب ليست مجرد طريقة لتحليل المعطيات بقدر ما هي
كل نظري ومنهجي (حزمة كاملة) .تضم هذه الحزمة:1
-أوال مقدمات منطقية فلسفية (أنطولوجية وابستمولوجية) تتعلق بدور اللغة في البناء
االجتماعي للعالم،
-ثانيا نماذج نظرية
-ثالثا توجيهات منهجية حول كيفية مقاربة مجال البحث
-رابعا تقنيات بعينها للتحليل
إن النظرية والمنهج في تحليل الخطاب متضافران ويجب على الباحثين قبول المقدمات المنطقية
الفلسفية األساسية لكي يتسنى لهم استخدام تحليل الخطاب طريقة للدراسة األمبريقية .وفي ظل
التنوع الكبير الذي يشهده حقل تحليل الخطاب من حيث المدارس أو المقاربات أو األدوات،
بوسع الباحث /المحلل أن ينشئ حزمته الخاصة عبر دمج عناصر من منظورات تحليلية
مختلفة وأدوات متنوعة يحددها أوال وقبل كل شيء طبيعة الخطاب المدروس والهدف من وراء
العملية.
تعود األصول النظرية لتحليل الخطاب اللغوي إلى أعمال "فردناند ديسوسير" F.Desaussure
الذي أسس المدرسة البنيوية في دراسة اللغة والتي تطورت بعد ذلك واهتمت بتحليل األسلوب
والنص وبالتطبيقات اللغوية .في هذا اإلطار ظهر اتجاهان في دراسة األسلوبية (المقصود
باألسلوبية استخدامات اللغة كتركيب الجمل والقواعد النحوية والبالغية المستخدمة) األول أقرب
إلى البالغة والثاني يدرس عالقة التعبير بالفرد والجماعة .2من هنا ظهر ما يسمى باالتجاهات
)1ماريان يورجنسن ولويز فليبس ،حقل تحليل الخطاب ،ترجمة السيد إمام ،مجلة فصول ،مصر ،المجلد (،)3/31
العدد ،17خريف ،3230ص .331
)2محمد شومان ،مرجع سابق ،ص
40
اللغوية االجتماعية التي اهتمت بدراسة اللغة من منظور اجتماعي ثقافي (أعمال عالم اللغويات
االجتماعية . )Bell
فمحلل الخطاب يعتبر الكلمات والعبارات والجمل التي تظهر في المدونة النصية لخطاب ما
دليال على محاولة المنتج توصيل رسالة للمتلقي مما يجعله يركز على الخصوص ببحث كيفية
وصول متلقي ما إلى فهم الرسالة المقصودة من قبل المنتج في مناسبة معينة وكيف أن
متطلبات المتلقي المفترض تؤثر في تنظيم الخطاب .وتتخذ هذه المقاربة الوظيفية التواصلية
مجاال أوليا للبحث وبالتالي تسعى إلى وصف الشكل اللغوي ليس كموضوع ساكن وإنما كوسيلة
منظمة ديناميكية للتعبير عن الداللة المقصودة.
بعبارة أخرى ،تعد اللغة من هذا المنظور ليست مجرد قناة لتوصيل المعلومات المتعلقة باألحوال
الذهنية الكامنة وأنماط السلوك أو الحقائق المتعلقة بالعالم .إن اللغة وخالفا لذلك هي ماكينة
لتوليد ومن ثم لتشكيل العالم االجتماعي.1
اقترح الباحثون في اجتماعية اللغة منهجا مرنا يتمثل في الخطوات التالية :
)1ماريان يورجنسن ولويز فليبس ،حقل تحليل الخطاب ،مرجع سابق ،ص .330
41
تأويل النتائج ج-
وأدت هذه المقترحات إلى تطور الدراسات اللغوية وظهور التداولية كفرع علمي من مجموعة
العلوم اللغوية التي تختص بتحليل عمليات الكالم بصفة خاصة ووظائف األقوال اللغوية
وخصائصها خالل إجراءات التواصل بشكل عام.
تعتبر اللسانيات اللغوية كحقل بحث يهتم بدراسة تنوع االستخدامات اللغوية في الجماعات
اللغوية ،وبالتالي تتنوع مواضيعها البحثية وتطبيقاتها في ظواهر متنوعة :وظائف واستخدامات
اللغة في المجتمع ،التمكن من اللغة ،تحليل الخطاب ،تقييم الجماعات للغاتها ،التخطيط
والتنميط اللغوي .ومنذ حوالي أكثر ثالثة عقود ،تتضمن اللسانيات االجتماعية دراسة اللغة في
سياقها السوسيوثقافي ،وهنا يمكن تسجيل مساهمات كل من "جمبرز" ، Gumperzاليبوف
،Labovغوفمان Goffmanو" بورديو .1 Bourdieu
أ -اللسانيات االجتماعية التفاعلية عند "جمبرز" :2مقاربة تأويلية للخطاب :عكس
أن التأويل
l’auditeur interprétantمع التركيز على سوء التفاهم المحادثي .و باعتبار ّ
حدد األسباب اّلتي تعيق عملية الفهم المتبادل،
أهم عنصر من نظرية جمبرز ،فقد ّ
هو ّ
تنوع في االستعمال الّلغوي،
حيث يرجع البعض منها إلى عناصر تنغيمية تظهر وجود ّ
الرمزي ورؤية العالم لدى المتخاطبين اّلتي تصبغ
ويرجع البعض اآلخر إلى العالم ّ
خطاباتهم باقتضاءات ثقافية مختلفة.
1
)
2
)
42
المقاربة التباينية عند اليبوف :1 L’approche variationnisteتركز هذه ب-
المقاربة في إطار اللسانيات اللغوية دائما على دراسة االختالفات في االستخدام بين
مختلف المتحدثين من اللغة نفسها .فكل إنتاج لغوي يحمل في طياته مظه ار نظاميا
أي
أن ّ
ّ
des régularitésأو انتظامات يمكن إخضاعها للوصف ،ويعتقد اليبوف
للدراسة ،هو موضوع
يشكل موضوعا ّ
إنتاج لساني يتّسم باالنتظام هو إنتاج كفيل بأن ّ
أن
يمكن تناوله كنشاط اجتماعي ضمن دراسة ميدانية ،ويعود ذلك ،حسبه ،إلى ّ
التغييرات اّلتي تُصيب الّلغة مصدرها تغييرات في المجتمع ،وتشمل هذه التغييرات
كل متكّلم في الحديث ،وعلى المستوىالمستوى األسلوبي الفردي بتجليها في أسلوب ّ
االجتماعي اّلذي ُي ِ
ظهر مختلف استخدامات المتكّلمين على مستوى المجموعة الّلغوية
الواحدة .لقد فتح ذلك آفاقا جديدة على البحث الّلساني االجتماعي ،فقد سمحت بدراسة
43
أسس فوكو مفهوما للخطاب ال يقوم على أصول ألسنية أو منطقية بل يتشكل أساسا من
وحدات سماها المنطوقات ،وهذه المنطوقات تشكل منظومات منطوقية تسمى بالتشكيالت
الخطابية ،هذه التشكيالت تكون دائما في حقل خطابي معين وتحكمها قوانين التكوين والتحويل.
على هذا األساس ،فإن الخطاب يختلف عن الجملة والقضية كما يختلف التحليل الخطابي عن
تحليل اللغة والتحليل المنطقي ،ذلك أن تحليل الخطاب يعتمد على الوصف األركيولوجي
(يسعى إلى سن قوانين ندرة المنطوقات وتراكمها) والتحليل الجينولوجي ( يعنى بالبحث عن
البدايات أي التحليل التاريخي للخطابات) وال تعود مرجعية الخطاب إلى الذات أو إلى المؤسسة
أو إلى الصدق المنطقي أو إلى قواعد البناء النحوي وإنما إلى الممارسة.1
لقد لعب ميشيل فوكو دو ار مركزيا في تطوير تحليل الخطاب عبر العمل النظري والبحث
التجريبي على حد سواء .تقليديا ينقسم عمل "فوكو" إلى طور أركيولوجي مبكر وطور جينيالوجي
متأخر ،على الرغم من تداخل الطورين من خالل استمرار "فوكو" في استخدام أدوات من
أركيولوجياه في أعماله المتأخرة.
يعرف "فوكو" الخطاب على أنه عدد محدود من العبارات التي يمكن ان نعين لها مجموعة
من شروط الوجود والخطاب بهذا المعنى ليس شكال مثاليا ومطلقا ،إنه تاريخي من البداية إلى
النهاية –نبذة من التاريخ -تشكل حدودها ،أقسامها ،تحوالتها ونماذجها الخاصة المحددة
المتعلقة بزمنيتها.2
في هذا السياق ال تعتبر اللغة مجرد انعكاس للواقع ،فالحقيقة او الواقع بناء خطابي وتحدد كل
نظم المعرفة المختلفة ما هو حقيقي وما هو زائف .وعليه ،فالهدف الذي يسعى إليه "فوكو"
هو فحص بنية النظم المختلفة للمعرفة أي قواعد ما يمكن قوله وقواعد ما يمكن اعتباره حقيقيا
وما يمكن اعتبراه زائفا .والمنطلق هو انه على الرغم من امتالكنا من ناحية المبدأ عددا ال
متناهيا من طرق صياغة العبارات ،فإن العبارات التي يتم إنتاجها داخل مجال محدد متشابهة
بشكل عام يمكن تلخيص مساهمة ميشال فوكو في تحليل الخطاب في المبادئ التالية:
-البشر ليسوا الفاعل الوحيد بل هم منتجات الممارسات الخطابية ،فاللغة والخطابات تحدد
الواقع بالنسبة لنا كما ان الخطاب يشكل هويتنا وسلوكنا فالخطابات تحدد الحياة االجتماعية
من حولنا وتحدد من نحن وطريق حياتنا)
-الموضوعات هي منتجات الممارسات الخطابية ،فهي ليست حقائق اجتماعية بل هي
عملية تتعلق بكيف يأتي الفاعلون باألشياء إلى الوجود من خالل اللغة ،لذلك يمكن القول
بوجود عالقة بين السلطة أو القوة Powerواللغة ،وبالتالي يجب اعتبار الفاعلين تكوينات
اجتماعية تم إنتاجها من خالل الخطابات االجتماعية التي تضع هذه التكوينات االجتماعية
في حقل عالقات القوة.
-يتبنى فوكو الفرض العام للنزعة التفسيرية االجتماعية والذي يقرر أن المعرفة ليست مجرد
انعكاس للواقع ،فالحقيقة بناء خطابي والنظم المختلفة للمعرفة تحدد ما هو حقيقي وما هو غير
حقيقي أو زائف ،في هذا السياق يسعى فوكو للبحث في بنية النظم المختلفة للمعرفة ،أي
القواعد العامة التي تحكم ما يمكن وما ال يمكن قوله ،والقواعد التي تحدد ما يعتبر صحيحا أو
غير صحيح .وإذا نملك من حيث المبدأ عددا ال متناهيا من الطرق لصياغة المنطوقات أو
التصريحات Statementsحيث نجد أن التصريحات المنتجة في مجال معين تميل إلى التشابه
والتكرار.
-بعض مبادئ التحليل األركيولوجي :الندرة ،والخارجية و التراكم والقبلي التاريخي...
-يقول فوكو "ال يعنيني في شيء أن أكتشف ما يجعل من قول ما قوال صحيحا ،أو ما
يسمح بإمكانه بقدر ما يعنيني إبراز شروط انبثاق المنطوقات وقانون تواجدها مع منطوقات
أخرى والشكل النوعي لنمط وجودها والمبادئ التي تستمر وفقها في البقاء وتتغير وتندثر.
45
-يعتبر فوكو الحقيقة والمعرفة شيئا خطابيا.
-يحتل مفهوم المعرفة والسلطة /القوة مكانة مركزية لدى فوكو ،حيث ناقض كافة أشكال
السلطة وقد حدد مفهوم المعرفة – السلطة بالجمع والربط بينهما ال بالفصل والتمييز..
-السلطة عند فوكو ممارسة خطابية ومن تم ال يجب فهم السلطة كقوة استبدادية فقط بل
كقوة منتجة .فالسلطة تشكل الخطابات والمعرفة والكيانات ،يقول فوكو "إن الذي يجعل السلطة
نافذة ومقبولة حقيقة ان السلطة ال تفرض علينا فقط كقوة تقول ال ،ولكنها تخترق وتنتج أشياء
وتبعث المتعة وتكون المعرفة وتنتج الخطاب لذلك يجب اعتبار السلطة كشبكة منتجة تنتشر
عبر الجسد االجتماعي أكثر من كونها حالة سالبة وظيفتها الكبت.
-يرى فوكو أن السلطة توفر ظروف إمكانية تشكيل الجانب االجتماعي ،ففي نطاق السلطة
يتم إنتاج عالمنا االجتماعي وتنفصل األشياء عن بعضها البعض وبالتالي تكتسب خصائصها
الفردية والعالقات التي تربط فيما بينها .وعلى سبيل المثال أصبحت الجريمة تدريجيا مجاال له
مؤسسته الخاصة (السجن) وأفراده (المجرمون) ،وممارسته المعينة ومنها على سبيل المثال
إعادة التأهيل االجتماعي كما ترتبط السلطة بالمعرفة فالسلطة والمعرفة كل منهما يفترض وجود
اآلخر وعلى سبيل المثال يصعب تصور نظام السجن الحديث بدون علم الجريمة.1
من جهة ثانية ،يرتبط مفهوم الخطاب بالسلطة و الهيمنة على حد تعبير "ميشيل فوكو" الذي
طور نظرية مهمة للسلطة /القوة ) (powerتتجاوز المفاهيم و النظريات التقليدية التي تحصر
السلطة في الدولة أو في المجال السياسي أو االقتصادي ،فهو يرى أنه ثمة سلطات متغلغلة
ومنتشرة فوق الجسد االجتماعي فالسلطة هي ممارسة و تحديدا ممارسة خطابية .يقول "فوكو":
إن الذي يجعل السلطة نافذة و مقبولة حقيقة أن السلطة ال تُفرض علينا فقط كقوة تقول "ال"،
ولكنها تخترق و تُنتج أشياء وتبعث المتعة وتُ َك ِّون المعرفة و تنتج الخطاب ،لذلك يجب اعتبار
السلطة كشبكة منتجة تنتشر عبر الجسد االجتماعي أكثر من كونها حالة سالبة وظيفتها
)1
46
الكبت .1إن التحليالت التي قدمها "فوكو" ال تناقش الخطاب انطالقا من الذات أو المؤلف أو
الفاعل و لكنها "تختبر مختلف األدوار و الوظائف التي يقوم بها الخطاب داخل نظام استراتيجي
أو سلطوي ،ينتج عن هذا أن السلطة ليست خارج الخطاب و ليست أصل الخطاب ،بل إن
السلطة تعمل من خالل الخطاب".2
)1ميشال فوكو" ،إرادة المعرفة" ،ترجمة جورج أبي صالح ،ط ، 3مركز االنماء القومي ،بيروت ،3112 ،ص
( 328بتصرف)
)2الزواوي بغورة" ،مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو" ،ط ، 3المجلس األعلى للثقافة ،3222 ،ص 317
-3محمود ابراقن :التحليل السيميولوجي للفيلم ،ترجمة أحمد بن مرسلي ب.ط ،ديوان المطبوعات الجامعية ،
الجزائر ، 3220 ،ص .31
47
وقد اعتبر روالن بارث أن التحليل السيميولوجي يفرض على الناقد تفسير اإلشارات
المختلفة للنص والعمل على تأويلها لمعرفة المعنى العميق والخفي للوحدة المدروسة فهذا
األخير يعتبر أن المهم في النص هو ما يقع وراءه وليس النص نفسه.1
أما Julia kristevaجوليا كريستيفا ،فقد اعتبرت الدراسة السيميولوجية مجموعة تقنيات
وخطوات تهدف الى تحليل ونقد معنى النص للوصول الى استخراج دالالته المختلفة ضمن
نسقه الخاص الذي أنتج فيه.2
وباعتبار العالمة هي أساس علم السيميولوجيا فإن وسائل االعالم تنقل وأحيانا تخلق فيضا
من العالمات والرموز ،من هنا ظهر االهتمام بدراسات سيميولوجيا الخطاب االعالمي .وقد
بدأ هذا االهتمام بدراسة صور اإلعالنات أو الصور اإلشهارية في األربعينيات من القرن
العشرين وتم تطوير مناهج تحليل الصورة اإلشهارية استنادا إلى لسانيات ديسوسير .وقد انصب
اهتمام عدد كبير من الباحثين على وضع أسس التحليل السيميولوجي للخطاب في وسائل
االعالم ،من بينهم هارتلي Hartleyالذي ركز على تحليل النشرات اإلخبارية التلفزيونية من
خالل مجموعة من الشفرات اللغوية والمرئية للفقرات اإلخبارية .ويتناول تحليل الشفرات المرئية
Visual Codesالطرق المختلفة لتقديم األخبار في التلفزيون (صورة المذيع) استخدام الصور
والرسوم البيانية ،إطار الصور العامة أو التركيز على التفاصيل .أما الشفرات اللغوية
Linguistic codesفتتمثل في تصنيف الفقرات اإلخبارية إلى عدد صغير من الموضوعات
الرئيسية وأثر القيم اإلخبارية (باعتبارها شفرة إيديولوجية) على تناول الموضوعات وافتراض
االتفاق الجماعي في الرأي وكيفية التعامل مع الخالف في الرأي ،وتوجيه الحديث لجمهور
المستمعين واستخدام أسلوب محادثي اتصالي وإعطاء تركيبة معينة للفقرات اإلخبارية.3
-3حالم الجياللي :المنهج السيميائي وتحليل البنية العميقة للنص ،مجلة الموقف األدبي ،العدد ، 101اتحاد
الكتاب العرب ،دمشق ،أيلول ، 3223ص ص .18 10
2
-فايزة يخلف :سيميائيات الخطاب والصورة ،ط ، 3دار النهضة العربية ،لبنان ، 3233 ،ص .73
)3محمد شومان ،تحليل الخطاب االعالمي :أطر نظرية ونماذج تطبيقية ،ط ،3الدار المصرية اللبنانية ،القاهرة،
،3233
48
رغم اختالف آراء الباحثين واتجاهاتهم في إعطاء مفهوم للتحليل السيميولوجي إال أننا يمكن
أن نالحظ أنهم يتشاركون في أن هذا األخير يقدم نظرة شاملة للدالالت والمعاني المختلفة
للنص الذي يتم تحليله وخاصة الجوانب والمضامين المخفية منه.
هي مقاربة تسمح بإبراز واستخراج الشفرات التي تتركب منها الصورة بطريقة منطقية
مبرزة المعنى الحقيقي والكامن للرسالة من خالل تحليل العناصر والرموز المكونة للمستويين
التضميني والتعييني .1مع بداية الستينات وضع ' روالن بارث ' مقاربة جديدة تمثل طريقة
علمية للتحليل السيميولوجي للنصوص والصور المختلفة حيث بين أن تحليل المعاني يكون
على مستويين وهما :
-3المستوى التعييني :يتم بالقراءة األولية السطحية للرموز البارزة والواضحة في الرسالة
التي يتم تحليلها أي أننا في هذا المستوى ال نتجاوز المضمون الصريح للصورة 2والذي يضم
وصفا دقيقا لإلشهار من ناحية عدة جوانب تشمل :تحليل العناصر الفوتوغرافية من زوايا
وحركات الكامي ار وتأطير الفيلم اإلشهاري ،تحليل العناصر التيبوغرافية المتعلقة بحجم الخط،
العنوان والصور الى جانب تحليل العناصر التلوينية المتعلقة باأللوان المختلفة المستخدمة في
المقطع المحلل .1
-3المستوى التضميني :يهتم هذا الجانب بالدالئل والرموز الضمنية وغير الظاهرة
لمحتوى الرسالة اإلشهارية من أجل الوصول الى المعنى الحقيقي وراء استخدام العالمات التي
توصلنا إليها في المستوى التعييني وتتعلق هذه المرحلة بخلفية الباحث ومعارفه وانتماءاته
* يتمثل هؤالء الباحثين في ' :روالن بارت ' ' ،مارتين جولي ' ' ،رومان جاكبسون ' ' ،دي سوسور '...
-3عمار عبد الرحمن :الصورة والرأي العام ،السلطة الخامسة _ دراسة سيميولوجية _ ،ب.ط ،دار بغدادي
للنشر والتوزيع ،الجزائر ، 3221 ،ص .71
-3جمال شعبان شاوش :قراءة في سيميولوجيا الصورة السينمائية ،كتاب خاص بالملتقى الدولي السادس '
السيمياء والنص األدبي ' ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،أفريل ، 3233ص .182
-1عمار عبد الرحمن :مرجع سبق ذكره ،ص 72
49
اإليديولوجية ،االجتماعية والعقائدية الفردية ،هذا ما دفع روالن بارث الى التأكيد على
االختالف والقراءات المتعددة التي يمكن مالحظتها في نتائج التحليل السيميولوجي الواحد بين
باحثين. 1
تدخل هذه المقاربة ضمن األعمال اّلتي تعتبر الّلغة نشاطا اجتماعيا تفاعليا ،والتي نشأت في
الواليات المتّحدة األمريكية في نهاية الثّمانينات؛ وقد جاء في معجم تحليل الخطاب ّأنه ليس
السهل بما كان الحديث عن تحديد مصطلح المحادثة ،فهو يستخدم بالمعنى العام ُليقصد
من ّ
معينة من
أخص أنماط ّ به التبادالت الكالمية الحقيقية authentiquesفي المجتمع ،وبمعنى ّ
النظر عن المقامات واألزمنة اّلتي صدرت عنها.3
بغض ّ
األحاديثّ ،
وفي إطار نقد وتجديد علم ا الجتماع التقليدي ،اقترح عالم االجتماع األمريكي "هارولد جارفنكل"
Harold Garfinkeldفي منتصف الستينيات من القرن الماضي االهتمام بتحليل األساليب
-3هاجر بن حليمة ،جميلة يخلف :التحليل السيميولوجي للكاريكاتور االجتماعي عبر صفحة الفايسبوك
للصحفي الجزائري _الرسومات الكاريكاتورية للرسام 'محمد جالل' نموذجا ،مذكرة التخرج لنيل شهادة الماستر
تخصص وسائل اإلعالم والمجتمع ،كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية ،جامعة جياللي بونعامة خميس مليانة ،
، 3231ص .73
-2اسمهان مريبعي :الرسالة اإلشهارية في التلفزيون الجزائري _ دراسة تحليلية سيميولوجية لبنية وداللة األفالم
اإلشهارية جانفي-ديسمبر ، _3233أطروحة مقدمة لنيل شهادة الدكتوراه غي علوم اإلعالم واالتصال ،كلية علوم
اإلعالم واالتصال ،جامعة الجزائر، 1الجزائر ، 3231 ،ص .11
3
) P. Charaudeau, D. Maingneneau, Dictionnaire d’analyse du discours, Seuil, Paris, 2002, p. 41
et 143.
50
التي يستخدمها الناس العاديون في حياتهم اليومية لتفسير أنشطتهم وجعلها مفهومة سواء
ألنفسهم أو لآلخرين .وفي هذا السياق جاء "جارفنكل" بمصطلح اإلثنوميتودولوجيا والذي يعني
منهجية الجماعة أو باألحرى منهجية دراسة اإلدراك العام للجماعة .وقد نهضت
اإلثنوميتودولوجيا على خلفية فلسفية متنوعة منها الفينومينولوجيا باإلضافة إلى اتجاه ما بعد
البنيوية .وهي تهتم باللغة والمعنى وبالطريقة التي يسهم بها حديثنا في خلق واقعنا االجتماعي.
إن تحليل المحادثة هو مسار من نوع خاص للتحليل يمكن استخدامه للوصول إلى نظام خاص
للتعرف الواعي على الطرق التي يستخدمها أفراد المجتمع للتفاعل فيما بينهم .إن الهدف
المركزي في بحوث تحليل المحادثة هو وصف وشرح العناصر التي يستخدمها عادة المتحدثون
ويعتمدون عليها في المشاركة العقلية والتفاعل االجتماعي المنظم باإلضافة إلى وصف
العمليات التي ينتج بها المتحاورون سلوكهم وفهمهم ويتعرفون من خاللها على سلوك اآلخرين.
على العموم ،سعت مقاربة تحليل المحادثة إلى وضع مقارنة منتظمة الشتغال الكالم في
مختلف مجتمعات العالم ،وشددت الدراسات اإلثنوغرافية لالتصال على التجانس الجماعات
اللغوية وعلى تنوع السنن التي تساهم في صقل هويات األفراد ،كما سعت إلى تطبيق ما
توصلت إليه ال سيما في مجال البيداغوجيا أو التقارب ما بين الشعوب.1
)1دومنيك مانغونو ،المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب ،ترجمة محمد يحياتن ،ط ،3الدار العربية للعلوم
ناشرون ،منشورات االختالف ،الجزائر ،3228 ،ص 11
النمط من تحليل المحادثات اليومية ،فمن أعماله :كتاب في جزئين بعنوانLa :
يعتبر غوفمان رائدا في هذا ّ
51
ألي فرد في
يحق ّ
تتم بها المحادثاتّ ،أولهماّ :عليهما مختلف المقامات والوضعيات اّلتي ّ
المجتمع أن يطالب اآلخرين ،وذلك من الناحية األخالقية ،معاملته بما يتناسب ومقامه ،وهذا
كل تبادل كالمي
يتحكم في ّ
ّ مطوال ،واّلذي
عمال بمبدأ المشاركة اّلذي تحدث عنه جرايسّ ،
ناجح .من هذا المبدأ ،يطالب المجتمع من ذلك الفرد أن يتحّلى بالمكانة اّلتي طالب بها
اآلخرين االعتراف بها .1
تتشكل
أهم القواعد اّلتي تخضع لها محادثات األشخاصّ .
تعد األعراف االجتماعية ّ
نتيجة لذلكّ ،
هذه األخيرة من تبادالت تأكيدية وأخرى تصحيحية ،تحيل األولى على مقاطع استهالل وإنهاء
أما الثّانية فتسمح باستمرار التوازن التفاعلي للمحادثة ،أي بإنهاء
المحادثة مثل صيغ التحيةّ ،
المحادثة دون أن تترك أث ار سلبيا على المتحادثين ،وبخاصة إذا أصيبت المحادثة في فترة ما
بخلل.
1
) Erving Goffman, La mise en scène de la vie quotidienne, la présentation de soi, Les Éditions
de Minuit, Paris, 1973, p. 21
تجلت أعمال جمبرز في هذا المجال في كتابيهintroduction à ,Engager la conversation :
52
نموذجا سماه speakingلدراسة وظائف اللغة في صلب أفعال التخاطب الفعلية ،يحلل هذه
الفعال إلى مختلف مكوناتها (المشاركون ،الغاية ،المعيار.1)...
النفسي
الزمانية والمكانية ،أي الجو ّ
– اإلطار التّفاعلي والتواصلي اّلذي تندرج فيه األبعاد ّ
)1دومينيك مانغونو ،المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب ،ترجمة محمد يحياتن ،ط ،3الدار العربية للعلوم
ناشرون ،منشورات االختالف ،الجزائر ،3228 ،ص11
-2دومينيك مانغونو ،المصطلحات المفاهيم لتحليل الخطاب ،مرجع سابق ،ص ( 10بتصرف)
53
رواد هذه المقاربة ،شغلوف وساكس 1Schegloff et Sacksاللذان يفترضان اليومية .ومن بين ّ
ومحددة بأعراف
ّ أن التّنظيم والفعل االجتماعيين قابالن للتّحليل باعتبارهما تنظيمات منظمة
النمط التّالي :تأثر سلوكات أحدهما في
ومؤسسات .فالتفاعل هو تمشهد للمتخاطبين يتم وفق ّ
اآلخر بأسلوب متبادل .وفي إطار هذه العالقة المنسقة لقطبي المحادثة ،يضع المتكلم إجراء
محددة مسبقا وقواعد دقيقة مصدرها الملكة
تحدده أدوار ّ
تفاعليا ،ضمن الّلعبة التّخاطبية ّ
التّبليغية…
حدد ساكس وزميله هيريتاج Sacks et Heritageأربع مسّلمات لتحليل هذا
انطالقا من هذاّ ،
الخطاب:
– أن يكون التّفاعل منظما بأسلوب مبنين.
للسياق.
– توجه مساهمات المتدخلين وفقا ّ
السابقتين.
– تخضع حيثيات التّفاعل للنقطتين ّ
طبيعية.
– يخضع تحليل التّفاعالت انطالقا من المعطيات ال ّ
النمط التّالي:
تنتظم المحادثة ،حسب شغلوف E. Schegloffوساكس ،Sacksوفق ّ
النداء واالستجابة مثلما يحدث في المكالمة
السالم ،أو ّ
– اإلجراء االفتتاحي :يشمل ملفوظات ّ
الهاتفية.
– اإلجراء االختتامي :ويشمل مرحلة تحضيرية يستخدم فيها المتكلم أشكال الختام ليعلم المستمع
عام 3171بعنوان « opening up )1انظر العمل اّلذي نشره األمريكي ساكس في مجلةSemiotica
« The preference for self » closingوكذا المقـال اّلذي نـشره فـي مجـلـة Langageعام 3173بعنوان
organisation of repair correction in the
54
يرى إ .رولي أن تحليل المحادثة ينطلق من نمطين من ّ
الدراسة:
الدراسة التّراتبية ،وهي تشمل مستويات أساسية:
– ّ
– الفعل الكالمي ،وهو أصغر وحدة ينتجها المتكلم ،ويرتبط بدورة الكالم.
– التّبادل :أصغر وحدة يتشكل منها التّفاعل .ويتشكل على األقل من فعلين كالميين .ويسمى
كل مكون للتّفاعل تدخال ،قد يكون التّدخل بسيطا (يتكون من فعل كالمي واحد) ،أو معقدا
ّ
وذلك بحضور العديد من المتحاورين.
لكل عنصر في التّبادل ،زد على
الدراسة الوظيفية :اّلتي تسعى إلى إثبات الوظيفة اإلنجازية ّ
– ّ
ذلك تجسيد الوظائف اّلتي تربط بين مختلف مكونات التّدخل.
طور المقاربة اّلتي تعتمد على مفهومي التّجانس والحصافة في تناول المحادثات ،موشلر ّ
والثّاني سبيربر وولسون .فالتّجانس في هذا اإلطار ال يعني به البناء ّ
السوي لمختلف العناصر
أما ما أضافته أوركيوني
الناتج من مجموعة من الغايات التّفاعلية… ّ
الّلغوية للمحادثة ،فهو ّ
ومن تشتغل معهم في هذا الميدان ،في مجال تحليل المحادثة ،فهو إضافتها في التّحليل
للمظاهر األكوستيكية والحركية واإليمائية ،اّلتي أهملتها المقاربات األخرى.
أثّرت أعمال باختين في الحوارية على التّصور الّلساني لّلغة حديثا ،حيث صار التّفاعل الكالمي
للدراسة .يكمن سر نجاح هذه
l’interaction verbaleمحور أي نظرية تتناول الّلغة كموضوع ّ
النظرية في اقتراحها لطريقة تحليلية تدرس اللغة من حيث وظائفها التّواصلية والمبنينة للواقع
ّ
.structuration du reelإذ يؤكد باختين بأن النشاط العقلي ليس هو من ينظم التعبير بل على
العكس من ذلك فإن التعبير l’expressionهو الذي ينظم النشاط العقلي ينمذجه ويحدد
توجهه .يرى باختين بأن التّعبير ليس فعال فرديا ،لكنه نشاط اجتماعي ّ
حددته مجموعة من
1
)
55
العالقات الحوارية .فالحوار إذن ،ال يمكن حصره فيما يجري بين شخصين في المحادثة
كل إنتاج كالمي صادر عن اإلنسان .ويدخل المونولوج ضمن أنواع
اليوميةّ ،إنه يشمل أيضا ّ
الحوار بكونه كالما صاد ار من شخص نحو شخص آخر ،ولو كان غائبا ،ويخضع لنفس
مكونات الحوار ،وهو األمر اّلذي جعل باختين يضفي عليه بعدا تفاعليا ،بنفس درجة الحوار،
1
النشاط الكالمي
فهذا البعد التّفاعلي للمونولوج أثبتته حوارية ّ
النفسي الفيزيولوجي
التلفظ المونولوجي وال الفعل ّ
الّلغة ،إذن ،ليست هي األشكال المجردة ،وال ّ
بالتلفظ والمتلفظين فالتّفاعل
ظاهرة االجتماعية للتّفاعل الكالمي ،المتحقق ّ
إلنتاجه ،بل هو ال ّ
الكالمي يشكل إذن الحقيقة األساسية للغة.
إن
يشكل الحوار العملية الكالمية الدائرة بين شخصين أو أكثرّ ، بناء على ذلك ،ال ّ ً
اإلنتاج الكالمي اإلنساني كله يدخل ضمن الحوار ،نظ ار لما يحيل عليه هذا األخير من إعادة
صياغة وتحوير وتكرار لخطابات سابقة .إن الخطاب المكتوب ،حسب باختين هو « جزء من
حديث أيديولوجي على مستوى أعلى :فهو يجيب ( على سؤال) ويدحض (فكرة ما) ويؤكد
(حقائق معينة) ويستبق إجابات واعتراضات افتراضية ويبحث عن مساندة… فكل تلفظ مهما
كانت درجة داللته وتمامه ،ال يشكل سوى جزءا من تواصل كالمي غير منقطع للحياة اليومية
2
واألدب والمعرفة والسياسة ».
)1يعد باختين مؤسسا لمفهوم الحوارية العتقاده بأن أي خطاب ما هو إالّ نتاج تداخل مستمر لخطابات أخرى ,هو
من مواليد 3811بروسيا ،زاول دراسته بجامعة سان بترسبورغ ،تخرج منها بشهادة في التاريخ والفيلولوجيا .كان دوما
كرس حياته للبحث النقدي
يتبنى أسماء مستعارة في منشوراته ،وهي أسماء ألصدقائه أمثال فولوشينوف ومدفديفّ .
واألدبي ،فأنجز أشهر عمليه في هذا المجال :األول حول الكاتب الفرنسي إمانويل رابلي بعنوانFrançois Rabelais :
.populaire sous la renaissance et la cultureوعمل آخر حول الشاعر الروسي دوسطويفسكي بعنوان » شعرية
دوسطويفسكي ،هناك أيضا…Esthétique de la création verbale :
2
Mikhael Bakhtine (1977) : Le Marxisme et la philosophie du langage, trad. Marina Yaguello,
Paris, Les Editions de Minuit, P.163
56
مدرسة التحليل الثقافي
تأسست مدرسة التحليل الثقافي العام Cultural Generic Analysisفي رحاب مركز الدراسات
الثقافية المعاصرة بجامعة برمنجهام في بريطانيا عام ،3102إال أن أصولها ترجع إلى نهاية
األربعينيات ومطلع الخمسينيات ومن أبرز أعالمها :ريتشارد هوغارت ،تومبسون ،ستوارت
هال ورايموند وليامز .ربطت هذه المدرسة بين الثقافة واإلعالم في إطار اهتمامها بتحليل معنى
الثقافة ،وتحول الثقافة إلى سلع تنتج وتوزع على نطاق واسع في ظل المجتمع الرأسمالي.1
تأثرت الدراسات الثقافية بالفكر الماركسي التقليدي وبالمدارس النقدية (خاصة كتابات ألتوسير)
وكان تركيز البحوث الثقافية خالل السبعينيات على تحليل النصوص -اإلعالمية على وجه
التحديد -وليس على إنتاج النص واستقباله حيث اعتبر الباحثون أن المفعول والتأثير
االيديولوجي للنصوص أمر مسلم به ،ويتلخص دور الجمهور في فك شفرة المعاني وإدراكها
على نحو سلبي.2
ولكن مع نهاية تلك الفترة – السبعينيات من القرن العشرين – خضعت وجهة نظر ألتوسير
للنقد من نواحي مختلفة أبرزها إمكانية مقاومة الرسائل اإليديولوجية المقدمة للشخص وركزت
المجموعة االعالمية بمركز الدراسات الثقافية المعاصرة في برمنجهام بقيادة ستورات هال على
تعقد عملية استقبال النصوص االعالمية وطبقا لنظرية هال عن التشفير وفك التشفير Codage
/décodageفإن المتلقين قادرين على تفسير أو فك شفرة الرسائل بأكواد codesمختلفة عن
الكود المتضمن أصال في نصوص الرسائل المقدمة إليهم عبر وسائل االعالم وترتكز نظرية
هال من بين أشياء أخرى على نظرية غرامشي Gramsciعن الهيمنة Hegemonyالتي تنسب
57
قد ار معينا من القوة أو الفاعلية لجميع المجموعات االجتماعية فيما يتعلق بإنتاج المعنى
والتفاوض بشأن تفسيره.1
على العموم ،وفي إطار اهتمامات مدرسة التحليل الثقافي باإلعالم ظهرت كثير من البحوث
التي تناولت بالتحليل الخطاب اإلعالمي من زاوية تأثيره في خلق أو تغييب الوعي لدى
الجمهور ،وكذلك دور الخطاب اإلعالمي في عملية التفاعل االجتماعي .وقد طور هال
مفهوم الضمنية والتصريح والتغيير في اللغة ،وأكد أن المعنى هو نتاج العملية الجدلية بين
النص والقارئ في سياق اجتماعي وتاريخي معين ،وخلص إلى أن وسائل اإلعالم ال تعكس
الواقع وإنما تقوم بإنتاجه عبر المعاني واالختيارات اإليديولوجية التي تنتجها أو تروج لها.
يرى رايموند وليامز أن الدراسات الثقافية تـُ ْـعـ ـ َـنى بدراسة وسائل االعالم الجماهيري وعلم اجتماع
االتصاالت والقصص الشعبية أو الموسيقى الشعبية خاصة مع التحوالت المتسارعة في
مجاالت االعالم ومؤسسات وأشكال الثقافة الشعبية التي شهدتها الثمانينيات من القرن العشرين.
إن الجمهور أصبح أكثر ارتباطا واستهالكا ألشكال ومضامين الثقافة الشعبية.
ويرى "نورمان فيركلوف" N.Faircloughأن المجال االعالمي يستفيد من منهج التحليل الثقافي
من أبحاث "قوفمان" Goffmanحول كيف يخاطب المذيعون بالراديو جماهير المستمعين ،كما
يستفيد من التوجه في تحليل المحادثة نحو بناء المعاني والعالقات االجتماعية في الحديث
التي طورها كل من "هاليداي" و "مونجومري" إذ ميز هذان الباحثان بين تحليل مادة الحكاية
أو القصة المذاعة وبين عرضها الخطابي .ويتضمن تحليل العرض الخطابي للحكاية أو القصة
الجوانب الروائية الناتجة من تحويل رسالة خاصة إلى قصة عامة ،كما يغطي هذا التحليل
الجوانب الموجهة نحو استقبال الجمهور للقصة ويتم التفاوض بشأن عوامل التوتر التي تتصف
بها الثقافة االعالمية.
)1طه عبد العاطي نجم ،مناهج البحث اإلعالمي ،ط ،3دار كلمة للنشر والتوزيع ،اإلسكندرية ،3231 ،ص .313
58
سعى المنهج الثقافي أيضا في منظوره الشامل الربط بين التغيرات التي حدثت في األنواع
االعالمية في اإلذاعة والتلفزيون وبين تطور مفهوم المجال العام الذي صاغه "هابرماس" وقصد
به ساحة اللقاء والصراع بين الدولة والمجتمع المدني ،والميدان الذي يتوسط بينهما .فسعى
ممثلو التحليل الثقافي في هذا اإلطار على سبيل المثال إلى مناقشة األشكال المختلفة لبرامج
اإلذاعة ولغة الحوار اإلذاعي في بناء المجال العام مع االهتمام في آن واحد بالتفاعل وبطريقة
عرض المادة االعالمية واستقبالها من طرف الجمهور.
تطلق عليها أيضا تسمية دراسات الخطاب النقدية ) ،Critical Discourse Studies (CDSوهي
حركة أكاديمية انتشرت بسرعة في علم اللسانيات والعلوم االجتماعية منذ نشر أول كتاب لها
في عام 3171بعنوان "اللغة والسيطرة" للمؤلفين "روجر فاولر" " ،Roger Fowlerبوب هودج"
،Bob Hodgeو"توني ترو" .Tony Trewتهتم هذه الحركة (اللسانيات النقدية) بصورة أساسية
بكيفية إعادة إنتاج السلطة عموما وسوء توظيفها في المجتمع ،وفي هذا السياق يهتم محللو
1
الخطاب في هذا االتجاه بكيفية انخراط الخطاب في هذه العملية.
يعود الفضل لظهور هذا التيار ألعمال الباحثين في مدرسة اللغويات النقدية Critical
Linguisticsفي السبعينات من القرن العشرين بجامعة إست أنجليا .هذه المدرسة التي قامت
على محاولة الدمج بين الدراسات اللغوية النظامية والدراسات اللغوية االجتماعية والمناهج
النقدية والدراسات السيميولوجية ،ويعتبر ترو Trewوهودج وكريس Hodge and Kressمن
أبرز رموز مدرسة اللغويات النقدية ،حيث قدم "ترو" أبحاثا عديدة حول مسيرة الخطاب في
الصحف وركز فيها على عملية تحويل المواد اإلخبارية الواردة من وكاالت األنباء والمصادر
األخرى إلى تقارير إخبارية منشورة والتغييرات التي تخضع لها القصة اإلخبارية من تقرير
-1توين فان ديك ،الخطاب والسلطة ،ترجمة غيداء العلي ،ط ،3المركز القومي للترجمة ،القاهرة ،3232 ،ص 31
59
آلخر ،أو من التقرير الصحفي إلى التحليل المعمق إلى المقاالت االفتتاحية عبر فترة زمنية،
فقد يحذف الفاعل بهدف ترك القوى الفاعلة أو الجهات المسؤولة غير المحدد ،كما قد تعاد
صياغة الجمل أو يقع االختيار على كلمات محددة بطريقة معينة تتضمن اختيارات وتحيزات
إيديولوجية .أما هودج وكريس فقد رك از على سالسل التناص في الممارسات الخطابية وعلى
أهمية اختيار المفردات اللغوية والضمائر واألفعال المساعدة .ومي از بين النص والخطاب من
ناحية المفاهيم واإلجراءات النظرية والمنهجية واألهداف التي يسعى كل منهما إلى تحقيقها،
فالخطاب هو العملية االجتماعية التي تكون النصوص متضمنة فيها ،بينما النص هو جزء
من الخطاب ،أي أن النصوص هي تجليات الخطاب .وقد بلور كل من هودج وكريس نموذجا
لتحليل الخطاب من خالل النظر إلى اللغة كإيديولوجيا تماما كما فعل هاليداي في السبعينيات
من القرن العشرين حيث استفادا من نظرياته في تحليل الخطاب واتفقا معه على أن قواعد
اللغة هي اختيارات وليست قواعد كما أن النحو هو نظرة للواقع وليس عمال محايدا كما يعتقد
معظم الناس ،لذلك رك از على أن اللغة والتركيبات اللغوية يمكن أن تتحدد وتتمفصل مع
اإليديولوجيا وتمنح الشرعية لمؤسسات السلطة في المجتمع .يتكون نموذج هودج وكريس من
شبكة من المفاهيم تشمل الفاعلين واألفعال أو العمليات والمفعول به والعالقات بينها .1ورغم
أهمية االستنتاجات التي توصل إليها الباحثون اعتمادا على األطر النظرية والنماذج التحليلية
لمدرسة اللغويات النقدية ،إال أنها تعرضت النتقادات عديدة نظ ار لعدم اهتماماها ببحث القواعد
المجردة للتركيب اللغوي والنحوي وكذلك لعدم اهتمامها بطبيعة فهم وتأويل الجمهور للنصوص
التي تشكل الخطاب اإلعالمي أي أن التحليل ينحصر في إطار العمليات التي يقوم بها
المحللون ويركز على عمليات إنتاج وتداول النص بغض النظر عن إدراك وتفسير الجمهور
المتلقي للنصوص اإلعالمية .شومان
ترتكز هذه المدرسة على عملية اإلقرار أو التقديم Représentationأي طريقة عرض األحداث
والوظيفة الفكرية أي المتعلقة بتقديم فكرة معينة ،وتنطلق من تعدد وظائف النص خاصة النص
60
(خاصة النص اإلعالمي) فهناك :الوظيفة الفكرية ووظيفة تكوين األفكار ووظيفة تصوير
العالقات االجتماعية والهويات االجتماعية ،كما تنظر هذه المدرسة إلى النصوص كنتاج
الختيارات من بين نظم الخيارات المتاحة من ناحية النحو ومفردات الكلمات وما إلى غير
ظ ُر إلى الخطاب في هذه المدرسة كمجال للعمليات اإليديولوجية وللعمليات
ذلك .وعليهُ ،ين َ
اللغوية مع وجود عالقة محددة ومقررة بين هذين النوعين من العمليات ،وبشكل محدد يمكن
ان تحمل الخيارات اللغوية داخل النصوص معنى إيديولوجيا.
بشكل عام ،يهدف هذا التيار في مجال تحليل الخطاب إلى دراسة كيف يقوم الخطاب بإنتاج
السلطة من خالل رصد المضمون اإليديولوجي الضمني في الخطاب ،من منطلق أن اللغة
جزء من الحياة االجتماعية ال يمكن اختزاله ،وبينه وبين عناصر الحياة األخرى عالقة منطقية
جدلية تجعل من الضروري أن يأخذ البحث والتحليل االجتماعي اللغة دائما بعين االعتبار.1
لهذا ،ال بد من تحليل النصوص تحليال يهتم بتفاصيلها البنائية وبعدها االجتماعي ،أي بكونها
ترتبط بعالقات بين جماعات معينة وتصدر عن أفراد يتبوؤون مواقع معينة في المجتمع .2يهتم
3
التحليل النقدي للخطاب بتأثير النصوص في تثبيت اإليديولوجيات أو دعمها أو تغييرها.
-1نورمان فاركلوف ،تحليل الخطاب ،التحليل النصي في البحث االجتماعي ،ترجمة طالل وهبة ،الطبعة األولى،
المنظمة العربية للترجمة ،توزيع مركز دراسات الوحدة العربية ،بيروت ،3221 ،ص 31
-2المرجع نفسه ،ص 1
-3المرجع نفسه ،ص 11
-4توين فان ديك ،الخطاب والسلطة ،مرجع سابق ،ص 33
61
المفاهيم المحورية في التحليل النقدي للخطاب
مما سبق تبرز لنا مجموعة من المفاهيم االرتكازية التي يتأسس عليها التحليل النقدي للخطاب
وهي:
-3السلطة :يقارب مفهوم السلطة لدى رواد هذا التيار مفهوم المراقبة حسب "فان دايك"
على سبيل المثال ،وتتعدد أنواع المراقبة بتعدد المصادر المستخدمة لمماريتها .ويذكر
سلطة القهر العسكرية وسلطة المال بالنسبة لألغنياء وسلطة المعرفة والمعلومة بالنسبة
إلى اآلباء والمدرسين والصحافيين ،ويرى أن المجموعات المحكومة قد تقبل وتخضع
لهذه السلطة وتتواطأ معها مما يعطيها الشرعية وقد تقاومها مقاومة متفاوتة من حيث
الشدة والضعف .وحين تدرج السلطة في نصوص قانونية أو تقاليد ومواضعات وتحظى
بشبه إجماع تتحول إلى هيمنة .وقد تمارس السلطة في شكل مباشر أو في شكل
متخفي تمويهي في مجموعة من األفعال التي تحظى بالقبول .1ويعتبر الخطاب بهذا
المعنى مصد ار للسلطة وشكال من أشكال ممارستها.
-3التاريخ :باعتباره الشريك المهم للتحليل النقدي للخطاب إلى جانب علم االجتماع
السياسي ،خاصة من خالل أعمال "ووداك" .2وهنا يبرز تأثير الفكر الماركسي وفلسفة
فوكو بشكل كبير وتأثيراتها على رواد هذا التيار.
فالخطاب ال يمكن عزله عن سياقه التاريخي لذا ال بد من إخضاع هذا السياق للدراسة
والتحليل.
-1األيديولوجيا :يستند هذا المفهوم إلى مساهمات سبقت تيار التحليل النقدي للخطاب ال
سيما مساهمات "ماكس هوركهايمر" منظر االتجاه االجتماعي في البحث في مدرسة
فراكفورت ،إلى جانب مساهمة "طومسن" ضمن ما يعرف بالدراسات الثقافية .ويحيل
مفهوم األيديولوجيا الذي يتخذ دالالت عديدة ومتنوعة بحسب تطور العصور إلى
)1منية لعبيدي ،التحليل النقدي للخطاب ،ط ،3دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع ،عمان ،3230 ،ص .322
2
) Philippe Cheppens, Les notions de conteste et d’acteurs sociaux,Revue Semio-Linguistique
des texyes et discours, N° 27/2009.
62
األشكال والتمثيالت االجتماعية التي تنتقل بداخلها وبواسطتها األشكال الرمزية في
العالم االجتماعي .1فاإليديولوجيا هي وسيلة مهمة إلنشاء العالقات غير المتكافئة
داخل السلطة والحفاظ على عليها ،ويهتم هذا المجال بدراسة الكيفيات التي تظهر من
خاللها األيديولوجيا في الخطاب ،والعمل على إزالة الغموض عبر فك شفرة األيديولوجيا
التي تتضمنها.
تعتمد هذه المقاربة ربط العديد من العناصر الّلغوية بعوامل خارجية ،في إطار دراسة شروط
إنتاج الخطاب وفهم آليات توظيف الّلغة .ويعد الّلساني الفرنسي إيميل بنفنيست 2هو مؤسس
التلفظ ومن بين المواضيع اّلتي تدرسها اآلثار اّلتي تشير إلى
هذه المقاربة اّلتي سميت بنظرية ّ
عنصر الذاتية في الخطاب .ويخضع هذا األخير لوضعية تتشكل فيما اسماه بنفينست بالجهاز
3
الزمانية
ظروف ّ
الشخص ،ال ّ
للتلفظ .فتتكفل هذه المقاربة بدراسة المبهمات (ضمائر ّ
الشكالني ّ
ّ
والظروف المكانية) وهي الوحدات الّلغوية اّلتي تسمح للمتكلم باالرتباط بالواقع.
كل
النظرية" ،كاترين ك .أوركيوني" اّلتي قامت بإحصاء ّ
من بين اّلذين أسهموا في تطوير هذه ّ
الوحدات الّلغوية اّلتي يمكن أن يندرج فيها عنصر الذاتية ،وقامت أيضا بدراسة عنصر
التّضمين في الّلغة ،على اختالف مظاهره .نجد أيضا "كيليولي" اّلذي عمل على بناء نموذج
الصورية
الرياضي بتحديده للعمليات ّ شكالني وصوري ّ
للتلفظ انطالقا من إجراءات المنطق ّ
وحيث أنه ال يقوم فهم الخطاب والكشف عن المقصد منه على استخراج المعلومات وإعادة
تركيبها وإدماجها فيما نعرفه مسبقا ،وإنما يقوم بالدرجة األولى على التعرف على وظيفة هذه
المعلومات في وضعية الخطاب التي تم إنتاجها فيها ،فلكل خطاب خصائص نصية ترتبط
بظروف االتصال التي أنجز في سياقها.
وعليه ،نالحظ بأن كل خطاب يتحدد بظروف اتصال خاصة ،وأن كل ظرف من هذه الظروف
يتشكل من مجموعة من المكونات التي يتوجب حصرها ،من هنا يصبح باإلمكان إقامة عالقة
واسعة بين هذه المكونات وخصائص الخطاب المرتبط بها وعلى هذا األساس ،تندرج ضمن
نظرية التلفظ وتحليل الخطاب المقاربة التبليغية االتصالية أو التواصلية كما يسميها البعض.
يعد الّلساني "رومان جاكبسون" R.Jackobsonمن مؤسسي هذه المقاربة ،وذلك بحصره ّ
مكونات ّ
ِ
المرسل ،المتلقي ،الوضع ،المرجع ،القناة العملية التبليغية/االتصالية في ستة عناصر:
لكل عنصر من هذه العناصر وظيفة :الوظيفة التعبيرية ِ
للمرسل ،الوظيفة والخطاب ،وقد أسند ّ
التبليغية للمتلقي ،الوظيفة االصطالحية للوضع ،الوظيفة السياقية للمرجع ،الوظيفة االتصالية
للقناة ،وأخيرا ،الوظيفة االصطالحية للخطاب.
64
الرائدة في هذا المجال،
تدخل أيضا ،في إطار هذه المقاربة ،أعمال "هايمز" ّ D. H. Hymes
2
مقاربة األعراف االجتماعية :بيير بورديو وتحليل الخطاب
تشكلت هذه النظرية من أعمال الفيلسوف الفرنسي Pierre Bourdieuالذي يرى أن كل فعل
كالمي توفرت فيه السلطة يحتوي أسلوبه ومفرداته ونطقه على عناصر هذه السلطة .فاألسلوب
في الحديث مثال يعد عنص ار في الجهاز الذي يسعى به صاحبه إلى إنتاج وفرض صورة عن
أهميته ،ويسهم في الوقت ذاته في فرض وجوده .ويكمن السر في وجود فعل السلطة في
المجموعة التي قامت بتفويض السلطة للشخص الذي يراعي في بسطها مجموعة من الشروط
التي تحدد في ذاتها األعراف االجتماعية12 .3
د .هـ .هايمز باحث أمريكي في مجال إثنوغرافيا التواصل ،من أشهر أعمالهLangage in culture and society :
66
استراتيجيات الخطاب
يحيل مفهوم االستراتيجية في تحليل الخطاب إلى الخيارات المتاحة أمام الخطيب في وضعية
اتصال ،فالمرسل ال ينتج خطابه غفال من اعتبار السياق ،فال خطاب بدون انخراطه في سياق
معين ،كما ال يتجلى الخطاب دون استعمال العالمات المناسبة.1
يختار المرسل او الخطيب استراتيجية خطابه وفقا لدواعي السياق التي تصبح معايير لتصنيف
استراتيجيات الخطاب باعتبار هذا األخير يجري بين ذاتين وأنه يعبر به المرسل عن قصده
وأنه يحقق هدفا .من هنا ال بد على المرسل من األخذ في الحسبان جملة من المعايير نجملها
في العناصر التالية:2
-3معيار اجتماعي يتمثل في معيار العالقة التخاطبية بين طرفي الخطاب .وتتصف
العالقة بأسبقيتها على إنتاج الخطاب ذاته لذلك ،فهي من عناصر السياق المؤثرة ،وإن
لم تكن العالقة بينها موجودة سلفا ،فإن المرسل يسعى إلى إيجادها بخطابه .وتستقر
العالقة المسبقة بين طرفي الخطاب على محورين هما:
محور العالقة األفقية كخصائص الدين (مسلم ،مسيحي) وخصائص الجنس (ذكورة -
وأنوثة) وخصائص السن (صغار ،كبار ،شيوخ) وخصائص المهنة (أساتذة ،طالب،
ضباط) وخصائص عرقية (عرب ،غرب) وخصيصة الجنسية والحالة االجتماعية
وغيرها.
)1عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتيجيات الخطاب :مقاربة لغوية تداولية ،ط ،3دار كنوز المعرفة للنشر
والتوزيع ،عمان ،3231 ،ص.12
)2عبد الهادي بن ظافر الشهري ،مرجع سابق ،ص ص ( 312-312بتصرف).
67
-محور العالقة العمودية وهي تلك التي تتبلور في مراتب تصاعدية للناس داخل بنى
المجتمع مما يجعلهم ينتمون إلى سلم تراتبي يقع كل طرف من أطراف الخطاب في
إحدى درجاته .بمعنى عالقة السلطة.
-3المعيار اللغوي وهو معيار شكل الخطاب من حيث داللته على قصد المرسل سواء
بالداللة المباشرة أو التلميحية.
-1معيار القصدية أو الهدف من الخطاب.
وبالتالي يقتضي تحليل السياق ،باعتباره مجموعة من الظروف التي تحف حدوث فعل التلفظ،
عناصر مختلفة يمكن إجمالها فيما يلي:1
-3المرسل :أو محور إنتاج الخطاب ألنه المتلفظ به من أجل التعبير عن مقاصد معينة
وبغرض تحقيق هدف فيه ويجسد ذاته من خالل بناء خطابه باعتماد استراتيجية
خطابية تمتد من مرحلة تحليل السياق ذهنيا واالستعداد له.
-3المرسل إليه أو المتلقي :وهو عنصر مهم في بناء الخطاب وتداوله مرهون إلى حد
كبير بمعرفة حاله أو افتراض ذلك.
-1العناصر المشتركة :أو إطار العالقة التي تجمع بين طرفي الخطاب.
-3االستراتيجيات التضامنية :هي تلك االستراتيجية التي يجسد من خاللها المرسل عالقته
بالمتلقي ونوعها من خالل التعبير عن مدى احترامه لها ورغبته في المحافظة عليها
أو تطويرها بإزالة معالم الفروق بينها .بالمجمل هي محاولة التقريب من الرسل إليه.
-3االستراتيجية التوجيهية :على نقيض سابقتها ،تعد االستراتيجية التوجيهية ضاغطة
ومتداخلة ولو بدرجات متفاوتة على المرسل إليه وتوجيهه لفعل مستقبلي معين ،وهذه
)1بسام عبد الرحمن المشاقبة ،مناهج البحث اإلعالمي وتحليل الخطاب ،دار أسامة للنشر والتوزيع ،عمان ،
األردن ،3232 ،ص .310
)2بسام عبد الرحمن المشاقبة ،المرجع السابق ،ص ص ( 313-320بتصرف).
68
االستراتيجيات ال تناسبها الخطابات المرنة كما هو األمر بالنسبة لالستراتيجيات
التضامنية.
-1االستراتيجية التلميحية :هي تلك االستراتيجية التي يستخدم فيها الخطاب بصورة تلميحية
وغير مباشرة ،ويلجأ الخطيب لمثل هذه االستراتيجية استجابة لدواعي سياقية تجعله
يعدل عن استعمال الخطاب المباشر بدافع من عوامل معينة كالسلطة أو مراعاة التأدب.
-2استراتيجية اإلقناع :إذ يسعى المرسل إلى إقناع المتلقي بما يراه معتمدا في ذلك على
الحجج والبراهين العقلية.
بناء موضع سلطة يتحرك من خالله الخطاب سواء كانت السلطة مؤسسية أو
شخصية في سعي المتكلم (الخطيب) لالحتفاظ بالحق في الكالم وطرح الخطاب.
استراتيجيات المصداقية :Stratégies de crédibilitéتهدف هذه االستراتيجيات إلى -2
بناء موضع صدق يمنح الخطاب طابع المصداقية (في الحقيقة ،بالتأكيدen ....
)vérité , certainement
استراتيجيات اإلغراء :Stratégies de captationتتمثل هذه االستراتيجيات في -3
عمليات إغواء معتمدة على المشاعر واألحاسيس ،الهدف منها حمل المستمع على
االنخراط في أفكار الخطيب بجعله يعتقد بأنه جزء من قضية أو مجموعة معينة.
من أهم الطرق المستعملة في هذا النمط من االستراتيجيات:
نسج رواية من الخيال fabulationوتقديم الخطاب المتخيل كأنه واقع معاش، -
البحث عن المؤامرة من أجل إنشاء روابط عاطفية أو جماعاتية مشتركة مع المستمع، -
-األسطرة (من األسطورة) ، mytificationبمعنى التماهي وربط الخطاب بوجوه تاريخية.
69
يعتبر تحليل الخطاب تقنية منهجية متكاملة ،إنه كل تقنية هدفها بصفة شكلية عموما ،توضيح
العالقة القائمة بين الوحدات اللسانية في الخطاب المكتوب أو الشفوي في مستوى أعلى من
الجملة ، 1وهذا بهدف كشف الغطاء عن االديولوجيات الضمنية ومن ثم ممارسة السلطة في
النصوص" .2وعليه فإن كلمات اللغة التي يتشكل منها الخطاب وحدودها ليست مجرد وعاء
للفكر ،وال مجرد وسائل محايدة لتوصيل فكرة أو مفهوم من ذهن المتكلم إلى ذهن المستمع،
بل إنها الفكر ذاته متشكال فيما ينطق ويكتب ويتكلم به ،أي في أنواع النصوص والخطابات.3
يرى عبد العزيز بركات أن تحليل الخطاب مدخل منهجي متكامل تندرج تحته العديد من
األدوات المنهجية ،و ال يمكن هنا إنكار مساهمة المدرسة الفرنسية في تأصيلها لمجموعة من
أساليب التحليل الكيفي مثل تحليل حقول الداللة ،مسار البرهنة ،تحليل القوى الفاعلة ،تحليل
األطر المرجعية و غيرها.
منية عبيدي :التحليل النقدي للخطاب ،نماذج من الخطاب اإلعالمي ،دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع ،ط ،3 1
70
تندرج تحت تحليل الخطاب مجموعة من المداخل التي تشكل أدوات بحثية منهجية تتيح إمكانية
الوصف والتفسير واستخالص المؤشرات والدالالت المختلفة للمادة أو الرسالة التي يتم تحليلها،
ويمكن للباحث استخدام أكثر من أداة للنفوذ إلى عمق الخطاب.
/3تحليل األطروحات
األطروحة هي فكرة أو معنى معين يريد منتج الخطاب توصيله للمتلقي بحيث يتم فهم الخطاب
على النحو الذي يريده منتج الخطاب .و من أهم مداخل تحليل الخطاب مدخل تحليل األطروحة
الكاملة في النص أو الخطاب المراد تحليله باعتبار أن األطروحة بنية موحدة يقدمها منتج
الخطاب بهدف معين أو أهداف معينة بحيث يتفق الخطاب مع هذا الهدف/األهداف .
يستخدم تحليل األطروحات في بعض األحيان بمعنى "تحليل بنية الموضوع" ،و المقصود هنا
هو البنية الفكرية ( وليس البنية اللغوية) على أساس أن الخطاب يحتوي على أفكار بناء
استداللي يضفي المنطقية و البرهنة على مقولة أو مقوالت أساسية يريد مصدر الخطاب أن
يقنع بها اآلخرين.
البنية الكبرى للنص ) (Macrostructureوهي تلك البنية التي تعبر عن أ-
الموضوعات التي يتم تناولها على المستوى الكلي للنص أو الخطاب بأكمله ،هذه
البنية (الكبرى) تتكون من عناصر أو وحدات أصغر هي :
)1عبد العزيز بركات "،مناهج البحث االعالمي ،األصول النظرية و مهارات التطبيق" ،ط ، 3دار الكتاب الحديث،
القاهرة ، 3233 ،ص ص 131-122
71
البنى الصغرى ) (Microstructureوهي تتمثل في األفكار الفرعية التي تعبر ب-
عنها الفقرات والتي بدورها تشكل األطروحات الفكرية للموضوع الذي يتناوله
الخطاب بأكمله.
وقد يقتصر تحليل الخطاب على الشرح الكيفي المعمق لألطروحات الواردة في الخطاب،
وقد ينحو إلى التوضيح الكمي المفصل.
على خالف تحليل المضمون ،يولي تحليل الخطاب أهمية فائقة للمعاني الضمنية في
الخطاب .إن رصد المعنى الكامن وتحليله يكون من خالل طرح أسئلة تتطلب اإلجابة
عليها ثقافة واسعة عن ظروف الخطاب ،ومعرفة عميقة و منهجية عن موضوع الخطاب،
أسئلة من قبيل:
-ماذا يعني أن هذا الكالم جاء على لسان هذا الشخص بالذات؟
-لماذا جاء هذا الخطاب في هذا التوقيت؟
-لماذا استخدم الخطاب مصطلحات معينة أو مسميات معينة ولم يستخدم أخرى ؟ .....
إن االهتمام بالمعنى الكامن ضمن تحليل الخطاب يقوم على فرضية خالصتها أن تشكيل
مدركات الجمهور المستهدف ال يتم فقط من خالل المعلومات الظاهرة في الخطاب ،وإنما قد
يتم أيضا من خالل األفكار الكامنة والموضوعات والعالقات الضمنية التي يعكسها الخطاب،
ويتم إنتاج الخطاب وصياغته بطريقة معينة بحيث يوجه فهم المتلقي الوجهة التي يريدها منتجو
الخطاب .وبحيث يركز المتلقي ذهنيا على األفكار الضمنية والظاهرة على حد سواء ،وبناء
على ذلك فإن رصد المعاني الضمنية يمكن من معرفة األجندة الحقيقية لمنجي الخطاب.
ويقصد به رصد وتفسير الموضوعات التي لم يتضمنها الخطاب وكان يجب أن يتضمنها ،
فكثي ار ما يتم تحليل الخطاب بالرصد المتزامن/المقارن لثالثة مستويات من الموضوعات :
72
-المستوى األول :الموضوعات التي وردت صراحة في النص /الخطاب
-المستوى الثاني :الموضوعات التي وردت في النص بصورة ضمنية
-المستوى الثالث :الموضوعات التي لم ترد في النص و كان من المفروض أن تكون
موجودة.
وتعتبر هذه الوجهة التحليلية هامة ألن األفكار التي لم ترد في الخطاب يمكن أن تغير معناه
تماما ،وهناك بالفعل الكثير من األشياء التي يتعمد بعض منتجي الخطاب عدم ذكرها بل إنه
من األساليب الدعائية المعروفة (أسلوب التجاهل المتعمد) ومن خالل تحليل الناقص وغير
المتضمن في الخطاب ،يمكن بلورة رؤية نقدية سليمة للخطاب.
يعتبر تحليل حقول الداللة ) (Semantic Fieldsأحد أهم أدوات التحليل المتكامل للمفاهيم
والتصورات .ويقوم هذا المنهج على قاعدة بديهية وهي أن المفهوم يكتسب معناه من خالل
عالقاته بالمفردات أو الكلمات المحيطة به ،وعليه تتم دراسة مفاهيم معينة وردت في الخطاب
من خالل :
73
شبكة المواصفات :يقصد بها كل ما يصف المفهوم المدروس سواء كان هذا -1
الوصف في صورة كلمات أو جمل بما في ذلم الجمل الموصولة والمضاف والخبر
وغيرها من الوظائف النحوية التي تصف المفهوم المدروس بصفات معينة.
شبكة األفعال :وتشمل األفعال التي يقوم بها المفهوم المدروس عندما يكون هذا -2
المفهوم في موقع الفاعل ،كما تشمل األفعال التي تمارس على هذا المفهوم عندما
يكون في موقع المفعول به.
ِ
المعادالت :وهي المفردات التي لها نفس عالقات المفهوم المدروس ،بمعنى شبكة -1
أن لها نفس المفردات المشاركة ونفس المفردات المناقضة.
على العموم ،يقود التوظيف الجيد لتحليل حقول الداللة إلى نتائج تتصف بدرجة عالية من
الدقة و الثراء إذا ت م تطبيقه بطريقة صحيحة ،كما تتيح إمكانية المقارنة بين المفاهيم في
سياقات زمنية ومكانية وموضوعية وبالتالي رصد أوجه التشابه واالختالف ومظاهر التغير
والثبات في المفاهيم المدروسة.
يقصد بتحليل مسار البرهنة رصد وتفسير الحجج والبراهين التي يستخدمها منتج الخطاب في
إثبات أو نفي أو التشكيك في مقوالت أو أفكار أو آراء أو معلومات أو وقائع....إن التعرف
على هذه الحجج واألدلة والبراهين وإبراز داللتها مسألة ضرورية ليس فقط لفهم النص ولكن
أيضا لتفسير أهداف منتج الخطاب واتجاهاته وموقفه وتقييم ذلك وفق معايير موضوعية .
ويكون على المحلل رصد الحجج والبراهين الخاصة بكل أطروحة من األطروحات الواردة
في الخطاب .ومن الطبيعي أن الحجج والبراهين تختلف قوتها ومنطقيتها في اإلثبات أو
النفي لموضوع معين وكذلك في مدى مالءمتها للسياق .
يستخدم تحليل األطر كأداة في تحليل الخطاب عند دراسة المفاهيم والقضايا الواردة فيه.
ويقصد باإلطار المرجعي ) (referentiel frameالحقل المرجعي للمفهوم المدروس ويتكون
هذا الحقل من كل المراجع (االستشهادات واإلحاالت) الموجودة في النص والتي وردت في
سياق تناول مفهوم أو قضية معينة في الخطاب.
-أسماء األشخاص
-أسماء مؤسسات
-أسماء مدن ومناطق جغرافية
-أسماء وثائق ومواد مكتوبة
-أسماء اتفاقيات ومعاهدات
-أسماء حقب وفترات زمنية بطريقة لها داللة للمفهوم المدروس
ويجب عدم الخلط بين المراجع الواردة في الخطاب وبين القوى الفاعلة ،فالمراجع سواء كانت
أشخاص أو مؤسسات أو غيرها إنما وردت في الخطاب على سبيل االستشهاد بها من أجل
التوضيح ،فهي ال تحرك األحداث الحالية التي يعبر عنها الخطاب المدروس ،أما القوى الفاعلة
فهي تقوم بهذا الدور بمعنى أنهل تحرك األحداث الحالية وتؤثر فيها.
75
يقصد بالقوى الفاعلة األشخاص والمؤسسات والحكومات والدول والمنظمات التي تقوم بأفعال
أو تتبنى سياسات وتوجهات معينة.
يتم تحليل القوى الفاعلة في الخطاب من خالل رصد القوى الواردة فيه وتصنيف تلك القوى
إلى مجموعات معينة حسب المعايير المناسبة للدراسة .قد يكون التصنيف :
مع إمكانية إحداث تصنيفات فرعية للقوى الفاعلة داخل كل تقسيم أساسي .ثم يتم رصد موقف
كل قوة وأساليبها وأدواتها وردود أفعالها واألدوار التي تقوم بها وغير ذلك من الجوانب المستهدف
دراستها.
يشيع استخدام تحليل القوى الفاعلة في الخطاب ضمن البحوث التي تستهدف تفسير التحوالت
السياسية في المجتمعات المختلفة بفعل قوى معينة.
/8تحليل السياق
يستخدم مفهوم السياق في تحليل الخطاب بالمعنى المجتمعي ،فالسياق يعني الفترة الزمنية
والمجال المكاني بما فيه من ظروف مجتمعية بمختلف أبعادها كالواقع االجتماعي والسياسي
واالقتصادي والثقافي والفرص والتحديات والصراعات والمصالح المتفقة والمتعارضة ،وكذلك
القوى االجتماعية وأفكارها وأهدافها وأدوارها وأدواتها ووسائلها ...فهذه العوامل وغيرها هي التي
تشكل بيئة الخطاب التي تعرف بالسياق وكثي ار ما يعرف هذا المدخل بالتحليل الثقافي.
يرتكز تحليل السياق على الفهم الكامل للخطاب في إطار الزمان والمكان الذي انتج فيه ،وإذا
كان فهم الخطاب يعني استيعاب موضوعه وأساليبه ولغته ،فإن فهم الزمان والمكان يعني فهم
واقع المجتمع الذي يقصده الخطاب في أثناء الفترة الزمنية التي عاصرها هذا الواقع.
/1تحليل الصورة
76
تحليل الصورة هو الوصف الدقيق الشامل للمادة المرئية المتضمنة في الخطاب المراد تحليله
وتقييم هذه المادة وما تعبر عنه من معان صريحة و دالالت كامنة يمكن االستدالل عليها.
بموجب هذه الرؤية ،يتسع تحليل الصورة بما يتجاوز المعنى التقليدي لمفهوم الصورة ليشمل
مكوناتها وعناصر مرتبطة بها كاللون والضوء والحركة والزوايا والخلفية وأساليب توظيف كل
ذلك في الخطاب ودالالت هذا التوظيف ودوره المحتمل في التأثير على المتلقي .ومنه فإن
للصورة أبعادها في العمق والتفاعل بين مكوناتها وكذلك التفاعل بين مكوناتها ومكونات
الموضوع.
عند تحليل المادة المرئية ،فإن ذلك يعني وصف هذه المادة من حيث:
-المضمون او المحتوى
-عالقتها بالمكونات األخرى في الخطاب
-داللتها للفكرة /األفكار المتضمنة في الخطاب
-كما يهتم تحليل الصورة بمدى توافر معايير معينة في المادة المرئية على سبيل المثال
:طبيعة الزمان والمكان ،المشاهد ،تحليل زوايا التصوير ،حركات الكاميرا ،المالبس،
الموسيقى ،األصوات ،فنيات اإلخراج (التقطيع /التركيب) ...
يدخل ضمن تحليل الصورة مقاربة هامة أخرى هي تحليل "غير اللفظي" في الخطاب،
ويرتكز هذا التحليل على الدالالت والمعاني التي تعكسها تعبيرات الوجه وحركات
اليدين واإلماءات والتأكيد على كلمات ومقاطع معينة ونبرة الصوت ونظرات العينين
وأساليب التعجب واالستفهام واالستنكار ولحظات الصمت وغير ذلك مما تعبر عنه
لغة الجسد .وتظهر اهمية تحليل داللة الرموز غير اللفظية في كونها تكسب الخطاب
معنى مختلف في كثير من األحيان عما هو ظاهر.
/32التحليل األسلوبي
هو أسلوب يخص بالتحديد الدراسات األدبية فيما يسمى بعلم األسلوب اللغوي في علم اللغة
الحديث ،و إذا كانت األسلوبية قد نشأت أساسا كمدخل في النقد األدبي وتُعنى بدراسة النص
77
ووصف طريقة الصياغة والتعبير ،فإن تطبيقها اتسع نطاقه ليشمل داللة طريقة الصياغة
والتعبير عن الفكرة/األفكار التي يتضمنها شكل من أشكال الخطاب .
من أهم تقنيات التحليل األسلوبي األكثر استخداما نجد على سبيل المثال :
من هنا يرصد تحليل الخطاب وجود "التناص" وسياقه في الخطاب وداللته وتفسير ذلك
ليس فقط من منظور اللغة و لكن أيضا من منظور داللته ومعانيه للفكرة أو الموضوع.
بنية التعبير :يقصد بهذا المدخل تحليل استخدام أدوات اللغة في التعبير المتماسك ب-
/المترابط عن الموضوع ككل و الذي يتضمنه الخطاب .ويدخل في هذا اإلطار :
* بنية النص ذاته أي مدى ترابط بنية النص من حيث اشتمالها على خلفية
الموضوع ثم عرض االشكالية المرتبطة به و اآلراء أو الحلول المقترحة لحسم هذه
االشكالية
*كما يدخل في عداد بنية التعبير كافة األساليب اللغوية المستخدمة في النص بما
يجعل وحداته (األفكار و الفقرات) تشكل كال متماسكا ومن أبرز هذه األساليب :
-3التكرار
-3الترادف
78
-1التضاد
-2البدائل /اإلحاالت
-1الحذف
-0الوصل و اإلشارة
-7الربط و العطف
ج -البنية التراتبية :هي المسائل األساسية التي يهتم بها تحليل الخطاب ،وتتخذ التراتبية
مستويات ثالث :
ُيعنى هذا المدخل بكيفية توظيف البالغة اللغوية لخدمة أهداف معينة وإبراز قيم
وموضوعات وجماعات وآراء ومعلومات معينة على حساب أخرى بما يتفق و أهداف
الخطاب .
79
-الفصاحة اللغوية يقصد بها القدرة على التعبير عن المعنى المقصود بكالم فصيح،
ويدخل في عداد الفصاحة اللغوية سالمة التركيب اللغوي ،عدم تنافر الكلمات ،البعد
عن التعقيد المعنوي والبعد عن استعمال الكلمات الغريبة.
-البالغة :بمعنى أن يكون الكالم فصيحا ،غير مبتذل ،وأن يكون مطابقا لمقتضى
الحال .
-األسلوب :هناك أسلوب علمي يخاطب العقل ويستثير الفكر ويشرح الحقائق بوضوح
وسهولة العبارة ،وهناك أسلوب أدبي يخاطب العاطفة والخيال ويناجي الحس والذوق.
أما األسلوب الخطابي فهو يمزج بين االثنين فيستثير المتلقين ويجذب انتباههم ويشده
من خالل استعمال المترادفات واألمثال واختيار األلفاظ البسيطة ذات الرنين القوي.
-البيان :يتم تحليل الخطاب من هذا المنظور من حيث اشتماله على أصول وقواعد
علم البيان والذي يعبر عن المعنى الواحد بطرق يختلف بعضها عن بعض في وضوح
الداللة في المعنى نفسه .يتضمن التحليل في هذا المستوى :
*التشبيه ( صوره و أغراضه)
*المجاز (االستعارات )
*الكناية (مظاهر التلميح و الرمز و بالغة الكنايات المستعملة)
-البديع :يتم تحليل الخطاب من حيث اشتماله على أصول وقواعد علم البديع وهو العلم
الذي يهتم بتزيين األلفاظ والمعاني بألوان بديعية من الجمال اللفظي المعنوي باستخدام
المحسنات اللفظية (الجناس ،االقتباس ،السجع )..والمحسنات المعنوية (التورية ،الطباق ،
المقابلة ،حسن التعليل ،تأكيد المدح بما يشبه الذم وتأكيد الذم بما يشبه المدح.
-المعاني :يتم تحليل الخطاب في هذا المستوى من حيث مجموعة من األساليب اللغوية
التي تؤثر في المعنى .تتمثل هذه األساليب بصفة أساسية في :األسلوب الخبري /اإليجاز /
اإلطناب /األسلوب اإلنشائي /اإلنشاء الطلبي /أسلوب األمر /أسلوب النهي /أسلوب
االستفهام /أسلوب التمني /أسلوب النداء...
80
نماذج في تحليل الخطاب
1
-1نموذج نورمان فيركلوف Normand Faircloughلتحليل الخطاب
81
يرى "نورمان فيركلوف" أن الخطابات المختلفة تشكل وتعيد إنتاج الهويات االجتماعية والعالقات
االجتماعية وتمثل نظم المعرفة واالعتقاد لمستخدمي ذلك الخطاب .بعبارة أخرى تعكس
الممارسة الخطابية في مجتمع معين شبكات أطلق عليها "فيركلوف" تسمية أنظمة الخطاب
وعليها أساس نموذجه التحليلي للخطاب الذي يشير حسبه إلى استخدام اللغة حديثا وكتابة
وكل األنواع األخرى من النشاط العالماتي الذي ينتج معاني مثل الصور المرئية واألصوات
وغيرها.
إن النموذج الذي يقترحه "فيركلوف" لتحليل أي نمط من أنماط الخطاب يستلزم التركيز على
نقطتين أساسيتن هما:
يقوم التحليل النقدي للحدث االتصالي على تحليل العالقات القائمة بين ثالث أبعاد أو مالمح
لذلك الحدث:
أ -النص Textقد تكون النصوص محل التحليل مكتوبة أو شفوية ،وقد تكون النصوص
الشفوية مذاعة فقط عبر الراديو أو مذاعة ومرئية عبر التلفزيون مما يستدعي تحليل
هذه النصوص تحليال متعدد الجوانب لغويا سيميولوجيا .يهتم المحلل في هذا المجال
بالتركيز على االستم اررية والتغيير على سبيل المثال كيف يبدو هذا النص معياريا
بحيث يعكس أنماطا وأشكاال مألوفة ،وكيف يبدو النص إبداعيا بحيث يستخدم مواد
قديمة بطرق جديدة ،وعلى كيفية تفاعل النماذج العالماتية أو السيميولوجية مع اللغة
إلنتاج المعاني المطلوبة وكيف تحدد تلك التفاعالت المبادئ والقواعد الجمالية المختلفة
بالنسبة لوسائل العالم المختلفة.
الخطاب أو ممارسة الخطاب :يتضمن هذا المستوى من التحليل النظر في ب-
عنصرين أساسيين في المقام الخطابي ،أي إنتاج النصوص وتلقيها واستقبالها من
82
طرف الجمهور وتفسير هذا األخير لمجمل النصوص التي تكون الخطاب .وهنا يبدأ
المحلل بالخروج من النص نحو المحيط أو البيئة الخارجية للنص كالتركيز على المتلقي
كمستهلك للنص ومنتج ثان لمعانيه بدراسة ظروف التلقي والمعاني التي يستنبطها
المتلقي.
الممارسة االجتماعية الثقافية :يرى "فيركلوف" أن تحليل هذا البعد من الحدث ت-
االتصالي يمكن ان يتم على مستويات مختلفة من التجريد ،ويمكن تناول الكثير من
جوانب الممارسة االجتماعية الثقافية في التحليل النقدي للخطاب مع التركيز على
الجانب االقتصادي والجاني السياسي (المتعلقين بمسائل القوة وااليديولوجيا) والجانب
الثقافي المتعلق بمسائل القيم والهوية .ويعتقد "فيركلوف" أن ممارسة الخطاب تلعب
دور الوسيط بين البعد النصي والبعد االجتماعي والثقافي كما هو موضح في الشكل
الموالي:
ممارسة الخطاب
النص
83
1
الشكل رقم :1مستويات تحليل األحداث االتصالية عند "نورمان فيركلوف"
ويقع مستوى تحليل الحدث االتصالي وأبعاده المقترح من طرف "فيركلوف" في دائرة اهتمام
العديد من البحوث والدراسات في مجال االعالم واالتصال فنجد منها ما يركز على كيفية
ممارسة الخطاب سواء من حيث إنتاج النصوص المختلفة (القائم باالتصال) أو استهالكها
(دراسات التلقي) ،فنجد منها ما ينطلق من تحليل النص اإلعالمي كبنية مغلقة من الرموز من
حيث األسلوب ،البناء (تحليل المحتويات).
يقصد "فيركلوف" نظام الخطاب الكيفية التركيبية للخطاب من حيث تكوينات األنواع األدبية
والخطابات والتنقالت داخل الخطاب والتغيرات في عالقته بأنظمة الخطاب المجاورة له
اجتماعيا .ويميز هنا بين أنظمة الخطاب العامة المرتبطة بالمجتمع ككل وأنظمة الخطاب
الخاصة التي تميز أشخاصا أو مؤسسات محددة .مع التأكيد على أن العالقة بين المؤسسات
والممارسات الخطابية ليست عالقة بسيطة أو واضحة ،فالمؤسسات المختلفة تتقاسم ممارسات
خطابية مشتركة ويمكن ان تكون ممارسة خطابية معينة موزعة عبر مؤسسات متعددة.
في هذا السياق ،يؤكد "فيركلوف" بأن االعالم يحتل مرك از متوسطا بين نظم الخطاب العامة
ونظم الخطاب الخاصة وأن وسائل االعالم بوجودها في مفترق الطرق تتدخل لتكييف الخطاب
العام من أجل االستهالك المحلي (الخاص) .وهنا يمكن النظر لوسائل االعالم المختلفة
كمجموعة مترابطة من المصادر التي تنتج خطابا عاما يتشكل من أنظمة خطاب خاصة بكل
84
وسيلة على حدة ،فأنظمة الخطاب الخاصة باإلذاعة والتلفزيون والصحافة تتميز كل واحدة عن
األخرى من نواحي مهمة نظ ار الختالف تكنولوجيا االتصال وطبيعته ومتطلبات كل وسيلة إال
أنها تشكل نظام خطاب عام في المجتمع.
ويضرب "فيركلوف" مثاال بالخطاب اإلشهاري الذي تمتد جذوره في أنظمة الخطاب الخاصة
بإنتاج وتوزيع واستهالك السلع والخدمات إال ان اإلشهار أصبح أيضا عنص ار من أنظمة
الخطاب الخاصة بالمؤسسات المختلفة مثل التعليم والطب والفنون ،لذلك يجب أن يهتم تحليل
الخطاب دائما بالعالقات والتفاعالت والتواطؤات بين المؤسسات والمجاالت االجتماعية وأنظمة
الخطاب المتعلقة بها.
1
-2نموذج "توين فان دايك" :Teun Van Dijkالتحليل المنظم للخطاب
اقترح الباحث الهولندي "فان دايك" نموذجا ديناميا ينطلق فيه من النظر للخطاب على انه
سيرورة او فعل اتصالي يكفل دراسة سياقه والمشاركين فيه وخصائصهما االجتماعية
والشخصية فضال عن إنتاجه وتلقيه ،وهو ما يمكن وصفه بالحدث أو الفعل االتصالي .وقد
ربط فان ديك فيها بين الجوانب النحوية والتركيبات اللغوية والسردية واإلدراكية في دراسة النص
باإلضافة إلى استخدام مناهج تحليل الخطاب.2
ويرجع هذا الربط التكاملي بين اللغويات االجتماعية وتحليل الخطاب إلى النشأة األولى لفان
ديك الذي اعتبر حتى السبعينيات من القرن العشرين وقبل تحوله إلى مجال تحليل الخطاب،
واحدا من أبرز الباحثين في مجال التحليل اللغوي االجتماعي ،بل كان فان ديك من أهم
األصوات المطالبة بأن تقوم النظريات النصية وتحليل الخطاب االعالمي باألخذ في االعتبار
85
النصوص ذات الصلة وسياق النص محل الدراسة ،وأن تشمل أيضا تلك النظريات والتحليالت
بعدا كميا للسماح للمحلل باستنتاج خالصة ممثلة للواقع .من هنا دعا فان ديك إلى الجمع بين
المؤشرات لكمية والكيفية في تحليل الخطاب ،كما توسع في تحليل عينات كبيرة نسبيا من
األخبار والمواد االعالمية.1
واتسع مجال أبحاثه في الثمانينيات من القرن العشرين لتشمل التكوينات الخطابية حيث سعى
فان ديك إلى تطبيق منهج منظم لتحليل الخطابات االعالمية مع األخذ في االعتبار مختلف
المستويات واألبعاد التي يجب إخضاعها للتحليل في المواد االعالمية المختلفة ،على سبيل
المثال :التصميم الكلي للمادة المطبوعة ،التعبيرات البيانية ،ارتفاع وانخفاض الصوت عند
الكالم ،المظاهر غير الكالمية ،تركيبات الجمل ،المفردات المختارة ،اآلليات البالغية ،الدالالت
2
اللفظية...
وفي نهاية الثمانينيات ،قدم فان ديك نظرية جديدة تتضمن عدة فروع علمية عن األخبار في
الصحافة ،وتبنى هذه النظرية لوصف وتحليل عملية إعادة إنتاج األفكار المنحازة إثنياً في
وسائل االعالم وسوء استخدام القوة وإعادة إنتاج عدم المساواة من خالل العمليات االيديولوجية
في المجتمع وعبر وسائل االعالم.3
ويهتم فان ديك بصفة أساسية بالتنظيم الشامل للنصوص بما يضمن التشفير المتماسك منطقيا
لكل جزء من النص خاصة الجمل ،فاإلطار األهم لمفهومه للخطاب يرتبط بنظرية شاملة
للعمليات االجتماعية اإلدراكية ،وأساس هذه النظرية هو افتراض اعتماد إنتاج واستقبال
النصوص على النماذج والرسومات الخيالية أو االفتراضية اإلدراكية (الخطاطات) ،schemata
التي يطلق عليها فان ديك مصطلح "البنيات الفوقية" .superstructuresويرى فان ديك أن
هذه النماذج عبارة عن إيديولوجيات فردية وجماعية وتمثل النصوص االعالمية مركز تجمع
86
ووسيلة إظهار هذه النماذج االفتراضية اإلدراكية ،وتمثل هذه النماذج االفتراضية الحلقة المفقودة
بين النص والمجتمع وبين األبنية الخطابية واألبنية االجتماعية .وتخضع هذه األبنية للتأمل
دائما من خالل المساحة البينية بين اإلدراك الشخصي واإلدراك االجتماعي ،وبالتالي يقترب
علم دالالت األلفاظ الخطابية وتطورها من نظريات العقل االجتماعي والنماذج االفتراضية
1
اإلدراكية.
أوال :تحليل بنى نصوص وسائل اال تصال أو البنيات الكلية الموضوعية :تعرف وتصنف
على أساس الموضوع وعلى مستوى دالالت األلفاظ ،وتـ ـُ َـؤسس البنيات الكلية الموضوعية
Topical macro-structuresعلى قدرتنا على اختصار وتلخيص كل أنواع المعلومات – بما
في ذلك المعلومات المعقدة -في مقترحات كلية تعبر عن فكرة Themeأو موضوع النص
كله.
87
ويقوم فان ديك بتعريف ثالث قواعد لعمليات التلخيص هي:
-3البنى الموضعية :تتوزع بنية خطاب وسائل االعالم إلى مستويين أساسين:
أ -البنى الصغرى Micro structureويكون التحليل هنا على مستوى الجملة لغويا أو
على مستوى اللقطة سيميولوجيا ويتم التركيز على البنى النموذجية والمتكررة المستخدمة
في مثل هذا الشكل من الخطاب كما يتضمن هذا المستوى رصد االختالفات الواضحة
في االستخدام بين وسائل االتصال المختلفة.
يؤكد "فان دايك" على أهمية النظر في مسألة االتساق واالنسجام بين البنى ب-
الصغرى المكونة للنص االتصالي وهي مؤشر على االنسجام الداللي على اعتبار أن
معنى النص أكثر من مجموع معاني الجمل المنفردة المكونة له.
البنى الكبرى :التي يعادل مفهومها ما يمكن تسميته موضوع الخطاب Topic ت-
of discourseإذ أن لكل خطاب بالضرورة موضوعه الذي يتحدث عنه وتكتسب أجزاءه
تنظيمها من محاولة التعبير عنه .إن اإلجابة عن السؤال عن أي شيء يدور هذا
الخطاب تستدعي بالضرورة تحديد موضوعه وغرضه وهذه اإلجابة تشير إلى مستوى
داللي كلي.
الخطاطات :للنص االتصالي حسب بنيته ونوعه ،شكل اصطالحي متعارف ث-
عليه وهو ما يسميه "فان دايك" الخطاطة schémaالذي ينظم المحتوى الكلي والتي
88
يمكن ان تعرف بواسطة مجموعة من المقوالت المميزة أو بواسطة مجموعة من القوانين
واالستراتيجيات التي تحدد تنظيم هذه المقوالت .فمنذ العبارة األولى تنشط داخل النص
خطاطة معينة تتغير تبعا لمعايير ثقافية معينة.
وفي ختام حديثه عن تحليل بنى النصوص االتصالية كمستوى أول في عملية تحليل
الخطاب عبر وسائل االتصال ،يضيف "فان دايك" البعد البالغي في التحليل والذي
يجده مؤث ار في كل المستويات حيث تحدث باستمرار عمليات بالغية معينة تجعل
النص أكثر إقناعا وتأثي ار ومن هذه الوسائل البالغية العمليات الفونولوجية مثل القافية
والعمليات التركيبية مثل التوازيات والعمليات الداللية مثل المقارنات واالستعارات
واستخدام التوريات وبعض الكلمات التي توحي بالمغاالة والتضخيم أو العكس للتقليل
من الشأن ....كما يمكن أيضا استخدام األرقام كوسيلة بالغية لإليحاء بالدقة
والموضوعية.
في هذا المستوى من التحليل يتم ربط النص بما يدور خارجه إذ يقترح "فان دايك" تتمة المستوى
األول من التحليل بمستوى تفاعلي آخر يتعامل مع النص كواقعة اتصالية (حدث اتصالي)
ويصف مختلف أطراف العملية االتصالية فيها وسياقها ومؤثراتها المعرفية واالجتماعية.
يقود هذا المستوى من التحليل والفهم الشمولي بالضرورة إلى مقترب متمازج المعارف يستعير
أدوات ونظريات علوم وحقول معرفية متعددة ،كربط النص بصيرورات إنتاجه أو استهالكه
االجتماعية والمؤسساتية وأوضاعه االقتصادية ودوره التاريخي ووظيفته في إنتاج األيديولوجيات
ومن ثم إعطاء الشرعية للسلطة أو المحافظة على الوضع الراهن.
واعتمادا على مفهوم البنيات الكلية والجزئية ،ركز فان ديك في أبحاثه التجريبية على تحليل
الموضوعات والتماسك المنطقي والتركيبات الفكرية ،وأدوار الفاعل ودور وخلفية منتج النص
وبناء على دراسات
ً والمالمح األسلوبية للنصوص ،باإلضافة إلى التركيبات الروائية والجدلية.
89
تجريبية يرى فان ديك أن المقاالت اإلخبارية تبنى وفقا لمخطط إخباري معين يقوم بتحديد
إنتاج واستقبال األنباء ،وفي هذا المخطط تصبح كل فئة جزءاً من تسلسل هرمي عام وتلعب
1
كل فئة دو ار روائيا أو جدليا أو االثنين معا في بناء المقال وتحقيق أهدافه.
وإذا كان نموذج "نورمان فيركلوف" وغيره يؤكدون على تحليل الممارسة االجتماعية والثقافية
واالقتصادية والسياسية كمرجعيات لتحليل سياق الخطاب ،فإن "فان دايك" يقترح االنطالق من
البعد المعرفي الذي بدونه ال يمكن وصف أو تفسير عمليات الفهم وتخصيص المعنى ونقل
المعلومات واإلقناع وإعادة اإلنتاج االديولوجي أو أي جوانب أخرى تحدد االتصال الرمزي عبر
الخطاب.
وإذا كانت كلمة المعرفة تشير إلى خاصية عقلية الكتساب المعرفة الشخصية وتطبيقاتها ،فقد
حاول "فان دايك" إلباس تحليله المعرفي بعدا اجتماعيا ،فهو ال يراه على المستوى الفردي
وبناء عليه ال ينطلق من التعامل مع
ً كمجرد خاصية عقلية ،بل إنه خاصية اجتماعية.
مستخدمي نصوص وسائل االتصال بوصفهم أشخاصا منفردين بل بوصفهم فواعل اجتماعيين
وأعضاء ضمن الجماعة.
إن المنظور المعرفي االجتماعي لتحليل الخطاب ل ـ "فان دايك" يتضمن مزيجا بين تمثيالت
شخصية وعمليات الذاكرة االجتماعية واالنتقال من مستوى الفهم إلى مستوى التأويل عبر
2
المدونات.
النماذج المعرفية paradigmes cognitifs :إن المعارف والمعتقدات وكل ما يتلقاه الفرد من
دايك
عمليات التنشئة االجتماعية من لغة وشفرات وأطر ومدونات وغيرها تعد بنظر "فان ّ
90
تمثيالت عامة تستخدم لفهم المعلومات المقدمة في الخطابات أو األحداث أو األفعال المختلفة.
إلى جانبها يقوم العقل اإلنساني بتطوير نماذج ذاتية ترتبط بالخبرة الشخصية المباشرة لتقدم
تصورات معينة عن أوضاع محددة.
فالنموذج المعرفي هو أداة فهم أساسية لفهم الخطاب وال يتوقف الفرد عند بناء نماذج تمثيالت
عقلية للنص بل وللسياق والمشاركين فيه ونمط األفعال الكالمية أو األفعال االتصالية األخرى
فيه .ومادام الخطاب هو حدث اتصالي بالدرجة األساس ،فإن التمثيالت الذهنية عن النص
تكون في المركز وإلى جانبها كل التمثيالت السياقية عن األحداث االتصالية .ولهذه التمثيالت
دو ار محوريا في عملية تذكر الحدث االتصالي معّ أن عملية االستعادة والتذكر قد ال تكون
صحيحة أو مماثلة لألصل ،بل تكون كموديالت عن الحالة في أذهاننا.
التمثيالت االجتماعية :هذه التمثيالت والعمليات المعرفية ليست مجرد خصائص عقلية ،بل
إن لها جذورها االجتماعية الواضحة .فالذاكرة والمعرفة بنظر "فان دايك" هما ظاهرتان
اجتماعيتان فضال عن كونهما عقليتان إذ بالرغم من أننا نبني نماذج شخصية /ذاتية من
تجاربنا وخبراتنا ،إال أن محتوى هذه النماذج هو محتوى اجتماعي بالضرورة قائم على مجمل
عمليات التبادل والتفاعل االجتماعي والمعارف والمعتقدات والمواقف ومجمل المعارف المشتركة
بين أعضاء الجماعة اإلنسانية.
حاول "فان دايك" من خالل تقديمه لهذا التصور تسليط الضوء على اإلطار المعرفي االجتماعي
الذي تتم فيه عمليات الفهم والمعرفة اإلنسانية عموما وتحليل خطاب وسائل االتصال تحديدا.
فعملية إنتاج النصوص في وسائل االتصال ليست عملية سلبية تقوم بنقل المعاني من مرسل
إلى متلقي بحيادية ،بل إنها منظمة اجتماعيا وايديولوجيا بمجموعة من االستراتيجيات البنائية.
الصحافيون والمعلنون على سبيل المثال ال يقومون بإنتاج نصوصهم (وبالتالي خطابهم)
بحيادية بل بمقاصد محددة تخفي تحتها انحيازات التمثيالت االجتماعية التي تقف تحتها هذا
دون إنكار وجود بعض الفروقات الفردية .وال يتوقف تأثير هذه التمثيالت االجتماعية على
91
عملية اإلنتاج فقط بل يشمل عمليات الفهم والتلقي التي يقوم بها القراء أو المشاهدون
والمستمعون .ويميل "فان دايك" إلى التقليل من أهمية العمل التأويلي الذي يقوم به القارئ،
فالنماذج الشخصية واالختالفات في التمثيالت االجتماعية-المعرفية قد تقود إلى تأويالت
مختلفة للنصوص تبعا للنماذج المختلفة.
على العموم ،إن ما قدمه نموذج "فان دايك" ال ستوقف عند حدود دراسة نتائج وسائل االتصال
وتحليل محتواها ،بل يقدم نموذجا لتفاعالت أكثر تعقيدا لمجمل عالقات الفرد والمجتمع داخل
العملية االتصالية.
يقوم تحليل خطاب وسائل االتصال على التركيز على المعنى المضمر في النصوص أكثر
من بحثه في البيانات اللغوية والمؤشرات اإليقونية السطحية .إن اعتماد تحليل الخطاب كمقاربة
بحثية يستلزم على الباحث االهتمام بالبنى الداللية المضمرة وتوضيح التضمينات ،االفتراضات،
الترابطات واالستراتيجيات التي غالبا ما تبقى مستترة في الخطاب .بعبارة أخرى ،ال بد من
تسليط الضوء على سياقات إنتاج وتلقي النصوص للوصول إلى تحليل متكامل ٍالكان للخطاب.
من جهة أخرى ،نلحظ أن أغلب النماذج التحليلية لخطاب وسائل االتصال (الحديثة منها على
وجه التحديد) تركز على المتلقي كعنصر فعال في عملية بناء معنى النصوص على اعتبار
أن المعنى هو شيء غير ثابت ال يمكن اإلمساك به في النص ،بل إنه حصيلة تفاعل ديناميكي
بين المتلقي والنص.
92
-1التفسير explicationحيث يهتم هذا البعد بالعالقة بين التفاعل والسياق االجتماعي
واالشتراطات االجتماعية لعملية اإلنتاج والتأويل وتأثيراتها االجتماعية.
وعليه ،فتحليل الخطاب هو جزء من نظرية اجتماعية معرفية وبدال من مجرد التفكيك وإعادة
الربط ،يقترب تحليل الخطاب من تفسير كيفية تشكل البنى المختلفة في خطاب وسائل االتصال
وكيف يفهم هذا الخطاب ويمثل في الذاكرة عبر نماذج معرفية دقيقة.1
المراجع األساسية
-ابراقن محمود ،التحليل السيميولوجي للفيلم ،ترجمة أحمد بن مرسلي ب.ط ،ديوان
المطبوعات الجامعية ،الجزائر.3220 ،
-ابرير بشير ،الصورة في الخطاب االعالمي دراسة سيميائية في تفاعل األنساق اللسانية
واإليقونية ،مداخلة في إطار الملتقى الدولي الخامس حول السيمياء والنص األدبي،
جامعة بسكرة
-ابن منظور أبو الفضل جمال الدين محمد ،لسان العرب ،دار المعارف ،القاهرة ،ج
،32مادة [خطب].
-اآلمدي" ،اإلحكام في أصول األحكام " ،ج ،3دار الكتب العلمية ،بيروت .3182
-بركات عبد العزيز" ،مناهج البحث االعالمي :األصول النظرية ومهارات التطبيق" ،
ط ،3دار الكتاب الحديث ،القاهرة .3233 ،
-بركات عبد العزيز"،مناهج البحث االعالمي ،األصول النظرية و مهارات التطبيق"،
ط ، 3دار الكتاب الحديث ،القاهرة .3233 ،
93
-بلخير عمر ،توجهات تحليل الخطاب في الثقافة الغربية ،مجلة فصول ،المجلد ()3/31
العدد ،17خريف .3230
-توين فان ديك ،الخطاب والسلطة ،ترجمة غيداء العلي ،ط ،3المركز القومي للترجمة،
القاهرة.3232 ،
-جمعة صبيحة ،تحليل الخطاب في التراث اللغوي والتفكير اللساني الحديث ،مجلة
فصول ،مصر ،المجلد ( )3/31العدد ،17خريف ،3230ص .132
-الجياللي أحالم ،المنهج السيميائي وتحليل البنية العميقة للنص ،مجلة الموقف األدبي،
العدد ، 101اتحاد الكتاب العرب ،دمشق ،أيلول .3223
-حيمر عبد السالم ،في سوسيولوجيا الخطاب :من سوسيولوجيا التمثالت إلى
سوسيولوجيا الفعل ،الشبكة العربية لألبحاث والنشر.
-ربيعة العربي ،الحد بين النص والخطاب ،في مجلة عالمات ،المغرب ،العدد ،11
،3232
-الزواوي بغورة" ،مفهوم الخطاب في فلسفة ميشيل فوكو" ،ط ، 3المجلس األعلى
للثقافة.3222 ،
في " العربي للقارئ مقدمة الخطاب: "تحليل القادر، عبد -سالمي
29/04/2015 www.diwanalarab.com/spip.php ?article10843تاريخ الولوج
على 32سا
-
شاوش جمال شعبان ،قراءة في سيميولوجيا الصورة السينمائية ،كتاب خاص بالملتقى
الدولي السادس ' السيمياء والنص األدبي ' ،جامعة محمد خيضر بسكرة ،أفريل
.3233
-شمال محمود حسن" ،الصورة و االقناع ،دراسة تحليلية ألثر خطاب الصورة في
اإلقناع" ،ط ،3دار اآلفاق العربية ،القاهرة.3220 ،
-الشيخ علي محفوظ " ،فن الخطابة و إعداد الخطيب" ،دار االعتصام ،السنة غير
موجودة.
94
-الصبيحي محمد األخضر ،مدخل إلى علم لغة النص ،مجاالته وتطبيقه ،ط ،3الدار
العربية للعلوم ،بيروت.3228 ،
-الصكر حاتم ،ترويض النص ،دراسة للتحليل النصي في النقد المعاصر ،إجراءات
ومنهجيات ،سلسلة دراسات أدبية ،الهيئة المصرية للكتاب.3118 ،
-صالح فضل ،بالغة الخطاب وعلم النص ،المجلس الوطني للثقافة والفنون واآلداب،
الكويت ،ع ،302أغسطس .3113
-صليبا جميل" ،المعجم الفلسفي باأللفاظ العربية و الفرنسية و االنجليزية و الالتينية"،
ج ،3الشركة العالمية للكتاب ،بيروت3112 ،
-صورية جغبوب ومريم بوقرة ،الخطاب :مفهومه أنماطه ووظيفته من وجهة نظر
الوظيفية أحمد المتوكل نموذجا ،مجلة تاريخ العلوم ،العدد العاشر ،ديسمبر ،3237
ص ص .303-302
-طنوس جان نعوم ،تحليل الخطاب ،مفاهيم نظرية ونصوص تطبيقية ،ط ،3دار المنهل
اللبناني ،بيروت.3232 ،
-طه عبد الرحمن" ،اللسان و الميزان" ،طبعة المركز الثقافي العربي ،الدار البيضاء،
.3118
-طه عبد العاطي نجم ،مناهج البحث اإلعالمي ،ط ،3دار كلمة للنشر والتوزيع،
اإلسكندرية.3231 ،
-العاقد أحمد ،تحليل الخطاب الصحفي من اللغة إلى السلطة ،ط.3223 ،3
-عبد الهادي بن ظافر الشهري ،استراتيجيات الخطاب :مقاربة لغوية تداولية ،ط ،3دار
كنوز المعرفة للنشر والتوزيع ،عمان.3231 ،
-العربي ربيعة ،الحد بين النص والخطاب ،مجلة عالمات ،العدد 11
-عزام محمد ،فضاء النص الروائي ،مقاربة بنيوية تكوينية في أدب نبيل سليمان،
ط ،3دار الحوار للنشر والتوزيع ،سوريا.3110 ،
95
-عكاشة محمود ،لغة الخطاب السياسي دراسة لغوية تطبيقية في ضوء نظرية
االتصال ،ط ،3دار النشر للجامعات ،مصر ،3221 ،ص . 12على الرابط
اإللكتروني ، www.facebook.com/books4all.net :تاريخ التحميل 3237/20/33
على 31سا
-
عمار عبد الرحمن ،الصورة والرأي العام ،السلطة الخامسة ،دراسة سيميولوجية ،ب.ط،
دار بغدادي للنشر والتوزيع ،الجزائر.3221 ،
-غونتر كريس ،البنى اإليديولوجية في الخطاب ،ترجمة عادل الثامري ،في مجلة
عالمات ،العدد ،3227 ،38المغرب.
-فاركلوف نورمان ،تحليل الخطاب ،التحليل النصي في البحث االجتماعي ،ترجمة
طالل وهبة ،الطبعة األولى ،المنظمة العربية للترجمة ،توزيع مركز دراسات الوحدة
العربية ،بيروت .3221 ،
-فان دايك توين ،الخطاب والسلطة ،ترجمة غيداء العلي ،ط ،3المركز القومي للترجمة،
القاهرة.3232 ،فاوبار محمد"،جدل الصورة و الخطاب" ،في مجلة البحرين الثقافية
،قطاع الثقافة و التراث الوطني ،و ازرة االعالم ،مملكة البحرين ،العدد ،21جويلية
. 3220
-فوكو ميشال" ،إرادة المعرفة" ،ترجمة جورج أبي صالح ،ط ، 3مركز االنماء القومي،
بيروت.3112 ،
-فيركلوف نورمان ،الخطاب والتغيير االجتماعي ،ترجمة محمد عناني ،ط ،3المركز
القومي للترجمة ،القاهرة.3231 ،
-الكفوي أبو البقاء أيوب ،الكليلت ،معجم المصطلحات والفروق اللغوية ،ط ،3دار
األصالة.3111 ،
-لحمداني حميد ،سحر الموضوع ،الدار البيضاء.3112 ،
-لعبيدي منية ،التحليل النقدي للخطاب ،ط ،3دار كنوز المعرفة للنشر والتوزيع ،عمان،
.3230
96
-ماكدونيل ديان" ،مقدمة في نظرية الخطاب" ،ترجمة عز الدين اسماعيل ،ط ،3المكتبة
األكاديمية ،القاهرة.3223 ،
-مانغونو دومنيك ،المصطلحات المفاتيح لتحليل الخطاب ،ترجمة محمد يحياتن ،ط،3
الدار العربية للعلوم ناشرون ،منشورات االختالف ،الجزائر.3228 ،
-المتوكل أحمد ،اللسانيات الوظيفية المقارنة ،دراسة في التنميط والتطوير ،دار األمان،
الرباط.3233 ،
-محمد شومان "،تحليل الخطاب االعالمي :أطر نظرية و مناهج تطبيقية" ،ط ، 3الدار
المصرية اللبنانية ،القاهرة.3227 ،
-محمد مفتاح ،التشابه واالختالف ،نحو منهجية شمولية ،المركز الثقافي العربي،
بيروت-الدار البيضاء.3110 ،
-مريبعي اسمهان ،الرسالة اإلشهارية في التلفزيون الجزائري _ دراسة تحليلية سيميولوجية
لبنية وداللة األفالم اإلشهارية جانفي-ديسمبر ، _3233أطروحة مقدمة لنيل شهادة
الدكتوراه غي علوم اإلعالم واالتصال ،كلية علوم اإلعالم واالتصال ،جامعة الجزائر1
،الجزائر.3231 ،
-مشاقبة بسام عبد الرحمن " ،مناهج البحث االعالمي و تحليل الخطاب" ،دار أسامة،
األردن.3232 ،
-مصدق حسن" ،يورغن هابرماس و مدرسة فرانكفورت ،النظرية النقدية التواصلية"،
ط ،3المركز الثقافي العربي ،المغرب .3221 ،
-يخلف فايزة ،سيميائيات الخطاب والصورة ،ط ، 3دار النهضة العربية ،لبنان ،
.3233
-يورجنسن ماريان ولويز فليبس ،حقل تحليل الخطاب ،ترجمة السيد إمام ،مجلة فصول،
مصر ،المجلد ( ،)3/31العدد ،17خريف .3230
97
- Benveniste Emile, Problèmes de linguistique générale, T2, Gallimard,1974.
- Bonnafous Simone et Temmar Malika, Analyse de discours et sciences
humaines et sociales, ed Ophrys, Paris.
- Bourdieu Pierre, Ce que parler veut dire, l’économie des échanges
linguistiques, Fayard, Paris, 1982.
- C. Bachmann et al, Langage et communications sociales, Hatier,
Paris,1981.
98
- M.Murcia-Celce, Why it makes sense to teach Grammar in context and
through discourse, Hinkel and Fotos, eds. New perspectives on grammar
teaching in second language classrooms, Mahwa, Lawrence Erlbaum, New
Jersey,2002.
99