Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 548

‫ـﺴـ َﻠـﺔ‬

‫ﺳـ ْﻠ ِ‬ ‫ِ‬
‫اﻟ ُﻤ َﻘ َّﺮ َرات‬
‫ْ‬
‫َّ‬
‫اﻟﺘ ْﻌ ِﻠ ِ‬
‫ﻴﻤ َّﻴﺔ‬

‫إﻋﺪاد‬
‫ﺷﺮﻛﺔ إﺛﺮاء اﻟﻤﺘﻮن‬

‫ﻫﺬه اﻟﻨﺴﺨﺔ اﻹﻟﻜﺘﺮوﻧﻴﺔ ﺑﺮﻋﺎﻳﺔ‬


 
 
   

    
   

    
    

‫مسائل أصولية‬
   

‫للكليات الشرعية‬
    
    

‫من التوصيفات األكادميية‬


‫الـزوائد على روضة الناظر‬
     
   
   
   
   
   
 


‫ح شركة إثراء المتون المحدودة ‪1443 ،‬هـ‬
‫فهرسة مكتبة الملك فهد الوطنية أثناء النشر‬
‫شركة إثراء المتون‬
‫الزوائــد علــى روضــة الناظــر ‪ .‬جزئيــن‪ / .‬شــركة إثــراء المتــون‬
‫‪ -‬ط‪ -. .3‬الريــاض ‪١٤٤3 ،‬هـ‬

‫‪   ‬‬


‫‪2‬مج‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ردمك‪( 978-603-٨٣٤٨-٣٠-٧ :‬مجموعة)‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ردمك‪( 978-603-٨٣٤٨-31-4 :‬ج‪)1‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -١‬أصول الفقه ‪ - 2‬الفقه الحنبلي أ‪.‬العنوان‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪١٤٤٣/٦٥٨٥‬‬ ‫ديوي ‪251‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫رقم اإليداع‪١٤٤٣/٦٥٨٥ :‬‬


‫‪    ‬‬

‫ردمك‪( 978-603-٨٣٤٨-٣٠-٧ :‬مجموعة)‬


‫ردمك‪( 978-603-٨٣٤٨-31-4 :‬ج‪)1‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪E‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫لشركة إثراء المتون‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الطبعة السادسة‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪1445‬هـ ‪2023 -‬م‬


‫‪‬‬

‫اآلراء واألفكار المطروحة تمثل وجهة نظر أصحاهبا‬


‫وال يلزم أهنا تمثل رأي الشركة‬
‫شركة إثراء المتون‬
‫المملكة العربية السعودية ‪ -‬الرياض‬
‫جوال‪ + 966503842744 :‬هاتف‪+ 966114452000 :‬‬
‫تويرت‪ithraaSA :‬‬ ‫بريد‪info@ithraa.sa :‬‬
 
 
   

    
   

    
    
   
    
    

‫إعداد‬
     

‫شركة إثراء المتون‬


   
   
   
‫األكادميية للكليات الشرعية‬
‫مسائل أصولية من التوصيفات‬

   


   
 
‫الـزوائد على روضة الناظر‬



‫فريق العمل الرئيس‬

‫اإلعداد العلمي‬

‫أ‪.‬د‪ .‬أحمد بن محمد السراح‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫أ‪.‬د‪ .‬وليـد بـن فهـد الودعـان‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫د‪ .‬رائد بن حسين آل سبيت‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫د‪ .‬محمد بن عبداهلل الطويل‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫د‪ .‬محمد بن إبراهيم الشامي‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫معاذ بن عبدالكريم الجهني‬


‫‪    ‬‬

‫املراجعة العلمية‬
‫‪ ‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬هشام بن محمد السعيد‬ ‫أ‪.‬د‪ .‬عبد السالم بن إبراهيم الحصين‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أ‪.‬د‪ .‬علي بن عبد العزيز المطرودي‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫إدارة املشروع‬
‫‪‬‬

‫د‪.‬عبداهلل بن سليمان السحيم‬ ‫حمد بن عامر البسام‬


‫‪‬‬

‫املشرف على املشروع‬

‫أ‪.‬د‪ .‬عبد العزيز بن إبراهيم الشبل‬


 
 
   

    
   

    
    
   
    
    
     
   
   

v
   
   
   
 


 
 
   

    
   


‫خرائط ذهنية‬
    

‫عن طريق الواتساب‬


    

‫رصد ملحوظات املستفيدين‬


   
    
    
     
   
   
   
   
‫عروض تقديمية‬

‫عن طريق النموذج‬


   
 

‫رصد ملحوظات املستفيدين‬




‫الـمـقـدمــة‬

‫مقدمة‬

‫الحمد هلل رب العالمين‪ ،‬والصالة والسالم على أشرف المرسلين‪ ،‬نب ِّينا محمد‬
‫وعلى آله وصحبه أجمعين‪ ،‬ومن تبع هديه إلى يوم الدين‪...‬‬
‫أما بعد‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫ـن الشـرف والفخـر؛ فالغايـة منـه‬
‫عظيـم القـدر‪ ،‬ب ّي ُ‬
‫ُ‬ ‫علـم‬ ‫ّ‬
‫فـإن علـم أصـول الفقـه ٌ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫معرفـة مراد اهلل ورسـوله ﷺ‪ ،‬يقول شـيخ اإلسلام ابن تيميـة ‪( :$‬إن المقصود من‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫أصـول الفقـه‪ :‬أن يفقـه الـدارس مـراد اهلل ورسـوله بالكتـاب والسـنة)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وهو روح الفقه وأساسه‪ ،‬يقول ابن بدران ‪( :$‬هو قاعدة األحكام الشرعية‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫معاشا ومعا ًدا‪ ...‬والمشتغل بفن‬ ‫ً‬ ‫صالح المكلفين‬


‫ُ‬ ‫وأساس الفتاوى الفرعية التي هبا‬
‫‪   ‬‬

‫الفروع وإن جدّ كل الجد فيه‪ ،‬وكان عار ًيا عن ذلك الفن لم تحصل الثقة بنقله‪ ،‬ولم يدرك‬
‫‪    ‬‬

‫أسرار مسائله؛ ألنه روح أجساد الفروع‪ ،‬وال ُينكِر ذلك إال َمن لم َي ُذق ثمـاره‪ ،‬ولم يقتف‬
‫‪    ‬‬

‫عي أن َيدْ ري استنباط أحكا ٍم لِما تجدّ د من الحوادث‪ ،‬وأنَّى له أن َي ْف َقه‬


‫‪    ‬‬

‫َ‬
‫آثاره‪ ،‬وإال فأين للف ْر ِّ‬
‫مسالك االجتهاد)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ويقول ‪ $‬يف بيان منزلة أصول الفقه‪( :‬اعلم أنه ال يمكن للطالب أن يصير ُمتَف ِّق ًها‬
‫ما لم تكن له دراية باألصول‪ ،‬ولو قرأ الفقه سنين وأعوا ًما‪ ،‬ومن ا ّدعى غير ذلك كان كالمه‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫إما ً‬
‫جهاًل‪ ،‬وإما مكابرة)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ولما كان كتاب (روضة الناظر) البن قدامة ‪ $‬من أبرز مصنفات هذا العلم‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫قدرا؛ لما جمع فيه بين الشمول‪ ،‬ودقة العبارة‪ ،‬واختصارها‪ ،‬واعتماده على‬ ‫وأجلها ً‬
‫أمهات المصنفات األصولية‪ ،‬ال سيما مدونة الغزالي الفريدة‪( :‬المستصفى)‪ ،‬والمصادر‬
‫‪‬‬

‫األصولية الرئيسة للحنابلة؛ كـ (العدة) و(التمهيد)‪ ،‬كل ذلك كان سب ًبا حقيق ًّيا العتماد‬
‫تدريسه للطالب يف الكليات الشرعية يف المملكة العربية السعودية‪.‬‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪.)497/2‬‬


‫((( نزهة الخاطر العاطر شرح روضة الناظر (‪.)12/1‬‬
‫((( المدخل إلى مذهب اإلمام أحمد (ص‪.)489‬‬
‫‪7‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ولما كان توصيف مقرر أصول الفقه الصادر عن الهيئة الوطنية للتقويم واالعتماد‬
‫األكاديمي‪ ،‬والتوصيفات المعتمدة من الكليات الشرعية‪ ،‬قد نصت على مفردات أصولية‬
‫لم يتطرق لها كتاب روضة الناظر‪ ،‬أو اكتفى باإلشارة إليها‪ ،‬وسع ًيا من شركة (إثراء المتون)‬
‫منتجا علم ًّيا موث ًقا‪ ،‬يستويف هذه المفردات؛‬
‫ً‬ ‫يف خدمة العلم وأهله‪ ،‬فقد رأت أن تعد‬
‫متكاماًل مع كتاب الروضة‪ ،‬وقد أسمته‪:‬‬ ‫ً‬ ‫ليكون بين يدي األستاذ والطالب مرج ًعا‬
‫(الزوائد على روضة الناظر)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫والكتاب يهدف لآلتي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -1‬التسهيل على الطالب يف الجامعات الشرعية باقتناء كتاب واحد يضاف لروضة‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الناظر؛ فيكونا مرج ًعا معتمدً ا للطالب يف علم أصول الفقه‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ -2‬توفير الوقت ‪-‬لألساتذة والطلبة‪ -‬الذي يذهب يف اإلمالء أو إعداد المذكرات‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -3‬تقديم مادة علمية مو ّثقة‪ ،‬ومراجعة‪ ،‬ومح ّكمة من لجنة علمية متخصصة من‬
‫‪   ‬‬

‫أساتذة جامعيين يف تخصص أصول الفقه‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -4‬التقريب بين فكرة التمسك بكتب الرتاث واستبدالها بالكتاب الجامعي؛ وذلك‬
‫‪    ‬‬

‫بتقريب كتب الرتاث‪ ،‬وتتميم مباحثها‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫مراحل العمل فـي الكتاب‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫الر َؤى الطموحة للكليات‬ ‫وضعت شركة (إثراء المتون) نصب أعينها تحقيق ُّ‬
‫الشرعية يف جامعات المملكة؛ من التميز العلمي‪ ،‬وتعزيز القدرات المعرفية والمهارية‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫لتقديم نموذج ٍ‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫فريد له خصوصيته‪ ،‬وتم ُّيزه‪ ،‬ورياد ُته يف هذا المجال‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومن أجل تحقيق تلك الغاية أقامت الشركة ورشة عمل‪ ،‬دعت إليها نخبة من‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المتخصصين بأصول الفقه‪ ،‬من أساتذة الجامعات يف المملكة العربية السعودية؛‬


‫الستطالع تصوراهتم حول آليات القيام هبذا المشروع‪ ،‬ورؤيتهم للمالمح والخطوط‬
‫‪‬‬

‫الرئيسة لمنهج العمل‪.‬‬


‫وبعد االنتهاء من ورشة العمل‪ ،‬وعقد لقاءات مك ّثفة من العصف الذهني تحددت‬
‫معالم المشروع الرئيسة‪ ،‬ومناهجه وضوابطه وآليات تطبيقه‪ ،‬واختارت الشركة إلقرار‬
‫المنهج لجنة علمية متخصصة؛ مكونة من عدد من األساتذة الجامعيين‪ ،‬وقد اعتمدت اللجنة‬
‫مشكورة ً‬
‫(دلياًل للكتابة) يلتزم به الباحثون‪ ،‬ويتابع عليه المحكمون قدر الطاقة والوسع؛ رغبة‬
‫يف عدم التفاوت بين الجهود‪ ،‬أو االضطراب يف المنهج‪ ،‬ومن أبرز معالمه ما يأيت‪.‬‬
‫‪8‬‬
‫الـمـقـدمــة‬

‫منهج التأليف‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬معايري حصر املسائل (الزوائد)‪:‬‬
‫‪ -1‬استيفاء المسائل الزوائد على روضة الناظر من توصيف الهيئة الوطنية للتقويم‬
‫واالعتماد األكاديمي‪ ،‬ومن تواصيف مقررات أصول الفقه يف الكليات الشرعية يف المملكة‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫ولو تفردت هبا جامعة أو جامعتان‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -2‬أن تكون المسألة الزائدة لم يتطرق إليها ابن قدامة يف (الروضة)‪ ،‬أو اكتفى‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫باإلشارة إليها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ -3‬أن تكون المسائل الزائدة ليس لها عالقة بالجانب المهاري التطبيقي؛ اعتما ًدا‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫على إلحاقها بمؤلف آخر خاص بالجانب المهاري‪ ،‬وكذا أال تكون داخلة تحت المهارات‬
‫‪   ‬‬

‫اإلدراكية‪ ،‬باعتبارها نتيجة يصل لها الطالب بنهاية أخذه للمقرر‪ ،‬ولصعوبة قياسها تربو ًّيا‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬مصادر املسائل (الزوائد)‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -1‬االعتماد يف جميع عناصر المسألة على كتب أصول الفقه يف المذهب الحنبلي؛‬
‫خاصة مصادر (الروضة)؛ كـ‪( :‬العدة) و (التمهيد) ‪ ،‬أو الكتب التي استفادت من (الروضة)؛‬
‫‪ ‬‬

‫كـ‪( :‬شرح الطويف) و(المسودة) و(التحبير) و(شرح الكوكب المنير)‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون الخروج عن تلك المصنفات التي سبق اإلشارة إليها عند الحاجة‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪-‬كما يف توثيق أقوال وأدلة المذاهب األخرى‪ ،‬وكذلك عند النقول المتميزة التي لم‬
‫‪ ‬‬

‫يوجد مثلها عند الحنابلة‪ -‬وذلك للمحافظة على روح الكتاب الحنبلية‪ ،‬ولعدم اضطراب‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الطالب يف المسائل األصولية المرتبطة ببعضها‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬منهج التوثيق‪:‬‬


‫يكون التوثيق إجمال ًّيا يف آخر المسألة؛ بحيث يوضع عنوان‪( :‬أهم المراجع)‪،‬‬
‫وذلك بذكر المراجع التي اعت ُِمد عليها‪ ،‬ويشمل اإلشارة إلى طائفة من الكتب والبحوث‬
‫المحكمة التي تناولت المسألة‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫راب ًعا‪ :‬ضوابط العرض والصياغة‪:‬‬


‫تنقسم المسائل التي أوردت يف هذا المشروع إلى قسمين‪ :‬مسائل خالفية‪ ،‬ومسائل‬
‫غير خالفية‪ ،‬وكالهما يشرتكان يف بعض معايير العرض والصياغة‪ ،‬وتنفرد المسائل‬
‫الخالفية بمعايير زائدة عليها‪ ،‬وفيما يأيت بياهنا‪:‬‬
‫المعايير المشتركة بين مسائل الكتاب‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وتشمل المعايير العامة التي اشتركت فيها المسائل الخالفية‪ ،‬والمسائل غير‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الخالفية‪ ،‬وأهمها‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫• الدمج يف المسألة الواحدة بين الصياغة العصرية التعليمية الواضحة‪ ،‬ونقل‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫النصوص المتميزة يف المسألة األصولية؛ رغبة يف تقريب علم األصول‪ ،‬مع عدم تفويت‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والتعرف عليها‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫مهارة الرجوع إلى المصادر‬
‫‪   ‬‬

‫• تجنُّب األلفاظ الغريبة إال عند الضرورة‪ ،‬ومراعاة بيان المراد هبا إن ُوجدت‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مختصرا يف الهامش‪.‬‬
‫ً‬ ‫شرحا‬
‫وشرحها ً‬
‫‪    ‬‬

‫• التعريف بالمصطلحات األصولية والفقهية يف بدايات المسائل‪.‬‬


‫• مراعاة الضبط اللغوي واإلمالئي لمحتوى الكتاب‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫سهل على الطالب ربط المادة العلمية بعناوين محكمة‪،‬‬


‫• َعن َْونَة الفقرات بشكل ُي ِّ‬
‫‪   ‬‬

‫مع عدم تطويل الفقرات‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫• تطعيم الكتاب بالنقل عن المصادر األصولية عند الحاجة إليه‪ ،‬ومن مواطن‬
‫‪ ‬‬

‫الحاجة ما يأيت‪:‬‬
‫‪‬‬

‫أ‪ -‬توثيق سبب الخالف‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ب‪ -‬بعض فقرات تحرير محل النزاع؛ كنقل اإلجماع ونحوه‪.‬‬


‫ج‪ -‬التعاريف‪.‬‬
‫د‪ -‬األبيات الشعرية‪.‬‬
‫• تجنُّب التكرار يف طرح المادة العلمية؛ باإلحالة على المسألة الرئيسة إن اشرتكت‬
‫مع غيرها من المسائل يف بعض العناصر‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫الـمـقـدمــة‬

‫المعايير الخاصة بالمسائل الخالفية‪:‬‬


‫أسلوب‬
‫ٌ‬ ‫والمراد هبا المسائل التي وقع فيها الخالف بين األصوليين‪ ،‬وقد ا ُّتبِع فيها‬
‫مطر ٌد يف العرض والصياغة‪ ،‬وفق المعايير اآلتية‪:‬‬
‫• تصوير المسألة‪ :‬وفيها ُتعرض المسألة بشكل إجمالي ليتصورها الطالب‪ ،‬ويعلم‬
‫ما هو بصدد دراسته‪.‬‬
‫• تحرير محل النزاع‪ :‬وفيه يبين محل االتفاق واالختالف بين األصوليين يف‬

‫‪   ‬‬


‫المسألة؛ ليضع القارئ يديه على محل الخالف‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫• حكاية األقوال وعزوها‪ :‬وفيه ُتسرد األقوال المختلفة لألصوليين يف المسألة‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫متتالية‪ ،‬مع تقديم مشهور المذهب الحنبلي‪ ،‬وعزو كل قول ألبرز القائلين به‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫أصحاب‬
‫ُ‬ ‫• عرض أدلة األقوال ومناقشتها‪ :‬حيث ُتعرض أبرز األدلة التي استدل هبا‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫كل قول‪ ،‬مع إيراد المناقشة المؤ ِّثرة التي وردت عليه إن وجدت‪ ،‬مع جواب ذلك اإليراد‬
‫‪   ‬‬

‫إن كان قو ًّيا وله وجهه‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقد اتبع يف ترتيبها طريقة ابن قدامة؛ من تقديم أدلة مشهور المذهب الحنبلي‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وس ْوق المناقشات عليها‪ ،‬واإلجابة عنها‪ ،‬ثم تذكر أدلة األقوال األخرى ومناقشتها‪.‬‬ ‫َ‬
‫لفظي أو خالف‬‫ٌّ‬ ‫• نوع الخالف وثمرته‪ :‬ويذكر فيه نوع الخالف‪ ،‬وهل هو خالف‬
‫‪ ‬‬

‫معنوي‪ ،‬وإن كان معنو ًّيا يذكر ثمرة الخالف باختصار‪ ،‬بذكر الفروع الفقهية المتأثرة‬ ‫ٌّ‬
‫باألصل الفقهي المختلف فيه‪ ،‬ولو لم يستقل األصل بالتأثير فيها‪ ،‬وقد تذكر بعض‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫المسائل األصولية المتأثرة كذلك‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫وظاهرا‪ ،‬وإال فال ُيذكر سبب الخالف‪.‬‬‫ً‬ ‫مشهورا‬


‫ً‬ ‫• ِذكْر سبب الخالف يف المسألة‪ :‬إن كان‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫• عدم إضافة فقرة للترجيح‪ ،‬أو حكاية المعتمد‪ ،‬أو المشهور يف مذهب الحنابلة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أما الترجيح‪:‬‬
‫فلتفاوت نظر المدرسين للكتاب‪ ،‬وكذا الباحثين والمحكمين له‪ ،‬وتقييدُ هم بما‬
‫ذكر من الرتجيح قد يكون فيه مصادرة على آرائهم‪.‬‬
‫أما حكاية المعتمد من المذهب‪:‬‬
‫فألن حكاية المعتمد يف األصول عسير‪ ،‬ومحل نظر كذلك؛ الختالف طبيعة‬

‫‪11‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫المسألة األصولية عن المسألة الفقهية‪.‬‬


‫أما حكاية المشهور من المذهب‪:‬‬
‫فلالستغناء عنه بما اعتمدناه يف سياق األدلة والمناقشات على طريقة ابن قدامة‬
‫يف حكاية القول واالستدالل له؛ من تقديم رأيه وما يميل إليه‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬القراءات اإلثرائية‪:‬‬


‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫أضيف يف ثنايا الكتاب بعض القراءات اإلثرائية لعدد من األغراض‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪-‬إيراد النقول المتميزة التي ال تنطبق عليها بعض معايير النقل السابقة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪-‬التفصيل والتوضيح عند طول المادة العلمية وتشعبها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وقد زيدت القراءات اإلثرائية لمسائل االجتهاد والتقليد؛ حيث كانت المفردات‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الزوائد يف المقرر أكثر مما تناوله ابن قدامة يف الروضة‪ ،‬ورغب ًة يف تأهيل الطالب للدراسات‬
‫‪   ‬‬

‫العليا؛ حيث كان آخر مقررات األصول يف الكليات الشرعية لمرحلة البكالوريوس‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫سادسا‪َ :‬ع ْن َو َن ُة املسائل الزوائد وترتي ُبها‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫‪-‬اعتُمد يف عنونة المسألة الزائدة اعتبار السياق األتم يف توصيف الجامعات‪،‬‬


‫مع التصرف البسيط عند الحاجة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪-‬أما ترتيب المسائل وتقسيم الكتاب فقد جرى على وفق ترتيب كتاب (روضة‬
‫الناظر) البن قدامة وتقسيمه(((؛ وذلك الرتباط الكليات الشرعية بالكتاب األصل‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والختالف ترتيب التوصيفات األكاديمية للمسائل الزوائد‪ ،‬فأصبح ترتيب الكتاب‬


‫‪ ‬‬

‫على النحو اآليت‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫مدخل إلى أصول الفقه‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الباب األول‪ :‬الحكم الشرعي‪.‬‬


‫واالستصحاب)‪.‬‬
‫ُ‬ ‫واإلجماع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والسنةُ‪،‬‬
‫(الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الباب ال َّثاين‪ :‬تفصيل األُصول‬
‫ِ‬
‫الباب ال َّثالث‪ :‬بيان األصول المختلف َ‬
‫فيها‪.‬‬

‫((( بعض المسائل لم يتطرق لها ابن قدامة‪ ،‬فالت ُِم َس لها الموضعُ المناسب‪ ،‬مع االستئناس برتتيب توصيفات‬
‫المقررات‪ ،‬مثل‪ :‬تقسيمات األدلة‪ ،‬وحروف المعاين‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫‪12‬‬
‫الـمـقـدمــة‬

‫الرابع‪ :‬تقاسيم األسماء‪.‬‬ ‫الباب َّ‬


‫الباب الخامس‪ :‬األمر‪ ،‬والنَّهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬والخصوص‪ ،‬والمفاهيم‪.‬‬
‫السادس‪ :‬القياس وقوادحه‪.‬‬ ‫الباب َّ‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‪.‬‬
‫الباب َّ‬
‫الباب ال َّثامن‪ :‬التعارض والترجيح‪.‬‬
‫مكم ٌل لمقرر تعليمي للطلبة الجامعيين يف الكليات الشرعية‪،‬‬ ‫وبعد‪ ،‬فهذا الكتاب ِّ‬

‫‪   ‬‬


‫ومن طبيعة المقررات التعليمية التحديث والتطوير‪ ،‬وقد عزمت الشركة على تطوير‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الكتاب ورافدها األهم يف ذلك هو ملحوظات القراء؛ من أساتذة وطالب‪ ،‬فنلتمس‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫من القارئ الكريم أن يمدنا بملحوظاته وتصويباته عرب وسائل التواصل المثبتة‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يف أول الكتاب‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وآخرا على فضله‪ ،‬ومنته‪ ،‬وتيسيره‬


‫ً‬ ‫وختاما‪ :‬فإن الشركة لتشكر اهلل عز وجل ً‬
‫أواًل‬ ‫ً‬
‫‪   ‬‬

‫إتمام هذا العمل‪ ،‬والشكر بعد شكر اهلل موصول ألصحاب الفضيلة الذين أعدوا هذا‬
‫‪    ‬‬

‫كثيرا‪ ،‬فأجزل اهلل للجميع األجر والمثوبة‪.‬‬ ‫العمل‪ ،‬وح َّكموه‪ ،‬وبذلوا فيه جهدً ا ً‬
‫نفيسا‪ ،‬ووقتًا ً‬
‫‪    ‬‬

‫وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد‪ ،‬وعلى آله وصحبه وسلم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪13‬‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫مبادئ علم أصول الفقه‬

‫علم من العلوم أن ُيحيط بحقيقته ومبادئه قبل‬‫ينبغي على كل من أراد دراسة ٍ‬


‫اقتناصه‪.‬‬
‫ُ‬ ‫الخوض فيه؛ ليكون على دراية بمدارك هذا العلم‪ ،‬وليسهل عليه‬
‫قال الجويني‪( :‬حق على كل من يحاول الخوض يف فن من فنون العلوم‪ ،‬أن يحيط‬

‫‪   ‬‬


‫بالمقصود منه‪ ،‬وبالمواد التي منها يستمد ذلك الفن‪ ،‬وبحقيقته‪ ،‬وفنِّه‪ ،‬وحدِّ ه)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وقال الزركشي‪( :‬يجب على كل طالب علم أن يعلم ما الغرض منه‪ ،‬وما هو‪ ،‬ومن‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حصل؟ حتى يتمكن له الطلب ويسهل)(((‪.‬‬‫أين‪ ،‬وفيم‪ ،‬وكيف ُي َّ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫بعضا من مبادئ أصول الفقه‪ ،‬وهي‪ :‬حدُّ ه‪ ،‬والفرق بينه وبين‬
‫وقد تناول ابن قدامة ً‬
‫‪    ‬‬

‫الفقه‪ ،‬وموضوعه‪ ،‬والغاية منه(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫عرض ألهم المبادئ التي لم يتطرق إليها ابن قدامة‪ ،‬وهي (استمداده‪ ،‬وحكمه)‪:‬‬
‫وفيما يأتي ْ‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫أواًل‪ :‬استمداده‪:‬‬
‫ُ‬
‫أصول الفقه ما َّد َته من ثالثة علوم (التوحيد ‪ -‬العربية ‪ -‬األحكام)‪:‬‬ ‫ي ِ‬
‫ستمدُّ‬ ‫َ‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -1‬التوحيد‪:‬‬
‫ووجه استمداد أصول الفقه ما َّد َته من علم التوحيد أن من أهم مباحث األصول‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫األدلة‪ ،‬وهي‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وحجية هذه األدلة متوقفة‬
‫‪ ‬‬

‫وصدْ ِق رسوله ﷺ‬ ‫على ثبوت أهنا من عند اهلل‪ ،‬وهذا متوقف على معرفة اهلل وتوحيده‪ِ ،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫فيما أخرب به عنه‪ ،‬وموضع هذا علم التوحيد‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -2‬علوم اللغة العربية‪:‬‬


‫ووجه استمداد علم أصول الفقه من علوم اللغة أن من أهم مباحث األصول‪:‬‬
‫(دالالت ألفاظ الكتاب والسنة)‪ ،‬مثل‪ :‬األمر‪ ،‬والنهي‪ ،‬والعام‪ ،‬والخاص‪ ،‬والمطلق‪،‬‬

‫((( الربهان (‪.)7/1‬‬


‫((( البحر المحيط (‪.)44/1‬‬
‫((( روضة الناظر (‪.)3-2/1‬‬
‫‪17‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫والمقيد‪ ،‬واالقتضاء‪ ،‬واإليماء‪ ،‬والحقيقة‪ ،‬والمجاز‪ ،‬وغيرها‪ ،‬وكل ذلك متوقف على‬
‫النبي ﷺ بلساهنم‪ ،‬وهم أهل العربية‪،‬‬ ‫َّ‬ ‫ُِ َ ِ ِ‬
‫ُعرف أهل اللسان الذين نزل القرآن بلغتهم‪ ،‬وتكلم ُّ‬
‫فاستقراء كالمهم ومعرفة أساليبهم‪ ،‬يتوقف عليه فهم الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪ -3‬األحكام الشرعية‪:‬‬
‫ووجه استمداد علم أصول الفقه من األحكام الشرعية‪ ،‬أن غاية األصول هو إثبات‬
‫األحكام الشرعية أو نفيها باألدلة والدالالت‪ ،‬ويلزم من ذلك معرفة مجمل األحكام‬

‫‪   ‬‬


‫الشرعية؛ لتُتصور المسائل‪ ،‬وتتضح الشواهد واألمثلة‪ ،‬ومثاله‪ :‬أن يتصور عند دراسة أن‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫األمر للوجوب معنى الوجوب وهكذا‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫قال اآلمدي‪( :‬وأما األحكام الشرعية‪ ،‬فمن جهة أن الناظر يف هذا العلم إنما ينظر يف‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫عالما بحقائق األحكام ليتصور القصد إلى إثباهتا‬
‫‪   ‬‬ ‫أدلة األحكام الشرعية‪ ،‬فال بد أن يكون ً‬
‫‪    ‬‬

‫ونفيها‪ ،‬وأن يتمكن بذلك من إيضاح المسائل بضرب األمثلة وكثرة الشواهد‪ ،‬ويتأهل‬
‫‪   ‬‬

‫بالبحث فيها للنظر واالستدالل‪ ،‬وال نقول‪ :‬إن استمداده من وجود هذه األحكام ونفيها يف‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫آحاد المسائل‪ .‬فإهنا من هذه الجهة ال ثبت لها بغير أدلتها‪ ،‬فلو توقفت األدلة على معرفتها‬
‫‪    ‬‬

‫دورا ممتن ًعا)(((‪.‬‬


‫من هذه الجهة كان ً‬
‫ثان ًيا‪ :‬حكم تعلم أصول الفقه‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫األصل يف تعلم أصول الفقه أنه فرض كفاية على األمة‪ ،‬إذا قام به بعض من‬
‫‪   ‬‬

‫يكفي سقط اإلثم عن اآلخرين‪ ،‬غير أن تعلمه يكون فرض عين على من أراد االجتهاد‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫والفتوى؛ وذلك ألجل أن ُيحيط بأدلة األحكام‪ ،‬ويعرف كيفية االستدالل هبا‪ ،‬ويسلم‬
‫من الخطأ والتناقض‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الربهان (‪.)84/1‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)28/1‬‬
‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)21/1‬‬
‫‪ -‬علم أصول الفقه حقيقته ومكانته وتارخيه ومادته (ص‪.)115‬‬

‫((( انظر‪ :‬اإلحكام يف أصول األحكام لآلمدي (‪.)8/1‬‬


‫‪18‬‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫نشأة علم أصول الفقه‬

‫يعترب علم أصول الفقه ‪-‬من حيث هو قواعد وأصول لالستنباط والفهم‪ -‬موجو ًدا‬
‫منذ عهد النبوة‪.‬‬
‫فقد كان القرآن يوحى إلى النبي ﷺ‪ ،‬وهو المصدر األول لألحكام‪ ،‬والنبي ﷺ‬

‫‪   ‬‬


‫ُيرشد أصحابه بقوله‪ ،‬وفعله‪ ،‬وتقريره‪ ،‬وهذا المصدر الثاين‪ ،‬وكذلك كان النبي ﷺ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫يقيس األحكام وهذا مصدر ثالث لألحكام‪ ،‬ومن ذلك حديث عبد اهلل بن عباس ﭭ‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫قال‪ :‬جاء رجل إلى النبي ﷺ‪ ،‬فقال‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬إن أمي ماتت وعليها صوم شهر‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫دين‪ ،‬أكنت قاضيه؟» قال‪ :‬نعم‪ ،‬قال‪« :‬فدَ ْين اهلل‬
‫‪   ‬‬ ‫أفأقضيه عنها؟ فقال‪« :‬لو كان على أمك ٌ‬
‫‪    ‬‬

‫ُّ‬
‫أحق أن ُيقضى»(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫وكان ﷺ يجتهد برأيه‪ ،‬ويوجه أصحابه إلى االجتهاد يف األحكام التي لم ينزل‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بشأهنا الوحي‪ ،‬ويدل على ذلك ما جاء عن عمرو بن ميمون ْاأْلَ ْو ِد ِّي‪ ،‬قال‪« :‬اثنتان فعلهما‬
‫‪    ‬‬

‫رسول اهلل ﷺ لم يؤمر فيهما بشيء‪ :‬إذنه للمنافقين‪ ،‬وأخذه من ْاأْلُ َس َارى‪ ،‬فأنزل اهلل‪:‬‬
‫﴿ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ و‪﴿ :‬ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾» (((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومن النصوص التأصيلية يف هذه المرحلة أن النبي ﷺ لما بعث معاذ بن جبل إلى‬
‫اليمن قال له‪« :‬كيف تقضي؟» قال‪ :‬أقضي بكتاب اهلل‪ .‬قال‪« :‬فإن لم يكن يف كتاب اهلل؟»‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫قال‪ :‬فبسنة رسول اهلل ﷺ‪ .‬قال‪« :‬فإن لم يكن يف سنة رسول اهلل ﷺ؟»‪ .‬قال‪ :‬أجتهد رأيي‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ِ‬
‫رسول اهلل»(((‪ ،‬فهذا النص مرتب‬ ‫قال‪ :‬فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬الحمد هلل الذي و ّفق رسول‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫لألدلة الشرعية‪ ،‬وفيه تصريح بجواز االجتهاد الذي من ضروبه القياس وغيره‪.‬‬
‫‪‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1953‬ومسلم (‪.)1148‬‬


‫((( أخرجه عبد الرزاق يف المصنف (‪ ،)9403‬وسعيد بن منصور يف التفسير من سننه (‪ ،)1017‬وابن جرير يف التفسير‬
‫(‪.)479/11‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)3592‬والرتمذي (‪ ،)1327‬وأحمد (‪ ،)22007‬وأعله باإلرسال‪ :‬البخاري‪ ،‬والعقيلي‪،‬‬
‫والرتمذي‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬وغيرهم‪ .‬انظر‪ :‬التاريخ الكبير للبخاري (‪ ،)277/2‬والضعفاء للعقيلي (‪،)215/1‬‬
‫وعلل الدارقطني (‪ ،)89-88/6‬وقد نحا جماعة من العلماء إلى قبول الحديث؛ اعتما ًدا على اشتهار‬
‫العمل به‪ ،‬قال الخطيب البغدادي يف الفقيه والمتفقه (‪( :)473-472/1‬على أن أهل العلم قد تقبلوه =‬
‫‪19‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وقد كان عهد الصحابة ﭫ امتدا ًدا لعهده ﷺ يف العمل بقواعد األحكام‪ ،‬وأصول‬
‫االستنباط‪ ،‬فكانت النازلة إذا نزلت هبم طلبوا لها الحكم من كتاب اهلل‪ ،‬وسنَّة نب ِّيه ﷺ‪ ،‬فإن‬
‫لم يجدوا فيهما الحكم اجتهدوا‪ ،‬وقد يكون اجتهادهم بالقياس‪ ،‬ومن ذلك قياس أبي بكر‬
‫الصديق ﭬ حين قال‪( :‬واهلل ألقاتلن من فرق بين الصالة والزكاة؛ فإن الزكاة حق‬
‫المال)(((‪ ،‬فقاس تارك الزكاة على تارك الصالة؛ القرتاهنما يف كتاب اهلل ‪.۵‬‬
‫وما جاء أن غال ًما ُقتِ َل ِغي َلةً‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب ﭬ‪( :‬لو اشرتك فيها أهل‬

‫‪   ‬‬


‫صنعاء لقتلتهم)(((‪ ،‬فقاس قتل الجماعة على الواحد يف القتل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وعن عبد الرحمن بن عبد القاري‪ ،‬قال ‪ :‬خرجت مع عمر بن الخطاب ﭬ ‪ ،‬ليلة‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫يف رمضان إلى المسجد ‪ ،‬فإذا الناس َأ ْو َز ٌ‬

‫‪   ‬‬


‫اع متفرقون؛ يصلي الرجل لنفسه ‪ ،‬ويصلي الرجل‬
‫‪    ‬‬
‫الر ْه ُط ‪ ،‬فقال عمر ‪( :‬إين أرى لو جمعت هؤالء على قارئ واحد ‪ ،‬لكان‬ ‫فيصلي بصالته َّ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أمثل) ثم عزم ‪ ،‬فجمعهم على ُأ َب ّي بن كعب(((‪ .‬فجمع عمر الناس على إمام واحد يف‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫صالة الرتاويح؛ الجتماع الكلمة ودرء الفرقة‪ ،‬وقد يكون اجتهادهم بغير ذلك من األدلة؛‬
‫‪    ‬‬

‫كاإلجماع‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬واالستحسان‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومن نصوصهم التأصيلية يف ذلك ما جاء يف كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى‬
‫األشعري ﭭ‪ ،‬وفيه‪ ...( :‬الفهم الفهم فيما ينخلج يف صدرك ‪-‬وربما قال‪ :‬يف نفسك‪-‬‬
‫‪ ‬‬

‫ويشكل عليك ما لم ينزل يف الكتاب ولم تجر به سنة‪ ،‬واعرف األشباه واألمثال‪ ،‬ثم قِ ِ‬
‫س‬
‫ْاأْلمور بعضها ببعض‪ ،‬وانظر أقرهبا إلى اهلل‪ ،‬وأشبهها بالحق فاتبعه)(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثم جاء التابعون من بعدهم وكانوا على سنة من مضى‪ ،‬باألخذ بالقواعد واألصول‬
‫‪ ‬‬

‫يف الفهم واالستنباط‪ ،‬فقد كانوا يرجعون إلى كتاب اهلل‪ ،‬وسنة نبيه ﷺ‪ ،‬فإن لم يجدوا‬
‫‪‬‬

‫أخذوا باجتهاد الصحابة‪ ،‬فإن لم يجدوا اجتهدوا يف استنباط األحكام‪.‬‬


‫‪‬‬

‫واحتجوا به‪ ،‬فوقفنا بذلك على صحته عندهم ‪ ...‬وإن كانت هذه األحاديث ال تثبت من جهة ِ‬
‫اإلسناد‪ ،‬لكن لما‬ ‫=‬
‫تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب اإلسناد لها)‪ .‬وانظر‪ :‬أعالم الموقعين (‪.)155/1‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7284‬ومسلم (‪ ،)20‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6896‬عن ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)2010‬‬
‫((( أخرجه الدارقطني يف سننه (‪ ،)4471‬والبيهقي يف الكربى (‪ ،)20373‬والخطيب يف الفقيه والمتفقه (‪،)492/1‬‬
‫واللفظ له‪.‬‬
‫‪20‬‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫وقد ظهر يف عهد التابعين مدرستا أهل الحديث بالمدينة النبوية‪ ،‬وأهل الرأي‬
‫بالكوفة‪ ،‬وكانت كلتا المدرستين تأخذ بكتاب اهلل وسنة نبيه ﷺ‪ ،‬غير أن أهل الحديث‬
‫كانوا بالمدينة فكانت األحاديث واآلثار متوافرة فق َّلت حاجتهم إلى االجتهاد بالرأي‪ ،‬وأما‬
‫أهل الرأي فقد كانوا بالكوفة‪ ،‬ولم تكن األحاديث واآلثار متوافرة كما عند فقهاء المدينة‪،‬‬
‫الوضاعين الذين يضعون الحديث على النبي ﷺ؛ ولذلك لجئوا إلى‬ ‫فضاًل عن ظهور َّ‬ ‫ً‬
‫االجتهاد بالرأي‪ ،‬وكثرة القياس‪ ،‬والبحث عن العلل والمعاين‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ثم جاء بعد ذلك عهد أتباع التابعين واألئمة األربعة‪ ،‬وقد كثر يف هذا العهد‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫االختالف‪ ،‬وتشعبت العلوم‪ ،‬ودخلت العلوم اليونانية إلى بالد المسلمين‪ ،‬وبدأت العجمة‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫تظهر فيها؛ لذلك اتجه األئمة إلى التدوين والكتابة‪ ،‬وبيان القواعد واألصول التي كانت‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫معروفة يف أذهان العلماء‪ ،‬فاتجه أصحاب كل علم إلى حفظ علمهم وبيانه‪ ،‬ولم يكن‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ٍّ‬
‫مستقل يف أصول‬ ‫أصول الفقه بد ًعا عن تلك العلوم؛ حيث أ َّلف اإلمام الشافعي أول كتاب‬
‫‪   ‬‬

‫الفقه‪ ،‬وهو (الرسالة)‪ ،‬وب َّين يف رسالته جملة من مسائل علم أصول الفقه‪ ،‬منها‪ :‬البيان‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫واإلجماع‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬والقياس‪ ،‬وبعض مسائل العام والخاص‪ ،‬والناسخ والمنسوخ‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وبعد ذلك العهد بادر علماء المذاهب إلى التصنيف يف أصول الفقه‪ ،‬واختلف‬
‫التأليف فيه على منهجين‪ ،‬وهو ما سيتضح فيما يلي من خالل موضوع‪ :‬مناهج التأليف يف‬
‫‪ ‬‬

‫علم أصول الفقه‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬علم أصول الفقه حقيقته ومكانته وتارخيه ومادته (ص‪.)127‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه ‪ -‬تارخيه ورجاله (ص‪.)20‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه ‪ -‬النشأة والتطور (ص‪.)70-17‬‬
‫‪ -‬الفكر األصولي (ص‪.)20‬‬

‫‪21‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مناهج التأليف فـي علم أصول الفقه‬

‫تنقسم مناهج التأليف يف أصول الفقه إلى منهجين‪ ،‬هما‪:‬‬


‫منهج المتكلمين‪ ،‬ومنهج الفقهاء‪.‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬منهج املتكلمني‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫نُسب هذا المنهج إلى المتكلمين ألن المؤلفين هنجوا فيه منهج علماء الكالم يف‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫البحث والتصنيف‪ ،‬من حيث العناية بتقرير القواعد واألصول بناء على األدلة‪ ،‬ولم يكثروا‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫االلتفات إلى الفروع‪ ،‬وألن أوائل المصنفين فيه اشتهروا بعلم الكالم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقد ُيسمي بعضهم هذه الطريقة‪ ،‬بطريقة الشافعية؛ ألن َّ‬


‫أول من ألف على هذا‬
‫‪   ‬‬

‫المنهج هو اإلمام الشافعي يف كتابه الرسالة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وممـن نسـب إلـى هـذا المنهـج أصحـاب المذاهـب الثالثـة‪ :‬الشـافعية‪ ،‬والمالكيـة‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫والحنابلـة‪ ،‬وكذلـك نسـب إليهـا ابن حـزم الظاهـري؛ ولذلـك يسـمي بعضهـم هـذه الطريقـة‬
‫‪    ‬‬

‫بـ (طريقة الجمهور)‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومنهج المتكلمين يف التأليف له خصائص‪ ،‬من أهمها‪:‬‬


‫‪ -1‬إثبات القواعد باألدلة العقلية والنقلية‪ ،‬دون االلتفات إلى فروع المذهب من‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫حيث الموافقة أو المخالفة‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬عدم االلتزام بالمذهب فيما ُيتوصل إليه من القواعد األصولية‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -3‬العناية باالستدالل العقلي‪ ،‬وإقامة الرباهين العقلية‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -4‬تجريد القواعد حال تقريرها عن الفقه‪ ،‬فال ُيلتفت إلى الفروع الفقهية إال يف‬
‫مقام التمثيل والبيان‪.‬‬
‫تعلق بعلم التوحيد؛‬
‫‪ -5‬اشتمال مؤلفات هذا المنهج على مسائل كالمية لها ٌ‬
‫كمسألة التحسين والتقبيح العقل َي ْين‪ ،‬وتعليل أحكام اهلل وأفعاله‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫ثان ًيا‪ :‬منهج الفقهاء‪:‬‬


‫قائما على تثبيت األصول على‬
‫نُسب هذا المنهج إلى الفقهاء؛ ألن التأليف فيه كان ً‬
‫مقتضى الفروع الفقهية‪.‬‬
‫و ُتسمى هذه الطريقة‪ ،‬بطريقة الحنفية؛ ألهنم أكثر العلماء تصني ًفا وفق هذا المنهج‪.‬‬
‫ومنهج الفقهاء يف التأليف له خصائص‪ ،‬من أهمها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -1‬إثبات القواعد وتقريرها على مقتضى الفروع الفقهية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -2‬أن المؤلفين على هذا المنهج قد يجعلون من فرع فقهي قاعدة أصولية قائمة بذاهتا‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -3‬االلتزام بالمذهب فيما ُيتوصل إليه من القواعد األصولية‪ ،‬والعناية باالنتصار له‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ -4‬اإلكثار من إيراد مسائل الفروع‪ ،‬واألمثلة والشواهد الفقهية‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تنبيهان‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫التنبيه األول‪ :‬هذا التقسيم ليس على اطراده‪ ،‬وإنما نظر فيه إلى مؤلفات مشتهرة‬
‫‪    ‬‬

‫أشهر المؤلفات األصولية‪،‬‬


‫ُ‬ ‫ِ‬
‫وذكر أبرز خصائصه‬ ‫يف فرتة زمنية‪ ،‬حيث روعي يف بنائه‬
‫‪    ‬‬

‫كالتقريب واإلرشاد للباقالين‪ ،‬والربهان للجويني‪ ،‬والمستصفى للغزالي‪ ،‬والمحصول‬


‫للرازي‪ ،‬واإلحكام لآلمدي‪ ،‬والفصول للجصاص‪ ،‬واألصول للسرخسي والبزدوي‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫لكن إذا دققنا النظر فإنه ال يصدق ُّ‬


‫كل ما ذكر يف هذا المنهج على بعض مؤلفات الشافعية‬
‫‪   ‬‬

‫أيضا على بعض مؤلفات‬ ‫كالرسالة للشافعي‪ ،‬واللمع والتبصرة للشيرازي‪ ،‬وال يصدق ً‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫المالكية كمقدمة عيون األدلة البن القصار‪ ،‬واإلحكام للباجي؛ فهذه المؤلفات ليس فيها‬
‫‪ ‬‬

‫أثر واضح لعلم الكالم‪ ،‬وكذلك عند الحنفية نجد بعض المؤلفات التي هي أقرب إلى‬
‫‪‬‬

‫طريقة المتكلمين؛ كميزان األصول للسمرقندي‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ثـم نجـد طائفـة كثيـرة مـن األصولييـن ممـن جـاء بعـد الغزالـي مـن أصحـاب‬
‫المذاهـب الثالثـة ‪-‬الشـافعية‪ ،‬والمالكيـة‪ ،‬والحنابلـة‪ -‬تأثـر يف تأليفـه بالمنهـج‬
‫الكالمـي الـذي ذكرنـا خصائصـه قبـل قليـل‪ ،‬وإن كان هـؤالء المؤلفـون ليسـوا ممـن‬
‫عـرف باالشـتغال بعلـم الـكالم‪ ،‬وكذلـك لهـم عنايـة كبيـرة بالفـروع الفقهيـة يف تآليفهـم‬
‫أيضـا مذاهـب أئمتهـم يف أصـول الفقـه باسـتقراء أقوالهـم‬ ‫األصوليـة‪ ،‬ويسـتمدون ً‬

‫‪23‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفقهيـة‪ ،‬منهـم عنـد المالكيـة‪ :‬القـرايف يف شـرح تنقيـح الفصـول‪ ،‬وعنـد الشـافعية‪:‬‬
‫اإلسـنوي‪ ،‬والزركشـي يف مؤلفاهتمـا األصوليـة‪ ،‬وعنـد الحنابلـة‪ :‬القاضـي أبو يعلـى يف‬
‫العـدة‪ ،‬وأبو الخطـاب يف التمهيـد‪ ،‬وابن قدامـة يف الروضـة‪ ،‬ويمكـن أن يقـال‪ :‬إن هـذه هـي‬
‫الطريقـة التـي شـاعت عنـد أكثـر المالكيـة‪ ،‬والشـافعية‪ ،‬والحنابلـة بعـد ذلـك‪.‬‬
‫التنبيه الثاين‪ :‬بالنسبة إلى عزو اآلراء األصولية إلى المذاهب الفقهية‪ ،‬كذلك لم يطرد‬
‫التزام بعض األصوليين يف كتبهم األصولية بمذهب إمامهم‪ ،‬وإنما قرروا فيها ما أدى إليه‬

‫‪   ‬‬


‫اجتهادهم‪ ،‬وبهذا االعتبار يمكن تقسيم الكتب األصولية إلى قسمين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫القسم األول‪ :‬من يرجح يف المسألة األصولية بغض النظر عن المذهب الذي ينتمي‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫إليه‪ ،‬وهذا َي ْصدُ ق على الباقالين‪ ،‬والجويني‪ ،‬والغزالي‪ ،‬والرازي‪ ،‬واآلمدي‪ ،‬وغيرهم‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫فهم يع ّبرون يف مؤلفاهتم عن اختياراهتم الشخصية‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬من يرجح يف المسألة األصولية حسب ما يراه أرجح يف مذهب إمامه‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫فما يختاره يف المسألة يرى أنه هو مذهب اإلمام‪ ،‬بغض النظر عن ترجيحه الشخصي فيها؛‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يحررون المذهب ب َغ ِّض النظر‬


‫كما يصنع فقهاء المذاهب يف مؤلفاهتم الفقهية‪ ،‬فهم إنما ِّ‬
‫‪    ‬‬

‫عن اجتهادهم الشخصي‪ ،‬وهذا هو األصل يف مؤلفات الحنفية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬والحنابلة‬


‫يف أصول الفقه‪ ،‬وأما الشافعية فممن يصدق عليه هذا منهم‪ :‬أبو إسحاق الشيرازي‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫واإلسنوي‪ ،‬والزركشي‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬مقدمة ابن خلدون (ص‪.)262‬‬
‫‪ -‬علم أصول الفقه حقيقته ومكانته وتارخيه ومادته (ص‪.)189‬‬
‫‪ -‬علم أصول الفقه دراسة تارخيية ونظرة حتليلية (ص‪.)291‬‬

‫‪24‬‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫أبرز املؤلفات األصولية‬


‫فـي خمتلف املذاهب‪ ،‬واملؤلفات املعاصرة‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أبرز مصنفات احلنفـية فـي أصول الفقه‪:‬‬
‫‪ -‬الفصول يف األصول‪ ،‬ألبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص (تـ‪370 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬األصول‪ ،‬ألبي بكر محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (تـ‪483 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ -‬أصول البزدوي‪ ،‬لعلي بن محمد البزدوي الحنفي (تـ‪493 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار‪ ،‬لعالء الدين عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري (تـ‪749 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -‬فصول البدائع يف أصول الشرائع‪ ،‬لشمس الدين محمد بن حمزة الفناري (تـ‪834 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫• المختصرات‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬متن المنار‪ ،‬لعبد اهلل بن أحمد النسفي (تـ‪710 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬التنقيح‪ ،‬لعبيد اهلل بن مسعود صدر الشريعة (تـ‪ 747 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أبرز مصنفات املالكية فـي أصول الفقه‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -‬التقريب واإلرشاد‪ ،‬ألبي بكر‪ ،‬محمد بن الطيب بن محمد الباقالين (تـ‪403 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬إحكام الفصول يف أحكام األصول‪ ،‬ألبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (تـ‪474 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬المحصول يف أصول الفقه‪ ،‬ألبي بكر ابن العربي المعافري (تـ‪543 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬مفتاح الوصول ألبي عبد اهلل‪ ،‬محمد بن أحمد الشريف التلمساين (تـ‪771 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول‪ ،‬لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرايف (تـ‪684 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬الموافقات‪ ،‬إلبراهيم بن موسى الشاطبي (تـ‪790 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪‬‬

‫• المختصرات‪:‬‬
‫‪ -‬مختصر ابن الحاجب‪ ،‬لعثمان بن عمر بن الحاجب (تـ‪646 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬تنقيح الفصول‪ ،‬لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرايف (تـ‪684 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪25‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثال ًثا‪ :‬أبرز مصنفات الشافعية فـي أصول الفقه‪:‬‬


‫‪ -‬اللمع والتبصرة‪ ،‬ألبي إسحاق الشيرازي (تـ‪476 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬الربهان‪ ،‬يف أصول الفقه‪ ،‬إلمام الحرمين أبي المعالي الجويني (تـ‪478 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬قواطع األدلة‪ ،‬لمنصور بن محمد بن عبد الجبار السمعاين (تـ‪489 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬المستصفى يف أصول الفقه‪ ،‬ألبي حامد محمد بن محمد الغزالي (تـ‪505 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -‬المحصول‪ ،‬لفخر الدين محمد بن عمر الرازي (تـ‪606 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬ألبي الحسن علي بن أبي محمد اآلمدي (تـ‪631 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫• المختصرات‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -‬الورقات‪ ،‬إلمام الحرمين أبي المعالي الجويني (تـ‪478 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -‬منهاج الوصول‪ ،‬لناصر الدين عبد اهلل بن عمر البيضاوي (تـ‪685 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬جمع الجوامع‪ ،‬لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (تـ‪771 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬أبرز مصنفات احلنابلة فـي أصول الفقه‪:‬‬


‫‪ -‬العدة يف أصول الفقه‪ ،‬للقاضي محمد بن الحسين المعروف بأبي يعلى (تـ‪458 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬التمهيد‪ ،‬لمحفوظ بن أحمد أبي الخطاب الكلوذاين (تـ‪510 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬الواضح ‪ ،‬ألبي الوفاء علي بن عقيل (تـ‪513 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬روضة الناظر‪ ،‬البن قدامة المقدسي (تـ‪620 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬المسودة‪ ،‬آلل تيمية‪ ،‬المجد بن تيمية‪ ،‬وعبد الحليم بن تيمية‪ ،‬وشيخ اإلسالم‬
‫‪‬‬

‫أحمد بن تيمية (تـ‪652 :‬هـ‪682 ،‬هـ‪728 ،‬هـ)‪.‬‬


‫‪ -‬شرح مختصر الروضة‪ ،‬لنجم الدين سليمان بن عبد القوي الطويف (تـ‪716 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -‬التحبير شرح التحرير‪ ،‬لعلي بن سليمان المرداوي (تـ‪885 :‬هـ)‪.‬‬
‫• المختصرات‪:‬‬
‫‪ -‬مختصر التحرير‪ ،‬البن النجار الفتوحي (تـ‪972 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪26‬‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫خامسا‪ :‬أبرز مصنفات املذاهب والفرق فـي أصول الفقه‪:‬‬


‫ً‬
‫• الظاهرية‪:‬‬
‫‪ -‬اإلحكام يف أصول األحكام‪ ،‬ألبي محمد علي بن أحمد بن حزم (تـ‪456 :‬هـ)‪.‬‬
‫• المعتزلة‪:‬‬
‫‪ -‬المعتمد‪ ،‬ألبي الحسين محمد بن علي بن الطيب البصري (تـ‪436 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫سادسا‪ :‬أبرز املصنفات املعاصرة فـي أصول الفقه‪:‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -‬المهذب يف علم أصول الفقه المقارن‪ ،‬د‪ .‬عبد الكريم بن علي النملة (تـ‪1435 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -‬إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر‪ ،‬د‪ .‬عبد الكريم بن علي النملة (تـ‪1435 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -‬فتح الولي الناصر بشرح روضة الناظر‪ ،‬د‪ .‬علي بن سعد الضويحي‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -‬معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة‪ ،‬د‪ .‬محمد بن حسين الجيزاين‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫• ومن الكتب المدرسية الموجهة للطالب‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬مذكرة يف أصول الفقه‪ ،‬لمحمد األمين الشنقيطي (تـ‪1393 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -‬األصول من علم األصول‪ ،‬البن عثيمين (تـ‪1421 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله‪ ،‬أ‪.‬د‪ .‬عياض السلمي‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬تطور الفكر احلنفـي (ص‪.)77-28‬‬
‫‪ -‬املدخل إىل أصول الفقه احلنبلي (ص‪.)179-137‬‬
‫‪ -‬الفكر األصولي (ص‪.)438-121‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه ‪ -‬النشأة والتطور (ص‪.)383-98‬‬

‫‪27‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أصول االستنباط عند األئمة األربعة‬

‫أصول االستنباط عند األئمة األربعة بينها قدر كبير من االشرتاك‪ ،‬وتعداد أصول‬
‫األئمة وحصرها قام به أتباع المذاهب األربعة خير قيام‪ ،‬فكتب األصول‪ ،‬والقواعد‬
‫الفقهية‪ ،‬وتأريخ العلوم‪ ،‬والطبقات‪ ،‬والمداخل الفقهية خير شاهد على ذلك‪ ،‬وليس‬

‫‪   ‬‬


‫المراد هبذه المسألة تحقيق تلك األصول وبيان ضوابطها وشواهدها؛ إذ مع وعورة هذا‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ً‬
‫تطوياًل ال يناسب هذا التأليف المختصر‪ ،‬ولكن‬ ‫القدر وصعوبة مسلكه فإنه يستدعي‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يكتفى هنا باإلشارة إلى أهم معالم أصول االستنباط عند األئمة األربعة‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أصول اإلمام أبي حنيفة (تـ‪150 :‬هـ)‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫ب َّين اإلمام ‪ $‬أصول االستدالل واالستنباط لديه‪ ،‬بقوله‪( :‬آخذ‪ :‬بكتاب اهلل‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫فما لم أجد فبسنة رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فما لم أجد يف كتاب اهلل وال يف سنة رسول اهلل ﷺ أخذت‬
‫‪    ‬‬

‫بقول أصحابه‪ ،‬آخذ بقول من شئت منهم وأدع من شئت منهم‪ ،‬وال أخرج من قولهم‬
‫‪    ‬‬

‫إلى قول غيرهم)(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫وقال سهل بن مزاحم يف أصول أبي حنيفة‪( :‬كالم أبي حنيفة‪ٌ :‬‬
‫أخذ بالثقة‪ ،‬وفرار من‬
‫القبح‪ ،‬والنظر يف معامالت الناس‪ ،‬وما استقاموا عليه‪ ،‬وصلحت عليه أمورهم‪ ،‬يمضي‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫األمور على القياس‪ ،‬فإذا قبح القياس يمضيها على االستحسان ما دام يمضي له‪ ،‬فإذا‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫لم يمض له رجع إلى ما يتعامل المسلمون به‪ ،‬وكان يوصل الحديث المعروف الذي قد‬
‫‪ ‬‬

‫أجمع الناس عليه‪ ،‬ثم يقيس عليه ما دام القياس سائ ًغا‪ ،‬ثم يرجع إلى االستحسان‪ ،‬أيهما‬
‫‪‬‬

‫أوفق رجع إليه‪ .‬قال سهل ‪ :‬هذا علم أبي حنيفة ‪ ،$‬علم العامة)(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ومن مجموع هذين النصين نستخلص أصوله فيما يلي‪:‬‬


‫األصل األول‪ :‬الكتاب‪.‬‬
‫األصل الثاين‪ :‬السنة‪.‬‬

‫((( االنتقاء يف فضائل الثالثة األئمة الفقهاء (ص‪.)142‬‬


‫((( مناقب اإلمام أبي حنيفة للموفق المكي (‪.)89/1‬‬
‫‪28‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫األصل الثالث‪ :‬إجماع الصحابة‪ ،‬فإن اختلفوا تخير من أقوالهم‪.‬‬


‫األصل الرابع‪ :‬القياس‪.‬‬
‫األصل الخامس‪ :‬االستحسان‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أصول اإلمام مالك (تـ‪179 :‬هـ)‪:‬‬
‫األصل األول‪ :‬الكتاب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫األصل الثاين‪ :‬السنة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬اإلجماع‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫األصل الرابع‪ :‬عمل أهل المدينة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫عمل أهل المدينة من أصول االستدالل واالستنباط التي انفرد هبا اإلمام مالك‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمراد بعمل أهل المدينة‪ :‬هو اتفاقهم الظاهر فيما كان سبيله النقل‪ ،‬ومثال ذلك‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نقلهم لمقدار الصاع‪ ،‬ولصفة اآلذان(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫األصل الخامس‪ :‬القياس‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫القياس من أصول اإلمام مالك يف االستدالل واالستنباط‪ ،‬وقد شهد الشافعي‬


‫‪ ‬‬

‫لإلمام مالك بذلك؛ حيث قال‪( :‬قال لي محمد بن الحسن‪:‬‬


‫أيهما أعلم‪ :‬صاحبنا أو صاحبكم؟ يعني‪ :‬مال ًكا وأبا حنيفة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫قلت‪ :‬على اإلنصاف؟ قال‪ :‬نعم‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫قلت‪ :‬فأنشدك اهلل‪ ،‬من أعلم بالقرآن‪ :‬صاحبنا أو صاحبكم؟ قال‪ :‬صاحبكم‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ً‬
‫مالكا‪.‬‬ ‫يعني‬
‫‪‬‬

‫قلت‪ :‬فمن أعلم بالسنة‪ :‬صاحبنا أو صاحبكم؟ قال‪ :‬اللهم صاحبكم‪.‬‬


‫قلت‪ :‬فأنشدك اهلل‪ ،‬من أعلم بأقاويل أصحاب رسول اهلل ﷺ والمتقدمين‪ :‬صاحبنا‬
‫أو صاحبكم؟ قال‪ :‬صاحبكم‪.‬‬
‫قال الشافعي‪ :‬قلت‪ :‬فلم يبق إال القياس‪ ،‬والقياس ال يكون إال على هذه األشياء‪،‬‬

‫((( انظر‪ :‬ترتيب المدارك (‪ ،)701/2‬وإحكام الفصول (‪ ،)43/1‬والبحر المحيط (‪.)483/4‬‬


‫‪29‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫فمن لم يعرف األصول‪ ،‬على أي شيء يقيس؟)(((‪.‬‬


‫ففي هذا النص شهد اإلمامان بعلم مالك يف الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬وأقوال الصحابة‪،‬‬
‫وشهد الشافعي بعلم مالك يف القياس لصحة األصول التي يقيس عليها‪.‬‬
‫األصل السادس‪ :‬المصلحة المرسلة‪:‬‬
‫من أصول اإلمام مالك القول بالمصلحة المرسلة‪ ،‬وعلى الرغم من أن العمل‬

‫‪   ‬‬


‫بالمصالح المرسلة واقع عند أغلب األئمة‪ ،‬إال أن اإلمام مال ًكا اعتنى هبذا األصل عناية‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫زائدة‪ ،‬والمصلحة المرسلة‪ :‬هي التي أطلقها الشارع‪ ،‬فلم يرد النص باعتبارها‪ ،‬أو المنع منها‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫قال ابن دقيق العيد مبينًا حظوة المصالح المرسلة عند اإلمام مالك‪( :‬الذي ال شك‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ترجيحا على غيره من الفقهاء يف هذا النوع)(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫فيه أن لمالك‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األصل السابع‪ :‬سد الذرائع‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫يعترب اإلمام مالك سد الذرائع ً‬


‫أصاًل من أصول االستدالل واالستنباط لديه‪ ،‬وقد‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫توسع يف العمل هبذا األصل عن غيره من األئمة‪ ،‬وسد الذرائع‪ :‬هو منع المباح إذا كان‬
‫‪    ‬‬

‫وسيلة إلى الفساد‪.‬‬


‫قال القرايف‪( :‬متى كان الفعل السالم عن المفسدة وسيلة إلى المفسدة منعنا من‬
‫‪ ‬‬

‫ذلك الفعل‪ ،‬وهو مذهب مالك ‪.((()$‬‬


‫‪   ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬أصول اإلمام الشافعي (تـ‪204 :‬هـ)‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ب َّين اإلمام ‪ $‬أصول االستدالل واالستنباط لديه‪ ،‬بقوله‪( :‬االتباع‪ :‬اتباع‬


‫‪ ‬‬

‫كتاب‪ ،‬فإن لم يكن فسنة‪ ،‬فإن لم تكن فقول عامة َم ْن َس َل َفنَا ال نعلم له مخال ًفا‪ ،‬فإن‬
‫‪‬‬

‫لم يكن فقياس)(((‪.‬‬


‫‪‬‬

‫وقال يف موضع آخر‪( :‬العلم طبقات شتى‪:‬‬

‫((( آداب الشافعي ومناقبه (ص‪.)120‬‬


‫((( البحر المحيط (‪.)84/8‬‬
‫((( شرح تنقيح الفصول (ص‪.)448‬‬
‫((( األم للشافعي (‪.)179/1‬‬
‫‪30‬‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫األولى‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة إذا ثبتت السنة‪.‬‬


‫ثم الثانية‪ :‬اإلجماع‪ ،‬فيما ليس فيه كتاب وال سنة‪.‬‬
‫والثالثة‪ :‬أن يقول بعض أصحاب النبي ﷺ وال نعلم له مخال ًفا منهم‪.‬‬
‫والرابعة‪ :‬اختالف أصحاب النبي ﷺ يف ذلك‪.‬‬
‫الخامسة‪ :‬القياس)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومن مجموع هذين النصين نستخلص أصوله فيما يلي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫األصل األول‪ :‬الكتاب‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫األصل الثاين‪ :‬السنة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫األصل الثالث‪ :‬اإلجماع‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األصل الرابع‪ :‬قول الصحابي‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األصل الخامس‪ :‬القياس‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬أصول اإلمام أمحد (تـ‪241 :‬هـ)‪:‬‬


‫األصل األول‪ :‬الكتاب‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫قال ‪( :$‬وإنـما األمر يف التسليم واالنتهاء إلى ما يف كتاب اهلل جل وعز)(((‪.‬‬


‫وقال ابن هانئ‪ :‬قيل له ‪-‬اإلمام أحمد‪( :-‬يكون الرجل يف قرية فيسأل عن الشيء الذي‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫فيه اختالف؟ فقال‪ُ :‬يفتي بـما وافق الكتاب والسنة)(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫األصل الثاين‪ :‬السنة‪:‬‬


‫‪‬‬

‫ويتضح ذلك من قوله ‪-‬يف الرواية السابقة البن هانئ‪ُ ( :-‬يفتي بـما وافق الكتاب‬
‫‪‬‬

‫والسنة)‪ ،‬وكان ‪ $‬يقدم األحاديث التي فيها ضعف غير ٍ‬


‫واه على الرأي‪ ،‬قال عبد اهلل‪:‬‬
‫أحب إلينا من الرأي)(((‪.‬‬
‫(سمعت أبي يقول‪ :‬الحديث الضعيف ُّ‬
‫((( األم للشافعي (‪.)280/7‬‬
‫((( مسائل اإلمام أحمد رواية ابنه صالح (‪.)166/2‬‬
‫((( مسائل اإلمام أحمد رواية ابن هانئ (‪.)167/2‬‬
‫((( المحلى باآلثار (‪.)87/1‬‬
‫‪31‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫األصل الثالث‪ :‬اإلجماع‪:‬‬


‫استدل به يف غير ما مسألة‪ ،‬ومن‬ ‫َّ‬ ‫من أصول اإلمام أحمد االحتجاج باإلجماع؛ فقد‬
‫ذلك قول عبد اهلل‪( :‬سمعت أبي يقول‪ :‬الث ِّيب ليس فيه اختالف‪ ،‬ال ُت َز َّوج إاَّلَّ بإذهنا)(((‪.‬‬
‫األصل الرابع‪ :‬قول الصحابي‪:‬‬
‫من أصول اإلمام أحمد التمسك بقول الصحابي؛ ولذلك أرشد ‪ $‬المفتي أن‬
‫يفتي‪( :‬بسنة رسول اهلل ﷺ وآثاره‪ ،‬وما ُروي عن أصحابه)(((‪ ،‬قال الخالل‪( :‬مذهب‬

‫‪   ‬‬


‫صح عنده عن أحد من أصحاب رسول اهلل شيء‪ ،‬لم يجاوزه إلى َمن بعده‬
‫أبي عبد اهلل‪ :‬إذا َّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫من التابعين)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫األصل الخامس‪ :‬القياس‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫َيعترب اإلمام أحمد بالقياس إن كان صحيح األصل؛ قال األثرم‪( :‬سمعت أبا عبد اهلل‬
‫‪    ‬‬

‫أحمد بن حنبل يقول‪ :‬إنما هو السنة واال ِّتباع‪ ،‬وإنما القياس أن يقيس على أصل‪ ،‬أ َّما أن‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أي شيء كان هذا القياس)(((‪.‬‬


‫تجيء إلى األصل فتهدمه ثم تقول‪ :‬هذا قياس‪ ،‬فعلى ِّ‬
‫‪    ‬‬

‫األصل السادس‪ :‬االستصحاب‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫االستصحاب من األصول المعتربة عند اإلمام أحمد؛ وقد أفتى بموجبه يف عدة‬
‫الس َلب‪ ،‬فقال‪( :‬ال‪ ...‬ما سمعنا‬‫مسائل‪ ،‬ومن ذلك أنه سأله ابن إسحاق عن تخميس َّ‬
‫‪ ‬‬

‫خمس السلب)(((‪ ،‬فجعل عدم الدليل الشرعي ُم ِبق ًيا على األصل يف منع‬‫أن النبي ﷺ َّ‬
‫‪   ‬‬

‫التخميس ونفي االستحقاق(((‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫األصل السابع‪ :‬االستحسان‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫لـما سأله‬
‫َيعترب اإلمام أحمد بدليل االستحسان؛ فقد أجاب بدليل االستحسان َّ‬
‫‪‬‬

‫ٍ‬
‫رجاًل أعتق ستة َأع ُبد‪ ،‬وقد‬
‫صالح‪( :‬حديث النبي ﷺ الذي يرويه عمران بن حصين‪ ،‬أن ً‬
‫‪‬‬

‫((( مسائل اإلمام أحمد برواية ابنه عبد اهلل (ص‪.)326‬‬


‫((( طبقات الحنابلة البن أبي يعلى (‪.)28/3‬‬
‫((( العدة ألبي يعلى (‪.)1158/4‬‬
‫((( مناقب اإلمام أحمد البن الجوزي (ص‪.)244‬‬
‫((( مسائل اإلمام أحمد وإسحاق بن راهويه (‪.)3891/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬العدة ألبي يعلى (‪.)1262/4‬‬
‫‪32‬‬
‫مدخل إىل أصول الفقه‬

‫كان له قرابة‪ ،‬فأجاز النبي ﷺ الثلث ولم ير َّده(((‪ .‬قال‪ :‬ربما استحسنت أن ُي َر َّد على القرابة؛‬
‫ي َؤ ِ‬
‫اسيهم‪ ،‬والحسن يقول‪ُ :‬ي َر ُّد على القرابة ثلثا الثلث)(((‪.‬‬ ‫ُ‬
‫األصل الثامن‪ :‬سد الذرائع‪:‬‬
‫الح َيل؛ فقد روى عنه‬ ‫من األصول المعتربة عند اإلمام أحمد سدُّ الذرائع وإبطال ِ‬
‫لـما سأله عن رجل قال المرأته يف‬ ‫صالح قوله‪( :‬الحيل ال نراها) ؛ ولذلك قال لعبد اهلل َّ‬
‫(((‬

‫رمضان‪ :‬أنت طالق إن لم أطأك يف رمضان‪ ،‬فسافر مسيرة أربعة أيام أو ثالثة ثم َوطِ َئها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫قال‪( :‬ال يعجبني؛ ألهنا حيلة‪ ،‬وال يعجبني الحيلة يف هذا وال يف غيره)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ويظهر يف ختام هذه المسألة‪ :‬أن أصول االستنباط الكربى متفقة بين أئمة المذاهب‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫األربعة‪ ،‬وهي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس‪ ،‬وقد اشتهر كل مذهب بأصول أخرى؛‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫إما تفردوا بالعمل هبا‪ ،‬أو أكثروا من العمل هبا عن غيرهم من المذاهب‪ ،‬و َق ّل أن ينفرد أحد‬
‫‪    ‬‬

‫األئمة بأصل إال ويوافقه آخر يف بعض صور هذا األصل وحاالته‪ ،‬وقد تختلف مسميات‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بعض األصول‪ ،‬والمنهج متقارب‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)٦٠-٥٠/2‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬الفكر السامي (‪.)470-468 ،463-454 ،436-424/1‬‬


‫‪ -‬تأريخ التشريع ومراحله الفقهية (ص‪.)89 -82‬‬

‫«أن رجاًلً أعتق ستّة مملوكين له عند موته‪ ،‬لم يكن له ٌ‬


‫مال غيرهم‪ ،‬فدعا هبم‬ ‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)1668‬ولفظه‪ّ :‬‬
‫ثم أقرع بينهم‪ ،‬فأعتق اثنين‪َ ،‬و َأ َر َّق أربعةً‪ ،‬وقال له ً‬
‫قواًل شديدً ا»‪.‬‬ ‫رسول اهلل ﷺ‪َ ،‬ف َجزَّ َأ ُه ْم أثال ًثا‪ّ ،‬‬
‫((( مسائل اإلمام أحمد رواية ابنه صالح (‪.)72/3‬‬
‫((( مسائل اإلمام أحمد رواية ابنه صالح (‪.)130/3‬‬
‫((( مسائل اإلمام أحمد رواية ابنه عبد اهلل (ص‪.)334‬‬
‫‪33‬‬
‫الباب األول‪:‬‬
‫احلكم الشرعي‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫املراد باحلكم‪ ،‬وتقسيماته‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف احلكم‪:‬‬
‫يح ُك ُم‪ ،‬ح ْك ًما‪ ،‬وهو المنع‪.‬‬
‫الحكم لغة‪ :‬مصدر َح َك َم‪ْ ،‬‬

‫‪   ‬‬


‫قال ابن فارس‪( :‬الحاء والكاف والميم أصل واحد‪ ،‬وهو المنع)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومن ذلك‪ :‬قول جرير(((‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫أبني حنيفة أحكِموا سفهاءكم‬

‫‪‬‬
‫إين أخاف عليك ُُم أن أغضبا‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫أي‪ :‬ردوهم وامنعوهم من التعرض لي‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫حكما؛ ألنه يمنع من غير المقضي‪.‬‬


‫ً‬ ‫ومنه ُسمي القضاء‬
‫‪   ‬‬

‫أمر ٍ‬
‫ألمر‪ ،‬أو نفيه عنه(((‪.‬‬ ‫إثبات ٍ‬ ‫ويف االصطالح‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫ُ‬
‫‪    ‬‬

‫كقولهم‪( :‬زيدٌ قائم)‪ ،‬و(عمرو ليس بقائم)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أقسام احلكم‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫ينقسم الحكم إلى ثالثة أقسام‪ ،‬هي‪( :‬الحكم العقلي‪ ،‬والحكم الحسي‪ ،‬والحكم‬
‫الشرعي)‪ ،‬وبيانها كاآلتي‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫احلكم العقلي‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫وهو ما استُفيدت فيه النسبة عن طريق العقل‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫مثاله‪ :‬الكل أكرب من الجزء‪ ،‬والواحد ليس نصف األربعة‪.‬‬


‫‪‬‬

‫احلكم احلسي‪:‬‬
‫وهو ما استُفيدت فيه النسبة عن طريق الحس‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬الشمس مشرقة‪ ،‬والنار ليست مظلمة‪.‬‬

‫((( مقاييس اللغة (‪ )91/2‬مادة (حكم)‪.‬‬


‫((( ديوانه (‪.)466/1‬‬
‫((( مذكرة يف أصول الفقه (ص‪.)10‬‬
‫‪37‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫احلكم الشرعي‪:‬‬
‫وهو ما استُفيدت فيه النسبة عن طريق الشرع‪ ،‬وهو المراد يف إطالق األصوليين‪.‬‬
‫مباحا‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬الحج واجب‪ ،‬والربا ليس ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)247/1‬‬


‫‪ -‬التعريفات (ص‪.)92‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)789/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)333/1‬‬
‫‪ -‬الكليات للكفوي (ص‪.)716‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)5‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)15‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي بني النظرية والتطبيق (ص‪.)45‬‬

‫‪38‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫حقيقة احلكم الشرعي‪،‬‬


‫وتقسيماته إمجااًلً‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حقيقة احلكم الشرعي‪:‬‬
‫هو (خطاب الشارع‪ ،‬المتعلق بأفعال المكلفين‪ ،‬باالقتضاء‪ ،‬أو التخيير‪ ،‬أو الوضع)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫قولهم‪( :‬خطاب الشارع) معناه‪ :‬أمره‪ ،‬وهنيه‪ ،‬وخربه‪ ،‬وما تفرع عن ذلك كاألسباب‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والشروط‪ ،‬وهو يشمل كالم اهلل ‪ ۵‬لف ًظا ومعنًى‪ ،‬وكالم رسوله ﷺ‪ ،‬وكذلك سائر األدلة؛‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ألهنا عائدة إلى الوحي‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫متعلق بأعمال العباد‪ ،‬من جهة‬
‫ٌ‬ ‫قولهم‪( :‬المتعلق بأفعال المكلفين)‪ ،‬معناه‪ :‬الذي له‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫طلب الفعل أو الرتك‪ ،‬وهذا القيد ُيحرتز به عن خمسة أشياء‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬المتعلق بذات اهلل ‪ ،۵‬نحو‪﴿ :‬ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [آل عمران‪.]18 :‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬المتعلق بصفة اهلل ‪ ،۵‬نحو‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [البقرة‪.]255 :‬‬


‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬المتعلق بفعل اهلل ‪ ،۵‬نحو‪﴿ :‬ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [الزمر‪.]62:‬‬


‫راب ًعـــا‪ :‬المتعلـــق بـــذات المكلـــف‪ ،‬نحـــو‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾‬
‫‪ ‬‬

‫[األعـــراف‪. ]11:‬‬
‫خامسا‪ :‬المتعلق بالجماد‪ ،‬نحو‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الكهف‪.]47:‬‬
‫ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫قولهم‪( :‬باالقتضاء)‪ ،‬معناه‪ :‬الطلب‪ ،‬ويشمل طلب الفعل وطلب الرتك‪ ،‬ويشمل‬
‫‪ ‬‬

‫الطلب الجازم وغير الجازم‪ ،‬وهذا يشمل أربعة من أقسام الحكم التكليفي‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫اإليجاب‪ :‬وهو طلب الفعل الجازم‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الندب‪ :‬وهو طلب الفعل غير الجازم‪.‬‬


‫التحريم‪ :‬وهو طلب الرتك الجازم‪.‬‬
‫الكراهة‪ :‬وهو طلب الرتك غير الجازم‪.‬‬

‫((( المختصر يف أصول الفقه (ص‪.)57‬‬


‫‪39‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫قولهم‪( :‬أو التخيير) معناه‪ :‬تخيير الشارع يف خطابه المكلف بين الرتك والفعل‪،‬‬
‫وهذا يشمل اإلباحة وهو القسم الخامس من أقسام الحكم التكليفي‪.‬‬
‫قولهم‪( :‬أو الوضع)‪ ،‬معناه‪ :‬جعل الشيء سب ًبا‪ ،‬أو شر ًطا‪ ،‬أو مان ًعا‪ ،‬أو وصف‬
‫الشيء بالصحة أو الفساد‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬العالقة بني املعنى اللغوي واالصطالحي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫سبق القول بأن الحكم يف اللغة هو المنع‪ ،‬وهذا المعنى موجو ٌد يف الحكم الشرعي؛‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫إذ ال ينفك خطاب الشارع وأحكامه كاإليجاب والتحريم وغيرها من معنى المنع‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫َّب من‬
‫مركب من استدعاء الفعل ومنع الرتك‪ ،‬والتحريم كذلك مرك ٌ‬
‫‪     ‬‬ ‫ٌ‬ ‫ً‬
‫‪-‬مثاًل‪-‬‬ ‫فاإليجاب‬

‫‪   ‬‬


‫استدعاء الرتك والمنع من الفعل‪ ،‬وهكذا بقية األقسام‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الفرق بني تعريف األصوليني والفقهاء‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فرقون بين الدال‬


‫عرف األصوليون الحكم الشرعي باعتباره الخطاب نفسه‪ ،‬فال ُي ِّ‬
‫ُي ِّ‬
‫‪    ‬‬

‫والمدلول‪ ،‬وعليه يطلقون على األحكام لفظ اإليجاب والندب والتحريم والكراهة واإلباحة‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وأما الفقهاء فإهنم ُيفرقون بين الدَّ ال والمدلول؛ ولذلك فإن الحكم الشرعي ليس‬
‫هو نفس الخطاب‪ ،‬وإنما هو ثمرته ومقتضاه‪ ،‬وعليه فإهنم ُيضيفون يف صدر التعريف‬
‫‪ ‬‬

‫ألفاظ مثل‪( :‬مقتضى) و(أثر)‪ ،‬ويسمون األحكام بنا ًء على ذلك بالواجب‪ ،‬والمندوب‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والمحرم‪ ،‬والمكروه‪ ،‬والمباح‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬أقسام احلكم الشرعي‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ينقسم إلى قسمين‪:‬‬


‫ُ‬ ‫بنا ًء على ما سبق ذكره يف التعريف؛ فإن الحكم الشرعي‬
‫‪‬‬

‫(تكليفي‪ ،‬ووضعي)‪.‬‬
‫القسم األول‪ :‬احلكم التكليفي‪:‬‬
‫وهذا القسم هو المذكور يف التعريف باالقتضاء والتخيير‪ ،‬وسيأيت بيانه(((‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)42‬‬


‫‪40‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫القسم الثاني‪ :‬احلكم الوضعي‪:‬‬


‫وهذا القسم هو المذكور يف التعريف بالوضع‪ ،‬وسيأيت بيانه(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)247/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)180/1‬‬


‫‪ -‬سواد الناظر للقاضي عالء الدين العسقالني (‪.)174/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)789/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)333/1‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)6‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)15‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي بني النظرية والتطبيق (ص‪.)45‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص ‪.)78‬‬


‫‪41‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حقيقة احلكم التكليفـي‬

‫حقيقة الحكم الشرعي التكليفي‪ :‬هو‪( :‬خطاب الشارع‪ ،‬المتعلق بأفعال المكلفين‪،‬‬
‫باالقتضاء‪ ،‬أو التخيير)‪.‬‬
‫وهذا التعريف سبق بيانه يف حقيقة الحكم الشرعي(((‪ ،‬والذي يتعلق منه بالحكم‬

‫‪   ‬‬


‫التكليفي‪ ،‬هو قولهم‪( :‬باالقتضاء أو التخيير)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫قولهم‪( :‬االقتضاء)‪ :‬معناه‪ :‬الطلب؛ ويشمل‪ :‬طلب الفعل‪ ،‬وطلب الرتك‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ويشمل‪ :‬الطلب الجازم‪ ،‬والطلب غير الجازم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وإلى هذا التقسيم ترجع أحكام التكليف األربعة‪ :‬اإليجاب‪ ،‬والندب‪ ،‬والتحريم‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫والكراهة؛ وبياهنا كالتالي‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫اإليجاب‪ :‬طلب الفعل طل ًبا جاز ًما‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫والندب‪ :‬طلب الفعل طل ًبا غير جازم‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫والتحريم‪ :‬طلب الرتك طل ًبا جاز ًما‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫والكراهة‪ :‬طلب الرتك طل ًبا غير جازم‪.‬‬


‫قولهم‪( :‬التخيير) معناه‪ :‬تخيير الشارع للمكلف بين الفعل والرتك‪ ،‬وهذا (المباح)‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وهو القسم الخامس من أقسام الحكم التكليفي‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)261/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)180/1‬‬


‫‪ -‬سواد الناظر للقاضي عالء الدين العسقالني (‪.)174/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)813 ،789/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)340-333/1‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)7‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)41‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي بني النظرية والتطبيق (ص‪.)49‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)39‬‬


‫‪42‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫صيغ الواجب وأساليبه‬

‫للواجب ٌ‬
‫صيغ متعددة‪ ،‬أهمها سبع صيغ‪:‬‬
‫(الفرض‪ -‬الوجوب‪ -‬ال َكتْب‪ -‬األمر‪ -‬القضاء‪ -‬العزيمة‪ -‬افعل)‬

‫‪   ‬‬


‫الصيغة األوىل‪ :‬لفظ (الفرض) وما تصرف منه‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ﴾ [النساء‪.]7 :‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫الصيغة الثانية‪ :‬لفظ (الوجوب) وما تصرف منه‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬عن أبي هريرة ﭬ‪ ،‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬إذا جلس بين ُش َعبِ َها األربع ثم‬
‫‪   ‬‬

‫جهدها فقد وجب الغسل»(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الصيغة الثالثة‪ :‬لفظ (الكتب) وما تصرف منه‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ‬


‫ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [البقرة‪.]183 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫الصيغة الرابعة‪ :‬لفظ (األمر) وما تصرف منه‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [النساء‪.]58 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫الصيغة اخلامسة‪ :‬لفظ (القضاء) وما تصرف منه‪:‬‬


‫‪‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [اإلسراء‪.]23 :‬‬


‫‪‬‬

‫الصيغة السادسة‪ :‬لفظ (العزمية) وما تصرف منه‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬ما جاء يف كتاب اهلل‪﴿ :‬ﯤ ﯥﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ‬
‫ﯭ ﯮ ﯯﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [لقمان‪.]17 :‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)291‬ومسلم (‪.)348‬‬


‫‪43‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الصيغة السابعة‪ :‬فعل األمر (افعل) وما تصرف منه‪:‬‬


‫ومثاله قوله تعالى‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ﴾ [الحج‪.]77 :‬‬
‫صيغ أخرى للواجب‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أصول اجلصاص (‪.)73/4‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)298/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)845/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)354/1‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)183‬‬
‫ً‬
‫(كاماًل)‪.‬‬ ‫‪ -‬األساليب الشرعية الدالة على األحكام التكليفـية‬

‫‪44‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫أقسام الواجب باالعتبارات املختلفة‬

‫قسم األصوليون الواجب باعتبارات عدة‪ ،‬أهمها أربعة‪ ،‬وهي‪( :‬ذات الواجب‪،‬‬ ‫َّ‬
‫ووقته‪ ،‬وفاعله‪ ،‬وتقديره)‪.‬‬
‫وقد تناول ابن قدامة أقسام الواجب باعتبار‪ :‬ذاته‪ ،‬ووقته(((‪ ،‬وفيما يأتي عرض‬

‫‪   ‬‬


‫أقسامه باعتبار‪ :‬فاعله(((‪ ،‬وتقديره‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫االعتبار األول‪ :‬من حيث فاعله‪ ،‬وينقسم إىل قسمني (عيين‪ ،‬وكفائي)‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أواًل‪ :‬الواجب العيني‪:‬‬
‫ً‬
‫‪    ‬‬
‫هو‪ :‬ما نظر فيه الشارع إلى ذات الفاعل‪ ،‬فطلبه من كل ٍ‬
‫‪   ‬‬
‫أحد بعينه‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬الصالة‪ ،‬والحج‪ ،‬والصوم‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حكمه‪ :‬يلزم كل شخص بعينه‪ ،‬وال يسقط عنه ذلك بكل حال‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الواجب الكفائي‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫هو‪ :‬ما نظر فيه الشارع إلى نفس الفعل‪ ،‬فطلبه من غير تعيين فاعله‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مثاله‪ :‬الجهاد‪ ،‬وغسل الميت‪ ،‬ودفنه‪.‬‬


‫حكمه‪ :‬يلزم األمة بأكملها‪ ،‬من غير أن يتعين على أحد بعينه‪ ،‬وإذا قام به من يكفي‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫سقط عن اآلخرين‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬من حيث تقديره‪ ،‬وينقسم إىل قسمني (مقدر‪ ،‬وغري مقدر)‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أواًل‪ :‬الواجب المقدر‪:‬‬


‫ً‬
‫مقدارا معلو ًما‪ ،‬سوا ًء كان ذلك يف الزمن أم العدد‪.‬‬ ‫هو‪ :‬ما ع َّين له الشارع‬
‫‪‬‬

‫ً‬
‫الشارع وقتًا‪ ،‬وعدد‬
‫ُ‬ ‫مثاله‪ :‬الصالة‪ ،‬فكل صالة من الصلوات الخمس قدَّ ر لها‬
‫ركعات تختلف به عن غيرها‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬يجب اإلتيان به كما قدَّ ره الشارع‪.‬‬

‫((( روضة الناظر (‪.)60-53/1‬‬


‫أيضا يف ثنايا مباحث األمر‪ ،‬انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)402/2‬‬
‫((( وقد تناول ابن قدامة هذا االعتبار ً‬
‫‪45‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثان ًيا‪ :‬الواجب غير المقدر‪:‬‬


‫مقدارا معينًا‪ ،‬بل أمر به على وجه اإلطالق‪.‬‬
‫ً‬ ‫هو‪ :‬ما لم ُيع ِّين له الشارع‬
‫مثاله‪ :‬الطمأنينة يف الركوع‪ ،‬والنفقة على الزوجة بالمعروف‪ ،‬فهذه العبادات قد‬
‫أوجبها الشارع من غير تحديد لها بمقدار معين‪.‬‬
‫حكمه‪ :‬يجب اإلتيان بأدنى ما يتحقق به اسم الواجب‪ ،‬وما زاد عليه فهو نفل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (‪.)169/1‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)198/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)872/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)373/1‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)11‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)222‬‬

‫‪46‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫أثر الزائد على املقدار‬


‫اجملزئ فـي الواجب‬
‫ذكر ابن قدامة مسألة (الزيادة على الواجب الذي ال يتقيد بحد)‪ ،‬وذكر فيها اختالف‬
‫األصحاب بين‪ :‬الندب والوجوب‪ ،‬واختار ‪ $‬القول بالندب(((‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف‬
‫حكم الزائد على مقدار المجزئ يف الواجب خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية‪ ،‬ومنها ما يأيت‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫مسألة‪ :‬مسح املتوضئ رأسه كله‪ ،‬مع القول بأن الفرض هو مسح قدر الناصية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فعلى القول بأن المجزئ يف مسح الرأس هو قدر الناصية؛ فإن حكم مسح باقي‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫الرأس مبني على الخالف يف حكم الزائد على القدر الواجب‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ -‬فمن رأى أن الزيادة على الواجب ندب ذهب إلى أن هذه الزيادة نفل‪ ،‬وليس‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الواجب غير قدر الناصية‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫واجب كله‪ ،‬ذهب إلى أن مسح الكل واجب؛‬


‫ٌ‬ ‫‪ -‬ومن رأى أن الزيادة على الواجب‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بمعنى أنه يثاب عليه ثواب الواجب‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ذبح بدنة كاملة ملن وجبت عليه شاة‪:‬‬


‫مسألة‪ُ :‬‬
‫عوضا عنها فإن حكمها مرتتب على‬ ‫‪ -‬إذا َوجبت على المكلف شاة فذبح بدن ًة ً‬
‫‪ ‬‬

‫الخالف يف حكم الزائد على القدر الواجب‪ :‬فمن رأى أن الزيادة على الواجب ندب فإن‬
‫الواجب هو ُسبع البدنة‪ ،‬وأما ما عداه فإنه نفل‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫واجب كله فإن البدنة واجبة كلها‪ ،‬بمعنى أنه‬


‫ٌ‬ ‫‪ -‬ومن رأى أن الزيادة على الواجب‬
‫‪ ‬‬

‫يثاب عليها ثواب الواجب‪ ،‬وال يجوز له أن يأكل من بقية البدنة‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وعلى هذا فيجوز له على القول األول أن يأكل من بقية البدنة‪ ،‬وأما على القول‬
‫الثاين فال يجوز له ذلك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)326/1‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)348/1‬‬
‫‪ -‬القواعد البن رجب (‪.)5/1‬‬
‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (‪.)527/1‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)18‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)274‬‬
‫((( روضة الناظر (‪.)64/1‬‬
‫‪47‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫صيغ املندوب وأساليبه‬

‫للمندوب ٌ‬
‫صيغ متعددة‪ ،‬وأبرزها ست صيغ‪:‬‬
‫(االستحباب ‪ -‬التطوع ‪ -‬الفضيلة ‪ -‬النافلة ‪ -‬الندب ‪ -‬الترغيب يف الفعل)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫الصيغة األوىل‪ :‬لفظ (االستحباب) وما تصرف منه‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫يستحب‬
‫ُّ‬ ‫ومثاله‪ :‬حديث أبي برزة األسلمي ﭬ يف أوقات الصلوات‪ ،‬حيث قال‪« :‬وكان‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ؤخر العشاء التي تدعونها العتمة»(((‪.‬‬
‫أن ُي ِّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫الصيغة الثانية‪ :‬لفظ (التطوع) وما تصرف منه‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [البقرة‪.]158 :‬‬
‫‪    ‬‬

‫الصيغة الثالثة‪ :‬لفظ (الفضيلة) وما تصرف منه‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬ما روي من حديث عبد اهلل بن عمر ﭭ‪ ،‬قال‪ :‬قلت‪ :‬يا رسول اهلل دلني‬
‫على عمل ينفعني اهلل به‪ ،‬قال‪« :‬عليك بركعتي الفجر؛ فإن فيهما فضيلة»(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الصيغة الرابعة‪ :‬لفظ (النافلة) وما تصرف منه‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ‬


‫‪ ‬‬

‫ﮇ ﮈ ﴾ [اإلسراء‪.]79 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الصيغة اخلامسة‪ :‬لفظ (الندب) وما تصرف منه‪:‬‬


‫‪‬‬

‫ومثاله‪ :‬ما روى جابر بن عبد اهلل ﭭ‪ ،‬قال‪ :‬ندب النبي ﷺ الناس يو َم الخندق‪،‬‬
‫الزبير‪ ،‬فقال النبي ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬ ‫الزبير‪ ،‬ثم ندهبم‪ ،‬فانتدب‬
‫ُ‬ ‫الزبير‪ ،‬ثم ندهبم‪ ،‬فانتدب‬
‫ُ‬ ‫فانتدب‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)547‬ومسلم (‪ ،)647‬واللفظ للبخاري‪.‬‬


‫((( أخرجه الطرباين يف المعجم الكبير (‪ .)14147‬قال الهيثمي يف مجمع الزوائد (‪( :)217/2‬فيه محمد بن‬
‫ا ْل َب ْي َل َمانِ ّي‪ ،‬وهو ضعيف)‪ .‬قال البخاري يف التاريخ الكبير (‪( :)163/1‬منكر الحديث)‪ ،‬واهتمه ابن حبان‬
‫يف المجروحين (‪ :)264/2‬بالوضع‪.‬‬
‫‪48‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫حواري الزبير»(((‪.‬‬
‫َّ‬ ‫حواريا وإن‬
‫ًّ‬ ‫نبي‬
‫«إن لكل ٍّ‬
‫الصيغة السادسة‪ :‬ما يدل على الرتغيب فـي الفعل‪.‬‬
‫وللرتغيب ألفاظ متعددة‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬لفظ (لو)‪:‬‬
‫مثاله‪ :‬حديث عبد اهلل بن عباس ﭭ‪ ،‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬أما لو أن أحدهم يقول‬

‫‪   ‬‬


‫حين يأتي أهله‪ :‬بسم اهلل‪ ،‬اللهم جنبني الشيطان‪ ،‬وجنب الشيطان ما رزقتنا‪ ،‬ثم ُقدر بينهما‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫يف ذلك‪ ،‬أو قضي ولد‪ ،‬لم يضره شيطان أبدً ا»(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫‪ -2‬لفظ (لوال)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومثاله‪ ﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﴾ [التوبة‪.]122 :‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -3‬لفظ َّ‬
‫(هاَّل)‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مر بشاة ميتة فقال‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬حديث عبد اهلل بن عباس ﭭ‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ َّ‬
‫‪    ‬‬

‫َّ‬
‫«هاَّل استمتعتم بإهاهبا»(((‪.‬‬
‫‪ -4‬االستفهام الدال على الرتغيب‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫مثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ﴾ [القمر‪.]17 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام البن حزم (‪.)305/3‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)459/2‬‬


‫‪ -‬املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد (ص‪.)153‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)268‬‬
‫ً‬
‫(كاماًل)‪.‬‬ ‫‪ -‬األساليب الشرعية الدالة على األحكام التكليفـية‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)٢٩٩٧‬ومسلم (‪.)٢٤١٥‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5165‬ومسلم (‪.)1434‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2221‬ومسلم (‪ ،)364‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪49‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫إطالقات املندوب‬

‫للمندوب عدة إطالقات‪ ،‬أشهرها مثانية إطالقات‪:‬‬


‫‪ -‬المستحب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -‬السنة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -‬الفضيلة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -‬النافلة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -‬التطوع‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ -‬القربة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬اإلحسان‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬الرغيبة‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهذه كلها أسماء مترادفة‪ ،‬لحقيقة واحدة هي‪ :‬طلب الفعل طل ًبا غير جازم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)354/1‬‬
‫‪ -‬سواد الناظر للقاضي عالء الدين العسقالني (‪.)213/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)979/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)404/1‬‬
‫‪ -‬املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل (ص‪.)153‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)282‬‬

‫‪50‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫هل يلزم املندوب بالشروع فـيه أو ال؟‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬
‫إذا تلبس اإلنسان بالعبادة ً‬
‫تنفاًل؛ كما لو صام هلل تطو ًعا‪ ،‬أو حج غير الفريضة‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫فهل يلزمه إتمام هذه العبادة التي شرع فيها؟ أو يجوز له الخروج منها؟‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ً‬
‫متنفاًل فال يجوز له التحلل‬ ‫اتفق العلماء على أن من شرع يف الحج أو العمرة‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫حجا أو عمرة أن يمضي‬ ‫والخروج من عهدهتما(((‪ ،‬قال النووي‪( :‬ويلزم من أفسد ًّ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يف فاسدهما‪ ...‬ونقل أصحابنا اتفاق العلماء على هذا)(((‪ ،‬وأما بقية النوافل فقد‬
‫‪   ‬‬

‫اختلف فيها العلماء‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة واملناقشات‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫اختلف األصوليون يف لزوم المندوب بالشروع فيه على قولين‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬المندوب ال يلز ُم بالشروع فيه‪ ،‬وإليه ذهب الشافعية والحنابلة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬المندوب يلزم بالشروع فيه‪ ،‬وإليه ذهب الحنفية والمالكية‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫دليل القول األول (عدم لزوم املندوب)‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬حديث عائشة ڤ‪ ،‬قالت‪ :‬دخل علي النبي ﷺ ذات يوم‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫فقال‪« :‬هل عندكم شيء؟» فقلنا‪ :‬ال‪ ،‬قال‪ « :‬فإين إذن صائم» ثم أتانا يو ًما آخر فقلنا‪:‬‬
‫صائما» فأكل(((‪ .‬فلو كان‬ ‫يه‪ ،‬فلقد أصبحت‬ ‫«أ ِرين ِ ِ‬
‫يا رسول اهلل ‪ ،‬أهدي لنا َح ْيس‪ ،‬فقال‪َ :‬‬
‫ً‬
‫‪‬‬

‫النفل يلزم بالشروع فيه لما أفطر النبي ﷺ‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬التحبير للمرداوي (‪ ،)991/2‬شرح الكوكب المنير (‪.)410/1‬‬


‫((( انظر‪ :‬المجموع شرح المهذب (‪.)388/7‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)1154‬‬
‫‪51‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الدليل الثاين‪ :‬قول النبي ﷺ ألم هانئ ‪-‬لما أرادت الفطر لتشرب شرا ًبا ناولها ﷺ‬
‫شئت فاقضيه‪ ،‬وإن ِ‬
‫شئت فال تقضيه»(((‪ .‬فلو كان المندوب يلزم‬ ‫إياه‪« :-‬إن كان تطوعا فإن ِ‬
‫ً‬
‫بالشروع فيه أللزم النبي ﷺ أم هانئ بالقضاء ولم يجعل لها الخيرة يف ذلك‪.‬‬
‫مخير يف فعل النفل ابتدا ًء‪ ،‬وعليه فإنه لو شرع يف النفل‬
‫ٌ‬ ‫الدليل الثالث‪ :‬أن اإلنسان‬
‫فإن هذا التخيير يمتد معه إلى انتهائه‪ ،‬فيجوز له تركه يف أي وقت‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫دليل القول الثاني (لزوم املندوب)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﴾ [محمد‪ ،]33 :‬فمن ترك إتمام ما‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫قد شرع فيه من المندوبات فهو ٌ‬
‫مبطل لعمله هذا‪ ،‬فال يجوز له ذلك‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫نوقش من وجهين‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األول‪ :‬ال نسلم أن المراد بالنهي هنا النهي الدال على طلب ترك الفعل‪ ،‬بل المراد‬
‫‪   ‬‬

‫به النهي عن الرياء‪ ،‬أو الردة‪ ،‬التي تبطل عمل اإلنسان‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الثاين‪ :‬أن المراد بالنهي هني تنزيه؛ جم ًعا بين األدلة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫علي غيرها؟ فقال ﷺ‪:‬‬


‫الدليل الثاين‪:‬حديث األعرابي‪ ،‬وفيه أنه قال للنبي ﷺ‪ :‬هل َّ‬
‫«ال‪ ،‬إال أن ت َّطوع»)‪ .(2‬ومعنى ذلك‪ :‬أنه يلزمك التطوع إن تطوعت‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ونُوقش‪ :‬أن االستثناء يف قوله‪( :‬إال أن تطوع) استثنا ٌء منقطع‪ ،‬ودليله أن النبي ﷺ قد‬
‫‪   ‬‬

‫أبطل تطوعه يف الصيام‪ ،‬كما مر يف أدلة القول األول‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬قياس بقية النوافل على الحج‪ ،‬فكما أنه يلزم إتمام حج النافلة بعد‬
‫‪ ‬‬

‫الشروع فيه‪ ،‬فالحكم كذلك يف بقية النوافل‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ونوقش‪ :‬بأن اإلتمام يف الحج على خالف القياس لورود النص فيه‪ ،‬وما كان كذلك‬
‫‪‬‬

‫فال ُيقاس عليه‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)2456‬والرتمذي (‪ ،)731‬وأحمد (‪ ،)26910‬واللفظ له من حديث أم هانئ ڤ‪.‬‬
‫قال الدارقطني يف العلل (‪( :)366-364/15‬االضطراب فيه من سماك بن حرب)‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)46‬ومسلم (‪ ،)11‬من حديث طلحة بن عبيد اهلل ﭬ‪.‬‬
‫‪52‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫الخالف معنوي‪.‬‬
‫وقد أثمر الخالف يف لزوم المندوب بعد الشروع فيه يف مسائل عدة‪ ،‬وهو منحصر‬
‫يف أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬لزوم النفل بعد الشروع فيه‪ ،‬وتحوله إلى واجب‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬لزوم القضاء لمن ترك ً‬
‫نفاًل شرع فيه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ويظهر ذلك فـي املسائل التالية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫مسألة‪ :‬اجللوس فـي صالة النافلة بعد الشروع فيها‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -‬فمن رأى أن المندوب ال يلزم بالشروع فيه قال بجواز الجلوس يف صالة النافلة‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫بعد الشروع فيها‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬ومن رأى أن المندوب يلزم بالشروع فيه قال بعدم جواز الجلوس يف صالة‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫النافلة بعد الشروع فيها‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫مسألة‪ :‬اإلفطار فـي صيام التطوع‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -‬فمن رأى أن المندوب ال يلزم بالشروع فيه قال بجواز اإلفطار بعد الشروع يف‬
‫صوم التطوع‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬ومن رأى لزوم المندوب بالشروع فيه أوجب إتمام صوم النفل إذا شرع فيه‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫مسألة‪ :‬القضاء على املتحلل من حج النافلة لعذر‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬فمن رأى أن المندوب ال يلزم بالشروع ذهبوا إلى أن المعذور يف حج النفل‬


‫‪ ‬‬

‫يتحلل‪ ،‬وال قضاء عليه‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬ومن رأى أن المندوب يلزم بالشروع ذهبوا إلى أن المعذور يجب عليه القضاء‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬ختريج الفروع على األصول للزجناني (ص‪.)129‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)384/1‬‬
‫‪ -‬تشنيف املسامع (‪.)130/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)991/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)407/1‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)297‬‬

‫‪53‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫صيغ املباح وأساليبه‬

‫للمباح ٌ‬
‫صيغ متعددة‪ ،‬أهمها مثان صيغ‪:‬‬
‫(اإلباحة ‪ِ -‬‬
‫الح ّل ‪ -‬اإلذن ‪ -‬نفي الحرمة ‪ -‬نفي الحرج ‪ -‬نفي اإلثم ‪ -‬اإلقرار ‪ -‬السكوت)‬

‫‪   ‬‬


‫الصيغة األوىل‪ :‬لفظ (اإلباحة) وما تصرف منه‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومثاله‪ :‬ما روي عن عبد اهلل بن عباس ﭭ قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬الطواف بالبيت‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫صالة‪ ،‬إال أن اهلل أباح فيه المنطق»(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الصيغة الثانية‪ :‬لفظ (احلل) وما تصرف منه‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬


‫‪   ‬‬

‫ﭝ ﭞ﴾ [البقرة‪.]187 :‬‬
‫‪    ‬‬

‫الصيغة الثالثة‪ :‬لفظ (اإلذن) وما تصرف منه‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫‪    ‬‬

‫ﭛ﴾ [الحج‪.]39 :‬‬


‫‪ ‬‬

‫الصيغة الرابعة‪ :‬نفي احلرمة‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ‬
‫‪ ‬‬

‫ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [األنعام‪.]145 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الصيغة اخلامسة‪ :‬نفي احلرج‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬
‫‪‬‬

‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾‬
‫[النور‪.]60 :‬‬

‫((( أخرجه الرتمذي (‪ ،)960‬والدارمي (‪ )1847‬واللفظ للدارمي‪ ،‬قال الرتمذي‪( :‬وقد روي هذا الحديث‬
‫السائب)‪.‬‬
‫ال من حديث عطاء بن َّ‬ ‫عن ابن ع ّب ٍ‬
‫اس موقو ًفا‪ ،‬وال نعرفه مرفوعًا إ ّ‬
‫‪54‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫الصيغة السادسة‪ :‬نفي اإلثم عن الفاعل‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ‬
‫ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ﴾ [البقرة‪.]203 :‬‬
‫الصيغة السابعة‪ :‬اإلقرار‪:‬‬
‫وهو سكوت النبي ﷺ عن الشيء بعد االطالع عليه‪:‬‬
‫مثاله‪ :‬ما روي عن جابر ﭬ‪ ،‬قال‪« :‬كنا نعزل على عهد النبي ﷺ‪ ،‬والقرآن ينزل»(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫الصيغة الثامنة‪ :‬السكوت عن احلكم فـي الشرع‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫كما جاء يف حديث أبي الدّ رداء ﭬ‪ ،‬قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ما ّ‬

‫‪‬‬
‫أحل اهلل يف كتابه‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حرم فهو حرام‪ ،‬وما سكت عنه فهو َع ْف ٌو»(((‪.‬‬
‫فهو حالل‪ ،‬وما ّ‬
‫‪    ‬‬
‫«إن اهلل ‪ ۵‬فرض‬
‫‪   ‬‬
‫الخشني ﭬ قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪ّ :‬‬ ‫ويف حديث أبي ثعلبة‬
‫‪    ‬‬

‫ٍ‬ ‫ّ‬
‫وحد حدو ًدا فال تعتدوها‪ ،‬وسكت‬
‫وحرم حرمات فال تنتهكوها‪ّ ،‬‬‫فرائض فال تض ّيعوها‪ّ ،‬‬
‫‪   ‬‬

‫ٍ‬
‫‪    ‬‬

‫نسيان فال تبحثوا عنها»(((‪.‬‬ ‫عن أشياء من غير‬


‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬عقود المعامالت المستحدثة‪ ،‬األصل أهنا مباحة إذا خلت من المحظور‬
‫‪    ‬‬

‫الشرعي؛ لعدم مجيء حكم شرعي بخصوصها‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1022/3‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)372‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬املهذب يف علم أصول الفقه املقارن (‪.)259/1‬‬


‫ً‬
‫(كاماًل)‪.‬‬ ‫‪ -‬األساليب الشرعية الدالة على األحكام التكليفـية‬
‫‪‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5209‬ومسلم (‪.)1440‬‬


‫((( أخرجه الطرباين يف مسند الشاميين (‪ ،)2102‬والدارقطني يف سننه (‪ ،)2066‬والبيهقي يف الكربى (‪.)19724‬‬
‫قال الذهبي يف المهذب (‪( :)3975/8‬سنده منقطع)‪.‬‬
‫((( أخرجه الطرباين يف المعجم الكبير (‪ ،)589‬والدارقطني يف سننه (‪ ،)4396‬والبيهقي يف الكربى (‪.)19757‬‬
‫قال الذهبي يف المهذب (‪( :)3976/8‬منقطع؛ لم يلق مكحول أبا ثعلبة)‪ .‬وكذا قال الحافظ يف المطالب العالية‬
‫(‪ .)2934‬وحسنه النووي يف رياض الصالحين (ص‪ ،)508‬وقال الهيثمي يف مجمع الزوائد (‪:)171/1‬‬
‫(رجاله رجال الصحيح)‪.‬‬
‫‪55‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حكم املباح‬

‫حكم املباح‪:‬‬
‫المباح؛ وذلك بكونه مأذونًا يف فعله أو تركه‪،‬‬
‫أشار ابن قدامة ‪ $‬إلى حكم ُ‬

‫‪   ‬‬


‫الحرج فاعله أو تاركه(((‪.‬‬
‫ُ‬ ‫فال يلحق‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وعلى ذلك فإن حكم المباح من حيث هو‪ :‬أنه ال ُيثاب فاعله‪ ،‬وال ُيعاقب تاركه‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ولكن يلحق به الثواب والعقاب باعتبار ما يتصل به من النية‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)67/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1021/3‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)69/1‬‬


‫‪56‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫صيغ املكروه وأساليبه‬

‫للمكروه ٌ‬
‫صيغ متعددة‪ ،‬أهمها أربع صيغ‪:‬‬
‫(الكراهة‪ -‬ال ُبغض‪ -‬النهي‪ -‬تصريح النبي بالترك)‬

‫‪   ‬‬


‫الصيغة األوىل‪ :‬لفظ (الكراهة) وما تصرف منه‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ولفظ الكراهة داخل ضمن صيغ المكروه على ما اصطلح عليه المتأخرون من‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫تحر ًجا من استعمال‬
‫األصوليين‪ ،‬وقد كان أئمة السلف يطلقون الكراهة على التحريم‪ُّ ،‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫مصطلح الحرام فيما لم يرد فيه هني صريح‪ ،‬ويف نصوص الشرع ما يدل على االستعمالين‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اصطالحا‪ ،‬ومثاله‪ :‬ما روى‬


‫ً‬ ‫فيأيت ويراد به الحرام(((‪ ،‬ويأيت ويراد به ما دونه وهو المكروه‬
‫‪   ‬‬

‫المغيرة بن شعبة ﭬ‪ ،‬قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إن اهلل حرم عليكم‪ :‬عقوق‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومنْ ٍع َ‬
‫وهات‪ ،‬وكره لكم قيل وقال‪ ،‬وكثرة السؤال‪ ،‬وإضاعة‬ ‫األمهات‪ ،‬ووأد البنات‪َ ،‬‬
‫‪    ‬‬

‫المال»(((‪ .‬فإن ورود لفظ الكراهة بعد لفظ التحريم يدل على تغاير المعنى‪ ،‬وأن المراد‬
‫بالكراهة التنزيه ال التحريم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الصيغة الثانية‪ :‬لفظ (بغض) وما تصرف منه‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫ومثاله‪ :‬ما روي عن ابن عمر ﭭ‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬أبغض الحالل إلى اهلل‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫تعالى الطالق»(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الصيغة الثالثة‪ :‬لفظ النهي (ال تفعل) إذا اقرتنت به قرينة تصرفه من النهي إىل الكراهة‪:‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫‪‬‬

‫©﴾ فالنهي يف هذه اآلية للكراهة‪ ،‬بقرينة آخر اآلية‪﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)61‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5975‬ومسلم (‪.)593‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)2178‬وابن ماجه (‪.)2018‬‬
‫قال أبو حاتم الرازي يف العلل (‪( :)118-117/4‬إنما هو محارب عن النبي ﷺ مرسل)‪ .‬وقال الدارقطني‬
‫يف العلل (‪( :)225/13‬والمرسل أشبه)‪.‬‬
‫‪57‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﴾ [المائدة‪ ]101 :‬فقد صرفت النهي من التحريم‬


‫إلى الكراهة‪.‬‬
‫الصيغة الرابعة‪ :‬تصريح النيب ﷺ برتك الفعل‪:‬‬
‫ومثاله‪ :‬حديث أبي جحيفة ﭬ‪ ،‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬ال آكل متكئًا»(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)419/1‬‬
‫‪ -‬املهذب يف علم أصول الفقه املقارن (‪.)284/1‬‬
‫‪ -‬األساليب الشرعية الدالة على األحكام التكليفـية (ص‪.)27‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪.)5398‬‬


‫‪58‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫حكم املكروه‬

‫حكم املكروه‪:‬‬
‫أشار ابن قدامة ‪ $‬إلى حكم المكروه‪ ،‬بأنه ما ال يتعلق بفعله عقاب(((‪ ،‬وهذا‬

‫‪   ‬‬


‫حكم من جهة الفعل دون الرتك‪.‬‬
‫ٌ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومن المعهود أن حكم المكروه على نقيض حكم المندوب‪ ،‬وقد ذكر ابن قدامة أن‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫المندوب‪ :‬ما يف فعله ثواب‪ ،‬وال عقاب يف تركه(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ثواب‪ ،‬وال عقاب يف فعله‪.‬‬ ‫ً‬
‫امتثااًل ٌ‬ ‫فإذا تقرر ذلك فإن حكم المكروه‪ :‬هو ما يف َت ْركِه‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1005/3‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)76/1‬‬


‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)66/1‬‬
‫‪59‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫صيغ احلرام وأساليبه‬

‫للمحرم ٌ‬
‫صيغ متعددة‪ ،‬أهمها ست صيغ‪:‬‬ ‫َّ‬
‫(التحريم‪ -‬النهي‪ -‬صيغة ال تفعل‪ -‬األمر بالترك‪ -‬غيرة الشارع‪ -‬الكراهة)‬

‫‪   ‬‬


‫الصيغة األوىل‪ :‬لفظ (التحريم) وما تصرف منه‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ‬ ‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ﴾ [المائدة‪.]3 :‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الصيغة الثانية‪ :‬لفظ (النهي) وما تصرف منه‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [الممتحنة‪.]9 :‬‬
‫‪    ‬‬

‫الصيغة الثالثة‪ :‬النهي عن الفعل بصيغة (ال تفعل)‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ‬
‫‪ ‬‬

‫ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [الحجرات‪.]11:‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬

‫الصيغة الرابعة‪ :‬األمر برتك الفعل‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ‬


‫‪ ‬‬

‫ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [المائدة‪.]90 :‬‬
‫‪‬‬

‫الصيغة اخلامسة‪ :‬غرية الشارع‪:‬‬


‫‪‬‬

‫ومثاله‪ :‬حديث عائشة ڤ أن النبي ﷺ قال‪« :‬يا أمة محمد‪ ،‬ما أحد أغير من اهلل أن‬
‫يرى عبده أو أمته تزين»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5221‬ومسلم (‪.)901‬‬


‫‪60‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫الصيغة السادسة‪ :‬لفظ (الكراهة) وما تصرف منه‪:‬‬


‫تقدمت اإلشارة إلى أن األصل يف لفظ الكراهة أن يحمل على التنزيه‪ ،‬لكن قد يرد‬
‫يف الشرع ويراد به التحريم بداللة السياق ونحوه(((‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ ﰕ ﰖ ﴾‬
‫[اإلسراء‪]38 :‬؛ حيث أشار يف اآلية إلى ما تقدم من محرمات‪ ،‬كقتل‬
‫األوالد والزنا وأكل مال اليتيم‪ ،‬ثم وصف الجميع بالكراهة الدالة‬

‫‪   ‬‬


‫على التحريم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫صيغ أخرى للحرام‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)316‬‬
‫‪ -‬املهذب يف علم أصول الفقه املقارن (‪.)298/1‬‬
‫‪ -‬األساليب الشرعية الدالة على األحكام التكليفـية (ص‪.)27-26‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)57‬‬


‫‪61‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حكم احلرام‬

‫حكم احلرام‪:‬‬
‫لم ُيشر ابن قدامة إلى حكم المحرم؛ َّ‬
‫ولعل ذلك إحالة منه إلى ما تقرر يف الواجب؛‬

‫‪   ‬‬


‫ألن حكم المحرم ُمستفاد من نقيض حكم الواجب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومجمل ما ذكره ابن قدامة يف حكم الواجب‪ :‬أنه ما ُذ َّم تاركه شر ًعا‪ ،‬واستحق‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫العقاب على تركه(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فإذا تقرر ذلك فإن حكم المحرم هو أنه ما ُذ َّم فاعله شر ًعا‪ ،‬واستحق العقاب‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫على فعله‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)359/1‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)51/1‬‬


‫‪62‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫إطالقات احلرام‬

‫للحرام عدة إطالقات‪ ،‬أهمها أربعة عشر إطال ًقا‪:‬‬


‫‪ -1‬المحظور‪ ،‬من الحظر وهو المنع‪.‬‬
‫‪ -3‬الخطيئة‪.‬‬ ‫‪ -2‬المعصية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ -5‬القبيح‪.‬‬ ‫‪ -4‬الذنب‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -7‬المتوعد عليه‪.‬‬ ‫‪ -6‬المزجور عنه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -9‬السيئة‪.‬‬ ‫‪ -8‬الممنوع‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -11‬اإلثم‪.‬‬ ‫‪ -10‬الفاحشة‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -13‬العقوبة‪.‬‬ ‫‪ -12‬الحرج‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -14‬المكروه‪ ،‬وذلك بالمعنى اللغوي للمكروه‪ ،‬وهو البغيض إلى النفوس العارفة‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وتقدمت اإلشارة أن األصل يف لفظ الكراهة الوارد يف الشرع‪ ،‬وعلى ألسنة السلف من الصحابة‬
‫والتابعين حمله على التحريم‪ ،‬وال ُيحمل على الكراهة إال بدلي ٍل من سياق ونحوه(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وهذه كلها أسماء مترادفة‪ ،‬لحقيقة واحدة هي‪ :‬طلب ْترك الفعل طل ًبا جازما‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)947/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)386/1‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)27‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)313‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص‪.)119‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)57‬‬


‫‪63‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أركان التكليف‬

‫والم َك َّلف به)‪ ،‬وزاد بعضهم‪:‬‬


‫والم َك َّلف‪ُ ،‬‬
‫(المك ِّلف‪ُ ،‬‬ ‫ٌ‬
‫أركان ثالثة‪ ،‬هي‪ُ :‬‬ ‫للتكليف‬
‫(صيغة التكليف)‪ ،‬وبيان هذه األركان فيما يأيت‪:‬‬
‫الركن األول‪ :‬املُكِّلف‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫نشئ األحكام‪ ،‬و ُيكلف هبا‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬ﮮﮯﮰﮱ﴾‬
‫هو‪ :‬اهلل ‪ ،۵‬فهو الذي ُي ُ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫[األنعام‪.]57 :‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الركن الثاني‪ :‬املُ َكََّلف‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫هو‪ :‬اإلنسان‪ ،‬وهو المحكوم عليه‪ ،‬وقد جعل اهلل تكليفه متعل ًقا ببلوغه‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫ً‬
‫عاقاًل‪.‬‬ ‫وكونه‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الركن الثالث‪ :‬املُ َكَّلف به‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫هو‪ :‬الفعل‪ ،‬والرتك‪ ،‬واالعتقاد‪ ،‬وهذا هو المحكوم فيه‪.‬‬


‫الركن الرابع‪ :‬صيغة التكليف‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫هي‪ :‬األمر‪ ،‬والنهي‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1130/3‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)484/1‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)53‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص‪.)197‬‬

‫‪64‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫أنواع األهلية‬

‫درج جمهور األصوليين والفقهاء على الحديث عن قضية أهلية المكلف يف سياق‬
‫حديثهم عن التكليف وشروطه‪ ،‬دون تقسيم لألهلية‪ ،‬وذهب أصول ُّيو الحنفية إلى تقسيم‬
‫األهلية إلى نوعين‪( :‬أهلية الوجوب‪ ،‬وأهلية األداء)‪ ،‬وهو تقسيم انفرد به الحنفية دون‬

‫‪   ‬‬


‫غيرهم من المذاهب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫النوع األول‪ :‬أهلية الوجوب‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهي صالحية اإلنسان للزوم الحقوق المشروعة له وعليه(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهذه األهلية تثبت لإلنسان من نفخ الروح فيه حتى موته‪ ،‬وهي على نوعين‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫(أهلية وجوب قاصرة‪ ،‬وأهلية وجوب كاملة)‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -1‬أهلية الوجوب القاصرة‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫هذه تثبت لإلنسان وهو جنين يف بطن أمه‪ ،‬فتكون له حقوق من غير أن تلزمه‬
‫واجبات‪ ،‬وال يستحق تلك الحقوق إال بشرط والدته ح ًّيا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬أهلية الوجوب الكاملة‪:‬‬


‫وهذه تثبت لإلنسان منذ والدته حتى وفاته‪ ،‬فتكون له حقوق وعليه واجبات‪ ،‬وهذه‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الواجبات يتوالها بنفسه‪ ،‬أو يتوالها عنه ول ُّيه إن كان مجنونًا‪ ،‬أو لم يبلغ سن التمييز‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫النوع الثاني‪ :‬أهلية األداء‪:‬‬


‫‪‬‬

‫وهي صالحية اإلنسان بأن ُيطا َلب باألداء‪ ،‬وترتتب على أفعاله اآلثار الشرعية(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫وهذه األهلية تثبت لإلنسان منذ بلوغه سن التمييز حتى موته‪ ،‬وهي على نوعين‪:‬‬
‫(أهلية أداء قاصرة‪ ،‬وأهلية أداء كاملة)‪.‬‬

‫((( الحكم الشرعي التكليفي والوضعي (ص‪.)208‬‬


‫((( المرجع السابق (ص‪.)209‬‬
‫‪65‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫‪ -1‬أهلية األداء القاصرة‪:‬‬


‫وتثبت لإلنسان من سن التمييز حتى البلوغ‪ ،‬ويرتتب على هذه األهلية صحة ما‬
‫يفعله من غير وجوبه عليه‪ ،‬أما األفعال التي بينه وبين العباد فال تثبت فيها هذه األهلية ما‬
‫محضا ال ضرر فيها؛ كقبول الهدية‪.‬‬ ‫لم تكن نف ًعا ً‬
‫‪ -2‬أهلية األداء الكاملة‪:‬‬
‫وتثبت لإلنسان من بلوغه وهو عاقل حتى وفاته‪ ،‬وتنفذ يف هذه األهلية جميع‬

‫‪   ‬‬


‫تصرفاته‪ ،‬غير التصرفات المالية إن كان غير راشد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أصول البزدوي (ص‪.)710‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص‪.)208‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)130‬‬

‫‪66‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫عوارض األهلية‬

‫تقـدم أن الحديـث عـن األهليـة ممـا انفـرد بـه أصول ُّيـو الحنفيـة عـن‬
‫غيرهـم مـن األصولييـن(((‪ ،‬وتب ًعـا لذلـك فقـد فصلـوا فيمـا يعـرض لهـذه األهليـة‪،‬‬
‫ومراتب تلك العوارض‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫تعريف العوارض‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫لغة‪ :‬جمع عارض‪ ،‬وهو‪ :‬المانع أو الحابس والحائل(((‪.‬‬
‫‪     ‬‬ ‫العوارض ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وفـي االصطالح‪ :‬الخصال واآلفات‪ ،‬التي لها تأثير يف األحكام‪ ،‬بالتغيير أو اإلعدام(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أنواع العوارض‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وتنقسم عوارض األهلية إلى نوعين (سماوية ‪ -‬مكتسبة)‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫النوع األول‪ :‬العوارض السماوية‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ٌ‬
‫مدخل يف وقوعها‪ ،‬فتقع على اإلنسان جربًا من‬ ‫وهي العوارض التي ليس لإلنسان‬
‫‪ ‬‬

‫غير اختيار‪.‬‬
‫ً‬
‫عارضا‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫وجملة هذه العوارض أحد عشر‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫(الصغر‪ ،‬الجنون‪ ،‬العته‪ ،‬النسيان‪ ،‬النوم‪ ،‬اإلغماء‪ ،‬الرق‪ ،‬المرض‪ ،‬الحيض‪،‬‬


‫‪ ‬‬

‫النفاس‪ ،‬الموت)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -1‬الصغر‪:‬‬
‫‪‬‬

‫الصغير ال تثبت له أهلية األداء إال يف سن التمييز‪ ،‬ويف سن التمييز تثبت له أهلية‬
‫األداء ناقصة حتى بلوغه‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)65‬‬


‫((( هتذيب اللغة (‪ )290/1‬مادة (عرض)‪.‬‬
‫((( التقرير والتحبير (‪.)172/2‬‬
‫‪67‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وضابط الصغر المانع من األهلية الكاملة‪ :‬هو عدم البلوغ‪ ،‬ويكون البلوغ إما‬
‫باالحتالم للذكر‪ ،‬أو بالحيض يف األنثى‪ ،‬أو ببلوغهم السن‪ ،‬وهو ما بين خمس عشرة سنة‪،‬‬
‫وثماين عشرة سنة على خالف بين الفقهاء‪.‬‬
‫‪ -2‬اجلنون‪:‬‬
‫فساد عقل اإلنسان وزواله؛ ينفي عنه أهلية األداء‪ ،‬فال تجب عليه العبادة‪،‬‬
‫أضر به كاإلتالف؛ فإن وليه يخرجه عنه‪.‬‬
‫وأما الزكاة‪ ،‬وما يتعلق به حق غيره مما َّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وضابط الجنون‪ :‬أن ينتج عنه اختالل بحيث ال تجري أفعال الشخص على هنج‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫العقل بال علة يف أعضائه؛ ولذلك لو قام شخص بالزحف على يديه يف الطرقات وهو‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يؤذي نفسه بذلك‪ ،‬مع مقدرته على المشي كان ذلك ً‬
‫فعاًل من أفعال الجنون‪ ،‬إال إن كان به‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫مرض أو عجز يف قدميه ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -3‬العته‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫هو اختالل يف عقل اإلنسان؛ يؤدي إلى اختالط أفعاله وأقواله‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وضابطه‪ :‬أن ترتدد أفعال الشخص بين اختالل المجنون وانضباط العاقل‪ ،‬فيكون‬
‫فعاله ليس على نسق واحد من العقل أو الجنون‪ ،‬بل يكون يتصرف تارة بمقتضى العقل‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وتارة باختالل الجنون‪.‬‬


‫والعته على مراتب‪ ،‬فإن كان بلغ بصاحبه مبلغ الجنون فإنه ُيلحق بحكم المجنون‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وأما إن كان العته دون ذلك؛ من حيث إن المعتوه ُيدرك ولكن ليس كإدراك العقالء؛‬
‫‪ ‬‬

‫فإنه ُيلحق يف هذ الحالة بالصبي المميز‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -4‬النسيان‪:‬‬
‫‪‬‬

‫النسيان‪ :‬هو ذهول الفرد عن الشيء وعدم تذكُّره‪.‬‬


‫عذرا يف العبادات‪ ،‬وأما يف حقوق العباد‬
‫والنسيان ال ُينايف األهلية‪ ،‬لكنه ُيعد ً‬
‫كاإلتالف‪ ،‬فإنه يجب ضماهنا وأداؤها‪.‬‬
‫‪ -5‬النوم‪:‬‬
‫ٍ‬
‫بشيء من أقوال‬ ‫النوم ينايف أهلية األداء؛ النعدام التمييز فيه‪ ،‬وعليه فإنه ال ُيعتد‬

‫‪68‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫النائم‪ ،‬وأما أفعاله التي تتعلق هبا حقوق العباد؛ كما لو أتلف شي ًئا أثناء نومه‪ ،‬فإنه يجب‬
‫عليه ضماهنا وأداؤها‪.‬‬
‫وقد تكلم الفقهاء يف حد النوم المستغرق الذي تناط به األحكام الشرعية‪ ،‬والصحيح‬
‫حلما‪،‬‬
‫أنه ليس له هيئة معينة‪ ،‬بل متى ظهرت إحدى عالمات االستغراق ‪-‬كأن يحلم الشخص ً‬
‫جالسا سقط‪ ،‬ونحو ذلك‪ -‬كان نو ًما‪.‬‬
‫أو يكون يف حالة ال يدري هبا ما حوله؛ بحيث لو كان ً‬
‫‪ -6‬اإلغماء‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫اإلغماء‪ :‬آفة يف القلب أو الدماغ تع ِّطل القوى المدركة والحركة عن أفعالها مع بقاء‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫العقل مغلو ًبا‪ ،‬وضابطه هو ضابط النوم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ولذا فإن األصوليين ُيلحقون اإلغماء بحكم النوم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪ -7‬الرق‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫الرق‪ :‬هو العبودية‪ ،‬وهو عجز حكمي عن الوالية والشهادة والقضاء وملكية المال‬
‫‪    ‬‬

‫والتزوج وغيرها‪ ،‬فالرقيق يحجر عنها وال يصح منه بعضها مطل ًقا؛ لعدم تمام أهليته‪ ،‬وإن‬
‫‪    ‬‬

‫كان بعضها قد يصح بإذن سيده‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫كاماًل‪ ،‬ويسمى القن‪ ،‬وإما أن يكون غير كامل كالذي أعتق‬‫ً‬ ‫والرق إما أن يكون‬
‫بعضه ويسمى المبعض‪ ،‬أو انعقد فيه سبب التحرير‪ ،‬مثل أم الولد‪ ،‬وهي الجارية إذا ولدت‬
‫‪ ‬‬

‫من سيدها‪ ،‬فإهنا تكون بالوالدة مستحقة للحرية بوفاة سيدها‪ ،‬والمكاتب وهو من اشرتى‬
‫‪   ‬‬

‫نفسه من سيده بمال مقسط‪ ،‬فهو مستحق للحرية بمجرد تمام األداء‪ ،‬والمدبر‪ ،‬وهو أن‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫يجعل السيد عبده معت ًقا عن دبر منه‪ ،‬أي بمجرد وفاة السيد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الرقيق ال تنتفي عنه أهلية األداء‪ ،‬غير أن الرق يمنع الرقيق من ملكية المال؛‬
‫‪‬‬

‫ٌ‬
‫مملوك لسيده‪ ،‬ولذلك ال يجب على الرقيق العبادات التي ُيشرتط‬ ‫ألن الرقيق يف األصل‬
‫‪‬‬

‫لها المال‪ ،‬مثل‪ :‬الحج‪.‬‬


‫‪ -8‬املرض‪:‬‬
‫األصل أن المرض ال ينفي أهلية األداء‪ ،‬لكن إذا غلب المرض صاحبه وأزال عقله؛‬
‫ٍ‬
‫حينئذ يأخذ حكم المجنون‪ ،‬وأما إن كان مرضه دون ذلك؛ فإنه ُيخفف عن‬ ‫فإن المريض‬
‫المريض يف العبادات بقدر تمكنه‪.‬‬

‫‪69‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫بعضا من تصرفات‬
‫وأما مرض الموت فإنه ال ينفي أهلية األداء‪ ،‬غير أن الشارع قيد ً‬
‫المريض مرض الموت‪ ،‬كما يف األموال والنكاح والطالق ونحو ذلك؛ حف ًظا لحقوق‬
‫الورثة والدائنين‪.‬‬
‫وضابط المرض المزيل لحكم األهلية‪ :‬هو ما غلب على عقل صاحبه فأصابه‬
‫باالضطراب المؤدي لخلل يف تصرفات المريض‪.‬‬
‫‪ -9‬احليض‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫تأثيرا يف عدم جواز الصالة‬
‫ليس للحيض تأثير يف أهلية الوجوب واألداء‪ ،‬غير أن له ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والصيام من المرأة أثناء الحيض‪ ،‬ويجب عليها بعد ذلك قضاء الصيام دون الصالة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -10‬النفاس‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫النفاس يأخذ حكم الحيض‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -11‬املوت‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫موت اإلنسان ينفي عنه أهلية الوجوب واألداء‪ ،‬لكن إن كان بقي يف ذمته حاجة‬
‫‪    ‬‬

‫لغيره فإهنا ال تسقط‪ ،‬فإن كانت عينًا فإهنا ُتر ُد إلى صاحبها إن ُوجدت‪ ،‬وإن كانت دينًا يف‬
‫‪    ‬‬

‫ذمته فإنه ُيؤخذ من تركته إن كان له تركة‪.‬‬


‫النوع الثاني‪ :‬العوارض املكتسبة‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫ٌ‬
‫مدخل يف وقوعها‪ ،‬فتقع على اإلنسان باختياره‪،‬‬ ‫وهي العوارض التي لإلنسان‬
‫‪   ‬‬

‫إما باكتسابه لها‪ ،‬أو تركه إلزالتها‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وجملتها سبعة عوارض‪ ،‬وهي على قسمين‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫أواًل‪ :‬العوارض التي تقع من الشخص نفسه‪ ،‬وهذه ستة عوارض‪ ،‬هي‪:‬‬ ‫ً‬
‫‪‬‬

‫(الجهل‪ ،‬والسكر‪ ،‬والسفه‪ ،‬والهزل‪ ،‬والخطأ‪ ،‬والسفر)‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬العوارض التي تقع من غير الشخص‪ ،‬وهذا عارض واحد‪ ،‬هو‪( :‬اإلكراه)‪.‬‬
‫‪ -1‬اجلهل‪:‬‬
‫الجهل‪ :‬هو اعتقاد الشيء على خالف ما هو عليه‪.‬‬
‫المسلم‬
‫الجهل ال ينايف يف أصله أهلية األداء‪ ،‬لكن ُيعذر به يف بعض المواضع‪ ،‬كجهل ُ‬
‫ببعض أحكام الصالة والوضوء إن كان حديث إسالم‪ ،‬وكان يف دار كفر لم يستطع الهجرة منها‪.‬‬

‫‪70‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫وضابط الجهل الذي يعذر به المكلف‪ :‬أن يكون نتيجة عدم القدرة على التعلم؛‬
‫سواء كان لحداثة العهد باإلسالم‪ ،‬أو لوجوده بمكان ال يوجد به من يعلمه‪ ،‬أو لم يصله‬
‫العلم المراد‪.‬‬
‫الس ْك ُر‪:‬‬
‫‪ُّ -2‬‬
‫السكر هو شرب الخمر المزيل للعقل‪ ،‬بحيث يصل الشارب إلى حد الهذيان يف‬
‫أغلب كالمه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫والسكر على نوعين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والمكره‪ ،‬فإن هذا يأخذ حكم‬
‫أ‪ -‬ما كان طريقه غير محظور‪ ،‬كسكر المتداوي ُ‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اإلغماء والنوم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫محظورا‪ ،‬كقصد اللهو‪ ،‬وهذا قد وقع الخالف يف حكمه على قولين‪:‬‬
‫ً‬ ‫ب‪ -‬ما كان طريقه‬
‫‪    ‬‬

‫القول األول‪ :‬أن هذا النوع من السكر ال ُيبطل التكليف‪ ،‬فتتوجه على السكران‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫زجرا له‪.‬‬
‫أحكام الشرع بأكملها ‪-‬كالطالق‪ ،‬والعتاق‪ ،‬والبيع‪ً -‬‬
‫‪    ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أن هذا النوع من السكر ُيبطل التكليف‪ ،‬فال تصح تصرفات السكران‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫لكن إن أتلف شي ًئا لغيره فإنه يضمنه‪ ،‬وأما الزجر له فيكون بإقامة الحد عليه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الس َف ُه‪:‬‬
‫‪َّ -3‬‬
‫هي خف ٌة يف اإلنسان تبعثه على العمل يف ماله بخالف مقتضى العقل‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وضابط السفه‪ :‬هو عدم وجود علة مفسرة للتصرفات التي تقتضي اإلضرار‪ ،‬وتنايف‬
‫‪ ‬‬

‫دينارا واحدً ا بألف دينار‪ ،‬فإن‬


‫العقل الصحيح‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬شخص اشرتى سلعة تساوي ً‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫سفها إن لم يكن لذلك الشخص تفسير مقبول لهذا الفعل المناقض للعقل‬
‫هذا الفعل يعد ً‬
‫والمصلحة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫والسفه ال ينايف األهلية‪ ،‬وال يمنع شي ًئا من أحكام الشرع؛ غير أن السفيه ُيحجر عليه‬
‫يف التصرفات المالية؛ حف ًظا لماله من الضياع‪.‬‬
‫‪ -4‬اهلزل‪:‬‬
‫الهزل هو أن ال ُيراد باللفظ حقيقته ومعناه‪ ،‬وال ُيقصد وقوع أثره‪ ،‬كالتلفظ على‬
‫سبيل اللهو والعبث‪.‬‬
‫‪71‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مثل أن يقول الرجل لزوجته‪( :‬أنت طالق)‪ ،‬وهو ال يريد حقيقة لفظ الطالق من‬
‫وقوع الفرقة‪ ،‬أو مجازه من كوهنا طال ًقا من َح ْبل ونحوه‪.‬‬
‫والهزل ال ينايف األهلية يف االعتقادات‪ ،‬فلو قال اإلنسان كلمة الكفر على سبيل‬
‫الهزل؛ فإنه يرتتب عليه آثارها‪ ،‬ويؤاخذ عليها‪.‬‬
‫وأما الهزل يف التصرفات فإنه على قسمين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫أ‪ -‬التصرفات التي ال أثر للهزل فيها‪ ،‬وهي‪ :‬النكاح‪ ،‬والطالق‪ ،‬والعتاق‪ ،‬فهذه‬

‫‪   ‬‬


‫ال أثر للهزل فيها‪ ،‬فيؤاخذ اإلنسان بتلفظه‪ ،‬وترتتب عليه آثارها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ب‪ -‬التصرفات التي يؤثر فيها الهزل‪ ،‬كالبيع والشراء‪ ،‬فهذه ال تنعقد بمجرد الهزل‪،‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وال ترتتب عليه آثارها‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪ -5‬اخلطأ‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫المكلف بالفعل غير المحل الذي تقصد به الجناية‪ ،‬فيكون يف‬


‫الخطأ هو أن يقصد ُ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفعل والقصد م ًعا‪ ،‬فلو رمى شخص حيوانًا بحجر‪ ،‬فأصاب هذا الحجر إنسانًا‪ ،‬فإن ذلك‬
‫‪    ‬‬

‫محضا؛ ألنه لم يقصد رمي ذلك اإلنسان‪ ،‬ولم يقصد إصابته‪ .‬وكما لو تمضمض‬‫يعد خطأ ً‬
‫‪    ‬‬

‫الصائم وسرى الماء إلى حلقه‪.‬‬


‫والحكم يف الخطأ مثل الحكم يف النسيان‪ُ ،‬يعذر صاحبه يف العبادات‪ ،‬دون حقوق العباد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -6‬السفر‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ال ينايف السفر األهلية‪ ،‬غير أن الشارع جعل السفر سب ًبا لتخفيف بعض األحكام؛‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫كقصر الصالة‪ ،‬وجواز الجمع بينها‪ ،‬وإباحة الفطر للصائم‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -7‬اإلكراه(((‪:‬‬
‫اإلكراه يأيت بمعنى اإلجبار‪ ،‬وهو الحمل على فعل الشيء بغير رضى منه‪ ،‬أو اختيار‪.‬‬
‫‪‬‬

‫واإلكراه يقع على نوعين‪ ،‬هما‪:‬‬


‫(اإلكراه الملجئ‪ ،‬واإلكراه غير الملجئ)‪.‬‬
‫المكره إلى فوات نفسه‬
‫َ‬ ‫أ‪ -‬اإلكراه الملجئ‪ ،‬وهو اإلكراه الذي يؤدي عدم امتثال‬

‫((( ذكر ابن قدامة حكم تكليف المكره‪ ،‬انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)92/1‬‬
‫‪72‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫أو تلف عضو من أعضائه‪.‬‬


‫ب‪ -‬اإلكـراه غيـر الملجـئ‪ ،‬وهـو اإلكـراه الـذي ال يفضـي إلـى فـوات النفـس‪،‬‬
‫أو تلف األعضاء‪.‬‬
‫ً‬
‫ملجأ ُي َعدُّ‬ ‫إكراها‬
‫ً‬ ‫واإلكراه بنو َع ْيه ال ينفي أهلية األداء يف األصل‪ ،‬غير أن المكره‬
‫كالمكره‬
‫أثر شرعي‪ُ ،‬‬ ‫المكره أو فعله ٌ‬
‫معذورا يف بعض األحكام‪ ،‬فال يرتتب على قول ُ‬ ‫ً‬
‫على قول كلمة الكفر‪ ،‬والبيع‪ ،‬والطالق‪ ،‬وأما اإلكراه على ما فيه جناية على اآلخرين فإن‬

‫‪   ‬‬


‫نفس معصومة فإنه ال يجوز له إتالفها‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫حينئذ ال ُيعذر بذلك‪ ،‬فلو ُأكره على إتالف ٍ‬ ‫المكره‬
‫ُ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فإن أتلفها؛ فإنه يرتتب أثر القتل من القصاص أو الدية‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)37/1‬‬
‫‪ -‬التقرير والتحبري (‪.)172/2‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه حملمد اخلضري (ص‪.)93‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)149‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص‪.)211‬‬
‫‪ -‬طلبة الطلبة (ص‪.)161‬‬

‫‪73‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حقيقة احلكم الوضعي‬

‫تعريف احلكم الوضعي‪:‬‬


‫الحكم الوضعي‪ :‬هو‪( :‬خطاب الشارع‪ ،‬المتعلق بأفعال المكلفين‪ ،‬بالوضع)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وهذا التعريف سبق بيانه يف حقيقة الحكم الشرعي(((‪ ،‬والذي يتعلق منه بالحكم‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الوضعي‪ ،‬هو قولهم‪( :‬بالوضع)‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫أمورا‪ُ ،‬سميت‪ :‬أسبا ًبا‪ ،‬وشرو ًطا‪،‬‬

‫‪‬‬
‫وموانع‪،‬‬
‫َ‬ ‫‪     ‬‬ ‫وقولهم‪( :‬الوضع) معناه‪ :‬أن الشارع َش َر َع ً‬

‫‪   ‬‬


‫ُيعرف عند وجودها أحكا ُم الشرع من اإلثبات والنفي‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وعليه‪ :‬فإن األحكام ُتوجد بوجود األسباب والشروط‪ ،‬وتنتفي بوجود الموانع‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫وانتفاء األسباب والشروط‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وسمي (خطاب الوضع)‪ :‬ألنه شي ٌء وضعه اهلل يف شرعه لالستدالل به على‬ ‫ُ‬
‫األحكام‪ ،‬فجعل الشيء‪ :‬سب ًبا‪ ،‬وشر ًطا‪ ،‬وذلك أنه لما كان‬
‫‪    ‬‬

‫يعسر على ُمعظم الخلق معرفة‬


‫ُ‬
‫األحكام يف بعض األحوال؛ أظهر اهلل خطابه بأمور محسوسة جعلها مقتضية ألحكامها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)412/1‬‬


‫‪ -‬سواد الناظر للقاضي عالء الدين العسقالني (‪.)239/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1048/3‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)442 ،334/1‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)57‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص‪.)167‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي بني النظرية والتطبيق (ص‪.)51‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)39‬‬


‫‪74‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫حقيقة السبب‪ ،‬وأنواعه‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حقيقة السبب‪:‬‬
‫السبب هو‪ :‬ما يلزم من وجوده الوجود‪ ،‬ومن عدمه العدم لذاته(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫احرتاز من الشرط؛ ألن الشرط ال يلزم من وجوده‬
‫ٌ‬ ‫فقولهم‪( :‬من وجوده الوجود)‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أيضا؛ ألن المانع يلزم من وجوده العدم‪.‬‬
‫الوجود وال العدم‪ ،‬واحرتز به من المانع ً‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وقولهم‪( :‬ومن عدمه العدم) ُيحرتز به كذلك من المانع‪ ،‬من جهة أن المانع ال يلزم‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫من عدمه العدم أو الوجود‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقولهم‪( :‬لذاته)‪ :‬معناه‪ :‬أي لذات السبب‪ ،‬وهذا اللفظ هو لبيان أن السبب لو‬
‫‪   ‬‬

‫قارنه فقدان شرط‪ ،‬أو وجود مانع فإن العدم يعود إليهما‪ ،‬ال إلى ذات السبب‪ ،‬ومثاله‪ :‬أن‬
‫‪    ‬‬

‫اإلنسان قد يملك النصاب‪ ،‬ويحول عليه الحول‪ ،‬ولكن عليه د ْي ٌن يستغرق ماله‪ ،‬فإن الزكاة‬
‫‪    ‬‬

‫ال تجب عليه‪ ،‬ال ألن السبب غير موجود‪ ،‬بل لوجود مانع الدين‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أنواع السبب‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫قسم األصوليون السبب باعتبارات متعددة‪ ،‬أهمها ثالثة اعتبارات (ذاته‪ -‬اقترانه‬
‫بالحكم‪ -‬مناسبته للحكم)‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫االعتبار األول‪ :‬من حيث ذاته‪ ،‬وينقسم إىل قسمني‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫القسم األول‪ :‬السبب القولي‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وهو ما كان مصدره القول واللفظ‪.‬‬


‫‪‬‬

‫مثاله‪ :‬التلفظ بالطالق‪ ،‬والرجعة‪ ،‬والظهار‪ ،‬وكذلك ألفاظ البيع والشراء‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬السبب الفعلي‪:‬‬
‫وهو ما كان مصدره الفعل‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬إحياء الموات‪ :‬سبب للتملك‪ ،‬والزنا‪ :‬سبب للعقوبة‪.‬‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)1060/3‬‬


‫‪75‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬من حيث اقرتانه باحلكم‪ ،‬وينقسم إىل قسمني‪ ،‬هما‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬السبب المتقدم على الحكم‪:‬‬
‫وهذا يف أكثر األحكام‪ ،‬كاألسباب الموجبة للصالة‪ ،‬وأسباب وجوب الزكاة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬السبب المقارن للحكم‪:‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬حيازة المال المباح بسبب االستيالء عليه‪ ،‬عن طريق الصيد‪ ،‬أو‬
‫استخراج المعادن‪ ،‬أو إحياء الموات‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫االعتبار الثالث‪ :‬من حيث مناسبته للحكم‪ ،‬وينقسم إىل قسمني‪ ،‬هما‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم األول‪ :‬السبب المناسب للحكم‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫وهو السبب الذي يستلزم مصلحة يدركها العقل من تشريع الحكم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫مثاله‪ :‬اإلسكار سبب لتحريم الخمر‪ ،‬وهذا السبب يدرك العقل مناسبته يف كونه‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حف ًظا للعقول وصيان ًة لها‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬السبب غير المناسب‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫وهو السبب الذي ال يظهر للعقل يف ترتيب الحكم عليه مصلحة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬زوال الشمس سبب لوجوب صالة الظهر‪ ،‬فهذا السبب ال يدرك العقل مناسبته‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)425/1‬‬


‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)251/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1060/3‬‬
‫‪ -‬مذكر أصول الفقه (ص‪.)60‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)400‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص‪.)196‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)267‬‬

‫‪76‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫أقسام املانع وأمثلته‬

‫قسم األصوليون المانع إلى قسمين‪ ،‬هما‪( :‬مانع الحكم‪ ،‬ومانع السبب)‪.‬‬
‫القسم األول‪ :‬مانع احلكم‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وهو وصف ظاهر منضبط‪ ،‬يلزم من وجوده حكم ٌة تقتضي نقيض حكم السبب(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫األبوة يف القصاص العمد؛ إذا قتل الوالد ابنه عمدً ا فإنه ال ُيقتص منه‪ ،‬مع أن‬
‫مثاله‪ّ :‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫سبب للقصاص‪ ،‬وحكمة ذلك‪ :‬أن األب سبب لوجود الولد‪ ،‬فال يحسن أن يكون‬
‫القتل ٌ‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫االبن سب ًبا لعدم أبيه‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬مانع السبب‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫وهو وصف ي ِ‬
‫خ ُّل وجوده بحكمة السبب(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ُ‬
‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬الدَّ ْين يف الزكاة‪ ،‬من المعلوم أنه إذا بلغ المال النصاب فإن فيه الزكاة‪،‬‬
‫لكن إن كان مالك المال مدينًا بما ُينقص النصاب؛ فإن الزكاة ال تجب يف ماله؛‬
‫‪ ‬‬

‫شكرا على تلك‬


‫ً‬ ‫وذلك ألن حكمة وجوب الزكاة هي كثرته كثر ًة تحتمل المواساة‪،‬‬
‫النعمة‪ ،‬لكن لما كان المدين مطا َل ًبا بصرف الذي يملكه يف الدَّ ين‪ ،‬صارت هذه‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الكثرة كالعدم‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫وهذه الموانع تأتي على نوعين‪:‬‬


‫‪‬‬

‫النوع األول‪ :‬مانع يمنع من ابتداء الحكم‪ ،‬وال يمنع استمراره‪.‬‬


‫‪‬‬

‫مثاله‪ :‬اإلحرام‪ ،‬يمنع من ابتداء النكاح‪ ،‬وال يمنع دوامه‪.‬‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)1073/3‬‬


‫((( التحبير (‪.)1073/3‬‬
‫‪77‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫النوع الثاين‪ :‬مانع يمنع من ابتداء الحكم واستمراره‪.‬‬


‫مثاله‪ :‬الحيض‪ ،‬يمنع من ابتداء الصوم‪ ،‬ويمنع من االستمرار فيه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)12/2‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1073/3‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)463/1‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)461‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص‪.)182‬‬

‫‪78‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫املصطلحات املتعلقة بالصحة والفساد‬

‫يتعلق بالصحة والفساد عد ٌد من المصطلحات‪ ،‬ومن أهم تلك المصطلحات أربعة‪:‬‬


‫(اإلجزاء‪ -‬اإلثابة‪ -‬الكمال‪ -‬النقص)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬اإلجزاء‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫هو سقوط القضاء‪ ،‬فال ُيحتاج إلى فعل العبادة مر ًة ُأخرى‪ ،‬وهذا ال يكون إال إذا‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫كانت العبادة موافقة ألمر الشارع‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬اإلثابة‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫هو ترتب األجر على العمل؛ واإلثابة والصحة يجتمعان ويفرتقان‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫صحيحا مثا ًبا عليه؛ وذلك يف العمل الذي ُو ِجدَ ت شروطه‬ ‫فقد يكون العمل‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫وأركانه‪ ،‬ولم يقرتن به ما يخل بكماله من المعاصي‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وقد يكون العمل غير صحيح ومثا ًبا عليه؛ كأن يفعل المكلف الطاعة وقد َّ‬
‫أخل‬
‫ٍ‬
‫شرط من شروطها‪ ،‬من غير قصد‪ ،‬فيكون مثا ًبا على عمله‪ ،‬وأما‬ ‫ٍ‬
‫بركن من أركاهنا‪ ،‬أو‬
‫‪ ‬‬

‫العمل فغير مجزئ‪.‬‬


‫صحيحا غير مثاب عليه؛ وذلك إذا أتى المكلف بالعمل على‬ ‫وقد يكون العمل‬
‫‪   ‬‬

‫ً‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الوجه المطلوب‪ ،‬ولكن اقرتن بعمله معصية ُت ِ‬


‫خ ُّل بالمقصود‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الكمال‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الكمال يف العبادة على نوعين‪ ،‬هما‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الكمال الواجب‪ ،‬والكمال المستحب‪.‬‬


‫‪ -1‬الكمال الواجب‪ :‬وهو أن يقتصر يف العبادة على الواجب منها‪.‬‬
‫‪ -2‬الكمال المستحب‪ :‬وهو أن ال يقتصر يف العبادة على الواجب منها‪ ،‬بل يأيت فيها‬
‫بما زاد عن ذلك‪.‬‬

‫‪79‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫راب ًعا‪ :‬النقص‪:‬‬


‫النقص يف العبادة على نوعين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫النقص يف الواجبات‪ ،‬والنقص يف المستحبات‪.‬‬
‫‪ -1‬النقص يف الواجبات‪ :‬هو ترك بعض الواجب‪ ،‬كإخراج بعض الزكاة‬
‫دون جميعها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -2‬النقص يف المستحبات‪ :‬هو االقتصار على الواجب دون المستحب‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أو االقتصار على بعض المستحب دون كماله‪ ،‬كاالقتصار على تسبيحة واحدة يف الركوع‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬جمموع الفتاوى (‪.)305-290/19‬‬
‫‪ -‬معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص‪.)317‬‬

‫‪80‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫التفاضل بني العزمية والرخصة‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬
‫العزيمة والرخصة حكمان شرعيان‪ ،‬فإذا اجتمعا يف محل واحد‪ ،‬كالمسافر يف هنار‬
‫رمضان‪ ،‬فهل األفضل أن يأخذ بالرخصة ويفطر‪ ،‬أو يأخذ بالعزيمة ويتم صومه؟‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ال خالف بين العلماء يف أن األخذ بالرخص مباح؛ قال ابن رشد‪( :‬ال اختالف يف أن‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫األخذ بالرخص يف مثل هذا جائز)(((‪ .‬والخالف بينهم يف أفضلية األخذ بالرخصة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة واملناقشات‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اختلف األصوليون يف التفاضل بين العزيمة والرخصة‪ ،‬على قولين‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫القول األول‪ :‬أن األفضل هو األخذ بالعزيمة‪ ،‬وقد نُسب هذا القول إلى اإلمام‬
‫‪    ‬‬

‫أحمد بن حنبل ‪$‬؛ لقوله يف األسير ُيخ َّير بين القتل وشرب الخمر‪( :‬إن صرب فله‬
‫الشرف‪ ،‬وإن لم يصرب فله الرخصة)(((‪ ،‬وإليه ذهب الحنفية والشافعية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أن األفضل هو األخذ بالرخصة‪ ،‬وإليه ذهب المالكية‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫دليل القول األول (أفضلية األخذ بالعزمية)‬


‫الدليل األول‪ :‬أن العزيمة هي األصل المقطوع به‪ ،‬وأما الرخصة فغير مقطو ٍع هبا؛‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ألن سببها المشقة‪ ،‬والمشقة غير منضبطة؛ لتفاوهتا بحسب األشخاص واألحوال‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن األخذ بالرخص قد يكون وسيلة إلى ضعف العزائم‬
‫يف العبادات‪ ،‬وأما األخذ بالعزيمة فإنه يؤدي إلى الثبات على العبادة‪،‬‬
‫واألخذ بالحزم‪.‬‬

‫((( البيان والتحصيل (‪.)473/18‬‬


‫((( شرح مختصر الروضة (‪.)465/1‬‬
‫‪81‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫دليل الق ًول الثاني (أفضلية األخذ بالرخصة)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬عموم النصوص الواردة يف التيسير ورفع الحرج‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫قـول اهلل تعالـى‪﴿ :‬ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [المائـدة‪،]6:‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [الحج‪.]78 :‬‬
‫الدليـل الثـاين‪ :‬أن األخـذ بالعزيمـة وتـرك الرخصـة مع وجـود الداعيـة إلى ذلك‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫قـد يـؤدي إلـى الفتـور عـن الطاعـة‪ ،‬واالنقطـاع عـن العبـادة؛ وذلـك لمشـقة العزيمـة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫على النفس‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫وقد ذهب بعض العلماء إلى التفصيل يف المسألة‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ومجمل هذا التفصيل‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫أن إطلاق القـول يف أفضليـة العزيمـة أو الرخصـة ال ُيطـر ُد يف جميـع األحـوال‬


‫‪   ‬‬

‫علـى عمـوم المكلفيـن؛ بـل يعـود ذلـك إلـى كل مكلـف بحسـبه؛ ألن المشـقة أمـر‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نسـبي يختلـف باختلاف األحـوال واألعيـان‪ ،‬وعليـه‪ :‬فـإن المكلـف فقيـه نفسـه‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫ينظـر يف كل مسـألة بخصوصهـا‪ ،‬ويأخـذ باألصلـح لـه مـن حيـث‪ :‬الرخصـة‪،‬‬


‫أو العزيمة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف التفاضل بين الرخصة والعزيمة خال ًفا يف‬
‫‪ ‬‬

‫بعض المسائل الفقهية‪ ،‬ومنها ما يأيت‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫مسألة صوم املسافر‪:‬‬


‫‪‬‬

‫فقد اختلف فيها العلماء‪:‬‬

‫‪ -‬فمن رأى أفضلية الرخصة ذهب إلى أن الفطر أفضل له‪.‬‬

‫‪ -‬ومن رأى أفضلية العزيمة قال‪ :‬إن الصوم أفضل له‪.‬‬

‫‪82‬‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫مسألة‪ :‬الصرب على اإليذاء عند اإلكراه لقول كلمة الكفر‪:‬‬


‫‪ -‬فمن رأى أفضلية الرتخص قال‪ :‬إن األفضل التلفظ بكلمة الكفر‪.‬‬
‫تحم ُل األذى ونحوه‪.‬‬
‫‪ -‬ومن رأى أفضلية العزيمة قال‪ :‬إن األفضل ُّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)465/1‬‬


‫‪ -‬املوافقات (‪.)541/1‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)257/6‬‬
‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (‪.)340/1‬‬
‫‪ -‬املهذب يف علم أصول الفقه املقارن (‪.)459/1‬‬
‫‪ -‬البيان والتحصيل (‪.)472/18‬‬
‫‪ -‬البناية شرح اهلداية (‪.)57/11‬‬
‫‪ -‬احلاوي الكبري (‪.)268/2‬‬
‫‪83‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفرق بني السبب والعلة‬

‫فرق بعض األصوليني بني السبب والعلة؛ من جهة‪:‬‬


‫وخصوصا مطل ًقا؛ فكل علة سبب‬
‫ً‬ ‫أن السبب أعم من العلة‪ ،‬أي‪ :‬أن بينهما عمو ًما‬

‫‪   ‬‬


‫وليس كل سبب علة‪ ،‬فإذا كانت المناسبة بين العلة والحكم مما تدركه عقولنا فهو سبب‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وعلة‪ ،‬وإذا كانت المناسبة بين العلة والحكم مما ال تدركه عقولنا فهو سبب فقط‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وفرق البعض اآلخر؛ بأن العلة تختص بما كانت المناسبة يف الحكم مما تدركه‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫العقول‪ ،‬ويختص السبب بما كانت المناسبة يف الحكم مما ال تدركه العقول‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فمثال ما تدركه العقول من المناسبات‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫اإلسكار يف الخمر‪ ،‬هو علة وسبب لتحريمه على القول بالعموم والخصوص‬
‫‪    ‬‬

‫بينهما‪ ،‬وعلة فقط على القول بالتباين‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثال ما ال تدركه العقول من المناسبات‪:‬‬


‫الزوال لصالة الظهر‪ ،‬فهو سبب لوجوب الصالة ال علة لها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وملخص الفرق بينهما‪:‬‬


‫أن العلة فيها مناسبة ظاهرة لتشريع الحكم‪ ،‬والسبب قد ال تظهر فيه المناسبة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)425/1‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)251/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1060/3‬‬
‫‪ -‬مذكر أصول الفقه (ص‪.)60‬‬
‫‪ -‬احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص‪.)400‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)267‬‬

‫‪84‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫الفرق بني الشرط والسبب‬

‫تقدم تعريف السبب((( بأنه (ما يلزم من وجوده الوجود‪ ،‬ومن عدمه العدم لذاته)(((‪،‬‬
‫وقد عرف ابن قدامة الشرط بأنه‪ :‬ما يلز ُم من انتفائه انتفاء الحكم(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫والشرط والسبب يتفقان‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫بأن ًّ‬
‫كاًّل منهما يلزم من عدمه عدم الحكم‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ٌ‬
‫شرط من‬ ‫ومثال ذلك‪ :‬صالة الظهر‪ :‬ال تصح شر ًعا بفقدان الطهارة؛ ألن الطهارة‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫شروطها‪ ،‬وكذلك ال تصح قبل زوال الشمس؛ ألن الزوال سبب الوجوب‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فرق األصوليون بني السبب والشرط من جهة الوجود‪:‬‬


‫وأما الفرق‪ ،‬فقد َّ‬
‫‪   ‬‬

‫فالسبب يلزم من وجوده الوجود‪ ،‬وأما الشرط فال يلزم من وجوده وجود وال عدم‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثال ذلك‪ :‬صالة الظهر‪ :‬يلزم من زوال الشمس وجوهبا على المكلف؛ ألن‬
‫‪    ‬‬

‫الزوال سبب الوجوب‪ ،‬وال يلزم من أحد شروط الصالة ‪-‬كالطهارة‪ -‬أداء الصالة؛‬
‫‪    ‬‬

‫الحتمال عدم وجود بقية الشروط‪ ،‬وكذلك ال يلزم من الطهارة عدم أداء الصالة؛ الحتمال‬
‫‪ ‬‬

‫اكتمال الشروط‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)434/1‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)262‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)75‬‬


‫((( التحبير للمرداوي (‪.)1060/3‬‬
‫((( روضة الناظر (‪.)105/1‬‬
‫‪85‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفرق بني الشرط والركن‬

‫عرف ابن قدامة الشرط بأنه‪ :‬ما يلز ُم من انتفائه انتفا ُء الحكم(((‪ ،‬ولم يتعرض ‪$‬‬
‫إلى تعريف الركن‪.‬‬
‫والركن هو‪ :‬ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم‪ ،‬ويطلق على ٍ‬
‫جزء من الماهية(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ُ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومن خالل التعريف يتضح أن الركن والشرط يتفقان‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫يف توقف وجود الحكم على وجودهما؛ فعد ُم أحدهما يلزم منه عدم الحكم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ٌ‬
‫شرط من‬ ‫ومثال ذلك‪ :‬الصالة‪ :‬ال تصح شر ًعا بفقدان الطهارة؛ ألن الطهارة‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫شروطها‪ ،‬وكذلك ال تصح بعدم الركوع؛ ألن الركوع ركن من أركان الصالة‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫فرق األصوليون بينهما من وجهني‪:‬‬


‫وأما الفرق بينهما فقد َّ‬
‫‪    ‬‬

‫أمر خارج عن الماهية‪.‬‬


‫الوجه األول‪ :‬أن الركن جزء من ماهية الشيء‪ ،‬وأما الشرط فإنه ٌ‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثال ذلك‪ :‬الركوع يف الصالة ركن‪ ،‬وهو جزء من ماهية الصالة‪ ،‬وأما الطهارة فهي‬
‫شرط‪ ،‬وهي خارجة عن ماهية الصالة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن الركن يتوقف عليه الوجود الذهني والخارجي جمي ًعا‪ ،‬وأما الشرط‬
‫فإنما يتوقف عليه الوجود الخارجي فقط مع تحقق الوجود يف الذهن‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ومثال ذلك‪ :‬أنه ال يمكننا أن نتصور الصالة الشرعية يف أذهاننا من غير ركوع‪ ،‬وأما‬
‫‪ ‬‬

‫الطهارة فيمكننا تصور الصالة مع فقداهنا‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)227/3‬‬
‫‪ -‬التعريفات (ص‪.)112‬‬
‫‪ -‬الكليات للكفوي (ص‪.)481‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)288‬‬

‫((( روضة الناظر (‪.)105/1‬‬


‫((( انظر‪ :‬التعريفات (ص‪ ،)112‬والكليات للكفوي (ص‪.)481‬‬
‫‪86‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫الفرق بني شرطي الوجوب والصحة‬

‫الفرق بني شرطي الوجوب والصحة‪ ،‬هو عني الفرق بني‪ :‬خطاب التكليف‪،‬‬
‫وخطاب الوضع؛ حيث إن‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫شرط الوجوب‪ ،‬من خطاب الوضع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وشرط الصحة‪ ،‬من خطاب التكليف‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫وعليه فإن الفرق بينهما يظهر من جهة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫مأمورا به‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن شرط الوجوب‪ :‬ليس يف قدرة المكلف‪ ،‬وقد يكون يف قدرته غير أنه ليس‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وأما شرط الصحة‪ :‬فإنه يف مقدور المكلف‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫مثال ذلك‪ :‬الحج‪ُ :‬يشرتط لوجوبه البلوغ‪ ،‬وهذا ليس للمكلف فيه قدرة‪ ،‬ويشرتط‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مأمورا باالستطاعة من‬


‫ً‬ ‫لوجوبه االستطاعة‪ ،‬وهذا يحصل بقدرة المكلف غير أنه ليس‬
‫‪    ‬‬

‫حيث هي‪.‬‬
‫ويشرتط لصحته أن يقع يف أشهر الحج‪ ،‬وهذا يف مقدور المكلف‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)62‬‬

‫‪87‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفرق بني املانع والسبب‬

‫تقدم تعريف السبب((( بأنه (ما يلزم من وجوده الوجود‪ ،‬ومن عدمه العدم لذاته)(((‪،‬‬
‫وقد عرف ابن قدامة المانع بقوله‪ :‬ما يلزم من وجوده عدم الحكم(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومن خالل التعريفني يتضح الفرق بينهما من جهة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أن السبب‪ :‬يلزم من وجوده وجود الحكم‪ ،‬وأما المانع‪ :‬فإنه يلزم من وجوده‬

‫‪   ‬‬


‫عدم الحكم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬القصاص‪ :‬يجب بالقتل العمد العدوان؛ ألن القتل العمد العدوان‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫سبب لوجوب القصاص‪ ،‬ويمتنع القصاص إذا كان القاتل أ ًبا للمقتول؛ ألن األبوة من‬
‫ٌ‬
‫‪    ‬‬

‫موانع القصاص‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬روضة الناظر (‪.)106-104/1‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)262‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)75‬‬


‫((( التحبير للمرداوي (‪.)1060/3‬‬
‫((( روضة الناظر (‪.)106/1‬‬
‫‪88‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫الفرق بني املانع والشرط‬

‫عرف ابن قدامة الشرط بأنه‪ :‬ما يلز ُم من انتفائه انتفاء الحكم(((‪.‬‬
‫َّ‬
‫وعرف المانع بقوله‪ :‬ما يلزم من وجوده عدم الحكم(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومن خالل التعريفني تظهر جهة التفريق بينهما من حيث‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫إن الشرط يؤثر من جهة العدم‪ ،‬والمانع يؤثر من جهة الوجود؛ فانتفاء الشرط يلزم‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫منه عدم الحكم‪ ،‬ووجود المانع يلزم منه عدم الحكم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬الصالة‪ :‬ال تصح من غير طهارة؛ ألن الطهارة من شروط الصالة‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وال تصح من الحائض؛ ألن وجود الحيض من موانع الصالة‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬روضة الناظر (‪.)106-105/1‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)262‬‬

‫((( روضة الناظر (‪.)105/1‬‬


‫((( روضة الناظر (‪.)106/1‬‬
‫‪89‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫عالقة احلكم الشرعي‬


‫بالسبب والشرط واملانع‬
‫سبق الكالم عن السبب والمانع‪ ،‬وعن الشرط والسبب‪ ،‬وعن المانع والشرط‪ّ ،‬‬
‫كل‬
‫على حدة؛ حيث تم بيان ماهية ٍّ‬
‫كل منها‪ ،‬والفرق بينها‪ ،‬مع التمثيل لها(((‪.‬‬
‫وأما عالقة هذه األحكام باحلكم الشرعي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫فإن الحكم الشرعي ال يثبت إال بثبوت السبب والشرط‪ ،‬وانتفاء المانع‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وبيان ذلك يف المثال اآلتي‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حكم شرعي‪ ،‬وثبوت هذا الحكم يتوقف‬‫ٌ‬ ‫وجوب القصاص يف القتل‪ :‬فإن ذلك‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫على توافر األسباب والشروط‪ ،‬وانتفاء الموانع‪ ،‬وبانخرام أحدها ينتفي الحكم الشرعي‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫وهو وجوب القصاص‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فأما األسباب‪ :‬فيجب أن يكون القتل عمدً ا وعدوانًا لثبوت القصاص‪ ،‬فإن لم يكن‬
‫‪    ‬‬

‫عمدً ا وعدوانًا لم يثبت القصاص النتفاء السبب‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وأما الشروط‪ :‬فيجب أن يكون المقتول معصوم الدم‪ ،‬فإن كان غير معصوم الدم‬
‫ٍ‬
‫‪ ‬‬

‫شرط من شروط القصاص‪.‬‬ ‫‪-‬كالحربي‪ -‬لم يثبت القصاص؛ النتفاء‬


‫األبو َة مانع ٌة من‬
‫وأما الموانع‪ :‬فإذا كان القاتل أ ًبا للمقتول لم يثبت القصاص؛ ألن َّ‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫استيفاء القصاص‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)434/1‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)262‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪( ،)85‬ص‪.)89-88‬‬


‫‪90‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب األول‪ :‬احلكم الشرعي‬

‫الفرق بني احلكم التكليفـي والوضعي‬

‫ف ّرق األصوليون بني احلكم التكليفي واحلكم الوضعي بعدة فروق؛ أهمها‬
‫ثالثة فروق‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫الفرق األول‪ :‬أن الحكم التكليفي‪ :‬أمر وطلب‪ ،‬ومثاله‪ :‬األمر بأداء الحج‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫سبب للضمان‪.‬‬
‫وأما الحكم الوضعي‪ :‬فهو إخبار‪ ،‬ومثاله‪ :‬اإلخبار بأن اإلتالف ٌ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الفرق الثاني‪ :‬أن الحكم التكليفي ُيشرتط فيه علم المك َّلف وقدرته‪ ،‬ومثاله‪ :‬الحج‪،‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫ال يجب على المكلف إال بعد علمه بوجوبه عليه‪ ،‬وبقدرته على أدائه‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المك َّلف أو أي شرط من شروط التكليف‪،‬‬


‫وأما الحكم الوضعي فال ُيشرتط فيه علم ُ‬
‫‪   ‬‬

‫ومثاله‪ :‬ضمان إتالف الصبي‪ ،‬فالصبي غير مكلف؛ ورغم ذلك فإنه يضمن ما أتلفه؛ ألن‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حكم وضع إزاء سببه‪ ،‬وهو اإلتالف‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫الضمان‬
‫‪    ‬‬

‫الفرق الثالث‪ :‬أن الحكم التكليفي ُيوصف به الفعل الذي هو من كسب العبد‪ ،‬ومثاله‪:‬‬
‫ُيوصف العبد بسقوط فريضة الحج عنه إذا كان قد أ ّداها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كسبه‪ ،‬ومثاله‪ :‬إذا أرضعت زوجتُه‬


‫وأما الحكم الوضعي فال ُيشرتط أن يكون من ْ‬
‫‪   ‬‬

‫طفلةً‪ ،‬فإن هذه الطفلة َت ْح ُر ُم عليه بسبب الرضاع‪ ،‬والرضاع ليس من كسبه‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)415/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1050/3‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)435/1‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)58‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)198‬‬

‫‪91‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب الثاني‪:‬‬
‫تفصيل ُ‬
‫األصول‬
‫واالستصحاب)‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫(الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫تعريف الدليل واأللفاظ ذات الصلة به‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف الدليل‪:‬‬
‫لغة‪ :‬يطلق حقيقة على المرشد‪ ،‬وهو الناصب للدليل أو الذاكر له‪.‬‬
‫الدليل ً‬

‫‪   ‬‬


‫ففي أصول الفقه الناصب‪ :‬هو اهلل ‪ ،۵‬والذاكر‪ :‬هو الرسول ﷺ‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مجازا على ما يحصل به اإلرشاد‪ ،‬وهو العالمة التي نصبت للتعريف‪.‬‬
‫ً‬ ‫ويطلق‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫وما يحصل به اإلرشاد هنا‪ :‬هو كتاب اهلل وسنة رسوله ﷺ‪ ،‬وما نشأ عنهما من‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اإلجماع والقياس وغيرهما من األدلة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اصطالحا‪ :‬هو‪( :‬ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خربي)(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫الدليل‬
‫‪   ‬‬

‫وإنما قالوا‪( :‬ما يمكن) ولم يقولوا‪( :‬ما يتوصل)‪ ،‬لإلشارة إلى أن المعترب التوصل‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بالقوة؛ ألنه يكون ً‬


‫دلياًل ولو لم ينظر فيه‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وخرج بقولهم‪( :‬بصحيح النظر)‪ :‬النظر الفاسد فإنه ال يمكن أن يتوصل به إلى‬
‫مطلوب خربي؛ النتفاء وجه الداللة عنه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وقولهم‪( :‬مطلوب خبري) معناه‪ :‬ما يخرب به‪ ،‬وهو التصديق‪ ،‬فيكون المطلوب‬
‫خارجا عن هذا التعريف‪ ،‬مثل‪ :‬األقوال الشارحة‪ ،‬والحدود‪ ،‬والرسوم‪.‬‬
‫ً‬ ‫التصوري‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ويشمل (المطلوب الخبري) ما يفيد القطع والظن‪ ،‬وهو مذهب الحنابلة‪ ،‬وأكثر‬
‫‪ ‬‬

‫الفقهاء واألصوليين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫قال القاضي أبو يعلى‪( :‬وال فرق بين أن يكون معلو ًما وبين أن يكون مظنونًا‪،‬‬
‫‪‬‬

‫وحكي عن بعض المتكلمين‪ :‬أن الدليل اسم لما كان موج ًبا للعلم‪ ،‬فأما ما كان موج ًبا‬
‫ُ‬
‫للظن فهو أمارة‪ ،‬وهذا غير صحيح؛ ألن ذلك اسم لغوي‪ ،‬وأهل اللغة ال يفرقون بينهما‪،‬‬
‫ِ‬
‫كالموجب للعلم)(((‪.‬‬ ‫وأيضا‪ :‬فإنه مرشد إلى المطلوب؛ فوجب أن يكون ً‬
‫دلياًل‬ ‫ً‬

‫((( شرح مختصر الروضة (‪.)673/2‬‬


‫((( العدة ألبي يعلى (‪.)132-131/1‬‬
‫‪95‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثان ًيا‪ :‬األلفاظ ذات الصلة (الربهان – األمارة ‪ -‬احلجة)‪:‬‬


‫‪ -1‬البرهان‪:‬‬
‫مقدمات الدليل فيه يقينيةً‪ ،‬فإذا كانت مقدمات الدليل كلها‬
‫ُ‬ ‫وهو عند المناطقة ما كانت‬
‫قطعية لم ينتج إال قطع ًّيا ‪ ،‬ويسمى حينئذ برهانًا؛ كقولهم‪( :‬العالم متغير‪ ،‬وكل متغير حادث)‪،‬‬
‫ينتج‪( :‬العالم حادث) ‪ ،‬وإن كانت مقدماته كلها أو بعضها ظنية لم ينتج إال ظن ًّيا‪ ،‬وال يسمى‬
‫برهانًا‪ ،‬مثاله‪ :‬الوضوء عبادة‪ ،‬وكل عبادة يشرتط لها النية‪ ،‬ينتج‪ :‬الوضوء يشرتط له النية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫فالدليل أعم من الربهان؛ ألنه يطلق على ما كانت مقدماته يقينية أو ظنية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -2‬األمارة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهي عند المتكلمين الدليل المظنون‪ ،‬كخرب الواحد والقياس‪ ،‬وهذه عبارة وضعها‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أهل النظر للتفريق بين ما يفضي إلى العلم‪ ،‬وبين ما يؤدي إلى غلبة الظن‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫واألمارات على ضربين‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الضرب األول‪ :‬ما له أصل يرجع إليه يف الشريعة‪ ،‬مثل‪ :‬القياس‪ ،‬ووجوه االستدالل‬
‫‪    ‬‬

‫التي ُتذكر يف الفقه‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫والضرب الثاين‪ :‬ما ال أصل له يرجع إليه يف الشريعة؛ كالرجوع إلى العادة الجارية‬
‫يف تقويم المستهلكات‪ ،‬وأروش الجنايات التي ليس فيها َأ ْرش ُمقدَّ ر‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الح َّجة‪:‬‬
‫‪ُ -3‬‬
‫‪   ‬‬

‫هي الدليل الذي يدل على صحة الدعوى والغلبة به على الخصم‪ ،‬فإن ما ثبتت به‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدعوى من حيث إفادته للبيان يسمى بينة‪ ،‬ومن حيث الغلبة به على الخصم يسمى‪ :‬حجة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وقيل‪ :‬الحجة والدليل بمعنى واحد‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)136-135/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)203-193/1‬‬
‫‪ -‬الفروق اللغوية (ص‪.)70-68‬‬
‫‪ -‬التعريفات (ص‪.)82‬‬
‫‪ -‬الكليات للكفوي (ص‪.)406‬‬

‫‪96‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫تقسيمات األدلة باعتبارات متعددة‬

‫قسم األصوليون األدلة باعتبارات عدة‪ ،‬أهمها ثالث‪( :‬االتفاق على االحتجاج‪،‬‬
‫وطريق المعرفة‪ ،‬والغرض من الدليل)‪.‬‬

‫االعتبار األول‪ :‬من حيث االتفاق على االحتجاج إىل قسمني‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫القسم األول‪ :‬األدلة المتفق عليها‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫(القرآن‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬ودليل العقل المبقي على النفي األصلي)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬األدلة المختلف فيها‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومنها‪( :‬شرع من قبلنا‪ ،‬وقول الصحابي‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬واالستصالح)‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫قسم ابن قدامة األدلة من تلك الحيثية‪ ،‬ولم يجعل القياس ضمن مباحث‬ ‫كذا ّ‬
‫‪    ‬‬

‫األدلة‪ ،‬بل جعله ضمن مباحث دالالت األلفاظ تب ًعا للغزالي؛ وذكره يف القسم الخاص‬
‫‪    ‬‬

‫بالداللة من حيث معقول اللفظ‪ ،‬وذكر تحته جميع أحكام القياس وأنواعه‪ ،‬وعدد من‬
‫‪    ‬‬

‫األصوليين يذكرون القياس ضمن مباحث األدلة المتفق عليها‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬من حيث طريق معرفتها إىل قسمني‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬أدلة نقلية‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫(الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬وقول الصحابي‪ ،‬وشرع من قبلنا‪ ،‬والعرف)‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬أدلة عقلية‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫(القياس‪ ،‬والمصلحة المرسلة‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬واالستصحاب)‪.‬‬


‫‪‬‬

‫االعتبار الثالث‪ :‬من حيث الغرض منها إىل قسمني‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬أدلة مشروعية األحكام‪:‬‬
‫وهي األدلة التي نصبها الشارع أدلة على األحكام‪ ،‬تستنبط منها مشروعيتها‪.‬‬
‫مثل‪ :‬الكتاب‪ ،‬والسنة‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬والقياس‪ ،‬والرباءة األصلية‪ ،‬ونحو ذلك من األدلة‪.‬‬
‫وهذه األدلة ُيستنبط منها ك ٌُّل من األحكام التكليفية‪ :‬من وجوب واستحباب‬
‫وتحريم وكراهة وإباحة‪ ،‬واألحكام الوضعية‪ :‬من شرط وسبب ومانع ونحوها‪.‬‬
‫‪97‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وأدلة المشروعية محصورة لتوقفها على ورود الشرع‪ ،‬وبعضها مجمع عليه كالكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬وبعضها مختلف فيه كقول الصحابي واالستحسان ونحو ذلك‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬أدلة وقوع األحكام‪:‬‬
‫الح ْكـم مـن السـبب‪،‬‬ ‫ِ‬
‫وهـي األدلـة الح ِّسـية أو العقليـة الدالـة علـى حـدوث ُم َع ِّرفـات ُ‬
‫والشـرط‪ ،‬والمانـع‪ ،‬فهـي دالـة علـى وقـوع األحـكام بعـد مشـروعيتها‪ ،‬وهـي أدلـة كثيـرة‬
‫ال يحصرها عدد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وتنقسم أدلة وقوع األحكام إىل قسمني (عامة ‪ -‬خاصة بالقضاء)‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫القسم األول‪ :‬األدلة العامة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫نحو‪ :‬العقل‪ ،‬والحس‪ ،‬والعادة والتجربة‪ ،‬وغير ذلك من اآلالت البشرية أو المصنوعة‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫التي يعرف هبا دخول أوقات العبادات‪ ،‬وحلول أزمنة المعامالت‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬األدلة الخاصة بالقضاء‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نحو اإلقرار‪ ،‬والبينة‪ ،‬واليمين‪ ،‬والنكول‪ ،‬ونحو ذلك مما يذكره أهل الفقه يف كتب‬
‫‪    ‬‬

‫القضاء؛ كأدلة على وجوب تطبيق الحكم الشرعي هنا‪.‬‬


‫مثال‪ :‬الزوال سبب لوجوب الظهر؛ فدليل مشروعية ذلك قوله تعالى‪﴿ :‬ﭭ ﭮ‬
‫‪ ‬‬

‫ﭯ ﭰ﴾ [اإلسراء‪.]78:‬‬
‫وأما دليل وقوع الزوال وحصوله يف العالم‪ ،‬فهو إما برؤية الظل‪ ،‬أو باآلالت البشرية‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫المصنوعة الدالة عليه‪ ،‬كاإلسطرالب والعيدان المركوزة يف األرض‪ ،‬وغيرها مما يستخدم‬
‫‪ ‬‬

‫قديما وحدي ًثا لمعرفة الزوال‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫‪‬‬

‫وكذلـك (جميـع األسـباب والشـروط والموانـع ال تتوقـف علـى نصـب مـن جهـة‬
‫‪‬‬

‫الشـارع‪ ،‬بـل المتوقـف هـو سـببية السـبب‪ ،‬وشـرطية الشـرط‪ ،‬ومانعيـة المانـع‪ ،‬أمـا وقـوع هـذه‬
‫األمـور فال يتوقـف علـى نصـب مـن جهـة الشـرع‪ ،‬وال تنحصـر تلك األدلـة يف عـدد‪ ،‬وال يمكن‬
‫القضـاء عليهـا بالتناهـي)(((‪.‬‬

‫((( الفروق للقرايف (‪.)129-128/1‬‬


‫‪98‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫عرفات ما هو معلوم بالضرورة؛ كداللة ال ِّظل على الزوال‪،‬‬


‫الم ِّ‬
‫ومن هذه األدلة على وقوع ُ‬
‫ومنها ما هو ظنِّي؛ كطرق اإلثبات من اإلقرار‪ ،‬والب ِّينات‪ ،‬واأليمان‪ ،‬والنُّكول‪ ،‬واستصحاب‬
‫األصول؛ من أصل الطهارة‪ ،‬وبراءة الذمة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)9-8‬‬
‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)445‬‬
‫‪ -‬الفروق وتهذيبه (‪.)140 ،129-128 /1‬‬
‫‪ -‬بدائع الفوائد (‪.)15-12/4‬‬
‫‪ -‬أدلة شرعية األحكام وأدلة وقوعها (ص ‪.)142-85‬‬

‫‪99‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفرق بني أدلة األحكام الشرعية‬


‫وأدلة وقوعها‬
‫فرق األصوليون بني أدلة شرعية األحكام‪ ،‬وأدلة وقوعها خبمسة فروق‪:‬‬
‫َّ‬
‫الفرق األول‪ :‬أدلة المشروعية ُتعرف من جهة الشرع‪ ،‬وأما أدلة الوقوع فتعرف بغير ذلك؛‬

‫‪   ‬‬


‫من حس‪ ،‬وعقل‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الفرق الثاني‪ :‬أدلة الشرع محصورة‪ ،‬يف حين أن أدلة الوقوع غير محصورة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الفرق الثالث‪ :‬أدلة الشرع تثمر ما يسمى يف كتب أصول الفقه‪ :‬باألحكام التكليفية‪،‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫واألحكام الوضعية‪ ،‬وأما أدلة الوقوع فهي مرحلة تالية بعد ثبوت األحكام؛ حيث يتوقف‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫عليها إثبات وقوع أدلة األحكام الوضعية‪ ،‬فتثبت وجود علة الحكم‪ ،‬ووقوع سببه‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫وحصول شرطه وانتفاء موانعه ونحو ذلك‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الفرق الرابع‪ :‬أدلة األحكام الشرعية تختص معرفتها بعلماء الشرع وطلبته‪ ،‬وأما أدلة‬
‫‪    ‬‬

‫وقوعها فيعرفها جميع المكلفين غال ًبا‪ ،‬كمعرفتهم بزوال الشمس‪ ،‬وظهور هالل رمضان‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫ونزول الحيض الموجب قطع الصالة والصيام ونحو ذلك‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫الفرق اخلامس‪ :‬أن أدلة المشروعية يعرف هبا تأثير معرفات الحكم‪ ،‬فيعرف سبب َّية‬
‫عرفات‪،‬‬ ‫الم ِّ‬
‫السبب‪ ،‬وشرطية الشرط‪ ،‬ومانعية المانع‪ ،‬أما أدلة الوقوع فيعرف هبا وجود ُ‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أو انتفاؤها يف المحكوم عليه فقط‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الفروق للقرافي (‪.)129-128/1‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)169/6‬‬
‫‪ -‬اإلحكام فـي متييز الفتاوى عن األحكام (‪.)194/1‬‬
‫‪ -‬بدائع الفوائد (‪.)15/4‬‬
‫‪ -‬أدلة شرعية األحكام وأدلة وقوعها (ص‪.)142-85‬‬

‫‪100‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫خصائص الدليل النقلي من الكتاب والسنة‪،‬‬


‫ومكانته‪ ،‬وموقفه من الدليل العقلي‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬خصائص الدليل النقلي ومكانته‪:‬‬
‫‪ -1‬ربانية المصدر‪ :‬فالدليل النقلي يتميز عن غيره من األدلة بأنه دليل إلهي‪ ،‬ووحي‬
‫دلياًل مبن ًّيا على دليل من الوحي‪ ،‬بل هو نفسه وحي‪،‬‬ ‫رباين مباشر بال واسطة؛ فليس هو ً‬

‫‪   ‬‬


‫سواء كان قرآنًا أو سنة‪ ،‬فكالهما وحي رباين‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [النجم‪.]4:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -2‬العصمة من الخطأ‪ :‬وهذا مبني على سابقه‪ ،‬فكون هذا الدليل وح ًيا ربان ًّيا يعني‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫عصمته عن الخطأ المحتمل يف غيره من األدلة؛ كالقياس‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬وقول الصحابي‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وغيرها من األدلة‪ ،‬وإنما يدخل الخطأ يف االستدالل بدليل الوحي (الدليل النقلي)‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫من جهة استدالل المستدل ال من جهة الدليل نفسه‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪ -3‬الهيمنة على غيره من األدلة‪ :‬فالدليل النقلي من كتاب أو سنة هو الحاكم على‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫غيره من األدلة بالصحة‪ ،‬فاإلجماع ال يكون إال عن مستند شرعي‪ ،‬والقياس ال يكون إال‬
‫أيضا‪ ،‬فمهما تعارض دليل غير الكتاب والسنة مع‬ ‫بناء على دليل نقلي‪ ،‬وغيره من األدلة ً‬
‫‪    ‬‬

‫الكتاب والسنة فالغلبة والحاكمية للدليل النقلي على تفاصيل عند األصوليين‪.‬‬
‫أيضا مبني على كون مصدرية هذا الدليل ربانية‪ ،‬فالقرآن كالمه سبحانه لفظه‬ ‫وذلك ً‬
‫‪ ‬‬

‫ومعناه‪ ،‬والسنة وحيه إلى رسوله يعرب عنه بلفظه‪ ،‬واإلجماع مبني عليهما؛ إذ ال إجماع إال‬
‫‪   ‬‬

‫بمستند من النصوص‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -4‬الدليل النقلي هو األصل‪ ،‬والعقل أداة‪ :‬لفهمه والعمل به‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬مكانة العقل فـي الشرع‪:‬‬


‫نصوص الشرع قد تواترت على تعظيم منزلة العقل‪ ،‬والحث على االهتمام به‪ ،‬بل‬
‫‪‬‬

‫جعل سبحانه من مقاصد الشرع وضروراته الخمس الرئيسة الحفاظ على العقل بجانب‬
‫والع ْرض والمال والنفس‪ ،‬فالعقل خلق اهلل‪ ،‬والنقل تنزيله ووحيه سبحانه‪ ،‬فلم‬ ‫الدين ِ‬
‫ينزل اهلل سبحانه شر ًعا يعارض العقل الذي خلقه‪ ،‬وال جعل للعقل المخلوق أن يعرتض‬
‫على الشرع المنزل‪.‬‬
‫وقد َّ‬
‫دل الشرع على مكانة العقل من وجوه كثيرة‪ ،‬أبرزها ما يلي‪:‬‬
‫‪-١‬ثناء اهلل سبحانه على أصحاب العقول وأولي األلباب يف آيات كثيرة‪ ،‬كما يف قوله‬
‫‪101‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫تعالى‪﴿ :‬ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [البقرة‪.]269:‬‬


‫‪-٢‬الحث على إعمال العقل بالتفكر والتدبر وأخذ العظة والعبرة‪ ،‬والنظر يف ملكوت‬
‫السماوات واألرض‪ ،‬ويف أحوال األمم السابقة‪ ،‬قال سبحانه‪﴿ :‬ﭻ ﭼ ﭽﭾ ﭿ‬
‫ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [النساء‪ ،]82:‬وقال‪﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ‬
‫ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [األعراف‪.]185:‬‬
‫‪-٣‬ذم التقليد واتباع اآلباء والكبراء دون دليل؛ لما يف ذلك من تعطي ٍل لنعمة العقل‬

‫‪   ‬‬


‫التي م ّيز اهلل سبحانه هبا اإلنسان عن غيره‪ ،‬قال ابن الجوزي‪« :‬إن أعظم النعم على اإلنسان‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫توصل به إلى تصديق الرسل‪ ،‬إال‬ ‫العقل؛ ألنه اآللة يف معرفة اإلله سبحانه‪ ،‬والسبب الذي ُي َّ‬

‫‪   ‬‬


‫أنه لما لم ينهض بكل المراد من العبد‪ُ ،‬بعثت الرسل‪ ،‬و ُأنزلت الكتب‪ ،‬فمثال الشرع‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشمس‪ ،‬ومثال العقل‪ :‬العين‪ ،‬فإذا ُفتحت وكانت سليمة رأت الشمس»(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪-٤‬تعليق التكليف ولزوم األحكام على وجود العقل‪ ،‬واألمر بالمحافظة عليه‪ ،‬وتحريم‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫خل به ويؤثر عليه من المسكرات ونحوها‪ ،‬وإيجاب الدية كاملة يف زواله باالعتداء عليه‪.‬‬ ‫كل ما ُي ُّ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪-٥‬دور العقل ووظيفته الكبرى يف فهم الشرع ودراسته‪ ،‬ومن مجاالته يف ذلك‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫الح َكم والمقاصد التي تضمنتها أحكامها‪ ،‬قال‬ ‫أواًل‪ :‬فهم النصوص الشرعية‪ ،‬وإدراك ِ‬‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫الراغب األصفهاين‪« :‬اعلم أن العقل لن يهتدي إال بالشرع‪ ،‬والشرع ال يتبين إال بالعقل‪ ،‬فالعقل‬
‫أس»(((‪.‬‬ ‫كاألُس‪ ،‬والشرع كالبناء‪ ،‬ولن يغني ٌّ‬
‫أس ما لم يكن بنا ٌء‪ ،‬ولن يثبت بنا ٌء ما لم يكن ٌ‬
‫‪ ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬إعمال العقل باالجتهاد الستنباط األحكام التي لم يرد فيها نص شرعي؛ إما‬
‫بقياسها على أحكام منصوصة عند اتحاد العلة‪ ،‬أو بالنظر يف األدلة األخرى كاالستصحاب‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫واالستصالح‪ ،‬وسد الذرائع‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬تنزيل األحكام الشرعية على الوقائع؛ فوصول المجتهد إلى الحكم األنسب‬
‫‪ ‬‬

‫للواقعة يحتاج إلى فهم الواقع المحيط هبا‪ ،‬ومراعاة العوائد واألعراف‪ ،‬والموازنة بين‬
‫‪‬‬

‫المصالح والمفاسد‪ ،‬والنظر يف المآالت والمقاصد‪ ،‬قال العز بن عبد السالم‪« :‬من أراد‬
‫‪‬‬

‫أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحهما ومرجوحهما؛ فليعرض ذلك على‬
‫عقله بتقدير أن الشرع لم يرد به‪ ،‬ثم يبني عليه األحكام‪ ،‬فال يكاد حكم منها يخرج عن‬
‫ذلك إال ما تعبد اهلل به عباده ولم يوقفهم على مصلحته أو مفسدته»(((‪.‬‬

‫((( تلبيس إبليس (ص‪.)3‬‬


‫((( تفصيل النشأتين وتحصيل السعادتين (ص‪.)73‬‬
‫((( قواعد األحكام (‪.)8 /1‬‬
‫‪102‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫راب ًعا‪ :‬الجمع بين األدلة التي ظاهرها التعارض‪ ،‬أو الرتجيح بينها‪ ،‬وحمل النصوص‬
‫على محاملها الصحيحة‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬موقف الدليل النقلي من الدليل العقلي‪:‬‬
‫إن العالقة بين الدليل النقلي والدليل العقلي عالقة تكاملية يف األصل‪ ،‬فالنقل‬
‫لم يرد بنبذ العقل‪ ،‬أو العكس‪ ،‬بل إن األدلة العقلية اتخذت موقعها لتعضيد الدليل النقلي‬
‫من حيث التكوين والثبوت‪ ،‬وكذا األدلة النقلية وردت لتؤكد على أهمية الدليل العقلي‬

‫‪   ‬‬


‫ودوره يف التأصيل الشرعي‪ ،‬واالجتهاد الفروعي على حد سواء‪ ،‬ويمكن صياغة موقف‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الدليل النقلي من الدليل العقلي يف ثالث نقاط رئيسة‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫كاًّل من الدليل العقلي والنقلي يعضد بعضه اآلخر‪ ،‬فلو ورد النقل أن اهلل‬ ‫أواًل‪ :‬أن ًّ‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫سبحانه وتعالى واحد ال شريك له يف عشرات اآليات القرآنية؛ فإن الدليل العقلي يصدّ ق‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ويعضده كما يف دليل التمانع العقلي‪.‬‬‫ّ‬ ‫ذلك الدليل‬


‫‪   ‬‬

‫وبيان دليل التمانع‪ :‬أنه لو افت ُِرض وجود إلهين لهذا الكون‪ ،‬فأراد اإلله األول أن‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فأي اإللهين‬
‫تطلع الشمس من المشرق‪ ،‬وأراد اإلله الثاين أن تطلع الشمس من المغرب‪ّ ،‬‬
‫‪    ‬‬

‫ُيمضي إرادته؟ فلو كان األول فالثاين إذن ليس بإله؛ ألن قدرته ناقصة‪ ،‬والناقص ال يمكن‬
‫أن يكون إلها‪ ،‬وإن تح ّققت إرادة الثاين فإن األول ليس ٍ‬
‫بإله كذلك‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ ‬‬

‫دلياًل عقل ًّيا‪ ،‬كما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ‬ ‫ثان ًيا‪ :‬أن الدليل النقلي قد يتضمن ً‬
‫ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [األنعام‪ ]76:‬فإن اآلية دليل نقلي جاء متضمنًا لربهان عقلي ليثبت به‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫عجز المعبود الذي يتعرض لألفول والغياب‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬أن األدلة النقلية تحتاج للدليل العقلي موط ًئا للتسليم هبا‪ ،‬فإن اإلنسان يخاطب‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫بدليل العقل ليعلم صدق الوحي والنبوة‪ ،‬ومن َث َّم يسلم بما ورد عنهما‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)81-80‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي(‪.)1246-1231/3‬‬
‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام البن حزم(‪.)99-93/1‬‬
‫‪ -‬موقف املتكلمني من االستدالل بالكتاب والسنة (‪.)٢٧٣-٢٦٢ /١‬‬
‫‪ -‬العقل مكانته وداللته الشرعية على األصول االعتقادية (ص‪.)٣٢-٢٨‬‬

‫‪103‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫خصائص القرآن الكريم‬

‫القرآن هو المصدر األساس للتشريع الذي يضبط سلوكيات الناس وتصرفاهتم‪،‬‬


‫وقد حوى من القواعد العامة ما ييسر على الناس معرفة أحكام تصرفاهتم‪ ،‬ويحقق‬
‫سعادهتم يف الدنيا واآلخرة‪ ،‬وقد تميز بست خصائص رئيسة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬ربانية املصدر ً‬
‫لفظا ومع ًنى‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القرآن الكريم رأس الوحي اإللهي‪ ،‬أوحاه رب العالمين إلى رسوله الكريم بصور‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الوحي المختلفة بلفظه ومعناه‪ ،‬وليس معناه فقط؛ كما يف السنة التي يعرب عنها رسول اهلل‬
‫‪    ‬‬
‫ﷺ بلفظه‪ ،‬وكذلك فليس هو ً‬
‫دلياًل مبن ًّيا على دليل آخر من الوحي‪ ،‬بل هو أصل بذاته‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أنه كالم اهلل غري خملوق‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫لفظه ومعناه‪ ،‬وليس معناه القائم بالنفس فقط كالم اهلل كما يدّ عي األشاعرة‪ ،‬وال هو‬
‫‪    ‬‬

‫وصف ٌة من صفاته سبحانه‪.‬‬ ‫مخلوق كما يدعي المعتزلة‪ ،‬بل هو كالم اهلل ِ‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬اإلعجاز‪ :‬فالقرآن معجز كله جبميع سوره‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫وليس هو كالكتب القديمة التي ليست معجزة‪ ،‬وال هو معجز ببعض سوره دون‬
‫بالص ْر َفة(((‪ ،‬كما يدعي النَّ َّظام وغيره من المعتزلة‪.‬‬
‫بعض‪ ،‬وهو معجز يف نفسه وليس ِّ‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫راب ًعا‪ :‬النقل بالتواتر‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫آيات ليست يف المصحف نقلها اآلحاد‪ ،‬وال يحتج هبا ألهنا لم تنقل‬ ‫فخرج بالتواتر ٌ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫نقل القرآن من التواتر‪ ،‬ويحتج هبا عند أبي حنيفة كأخبار اآلحاد‪.‬‬
‫‪‬‬

‫خامسا‪ :‬تتفرع عنه األدلة الشرعية ويهيمن عليها‪:‬‬


‫ً‬
‫وتكتسـب قوهتـا بقـدر اعتمادهـا عليـه‪ ،‬فهـو ومعـه السـنة النبويـة الوحـي‬
‫اإللهـي‪ ،‬وعنهمـا تتفـرع األدلـة‪ ،‬فاإلجمـاع ال بـد لـه مـن مسـتند مـن القـرآن‬

‫((( الصرفة‪ :‬صرف العرب عن إجابة التحدي الرباين واإلتيان بمثل القرآن الكريم رغم قدرهتم على ذلك‪،‬‬
‫وأول من قال هبا النظام المعتزلي‪.‬‬
‫‪104‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫أو السـنة‪ ،‬والقيـاس ال بـد لألصـل المقيـس عليـه مـن دليـل مـن القـرآن أو‬
‫السـنة‪ ،‬وقـول الصحابـي ينضبـط بـأن قبولـه يتوقـف علـى عـدم مخالفـة نـص مـن القـرآن‬
‫نصا من القرآن والسنة‪.‬‬
‫أو السنة‪ ،‬وهكذا يشرتط يف كل األدلة الباقية أال تصادم ًّ‬
‫سادسا‪ :‬العصمة من اخلطأ‪:‬‬
‫ً‬
‫وهذا مبني على ما سبق من كونه وح ًيا ربان ًّيا‪ ،‬فكونه كذلك يعني عصمته عن الخطأ‬
‫المحتمل يف غيره من األدلة‪ ،‬كالقياس واالستحسان وقول الصحابي وغيرها من األدلة‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وإنما يدخل الخطأ يف االستدالل بالقرآن الكريم من جهة استدالل المستدل‪ ،‬ال من جهة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الدليل القرآين نفسه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)20-8/2‬‬
‫‪ -‬تقريب الوصول (ص‪.)177-176‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)66-64‬‬

‫‪105‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القراءات القرآنية‪ ،‬أنواعها‪ ،‬وشروطها‬

‫لمـا وقـع التشـاحن بيـن المسـلمين بسـبب اختلاف القـراءات قـام عثمان بـن‬
‫ٍ‬
‫واحـد‪ ،‬وهـو مـا ُعـرف بــ (المصحـف‬ ‫ٍ‬
‫مصحـف‬ ‫عفـان ﭬ بجمـع النـاس علـى‬
‫العثمـاين)‪ ،‬فك َّلـف عـد ًدا مـن الصحابـة بجمـع القـرآن مـن الصـدور والصحائـف‬

‫‪   ‬‬


‫وتوحيـد رسـمه‪ ،‬ور ِّد مـا حصـل فيـه مـن االختلاف إلـى لغـة قريـش(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وتفرقـت نسـخ‬ ‫وبعـد أن اسـتقر رسـم المصحـف يف الدولـة اإلسلامية‬

‫‪   ‬‬


‫ّ‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫(مصحـف عثمـان) يف األقطـار‪ ،‬بـدأت مـدارس اإلقـراء يف االنتشـار‪ ،‬وكانـت تلـك‬
‫‪    ‬‬
‫المـدارس هـي مبتـدأ ظهـور مـا عـرف بالقـراءات العشـر‪ ،‬التـي تلقتهـا األمـة بالقبول‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وانعقـد اتفاقهـا علـى صحتهـا‪ ،‬وكانـت أبـرز تلـك المـدارس‪ ،‬مدرسـة الحجـاز‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫ٍ‬
‫‪    ‬‬

‫قرائهـا‪:‬‬
‫كعـب‪ ،‬وزيد بـن ثابـت‪ ،‬ومـن أهـم َّ‬ ‫أبي بـن‬
‫والتـي اعتمـدت علـى قـراءة ِّ‬
‫‪    ‬‬

‫ابن كثيـر ونافـع‪ ،‬ومدرسـة الشـام‪ ،‬والتـي اعتمـدت علـى قـراءة أبي الـدرداء ﭬ‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وأشـهر ّقرائهـا‪ :‬عبد اهلل بـن عامـر‪ ،‬ومدرسـة البصـرة واشـتهر مـن َّقرائهـا‪ :‬أبو عمرو بـن‬
‫العلاء ويعقـوب‪ ،‬ومدرسـة الكوفـة‪ ،‬والتـي اعتمـدت علـى قـراءة علي بـن أبي طالب ﭬ‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومـن أشـهر قرائهـا‪ :‬عاصم بـن أبي النجـود‪ ،‬وحمـزة الزيـات‪ ،‬وعلـي الكسـائي‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ثـم تضافـرت جهـود علمـاء القـراءات إلـى ضبـط تلـك القـراءات‪ ،‬وحرصـوا‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫علـى وضـع شـروط تمايـز بينهـا‪ ،‬وتوالـت إسـهاماهتم يف هـذا الصـدد بدايـة مـن‬
‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫وصـواًل البـن الجـزري يف القـرن التاسـع‪.‬‬ ‫ابن مجاهـد يف القـرن الرابـع‬
‫‪‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعري�ف الق�راءات القرآني�ة‪:‬‬
‫‪‬‬

‫القـراءات القرآنيـة هـي‪( :‬علـم ُيعـرف بـه كيفيـة النطـق بالكلمـات القرآنيـة‪،‬‬
‫وطريـق أدائهـا اتفا ًقـا واختال ًفـا‪ ،‬مـع عـزو كل وجـه لناقلـه)(((‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪.)4987‬‬


‫((( البدور الزاهرة (ص‪.)7‬‬
‫‪106‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫ثان ًي�ا‪ :‬أن�واع الق�راءات القرآنية‪:‬‬


‫تنقسـم القـراءات القرآنية باعتباريـن (القبول ‪ -‬والذات)‪:‬‬
‫األول‪ :‬باعتبـار القبول‪ ،‬إلى قسـمين‪ :‬قـراءة مقبولة‪ ،‬وقراءة مردودة‪.‬‬

‫وسـيأيت بياهنا يف مسـألة الحقة(((‪.‬‬


‫الثـاين‪ :‬باعتبـار ذاتهـا إلى سـتة أقسـام كما حصرها السـيوطي‪ ،‬وهـي‪( :‬القراءة‬

‫‪   ‬‬


‫المتواتـرة‪ ،‬والمشـهورة‪ ،‬واآلحاد‪ ،‬والشـاذة‪ ،‬والموضوعة‪ ،‬والمدرجة)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والتقسـيم المشـهور لدى األصوليين مقتصر على قسـمين (متواترة‪ -‬شاذة)‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫القسـم األول‪ :‬القراءة المتواترة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫جمـع ‪-‬ال يمكـن تواطؤهـم علـى الكـذب‪ -‬عـن‬
‫ٌ‬ ‫وهـي القـراءة التـي نقلهـا‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مثلهـم إلـى منتهـى اإلسـناد؛ كالقـراءات العشـر‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫فيظهـر مـن تعريفهـا السـابق أن مـدار شـرطها علـى النقـل المتواتـر يف طبقـات‬
‫‪    ‬‬

‫اإلسـناد مـن أولـه إلـى هنايتـه‪ ،‬ومـا كان كذلـك فهـو موافـق للرسـم العثمـاين‪ ،‬موافـق‬
‫‪    ‬‬

‫للعربيـة قط ًعـا‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسـم الثاين‪ :‬القراءة الشاذة‪:‬‬


‫وهـي كل مـا سـوى القـراءة المتواتـرة‪ ،‬بمعنـى‪ :‬أنـه مـا اختـل فيـه شـرط مـن‬
‫‪ ‬‬

‫شـروط القـراءة المتواتـرة؛ سـواء كان مـن جهـة النقـل‪ ،‬أو الرسـم العثمـاين‪ ،‬قـال‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الزركشـي‪( :‬ويف االصطلاح عكـس المتواتـر‪ ،‬وقد سـبق أن المتواتر قراءة سـاعدها‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫خـط المصحـف مـع صحـة النقـل فيهـا ومجيئهـا علـى الفصيـح مـن لغـة العـرب‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫قـال الشـيخ أبو شـامة‪ :‬فمتـى اختـل أحـد هـذه األركان الثالثـة أطلـق علـى تلـك‬
‫‪‬‬

‫القـراءة أهنـا شـاذة) ( (( ‪ ،‬وقيـل‪ :‬إن الشـاذة هـي مـا خالفـت رسـم المصحـف‪،‬‬
‫‪‬‬

‫يحصـل‬
‫ّ‬ ‫وحاصلـه يئـول إلـى مـا سـبق؛ ألن مـا خالـف رسـم المصحـف لن‬
‫شـرط التواتـر يف النقـل‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)109‬‬


‫((( البحر المحيط (‪.)219/2‬‬
‫‪107‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫قال المرداوي‪( :‬اختلف العلماء يف الشاذ‪ ،‬فالصحيح من مذهب اإلمام أحمد‬


‫وعليه أصحابه‪ :‬أن الشاذ ما خالف مصحف عثمان بن عفان ﭬ الذي كتبه وأرسله‬
‫إلى اآلفاق)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬منجد املقرئني ومرشد الطالبني (ص‪.)24-18‬‬
‫‪ -‬النشر فـي القراءات العشر (‪.)14-9/1‬‬
‫‪ -‬اإلتقان للسيوطي (‪.)280-258/1‬‬
‫‪ -‬مناهل العرفان (‪.)21-19/1‬‬
‫‪ -‬البدور الزاهرة (ص‪.)7‬‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)1384/3‬‬


‫‪108‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫(((‬
‫شروط القراءة املقبولة‬

‫تضافـرت جهـود علمـاء القراءات إلـى ضبط القـراءات القرآنية التـي انعقد إجماع‬
‫األمـة علـى قبولهـا‪ ،‬وحرصـوا علـى وضع شـروط يجـب توافرهـا يف القراءة حتـى يحكم‬
‫لهـا بالقبـول‪ ،‬واعتبارها قرآنا‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وقـد انحصـرت تلـك الشـروط التـي يجـب توافرهـا يف القـراءة للحكـم عليهـا بالقبـول‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يف ثالثـة شـروط رئيسـة‪ ،‬وهـي‪ :‬صحـة الروايـة‪ ،‬وموافقـة الرسـم العثمـاين‪ ،‬وموافقـة العربيـة‪،‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهي كالتالي‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الشرط األول‪ :‬صحة الرواية (السند)‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫والمراد بالرواية أو السند‪ ،‬هو سلسلة الرجال التي تصل بين القارئ وبين النبي ﷺ‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫فهـذا اإلسـناد هـو أول الشـروط الثبوتيـة‪ ،‬أو أول األركان التـي يجـب توافرهـا يف الروايـة‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المقبولـة‪.‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫اتفق أئمة القراءات على أن صحة السـند شـرط يف قبول القراءة‪.‬‬


‫ٍ‬
‫‪   ‬‬

‫بوجـه‪ ،‬ووافقـت أحـدَ‬ ‫قـال ابن الجـزري‪( :‬فـكل قـراءة وافقـت العربيـة ولـو‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫احتمـااًل‪ ،‬وصـح سـندها‪ ،‬فهـي القـراءة الصحيحـة التـي‬ ‫المصاحـف العثمانيـة ولـو‬
‫‪ ‬‬

‫ال يجـوز ر ُّدهـا وال يحـل إنكارهـا‪ ،‬بـل هـي مـن األحـرف السـبعة التـي نـزل هبـا القـرآن‬
‫‪‬‬

‫ووجـب علـى النـاس قبولهـا‪ ،‬سـواء كانـت عـن األئمـة السـبعة‪ ،‬أم عـن العشـرة‪ ،‬أم عـن‬
‫‪‬‬

‫غيرهـم مـن األئمـة المقبوليـن)(((‪.‬‬


‫تواتـرا؟ أم يكفـي أن يصـح السـند‬
‫ً‬ ‫واختلفـوا يف تلـك الصحـة‪ ،‬هـل يجـب أن تثبـت‬
‫ولـو بطريـق اآلحـاد؟ علـى قولين‪:‬‬

‫((( ذكرت يف بعض التوصيفات بعنوان‪( :‬شروط القراءة المتواترة)‪ ،‬والعنوان المثبت أشمل وأولى؛ ألن شروط‬
‫القراءة المتواترة مختصة بالنقل فقط‪ ،‬والمراد القراءة التي تعد قرآنا‪ ،‬التي من جملة أركاهنا النقل المتواتر‪.‬‬
‫((( النشر يف القراءات العشر (‪.)9/1‬‬
‫‪109‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫اختلف العلماء يف اشتراط التواتر لقبول القراءة على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن صحة السند تكفي يف قبول القراءة ويف تحقق شرط اإلسناد‪،‬‬
‫تواترا‪ ،‬وإليه ذهب اإلمام ابن الجزري وأبو شامة‪،‬‬
‫ً‬ ‫وال يشرتط أن تكون الرواية منقولة‬
‫وغيرهم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫القول الثاين‪ :‬أن القراءة المقبولة يشرتط لها النقل بالتواتر‪ ،‬وال يكفي صحة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫سندها من طريق اآلحاد‪ ،‬ويعزى هذا القول للكثير من األئمة المتقدمين كمكي بن‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫أبي طالب‪ ،‬وهو اختيار جمع من األصوليين؛ منهم عبد الوهاب السبكي وغيره‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫دليل القول األول (عدم اشرتاط التواتر)‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليـل األول‪ :‬أن اشتراط التواتـر يعنـي يف حقيقتـه إهمـال سـائر الشـروط األخـرى‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫(كموافقـة الرسـم وموافقـة العربيـة)؛ ألن ثبـوت القـراءة عـن طريـق التواتـر يعنـي بالقطـع‬
‫‪    ‬‬

‫ثبوهتـا عـن النبـي ﷺ‪ ،‬وهـو مـا ال يحتـاج معـه إلـى اشتراط شـيء زائـد مـن موافقـة الرسـم‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫أو موافقة العربية‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن بعض القراء انفردوا بحروف لم تبلغ حد التواتر‪ ،‬وعلى الرغم‬
‫‪ ‬‬

‫من ذلك تلقتها األمة بالقبول‪ ،‬وحصل اإلجماع على كوهنا قراءة مقبولة تصح هبا‬
‫الصالة‪ ،‬وما إلى ذلك‪ ،‬وهذا دليل على عدم اشرتاط التواتر‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن هذه األحرف قد ثبتت بالتواتر عند صاحب القراءة؛ ولذلك قرأ هبا‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ولم تثبت بالتواتر عند غيره‪ ،‬فلذلك لم يقرأ هبا‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫دليل القول الثاني (اشرتاط التواتر)‪:‬‬


‫‪‬‬

‫أن القول بعدم اشرتاط التواتر يفضي إلى تسوية غير القرآن بالقرآن‪ ،‬وكأن الكالم‬
‫الثابت بغير التواتر يكافئ القرآن يف الثبوت‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن هذا القول ال يلزم منه تلك التسوية؛ ألن نقل اآلحاد الذي تصح به‬
‫الرواية القرآنية يشرتط فيه أن يقرتن به من القرآن ما يجعله مفيدً ا للعلم‪ ،‬وهو ما يخالف‬
‫غيره من األخبار‪.‬‬

‫‪110‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف‪:‬‬


‫والحقيقة أن الخالف عند التحقيق إنما هو يف طريق حصول العلم القطعي‬
‫بالرواية؛ بمعنى‪َّ :‬‬
‫أن كال الفريقين متفق على أن الرواية الناقلة للقرآن يجب أن تفيد‬
‫العلم القطعي‪ ،‬ولكن بعضهم رأى أن ذلك غير حاصل إال بالتواتر‪ ،‬فاشرتط التواتر يف‬
‫القراءة المقبولة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫والفريق الثاين رأى أن العلم القطعي قد يحصل بخرب الواحد إذا احتفت به‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫من القرائن ما يفضي إلى حصول العلم به‪ ،‬وهذا ما عناه ابن الجزري بقوله‪( :‬وقد‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫يوجد يف الكتب المشهورة المتلقاة بالقبول تباينًا يف بعض األصول والفرش كما يف‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشاطبية‪ ،‬نحو قراءة ابن ذكوان‪﴿ :‬ﭗ﴾ [يونس‪ ]89:‬بتخفيف النون‪ ...‬وغير ذلك من‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫التسهيالت‪ ،‬واإلماالت التي ال توجد يف غيرها من الكتب إال يف كتاب أو اثنين‪ ،‬وهذا‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫ال يثبت به تواتر‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فهذا وشبهه وإن لم يبلغ مبلغ التواتر‪ :‬صحيح مقطوع به‪ ،‬نعتقد أنه من القرآن‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وأنه من األحرف السبعة التي نزل القرآن هبا‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫والعدل الضابط إذا انفرد بشيء تحتمله العربية والرسم‪ ،‬واستفاض وتلقي‬
‫بالقبول‪ ،‬قطع به وحصل به العلم‪ ،‬وهذا قاله األئمة يف الحديث‪ :‬المتلقى بالقبول‬
‫‪ ‬‬

‫أنه يفيد القطع)(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫إذن فالحاصل أن الفريقين متفقان على أن القراءة يجب أن تتميز عن سائر‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الروايات‪ ،‬وهذا التميز يحصل بإفادهتا للعلم القطعي؛ بمعنى‪ :‬أن الرواية يجب أن تفيد‬
‫‪ ‬‬

‫قطعية الثبوت؛ إما عن طريق التواتر كرأي أحد الفريقين‪ ،‬أو عن طريق التواتر أو خرب‬
‫‪‬‬

‫اآلحاد المحتف بالقرائن المفيدة للعلم القطعي‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬موافقة الرسم العثماني‪:‬‬


‫والمراد بالرسم العثماين رسم مصحف عثمان بن عفان الذي جمع الناس عليه‪،‬‬
‫وأرسله إلى سائر األمصار لما اختلفوا يف القراءة وكادوا يقتتلون فيما بينهم‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص‪ )21‬بتصرف‪.‬‬


‫‪111‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وموافقة الرسم من األمور المتفق عليها‪ ،‬وعلى كوهنا شر ًطا يف قبول القراءة‪ ،‬وقد‬
‫سئل مالك فقيل له‪( :‬أرأيت من استكتب مصح ًفا اليوم‪ ،‬أترى أن يكتب على ما أحدث‬
‫الناس من الهجاء اليوم؟ فقال‪ :‬ال أرى ذلك‪ ،‬ولكن يكتب على الكتبة األولى –أي‪ :‬ما‬
‫كتب عليه يف عهد عثمان ﭬ‪ -‬وال مخالف له يف ذلك من علماء األمة)(((‪.‬‬
‫ولما كانت القراءة القرآنية على الرسم العثماين مجردة عن النقط والشكل‬
‫(لتحتمل صورة ما بقي من األحرف السبعة؛ كاإلمالة‪ ،‬والتفخيم‪ ،‬واإلدغام‪ ،‬والهمز‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫والحركات‪ ،‬وأضداد ذلك مما هو يف باقي األحرف السبعة غير لغة قريش‪ ،‬وكالغيب‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أيضا فيما يحتمله‬
‫والجمع‪ ،‬والتثنية‪ ... ،‬أجمع الناس عليها‪ ،‬ثم كثر االختالف ً‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫الرسم‪ ،‬وقرأ أهل البدع واألهواء بما ال يحل ألحد من المسلمين تالوته‪ ،‬فوضعوها‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫من عند أنفسهم وفا ًقا لبدعتهم‪ ،‬كما قال من المعتزلة‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫[النساء‪ ]164:‬بنصب الهاء‪ ،‬ومن الرافضة‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ ﴾ [الكهف‪]51 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بفتح الالم يعنون‪ :‬أبا بكر وعمر ﭭ‪ ،‬فلما وقع ذلك رأى المسلمون أن يجمعوا‬
‫‪    ‬‬

‫ِ‬
‫على قراءات أئمة ثقات تجردوا للقيام بالقرآن العظيم‪ ،‬فاختاروا من كل م ْص ٍر ِّ‬
‫وج َه‬
‫‪    ‬‬

‫مصحف أئم ًة مشهورين بالثقة‪ ،‬واألمانة يف النقل‪ ،‬وحسن الدِّ ين‪ ،‬وكمال العلم‪،‬‬
‫ٌ‬ ‫إليه‬
‫أفنوا عمرهم يف القراءة واإلقراء‪ ،‬واشتهر أمرهم‪ ،‬وأجمع أهل مصرهم على عدالتهم‬
‫‪ ‬‬

‫فيما نقلوا‪ ،‬وتوثيقهم فيما قرءوا ورووا‪ ،‬وعلمهم بما يقرءون‪ ،‬ولم تخرج قراءهتم عن‬
‫خط مصحفهم؛ فمنهم بالمدينة‪ :‬أبو جعفر‪ ،‬ونافع‪ .‬وبمكة‪ :‬عبد اهلل بن كثير‪ .‬وبالكوفة‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫عاصم‪ ،‬وحمزة‪ ،‬والكسائي‪ .‬وبالشام‪ :‬عبد اهلل بن عامر‪ .‬وبالبصرة‪ :‬أبو عمرو بن العالء‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ويعقوب الحضرمي)(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬موافقة أحد وجوه اللغة العربية‪:‬‬


‫‪‬‬

‫فيجب أن تكون القراءة المقبولة موافِقة ألحد وجوه العربية‪ ،‬ولو كان هذا الوجه‬
‫فصيحا‪،‬‬
‫ً‬ ‫غير المشهور عند أهل اللغة والنحاة‪ ،‬فالموافقة مشرتطة (سواء كان أفصح أم‬
‫مجم ًعا عليه أم مختل ًفا فيه اختال ًفا ال يضر مثله‪ ،‬إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه‬

‫((( المقنع يف رسم مصاحف األمصار (ص‪.)19‬‬


‫((( انظر‪ :‬منجد المقرئين ومرشد الطالبين (ص‪ )23‬باختصار‪.‬‬
‫‪112‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫األئمة باإلسناد الصحيح‪ ،‬إذ هو األصل األعظم والركن األقوم‪ ،‬وهذا هو المختار عند‬
‫المحققين يف ركن موافقة العربية)(((‪ ،‬وقد رد ابن زنجلة يف كتابه (حجة القراءات) على‬
‫بعض أهل اللغة الذين خطؤوا بعض القراءات ثم قال‪...( :‬وهذا يف كل حرف توهم فيه‬
‫اللحن يف العربية‪ ،‬فإن له جوا ًبا تصدى له أئمة اللغة والتفسير والقرآن)(((‪.‬‬
‫ويتحصل من هذا المبحث أن القراءة المقبولة التي تعترب قرآنًا ويعتد هبا يف‬
‫الصالة والقراءة وغيرها من العبادات هي القراءة التي صح سندها على وفق الرسم‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫ووافقت العربية ولو بوجه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)5/2‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1246-1238/3‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬اإلبانة فـي معاني القراءات (ص‪.)53-51‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬منع املوانع عن مجع اجلوامع (‪.)285/2‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬النشر فـي القراءات العشر (‪.)299/2( )12/1‬‬


‫‪ -‬املرشد الوجيز إىل علوم تتعلق بالكتاب العزيز (ص ‪.)176‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬غيث النفع فـي القراءات السبع (ص‪.)14‬‬


‫‪ -‬منجد املقرئني ومرشد الطالبني (ص ‪.)24-18‬‬
‫‪ -‬املقنع فـي رسم مصاحف األمصار (ص‪.)19‬‬
‫‪ -‬إحتاف فضالء البشر فـي القراءات األربعة عشر (ص‪.)15‬‬
‫‪ -‬حجة القراءات (ص‪.)378‬‬

‫((( النشر يف القراءات العشر (‪.)10/1‬‬


‫((( حجة القراءات (ص‪ )378‬بتصرف‪.‬‬
‫‪113‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حكم ترمجة القرآن الكريم‬


‫(ألفاظه ومعانيه)‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬متهيد وتصوير املسألة‪:‬‬
‫تطلق الرتجمة يف اللغة العربية بإزاء ثالثة معان‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫المعنى األول‪ :‬مطلق إبالغ الكالم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومنه قول الشاعر‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪-‬و ُب ِّل ْغتُهـــا‪-‬‬

‫‪‬‬
‫ت سمعي إلى ترجمان‬
‫(((‬
‫أحوج ْ‬
‫َ‬ ‫قد‬ ‫الثمانيـــن‬
‫َ‬ ‫إن‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يعني‪ :‬إلى ناقل للكالم حتى يسمعه جيدً ا‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫المعنى الثاين‪ :‬بيان المراد بالكالم (تفسيره)‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫مفسر القرآن ومب ِّينه‪.‬‬


‫ومنه تسمية ابن عباس ﭭ (ترجمان القرآن) أي ِّ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المعنى الثالث‪ :‬نقل الكالم من لغة إلى لغة أخرى‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وهو المعنى الشائع للرتجمة ال سيما يف الوقت الحاضر‪ ،‬ومنه ما ورد يف الحديث عن‬
‫‪    ‬‬

‫هرقل ملك الروم أنه‪( :‬قال لترجمانه‪ :‬قل لهم إين سائل هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه‪.((()...‬‬
‫يعني‪ :‬الرجل المختص بنقل الكالم من لغة العرب إلى لغتهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ويالحظ أن المعنى الثاين والثالث يشرتكان يف معنى البيان؛ ولذا أطلقوا الرتجمة‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬

‫على معنى البيان‪ ،‬ومن ذلك قولهم‪ :‬ترجم لهذا الباب بكذا‪ ،‬أي‪ :‬جعل له عنوانًا يبين ما‬
‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫تحته‪ ،‬وقولهم‪( :‬ترجم لفالن)‪ ،‬أي‪ :‬بين تاريخ وفاته ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫والمعنى الثالث هو المعنى المراد يف هذا المبحث؛ أي‪ :‬نقل الكالم من لغة إلى لغة‬
‫‪‬‬

‫أخرى‪ ،‬وهو المعنى العريف السائد للرتجمة‪.‬‬


‫‪‬‬

‫فمحل هذه المسألة هو ترجمة القرآن من اللغة العربية إلى غيرها من اللغات‬
‫األجنبية‪ ،‬وحكم تلك الرتجمة ومدى مشروعيتها‪.‬‬

‫((( البيت من السريع لعوف بن محلم‪ ،‬يف فقه اللغة للثعالبي (ص‪.)278‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7‬ومسلم (‪ ،)1773‬من حديث أبي سفيان ﭬ‪.‬‬
‫‪114‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫ثان ًيا‪ :‬أنواع الرتمجة‪:‬‬


‫للترجمة ثالثة أنواع‪( :‬حرفية ‪ -‬لفظية ‪ -‬تفسيرية)‪.‬‬
‫النوع األول‪ :‬الرتجمة الحرفية‪ ،‬وهي‪ :‬نقل الكالم من لغة إلى لغة أخرى‪ ،‬مع مراعاة‬
‫الموافقة يف النظم والرتتيب‪ ،‬والمحافظة على جميع معاين األصل المرتجم‪ ،‬وتسمى‬
‫الرتجمة المساوية‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬الرتجمة اللفظية‪ ،‬وهي‪ :‬نقل الكالم من لغة إلى لغة أخرى مع التغيير يف‬

‫‪   ‬‬


‫المرتجم إليها وقواعدها‪.‬‬
‫َ‬ ‫الرتتيب والنظم بحسب ما تقتضيه أوضاع اللغة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫النوع الثالث‪ :‬الرتجمة التفسيرية‪ ،‬وهي‪ :‬شرح الكالم‪ ،‬وبيان معناه بلغة أخرى‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫بدون مراعاة لنظم األصل وترتيبه‪ ،‬وبدون المحافظة على جميع معانيه المرادة منه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫اتفق أهل العلم على أن القرآن معجز بنظمه وبيانه ولفظه‪ ،‬قال ابن قدامة‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫(وأجمعوا على أن القرآن معجز للخلق)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫واتفقوا على استحالة الرتجمة الحرفية وحرمتها؛ حيث إن الرتجمة ال يمكن أن‬
‫‪    ‬‬

‫تكون مضاهية لألصل العربي المبين‪.‬‬


‫أيضا اتفاق من يعتد به على جواز الرتجمة التفسيرية من حيث كوهنا يف منزلة‬ ‫ووقع ً‬
‫‪ ‬‬

‫تفسير القرآن‪ ،‬فهي ال تدعي كوهنا مراد ًفا للغة القرآن‪ ،‬بل هي تفسير غير ملتزم باللفظ‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫الغرض منه بيان معنى القرآن لغير العرب‪ ،‬ولذلك فإن من رفض هذا النوع من الرتجمة‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫كان متكل ًفا ال وجه لقوله‪ ،‬وال متمسك له فيه‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫وبقي الخالف الذي له وجهه بين أهل العلم يف القسم الثاين‪ ،‬وهو جواز الرتجمة اللفظية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫راب ًعا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪‬‬

‫اختلف العلماء يف جواز ترجمة القرآن ترجمة لفظية على قولين‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬هو جواز الرتجمة اللفظية للقرآن‪ ،‬وهو ما ُيعزى ألبي حنيفة‪ ،‬استنا ًدا‬
‫على إجازهتم لقراءة القرآن يف الصالة بغير العربية‪ ،‬وقال به بعض العلماء المعاصرين‬
‫كمصطفى المراغي‪.‬‬

‫((( المناظرة يف القرآن البن قدامة (ص‪.)32‬‬


‫‪115‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القول الثاين‪ :‬أن ترجمة القرآن ترجمة لفظية ال تجوز مطل ًقا‪ ،‬وإليه ذهب جمهور‬
‫األئمة والعلماء‪.‬‬
‫دليل القول األول (جواز الرتمجة اللفظية)‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [األنعام‪.]19 :‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬أن الدعوة واإلنذار بالقرآن الكريم عام لجميع البشر من‬

‫‪   ‬‬


‫العرب وغيرهم‪ ،‬وال يتحقق عموم البالغ بالقرآن إال برتجمته ليصل إلى كل البشر‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫المخاطبين باإليمان‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن ذلك غير مقتض لرتجمة ألفاظه‪ ،‬بل يكفي فيه ترجمة المعنى‪ ،‬ال سيما‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وأن المرتجم لف ًظا ال يحمل من اإلعجاز اللغوي ما يحمله اللفظ األصلي‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫جوز‬
‫الدليل الثاين‪ :‬أن اإلعجاز يتعلق بالمعنى‪ ،‬والقرآن معجز لكافة الناس؛ ولذلك َّ‬
‫‪   ‬‬

‫أبو حنيفة القراءة يف الصالة بالفارسية‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫نوقش من وجهين‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫الوجه األول‪ :‬أن أبا حنيفة تراجع عن ذلك القول لغرابته‪ ،‬ولعله قد قال به حتى تلين‬
‫‪    ‬‬

‫ألسنة الناس بالعربية‪ ،‬ثم يصلون هبا‪ ،‬وإال فالقرآن معجز بلفظه ومعجز بمعناه‪ ،‬وعلى هذا‬
‫‪ ‬‬

‫أجمعت األمة‪.‬‬
‫أيضا‪ً ،‬‬
‫فمثاًل‪ :‬لو‬ ‫الوجه الثاين‪ :‬أن ما يرتجم غير معجز‪ ،‬بل ويضطرب فيه المعنى ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫عمد المرتجم إلى قوله تعالى‪﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ﴾‬


‫‪ ‬‬

‫[اإلسراء‪ ]29 :‬وأراد ترجمتها إلى غير العربية‪ ،‬مع رعاية ترتيب األصل ونظامه ‪-‬فإنه سيأيت‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫منكرا‪.‬‬
‫برتكيب غير مفهوم‪ ،‬بل ويحمل معنى ً‬
‫‪‬‬

‫دليل القول الثاني (عدم جواز الرتمجة اللفظية)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯣ ﯤ ﴾ [الزمر‪ ،]28 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮣ ﮤ ﮥ﴾‬
‫[الشعراء‪.]195 :‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬أن القرآن معجز بلفظه ومعناه‪ ،‬فإذا ُغ ِّير خرج عن نظمه‪ ،‬فلم يكن‬
‫تفسيرا له‪ ،‬ولو كان تفسيره مثله لما عجزوا عنه؛ كما تحداهم‬
‫ً‬ ‫قرآنًا وال مثله‪ ،‬وإنما يكون‬
‫‪116‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫فسره لهم كان اإلنذار بالمفسر دون التفسير؛‬


‫باإلتيان بسورة من مثله‪ ،‬أما اإلنذار‪ :‬فإنه إذا ّ‬
‫ولذلك فإن الرتجمة اللفظية ال تصح إلخراجها القرآن عن حيز اإلعجاز‪ ،‬بل يفسر القرآن‬
‫تفسيرا ال لف ًظا‪.‬‬
‫ً‬ ‫بما شاء من اللغات‪ ،‬ويرتجم‬
‫يقول ابن قتيبة‪( :‬وبكل هذه المذاهب نـزل القرآن؛ ولذلك ال يقدر أحد من الرتاجم‬
‫والرومية‪،‬‬
‫على أن ينقله إلى شيء من األلسنة‪ ،‬كما نقل اإلنجيل عن السريانية إلى الحبشية‪ُّ ،‬‬
‫وترجمت التوراة والزبور وسائر كتب اهلل تعالى بالعربية؛ ألن العجم لم تتسع يف المجاز‬

‫‪   ‬‬


‫اتساع العرب)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وقال النووي‪( :‬ترجمة القرآن ليست قرآنًا بإجماع المسلمين‪ ،‬ومحاولة الدليل لهذا‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫تكلف‪ ،‬فليس أحد يخالف يف أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآنًا‪ ،‬وليس ما‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫مراغما)(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫لفظ به قرآنًا‪ ،‬ومن خالف يف هذا كان‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭣﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪﭫ﴾ [يونس‪.]15:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وجه االستدالل‪ :‬أن الرتجمة يف حقيقتها تبديل للفظ بلفظ آخر من لغة أخرى‪ ،‬وهذا‬
‫‪    ‬‬

‫ال يجوز للنبي ﷺ نفسه‪ ،‬فمن باب أولى أال يجوز يف حق غيره من المرتجمين‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫خاصا يف نفس السامع ال يمكن‬


‫ًّ‬ ‫تأثيرا‬
‫الدليل الثالث‪ :‬أن لنظم القرآن وأسلوبه ً‬
‫أن ينقل بالرتجمة‪ ،‬وإذا فات يفوت بفوته خير كثير طالما كان جاذ ًبا لإلسالم‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومحاولة ترجمة القرآن ترجمة لفظية يئول إلى تخبط يف داللته ومعناه وجزالة لفظه‬
‫العربي‪ ،‬يقول ابن قتيبة يف هذا السياق‪( :‬أال ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫﴿ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [األنفال‪ ]58 :‬لم تستطع أن تأيت هبذه‬


‫األلفاظ مؤدية عن المعنى الذي ُأ ِ‬
‫‪ ‬‬

‫ود َعته حتى تبسط مجموعها‪ ،‬وتصل مقطوعها‪،‬‬


‫‪‬‬

‫و ُتظهر مستورها‪ ،‬فتقول‪ :‬إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد ِ‬
‫فخفت منهم خيان ًة‬
‫‪‬‬

‫شرطت لهم‪ ،‬وآذهنم بالحرب؛ لتكون أنت وهم‬


‫َ‬ ‫ونقضا‪ ،‬فأعلمهم أنك قد نقضت ما‬
‫ً‬
‫فـي العلم بالنقض على استواء)(((‪.‬‬

‫((( تأويل مشكل القرآن (ص‪.)22‬‬


‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)380/3‬‬
‫((( تأويل مشكل القرآن (ص‪.)22‬‬
‫‪117‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫خامسا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫ً‬
‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف جواز الرتجمة اللفظية للقرآن خال ًفا يف‬
‫بعض المسائل الفقهية‪ ،‬ومنها ما يأيت‪:‬‬
‫مسألة ترمجة القرآن بطريقة تفسريية‪:‬‬
‫فإن من منع من الرتجمة اللفظية للقرآن بذل محاوالت جادة لتفسير القرآن بطريقة‬

‫‪   ‬‬


‫خروجا من ذلك الخالف‪ ،‬وتفلتًا من إلزامات المشككين‪ ،‬وتطلعهم لما يعرف‬ ‫ً‬ ‫تفسيرية‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫برتجمات القرآن لمحاولة إبراز األخطاء‪ ،‬وإلصاقها بالكتاب العزيز نفسه‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫مسألة‪ :‬إطالق اسم ترمجة القرآن‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫خروجا من هذا الخالف على إطالق اسم (ترجمة القرآن)‬
‫‪   ‬‬ ‫ً‬ ‫فقد تحفظ البعض‬
‫‪    ‬‬

‫على المصنفات التي حاولت نقل معاين القرآن من اللغة العربية إلى اللغات األجنبية‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫وتفضيلهم إطالق مصطلح (ترجمة معاين القرآن) أو (تفسير القرآن باللغة‪ )...‬حتى يبينوا‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تفسيرا وبيانًا‬
‫ً‬ ‫أن المرتجم ال يعد ً‬
‫بدياًل عن األصل وال يقوم مقامه‪ ،‬وأنه ال يعدو كونه‬
‫‪    ‬‬

‫لمعاين األصل بلغة أخرى‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلبانة فـي اللغة العربية (‪.)613/3‬‬


‫‪ -‬النهاية فـي غريب احلديث واألثر (‪.)186/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬مناهل العرفان (‪.)111/2‬‬


‫‪ -‬الصحاح (‪ )1928/5‬مادة (رجم)‪.‬‬
‫‪ -‬تأويل مشكل القرآن (ص‪.)21‬‬
‫‪ -‬اجملموع شرح املهذب (‪.)380-379/3‬‬
‫‪ -‬ترمجة القرآن وأثرها فـي معانيه (ص‪.)314‬‬
‫‪ -‬املبسوط للسرخسي (‪.)37/1‬‬
‫‪ -‬التفسري واملفسرون (ص‪.)27‬‬
‫‪ -‬بدائع الصنائع (‪.)113/1‬‬

‫‪118‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫أنواع احملكم واملتشابه‬

‫كاًّل من المحكم والمتشابه إلى نوعين (عام ‪ -‬خاص)‪:‬‬


‫قسم األصوليون ًّ‬
‫ّ‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أنواع اإلحكام‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫النوع األول‪ :‬اإلحكام العام‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وهو المذكور يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ﴾[هود‪ ،]1:‬فهذا هو اإلحكام‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الذي يطلق على القرآن كله‪ ،‬وعلى كل جزء منه؛ حيث هو‪ :‬اإلتقان يف الصيغة والفصاحة‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والمعاين إلى درجة اإلعجاز‪ ،‬فليس يف القرآن ما يخالف ذلك أو ينقص عن درجته بحال‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫محكما‪.‬‬
‫ً‬ ‫فهذا معنى كون كتاب اهلل كله‬
‫‪   ‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬اإلحكام الخاص‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫وهو ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان‪ ،‬حيث خلص لفظه عن اإلشكال‪ ،‬فهو واضح‬
‫‪    ‬‬

‫محكما إحكا ًما‬


‫ً‬ ‫المعنى‪ .‬وهذا يطلق على بعض القرآن دون بعض‪ ،‬وإن كان أغلب القرآن‬
‫‪    ‬‬

‫[آل عمران‪]7:‬‬ ‫خاصا‪ ،‬فقد قال تعالى‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾‬


‫ًّ‬
‫‪ ‬‬

‫محكما ومتشاهبًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فجعل القرآن قسمين‪:‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أنواع التشابه‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫النوع األول‪ :‬التشابه العام‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫وهـو المذكـور يف قوله تعالـى‪﴿ :‬ﭬ ﭭ ﭮ﴾ [الزمر‪ ،]23:‬فأطلق التشـابه‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫بعضـا يف‬
‫علـى الكتـاب كلـه‪ ،‬فـكل جـزء منـه كذلـك متشـابه‪ ،‬أي‪ :‬متماثـل يشـبه بعضـه ً‬
‫‪‬‬

‫بعضـا فال يأمـر بشـيء يف‬


‫بعضـا‪ ،‬ويصـدق بعضـه ً‬
‫اإلحـكام واإلتقـان‪ ،‬ويوافـق بعضـه ً‬
‫موضـع‪ ،‬ويأمـر بعكسـه يف موضـع آخـر‪ ،‬وال يخبر بشـيء يف موضـع ويخبر بضـده يف‬
‫موضـع آخر‪.‬‬
‫النوع الثاين‪ :‬التشابه الخاص‪:‬‬
‫وجوها؛ فيكون يف موضع بمعنى ويف موضع آخر بمعنى‬
‫ً‬ ‫وهو الذي يحتمل‬
‫آخر‪ ،‬فهو محتاج إلى بيان‪ ،‬فتارة يبين بكذا‪ ،‬وتارة يبين بكذا لحصول االختالف يف‬
‫‪119‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫تأويله‪ ،‬وذلك نحو قوله تعالى‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [البقرة‪]228 :‬؛ ألن ال ُق ْرء‬
‫من األسماء المشرتكة؛ تارة يعرب به عن الحيض‪ ،‬وتارة عن الطهر‪.‬‬
‫وجوها إذا ردت وجوهه إلى وجه واحد‪ ،‬و ُأبطِ َل الباقي‬
‫ً‬ ‫وهذا التشابه الذي يحتمل‬
‫محكما‪.‬‬
‫ً‬ ‫صار المتشابه‬
‫وللناس تفسيرات كثيرة لإلحكام الخاص والتشابه الخاص‪ ،‬وما ُذكر ُّ‬
‫أعمها‬
‫وأسلمها من االعرتاض‪ ،‬وهو مستنبط من نص كالم اإلمام أحمد ‪.$‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)164-160‬‬
‫‪ -‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)390-381/17‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)47-43/2‬‬

‫‪120‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫موقف السلف من املتشابه‪،‬‬


‫وأثر االحنراف فـيه‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬موقف السلف من املتشابه‪:‬‬
‫يتضح موقف السلف من المتشابه‪ ،‬وكذلك االنحراف يف فهم معناه عند غيرهم‪،‬‬
‫من خالل توجيه قوله تعالى‪﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ﮢ ﮣﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ‬

‫‪   ‬‬


‫ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [آل عمران‪.]7 :‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والوقف المناسب يف اآلية يف قول جماهير السلف ﭫ على قوله تعالى‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫﴿ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‪ ،‬ويكون قوله سبحانه‪﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ﴾ مبتدأ‪ ،‬وخربه‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫﴿ ﯝ ﯞ ﯟ﴾‪ ،‬وهو المنقول عن ُأبي بن كعب‪ ،‬وعائشة‪ ،‬وابن عباس يف رواية‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫طاووس عنه‪ ،‬وبه قال عروة بن الزبير‪ ،‬والحسن‪ ،‬وأكثر التابعين‪ ،‬واختاره الكسائي‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫والفراء‪ ،‬واألخفش‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وذهب عامة المتكلمين من المعتزلة واألشاعرة‪ ،‬وغيرهم إلى أن الوقف على‬


‫قوله‪ ﴿ :‬ﯚ ﯛ ﯜ﴾‪ ،‬فقالوا‪ :‬إن الراسخين يعلمون تأويله‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ولم يذكر السلف الذين رأوا أن الوقف على قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾‬
‫‪   ‬‬

‫أ َّية عالقة لهذا بآيات الصفات‪ ،‬فلم يعترب أحد منهم آيات الصفات من المتشابه‪ ،‬بل‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ظهر هذا فيما بعد‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أثر االحنراف فـي املراد باملتشابه‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الخالف يف تقرير أن‬


‫ُ‬ ‫ترتب على ما سبق ذكره من الخالف يف مكان الوقف‪،‬‬
‫المتشابه ال يعلم تأويله إال اهلل‪ ،‬أو أنه يعلم تأوي َله ُ‬
‫اهلل ويعلمه الراسخون يف العلم كما‬
‫سبق‪ ،‬ثم ترتب على ذلك ‪-‬فيما بعد عصور السلف من الصحابة والتابعين ومن تبعهم‬
‫خالف آخر‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫بإحسان‪-‬‬
‫فذهبـت طائفـة إلـى القـول األول يف مـكان الوقـف وهـم (المفوضـة)‪ ،‬ومـن ثـم‬
‫اعتبروا أنـه ال يعلمـه إال اهلل‪ ،‬فضربـوا له ً‬
‫مثلا بآيات الصفـات‪ ،‬فاعتربوها من المتشـابه‬
‫‪121‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الـذي ال يعلـم معنـاه إال اهلل‪ ،‬وبالتالـي قالـوا بالتفويـض يف صفات الرحمـن‪ ،‬واعتربوها‬
‫غيـر معلومـة المعنـى‪ ،‬فت َُم ُّـر كمـا جـاءت؛ يريـدون‪ :‬إثباهتـا‪ ،‬ولكـن دون معرفـة معناهـا‬
‫الـذي ال يعلمـه عندهـم إال اهلل‪ ،‬وهـم وإن كانـوا يف قولهـم بالوقـف موافقيـن لقـول‬
‫السـلف‪ ،‬إال أهنـم يف ادعائهـم بـأن آيـات الصفـات مـن المتشـابه الـذي ال ُيعلـم معنـاه‬
‫أي مـن السـلف‪.‬‬
‫مخالفـون لهـم‪ ،‬فلـم يـرد ذلـك عـن ٍّ‬
‫ِ‬
‫(المؤولـة)‪ ،‬ومـن َث َّ‬
‫ـم اعتبروا الراسـخين‬ ‫ِّ‬ ‫وذهبـت طائفـة أخـرى إلـى الثـاين وهـم‬

‫‪   ‬‬


‫أيضـا المثـل بآيـات الصفـات‪ ،‬فقالـوا بـأن ظواهرها‬
‫يف العلـم يعلمـون تأويلـه‪ ،‬وضربـوا ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الخالـق بالمخلـوق‪ ،‬ولكنهـا مؤولـة‪ ،‬أي مصروفـة عـن‬ ‫ُ‬ ‫غيـر مـرادة‪ ،‬حتـى ال ُي َشـ َّبه‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫ظواهرهـا‪ ،‬والراسـخون يف العلـم يعلمـون ذلـك الــتأويل‪ ،‬فأخـذوا يف تعطيـل الصفـات‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وإثبـات مـا َعـ َّن لهـم إثباتـه‪ ،‬ونفـي غيـره‪ ،‬بنـاء علـى أن الراسـخين يعلمـون تأويلـه‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهـذا الـذي يفعلونـه هـو تأويلـه‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ولتوضيـح وجـه االنحـراف عنـد كلتـا الطائفتيـن عـن منهـج السـلف ال بـد مـن‬
‫‪    ‬‬

‫تقريـر أن مـراد السـلف بالتأويـل يف اآليـة ليـس هـو‪ :‬معرفـة المعنـى‪ ،‬وال هـو‪ :‬معرفـة ما‬
‫‪    ‬‬

‫ُيصـرف إليـه ظاهـر المعنـى‪ ،‬وإن كان كال المعنييـن ممـا يذكـره األصوليـون يف معنـى‬
‫التأويـل‪ ،‬ولكـن مـراد السـلف بالتأويـل هنـا هـو‪ :‬معرفـة حقيقـة الشـيء‪ ،‬ومن َثـم قالوا‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫إن الوقـف علـى‪ ﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾ [آل عمـران‪ ،]7 :‬فال يعلـم حقيقـة المتشـابه‬
‫يف نفـس األمـر غيـر اهلل ‪.۵‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ورغم أن السلف ‪-‬كما سبق‪ -‬لم يذكروا آيات الصفات بين مسائل المتشابه ً‬
‫أصاًل‪،‬‬
‫إال أنه بِ َض ِّم قولهم السابق يف مكان الوقف يف اآلية إلى قولهم يف الصفات بأهنا‪ :‬معلومة‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المعنى مجهولة الكيف والحقيقة؛ كما ورد عنهم‪ ،‬ومنه قول مالك ‪ $‬يف االستواء‪:‬‬
‫‪‬‬

‫(االستواء غير مجهول‪ ،‬والكيف غير معقول)((( ‪-‬يتبين لنا أن كيفية الصفات وحقيقة ُكن ِْه َها‬
‫‪-‬وهو مما نقطع بجهلنا به‪ -‬هو مما ال يعلم تأويله؛ أي‪ :‬مما ال يعلم حقيقته إال اهلل ‪.۵‬‬
‫فمـن أراد أن آيـات الصفـات مـن المتشـابه هبـذا المعنـى؛ أي‪ :‬بمعنـى أن كيفيتهـا‬
‫ً‬
‫محتماًل‪،‬‬ ‫ال يعلمهـا إال اهلل كان الخلاف بيـن منهجـه ومنهـج السـلف هو يف كون كالمـه‬

‫((( انظر‪ :‬البحر المحيط (‪.)194/2‬‬


‫‪122‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫ولم يذكـره السـلف‪ ،‬وإال فالمعنـى صحيـح عندهـم‪ ،‬فكيفيـة الصفـات وحقيقتهـا‬
‫ال يعلمهـا إال اهلل‪.‬‬
‫وأمـا مـن أراد أن آيـات الصفـات مـن المتشـابه بمعنـى أهنـا غيـر معلومـة المعنى‪،‬‬
‫فهـذا قـد خالـف تقريـرات السـلف معنًـى ومبنى‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)296-294/13‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)190-189/4‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)197 -188/2‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)415- 395/3‬‬

‫‪123‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫تعريف السنة واحلديث‬


‫وبيان النسبة بينهما‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف السنة‪:‬‬
‫لغة‪ :‬قال ابن فارس‪( :‬السين والنون أصل واحد م ّطرد‪ ،‬وهو جريان الشيء‬
‫السنة ً‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬
‫إرسااًل‪،..‬‬ ‫واطراده يف سهولة‪ ،‬واألصل قولهم‪ :‬سننت الماء على وجه أسنه سنًّا‪ ،‬إذا أرسلته‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومما اشتق منه السنة‪ ،‬وهي السيرة‪ ،‬قال الهذلي‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫فلا تجزعـن من سـنة أنت سـرتها‬

‫‪‬‬
‫(((‬
‫فـأول راض سـنة مـن يسـيرها‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وإنما سميت بذلك ألهنا تجري جر ًيا)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وفـي االصطالح‪ :‬ما نقل عن رسول اهلل ﷺ من قول‪ ،‬أو فعل‪ ،‬أو تقرير‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫فالقول‪ :‬كقوله عليه السالم‪« :‬صلوا كما رأيتموين أصلي»(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والفعل‪ :‬كما شوهد منه ﷺ من األفعال يف الصالة والحج‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫واإلقرار‪ :‬كسائر ما رأى ﷺ الصحاب َة يقولونه أو يفعلونه فال ينهاهم‪ ،‬وذلك كأكل‬
‫خالد بن الوليد للضب؛ حيث قال‪« :‬اجتررته فأكلته‪ ،‬ورسول اهلل ﷺ ينظر إلي»(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫تنبيه‪ :‬أكثر األصوليين حصروا السنة يف االصطالح يف ثالثة أشياء‪( :‬قوله‪ ،‬وفعله‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫وإقراره)‪ ،‬وزاد بعضهم‪( :‬ما َه َّم ﷺ بفعله ولم يفعله) كما إذا هم النبي ﷺ بفعل وعاقه‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫عنه عائق‪ ،‬كان ذلك الفعل مطلو ًبا شر ًعا؛ ألنه ال يهم إال بحق محبوب مطلوب شر ًعا؛‬
‫‪ ‬‬

‫ألنه مبعوث لبيان الشرعيات‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬همه بمعاقبة المتخلفين عن صالة الجماعة(((‪،‬‬
‫‪‬‬

‫است ُِدل به على وجوهبا‪.‬‬


‫‪‬‬

‫((( ديوان الهذليين (‪.)157/1‬‬


‫((( مقاييس اللغة (‪ )61-60/3‬مادة (سن) ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ )631‬من حديث مالك بن الحويرث ﭬ‪ .‬وأصله عند مسلم (‪.)674‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5391‬ومسلم (‪ )1945‬من حديث خالد بن الوليد ﭬ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)644‬ومسلم (‪ )651‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪ ...« :‬ولقد هممت‬
‫أن آمر بالصالة‪ ،‬فتقام‪ ،‬ثم آمر رجال فيصلي بالناس‪ ،‬ثم أنطلق معي برجال معهم حزم من حطب إلى قوم ال يشهدون‬
‫الصالة‪ ،‬فأحرق عليهم بيوتهم بالنار»‪.‬‬
‫‪124‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫ثان ًيا‪ :‬تعريف احلديث‪:‬‬


‫أيضا على قليل الكالم وكثيره‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫احلديث لغة‪ :‬ضد القديم‪ ،‬ويطلق ً‬
‫﴿ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ﴾ [الطور‪ ،]34:‬وإطالق الحديث على الكالم؛ ألنه‬
‫يحدث ويوجد شي ًئا فشي ًئا‪.‬‬
‫وفـي االصطالح‪ :‬أكثر األصوليين على أن الحديث والسنة مرتادفان‪ ،‬ال فرق بينهما‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وفرق بعضهم بينهما بأن الحديث يختص بقول النبي ﷺ‪ ،‬أما السنة فتشمل قوله وفعله‬ ‫ّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وتقريره‪ ،‬وعدم التفريق بينهما هو األشهر‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫إطالقات السنة‪ :‬للسنة يف اصطالح العلماء ثالثة إطالقات‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اإلطالق األول‪ :‬على ما يقابل القرآن‪ ،‬كما هو اإلطالق يف هذا المبحث‪ ،‬وكما قال‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫النبي ﷺ‪« :‬يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل‪ ،‬فإن كانوا يف القراءة سواء فأعلمهم بالسنة‪»...‬‬
‫‪   ‬‬

‫الحديث(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫اإلطالق الثاين‪ :‬على المندوب الذي يقابل الفرض وغيره من األحكام التكليفية‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫اإلطالق الثالث‪ :‬على ما يقابل البدعة‪ ،‬فيقال‪ :‬أهل السنة‪ ،‬وأهل البدعة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)63-60/2‬‬


‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)322/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)6-5/6‬‬


‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)١٤٢٤-١٤٢٣/٣‬‬
‫‪ -‬فتح املغيث (‪.)14/1‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)166-159/2‬‬
‫‪ -‬توجيه النظر (‪.)40/1‬‬
‫‪ -‬الوسيط فـي علوم ومصطلح احلديث (ص‪.)16‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ )673‬من حديث أبي مسعود األنصاري ﭬ‪.‬‬


‫‪125‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مكانة السنة‬

‫كل مـا يأمـر بـه الرسـول ﷺ أو ينهـى عنه فإنما هو بأمر اهلل ‪ ۵‬لـه؛ ألنه ال ينطق‬
‫عن الهوى‪ ،‬بل هو مبلغ عن اهلل جل وعال‪ ،‬ولهذا أمر اهلل بطاعته بإطالق‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [النجـم‪3:‬و‪ .]4‬وقـال تعالـى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ‬

‫‪   ‬‬


‫ﭓ ﭔ ﭕ ﴾ [النـور‪ ]54 :‬وكمـا جـاء يف حديـث المقدام بـن معـدي كـرب ﭬ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫قـال‪ :‬قـال رسـول اهلل ﷺ‪« :‬أال إين أوتيـت الكتـاب ومثلـه معـه‪ ،‬أال يوشـك رجـل‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ينثنـي شـبعا نًا علـى أريكتـه يقـول‪ :‬عليكـم بالقـرآن؛ فمـا وجدتـم فيـه مـن حلال‬
‫‪    ‬‬
‫فأحلـوه‪ ،‬ومـا وجدتـم فيـه مـن حـرام فحرمـوه»(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وسـنة الرسـول ﷺ يف حكـم الكتـاب يف وجـوب العمـل هبـا‪ ،‬وإن كانـت فر ًعـا‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫لـه؛ ألن اهلل تعالـى ختـم برسـوله النبـوة‪ ،‬وأكمـل الشـريعة‪ ،‬وجعـل إليـه بيان مـا أجمله‬
‫‪    ‬‬

‫يف كتابـه‪ ،‬وإظهـار مـا شـرعه مـن أحكامـه‪ ،‬وقـال تعالـى يف محكـم تنزيله‪﴿ :‬ﮠ ﮡ‬
‫‪    ‬‬

‫ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [الحشر‪.]7:‬‬
‫ولهـذه المنزلـة لسـنته أوجب اهلل علـى نبيه أمرين‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫أحدهمـا‪ :‬التبليـغ‪ ،‬قـال اهلل تعالـى‪ ﴿ :‬ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ‬


‫‪   ‬‬

‫ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [المائـدة‪.]67 :‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫والثـاين‪ :‬البيـان‪ ،‬قـال اهلل تعالـى‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾‬


‫‪ ‬‬

‫[النحـل‪.]44 :‬‬
‫‪‬‬

‫وقـد أوجب اهلل علـى أمته تجـاه نبيه أمرين‪:‬‬


‫‪‬‬

‫أحدهمـا‪ :‬طاعتـه يف قبـول قولـه والعمـل بـه‪ ،‬قـال اهلل تعالـى‪ ﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ‬
‫ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [النساء‪.]59:‬‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4604‬والرتمذي (‪ ،)2664‬وأحمد (‪ .)17174‬قال الرتمذي‪( :‬حديث حسن غريب)‪.‬‬
‫وقال الذهبي يف المهذب (‪( :)3924/8‬إسناده قوي)‪.‬‬
‫‪126‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫والثـاين‪ :‬أن يبلغـوا عنه ما أخربهم به وأمرهم بفعله‪ ،‬قال اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﯭ ﯮ‬
‫ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾[التوبة‪]122:‬؛‬
‫ألنه ما كان يقدر على أن يبلغ جميع الناس‪ ،‬فإذا بلغ الحاضر لزمه أن ينقله إلى الغائب‪،‬‬
‫وإذا بلـغ أهـل عصـر لزمهـم أن ينقلـوه إلى أهـل كل عصر‪ ،‬فيدوم على األبد نقل سـنته‬
‫وحفظ شـريعته‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬قواطع األدلة (‪.)322/1‬‬
‫‪ -‬السنة النبوية املصدر الثاني للتشريع اإلسالمي حملمد بامجعان (ص‪.)35‬‬
‫‪ -‬السنة النبوية املصدر الثاني للتشريع اإلسالمي لرقية نياز (ص‪.)6‬‬

‫‪127‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫عالقة السنة بالقرآن‬

‫عالقة السنة مع القرآن ال تخلو من مراتب ثالثة‪( :‬التأكيد‪ ،‬والتبيين‪ ،‬واالبتداء)‬


‫األول والثاين منهما محل اتفاق‪ ،‬ووقع الخالف يف الثالث‪ ،‬وفيما يأيت تفصيلها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫املرتبة األوىل‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫حكما جاء يف القرآن‪ ،‬وهذا القسم كثير يف‬ ‫ً‬ ‫أن تكون السنة مقرر ًة ومؤكد ًة‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫السنة‪ ،‬ومنه قوله ﷺ‪« :‬أال ُأ َن ِّب ُئك ُْم بأكبرِ الكبائر؟» قالوا‪ :‬بلى يا رسول اهَّللِ‪َ ،‬ق َال ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫«اإلشراك باهَّلل‪ ،‬وعقوق الوالدين»(((‪ ،‬فإن السنة هنا جاءت مؤكدة ومقررة لما جاء‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫به القرآن يف قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [اإلسراء‪.]23 :‬‬


‫‪   ‬‬

‫أيضـا‪ :‬قولـه ﷺ‪« :‬إن اهلل تعالـى حـرم الخمـر‪ ،‬فمـن أدركتـه هـذه‬
‫ومنـه ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اآليـة وعنـده منها شـيء فال يشـرب وال يبع» (((‪ ،‬فهو حكـم مقرر لقولـه تعالى‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ‬
‫ﭟ﴾ [المائـدة‪. ]90:‬‬
‫‪ ‬‬

‫املرتبة الثانية‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫حكمـا ورد يف القرآن‪ ،‬وهذا البيـان على ثالثة أنواع‪:‬‬


‫ً‬ ‫أن تكـون السـنة ُمبينـ ًة‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫(تفسـير‪-‬تقييد ‪ -‬تخصيـص)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مجملا ‪ ،‬مثل قولـه تعالى‪:‬‬


‫ً‬ ‫أواًل ‪ :‬أن تكـون السـنة ُم َف ِّسـر ًة لحكـم جـاء يف القرآن‬
‫ً‬
‫‪‬‬

‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [األنعـام‪، ]82:‬‬


‫‪‬‬

‫فإن الصحابة ﭫ لما شـق عليهم ذلك وقالوا‪ :‬وأينا لم يظلم نفسـه‪ ،‬قال النبي ﷺ‪:‬‬
‫«ليـس ذلـك»‪ ،‬ثـم ب ّيـن لهم وتال اآليـة‪ ﴿ :‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [لقمان‪.((( ]13:‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2654‬ومسلم (‪ )87‬من حديث أبي بكرة ﭬ‪.‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ )1578‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6937‬ومسلم (‪ )124‬من حديث عبد اهلل بن مسعود ﭬ‪.‬‬
‫‪128‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫أيضـا قولـه تعالـى‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾ [يونـس‪ ، ]26:‬فقـد‬


‫ومنـه ً‬
‫صـح عـن النبـي ﷺ أنـه فسـر الزيـادة‪ :‬برؤيـة اهلل جـل وعلا يف الجنـة (((‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯛ ﯜ ﴾ [األنعام‪ ]72:‬جاء بيانه بفعله ﷺ يف أحاديث كثيرة‬
‫تبيـن هيئـات الصلاة وقراءهتا ونحو ذلك من أفعالها وأقوالها‪ ،‬ومنه على سـبيل المثال‪:‬‬
‫حديـث ابن عمـر‪ ،‬قـال‪« :‬كان رسـول اهلل ﷺ إذا قام للصلاة رفع يديه حتـى تكونا حذو‬
‫منكبيـه‪ ،‬ثـم كبـر‪ ،‬فإذا أراد أن يركع فعل مثل ذلك‪ ،‬وإذا رفع من الركوع فعل مثل ذلك‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وال يفعله حين يرفع رأسـه من السـجود»(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ثان ًيـا‪ :‬أن تكـون السـنة ُم َق ِّيـد ًة لحكـم جـاء يف القـرآن مطل ًقـا‪ ،‬مثـل قولـه تعالـى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫﴿ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [المائـدة‪ ]38:‬فجـاءت السـنة وبينـت أن‬
‫‪    ‬‬
‫قطـع يـد السـارق يكـون مـن مفصـل الكـف (((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثـا‪ :‬أن تكـون السـنة ُم ِّ‬


‫خصص ًة لحكم عام يف القرآن الكريم‪ ،‬مثل قوله تعالى‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫﴿ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [النسـاء‪ ]24:‬فلفظـة (مـا) مـن ألفـاظ العمـوم‪ ،‬فيفهـم‬


‫‪    ‬‬

‫مـن اآليـة جـواز النـكاح مـن غيـر مـا ذكـرت اآليـة‪ ،‬ثـم جـاءت السـنة وخصصـت‬
‫‪    ‬‬

‫هـذا العمـوم بأنـه مـا عـدا العمـة والخالـة بقولـه ﷺ‪« :‬ال تُنكـح المـرأة علـى عمتهـا‬
‫وال علـى خالتهـا» (((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫املرتبة الثالثة‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أن تكون السنة ُمن ِْشئ ًة لحكم جديد لم يتعرض له القرآن‪ ،‬ومن أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫قوله ﷺ يف آنية الذهب والفضة والحرير‪« :‬ال تشربوا يف آنية الذهب والفضة‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وال تلبسوا الحرير والديباج؛ فإنها لهم يف الدنيا ولكم يف اآلخرة» (((‪ .‬فإن هذا الحديث‬
‫‪‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)181‬من حديث صهيب ﭬ‪.‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)738‬مسلم (‪.)390‬‬
‫((( أخرج الدارقطني يف سننه (‪ ،)3466‬من حديث عبد اهلل بن عمرو ﭭ‪ .‬والبيهقي يف الكربى (‪)17329‬‬
‫من حديث جابر‪« :‬أن النبي ﷺ قطع يد سارق من المفصل»‪ .‬انظر‪ :‬التلخيص الحبير (‪،)56/4‬‬
‫والبدر المنير (‪.)460 ،459/8‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5109‬ومسلم (‪ )1408‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5633‬ومسلم (‪ ،)2067‬من حديث حذيفة ﭬ‪.‬‬
‫‪129‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أنشأ حكم التحريم للبس الحرير وللشرب يف آنية الذهب والفضة‪ ،‬ولم يتعرض لذلك‬
‫القرآن الكريم‪.‬‬
‫ول اهلل ِ َص َّلى اهللُ َع َل ْي ِه‬
‫أيضا‪ :‬حديث ابن عباس ﭭ‪َ :‬ق َال ‪ « :‬ن ََهى َر ُس ُ‬ ‫ومنه ً‬
‫ب م َن ال َّط ْيرِ » (((‪ ،‬فحرم أكل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫الس َبا ِع ‪َ ،‬و َع ْن ك ُِّل ِذ ي مخْ َل ٍ‬ ‫ِ‬ ‫َو َس َّل َم َع ْن ك ُِّل ِذ ي ن ٍ‬
‫َاب م َن ِّ‬
‫كل ذي مخلب من الطير وناب من السباع‪ ،‬ولم يكن لذلك حكم يف القرآن‪.‬‬
‫ومنـه‪ :‬حديـث عبد اهلل بـن مسـعود ﭬ‪ ،‬قـال‪ :‬قـال النبـي ﷺ‪« :‬ليـس‬

‫‪   ‬‬


‫منـا مـن لطـم الخـدود‪ ،‬وشـق الجيـوب‪ ،‬ودعـا بدعـوى الجاهليـة» (((‪ ،‬فحـرم ﷺ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫تأسيسـا مـن‬ ‫ً‬ ‫ضـرب الخـدود ونحـو ذلـك ممـا يفعـل عنـد المـوت‪ ،‬وكان الحكـم‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫السـنة النبوية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬‫وقد وقع الخالف يف وجود هذا القسم على قولين‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫القول األول‪ :‬إثبات هذا القسم‪ ،‬وإليه ذهب جمهور األصوليين‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬نفي هذا القسم‪ ،‬فال يوجد يف السنة حكم إال وقد دل القرآن‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أمر ا إال والقرآن قد دل على معناه داللة‬ ‫عليه‪ ،‬كما قال الشاطبي‪( :‬فال تجد يف السنة ً‬
‫‪    ‬‬

‫إجمالية أو تفصيلية)(((‪.‬‬
‫دليل القول األول (إثبات استقالل السنة بالتشريع)‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬قول النبي ﷺ‪« :‬أال إين أوتيت القرآن ومثله معه‪ ،‬أال يوشك‬
‫رجل شبعان على أريكته يقول‪ :‬عليكم بهذا القرآن‪ ،‬فما وجدتم فيه من حالل‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫حر م اهلل» (((‪.‬‬


‫فأحلوه‪ ،‬وما وجدتم فيه من حرام فحرموه‪ ،‬وإن ما حرم رسول اهلل كما ّ‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬إجماع العلماء على العمل بمثل هذه األحاديث‪ ،‬وحكمهم بما ورد فيها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال الشوكاين‪( :‬اعلم أنه قد اتفق من ُيعتد به من أهل العلم على أن السنة‬
‫‪‬‬

‫مستقلة بتشريع األحكام‪ ،‬وأهنا كالقرآن يف تحليل الحالل وتحريم الحرام) ( ((‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)1934‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1294‬ومسلم (‪.)103‬‬
‫((( الموافقات للشاطبي (‪.)316/4‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4604‬والرتمذي (‪ ،)2664‬وأحمد (‪ ،)17174‬قال الرتمذي‪( :‬حديث حسن غريب)‪.‬‬
‫وقال الذهبي يف المهذب (‪( :)3924/8‬إسناده قوي)‪.‬‬
‫((( إرشاد الفحول (‪.)96/1‬‬
‫‪130‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫الدليل الثالث‪ :‬الوقوع‪ :‬فقد وجدت أحكام عمل هبا العلماء ولم توجد إال‬
‫يف السنة المستقلة‪ ،‬وال وجود لها يف القرآن‪ ،‬مثل‪ :‬تحريم آنية الذهب‪ ،‬وأكل ذي‬
‫ً‬
‫تفصياًل‪.‬‬ ‫المخلب من الطير‪ ،‬ولطم الخدود على الميت‪ ،‬وتقدم ذكرها‬
‫دليل القول الثاني (نفي استقالل السنة بالتشريع)‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾‬
‫[النحل‪ ، ]44:‬فمهمة رسول اهلل ﷺ هي بيان ما يف الكتاب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫نوقش‪ :‬أن اآلية ال داللة فيها على الحصر‪ ،‬ولو سلم ذلك فإنما المراد تبيين‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ما نزل إليهم‪ ،‬وهو يشمل ما يف الكتاب وغيره‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬القرآن فيه داللة على كل أحكام الشريعة‪ ،‬كما قال تعالى‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [النحل‪ ،]89:‬فالقرآن كلية الشريعة وينبوع‬
‫‪    ‬‬

‫لها‪ ،‬فالسنة راجعة إلى القرآن غير مستقلة عنه‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوقش‪ :‬إن أريد به ذكره لجميع القواعد اإلسالمية األصلية‪ ،‬وذكره جميع‬
‫‪    ‬‬

‫األدلة التي يعتمد عليها فنحن نقول بذلك‪ ،‬وإن أريد بذلك ذكره لجميع األحكام على‬
‫‪    ‬‬

‫سبيل اإلجمال والنص عليها فال نسلم بذلك؛ إذ الواقع ّ‬


‫يكذبه كما تقدم من األمثلة يف‬
‫القول األول‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الرسالة للشافعي (ص‪.)91‬‬


‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)7/6‬‬
‫‪ -‬املوافقات (‪.)316/4‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)96/1‬‬
‫‪ -‬الفكر السامي (‪.)109-104/1‬‬
‫‪ -‬حجية السنة لعبد الغين عبد اخلالق (ص‪.)515‬‬
‫‪ -‬الوجيز‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)227-219/1‬‬

‫‪131‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫بيان جهود األصوليني واحملدثني‬


‫فـي دراسة السنة‬
‫اهتم األصوليون بدراسة مسائل السنة‪ ،‬وأفردوها بباب خاص يف كتبهم‪ ،‬وفيما‬
‫يلي بيان جهود األصوليين يف دراسة السنة‪ ،‬ثم بيان جهود المحدثين يف دراسة السنة؛‬
‫موازنة للمنهجين‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬جهود األصوليني فـي دراسة السنة‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪ -1‬السنة هي األصل الثاين من أصول التشريع عند األصوليين‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -2‬بين األصوليون مفهوم السنة‪ ،‬وطريق صدورها عن النبي ﷺ‪ً ،‬‬
‫قواًل‪ ،‬أو ً‬
‫فعاًل‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫إقرارا‪ ،‬وعالقة ذلك باستنباط األحكام الشرعية منها‪.‬‬
‫أو ً‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -3‬تحدث األصوليون عن أفعال النبي ﷺ وعالقتها بالتشريع‪ ،‬وداللة أفعاله على‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األحكام الشرعية يف حقنا‪ ،‬وبيان حكم تعارض قوله وفعله‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -4‬االعتناء بحجية السنة النبوية؛ بالربهنة على لزوم االحتجاج هبا‪ ،‬وإفراد باب يف‬
‫‪    ‬‬

‫االحتجاج بخرب الواحد‪ ،‬ومناقشة الشبه الموردة على ذلك‪.‬‬


‫‪ -5‬اهتم األصوليون بعالقة السنة بالقرآن‪ ،‬وبينوا أهنا إما أن تكون مؤكدة‬
‫‪ ‬‬

‫لما ورد يف القرآن‪ ،‬أو مبينة له‪ ،‬أو زائدة عليه بأحكام لم تأت فيه‪ ،‬باعتبار أن الجميع‬
‫وحي من عند اهلل‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -6‬ق ّعد األصوليون لضبط نقل سنة النبي ﷺ‪ ،‬ببيان طرائق النقل‪ ،‬ومراتبها‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وما يشرتط لكل منها‪ ،‬وما يعرض لنقلها‪ ،‬وما يرتتب على ذلك من أحكام‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ومن هذه المسائل‪ :‬أقسام الخرب‪ ،‬ونوع العلم الحاصل من الخرب المتواتر واآلحاد‬
‫‪‬‬

‫وما هي الشروط المعتربة يف المتواتر‪ ،‬والشروط غير المعتربة فيه‪ ،‬وشروط الراوي‬
‫المقبول روايته‪ ،‬وما حكم خرب المجهول‪ ،‬وهل يقبل خرب المحدود بالقذف أو ال؟‬
‫وحكم ما لو أنكر الشيخ الحديث المروي عنه‪ ،‬وحكم زيادة الثقة‪ ،‬وحكم االحتجاج‬
‫بالحديث المرسل‪.‬‬
‫‪ -7‬اهتم األصوليون بالتأصيل لضبط المنقول عن النبي ﷺ مما له عالقة بالمتن‪،‬‬
‫فتحدثوا عن الحاالت التي يقبل فيها الخرب أو يرد‪ ،‬ومقاييس نقد المتون‪.‬‬
‫‪132‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫ومن ذلك‪ :‬هل يقبل خرب الواحد يف المسائل التي تعم هبا البلوى؟ وهل يقبل خرب‬
‫الواحد يف الحدود؟ وهل يقبل خرب الواحد إذا خالف القياس؟ وحكم خرب الواحد إذا‬
‫تضمن زيادة على القرآن‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬جهود احملدثني فـي دراسة السنة‪:‬‬


‫‪1 -‬اهتم المحدثون بتدوين السنة النبوية وتوثيقها‪.‬‬
‫‪2 -‬بيان حال الحديث صحة وضع ًفا‪ ،‬ومراتبهما‪ ،‬وما يشرتط لكل منها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪3 -‬وضع علم الجرح والتعديل‪ ،‬وهو العلم الذي يهتم بدراسة أحوال الرواة‪ ،‬وتمييز‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الصادق من الكاذب‪ ،‬والضابط من الواهم‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪4 -‬االهتمام بتاريخ الرواة‪ ،‬فاهتم المحدثون برواة الحديث من حيث أسماؤهم‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫ومواليدهم‪ ،‬ووفياهتم‪ ،‬وشيوخهم‪ ،‬وتالميذهم‪ ،‬ورحالهتم‪ ،‬وأماكنهم‪ ،‬وكل ذلك مساعد‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫لمعرفة عدالته‪ ،‬واتصال روايته‪ ،‬وكذبه‪ ،‬وتدليسه‪ ،‬إلى غير ذلك من أحكام الرواة‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪5 -‬اهتم المحدثون بالتعارض الظاهري بين األحاديث‪ ،‬وأ ّلفوا يف ما يسمى‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بعلم‪( :‬مختلف الحديث)‪ ،‬أو (تأويل مشكل الحديث)‪ ،‬وهو فن جليل يحتاج إليه‬
‫‪    ‬‬

‫كل عالم وفقيه‪.‬‬


‫‪6 -‬اعتنى المحدثون بالناسخ والمنسوخ من األحاديث وألفوا فيه‪ ،‬وهو علم من‬
‫‪ ‬‬

‫ضروريات الفقه واالجتهاد‪.‬‬


‫‪7 -‬وضع علم مصطلح الحديث‪ ،‬وهو العلم الذي ُيعنى بحقيقة الرواية‪ ،‬وشروطها‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وأنواعها‪ ،‬وأحكامها‪ ،‬وحال الرواة‪ ،‬وشروطهم‪ ،‬وأصناف المرويات‪ ،‬وما يتعلق هبا‪ ،‬وقد‬
‫‪ ‬‬

‫تأثر علماء المصطلح بجهود األصوليين يف مباحث السنة‪ ،‬وظهر ذلك جل ًّيا يف كتاب‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫اإللماع للقاضي عياض من المغاربة‪ ،‬وكتاب علوم الحديث البن الصالح من المشارقة‪،‬‬
‫وما تال ذلك من مصنفات يف هذا الباب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬القواعد واملسائل احلديثية املختلف فـيها بني احملدثني واألصوليني (ص‪.)7-1‬‬

‫‪133‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أقسام السنة‬

‫قسم األصوليون السنة باعتبارات عدة أهمها اعتباران ( ذاهتا‪ ،‬وعدد رواهتا)‪.‬‬
‫ّ‬
‫االعتبار األول‪ :‬من حيث ذاتها إىل ثالثة أقسام (قولية – فعلية ‪ -‬تقريرية)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫القسم األول‪ :‬السنة القولية‪ :‬وهي ما صدر عن النبي ﷺ من قول غير القرآن‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫«م ْن كان يؤمن باهلل واليو م‬
‫مثالها‪ :‬حديث أبي هريرة ﭬ‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ قال‪َ :‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ِ‬
‫ْاآْلخرِ فليقل ً‬
‫خيرا أو ليصمت‪.(((»...‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬السنة الفعلية‪ :‬وهي ما صدر عن النبي ﷺ من فعل‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫مثالها‪ :‬ما نقله الصحابة ﭫ من أفعال النبي ﷺ يف صفة الوضوء(((‪ ،‬والصالة(((‪،‬‬


‫‪    ‬‬

‫والحج(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬السنة التقريرية‪ :‬وهي ما نقل من سكوت النبي ﷺ عن ٍ‬


‫قول قيل‪ ،‬أو‬
‫‪    ‬‬

‫فع ٍل ُفعل يف حضرته‪ ،‬أو َعلم به ولم ينكره‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫مثالها‪ :‬إقراره الجتهاد الصحابة يف صالة العصر يف غزوة بني قريظة حين قال لهم‪:‬‬
‫«ال يصلين أحد العصر إال يف بني قريظة»(((‪ ،‬ففهم بعضهم هذا النهي على حقيقته‪ ،‬فلم‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫يصل إال يف بني قريظة بعد المغرب‪ ،‬وفهم البعض أن المقصود الحث على اإلسراع‪،‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫فصالها يف وقتها قبل وصولهم إلى بني قريظة‪ .‬وبلغ النبي ﷺ ما فعل الفريقان‪ ،‬فأقرهما‬
‫‪‬‬

‫ولم ينكر على أحدهما‪.‬‬


‫‪‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6475‬ومسلم (‪.)47‬‬


‫((( انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪ ،)186‬ومسلم (‪ )235‬من حديث عبد اهلل بن زيد ﭬ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪ ،)738‬ومسلم (‪ ،)390‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬صحيح مسلم (‪ ،)1218‬من حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)946‬ومسلم (‪ ،)1770‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫‪134‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬من حيث عدد رواتها إىل ثالثة أقسام (متواترة – آحاد ‪ -‬مشهورة)‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬السنة المتواترة‪:‬‬
‫محسوس يستحيل تواطؤهم على الكذب عادةً)(((‪.‬‬‫ٍ‬ ‫وهي‪( :‬خرب أقوا ٍم عن ٍ‬
‫أمر‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫(خبر) جنس يشمل المتواتر وغيره‪.‬‬
‫(أقوامٍ) قيد إلفادة الكثرة‪ ،‬ويخرج خرب العدد الذي لم يتصف هبذا الوصف؛‬

‫‪   ‬‬


‫كخرب الواحد واالثنين‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫(عن أمرٍ محسوس) أي‪ :‬معلوم بأحد الحواس الخمس؛ كخرب جماعة عن رؤية‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫مكة‪ ،‬وهو قيد يخرج الخرب المفيد للعلم عن طريق دليل العقل؛ كالخرب بحدوث العالم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫(يستحيل تواطؤهم على الكذب عادةً) أي‪ :‬أن مستند االستحالة يف التواتر عادي‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وإن َع ُظم‪.‬‬ ‫ال عقلي؛ إذ العقل يجوز الكذب على كل ٍ‬


‫عدد ْ‬ ‫ُ ِّ‬
‫‪   ‬‬

‫والتواتر يف السنة ينقسم إلى قسمين (لفظي‪ -‬معنوي)‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫علي‬
‫أوال‪ :‬التواتر اللفظي‪ :‬وهو ما تواتر عليه رواته يف اللفظ نحو‪ :‬حديث‪« :‬من كذب ّ‬
‫‪    ‬‬

‫متعمدً ا فليتبوأ مقعده من النار»(((‪.‬‬


‫ثان ًيا‪ :‬التواتر المعنوي‪ :‬وهو ما اتفق رواته يف المعنى دون اللفظ‪ ،‬كأحاديث‬
‫‪ ‬‬

‫الشفاعة(((‪ ،‬وأحاديث رؤية المؤمنين هلل يوم القيامة(((‪.‬‬


‫وقد ذكر بعضهم أبيا ًتا جمع فيها أمثلة على بعض األحاديث المتواترة‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ومـن بنـى هلل بيتًـا واحتسـب‬ ‫ممـا تواتـر حديـث مـن كـذب‬
‫‪ ‬‬

‫(((‬
‫ومسـح خفيـن وهـذي بعض‬ ‫ورؤيـة شـفاعة والحـوض‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ففي البيت األول ذكر لمثالين على المتواتر اللفظي‪ ،‬ويف البيت الثاين ذكر ألربعة‬
‫‪‬‬

‫أمثلة على المتواتر المعنوي‪.‬‬

‫((( شرح تنقيح الفصول (ص‪.)350-349‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1291‬ومسلم (‪ )4‬من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪ )614‬من حديث جابر بن عبد اهلل‪ ،‬وصحيح مسلم (‪ )384‬من حديث عبد اهلل بن عمرو ﭫ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪ ،)554‬ومسلم (‪ )633‬من حديث جرير بن عبد اهلل ﭬ‪.‬‬
‫((( نظم المتناثر من الحديث المتواتر (‪.)18‬‬
‫‪135‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القسم الثاين‪ :‬السنة اآلحادية‪:‬‬


‫وهي كل ما لم يصل إلى درجة التواتر‪.‬‬
‫مثالها‪ :‬حديث عمر بن الخطاب ﭬ مرفو ًعا‪« :‬إنما األعمال بالنيات‪ ،‬وإنما لكل‬
‫امرئ ما نوى»(((‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬السنة المشهورة‪:‬‬
‫وهذا القسم زاده الحنفية‪ ،‬ويعنون به‪ :‬ما كان خرب آحاد يف عصر الصحابة‪ ،‬ثم تواتر‬

‫‪   ‬‬


‫يف عصر التابعين وتابعي التابعين‪ ،‬ومن أمثلته قوله ﷺ‪« :‬ال وصية لوارث»(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والحديث المشهور عند الحنفية كالمتواتر يف القوة‪ ،‬وهو عند الجمهور من جملة اآلحاد‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)38/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)292-282/1‬‬


‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)322/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1424/3‬‬


‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)325-323/2‬‬
‫‪ -‬خرب الواحد وحجيته (ص‪.)57-54‬‬
‫‪ -‬التواتر عند األصوليني (ص‪.)9‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1‬ومسلم (‪.)1907‬‬


‫((( أخرجه الرتمذي (‪ ،)2121‬والنسائي (‪ ،)3643‬وأحمد (‪ )17666‬من حديث عمرو بن خارجة ﭬ‪،‬‬
‫قال الرتمذي‪( :‬حسن صحيح)‪.‬‬
‫‪136‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫أفعال النيب ﷺ ‪ ،‬وأقسامها‪،‬‬


‫وحجية كل قسم‬
‫أفعال النبي ﷺ كأقواله‪ ،‬فكما أنه ال ينطق عن الهوى فإنه ال يفعل عن الهوى‪ ،‬وقد‬
‫اعتنى األصوليون بدراسة أفعال النبي ﷺ من جهة إثمارها لألحكام الشرعية‪ ،‬وفيما يأيت‬
‫تفصيل ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬أقسام أفعال النيب ﷺ‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫تنقسم أفعال النبي ﷺ عند األصوليين إلى أربعة أقسام‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مختصا به ﷺ‪ ،‬كزواجه بأكثر من أربع‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫القسم األول‪ :‬ما كان‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬ما ظهر أن فعله ﷺ كان بيانًا لمجمل؛ كأدائه ﷺ للصالة المبين لقوله‬
‫‪    ‬‬

‫تعالى‪ ﴿ :‬ﮛ ﮜ﴾ [البقرة‪ ،]43 :‬وكذا أدائه ﷺ لمناسك الحج((( المبين لقوله‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تعالى‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [آل عمران‪.]97 :‬‬


‫‪    ‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬ما كان فعله على سبيل الجب ّلة والطبع كاألكل‪ ،‬والشرب‪ ،‬والمشي‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬هو ما فعله ﷺ ابتدا ًء ولم ُتعلم صفته من وجوب‪ ،‬أو ندب‪ ،‬أو إباحة‬
‫يف حقه‪ ،‬بنص أو أمارة‪ ،‬وهذا القسم هو موضوع هذه المسألة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومن أمثلته‪ :‬المضمضة واالستنشاق يف الوضوء(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫اتفق العلماء على جواز االستدالل بأفعال النبي عليه السالم على األحكام‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وأن األصل هو التأسي بأفعاله ﷺ‪.‬‬


‫قال أبو بكر ابن العربي‪( :‬ال خالف بين األمة أن أفعال رسول اهلل ملجأ يف المسألة‪،‬‬
‫‪‬‬

‫ومفزع يف الشريعة‪ ،‬وبيان للمشكلة)(((‪.‬‬


‫أيضا على أن من أفعاله ﷺ ما اختصت أحكامها به‪.‬‬ ‫واتفقوا ً‬

‫((( انظر‪ :‬صحيح مسلم (‪ )1218‬من حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪ ،)186‬ومسلم (‪ )235‬من حديث عبد اهلل بن زيد ﭬ‪.‬‬
‫((( المحصول البن العربي (ص‪.)109‬‬
‫‪137‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫قال اآلمدي‪( :‬وأما ما سوى ذلك مما ثبت كونه من خواصه التي ال يشاركه فيها‬
‫أحد‪ ،‬فال يدل ذلك على التشريك بيننا وبينه فيه إجما ًعا؛ وذلك كاختصاصه بوجوب‬
‫الضحى‪ ،‬واألضحى‪ ،‬والوتر‪ ،‬والتهجد بالليل‪ ،‬والمشاورة والتخيير لنسائه‪ ،‬وكاختصاصه‬
‫بإباحة الوصال يف الصوم‪ ،‬وصفية المغنم((( ‪.((()...‬‬
‫أيضا على أن فعله ﷺ إن كان بيانًا لمجمل فحكمه حكم المجمل؛‬
‫واتفقوا ً‬
‫إذ المراد من ذلك المجمل هو ما ب ّينه النبي ﷺ بفعله‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫فإن ورد فعل النبي ﷺ بيانًا لحديث (كقوله‪« :‬صلوا كما رأيتموين أصلي»(((‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫و«خذوا عني مناسككم»((( ‪ ،‬أو آلية كالقطع من مفصل الكف المبين آلية السرقة(((‪ ،‬فهو دليل‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫يف حقنا‪ ،‬وال خالف أنه واجب‪ ،‬وحيث ورد بيانًا لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫أيضا على أن من أفعاله ﷺ ما يحكم فيه باإلباحة كأفعاله الجبلية؛‬
‫‪   ‬‬ ‫واتفقوا ً‬
‫‪    ‬‬

‫ألنه ﷺ ال يفعل ما هني عنه‪ ،‬بشرط أن ال يتعقب فعله معتبة من اهلل‪ ،‬أو استغفار منه واستدراك‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫قال اآلمدي‪( :‬أما ما كان من األفعال الجبلية ‪-‬كالقيام والقعود واألكل والشرب‬
‫‪    ‬‬

‫ونحوه‪ -‬فال نزاع يف كونه على اإلباحة بالنسبة إليه وإلى أمته)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقال ابن النجار‪( :‬وما كان من أفعاله ﷺ ِجبِل ًّيا ‪-‬كنوم واستيقاظ وقيام وقعود‬
‫وذهاب ورجوع وأكل وشرب ونحو ذلك‪ -‬فمباح قطع به األكثر‪ ،‬ولم يحكوا فيه خال ًفا)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ولكن وقع الخالف بينهم يف الحكم المستفاد من فعله ﷺ إن كان فعله ابتدا ًء‪،‬‬
‫ولم يرد نص يبين حكم ذلك الفعل‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫((( وهي ما يختاره النبي ﷺ قبل القسمة من الغنيمة‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫((( اإلحكام يف أصول األحكام لآلمدي (‪.)173/1‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ )631‬من حديث مالك بن الحويرث ﭬ‪ ،‬وأصله عند مسلم (‪.)674‬‬
‫‪‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ ،)1297‬والبيهقي (‪ ،)9600‬واللفظ للبيهقي‪ .‬ولفظ مسلم‪« :‬لتأخذوا مناسككم؛ فإين ال أدري‬
‫لعلي ال أحج بعد حجتي هذه»‪.‬‬
‫((( أخرجه الدارقطني يف سننه (‪ ،)3466‬من حديث عبد اهلل بن عمرو ﭭ‪ .‬والبيهقي يف الكربى (‪ )17329‬من‬
‫حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ ‪« :‬أن النبي ﷺ قطع يد سارق من المفصل»‪ .‬انظر‪ :‬التلخيص الحبير (‪،)56/4‬‬
‫والبدر المنير (‪.)460-459/8‬‬
‫((( البحر المحيط (‪.)29/6‬‬
‫((( اإلحكام يف أصول األحكام (‪.)173/1‬‬
‫((( شرح الكوكب المنير (‪.)178/2‬‬
‫‪138‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫اختلف األصوليون يف أفعال النبي ﷺ التي فعلها ابتداء‪ ،‬وكانت مجردة عن الصفة‬
‫والقرينة الدالة على حكمها على خمسة أقوال‪ ،‬الوجوب والندب واإلباحة‪ ،‬والوقف‪،‬‬
‫والتفصيل بين ما كان على وجه القربة فيكون مندو ًبا‪ ،‬وما لم يظهر فيه وجه القربة فيكون‬
‫مباحا‪:‬‬
‫ً‬
‫القول األول‪ :‬أن هذا الفعل حكمه الوجوب‪ ،‬وإليه ذهب المالكية‪ ،‬وبعض الشافعية؛‬

‫‪   ‬‬


‫كابن سريج‪ ،‬ورواية عن اإلمام أحمد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن أفعاله ﷺ على الندب‪ ،‬وإليه ذهب الظاهرية والمعتزلة وبعض‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫الحنفية والقفال‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن أفعاله ﷺ على اإلباحة‪ :‬وإليه ذهب أكثر الحنفية‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القـول الرابـع‪ :‬أن أفعـال النبـي ﷺ علـى الوقـف‪ ،‬وهـو اختيـار الـرازي وبعـض‬
‫‪   ‬‬

‫المعتزلة واألشاعرة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القول الخامس‪ :‬أن ما كان من أفعاله ﷺ على وجه القربة فمندوب‪ ،‬وما لم يظهر‬
‫‪    ‬‬

‫فيه وجه القربة فمباح‪ ،‬وهو اختيار اآلمدي وابن الحاجب‪.‬‬


‫دليل القول األول (الوجوب)‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾ [الحشر‪.]7 :‬‬


‫وجه الداللة من اآلية‪ :‬أن ما فعله ﷺ يجب علينا فعل مثله‪ ،‬ألنه مما أتى به الرسول‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن قوله‪ ﴿ :‬ﮩ ﮪ ﴾ ال يجوز أن يكون يف معنى قوله‪ :‬ما أتى به فخذوه؛‬
‫‪ ‬‬

‫واألخير هو ما يستفاد به الوجوب ال األول‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ‬


‫‪‬‬

‫ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [األعراف‪.]158 :‬‬
‫ظاهر يف وجوب االتباع‪ ،‬وهو يكون يف الفعل والقول على حد سواء‪.‬‬‫ٌ‬ ‫واألمر يف اآلية‬
‫نوقش‪ :‬بأن االتباع ال يفهم منه محاكاة الفعل يف اللغة ً‬
‫أصاًل‪ ،‬وتارك محاكاة الفعل‬
‫ال يكون عاص ًيا إال بعد أن يؤمر بمحاكاته‪.‬‬

‫‪139‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الدليل الثالث‪ :‬أن وجوب المتابعة يف الفعل يدل عليه اإلجماع‪ ،‬لرجوع الصحابة ﭫ‬
‫إلى قول عائشة ڤ لما اختلفوا يف وجوب الغسل من التقاء الختانين عندما قالت‪« :‬فعلته‬
‫أنا ورسول اهلل ﷺ فاغتسلنا»(((‪ ،‬وأخذ به جميع الصحابة ﭫ والتزموه واج ًبا‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن حديث عائشة ڤ كان بيانًا لواجب‪ ،‬وهذا محل اتفاق فخرج عن‬
‫محل النزاع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫دليل القول الثاني (الندب)‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬حديث أبي هريرة ﭬ أن النبي ﷺ قال‪« :‬لوال أن أشق على أمتي‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ألمرتهم بالسواك ِعنْدَ ك ُِّل صالة»(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ووجه االستدالل‪ :‬أنه لم يأمرهم حتى ال يجب يف حقهم‪ ،‬واكتفى بالفعل؛ فدل على‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫نقص مرتبته عن األمر‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن قوله هنا دال على عدم وجوب الفعل‪ ،‬فالدليل خارج محل النزاع‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وغاية ما يستدل به على أن مطلق األمر للوجوب‪ ،‬ال على أن مطلق الفعل للندب‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن اإلجماع منعقد على الندب‪ ،‬فوجب التمسك به ونفي ما عداه‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن اتفاقهم ال يدل على اتفاقهم على الندب‪ ،‬بل إهنم متفقون على التأسي‬
‫به ﷺ‪ ،‬ال على سبيل الوجوب أو الندب أو اإلباحة‪ ،‬فال يلزم من اتفاقهم على مطلق‬
‫‪ ‬‬

‫التأسي أن يكونوا قد اتفقوا على الندب‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫دليل القول الثالث (اإلباحة)‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫استدلوا بما روي عنه ﷺ أنه خلع نعليه يف الصالة‪ ،‬فخلع الناس نعالهم‪ ،‬فلما‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫فرغ قال‪« :‬ما لكم خلعتم نعالكم؟»‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ :‬رأيناك خلعت فخلعنا‪ ،‬قال‪:‬‬
‫«إن جبريل أتاين فأخبرين أن بهما خب ًثا‪.(((»...‬‬
‫‪‬‬

‫((( أخرجه الرتمذي (‪ ،)108‬والنسائي يف الكربى (‪ ،)194‬وأحمد (‪ .)25281‬وصححه ابن كثير يف تحفة الطالب (‪)31‬‬
‫وابن الملقن يف البدر المنير (‪.)517/2‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)887‬ومسلم (‪ )252‬واللفظ له‪.‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)650‬وأحمد (‪ ،) 11153‬وابن خزيمة (‪ ،)1017‬من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪ .‬وصححه‪:‬‬
‫أبو حاتم الرازي‪ ،‬والحاكم‪ ،‬وابن كثير‪ ،‬والنووي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬انظر‪ :‬المستدرك (‪ ،)486‬وتحفة الطالب (‪،)23‬‬
‫والمجموع (‪ ،)132/3‬والتلخيص الحبير (‪.)503/1‬‬
‫‪140‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫وجه االستالل‪ :‬أنه لو كان مطلق فعله موج ًبا للمتابعة لم يكن لقوله‪:‬‬
‫«ما لكم خلعتم نعالكم» معنى‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن األدلة قد وردت بوجوب االتباع والتأسي‪ ،‬فوجب أن تعترب‪ ،‬ويكون‬
‫فعله المجرد عن الوصف الذي فعله ابتداء واج ًبا‪.‬‬
‫دليل القول الرابع (الوقف)‪:‬‬
‫استدلوا بأن فعل النبي ﷺ إن لم يكن معلوم الصفة فال سبيل إلى الجزم بحكمه من‬

‫‪   ‬‬


‫وجوب أو ندب أو إباحة‪ ،‬فكان الطريق األسلم يف ذلك هو التوقف‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن هذا القول يئول إلى حظر االقتداء؛ ألن القائل بالمنع إن كان يمنع األمة‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫من أن يفعلوا مثل فعله هبذا الطريق ويلومهم على ذلك فقد أثبت صفة الحظر يف االتباع‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وإن كان ال يمنعهم من ذلك وال يلومهم عليه‪ ،‬فقد أثبت صفة اإلباحة؛ فدل ذلك على‬
‫‪    ‬‬

‫بطالن القول بالوقف‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫دليل القول اخلامس (التفصيل)‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫استدلوا على ذلك بأن الفعل إذا ظهر فيه قصد القربة‪ ،‬فإنه يدل على رجحان الفعل‬
‫‪    ‬‬

‫على الرتك‪ ،‬فلو فعل النبي ﷺ ً‬


‫فعاًل على وجه التقرب فال شك أن فعله أولى من الرتك‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ولكن هذا الفعل ال يجزم فيه بالوجوب فلم يبق من درجات الرجحان إال الندب‪ ،‬أما إن‬
‫لم يكن الفعل على وجه القربة‪ ،‬فال دليل على رجحان الفعل على الرتك‪ ،‬فبطل الوجوب‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والندب ولم يبق إال اإلباحة‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف حكم فعل النبي ابتدا ًء مجر ًدا عن الصفة‪،‬‬
‫‪‬‬

‫خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية‪ ،‬ومنها ما يأيت‪:‬‬


‫مسألة‪ :‬املبيت مبنى فـي أيام منى‪:‬‬
‫‪ -‬فإن من رأى فعله على الوجوب قال بوجوب المبيت بمنى‪.‬‬
‫‪ -‬ومن رأى غير ذلك اختلف قولهم بين الندب‪ ،‬وبين اإلباحة‪ ،‬وغير ذلك؛ للخالف‬
‫يف داللة فعله ﷺ‪.‬‬

‫‪141‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مسألة‪ :‬قيام املأموم عن يسار اإلمام‪:‬‬


‫حديث ابن عباس ﭭ قال‪« :‬بت ليلة عند خالتي ميمونة‪ ،‬فقام النبي ﷺ من‬
‫الليل‪ ...‬فقمت عن يساره‪ ،‬فأخذ بيدي فأدارين عن يمينه‪ ،(((»...‬فاختلف يف ذلك‪:‬‬
‫فمن رأى وجوب الفعل قال بوجوب ذلك‪ ،‬ومن رأى غير ذلك قال بالندب‬
‫أو اإلباحة‪ ،‬على حسب اختالفهم يف حكم الفعل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام البن حزم (‪.)427/4‬‬


‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)88/2‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬الفصول فـي األصول (‪.)215/3‬‬


‫‪ -‬النبذة الكافـية (ص‪.)44‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلشارة فـي أصول الفقه (ص‪.)13‬‬


‫‪ -‬بذل النظر فـي األصول (ص‪)504‬‬
‫‪ -‬حتفة املسئول فـي شرح خمتصر منتهى السول (‪.)180-178/2‬‬
‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)126/4‬‬
‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)368/3‬‬
‫‪ -‬فواتح الرمحوت (‪.)181/2‬‬
‫‪ -‬املعتمد فـي أصول الفقه (‪.)348/1‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6316‬ومسلم (‪.)763‬‬


‫‪142‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫التفريق بني أقسام اخلرب‬

‫فرق األصوليون بني اخلرب املتواتر واآلحاد بثالثة فروق‪:‬‬


‫الفرق األول‪ :‬أن الخرب المتواتر يفيد القطع واليقين‪ ،‬وإذا كان كذلك فإنه يجب‬

‫‪   ‬‬


‫تصديقه‪ ،‬وإن لم يدل عليه دليل آخر‪ ،‬وخرب اآلحاد يفيد الظن‪ ،‬فال يحصل العلم القطعي‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫بمجرده‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الفرق الثاني‪ :‬أنه يمتنع الكذب على أهل التواتر من جهة العادة‪ ،‬وإن كان العقل‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يجوز الكذب عليهم‪ ،‬وال يمتنع عادة الكذب على خرب اآلحاد‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفرق الثالث‪ :‬أن الخرب المتواتر ال يحتاج النظر يف إسناده‪ ،‬فكثرة الرواة تغني عن‬
‫‪   ‬‬

‫البحث يف عدالتهم‪ ،‬بخالف خرب اآلحاد‪ ،‬فال بد لقبوله من البحث يف عدالة الرواة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬روضة الناظر (‪.)186-184/1‬‬
‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)235-234‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)327-325/2‬‬
‫‪ -‬شرح خنبة الفكر للقاري (ص‪.)186‬‬

‫‪143‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أنواع احلديث املتواتر‬

‫ينقسم احلديث املتواتر إىل قسمني (لفظي‪ -‬معنوي)‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬املتواتر اللفظي‪:‬‬
‫وهو ما تواتر لفظه‪ ،‬حيث اتفقت جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب على نقله‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫بلفظه‪ ،‬وما تواتر لفظه تواتر معناه قط ًعا‪ ،‬ولكن ال يطلق عليه متواتر معنوي؛ الصطالح‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫العلماء على أن المتواتر المعنوي مفتقر لتواتر اللفظ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ويمكن تقسيم المتواتر اللفظي إلى نوعين‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫النوع األول‪ :‬تواتر عام أو عند العامة‪ :‬كتواتر وجوب الصلوات الخمس وعدد‬
‫‪    ‬‬

‫ركعاهتا‪ ،‬وكون الكعبة هي البيت الذي يحج الناس إليه‪ ،‬وكون رمضان هو الشهر‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المفروض صومه‪ ،‬ونحو ذلك؛ ّ‬


‫فإن هذا من التواتر العام‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫علي‬
‫النوع الثاين‪ :‬تواتر خاص‪ :‬أو لدى أهل فن خاص؛ كقوله ﷺ‪« :‬من كذب َّ‬
‫‪    ‬‬

‫الخاصة‪ ،‬وهم أهل العلم بالحديث‪،‬‬


‫ّ‬ ‫فليتبوأ مقعدَ ه من النار» (((‪ ،‬فهو متواتر عند‬
‫َّ‬ ‫متعمدً ا‬
‫كما تواتر عندهم سجود السهو‪ ،‬وفرائض الصلوات‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬املتواتر املعنوي‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫وهو ما تواتر معناه دون لفظه‪ ،‬حيث اتفقت جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫على رواية وقائع مختلفة تشترك يف أمر‪ ،‬يتواتر ذلك القدر المشترك؛ كأحاديث رفع اليدين‬
‫‪ ‬‬

‫يف الدعاء(((‪ ،‬فإهنا قد رويت بألفاظ مختلفة يف أحاديث مختلفة أن رسول اهلل ﷺ كان يرفع‬
‫‪‬‬

‫يديه يف الدعاء‪ ،‬فالقدر المشرتك إ ًذا بينها هو أمر رفع اليدين يف الدعاء‪ ،‬فهذا تواتر معنوي‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬جامع املسائل لشيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)291/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1770-1769/4‬‬
‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)353- 349‬‬
‫‪ -‬تدريب الراوي للسيوطي (‪.)631/2‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1291‬ومسلم (‪ )4‬من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪ ،)4323( )1029‬ومسلم (‪.)2498( )895‬‬
‫‪144‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫أمثلة احلديث املتواتر‬

‫حتققت شروط التواتر فـي مجلة من األحاديث النبوية‪ ،‬ومن أمثلة احلديث‬
‫املتواتر‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪1 -‬حديث‪« :‬من كذب علي متعمدً ا فليتبوأ مقعده من النار»(((‪ ،‬نقله من الصحابة ﭫ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫العدد الجم‪ ،‬وذكر أبو بكر البزار الحافظ يف مسنده أنه رواه عن رسول اهلل ﷺ نحو من‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫أربعين ً‬
‫رجاًل من الصحابة(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪2 -‬حديث‪« :‬من شهد أن ال إله إال اهلل وجبت له الجنة»(((‪ ،‬وقد عد أبو جعفر الكتاين‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫رواته من الصحابة فبلغ هبم أربعة وثالثين صحاب ًّيا(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪3 -‬حديث‪« :‬من بنى هلل مسجدا بنى اهلل له بيتًا يف الجنة»(((‪ ،‬وقد رواه عشرون صحاب ًّيا‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫كما ب ّين ذلك السيوطي(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1291‬ومسلم (‪ )4‬من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ‪.‬‬


‫((( مسند البزار (‪.)187/3‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5827‬ومسلم (‪ )94‬من حديث أبي ذر الغفاري ﭬ قال‪ :‬أتيت النبي ﷺ وعليه ثوب‬
‫أبيض‪ ،‬وهو نائم‪ ،‬ثم أتيته وقد استيقظ‪ ،‬فقال‪« :‬ما من عبد قال‪ :‬ال إله إال اهلل‪ ،‬ثم مات على ذلك إال دخل الجنة»‪.‬‬
‫((( نظم المتناثر من الحديث المتواتر للكتاين (ص‪.)38‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)450‬ومسلم (‪ )533‬من حديث عثمان بن عفان ﭬ‪.‬‬
‫((( تدريب الراوي (‪.)630/2‬‬
‫‪145‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫شروط العمل خبرب اآلحاد‬

‫قسم األصوليون شروط العمل باألخبار باعتبارات ثالث‪( :‬الراوي ‪ -‬الخبر ‪-‬‬
‫ّ‬
‫مدلول الخبر)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫االعتبار األول‪ :‬شروط ترجع إىل الراوي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وهذه الشروط مذكورة يف الروضة(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫االعتبار الثاني‪ :‬شروط راجعة إىل رواية اخلرب‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫عالما باللغة‬
‫الشرط األول‪ :‬أن يرويه الراوي بلفظه‪ ،‬فإن رواه بالمعنى لزم أن يكون ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمعاين‪ ،‬وما يحيل المعاين‪ ،‬حتى ال يؤديه على غير وجهه‪ ،‬أو يبدل لفظة مكان أخرى‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ال تويف بمعناها(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الشرط الثاين‪ :‬أن يرويه الراوي بتمامه دون نقصان ٍّ‬


‫مخل منه‪ ،‬فإن رواه بغير تمامه‬
‫‪    ‬‬

‫‪-‬بأن حذف منه بعض ألفاظه أو اختصره‪ -‬فال بد من ثالثة أمور‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬أال يحذف منه ما يؤثر يف معناه‪ ،‬أو يخرق اتساق ألفاظه‪ ،‬أو اكتمال سياقه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ناقصا ولم يروه‬


‫ثانيها‪ :‬أن يكون رواه غيره بتمامه ف ُيعرف تمامه منه‪ ،‬وإال فلو رواه ً‬
‫‪   ‬‬

‫غيره؛ لضاع بعضه وصار كتمانًا وخيان ًة ألمانة التحمل واألداء‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫متهما بقصد الحذف لغرض سيء‪.‬‬


‫ثالثها‪ :‬أال يكون الراوي ً‬
‫‪ ‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أال يزيد يف الخبر‪ ،‬إال أن تكون زيادة لتوضيح معنى أو بيان حال‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬أال يضطرب يف روايته‪ ،‬فلو اضطرب يف روايته ولم يضبط سقطت‬
‫‪‬‬

‫رواية الحديث كما قرره المحدثون واألصوليون على تفاصيل‪.‬‬


‫الشرط الخامس‪ :‬أال يقتصر يف رواية الحديث المحتمل ألكثر من معنى على أحد‬
‫معانيه‪ ،‬إال لغرض جائز كاستدالل به يف بعض معانيه ونحو ذلك‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)212-202/1‬‬


‫((( ذكره ابن قدامة يف مسألة رواية الحديث بالمعنى‪ ،‬انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)233-232/1‬‬
‫‪146‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫االعتبار الثالث‪ :‬شروط راجعة إىل مدلول اخلرب‪:‬‬


‫عقاًل‪ ،‬وإال فلو أحاله العقل‬
‫مستحياًل ً‬
‫ً‬ ‫الشرط األول‪ :‬أن ال يكون مدلول الخبر‬
‫ً‬
‫إشكااًل؛ إذ الشرع ال يرد بما تحيله العقول‪ ،‬فال بد‬ ‫لع ْل ِمنا حينئذ بأن يف نقله‬
‫لوجب رده ِ‬
‫أن الخطأ يف الرواة‪.‬‬
‫وهذا الشرط يراد به ما تحيله العقول قط ًعا اتفا ًقا‪ ،‬ال ما َّ‬
‫توه َمتْه بعض العقول‪ ،‬كرد‬
‫بعض المتكلمين بعض أخبار اآلحاد لتوهمهم معارضتها المعقول‪ ،‬والحق أن اإلشكال‬

‫‪   ‬‬


‫هو يف فهمهم وما ق َّعدوه ألنفسهم‪ ،‬وما وضعوه من أصول‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن ال يكون مدلول الخبر مخال ًفا لنص مقطوع به؛ بحيث ال يمكن‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫الجمع بينهما بحال‪ ،‬فلو ورد هبذا الحال لعلمنا بأنه ال بد من تقديم المقطوع به‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫على الظني‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن ال يكون مدلول الخبر مخال ًفا إلجماع األمة؛ ألن اإلجماع‬
‫‪   ‬‬

‫قطعي‪ ،‬والخرب ظني؛ فوجب تقديم القطعي‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬اللمع للشريازي (ص‪.)77-75‬‬
‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)11- 3/2‬‬
‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)125-123‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)146-136/2‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)151/1‬‬
‫‪147‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫معنى الرواية‬

‫لغة‪ :‬مصدر َر َوى َي ْر ِوي ِرواية‪ ،‬وتطلق الرواية ويراد هبا ّ‬


‫تحمل الحديث أو‬ ‫الرواية ً‬
‫شعرا إذا رواه له حتى حفظه للرواية عنه‪.‬‬
‫روى فالن فالنًا ً‬
‫الشعر ونحوهما‪ ،‬ونقله‪ ،‬ويقال‪َّ :‬‬

‫‪   ‬‬


‫إخبار عن أمر عام من قول أو فعل ال يختص واحد منهما بشخص‬
‫ٌ‬ ‫وفـي االصطالح‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫معين من األمة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ومن صفة هذا اإلخبار‪ :‬أنه ال ُيرتافع فيه عند الحكام‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وعكسها‪( :‬الشهادة) فإهنا إخبار بلفظ خاص عن خاص علمه مختص بمعين يمكن‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الرتافع فيه عند الحكام‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫أمرا عا ًما‬
‫وتجتمع الشهادة والرواية يف أهنما (خربان‪ ،‬غير أن المخرب عنه إن كان ً‬
‫‪    ‬‬

‫ال يختص بمعين فهو الرواية‪ ،‬كقوله ﭬ‪« :‬إنما األعمال بالنيات»(((‪ ،‬و«الشفعة فيما‬
‫‪    ‬‬

‫ال يقسم»(((‪ ،‬ال يختص بشخص معين‪ ،‬بل ذلك على جميع الخلق يف جميع األعصار‬
‫‪    ‬‬

‫واألمصار‪ ،‬بخالف قول العدل عند الحاكم‪( :‬لهذا عند هذا دينار)‪ :‬إلزام لمعين ال يتعداه‬
‫‪ ‬‬

‫إلى غيره‪ ،‬فهذا هو الشهادة المحضة)(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬لسان العرب (‪ )348/14‬مادة (روي)‪.‬‬


‫‪ -‬الفروق للقرافي (‪.)5/1‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)378/2‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1‬ومسلم (‪ )1907‬من حديث عمر بن الخطاب ﭬ‪.‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2214‬ومسلم (‪ )1608‬من حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ‪َ ،‬ق َال‪« :‬قضى النبي ﷺ بالشفعة‬
‫يف كل مال لم يقسم‪ ،»...‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫((( الفروق للقرايف (‪ ،)5/1‬وقد حكاه عن المازري‪ ،‬وانظر معناه يف‪ :‬إيضاح المحصول للمازري (‪.)475‬‬
‫‪148‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫التمثيل على الزيادة اليت انفرد بها الراوي‬

‫قسم ابن قدامة ‪ $‬الزيادة التي ينفرد هبا الراوي إلى قسمين (لفظية ‪ -‬معنوية)‪:‬‬ ‫ّ‬
‫القسم األول‪ :‬الزيادة اللفظية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وهي التي ال تؤثر يف الحكم‪ ،‬ومن أمثلتها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -1‬زيادة (الواو) يف قوله ﷺ‪« :‬ربنا ولك الحمد»‪ ،‬فإن (الواو) زيادة يف اللفظ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ال يف المعنى(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -2‬زيـادة اسـم الموضـع يف حديـث المحـرم الـذي وقصتـه ناقتـه؛ حيـث جـاء‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يف حديـث جريـر ﭬ‪« :‬فوقعـت يـد بكـره يف أخافيـق الجـرذان((( فاندقـت عنقه»(((‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫قـال القاضـي عبد الوهـاب البغـدادي المالكـي ‪ِ :$‬‬


‫(ذكْـر الموضـع ال يتعلـق بـه‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حكـم شـرعي‪ ،‬وكذلـك الناقـة دون الفـرس)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬الزيادة املعنوية‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫وهي التي يزيد الراوي فيها لف ًظا يؤثر يف الحكم‪ ،‬ومن أمثلتها‪:‬‬
‫‪ -1‬زيادة لفظ «والبيع قائم بعينه» يف قوله ﷺ‪« :‬إذا اختلف البيعان‪ ،‬وليس بينهما‬
‫‪ ‬‬

‫بينة‪ ،‬والبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع‪ ،‬أو يترادان البيع»(((‪ ،‬وهذه الزيادة مؤثرة يف‬
‫‪   ‬‬

‫الحكم المستفاد من الحديث‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)689‬ومسلم (‪ ،)392‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫((( جاء تفسيره يف روايات للحديث بأنه حجر يربوع‪ ،‬وشبكة جرذان‪ ،‬قال األزهري‪( :‬وقال أبو عبيد‪ :‬قال‬
‫األصمعي‪ :‬إنما هي لخاقيق جرذان‪ ،‬واحدها لخقوق‪ ،‬وهي شقوق يف األرض‪ ،‬قلت‪ :‬وقال غيره‪ :‬األخاقيق‬
‫‪‬‬

‫صحيحة‪ ،‬كما جاء يف الحديث‪ ،‬واحدها أخقوق مثل أخدود‪ ،‬وأخاديد)‪ .‬هتذيب اللغة (‪،)286/6‬‬
‫وجعله بعضهم اسم موضع يف الشام‪.‬‬
‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)19176‬والطرباين يف المعجم الكبير (‪ ،)2329‬من حديث جرير بن عبد اهلل ﭬ‪ ،‬واللفظ‬
‫للطرباين‪ .‬قال الهيثمي يف مجمع الزوائد (‪( :)42/1‬يف إسناده أبو جناب وهو مدلس‪ ،‬وقد عنعنه)‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)382‬‬
‫ٍ‬
‫((( أخرجه ابن ماجه (‪ ،)2186‬والدارمي (‪ ،)2591‬والبيهقي يف الكربى (‪ ،)10915‬من حديث ابن مسعود‪.‬قال‬
‫البيهقي‪( :‬خالف ابن أبي ليلى الجماعة يف رواية هذا الحديث حيث زاد فيه‪« :‬والبيع قائم بعينه»‪ ،‬وابن أبي ليلى وإن‬
‫كبيرا فهو ضعيف يف الرواية لسوء حفظه‪ ،‬وكثرة خطئه يف األسانيد والمتون‪ ،‬ومخالفته الحفاظ فيها)‪.‬‬ ‫كان يف الفقه ً‬
‫‪149‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫‪ -2‬زيادة لفظ‪« :‬من المسلمين» يف حديث عبد اهلل بن عمر ﭭ أن رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫«فـرض زكاة الفطـر مـن رمضـان علـى النـاس صا ًعـا مـن تمـر‪ ،‬أو صا ًعـا مـن شـعير‪،‬‬
‫علـى كل حـر أو عبد ذكـر أو أنثـى مـن المسـلمين»(((‪ ،‬وهـذه الزيـادة مؤثـرة يف الحكـم‬
‫المستفاد من الحديث‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)227-220/2‬‬


‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪. )382‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)246-234/6‬‬
‫‪ -‬الفوائد السنية فـي شرح األلفـية (‪.)256-251/2‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر أصول الفقه للجراعي (‪.)294-288/2‬‬
‫‪ -‬زيادة الثقات وموقف احملدثني والفقهاء منها (‪.)166/1‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1503‬ومسلم (‪ )984‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬


‫‪150‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫تعريف املرسل‬

‫املرسل لغة‪ :‬المطلق عن التقييد‪.‬‬


‫ً‬
‫مرساًل لعدم تقيده بذكر الواسطة التي بين الراوي والمروي عنه‪.‬‬ ‫وسمي الحديث‬

‫‪   ‬‬


‫واصطالحا‪ :‬اختلف تعريف األصوليين والمحدثين للمرسل‪:‬‬ ‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫فيرى األصوليون أن المرسل‪ :‬ما انقطع إسناده‪ ،‬وهو أن يكون يف رواته من يروي عمن لم يره‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهذا التعريف يشمل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪1 -‬ما أرسله الصحابي‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪2 -‬ما أرسله أهل القرن الثاين والثالث‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪3 -‬ما أرسله العدل يف كل عصر‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املرسل فـي اصطالح احملدثني‪ :‬أن يرتك التابعي الواسطة التي بينه وبين الرسول ﷺ‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫فيقول‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ كذا‪ ،‬كما كان يفعله سعيد بن المسيب‪ ،‬ومكحول الدمشقي‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وإبراهيم النخعي‪ ،‬والحسن البصري‪ ،‬وغيرهم‪.‬‬


‫فإن ترك الراوي واسطة بين الراويين‪ ،‬مثل‪ :‬أن يقول من لم يعاصر أبا هريرة ﭬ‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫(قال أبو هريرة)‪ ،‬فهذا يسمى (منقط ًعا) عندهم‪ ،‬إذا أسقط الراوي واسطة واحدة فقط‪.‬‬
‫فإن ترك الراوي أكثر من واسطة فهو المسمى (بالمعضل) عندهم‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والمرسل عند األصوليين أعم من المستقر لدى المحدثين؛ فهو يشمل مرسل‬
‫‪ ‬‬

‫التابعي‪ ،‬والمنقطع‪ ،‬والمعضل‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)906/3‬‬


‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)230/2‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)2/3‬‬
‫‪ -‬شرح الورقات للمحلي (ص‪.)194‬‬
‫‪ -‬تشنيف املسامع (‪.)211/3‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)338/6‬‬
‫‪ -‬اختصار علوم احلديث البن كثري (ص‪.)47‬‬
‫‪ -‬تدريب الراوي للسيوطي (‪.)219/1‬‬
‫‪ -‬منهج النقد فـي علوم احلديث (ص‪.)370‬‬
‫‪151‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حكم العمل باحلديث الضعيف‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬املراد بالعمل باحلديث الضعيف‪:‬‬
‫العمل بالحديث الضعيف ُيبحث من عدة أوجه؛ من جهة اختالف طرائق‬

‫‪   ‬‬


‫الفقهاء والمحدثين يف الحكم على الحديث بالضعف ً‬
‫أصاًل‪ ،‬ثم من جهة قبول العمل‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫بالحديث الضعيف وضوابطه‪ ،‬وترك العمل ببعض األحاديث الصحيحة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫فأصحاب الحديث قد يض ّعفون حدي ًثا بما ال يوجب التضعيف عند الفقهاء‪،‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫كاإلرسال والتدليس والتفرد بزيادة يف حديث لم يروها الجماعة‪ ،‬والفقهاء قد‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يعملون ببعض األحاديث الضعيفة‪ ،‬وقد يرتكون العمل ببعض األحاديث الصحيحة‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫فيقال فيها‪( :‬وليس العمل عليها)‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬حكم العمل باحلديث الضعيف‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫اختلف أهل العلم يف العمل بالحديث الضعيف‪ ،‬وقد ورد عن اإلمام أحمد‬
‫بعض النصوص يف الحديث الضعيف وأنه ال يعمل به ال يف الفضائل وال غيرها‪ ،‬وورد‬
‫‪ ‬‬

‫أيضا بعض النصوص التي تفيد العمل به يف الفضائل دون األحكام‪ ،‬فاستنبط منها‬‫عنه ً‬
‫َ‬
‫‪   ‬‬

‫ضوابط للعمل بالحديث الضعيف‪:‬‬ ‫أصحابه وأئمة المذهب أربعة‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الضابط األول‪ :‬أن العمل بها يكون يف فضائل األعمال دون األحكام‪ ،‬حيث‬
‫‪ ‬‬

‫ورد عنه ‪ $‬قوله‪( :‬إذا روينا عن النبي ﷺ يف الحالل والحرام شددنا يف األسانيد‪،‬‬
‫‪‬‬

‫حكما وال يرفعه تساهلنا‬


‫ً‬ ‫وإذا روينا عن النبي ﷺ يف فضائل األعمال‪ ،‬وما ال يضع‬
‫‪‬‬

‫يف األسانيد)(((‪.‬‬
‫وهذا يعني أن تقبل األخبار يف فضل العمل‪ ،‬ال يف إثبات استحبابه‪ ،‬فاالستحباب‬
‫حكم شرعي ال يثبت بالحديث الضعيف‪ ،‬لكن الفضل واألجر يقبل فيه الخرب‬
‫الضعيف‪ ،‬وهذا هو المراد بقبول الخرب الضعيف يف فضائل األعمال‪.‬‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)1945/4‬‬


‫‪152‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫الضابط الثاين‪ :‬أن يكون ضعفها خفي ًفا‪ ،‬وليست موضوعة وال منكرة‪ ،‬كما قالوا‬
‫يف أحاديث صوم رجب‪( :‬إن أحاديثه كلها موضوعة ال يعتمد أهل العلم على شيء‬
‫منها‪ ،‬وليست من الضعيف الذي يروى يف الفضائل‪ ،‬بل عامتها من الموضوعات‬
‫المكذوبات) (((‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬أن ال يجيء خالفه يف الباب أثبت منه‪ ،‬فإذا جاء األثبت أخذ‬
‫به‪ ،‬وربما أخذ بالمرسل إذا لم يجئ خالفه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الضابط الرابع‪ :‬أن يكون العمل عليه‪ ،‬وليس مرتوك العمل به‪ ،‬كما روي عن‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أحمد يف بعض األحاديث‪( :‬ليس بصحيح والعمل عليه)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)567-557/2‬‬


‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)276-273‬‬
‫‪ -‬الفتاوى الكربى (‪.)478/2‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1955-1944/4‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)573-569/2‬‬

‫((( الفتاوى الكربى (‪.)478/2‬‬


‫((( المسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)274‬‬
‫‪153‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫تعريف اجلرح والتعديل‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف اجلرح‪:‬‬
‫َ‬
‫اجلرح لغة‪ :‬بفتح الجيم هو القطع يف الجسم الحيواين بحديد‪ ،‬أو ما قام مقامه‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫الجرح‪ ،‬وهو الموضع المقطوع من الجسم‪ ،‬ثم استعمله المحدّ ثون والفقهاء‬ ‫والجرح هو أثر َ‬
‫ُ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الجرح الحقيقي تأثير‬ ‫ِ‬
‫مجازا؛ ألنه تأثير يف الدِّ ين والع ْرض‪ ،‬كما أن َ‬ ‫ً‬ ‫فيما يقابل التعديل‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫يف الجسم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫اصطالحا‪ :‬أن ُينسب إلى الشخص ما ُير ُّد قو ُله ألجله‪ ،‬مِن فِعل معصية كبيرة أو صغيرة‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫أو ارتكاب دنيئة‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫وبالجملة ُينسب إليه ما يخل بالعدالة التي هي شرط قبول الرواية‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬تعريف التعديل‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫التعديل لغة‪ :‬من العدل وهو ضد الجور‪ ،‬تقول عَدَ ل َي ْع ِدل عَدْ ًاًل وهو عادل‪ ،‬والعدل‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫الحكم بالحق‪ ،‬والعدل من الناس‪ :‬المرضي يف قوله وحكمه‪.‬‬


‫اصطالحا‪ :‬أن ينسب إلى الشخص ما ُيقبل قوله ألجله‪ ،‬أي‪ :‬أن ينسب إليه من‬
‫ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الخير‪ ،‬والعفة‪ ،‬والصيانة‪ ،‬والمروءة‪ ،‬والتدين‪ ،‬بفعل الواجبات‪ ،‬وترك المحرمات‪ ،‬ما‬
‫‪ ‬‬

‫بول قول ِ ِه شر ًعا‪ ،‬لداللة هذه األحوال على تحري الصدق‪ ،‬ومجانبة الكذب‪.‬‬
‫سو ُغ َق َ‬
‫ُي ِّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬لسان العرب (‪ )430/11‬مادة (عدل)‪.‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)162/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)440/2‬‬
‫‪ -‬املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد (ص‪.)207-206‬‬
‫‪ -‬املذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)145‬‬
‫‪154‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫مقاييس نقد متون السنة‬


‫عند األئمة األربعة وعند احملدثني‬
‫تحدث األصوليون من أصحاب المذاهب األربعة والمحدثون عن مقاييس لنقد‬
‫المتون‪ ،‬وفيما يلي بيان لمعنى النقد‪ ،‬ثم بيان المقاييس الصحيحة لنقد متون السنة عند‬

‫‪   ‬‬


‫األئمة األربعة والمحدثين‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أما معنى النقد فهو‪ :‬تمييز األحاديث الصحيحة من السقيمة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫وهو تارة يكون يف السند‪ ،‬وتارة يف المتن‪ ،‬والحديث هنا عن‪ :‬نقد المتون‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫املقاييس الصحيحة لنقد متون السنة عند األئمة األربعة واحملدثني‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املقياس األول‪ :‬أن يستحيل صحة الخبر يف العقل أو الحس‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فمتى خالف الحديث ما يقتضيه العقل أو الحس رد الحديث لذلك‪ ،‬والمقصود‬


‫‪    ‬‬

‫بالعقل هنا العقل الصريح‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫مثال مخالفة العقل‪ :‬حديث ابن عباس قال‪ :‬لما عرج بالنبي ﷺ إلى السماء السابعة‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وأراه اهلل من العجائب يف كل سماء‪ ،‬فلما أصبح جعل يحدث الناس من عجائب ربه‪،‬‬
‫ّ‬
‫فكذبه من أهل مكة من كذبه وصدّ قه من صدقه‪ ،‬فعند ذلك انقض نجم من السماء‪ .‬فقال‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫النبي ﷺ‪« :‬يف دار من وقع هذا النجم فهو خليفتي من بعدي»‪ .‬قال‪ :‬فطلبوا ذلك النجم‬
‫‪ ‬‬

‫فوجدوه يف دار علي بن أبي طالب ﭬ ‪ ،‬فقال أهل مكة‪ :‬ضل محمد وغوى‪ ،‬وهوى إلى‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهل بيته‪ ،‬ومال إلى ابن عمه علي بن أبي طالب(((‪.‬‬


‫‪‬‬

‫قال ابن الجوزي ‪( :$‬والعجب من تغفيل من وضع هذا الحديث كيف رتب ما‬
‫ال يصح يف العقول من أن النجم يقع يف دار ويثبت حتى يرى)(((‪.‬‬

‫((( أخرجه الجوزقاين يف األباطيل والمناكير (‪ ،)133‬وابن الجوزي يف الموضوعات (‪.)372/1‬‬


‫((( الموضوعات البن الجوزي (‪.)373/1‬‬
‫‪155‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ومثال مخالفة الحس‪ :‬حديث‪( :‬إذا عطس الرجل عند الحديث‪ ،‬فهو دليل صدقه)(((‪.‬‬
‫قال ابن القيم ‪( :$‬وهذا وإن صحح بعض الناس سنده‪ ،‬فالحس يشهد بوضعه؛‬
‫ألنا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله)(((‪.‬‬
‫املقياس الثاني‪ :‬أن يفعل الشيء بمحضر أهل التواتر فيكتمونه وال ينقلونه‪ ،‬فهذا‬
‫دليل على عدم صحة الخبر‪:‬‬
‫مثاله‪ :‬ما زعمه بعض المبتدعة أن النبي ﷺ أخذ بيد علي بن أبي طالب ﭬ‬

‫‪   ‬‬


‫بمحضر من الصحابة كلهم‪ ،‬وهم راجعون من حجة الوداع‪ ،‬فأقامه بينهم حتى عرفه‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الجميع‪ ،‬ثم قال‪« :‬هذا وصيي وأخي والخليفة من بعدي‪ ،‬فاسمعوا له وأطيعوا»(((‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫ثم اتفق الكل على كتمان ذلك وتغييره ومخالفته‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫املقياس الثالث‪ :‬أن يكون مخال ًفا لنص مقطوع به‪ ،‬على وجه ال يمكن الجمع بينهما‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بحال‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬حديث ابن عمر ﭬ عن النبي ﷺ‪« :‬ال يدخل ولد الزنا الجنة»(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهذا الحديث يظهر عدم صحته لمخالفته لقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾‬
‫‪    ‬‬

‫أيضا‪ ،‬يف أن كل إنسان‬


‫[األنعام‪ ،]164 :‬واآلية مقطوع بثبوهتا وداللتها ظاهرة مقطوع هبا ً‬
‫ال يتحمل وزر غيره‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫املقياس الرابع‪ :‬مناقضة الحديث لما جاءت به السنة الصريحة الصحيحة مناقض ًة بينةً‪:‬‬
‫فكل حديث يشتمل على فساد‪ ،‬أو ظلم‪ ،‬أو عبث‪ ،‬أو مدح باطل‪ ،‬أو ذم حق‪ ،‬أو نحو‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ذلك‪ ،‬فرسول اهلل ﷺ منه بريء‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫((( أخرجه أبو يعلى يف مسنده (‪ ،)6352‬والطرباين يف األوسط (‪ ،)6509‬وابن الجوزي يف الموضوعات (‪،)77/3‬‬
‫من حديث أبي هريرة ﭬ قال‪ :‬قال رسول اهلل ﷺ‪« :‬من حدث حدي ًثا فعطس عنده فهو حق)»‪ .‬قال أبو حاتم‬
‫الرازي‪( :‬هذا حديث كذب)‪ .‬علل ابن أبي حاتم (‪.)311/6‬‬
‫((( المنار المنيف البن القيم (ص‪.)51‬‬
‫((( لم نقف عليه هبذه السياقة مسندً ا‪ ،‬وإنما أورده ابن القيم يف المنار المنيف (ص‪ ،)57‬والقاري يف األسرار المرفوعة‬
‫يف األخبار الموضوعة (ص‪.)432‬‬
‫((( أخرجه النسائي يف الكربى (‪ ،)4907‬والطرباين يف األوسط (‪ ،)858‬وابن الجوزي يف الموضوعات (‪)111/3‬‬
‫من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬
‫‪156‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫مثاله‪ :‬األحاديث التي جاءت يف مدح من اسمه محمد أو أحمد‪ ،‬وأن كل من يسمى‬
‫هبذه األسماء ال يدخل النار؛ كحديث‪« :‬من ُولد له مولود فسماه محمدً ا تبركًا به كان هو‬
‫ومولوده يف الجنة»(((‪.‬‬
‫فإن هذا الحديث مخالف للمعلوم المقطوع به من األحكام بالقرآن والسنة؛ من أن‬
‫النجاة باألعمال الصالحة فقط‪ ،‬ال باالسم أو النسب‪.‬‬
‫املقياس اخلامس‪ :‬سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫حليما‪ ،‬ما أكله جائع إال أشبعه»(((‪.‬‬ ‫رجاًل لكان‬
‫مثاله‪ :‬حديث‪« :‬لو كان األرز ً‬

‫‪ ‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫قال ابن القيم ‪( :$‬فهذا من السمج البارد الذي يصان عنه كالم العقالء‪ً ،‬‬
‫فضاًل‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫عن كالم سيد األنبياء)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)398/4‬‬


‫‪ -‬املنار املنيف البن القيم (ص‪.)51‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)151/1‬‬


‫‪ -‬مقاييس نقد متون السنة (ص‪.)261-109‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬منهج احملدثني فـي نقد متون األحاديث النبوية (ص‪.)372‬‬

‫((( أخرجه ابن بكير الصيريف يف فضائل التسمية بأحمد ومحمد (‪ ،)30‬وقاضي المارستان يف مشيخته (‪،)453‬‬
‫وابن الجوزي يف الموضوعات (‪ ،)157/1‬من حديث أبي أمامة ﭬ‪ .‬قال الذهبي يف ميزان االعتدال‬
‫(‪( :)447/1‬موضوع)‪.‬‬
‫((( لم نقف عليه! وإنما أورده ابن القيم يف المنار المنيف (ص‪ ،)54‬والسخاوي يف المقاصد الحسنة (ص‪،)550‬‬
‫وقال‪( :‬قال شيخنا‪ :‬هو موضوع)‪.‬‬
‫((( المنار المنيف البن القيم (ص‪.)54‬‬
‫‪157‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫املقاييس املردودة لنقد متون السنة‬

‫وضع بعض األصوليين مقاييس لنقد متون السنة‪ ،‬وهذه المقاييس غير صحيحة‬
‫فصل ابن قدامة ‪ $‬بعضها‪ ،‬وبين وجه فسادها‪ ،‬وفيما يلي ذكر‬ ‫يف نقد المتون‪ ،‬وقد ّ‬
‫المقاييس الفاسدة التي ذكرها ابن قدامة‪ ،‬ثم المقاييس التي لم يذكرها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أواًل‪ :‬املقاييس املردودة اليت ذكرها ابن قدامة ‪:$‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫المقياس األول‪ :‬شهرة الحديث فيما تعم به البلوى‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حيث يرى الحنفية أنه إذا كان الحديث مما تعم به البلوى‪ ،‬وروي بطريق‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اآلحاد فإنه ال يقبل‪ ،‬وإنما يقبل فيه الخرب المشهور فقط‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫وقد ذكره ابن قدامة‪ ،‬وب ّين عدم صحته‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬حديث بسرة بنت صفوان أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬من مس ذكره فليتوضأ»(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫المقيـاس الثـاين‪ :‬مخالفة الحديـث للقياس الجلي‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ممـا اشترطه الحنفيـة يف األخـذ بالخبر الواحـد أال يكـون مخال ًفـا لحكـم ثبـت‬
‫بقيـاس جلـي‪ ،‬والقيـاس الجلـي هـو القيـاس علـى األصـول‪ ،‬وهـذا فيمـا ال يمكـن فيـه‬
‫‪ ‬‬

‫الجمـع بينهمـا‪ ،‬فـإذا أمكـن الجمـع فهـو أولـى مـن العمـل بأحدهمـا وتـرك اآلخـر‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫وهـذا الشـرط الـذي اشترطوه مح ُّلـه فيمـا لم يكـن الـراوي ً‬


‫فقيهـا‪ ،‬فـإن كان‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القيـاس ‪-‬حتـى وإن كان المتـن‬


‫َ‬ ‫فقيهـا فال يشترط هـذا الشـرط‪ ،‬فمتـى عـارض المتـ ُن‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬

‫صحيحـا‪ ،‬وكان راويـه غيـر فقيـه‪ -‬فإهنـم يقدمـون القيـاس‪ ،‬متى كانـت علتـه منصوصة؛‬
‫ً‬
‫‪‬‬

‫ألهنـم يـرون النـص علـى العلـة كالنـص علـى حكمهـا‪.‬‬


‫‪‬‬

‫مثاله‪ :‬حديث أبي هريرة ﭬ عن النبي ﷺ‪« :‬ال تصروا اإلبل والغنم‪ ،‬فمن ابتاعها‬
‫بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها‪ :‬إن شاء أمسك‪ ،‬وإن شاء ردها وصاع تمر»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)181‬والرتمذي (‪ ،)82‬وأحمد (‪ ،)27293‬واللفظ ألبي داود وأحمد‪ .‬وصححه‪ :‬أحمد‪،‬‬
‫وابن معين‪ ،‬والبخاري‪ ،‬والرتمذي‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬والبيهقي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬انظر‪ :‬التلخيص الحبير (‪.)214/1‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2148‬ومسلم (‪.)1515‬‬
‫‪158‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫قالوا‪ :‬هذا الحديث خالف القياس من وجهين‪:‬‬


‫الوجه األول‪ :‬أن التصرية ليست بعيب‪ ،‬وال يكون للمشرتي والية الرد بسببها‬
‫من غير شرط؛ ألن البيع يقتضي سالمة المبيع‪ ،‬و بِق َّلة اللبن ال تنعدم صفة السالمة؛‬
‫ألن اللبن ثمرة‪ ،‬وبعدمها ال تنعدم صفة السالمة‪ ،‬فبِق َّلتها أولى‪.‬‬
‫الوجـه الثـاين‪ :‬أنـه أوجـب رد صـاع مـن تمـر بـإزاء اللبـن‪ ،‬واللبـن يضمـن‬
‫كيلا أو بعوضـه دراهـم‪ ،‬وأمـا الصـاع مـن التمـر فال وجـه لـه مـن الشـرع‪.‬‬ ‫بمثلـه ً‬

‫‪   ‬‬


‫المقياس الثالث‪ :‬كون الخبر فيما يسقط بالشبهات كالحدود‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مما اشرتطه بعض الحنفية يف األخذ بالخرب الواحد أال يكون يف المسائل‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫التي تسقط بالشبهة؛ كخرب واحد يثبت حدًّ ا من الحدود الشرعية‪ ،‬فإن كان كذلك‬
‫‪    ‬‬
‫فإنه ال يقبل‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقد ذكره ابن قدامة‪ ،‬وب ّين عدم صحته‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬حديث زيد بن خالد الجهني ﭬ ‪ ،‬قال‪« :‬سمعت النبي ﷺ‪ :‬يأمر‬


‫‪    ‬‬

‫فيمن زنى ولم يحصن‪ :‬جلد مائة وتغريب عام» (((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فذهب الحنفية إلى أن التغريب ليس من حد الزنا‪ ،‬وبناه بعضهم على أنه‬
‫ورد بخرب واحد يف ما يسقط بالشبهة‪ ،‬فال يقبل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬املقاييس املردودة اليت مل يذكرها ابن قدامة ‪:$‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫المقياس األول‪ :‬أن يخالف الراوي ما روى‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫إذا خالـف الـراوي ما روى‪ ،‬فـإن الحنفية يرتكون العمل بذلك المروي؛ ألهنم‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫يـرون أن تركـه للخبر دليـل علـى نسـخه؛ إذ لـو تركـه وهـو غيـر منسـوخ قـدح ذلـك‬
‫‪‬‬

‫يف عدالته‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬حديث أبي هريرة مرفو ًعا‪« :‬إذا شرب الكلب يف إناء أحدكم فليغسله‬
‫سب ًعا»(((‪ ،‬مع أن أبا هريرة ﭬ كان يغسل اإلناء من ولوغ الكلب ثال ًثا‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2649‬ومسلم (‪ )1697‬من حديث زيد بن خالد ﭬ‪.‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)172‬ومسلم (‪.)279‬‬
‫‪159‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وهذا المقياس مردود يف الجملة؛ ألمرين‪:‬‬


‫األمر األول‪:‬‬
‫أنه يحتمل أن يكون خالف الحديث لنسيانه له‪ ،‬أو خطأ منه‪ ،‬أو لتأويل ظهر له‪،‬‬
‫ٍ‬
‫باحتمال غير ثابت‪.‬‬ ‫ولوجود هذه االحتماالت ال نستطيع معارضة الحديث الثابت‬
‫األمر الثاين‪ :‬أن احتمال النسخ احتمال بعيد‪ ،‬ال يلجأ إليه إال عند الضرورة‪،‬‬
‫كما ال بد من توفر شروط النسخ حتى يحكم به‪ ،‬ومنها الدليل الشرعي الناسخ‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫لذلك الحكم‪ ،‬وأين الناسخ هنا؟‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫المقياس الثاين‪ :‬أن يخالف الحديث عمل أهل المدينة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ممـا اشترطه المالكيـة للعمـل بخبر الواحـد أال يخالـف عمـل أهـل المدينـة‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫مـؤواًل‬ ‫ً‬
‫منسـوخا أو‬ ‫فـإن كان العمـل علـى خالفـه لم يعمـل بالخبر ويكـون‬
‫‪   ‬‬

‫أو غير ذلك‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تقم المسجد‪ ،‬ففقدها رسول اهلل‬


‫مثاله‪ :‬عن أبي هريرة ﭬ أن امرأة سوداء كانت ُّ‬
‫‪    ‬‬

‫ﷺ‪ ،‬فسأل عنها‪ ،‬فقالوا‪ :‬ماتت‪ ،‬قال‪« :‬أفال كنتم آذنتموين» قال‪ :‬فكأهنم صغروا أمرها‪،‬‬
‫فقال‪« :‬دلوين على قبرها» فدلوه‪ ،‬فصلى عليها(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫قال مالك يف الصالة على الجنازة إذا صلوا عليها‪ ،‬ثم جاء قوم بعدما صلوا عليها‪،‬‬
‫قال‪( :‬ال تعاد الصالة‪ ،‬وال يصلي عليها بعد ذلك أحد جاء بعد)‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫فأخرب بالحديث فقال‪( :‬قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل) أي‪ :‬عمل أهل‬
‫‪ ‬‬

‫المدينة(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫وهذا المقياس مردود‪ ،‬ألمرين‪:‬‬


‫‪‬‬

‫األمر األول‪ :‬أن عمل أهل المدينة من األصول غير المعتربة عند الجمهور‪،‬‬
‫فال تصح معارضته بالخرب‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)458‬ومسلم (‪.)956‬‬


‫((( المدونة (‪.)181/1‬‬
‫‪160‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫األمر الثاين‪ :‬أننا متعبدون بما روي عن النبي ﷺ‪ ،‬فإذا صح النقل عنه كان العمل‬
‫به واج ًبا‪ ،‬ولم يحط أهل المدينة بالسنة‪ ،‬بل خرج كثير من الصحابة عن المدينة إلى‬
‫مكة والشام والعراق واليمن ومعهم من السنة ما لم يبلغ أهل المدينة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬املدونة (‪.)181/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬أصول الشاشي (ص‪.)284‬‬


‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)7/2‬‬
‫‪ -‬املعتمد فـي أصول الفقه (‪.)160/2‬‬
‫‪ -‬روضة الناظر (‪.)241-238/1‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)64/3‬‬
‫‪ -‬الفكر السامي (‪.)545/2‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)118‬‬
‫‪ -‬مقاييس نقد متون السنة (ص‪.)480-263‬‬

‫‪161‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الرد على شبه منكري السنة‬

‫ٌ‬
‫بيان ألبرز‬ ‫يردد بعض المنكرين للسنة شبهات حول حجيتها‪ ،‬وفيما يلي‬
‫ثالث ُش ٍ‬
‫به مع الرد عليها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫الشبهة األوىل‪ :‬أن القرآن الكريم قد حوى كل شيء من أمور الدين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فإن اهلل تعالى يقول‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [األنعام‪ ، ]38:‬ويقول‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [النحل‪. ]89:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫وذلـك يـدل علـى أن الكتـاب قـد حـوى كل شـيء مـن أمـور الديـن‪ ،‬وأنـه قـد‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫واضحـا؛ بحيـث ال يحتـاج إلـى شـيء آخـر‪ ،‬وإال‬


‫ً‬ ‫ً‬
‫تفصيلا‬ ‫وفصلـه‬
‫ب ّينـه بيا نًـا تا ًّمـا‪ّ ،‬‬
‫‪   ‬‬

‫الخ ْلـف يف خبره‬


‫لـكان الكتـاب مفر ًطـا فيـه‪ ،‬ولمـا كان تبيا نًـا لـكل شـيء؛ فيلـزم ُ‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تعالـى‪ ،‬وهـو محـال‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫واجلواب من ثالثة أوجه‪:‬‬


‫الوجـه األول‪ :‬أنـه ال ُيسـ َّلم داللـة اآليـة األولـى‪ ،‬وهـي قولـه تعالـى‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫﴿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [األنعـام‪ ]38 :‬؛ فـإن المـراد بالكتـاب هنـا‪ :‬اللـوح‬


‫‪   ‬‬

‫المحفـوظ؛ بداللـة أول اآليـة‪ ،‬فقـد قـال اهلل قبلهـا‪ ﴿ :‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ﴾ [األنعـام‪ ، ]38 :‬فاللـوح المحفـوظ هـو الـذي‬


‫‪ ‬‬

‫حـوى كل شـيء‪ ،‬واشـتمل علـى جميـع أحـوال المخلوقـات كبيرهـا وصغيرهـا‪،‬‬


‫‪‬‬

‫جليلهـا ودقيقهـا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الوجـه الثـاين‪ :‬لـو ُسـ ِّلم أن المـراد بـه القـرآن ‪-‬كمـا هـو يف اآليـة الثانيـة‪-‬‬
‫فال يمكـن حمـل اآليتيـن علـى ظاهرهمـا مـن العمـوم يف األحـكام الدينيـة والدنيوية‪،‬‬
‫وإال للـزم الخلـف يف خبره تعالـى؛ ألن القـرآن لم يبيـن كل األمـور الدنيويـة كمـا‬
‫هـو معلـوم‪ ،‬والقـرآن يتعـذر العمـل بـه وحـده بالنسـبة لألحـكام الدينيـة؛ فيجـب‬
‫ظاهر ِهمـا‪ ،‬وتأوي ُلهمـا‪.‬‬
‫ِ‬ ‫العـدول عـن‬

‫‪162‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫الوجه الثالث‪ :‬لو ُس ِّلم أن القرآن ب ّين كل أحكام الدين المحتاج إليها‪ ،‬فإن‬
‫بيان القرآن على طريقين‪:‬‬
‫‪ -1‬بيـان بطريـق النـص؛ وذلـك مثـل بيانـه أصـول الديـن وعقائـده‪ ،‬وبيانـه‬
‫وجـوب الصلاة والـزكاة والصـوم والحـج‪.‬‬
‫‪ -2‬بيـان بطريـق اإلحالـة علـى دليـل مـن األدلة األخـرى التي اعتربها الشـارع‬
‫وحججـا علـى خلقـه‪ ،‬فـكل حكـم ممـا بينتْـه السـنة أو اإلجمـاع أو‬ ‫يف كتابـه أدلـة‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫القيـاس أو غيـر ذلـك مـن األدلـة المعتبرة‪ :‬فالقـرآن مبيـن لـه؛ ألنـه بيـن مدركـه‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ووجهنـا نحـوه‪ ،‬وأرشـدنا إليـه‪ ،‬وأوجـب علينـا العمـل بـه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشبهة الثانية‪ :‬أن اهلل تكفل حبفظ القرآن دون السنة ‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ِ‬
‫[الحجر‪، ]9:‬‬ ‫كما يدل عليه قوله سبحانه‪ ﴿ :‬ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾‬
‫‪   ‬‬

‫ودلياًل مثل القرآن‪ :‬لتك ّفل اهلل بحفظها ً‬


‫أيضا‪.‬‬ ‫ً‬ ‫ولو كانت السنة حجة‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫واجلواب من ثالثة أوجه‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫الوجه األول‪ :‬ال ُيس َّلم لكم أن اهلل لم يتكفل بحفظ السنة‪ ،‬بدليل قوله تعالى‪:‬‬
‫﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ﴾‬
‫‪ ‬‬

‫[التوبة‪ ،]32:‬ونور اهلل‪ :‬شرعه ودينه الذي ارتضاه للعباد وكلفهم به‪ ،‬فمن تمام حفظ الشرع‬
‫‪   ‬‬

‫والدين حفظ السنة‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن اآلية دلت على حفظ القرآن‪ ،‬وليس فيها حصر للحفظ‬
‫‪ ‬‬

‫عليه فقط‪ ،‬واهلل تعالى قد حفظ أشياء كثيرة مما عداه‪ :‬مثل حفظه النبي ﷺ من‬
‫‪‬‬

‫الكيد والقتل‪ ،‬وحفظه العرش والسموات واألرض من الزوال إلى أن تقوم‬


‫‪‬‬

‫الساعة‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬


‫الوجه الثالث‪ :‬أن حفظ القرآن هو حفظ لحروفه ومعانيه‪ ،‬والسنة مبينة لمعاين‬
‫القرآن‪ ،‬كما قال تعالى‪ ﴿:‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [النحل‪، ]44:‬‬
‫ظ القرآن ِح ْف ُظ المب ِّين له؛ ألن بضياع المب ِّين يضيع فهم القرآن‪.‬‬
‫فمن ِح ْف ِ‬

‫‪163‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الشبهة الثالثة‪ :‬لو كانت السنة حجة ألمر النيب ﷺ بكتابتها‪ ،‬ول َع ِمل‬
‫الصحابة والتابعون على مجعها وتدوينها‪:‬‬
‫فإن حجيتها تستدعي االهتمام هبا‪ ،‬والعناية بحفظها‪ ،‬والعمل على صيانتها حتى‬
‫ال يعبث هبا العابثون‪ ،‬ولم يقتصر األمر على عدم األمر بكتابتها‪ ،‬بل تعدى ذلك إلى‬
‫النهي عن الكتابة‪ ،‬واألمر بمحو ما كتب‪،‬كما ورد يف حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪« :‬ال تكتبوا عني‪ ،‬ومن كتب عني غير القرآن فليمحه‪ ،‬وحدثوا‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫عني وال حرج» (((‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫واجلواب من أربعة أوجه‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫الوجه األول‪ :‬ال ُيس َّلم ارتباط كوهنا حجة باألمر بكتابتها؛ بل المعول على‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫االحتجاج هبا هو ما ورد يف كتاب اهلل من طاعة النبي ﷺ يف كل شيء‪ ،‬كما يف‬
‫‪   ‬‬

‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [الحشر‪ ، ]7 :‬فهذه اآلية‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وغيرها كثير التي دلت على كون سنته حجة يلزم األخذ هبا‪ ،‬كما يلزم األخذ‬
‫‪    ‬‬

‫بالقرآن‪ ،‬بقطع النظر عن كتابتها وعدم ذلك‪.‬‬


‫الوجـه الثـاين‪ :‬أن منـاط الحجيـة هـو االهتمـام بضبـط النقـل‪ ،‬وذلـك‬
‫‪ ‬‬

‫حاصـل بنقـل الثقـة العـدل حتـى يوصلـه لمـن هـو مثلـه يف هـذه الصفـة‪ ،‬والكتابـة‬
‫وحدهـا ال عالقـة لهـا بالحجيـة؛ ولـذا كان اليهـود والنصـارى يكتبـون التـوراة‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫واإلنجيـل‪ ،‬ومـع ذلـك وقـع التبديـل والتغييـر فيهمـا‪ ،‬لمـا تجـردوا مـن صفـة‬
‫‪ ‬‬

‫العدالـة والضبـط‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الوجـه الثالـث‪ :‬أنـه يلـزم مـن هـذه الشـبهة عـدم االحتجـاج بالقـرآن؛ ألن‬
‫‪‬‬

‫القـرآن لم ينـزل مكتو ًبـا‪ ،‬ولـو كان حجـة الهتـم الشـارع بأمـره وأنزلـه مكتو ًبـا‪ ،‬كمـا‬
‫أنـزل التـوراة واإلنجيـل‪ ،‬ومـع أن النبـي ﷺ كان يأمـر بكتابتـه (((‪ ،‬إال أنـه لم يجمـع‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)3004‬‬


‫((( ومن ذلك‪ :‬ما أخرجه البخاري (‪ ،)4990‬عن الرباء ﭬ‪ ،‬قال‪ :‬لما نزلت‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ﴾‬
‫﴿ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﴾ [النساء‪ ،]95 :‬قال النبي ﷺ‪« :‬ادع لي زيدً ا‪ ،‬وليجئ باللوح والدواة والكتف» ثم قال‪:‬‬
‫«اكتب ﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﴾‪.»...‬‬
‫‪164‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫مكتو ًبـا إال يف عهـد أبي بكـر الصديـق ﭬ (((‪ ،‬وهـذا دليـل علـى أن االهتمـام‬
‫بالكتابـة ال عالقـة لـه بالحجيـة‪.‬‬
‫ً‬
‫دليلا علـى رغبتـه يف عـدم‬ ‫الوجـه الرابـع‪ :‬أن هنـي النبـي ﷺ عـن الكتابـة ليـس‬
‫نقلهـا وعلـى عـدم حجيتهـا؛ ألنـه أمـر أصحابـه بالتحديـث عنـه كمـا يف حديـث أبـي‬
‫سـعيد الخـدري ﭬ السـابق‪ ،‬ويف حديـث أبـي بكـرة ﭬ مرفو ًعـا‪« :‬ليبلـغ الشـاهد‬
‫الغائـب‪ ،‬فـإن الشـاهد عسـى أن يبلـغ مـن هـو أوعـى لـه منـه»(((‪ ،‬واألمـر بالتبليـغ دليـل‬

‫‪   ‬‬


‫االحتجـاج بـه‪ ،‬وإنمـا هناهـم عـن كتابـة السـنة خشـية اختالطهـا بالقـرآن‪ ،‬واشـتباهه هبـا‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬حجية السنة لعبد الغين عبد اخلالق (ص‪.)488-397‬‬


‫السَّنة‪ ،‬ورد شبه املُ ْس َت ْش ِر ِق َ‬
‫ني والكتاب املعاصرين (ص‪.)21‬‬ ‫‪ -‬دفاع عن ُ‬
‫‪ -‬شبهات حول السنة (ص‪.)69-12‬‬
‫‪ -‬احلديث واحملدثون (ص‪.)21‬‬
‫‪ -‬القرآنيون وشبهاتهم حول السنة (ص‪.)256-210‬‬

‫((( انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪.)7191‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)67‬ومسلم (‪ ،)1679‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪165‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أركان النسخ‬

‫أركان النسخ أربعة‪( :‬النسخ‪ ،‬والناسخ‪ ،‬واملنسوخ‪ ،‬واملنسوخ عنه)‪.‬‬


‫تفصيلا‪ ،‬و ُي ْكتفـى هنـا‬
‫ً‬ ‫الركـن األول‪ :‬النسـخ‪ :‬وقـد ذكـره ابن قدامـة يف الروضـة‬

‫‪   ‬‬


‫بتعريفـه حيـث قـال‪( :‬ر ْفـع الحكـم الثابـت بخطـاب متقـدم بخطـاب متراخ عنـه)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ٍ‬
‫معان‪:‬‬ ‫الركـن الثاين‪ :‬الناسـخ‪ :‬ويطلـق على أربعة‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫المعنـى األول‪ :‬يطلـق ويـراد بـه رب العالميـن سـبحانه وتعالـى‪ ،‬فهـو‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ٍ‬
‫بشـريعة‪،‬‬ ‫الناسـخ للشـرائع والمثبـت لهـا سـبحانه؛ فيقـال‪ :‬نسـخ اهلل تعالـى شـريع ًة‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حكمـا بحكم‪.‬‬
‫ً‬ ‫أو‬
‫‪   ‬‬

‫المعنـى الثـاين‪ :‬يطلـق ويـراد بـه الخطـاب نفسـه الـذي نُسـخ بـه الحكـم أو النـص‬
‫‪    ‬‬

‫المنسـوخ‪ ،‬فيقـال‪ :‬نسـخت آيـ ٌة آيـةً‪ ،‬وخبرٌ خبرًا؛ كنسـخ أخبـار التوجـه إلـى بيـت‬
‫‪    ‬‬

‫المقـدس يف الصلاة يف بدايـة اإلسلام‪ ،‬بقولـه تعالـى‪ ﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ‬


‫‪    ‬‬

‫ﮫ﴾ [البقـرة‪.]144:‬‬
‫‪ ‬‬

‫ويسـميه بعضهـم‪ :‬أداة النسـخ‪ ،‬ويعتربونـه ركنًـا وحـده؛ علـى اعتبـار أنـه الـذي به‬
‫تـم نسـخ النـص أو الحكم السـابق‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الحكـم الـذي ارتفـع بـه المنسـوخ‪ ،‬كمـا يقـال‪:‬‬


‫ُ‬ ‫المعنـى الثالـث‪ :‬يطلـق ويـراد بـه‬
‫‪ ‬‬

‫هـذا الحكـم نسـخ ذلـك الحكـم؛ كمـا يقـال‪ :‬وجـوب التوجـه إلـى الكعبة نسـخ وجوب‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫التوجـه إلـى بيـت المقدس‪.‬‬


‫ِ‬
‫المعتقـد كمـن يعتقـد أن الكتـاب ينسـخ‬ ‫مجـازا علـى‬
‫ً‬ ‫المعنـى الرابـع‪ :‬يطلـق‬
‫‪‬‬

‫بالسـنة؛ فيقـال‪ :‬فلان ناسـخ الكتـاب بالسـنة‪ ،‬ومعنـاه‪ :‬أنـه يعتقـد ذلـك‪.‬‬
‫الركـن الثالث‪ :‬المنسـوخ‪ :‬ويطلق علـى معنيين‪:‬‬
‫المعنـى األول‪ :‬يطلـق ويـراد بـه نفـس اآلية والخبر المنسـوخين‪ ،‬فيقـال‪ :‬هذه آية‬
‫منسـوخة‪ ،‬وهذا خرب منسـوخ‪.‬‬

‫((( روضة الناظر (‪.)128/1‬‬


‫‪166‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫المعنـى الثـاين‪ :‬يطلـق ويـراد بـه الحكـم المرفـوع بالنسـخ‪ ،‬كالتوجـه إلـى بيـت‬
‫المقـدس المنسـوخ بالتوجـه إلـى الكعبـة يف الصلاة‪.‬‬
‫الركـن الرابع‪ :‬المنسـوخ عنه‪ :‬وهو المك َّل ُ‬
‫ـف المتع ِّبدُ ‪.‬‬
‫ولـكل ركـن مـن هـذه األركان ضوابـط‪ ،‬وشـروط‪ ،‬وتفاصيـل مبسـوطة يف كتـب‬
‫األصول‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التلخيص فـي أصول الفقه للجويين (‪.)457-456/2‬‬
‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)97‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)256-254/2‬‬
‫‪ -‬الوجيز فـي أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)239-238/2‬‬

‫‪167‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫شروط النسخ‬
‫(((‬

‫شروط النسخ تنقسم إلى قسمين (شروط متفق عليها‪ ،‬وشروط مختلف فيها)‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬الشروط املتفق عليها بني األصوليني‪ ،‬وهي أربعة شروط‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫الشرط األول‪ :‬أن يكون الحكم المنسوخ شرع ًّيا‪ ،‬فإن كان الحكم عقل ًّيا كالرباءة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ً‬
‫نسخا للرباءة‬ ‫نسخا‪ ،‬فإيجاب الصالة على المكلف ال يسمى‬ ‫ً‬ ‫األصلية فرفعه ال يسمى‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫األصلية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون الحكم الناسخ شرع ًّيا‪ ،‬فأما إن كان غير شرعي فال يسمى‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫نسخا؛ كرفع التكاليف بالموت‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون الدليل الدال على ارتفاع الحكم مرتاخ ًيا عن الخطاب‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المنسوخ حكمه‪ ،‬فإن كان مقرتنًا –كالشرط‪ ،‬والصفة‪ ،‬واالستثناء‪ -‬فال يسمى ً‬
‫نسخا‪ ،‬وإنما‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫ناسخا‬ ‫هو تخصيص‪ ،‬كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [البقرة‪ ،]187 :‬فليس ذلك‬
‫هنارا‪ ،‬وكذا قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ‬ ‫للصوم ً‬
‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫ناسخا لتحريم العضل‪ ،‬وإنما تخصيص له‬ ‫ﯟ ﯠ﴾ [النساء‪ ،]19 :‬فليس االستثناء‬
‫بإباحة العضل إذا كان بحق‪ ،‬كصدور الفحش من المرأة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬أن ال يكون الخطاب المنسوخ حكمه مقيدً ا بوقت معين‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬الشروط املختلف فـيها‪ ،‬وعددها مخسة‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن ُين َْسخ القطعي بقطعي‪ ،‬ف ُين َْسخ القرآن بمثله‪ ،‬وبالمتواتر من السنة‪،‬‬
‫‪‬‬

‫والسنة المتواترة كذلك‪ ،‬وال ينسخهما خرب اآلحاد؛ ألنه ليس بقطعي‪ ،‬وهذا الشرط‬
‫اختاره ابن قدامة(((‪.‬‬

‫((( يذكر يف هذه المسألة الشروط إجما ً‬


‫اًل‪ ،‬ويشار إلى رأي ابن قدامة على وجه االختصار يف الشروط المختلف فيها‪،‬‬
‫أما بحث الشروط بالتفصيل ففي كتاب روضة الناظر‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)159/1‬‬
‫‪168‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون الناسخ والمنسوخ من جنس واحد‪ ،‬ف ُين َْسخ القرآن بقرآن‬
‫مثله‪ ،‬و ُتن َْسخ السنة بسنة مثلها‪ ،‬وهو شرط غير صحيح عند ابن قدامة؛ ألنه أجاز نسخ‬
‫السنة بالقرآن‪ ،‬والقرآن ليس من جنس السنة(((‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون قد ورد الخطاب الدال على ارتفاع الحكم بعد دخول‬
‫وقت التمكن من االمتثال‪ ،‬وهو شرط غير صحيح عند ابن قدامة(((‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن ينسخ الحكم الشرعي إلى بدل‪ ،‬فال يجوز أن ينسخ الحكم إلى‬

‫‪   ‬‬


‫غير بدل‪ ،‬وهو شرط غير صحيح عند ابن قدامة(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬أن ينسخ الحكم الشرعي إلى حكم أخف منه‪ ،‬فال يجوز أن ينسخ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الحكم إلى أثقل منه‪ ،‬وهو شرط غير صحيح عند ابن قدامة(((‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلحكام يف أصول األحكام لآلمدي (‪.)144/3‬‬


‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)169/3‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)216/5‬‬


‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)55/2‬‬
‫‪ -‬النسخ فـي دراسات األصوليني (ص‪.)334-195‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)155/1‬‬


‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)138/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)150/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)152/1‬‬
‫‪169‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫بيان املقصد الشرعي من النسخ‬

‫يتلخص املقصد الشرعي من النسخ فـي أربعة مقاصد‪:‬‬


‫المقصد األول‪ :‬تدريب األمة على تلقي األحكام الشرعية‪ ،‬فاهلل سبحانه وتعالى‬

‫‪   ‬‬


‫يسلك هبم طريق التدريج يف التشريع من األخف إلى األشد‪ ،‬من أجل أن تتهيأ نفوسهم‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫إلى تقبل حكمه النهائي‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫المقصد الثاين‪ :‬مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع لهم يف دينهم ودنياهم‪،‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وتنبيههم إلى أن الشريعة جاءت لمراعاة مصالحهم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫المقصد الثالث‪ :‬اختبار المكلفين بقيامهم بوظيفة الشكر إذا كان النسخ إلى أخف‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫ووظيفة الصرب إذا كان النسخ إلى أثقل‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫المقصد الرابع‪ :‬إرادة الخير لألمة والتيسير عليها؛ ألن النسخ إن كان إلى أشق ففيه‬
‫‪    ‬‬

‫زيادة الثواب‪ ،‬وإن كان إلى أخف ففيه سهولة و ُيسر‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬مجال القراء وكمال اإلقراء (ص‪.)335‬‬
‫‪ -‬مبادئ األصول (ص‪.)45‬‬
‫‪ -‬نفحات من علوم القرآن (ص‪.)٨٣-٨٢‬‬
‫‪ -‬النسخ فـي دراسات األصوليني (ص‪.)164-145‬‬
‫‪ -‬الشرح الكبري ملختصر األصول للمنياوي (ص‪.)356‬‬
‫‪ -‬املهذب يف علم أصول الفقه املقارن (‪.)55/2‬‬

‫‪170‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫النسخ باملساوي‬

‫اتفق األصوليون على جواز النسخ من حكم إىل حكم مياثله فـي اخلفة‬
‫أو القوة‪ ،‬فال يكون أخف منه‪ ،‬وال أثقل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫قال المرداوي‪( :‬تقرر أن النسخ جائز‪ ،‬وواقع ببدل وبغير بدل‪ ،‬فإذا كان ببدل فالبدل‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫إما مساو أو أخف‪ ،‬أو أثقل‪ ،‬واألوالن جائزان باتفاق)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫مثاله‪ :‬نسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫عن الرباء بن عازب ﭬ‪ ،‬قال‪« :‬كان رسول اهلل ﷺ صلى نحو بيت المقدس‪ ،‬ستة‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫شهرا‪ ،‬وكان رسول اهلل ﷺ يحب أن يوجه إلى الكعبة‪ ،‬فأنزل اهلل‪:‬‬ ‫عشر أو سبعة عشر ً‬
‫‪    ‬‬

‫﴿ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ﴾ [البقرة‪ ،]144 :‬فتوجه نحو الكعبة»(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬بيان املختصر لألصفهاني (‪.)523/2‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)240/5‬‬


‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3021/6‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)549/3‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)60/2‬‬
‫‪ -‬النسخ فـي دراسات األصوليني (ص‪.)283‬‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)3021/6‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)399‬ومسلم (‪ ،)525‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪171‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أقسام اإلمجاع‬

‫قسـم األصوليـون اإلجمـاع باعتبـارات عـدة أهمهـا أربعـة اعتبـارات‪:‬‬ ‫ّ‬


‫(ذات اإلجمـاع‪ ،‬ونقلـه‪ ،‬وقوته‪ ،‬وأهله)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫االعتبار األول‪ :‬من حيث ذات اإلمجاع‪ ،‬وينقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫القسـم األول‪ :‬اإلجمـاع القولـي‪ ،‬وهـو الصريـح‪ ،‬وهـو‪ :‬أن يتفـق قـول الجميع‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫علـى الحكـم بـأن يقولـوا كلهـم‪ :‬هذا حلال‪ ،‬أو‪ :‬حرام ‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ويلتحـق بـه‪ :‬أن يفعـل الجميـع الشـيء الواحد‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يصـر ح بعـض المجتهديـن‬


‫ِّ‬ ‫القسـم الثـاين‪ :‬اإلجمـاع السـكوتي‪ ،‬وهـو‪ :‬أن‬
‫‪   ‬‬

‫بالحكـم‪ ،‬ويشـتهر قولـه‪ ،‬ويسـكت الباقـون عـن إنـكاره‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسـم الثالـث‪ :‬اإلجمـاع الضمنـي‪ :‬المسـتنتج مـن اختلاف أهـل العصـر علـى‬
‫‪    ‬‬

‫قوليـن أو أكثـر؛ فيـدل ذلـك علـى اتفاقهـم علـى أن مـا خـرج عـن تلك األقـوال باطل‪.‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬من حيث نقل اإلمجاع‪ ،‬وينقسم إىل قسمني‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫القسـم األول‪ :‬اإلجمـاع الـذي ينقله أهـل التواتر؛ بحيث ينقـل بالتواتر أن جميع‬
‫‪   ‬‬

‫المجتهديـن نطقـوا بصريح الحكـم‪ ،‬أو أن بعض المجتهدين أفتى‪ ،‬وبعضهم سـكت‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسـم الثـاين‪ :‬اإلجمـاع الـذي ينقلـه اآلحـاد؛ بحيـث ينقـل بخبر الواحـد‬
‫‪ ‬‬

‫أن جميـع المجتهديـن نطقـوا بصريـح الحكـم‪ ،‬أو أن بعـض المجتهديـن أفتـى‪،‬‬
‫‪‬‬

‫وبعضهـم سـكت‪.‬‬
‫‪‬‬

‫االعتبار الثالث‪ :‬من حيث قوة اإلمجاع‪ ،‬وينقسم إىل قسمني‪:‬‬


‫القسـم األول‪ :‬اإلجمـاع القطعـي‪ ،‬وهـو‪ :‬مـا تحقـق فيـه شـرطان‪ ،‬وهمـا‪:‬‬
‫التصريـح بالحكـم مـن أهـل اإلجمـاع‪ ،‬ونقلـه إلينـا بطريـق قطعـي‪ ،‬كالمعلـوم‬
‫مـن الديـن بالضـرورة‪.‬‬
‫القسـم الثـاين‪ :‬اإلجمـاع الظنـي‪ ،‬وهو‪ :‬مـا اختل فيه أحـد هذين الشـرطين‪.‬‬
‫‪172‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫االعتبار الرابع‪ :‬من حيث أهل اإلمجاع وينقسم إىل قسمني‪:‬‬


‫القسـم األول‪ :‬اإلجمـاع العـام‪ ،‬وهـو‪ :‬إجماع عامـة العلمـاء على حكم شـرعي‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬اإلجماع الخاص‪ ،‬وهو‪ :‬ما اختص ببعض علماء األمة‪،‬‬
‫كإجماع الشيخين‪ ،‬وإجماع الخلفاء‪ ،‬وإجماع أهل المدينة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الفقيه واملتفقه (‪.)434/1‬‬
‫‪ -‬روضة الناظر (‪.)289/1‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)126/3‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)126‬‬
‫‪ -‬معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص‪.)157‬‬
‫‪ -‬اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص‪.)175‬‬
‫‪173‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫شروط اإلمجاع‬

‫وقع الخالف بين األصوليين يف شروط اإلجماع المعتربة‪ ،‬وقد َّفرق ابن قدامة بيانه‬
‫للشروط يف فصول متعددة من كتابه‪ ،‬فذكر ثالثة شروط معتربة‪ ،‬وستة شروط غير معتربة‪:‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬الشروط املعتربة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الشرط األول‪ :‬أن يتفق جميع المجتهدين على الحكم‪ ،‬فال يكون قول األكثرين‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫إجما ًعا(((‪ ،‬وال قول أهل المدينة إجما ًعا(((‪ ،‬وال اتفاق الخلفاء الراشدين إجما ًعا(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن ينقرض العصر الذي وقع فيه اإلجماع‪ ،‬بأن يموت كل المجتهدين‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الذين أجمعوا على تلك المسألة‪ ،‬وأما إذا رجع أحدهم عن قوله بعد اإلجماع‪ ،‬فإن رجوعه‬
‫‪    ‬‬

‫معترب‪ ،‬وال يصح اإلجماع(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫خالف بين‬
‫ٌ‬ ‫اإلجماع‬
‫َ‬ ‫خالف مستقر‪ ،‬فإن سبق‬
‫ٌ‬ ‫اإلجماع‬
‫َ‬ ‫الشرط الثالث‪ :‬أال يتقدم‬
‫‪    ‬‬

‫المجتهدين‪ ،‬وماتوا ولم يرجعوا عنه‪ ،‬فال يصح اإلجماع الذي يقع بعد ذلك على أحد‬
‫‪    ‬‬

‫القولين(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الشروط غري املعتربة‪:‬‬


‫اإلجماع‪ :‬عوا ُّم المسلمين؛ فإنه يعتد بقولهم يف اإلجماع‪،‬‬
‫َ‬ ‫الشرط األول‪ :‬أن يوافق‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وهذا الشرط (يرجع إلى إبطال اإلجماع)(((‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الشرط الثاين‪ :‬أن يوافق اإلجماع‪ :‬األصولي الذي ال يعرف تفاصيل الفروع‪ ،‬والفقيه‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الحافظ للفروع من غير معرفة باألصول‪ ،‬وهذا الشرط غير معترب عند ابن قدامة(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)269/1‬‬


‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)273/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)275/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)276/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)264/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)254/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)256/1‬‬
‫‪174‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يبلغ أهل اإلجماع التواتر‪ ،‬فال يقبل إجماع اآلحاد وهذا الشرط‬
‫غير معترب عند ابن قدامة(((‪.‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن ينعقد اإلجماع عن دليل قطعي من كتاب أو خرب متواتر‪،‬‬
‫وهذا الشرط غير معترب عند ابن قدامة(((‪.‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬أن ينعقد اإلجماع يف زمن الصحابة‪ ،‬فال يعتد باإلجماع بعد‬
‫زمنهم‪ ،‬وهذا الشرط غير معترب عند ابن قدامة(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الشرط السادس‪ :‬أن يصرح جميع المجتهدين بالحكم‪ ،‬وال يكفي أن يصرح البعض‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ويسكت الباقون‪ ،‬وهذا الشرط غير معترب عند ابن قدامة(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ومن يحتج من األصوليين باإلجماع السكوتي ذكر له خمسة شروط زائدة‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أواًل‪ :‬أن ينتشر ويشتهر القول‪ ،‬بحيث يبلغ جميع المجتهدين‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أن يكون من المسائل التكليفية‪ ،‬وليس من مسائل األصول والعقائد‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬أن يكون السكوت قبل استقرار المذاهب؛ ألنه إن كان بعدها لم يدل على‬
‫‪    ‬‬

‫الموافقة‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬أن تمضي مدة كافية للنظر والتأمل‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫خامسا‪ :‬أن توجد قرائن تدل على رضا الساكتين‪.‬‬ ‫ً‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)78/3‬‬


‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1604/4‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)252/2‬‬


‫‪ -‬أصول الفقه حملمد اخلضري (ص‪.)274‬‬
‫‪ -‬اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص‪.)١٧٨-١٧٥‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)253/1‬‬


‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)289-287/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)260/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)283/1‬‬
‫‪175‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مرتبة اإلمجاع بني األدلة‬

‫اإلجمـاع حـق مقطـوع بـه‪ ،‬وأصـل عظيم مـن أصول الديـن‪ ،‬ومصدر مـن مصادر‬
‫الشـريعة‪ ،‬مسـتمد من كتاب اهلل‪ ،‬وسـنة رسـوله ﷺ‪.‬‬
‫قـال اإلمـام الشـافعي ‪( :$‬ومعنـى االجتهـاد مـن الحاكـم‪ :‬إنمـا يكـون بعـد أن‬

‫‪   ‬‬


‫ال يكـون فيمـا يـرد القضـاء يف كتـاب‪ ،‬وال سـنة‪ ،‬وال ٍ‬
‫أمـر ُمجت ََمـ ٍع عليـه‪ ،‬فأمـا وشـيء مـن‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ذلـك موجـود فال)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وقـد نـص اإلمـام أحمـد ‪ $‬علـى هـذا يف روايـة عبـد اهلل وأبي الحـارث‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫أرأيـت إن أجمعـوا‪ ،‬لـه أن‬
‫َ‬ ‫(يف الصحابـة إذا اختلفـوا لم يخـرج مـن أقاويلهـم‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يخـرج مـن أقاويلهـم؟ هـذا قـول خبيـث‪ ،‬قـول أهـل البـدع‪ ،‬ال ينبغـي أن يخـرج‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مـن أقاويـل الصحابـة إذا اختلفـوا) (((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وتظهر مكانة اإلمجاع بني األدلة الشرعية بستة أمور‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫أواًل ‪ :‬أنـه أحـد األدلـة الشـرعية المتفـق علـى االحتجـاج هبـا يف الجملة‪.‬‬ ‫ً‬
‫ثان ًيـا‪ :‬أن اإلجمـاع ال ينعقـد إال إذا كان مسـتنِدً ا إلـى دليـل شـرعي‬
‫‪ ‬‬

‫وإن خفـي علينـا‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ثال ًثـا‪ :‬اشتراك اإلجمـاع مـع الكتاب والسـنة يف تكفيـر منكر القطعـي منها‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫راب ًعـا‪ :‬أن القطعـي منـه مقـدم علـى الكتـاب والسـنة عنـد التعـارض‪ ،‬فـإن خالفـه‬
‫‪ ‬‬

‫نـص مـن كتـاب أو سـنة‪ُ :‬علِـم أنـه منسـوخ أو متـأول‪.‬‬


‫‪‬‬

‫خامسـا‪ :‬أن اإلجماع حجـ ٌة قاطعة ال يدخله النسـخ وال التأويل‪.‬‬‫ً‬


‫‪‬‬

‫سادسـا‪ :‬أن القطعـي مـن اإلجمـاع ال يعـارض بالظنـي مـن األدلـة ممـا هـو دونـه‬ ‫ً‬
‫يف الرتبـة‪ ،‬كخبر الواحـد‪ ،‬أو القيـاس‪ ،‬أو العـرف‪ ،‬أو المصلحـة‪ ،‬أو االستحسـان ونحو‬
‫يعـارض بالظنـي مـن األدلة‪.‬‬
‫ذلـك‪ ،‬ولكـن الظنـي مـن اإلجمـاع قـد َ‬

‫((( األم للشافعي (‪.)216/6‬‬


‫((( العدة ألبي يعلى (‪.)1059/4‬‬
‫‪176‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫وهبذه األمور كلها تظهر مكانة اإلجماع بين األدلة الشرعية‪ ،‬وأنه يتبوأ منها‬
‫مكا نًا رفي ًعا‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬األم للشافعي (‪.)212/6‬‬
‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)1059/4‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)376/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)4122/8‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)600/4‬‬
‫‪ -‬اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص‪.)341‬‬

‫‪177‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫اتفاق الشيخني أبي بكر وعمر‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬صورة املسألة‪:‬‬
‫اتفاق أبي بكر وعمر ﭭ بعد وفاة رسول اهلل ﷺ على قول‪ ،‬مع مخالفة غيرهم‬

‫‪   ‬‬


‫لهم‪ ،‬هل يعد اتفاقهم إجما ًعا ال تجوز مخالفته أو ال؟‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫اتفـق األصوليـون علـى أن الصحابـة إذا اتفقـوا علـى رأي فقولهـم حجـة‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وقـد نـص اإلمـام أحمـد ‪ $‬علـى هـذا يف روايـة عبـد اهلل وأبي الحـارث‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أرأيـت إن أجمعـوا‪ ،‬لـه أن يخـرج‬


‫َ‬ ‫(يف الصحابـة إذا اختلفـوا لم يخـرج مـن أقاويلهـم‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مـن أقاويلهـم؟ هـذا قـول خبيـث‪ ،‬قـول أهـل البـدع‪ ،‬ال ينبغـي أن يخـرج مـن أقاويـل‬
‫‪    ‬‬

‫الصحابـة إذا اختلفـوا)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫اختلف األصوليون يف عد اتفاق أبي بكر وعمر إجما ًعا على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن إجماع أبي بكر وعمر ال يعترب حجة‪ ،‬وإليه ذهب الحنابلة‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وجمهور األصوليين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وحكي‬
‫القول الثاين‪ :‬أن إجماعهما يعترب حجة‪ ،‬وإليه ذهب بعض األصوليين‪ُ ،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫رواي ًة عن أحمد‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دليل القول األول (أنه ليس حجة)‪:‬‬


‫أن النصوص أثبتت العصمة لمجموع األمة‪ ،‬وأبو بكر وعمر بعضها‪ ،‬فال يكون‬
‫اتفاقهما معصو ًما‪.‬‬

‫((( العدة ألبي يعلى (‪.)1059/4‬‬


‫‪178‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫دليل القول الثاني (أنه حجة)‪:‬‬


‫قوله ﷺ‪« :‬اقتدوا بِال َّل َذ ْي ِن من بعدي‪ :‬أبي بكر وعمر»(((‪.‬‬
‫لما ُأمرنا باتباعهم‪ّ ،‬‬
‫فلما أمرنا باالقتداء‬ ‫وجه الداللة‪ :‬أنه لو لم يكن قولهم حجة َ‬
‫هبم‪ ،‬دل على أن قولهم حجة‪.‬‬
‫نوقش من وجهين‪:‬‬
‫أن توافر أهلية االجتهاد فيهما مما يوجب اتباع المقلدين لهم‪،‬‬ ‫الوجه األول‪ّ :‬‬

‫‪   ‬‬


‫وال يدل على أن إجماعهما حجة؛ فيحمل على اتباعهم يف الفتيا‪ ،‬أو السياسة‪ ،‬أو الرواية‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أو تفسير القرآن‪ ،‬فيقدم قولهم يف ذلك؛ لقدم عهدهم يف اإلسالم‪ ،‬ورسوخهم فيه‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬أن األمر باالقتداء هبم ال ينفي اعتبار بقية األمة معهم؛ إذ بقية األمة‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مسكوت عنهم يف الحديث‪ ،‬وقد دل دليل اإلجماع على اعتبار قولهم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫الخالف يف المسألة معنوي‪ ،‬وأثمر الخالف يف عد اتفاق أبي بكر وعمر إجما ًعا‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫خال ًفا يف المسائل الفقهية التي اتفقا فيها على قول ولم ُيعلم لهما مخالف‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫مسألة اشرتاط تكرار اعرتاف الزاني بالزنا أربع مرات للرجم‪.‬‬


‫فمن جملة ما كان ًّ‬
‫محاًّل لالستدالل يف المسألة اتفاق أبي بكر وعمر‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ ‪ -‬فمن رأى أن اتفاق أبي بكر وعمر حجة قال بعدم اشرتاط التكرار؛ ألنه قولهما‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫ولم يعلم لهما مخالف‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ ‪-‬ومن لم ير اتفاقهما حجة اشرتط تكرار اإلقرار أربع مرات‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)414/2‬‬


‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)99/3‬‬
‫‪ -‬نهاية السول (‪.)292/2‬‬
‫‪ -‬اإلبهاج البن السبكي (‪.)367/2‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1592/4‬‬
‫‪ -‬اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص‪.)160‬‬

‫((( أخرجه الرتمذي (‪ ،)3662‬وابن ماجه (‪ ،)97‬وأحمد (‪ )23245‬من حديث حذيفة بن اليمان ﭬ‪،‬‬
‫قال الرتمذي‪( :‬حديث حسن)‪.‬‬
‫‪179‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫إمجاع أهل البيت‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬املراد بأهل البيت‪:‬‬
‫أهل البيت عند القائلين بأن اتفاقهم إجماع‪ :‬علي بن أبي طالب وولداه‪ :‬الحسن‬

‫‪   ‬‬


‫والحسين‪ ،‬وزوجته فاطمة رضي اهلل عن الجميع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وفسر آخرون أهل البيت بما هو أعم من ذلك‪ ،‬وهم‪ :‬من حرمت الصدقة عليهم‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وهم‪ :‬آل علي‪ ،‬وآل عقيل‪ ،‬وآل جعفر‪ ،‬وآل عباس‪ .‬كما قال ذلك زيد بن أرقم(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬صورة املسألة‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫إذا اتفق أهل البيت بعد وفاة رسول اهلل ﷺ على قول‪ ،‬مع مخالفة غيرهم لهم‪ ،‬هل‬
‫‪   ‬‬

‫يعد اتفاقهم إجما ًعا ال تجوز مخالفته أو ال؟‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫اختلف األصوليون يف عد اتفاق أهل البيت إجما ًعا على قولين‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬أن إجماعهم ليس بحجة‪ ،‬وإليه ذهب جمهور األصوليين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أن إجماعهم حجة‪ ،‬وهو ما ذهب إليه القاضي أبو يعلى يف كتابه‬
‫‪   ‬‬

‫المعتمد‪ ،‬وهو رأي الشيعة اإلمامية والزيدية‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫دليل القول األول (ليس حجة)‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬أن النصوص أثبتت العصمة لمجموع األمة‪ ،‬وهؤالء بعض األمة‪،‬‬
‫‪‬‬

‫فال يكون اتفاقهم معصو ًما‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن أهل البيت امتازوا بالقرابة والنسب‪ ،‬وذلك ال و ْقع له يف االجتهاد‪،‬‬
‫وإنما يحصل االجتهاد بأدواته وهو العلم‪ ،‬فأما الشرف والنسب فال أثر له يف االجتهاد يف‬
‫األحكام واستخراج عللها‪ ،‬ونصب األدلة عليها‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)2408‬‬


‫‪180‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫دليل القول الثاني (حجة)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ﴾ [األحزاب‪. ]33:‬‬
‫وجـه الداللـة‪ :‬أن الخطـأ مـن الرجـس‪ ،‬والرجـس كلـه منفـي عنهـم؛ فيجـب‬
‫أن يكـون الخطـأ منف ًّيـا عنهـم‪ ،‬وإذا كان أهـل البيـت مطهريـن عـن الخطـأ فيكـون‬
‫إجماعهـم حجـة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫نوقش من وجهين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن الرجس يطلق على الكفر‪ ،‬والعذاب‪ ،‬والنجاسة‪ ،‬فالمراد منه‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫يف اآلية أحدها‪ ،‬والخطأ االجتهادي ليس واحدً ا منها‪ ،‬فال يلزم إذن من نفي الرجس‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫عنهم نفي الخطأ‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫الوجـه الثـاين‪ :‬أنه يلزم من االسـتدالل باآلية إدخال زوجـات النبي ﷺ يف اإلجماع؛‬
‫‪   ‬‬

‫ألن اآليـة إنمـا وردت يف نسـاء النبـي ﷺ بداللـة السـياق‪ ،‬وهو قولـه ‪ ﴿ :۵‬ﯫ ﯬ ﯭ‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﴾ إلـى قولـه‪ ﴿ :‬ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ﴾‬


‫‪    ‬‬

‫إلـى قولـه تعالـى‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ﴾‬


‫اآليـات [األحـزاب‪ ،]34 - 32 :‬فـأزواج النبـي ﷺ مـرادات يف اآليـة وال بـد‪ ،‬فيلـزم أن يعتربن‬
‫‪ ‬‬

‫معهـم يف اإلجمـاع؛ لمشـاركتهن لهـم يف إذهـاب الرجـس عنهـم‪ ،‬وهو باطـل عندكم‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬قوله ﷺ‪« :‬إين تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا‪ :‬كتاب اهلل‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وعترتي أهل بيتي»(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬أنه أمر بالتمسك بالعرتة‪ ،‬وأخرب بعدم ضالل من تمسك هبا‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ولو لم يكن قولهم حجة قاطعة لما أمر بذلك‪.‬‬


‫‪‬‬

‫((( أخرجه الرتمذي (‪ ،)3786‬وعبد بن حميد (‪ ،)240‬والطرباين يف الكبير (‪ )2680‬من حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ‪.‬‬
‫قال الرتمذي‪( :‬حسن غريب من هذا الوجه)‪.‬‬
‫وأصله يف صحيح مسلم (‪ )2408‬من حديث زيد بن أرقم ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال‪ ...« :‬وأنا تارك فيكم‬
‫ثقلين‪ :‬أولهما كتاب اهلل فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اهلل‪ ،‬واستمسكوا به‪ ...‬وأهل بيتي أذكركم اهلل يف أهل‬
‫بيتي‪ ،‬أذكّركم اهلل يف أهل بيتي‪ ،‬أذكركم اهلل يف أهل بيتي»‪.‬‬
‫‪181‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫نوقش من وجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أنه ﷺ علق نفي الضالل على مجموع شيئين‪ :‬الكتاب والعرتة‪،‬‬
‫والمعلق على شيئين ال يوجد بأحدهما‪ ،‬فنفي الضالل ال يوجد بالتمسك بالعرتة وحدها‬
‫دون الكتاب‪ ،‬والكتاب يمنع ما ذكرتم من أن إجماعهم حجة لقوله ‪ ﴿ :۵‬ﭷ ﭸ ﭹ‬
‫ﭺ﴾ [النساء‪ ]115:‬ونحوه من النصوص الدالة على أن العصمة لألمة ال لبعضها‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬على فرض جواز العمل به‪ ،‬فإن المراد منه‪ :‬ما إن تمسكتم بإيفاء‬

‫‪   ‬‬


‫حقوقهما‪ ،‬وحق القرآن اإليمان به والعمل بمقتضاه‪ ،‬وحق العرتة تعظيمهم وصلتهم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫راب ًعا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الخالف هنا معنوي‪ ،‬وثمرته تتعلق بالفقه الشيعي على وجه الخصوص العتمادهم‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫على هذا األصل وبناء فروعهم الفقهية عليه‪ ،‬وعند أهل السنة ال يعترب إجما ًعا وال حجةً‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫فاتفاقهم كاتفاق غيرهم من بعض األمة‪ ،‬تجوز مخالفته إلى غيره من األقوال؛ إذ المسألة‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اجتهادية ال إجماعية‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)280-277/3‬‬
‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)194-188/5‬‬
‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)333‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)423-416/2‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)117-107/3‬‬
‫‪ -‬اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص‪.)137‬‬

‫‪182‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫األثر الفقهي التفاق أهل عصر متأخر‬


‫على قول من أقوال أهل عصر متقدم‬
‫تحدث ابن قدامة ‪ $‬عن هذه المسألة(((‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف مسألة‬
‫(اتفاق أهل عصر متأخر على قول تقدم الخالف فيه) خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫مسألة‪ :‬نكاح املتعة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫فقد اختلف الصحابة فيها على قولين‪ :‬فذهب الجمهور منهم إلى تحريمه‪ ،‬وذهب‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ابن عباس ﭭ إلى جوازه‪ ،‬ثم انعقد إجماع التابعين بعد ذلك على التحريم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -‬فمن ذهب إلى أن االتفاق بعد االختالف إجماع‪ ،‬قال بأن نكاح المتعة يوجب‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الحد؛ النتفاء الشبهة‪ ،‬وانعقاد اإلجماع على البطالن‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬ومن ذهب إلى أن الخالف المتقدم شبهة تدرأ الحد‪ ،‬وأن االتفاق المتأخر ال يعد‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫إجما ًعا‪ ،‬قال بعدم إقامة الحد‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫مسألة‪ :‬صحة بيع أم الولد‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فقد اختلف الصحابة فيها على قولين‪ ،‬ثم أجمع المجتهدون بعد ذلك على عدم‬
‫صحته‪ ،‬فلو حكم الحاكم بصحة بيع أم الولد‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬فإن من رأى انعقاد اإلجماع بعد الخالف المتقدم‪ ،‬قال بنقض ذلك القضاء‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫وعدم صحة البيع‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬ومن رأى عدم انعقاد اإلجماع بعد الخالف المتقدم‪ ،‬قال بصحة ذلك القضاء‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬حاشية ابن عابدين (‪.)150/3‬‬


‫‪ -‬الفروق للقرافي (‪.)172/4‬‬
‫‪ -‬مغين احملتاج (‪.)144/4‬‬
‫‪ -‬كشاف القناع (‪.)96/6‬‬
‫‪ -‬التمهيد لتخريج الفروع على األصول (ص‪.)458-456‬‬
‫‪ -‬مفتاح الوصول إىل بناء الفروع على األصول (ص‪.)750‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)264/1‬‬


‫‪183‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫املراد مبستند اإلمجاع وأمثلته‬

‫مستند اإلمجاع هو‪:‬‬


‫الدليل الذي يعتمده العلماء المجمعون على الحكم الشرعي‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫واإلجماع قد يستند إلى دليل من القرآن‪ ،‬أو السنة‪ ،‬أو القياس‪ ،‬أو االجتهاد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ِ‬

‫‪ ‬‬
‫أمثلة ِّ‬
‫كل نو ٍع منها‪:‬‬ ‫ذكر‬
‫وفيما يأتي ُ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫المستند األول‪ :‬القرآن‪ ،‬ومن أمثلته‪ :‬إجماع العلماء على أن الزاين إذا‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫لم يحصن حده الجلد دون الرجم‪ ،‬وال خالف بين األمة فيه‪ ،‬استنا ًد ا لقوله تعالى‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫﴿ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [النور‪.(((]2 :‬‬
‫‪   ‬‬

‫وإجماع العلماء على أن قطع يد السارق يجب إذا ثبتت عليه السرقة؛ استنا ًد ا‬
‫‪    ‬‬

‫لقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [المائدة‪.(((]38 :‬‬


‫‪    ‬‬

‫المسـتند الثـاين‪ :‬السـنة‪ ،‬ومـن أمثلتـه‪ :‬اإلجمـاع علـى وجـوب الغسـل مـن‬
‫‪    ‬‬

‫التقـاء الختانيـن‪ ،‬قـال ابن العربـي‪( :‬وانعقـد اإلجمـاع علـى وجـوب الغسـل بالتقـاء‬
‫‪ ‬‬

‫الختانيـن‪ ،‬وإن لم ينـزل)(((‪ ،‬ومسـتندهم حديـث «إذا جلـس بيـن ُشـ َعبِ َها األربـع‬
‫ومـس الختـان الختـان فقـد وجـب الغسـل»(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أيضـا علـى أن مـن اشترى طعا ًما‪ ،‬فليس لـه أن يبيعه حتى يقبضـه(((‪،‬‬
‫وإجماعهـم ً‬
‫‪ ‬‬

‫طعامـا فال يبعـه‬


‫ً‬ ‫ومسـتندهم حديـث ابن عمـر ﭭ أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬مـن ابتـاع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫حتىيقبضه»(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫((( اإلقناع يف مسائل اإلجماع (‪.)268/3‬‬


‫((( اإلقناع يف مسائل اإلجماع (‪.)259/2‬‬
‫((( عارضة األحوذي بشرح جامع الرتمذي (‪.)139/1‬‬
‫((( أخرجه هبذا اللفظ من حديث عائشة ڤ‪ :‬مسلم (‪.)349‬‬
‫((( اإلجماع البن المنذر (ص‪.)130‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2133‬ومسلم (‪.)1526‬‬
‫‪184‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫المستند الثالث‪ :‬القياس‪ ،‬ومن أمثلته‪ :‬اإلجماع على إراقة الشيرج والدبس‬
‫قياسا على السمن‪ ،‬واإلجماع على تحريم شحم‬ ‫ً‬ ‫السيال إذا وقعت فيه الفأرة‬
‫قياسا على لحمه المنصوص عليه‪ ،‬واإلجماع على خالفة أبي بكر الصديق‬
‫الخنزير ً‬
‫قياسا على إمامته يف الصالة‪ ،‬وقولهم‪( :‬رضيه اهلل لديننا أفال نرضاه لدنيانا؟)(((‪.‬‬ ‫ً‬
‫المستند الرابع‪ :‬االجتهاد‪ ،‬ومن أمثلته‪ :‬اإلجماع على قتال مانعي الزكاة حتى قال أبو بكر‪:‬‬
‫واهلل ال فرقت بين ما جمع اهلل‪ ،‬قال اهلل‪ ﴿ :‬ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [البقرة‪.((( ]43:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1632/4‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)259/2‬‬


‫‪ -‬اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص‪.)274‬‬

‫((( أخرجه الشافعي يف مسنده (‪ ،)113/1‬من قول عمر ﭬ‪.‬‬


‫((( أورده هبذا السياق الماوردي يف الحاوي الكبير (‪ ،)73/3‬وأصله عند البخاري (‪ ،)7284‬ومسلم (‪،)20‬‬
‫من حديث أبي هريرة ﭬ‪ :‬أن عمر بن الخطاب قال ألبي بكر‪ :‬كيف تقاتل الناس‪ ،‬وقد قال رسول اهلل ﷺ‪:‬‬
‫ُ‬
‫«أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا‪ :‬ال إله إال اهلل ‪»...‬؟‪ ،‬فقال أبو بكر‪ :‬واهلل ألقاتلن من ّفرق بين الصالة‪ ،‬والزكاة‪،‬‬
‫فإن الزكاة حق المال‪...‬‬
‫‪185‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ال إمجاع إال عن مستند‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬صورة املسألة‪:‬‬
‫هل يتصور أن يقع اتفاق األمة بدون استناد إلى دليل‪ ،‬بل بتوفيق من اهلل يف إصابة‬

‫‪   ‬‬


‫الحق‪ ،‬أو ال بد يف كل إجماع من أن يستند أهل اإلجماع إلى دليل وحجة؟‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫اختلف األصوليون يف وجود مستند لكل إجماع‪ ،‬على قولين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫القول األول‪ :‬ال ينعقد اإلجماع إال عن مستند‪ ،‬وال يتصور بدون دليل يستند إليه‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وإليه ذهب جمهور األصوليين من الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬ينعقد اإلجماع بدون مستند‪ ،‬ومتى ما اتفقت األمة على قول لزم أن‬
‫‪    ‬‬

‫يوافق ذلك الصواب ولو بدون دليل‪ ،‬فيوفق اهلل ‪ ۵‬األمة للحق ويجريه على ألسنتهم بال‬
‫‪    ‬‬

‫دليل‪ ،‬وإليه ذهب بعض المتكلمين‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫دليل القول األول (ال ينعقد إمجاع إال عن مستند)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬أن القول بغير حجة اتباع للهوى‪ ،‬واتباع الهوى باطل‪ ،‬فالقول بغير‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫حجة وإن كان من جميع األمة باطل‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬اإلجماع ال يكون إال من المجتهدين‪ ،‬والمجتهد ال يقول يف الدين‬


‫‪ ‬‬

‫بغير دليل؛ فإن القول بغير دليل خطأ‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫دليل القول الثاني (ينعقد اإلمجاع بدون مستند)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬أن األمة معصومة من الخطأ يف الدين‪ ،‬والمعصوم ال يصدر عنه إال‬
‫الصواب‪ ،‬ألجل أنه معصوم‪ ،‬ال الستناده إلى حجة‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن عصمتهم يف إجماعهم الشرعي الذي يكون عن مستند‪ ،‬ال يف غير ذلك‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬لو كان اإلجماع ال يصح إال عن دليل لكان الدليل هو الحجة؛‬
‫فال فائدة يف اإلجماع‪.‬‬
‫‪186‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫نوقش‪ :‬بعدم التسليم بعدم الفائدة‪ ،‬ومن فوائده‪:‬‬


‫أ‪ .‬عدم الحاجة إلى بحث عن الدليل الذي استند إليه اإلجماع‪.‬‬
‫جائزا قبل اإلجماع‪.‬‬
‫ب‪ .‬حرمة الخالف بعد انعقاد اإلجماع‪ ،‬مع أنه كان ً‬
‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬
‫الخالف يف المسألة معنوي‪ ،‬ولكن ال ثمرة له يف الفروع‪.‬‬
‫وأما ما ذكره القائلون بانعقاد اإلجماع بال مستند كاإلجماع على جواز أجرة‬

‫‪   ‬‬


‫الحمام‪ ،‬وجواز أجرة الحالق‪ ،‬وجواز عقد االستصناع؛ فإن مستندها عند القائلين بأن‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫االجماع ال ينعقد إال عن مستند راجع إلى نوع من المصلحة وعموم البلوى‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)330‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)118/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1631/4‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)259/2‬‬
‫‪ -‬املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد (ص‪.)283‬‬
‫‪ -‬اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص‪.)269‬‬

‫‪187‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫اإلمجاع فـي العصر احلاضر‬


‫وعالقته بقرارات اجملامع الفقهية‬
‫ال خالف أن اإلجماع ‪-‬على ما هو مستقر عند األصوليين‪ -‬من األدلة القطعية‪،‬‬
‫وأنه قد وقع بالفعل يف العديد من المسائل الفروعية‪ً ،‬‬
‫فضاًل عن المسائل األصولية التي‬
‫انعقد إجماع األمة عليها‪ ،‬بخالف بعض من أنكر وقوعه‪ ،‬ونبذ قوله‪ ،‬واستقر العمل‬

‫‪   ‬‬


‫على خالفه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وقد ُصنِّفت يف اإلجماعات الفروعية العديد من المصنفات أبرزها‪ :‬مراتب اإلجماع‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫البن حزم األندلسي‪ ،‬واإلجماع البن المنذر‪ ،‬واإلقناع يف مسائل اإلجماع البن القطان‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫ولم تكن تلك المصنفات على درجة واحدة من الدقة؛ فتفاوتت يف مدى تحقيقها للغرض‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الذي صنفت من أجله‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ولعل أبرز الركائز التي أدت لهذا التفاوت اختالف مناهج المصنفين أنفسهم يف‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫منهج توصيف اإلجماع أو الحكم به‪ ،‬فعلى سبيل المثال‪ :‬اشتهر عن ابن المنذر التساهل‬
‫‪    ‬‬

‫إلى حدٍّ ما يف قيود اإلجماع‪ ،‬مما جعل كتابه يضم الكثير من المسائل التي وقع فيها‬
‫الخالف‪ ،‬ألنه اعتمد يف توصيف اإلجماع بقول األغلب‪ ،‬مما جعل إجماعه محل نظر‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫مدخاًل‬ ‫وكذا قد يخل بالحكم باإلجماع قصور يف االستقراء واالستيعاب‪ ،‬وهذا م َّثل‬
‫لتعقب ابن تيمية كتاب مراتب اإلجماع البن حزم؛ فإنه تعقبه يف العديد من المسائل التي‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫لم يستوعب ابن حزم فيها األقوال حول المسألة؛ مما ترتب عليه ادعاء اإلجماع يف العديد‬
‫‪ ‬‬

‫من المسائل الخالفية‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫إمكانية انعقاد اإلمجاع فـي العصر احلاضر‪:‬‬


‫‪‬‬

‫وقد اتفق األصوليون يف الجملة على أن حقيقة اإلجماع تنطوي على اتفاق مجتهدي‬
‫عصر مع ّين بعد موت النبي ﷺ‪ ،‬على حكم مسألة معينة‪ ،‬وهذا القدر قد وقع فيه االتفاق‬
‫بين كل من تكلم يف اإلجماع معتربًا حجيته‪ ،‬ثم وقع الخالف بعد ذلك يف بعض الشروط‪،‬‬
‫كاشرتاط انقراض العصر‪ ،‬وهو أن يموت جميع المجتهدين القائلين بحكم المسألة التي‬
‫هي محل اإلجماع دون الرجوع عن قولهم‪ ،‬وبعض المسائل األخرى المتعلقة بشرط‬
‫انعقاد اإلجماع‪.‬‬
‫‪188‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫وما يعنينا هنا هو شرط (اتفاق مجتهدي العصر)؛ فإن هذا الشرط المتفق عليه‪،‬‬
‫قد م َّثل إشكالية يف إمكانية تحقق اإلجماع يف العصر الحاضر‪ ،‬وهو ما أدى لت َك ُّون‬
‫اتجاهين بصدد هذه المسألة‪ ،‬اتجاه يرى عدم إمكانية تحقق اإلجماع يف العصر الحاضر‪،‬‬
‫واتجاه يرى عكس ذلك‪:‬‬

‫االجتاه األول‪:‬‬
‫عدم إمكانية تحقق اإلجماع يف العصر الحاضر‪ ،‬مع اتساع الرقعة المأهولة‪ ،‬وتفرق‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫فح ْص ُر جميع أقوال المجتهدين مع هذا التفرق فيه من الصعوبة ما‬ ‫المجتهدين فيها‪َ ،‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ال يمكن إنكاره‪ ،‬هذا من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى‪ ،‬فتصور اتفاقهم –على فرض إمكانية‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حصر أقوالهم‪ -‬شيء يف غاية العسر الختالف قرائحهم وفطنهم‪ ،‬وتباين مذاهبهم‪ ،‬وما‬
‫‪    ‬‬
‫يتبع ذلك التباين من اختالف يف مناهج االستدالل؛ مما يجعل تصور وقوع االتفاق‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فضاًل عن حصر أقوالهم بعد هذا االتفاق‪ ،‬ثم لو فرض حصول األمرين‬ ‫منهم بعيدً ا جدًّ ا‪ً ،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫من االتفاق وحصر هذا االتفاق‪ ،‬فكيف يمكن تصور نقل هذا االتفاق بطريق قطعي‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫مع أن تلك المسائل التي يفرض حصول إجماعهم عليها مما ال تتوافر الدواعي على‬
‫‪    ‬‬

‫نقلها؟ يعني‪ :‬أن قول أحد المجتهدين يف قارة أمريكا الجنوبية ليس من األهمية بأن تتوافر‬
‫همم الناس ودوافعهم لنقل هذا القول‪ ،‬وهذا مطرد يف كل ناحية من نواحي العالم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫فمحصل هذا القول أن اإلجماع متعذر من ثالث جهات‪:‬‬


‫الجهة األول‪ :‬تصور حصر أقوال المجتهدين والفقهاء مع اتساع الرقعة المأهولة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الجهة الثاين‪ :‬تصور اتفاق هؤالء العلماء من األصل مع اختالف المذاهب‬


‫‪ ‬‬

‫والمناهج‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الجهة الثالثة‪ :‬تصور نقل اإلجماع بطريق قطعي مع عدم توافر الدواعي لهذا النقل‪.‬‬
‫فهذه ثالثة تصورات عدَّ ها المانعون كلها مستبعدة يصعب تحققها‪ ،‬ومن َث َّم فتحقق‬
‫‪‬‬

‫اإلجماع يف العصر الحاضر غير متصور‪ ،‬وال يمكن ادعاء اإلجماع يف أي مسألة فرعية يف‬
‫العصر الحاضر‪.‬‬

‫االجتاه الثاني‪:‬‬
‫أن تصور وقوع اإلجماع يف العصر الحاضر ممكن‪ ،‬وال إشكال يف تحققه واق ًعا‬
‫والحكم والعمل به‪.‬‬
‫‪189‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وإذا كان األصل يف اإلجماع هو كونه ً‬


‫دلياًل شرع ًّيا استقرت األمة على العمل‬
‫به‪ ،‬فإن قضية أصحاب هذا االتجاه كانت يف نفي ما ا َّدعاه أصحاب االتجاه األول من‬
‫صعوبة التصورات الثالث السابقة؛ ألهنم منعوا جواز وقوع اإلجماع هبا‪ ،‬وكان إمكانية‬
‫ثبوهتا هو يف حقيقته نفي للموانع من تحقق اإلجماع‪ ،‬وهو مسلك أصحاب هذا االتجاه‬
‫يف االستدالل على الجواز‪.‬‬
‫فأما التصور األول‪ :‬وهو صعوبة حصر األئمة والفقهاء مع اتساع الرقعة المأهولة‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫فرفضه أصحاب هذا االتجاه؛ ألن المانعين افرتضوا جمع المجتهدين جميعهم من كل‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫األقطار‪ ،‬والحقيقة أن هذا مسلك يف غاية الصعوبة‪ ،‬وإنما يمكن تحقيقه باستخدام آليات‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫غير ذلك؛ كأن تستطلع كل بلد آراء فقهائها من خالل هيئة أو عدة هيئات‪ ،‬وبالتالي يمكن‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أيضا‬‫حصر أقوال المجتهدين المعتربين يف كل ُق ْطر من أقطار العالم‪ ،‬وقد ينوب عن ذلك ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المجامع الفقهية الكربى‪ ،‬والتي يمكن أن تقوم بتلك المهمة‪ ،‬وهو غير مستب َعد‪ ،‬ونحن‬
‫‪   ‬‬

‫يف هذا العصر يمكن ادعاء اإلجماع على حرمة التدخين على سبيل المثال التفاق جميع‬
‫‪    ‬‬

‫المجامع الفقهية وفتاوى دور وهيئات اإلفتاء على ذلك‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫أما التصور الثاين‪ :‬وهو كون اتفاق مجتهدي العصر الحالي على مسألة مستبعدً ا‬
‫‪    ‬‬

‫مع اختالف مذاهبهم وطرق استداللهم‪ ،‬فلم يسلم به أصحاب هذا االتجاه؛ ألن اختالف‬
‫المذاهب وطرق االستدالل قد يؤدي إلى االختالف يف فروع غير متناهية‪ ،‬وهذا ال جدال‬
‫‪ ‬‬

‫فيه‪ ،‬وليس محل شك‪ ،‬ولكن محل البحث يف تلك المسائل التي يحصل عليها االتفاق‬
‫‪   ‬‬

‫رغم اختالف المذاهب والمناهج‪ ،‬وهي نادرة بالضرورة‪ ،‬وهذا شأن مسائل اإلجماع؛‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهنا قليلة ونادرة‪ ،‬وقد وقع اإلجماع على أن شحم الخنزير محرم كلحمه من فقهاء‬
‫‪ ‬‬

‫المذاهب جمي ًعا مع اختالف مذاهبهم ومناهج استداللهم‪ ،‬وهذا هو المراد؛ فإن الشافعي‬
‫‪‬‬

‫قد يتفق مع الحنفي والمالكي والحنبلي‪ ،‬بل والزيدي وغيرهم على مسألة واحدة‪ ،‬بل إن‬
‫‪‬‬

‫هذا االتفاق مع اختالف المناهج والمذاهب هو محل قوة اإلجماع وحجيته القطعية‪.‬‬
‫تعذر نقل اإلجماع لعدم توافر الدواعي على نقل مسألة‬ ‫أما التصور الثالث‪ :‬وهو ُّ‬
‫تصورا ضعي ًفا؛ ألن الدواعي تكون متوافرة لو‬
‫ً‬ ‫فروعية‪ ،‬فقد اعتربه أصحاب هذا االتجاه‬
‫أصبحت تلك المسألة محل سؤال الستقراء اآلراء وحصرها‪ ،‬مما يجعل المسألة محل‬
‫أيضا؛‬‫اهتمام من المجتهدين يف كل قطر ومكان‪ ،‬ويصير نقل المسألة عنهم محل عناية ً‬
‫متصورا نقل اإلجماع هبذا الطريق‪.‬‬
‫ً‬ ‫فيكون‬
‫‪190‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫عالقة اإلمجاع بقرارات اجملامع الفقهية‪:‬‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬
‫المقصود بالمجمع الفقهي‪ :‬هيئة علمية إسالمية ذات شخصية اعتبارية‪ ،‬مكونة من‬
‫مجموعة من فقهاء األمة‪ ،‬تبحث يف الحوادث والمستجدات‪ ،‬وتبين حكم الشرع فيها‪.‬‬
‫ومن أبرز هذه المجامع‪ :‬مجمع الفقه اإلسالمي الدولي بجدة التابع لمنظمة التعاون‬
‫اإلسالمي‪ ،‬والمجمع الفقهي اإلسالمي بمكة المكرمة التابع لرابطة العالم اإلسالمي‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومجمع فقهاء الشريعة بأمريكا‪ ،‬ومجمع الفقه اإلسالمي بالهند‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهذه المجامع لو اتفقت قراراهتا على رأي واحد يف مسألة نازلة‪ ،‬هل يعد اتفاقهم‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫على الحكم يف تلك المسألة إجما ًعا؛ بحيث ال تجوز مخالفته‪ ،‬أو ال؟‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫اختلف المعاصرون يف هذه المسألة على أقوال أربعة‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القول األول‪ :‬ال يعد اتفاق المجامع الفقهية إجما ًعا‪ ،‬وهذا رأي اللجنة الدائمة‬
‫‪    ‬‬

‫للبحوث العلمية واإلفتاء بالسعودية‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أن اتفاق قرارات المجامع يعد إجما ًعا سكوت ًّيا‪ ،‬وهو رأي بعض‬
‫الباحثين المعاصرين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫القول الثالث‪ :‬أن اتفاق قرارات المجامع يعد إجما ًعا‪ ،‬ولو خالف بعض مجتهدي‬
‫‪   ‬‬

‫العصر‪ ،‬وإليه ذهب بعض المعاصرين كذلك‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القول الرابع‪ :‬أن اتفاق قرارات المجامع يعد إجما ًعا واقع ًّيا وليس إجما ًعا أصول ًّيا‪،‬‬
‫فاإلجماع األصولي يشرتط فيه اتفاق الكل‪ ،‬وهذا األمر لم يكن موجو ًدا إال يف القضايا‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المعلومة من الدين بالضرورة‪ ،‬وأما اإلجماع الواقعي فهو إجماع عن طريق مشورة‬
‫‪‬‬

‫ملز ًما لألمة‪ ،‬ويمكن تحققه يف‬ ‫الحاضرين من أهل الحل والعقد‪ ،‬ثم ُي ْصدرون برأي يكون ِ‬
‫كل عصر‪ ،‬وهذا رأي الشيخ عبد الوهاب خالف‪.‬‬
‫إمجاعا)‪:‬‬
‫ً‬ ‫دليل القول األول (ال يعد‬
‫الدليل األول‪ :‬أن اإلجماع أساسه اتفاق جميع المجتهدين‪ ،‬حتى تثبت له العصمة‪،‬‬
‫ويتحقق به القطع‪ ،‬وتلزم حجيته األمة‪ ،‬وأما قرارات المجامع الفقهية فهي رأي لجماعة‬
‫من المجتهدين‪ ،‬فال تثبت لهم العصمة‪ ،‬وال يتحقق هبم القطع‪.‬‬
‫‪191‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن قرارات هذه المجامع ال يشرتط فيها اتفاق كل المجتمعين‪ ،‬بل‬
‫قد تخرج بموافقة أغلبية المجتمعين‪ ،‬وهذا يف كثير من القرارات‪ ،‬وإذا كان األمر كذلك‪،‬‬
‫فال يمكن أن نعد هذه القرارات رأ ًيا لجميع المجتهدين المجتمعين‪ً ،‬‬
‫فضاًل عن المجتهدين‬
‫الذين ليسوا يف هذه المجامع‪.‬‬
‫سكوتيا)‪:‬‬
‫ًّ‬ ‫دليل القول الثاني (يعد إمجاعا‬
‫أن قرارات هذه المجامع تنتشر وتشتهر بسرعة فائقة‪ ،‬وعرب وسائل اإلعالم‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وهو ما ييسر اطالع بقية المجتهدين عليها‪ ،‬فإذا لم يخالف أحد أعطى ذلك غلبة الظن‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫بانعقاد اإلجماع‪ ،‬بنا ًء على رأي كثير من األصوليين الذين قالوا‪ :‬بأن قول الواحد إذا انتشر‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫ولم يعلم له مخالف يكون إجما ًعا سكوت ًّيا‪ ،‬فكيف بقول جماعة تحاوروا وتناقشوا ثم‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫اتفقوا على رأي واحد فانتشر ولم يعرف له مخالف؟‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوقش من وجهين‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫الوجه األول‪ :‬أن حصر المجتهدين يف هذا العصر أمر متعذر؛ النتشار المجتهدين‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يف جميع أصقاع األرض‪ ،‬واتساع رقعة اإلسالم من شرق األرض إلى غرهبا‪ ،‬وال بد لصحة‬
‫‪    ‬‬

‫اإلجماع أن يصل الرأي إلى جميع مجتهدي األرض‪ ،‬وهو متعذر‪.‬‬


‫الوجه الثاين‪ :‬ولو تصور حصر المجتهدين فالواقع يدل على أن رأي هذه المجامع‬
‫‪ ‬‬

‫ال ينتشر يف جميع أصقاع األرض كما يقولون‪ ،‬وكم من مجتهد يف بقعة ال يعرف قرارات‬
‫المجامع‪ ،‬فضابط االنتشار يحيله الواقع‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫َ‬
‫البعض غريهم)‪:‬‬ ‫إمجاعا ولو خالف‬
‫ً‬ ‫دليل القول الثالث (أنه يعد‬
‫‪ ‬‬

‫أن أعضاء هذه المجامع أكثر مجتهدي األمة‪ ،‬فإذا اتفقوا على رأي فهو إجماع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ال تجوز مخالفته‪ ،‬بناء على قول بعض األصوليين‪ :‬إن اتفاق األكثر يكون إجما ًعا‪.‬‬
‫نوقش من وجهين‪:‬‬
‫‪‬‬

‫الوجه األول‪ :‬ال نسلم بأن اتفاق األكثر يعد إجما ًعا‪ ،‬بل الصحيح أن اإلجماع هو‬
‫اتفاق الكل‪ ،‬فلو خالف واحد أو أكثر فال يعد إجما ًعا‪ ،‬وهذا رأي جمهور األصوليين‬
‫الوجه الثاين‪ :‬ولو س ّلمنا‪ ،‬فليس أعضاء هذه المجامع هم أكثر مجتهدي األمة‪ ،‬بل‬
‫أعدادهم محصورة‪ ،‬وهم قليلون‪ ،‬ويف بعض المجامع إنما هم أعضاء منتدبون من بالدهم‪،‬‬
‫فهو مجتهد واحد يمثل بلدً ا فيه عشرات المجتهدين‪.‬‬

‫‪192‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫أصوليا)‪:‬‬
‫ًّ‬ ‫واقعيا ال‬
‫إمجاعا ًّ‬
‫ً‬ ‫دليل القول الرابع (يعد‬
‫أن اإلجماع الذي روي عن الصحابة لم يكن يف حقيقته إال اجتها ًدا جماع ًّيا‪،‬‬
‫ولم يكن إجما ًعا بالمعنى األصولي‪ ،‬فمن رجع للوقائع التي حكم فيها الصحابة‪،‬‬
‫وا ْع ُتبِر حكمهم فيها كاإلجماع‪ ،‬إنما وقع باتفاق الحاضرين من ُأ ْولي العلم والرأي على‬
‫حكم يف حادثة معروضة‪ ،‬فهو حكم صدر عن شورى الجماعة‪ ،‬ثم يكون ملز ًما بعد ذلك‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن اإلجماع يف عهد الصحابة يبدأ بالمشورة للحاضرين من أهل الرأي‬

‫‪   ‬‬


‫واالجتهاد‪ ،‬ثم ينتهي إلى إجماع الكل؛ إما عن طريق التصريح بآراء الجميع وهذا نادر‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أو عن طريق انتشار رأي المجتمعين‪ ،‬وسكوت بقية المجتهدين‪ ،‬وهذا هو اإلجماع‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫السكويت‪ ،‬وهو األكثر واألشهر‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫الخالف معنوي‪ ،‬ويرتتب على اعتباره الحكم بقطعية مخرجات تلك المجامع‬
‫‪   ‬‬

‫الفقهية عند اجتماعها على حكم معين‪ ،‬عند من يرى أن ما يتفقون عليه يعد إجما ًعا‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أما من يرى أنه ليس بإجماع‪ ،‬فال يتعدَّ اتفاقهم عن كونه اجتها ًدا يف المسألة محل البحث‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬املس ّودة فـي أصول الفقه (ص‪.)316‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬الفروع البن مفلح (‪.)248/2‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)5/3‬‬


‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)1552/4‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬اجملموع شرح املهذب (‪.)500/10‬‬


‫‪ -‬الربهان (‪.)259/1‬‬
‫‪ -‬حاشية العطار على شرح اجلالل احمللي (‪.)229/2‬‬
‫‪ -‬دور اجملامع الفقهية وجمالس اإلفتاء فـي ضبط الفتوى (ص‪.)11‬‬
‫‪ -‬االجتهاد اجلماعي فـي التشريع اإلسالمي (ص‪.)93‬‬
‫‪ -‬فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء‪ ،‬رقم الفتوى (‪.)9636‬‬
‫‪ -‬النوازل األصولية (ص‪.)60‬‬
‫‪ -‬االجتهاد اجلماعي فـي الفقه اإلسالمي (ص‪.)228‬‬

‫‪193‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القواعد الفقهية واألصولية‬


‫املبنية على االستصحاب‬
‫االستصحاب بأنه‪( :‬التمسك بدليل عقلي أو شرعي لم يظهر‬
‫َ‬ ‫يعرف األصوليون‬
‫عنه ناقل)(((‪ ،‬وبممارسة كتب األصول والفروع بمختلف مذاهبها ُيعلم أنه قد بنيت‬
‫على االستصحاب العديدُ من القواعد واألصول‪ ،‬وذلك أن كل ما كان البداية فيه بقول‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫(األصل كذا) سواء يف تقرير القواعد األصولية أو الفقهية فهو مبني على االستصحاب‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أو هو استصحاب يف الحقيقة؛ حيث قد استُصحب فيه أصل أو حكم‪ ،‬سواء كان عقل ًّيا أو‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫شرع ًّيا ُتبنى عليه المسألة إال أن يطرأ عليها طارئ يغيرها‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫وقد ذكر األصوليون والفقهاء عد ًدا من القواعد واألصول التي ال تكاد ُتحصر‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫كلها قد ُبني على االستصحاب‪ ،‬وفيما يأيت ذكر أهم هذه القواعد واألصول‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬القواعد األصولية‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القاعدة األوىل‪ :‬األصل فـي األشياء اإلباحة‪:‬‬


‫محر ٌم َب ِقينَا فيها على‬
‫وحي ِّ‬
‫ٌّ‬ ‫حيث ال تحريم إال بشرع ووحي‪ ،‬فإن ُعدم يف مسألة‬
‫‪ ‬‬

‫األصل‪ ،‬وهو اإلباحة التي امتنَّ‪ ‬اهلل هبا على عباده بقوله‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ‬
‫ﯳ﴾ [البقرة‪.]29 :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القاعدة الثانية‪ :‬األصل براءة الذمة‪:‬‬


‫فال يكلف اإلنسان بما يشغل ذمته من حكم تكليفي تجاه الشرع‪ ،‬أو التزام ألحد من‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أي منهما‪.‬‬
‫البشر إال بدليل يدل على ٍّ‬
‫‪‬‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬األصل فـي الكالم احلقيقة‪:‬‬


‫فالكالم العربي إما حقيقة وإما مجاز‪ ،‬واألصل أن يحمل الكالم على الحقيقة‪،‬‬
‫وإال فلو لم (يكن األصل يف الكالم الحقيقة لكان األصل‪:‬‬
‫إما أن يكون هو المجاز‪ ،‬وهو باطل بإجماع األمة‪.‬‬

‫((( شرح مختصر الروضة (‪.)147/3‬‬


‫‪194‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫أو ال يكون واحد منهما ً‬


‫أصاًل‪ ،‬فحينئذ يرتدد كل كالم الشارع بين أمرين فيصير‬
‫ً‬
‫مجماًل‪ ،‬وهو باطل باإلجماع)(((‪.‬‬ ‫الكل‬
‫دائما عند الخالف يف نص‪ ،‬هل هو على حقيقته أم‬
‫فهذا األصل مستصحب ً‬
‫على المجاز؟‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬األصل عدم النسخ‪:‬‬
‫فاألصل أن األحكام والنصوص الشرعية محكمة ثابتة‪ ،‬حتى يرد دليل على‬

‫‪   ‬‬


‫محكما‪ ،‬فإذا اختلف‬ ‫انتساخها‪ ،‬وإال لو كان النسخ يثبت بالدعوى لما بقي شيء من الشرع‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫اثنان يف انتساخ نص وإحكامه‪ ،‬فالصحيح قول من استصحب إحكامه؛ ألنه األصل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القاعدة اخلامسة‪ :‬األصل عدم التخصيص‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نص عا ٍّم أنه مخصص لزمه إثبات ذلك بدليله؛ ألن األصل أنه قد ثبت‬
‫فمن ا ّدعى يف ٍّ‬
‫‪   ‬‬

‫عمومه‪ ،‬فيستصحب حكم عمومه إلى أن يقوم دليل على تخصيصه‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وغير ذلك من القواعد واألصول التي لو تُتبعت لكانت كثيرة جدًّ ا‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬القواعد الفقهية‪:‬‬


‫القاعدة األوىل‪ :‬األصل بقاء ما كان على ما كان حتى يثبت ما يغريه‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫وهو معنى االستصحاب‪ ،‬حيث ُيستصحب ما كان من حكم شرعي سابق‪،‬‬


‫أو براءة أصلية‪ ،‬فال ينتقل عن أ ِّي ِهما حتى يرد ناقل عنه‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وقريب منها‪ ،‬أو هي بلفظ آخر قاعدة‪( :‬القديم يرتك على قِدَ مِه وال يغير إال بحجة)‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫القاعدة الثانية‪ :‬اليقني ال يزول بالشك‪:‬‬


‫‪‬‬

‫فمن تي ّقن الطهارة وشك يف الحدث فهو متطهر‪ ،‬أو تيقن الحدث وشك يف الطهارة‬
‫‪‬‬

‫فهو ُم ْح ِدث؛ استصحا ًبا لألصل‪( ،‬فالفقهاء ِ‬


‫بأسرهم‪ ،‬على كثرة اختالفهم اتفقوا على أنَّا‬
‫متى تيقنّا حصول شيء‪ ،‬وشككنا يف حدوث المزيل ‪-‬أخذنا بالمتيقن)(((‪.‬‬

‫((( المحصول للرازي (‪.)342/1‬‬


‫((( المحصول (‪.)121/6‬‬
‫‪195‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القاعدة الثالثة‪ :‬األصل فـي الصفات العارضة العدم‪:‬‬


‫والصفات العارضة خالف الصفات األصلية‪ ،‬فصفات األشياء‪:‬‬
‫إما أصلية‪ :‬بمعنى أن وجودها مقارن لوجود األصل؛ كبكارة الجارية‪ ،‬والسالمة‬
‫من العيوب‪ ،‬وصحة العقود بعد انعقادها‪ ،‬فاألصل يف هذه الصفات الوجود‪ ،‬فمن ا ّدعى‬
‫عدمها لزمه إثبات ذلك‪.‬‬
‫وإما صفات عارضة‪ :‬وهي التي ال توجد يف الشيء بطبيعته وأصله‪ ،‬بل تطرأ عليه‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫كعيوب المبيع‪ ،‬وفساد العقود بعد انعقادها‪ ،‬فاألصل عدمها‪ ،‬فمن ادعى ثبوهتا لزمه إثبات‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ذلك؛ ألنه خالف األصل‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القاعدة الرابعة‪ :‬ما ثبت بزمان حيكم ببقائه ما مل يوجد دليل على خالفه‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫أي أن الواقع أو الحكم الذي ثبت يف الزمان الماضي‪ ،‬ثبو ًتا أو نف ًيا‪ ،‬يبقى على‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حاله‪ ،‬وال يتغير ما لم يوجد دليل يغيره‪ ،‬فاألصل والمعيار يف األمور المتأخرة أن ُتبنى‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حال الشيء‪ ،‬وليس هناك دليل ُيحكم‬ ‫على األمور المتقدمة‪ ،‬فإذا ُجهل يف وقت الخصومة ُ‬
‫‪    ‬‬

‫بمقتضاه‪ ،‬وكان لذلك الشيء حال سابقة معهودة‪ ،‬فإن األصل يف ذلك أن يحكم ببقائه‬
‫‪    ‬‬

‫واستمراره على تلك الحال المعهودة التي كان عليها حتى يقوم الدليل على خالف ذلك‪،‬‬
‫ف ُيصار حينئذ إليه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ألحد ُحكِم ببقاء الملك له ما لم يوجد ما يزيله‪،‬‬


‫ٍ‬ ‫ملك شيء‬ ‫ٍ‬
‫زمان ُ‬ ‫فمثاًل‪ :‬إذا ثبت يف‬
‫ً‬
‫‪   ‬‬

‫سواء كان ثبوت الملك الماضي بالبينة أو بإقرار المدعى عليه‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القاعدة اخلامسة‪ :‬األصل فـي األبضاع التحريم‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫من المقاصد العظمى للشريعة حفظ األعراض‪ ،‬ولذلك كان األصل يف األبضاع‬
‫‪-‬وهي الفروج‪ -‬التحريم‪ ،‬ومنع االستمتاع بالنساء‪ ،‬إال بعقد شرعي‪ ،‬أو ملك يمين يبيحهن‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ٍ‬
‫بنسـاء‪ ،‬واشـتبهت هبـن لم يجـز لـه وطء واحـدة منهـن‬ ‫اختلطـت زوجـة رجـل‬
‫ْ‬ ‫فـإذا‬
‫باالجتهـاد بلا خلاف‪ ،‬سـواء كن محصـورات أو غيـر محصـورات؛ ألن األصـل التحريم‬
‫واألبضـاع يحتـاط لهـا‪ ،‬واالجتهـاد خلاف االحتيـاط‪.‬‬
‫ُ‬
‫ً‬
‫أصلا يف شـيء‪ ،‬كاألصـل يف الذبائـح‪،‬‬ ‫ويضـاف إلـى هـذا األصـل كل مـا كان‬
‫واألصل يف الدماء‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فكله مبني على االستصحاب‪.‬‬
‫‪196‬‬
‫واالستصحاب»‬
‫ُ‬ ‫والسَّن ُة‪ ،‬واإلمجاعُ‪،‬‬
‫«الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الثاني‪ :‬تفصيل ُ‬
‫األصول‬ ‫الباب َّ‬

‫القاعدة السادسة‪ :‬األصل إضافة احلادث إىل أقرب أوقاته‪:‬‬


‫إذا اتفق على وقوع حدث معين‪ ،‬لكن وقع االختالف يف زمن حدوثه‪ ،‬فحينئذ‬
‫ُينسب إلى أقرب األوقات إلى الحال‪ ،‬ما لم تثبت نسبته إلى زمن بعيد‪ ،‬فإذا ثبتت نسبته‬
‫إلى الزمن البعيد يحكم بذلك‪.‬‬
‫فمثاًل‪ :‬إذا ادعى المحجور عليه أو وصيه أن عقد البيع الذي أجراه المحجور قد‬
‫ً‬
‫حصل بعد صدور الحكم بحجره‪ ،‬وطلب فسخ البيع‪ ،‬وادعى المشرتي حصول البيع قبل‬

‫‪   ‬‬


‫تاريخ الحجر‪ ،‬فالقول للمحجور أو وصيه؛ ألن وقوع البيع بعد الحجر أقرب زمنًا مما‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫يدعيه المشرتي‪ ،‬وعلى المشرتي إثبات خالف األصل‪ ،‬وهو حصول البيع له قبل صدور‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫الحكم بالحجر‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القاعدة السابعة‪ :‬الظاهر يصلح حجة للدفع ال لالستحقاق‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫فمن كان يف يده دار ً‬


‫مثاًل‪ ،‬فالظاهر أهنا ملكه‪ ،‬فإذا جاء رجل يدعيها‪ ،‬فظاهر يد األول‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫عليها يدفع استحقاق المدعي‪ ،‬فال ُيقضى له إال بالبينة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫لكن لو بيعت دار مجاورة لهذه الدار فأراد صاحب اليد على الدار األولى أخذ الدار‬
‫‪    ‬‬

‫المبيعة بالشفعة بسبب الجوار لهذه الدار‪ ،‬فأنكر المدعى عليه أن تكون هذه الدار التي يف‬
‫يده مملوك ًة له‪ ،‬فإنه بظاهر َي ِده ال يستحق الشفعة ما لم ُيثبِت أن هذه الدار ملكه؛ حيث إن‬
‫‪ ‬‬

‫الظاهر ‪-‬الذي هو يده على الدار‪ -‬يصلح حجة للدفع ال لالستحقاق‪ ،‬فهذه القاعدة بنيت‬
‫‪   ‬‬

‫على استصحاب الظاهر‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)160‬‬
‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)122-109/6‬‬
‫‪ -‬نفائس األصول (‪.)4025-4014/9‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)168-147/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3762-3753/8‬‬
‫‪ -‬القواعد الفقهية وتطبيقاتها فـي املذاهب األربعة (‪.)198-96/1‬‬
‫‪ -‬الوجيز فـي أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)264-259/1‬‬
‫‪ -‬القواعد الفقهية‪ ،‬إثراء املتون (ص‪.)٢٣٦-١٩٥‬‬

‫‪197‬‬
‫الباب الثالث‪:‬‬
‫املختلف فـي َها‬
‫ِ‬ ‫بيان األصول‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫حصر األدلة املختلف فـيها إمجاال‬


‫وبيان منزلتها فـي التشريع‬
‫وأثرها فـي اختالف الفقهاء‬
‫ذكر األصوليون عد ًدا من األدلة التي لم يحصل اتفاق العلماء عليها‪ ،‬عدها بعضهم‬
‫دلياًل‪ ،‬هي‪:‬‬
‫أربعة عشر ً‬
‫االستصحاب‪ ،‬شرع من قبلنا‪ ،‬وقول الصحابي‪ ،‬واالستحسان‪ ،‬واالستصالح‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وعمل أهل المدينة‪ ،‬واألخذ بأقل ما قيل‪ ،‬وسد الذرائع‪ ،‬والعرف‪ ،‬واالستقراء‪ ،‬والرباءة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫األصلية‪ ،‬وإجماع أهل الكوفة‪ ،‬وإجماع الخلفاء األربعة‪ ،‬وفقد الدليل بعد التفحص البليغ‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫بيان منزلة األدلة املختلف فـيها فـي التشريع وأثرها فـي اختالف الفقهاء‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يمكن إجمال منزلة األدلة المختلف فيها يف ثالث نقاط‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫األولى‪ :‬أن األدلة المختلف فيها تعد مصادر تابعة لألدلة المتفق عليها‪ ،‬وتستمد‬
‫‪    ‬‬

‫أهميتها منها‪ ،‬ويظهر ذلك جل ًّيا يف استدالل األئمة على تقرير الدليل المختلف فيه‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫الثانية‪ :‬أن هذه األدلة من أهم ما يحتاجه المجتهد؛ فهو يستعين هبا الستنباط حكم‬
‫‪    ‬‬

‫شرعي لنازلة لم يرد فيها نص صريح‪ ،‬ويستأنس هبا على سبيل االعتضاد عند وجود النص‪.‬‬
‫الثالثة‪ :‬أن التعدد والتنوع يف األدلة ساعد يف الوصول لألحكام الشرعية لكثير من‬
‫‪ ‬‬

‫الفروع الفقهية‪ ،‬مما يؤكد شمول الشريعة وثباهتا‪ ،‬وصالحيتها لكل زمان ومكان‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫أثر األدلة المختلف فيها يف اختالف الفقهاء‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫من أهم أسباب اختالف الفقهاء يف الفروع الفقهية هو اختالفهم يف حجية هذه‬
‫األدلة وترتيبها؛ فمن رأى حجية دلي ٍل منها بنى عليه عد ًدا من األحكام الشرعية‪ ،‬وقدمه‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫على غيره من األدلة‪ ،‬كمن يحتج بقول الصحابي فإنه يقدمه على القياس‪ ،‬ومن ال يحتج به‬
‫‪‬‬

‫يقدم القياس عليه‪ ،‬أو يستند إلى دليل آخر‪.‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬االستدالل عند األصوليني (ص‪.)51-18‬‬
‫‪ -‬األدلة الشرعية دراسة أصولية استقرائية (ص ‪.)125‬‬
‫‪ -‬األدلة املختلف فيها عند اإلمام الزركشي (املقدمة)‪.‬‬

‫‪201‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫عالقة األدلة املختلف فـيها‬


‫بالكتاب والسنة‬
‫أدلة األحكام اليت تثبت بها األحكام الشرعية‪ ،‬على رأسها الكتاب والسنة‬
‫اللذان هما وحي رب العاملني إىل عباده‪ ،‬وعليهما ُي ْب َنى غريهما من األدلة‪ ،‬وهذه‬
‫األدلة نوعان‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ما اتفق عليه‪ ،‬كاإلجماع الذي هو متفق على حجيته يف الجملة بين أهل السنة‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫والجماعة‪ ،‬خال ًفا للنَّ َّظام والرافضة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وما اختلف فيه‪ ،‬وهو ما عدا ذلك من األدلة‪ ،‬كإجماع أهل المدينة‪ ،‬وإجماع العرتة‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وإجماع الخلفاء األربعة‪ ،‬والقياس‪ ،‬وشرع من قبلنا‪ ،‬وقول الصحابي إذا لم يخالف‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫واالستصحاب‪ ،‬والمصلحة المرسلة‪ ،‬وغيرها‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫عالقة األدلة المختلف فيها بالكتاب والسنة‪ :‬هي عالقة الفرع بأصله‪ ،‬فكل هذه‬
‫‪    ‬‬

‫األدلة مبناها على الكتاب والسنة‪ ،‬وفيما يأيت بعض التفصيل يف ذلك‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫أواًل‪ :‬إجماع أهل المدينة‪ :‬هو إجماع معترب عند المالكية‪ ،‬وذلك أن المدينة مقر‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬

‫رسول اهلل ﷺ ومهبط الوحي‪ ،‬ومجتمع صحابته ناقلي الشرع وناشريه‪ ،‬فاعترب اإلمام‬
‫مالك ‪ $‬أن أهل المدينة هم ورث ُة هذا العلم وحاملوه‪ ،‬فما اتفقوا عليه من عمل فهو‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫دين؛ إذ ال بد أن يكونوا قد أخذوه بالنقل عن قولِ أو فع ِل النبي ﷺ وصحابته؛ لذلك‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫اعتربه حجة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ولما كان هذا اإلجماع هبذه الدرجة عندهم ردوا به بعض األحاديث التي اعتربوها‬
‫أخبار آحاد ال تقوى على معارضة إجماع أهل المدينة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫فهم قد بنوا إجماعهم وحجيته على أن األصل فيه أنه بمثابة النقل عن النبي ﷺ‬
‫وأصحابه‪ ،‬وعارضوا به أخبار اآلحاد على اعتبار أهنا ال تقوى على معارضة اإلجماع‪.‬‬
‫وقـد فصـل بعـض أهـل العلـم ومنهـم شـيخ اإلسلام ابن تيميـة أحـوال هـذا‬
‫اإلجمـاع‪ ،‬فبيـن األحـوال التـي يوافـق األئمـ ُة فيهـا المالكيـ َة علـى حجيتـه‪ ،‬واألحـوال التي‬
‫خالفوهم فيها‪.‬‬

‫‪202‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫ثان ًيا‪ :‬إجماع العترة‪ :‬أي إجماع أهل البيت‪ ،‬وأهنم ال يجتمعون على باطل وهو غير‬
‫محتج به لدى جماهير العلماء خال ًفا لإلمامية والزيدية‪ ،‬فما ورد يف فضل أهل البيت يثبت‬
‫منزلتهم وقدرهم‪ ،‬لكن ال يجعل قولهم مقد ًما على أقوال غيرهم من الصحابة‪.‬‬
‫فمن احتج هبذا اإلجماع اعترب أن أهل البيت هم أدرى الناس برسول اهلل ﷺ‬
‫وأحواله‪ ،‬وهم من أعلم الصحابة بالشرع والوحي‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬إجماع الخلفاء األربعة‪ :‬وهم الراشدون الذين هم أقرب الناس لرسول اهلل ﷺ‬

‫‪   ‬‬


‫وأدراهم به‪ ،‬والذين مات رسول اهلل ﷺ وهو عنهم راض‪ ،‬وقد أرشد رسول اهلل ﷺ إلى‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫اتباع سنتهم ألهنم أعلم الناس هبا بقوله‪« :‬عليكم بسنتي وسنة الخلفاء الراشدين المهديين‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫من بعدي»(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وهو ليس إجما ًعا على الصحيح‪ ،‬فاإلجماع اتفاق مجتهدي األمة‪ ،‬والخلفاء‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األربعة ﭫ ليسوا كل األمة‪ ،‬ولكن قد ورد عن اإلمام أحمد أنه ال ُيخرج عن قولهم‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫وهذا يدل على حجية قولهم‪ ،‬ال على كونه إجما ًعا‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فاإلجماعات الثالثة السابقة يتضح فيها أن حجيتها عند القائلين هبا إنما هي‬
‫‪    ‬‬

‫لدراية أهلها بالوحي أكثر من غيرهم‪ ،‬فتكون أقوالهم أقرب إلى التفرع عن الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬إلى جانب الشرط الرئيس يف كل أنواع اإلجماع؛ وهو أنه ال بد وأن يكون له‬
‫‪ ‬‬

‫مستند من الكتاب والسنة ولو لم ُيعلم‪.‬‬


‫راب ًعا‪ :‬القياس‪ :‬وهو إثبات الحكم الثابت لألصل الذي ثبت حكمه بالكتاب‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والسنة للفرع الذي وافق األصل يف العلة والجامع‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫فالقياس إ ًذا مبناه على الكتاب والسنة؛ إذ ال يقاس على أصل إال إذا كان حكمه‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ثابتًا بالدليل النقلي من الكتاب والسنة‪.‬‬


‫خامسا‪ :‬شرع من قبلنا‪ :‬وهو الحكم الذي ثبت يف شرع سابق على شرع نبينا‬ ‫ً‬
‫‪‬‬

‫ﷺ‪ ،‬وهو حجة عند جماهير العلماء ما لم ينسخه شرعنا‪ ،‬فهو يف النهاية مشرتط فيه أن‬
‫ال يعارض الكتاب والسنة‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4607‬والرتمذي (‪ ،)2676‬والطحاوي يف مشكل اآلثار (‪ )1186‬من حديث العرباض بن‬
‫سارية ﭬ‪ ،‬قال الرتمذي‪( :‬حسن صحيح)‪.‬‬
‫‪203‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫سادسا‪ :‬قول الصحابي إذا لم يخالف‪ :‬الصحابة حملة الشرع‪ ،‬وحاضرو النبي‬ ‫ً‬
‫ﷺ فرتة حياته وبعثته‪ ،‬ومن َث َّم هم أدرى الناس بشرعه‪ ،‬وأكثرهم اتبا ًعا له‪ ،‬فإذا قال‬
‫قواًل واشتهر‪ ،‬ولم يخالفه فيه أحد فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء‬ ‫أحدهم ً‬
‫أنه إجماع وحجة‪ .‬وأما إذا لم يشتهر ولكن لم يخالفه غيره من الصحابة فهو حجة عند‬
‫فهما؛ فحجيته‬ ‫نقاًل عن النبي ﷺ أو ً‬ ‫أيضا؛ إذ ال بد أن الصحابي قد أخذه ً‬ ‫جمهور األمة ً‬
‫مبنية على ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ساب ًعا‪ :‬االستصحاب‪ :‬للرباءة األصلية‪ ،‬أو لحكم شرعي سابق‪ ،‬وهو مبني يف‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫األول على عدم ورود الشرع بحكم شرعي يف المسألة بعينها‪ ،‬فثبت بالنصوص الشرعية‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫حكما شرع ًّيا ثبت‬
‫ً‬ ‫أن األصل يف هذا الحال براءة ذمة المكلف‪ ،‬ومبني يف اآلخر على أن‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫يف المسألة؛ فيظل ثابتًا طالما لم يرد ما ينقل عنه‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثامنًا‪ :‬المصلحة المرسلة‪ :‬الثابتة يف أمر لم يرد نص شرعي من الكتاب أو السنة‬


‫‪   ‬‬

‫باعتباره أو رده‪ ،‬فإن كان فيه مصلحة متيقنة راجحة كان معتربًا‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فاعتبار هذه المصلحة من عدمه متوقف على عدم معارضته لمقاصد الوحيين‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫فظهر مما سبق‪ :‬أن األدلة المختلف فيها إما أهنا ال بد لها من مستند من الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬أو مبنية عليهما ومستنبطة منهما‪ ،‬أو يشرتط لصحتها عدم مخالفة الكتاب‬
‫‪ ‬‬

‫والسنة‪ ،‬فالكتاب والسنة هو الدليل المهيمن على غيره من األدلة والضابط لها‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)176-162 ،35/4‬‬


‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)454-445‬‬
‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)455-450 ،490-488 ،340-331‬‬
‫‪ -‬جمموع الفتاوى (‪.)312-303/20‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)276-274/2‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)117-99/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3396-3391/7‬‬

‫‪204‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫حقيقة شرع من قبلنا‬

‫لغة‪ :‬الطريق والمنهاج والسنة‪.‬‬


‫الشرع ً‬
‫واملراد بشرع من قبلنا عند األصوليني‪( :‬كل ما صح من شرائع من كان قبل نبينا محمد ﷺ‬

‫‪   ‬‬


‫بطريق الوحي إليه‪ ،‬ال من جهتهم‪ ،‬وال نقلهم)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫قولهم‪( :‬كل ما صح من شرائع‪ )...‬قيل‪ :‬المراد شريعة إبراهيم ڠ‪ ،‬وحكي عن‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫بعض الشافعية‪ ،‬وقيل‪ :‬المراد شريعة عيسى ڠ‪ ،‬حكاه بعض األصوليين‪ ،‬والقول بعموم‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشرائع السابقة هو قول الحنابلة‪ ،‬وبعض المالكية‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫قولهم‪( :‬بطريق الوحي إليه ال من جهتهم وال نقلهم) معناه‪ :‬أن يثبت يف شرعنا‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بطريق صحيح‪ ،‬وال يعتمد على روايتهم‪ ،‬وال ما نقل عنهم يف كتبهم؛ لدخول التحريف‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تحرزهم عن الكذب‪.‬‬ ‫عليها‪ ،‬وعدم ُّ‬


‫‪    ‬‬

‫وذكر بعض األصوليين أن المراد بشرع من قبلنا هو مسائل الفروع؛ ألن مسائل‬
‫‪    ‬‬

‫أصول الدين متفق عليها بين األنبياء عليهم الصالة والسالم‪ ،‬فال يتصور الخالف فيها‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)196-170/4‬‬
‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)194-193‬‬
‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)300-298‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)48-39/8‬‬

‫((( انظر‪ :‬الواضح البن عقيل (‪.)173/4‬‬


‫‪205‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أقسام شرع من قبلنا‬

‫وينقسم (شرع من قبلنا) إىل أربعة أقسام‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬شرع من قبلنا مما لم يثبت يف شرعنا‪ ،‬فهذا ال خالف يف عدم‬

‫‪   ‬‬


‫االحتجاج به((( ‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬شرع من قبلنا إذا هني عنه يف شرعنا فيحكم بنسخه؛ كتعظيم بني‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫إسرائيل ليوم السبت‪ ،‬فهذا ال خالف يف عدم االحتجاج به(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬شرع من قبلنا إذا ورد يف شرعنا وأمرنا بفعله كقول اهلل تعالى‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫﴿ﮌﮍﮎﮏﮐ﴾ [البقرة‪ ]178 :‬مع قوله تعالى‪﴿ :‬ﮮﮯﮰﮱﯓ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫ﯔ﴾ [المائدة‪ ،]45 :‬فهذا ال خالف يف االحتجاج به‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬شرع من قبلنا إذا ورد يف شرعنا‪ ،‬ولم نؤمر به ولم ننه عنه‪ ،‬فهذا محل‬
‫‪    ‬‬

‫الخالف‪ ،‬وهو الذي ساق ابن قدامة ‪ $‬األقوال واألدلة عليه(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)196-170/4‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)194-193‬‬


‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)298‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)193‬‬
‫‪ -‬موقع شرع من قبلنا من األدلة فيما شرعه لنا ربنا ‪( ۵‬ص‪.)89 -63‬‬
‫‪ -‬األدلة الشرعية دراسة أصولية استقرائية (ص‪.)139 -135‬‬

‫((( مذكرة يف أصول الفقه (ص‪.)193‬‬


‫((( مذكرة يف أصول الفقه (ص‪.)193‬‬
‫((( شرح تنقيح الفصول (ص‪.)298‬‬
‫‪206‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫حقيقة قول الصحابي‬

‫سبق ذكر المراد بالصحابي عند ابن قدامة‪ ،‬وذلك يف مسألة عدالة الصحابة(((‪.‬‬
‫وذكر بعض األصوليين أن (الصحابي) المراد يف مسألة قول الصحابي على وجه‬
‫الخصوص هو‪ :‬المجتهد من الصحابة أو من كان من أهل الفتوى منهم(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وامل�راد بق�ول الصحاب�ي‪ :‬مذهبـه‪ ،‬سـواء كان ً‬

‫‪   ‬‬


‫حاكمـا كان أو مفت ًيـا‪،‬‬ ‫قـواًل أو ً‬
‫فعلا‪،‬‬

‫‪ ‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫يف واقعة لم يكن فيها حديث عن النبي ﷺ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)621/4‬‬
‫‪ -‬نثر الورود شرح مراقي السعود (‪.)575/2‬‬
‫‪ -‬ميزان األصول (‪.)481/1‬‬

‫((( روضة الناظر (‪.)219/1‬‬


‫((( ميزان األصول (ص‪.)481‬‬
‫‪207‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حاالت قول الصحابي وحجيتها‬

‫قول الصحابي له صور وأحوال متعددة‪ ،‬يمكن حصرها بطريقة التقسيم؛ بأن نقول‪:‬‬
‫قول الصحابي إما أن يخالفه قول صحابي آخر أو ال‪ ،‬فإن لم يخالفه صحابي آخر؛‬
‫فإما أن ينتشر القول أو ال‪ ،‬فإن انتشر القول فإما أن يصرح بقية الصحابة بموافقته أو ال‪ ،‬وإن‬

‫‪   ‬‬


‫لم ينتشر قوله فإما أن تكون المسألة مما يدرك بالرأي واالجتهاد أو ال‪ ،‬فتحصل من ذلك أن‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫قول الصحابي له أحوال خمسة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أحوال قول الصحابي واالحتجاج به‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫احلالة األوىل‪ :‬أن يقول الصحابي ً‬
‫‪    ‬‬

‫قواًل وخيالفه صحابي آخر‪:‬‬


‫فال يكون قول أحدهم حجة على غيره من الصحابة‪ ،‬قال اآلمدي‪( :‬اتفق الكل على أن‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مذهب الصحابي يف مسائل االجتهاد ال يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫أما يف االحتجاج بأحد أقوالهم ممن بعدهم فخالف‪ ،‬ذكره ابن قدمة يف الروضة(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫قواًل وينتشر بني الناس‪ ،‬ويصرح بقية الصحابة‬ ‫احلالة الثانية‪ :‬أن يقول الصحابي ً‬
‫مبوافقته‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫فهو اإلجماع القطعي الصريح‪ ،‬وقد تناوله ابن قدامة يف الروضة(((‪.‬‬


‫احلالة الثالثة‪ :‬أن يقول الصحابي ً‬
‫‪   ‬‬

‫قواًل وينتشر بني الناس‪ ،‬ومل يصرح مجيع الصحابة‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫مبوافقته‪ ،‬بل وافق بعض وسكت آخرون‪:‬‬


‫فهو اإلجماع السكويت‪ ،‬وقد تناوله ابن قدامة يف الروضة(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫قواًل وال يظهر له خمالف‪ ،‬وال ينتشر بني الناس‪ ،‬وتكون‬ ‫احلالة الرابعة‪ :‬أن يقول الصحابي ً‬
‫‪‬‬

‫املسألة مما يدرك بالرأي واالجتهاد‪:‬‬

‫((( اإلحكام يف أصول األحكام لآلمدي (‪. )2073/5‬‬


‫((( روضة الناظر (‪.)312-311/1‬‬
‫((( روضة الناظر (‪.)253-245/1‬‬
‫((( روضة الناظر (‪.)286-283/1‬‬
‫‪208‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫فهي المراد بقول الصحابي عند االطالق‪ ،‬وقد تناولها ابن قدامة يف الروضة‪ ،‬وبين‬
‫الخالف فيها(((‪.‬‬
‫قواًل وال يظهر له خمالف‪ ،‬وال ينتشر بني الناس‪،‬‬‫احلالة اخلامسة‪ :‬أن يقول الصحابي ً‬
‫وتكون املسألة مما ال يدرك بالرأي واالجتهاد‪:‬‬
‫أيضا‪ ،‬لكنها ُت ْذكر مفرقة يف ثنايا مسائل أصول الفقه‪ ،‬كما يف‬
‫وهي محل خالف ً‬
‫قبول تفسير الصحابي وحكايته لسبب النزول‪ ،‬وإخباره بالنسخ‪ ،‬وغيرها من المسائل‪ ،‬فمن‬

‫‪   ‬‬


‫المناسب أن نتناول طر ًفا منها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حكم قول الصحابي فـي املسائل اليت ال تدرك بالرأي واالجتهاد‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫والمراد بالمسائل التي ال تدرك بالرأي واالجتهاد‪ :‬هي المسائل التي ال يستقل‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫العقل بإدراكها‪ ،‬بل تتوقف معرفتها على توقيف من الشارع بقرآن أو سنة‪ ،‬كاإلخبار عن‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المغيبات من نعيم الجنة وعذاب النار‪ ،‬وخرب األقوام الماضية‪ ،‬واألخبار المستقبلة من‬
‫‪   ‬‬

‫أشراط الساعة ونحوها‪ ،‬وشرع العبادات‪ ،‬وتحديد المقادير الشرعية‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وكما تقدم فإن محل المسألة هو‪ :‬قول الصحابي الذي لم يظهر له مخالف‪ ،‬ولم ينتشر‬
‫بين الناس‪ ،‬فإن ظهر له مخالف أو انتشر فقد تقدمت اإلشارة إلى حكم كل حالة منها‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫اختلف األصوليون فـي هذه الحالة على قولين‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬أنه حجة‪ ،‬وإليه ذهب الحنفية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬وبعض الشافعية وأكثر الحنابلة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أنه ليس بحجة‪ ،‬وإليه ذهب بعض الشافعية‪ ،‬وأبو الخطاب وابن عقيل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫دليل القول األول (أنه حجة)‪:‬‬


‫‪‬‬

‫أن الظاهر أن الصحابي الفقيه لم يقل بقول مخالف للقياس إال عن حديث ثابت‬
‫‪‬‬

‫عنده عن رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فيجب حمله عليه‪.‬‬


‫نوقش‪ :‬بأن هذا ال يسلم‪ ،‬فإن من عادة الصحابة رواية األحاديث عن النبي ﷺ‬
‫فيما يع ّن من الحوادث سواء فيما يكون حجة لهم أو لغيرهم؛ ولهذا يبعد أن يصدر عن‬
‫أحدهم قول‪ ،‬ويكون لقوله حجة عن النبي ﷺ فال يذكرها؛ لما يرتتب عليه من مفسدة‬
‫كتمان العلم‪.‬‬

‫((( روضة الناظر (‪.)310-308/1‬‬


‫‪209‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أجيب‪ :‬بأن احتمال السماع من النبي ﷺ ظاهر؛ ألنه قد ظهر من عادهتم يف الفتوى‬
‫بيان حكمها وإذا كان عندهم خرب عن النبي ﷺ فتارة يوردونه وتارة يسكتون عنه اكتفاء‬
‫ببيان الحكم؛ إذ هو المقصود األعظم يف اإلفتاء‪.‬‬
‫دليل القول الثاني (أنه ليس حبجة)‪:‬‬
‫أن الصحابي غير معصوم عن الخطأ والزلل‪ ،‬وإذا قال ما يخالف القياس تردد قوله‬
‫بين أنه أخطأ‪ ،‬أو تعلق بشبهة ضعيفة‪ ،‬ويحتمل أنه كان توقي ًفا فال تثبت السنة بالشك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫المحامل وإن كانت منقدحة‪ ،‬لكن الظاهر من حال الصحابة وتقدّ مهم‬ ‫نوقش‪ :‬بأن هذه َ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يف العلم والورع يأباها؛ فإهنا تفضي إلى سقوط رأيهم‪ ،‬ألن ظن ما ليس بدليل ً‬
‫دلياًل فيه تساهل‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وقلة مباالة‪ ،‬وخرب المتساهل ال ُيقبل‪ ،‬فهذا الظن هبم فاسد‪ ،‬فما يؤدي إليه كذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫قرر بعض العلماء المسألة بصورة تجعل الخالف فيها يؤول إلى اللفظ‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وذلك أن قول الصحابي فيما ال مجال للرأي فيه‪ ،‬لم يخالف أحد يف أنه ال يكون‬
‫‪    ‬‬

‫صريحا‪ ،‬ولكن ُيقدَّ ر النقل عن النبي ﷺ‪ ،‬فاالحتجاج به إ ًذا من هذه الجهة‪،‬‬


‫ً‬ ‫من المرفوع‬
‫ال من جهة أنه قول صحابي؛ ولذا أطلقوا عليه‪( :‬المرفوع الحكمي)‪ ،‬وحينئذ ال يستقيم‬
‫‪ ‬‬

‫إدراجه ضمن الكالم عن أقسام قول الصحابي‪.‬‬


‫ويف المسألة رأي آخر‪ :‬أن الخالف معنوي له ثمرة‪ ،‬وهو الذي يقتضيه تصرف كثير‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫تدرك‬
‫من األصوليين‪ ،‬وقد أثمر خالفهم يف (حجية قول الصحابي يف المسائل التي ال َ‬
‫‪ ‬‬

‫بالرأي واالجتهاد) خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية واألصولية؛ منها ما يأيت‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬املسائل األصولية‪:‬‬
‫‪‬‬

‫مسألة‪ :‬تفسري الصحابي‪:‬‬


‫فإذا فسر الصحابي شي ًئا من القرآن‪ ،‬هل يكون له حكم المرفوع؟ فمن قال بحجية‬
‫قول الصحابي يف هذا القسم يجعل له حكم الرفع‪ ،‬ومن قال بعدم الحجية فال يكون له‬
‫حكم الرفع‪.‬‬

‫‪210‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫ثان ًيا‪ :‬املسائل الفقهية‪:‬‬


‫مسألة‪ :‬تقدير أقل احليض وأكثره‪:‬‬
‫فمن العلماء من جعل أقله ثالثة أيام وأكثره عشرة‪ ،‬ومنهم من جعل أقله يو ًما وأكثره‬
‫خمسة عشر يو ًما‪ ،‬ومنهم من لم يجعل ألقله وال ألكثره حدًّ ا‪ .‬ومن قال بالتحديد مستنده‬
‫أقوال الصحابة‪ ،‬وهي يف تقدير شرعي‪ ،‬فتكون كالمروي عن النبي ﷺ؛ ألن المقادير‬
‫ال تدرك بالقياس‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)346-330/3‬‬
‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)44-43/1‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)638-576/4‬‬
‫‪ -‬املغين فـي أصول الفقه (ص‪.)271-266‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)225-217/3‬‬
‫‪ -‬قول الصحابي فـيما ال جمال للرأي فـيه (ص‪.)169-111‬‬

‫‪211‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مكانة أقوال الصحابة‪،‬‬


‫وأثر ذلك فـي املنهج وفـي الفروع الفقهية‬

‫أقـوال الصحابـة ﭫ ‪-‬والتـي ليسـت مرفوعـة إلـى النبـي ﷺ حقيقـة‬


‫حكمـا‪ -‬تختلـف مكانتهـا وأحكامهـا بحسـب أحوالهـا‪ ،‬وكذلـك يختلـف تأثيرهـا‪،‬‬
‫ً‬ ‫وال‬

‫‪   ‬‬


‫ويتلخـص ذلـك فيمـا يلـي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫اتفاق الخلفاء األربعة‪ :‬أبي بكر وعمر وعثمان وعلي ﭫ‪ ،‬وقد اختلف العلماء يف‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫اعتبار أقوالهم إجما ًعا‪ ،‬وكذلك يف حال إذا لم نعتربها إجما ًعا فهل تكون حجة؟‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أيضا قد اختلف يف حجية قولهما‪.‬‬
‫اتفاق أبي بكر وعمر‪ً :‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اتفاق العترة‪ :‬أي أهل البيت‪ ،‬فجماهير العلماء على أنه ليس حجة‪ ،‬ولكن اعتربه‬
‫‪   ‬‬

‫اإلمامية والزيدية حجة‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أقوال الصحابة فيما عدا ما سبق‪ :‬وقد سبق بيان أحوال أقوالهم‪ ،‬وأن الصحابي إذا‬
‫‪    ‬‬

‫قواًل ولم ُيخا َلف فيه فهو حجة عند جماهير العلماء‪ ،‬وأما إذا خولف فليس قوله حجة‬
‫قال ً‬
‫عند جماهير العلماء‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وقد ترتب على ذلك بعض القواعد يف منهج التعامل مع أقوالهم‪ ،‬ويف الفروع الفقهية‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ً‬
‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أواًل‪ :‬أثر قول الصحابي فـي القواعد املنهجية واألصولية‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫يقوي أحد القولين؛‬


‫‪1 -‬أنه عند اختالف الصحابة يجب على المجتهد الرتجيح بدليل ِّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫إذ لو كان الخالف بين نصين من نصوص الوحي فيما يبدو لنا لكان الرتجيح بدليل ثالث‪،‬‬
‫‪‬‬

‫فأقوال الصحابة أولى بذلك؛ حيث ال تفوق يف قوهتا قوة نصوص الوحي‪.‬‬
‫‪2 -‬أن قول الصحابي الذي لم ُيخا َلف حج ٌة مقد ٌم على القياس‪ ،‬خال ًفا للشافعية‪.‬‬
‫‪3 -‬العمل بقول الصحابي والمصير إليه طالما قيل بحجيته‪.‬‬
‫‪4 -‬يخصص عموم النص بقول الصحابي الذي لم يظهر له مخالف‪.‬‬
‫‪5 -‬يصرف ظاهر الكتاب والسنة بقول الصحابي كذلك‪.‬‬

‫‪212‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫‪6 -‬إذا اعترب حجة كان مما يفتقر إلى أن يستند إلى دليل؛ كالقياس ال بد له من داللة‬
‫أيضا ال بد أن يكون له مستند من الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وشاهد يشهد بصحته‪ ،‬واإلجماع ً‬
‫تفسيرا وبيانًا‪.‬‬
‫ً‬ ‫‪ُ 7 -‬يرجع إلى قول الصحابي إذا روى خربًا‪ ،‬ويجعل ذلك منه‬
‫‪ 8 -‬إذا خالف قول الصحابي صريح لفظ النبي ﷺ‪ ،‬فيعمل بقول النبي ﷺ ويرتك‬
‫قول الصحابي مطل ًقا يف قول جمهور األصوليين‪ ،‬وقال البعض إذا صرح بأن قول النبي ﷺ‬
‫منسوخ عمل بقوله وإال فال‪ ،‬ومن جعل قوله حجة إذا انتشر ولم يحفظ له مخالف‪ :‬ترك‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫به حكم النص‪ ،‬وتبين عنده أنه منسوخ‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪ 9 -‬إذا قيل بحجية قول الصحابي إذا لم ُيخالف فإنه إذا قال‪ :‬هذا الخرب منسوخ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وجب قبول قوله‪ ،‬ولو فسره بتفسير وجب الرجوع إلى تفسيره‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ ‪10-‬إذا قال الصحابي‪ :‬هذه اآلية منسوخة لم نصر إليه إال إذا أخرب بم نسخت‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫فيكون قوله واجب القبول حينها‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ ‪11-‬ما قرره أئمة المذهب من أنه إذا ن ُِقل عن اإلمام أحمد يف مسألة قوالن ُ‬
‫دليل‬
‫‪    ‬‬

‫ِ‬
‫أحدهما قول النبي ﷺ وهو عا ٌّم‪ ،‬ودليل اآلخر قول الصحابي وهو خاص فاألول مذهبه‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أثره فـي الفروع الفقهية‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫الناظر يف كتب الفروع الفقهية للمذاهب المختلفة يجد االستدالل بأقوال الصحابة‬
‫‪   ‬‬

‫مما ال يكاد ُيحصى‪ ،‬بل ويف كتب المذاهب التي ترى عدم حجية قول الصحابي كالشافعية‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫يف القول الجديد‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومن أبرز تطبيقات العمل بأقوال الصحابة ما يكثر يف كتب الحنفية خاصة ‪-‬مع‬
‫‪‬‬

‫تعظيمهم الشديد للقياس‪ -‬من تقديم أقوال الصحابة على القياس يف كثير من المسائل‪،‬‬
‫‪‬‬

‫ومن أمثلة ذلك ما يأيت‪:‬‬


‫‪ -‬أقولهم يف المضمضة واالستنشاق يف الجنابة والوضوء‪ :‬إهنما سنتان على القياس‬
‫فيهما جمي ًعا‪ ،‬ومع ذلك قالوا‪ :‬تركنا القياس لقول ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫‪ -‬بقولهم يف الدم إذا ظهر على رأس الجرح ولم يسل‪ :‬إنه ناقض للطهارة يف القياس‪،‬‬
‫ومع ذلك قالوا‪ :‬تركناه لقول ابن عباس ﭭ‪.‬‬
‫‪213‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫‪ -‬جقولهم يف اإلغماء إذا كان يو ًما وليلة أو أقل‪ :‬إنه يمنع قضاء الصلوات يف القياس‪،‬‬
‫ومع ذلك قالوا‪ :‬تركناه لفعل عمار بن ياسر ﭭ‪.‬‬
‫‪ -‬دقولهم يف إقرار المريض لوارثه‪ :‬إنه جائز يف القياس‪ ،‬ومع ذلك قالوا‪ :‬تركناه لقول‬
‫ابن عمر ﭭ‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬مقدمة فـي أصول الفقه (ص‪.)325‬‬
‫‪ -‬رسالة فـي أصول الفقه للعكربي (ص‪.)84-83‬‬
‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)1151-1178 /4‬‬
‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)113-105/2‬‬
‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)346-330/3‬‬
‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)128-127‬‬

‫‪214‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫أنواع االستحسان باعتبار سنده‬

‫قسم علماء احلنفـية االستحسان باعتبار سنده إىل أنواع ستة‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫ّ‬
‫ٌ‬
‫استحسان سنده النص‪:‬‬ ‫النوع األول‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وهو أن يرتك العمل بمقتضى القياس ألجل دليل من الكتاب أو السنة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الس َلم‪ ،‬فالقياس يدل على عدم جوازه؛ ألن المعقود عليه معدوم وقت‬

‫‪ ‬‬
‫مثاله‪ :‬جواز َّ‬

‫‪   ‬‬


‫العقد‪ ،‬لكنه ُت ِرك القياس ألجل النص الخاص الوارد يف مشروعية السلم‪ ،‬وهو قوله ﷺ‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫«من أسلف يف شيء ففي كيل معلوم‪ ،‬ووزن معلوم‪ ،‬إلى أجل معلوم»(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ٌ‬
‫استحسان سنده اإلمجاع‪:‬‬ ‫النوع الثاني‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫وهو أن يرتك العمل بمقتضى القياس ألجل دليل من اإلجماع‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ٍ‬
‫تقدير لمدة اللبث‪،‬‬ ‫ٍ‬
‫تعيين ألجرة‪ ،‬وال‬ ‫مثاله‪ :‬تجويز دخول الحمام من غير‬
‫‪    ‬‬

‫مع أن القياس يمنع ذلك؛ فإن دخول الحمام إجارة‪ ،‬وال بد يف اإلجارة من بيان المدة‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وبيان مقدار العين المستهلكة إذا كانت اإلجارة على عين‪ ،‬ولكنها ُأبيحت استحسانًا؛‬
‫النعقاد اإلجماع على جوازها هبذه الصورة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ٌ‬
‫استحسان سنده الضرورة‪:‬‬ ‫النوع الثالث‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وهو أن يرتك العمل بمقتضى القياس ألجل الضرورة‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫مثاله‪ :‬جواز الشهادة يف النكاح والدخول‪ ،‬فالقياس يقتضي عدم جواز الشهادة يف‬
‫‪ ‬‬

‫النكاح والدخول؛ ألن الشهادة مشتقة من المشاهدة وذلك بالعلم‪ ،‬ولم يحصل يف هذه‬
‫‪‬‬

‫األمور‪ ،‬لكن عدل عن هذا الحكم إلى حكم آخر‪ ،‬وهو‪ :‬جواز الشهادة يف النكاح والدخول‬
‫‪‬‬

‫ضرورة؛ ألنه لو لم تقبل فيها الشهادة بالتسامح ألدى إلى الحرج وتعطيل األحكام‪.‬‬
‫ٌ‬
‫استحسان سنده القياس اخلفي‪:‬‬ ‫النوع الرابع‪:‬‬
‫ٍ‬
‫قياس آخر هو‪ :‬أدق وأخفى‬ ‫وهو‪ :‬أن يرتك العمل بمقتضى القياس الظاهر‪ ،‬ألجل‬
‫نظرا‪.‬‬
‫من األول‪ ،‬لكنه أقوى حجة‪ ،‬وأصح ً‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2240‬ومسلم (‪ )1604‬من حديث ابن عباس ﭭ‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪215‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مثاله‪ :‬عدم قطع يد َمن َسرق مِن َمدين ِ ِه؛ بيان ذلك‪:‬‬
‫حال من دراهم فسرق منه مثلها قبل أن يستوفيها فال تقطع‬ ‫أن من له على آخر دين ّ‬
‫مؤجاًل‪ ،‬فالقياس يقتضي قطع يده إذا سرق مثلها قبل حلول األجل؛‬ ‫ً‬ ‫يده‪ ،‬أما إذا كان الدين‬
‫ألنه ال يباح له أخذه قبل األجل‪ ،‬لكن ُع ِدل عن هذا الحكم إلى حكم آخر‪ ،‬وهو‪ :‬أن يده‬
‫ال تقطع؛ لقياس خفي وهو أن ثبوت الحق ‪-‬وإن تأخرت المطالبة‪ -‬يصير شبهة دارئة‪،‬‬
‫وإن كان ال يلزمه اإلعطاء اآلن‪ ،‬فعدم قطع اليد هنا ثبت استحسانًا ألجل قياس خفي‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ٌ‬
‫استحسان سنده العرف‪:‬‬ ‫النوع اخلامس‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وهو‪ :‬أن يرتك العمل بمقتضى القياس ألجل العرف‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫مثاله‪ :‬لو حلف شخص وقال‪( :‬واهلل ال أدخل بيتًا)‪ ،‬فالقياس يقتضي‪ :‬أنه يحنث إذا‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫دخل المسجد؛ ألنه يسمى بيتًا يف اللغة‪ ،‬ولكن ُع ِدل عن هذا الحكم إلى حكم آخر‪ ،‬وهو‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫عدم حنثه إذا دخل المسجد؛ لتعارف الناس على عدم إطالق هذا اللفظ على المسجد‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ٌ‬
‫استحسان سنده املصلحة‪:‬‬ ‫النوع السادس‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهو‪ :‬أن يرتك العمل بمقتضى القياس ألجل المصلحة العائدة إلى حفظ الضروريات الخمس‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬الحكم بتضمين األجير المشرتك‪ ،‬وهو الذي ال يعمل لشخص بعينه‪،‬‬
‫بل يقدم خدمة لكل من يحتاجه مقابل أجرة معينة؛ كالصباغ والغسال والخياط‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الغسـال إذا ُأعطـي الثـوب ليغسـله فتلف عنده من غيـر تفريط ال ضمان‬
‫فالقيـاس أن ّ‬
‫عليـه؛ ألن هـذا مقتضـى عقـد اإلجارة‪ ،‬فهـو قبضه بإذن صاحبـه فهو مؤتمن عليـه‪ ،‬ولكنهم‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫عدلـوا عـن مقتضى ذلك القيـاس‪ ،‬وقالوا‪ :‬يضمن ما تلف عنده؛ ألجـل مصلحة المحافظة‬
‫‪ ‬‬

‫نظرا لكثـرة الخيانة بين النـاس وقلة األمانة‪.‬‬


‫علـى أمـوال النـاس من الضيـاع؛ ً‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الفصول فـي األصول (‪.)233/4‬‬
‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)202/2‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)5/4‬‬
‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)78/4‬‬
‫‪ -‬االستحسان حقيقته وأنواعه وحجيته (ص‪.)126-64‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)195‬‬

‫‪216‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫ضوابط العمل باملصلحة‬

‫األصوليون الذين عملوا بالمصلحة المرسلة لم يعملوا هبا على جهة اإلطالق‪ ،‬بل‬
‫ضبطوا المصلحة بضوابط‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫الضابط األول‪ :‬أن تكون مصلحة حقيقية وليست مصلحة وهمية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والمـراد هبـا أن تكـون المصلحـة ثابتـة؛ أي يقطع ويتيقن بوجودهـا أو يظن ذلك ظنًّا‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫غال ًبـا‪ ،‬أمـا المصالـح المتوهمـة فهـي يف حكم العدم‪ ،‬فلا يعلق عليها حكـم وال ُيعتد هبا‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومثـال ذلـك‪ :‬مـا يتوهمه بعـض الناس من أن التسـوية بين الرجل والمـرأة يف اإلرث‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫فيـه مصلحـة‪ ،‬وهي ترغيب الكفار يف اإلسلام‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫ً‬
‫مالئمة ملقاصد الشريعة‪:‬‬ ‫الضابط الثاني‪ :‬أن تكون‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المحتج هبا لمقاصد الشريعة واندراجها يف‬


‫ّ‬ ‫والمقصود بذلك‪ :‬موافقة المصلحة‬
‫‪    ‬‬

‫مثل أحد فروعها المعتربة شر ًعا‪ ،‬فتجويز االختالط والخلوة باألجنبية لمصلحة مادية‬
‫أو دنيوية ال يالئم مقصود الشارع يف تحريم الزنا‪ ،‬وسرت العورات؛ ألن تجويز االختالط‬
‫‪ ‬‬

‫والخلوة بال محرم يؤدي إلى وقوع الزنا؛ لما عهد من وجود الشهوة يف اإلنسان‪،‬‬
‫التي تقتضي ميل كل من الذكر واألنثى لبعضهما‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫حكما ثبت بالنص أو اإلمجاع‪:‬‬


‫الضابط الثالث‪ :‬أال تعارض املصلحة ً‬
‫‪ ‬‬

‫نصا شرع ًّيا‪ ،‬وكذا‬


‫فالمصلحة الموجودة يف عقد الربا مصلحة ملغاة؛ ألهتا تعارض ًّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ال يصح اعتبار المصلحة التي تقتضي مساواة االبن والبنت يف نصيب اإلرث؛ ألن هذه‬
‫‪‬‬

‫نصا شرع ًّيا‪.‬‬


‫مصلحة ملغاة لمعارضتها ًّ‬
‫الضابط الرابع‪ :‬أن تكون املصلحة فـيما عقل معناه‪ ،‬ال فـي التعبدات‪:‬‬
‫كالوضوء والصالة والصوم‪ ،‬أو ما يجري مجراها مما يتعين فيها التوقيف‪،‬‬
‫كأسماء اهلل وصفاته‪ ،‬والبعث والجزاء‪.‬‬

‫‪217‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الضابط اخلامس‪ :‬أال تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية هلا‪ ،‬وأال‬
‫يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية هلا‪:‬‬
‫ومثالها‪ :‬ضرب المتّهم بالسرقة حتى ُي ِق ّر‪ ،‬ووجهه‪ :‬معارضة مصلحة تحصيل‬
‫المال (المراد تحقيقها بإقراره) بمصلحة حفظ نفس المتّهم (الفائتة بضربه)‪ ،‬واألخيرة‬
‫أهم وأرجح؛ لتع ّلقها بحفظ النفس المقدّ م رتب ًة على حفظ المال‪.‬‬
‫ّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬علم أصول الفقه لعبد الوهاب خالف (ص‪.)86‬‬


‫‪ -‬ضوابط املصلحة فـي الشريعة (ص‪.)312-119‬‬
‫‪ -‬الوجيز فـي أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)256/1‬‬
‫‪ -‬رعاية املصلحة واحلكمة فـي تشريع نيب الرمحة (ص‪.)239‬‬
‫‪ -‬ضوابط العمل باملصلحة املرسلة عند األصوليني (ص‪.)20-16‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)209‬‬
‫‪ -‬معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص‪.)23‬‬
‫‪ -‬املصلحة فـي التشريع‪ ..‬ضوابط وتطبيقات وآثار (ص‪.)12‬‬

‫‪218‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫سبب اخلالف فـي االستصالح ومثرته‬

‫المصلحة المرسلة‪ :‬هي المصلحة التي لم يرد نص من الشارع يف اعتبارها أو إلغائها‬


‫بعينها‪ ،‬لكنها تندرج تحت األصول العامة للشريعة‪.‬‬
‫وهذا النوع من المصلحة هو الذي اختُلف فيه؛ إذ األئمة متفقون على أن الشرع‬

‫‪   ‬‬


‫قد جاء بجلب المصالح ودرء المفاسد‪ ،‬فإذا ُفسرت المصلحة بالمحافظة على مقصود‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشرع فال وجه للخالف يف اتباعها‪ ،‬بل يجب القطع بكوهنا حجة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫نوع اخلالف‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يمكن اعتبار الخالف يف حجية المصلحة المرسلة من الخالف اللفظي‪ ،‬فالمصلحة‬


‫‪   ‬‬

‫المرسلة والعمل هبا هبذا المسمى ينسب إلى اإلمام مالك ‪ $‬وكذلك اإلمام أحمد‪ ،‬وقد‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أنكر حجيته بعض أئمة المذاهب األخرى‪ ،‬غير أن الناظر يف كتب األئمة ال سيما الفروعية‬
‫‪    ‬‬

‫يجد أن األئمة األربعة أخذوا هبا‪ ،‬وإن كان ذلك تحت مسميات مختلفة؛ كما يلي‪:‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬املصلحة والقياس‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫يعالج اإلمام الشافعي المصلحة المرسلة تحت باب القياس؛ حيث إن المصلحة يف‬
‫‪   ‬‬

‫معنى القياس ففيها يثبت حكم أصل لفرع‪ ،‬ولكن ليس بجامع العلة‪ ،‬بل بجامع الجنس‪،‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وأن المصلحة المرجوة يف األصل مرجوة كذلك يف الفرع‪ ،‬غير أن المصلحة المرسلة‬
‫‪ ‬‬

‫تكون يف األمور الكلية والمصالح العامة‪ ،‬وليست يف فرع بعينه وشخص بمفرده‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬املصلحة واالستحسان‪:‬‬


‫عالج اإلمام أبو حنيفة ‪ $‬المصلحة المرسلة كذلك‪ ،‬ولكن تحت باب االستحسان‬
‫والعرف‪ ،‬والمصلحة قريبة من االستحسان‪ ،‬فاالستحسان نوع من االستصالح؛‬
‫قال الشافعي‪( :‬ومعظم قواعد االستحسان استصالح جلي أو خفي ال أصل له يف الشريعة)(((‪.‬‬

‫((( األشباه والنظائر للسبكي (‪.)195/2‬‬


‫‪219‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫فهذا االستخدام تحت مسميات مختلفة من قبل األئمة وأتباعهم يجعل الخالف‬
‫يف حجية االستصالح خال ًفا لفظ ًّيا‪ ،‬ويجعل الخالف ً‬
‫ناتجا عن اختالف التصور للمصلحة‬
‫المرسلة بين المذاهب المختلفة‪.‬‬

‫مثرة اخلالف فـي االستصالح‪:‬‬


‫رغم ما سبق بيانه من أن المذاهب اإلسالمية شبه متفقة على العمل بالمصالح‬
‫المرسلة يف صور مختلفة‪ ،‬إال أن هناك بعض المسائل والقواعد التي ظهر فيها الخالف‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫يف اعتبارها وعدم اعتبارها‪ ،‬ونشط فيها الخالف يف حجية المصلحة المرسلة من خالل‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫خالفهم يف تطبيق المصلحة المرسلة يف تلك المسائل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومن أبرز ثمار الخالف يف حجية المصلحة المرسلة ما يرتتب على عدم العمل‬
‫‪    ‬‬
‫هبا من غلق أبواب من سعة الشريعة‪ ،‬وتقويض مرونتها وقبولها ما يستجد يف الدنيا من‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أمور مستحدثة لم تكن موجودة يف عصر الوحي‪ ،‬ال سيما يف أبواب السياسة الشرعية؛‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حيث يحتاج الناس إلى استحداث طرق وقواعد لم ينص الشرع على مشروعيتها‪ ،‬غير‬
‫‪    ‬‬

‫–أيضا‪ -‬لم يرد بإلغائها وال اإلنكار على فاعليها‪.‬‬


‫أنه ً‬
‫‪    ‬‬

‫وكذلك أثمر الخالف يف حجية المصلحة المرسلة خال ًفا يف عدد من المسائل‬
‫الفقهية‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫مسألة‪ :‬إذا َقتل سبع ٌة ً‬


‫رجاًل واحدًا‪ ،‬فهل يُقتلون به أم يُقتل به واحد منهم‪ ،‬أم ال يُقتل أحد‬
‫‪   ‬‬

‫بل له الدية؟‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫فجماهير أهل العلم من الشافعية والمالكية واألحناف يرون أن السبعة ُيقتلون‬


‫هبذا الواحد‪ ،‬غير أن المالكية حين عللوا ذلك الحكم عللوه بالمصلحة‪ ،‬مستدلين على‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المخالف بالمصلحة المرسلة يف أنه لو لم يقتل السبع ُة بالواحد لصار وسيلة للقتل‪ ،‬فكل‬
‫‪‬‬

‫قاتل يأيت بعدد معه للقتل حتى ال ُيقتل به‪.‬‬


‫مسألة تضمني الصناع‪:‬‬
‫أجيرا أتلف شي ًئا‪ ،‬فقد ذهب الجمهور إلى عدم تضمينه ألن يده يد‬
‫فلو أن صان ًعا أو ً‬
‫أمانة‪ ،‬ومن يده يد أمانة ال يضمن إال إن تعدى أو فرط‪.‬‬
‫وذهب المالكية إلى تضمين الصناع مستدلين بالمصلحة المرسلة يف أنه لو‬
‫لم يضمن الصناع لصار اإلتالف ديدهنم ولم يتقنوا عملهم‪.‬‬
‫‪220‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫سبب اخلالف‪:‬‬
‫وسبب اختالف األصوليين يف حجية االستصالح من األصل راجع إلى أمرين‪:‬‬
‫األول‪ :‬محاولة البعض سد باب اعتبار االستصالح لظنهم أن القول باالستصالح‬
‫يفضي إلى التشهي واالبتداع يف الدين‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬هو الخلط عند البعض بين المصالح التي اعتربها الشرع والمصالح التي‬
‫أهملها الشرع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)180-173‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر للسبكي (‪.)167/1‬‬
‫‪ -‬تشنيف املسامع (‪.)56-19/3‬‬
‫‪ -‬املصلحة املرسلة للشيخ الشنقيطي (ص‪.)26-1‬‬
‫‪ -‬أثر االختالف فـي القواعد األصولية فـي اختالف الفقهاء حملمد حسن عبد الغفار (ص‪.)16-15‬‬

‫‪221‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفرق بني االستحسان واالستصالح‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬معنى االستحسان واالستصالح والعالقة بينهما‪:‬‬
‫االستحسان‪ :‬يطلق على معان ثالثة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫األول‪ :‬ما يستحسنه المجتهد بعقله‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الثاين‪ :‬دليل ينقدح يف نفس المجتهد ال تساعده العبارة عنه وال يقدر على‬

‫‪   ‬‬


‫إبرازه وإظهاره‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الثالث‪ :‬العدول بحكم المسألة عن نظائرها بدليل خاص من القرآن‪ ،‬أو بدليل من السنة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫وهذا المعنى الثالث يكاد يكون متف ًقا على صحته واعتباره‪ ،‬وإن اختلف يف تسميته‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فما بقي خالف وال كبير كالم إال عن المعنيين األولين‪ ،‬وهما متشاهبان ومرجعهما إلى‬
‫‪   ‬‬

‫رأي المجتهد واستحسانه وما انقدح يف نفسه‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫واالستصالح أو املصاحل املرسلة‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫هي المصلحة التي لم يرد نص من الشارع يف اعتبارها أو إلغائها بعينها‪ ،‬لكنها‬


‫تندرج تحت األصول العامة للشريعة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫كاًّل من االستحسان واالستصالح يتفقان فـي‪:‬‬ ‫تبني مما سبق أن ًّ‬


‫‪   ‬‬

‫‪1 -‬كوهنما ليسا دليلين متف ًقا عليهما‪ ،‬بل الخالف فيهما كبير‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪2 -‬كوهنما لم يرد نص خاص يدل عليهما‪ ،‬وإنما هي استحسانات يراها المجتهد بحسب‬
‫رأيه حسنةً‪ ،‬واستصالحات يراها مندرجة تحت األصول العامة للشريعة‪ ،‬ولذلك يقول‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الشافعي‪( :‬ومعظم قواعد االستحسان استصالح جلي أو خفي ال أصل له يف الشريعة)(((‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الفرق بني االستحسان واالستصالح‪:‬‬


‫‪1 -‬االستحسان استعمال مصلحة جزئية تخص حالة لفرد أو مجموعة أفراد‪ ،‬بخالف‬
‫االستصالح الذي يشرتط فيه أن تكون مصلحته كلية عامة؛ كحفظ الدين والنفس وغيرها‬
‫من الضرورات‪.‬‬

‫((( األشباه والنظائر للسبكي (‪.)195/2‬‬


‫‪222‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫‪2 -‬االستحسان مصلحة خالصة‪ ،‬أو راجحة تقع يف نفس الناظر فمبناها على نظر‬
‫ناظر واحد‪ ،‬بخالف االستصالح الذي يشرتط فيه أن تكون المصلحة فيه قطعية غير‬
‫متوهمة تتفق عليها العقول‪.‬‬
‫‪3 -‬االستحسان أخص؛ إذا قيل بأنه‪ :‬ترك وجه من وجوه االجتهاد لوجه أقوى منه؛‬
‫ألننا حينئذ نشرتط فيه أن يكون له معارض مرجوح‪ ،‬فيرجح االستحسان عليه‪ ،‬بخالف‬
‫المصلحة المرسلة التي ال يشرتط فيها معارض؛ بل قد يقع تسليمه عن المعارض؛‬

‫‪   ‬‬


‫ألن المعارض هاهنا يريد به الخاص بذلك الباب‪ ،‬وهو متعين يف االستحسان دون‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫المصلحة المرسلة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)180-171‬‬
‫‪ -‬نفائس األصول (‪.)4037-4026/9‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر للسبكي (‪.)195-194/2‬‬
‫‪ -‬نشر البنود على مراقي السعود (‪.)163-261/2‬‬

‫‪223‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫العــرف‬
‫(حقيقته وعالقته بالعادة‪ ،‬وأقسامه‪،‬‬
‫وحجيته‪ ،‬وشروط اعتباره)‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حقيقة العرف‪:‬‬
‫العرف لغة‪ :‬مادة (ع ر ف) تطلق على أصلين صحيحين‪ :‬أحدهما تتابع الشيء‬
‫متصاًل بعضه ببعض‪ ،‬واآلخر السكون والطمأنينة‪.‬‬‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫واستعمال العرف يف االصطالح يوافق هذين األصلين؛ لوجود التتابع فيه‪ ،‬وهو‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫بعضا‪ ،‬واالستمرارية على العمل به‪ ،‬كما أن فيه طمأنينة النفس‬ ‫متابعة بعض الناس ً‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫وارتياحها لألخذ به‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫اصطالحا‪ :‬هو (ما اعتاده أكثر الناس‪ ،‬وساروا عليه يف جميع البلدان أو يف بعضها‪،‬‬
‫ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫سوا ًء أكان ذلك يف جميع العصور‪ ،‬أم يف عصر معين)(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫قولهم‪( :‬ما) عام يشمل العرف العملي والعرف القولي‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫قولهم‪( :‬اعتاده) يخرج ما استوحشه الناس‪ ،‬فال يكون عر ًفا‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫قولهم‪( :‬أكثر الناس) يخرج ما اعتاده البعض فيما بينهم ولم يطرد فيكون عر ًفا‬
‫‪    ‬‬

‫خاصا فيما بينهم‪.‬‬


‫ًّ‬
‫قولهم‪( :‬وساروا عليه يف جميع البلدان أو يف بعضها) يشمل العرف العام المطرد‬
‫‪ ‬‬

‫بين الجميع والعرف الخاص ببلد أو مكان معين‪.‬‬


‫قولهم‪( :‬سواء أكان ذلك يف جميع العصور أم يف عصر معين) يشمل العرف العام‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫المطرد والعرف الخاص بزمن معين‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬عالقة العرف بالعادة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫للعلماء ثالثة اتجاهات يف العالقة بين العرف والعادة‪:‬‬


‫‪‬‬

‫االتجاه األول‪ :‬أن العرف والعادة لفظان مرتادفان؛ ألن مواردهما واحدة‪ ،‬ومن ثم‬
‫عرفوا العادة بما عرفوا به العرف؛ ألن العادة مأخوذة من العود أو المعاودة‪ ،‬فهي بتكرارها‬
‫ّ‬
‫ومعاودهتا مرة بعد أخرى صارت معروفة مستقرة يف النفوس والعقول متلقاة بالقبول‪.‬‬
‫واختار هذا النسفي وغيره‪.‬‬
‫االتجاه الثاين‪ :‬أن العرف مخصوص بالقول‪ ،‬والعادة مخصوصة بالفعل‪ ،‬فالنسبة‬

‫((( العرف وأثره يف الشريعة والقانون (ص ‪.)٣٥‬‬


‫‪224‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫بينهما التباين‪ .‬واختار هذا ابن الهمام وغيره‪.‬‬


‫االتجاه الثالث‪ :‬العادة أعم من العرف؛ ألن العادة مأخوذة من المعاودة بمعنى‬
‫التكرار‪ ،‬وهذا التكرار كما يكون من الجماعة يكون من الفرد‪ ،‬بخالف العرف الذي هو‬
‫(العادة الجماعية)‪ ،‬فال‪ ‬يصدق على فعل الفرد بأنه عرف ولو تكرر منه؛ وعليه فالنسبة‬
‫ٍ‬
‫عادة ُعر ًفا‪ .‬واختاره‬ ‫كل‬ ‫ٍ‬
‫عرف عادةٌ‪ ،‬وليس ُّ‬ ‫بينهما العموم والخصوص المطلق‪ُّ ،‬‬
‫فكل‬
‫بعض المعاصرين‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫والغالب يف كالم الفقهاء استعمال أحدهما مكان اآلخر‪ ،‬مما يفيد أهنما بمعنى‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫واحد عندهم‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬أقسام العرف‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫قسم األصوليون العرف باعتبارات عدة أهمها ثالثة اعتبارات (سبب العرف‪،‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ّ‬
‫‪    ‬‬

‫وجهة صدوره‪ ،‬وموافقته للشرع)‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫االعتبار األول‪ :‬من حيث سبب العرف إىل قسمني‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫القسم األول‪ :‬العرف العملي‪ :‬وهو ما اعتاده الناس من فعل وجرى عليه عملهم‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثل‪ :‬تعارف الناس البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية‪ ،‬ودخول الحمامات من دون‬
‫تحديد مدة معينة للبقاء‪ ،‬واعتبار تقديم الطعام للضيف إذنًا له بالتناول‪ .‬وهذا العرف ينزل‬
‫‪ ‬‬

‫منزلة الصريح من األقوال‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫القسـم الثـاين‪ :‬العـرف القولـي‪ :‬هـو شـيوع اسـتعمال بعـض األلفـاظ أو الرتاكيـب‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫يف معنًـى؛ بحيـث يكـون هـو المتبـادر إلـى األذهـان عنـد اإلطلاق‪ ،‬مثـل‪ :‬تعارفهـم إطلاق‬
‫الولـد علـى الذكـر دون األنثـى‪ ،‬وتعارفهـم علـى أن ال يطلقـوا لفـظ اللحـم علـى السـمك‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وإطالق اسم الدابة على ذوات األربع من الحيوان‪.‬‬


‫‪‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬من حيث جهة صدوره إىل قسمني‪:‬‬


‫قديما أو حدي ًثا‪،‬‬
‫ً‬ ‫القسم األول‪ :‬العرف العام‪ ،‬وهو‪ :‬ما تعارفه عامة أهل البالد‬
‫سواء كان فعل ًّيا أو قول ًّيا‪ ،‬مثل‪ :‬عقد االستصناع‪ ،‬ودخول الحمام بدون تعيين زمن المكث‬
‫وقدر الماء‪ ،‬وبيوع المعاطاة‪ ،‬ودخول المباين الحكومية يف فرتة الدوام من دون استئذان‪.‬‬
‫وحكم هذا العرف‪ :‬أنه يثبت به حكم عام‪ ،‬أي يف حق العموم‪ ،‬يرتك به القياس‪،‬‬
‫ويخص به األثر‪.‬‬
‫‪225‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القسم الثاين‪ :‬العرف الخاص‪ ،‬وهو‪ :‬ما تعامله بعض المسلمين أو فئة من الناس‬
‫دون أخرى‪ .‬مثل‪ :‬إطالق لفظ الدابة على الحمار عند بعض الناس‪ ،‬وكيفية القبض‪ ،‬وما‬
‫يعد عي ًبا ُي َر ُّد به المبيع ونحو ذلك‪.‬‬
‫االعتبار الثالث‪ :‬من حيث موافقته للشرع إىل قسمني‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬العرف الصحيح‪ :‬هو ما لم يخالف قواعد الشريعة‪ ،‬وإن لم يرد نص‬
‫خاص يف موضعه‪ ،‬كتعارف الناس على عقد االستصناع‪ ،‬وتعارفهم تقسيم المهر إلى‬

‫‪   ‬‬


‫ف إلى زوجها إال إذا قبضت جز ًءا من مهرها‪،‬‬ ‫مقدم ومؤخر‪ ،‬وتعارفهم أن الزوجة ال ُت َز ُّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وتعارفهم أن ما يقدمه الخاطب إلى خطيبته من حلي وثياب هو هدية ال من المهر‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬العرف الفاسد‪ :‬هو ما تعارفه الناس‪ ،‬ولكنه يخالف الشرع أو يجلب‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الضر‪ ،‬مثل‪ :‬تعارف الناس أكل الربا‪ ،‬وعقود المقامرة‪ ،‬وقضايا الثأر يف الدم‪ ،‬وعضل المرأة‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومنع تزويجها من األكفاء بحجة حبسها على ابن عمها وغير ذلك‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬حجية العرف‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫شطر‬ ‫العرف معت َبر لدى الفقهاء على اختالف مذاهبهم‪ ،‬وقد جعلوه ً‬
‫أصاًل ُيبنى عليه ٌ‬
‫‪    ‬‬

‫عظيم من أحكام الفقه‪ ،‬ولكن حجيته ليست مطلقة‪ ،‬بل هي مقيدة بشروط سيأيت ذكرها‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن األدلة على حجيته واعتباره‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [األعراف‪،]199:‬‬


‫فكل ما شهدت به العادة قضي به لظاهر اآلية‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [البقرة‪]233:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫اعتبارا بحال الزوجين يف‬


‫ً‬ ‫أوجب اهلل تعالى على المولود له النفقة والكسوة تب ًعا للعرف؛‬
‫‪ ‬‬

‫اليسار واإلعسار‪ ،‬قال ابن العربي يف تفسيره لآلية‪( :‬وقد ب ّينا أنه ليس له تقدير شرعي‪،‬‬
‫‪‬‬

‫وإنما أحاله اهلل سبحانه على العادة‪ ،‬وهي دليل أصولي بنى اهلل عليه األحكام وربط به‬
‫‪‬‬

‫الحالل والحرام)(((‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬قول النبي ﷺ لهند زوجة أبي سفيان حين شكت إليه بخله بالنفقة‪:‬‬
‫«خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»(((‪ .‬والمراد بالمعروف‪ :‬القدر المتعارف على أنه‬
‫يحقق الكفاية عادة‪.‬‬

‫((( أحكام القرآن البن العربي (‪.)289/4‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5364‬ومسلم (‪ )1714‬من حديث عائشة رصي اهلل عنها‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪226‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫الدليل الرابع‪ :‬ما رواه أبو هريرة ﭬ‪ ،‬عن النبي ﷺ أنه قال‪« :‬للمملوك طعامه‬
‫وكسوته بالمعروف‪ ،‬وال يكلف من العمل إال ما يطيق»(((‪ ،‬فجعل النبي ﷺ للمملوك‬
‫الطعام والكسوة على سيده بحسب ما تعارفه الناس على اختالف بلداهنم وأشخاصهم‪.‬‬
‫الدليل الخامس‪ :‬قول ابن مسعود ﭬ‪« :‬ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند اهلل‬
‫حسن»(((‪ ،‬ومعنى ذلك أن ما استحسنه المسلمون وتعارفوه مما ال يخالف الشرع يكون‬
‫أمرا حسنًا‪.‬‬
‫عند اهلل ً‬

‫‪   ‬‬


‫خامسا‪ :‬شروط اعتبار العرف‪:‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اشترط األصوليون العتبار العرف أربعة شروط‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫األول‏‪ :‬أن يكون العرف م ّطر ًدا أو غال ًبا‪ ،‬ومعنى اال ّطراد‏‪:‬‏ أن يكون العرف‬

‫‪   ‬‬


‫الشرط ّ‬ ‫ّ‬
‫‪    ‬‬
‫مستمرا بحيث ال يتخ ّلف يف جميع الحوادث‪ ،‬ومعنى الغلبة‏‪:‬‏ أن يكون العمل بالعرف‬
‫‪   ‬‬ ‫ًّ‬
‫‪    ‬‬

‫أن اال ّطراد أو الغلبة يجعل العرف مقطو ًعا بوجوده‪،‬‬ ‫كثيرا‪ ،‬وال يتخ ّلف ّإاّل ً‬
‫قلياًل؛ ذلك ّ‬ ‫ً‬
‫‪   ‬‬

‫يوطي‏ ‏‪( :‬إنّما تعترب العادة إذا ا ّطردت‪ ،‬فإذا اضطربت فال‏)(((‪.‬‬ ‫الس ّ‬ ‫قال ّ‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثال العرف المطرد‪ ،‬ما جرى عليه عمل بعض البلدان من تقسيم المهر يف‬
‫‪    ‬‬

‫ومؤجل؛ فإن ذلك الفعل صار عادة مطردة ال تتخلف يف تلك البلدان‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫معجل‬
‫النكاح إلى ّ‬
‫وال يخرجون عنه إال عند النص على خالفه‪ ،‬فهذا يعد عر ًفا م ّطر ًدا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وأما غلبة العرف فكاستعمال لفظ (الدابة) يف ذوات األربع؛ فإن غالب استعمال‬
‫الناس لهذا اللفظ يف ذلك المعنى‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫رعي؛ بمعنى أن ال يكون ما تعارف‬ ‫الش ّ‬ ‫ّص ّ‬ ‫الشرط الثاين‏ ‏‪ّ :‬أاّل يكون العرف مخال ًفا للن ّ‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬

‫وإاّل فال اعتبار للعرف؛ كما لو‬ ‫الشرع ّية المنصوص عليها‪ّ ،‬‬ ‫عليه النّاس مخال ًفا لألحكام ّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الربو ّية‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬


‫تعارف النّاس على شرب الخمر‪ ،‬أو تربّج النّساء‪ ،‬أو التّعامل بالعقود ّ‬
‫صرح العاقدان ً‬
‫مثاًل بخالف‬ ‫تصريح بخالفه‪ ،‬فإذا ّ‬‫ٌ‬ ‫العرف‬
‫َ‬ ‫ث‪:‬‏ ّأاّل يعارض‬
‫الشرط الثال ‏‬ ‫ّ‬
‫‪‬‬

‫العرف فال اعتبار للعرف؛ ّ‬


‫ألن من القواعد الفقه ّية أنّه ال عربة للدّ اللة يف مقابلة التّصريح‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)1662‬‬


‫((( أخرجه أحمد (‪ ،)3600‬والطرباين يف األوسط (‪ ،)3602‬والحاكم يف المستدرك (‪ ،)4465‬وقال‪:‬‬
‫(صحيح اإلسناد)‪ .‬وقال الهيثمي يف مجمع الزوائد (‪( :)178/1‬رجاله ُمو َّث ُق َ‬
‫ون)‪.‬‬
‫((( األشباه والنظائر للسيوطي (ص‪.)92‬‬
‫‪227‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ومثاله‪ :‬إذا دخل إنسان دار آخر بإذنه فوجد إنا ًء ُم َعدًّ ا للشرب فهو إذن بالشرب‬
‫داللة‪ ،‬فإذا أخذ ذلك اإلناء ليشرب منه فوقع من يده وانكسر‪ ،‬فهو غير ضامن‪ ،‬وأما لو‬
‫هناه صاحب البيت أو الدار عن الشرب منه‪ ،‬ثم أخذه ليشرب به فوقع وانكسر فإنه يضمن‬
‫قيمته؛ ألن التصريح بالنهي أبطل حكم اإلذن المستند إلى داللة الحال‪.‬‬
‫ّصرف؛ وذلك بأن يكون العرف‬ ‫قائما عند إنشاء الت ّ‬
‫الشرط الرابع‏ ‏‪ :‬أن يكون العرف ً‬ ‫ّ‬
‫بتصرف ‪-‬سواء كان قول ًّيا أو فعل ًّيا‪-‬‬
‫ّ‬ ‫كل من يقوم‬ ‫ألن ّ‬
‫ّصرف عند إنشائه؛ ّ‬‫ساب ًقا أو مقارنًا للت ّ‬

‫‪   ‬‬


‫ليصح الحمل على العرف القائم‪ ،‬فال عربة‬ ‫ّ‬ ‫يتصرف بحسب ما جرى به العرف‪،‬‬ ‫ّ‬ ‫إنّما‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ّصرف‏‪.‬‏‬‫بالعرف ال ّطارئ بعد الت ّ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ّ‬
‫المتأخر)(((‪.‬‬ ‫يوطي‏‪( :‬العرف ا ّلذي تحمل عليه األلفاظ إنّما هو المقارن ّ‬
‫السابق دون‬
‫‪     ‬‬ ‫الس ّ‬‫قال ّ‬

‫‪   ‬‬


‫ومثال ذلك‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [التوبة‪ ]60 :‬فإن العرف القديم‬


‫‪   ‬‬

‫يفسر قوله ﴿ﮯ ﮰ﴾ بالمسافر المنقطع‪ ،‬فلو طرأ عرف يخصص لفظ‪﴿ :‬ﮯ ﮰ﴾‬
‫‪    ‬‬

‫بمعنى آخر لم يقبل ذلك‪ ،‬ويقتصر يف مصرف الزكاة على ابن السبيل المتعارف عليه‬
‫‪    ‬‬

‫زمن النزول‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬مقاييس اللغة (‪ )281/4‬مادة (عرف)‪.‬‬


‫‪ -‬أحكام القرآن البن العربي (‪.)289/4‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬شرح النووي على مسلم (‪.)133/11‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬الفروق للقرافي (‪.)149/3‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬األشباه والنظائر للسيوطي (ص‪.)92‬‬


‫‪ -‬الفواكه العديدة فـي املسائل املفـيدة (‪.)135/1‬‬
‫‪ -‬نشر العرف البن عابدين (ص ‪.)18‬‬
‫‪ -‬العرف والعادة فـي رأي الفقهاء (ص‪.)8‬‬
‫‪ -‬قاعدة العادة حمكمة دراسة نظرية تأصيلية تطبيقية (ص‪.)33‬‬
‫‪ -‬العرف حجيته وأثره فـي فقه املعامالت املالية عند احلنابلة (‪.)93/1‬‬
‫‪ -‬القواعد الفقهية‪ ،‬إثراء املتون (ص‪.)٢٦٠-٢٥١‬‬

‫((( األشباه والنظائر للسيوطي (ص‪.)96‬‬


‫‪228‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫حقيقة سد الذرائع‬

‫السد لغة‪ :‬كل حاجز بين الشيئين يسمى سدًّ ا‪ ،‬ومنه المنع واإلغالق‪.‬‬
‫الذريعة لغة‪ :‬الوسيلة‪.‬‬
‫الذريعة من حيث االصطالح لها معنيان (عام وخاص)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬المعنى العام‪ :‬وهو الوسيلة إلى الشيء سواء كانت وسيلة إلى جائز‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أو محظور‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬المعنى الخاص‪( :‬ما ظاهره مباح‪ ،‬ويتوصل به إلى محرم)‪ (((،‬وهو االصطالح‬
‫‪    ‬‬
‫األشهر‪ ،‬وعليه أكثر العلماء‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وعلى هذا فالمراد بسد الذرائع على المعنى الخاص هو‪( :‬منع الجائز لئال يتوسل‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫به إلى الممنوع)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فقولهم‪( :‬منع)‪ :‬معناه‪ :‬أنه يقتضي عدم اإلذن يف إتيان الفعل‪ ،‬وال يقصد به هنا‬
‫‪    ‬‬

‫التحريم‪ ،‬ولكن مقتضاه وهو الكف عن الفعل‪.‬‬


‫قولهم‪( :‬الجائز)‪ :‬يخرج به بقية األحكام التكليفية المتعلقة بالفعل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫قولهـم‪( :‬لئلا يتوسـل بـه إلـى الممنـوع)‪ ،‬معنـاه‪ :‬يخـرج بـه مـا ال يتوسـل بـه إلـى‬
‫‪   ‬‬

‫فعل محرم‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وكما أن الذرائع تسد وتمنع أحيانًا‪ ،‬فإهنا تفتح ويؤذن هبا يف أحايين أخرى‪ ،‬ويعرب‬
‫‪ ‬‬

‫عنها بعض العلماء (بفتح الذرائع) يف مقابل (سد الذرائع)‪ ،‬وهذا التعبير جار على المعنى‬
‫‪‬‬

‫العام للذريعة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫قال القرايف‪( :‬اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها‪ ،‬وتكره وتندب‬
‫وتباح‪ ،‬فإن الذريعة هي الوسيلة‪ ،‬فكما أن وسيلة المحرم محرمة‪ ،‬فوسيلة الواجب‬
‫واجبة‪ ،‬كالسعي للجمعة والحج‪ ،‬وموارد األحكام على قسمين‪ :‬مقاصد؛ وهي‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)3831/8‬‬


‫((( الموافقات (‪.)564/3‬‬
‫‪229‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫المتضمنة للمصالح والمفاسد يف أنفسها‪ ،‬ووسائل؛ وهي الطرق المفضية إليها‪،‬‬


‫وحكمها حكم ما أفضت إليه‪ ،‬من تحريم وتحليل‪ ،‬غير أهنا أخفض رتبة من المقاصد‬
‫يف حكمها)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3833-3831/8‬‬
‫‪ -‬اإلشارة فـي أصول الفقه (ص‪.)319-314‬‬
‫‪ -‬الفروق للقرافي (‪.)34-32/2‬‬
‫‪ -‬اعتبار املآالت ومراعاة نتائج التصرفات (ص‪.)266-244‬‬
‫‪ -‬لسان العرب (‪ )207/3‬مادة (سدد)‪.‬‬

‫((( الفروق للقرايف (‪.)33/2‬‬


‫‪230‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫دليل سد الذرائع‬
‫أقسامه وحجية كل قسم‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أقسام الذرائع‪:‬‬
‫تنقسم الذرائع إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما كان إفضاؤه إلى المفسدة قط ًعا‪ ،‬كحفر اآلبار يف طرق المسلمين‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫فهذا متفق على وجوب سده والمنع منه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫نادرا‪ ،‬كالمنع من زراعة العنب خشية‬ ‫القسم الثاين‪ :‬ما كان إفضاؤه إلى المفسدة ً‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫الخمر‪ ،‬وكالمنع من المجاورة يف البيوت خشية الزنا‪ ،‬فهذا متفق على عدم منعه‪ ،‬وأنه‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ذريعة ال تسد‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬ما كان إفضاؤه إلى المفسدة مظنونًا ظنًّا غال ًبا‪ ،‬وهذا متفق على‬
‫‪   ‬‬

‫وجوب سده ومنعه‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫كثيرا ال غال ًبا(((‪ ،‬وهذا محل النزاع‪.‬‬


‫القسم الرابع‪ :‬ما كان إفضاؤه إلى المفسدة ً‬
‫‪    ‬‬

‫قال القرايف‪( :‬وأما الذرائع فقد أجمعت األمة على أهنا ثالثة أقسام‪ :‬أحدها‪:‬‬
‫معتربٌ إجما ًعا‪ ،‬كحفر اآلبار يف ُط ُرق المسلمين‪ ...‬وثانيها‪ :‬ملغى إجما ًعا‪ ،‬كزراعة العنب‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫فإنه ال يمنع خشية الخمر‪ ...‬وثالثها‪ :‬مختلف فيه‪ ،‬كبيوع اآلجال)(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫كثيرا ال غال ًبا على قولين‪:‬‬


‫اختلف األصوليون يف سد ما كان إفضاؤه إلى المفسدة ً‬
‫‪ ‬‬

‫القول األول‪ :‬وجوب سده ومنعه‪ ،‬وإليه ذهب المالكية والحنابلة‪.‬‬


‫‪‬‬

‫القول الثاين‪ :‬عدم وجوب سده ومنعه‪ ،‬وإليه ذهب الشافعية‪ ،‬وحكي عن الحنفية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دليل القول األول (وجوب السدِّ)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ‬
‫ﯗ ﯘ ﴾ [األنعام‪.]108 :‬‬

‫((( هذا التقسيم ذكره الرتكي يف أصول مذهب اإلمام أحمد (ص‪ )506‬نقاًلً عن‪ :‬الموافقات للشاطبي‪.‬‬
‫((( شرح تنقيح الفصول (‪)505/2‬‬
‫‪231‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وجه االستدالل‪ :‬أن اهلل منع المسلمين من سب آلهة الكفار مع أهنا تستحق‬
‫السب والشتم‪ ،‬ولكن منع من سبها حتى ال يسبوا اهلل‪ ،‬وهذا ظاهر يف سد الذريعة‬
‫المؤدية إلى المفسدة‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ﴾‬
‫[البقرة‪.]104 :‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬أن اهلل هنى المؤمنين أن يقولوا للرسول ﷺ راعنا؛ من ًعا لذريعة‬

‫‪   ‬‬


‫التشبه باليهود الذين كانوا يقولون للرسول ﷺ راعنًا‪ ،‬من الرعونة وهي الحمق والسفه‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والمسلمون يقصدون منها القصد الحسن‪ ،‬أي‪ :‬من المراعاة وهي اإلمهال‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫دليل القول الثاني (عدم وجوب السدِّ)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫الدليلاألول‪:‬أناألصليفالحكمعلىهذهالذرائع‪:‬الحملعلىاألصلمنصحةاإلذن‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وعليه فإنه ال يحرم شيء من هذه الذرائع حتى يرد دليل ينص على تحريمها ومنعها‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫كثيرا؛ كحد الخمر ً‬


‫مثاًل‪ ،‬فإنه‬ ‫نوقش‪ :‬بأن الشارع قد يشرع الحكم لعلة مع كون فواهتا ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مشروع للزجر‪ ،‬واالزدجار به قد يكثر وال يغلب‪ ،‬فاعتربنا الكثرة يف الحكم بما هو خالف‬
‫‪    ‬‬

‫األصل‪ ،‬فاألصل عصمة اإلنسان عن اإلضرار به وإيالمه‪ ،‬كما أن األصل يف مسألتنا اإلذن‪،‬‬
‫فخرج عن األصل هنالك لحكمة الزجر‪ ،‬وخرج عن األصل هنا من اإلباحة لحكمة سد‬
‫‪ ‬‬

‫الذريعة إلى الممنوع‪.‬‬


‫الدليل الثاين‪ :‬أن وقوع المفسدة هبذه الذرائع قائم على مجرد احتمال بين الوقوع‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وعدمه‪ ،‬وال قرينة ترجح أحد الجانبين على اآلخر‪ ،‬واحتمال القصد للمفسدة واإلضرار‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ال يقوم مقام القصد نفسه وال يقتضيه؛ لوجود العوارض من الغفلة وغيرها عن كوهنا‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫موجودة أو غير موجودة‪.‬‬


‫نوقش‪ :‬بأن هذا االحتمال أمر مظنون‪ ،‬والظن يف األحكام العملية يجري مجرى‬
‫‪‬‬

‫العلم فيها‪ ،‬فالظاهر جريانه هنا‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫يرى بعض أهل العلم أن العمل بسد الذرائع متفق عليه بين المذاهب يف الجملة‪،‬‬
‫وإنما الخالف فيما يصح أن يسمى ذريعة‪ ،‬وعلى هذا يكون الخالف يف المسألة لفظي‪ ،‬يقول‬
‫القرايف‪( :‬ينقل عن مذهبنا أن من خواصه اعتبار العوائد‪ ،‬والمصلحة المرسلة‪ ،‬وسد الذرائع‬
‫‪232‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫وليس كذلك‪ ...‬وحاصل القضية أنّا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا‪ ،‬ال أهنا خاصة بنا)(((‪،‬‬
‫خاصا‬
‫ًّ‬ ‫ويقول‪( :‬فنحن قلنا بسد هذه الذرائع ولم يقل هبا الشافعي‪ ،‬فليس سد الذرائع‬
‫بمالك ‪ ،$‬بل قال هبا هو أكثر من غيره وأصل سدها مجمع عليه)(((‪.‬‬
‫بينما يرى آخرون أن الخالف معنوي من حيث اعتبار دليل سد الذرائع‪ ،‬وقد أثمر‬
‫الخالف على هذا الرأي يف مسألة (وجوب سد الذريعة) خالفهم يف بعض المسائل الفقهية‪،‬‬
‫أشهرها على اإلطالق‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫مسألة‪( :‬حكم بيع العينة)‪ ،‬وهو أن يبيع سلعة بنسيئة ثم يشرتيها بأقل مما باعها به‪ ،‬فقد‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫اختلف فيها العلماء‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫فمن قال بوجوب سد الذرائع‪ ،‬ذهب إلى تحريم هذا البيع‪ ،‬وإن لم يقصد المكلف‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫التوصل إلى الربا لكثرة قصد الناس فيه إلى ذلك‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن قال بعدم وجوب سد الذرائع‪ ،‬لم ير تحريم هذه البيوع وال إبطالها؛‬
‫‪   ‬‬

‫وذلك بناء على أن العقد ال يبطل بشيء تقدمه أو تأخره‪ ،‬وال بكونه ذريعة إلى ما ال يحل‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)217-212/3‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3833-3831/8‬‬


‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)450-448‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر للسبكي (‪.)123-119/1‬‬
‫‪ -‬أصول مذهب اإلمام أمحد (ص‪.)542-497‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)95‬‬
‫‪ -‬مقاصد املكلفني عند األصوليني (‪.)554-477/1‬‬

‫((( شرح تنقيح الفصول (ص‪.)448‬‬


‫((( الفروق للقرايف (‪.)33/2‬‬
‫‪233‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الشبه املعاصرة املوجهة‬


‫لدليل سد الذرائع‪ ،‬واجلواب عنها‬
‫لما كان هذا الدليل طري ًقا حاز ًما يف الحفاظ على ِحمى األحكام الشرعية‪ ،‬وعقبة‬
‫عسيرة المنفذ لمن رام الوصول للباطل‪ ،‬تضجر منه أهل الهوى‪ ،‬وحاولوا القدح فيه بإثارة‬
‫الشبه يف منع االستدالل به‪ ،‬ومن أبرز ما ساقوه أربع شبهات‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫دلياًل‬
‫الشبهة األوىل‪ :‬أن االحتجاج بسد الذرائع ال دليل معتبر عليه؛ لذلك ال يكون ً‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫يف استنباط األحكام الشرعية‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والجواب عن هذه الشبهة‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أن دليل سد الذرائع دليل كلي يقيني ثبت باستقراء أدلة الكتاب والسنة يف جميع‬
‫‪    ‬‬

‫أبواب الشريعة‪ ،‬من عقائد وعبادات ومعامالت وغير ذلك‪ ،‬وقد سبق االستدالل عليه‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ونقل اإلجماع على العمل به‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫قال ابن القيم ‪ $‬يف االستدالل باستقراء الشريعة على سد الذرائع‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫(ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن اهلل تعالى ورسوله سدا الذرائع المفضية إلى‬
‫المحارم بتحريمها والنهي عنها)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الشبهة الثانية‪ :‬أن قاعدة سد الذرائع تلغي األصل الشرعي برفع الحرج‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫هذه الشبهة مبناها على أن العمل بسد الذرائع مخالف لألصل الشرعي وهو اإلذن‬
‫‪ ‬‬

‫واإلباحة المبني على رفع الحرج‪ ،‬فال يصح العمل به‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫والجواب‪ :‬أن اإلذن واإلباحة مبنيان على الرباءة األصلية؛ وهي عدم وجود دليل‬
‫صارف عن األصل‪ ،‬وقد ثبت العمل بسد الذرائع بأدلة قطعية ترفع هذا األصل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫وهـذه الشـبهة ال تبعـد عـن الشـبهة األولـى يف عـدم وجـود دليـل على العمل بسـد‬
‫الذرائـع‪ ،‬لكـن هنـا تصـور أصحاهبـا وجـود تعـارض بيـن أصـل اإلباحـة وسـد الذرائـع‪،‬‬
‫والصحيـح أنـه ال تعـارض مـع إمـكان الجمـع‪ ،‬وقـد ظهـر الجمـع بيـن األصـل والدليـل‪،‬‬
‫ووجهـه أن كل وسـيلة لم يـدل الدليـل الشـرعي علـى منعهـا وثبتـت منفعتهـا‪ ،‬فهـي علـى‬

‫((( أعالم الموقعين (‪.)109/3‬‬


‫‪234‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫أصـل اإلباحـة إال إذا أفضـت إلـى مضـرة تفـوق منفعتها فتمنـع لما فيها مـن الضرر‪ ،‬وهذا‬
‫هـو إعمـال دليـل سـد الذرائع‪.‬‬
‫وأما إن كان المراد أن العمل بسد الذرائع يوقع المكلفين يف حرج والشريعة جاءت‬
‫برفع الحرج فيجاب عن ذلك‪ :‬أن العمل بسد الذرائع أبعد عن الحرج من عدم العمل به‪،‬‬
‫وذلك لما يرتتب على العمل به من االطمئنان القلبي والراحة النفسية؛ مما يدفع عنه حرج‬
‫تأنيب الضمير والتفكير والخوف من نتائج ما فعل‪ ،‬ومن تردده يف صحة ما فعل‪ ،‬وذلك‬

‫‪   ‬‬


‫أدخل يف رفع الحرج منه يف غيره‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وأيضا أن الشريعة لما كانت مبنية على التيسير ورفع الحرج ورعاية مصالح العباد‬‫ً‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫كان المنع من الوسائل المفضية للمفسدة أقرب لرفع الحرج من عدم المنع منها‪ ،‬مما‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يوقع المكلف عند العمل هبذه الوسائل يف حرج الوقوع يف المفسدة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫قدحا يف‬
‫‪   ‬‬
‫وهذه الشبهة قد ترد على التوسع يف إعمال دليل سد الذرائع‪ ،‬فال تكون ً‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل‪ ،‬وإنما يف إعماله‪ ،‬ويعزى ذلك إلى تقصير البعض يف تحقيق ضوابط إعمال دليل‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫سد الذرائع‪ ،‬فينتفي إيراد الشبهة على أصل الدليل‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الشبهة الثالثة‪ :‬أن دليل سد الذرائع مخالف للعقل والمنطق‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫الجواب عن الشبهة‪:‬‬
‫أن هذا ادعاء ال دليل عليه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وأيضا يجاب عنها‪ :‬بالمنع‪ ،‬بل إن العمل بسد الذرائع هو المقتضي للحكمة وكمال‬ ‫ً‬
‫‪   ‬‬

‫العقل‪ ،‬ويف ذلك يقول ابن القيم ‪( :$‬فإذا حرم الرب تعالى شي ًئا وله طرق ووسائل‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقي ًقا لتحريمه‪ ،‬وتثبيتًا له‪ ،‬ومن ًعا أن يقرب ِح َماه‪،‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫نقضا للتحريم‪ ،‬وإغراء للنفوس به‪،‬‬ ‫ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك ً‬
‫‪‬‬

‫وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل اإلباء‪ ،‬بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك؛ فإن أحدهم‬
‫‪‬‬

‫إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء‪ ،‬ثم أباح لهم الطرق واألسباب والذرائع‬
‫متناقضا‪ ،‬ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده‪ ،‬وكذلك األطباء‬ ‫ً‬ ‫الموصلة إليه لعد‬
‫إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه‪ ،‬وإال فسد عليهم‬
‫ما يرومون إصالحه‪ ،‬فما الظن هبذه الشريعة الكاملة التي هي يف أعلى درجات الحكمة‬
‫والمصلحة والكمال؟)(((‪.‬‬

‫((( أعالم الموقعين (‪.)109/3‬‬


‫‪235‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الشبهة الرابعة‪ :‬أن دليل سد الذرائع فيه اتهام للنيات وحكم على القضايا بمجرد‬
‫التخمين الغيبي‪:‬‬
‫الجواب عن الشبهة‪:‬‬
‫أن هذا ال يقول به إال من جهل دليل سد الذرائع‪ ،‬فالعلماء وضعوا له ضوابط‬
‫وشرو ًطا حتى يتحقق العمل به ويصح‪ ،‬وسبق بيان تقرير العلماء يف الوسيلة التي يحكم‬
‫بمنعها سدًّ ا للذريعة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫أيضا ال يسلم‬
‫وإن كان قصد هؤالء أن العمل بسد الذرائع مبناه على الظنون‪ ،‬فهذا ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫على إطالقه‪ ،‬فالظن درجات والمراد هنا غالب الظن‪ ،‬وهذا مما تقرر االحتجاج به يف كثير‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫من األحكام الشرعية كالقياس ونحوه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)182-113/5‬‬
‫‪ -‬رفع احلرج فـي الشريعة اإلسالمية (ص‪.)130-115‬‬
‫‪ -‬سد الذرائع عند شيخ اإلسالم ابن تيمية (ص‪.)129-127‬‬
‫‪ -‬الشبهات املتعلقة باألدلة املختلف فيها واالجتهاد (ص‪.)169 -154‬‬

‫‪236‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫إبطال احليل‬

‫إبطال الحيل‪ :‬يعتربه أئمة الحنابلة هو بعينه سد الذرائع‪ ،‬والذريعة‪ :‬هي األفعال‪،‬‬
‫مباحا‬ ‫ً‬
‫‪-‬مثاًل‪ -‬عقدً ا ً‬ ‫أو األقوال التي ظاهرها مباح‪ ،‬ويتوصل بها إلى محرم‪ ،‬فيظهرون‬
‫وتوس ًاًل إلى فعل ما حرم اهلل تعالى‪ ،‬واستباحة محظوراته‪،‬‬
‫ُّ‬ ‫يريدون به محر ًما‪ ،‬مخادع ًة‬

‫‪   ‬‬


‫أو إسقاط واجب‪ ،‬أو دفع حق‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫قال اإلمام أحمد‪( :‬هذه الحيل التي وضعها هؤالء عمدوا إلى السنن فاحتالوا يف‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫نقضها‪ ،‬أتوا إلى الذي قيل لهم إنه حرام احتالوا فيه حتى أحلوه)(((‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫َ‬
‫‪    ‬‬
‫الحيل‪ ،‬وقد أنكر المتأخرون منهم على أبي الخطاب‬
‫‪   ‬‬ ‫ولذلك يبطل أئم ُة الحنابلة‬
‫‪    ‬‬

‫ومن تابعه ع ْقدَ باب يف كتاب الطالق يتضمن الحيلة على تخليص الحالف من يمينه يف‬
‫‪   ‬‬

‫بعض الصور‪ ،‬وجعلوه من باب الحيل الباطلة‪ ،‬وإن كان هو ومن تابعه يروهنا من الحيل‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المشروعة التي ال توصل إلى محرم‪.‬‬


‫و َمن َس َبر كتب أئمة المذاهب الفروعية علم بأن الجميع متفقون على إبطال‬
‫‪    ‬‬

‫كل ما حلل الحرام أو حرم الحالل من الحيل‪ ،‬غير أهنم قد يختلفون يف بعض الصور‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫يف توصيفها وتكييفها‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)34-32‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)214/3‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)437-434/4‬‬

‫((( صفة الفتوى (ص‪.)34‬‬


‫‪237‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫شبه أصحاب املدرسة العقلية احلديثة‬


‫فـيما ذهبوا إليه من تقديم العقل على النقل‬
‫عند التعارض ومناقشتها‬
‫المراد بالمدرسة العقلية الحديثة‪ :‬اتجاه فكري يغالي يف تحكيم العقل ويحاكم‬
‫النصوص الشرعية على وفقه(((‪.‬‬
‫ومنشأ ُش َبه أصحاب المدرسة العقلية الحديثة من تقديم العقل على النقل عند‬

‫‪   ‬‬


‫التعارض تدور حول أصلين اثنين‪ :‬الزعم بأن النقل ال يفيد القطع‪ ،‬وأن العقل أصل النقل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫األصل األول‪ :‬القول بأن األدلة النقلية ال تفيد القطع؛ بناء على أن األدلة النقلية‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫تدخلها االحتماالت كاالشتراك والمجاز والنقل ونحوه؛ فلذلك ال تفيد القطع‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والجواب على ذلك من ستة وجوه‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫الوجه األول‪ :‬المنع؛ أي‪ :‬عدم التسليم بأن القطع يف األدلة السمعية متوقف على‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القطع بنفي االحتماالت‪ ،‬وإنما القطع يف األدلة السمعية يتوقف على أمر واحد وهو‬
‫‪    ‬‬

‫الطريق الذي يعرف به مراد الشارع‪ ،‬وقد عرف العلماء الذين ورثوا النبي ﷺ مراده‪ ،‬فعرف‬
‫الصحابة المراد من األلفاظ الشرعية التي نقلوها عن النبي ﷺ‪ ،‬ثم تناقلته األجيال خل ًفا‬
‫‪ ‬‬

‫عن سلف‪ ،‬فوقعت عناية المسلمين بمعاين الكتاب والسنة كما وقعت عنايتهم بألفاظهما‪،‬‬
‫وليست اللغة وحدها وفهمها هي المعول عليه يف ذلك حتى تتطرق االحتماالت إلى‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ألفاظ الكتاب والسنة‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن االحتمال المجرد عما يعضده ال يؤثر يف قطعية الدليل عمو ًما‪ ،‬بل‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫يبقى قطع ًّيا‪ ،‬فكذلك ال يؤثر يف األدلة النقلية‪.‬‬


‫الوجه الثالث‪ :‬أن هذا مخالف لحجة اهلل التي أقامها على الناس‪ ،‬فحين ال يكون‬
‫‪‬‬

‫قائما على القطع والجزم واليقين فكيف يكون حجة هلل على عباده‪ ،‬وكيف يكون‬
‫كالم اهلل ً‬
‫إعذارا لهم‪.‬‬
‫ً‬
‫الوجه الرابع‪ :‬لو كانت النصوص ال تدل على القطع‪ ،‬فكيف عرف الناس أمور‬
‫اآلخرة وتفاصيل الحساب والبعث والجنة والنار؟ إذ كلها أمور خربية ال مدخل للعقل‬

‫((( التحسين والتقبيح العقليان وأثرهما يف مسائل أصول الفقه (‪.)12/3‬‬


‫‪238‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫فيها‪ ،‬فلو كانت ظنية فكيف وجد اليقين بمثل هذه األخبار‪ ،‬وهو مما يتفق الجميع على‬
‫اإليمان والجزم به؟‬
‫الوجه الخامس‪ :‬أن من يقصد باللفظ خالف ظاهره فهو ملبس ومدلس ال مبين‬
‫وال موضح‪ ،‬ومن تنزيه كالم اهلل تعالى أن يربأ عن مثل هذا‪.‬‬
‫الوجه السادس‪ :‬أن كون الدليل من األمور الظنية أو القطعية أمر نسبي ‪-‬يختلف‬

‫‪   ‬‬


‫باختالف المستدل‪ -‬ليس هو صفة للدليل يف نفسه‪ ،‬فهذا أمر ال ينازع فيه عاقل‪ ،‬فقد يكون‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ظني عند عمرو‪ ،‬فقولهم‪( :‬إن أخبار رسول اهلل ﷺ الصحيحة المتلقاة‬
‫قطع ًّيا عند زيد ما هو ٌّ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫عند األمة بالقبول ال تفيد العلم بل هي ظنية) هو إخبار عما هو عندهم؛ إذ لم يحصل لهم‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫من الطرق التي استفاد هبا أهل السنة ما حصل لهم‪ ،‬فقولهم‪( :‬لم نستفد هبا العلم) ال يلزم‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫منه النفي العام على ذلك‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األصل الثاني‪ :‬أن العقل أصل النقل‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫والجواب عن ذلك من وجهين‪:‬‬


‫الوجه األول‪ :‬ليست كل األدلة العقلية ً‬
‫أصاًل للنقل‪ ،‬وإنما الذي هو أصل للنقل دليل‬
‫‪ ‬‬

‫عقلي محدد‪ ،‬وهو الدليل الذي يحصل به اإليمان باهلل تعالى والتصديق بنبوة محمد ﷺ‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وأما ما سوى ذلك من األدلة العقلية فليس ً‬


‫أصاًل للنقل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬القول بأن بعض األدلة العقلية أصل للنقل ال يفيد أن العقل هو الذي‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أوجد النقل وأحدثه بعد أن لم يكن موجو ًدا‪ ،‬بل النقل موجود بإيجاد اهلل تعالى له‪ ،‬والعقل‬
‫‪‬‬

‫وهاد إليه‪ ،‬فحال العقل مع النقل كحال من يدل إنسانًا على طبيب‪ ،‬فليس‬‫ٍ‬ ‫إنما هو ٌّ‬
‫دال عليه‬
‫هو من أوجد الطبيب‪ ،‬وإنما هو مرشد إليه ودال عليه‪.‬‬
‫وهبذا يظهر بطالن األصول التي بنى عليها أصحاب المدرسة العقلية شبهتهم يف‬
‫تقديم العقل على النقل‪.‬‬

‫‪239‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أيضا أن يجاب عن الشبهة من جهة أخرى وهي عدم التسليم بتقديم العقل‬
‫ويمكن ً‬
‫على النقل‪ ،‬وذلك من ثالثة وجوه‪:‬‬
‫نقليا‪:‬‬
‫عقليا أم ًّ‬
‫الوجه األول‪ :‬أن املقدم عند التعارض هو الدليل القطعي‪ ،‬سواء كان ًّ‬
‫فالدليالن القطعيان ال يمكن تعارضهما‪ ،‬وإذا تعارض ظنيان فالمقدم هو الراجح‬
‫منهما‪ ،‬أما إذا تعارض قطعي وظني فالقطعي هو المقدم مطل ًقا‪ ،‬وإذا ُقدر أن العقلي هو‬
‫القطعي كان تقديمه لكونه قطع ًّيا‪ ،‬ال لكونه عقل ًّيا‪ ،‬وإنما حصل عند هؤالء تقديم العقل‬

‫‪   ‬‬


‫على النقل ألهنم اعتقدوا أن الدليل النقلي ال يكون إال ظن ًّيا‪ ،‬والدليل العقلي ال يكون إال‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫قطع ًّيا‪ ،‬وقد ظهر بطالن ذلك كما سبق‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الوجه الثاني‪ :‬لو ُقدر تعارض الشرع والعقل لوجب تقديم الشرع؛ ألسباب منها‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪-١‬أن العقل قد صدق الشرع‪ ،‬ومن ضرورة تصديقه له قبول خربه‪ ،‬والشرع لم‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫وإبطااًل‬ ‫قدحا يف العقل‬
‫يصدق العقل يف كل ما أخرب به؛ فكان تقديم العقل على الشرع ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫معارضا للشرع‪.‬‬
‫ً‬ ‫لداللته‪ ،‬وإذا بطلت داللته لم يصلح أن يكون‬
‫‪    ‬‬

‫‪-٢‬أن العقول ليست شي ًئا واحدً ا بينًا بنفسه‪ ،‬وليس عليها دليل معلوم للناس‪ ،‬بل فيها‬
‫‪    ‬‬

‫اختالف واضطراب بينهم؛ فإن ما يعلمه زيد بعقله قد ال يعلمه عمرو بعقله‪ ،‬وقد يعلم اإلنسان‬
‫بعقله يف وقت ما يجهله يف وقت آخر‪ ،‬أما الشرع فهو يف نفسه قول الصادق‪ ،‬وهذه صفة الزمة‬
‫‪ ‬‬

‫له ال تختلف باختالف الناس وأحوالهم‪ ،‬والعلم به ممكن؛ فوجب تقديمه على العقل‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬أن تقديم العقل على الشرع يلزم منه أمور منها‪:‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫األمر األول‪ :‬الحيرة والشك والشبهة‪ ،‬فمن قدم عقله على الشرع المعصوم ال تجده‬
‫‪ ‬‬

‫متناقضا يقول ً‬
‫قواًل ويقول ما يناقضه‪.‬‬ ‫ً‬ ‫حائرا شاكًّا؛ لعدم تصديقه بالحق‪ ،‬أو‬
‫إال ً‬
‫‪‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬ضعف الثقة بالشرع‪ ،‬والطعن يف الرسالة‪ ،‬والتشكيك فيما أخرب به‬
‫‪‬‬

‫النبي ﷺ‪ ،‬فحقيقة من يقول بجواز أن يأيت الشرع المعصوم بما يعارض العقل ويجب‬
‫تقديم العقل عليه‪ :‬أن ال يحتج بالقرآن والسنة على شيء من المسائل‪ ،‬وال يستفيد‬
‫التصديق الجازم بشيء منها‪.‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬اإلخالل بحقيقة اإلسالم التي تقتضي االستسالم لشرع اهلل واالنقياد‬
‫ألوامره‪ ،‬وفيه مخالفة لمنهج الصحابة والسلف الصالح يف تعظيم النص الشرعي والتسليم‬

‫‪240‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫التام له؛ لكونه ال يرد بما يخالف العقل الصريح الصحيح‪ ،‬قال ابن السمعاين‪« :‬وإنما علينا‬
‫تسليما واستسال ًما»(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫أن نقبل ما عقلناه إيمانًا وتصدي ًقا‪ ،‬وما لم نعقله قبلناه‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫وهبذا يتبين لنا أن مبدأ االنحراف من تقديم الرأي على النص‪ ،‬وأن المعقوالت التي‬
‫يدّ عيها الناس ليس لها ضابط‪ ،‬بل عقل الشخص الواحد يعرتيه من الشكوك والشبهات‬
‫ً‬
‫مجهواًل‪،‬‬ ‫ً‬
‫معقواًل‪ ،‬ويظن المعقول‬ ‫يحرفه عن صوابه‪ ،‬فيظن ما ليس بمعقول‬‫واألهواء ما ّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫فكل ما عارض الشرع من العقليات فهو خيال وأوهام‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فتقديم العقل على النقل مطل ًقا منهج ورثه أهل الكالم عن سلفهم من الشياطين‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والفالسفة والمشركين‪ ،‬وإال فصحابة رسول اهلل ﷺ لم يعارضوا الشرع بعقولهم‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫ولم يكن فيهم من يقول بتقديم العقل على النص عند التعارض‪ ،‬بل إذا حصل عندهم‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫معارضا لعقولهم‪ ،‬أو لما‬


‫ً‬ ‫تعارض ظاهر اهتموا أفهامهم وسألوا حتى يزول عنهم ما ظنوه‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫علموه من شرع رهبم‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬درء تعارض العقل والنقل (‪.)٢٨٣/٧( ،)١٩٢-١٧٢ ،٩١-٨٦/١‬‬


‫‪ -‬الصواعق املرسلة (‪.)١٠٦٥/٣‬‬
‫‪ -‬القطعية فـي األدلة األربعة (ص‪.)201-128‬‬
‫‪ -‬موقف املتكلمني من االستدالل بالكتاب والسنة (ص‪.)361 -107‬‬
‫‪ -‬التحسني والتقبيح العقليان وأثرهما يف مسائل أصول الفقه (‪.)40-7/3‬‬

‫((( نقله السيوطي يف صون المنطق والكالم (ص‪.)236‬‬


‫‪241‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫تعريف موجز ببعض األدلة األخرى‬


‫وبيان املوقف منها (إمجااًلً)‬
‫كاالستدالل بالتالزم‪ ،‬والتمانع‪ ،‬واالحتياط‪ ،‬ومراعاة الخالف‪ ،‬واإللهام‪ ،‬والرؤى‪،‬‬
‫واستفتاء القلب‬

‫الدليل األول‪ :‬االستدالل بالتالزم‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫هو االستدالل بوجود الملزوم على الالزم؛ ألنه ال ملزوم بال الزم؛ كقولنا‪ :‬إن كان‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫إنسانا فهو حيوان‪ ،‬لكنه إنسان فهو حيوان‪ .‬فورود الملزوم الذي هو اإلنسان يستلزم‬ ‫هذا ً‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وجود الالزم الذي هو الحيوان‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫وضابط الملزوم ما يحسن فيه لو‪ ،‬والالزم ما يحسن فيه الالم؛ كقوله تعالى‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫﴿ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األنبياء‪.]22:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل الثاني‪ :‬التمانع‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫هو دليل يشتهر استخدامه يف علم العقائد والكالم؛ حيث يقتضي أن العالم على‬
‫‪    ‬‬

‫تقدير الشريك ووجوده‪ ،‬يستحيل وجوده؛ لحصول التمانع‪ ،‬وقد أشير إليه يف قوله تعالى‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫﴿ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األنبياء‪.]22:‬‬
‫وتقريره باختصار‪ :‬أنه لو كان للعالم صانعان لكان ال يجري تدبيرهما على نظام‬
‫‪   ‬‬

‫وال يتفق على إحكام‪ ،‬ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما؛ وذلك ألنه لو أراد أحدهما‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫إحياء جسم وأراد اآلخر إماتته‪ .‬فإما أن تنفذ إرادهتما فيتناقض‪ ،‬وإما أن ال تنفذ إرادهتما‬
‫‪ ‬‬

‫عاجزا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فيؤدي إلى عجزهما‪ ،‬أو ال تنفذ إرادة أحدهما فيؤدي إلى عجزه‪ ،‬واإلله ال يكون‬
‫‪‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬االحتياط‪:‬‬


‫‪‬‬

‫وهو دليل ُيفزع إليه عند اشتباه حكم بين الجواز والمنع‪ ،‬أو تعارض دليلين‬
‫ولم يمكن الرتجيح بينهما‪ ،‬ونحو ذلك من مواطن االشتباه‪ ،‬واألخذ باالحتياط أصل‬
‫يف الشرع‪ ،‬حف ًظا للدين وإبراء للذمة‪ ،‬قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬االحتياط يف الفعل‬
‫فكالمجمع على حسنه بين العقالء يف الجملة)(((‪.‬‬

‫((( رفع المالم عن األئمة األعالم (ص‪.)52‬‬


‫‪242‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫ولذلك قدَّ م األصوليون الحاظر على المبيح‪ ،‬ونص الفقهاء يف باب الربا على أن‪:‬‬
‫الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل‪ ،‬والشك يف أداء العبادة كتحقق عدمها ‪ ..‬إلى آخر هذه‬
‫األحكام والقواعد األصولية والفروعية‪.‬‬

‫الدليل الرابع‪ :‬مراعاة الخالف‪:‬‬


‫فعند وجود خالف يف مسألة يسوغ فيها الخالف‪ ،‬يستحب أن يخرج المكلف من‬

‫‪   ‬‬


‫الخالف بفعل ما هو َأحوط لدينه‪ ،‬فمراعاة الخالف هي‪( :‬العمل بدليل المخالف يف‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫المسألة من المذاهب الفقهية المعتربة بما ال يبطل دليل المستدل بالكلية؛ وذلك لرجحان‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الدليل المراعى وقوته)(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وقد اشترط العلماء ثالثة شروط لمراعاة الخالف‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ٍ‬
‫‪    ‬‬

‫خالف آخر‪.‬‬ ‫الشرط األول‪ :‬أال توقع مراعاته يف‬


‫‪   ‬‬

‫الشرط الثاين‪ :‬أال يخالف سن ًة ثابتةً‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يقوى مدركه بحيث ال ُي َعدُّ هفوةً؛ فحينئذ ال تجوز مراعاته‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل اخلامس‪ :‬اإلهلام‪:‬‬


‫وهو ما حرك القلب بعلم يطمئن القلب إلى العمل به من غير استدالل بآية وال نظر‬
‫‪ ‬‬

‫يف حجة‪ ،‬ويف حجيته قوالن يف مذهب أحمد حكاهما القاضي أبو يعلى‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫قال الدبوسي‪( :‬قال جمهور العلماء‪ :‬إنه خيال ال يجوز العمل به إال عند فقد‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الحجج كلها يف باب ما أبيح عمله بغير علم)(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الدليل السادس‪ :‬الرؤيا‪:‬‬


‫َ‬
‫رسول اهلل ﷺ يأمره بأمر‪ ،‬وال يجوز‬ ‫وهو أن يرى اإلنسان يف منامه رؤيا‪ ،‬كأن يرى‬
‫‪‬‬

‫االحتجاج بذلك يف إثبات حكم شرعي؛ ألن األحكام ال تثبت بالمنام إال يف حق األنبياء‪،‬‬
‫أو بتقريرهم‪.‬‬

‫((( القواعد الفقهية وتطبيقاهتا يف المذاهب الفقهية األربعة (‪.)673/1‬‬


‫((( تقويم األدلة (ص‪.)392‬‬
‫‪243‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الدليل السابع‪ :‬استفتاء القلب‪:‬‬


‫ومعناه الرجوع إلى ما يميل إليه قلب اإلنسان‪ ،‬وهو يشبه اإللهام‪ ،‬بل يذكرونه عند‬
‫كالمهم عن اإللهام‪ ،‬وله أحكامه‪.‬‬
‫الشرع الشيء‪ ،‬أما حيث‬
‫ُ‬ ‫وقد ق ّيده من َذكَره من األصوليين بأنه يكون حيث أباح‬
‫حرم فيجب االمتناع‪ ،‬وكذلك ذكروا أنه مختص بقلب العالم الصالح ال بقلب كل أحد‪،‬‬
‫موسوسا أو فاسدً ا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فقد يكون‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)95/2‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬تقويم األدلة (ص‪.)399-392‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)28-27‬‬


‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)478‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬رفع املالم عن األئمة األعالم (ص‪.)52‬‬


‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)254-250/3‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)118-113/8‬‬
‫‪ -‬األشباه والنظائر للسيوطي (ص‪.)138-136‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)707 -706 ،205-204/4‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)174-172/2‬‬
‫‪ -‬موسوعة القواعد الفقهية (‪.)279-278/3‬‬
‫‪ -‬القواعد الفقهية وتطبيقاتها فـي املذاهب الفقهية األربعة (‪.)673/1‬‬

‫‪244‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫دليل االستقراء‬
‫(حقيقته ‪ -‬أقسامه ‪ -‬حجيته)‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حقيقة دليل االستقراء‪:‬‬
‫عرفه ابن قدامة بأنه‪( :‬عبارة عن تصفح أمور جزئية ليحكم بحكمها على مثلها)(((‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أقسام االستقراء‪ :‬ينقسم االستقراء إىل قسمني (تام وناقص)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫القسم األول‪ :‬االستقراء التام‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ً‬
‫شاماًل لجميع الجزئيات‪ ،‬ولذلك يفيد اليقين عند جماهير‬ ‫وفيه يكون االستقراء‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫العلماء‪ ،‬ويصلح أن يكون مقدمة من مقدمات الربهان‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫ومثاله‪ :‬كل صالة؛ فإما أن تكون مفروضة أو نافلة‪ ،‬وأيهما كان فال بد وأن تكون‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مع الطهارة‪ ،‬فكل صالة ال بد وأن تكون مع طهارة‪ ،‬فال شك أن هذا استقراء تام‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫حيث ال ينخرم منه صالة واحدة‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫لكن هذا النوع من االستقراء نادر الوجود‪ ،‬لصعوبة اإلحاطة بكل الجزئيات يف كثير‬
‫من األمور‪ ،‬إال ما كان مما ورد يف نصوص الشرع‪ ،‬أو كان من البدهيات والضروريات‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬االستقراء الناقص‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫ويسمى يف اصطالح الفقهاء باألعم األغلب‪ ،‬وفيه يتم استقراء أكثر الجزئيات؛‬
‫لذلك اختلف فيه‪ ،‬واألكثرون على أنه يفيد الظن ال اليقين؛ لذلك ال يصلح أن يكون‬
‫‪   ‬‬

‫من مقدمات الربهان‪ ،‬كقولنا‪ :‬كل حيوان يحرك فكه األسفل‪ .‬فهذا مبني على أغلب‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫المشاهد كاإلنسان وهبيمة األنعام ونحو ذلك‪ ،‬وإال فقد ثبت أن بعض الحيوانات‬
‫َ‬ ‫الحيوان‬
‫‪ ‬‬

‫كالتمساح يحرك فكه األعلى‪.‬‬


‫‪‬‬

‫وهذا النوع هو األغلب واألشهر يف االستعمال لسهولة تحقيقه‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬حجية االستقراء‪:‬‬


‫اتفق العلماء على حجية االستقراء التام‪ ،‬ووجوب المصير إليه عند تحققه‪.‬‬
‫واختلفوا يف حجية االستقراء الناقص‪ ،‬فذهب جمهور األصوليين إلى حجية‬
‫االستقراء الناقص يف الجملة‪ ،‬قال القرايف‪( :‬وهذا الظن عندنا حجة وعند الفقهاء)(((‪.‬‬

‫((( روضة الناظر (‪.)47/1‬‬


‫((( انظر‪ :‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)448‬‬
‫‪245‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وقد ُبني خالفهم يف حجيته على ما يفيده االستقراء الناقص‪ ،‬هل هو العلم‪ ،‬أم‬
‫الظن؟ على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن االستقراء الناقص يفيد الظن فقط‪ ،‬وهو قول جمهور األصوليين‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن االستقراء الناقص يفيد الظن‪ ،‬إال إذا كانت علته ثابتة بالقطع أو‬
‫كثرت قرائنه‪ ،‬فإنه يفيد القطع‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن االستقراء الناقص ال يصل إلى حد الظن من األصل إال بانضمام‬

‫‪   ‬‬


‫دليل إليه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫دليل القول األول (إفادة الظن)‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫أن الجزء الذي لم ينحصر من خالل االستقراء قد يكون مخال ًفا لسائر الجزئيات‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫التي تم استقراؤها؛ ولذلك كان الحكم بالظنية أولى‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫صورا كثيرة داخلة تحت‬‫ً‬ ‫قال المرداوي‪( :‬والدليل على أنه يفيد الظن‪ :‬أنا إذا وجدنا‬
‫‪   ‬‬

‫نوع‪ ،‬واشرتكت يف حكم‪ ،‬ولم نر شي ًئا مما ُيعلم أنه منها خرج عن ذلك الحكم ‪-‬أفادتنا‬
‫‪    ‬‬

‫تلك الكثرة قط ًعا ظن الحكم)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثاني (أنه يفيد الظن‪ ،‬إال مع القرائن فيفيد القطع)‪:‬‬
‫تأثيرا يف نقل الحكم من الظنية للقطعية؛ كما لو كثرت القرائن حول‬‫أن للقرائن ً‬
‫‪ ‬‬

‫حكم ثبت عن طريق اآلحاد‪ ،‬فإن احتفافه بقرائن كثيرة ينقله إلفادة القطع‪.‬‬
‫دليل القول الثالث (ال يفيد الظن إال بانضمام دليل)‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أن االستقراء إذا لم يصل إلى كونه تا ًّما فإن الحكم باستغراق أغلب الجزئيات حكم‬
‫‪ ‬‬

‫قاصر؛ إذ قد يكون ما لم يستقرأ فيه نقض لما أفضى إليه االستقراء الناقص من حكم‪ ،‬قال‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الرازي‪( :‬األظهر أنه ال يفيد الظن إال بدليل منفصل‪ ،‬ثم بتقدير الحصول يكون حجة)(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫راب ًعأ‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف إفادة االستقراء الناقص للظن خال ًفا يف‬
‫بعض المسائل الفقهية منها ما يأيت‪:‬‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)3790/8‬‬


‫((( انظر‪ :‬التحبير (‪.)3790/8‬‬
‫‪246‬‬
‫املختلف فيهَا‬
‫ِ‬ ‫الث‪ :‬بيان األصول‬ ‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬

‫مسألة‪ :‬حكم الوتر‪:‬‬


‫فقد ذهب جمهور الفقهاء ‪-‬خال ًفا للحنفية‪ -‬إلى أن الوتر ليس بواجب‪ ،‬واستدلوا‪،‬‬
‫باالستقراء على ذلك‪:‬‬
‫فقالوا‪( :‬صالة الوتر تؤدى على الراحلة)‪ ،‬وهذه مقدمة مجمع عليها‪.‬‬
‫ثم قالوا‪( :‬ال شيء من الواجبات يؤدى على الراحلة)‪ ،‬وتمسكوا يف هذه المقدمة‬
‫باستقراء الواجبات من الصلوات أدا ًء وقضا ًء‪ ،‬وأهنم وجدوها ال ُتفعل على الراحلة‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وهذا االستقراء ناقص‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فتحصل عندهم‪( :‬أن الوتر ليس بواجب)‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)41‬‬
‫‪ -‬الفائ��ق فـ��ي أص��ول الفقه (‪.)456-455/2‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)8-6/ 8‬‬
‫‪ -‬تشنيف املسامع (‪.)417-416/ 3‬‬
‫‪ -‬التقرير والتحبري (‪.)65/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3796-3788/ 8‬‬
‫‪ -‬املهذب فـي علم أصول الفقه املقارن (‪.)1028-1025/ 3( )110-109/ 1‬‬

‫‪247‬‬
‫ابع‪:‬‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬
‫تقاسيم األمسا ِء‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫املراد باللغات‬

‫املراد باللغات‪:‬‬
‫اللغات فـي اللغة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫جمع لغة‪ ،‬على وزن ُف ْعلة من الفعل (لغوت)‪ ،‬ومن معانيه‪ :‬اللهج بالشيء‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومنه قولهم‪ :‬لغى باألمر إذا ُلهج به‪ ،‬ومنه سميت اللغات هبذا االسم؛ ألنه يلهج هبا‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬
‫‪    ‬‬
‫ُع ِّر َف ْ‬
‫‪   ‬‬‫ت بتعريفات متقاربة عند اللغويين واألصوليين‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫• فمن تعريفاتها عند اللغويين أنها‪( :‬أصوات يعرب هبا كل قوم عن أغراضهم)(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ٍ‬
‫لمعان يعرب هبا كل قوم‬ ‫• ومن تعريفاتها عند األصوليين أنها‪( :‬ألفاظ وضعت‬
‫‪    ‬‬

‫عن أغراضهم)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬مقاييس اللغة (‪ )256-255/5‬مادة (لغو)‪.‬‬


‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)469-468/1‬‬
‫‪ -‬نهاية السول (‪.)12/2‬‬
‫‪ -‬االقرتاح فـي أصول النحو (ص‪.)25‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (‪.)50-49/1‬‬

‫((( الخصائص البن جني (‪.)34/1‬‬


‫((( شرح الكوكب المنير (‪.)102/1‬‬
‫‪251‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫تعريف اللفظ واملعنى‬

‫املراد باللفظ واملعنى‪:‬‬


‫لفظت كذا إذا رميته‪.‬‬
‫ُ‬ ‫اللفظ لغة‪ :‬الرمي؛ تقول‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫واصطالحا‪ :‬عرب عنه بأنه‪( :‬الصوت المعتمد على بعض مخارج الحروف)(((‪.‬‬‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وقيل‪( :‬هو كل ما ُحرك به اللسان)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وهما واحد عند التحقيق‪ ،‬فالصوت المعتمد على مخارج الحروف هو ما يتحرك‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫به اللسان‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهذا اللفظ الذي يتحرك به اللسان هو‪( :‬المفيد للمعنى عند التخاطب)(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ُ‬
‫تعريف المعنى‪:‬‬ ‫ويتبين من تعريف اللفظ‬
‫‪    ‬‬

‫أصاًل إنما ُو ِض َع ْت للتعبير‬


‫ً‬ ‫فالمعنى هو‪ :‬مدلول اللفظ ومحتواه‪ ،‬فاأللفاظ‬
‫‪    ‬‬

‫عن المعاين‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام البن حزم (‪.)46/1‬‬


‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)4‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)540/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)285/1‬‬

‫((( التحبير للمرداوي(‪.)285/1‬‬


‫((( اإلحكام يف أصول األحكام البن حزم (‪.)46/1‬‬
‫((( شرح تنقيح الفصول (ص‪.)4‬‬
‫‪252‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫سبب وضع اللغات‬

‫اللغات يتفاهم هبا الناس فيما بينهم‪ ،‬ويتعاطون هبا أمور حياهتم؛ حيث خلقهم اهلل‬
‫يحتاج بعضهم إلى بعض‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫سبب وضع اللغات‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ولما كانت احتياجات الناس حبيسة صدورهم‪ ،‬كانوا محتاجين إلى ما يعرب عن‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ذلك ويظهره‪ ،‬وذلك إما باللفظ‪ ،‬أو اإلشارة‪ ،‬أو الكتابة‪ ،‬أو المثال‪ ،‬أو نحوه‪ ،‬وبما أن اللفظ‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أكثر فائدةً؛ إذ يعرب عن الموجود والمعدوم‪ ،‬والغائب والحاضر‪ ،‬والحسي والمعنوي‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهو أخف وأيسر على النفس‪ ،‬كان مقد ًما على غيره من وسائل التعبير‪ ،‬وكلما اشتدت‬
‫‪    ‬‬

‫حاجة الناس للفظ كثر وجوده يف اللغة ووقوعه‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)48/1‬‬
‫‪ -‬الردود والنقود شرح خمتصر ابن احلاجب (‪.)204-203/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)282-281/1‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)102-100/1‬‬

‫‪253‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫عالقة اللغة العربية بالشريعة‬

‫للغة العربية عالقة وثيقة بالشريعة اإلسالمية‪ ،‬ويظهر ذلك من خالل‬


‫أمرين رئيسني‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫األمر األول‪ :‬توقف فهم الكتاب والسنة على اللغة العربية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫فاللغة العربية لغة الكتاب والسنة‪ ،‬ومِن َثم يتوقف فهمهما على معرفتها‪ ،‬والدراية‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫بأساليبها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫قال اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﴾ [يوسف‪﴿ ،]2:‬ﭞ ﭟ ﭠ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﭡ﴾ [النحل‪﴿ ،]103:‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [إبراهيم‪،]4:‬‬


‫‪   ‬‬

‫وغير ذلك من اآليات‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األمر الثاني‪ :‬أن األدلة الشرعية األخرى متوقفة على اللغة العربية كذلك‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫وذلك أن الكتاب والسنة أصل كل األدلة وهما عربيان‪ ،‬بل هما أفصح الكالم العربي‪.‬‬
‫ولذلك كانت اللغة العربية أحد أكرب مصادر استمداد علم أصول الفقه‪ ،‬وأحد‬
‫‪ ‬‬

‫شروط االجتهاد الالزم توافرها يف المجتهد‪ ،‬إلى غير ذلك من فروع العالقة بين اللغة‬
‫والشريعة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)156-155‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)280/1‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)209-208/2‬‬

‫‪254‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫املراد بدالالت األلفاظ‪ ،‬وبيان مناهج‬


‫العلماء فـي تقسيماتها‪،‬‬
‫والفرق بني منهج اجلمهور واحلنفـية‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬املراد بدالالت األلفاظ‪:‬‬
‫الدالالت فـي اللغة‪ :‬جمع داللة‪ ،‬والدّ اللة مثلثة الدال‪ ،‬وهي مصدر من الفعل‬
‫َّ‬
‫(دل)‪ ،‬ومادة الكلمة تأيت لمعان كثيرة‪ ،‬أقرهبا للمراد هنا‪:‬الهداية واإلرشاد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومن ذلك‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ﰃ ﰄ﴾ [سبأ‪ ،]14 :‬أي‪ :‬ما أرشدهم إلى موته‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫الداللة يف االصطالح‪ :‬كل أمر يفهم منه أمر سواه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫فاألمر األول‪ :‬دال‪ ،‬والثاين‪ :‬مدلول‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقيل‪( :‬كون الشيء يلزم من فهمه فهم شيء آخر)‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أقسام الداللة‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الداللة قسمان (لفظية ‪ -‬غري لفظية)‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫القسم األول‪ :‬الداللة اللفظية‪ :‬ما كان الدال فيها هو اللفظ‪ ،‬أو الصوت‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬الداللة غير اللفظية‪ :‬ما كان الدال فيها غير اللفظ‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وكل منهما يتنوع إىل ثالثة أنواع‪ :‬وضعية‪ ،‬وعقلية‪ ،‬وطبعية‪:‬‬


‫أواًل‪ :‬الداللة اللفظية الوضعية‪ :‬وهي‪ :‬داللة اللفظ الحاصلة من الوضع واالصطالح‪.‬‬‫ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫مثل‪ :‬داللة لفظ (المرأة) على أنثى اإلنسان‪ ،‬وداللة لفظ (األسد) على الحيوان‬
‫‪ ‬‬

‫المفرتس‪ ،‬وغيرها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الداللة اللفظية العقلية‪ :‬وهي‪ :‬داللة اللفظ على المعنى بواسطة العقل‪.‬‬
‫مثل‪ :‬داللة اللفظ على حياة الالفظ ووجوده‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الداللة اللفظية الطبعية‪ :‬وهي‪ :‬داللة اللفظ على المعنى بواسطة الطبع‪.‬‬
‫مثل‪ :‬داللة لفظ ( ُأف) على التضجر‪ ،‬وصوت السعال على المرض‪ ،‬ونحوها‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬الداللة غير اللفظية الوضعية‪ :‬وهي‪ :‬ما تواضع الناس عليه وليس بلفظ‪.‬‬
‫مثل‪ :‬وضع المحراب داللة على القبلة‪ ،‬وداللة تحريك الرأس لألعلى واألسفل‬
‫على الموافقة‪ ،‬وداللة إشارات المرور‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪255‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫خامسا‪ :‬الداللة غير اللفظية العقلية‪ :‬وهي‪ :‬ما دل عليه العقل بال لفظ‪.‬‬
‫ً‬
‫مثل‪ :‬داللة الدخان على النار‪ ،‬وعدم شق قميص يوسف دليل على أن الذئب‬
‫لم يأكله‪.‬‬
‫سادسا‪ :‬الداللة غير اللفظية الطبعية‪ :‬ما دل عليه الطبع بال لفظ‪.‬‬
‫ً‬
‫مثل‪ :‬حمرة الوجه دليل على الخجل‪ ،‬والصفرة على الوجل‪ ،‬واالبتسامة تدل على‬

‫‪   ‬‬


‫فرح اإلنسان‪ ،‬وغيرها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والمقصود عند األصوليين من هذه األنواع كلها‪ :‬الداللة اللفظية الوضعية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫عرف (داللة اللفظ بالوضع) باعتبار اللقب بأهنا‪( :‬كون اللفظ بحيث إذا ُأرسل‪:‬‬

‫‪‬‬
‫و ُت َّ‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ُفهم المعنى للعلم بوضعه)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬مناهج العلماء فـي تقسيمات دالالت األلفاظ‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫لألصوليين تقسيمات متعددة لدالالت األلفاظ باعتبارات مختلفة‪ ،‬أشهرها اعتباران‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫االعتبار األول‪ :‬تقسيم دالالت األلفاظ بالنظر إىل طرق الداللة على املعنى‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهي بحسب ذلك االعتبار تنقسم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬داللة المطابقة‪ ،‬وهي داللة اللفظ على تمام المعنى الموضوع له‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مثل‪ :‬داللة لفظ (األسد) على الحيوان المفرتس‪ ،‬وداللة لفظ (الصالة) يف الشرع‬
‫‪   ‬‬

‫على األقوال واألفعال المخصوصة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬داللة التضمن‪ ،‬وهي‪ :‬داللة اللفظ على جزء المعنى‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مثل‪ :‬داللة الصالة على السالم‪ ،‬وداللة القصيدة على بعض األبيات‪.‬‬
‫‪‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬داللة االلتزام‪ ،‬وهي‪ :‬داللة اللفظ على معنى خارج عن مسماه‬
‫‪‬‬

‫لكنه الزم له‪.‬‬


‫مثل‪ :‬داللة الصالة على الطهارة‪ ،‬وداللة الطالب على الكلية‪.‬‬

‫((( تيسير التحرير (‪.)80/1‬‬


‫‪256‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬تقسيمها بالنظر إىل وضع اللفظ للمعنى‪:‬‬


‫وقد اختلف التقسيم بحسب هذا االعتبار بين الجمهور وبين الحنفية‪:‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬منهج اجلمهور‪:‬‬
‫يتنوع اللفظ عندهم هبذا االعتبار إلى أنواع باعتبارات ثالثة‪:‬‬
‫األول‪ :‬باعتبار حقيقة المدلول‪ ،‬وهو هبذا ينقسم إلى قسمين‪ :‬أمر‪ ،‬وهني‪.‬‬
‫الثاين‪ :‬باعتبار الشمول االستغراقي وعدمه‪ ،‬وهو هبذا ينقسم إلى قسمين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫عام‪ ،‬وخاص‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الثالث‪ :‬باعتبار الشمول البدلي وعدمه‪ ،‬وهو هبذا ينقسم إلى قسمين‪ :‬مطلق ومقيد‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬منهج احلنفية‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ينقسم اللفظ عندهم هبذا االعتبار إلى أربعة أقسام‪ :‬خاص‪ ،‬وعام‪ ،‬ومشرتك‪ ،‬ومؤول‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ووجه حصر التقسيم فيها‪( :‬أن اللفظ إن دل على معنى واحد‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫فإما على االنفراد وهو الخاص‪،‬‬


‫‪    ‬‬

‫أو على االشرتاك بين األفراد وهو العام‪،‬‬


‫‪    ‬‬

‫وإن دل على معان متعددة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫فإن ترجح البعض على الباقي فهو المؤول وإال فهو المشرتك)(((‪.‬‬
‫االعتبار الثالث‪ :‬تقسيمها بالنظر إىل استعمال اللفظ فـي مسماه‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وهي بحسب ذلك االعتبار تنقسم إلى قسمين‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫القسم األول‪ :‬الداللة الحقيقية‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬الداللة المجازية‪.‬‬


‫‪‬‬

‫وجه حصر التقسيم فيهما‪:‬‬


‫أن اللفظ إما أن يستعمل يف معناه األصلي فهو حقيقة‪.‬‬
‫وإما أن يستعمل يف غير معناه األصلي فهو مجاز‪.‬‬

‫((( التلويح (‪ )55/1‬بتصرف يسير‪.‬‬


‫‪257‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫االعتبار الرابع‪ :‬تقسيم دالالت األلفاظ بالنظر إىل الظهور واخلفاء‪:‬‬


‫وقد اختلف التقسيم بحسب هذا االعتبار بين الجمهور وبين الحنفية‪:‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬منهج اجلمهور‪:‬‬
‫ينقسم اللفظ هبذا االعتبار عندهم إلى ثالثة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬النص‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫القسم الثاين‪ :‬الظاهر‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬المجمل‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وجه حصر التقسيم فيها‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أن اللفظ إما أن يدل على معنى واحد دون احتمال غيره فهو النص‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وإما أن يدل على أكثر من معنى‪ ،‬فال يخلو‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫إما أن يكون أحد تلك المعاين أرجح فهو الظاهر‪،‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وإما أن تتساوى المعاين فهو المجمل‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬منهج احلنفية‪:‬‬


‫ينقسم اللفظ هبذا االعتبار عندهم إلى قسمين‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم األول‪ :‬واضح الداللة‪ ،‬أو ظاهر الداللة‪ ،‬وهو أربعة أنواع‪:‬‬
‫المفسر‪.‬‬
‫َّ‬ ‫‪.2‬‬ ‫ ‬‫‪ .1‬المحكم‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ .4‬الظاهر‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ .3‬النص‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬غير واضح الداللة‪ ،‬أو خفي الداللة‪ ،‬وهو أربعة أنواع‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ .2‬المشكل‪.‬‬ ‫‪ .1‬الخفي‪ .‬‬


‫‪‬‬

‫‪ .4‬المتشابه‪.‬جمل‬ ‫ ‬‫‪ .3‬المجمل‪.‬‬


‫وجه حصر التقسيم يف هذه األنواع الثمانية‪( :‬أن اللفظ إن ظهر معناه؛ فإما أن‬
‫يحتمل التأويل‪ ،‬أو ال‪:‬‬
‫فإن احتمل‪ :‬فإن كان ظهور معناه لمجرد صيغته فهو الظاهر‪ ،‬وإال فهو النص‪.‬‬
‫وإن لم يحتمل‪ :‬فإن قبل النسخ فهو المفسر‪ ،‬وإن لم يقبل فهو المحكم‪.‬‬

‫‪258‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫وإن خفي معناه‪ :‬فإما أن يكون خفاؤه لغير الصيغة فهو الخفي‪ ،‬أو لنفسها‪:‬‬
‫فإن أمكن إدراكه بالتأمل فهو المشكل‪.‬‬
‫مرجوا فيه فهو المجمل‪ ،‬وإال فهو المتشابه)(((‪.‬‬
‫ًّ‬ ‫وإال فإن كان البيان‬

‫االعتبار اخلامس‪ :‬تقسيمها بالنظر إىل كيفية داللة اللفظ‪.‬‬


‫وقد اختلف التقسيم بحسب هذا االعتبار بين الجمهور وبين الحنفية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬منهج اجلمهور‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫لألصوليين من الجمهور طرق متعددة يف تقسيم دالالت األلفاظ هبذا االعتبار‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫لعل من أهمها ما يأيت‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الطريقة األوىل‪ :‬تقسيم دالالت األلفاظ إىل ثالثة أقسام‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫القسم األول‪ :‬داللة المنظوم‪ ،‬وتشمل‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ .2‬النهي‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ .1‬األمر‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ .4‬الخاص‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ .3‬العام‪.‬‬
‫‪ .6‬المبين‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ .5‬المجمل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ .8‬المؤول‪.‬‬ ‫‪ .7‬الظاهر‪ .‬‬


‫القسم الثاين‪ :‬داللة المفهوم أو الفحوى‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ .2‬داللة اإلشارة‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ .1‬داللة االقتضاء‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ .4‬مفهوم الموافقة‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ .3‬داللة اإليماء‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ .5‬مفهوم المخالفة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬داللة المعقول‪ ،‬ويراد هبا‪ :‬القياس‪.‬‬


‫فـ(اللفظ إما أن يدل على الحكم بصيغته ومنظومه‪ ،‬أو بفحواه ومفهومه‪ ،‬أو بمعناه‬
‫قياسا)(((‪.‬‬
‫ومعقوله‪ ،‬وهو االقتباس الذي يسمى ً‬

‫((( التلويح (‪ )55/1‬بتصرف يسير‪.‬‬


‫((( المستصفى (ص‪.)180‬‬
‫‪259‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الطريقة الثانية‪ :‬تقسيم دالالت األلفاظ إىل قسمني‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬داللة المنظوم‪ ،‬وتشمل‪:‬‬
‫‪ .2‬النهي‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ .1‬األمر‪.‬‬
‫‪ .4‬الخاص‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ .3‬العام‪.‬‬
‫‪ .6‬المقيد‪.‬‬ ‫ ‬‫‪ .5‬المطلق‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ .8‬المبين‪.‬‬ ‫ ‬
‫‪ .7‬المجمل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ .9‬الظاهر وتأويله‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫القسم الثاين‪ :‬داللة غير المنظوم‪ ،‬وتشمل‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ .2‬داللة اإليماء‪.‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ ‬
‫‪ .1‬داللة االقتضاء‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ .4‬المفهوم (الشامل لمفهومي الموافقة والمخالفة)‪.‬‬ ‫ ‬


‫‪ .3‬داللة اإلشارة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الطريقة الثالثة‪ :‬تقسيم دالالت األلفاظ إىل قسمني‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫القسم األول‪ :‬داللة المنطوق‪ ،‬وهي على نوعين‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫النوع األول‪ :‬منطوق صريح‪ ،‬وهو ما استعمل فيه داللة المطابقة والتضمن‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬منطوق غير صريح‪ ،‬وهو ما استعمل فيه داللة االلتزام‪ ،‬ويشمل‪:‬‬
‫داللة االقتضاء‪ ،‬واإليماء‪ ،‬واإلشارة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬داللة المفهوم‪ ،‬وتشمل‪ :‬مفهوم الموافقة‪ ،‬ومفهوم المخالفة‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬منهج احلنفـية‪:‬‬


‫‪‬‬

‫يقسم الحنفية طرق داللة األلفاظ على األحكام إلى أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪‬‬

‫القسم األول‪ :‬داللة عبارة النص‪ ،‬وهي توازي داللة المنطوق عند الجمهور‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬داللة إشارة النص‪ ،‬وهي توازي داللة اإلشارة عند الجمهور‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬داللة النص‪ ،‬وهي توازي مفهوم الموافقة عند الجمهور‪.‬‬
‫القسم الرابع‪ :‬داللة اقتضاء النص‪ ،‬وهي توازي داللة االقتضاء عند الجمهور‪.‬‬
‫ويعتربون ما عدا هذه األقسام من الدالالت الفاسدة‪.‬‬
‫‪260‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫وذكروا يف وجه حصر طرق الداللة يف هذه األقسام األربعة‪:‬‬


‫«ال يخلو من أن ُيستدل يف إثبات الحكم بالنظم أو غيره‪،‬‬
‫واألول‪ :‬إن كان مسو ًقا له فهو العبارة‪،‬‬
‫وإن لم يكن فهو اإلشارة‪،‬‬
‫والثاين‪ :‬إن كان مفهو ًما لغة فهو الداللة‪،‬‬
‫وإن كان مفهوما شر ًعا فهو االقتضاء‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وإن لم يكن مفهو ًما لغة وال شر ًعا فهي التمسكات الفاسدة) (((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)280 ،265-263 ،180‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)66/3( )130/2‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)30-26/1‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬بيان املختصر لألصفهاني (‪.)445-430/2( )155/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬التلويح (‪.)55/1‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)208 - 205/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)5/3( )129 -125/1‬‬


‫‪ -‬دالالت األلفاظ فـي مباحث األصوليني (‪.)38-17/1‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)405 - 374‬‬
‫‪ -‬الوجيز فـي أصول الفقه اإلسالمي‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)168-12/2‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (‪.)40-33/1‬‬
‫‪ -‬تعارض دالالت األلفاظ والرتجيح بينها (ص‪.)72-58‬‬

‫((( كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)28/1‬‬


‫‪261‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫فائدة معرفة أنواع احلقيقة‬

‫ملعرفة أنواع احلقيقة ثالث فوائد رئيسة‪:‬‬


‫الفائدة األوىل‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫أن يعلم أن الحقائق من حيث الثبوت مراتب؛ فمنها‪ :‬ما وقع االتفاق على إثباته‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫كالحقيقة اللغوية وال ُع ْرفية‪ ،‬ومنها ما ثبت مع االختالف فيه كالحقيقة الشرعية‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫الفائدة الثانية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫أن يحمل كل لفظ على اصطالح أهله‪ ،‬فإذا ورد اللفظ على لسان الشرع وكان‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫للشرع فيه اصطالح حمل على الحقيقة الشرعية‪ ،‬وإذا ورد اللفظ على لسان أهل العرف‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫وكان للعرف فيه اصطالح حمل على الحقيقة العرفية‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفائدة الثالثة‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫أن يعلم أن الحقيقة اللغوية هي األصل‪ ،‬والحقائق األخرى منبثقة عنها‪ ،‬فمتى‬
‫وردت اللفظة على لسان الشرع وال حقيقة شرعية خاصة هبا‪ ،‬فت ُْحمل على الحقيقة‬
‫‪ ‬‬

‫اللغوية‪ ،‬وكذا إذا وردت يف كالم الناس وال عرف للناس فيها‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)34-7/3‬‬
‫‪ -‬الردود والنقود شرح خمتصر ابن احلاجب (‪.)268-258/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)391-389/1‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)66-63/1‬‬

‫‪262‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫ما يرتتب على إثبات احلقيقة الشرعية‬


‫من مسائل أصولية وفروع فقهية‬
‫ب ّين ابن قدامة ماهية الحقيقة الشرعية‪ ،‬وأن اللفظ إذا ورد يف كالم الشرع حمل على‬
‫الحقيقة الشرعية؛ ألنه ﷺ ُبعث لبيان الشرعيات(((‪.‬‬
‫وقد أثمر الخالف يف اعتبار الحقيقة الشرعية خال ًفا يف بعض المسائل أصولية‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫والفقهية‪ ،‬ومنها ما يأيت‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬املسائل األصولية‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مسألة‪ :‬اجتماع الحقائق الشرعية والعرفية واللغوية‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فمن ذهب إلى أن األصل الحقيقة الشرعية قدّ مها على ما سواها؛ كابن الحاجب‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن ذهب إلى عدم تقديم الشرعية أو غيرها توقف حتى ظهور مب ِّين لوقوع اإلجمال‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن ذهب إلى التفريق بين السياق الواردة فيه قال‪ :‬إهنا إن وردت يف اإلثبات واألمر حملت‬
‫‪    ‬‬

‫على الشرعية‪ ،‬وإن وردت يف النهي حملت على اللغوية‪ ،‬واختاره اآلمدي‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬املسائل الفقهية‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫مسألة‪ :‬جواز عقد نية صوم النفل بالنهار استنبا ًطا من قوله ﷺ ‪-‬لما لم يجد طعا ًما‬
‫صائم»(((‪:‬‬
‫ٌ‬ ‫يف البيت‪« :-‬فإنّي إذن‬
‫‪   ‬‬

‫فإن من ذهب إلى تقديم الحقيقة الشرعية حال اإلثبات استدل بالحديث على‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الجواز؛ ألن لفظ (الصوم) محمول على حقيقته الشرعية لوروده يف حال اإلثبات‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومن ذهب إلى تقديم الحقيقة اللغوية لم يستدل بالحديث على جواز عقد نية صوم‬
‫‪‬‬

‫النفل بالنهار؛ لحمله لفظ (الصوم) يف الحديث على حقيقته اللغوية‪ ،‬وهو مطلق اإلمساك‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التمهيد فـي ختريج الفروع على األصول (ص‪.)236-228‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)33-12/3‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)66 -63/1‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)331-329/2‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ )1154‬من حديث عائشة ڤ‪.‬‬
‫‪263‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أقسام اجملاز‬

‫ينقسم اجملاز باعتبارين (جهة وضعه ‪ -‬العالقة)‪:‬‬


‫االعتبار األول‪ :‬جهة وضعه‪ ،‬فـينقسم إىل أربعة أقسام‪( :‬لغوي ‪ -‬شرعي ‪ -‬عرفـي عام ‪-‬‬

‫‪   ‬‬


‫عرفـي خاص)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫القسم األول‪ :‬مجاز لغوي‪ :‬كاستعمال األسد يف الرجل الشجاع‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬مجاز شرعي‪ :‬كاستعمال لفظ الصالة يف الدعاء‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬مجاز عريف عام‪ :‬كاستعمال لفظ الدابة يف مطلق ما دب‪ ،‬إذا تعارف‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫جميع الناس على هذا االستعمال‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬مجاز عريف خاص‪ :‬كاستعمال لفظ الجوهر يف النفيس‪ ،‬إذا تعارف‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بعض الناس على هذا االستعمال‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وجه التقسيم‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫لما تقرر أن الحقائق أربع‪ :‬لغوية‪ ،‬وشرعية‪ ،‬وعرفية عامة‪ ،‬وعرفية خاصة‪ ،‬كانت‬
‫‪ ‬‬

‫المجازات أرب ًعا كذلك؛ إذ كل معنى حقيقي يف وضع فهو مجاز بالنسبة إلى وضع آخر؛‬
‫ومجازا باعتبارين‪.‬‬
‫ً‬ ‫فيكون حقيقة‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫مجازا عرف ًيا؛ ألنه‬ ‫فلفظ الدابة إذا استعمل يف مطلق ما دب كان حقيقة لغوية‬
‫‪‬‬

‫ً‬
‫‪ ‬‬

‫استعمال يف غير ما وضع له باعتبار الوضع العريف‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫مجازا لغو ًّيا؛ ألنه استعمال يف غير ما‬


‫ً‬ ‫وإذا استعمل يف الحمار كان حقيقة عرفية‬
‫وضع له باعتبار الوضع اللغوي‪.‬‬
‫‪‬‬

‫مجازا شر ًعا؛ ألنه استعمال يف‬


‫ً‬ ‫ولفظ الصالة إذا استعمل يف الدعاء كان حقيقة لغوية‬
‫غير ما وضع له باعتبار الوضع الشرعي‪.‬‬
‫مجازا لغو ًيا‪ ،‬ألنه استعمال‬
‫ً‬ ‫وإن استعمل يف األفعال المخصوصة كان حقيقة شرعية‬
‫يف غير ما ُوضع له باعتبار الوضع اللغوي‪.‬‬

‫‪264‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬العالقة‪ ،‬وينقسم إىل قسمني‪( :‬االستعارة ‪-‬اجملاز املرسل)‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬مجاز االستعارة‪ :‬وهي ما كانت العالقة بين المعنى الحقيقي والمعنى‬
‫المجازي المشاهبة‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬قولك‪ :‬فالن يتكلم بالدرر‪ ،‬فالدرر حقيقة يف الآللئ‪ ،‬وال يمكن الكالم هبا‪،‬‬
‫التجوز هبا عن الكالم الفصيح الحسن‪ ،‬والعالقة بينهما الحسن يف الآللئ‬‫ُّ‬ ‫ولكن يصح‬
‫والكالم الفصيح‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫القسم الثاين‪ :‬المجاز المرسل‪ :‬وهو ما كانت العالقة بين المعنى الحقيقي والمعنى‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫المجازي غير المشاهبة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [البقرة‪ ،]19:‬فإنه ال يمكن‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أن تجعل كامل األصابع يف اآلذان‪ ،‬ولكن ع َّبر باألصابع‪ ،‬والمقصود جزؤها ‪-‬وهو‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تجوزا‪.‬‬
‫ً‬ ‫األنملة‪-‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)442-422/1‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)188-157/1‬‬
‫‪ -‬مباحث البيان عند األصوليني والبالغيني (ص‪.)50-48‬‬
‫‪ -‬دروس البالغة مع شرحها البن عثيمني (ص‪.)120-117‬‬

‫‪265‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫عالقات اجملاز‬

‫عالقات المجاز هي التي يشرتط وجودها ليمكن التجوز عن استعمال اللفظ يف‬
‫حقيقته‪ ،‬فيحمل على المجاز دون الحقيقة‪ ،‬وقد ذكر ابن قدامة بعضها(((‪ ،‬وفيما يلي‬
‫عرض لعشر عالقات لم يذكرها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫العالقة األوىل‪ :‬التجوز بالعلة عن املعلول‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫مثاله‪ :‬التجوز بلفظ اإلرادة عن المراد؛ ألهنا علته يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭶ‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [النساء‪ ،]150 :‬أي‪ :‬ويفرقون؛ بدليل أنه قوبل بقوله ‪:۵‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [النساء‪ ،]152 :‬ولم يقل‪ :‬ولم يريدوا أن يفرقوا‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وكذلك قول القائل‪ :‬رأيت اهلل يف كل شيء؛ ألن اهلل سبحانه وتعالى هو موجد كل‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫شيء وعلته‪ ،‬فأطلق لفظه عليه‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫العالقة الثانية‪ :‬التجوز بالالزم عن امللزوم‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫جدارا‪ ،‬ألن الجدار الزم له‪ ،‬وتسمية اإلنسان حيوانًا؛‬


‫ً‬ ‫مثاله‪ :‬تسمية السقف‬
‫‪ ‬‬

‫ألن الحيوان الزم له‪.‬‬

‫العالقة الثالثة‪ :‬التجوز بلفظ األثر عن املؤثر‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫مثاله‪ :‬تسميتهم م َلك الموت عليه السالم مو ًتا؛ ألن الموت أثر لعمله الذي ُأمر به‪،‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫وقول الشاعر يصف ظبية‪ :‬فإنما هي إقبال وإدبار‪ .‬ألن اإلقبال واإلدبار من أفعالها‪ ،‬وهي‬
‫‪‬‬

‫آثار لها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الحال فيه‪:‬‬
‫ّ‬
‫ِ‬ ‫العالقة الرابعة‪ :‬التجوزبلفظ املحل عن‬
‫كيسا يف قولهم‪( :‬هات الكيس)‪ ،‬والمراد‪ :‬المال الذي هو حال‬
‫مثاله‪ :‬تسمية المال ً‬
‫كأسا‪ ،‬أو زجاجة‪.‬‬
‫فيه‪ ،‬وكذلك تسمية الخمر ً‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)332-331/2‬‬


‫‪266‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫العالقة الخامسة‪ :‬تسمية ال�شيء باعتباروصف زائل‪:‬‬


‫أي‪ :‬كان به وزال عنه‪.‬‬
‫قائما به فزال‬
‫مثاله‪ :‬إطالق العبد على العتيق‪ ،‬باعتبار وصف العبودية الذي كان ً‬
‫عصيرا‪ ،‬والعصير عن ًبا باعتبار ما كان‪.‬‬
‫ً‬ ‫عنه‪ ،‬وكذا تسمية الخمر‬
‫العالقة السادسة‪ :‬تسمية الشيء باعتبار وصف يئول ويصري إليه‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫مثاله‪ :‬إطالق الخمر على العصير يف قوله سبحانه وتعالى‪ ﴿ :‬ﯜ ﯝﯞ ﯟ﴾‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫[يوسف‪.]36 :‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫العالقة السابعة‪ :‬إطالق ما بالقوة على ما بالفعل‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫مسكرا؛ ألن فيه قوة اإلسكار‪ ،‬وتسمية النطفة إنسانًا؛‬
‫‪   ‬‬ ‫ً‬
‫(((‬
‫مثاله‪ :‬تسمية الخمر يف الدن‬
‫‪    ‬‬

‫ألن اإلنسان فيه بالقوة‪ ،‬أي‪ :‬قابل لصيرورته إنسانًا‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫العالقة الثامنة‪ :‬التجوز بالنقص‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﮚ ﮛ﴾ [يوسف‪ ،]82:‬أي‪ :‬أهل القرية‪ ،‬وقوله ‪۵‬‬


‫‪    ‬‬

‫﴿ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ﴾ [البقرة‪ ،]93:‬أي‪ :‬حب العجل‪ ،‬وقوله ‪ ۵‬على لسان‬


‫امرأة العزيز ﴿ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [يوسف‪ ،]32:‬أي‪ :‬يف حبه أو يف مراودته‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫العالقة التاسعة‪ :‬تسمية الشيء باسم ضده‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫مثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ﴾ [الشورى‪ ،]40:‬وقوله‪﴿ :‬ﮎ ﮏ‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [البقرة‪ ،]194:‬حيث سمى الجزاء سيئة وعدوانًا‪ ،‬ويجوز أن يجعل‬


‫‪ ‬‬

‫من باب المجاز للمشاهبة؛ ألن جزاء السيئة يشبهها يف صورة الفعل‪ ،‬ويف كوهنا تسوء من‬
‫‪‬‬

‫وصلت إليه‪ ،‬وكذلك جزاء العدوان‪.‬‬


‫‪‬‬

‫العالقة العاشرة‪ :‬تسمية الجزء باسم الكل‪:‬‬


‫مثاله‪ :‬إطالق لفظ عام ويراد به خاص‪ ،‬نحو قوله ‪﴿ :۵‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ﴾‬
‫[آل عمران‪ ،]173 :‬والمراد واحد معين‪ ،‬وقولنا‪ :‬قام الرجال‪ ،‬والمراد بعضهم‪ ،‬ورأيت زيدً ا‪،‬‬
‫وإنما رأيت بعضه‪.‬‬

‫((( وهو الوعاء الذي يخمر فيه الشراب‪.‬‬


‫‪267‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫والتحقيق أن وجوه المجاز أكثر مما ُذكِر‪ ،‬وهي ناشئة عن تعدد أصناف العالقة‬
‫الرابطة بين محل المجاز والحقيقة‪ ،‬ويمكن القول بأن كل مسميين بينهما عالقة رابطة يجوز‬
‫التجوز باسم أحدهما عن اآلخر‪ ،‬سواء نقل ذلك التجوز الخاص عن العرب‪ ،‬أو لم ينقل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫عالقات أخرى للمجاز‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)531-507/1‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)90-67/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)421-393/1‬‬

‫‪268‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫أسباب العدول عن احلقيقة إىل اجملاز‬

‫من المقرر عند األصوليين أن األصل استعمال الكالم يف حقيقته‪ ،‬وأن المجاز خالف‬
‫األصل‪ ،‬وال يخالف هذا األصل إال ألسباب تدعو إليه‪ ،‬وأبرز تلك األسباب خمسة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫السبب األول‪ :‬التعظيم‪:‬‬
‫كقوله‪ :‬سالم على المجلس العالي‪ ،‬أبلغ من قولك‪ :‬سالم عليك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫السبب الثاني‪ :‬التحقري لذكر احلقيقة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫كقوله تعالى‪﴿ :‬ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [النساء‪ ]43:‬عدل بلفظ الغائط عن‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫المراد منه وهو الخارج من اإلنسان لبشاعة ذكره‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫السبب الثالث‪ :‬زيادة بيان حال املذكور‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫كقولك رأيت أسدً ا؛ فإنه أبلغ يف الداللة على الشجاعة لمن حكمت عليه يف قولك‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫رأيت إنسانًا كاألسد شجاعة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫السبب الرابع‪ :‬تفهيم املعقول فـي صورة احملسوس لتلطيف الكالم‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫كقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ [اإلسراء‪ ]24:‬المقصود‬


‫المبالغة يف التواضع واللين‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫السبب اخلامس‪ :‬أن يكون اللفظ الدال على الشيء باحلقيقة ً‬


‫ثقياًل على اللسان واللفظ‬
‫‪ ‬‬

‫اجملازي عذبًا‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫كلفظ الخنفقيق اسم للداهية‪ ،‬عدلوا عنه فقالوا‪ :‬الموت أو المصيبة‪.‬‬


‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)336-334/1‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)58-56/3‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)156-155/1‬‬

‫‪269‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أنواع القرائن الصارفة‬


‫من احلقيقة إىل اجملاز‬
‫ينقسم الكالم يف لغة العرب إلى عدة تقسيمات باختالف الحيثية ومورد القسمة‬
‫تقسيم‬
‫ٌ‬ ‫التي يقسم منها‪ ،‬ومن تلك التقسيمات تقسيم الكالم إلى حقيقة ومجاز‪ ،‬وهو‬
‫للكالم من حيث داللته على موضوعه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وال بد لكل مجاز من عالقة وقرينة‪ ،‬فالعالقة هي المجوزة لالستعمال‪ ،‬والقرينة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫هي الموجبة للحمل عليه‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول الشخص‪( :‬رأيت أسدً ا صاد ًعا بالحق)‪ ،‬فإن استعمال لفظ (األسد) هنا‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫شخصا شجا ًعا يجهر بالحق‪ ،‬وهو غير ما وضع له يف أصل‬
‫‪   ‬‬ ‫ً‬ ‫استعمال مجازي؛ ألنه أراد به‬
‫‪    ‬‬

‫مجازا‪،‬‬
‫ً‬ ‫اللغة‪ ،‬فإنه وضع للحيوان المفرتس المعروف‪ ،‬فلما استُعمل يف غير ذلك كان‬
‫‪   ‬‬

‫والعالقة هنا هي الشجاعة التي تجمع بين الشخص الصادع بالحق واألسد‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والقرينة الصارفة للفظ من الحقيقة إلى المجاز هي قوله‪( :‬صاد ًعا بالحق)؛‬
‫‪    ‬‬

‫فإن األسد ال شك أنه ال يصدع بشيء حيث إنه ال يتكلم؛ فدل على أن المراد غير الحقيقة‪.‬‬

‫أنواع القرائن‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫تعددت تقسيمات األصوليين للقرائن التي من شأهنا صرف اللفظ عن الحقيقة‬


‫إلى االستعمال المجازي‪ ،‬ويرجع ذلك التعدد إلى اختالف الحيثيات التي تشكل مورد‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫التقسيم‪ ،‬وهي يف حقيقتها متداخلة‪.‬‬


‫ويمكن تقسيم القرائن الصارفة للفظ من الحقيقة إلى المجاز باعتبارين‪ ،‬هما‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫(صفة الورود‪ ،‬وجهته)‪:‬‬


‫‪‬‬

‫االعتبار األول‪ :‬من حيث صفة ورود القرينة إىل قسمني (قرائن لفظية ‪-‬‬
‫قرائن حالية)‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬القرائن اللفظية‪:‬‬
‫وهي أن يذكر المتكلم عقيب ذلك الكالم ما يدل على أن المراد من الكالم األول‬
‫غير ما أشعر به ظاهره‪ ،‬يعني أن المتكلم قرن كالمه بأنه لم يقصد ما يفهم من ظاهر كالمه‪.‬‬

‫‪270‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫‪ -1‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮚ ﮛ﴾ [يوسف‪ ،]82:‬فلما علم امتناع سؤال األبنية‬
‫المجتمعة المسماة بالقرية‪ :‬علم أنه مجاز‪ ،‬والتقدير‪ :‬وأسأل أهل القرية‪.‬‬
‫‪ -2‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [ال ّطور‪ ،]16:‬فإنه تعالى قال قبلها‪:‬‬
‫﴿ﭘ﴾‪ ،‬وهذه قرينة لفظية مقارنة للكالم تدل على أن المراد باألمر‪﴿ :‬ﭙ﴾‬
‫ليس حقيقته من الصرب على العذاب‪ ،‬وإنما المراد به التسوية بين الصرب وعدمه‪ ،‬فهذه‬

‫‪   ‬‬


‫التصلية لكم سواء صربتم‪ ،‬أم ال‪ ،‬فالحالتان سواء‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -3‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [البقرة‪،]91:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫فإن قوله‪ ﴿ :‬ﮥ ﮦ﴾ يدل على أن هؤالء المخاطبين باآلية ليسوا هم من قتل األنبياء‪،‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وأن الفعل المضارع‪ ﴿ :‬ﮢ﴾ ال يراد به ظاهره‪ ،‬وإنما يراد به الزمن الماضي‪ ،‬وعرب‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بالمضارع المشعر باستمرار الجرم ألجل رضاهم به‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬القرائن احلالية‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهي‪( :‬هيئات مخصوصة قائمة بالمتكلم‪ ،‬دا ّلة على أن المراد ليس هو الحقيقة‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫بل المجاز)(((‪.‬‬
‫فالمراد أن القرينة الحالية ليست لف ًظا ُيستدل به على إرادة المتكلم من إطالقه‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وإنما هي إشارة أو هيئة أو غير ذلك من األمور التي ُيفهم منها إرادة المتكلم من حيث‬
‫الحقيقة أو المجاز؛ كحال المتكلم عند ورود الخطاب‪ ،‬أو عالقة المتكلم بالمخاطب‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أو زمان الخطاب ومكانه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومن أمثلتها‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -1‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ﴾‬


‫[اإلسراء‪ ،]64 :‬فإن اآلية تدل بظاهرها على أنه سبحانه وتعالى أوجب على إبليس اإلغواء‬
‫‪‬‬

‫حيث أمره بالمعصية‪ ،‬ولكن هذا اللفظ غير مراد به ظاهره‪ ،‬والقرينة الصارفة له عن‬
‫الوجوب هي قرينة حالية‪ ،‬وهي هنا معرفة حال المتكلم‪ ،‬وهو اهلل سبحانه وتعالى‪ ،‬وأنه‬
‫محال أن يأمر بمعصية‪ ،‬ففهم الكالم على هذا النحو‪ ،‬وأن المراد ليس المعنى الحقيقي بل‬
‫المجازي؛ وهو إقدار إبليس على ذلك الفعل‪.‬‬

‫((( المحصول للرازي (‪.)332/1‬‬


‫‪271‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ٍ‬
‫غائط‪،‬‬ ‫‪ -2‬قوله ﷺ‪« :‬إذا أتيتم الغائط فال تستقبلوا القبلة‪ ،‬وال تستدبروها ٍ‬
‫ببول وال‬
‫غربوا»(((‪.‬‬
‫شرقوا أو ّ‬
‫ولكن ّ‬
‫فإن ظاهر الحديث يدل على النهي عن استدبار القبلة أو استقبالها مطل ًقا‪ ،‬إال أن‬
‫كثيرا من الفقهاء ذهب إلى أن هذا النهي ليس على عمومه‪ ،‬وال يراد به ظاهره‪ ،‬وإنما هو‬ ‫ً‬
‫خاص باالستقبال أو االستدبار يف الفضاء فقط‪.‬‬
‫أما البنيان فال حرج يف االستقبال أو االستدبار فيه‪ ،‬وهو خروج عن حقيقة العموم‬

‫‪   ‬‬


‫إلى المجاز‪ ،‬والقرينة هنا هي قرينة حالية‪ ،‬وهي الزمان والمكان المتضمنان للخطاب‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ألناس لم يكن عندهم ُكنُف يف بيوهتم‪ ،‬وكان غالب قضاء حاجاهتم‬ ‫ٍ‬ ‫فإن النبي ﷺ قال ذلك‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫يف الصحراء‪ ،‬ولذلك فإن هذا يعد قرينة حالية على أن المراد الفضاء فقط دون البنيان‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫االعتبار الثاني‪ :‬من حيث جهة ورود القرينة إىل أربعة أقسام‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫(قرائن شرعية ‪ -‬قرائن عقلية ‪ -‬قرائن حسية ‪ -‬قرائن عرفـية)‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم األول‪ :‬القرائن الشرعية‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫وهي القرائن التي تمثل مان ًعا شرع ًّيا من حمل اللفظ على حقيقته‪ ،‬فتصرفه إلى‬
‫‪    ‬‬

‫المعنى المجازي‪.‬‬
‫ومن أمثلتها‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -1‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [ق‪ ،]16 :‬فظاهر اللفظ يدل على أنه‬
‫سبحانه وتعالى يف هذه الحالة يحل يف مكان انتزاع الروح من المتوىف؛ إال أن المعلوم من‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الشرع بالضرورة يمنع ذلك‪ ،‬ويمنع حمل اللفظ على حقيقته هنا‪ ،‬ويحمل على المجاز‬
‫‪ ‬‬

‫وهو أن مالئكته تعالى أقرب إلى اإلنسان من حبل وريده‪ ،‬والصارف هنا هو القرينة‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الشرعية؛ حيث دلت السنة يف أحاديث صحيحة على ذلك‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -2‬قولهم‪( :‬التوكيل بالخصومة)‪ ،‬فإن الخصومة بمعناها الحقيقي غير مراد هنا‪،‬‬
‫والقرينة الصارفة له عن المعنى الحقيقي قرينة شرعية؛ حيث إن نفس اللفظ قرينة مانعة‬
‫‪-‬إقرارا كان أو‬
‫ً‬ ‫شر ًعا عن إرادة حقيقة الخصومة‪ ،‬فهي هنا مجاز عن مطلق الجواب‬
‫إنكارا‪ -‬بطريق استعمال المقيد يف المطلق‪ ،‬أو الكل يف الجزء؛ بنا ًء على عموم الجواب‪.‬‬
‫ً‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)394‬ومسلم (‪ ،)264‬من حديث أبي أ ّيوب ﭬ‪ ،‬واللفظ لمسلم‪.‬‬
‫‪272‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫القسم الثاني‪ :‬القرائن العقلية‪:‬‬


‫وهي القرائن التي تمنع من حمل اللفظ على حقيقته لمانع عقلي‪ ،‬فيحمل على‬
‫المجاز من أجل تلك القرينة العقلية‪.‬‬
‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫‪ -‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﴾ [النساء‪ ،]23 :‬فإن ظاهر اآلية يدل‬
‫على تحريم األمهات بذاوهتن‪ ،‬يعني بأجسامهن وكل ما يتعلق هبن‪ ،‬فكأن لمس األم حرام‬

‫‪   ‬‬


‫ونحو ذلك مما يتعلق بالذات؛ إال أن العقل هنا يمنع من حمل اللفظ على تلك الحقيقة‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ويدل على أن المراد هو الزواج منها‪ ،‬والكالم بالمحذوف مجاز ال حقيقة‪ ،‬والقرينة الدالة‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫عليه هنا قرينة عقلية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫القسم الثالث‪ :‬القرائن احلسية‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهي القرائن التي تمنع من حمل اللفظ على حقيقته بدليل الحس‪ ،‬فإذا منع الحس‬
‫‪   ‬‬

‫من صرف اللفظ إلى الحقيقة وحمل على المجاز من أجلها فإهنا تكون قرينة حسية‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن أمثلتها‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -1‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾ [األحقاف‪ ،]25 :‬فظاهر اللفظ أن تلك‬


‫الريح دمرت كل شيء‪ ،‬ولكن الحس يأبى ذلك‪ ،‬ويمنع من حمل اللفظ على عمومه‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫فيحمل على استثناء األرض والجبال ونحو ذلك من األشياء التي لم تدمر‪ ،‬فهنا الحس‬
‫كان صار ًفا من الحقيقة إلى ذلك المجاز على القول بأن هذا العام المخصوص مجاز‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -2‬قول الشخص‪( :‬واهلل ال آكل من هذا الدقيق)‪ ،‬فإن ظاهر اللفظ وحقيقته يقتضي‬
‫‪ ‬‬

‫أنه لو أكل من الدقيق عينه فإنه يحنث‪ ،‬إال أن الحس يمنع من حمله على الحقيقة؛ فإن‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المحسوس والمشاهد أن اإلنسان ال يأكل الدقيق بعينه‪ ،‬ولكن من الخبز ونحوه‪ ،‬وذلك‬
‫قرينة تفضي إلى حمل اللفظ واليمين هنا على المجاز‪ ،‬فيحنث لو أكل من الخبز المصنوع‬
‫‪‬‬

‫من ذلك الدقيق ال من الدقيق نفسه‪.‬‬


‫القسم الرابع‪ :‬القرائن العرفـية‪:‬‬
‫وهي القرائن التي تصرف اللفظ من الحقيقة للمجاز لكون العرف يمنع من الحمل‬
‫على الحقيقة‪.‬‬

‫‪273‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ومن أمثلتها‪:‬‬
‫‪ -1‬قول الرجل المرأته التي أرادت الخروج إلى حاجة يف ساعة معينة‪:‬‬
‫خرجت ِ‬
‫فأنت طالق)‪.‬‬ ‫ِ‬ ‫(إن‬
‫فإن الحقيقة يف يمينه تتناول الخروج مطل ًقا‪ ،‬فمتى خرجت يف أي وقت أو أي يوم‬
‫بعد ذلك تكون طالقة‪ ،‬ولكن العرف هنا يمنع من حمل اللفظ على تلك الحقيقة؛ ألن‬
‫العرف يقتضي أنه أراد يف تلك الساعة التي حلف عليها فيها‪ ،‬وأنه أراد خروجها إلى ذلك‬

‫‪   ‬‬


‫المكان أو يف تلك الساعة‪ ،‬ولذلك لو خرجت بعد ذلك بأيام ً‬
‫مثاًل‪ ،‬فإهنا ال تطلق‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مثاًل‪( :‬أطعم الدواب يف دارنا)‪.‬‬
‫‪ -2‬قول أحدهم البنه ً‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫فإن الدابة لغة حقيقة يف كل ما دب على األرض‪ ،‬فيتناول من يسكنون الدار من‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اآلدميين‪ ،‬ولكن العرف يمنع من ذلك؛ ألن الدابة يف العرف تخص ذوات األربع‪ ،‬فيخرج‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اإلنسان من ذلك‪ ،‬وهي حقيقة عرفية لهجران الحقيقة اللغوية يف مثل ذلك‪ ،‬فهي مجاز‬
‫‪   ‬‬

‫بالنسبة للغة‪ ،‬وحقيقة بالنسبة للعرف‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)5/3‬‬


‫‪ -‬إجابة السائل (ص‪.)268‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)332/1‬‬


‫‪ -‬اإلبهاج شرح املنهاج للبيضاوي (‪)321/1‬‬
‫‪ -‬اإلنصاف فـي التنبيه على املعاني واألسباب اليت أوجبت االختالف (ص‪.)83‬‬
‫‪ -‬فصول البدائع فـي أصول الشرائع (‪.)180/2‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)102/2‬‬
‫‪ -‬تفسري ابن كثري (‪.)398/7‬‬
‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)172/1‬‬
‫‪ -‬التلويح (‪.)173/1‬‬

‫‪274‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫أقسام التأويل‬

‫ينقسم التأويل باعتبارين (دليله‪ -‬قرب احتماله)‪:‬‬


‫االعتبار األول‪ :‬التقسيم باعتبار دليله إىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫(التأويل الصحيح ‪ -‬التأويل الفاسد ‪ -‬التأويل الباطل)‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫القسم األول‪ :‬التأويل الصحيح أو المقبول‪ ،‬وهو ما يكون بدليل صحيح‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫القسم الثاين‪ :‬التأويل الفاسد‪ ،‬وهو ما يكون لدليل يظنه المؤول ً‬
‫دلياًل وليس بدليل‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يف الواقع‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬التأويل الباطل أو المردود‪ ،‬ويسمى باللعب وهو ما يكون بغير دليل‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬التقسيم باعتبار ُقرب االحتمال وبُعده إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫(التأويل القريب‪ -‬البعيد ‪ -‬المتوسط)(((‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫القسم األول‪ :‬التأويل القريب‪ :‬وهو ما إذا كان المعنى المؤول إليه قري ًبا جدًّ ا‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫فيرتجح بأدنى مرجح ل ُقربه‪ ،‬مثل قول اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [المائدة‪،]6 :‬‬
‫أي‪ :‬إذا عزمتم على القيام‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬التأويل البعيد‪ :‬وهو ما يحتاج لبعده إلى المرجح األقوى‪ ،‬وذكر له‬
‫‪   ‬‬

‫ابن قدامة ‪ $‬أمثلة عديدة‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬التأويل المتوسط‪ :‬وهو ما إذا كان المعنى المؤول إليه متوس ًطا‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وهذا يحتاج إلى دليل متوسط‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬اإلحكام اآلمدي (‪.)53-52/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2864-2850/6‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)216-211‬‬
‫‪ -‬الشامل فـي حدود وتعريفات مصطلحات علم أصول الفقه (‪.)599-597/2‬‬

‫((( بعد االحتمال وقربه من األمور النسبية‪ ،‬فيختلف باختالف نظر المجتهد‪ ،‬وقد أشار ابن قدامة لهذا التقسيم‬
‫وتوسع يف ذكر األمثلة‪ ،‬انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)339/2‬‬
‫‪275‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫املشرتك‪ :‬حقيقته وأسبابه وصوره‪،‬‬


‫وعالقته بالعام‪،‬‬
‫وحكم محله على مجيع معانيه‬
‫تميزت اللغة العربية بثرائها الداللي واللفظي على قدر سواء‪ ،‬ومن مظاهر هذا‬
‫الثراء ظاهرة (المشترك)‪ ،‬وفيما يأيت بيان حقيقته وأسبابه وصوره وعالقته بالعام وحكمه‪:‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬حقيقة املشرتك‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫المشترك يف اللغة‪ :‬اسم مفعول من الفعل (اشرتك)‪ ،‬ومادة الكلمة تدل على معان‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫متعددة تعود إلى أصلين‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫(أحدهما‪ :‬يدل على مقارنة‪ ،‬وخالف انفراد‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫واآلخر‪ :‬يدل على امتداد واستقامة)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫واألول هو المناسب للمراد بالمشرتك عند األصوليين؛ لتعدد المعنى فيه‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمشترك يف االصطالح‪ُ :‬عرف بعدة تعريفات‪ ،‬من أشهرها‪ :‬أنه (اللفظ الموضوع‬
‫‪    ‬‬

‫لحقيقتين مختلفتين أو أكثر‪ ،‬وض ًعا ّأو ًاًل)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫قولهم‪( :‬اللفظ)‪ :‬جنس يف التعريف يشمل المهمل‪ ،‬والمستعمل الدال على معنى‬
‫واحد‪ ،‬والدال على معنيين فصاعدًا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫قولهم‪( :‬الموضوع)‪ :‬قيد يف التعريف يخرج المهمل‪.‬‬


‫قولهم‪( :‬لحقيقتين)‪ :‬قيد يف التعريف يخرج اللفظ الواحد الموضوع لمعنى واحد‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫مثل‪ :‬األلفاظ المتباينة والمتواطئة؛ ألهنا لم توضع لمعنيين‪ ،‬بل وضعت لمعنى واحد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫قولهم‪( :‬أو أكثر)‪ :‬يراد هبا أن المشرتك يشمل ما وضع لثالثة معان أو أكثر؛‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫كلفظ (العين)‪.‬‬
‫‪‬‬

‫(أواًل)‪ :‬قيد يف التعريف يخرج األلفاظ المنقولة والمجازية؛ فإهنا وإن كانت‬ ‫قولهم‪ً :‬‬
‫مستعملة يف عدة معان‪ ،‬لكنها لم توضع لها بالوضع األول‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬لفظ (القرء)‪ ،‬فإنه مشرتك بين الطهر والحيض على السواء‪.‬‬

‫((( مقاييس اللغة (‪ )265/3‬مادة (شرك)‪.‬‬


‫((( المحصول للرازي (‪.)261/1‬‬
‫‪276‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫ويسمى هذا عند العلماء بالمشترك اللفظي‪ ،‬ويفرتق عن المشترك المعنوي‪ ،‬وهو‬
‫عبارة عن لفظ كلي غير متعدد المعنى‪ ،‬بل تتعدد فيه أفراد المعنى‪ ،‬ويدخل فيه‪:‬‬
‫ ‪-‬المتواطئ‪ ،‬وهو‪ :‬الكلي الذي استوت أفراده يف معناه؛ كلفظ‪ :‬اإلنسان‪ ،‬والرجل‪.‬‬
‫والمش ِّكك‪ ،‬وهو‪ :‬الكلي الذي تفاوتت أفراده يف معناه؛ كلفظ‪ :‬النور‪ ،‬والبياض‪.‬‬
‫ ‪ُ -‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أسباب االشرتاك‪:‬‬
‫تتلخص أهم أسباب وقوع االشرتاك يف اللغة واألدلة النقلية يف ثالثة أسباب‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫السبب األول‪ :‬أن بعض القبائل العربية كانت تستعمل اللفظ الواحد بإزاء معنى‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫غيرها من القبائل‪ ،‬ثم يشتهر الوضعان فيحصل االشرتاك‪.‬‬ ‫غير المعنى الذي تستعمله فيه ُ‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫السبب الثاين‪ :‬أن للعقالء مقاصد متعددة تدعوهم إلى وضع اللفظ ألكثر من‬
‫‪    ‬‬
‫معنى؛ ولذا فقد تستعمل القبيلة الواحدة لف ًظا ما بإزاء معنيين مختلفين؛ لتحقيق تلك‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المقاصد‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ ‪-‬التكلم بالكالم المجمل لغرض اإلهبام على السامع؛ لئال تقع مفسدة بالتصريح‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ ‪-‬وشد انتباه السامع وتنبيهه ليستعد للبيان أو يطلبه‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫السبب الثالث (وهو سبب خاص بوجود المشرتك يف األدلة النقلية)‪ :‬حصول‬
‫االجتهاد من أهله يف تعيين مراد الشارع‪ ،‬وذلك عن طريق البحث عن القرينة الدالة عليه‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وبه يمتاز العالِم عن غيره‪ ،‬ويستحق الثواب عليه‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬صور املشرتك‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وللمشرتك اللفظي صورتان رئيستان (اإلطالق‪ ،‬والتضاد)‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫الصورة األولى‪ :‬اإلطالق‪ :‬والمراد باإلطالق هنا هو حمل اللفظ المشرتك على‬
‫‪‬‬

‫أكثر من معنى من المعاين التي وضع لها اللفظ يف لغة العرب‪ ،‬فالسياق الذي ورد فيه‬
‫‪‬‬

‫جوز استعماله يف أكثر من معنى من المعاين الموضوع لها اللفظ‪.‬‬


‫المشرتك قد ُي ِّ‬
‫ومنه على سبيل المثال‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [التوبة‪،]10 :‬‬
‫فإن (اإلل) تطلق على (القرابة)‪ ،‬وتطلق على (العهد)‪ ،‬وهذا بأصل الوضع لكل منهما‪،‬‬
‫وسياق اآلية الكريمة يحتمل إطالقها على األمرين جمي ًعا‪ ،‬فقد يقال إن هؤالء المشركين‬
‫المعنيين يف اآلية لو ظهروا على المسلمين فلن يرقبوا فيهم عهدً ا بينهم وبين المسلمين‪،‬‬
‫ولن يرقبوا فيهم قراب ًة جمعت بينهم‪.‬‬
‫‪277‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أيضا قوله تعالى‪﴿ :‬ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾‬ ‫ومن أمثلته ً‬


‫[النحل‪ ،]72 :‬فإن لفظ (الحفدة) موضوع لعدة معان يف اللغة‪ ،‬فإنه وضع للداللة على‬
‫(الخدم واألعوان) وعلى (األصهار) وعلى (أبناء األبناء)‪ ،‬والسياق الذي وردت فيه اآلية‬
‫يحتمل جميع المعاين المذكورة‪ ،‬ويصح أن يكون كل من هؤالء من النعم التي أنعم اهلل هبا‬
‫على اإلنسان؛ إذ كلهم يحفون إليه‪ ،‬يعني يسارعون يف خدمته وقضاء حوائجه‪.‬‬
‫فهذه الصور من صور المشرتك تعترب من باب اإلطالق الذي يسوغ فيه إطالق‬

‫‪   ‬‬


‫المشرتك على معانيه الموضوع لها يف األصل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬التضاد‪ :‬ويف تلك الصورة يطلق لفظ المشرتك على معنيين‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ال يجتمعان يف محل واحد‪ ،‬وهما المتضادان‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومنه على سبيل المثال‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ﴾ [التكوير‪ ،]6 :‬فإن لفظ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫سجرت يستعمل بمعنى ملئت وفاضت‪ ،‬وبمعنى يبست وذهب ماؤها‪ ،‬فهنا اللفظ وضع‬
‫‪   ‬‬

‫لمعنيين متضادين‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫أيضا ما اشتهر يف التمثيل لهذه الصورة‪ ،‬وهو قوله تعالى‪﴿ :‬ﭸ‬ ‫ومنه ً‬
‫‪    ‬‬

‫ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [البقرة‪ ،]228 :‬فال ُق ْرء يطلق ويراد به الطهر تارة‪ ،‬ويراد به‬
‫‪    ‬‬

‫الحيض تارة أخرى‪.‬‬


‫ومنه استعمال لفظ العين‪ ،‬فإنه يستعمل للداللة على عين الماء وعلى العين‬
‫‪ ‬‬

‫الباصرة وعلى الجاسوس‪ ،‬وكلها معان مختلفة ال تطلق على محل واحد من جهة واحدة‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫فال يمكن أن يكون الشيء عين ماء وعينًا باصرة‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ويف تلك الصورة يعين المراد باللفظ المشرتك بالقرائن‪ ،‬فلو قيل‪ :‬قتل الحاكم العين‬
‫‪ ‬‬

‫الخائنة‪ ،‬فإن القرينة هنا وهي (القتل‪ ،‬والوصف بالخيانة) يدل على أن المراد بالعين‪:‬‬
‫‪‬‬

‫الجاسوس‪ ،‬فهنا القرينة حددت المراد بالمشرتك من بين معانيه‪.‬‬


‫‪‬‬

‫راب ًعا‪ :‬عالقة املشرتك بالعام‪:‬‬


‫وإذا كان المشرتك لف ًظا واحدً ا يدل على أكثر من معنى؛ فإن هذا القدر من ماهية‬
‫المشرتك ينشئ بعض التشابه بينه وبين داللة اللفظ العام‪ ،‬من حيث إن العام لفظ مستغرق‬
‫لجميع أفراده بال حصر‪.‬‬

‫‪278‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫فعلى سبيل المثال‪ :‬لفظ (الناس) مستغرق للعديد من الماهيات التي تتساوى‬
‫يف معنى اإلنسانية‪ ،‬ولفظ (العين) يطلق على عدة معان‪ :‬الجاسوس‪ ،‬والعين الباصرة‪،‬‬
‫أيضا‪.‬‬
‫وعين الماء‪ ،‬وعين الذهب‪ ،‬وكل تلك الماهيات يطلق عليها عين بصورة متساوية ً‬
‫والفرق بين العام والمشرتك من جهة الوضع‪ ،‬وبيان ذلك أن داللة العام على أفراده‬
‫يف الخارج إنما هو بوضع واحد‪ ،‬بخالف داللة المشرتك على مدلوالته فإهنا متعددة‬
‫الوضع؛ فلفظ (الناس) دل على أفراده من الرجال والنساء‪ ،‬والكبير والصغير‪ ،‬ونحو ذلك‬

‫‪   ‬‬


‫بوضع واحد فقط‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فالعرب قد وضعت هذا اللفظ للداللة على جميع األفراد وض ًعا واحدً ا‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫بخالف المشرتك؛ فإن (العين) تدل على الجاسوس بوضع‪ ،‬وتدل على العين الجارية‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫غير الوضع األول‪ ،‬يعني‪ :‬أن العرب وضعت لفظ (العين) للداللة على‬ ‫بوض ٍع آخر ِ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الجاسوس‪ ،‬ووضعت مرة أخرى لفظ (العين) للداللة على عين الماء‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫بذلك تتبين العالقة بين العام والمشرتك اتفا ًقا واختال ًفا‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫خامسا‪ :‬حكم محل املشرتك على مجيع معانيه‪:‬‬


‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫تصوير املسألة‪:‬‬
‫إذا ورد المشرتك يف نص من نصوص الشريعة‪ ،‬أو تكلم متكلم بلفظ يدل على‬
‫‪ ‬‬

‫أكثر من معنى‪ ،‬كأن يقول‪( :‬رأيت عينًا صافية)‪ ،‬فالعين هنا مشرتك بين عدة معان‪:‬‬
‫(الباصرة‪ ،‬والجارية‪ ،‬والشمس‪ ،‬والنقد)‪ ،‬ووصف الصفاء صالح لها كلها‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وعليه فهل يصح أن يراد هبذا اللفظ المشرتك كل معانيه؛ بحيث يتعلق الحكم‬
‫‪ ‬‬

‫بالجميع‪ ،‬أو ال يصح ذلك؟‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫حترير حمل النزاع‪:‬‬


‫‪‬‬

‫أواًل‪( :‬انعقد اإلجماع على أن اللفظ المشرتك المفرد يجوز استعماله يف معانيه‪ ،‬يف‬
‫ً‬
‫أزمنة عدة‪ ،‬ويف إطالقات عدة‪ ،‬ومن متكلمين عدة)(((‪.‬‬
‫فلو قال‪ :‬عسعس الليل‪ ،‬وأراد به‪ :‬أد َب َر‪ ،‬وقال يف وقت آخر‪ :‬عسعس الليل‪ ،‬وأراد به‪:‬‬
‫أق َب َل‪ ،‬فإنه يجوز إطالق هذا المشرتك على معنييه هبذه الصورة باالتفاق‪.‬‬

‫((( نفائس األصول (‪.)740/2‬‬


‫‪279‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ٍ‬
‫لمعان متضادة أو متناقضة (فال يحمل على‬ ‫ثان ًيا‪ :‬إذا كان اللفظ المشرتك موضو ًعا‬
‫معنييه قط ًعا‪ ...‬بال خالف)(((‪.‬‬
‫ومثلوا للمشترك ذي المعاين المتضادة بصيغة‪( :‬افعل)؛ فإهنا مشرتكة بين األمر‬
‫والتهديد عند بعض العلماء‪ ،‬فهما متضادان؛ ألن األمر يقتضي طلب الفعل‪ ،‬والتهديد‬
‫يقتضي طلب ترك الفعل‪.‬‬
‫ومثلوا للمشترك ذي المعاين المتناقضة بحرف‪( :‬إلى) على رأي من يجعلها مشرتكة‬

‫‪   ‬‬


‫بين إدخال الغاية‪ ،‬وعدمه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬إذا ُأطلق المشرتك مع قرينة تب ِّين أن المراد منه أحد معانيه‪ :‬امتنع حمل‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫المشرتك عليها جمي ًعا باالتفاق‪ ،‬ووجب حمله على ما دلت عليه القرينة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫راب ًعا‪ :‬محل الخالف يف حكم حمل اللفظ المشرتك على جميع معانيه إذا صدر من‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫متكلم واحد‪ ،‬يف وقت واحد‪ ،‬وانتفت معه القرينة‪ ،‬وأمكن حمله على جميع معانيه‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األقوال واألدلة‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫اختلف األصوليون يف حكم حمل اللفظ المشرتك على جميع معانيه إذا اتحد‬
‫‪    ‬‬

‫المتكلم والزمان‪ ،‬وأمكن حمله على معانيه ‪-‬على قولين‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬جواز حمل المشترك على جميع معانيه‪ :‬وإليه ذهب بعض الحنفية‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وجمهور المالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬وأكثر الحنابلة‪ ،‬وهو (الذي يدل عليه كالم عامة الصحابة‬
‫‪   ‬‬

‫والتابعين)(((‪ ،‬ونسب إلى عامة الفقهاء‪ ،‬وأكثر المتكلمين(((‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬عدم جواز حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه‪ ،‬بل يحمل على‬
‫‪ ‬‬

‫معنى واحد فقط من تلك المعاين‪ ،‬وعند عدم وجود قرينة تدل على المراد يكون ذلك‬
‫‪‬‬

‫من قبيل المجمل المحتاج إلى البيان‪ :‬وهو مذهب أكثر الحنفية‪ ،‬وبعض األصوليين من‬
‫‪‬‬

‫المالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والحنابلة‪.‬‬

‫((( البحر المحيط (‪.)127/2‬‬


‫((( مجموع الفتاوى (‪.)177/31‬‬
‫((( مما تجدر اإلشارة إليه‪ :‬أن الجمهور مع تجويزهم لحمل المشرتك على جميع معانيه اختلفوا يف طريقة الحمل‪،‬‬
‫أهو من باب الحقيقة أو المجاز؟‬
‫‪280‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫دليل القول األول (جواز احلمل على مجيع معانيه)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬أنه ال مانع يف اللغة من حمل اللفظ على كل معانيه؛ إذ يجوز إطالق‬
‫اللفظ المشرتك مع التصريح بإرادة كال المعنيين دون مانع‪ ،‬كقول القائل‪ :‬اعتدي ثالثة‬
‫أقراء من الطهر والحيض جمي ًعا‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬أن اللفظ المشرتك بين معان متعددة ال يخلو‪:‬‬
‫ ‪-‬إما أن يحمل على أحدها‪ ،‬فيلزم من ذلك محذوران‪ ،‬وهما‪ :‬ترجيح ذلك المعنى‬

‫‪   ‬‬


‫بال مرجح‪ ،‬وإهمال المعنى اآلخر‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ ‪-‬وإما أن يحمل على كليهما‪ ،‬وال محذور يف هذا‪ ،‬فيتعين ترجيحه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬وقوع ذلك يف القرآن‪ ،‬والوقوع دليل الجواز‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أواًل‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫ﭽ﴾ [األحزاب‪.]56 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن معنى الصالة من اهلل ‪ ۵‬هي‪ :‬المغفرة والرحمة‪ ،‬ومن المالئكة‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫االستغفار‪ ،‬ومن المؤمنين‪ :‬الدعاء‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فهنا لفظ الصالة حمل على جميع معانيه التي يحتملها بطريق الحقيقة‪ ،‬وال مانع‬
‫من ذلك‪ ،‬فدل ذلك على جواز استعمال اللفظ المشرتك يف جميع معانيه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫نوقش من وجهين‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫الوجه األول‪ :‬عدم التسليم بأن اللفظ هنا واحد‪ ،‬وحمل على أكثر من معنى؛‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫فالضمير يف كلمة (يصلون) متعدد يدل على تعدد الفعل‪ ،‬وهو راجع إلى ما سبق ذكره‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫فيكون التقدير‪( :‬إن اهلل يصلي ‪ ...‬ومالئكته يصلون ‪ ...‬يا أيها الذين آمنوا صلوا)‪،‬‬
‫‪‬‬

‫فيحمل اللفظ يف كل موضع على معنى واحد‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬يمكن حمل اللفظ هنا على معنى واحد وهو الدعاء‪ ،‬فيكون من اهلل‬
‫دعاء بالمغفرة والرحمة‪ ،‬ومن المالئكة دعاء باالستغفار‪ ،‬ومن المؤمنين دعاء للرسول ﷺ‪.‬‬
‫ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ‬ ‫ثان ًيا‪ :‬قولـه ‪﴿:۵‬ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [الحج‪.]18 :‬‬

‫‪281‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن السجود هنا لفظ واحد‪ ،‬وقد ُحمل على أكثر من معنى‪ ،‬فهو من‬
‫العقالء وضع الجبهة على األرض‪ ،‬ومن الدواب والجماد الخشوع هلل ‪۵‬؛ ألن وضع‬
‫الجبهة على األرض غير متصور منهم‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأنه وقع العطف بين هذه األشياء بالواو‪ ،‬والعطف يفيد تكرار العامل يف‬
‫الجميع‪ ،‬فيكون التقدير‪( :‬ألم تر أن اهلل يسجد لـه ‪ ...‬وتسجد له الشمس ويسجد له القمر‬
‫والنجوم‪ ،)..‬ويحمل السجود يف كل موضع منها بما يناسبه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وأجيب‪ :‬بعدم التسليم بأن حرف العطف يفيد تكرار العامل‪ ،‬وعلى فرض التسليم‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ً‬
‫محمواًل يف الجميع‬ ‫تكررا للعامل بعينه ومعناه‪ ،‬فيكون اللفظ المشرتك‬
‫ً‬ ‫فال بد أن يكون‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫على معنى واحد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫دليل القول الثاني (عدم جواز احلمل على مجيع معانيه)‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬أن األصل يف اللفظ المشرتك أنه يحمل على معنى واحد من معانيه‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫وال بد من وجود قرينة تدل على ذلك المعنى؛ لذا كان المتبادر إلى الذهن عند إطالقه‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫إرادة أحد معنييه‪ ،‬ال على سبيل التعيين حتى يظهر من المتكلم إرادة أحد معانيه‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫فإذا قيل بجواز حمله على جميع المعاين المحتملة‪ ،‬كان ذلك على خالف األصل‬
‫وخالف المتبادر إلى الذهن‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫نوقش‪ :‬بعدم التسليم بأنه األصل يف لغة العرب‪ ،‬خاصة أنه قد شاع عندهم استعمال‬
‫اللفظ يف جميع معانيه‪ ،‬فلو قال أحدهم‪ :‬ال تلمس امرأتك‪ ،‬عقل من ذلك الجماع واللمس‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن القول بجواز حمل اللفظ المشرتك على معنييه يلزم منه الجمع‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫بين المتنافيين؛ وذلك لكون المستعمل مريدً ا ألحدهما غير مريد لآلخر‪ ،‬فلو قيل‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫بجواز الجمع بين هذين المعنيين للزم من ذلك كون كل واحد منهما مرا ًدا‪ ،‬وغير مراد‬
‫يف وقت واحد‪.‬‬
‫‪‬‬

‫نوقش‪ :‬أنه خارج محل النزاع؛ إذ ال يلزم المستعمل إرادة أحد المعنيين إال إذا كانا‬
‫متضادين‪ ،‬أما إذا لم يكونا متضادين فال مانع من إرادته لهما م ًعا‪.‬‬
‫نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬
‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف جواز حمل المشرتك على جميع معانيه‬
‫خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية‪ ،‬منها ما يأيت‪:‬‬

‫‪282‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫مسألة‪ :‬ختيري أولياء الدم بني القصاص والدية فـي القتل العمد العدوان‪:‬‬
‫فقد ورد المشرتك يف قول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾‬
‫[اإلسراء‪.]33 :‬‬
‫فكلمة (سلطانًا) لفظ مشرتك بين الدية والقصاص‪:‬‬
‫‪ -‬فمن أجاز حمل المشرتك على جميع معانيه‪ :‬خ َّير أولياء الدم بين القصاص والدية؛‬
‫ً‬
‫حماًل لكلمة (سلطانًا) على معنييها‪ ،‬وهما‪ :‬القصاص والدية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -‬ومن منع حمل المشرتك على جميع معانيه‪ :‬منع تخيير أولياء الدم بين القصاص والدية‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫حماًل لكلمة (سلطانًا) على القصاص بأدلة أخرى‪.‬‬ ‫وأوجب أحدهما عينًا‪ً ،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫املكره‪.‬‬
‫مسألة‪ :‬طالق َ‬
‫‪    ‬‬
‫ورد المشترك يف حديـث عائشـة ڤ أن النبـي ﷺ قـال‪« :‬ال طلاق وال عتـاق‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يف إغالق»(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فكلمة (إغالق) لفظ مشرتك بين الجنون واإلكراه‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫حماًل لكلمة‬ ‫‪ -‬فمن أجاز حمل المشرتك على جميع معانيه‪ :‬لم يوقع طالق المكره؛‬
‫‪    ‬‬

‫(إغالق) على معنييها‪ ،‬وهما‪ :‬الجنون واإلكراه‪ ،‬فال يقع طالق وال عتاق مجنون أو مكره‪.‬‬
‫‪ -‬ومن منع حمل المشرتك على جميع معانيه‪ :‬حملها على أحد المعنيين عينًا‪ ،‬فإن كان‬
‫‪ ‬‬

‫اإلكراه فال يقع طالق المكره‪ ،‬وإن كان الجنون وقع‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫مسألة‪ :‬صرف الوصية ملوال أعتقهم وموال أعتقوه‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫لو أوصى شخص لمواليه‪ ،‬وله موال أعتقوه‪ ،‬وموال أعتقهم‪ ،‬فهل تصرف الوصية‬
‫‪ ‬‬

‫للجميع الشرتاك اللفظ بينهما‪ ،‬أم إلى أحدهما؟‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬فمن أجاز حمل المشرتك على جميع معانيه‪ :‬ذهب إلى صرف الوصية إلى جميع‬
‫‪‬‬

‫حماًل لكلمة (موالي) على معنييها‪ ،‬وهما‪ :‬المولى المعتِق‪،‬‬


‫مواليه الذين أعتقوه وأعتقهم؛ ً‬
‫والمولى المعتَق‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)2193‬وابن ماجه (‪ ،)2046‬وأحمد (‪ ،)27002‬وقال الحاكم يف المستدرك‬
‫ٍ‬
‫مسلم)‪ .‬وتعقبه الذهبي بأن فيه‪( :‬محمد بن عبيد لم يحتج به مسلم‪،‬‬ ‫صحيح على شرط‬
‫ٌ‬ ‫ٌ‬
‫(حديث‬ ‫(‪:)2818‬‬
‫وقال أبو حاتم‪ :‬ضعيف)‪.‬‬
‫‪283‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫‪ -‬ومن منع حمل المشرتك على جميع معانيه‪ :‬أبطل الوصية لوجود اإلجمال فيها؛ واللفظ‬
‫ال يحتمل إجراء العموم يف معنييه‪ ،‬وليس أحدهما بأولى من اآلخر يف صرف الوصية إليه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)275-261/1‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬العدة فـي أصول الفقه ألبي يعلى (‪.)188/1‬‬


‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)458/2‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)246-242/2‬‬


‫‪ -‬نفائس األصول (‪.)765-738/2‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬نهاية الوصول لألرموي اهلندي (‪.)247-233/1‬‬


‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)42-40/1‬‬
‫‪ -‬اإلبهاج البن السبكي (‪.)268-248/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2413-2401/5‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)197-189/3‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (‪.)194-171/1‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ فـي مباحث األصوليني (‪.)126-125/1‬‬
‫‪ -‬تردد املشرتك بني معانيه‪ :‬دراسة تأصيلية تطبيقية (ص‪.)452-427‬‬

‫‪284‬‬
‫ابع‪ :‬تقاسيم األمسا ِء‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬

‫واملبنَّي‬
‫َّ‬ ‫واملبنِّي‬
‫ِّ‬ ‫الفرق بني البيان‬

‫البيان لغة‪ :‬الوضوح والظهور‪.‬‬


‫وعرفه ابن قدامة‪ :‬بأنه الدليل(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫واملبنَّي بالفتح‪ :‬الخطاب المبتدأ المستغني بنفسه عن بيان‪.‬‬
‫َّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫محتاجا إلى البيان‪ ،‬وقد ورد عليه بيانه‪ ،‬كاللفظ المجمل إذا بين‬
‫ً‬ ‫وقد يراد به ما كان‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫المراد منه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مجازا على‬‫ً‬ ‫واملبنِّي بالكسر‪ :‬يطلق على الشارع؛ إذ عنه تظهر األحكام‪ ،‬ويطلق‬ ‫ِّ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المب َّين به‪ ،‬وهو الدليل‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ويظهر أن البيان والمب َّين بالفتح هما بمعنى واحد عند ابن قدامة‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وعلى هذا يمكن التفريق بين البيان والمب ِّين ‪-‬بالكسر‪ -‬أن البيان أعم من المب ِّين؛‬
‫‪    ‬‬

‫ألن البيان يشمل البيان االبتدائي وبيان المجمل‪ ،‬أما المب ِّين بالكسر فاستعمال أكثر‬
‫‪    ‬‬

‫األصوليين له يف ما كان لبيان المجمل‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الصحاح (‪ )2083 -2082/5‬مادة (بني)‪.‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)674/2‬‬
‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)23/3‬‬
‫‪ -‬نظرات األصوليني حول البيان والتبيني (ص ‪.)29 -25‬‬

‫((( روضة الناظر (‪.)353/2‬‬


‫‪285‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫قاعدة (كل ِّ‬


‫مقيد من الشرع بيان)‬

‫معنى هذه القاعدة‪ :‬أن بيان المجمل يحصل بوسائل كثيرة؛ فمن ذلك‪ :‬الكالم‪،‬‬
‫والكتابة‪ ،‬واإلشارة‪ ،‬والفعل‪ ،‬والتقرير‪ ،‬وأنه كذلك يحصل بوجوه أخرى من أوجه البيان‪،‬‬
‫بحيث يمكننا أن نقول‪ :‬إن البيان يحصل بكل ُمق ِّي ٍد شرعي‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومما حيصل به البيان غري ما ُذكر ثالثة وجوه‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ً‬
‫استدالاًل عقل ًّيا؛ فيبين به العلة‪ ،‬أو مأخذ الحكم‪ ،‬أو‬ ‫الوجه األول‪ :‬أن يستدل الشارع‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فائدة ما‪ ،‬كما قال تعالى يف صفة ماء السحاب‪﴿ :‬ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ﴾‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫[فاطر‪ ،]9 :‬وقال‪﴿ :‬ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ﴾ [الروم‪ ،]19 :‬ونظائره كثيرة‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫فبين سبحانه وتعالى لنا بذلك طريق االستدالل على إمكان البعث والمعاد‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ونحو ذلك من طرق االستدالل على التوحيد ونفي الشريك وغيرها من األمور‬
‫‪    ‬‬

‫الشرعية األصولية والفروعية‪ ،‬يف نصوص الكتاب والسنة كذلك‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فعاًل قد أمر به؛ أو قد سبق منه فعله ليبين‬‫الوجه الثاين‪ :‬الرتك‪ :‬مثل أن يرتك الشرع ً‬
‫برتكه له عدم وجوبه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬السكوت بعد السؤال عن حكم الواقعة‪ ،‬ف ُيعلم بذلك أن ال حكم‬
‫للشرع فيها‪ .‬هذه ثالثة وجوه‪ ،‬وهناك غيرها من الوجوه ال زال العلماء يستدلون هبا لتبيين‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫المجمالت وتوضيح المبهمات‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)684-681/2‬‬
‫‪ -‬قواعد األصول ومعاقد الفصول (ص‪.)100-98‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2813-2808/6‬‬

‫‪286‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪:‬‬
‫األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪،‬‬
‫واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫بيان نوع القرائن‬


‫الصارفة لألمر عن الوجوب‬

‫األصل أن األمر للوجوب كما قرره األئمة األربعة وغيرهم من المتكلمين‬


‫واألصوليين‪ ،‬إال أن تأيت قرينة تصرف األمر عن الوجوب إلى أحد المعاين التي سبق أن‬

‫‪   ‬‬


‫ذكرت من معاين األمر‪ ،‬كالندب والتهديد والدعاء وغير ذلك‪ ،‬وهذه القرائن أنواع‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬قرائن لفظية‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫وهي أن يذكر المتكلم عقيب الكالم ما يدل على أن المراد من الكالم األول غير‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫ما أشعر به ظاهره(((؛ كورود لفظ يف النص يدل على أن المراد الندب ال الوجوب؛ كما‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ّبي ﷺ‪ ،‬قال‪« :‬ص ّلوا قبل صالة المغرب»‪،‬‬ ‫ِ‬


‫الم َزن ُّي‪ ،‬عن الن ّ‬
‫جاء يف حديث عبد اهلل بن مغفل ُ‬
‫‪   ‬‬

‫قال يف ال ّثالثة‪« :‬لمن شاء»‪ ،‬كراهية أن يتّخذها النّاس سنّ ًة (((‪ ،‬فقوله‪« :‬لمن شاء» دال على‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫صرف األمر بالصالة إلى الندب دون الوجوب‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وكذلك قوله تعالى‪﴿ :‬ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [الكهف‪ ،]29 :‬فإن النص‬


‫هنا بصيغة األمر‪ ،‬ولكن تعليق األمر على المشيئة مع نصوص الشرع المتواترة التي تمنع‬
‫‪ ‬‬

‫إرادة إيجاب الكفر أو حتى تخيير العبد فيه‪ ،‬ومنها قوله يف تتمة اآلية ﴿ﭾ ﭿ ﮀ‬
‫ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ اآليات [الكهف‪ ،]29 :‬صرفت األمر من اإليجاب أو غيره من‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫المعاين إلى معنى التهديد والوعيد‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬قرائن حالية‪:‬‬


‫‪‬‬

‫وهي‪ :‬دليل غير لفظي ابتداء يصاحب الخطاب فيؤثر فيه داللة‪ ،‬أو ثبو ًتا أو إحكا ًما‬
‫‪‬‬

‫أو ترجيحا(((‪.‬‬

‫((( المحصول للرزاي (‪.)461/1‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪.)7368( ،)1183‬‬
‫((( القرينة الحالية وأثرها يف تبيين علة الحكم الشرعي (ص‪.)85‬‬
‫‪289‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫كورود األمر بعد الحظر؛ فإنه يدل على اإلباحة أو عود األمر إلى ما كان عليه قبل‬
‫الحظر على خالف بين األصوليين والفقهاء‪.‬‬
‫وذلك كما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [المائدة‪ ،]2 :‬فإنه يدل على إباحة‬
‫محظورا على المحرم حال إحرامه‪ ،‬فورود األمر والحال هنا حال أمر‬
‫ً‬ ‫الصيد بعد أن كان‬
‫بعد حظر هو القرينة التي صرفت األمر إلى اإلباحة‪.‬‬
‫وكما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [آل عمران‪ ،]193 :‬فإنه بصيغة األمر‪ ،‬مع‬

‫‪   ‬‬


‫قطعنا بعدم إرادة األمر واإليجاب؛ ألن الذي وردت عنه الصيغة يمتنع أن يأمر من توجه‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫إليه النص وهو رب العالمين سبحانه‪ ،‬ولذلك كان هذا الحال صار ًفا لألمر عن اإليجاب‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫إلى الدعاء‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ثال ًثا‪ :‬قرائن فعلية‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهي أن يفعل المتكلم ً‬


‫فعاًل يدل على أن المراد بكالمه غير ما أشعر به‪ ،‬وأنه أراد‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫معنى مجاز ًّيا ال حقيق ًّيا بكالمه(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫مسـت النّـار»(((‪ ،‬مـع مـا روى‬ ‫ممـا ّ‬ ‫ّ‬


‫«توضئـوا ّ‬ ‫مثالـه‪ :‬مـا جـاء أن رسـول اهلل ﷺ قـال‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثم ص ّلـى ولم ّ‬ ‫ٍ‬ ‫عبد ال ّله بـن ع ّب ٍ‬


‫يتوضأ»(((‪،‬‬ ‫أن رسـول ال ّله ﷺ‪« :‬أكل كتـف شـاة‪ّ ،‬‬‫ـاس ﭭ‪ّ :‬‬
‫وهـذا إذا لم نقـل بنسـخ هـذا األمـر ً‬
‫أصاًل‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)373-365 ،358 -354/2‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)42-17/3‬‬


‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)178/2‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)١٨٨/٣‬‬
‫‪ -‬القرائن عند األصوليني (ص‪.)٧٢٥-٦٧٩‬‬

‫((( انظر‪ :‬الكلمات النيرات (‪.)34/2‬‬


‫((( أخرجه مسلم (‪ )352‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ ،‬و (‪ )353‬من حديث عائشة ﭭ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)207‬ومسلم (‪.)354‬‬
‫‪290‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫تعريف النهي‪ ،‬وبيان صيغته‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف النهي‪:‬‬
‫النهي لغة‪ :‬خالف األمر وهو الكف‪.‬‬
‫اصطالحا‪( :‬اقتضاء كف على جهة االستعالء)(((‪.‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫قولهم‪( :‬اقتضاء)‪ :‬أي طلب وهو جنس له؛ ألنه يعم طلب الفعل‪ ،‬وطلب الكف‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫عن الفعل‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫قولهم‪( :‬اقتضاء كف)‪ :‬خرج عنه األمر ألنه اقتضاء فعل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫قولهم‪( :‬على جهة االستعالء)‪ :‬خرج به الدعاء‪ ،‬وااللتماس من المساوي‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬صيغ النهي‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أشار ابن قدامة إلى أن صيغة النهي ال تفعل؛ حيث قال‪( :‬وباب النهي‪ :‬ال تفعل)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن الصيغ الدالة على النهي أيضا صيغتان‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫الصيغة األولى‪ :‬التصريح بلفظ النهي؛ كقول ابن عمر ﭭ‪ :‬أن رسول اهلل ﷺ‬
‫«نهى عن النجش»(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الصيغة الثانية‪ :‬صيغ فعل األمر الطالبة للرتك واالنتهاء عن الشيء؛ مثل‪:‬‬
‫دع‪ ،‬اترك‪ ،‬اجتنب‪ ،‬كف‪ ..،‬إلخ‪ ،‬ومن أمثلته قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [سورة الحج‪.]30 :‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الصحاح (‪ )2517/6‬مادة (نهى)‪.‬‬


‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)159/1‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)441-428/2‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)729-726/2‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند األصوليني (‪.)304-299/1‬‬

‫((( شرح مختصر الروضة (‪)428/2‬‬


‫((( روضة الناظر (‪.)367/2‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6963‬ومسلم (‪.)1516‬‬
‫‪291‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫بيان املعاني‬
‫اليت تستعمل فـيها صيغة النهي‬
‫ترد صيغة النهي للعديد من املعاني‪ ،‬أبرزها عشرة‪:‬‬
‫املعنى األول‪ :‬التحريم‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وذلك كما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [النساء‪ ،]29:‬وقوله ﴿ﮊ ﮋ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ﮌ﴾ [اإلسراء‪ ،]32:‬وقوله ﴿ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ﴾ [النساء‪ ،]29 :‬فالنهي‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫فيها كلها للتحريم‪ ،‬وهو حقيقة فيها‪ ،‬مجاز يف غيرها من المعاين‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫املعنى الثاني‪ :‬الكراهة‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫كما يف قوله ﷺ‪« :‬ال يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول»(((‪ ،‬فحمل على الكراهة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬التحقري‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫كقوله تعالى‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ﴾ [الحجر‪ ،]88 :‬فالنهي هنا‬


‫يراد به تحقير ما ُمتعوا به‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫املعنى الرابع‪ :‬بيان العاقبة‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫كقوله تعالى‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾ [إبراهيم‪،]42 :‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫فالمراد بيان أن عاقبتهم النكال والعذاب‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫املعنى اخلامس‪ :‬الدعاء‪:‬‬


‫‪‬‬

‫كقوله‪﴿ :‬ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ‬
‫ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾ [البقرة‪﴿ ،]286 :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [آل عمران‪ ]8 :‬فكلها دعاء؛‬
‫إذ ال ينهى العبد ربه سبحانه‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)154‬ومسلم (‪ )267‬واللفظ له‪ ،‬من حديث أبي قتادة األنصاري ﭬ‪.‬‬
‫‪292‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املعنى السادس‪ :‬اليأس‪:‬‬


‫كقوله تعالى‪﴿ :‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾[التوبة‪ ]66 :‬فلن يقبل منكم‬
‫اعتذار‪ ،‬وقيل‪ :‬إنه راجع إلى االحتقار فلهذا م َّثله بعضهم به‪.‬‬
‫املعنى السابع‪ :‬التهديد‪:‬‬
‫كقولك لمن هتدده‪ :‬ال تمتثل أمري‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫املعنى الثامن‪ :‬االلتماس‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ملتمسا منه‪.‬‬
‫ً‬ ‫كقولك لنظيرك‪ :‬ال تفعل‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫املعنى التاسع‪ :‬التحذير‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [آل عمران‪ ]102 :‬فالمراد‪ :‬فمن مات وهو غير‬
‫‪   ‬‬

‫مسلم فله عاقبة السوء‪ ،‬فاحذروا‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املعنى العاشر‪ :‬التسوية‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [الطور‪.]16:‬‬


‫‪ ‬‬

‫معاين أخرى للنهي‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)370-367/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2285-2279/5‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)83-77/3‬‬

‫‪293‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫داللة النهي على التحريم‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬
‫إذا ورد النهي متجر ًدا عن القرائن‪ ،‬فهل يقتضي التحريم‪ ،‬أو أن داللته تكون‬

‫‪   ‬‬


‫لغير التحريم؟‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫النهي إذا وردت معه قرينة تدل على المراد منه فإنه يحمل على ما دلت عليه القرينة‬
‫‪    ‬‬
‫من التحريم أو الكراهة بال خالف‪ ،‬أما إذا ورد النهي مجر ًدا عن القرائن فقد اختلف‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األصوليون يف داللته‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اختلف األصوليون يف داللة النهي المجرد عن القرائن على ثالثة أقوال‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬أن النهي يقتضي التحريم‪ ،‬وإليه ذهب جمهور األصوليين‪ ،‬ونسب‬
‫‪ ‬‬

‫إلى األئمة األربعة‪.‬‬


‫وجها عند الشافعية‬
‫ً‬ ‫القول الثاين‪ :‬أن النهي يقتضي الكراهة التنزيهية‪ ،‬وحكي‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والحنابلة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫القول الثالث‪ :‬التوقف يف داللة النهي‪ ،‬ونسب لألشاعرة‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫دليل القول األول (أنه يقتضي التحريم)‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الدليل األول‪ :‬إجماع الصحابة؛ فإهنم كانوا يرجعون إلى ظواهر النواهي يف ترك‬
‫ُخابِ ُر وال نرى بذلك ً‬
‫بأسا حتّى زعم رافع بن‬ ‫الشيء‪ ،‬من ذلك قول ابن عمر ﭭ‪ُ :‬كنَّا ن َ‬
‫«أن رسول اهلل ﷺ نهى عن ا ْل ُمخَ ا َب َر ِة» فرتكناها(((‪.‬‬
‫خديجٍ ‪ّ :‬‬

‫((( أخرجه النسائي (‪ ،)3917‬وابن ماجة (‪ ،)2450‬وأحمد (‪ .)2087‬وأصله عند البخاري (‪،)2344( )2343‬‬
‫ومسلم (‪ )1547‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫‪294‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن السيد إذا هنى عبده عن فعل الشيء فخالفه عاقبه‪ ،‬ولم يلم يف‬
‫عقوبته‪ ،‬فلو لم يكن النهي يقتضي التحريم لما استحق العقوبة‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﴾ [الحشر‪.]7 :‬‬
‫ووجه الداللة‪ :‬أن اهلل أمر باالنتهاء عما هنى عنه رسوله ﷺ‪ ،‬واألمر يقتضي‬
‫اإليجاب‪ ،‬ومخالف الواجب واقع يف الحرام‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫دليل القول الثاني (أنه يقتضي الكراهة)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أن أقل درجات النهي الكراهة‪ ،‬وال بد من تنزيل النهي على أقل ما يشرتك فيه‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫التحريم والكراهة وهو‪ :‬ترك الفعل‪ ،‬وأن تركه خير من فعله‪ ،‬وهذا معلوم‪ ،‬أما لزوم‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫العقاب بفعله فغير معلوم‪ ،‬وما ال عقاب عليه ال يكون محر ًما‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن غاية ما لديكم هو الجهل بلزوم العقاب يف ارتكاب النهي‪ ،‬وقد سبق‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ذكر األدلة على ذلك‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثالث (التوقف)‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ألن كون النهي موضو ًعا للكراهة أو التحريم إما يعلم بنقل أو عقل‪ ،‬ولم يوجد‬
‫‪ ‬‬

‫أحدهما؛ فيجب التوقف‪.‬‬


‫نوقش‪ :‬بأن المعنى المتبادر من النهي هو التحريم‪ ،‬والتبادر دليل الحقيقة‪ ،‬فيكون‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫حقيقة فيه‪ ،‬وما سوى ذلك من المعاين واألحكام تكون من قبيل المجاز‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الخالف يف المسألة معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف داللة النهي المجرد عن القرائن‬
‫‪‬‬

‫خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية‪ ،‬منها ما يأيت‪:‬‬

‫مسألة‪ :‬الصالة فـي املواطن السبعة اليت ورد النهي عنها‪ ،‬فقد اختلف فيها العلماء‪:‬‬
‫فمن رأى أن النهي المجرد عن القرائن يقتضي التحريم قال بحرمة الصالة فيها‪.‬‬
‫ومن رأى أن النهي يقتضي الكراهة قال بكراهة الصالة يف تلك المواطن‪.‬‬
‫ومن ذهب إلى مذهب التوقف أعمل القرائن فيما يصرف إليه النهي فيها‪.‬‬
‫‪295‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مسألة‪ :‬تزويج احملرم‪ ،‬فقد اختلف فيها العلماء‪:‬‬


‫فمن ذهب إلى أن النهي المجرد للتحريم قال بحرمة تزويج المحرم‪.‬‬
‫ومن ذهب إلى اقتضاء الكراهة قال بكراهة تزويجه‪.‬‬
‫ومن ذهب إلى التوقف أعملوا القرائن لبيان داللة النهي‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)428-425/2‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2283/5‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ فـي مباحث األصوليني (‪.)334-327/1‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)426-424/2‬‬

‫‪296‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫داللة النهي على التكرار‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬
‫يأيت النهي من الشارع الحكيم للمكلف‪ ،‬ويطلب منه ترك فعل معين كقول اهلل‬

‫‪   ‬‬


‫تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [اإلسراء‪.]36 :‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فهل يحمل طلب ترك الفعل على التكرار‪ ،‬أي‪ :‬على الكف أبدً ا على تكرر األزمنة‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫أو المطلوب تركه مرة واحدة فقط؟‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫إذا وجد مع النهي قرينة تفيد التكرار أو عدمه فإنه يعمل هبا بال خالف‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وأما إذا وجد النهي مجر ًدا عن القرائن فهل يقتضي تكرار المنهي عنه من قبل‬
‫‪    ‬‬

‫المكلف والمداومة على ذلك أم ال يقتضي ذلك؟‬


‫‪    ‬‬

‫ن ُِقل عن عدد من األصوليين اإلجماع على أن النهي المجرد عن القرائن يقتضي‬


‫التكرار‪ ،‬وعدَّ األصوليون الخالف يف ذلك شذو ًذا‪ ،‬وبعضهم ال ّ‬
‫يجوز حكايته لضعفه‬
‫‪ ‬‬

‫دائما‪،‬‬
‫وسقوطه‪ ،‬قال اآلمدي‪( :‬اتفق العقالء على أن النهي عن الفعل يقتضي االنتهاء عنه ً‬
‫‪   ‬‬

‫خال ًفا لبعض الشاذين)(((‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫دليل عامة األصوليني على (اقتضاء النهي للتكرار)‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الدليل األول‪ :‬ما تقدم من حكاية اإلجماع باقتضاء النهي التكرار‪ ،‬يقول ابن النجار‪:‬‬
‫‪‬‬

‫(وحكاه أبو حامد وابن برهان وأبو زيد الدبوسي إجما ًعا)(((‪.‬‬

‫((( اإلحكام يف أصول األحكام لآلمدي (‪.)1008/3‬‬


‫((( شرح الكوكب المنير (‪.)97/3‬‬
‫‪297‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الدليـل الثـاين‪ :‬أن النهـي المطلـق عـام يف جميـع األزمان‪ ،‬فلـزم منه أنه يفيـد التكرار‪،‬‬
‫وإال لم يشـمل جميـع األزمـان؛ ذلـك أن النهي يقتضـي عدم اإلتيان بالفعـل‪ ،‬وعدم اإلتيان‬
‫ال يتحقـق إال بترك الفعـل يف جميـع أفـراده يف كل األزمنـة‪ ،‬فـدل على أن النهـي يفيد تكرار‬
‫تـرك المنهي عنه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)428/2‬‬
‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)1009-1008/3‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)447-444/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)98/3‬‬
‫‪ -‬اآلراء الشاذة فـي أصول الفقه (‪.)780-771/2‬‬

‫‪298‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫داللة النهي على الفور‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬
‫إذا أتى النهي من الشارع الحكيم للمكلف‪ ،‬وطلب منه الكف عن فعل معين‪ ،‬فهل‬
‫يلزم المكلف االستجابة عقيب النهي ويأثم بالتأخير‪ ،‬أم للمكلف الرتاخي عن الكف؟‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫إذا وجد مع النهي قرينة تفيد الفورية أو عدمها فإنه يعمل هبا بال خالف‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وأما إذا وجد النهي مجر ًدا عن القرائن‪ ،‬فهل يقتضي الفورية من قبل المكلف‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بالكف عن المنهي عنه‪ ،‬أم ال يقتضي ذلك؟‬


‫‪   ‬‬

‫هذه المسألة لها ارتباط بالمسألة السابقة وهي داللة النهي على التكرار‪ ،‬فيلزم‬
‫‪    ‬‬

‫من الدوام على ترك المنهي عنه المبادرة إلى االمتثال؛ ولذلك يقول القرايف ‪:$‬‬
‫‪    ‬‬

‫(وإذا َّفرعنا على التكرار اقتضى الفور قط ًعا)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وأيضا يقول ابن النجار‪( :‬ويؤخذ من كونه للدوام كونه للفور؛ ألنه من لوازمه)(((‪.‬‬‫ً‬
‫‪ ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬دليل املسألة‪:‬‬


‫أن الصحابة رضوان اهلل عليهم عقلوا من ظاهر النهي الفور‪ ،‬فبادروا إلى تركه‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ولم يختلفوا يف ذلك؛ فصار إجما ًعا‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ويمكن االستدالل على المسألة بما سبق من أدلة داللة النهي على التكرار‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)428/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)98-96/3‬‬
‫‪ -‬اآلراء الشاذة فـي أصول الفقه (‪.)770-761/2‬‬

‫((( شرح تنقيح الفصول (ص‪.)171‬‬


‫((( شرح الكوكب المنير (‪.)96/3‬‬
‫‪299‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫النهي عن الشيء هل هو أمر بضده؟‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬
‫إذا هنى اهلل ‪ ۵‬عن شيء فإن المكلف ال يتمكن من االمتثال إال بالتلبس بضده؛ إذ‬

‫‪   ‬‬


‫المكلف ال يخلو من عمل يف جميع أوقاته وأحواله‪ ،‬فما حكم التلبس بالضد الذي ال يتم‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مأمورا به أو ال؟‬
‫ً‬ ‫ترك المنهي إال به‪ ،‬أيكون‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وهذه المسألة مما يقل فيها حديث األصوليين‪ ،‬ولم يذكرها ابن قدامة يف الروضة؛‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اكتفا ًء ببحث مقابلتها يف مباحث األمر‪ ،‬وهي مسألة‪( :‬األمر بالشيء هل هو هني عن ضده؟)‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ولم يبحثها على االستقالل إال القليل من األصوليين على سبيل االختصار‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اتفقوا أن النهي عن الشيء أمر بضده إن كان له ضد واحد‪ ،‬قال الزركشي‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫(أما النهي عن الشيء فأمر بضده إن كان له ضد واحد باالتفاق كالنهي عن الحركة يكون‬
‫أمرا بالسكون)(((‪.‬‬
‫ً‬
‫‪ ‬‬

‫و اختلفوا يف النهي إذا كان له أضداد هل هو أمر بضدها؟‬


‫‪   ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫اختلف األصوليون يف النهي إذا كان له أضداد هل هو أمر بضدها؟ على أقوال‬
‫‪ ‬‬

‫متعددة‪ ،‬أهمها ثالثة‪:‬‬


‫‪‬‬

‫القول األول‪ :‬أن النهي عن الشيء أمر بضده إن كان له ضد واحد‪ ،‬أو بأحد أضداده‬
‫‪‬‬

‫من طريق المعنى‪ ،‬وإليه ذهب الحنفية‪ ،‬والمالكية‪ ،‬وأكثر الشافعية‪ ،‬والحنابلة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن النهي عن الشيء أمر بضده إن كان له ضد واحد‪ ،‬أو بأحد أضداده‬
‫من طريق اللفظ‪ ،‬أو إن النهي عن الشيء نفس األمر بضده‪ ،‬ونسب لألشاعرة‪.‬‬
‫أمرا بضده أو بأحد أضداده مطل ًقا‪ ،‬ونسب‬
‫القول الثالث‪ :‬أن النهي عن الشيء ليس ً‬

‫((( البحر المحيط (‪.)421/2‬‬


‫‪300‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫إلى المعتزلة‪.‬‬
‫دليل القول األول (أنه أمر بالضد أو أحد األضداد معنى)‪:‬‬
‫أن النهي عن الفعل يتضمن وجوب الكف عنه‪ ،‬والكف ال يتحقق إال بفعل أحد‬
‫األضداد‪ ،‬فيكون النهي متضمنًا لألمر بأحد أضداده ال محالة‪.‬‬
‫دليل القول الثاني (أنه أمر بالضد أو أحد األضداد ً‬
‫لفظا)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫أن النهي كاألمر ال صيغة له‪ ،‬بناء على أن كالم اهلل معنى قائم بالنفس‪ ،‬والمعاين‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ال تتعارض يف نفس صاحبها‪ ،‬فصح أن النهي عن الشيء هو ذات األمر بضده‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫نوقش من وجهين‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الوجه األول‪ :‬بعدم التسليم أن النهي واألمر ال صيغة لهما‪ ،‬بل لهما صيغة يعرف‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بمجردهما طلب الفعل والكف‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن الصواب معتقد أهل السنة والجماعة يف كالم اهلل‪ ،‬وأنه لفظ ومعنى‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫ال معنى فقط‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثالث (أنه ليس أم ًرا بالضد أو أحد األضداد)‪:‬‬


‫أن اللفظ يصح وروده مقرتنًا بذكر إباحة جميع أضداده؛ كأن يقول‪ :‬أهناك عن كذا‬
‫‪ ‬‬

‫وأبيح لك غيره‪ ،‬فلو كان النهي يتناول ذلك؛ لم يجز نفيه بما يقرتن به‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬أنا ال نسلم هذا‪ ،‬وإنما يصح أن يرد بإباحة بعض أضداده‪ ،‬ال جميعها‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫راب ًعا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫أمرا بالضد خال ًفا يف بعض‬


‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف كون النهي ً‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المسائل الفقهية‪ ،‬منها ما يأيت‪:‬‬


‫‪‬‬

‫مسألة‪ :‬حكم النكاح لذي الشهوة‪ ،‬وقد ثبت النهي عن الزنا‪.‬‬


‫فمن ذهب إلى أن النهي أمر بالضد لف ًظا أو معنى ذهب إلى وجوبه؛ حيث ثبت‬
‫مأمورا به‪.‬‬
‫ً‬ ‫النهي عن الزنا‪ ،‬وال يتحقق ترك الزنا إال بالنكاح‪ ،‬فيكون‬
‫أمرا بالضد قال بعدم الوجوب‪.‬‬‫ومن ذهب إلى أنه ليس ً‬

‫‪301‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مسألة‪ :‬قبول قول املطلقة فيما خترب به من احلمل أو انقضاء العدة‪.‬‬


‫وقد هناها سبحانه عن الكتمان بقوله‪﴿ :‬ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﴾‬
‫[البقرة‪.]228 :‬‬
‫فمن ذهب إلى أن النهي أمر بالضد لف ًظا أو معنى قال بقبول قولها؛ حيث كان النهي‬
‫أمرا باإلظهار‪ ،‬فيقبل قولها الممتثل به أمر اهلل‪.‬‬
‫عن الكتمان ً‬
‫ومن ذهب إلى أن األمر بالشيء ليس هن ًيا عن الضد أو األضداد‪ ،‬ذهب إلى عدم‬

‫‪   ‬‬


‫قبول قولها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬ميزان األصول (‪.)145-144/1‬‬
‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)431-430/2‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)385-380/2‬‬
‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (‪.)807-799/2‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ فـي مباحث األصوليني (‪.)367-363/1‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)440-432/2‬‬

‫‪302‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫الفرق بني األمر والنهي‬

‫مبحث األمر والنهي هو أحد المباحث الرئيسة يف علم أصول الفقه‪ ،‬التي أفردت‬
‫لها أبواب خاصة يف مصنفات األصوليين؛ ألهمية متعلقها الذي هو الوحي‪ ،‬وما يرتتب‬
‫عليه من فهم كالم الشارع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وقد أردف غالب األصوليين باب النهي عقب باب األمر على اعتبار أن مباحث‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫النهي تقرتب من مباحث األمر‪ ،‬وأن ما يقال يف النهي قد قيل قبل ذلك يف باب األمر‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫إال يف القليل الذي اختلف فيه النهي عن األمر‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫ويف هذا المبحث رصد ألبرز أربعة فروق بين األمر والنهي‪ ،‬عند األصوليين‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفروق بني األمر والنهي‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفرق األول‪ :‬فـي حصول االمتثال‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ذهب جمهور األصوليين إلى أن االمتثال لألمر يحصل بفعل المأمور به مرة واحدة‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫بخالف النهي‪ ،‬فإنه ال يحصل إال بتكرار االمتثال للنهي أبدً ا‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫فلو قال اآلمر تصدق‪ ،‬فإن هذا األمر يقتضي فعل التصدق مرة واحدة ال بتكرار‪،‬‬
‫وإذا هناه عن الزنى‪ ،‬فالمقصود ترك ماهيته‪ ،‬باالستمرار على عدمها ما عاش‪ ،‬حتى لو عمر‬
‫‪   ‬‬

‫ألف سنة أو أكثر‪ ،‬وزنى يف آخر ساعة من عمره لعد مخال ًفا عاص ًيا‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الفرق الثاني‪ :‬فـي اشرتاط االستطاعة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أن االستطاعة تشرتط يف األمر دون النهي‪ ،‬يظهر ذلك من قوله ﷺ‪« :‬إذا أمرتكم‬
‫بأمر فأتوا منه ما استطعتم‪ ،‬وما نهيتكم عنه فانتهوا»(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫وذلك أن النهي لدفع المفاسد‪ ،‬واألمر لتحصيل المصالح‪ ،‬واعتناء الشارع بدفع‬
‫المفاسد أكثر من اعتنائه بتحصيل المصالح؛ ألن المفاسد يف الوجود أكثر‪ ،‬فاشرتطت‬
‫االستطاعة لألمر دون النهي‪ ،‬وألن النهي عن الشيء موافق لطبيعة اإلنسان بعدم الفعل‪،‬‬
‫بخالف األمر‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7288‬ومسلم (‪ )1337‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫‪303‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفرق الثالث‪ :‬فـي مقتضى كل منهما‪:‬‬


‫مقتضى األمر المطلق الوجوب وتحريم أضداده‪ ،‬ومقتضى النهي المطلق التحريم‬
‫وإيجاب أحد أضداده‪.‬‬
‫وذلك أن تحقيق مقتضى األمر ال يتأتى إال بالكف عن سائر أضداد المأمور به‪ ،‬فلو‬
‫أمره بالقيام فلن يمتثل لألمر إال بالكف عن الجلوس والنوم والمشي‪ ،‬أما لو هناه عن القيام‬
‫ً‬
‫ممتثاًل‪ ،‬ولو نام‬ ‫فإنه يحقق مقتضى النهي بفعل ضد واحد من أضداد القيام‪ ،‬فلو جلس كان‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬
‫ممتثاًل‪ ،‬وهكذا‪.‬‬ ‫كان‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الفرق الرابع‪ :‬فـي حكم تعاقبهما‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫أن األمر بعد النهي يدل على اإلباحة‪ ،‬والنهي بعد األمر يدل على التحريم‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫ألن األمر أحد الطرق إِلى ِ‬
‫‪    ‬‬
‫اإلباحة‪ ،‬فلهذا جاز أن يراد هبا‪ ،‬وليس النهي طري ًقا إِليها‪ ،‬فلم‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يجز أن يراد هبا‪ ،‬وألن النهي آكد من األمر‪ ،‬فلم يستويا‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ومثال األمر بعد النهي‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﭯ ﭰ ﭱ﴾ [الجمعة‪ ]10 :‬بعد قوله‪﴿ :‬ﭞ ﭟ﴾ [الجمعة‪ ]9 :‬فإن المراد باالنتشار‬


‫‪    ‬‬

‫وابتغاء فضل اهلل‪ :‬البيع؛ حيث جاء بعد النهي عنه‪ ،‬فاقتضى إباحته‪.‬‬
‫ومثال النهي بعد األمر‪ :‬كأن يقول الرجل البنه‪( :‬ك ُْل من هذا الطعام)‪ ،‬ثم يقول له‬
‫‪ ‬‬

‫بعد ذلك‪( :‬ال تأكل منه)‪ ،‬فقد جاء النهي بعد األمر‪ ،‬فاقتضى حظر األكل عليه‪.‬‬
‫وبقطع النظر عن مدى رجحان تلك المسائل األصولية إال أن المراد بيان أبرز‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الفروق بين األمر والنهي التي قد يناط هبا بعض التفريعات األصولية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)377/2‬‬


‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)287/3‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)15/3‬‬
‫‪ -‬نفائس األصول (‪.)1661/4‬‬
‫‪ -‬ميزان األصول (‪.)145/1‬‬
‫‪ -‬العدة فـي أصول الفقه ألبي يعلى (‪.)276/1‬‬
‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)136‬‬
‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)525/2‬‬

‫‪304‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫أقسام اللفظ‬
‫من حيث عمومه وخصوصه‬
‫ينقسم اللفظ من حيث عمومه وخصوصه إىل أربعة أقسام‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬خطاب عام اللفظ واملعنى‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫كقول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ﴾ [البقرة‪.]282 :‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬خطاب خاص اللفظ واملعنى‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫«ح ِّرم لباس‬ ‫األشعري ﭬ‪ّ ،‬‬
‫أن رسول اهلل ﷺ قال‪ُ :‬‬ ‫كما يف حديث أبي موسى‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ِّ‬

‫‪   ‬‬


‫وأ ّ‬
‫حل إلناثهم»(((‪.‬‬ ‫أمتي ُ‬ ‫الحرير ّ‬
‫والذهب على ذكور ّ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬خطاب خاص اللفظ عام املعنى‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫كقوله تعالى‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [اإلسراء‪ ،]23 :‬فإن المراد النهي عن أنواع‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫العقوق كلها‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬خطاب عام اللفظ‪ ،‬واملراد به اخلصوص‪:‬‬


‫كقوله تعالى‪﴿ :‬ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [آل عمران‪،]173 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫فإن المراد بالناس األول‪ :‬نعيم بن مسعود أو أربعة نفر‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الرسالة للشافعي (‪.)61-53/1‬‬
‫‪ -‬تقريب الوصول (ص‪.)159-158‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)338-336/4‬‬

‫صحيح)‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫((( أخرجه الرتمذي (‪ ،)1720‬والنسائي (‪ .)5148‬قال الرتمذي‪( :‬حس ٌن‬
‫‪305‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫التمييز بني العام‬


‫وبني ما يشبهه من األلفاظ‬
‫تنوعت عبارات األصوليين يف تعريف اللفظ العام‪ ،‬وكلها تدور حول ركيزة أساسية‬
‫هي الشمول‪ ،‬وقد أنتجت تلك الطبيعة للعام تقار ًبا مع بعض األلفاظ األخرى التي قد‬
‫تلتقي معه يف بعض السمات‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫فمن المصطلحات المشاهبة للعام‪( :‬المطلق‪ ،‬والمشترك‪ ،‬واسم العدد)‪ ،‬أما المطلق‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والمشرتك فيدرسان يف مواطن أخرى(((‪ ،‬وفيما يأيت بيان الفرق بين العام واسم العدد‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الفرق بني العام واسم العدد‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يتضح الفرق بين اسم العدد والعام‪ ،‬من جهة أن اسم العدد هو اللفظ الدال على‬
‫‪    ‬‬

‫الكثرة المعينة‪ ،‬أما اسم العام فإنه يدل على الكثرة غير المعينة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وبيان ذلك‪ :‬أن اللفظ إن دل على وحدات متعددة وهي الكثرة‪ ،‬فإن كانت تلك الكثرة‬
‫‪    ‬‬

‫معينة ‪-‬كعشرين وثالثين‪ -‬فهو اسم العدد‪ ،‬وإن كانت غير معينة ‪-‬كلفظ (الناس)‪ -‬فهو العام؛‬
‫‪    ‬‬

‫ألن الكثرة يف الناس غير معينة أو محددة‪ ،‬بخالف عشرين وثالثين ونحو ذلك‪.‬‬
‫وقد يجتمع العام والعدد يف لفظ واحد‪ ،‬نحو‪( :‬المائة) و(األلف)‪ ،‬فإذا نظرنا إلى‬
‫‪ ‬‬

‫كل منهما باعتبار ضبط وحدهتما كان كل منهما عد ًدا‪.‬‬


‫وإن نظرنـا إلـى كل منهمـا باعتبـار أن أفـراد المائة غير مقدرة بمعـدود لتناولها كل‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫المئـات بلا حصـر‪ ،‬وكـذا أفـراد األلف تتنـاول كل اآلالف بلا حصر بمعـدود معين من‬
‫األلـف‪ ،‬كان كل منهمـا عا ًّمـا فيه‪ ،‬وهـو المئات يف المائـة‪ ،‬واآلالف يف األلف‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)459-457/2‬‬


‫‪ -‬التلخيص فـي أصول الفقه (‪.)211/2‬‬
‫‪ -‬الشرح الكبري ملختصر األصول (ص ‪.)235‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)101/3‬‬
‫‪ -‬املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد (ص‪.)115‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪( ،)260‬ص‪.)355-353‬‬


‫‪306‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫ذكر اخلالف فـي كون العموم‬


‫من عوارض املعاني‪ ،‬ومثرة اخلالف‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫اتفق العلماء على أن العموم من عوارض األلفاظ حقيقة‪ ،‬وأما عروضه للمعاين فقد‬

‫‪   ‬‬


‫اختلفوا فيه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫اختلف األصوليون يف كون العموم من عوارض المعاين على قولين رئيسين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫مجازا‬
‫ً‬ ‫القول األول‪ :‬أنه يكون من عوارض اللفظ حقيقة‪ ،‬ومن عوارض المعاين‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ال حقيقة‪ ،‬وإليه ذهب جمهور األصوليين‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬أنه يكون من عوارض المعاين حقيقة كما هو يف اللفظ‪ ،‬وهو اختيار‬
‫‪    ‬‬

‫ابن الحاجب والقرايف وغيرهما من المالكية‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وليس المراد بقولهم‪ :‬من (عوارض المعاين) المعاين التابعة لأللفاظ؛ فإن هذه‬
‫ال خالف يف عمومها ألن لفظها عام‪ ،‬وإنما المراد المعاين المستقلة كالمقتضى والمفهوم‬
‫‪ ‬‬

‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫دليل القول األول (أنه من عوارض املعاني جما ًزا)‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أنه يف الحقيقة ال يعرض إال لصيغة لفظية‪ ،‬كالمسلمين والمشركين‪ ،‬ونحو ذلك من‬
‫‪ ‬‬

‫صيغه‪ ،‬كما أن الصحة والسقم ال يعرضان بالحقيقة إال للحيوان‪ ،‬واالتصال واالنفصال‬
‫‪‬‬

‫ال يعرضان بالحقيقة إال للجسم‪.‬‬


‫‪‬‬

‫دليل القول الثاني (أنه من عوارض املعاني حقيقة)‪:‬‬


‫أنه كما صح يف األلفاظ شمول أمر لمتعدد يصح يف المعاين شمول معنى لمعاين‬
‫الملِ ُك‬
‫عم َ‬‫متعددة بالحقيقة فيهما‪ ،‬واإلطالق شائع ذائع يف لسان أهل اللغة بقولهم‪َّ :‬‬
‫الناس بالعطاء واإلنعام‪ ،‬وعمهم المطر والخصب والخير وعمهم القحط‪ .‬وهذه األمور‬
‫من المعاين ال من األلفاظ‪ ،‬واألصل يف اإلطالق الحقيقة‪.‬‬
‫‪307‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫نوقش‪ :‬بأن اإلطالق يف مثل هذه المعاين مجاز لوجهين‪:‬‬


‫األول‪ :‬أنه لو كان حقيقة يف المعاين ال َّطرد يف كل معنى؛ إذ االطراد الزم الحقيقة‪،‬‬
‫وهو غير مطرد‪.‬‬
‫ً‬
‫متناواًل ألمور متعددة من‬ ‫الثاين‪ :‬أن من لوازم العام أن يكون متحدً ا‪ ،‬ومع اتحاده‬
‫جهة واحدة‪ ،‬وما ذكر من أمثلة ال تتساوى أفرادها بالحكم‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫الخالف لفظي‪ ،‬وبيان ذلك‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -‬أنه لو قيل‪ :‬إن استعمال العموم يف األلفاظ ويف المعاين استعمال حقيقي‪ ،‬للزم‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫من ذلك أن يكون العموم مشرتكًا لفظ ًّيا بين األلفاظ والمعاين‪ ،‬واالشرتاك خالف األصل‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫مجازا بخالفه يف األلفاظ‪ ،‬فإنا نكون قد‬
‫ً‬ ‫لكن لو قيل‪ :‬إن العموم من عوارض المعاين‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تخلصنا من االشرتاك‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬ولو أريد بالعموم‪ :‬استغراق اللفظ لمسمياته‪ ،‬فهو من عوارض األلفاظ خاصة‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وإن أريد بالعموم‪ :‬شمول أمر لمتعدد مطل ًقا‪ ،‬دون النظر إلى تساوي الن َِّسب أو ال‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫فهو من عوارض األلفاظ والمعاين م ًعا‪ ،‬حيث عطاء األمير يعم الناس مثال‪ ،‬لكنه ال يساوي‬
‫بينهم يف قدر المعطى لكل واحد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وإن أريد بالعموم‪ :‬شمول مفهوم األفراد فهو من عوارض المعاين خاصة‪.‬‬
‫وبذلك يتبين أن الخالف لفظي‪ ،‬ألنه مبني على الخالف يف مفهوم العموم عند كل طائفة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)225-224‬‬
‫‪ -‬العقد املنظوم (‪.)144-141/1‬‬
‫‪ -‬تشنيف املسامع (‪.)649-647/2‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2326-2323/5‬‬
‫‪ -‬بيان املختصر لألصفهاني (‪.)111-108/2‬‬
‫‪ -‬املهذب فـي علم أصول الفقه املقارن (‪.)1466-1453/4‬‬

‫‪308‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫داللة العام من حيث القطعية والظنية‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬
‫األصل يف صيغ العموم أهنا تدل على كافة أفرادها المندرجة تحتها‪ ،‬ولكن قوة‬

‫‪   ‬‬


‫داللتها على تلك األفراد محل خالف بين أهل العلم‪ ،‬أهي على سبيل القطع أو على‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫سبيل الظن(((؟‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫أواًل‪( :‬داللة العا ّم على أصل المعنى قطعية بال خالف)(((‪ ،‬والمراد بأصل المعنى‪:‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫أقل ما يصدق عليه اللفظ‪ ،‬وهو الواحد إذا كان اللفظ غير جمع‪ ،‬واالثنين أو الثالثة يف الجمع‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫رجاًل واحدً ا غير معين قط ًعا‪ ،‬وكلمة‬ ‫ومثال ذلك‪ :‬كلمة (الرجل) العامة‪ :‬تشمل ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫(الرجال) تشمل رجلين أو ثالثة رجال غير معينين قط ًعا‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪( :‬إن قام دليل على انتفاء تخصيص العام كانت داللته قطعية اتفا ًقا)(((‪.‬‬
‫ومثال ذلك‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾[الحجرات‪ ،]16 :‬فإنه عام ال يحل‬
‫‪ ‬‬

‫تخصيصه باتفاق المسلمين‪.‬‬


‫ثال ًثا‪ :‬إن اقرتن بالعام ما يدل على تخصيصه‪ ،‬فال يخلو‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ ‪-‬إما أن تدل القرائن على تعيين األفراد المخصوصة‪ ،‬فتكون داللة العام ظنية‬
‫‪ ‬‬

‫باتفاق المذاهب األربعة(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ومثال ذلك‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [آل عمران‪ ،]97 :‬فإن لفظ‬
‫(الناس) عام خص منه المجنون والصبي‪ ،‬فأصبحت داللته ظنية‪.‬‬
‫‪‬‬

‫((( المراد بالقطع هنا‪ :‬أن صيغ العموم تدل عليه يقينًا‪ ،‬فال يرد عليها احتمال التخصيص الناشئ عن دليل‪.‬‬
‫والمراد بالظن‪ :‬أهنا تدل على العموم مع احتمال ورود التخصيص عليها‪ ،‬لكن العموم فيها أرجح من الخصوص‬
‫ما لم يرد دليل التخصيص‪.‬‬
‫((( الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص‪.)273‬‬
‫((( البدر الطالع يف حل ألفاظ جمع الجوامع (‪ )340/1‬بتصرف‪.‬‬
‫((( وأشار بعض العلماء إلى خالف ضعيف يف المسألة‪ ،‬انظر‪ :‬القطع والظن عند األصوليين (ص‪.)333‬‬
‫‪309‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ ‪-‬وإما أن تدل القرائن على أن اللفظ العام غير قابل للتعميم دون تعيين المخصوص‬
‫منه‪ ،‬فإنه يكون كالمجمل يتوقف فيه حتى يتبين المراد منه باالتفاق‪.‬‬
‫قال الزركشي‪( :‬ليخرج ما يثبت إنه غير مجمل للتخصيص بدليل‪ ،‬فإن‬
‫داللته على األفراد قطعية بال خالف؛ كقوله تعالى‪﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾‪.‬‬
‫وكذلك ما ال يحتمل إجراؤه على العموم‪ ،‬أي ال يمكن اعتبار العموم فيه‪ ،‬لكون المحل‬
‫غير قابل له)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومثال ذلك‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ﴾ [الحشر‪ ،]20 :‬فإنه‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫يقتضي نفي المساواة بينهما يف جميع الوجوه‪ ،‬لكن القرينة تدل على أن اللفظ غير قابل‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫للتعميم يف كل الوجوه؛ لعلمنا بتساويهما يف البشرية‪ ،‬والوجود‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬فعلم أن نفي‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫المساواة مخصوص ببعض الوجوه دون بعض‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬محل الخالف يف داللة العام المجرد عن القرائن على كل فرد من أفراده فيما‬
‫‪   ‬‬

‫زاد على أصل المعنى‪ ،‬أهي داللة قطعية أو ظنية؟‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫اختلف األصوليون يف داللة العام على قولين‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬أن داللة العام على أفراده داللة ظنية‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫وإليه ذهب جمهور العلماء من المالكية‪ ،‬والشافعية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬واختاره بعض الحنفية‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن داللة العام على أفراده داللة قطعية‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وإليه ذهب جمهور الحنفية‪ ،‬وبعض الحنابلة‪ ،‬ونقل عن اإلمام الشافعي‪ ،‬ويحكى‬
‫‪ ‬‬

‫رواية عن اإلمام أحمد‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫دليل القول األول (أن داللته ظنية)‪:‬‬


‫‪‬‬

‫كثيرا من نصوص األحكام العامة مخصوصة(((‪ ،‬وكثرة التخصيص‬


‫الدليل األول‪ :‬أن ً‬
‫ً‬
‫احتمااًل يف دخول كل فرد تحت اللفظ العام‪ ،‬ومع االحتمال يزول القطع‪.‬‬ ‫تورث‬

‫((( تشنيف المسامع (‪.)655/2‬‬


‫((( حتى قيل‪ :‬ما من عام إال وقد خص إال قول اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [البقرة‪ ،]282 :‬مما يدل على كثرة‬
‫التخصيص الوارد على العمومات يف الكتاب والسنة‪.‬‬
‫وقد ناقش شيخ اإلسالم ابن تيمية هذه المقالة يف مجموع الفتاوى (‪.)440/6‬‬
‫‪310‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫نوقش‪ :‬بأن االحتمال إذا لم ينشأ عن دليل فال أثر له‪ ،‬فكما أن الخاص يرد عليه‬
‫احتمال المجاز‪ ،‬وال يقدح يف قطعيته‪ ،‬فكذلك العام يرد عليه احتمال التخصيص‪ ،‬فينبغي‬
‫أن ال يؤثر يف قطعيته‪.‬‬
‫أجيب‪ :‬بأن قياس العام على الخاص يف عدم تأثير االحتمال فيهما قياس مع الفارق‪،‬‬
‫ويتبين الفرق من وجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن ورود االحتمال على الخاص ليس شائ ًعا كشيوعه على العام‪ ،‬بل‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -‬الغالب يف الخاص استعماله يف معناه الحقيقي دون المجازي‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -‬والغالب يف العام ورود التخصيص عليه دون بقائه على العموم‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫وعليه فإن احتمال التجوز يف (الخاص) ضعيف‪ ،‬واحتمال التخصيص يف (العام)‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫غالب‪ ،‬فافرتقا‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن إخراج بعض أفراد العام عنه ال يخرجه عن حقيقته‪ ،‬بل يبقى‬
‫‪   ‬‬

‫ً‬
‫متناواًل لبقية أفراده‪ ،‬وهذا ال يتصور يف الخاص‪ ،‬فإن ورود المجاز عليه‬ ‫بعد تخصيصه‬
‫‪    ‬‬

‫يخرجه عن حقيقته‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬صحة تأكيد اللفظ العام‪ ،‬كما يف قول اهلل تعالى‪﴿ :‬ﯶ ﯷ‬
‫‪    ‬‬

‫ﯸ ﯹ﴾ ِ‬
‫[الحجر‪ ،]30 :‬ولو كان العموم يفيد القطع لما احتيج إلى تأكيده‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن التأكيد مستعمل يف اللغة‪ ،‬وال يدل على عدم قطعية ما يؤكده‪ ،‬بدليل أنه‬
‫‪ ‬‬

‫يرد على األعداد ‪ -‬وهي قطعية ‪ -‬كما يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﰏ ﰐ ﰑ ﴾[البقرة‪.]196 :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫دليل القول الثاني (أن داللته قطعية)‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬أن األلفاظ تدل على معانيها يف اللغة قط ًعا‪ ،‬وألفاظ العموم موضوعة‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫للعموم فتكون قطعية الداللة على كل فرد من أفراده حتى يرد ما يصرفها عن ذلك‪.‬‬
‫نوقش من وجهين‪:‬‬
‫‪‬‬

‫الوجه األول‪ :‬عدم التسليم بأن داللة كافة األلفاظ يف اللغة قطعية‪ ،‬بل منها ما يعد‬
‫ظاهرا فيما وضع له‪ ،‬كألفاظ العموم؛ لما ذكر من ورود احتمال التخصيص عليها‪.‬‬ ‫ً‬
‫الوجه الثاين‪ :‬على فرض التسليم بأن داللة األلفاظ قطعية على ما وضعت له‪،‬‬
‫فإن هذا مسلم إذا لم يوجد للفظ استعمال عريف أو شرعي‪ ،‬وهذا متحقق يف ألفاظ العموم‪،‬‬
‫كثيرا‪ ،‬ويراد هبا بعض أفرادها‪.‬‬
‫فإهنا تستعمل يف الشرع ً‬

‫‪311‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الدليل الثاين‪ :‬لو جاز أن يرد العام ويراد به بعض أفراده من غير قرينة تدل على ذلك‬
‫للزم التلبيس‪ ،‬والتكليف بالمحال؛ فالسامع ال يمكنه معرفة المراد منه‪ ،‬فإذا ُك ِّلف مراعاة‬
‫هذا االحتمال كان ذلك تكلي ًفا بما ال يطاق؛ ألن إرادة المتكلم خفية ال تعلم إال بداللة منه‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بعدم التسليم‪ ،‬فال يلزم من استعمال العام يف بعض أفراده الوقوع يف‬
‫التلبيس‪ ،‬أو التكليف بالمحال؛ ألن المكلف مطالب بالعمل بالظاهر‪ ،‬وهذا ليس فيه‬
‫تلبيس وال استحالة؛ فالعام ظاهر يف شموله لجميع أفراده‪ ،‬فيجب عليه العمل بذلك ما‬

‫‪   ‬‬


‫لم يرد الصارف‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫راب ًعا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف داللة العام خال ًفا يف بعض المسائل‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األصولية‪ ،‬منها ما يأيت‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫مسألة‪ :‬ختصيص العام املتواتر بالدليل الظين كخرب اآلحاد والقياس‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫جوز تخصيصه بالدليل الظني؛ ألهنما متساويان يف‬


‫فمن قال بأن داللة العام ظنية‪َّ :‬‬
‫‪    ‬‬

‫إفادة الظن‪.‬‬
‫وبعض من قال بأن داللة العام قطعية‪ :‬منع تخصيصه بالدليل الظني؛ ألهنما غير‬
‫‪ ‬‬

‫متساويين يف قوة الداللة والثبوت‪ ،‬فالعام قطعي‪ ،‬واآلخر ظني‪ ،‬وذلك بناء على اشرتاطهم‬
‫تساوي العام والخاص عند التخصيص‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫مسألة‪ :‬تعارض العام واخلاص‪:‬‬


‫فمن قال بأن داللة العام ظنية‪ :‬ينفي التعارض بين العام والخاص؛ لعدم تساويهما‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫يف الداللة‪ ،‬فالخاص القطعي مقدم على العام الظني يف األفراد المخصوصة‪ ،‬ويبقى العمل‬
‫‪‬‬

‫كل يف موضعه المناسب‪.‬‬‫بالعام يف األفراد غير المخصوصة‪ ،‬وهبذا يتم العمل هبما م ًعا‪ٌّ ،‬‬
‫ومن قال بأن داللة العام قطعية‪ :‬أثبت التعارض بينهما بالقدر الذي يدل عليه‬
‫الخاص؛ لتساويهما يف القطعية‪ ،‬فيعمل حينها بقواعد دفع التعارض‪ ،‬وهذا من شأنه‬
‫أن ينتج أحكا ًما مخالفة لما عليه أصحاب القول األول‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬إمكانية نسخ العام‬
‫للخاص إذا تأخر عنه‪.‬‬

‫‪312‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫مسألة‪ :‬اعتقاد العموم قبل البحث عن الدليل املخصص‪:‬‬


‫فبعض من قال بأن داللة العام ظنية‪ :‬أوجب البحث عن الدليل المخصص قبل‬
‫اعتقاد العموم‪.‬‬
‫وبعض من قال بأن داللة العام قطعية‪ :‬أوجب اعتقاد العموم يف الحال‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)132/1‬‬


‫‪ -‬تلقيح الفهوم فـي تنقيح صيغ العموم (ص‪.)235-224‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)29-26/3‬‬


‫‪ -‬التلويح (‪.)76-70/1‬‬
‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (ص‪.)320-309‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2341-2338/5‬‬
‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)271-267/1‬‬
‫‪ -‬نثر الورود شرح مراقي السعود (‪.)201-200/1‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)320-315‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (‪.)542-537/2‬‬

‫‪313‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أنواع اخلطاب بالعام‪ ،‬وداللة كل نوع‬

‫يقسم العام باعتبارات مختلفة‪ ،‬أهمها اعتباران‪( :‬التخصيص ‪ -‬طريق معرفة العموم)‪.‬‬
‫االعتبار األول‪ :‬تقسيم العام باعتبار ختصيصه إىل قسمني‪:‬‬
‫(عام محفوظ ‪ -‬عام مخصوص)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫القسم األول‪ :‬عام محفوظ‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وهو اللفظ العام الباقي على عمومه ولم يدخله تخصيص‪ ،‬فيتناول جميع أفراده‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫المشمولة بلفظه بال استثناء‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾ [هود‪.]6 :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬عام مخصوص‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهو اللفظ العام الذي زال عمومه ودخله التخصيص‪ ،‬فيتناول بعض أفراده‬
‫‪    ‬‬

‫المشمولة بلفظه دون الجميع‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ‬


‫ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [المؤمنون‪.]6-5 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫فقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾ لم يبق على عمومه؛ فخرج منه األخت من‬
‫الرضاعة إن كانت بملك اليمين؛ لقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [النساء‪.]23 :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬تقسيم العام باعتبار طريق معرفة عمومه إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫(العموم اللفظي – العموم العرفـي‪ -‬العموم العقلي)‪.‬‬


‫‪‬‬

‫القسم األول‪ :‬العموم اللفظي‪:‬‬


‫‪‬‬

‫وهو ما استفيد عمومه من جهة اللغة فقط‪ ،‬بمعنى أن اللفظ قد وضع يف اللغة‬
‫للعموم‪ ،‬وهو الذي تناوله األصوليون يف باب العموم‪ ،‬ومبناه على ألفاظ العموم‪ ،‬فإذا‬
‫أطلق العام والعموم كان المراد هبما اللفظي‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬العموم العريف‪:‬‬
‫وهو ما استفيد عمومه من جهة العرف مع كون اللفظ بمقتضى وضعه اللغوي‬
‫ال يفيد العموم‪.‬‬
‫‪314‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫مثاله‪ :‬قوله تعالى ﴿ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [النساء‪ ]23:‬فإن هذا اللفظ‬


‫باعتبار وضعه اللغوي يفيد حرمة شيء ما من األمهات‪ ،‬وهذا يصدق بحرمة وطئهن فقط‪،‬‬
‫ولكن أهل العرف نقلوه من هذا المعنى وجعلوه مفيدً ا لحرمة جميع االستمتاعات المتعلقة‬
‫باألمهات‪ ،‬من الوطء‪ ،‬والقبلة‪ ،‬واللمس‪ ،‬والنظر بشهوة‪ ،‬فكان العموم من جهة العرف(((‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬العموم العقلي‪:‬‬
‫أيضا‪ ،‬وهو العموم المستفاد من جهة العقل‪ ،‬أو من طريق‬‫ويسمى العموم المعنوي ً‬

‫‪   ‬‬


‫المعنى مع خصوص اللفظ الدال عليه من حيث الوضع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وله مخس صور مشهورة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫الصورة األولى‪ :‬العموم المستفاد بطريق االستقراء‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫الصورة الثانية‪ :‬العموم المستفاد من اللفظ الموجه لواحد من الصحابة(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الصورة الثالثة‪ :‬عموم الخطاب الموجه للرسول ﷺ لألمة(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫الصورة الرابعة‪ :‬عموم المفهوم؛ سواء كان مفهوم موافقة‪ ،‬أم مخالفة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثاله يف مفهوم الموافقة‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬


‫‪    ‬‬

‫ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [النساء‪ ]10 :‬فاآلية من حيث اللفظ حذرت من أكل مال اليتيم‪،‬‬


‫يفوت على اليتيم ماله؛ سواء أكان ً‬
‫أكاًل‪ ،‬أم‬ ‫ومن حيث المفهوم هي عامة يف كل تصرف ِّ‬
‫‪ ‬‬

‫لبسا‪ ،‬أم صدقةً‪.‬‬


‫ً‬
‫ومثاله يف مفهوم المخالفة‪ :‬حديث عبد اهلل بن عمر ﭭ أن النبي ﷺ قال‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫«إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»(((‪ ،‬فمنطوقه خاص بما بلغ القلتين‪ ،‬وال تعرض فيه‬
‫‪ ‬‬

‫لما نقص عن القلتين بالذكر‪ ،‬ولكن مفهومه يدل على أن كل ماء نقص عن القلتين يحمل‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫((( وهذا النوع محل خالف وأشار إليه ابن قدامة‪ ،‬انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)346/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪)408/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر(‪)404/2‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)63‬والرتمذي (‪ ،)67‬والنسائي (‪ ،)52‬وأحمد (‪ ،)4605‬والحاكم (‪ ،)461‬والبيهقي يف‬
‫معرفة السنن واآلثار (‪ ،)1882‬قال الحاكم‪( :‬وقد صح وثبت هبذه الرواية صحة الحديث)‪ ،‬وقال البيهقي‪:‬‬
‫ٌ‬
‫موصول)‪ ،‬وقد استوعب الدارقطني أسانيده يف العلل (‪ ،)435/12‬وحكم بكونه محفو ًظا؛‬ ‫صحيح‬
‫ٌ‬ ‫(وهذا إسنا ٌد‬
‫وال وجه للقول باضطرابه‪.‬‬

‫‪315‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الخبث‪ ،‬أي‪ :‬يتنجس بمالقاة النجاسات‪ ،‬وإن لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه؛ سواء أكان‬
‫هذا الماء راكدً ا أم جار ًيا‪ ،‬وسواء أكان يف إناء أم يف بئر ونحوها‪.‬‬
‫الصورة الخامسة‪ :‬عموم العلة المنصوصة أو المومأ إليها‪:‬‬
‫مثالالعلةالمنصوصة‪:‬قولهﷺ‪«:‬إنما ُجعلاالستئذانمنأجلالبصر»((( فالرسول ﷺ‬
‫ع ّلل االستئذان على الناس يف بيوهتم من أجل تحريم النظر إلى عورات الناس‪ ،‬وما‬
‫ال يودون االطالع عليه داخل بيوهتم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫فهذه العلة عامة يف تحريم االطالع على عورات الناس‪ ،‬وما ال يحبون أن يطلع‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫عليه الغرباء؛ سواء أكان داخل البيت‪ ،‬أم يف أي حرز آخر‪ ،‬فال يجوز لمن أذن له بالدخول‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫يف المجلس أن ينظر إلى ما يف داخل غرف النوم‪ ،‬وال يجوز له أن يطلع على ما خبأه‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫صاحب البيت يف صندوق‪ ،‬أو محفظة‪ ،‬ونحو ذلك بغير إذنه‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثال العلة المومأ إليها‪ :‬ما جاء يف حديث أبي بكرة الثقفي ﭬ‪ ،‬أن رسول اهلل ﷺ‬
‫‪   ‬‬

‫الرتوي يف الحكم‬
‫حكم بين اثنين وهو غضبان»(((‪ ،‬فيشمل كل ما يمنع ّ‬ ‫ٌ‬ ‫يقضين‬
‫ّ‬ ‫قال‪« :‬ال‬
‫‪    ‬‬

‫من جوع أو غضب أو غيرهما‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2344-2338/5‬‬


‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)230-226 ،201-195‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)298-289‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه ألبي النور زهري (‪.)176-168/2‬‬
‫‪ -‬معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص‪.)415-412‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)6241‬ومسلم (‪ )2156‬من حديث سهل بن ٍ‬


‫سعد ﭬ‪.‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7158‬ومسلم (‪ ،)1717‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪316‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫معنى اللفظ اخلاصّ وأنواعه‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬معنى اللفظ اخلاص‪:‬‬
‫(خص)‪ ،‬يدل على معنى اإلفراد بالشيء‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫َّ‬ ‫الخاص يف اللغة‪ :‬اسم فاعل من‬
‫ّ‬

‫‪   ‬‬


‫خص فالنًا بكذا أي‪ :‬أفرده به‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والخاص يف االصطالح‪( :‬اللفظ الدال على واحد بعينه)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫شرح التعريف‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫قولهم‪( :‬اللفظ)‪ :‬جنس يف التعريف يشمل كافة األلفاظ‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫قولهم‪( :‬الدال)‪ :‬قيد يف التعريف يخرج األلفاظ المهملة؛ لعدم داللتها على شيء‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫قولهم‪( :‬واحد بعينه)‪ :‬قيد يف التعريف يخرج (العام)؛ لكونه لف ًظا ً‬


‫دااًل على أكثر من‬
‫‪    ‬‬

‫واحد باستغراق‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ولفظ (واحد) يف التعريف يشمل الواحد بالشخص‪ ،‬كأسماء األعالم الخاصة‬


‫‪ ‬‬

‫بأفراد بأعياهنم‪ ،‬والواحد بالنوع كلفظة (رجل)‪ ،‬والواحد بالجنس كلفظة (إنسان)‪،‬‬
‫والواحد بالمعاين كلفظة ِ‬
‫(الع ْلم)‪ ،‬فكلها من قبيل الخاص؛ لداللتها على واحد معين‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫بغض النظر عن أفراده‪ ،‬بخالف‬


‫فاللفظ فيها متناول لمعنى واحد من حيث ذلك المعنى‪ّ ،‬‬
‫‪ ‬‬

‫العام الذي ُينظر فيه إلى المعنى‪ ،‬واستغراقه ألفراده‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫كما يشمل التعريف الواحد االعتباري كـ (أسماء األعداد‪ ،‬والمثنى‪ ،‬وغيرها)؛‬


‫‪‬‬

‫لكوهنا وضعت وض ًعا واحدً ا لما تدل عليه من عدد‪ ،‬فهي خاصة بذلك العدد‪ ،‬وتفرتق‬
‫عن العام بكوهنا محصورة؛ ولذا رأى بعض األصوليين ضرورة التنصيص على قيد‬
‫(الكثرة المحصورة) يف التعريف‪.‬‬

‫((( وهذا تعريف شيخ اإلسالم ابن تيمية يف المسودة فـي أصول الفقه (ص‪ ،)571‬وقريب منه تعريف الطويف يف‬
‫شرح مختصر الروضة (‪.)550/2‬‬
‫‪317‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫نظرا‬
‫ولهذا فإن العلماء قد يطلقون وصف (الخاص) على بعض ألفاظ العموم؛ ً‬
‫لما هو أعم منها‪ ،‬فتكون خاصة بالنسبة لما هو أعم منها‪ ،‬عامة بالنسبة لما هو أخص منها‪.‬‬
‫خاصا؛ ولذا‬
‫ً‬ ‫وقد أورد على قيد (بعينه)‪ :‬أنه أخرج المطلق ‪-‬ونحوه‪ -‬مع كونه‬
‫استغني عنه يف تعريفات أخرى؛ ليشمل الخاص المعين كزيد‪ ،‬وغير المعين كرجل‪.‬‬
‫وهبذا ُيعلم أن مصطلح (الخاص) ينطبق على‪ :‬األمر والنهي‪ ،‬والمطلق والمقيد‪،‬‬
‫ونحوها؛ لخصوصيتها بمعانيها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ثان ًيا‪ :‬أنواع اللفظ اخلاص‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يتنوع الخاص إلى أنواع متعددة باعتبارين رئيسين‪( :‬الكلية ‪ -‬والوضع)‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫االعتبار األول‪ :‬أنواع اخلاص بالنظر إىل كليته وعدمها‪ ،‬وينقسم إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم األول‪ :‬خاص شخصي‪ ،‬مثل‪ :‬أسماء األعالم كخالد‪ ،‬وبكر‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬خاص نوعي‪ ،‬مثل‪ :‬رجل وامرأة وفرس‪ ،‬ويدخل تحته الواحد‬
‫‪    ‬‬

‫االعتباري‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬خاص جنسي‪ ،‬مثل‪ :‬إنسان‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬أنواع اخلاص بالنظر إىل ما وضع له‪ ،‬وينقسم إىل قسمني‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم األول‪:‬خاص موضوع للذوات‪ ،‬مثل‪ :‬لفظة (رجل)‪.‬‬


‫القسم الثاين‪ :‬خاص موضوع للمعاين‪ ،‬مثل‪ :‬لفظة (الجهل)‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)197-196/2‬‬


‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)571‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)550/2‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)32-30/1‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)240/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2319- 2318/5‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ فـي مباحث األصوليني (‪.)138-135/1‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (ص‪.)622-621‬‬

‫‪318‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫نوع داللة اخلاص‬

‫الداللة املرادة هنا هي الداللة الوضعية‪:‬‬


‫أي‪ :‬داللة هذا اللفظ على معناه‪ ،‬بحيث إذا أطلق لم يفهم منه غيره‪ ،‬فإن لم يحتمل‬

‫‪   ‬‬


‫إال معنى واحدً ا كانت داللة قطعية‪ ،‬وإن احتمل غيره من المعاين كانت داللة ظنية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫داللة اخلاص هي داللة قطعية باالتفاق‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫إذ هي داللة على فرد بعينه كزيد‪ ،‬أو كثير لكنه محصور‪ ،‬وهي داللة قطعية؛ ألنه‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ال احتمال لتخصيصه كالعام‪ ،‬بل النص الخاص دال على الفرد المراد به قط ًعا‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫لكن اللفظ الخاص محتمل للمجاز باتفاق العلماء‪ ،‬قال أمير بادشاه‪( :‬االتفاق على‬
‫‪   ‬‬

‫إطالق قطعي الداللة على الخاص واقع‪ ،‬وعلى احتماله ‪-‬أي الخاص‪ -‬المجاز)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن هنا يمكن القول بأن‪ :‬داللة الخاص داللة قطعية من ناحية داللته على الفرد‬
‫‪    ‬‬

‫المخصوص باالتفاق‪ ،‬أما من ناحية احتمال لفظه غير حقيقته‪ :‬فليست قطعية باالتفاق‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬التقرير والتحبري (‪.)241-238/1‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2649-2643/6‬‬
‫‪ -‬املطلق واملقيد وأثرهما يف اختالف الفقهاء (ص‪.)79-73‬‬

‫((( انظر‪ :‬تيسير التحرير (‪.)267/1‬‬


‫‪319‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫املراد بالتخصيص‪،‬‬
‫والفرق بينه وبني التقييد‬
‫التخصيص لغة‪ :‬تمييز بعض الجملة‪.‬‬
‫واصطالحا‪( :‬قصر العام على بعض أجزائه)(((‪.‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫وقبل بيان الفرق ال بد من بيان أوجه التشابه بينهما‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أوجه الشبه بني التخصيص والتقييد‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن كل ما ذكر يف تخصيص العموم من متفق عليه ومختلف فيه من‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫مسائل‪ :‬جار يف تقييد المطلق‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن التقييد والتخصيص خالف األصل‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬أن ًّ‬


‫كاًّل من التخصيص والتقييد ينهي شمول اللفظ‪ ،‬إال أن األول يؤثر‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يف الشمول االستغراقي للعام‪ ،‬والثاين يؤثر يف الشمول البدلي التناوبي للمطلق‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أوجه الفرق بني التخصيص والتقييد‪:‬‬


‫الوجه األول‪ :‬أن التقييد تصرف فيما كان المطلق ساكتًا عنه‪ ،‬والتخصيص تصرف‬
‫‪ ‬‬

‫ظاهرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فيما يتناوله اللفظ‬
‫‪   ‬‬

‫ظاهرا‪ ،‬ثم يكون التخصيص‬ ‫بيانه‪ :‬أن العموم من حيث اللغة يتناول جميع األفراد‬
‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ً‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫تضيي ًقا لمدلوله اللغوي‪ ،‬أما اإلطالق من حيث اللغة فيتناول األمور مجردة عن أوصافها‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثم يكون التقييد إضافة أوصاف عليها‪ ،‬ال إخراج أفراد أو أوصاف منها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫مثاله‪ :‬يف التقييد تقول‪( :‬أعتق رقبة) فال يتناول اللفظ وصف اإليمان أو الكفر‪ ،‬بل‬
‫‪‬‬

‫يسكت عنه‪ ،‬ثم تقيدها بقولك‪( :‬أعتق رقبة مؤمنة)‪ ،‬فيكون التصرف فيما كان اللفظ ساكتًا عنه‪.‬‬
‫ظاهرا جميع أصناف‬
‫ً‬ ‫أما يف التخصيص فتقول‪( :‬اقتل المشركين) فيتناول اللفظ‬
‫المشركين‪ :‬صغيرهم وكبيرهم‪ ،‬ذكراهنم وإناثهم‪ ،‬محارهبم ومسالمهم‪ ،‬ثم تخصص اللفظ‬
‫ظاهرا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫متناواًل له‬ ‫العام بقصره على المحاربين منهم‪ ،‬فيكون التصرف فيما كان اللفظ‬

‫((( أصول الفقه البن مفلح (‪.)880/3‬‬


‫‪320‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن التخصيص ينقص من أفراد العام الذين تربأ هبم الذمة يف األمر‬
‫العام‪ ،‬أما التقييد فال ينقص من متناوالت المطلق الذي تربأ هبم الذمة‪.‬‬
‫بيانه‪ :‬أن اللفظ العام ال تربأ الذمة إال بجميع ما يشمله اللفظ‪ ،‬ثم يكون التخصيص‬
‫فتربأ الذمة ببعض ما تناوله اللفظ العام‪ ،‬أما يف اإلطالق فتربأ الذمة بفرد واحد تناوله اللفظ‪،‬‬
‫ثم يكون التقييد‪ ،‬فتربأ الذمة بفرد واحد كذلك تناوله اللفظ‪ ،‬فال تنقص األفراد التي تربأ هبا‬
‫الذمة يف اإلطالق وال تزيد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)267-266‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)598-595‬‬

‫‪321‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫شرط التخصيص‬

‫للتخصيص شرطان رئيسان‪:‬‬


‫الشرط األول‪ :‬أن يكون النص الخاص مناف ًيا للنص العام؛ ألنه لو لم يكن مناف ًيا له‬

‫‪   ‬‬


‫صح التخصيص؛ ألن الجمع أولى من الرتجيح‪ ،‬والتخصيص‬ ‫وأمكن الجمع بينهما َل َما َّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ترجيح يف الحقيقة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون وار ًدا قبل العمل بالعام‪ ،‬فمتى عمل به على عمومه ُعلِم أن‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫العموم مراد‪ ،‬فال يتصور التخصيص‪ ،‬ويتعين النسخ‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫هذه الشروط للتخصيص عامة‪ ،‬ثم لكل نوع من المخصصات شروط تختص به‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬العقد املنظوم (‪.)124-121/2‬‬
‫‪ -‬التلخيص فـي أصول الفقه (‪.)106-104/2‬‬
‫‪ -‬نفائس األصول (‪.)1927-1926/4‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)323‬‬

‫‪322‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املخصصات املتصلة‬

‫ً‬
‫فصواًل مستقلة لالستثناء والشرط تناول فيها بعض مسائلهما(((‪،‬‬ ‫أفرد ابن قدامة‬
‫وفيما يأيت بيان مختصر لباقي المخصصات المتصلة‪( :‬الصفة ‪ -‬الغاية ‪ -‬البدل ‪ -‬الظرف)‪.‬‬
‫أواًل‪ :‬التخصيص بالصفة‪:‬‬ ‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫الصفة إحدى المخصصات المتصلة‪ ،‬وهي‪ :‬كل وصف أشعر بتخصيص بعض أفراد‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫العام؛ سواء كانت نعتًا‪ ،‬أو عطف بيان‪ ،‬أو ً‬
‫حااًل‪ ،‬وسواء كان ذلك مفر ًدا‪ ،‬أو جملة‪ ،‬أو شبهها؛‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬‫ً‬
‫مؤواًل بمشتق‪.‬‬ ‫وهو الظروف‪ ،‬والجار والمجرور‪ ،‬ولو كان جامدً ا‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫كقولنا‪( :‬أكرم بني تميم الداخلين)‪ ،‬فيقصر اإلكرام على الداخلين من بني تميم‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ويستثنى من التخصيص بالصفة‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫أن يكون الوصف قد خرج مخرج الغالب‪ ،‬أو يساق لمدح أو ذم‪ ،‬أو ترحم‪ ،‬أو‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مخصصا للعموم‪.‬‬‫ً‬ ‫أي من ذلك ال يكون الوصف‬ ‫توكيد‪ ،‬أو تفصيل‪ ،‬ففي ٍّ‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬التخصيص بالغاية‪:‬‬


‫هو استخدام حرف من أحرف الغاية مثل‪( :‬إلى‪ ،‬وحتى‪ ،‬والالم) يف تخصيص‬
‫‪ ‬‬

‫خارجا عن حكم ما قبله عند األكثرين‪ ،‬كقوله تعالى‪:‬‬


‫ً‬ ‫العام‪ ،‬حيث يكون ما بعد الحرف‬
‫﴿ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [ا ْل َب َق َرة‪ ،]187 :‬فالليل وهو ما بعد حرف الغاية (إلى) خارج عن‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫حكم ما قبله وهو وجوب إتمام الصيام‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬التخصيص بالبدل‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫تخصيصا؛ ألن فيه إخراج بعض أفراد الكل‬ ‫ً‬ ‫أي بدل البعض من الكل‪ ،‬فيكون‬
‫عن حكم الكل‪ ،‬كقوله تعالى‪﴿ :‬ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [المائدة‪ ،]71 :‬وأكثر‬
‫‪‬‬

‫األصوليين ال يذكرونه‪.‬‬
‫وال يشرتط فيه بقاء األكثر كما اشرتطه البعض يف االستثناء‪ ،‬بل يجوز إخراج األكثر‬
‫نحو‪ :‬أكلت الرغيف ثلثه‪ ،‬أو نصفه‪ ،‬أو ثلثيه‪.‬‬
‫وتخصيصا‪.‬‬
‫ً‬ ‫وقد ألحق به بدل االشتمال ألن يف كليهما بيانًا‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)504-490/2‬‬


‫‪323‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

:‫ التخصيص بالظرف‬:‫راب ًعا‬


،)‫ أو (أكـرم زيـدً ا يف مـكان كـذا‬،)‫ (أكـرم زيـدً ا اليـوم‬:‫زمانًـا كان أو مكانًـا؛ نحـو‬
.‫فإذا تعقب ُج َم ًاًل كان عائدً ا إلى الجميع‬

   


   
 
   



     
   
    
   
    
   
    
    
    
 
   

 
 




‫أهم الـمراجــــع‬
.)501-471/4( ‫ البحر احمليط‬-
.)2637-2626/6( ‫ التحبري للمرداوي‬-
.)384-377/1( ‫ إرشاد الفحول‬-

324
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫تعريف املطلق واملقيد لغة‬

‫املطلق فـي اللغة‪ :‬اسم مفعول من طلق‪ ،‬بمعنى التخلية واإلرسال‪ ،‬يقال‪ :‬أطلقت‬
‫األسير‪ ،‬أي‪ :‬خليته‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫املقيد فـي اللغة‪ :‬مقابل المطلق‪ ،‬من القيد يستخدم يف الحبس والمنع‪ ،‬يقال‪ :‬ق ّيدته‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أي منعته‪ ،‬ومنه‪ :‬فرس قيد األوابد‪ ،‬أي الوحوش‪ ،‬فكأن الفرس من إدراكها الوحوش‬

‫‪   ‬‬


‫لها مقيدة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الصحاح (‪ )1519-1517/4‬مادة (طلق)‪.‬‬
‫‪ -‬مقاييس اللغة (‪ )422-420/3‬مادة (طلق)‪ )45-44/5( ،‬مادة (قيد)‪.‬‬
‫‪ -‬احملكم البن سيده (‪ )283-279/6‬مادة (طلق)‪.‬‬
‫‪ -‬املطلق واملقيد وأثرهما يف اختالف الفقهاء (ص‪.)126-111‬‬

‫‪325‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫عالقة املطلق باملصطلحات املشابهة‬

‫من املصطلحات املشابهة للمطلق (النكرة والعام)‪:‬‬


‫أواًل‪ :‬النكرة‪ ،‬ويعرب هبا النحاة عن المطلق‪ ،‬فيظهر أن العالقة بينهما هي الرتادف‪.‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫ثان ًيا‪ :‬العام‪ ،‬وهو أقرب المصطلحات األصولية لمصطلح المطلق‪ ،‬حتى إن بعض‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أهل العلم استعملهما بالتناوب؛ فأطلق على العام مطل ًقا‪ ،‬والعكس‪ ،‬إال أن المستقر عليه‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫عند األصوليين هو التفريق بين حقيقة اللفظين وداللتهما‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وقبل بيان الفرق ال بد من بيان أوجه التشابه بينهما‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أوجه التشابه بني العام واملطلق‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الوجه األول‪ :‬من حيث العمل‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫فيجب العمل بما يتبادر له من اللفظ المطلق والعام حتى يرد الدليل الصارف عما‬
‫يتبادر منه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬من حيث وجود الشمول يف كل منهما‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ً‬
‫شاماًل أن موارده غير منحصرة‪ ،‬ال أنه يف نفسه شامل‪ ،‬لكن‬ ‫ووجه كون المطلق‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫بينهما اختالف يف نوعه؛ كما سيظهر يف الفرق بينهما‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أوجه الفرق بني العام واملطلق‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الوجه األول‪ :‬يف متعلق الشمول يف كل منهما‪:‬‬


‫حيث يتعلق الشمول الموجود يف المطلق بالصفات‪ ،‬ويف العام يتعلق باألفراد‪.‬‬
‫مثال المطلق‪ :‬لو قيل‪( :‬أكرم ً‬
‫رجاًل)‪ ،‬فيشمل الرجل الطويل أو القصير‪ ،‬أو األسود‬
‫أو األبيض‪ ،‬أو الغني أو الفقير‪ ...‬إلخ‪ ،‬فهذه كلها صفات شملها اللفظ المطلق‪.‬‬

‫‪326‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫وصالحا وعل ًّيا‪ ..‬إلخ‪ ،‬فهذه‬


‫ً‬ ‫مثال العام‪ :‬لو قيل‪( :‬أكرم الرجال)‪ ،‬فيشمل محمدً ا‬
‫كلها أفراد شملها اللفظ العام‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬أن الشمول يف المطلق بدلي تناوبي‪ ،‬والشمول يف العام استغراقي‪:‬‬
‫مثال المطلق‪ :‬لو قيل‪( :‬أعتق عبدً ا)‪ ،‬فالعبيد كثر‪ ،‬ويتحقق اإلعتاق بأي واحد منهم‬
‫على سبيل البدل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫مثال العام‪ :‬لو قيل‪( :‬أعتق العبيد)‪ ،‬فال يتحقق إال بإعتاقهم جمي ًعا‪ ،‬على سبيل‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الشمول واالستغراق‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬تلقيح الفهوم فـي تنقيح صيغ العموم (ص‪.)12-11‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)393-392/3‬‬
‫‪ -‬املطلق واملقيد‪ ،‬وأثرهما فـي اختالف الفقهاء (ص‪.)140-136‬‬

‫‪327‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫املراد بالتقييد‬

‫التقييد لغة‪ :‬مصدر أصله (قيد)‪ ،‬وهو الحبل ونحوه الذي ُيجعل يف ِر ْجل الدابة وغيرها‪،‬‬
‫ويستعار يف كل شيء يحبس‪ .‬يقال‪ :‬قيدته أقيده تقييدً ا‪ ،‬وقيدت الكتاب‪َ :‬ش َك ْلته‪ ،‬ومنه ً‬
‫أيضا‬
‫اإليمان الفتك) أي أن اإليمان يمنع عن الفتك‪ ،‬كما يمنع القيد عن التصرف‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫قوله‪( :‬ق ّيد‬

‫‪   ‬‬


‫فكأنه جعل الفتك مقيدً ا‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وفـي االصطالح التقييد هو‪( :‬تحديد شيوع اللفظ المطلق بقيد يقلل من انتشاره بين‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫أفراد جنسه)(((‪ ،‬فقوله تعالى‪﴿ :‬ﮁ ﮂ﴾ [النساء‪ ]92 :‬تقييد للرقبة باإليمان‪ ،‬فهو قيد‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫قلل من انتشاره بين أفراد جنسه الذي هو (الرقاب)‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫املقيد‪ :‬هو اللفظ المتناول لمعين‪ ،‬أو لغير معين موصوف بأمر زائد على الحقيقة‬ ‫و َّ‬
‫‪   ‬‬

‫الشاملة لجنسه(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثالــه‪ :‬أن نقــول‪( :‬محمــد) فهــذا اســم مق َّيــد‪ ،‬أو (امــرأة مجتهــدة) وهــذا اســم‬
‫مقيد كذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫واملقيد‪ :‬أن التقييد هو وصف لعملية اجتهادية يقوم هبا العالم‪ ،‬تجري‬ ‫والفرق بني التقييد َّ‬
‫‪ ‬‬

‫حكما واحدً ا‪ ،‬فيجعلهما‬ ‫ً‬ ‫بين نصين‪ :‬أحدهما مطلق‪ ،‬واآلخر مقيد‪ ،‬فيجمع بينهما ويعطيهما‬
‫نص ْين مختل َف ْين‪ ،‬أما المق َّيد‪ :‬فهو النتيجة التي‬
‫بمثابة النص الواحد من حيث المعنى‪ ،‬وإن كانا َّ‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫توصل إليها المجتهد‪.‬‬


‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)634/2‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2715/6‬‬


‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)394/3‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬مقاييس اللغة (‪ )44/5‬مادة (قيد)‪.‬‬


‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)83/2‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)294/3‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (ص ‪.)142‬‬
‫‪ -‬الصحاح (‪ )529/2‬مادة (قيد)‪.‬‬
‫‪ -‬املطلق واملقيد وأثرهما يف اختالف الفقهاء (ص‪.)433‬‬

‫((( المطلق والمقيد وأثرهما يف اختالف الفقهاء (ص‪.)433‬‬


‫((( بتصرف من تعريف ابن قدامة (‪.)505/2‬‬
‫‪328‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫عالقة املقيد والتقييد‬


‫باملصطلحات املشابهة‬
‫من املصطلحات املشابهة للمقيد والتقييد‪:‬‬
‫‪ -1‬الخاص والتخصيص‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -2‬المنسوخ والنسخ‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وقد تقدم الحديث عن العالقة بالتخصيص يف مسألة سابقة(((‪ ،‬ويف هذه المسألة‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫توضيح عالقة التقييد بالنسخ‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ولبيان العالقة بينهما نذكر أوجه الشبه‪ ،‬ثم نذكر أوجه الفرق كذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أوجه الشبه بني التقييد والنسخ‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫الوجه األول‪ :‬أن يف كليهما بيانًا للمطلوب من المكلف‪ ،‬ففي التقييد بيان األوصاف‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المتعبد بامتثالها‪ ،‬ويف النسخ بيان األزمان المتعبد فيها‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن النص المتأخر يؤثر يف النص المتقدم‪ ،‬فال يبقيه على حاله بل يغيره‪.‬‬
‫الوجه الثالث‪ :‬أن كليهما قائم على أصل فكرة التعارض بين النصين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫أوجه الفرق بني التقييد والنسخ‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫وقبل بيان الفرق بينهما يجب التنبيه واإلشارة إلى أن التفريق بينهما اصطالح‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫المتأخرين من أهل العلم‪ ،‬أما المتقدمون فكانوا يتوسعون يف مصطلح النسخ فيطلقونه‬
‫‪ ‬‬

‫على رفع الحكم‪ ،‬وعلى رفع مقتضى العموم واإلطالق‪ ،‬وعلى رفع اإلجمال بالبيان‪،‬‬
‫‪‬‬

‫فالجامع بين كل ذلك هو رفع الظاهر من اللفظ‪ ،‬وقصره المتأخرون على رفع الحكم‬
‫‪‬‬

‫فقط‪ ،‬وبناء على هذا االصطالح يمكن التفريق بينهما بأمور؛ منها‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن النص المطلق بعد تقييده يبقى ً‬
‫دلياًل على الحكم‪ ،‬وال يرفع أو‬
‫ينتهي العمل به‪ ،‬وكل ما فيه هو االستدالل به مع القيد‪ ،‬وأما النسخ فإنه ينهي العمل‬
‫بالمنسوخ‪ ،‬ويرفعه ويبطل االستدالل به‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)320‬‬


‫‪329‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

.‫ أما النسخ فال يدخلها‬،‫ أن التقييد يدخل األخبار‬:‫الوجه الثاين‬


.‫ويمكن التفريق بين التقييد والنسخ بما يفرق به بين النسخ والتخصيص‬

   


   
 
   



     
   
    
   
    
   
    
    
    
 
   

 
 




‫أهم الـمراجــــع‬
.)442-439‫ املطلق واملقيد وأثرهما فـي اختالف الفقهاء (ص‬-
.)599‫ الفروق فـي أصول الفقه (ص‬-

330
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫حكم املقيد‬

‫المقيد له حكم عند األصوليين يلتزمون به‪ ،‬وينطلقون منه إلى استخراج األحكام‬
‫الشرعية من نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬وفيما يلي عرض لحكم المقيد عند األصوليين‪ ،‬ورتبه‪:‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حكم املقيد‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫اتفق األصوليون على أن حكم المقيد هو حكم الخاص‪ ،‬فكما أن الخاص يبقى‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫على خصوصه‪ ،‬فكذا المقيد حكمه أن يبقى على تقييده ما لم يأت دليل يدل على عدم‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اعتبار ذلك القيد‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ويفهم من ذلك أن حكم املقيد له حالتان‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬أن يأيت المقيد يف النص الشرعي دون أن يدل شيء على أن القيد‬
‫‪    ‬‬

‫المذكور غير معترب‪ ،‬ويف تلك الحالة يبقى المقيد على تقييده‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قوله تعالى يف كفارة الظهار‪﴿ :‬ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ‬


‫‪    ‬‬

‫ﮡ﴾ [المجادلة‪.]4 :‬‬


‫ففي هذه اآلية ورد قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮜ ﴾ مقيد بقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮝ﴾‪ ،‬فهذا اللفظ‬
‫‪ ‬‬

‫مقيد يدل على أن المراد بالشهرين أن يكونا متتابعين‪ ،‬وهو وصف زائد على مطلق الشهرين؛‬
‫‪   ‬‬

‫وعليه فال يجزئ يف حق من وجبت عليه كفارة الظهار بالصوم أن يصوم شهرين على التفريق‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫احلالة الثانية‪ :‬أن يرد المقيد يف نص‪ ،‬ثم يدل دليل على أن هذا القيد غير معترب‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وهنا يكون حكم المقيد اإلطالق‪ ،‬وإلغاء ذلك القيد‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ومن أمثلته‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ﴾ [النساء‪،]23 :‬‬


‫‪‬‬

‫فقوله‪ ﴿ :‬ﮖ﴾ مطلق‪ ،‬وورد تقييده بقيدين‪ ،‬األول قوله‪ ﴿ :‬ﮘ ﮙ﴾‪،‬‬
‫والثاين قوله‪ ﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾‪.‬‬
‫فنتيجة القيد يف التحريم اشرتاط كون الربيبة يف حجر زوج األم‪ ،‬وأن تكون أ ُّمها‬
‫ً‬
‫مدخواًل هبا‪ ،‬والقيد األول الخاص بكون الربيبة يف حجر زوج األم‪ ،‬أي‪ :‬يف كفالته‪ ،‬قد دل‬
‫الدليل على عدم اعتباره‪ ،‬وأنه من القيود التي لم تعترب يف التحريم‪ ،‬وإنما جاء ذكره يف اآلية‬
‫جر ًيا على ما هو الغالب والمعروف عادة؛ من كون الربيبة تكون يف حضانة أمها‪.‬‬
‫‪331‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وعلى ذلك فال تحرم الربيبة على زوج أمها ‪-‬سواء كانت يف حجره ورعايته‪،‬‬
‫أو لم تكن‪ -‬حتى يدخل بأمها‪.‬‬
‫والدليل على إلغاء هذا القيد‪ ،‬وأنه غير معترب يف التحريم أن اهلل سبحانه وتعالى‬
‫اكتفى يف مقام التحليل بنفي القيد الثاين فقط‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ‬
‫ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [النساء‪ ،]23 :‬فلو كان القيد األول معتربًا يف التحريم لما‬
‫اكتفى بنفي الدخول يف معرض اإلحالل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ثان ًيا‪ :‬رتب التقييد املعترب‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والقيد كما سبق هو لفظ يقلل من شيوع المعنى الذي يحمله المطلق‪ ،‬وتتفاوت‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫رتب عملية التقييد باعتبار قلة القيود وكثرهتا‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫فما كانت قيوده أكثر‪ ،‬كانت رتبته يف التقييد أعلى‪ ،‬وهو فيه أدخل‪ ،‬فقوله‪ :‬أعتق رقبة‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مؤمنة‪ُ ،‬م َص ِّلية‪ ،‬صائمة‪ ،‬مجتهدة‪ ،‬أعلى رتبة يف التقييد من قوله‪ :‬أعتق رقبة مؤمنة‪ .‬وقوله‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫سبحانه وتعالى‪﴿ :‬ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾ [التحريم‪،]5 :‬‬


‫‪    ‬‬

‫أعلى رتبة يف التقييد من قوله‪ ﴿ :‬ﯓ ﯔ﴾ ال غير‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -‬وقوله ‪ ﴿ :۵‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ‬
‫ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾‬
‫‪ ‬‬

‫[التوبة‪ ،]112 :‬أعلى وأدخل يف التقييد‪ ،‬من اقتصاره على بعض الصفات المذكورة‪.‬‬
‫والحاصل‪ :‬أنه كلما كثرت األوصاف المخصصة المميزة للذات من غيرها‪ ،‬كانت رتبة‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫التخصيص والتقييد فيها أعلى‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)631/2‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)985/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2714/6‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)278‬‬
‫‪ -‬املطلق واملقيد وأثرهما فـي اختالف الفقهاء (ص‪.)442-439‬‬
‫‪ -‬الفروق فـي أصول الفقه (ص‪.)599‬‬
‫‪332‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫شروط محل املطلق على املقيد‬

‫ً‬
‫شروطا سبعة‪:‬‬ ‫يذكر األصوليون حلمل املطلق على املقيد‬
‫الشرط األول‪ :‬أن يكون املقيد من باب الصفات‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫فحمل المطلق عليه هو تقييده بصفات ثبتت بالنص المقيد‪ ،‬وليس األمر إثبات‬

‫‪   ‬‬


‫أصل الحكم‪ ،‬بل األحكام ثابتة ال يزاد على المطلق منها بغيره‪ ،‬فليس هذا ً‬
‫حماًل لمطلق‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫على مقيد‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مثاله‪ :‬إيجاب غسل األعضاء األربعة يف الوضوء‪ ،‬مع االقتصار على عضوين يف‬
‫‪    ‬‬
‫التيمم‪ ،‬فإن اإلجماع منعقد على أنه ال يحمل إطالق التيمم على تقييد الوضوء حتى يلزم‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫التيمم يف األربعة األعضاء؛ لما فيه من إثبات حكم لم يذكر‪ ،‬وحمل المطلق على المقيد‬
‫‪   ‬‬

‫يختص بالصفات كما تقدم‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مقي َد ِ‬
‫ين‪.‬‬ ‫مرتددًا بني أصلني ِّ‬
‫الشرط الثاني‪ :‬أن ال يكون للمطلق إال أصل واحد‪ ،‬ال أن يكون ِّ‬
‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬تقييد الشهادة يف الرجعة والوصية بالعدالة‪ ،‬وإطالقها يف البيوع وغيرها‪،‬‬


‫فهنا للمطلق أصل واحد‪ ،‬فيحمل المطلق على المقيد لتشرتط العدالة يف الجميع‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫دائرا بين قيدين متضادين نُظِر‪ ،‬فإن كان السبب مختل ًفا لم يحمل‬
‫فأما إذا كان المطلق ً‬
‫إطالقه على أحدهما إال بدليل‪ ،‬فيحمل على ما كان القياس عليه أولى‪ ،‬أو ما كان دليل‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الحكم عليه أقوى‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون فـي باب األوامر واإلثبات‪.‬‬


‫‪‬‬

‫أما يف جانب النفي والنهي فال يكون؛ إذ يلزم منه اإلخالل باللفظ المطلق مع تناول‬
‫‪‬‬

‫النفي والنهي‪ ،‬وهو غير سائغ‪.‬‬


‫كافرا)‪ ،‬فال يصح الحمل هنا؛‬
‫مثال ذلك‪ :‬إذا قال‪( :‬ال تعتق مكات ًبا‪ ،‬ال تعتق مكات ًبا ً‬
‫ألنه لو حمل المطلق على المقيد لرتك عتق المكاتب الكافر فقط‪ ،‬ويف هذا ٌ‬
‫ترك للعمل‬
‫مسلما‪.‬‬
‫ً‬ ‫هبما‪ ،‬ومن َث َّم فالصواب أن ال يعتق مكات ًبا ً‬
‫كافرا وال‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن ال يكون احلمل فـي جانب اإلباحة‪.‬‬
‫إذ ال تعارض بينهما‪ ،‬ويف المطلق زيادة‪ ،‬فال حمل هنا‪.‬‬
‫‪333‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الشرط اخلامس‪ :‬أن ال ميكن اجلمع بينهما إال باحلمل‪.‬‬


‫فإن أمكن بغير الحمل فإنه َأ ْولى من تعطيل ما دل عليه أحدهما‪.‬‬
‫الشرط السادس‪ :‬أن ال يكون املقيد قد ُذ ِ‬
‫كر معه قدر زائد ميكن أن يكون القيد‬
‫ألجل ذلك القدر الزائد‪.‬‬
‫فإن كان القيد ألجل قدر زائد فال يحمل المطلق على المقيد ههنا قط ًعا‪.‬‬
‫الشرط السابع‪ :‬أن ال يقوم دليل مينع من التقييد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫فإن قام دليل على ذلك فال تقييد؛ ألن التقييد هو عمل المجتهد ونتاج نظره‪،‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والنص مقدم على اجتهاده ونظره‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)31-21/5‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)9/2‬‬

‫‪334‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املنطوق واملفهوم‬
‫أقسامهما عند اجلمهور واحلنفـية‬
‫تعريف املنطوق‪:‬‬
‫المنطوق‪( :‬هو ما دل عليه اللفظ يف محل النطق)(((‪.‬‬
‫وقولهم‪( :‬ما دل عليه اللفظ) يخرج ما كانت الداللة فيه بغير اللفظ‪ ،‬كاإلشارة ونحوها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وقولهم‪( :‬يف محل النطق) أي يف العبارة المنطوق هبا‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أقسام املنطوق عند مجهور األصوليني‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫قسم الجمهور المنطوق إلى قسمين (صريح‪ -‬غير صريح)‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم األول‪ :‬املنطوق الصريح‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫وهو ما وضع اللفظ ً‬


‫أصاًل له‪ ،‬فيدل عليه بالمطابقة أو التضمن‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثل‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ﴾ [البقرة‪ ،]275 :‬فاآلية تدل على‬


‫‪    ‬‬

‫التفرقة بين البيع والربا تضمنًا‪ ،‬وعلى تحريم الربا وتحليل البيع مطابقة‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن السنة‪ :‬ما جاء يف كتاب أبي بكر ﭬ عن النبي ﷺ يف الصدقات‪ ،‬وفيه‪:‬‬
‫ٍ‬ ‫«ويف صدقة الغنم يف َسائِ َمتِ َها إذا كانت أربعين إلى عشرين‬
‫‪ ‬‬

‫ومائة شاةٌ‪ ،(((»...‬فالحديث دال‬


‫بالمطابقة على جوب الزكاة يف الغنم السائمة‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬املنطوق غري الصريح‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫وهو ما يدل عليه اللفظ بااللتزام‪ ،‬ال على ما وضع له اللفظ‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫بعض األصوليين ‪-‬كابن قدامة‪ -‬المنطوق غير الصريح من قبيل المفهوم‬ ‫ويجعل ُ‬
‫‪‬‬

‫ال المنطوق(((‪.‬‬
‫ينقسم المنطوق غير الصريح إلى ثالثة أقسام‪( ،‬اقتضاء ‪ -‬إشارة ‪ -‬إيماء)‪.‬‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)2867/6‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ )1454‬من حديث ٍ‬
‫أنس ﭬ‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)526-511/2‬‬
‫‪335‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القسم األول‪ :‬االقتضاء‪:‬‬


‫وهو ما يكون مقصو ًدا للمتكلم‪ ،‬ولكن يتوقف على ما يصححه‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮃ ﮄ ﮅ ﴾ [النساء‪ ،]23 :‬أي‪ :‬زواجهن‪.‬‬
‫وقوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ﴾ [المائدة‪ ،]3 :‬أي‪ :‬أكلها‬
‫واالنتفاع هبا؛ ألن الذات ال يتعلق هبا التحريم‪ ،‬وإنما يتعلق التحريم بفعل المكلف‪ ،‬ومن‬
‫«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان» (((‪ ،‬فإن ذات الخطأ والنسيان لم يرتفعا‪،‬‬ ‫السنة قوله ﷺ‪ُ :‬‬

‫‪   ‬‬


‫فيتضمن ما يتوقف عليه الصدق من لفظ اإلثم‪ ،‬والمؤاخذة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫المقتضى يف كل نص بما يناسبه‪ ،‬ويكون التقدير ثابتًا بطريق االقتضاء‪.‬‬
‫َ‬ ‫فيقدر‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬اإلشارة‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهو ما يكون مقصو ًدا للمتكلم‪ ،‬ولكن ال يتوقف على ما يصححه‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثل‪ :‬داللة قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ على صحة‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫صوم من أصبح جن ًبا؛ فإن من ضرورة إباحة الجماع يف جميع أجزاء الليلة حتى الجزء‬
‫‪    ‬‬

‫المتصل بالفجر اإلصباح جن ًبا؛ إذ االغتسال من الجنابة يحتاج إلى وقت‪ ،‬ولم ُيحدد له‬
‫‪    ‬‬

‫زم ٌن من الليل يف هذه اآلية الكريمة‪ ،‬فلم يبق إال جوازه يف غيره وهو النهار‪ ،‬والنهار محل‬
‫للصيام‪ ،‬فدل ذلك على اجتماع الجنابة والصوم يف وقت واحد‪ ،‬وجواز اجتماعهما يف‬
‫‪ ‬‬

‫وقت واحد دليل على عدم التنايف بينهما‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬اإلمياء‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫وهو ما ليس مقصو ًدا للمتكلم ً‬


‫أصاًل‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫مثل‪ :‬داللة مجموع قوله تعالى‪﴿ :‬ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [األحقاف‪]15 :‬‬


‫وقوله تعالى ﴿ﭾ ﭿ ﮀ﴾ [لقمان‪ ]14 :‬أن أقل مدة الحمل ستة أشهر‪.‬‬
‫‪‬‬

‫((( قال الزيلعي يف نصب الراية (‪( :)64/2‬ال يوجد هبذا ال ّلفظ‪ ،‬وإن كان الفقهاء ك ّلهم ال يذكرونه إ ّ‬
‫اّل هبذا اللفظ)‪.‬‬
‫وروي من حديث عدة من الصحابة‪ ،‬أمثلها ما أخرجه ابن ماجة (‪ )2045‬من حديث ابن عباس ﭭ مرفوعًا‪:‬‬
‫«إن اهلل وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه»‪.‬‬
‫صححه من هذا الوجه‪ :‬ابن حبان (‪ ،)7219‬والحاكم يف المستدرك (‪ ،)2801‬ووافقه الذهبي‪ .‬وضعفه من كل‬
‫وجوهه‪ :‬اإلمام أحمد كما يف العلل برواية عبد اهلل (‪ ،)561/1‬وأبو حاتم الرازي كما يف العلل البن أبي حاتم‬
‫(‪.)116/4‬‬
‫‪336‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫ثان ًيا‪ :‬أقسام املنطوق عند احلنفية‪:‬‬


‫قسم الحنفية المنطوق إلى أربعة أقسام‬
‫القسم األول‪ :‬عبارة النص‪:‬‬
‫وهي تساوي عند الجمهور المنطوق الصريح‪ ،‬فتطلق عندهم بإزائه وتحمل الداللة‬
‫نفسها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫القسم الثاني‪ :‬إشارة النص‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وهو المعنى الذي ال يتبادر فهمه من ألفاظه‪ ،‬وال يقصد من سياقه أصالة وال تب ًعا‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ولكنه معنى الزم للمعنى المتبادر من ألفاظه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕﯖ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ﴾ [البقرة‪ ،]233:‬فاآلية تدل بعبارهتا على وجوب نفقة‬


‫‪   ‬‬

‫الوالدات المرضعات وكسوهتن على األب دون األم‪ ،‬وهذا هو المتبادر من األلفاظ‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمقصود من السياق‪ ،‬ويلزم منه ‪-‬أي يفهم من إشارته‪ -‬أن األب ال يشاركه أحد يف‬
‫‪    ‬‬

‫اإلنفاق على أوالده؛ ألن الولد له ال لغيره‪ ،‬وتدل العبارة باإلشارة‪ ،‬أي يلزم منها‪ ،‬أن نسب‬
‫الولد إلى أبيه ال يشاركه فيه أحد؛ ألن اهَّلل تعالى أضاف الولد إليه بحرف الالم التي هي‬
‫‪ ‬‬

‫لالختصاص‪ ،‬والمقصود االختصاص بالنسب‪ ،‬وهذا مفهوم من إشارة النص‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬داللة النص‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫هو داللة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه الشرتاكهما يف علة‬
‫‪ ‬‬

‫الحكم التي يمكن فهمها عن طريق اللغة‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ومثاله‪ :‬قوله تعالى عند الوصية بالوالدين‪﴿ :‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ﴾‬


‫‪‬‬

‫[اإلسراء‪ ،]23 :‬فاآلية دلت بالعبارة الصريحة على تحريم التأفف‪ ،‬وعلته ما فيه من األذى‪،‬‬
‫وتدل اآلية بداللة النص على تحريم الضرب والشتم والحبس وغيره؛ ألنه أشد إيذا ًء؛‬
‫وألن المتبادر لغ ًة من النهي عن التأفف النهي عما هو أكثر إيذاء للوالدين‪ ،‬ويكون الحكم‬
‫يف المسكوت عنه المفهوم بالداللة أولى من الحكم المنطوق به المفهوم من العبارة‪،‬‬
‫وهذا يفهمه كل عارف باللغة‪.‬‬

‫‪337‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القسم الرابع‪ :‬اقتضاء النص‪:‬‬


‫وهي تساوي داللة االقتضاء عند الجمهور‪.‬‬
‫تعريف املفهوم‬
‫المفهوم‪( :‬ما دل عليه اللفظ ال يف محل النطق)(((‪.‬‬
‫وقولهم‪( :‬ما دل عليه اللفظ) يخرج ما كانت الداللة فيه بغير اللفظ؛ كاإلشارة ونحوها‪.‬‬
‫وقولهم‪( :‬ال يف محل النطق)‪ :‬أي يف غير العبارة المنطوق هبا‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬أقسام املفهوم عند احلنفية‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫يعترب المفهوم أحد أقسام دالالت األلفاظ عند الحنفية كما تقدم يف تقسيمهم‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الدالالت إلى أربعة أقسام‪ ،‬والحاصل عندهم أن داللة اللفظ إما أن تكون ثابتة بنفس‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اللفظ‪ ،‬أو تكون مفهومة من اللفظ لغة‪ ،‬أو يتوقف عليها صدق اللفظ‪ ،‬وهي االقتضاء‪ ،‬فلم‬
‫‪   ‬‬

‫يقسموا المفهوم إلى قسمين لعدم اعتبارهم لمفهوم المخالفة‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬أقسام املفهوم عند اجلمهور‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫قسم الجمهور المفهوم إلى قسمين (موافقة ‪ -‬مخالفة)‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫القسم األول‪ :‬مفهوم املوافقة‪:‬‬


‫يسميه بعض األصوليين كابن قدامة التنبيه‪ ،‬وفحوى اللفظ‪ ،‬وفيه يكون المسكوت‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫عنه مواف ًقا للمنطوق يف الحكم‪ ،‬وهو على ضربين‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -1‬مفهوم الموافقة األولوي‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وهو ما يكون المفهوم أولى بالحكم من المنطوق‪ ،‬كداللة تحريم التأفيف على‬
‫تحريم الضرب‪ ،‬فهو أولى منه بالتحريم ألنه أشد منه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -2‬مفهوم الموافقة المساوي‪:‬‬


‫وهو ما يكون المفهوم مساو ًيا للمنطوق يف الحكم‪ ،‬كداللة تحريم أكل مال اليتيم‬
‫على تحريم حرق ماله‪ ،‬فكالهما تضييع لمال اليتيم‪.‬‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)2875/6‬‬


‫‪338‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫القسم الثاني‪ :‬مفهوم املخالفة‪:‬‬


‫يسميه بعض األصوليين كابن قدامة‪ :‬دليل الخطاب‪ ،‬وقيل‪ :‬لحن الخطاب‪ ،‬وفيه‬
‫يكون المسكوت عنه مخال ًفا لحكم المنطوق‪.‬‬
‫وقد تناولهما ابن قدامة يف الروضة بالتعريف والتمثيل(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)184-121/5‬‬


‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2870-2867/6‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)48-36/2‬‬
‫‪ -‬التقرير والتحبري (‪.)111/1‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)67/1‬‬
‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)236/1‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)537-512/2‬‬


‫‪339‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫شروط مفهوم املخالفة‬

‫يشرتط يف مفهوم المخالفة تسعة شروط تعود للمذكور‪ ،‬وشرطان يعودان للمسكوت عنه‪.‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬شروط املذكور‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫الشرط األول‪ :‬أن ال يكون قد خرج خمرج الغالب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ﴾ [آل عمران‪ ،]130 :‬فإنه‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ال يفهم منه أنه يجوز أكل الربا ِضع ًفا واحدً ا‪ ،‬وكذلك قوله تعالى‪﴿ :‬ﮖ ﮗ ﮘ‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [النساء‪ ،]23 :‬فإن الغالب من حال الربائب كوهنن يف حجور‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أزواج أمهاهتن‪ ،‬فذكر هذا الوصف لكونه أغلب‪ ،‬ال ليدل على إباحة نكاح غيرها‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫الشرط الثاني‪ :‬أن ال يكون يف الكالم عهد‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فإنه لو كان هناك عهد صار بمنزلة اللقب من إيقاع التعريف عليه‪ ،‬وإيقاع العلم‬
‫‪    ‬‬

‫على مسماه‪ ،‬فال مفهوم له حينئذ‪.‬‬


‫الشرط الثالث‪ :‬أن ال يكون املذكور قد قصد به زيادة االمتنان على املسكوت‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [النحل‪ ]14 :‬فقوله‪ ﴿ :‬ﯢ﴾‬


‫‪   ‬‬

‫امتنان ال لمنع اللحم المقدد‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬أن ال يكون املنطوق قد خرج جوابًا لسؤال عن حكم أحد الصنفني بعينه‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وال عن حادثة خاصة باملذكور‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الشرط اخلامس‪ :‬أن ال يكون املذكور قد ُقصد به التفخيم وتأكيد احلال‪.‬‬


‫ٍ‬
‫المرأة تؤمن بال ّله‬ ‫مثاله‪ :‬ما جاء يف حديث ُأ ِّم َحبِي َب َة ڤ أن النبي ﷺ قال‪« :‬ال ّ‬
‫يحل‬
‫وعشرا»(((‪ ،‬فإن‬ ‫ت فوق ثالث ٍ‬
‫ليال‪ّ ،‬إاّل على زوجٍ أربعة أشهرٍ‬ ‫ُحدَّ على مي ٍ‬
‫واليوم اآلخر أن ت ِ‬
‫ً‬ ‫ّ‬
‫التقييد باإليمان باهلل واليوم اآلخر هنا ال مفهوم له‪ ،‬وإنما ذكر لتفخيم األمر ال لمنع الحكم‬
‫عن المخالف‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5334‬ومسلم (‪.)1486‬‬


‫‪340‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫ًّ‬
‫مستقاًّل‪.‬‬ ‫الشرط السادس‪ :‬أن يذكر‬
‫فلو ذكر على جهة التبعية لشيء آخر فال مفهوم له‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﴾ [البقرة‪ ]187 :‬فإنه‬
‫ال يعني أنه تجوز المباشرة للمعتكف خارج المسجد‪ ،‬بل هي ممنوعة مطل ًقا‪.‬‬

‫الشرط السابع‪ :‬أن ال يظهر من السياق قصد التعميم‪ ،‬فإن ظهر ذلك فال مفهوم له‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ﴾ [البقرة‪.]284 :‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الشرط الثامن‪ :‬أن ال يعود املفهوم على أصله الذي هو املنطوق باإلبطال‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مثاله‪ :‬ما جاء يف حديث حكيم بن حزام أن النبي ﷺ قال له‪« :‬ال تبع ما ليس‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حاضرا أم غائ ًبا‪ ،‬ولو عمل هبذا‬


‫ً‬ ‫عندك»(((‪ ،‬فمفهومه جواز بيع ما عند اإلنسان سواء كان‬
‫‪   ‬‬

‫المفهوم لصح بيع ما ليس عنده‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الشرط التاسع‪ :‬أن ال يدل على املسكوت دليل خاص‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فإنه لو دل عليه دليل خاص ل ُع ِمل هبذا المنطوق‪.‬‬


‫مثاله‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ‬
‫‪ ‬‬

‫قصاصا‪ ،‬ولكن دل قوله تعالى‪:‬‬


‫ً‬ ‫ﮗ﴾ [البقرة‪ ،]178 :‬فمفهومه عدم قتل الذكر باألنثى‬
‫‪   ‬‬

‫﴿ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [المائدة‪ ]45 :‬على وجوب القصاص بين الرجل‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫والمرأة‪ ،‬وأ َّيدت السنة ذلك‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬شروط املسكوت عنه‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن ال يكون املسكوت عنه أوىل بذلك احلكم من املنطوق‪.‬‬
‫قياسا جل ًّيا‪.‬‬
‫فإنه إذا كان أولى منه به كان مفهوم موافقة أو ً‬

‫((( رواه أبو داود (‪ ،)3503‬والرتمذي (‪ ،)1232‬والنسائي (‪ ،)4613‬وابن ماجه (‪ ،)2187‬قال الرتمذي‪:‬‬
‫ٌ‬
‫حديث حس ٌن)‪.‬‬ ‫(حديث حكيم بن حزا ٍم‬
‫‪341‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الشرط الثاني‪ :‬أن ال يعارض مبا يقتضي خالفه‪.‬‬


‫فلو عارضه نص فإن النص مقدم على المفهوم‪ ،‬وكذلك لو عارضه فحوى نص‬
‫مقطوع هبا‪ ،‬واختلف يف تقديم القياس على مفهوم المخالفة‪ ،‬وكذلك اختلف يف تقديم‬
‫العموم عليه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)147-139/5‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)2904-2894/6‬‬
‫‪ -‬اجلامع ملسائل أصول الفقه (ص‪.)314 -311‬‬
‫‪ -‬الوجيز فـي أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)168 -156/2‬‬

‫‪342‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املراد حبروف املعاني‬

‫احلرف لغة‪ :‬هو حد الشيء وطرفه‪ ،‬ومنه‪ :‬حرف الجبل‪ ،‬وهو أعاله المحدد‪ ،‬ومنه‬
‫سميت حروف الكالم بذلك؛ ألهنا طرف الكالم ومنتهاه‪.‬‬
‫واحلرف فـي اصطالح النحاة‪( :‬ما دل على معنى يف غيره)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وتنقسم احلروف إىل قسمني‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫القسم األول‪ :‬حروف المباين‪ ،‬وهي التي ترتكب منها الكلمات‪ ،‬فإذا فصل حرف‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أصاًل‪ ،‬وتسمى حروف‬ ‫منها عن بقية الحروف التي ترتكب منها الكلمة لم يدل على شيء ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫التهجي‪ ،‬كالواو يف كلمة (وقع)‪ ،‬وكالفاء يف كلمة (فهم)‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬حروف المعاين‪ ،‬وهي التي تدل على معنى يف غيرها‪ ،‬كالواو يف قولك‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫جاء أحمد ومحمد‪ ،‬فإهنا تدل على اشرتاكهما يف المجيء‪ ،‬وكالفاء يف قولك‪ :‬جاء أحمد‬
‫‪    ‬‬

‫فمحمد‪ ،‬فإهنا تدل على الرتتيب والتعقيب‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫واألصوليون يذكرون حروف المعاين ضمن كتبهم األصولية ‪-‬مع أهنا ليست من‬
‫صناعتهم‪ -‬لحاجة الفقيه الماسة إلى فهم معانيها عند استنباط األحكام الشرعية‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)253/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)284-226/1‬‬
‫‪ -‬الوجيز فـي أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)224-171/2‬‬

‫((( الكافية البن الحاجب (ص‪.)51‬‬


‫‪343‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أقسام حروف املعاني‬

‫المراد بحروف المعاين ما يحتاج الفقيه إلى معرفته من معاين األلفاظ المفردة‪،‬‬
‫وليس المراد بالحروف هنا ما هو قسيم االسم والفعل؛ فقد ذكر بينها ما هو اسم كـ (إذ)‬
‫و(إذا)‪ ،‬ولكن سميت كلها حرو ًفا للتغليب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫أقسام حروف املعاني‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫تتنوع أقسام حروف المعاين باعتبارات مختلفة‪ ،‬أبرزها اعتباران‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫االعتبار األول‪ :‬حبسب احلرفـية واالمسية إىل ثالثة أقسام‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم األول‪ :‬ما ال يكون إال حر ًفا فقط‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫مثل‪( :‬من) و(إلى) و(حتى) و(يف) و(الباء) و(الالم) و(رب) و(واو القسم)‬
‫‪    ‬‬

‫و(تاء القسم)‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫واسما‪.‬‬
‫ً‬ ‫القسم الثاين‪ :‬ما يكون حر ًفا‬
‫‪    ‬‬

‫مثل‪( :‬على) و(عن) و(الكاف) و(مذ) و(منذ)‪.‬‬


‫القسم الثالث‪ :‬ما يكون حر ًفا يجر ما بعده‪ ،‬وقد ينصبه بالفعلية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مثل‪( :‬خال) و(حاشا) و(عدا)‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬حبسب عمل احلرف‪ ،‬إىل أربعة أقسام‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم األول‪ :‬حروف العطف‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬حروف الجر واإلضافة‪.‬‬


‫‪‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬أسماء الظرف‪.‬‬


‫‪‬‬

‫القسم الرابع‪ :‬أدوات الشرط‪.‬‬

‫أهم حروف املعاني‪:‬‬


‫اختلف األصوليون يف عد حروف المعاين يف كتبهم‪ ،‬وبتت ُّبع أهم كتبهم وصل عددها‬
‫إلى خمسة وعشرين حر ًفا‪.‬‬

‫‪344‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫وأبرزها ثمانية‪:‬‬
‫‪ .2‬الفاء‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .1‬الواو‪.‬‬
‫‪ .4‬الباء‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .3‬ثم‪.‬‬
‫‪ .6‬حتى‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .5‬إلى‪.‬‬
‫‪ .8‬يف‪.‬‬ ‫ ‬ ‫‪ .7‬من‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)194/1‬‬


‫‪ -‬التلخيص فـي أصول الفقه (‪.)222/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)99/1‬‬


‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)109/1‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)253/2‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)600-598/2‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)188/2‬‬
‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)63/2‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (‪.)234-231/1‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)284-226/1‬‬

‫‪345‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حرف (الواو) وأبرز معانيه‬

‫لحرف (الواو) معان كثيرة يف اللغة تستفاد من سياق ورودها‪ ،‬أبرزها ستة (العطف‪-‬‬
‫ابتداء الكالم‪ -‬القسم‪ -‬المعية‪ -‬التخيير‪ -‬بيان الحال)‪.‬‬

‫املعنى األول‪ :‬العطف‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وهو يفيد التشريك بين المعطوف والمعطوف عليه‪ ،‬والجمع بينهما يف الحكم‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ويعد حرف (الواو) أصل حروف العطف؛ لكثرة استعمالها فيه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫﴾ [الحج‪.]77 :‬‬ ‫ومثال هذا المعنى‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ويف إفادة (الواو) العاطفة للرتتيب والمعية خالف بين أهل العلم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫إفادة (الواو) العاطفة للرتتيب واملعية‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫أواًل‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬


‫اتفق العلماء على إفادة (الواو) العاطفة للرتتيب والمعية إذا دلت القرائن على‬
‫‪    ‬‬

‫ذلك‪ ،‬مثل قولك‪( :‬جاء زيد وعمرو قبله)‪ ،‬فإن قوله‪( :‬قبله) قرينة تدل على أن المعية‬
‫‪ ‬‬

‫غير مرادة‪ ،‬وأن المراد الرتتيب‪ ،‬واختلفوا يف إفادة (الواو) العاطفة المجردة عن القرائن‬
‫للرتتيب والمعية‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫اختلف العلماء يف إفادة (الواو) العاطفة المجردة عن القرائن للترتيب والمعية على‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ثالثة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪( :‬الواو) العاطفة تفيد مطلق الجمع من غير إشعار بترتيب أو معية‪،‬‬
‫‪‬‬

‫وإليه ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية‪ ،‬واختاره بعض الشافعية‪ ،‬وأكثر‬
‫الحنابلة‪ ،‬وعليه جمهور النحاة‪.‬‬
‫القول الثاين‪( :‬الواو) العاطفة تفيد الجمع بقيد الترتيب‪ ،‬وإليه ذهب بعض الشافعية‪،‬‬
‫وبعض الحنابلة‪ ،‬ونسب إلى جماعة من النحاة‪.‬‬

‫‪346‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫القول الثالث‪( :‬الواو) العاطفة تفيد الجمع بقيد المعية‪ ،‬وإليه ذهب بعض الحنفية‪،‬‬
‫وبعض المالكية‪ ،‬وقال ابن اللحام الحنبلي‪( :‬كالم أصحابنا يدل عليه)(((‪.‬‬
‫دليل القول األول (ال تفـيد ترتي ًبا أو معية)‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬حديث‪« :‬ال تقولوا‪ :‬ما شاء اهلل وشاء فالن‪ ،‬ولكن قولوا‪ :‬ما شاء اهلل‬
‫ثم شاء فالن»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن (الواو) لو أفادت الرتتيب لما منع ﷺ من استعمالها‪ ،‬ولما أمر‬

‫‪   ‬‬


‫بلفظ (ثم)؛ مما يدل على أن (الواو) لمطلق الجمع ال للرتتيب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬أن أهل اللغة يستعملون (الواو) يف أساليب يمتنع فيها الرتتيب‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫كالمفاعلة‪ ،‬مثل قولنا‪( :‬تقاتل زيد وعمرو)‪ ،‬فالمفاعلة تقتضي صدور الفعل يف وقت‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫واحد منهما‪ ،‬ولو أفادت الرتتيب لكان التقدير‪( :‬تقاتل زيد ثم عمرو)‪ ،‬وهو ممتنع‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فإذا استعملت (الواو) يف غير معنى الرتتيب على سبيل الحقيقة‪ ،‬لم تستعمل يف‬
‫‪    ‬‬

‫معنى الرتتيب إال على سبيل المجاز؛ دف ًعا الشرتاك الحقائق‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثاني (تفـيد الرتتيب)‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫حديث‪ :‬أن النبي ﷺ لما خرج إلى السعي قرأ‪ ﴿ :‬ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾‬
‫‪    ‬‬

‫[البقرة‪ ]158 :‬ثم بدأ بالصفا‪ ،‬وقال‪« :‬أبدأ بما بدأ اهلل به»(((‪.‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أنه رتب السعي بين الصفا والمروة على وفق ما اقتضته اآلية؛ مما يدل‬
‫‪ ‬‬

‫على أن (الواو) فيها أفادت الرتتيب‪.‬‬


‫نوقش‪ :‬بعدم التسليم بأن الرتتيب ثبت بداللة (الواو)‪ ،‬بل ثبت بقول النبي ﷺ‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫«أبدأ بما بدأ اهلل به»‪ ،‬ولو كانت تفيد الرتتيب ما احتيج إلى بيانه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫دليل القول الثالث (تفيد املعية)‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الوقوع‪ ،‬حيث استعملت (الواو) وأريد هبا الجمع والمعية؛ كقوله ‪:۵‬‬
‫﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [البقرة‪ ،]127 :‬أي‪ :‬مع إسماعيل‪،‬‬
‫‪‬‬

‫واالستعمال دليل الحقيقة‪.‬‬

‫((( القواعد والفوائد األصولية (ص‪.)180‬‬


‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4980‬وابن ماجه (‪ ،)2118‬وأحمد (‪ ،)23347‬من حديث حذيفة بن اليمان ﭬ‪ .‬قال‬
‫النووي يف رياض الصالحين (ص‪( :)484‬إسناده صحيح)‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪ )1218‬من حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ‪.‬‬

‫‪347‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫نوقش‪ :‬بأن استعمالها يف غير المعية أكثر‪ ،‬والكثرة دليل الرجحان‪ ،‬وعليه فال تفيد‬
‫المعية إال بقرينة‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫والخالف يف هذه المسألة معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف إفادة (الواو) للترتيب‬
‫أو المعية خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية منها ما يأتي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫مسألة‪ :‬الرتتيب فـي فرائض الوضوء‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫حيث وردت (الواو) بينها يف قوله ‪﴿ :۵‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [المائدة‪.]6 :‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫فمن ذهب إلى إفادهتا مطلق الجمع دون الرتتيب أو المعية رأى أن اآلية ال ُيستدل‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫هبا على وجوب الرتتيب‪ ،‬وإن كان الوجوب قد يستفاد من أدلة أخرى‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ومن رأى أهنا تفيد الرتتيب رأى أن اآلية دليل على وجوب الرتتيب بين أعضاء الوضوء‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقعدت فأنت طالق‪:‬‬


‫ِ‬ ‫قمت‬
‫مسألة‪ :‬حكم الطالق إذا قال الزوج لزوجته‪ :‬إن ِ‬
‫‪    ‬‬

‫ ‪-‬فمن رأى داللتها على مطلق الجمع ذهب إلى وقوع الطالق إذا جمعت بين‬
‫‪ ‬‬

‫القيام والقعود‪ ،‬بغض النظر عن ترتيبهما‪.‬‬


‫ ‪-‬ومن رأى داللتها على الرتتيب ذهب إلى وقوع الطالق إذا قدمت القيام على‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫القعود‪ ،‬وإال فال يقع الطالق‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫املعنى الثاني‪ :‬ابتداء الكالم‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وذلك إذا وردت الواو استئنافيةً‪:‬‬


‫‪‬‬

‫ومثاله‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ‬


‫ﯢ ﯣ﴾ [آل عمران‪ ،]7 :‬فالواو يف ﴿ ﯚ﴾ استئنافية تفيد ابتداء جملة جديدة على‬
‫رأي كثير من أهل العلم‪.‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬ال َق َسم‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬قوله ‪ ﴿ :۵‬ﭮ ﭯ ﴾ [يس‪.]2 :‬‬

‫‪348‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املعنى الرابع‪ :‬املعية‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬قولهم‪( :‬لو تركت الناقة وفصيلها ألرضعته)‪ ،‬أي‪ :‬مع فصيلها‪.‬‬

‫املعنى اخلامس‪ :‬التخيري مبعنى (أو)‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬قوله ‪ ﴿ :۵‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ﴾ [النساء‪ ،]3 :‬أي‪:‬‬
‫مثنى‪ ،‬أو ثالث‪ ،‬أو رباع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫املعنى السادس‪ :‬بيان احلال‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله ‪ ﴿ :۵‬ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [يوسف‪ ،]14 :‬أي‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حال كوننا عصبة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الفصول فـي األصول (‪.)88-83/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)198-194 /1‬‬


‫‪ -‬التبصرة للشريازي (ص‪.)236-231‬‬
‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)109-99/1‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)261-253/2‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)612-600/2‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)209-188/2‬‬
‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)75-64/2‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (‪.)243-231/1‬‬

‫‪349‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حرف (الفاء) وأبرز معانيه‬

‫لحرف (الفاء) معان كثيرة يف اللغة تستفاد من سياق ورودها‪ ،‬أبرزها ستة (التشريك‬
‫يف الحكم‪ -‬الترتيب والتعقيب‪ -‬التسبيب‪ -‬التعليل‪ -‬التفريع‪ -‬معنى الواو)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫املعنى األول‪ :‬التشريك بني املعطوف واملعطوف عليه فـي احلكم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وذلك إذا وردت عاطفة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ومثاله‪ :‬قولك‪( :‬حضر زيد فعمرو)‪ ،‬فهما مشرتكان يف الحضور‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫املعنى الثاني‪ :‬الرتتيب ((( والتعقيب‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمـراد بـه‪ :‬أن يـأيت مـا بعـد (الفـاء) عقـب مـا قبلهـا بـدون مهلـة‪ ،‬ويقـدَّ ر التعقيـب‬
‫‪   ‬‬

‫ٍ‬
‫‪    ‬‬

‫احترازا مـن قولهـم‪ :‬دخلـت بغـداد‬


‫ً‬ ‫شـيء بحسـبه‪ ،‬فــ (التعقيـب بحسـب اإلمـكان؛‬ ‫يف كل‬
‫‪    ‬‬

‫فالبصـرة‪ ،‬فـإذا كان بينهمـا ثالثـة أيـام فدخـل بعـد الثلاث فهـذا تعقيـب عـادة)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫فعمرا)‪ ،‬فالمراد بيان أن ضرب عمرو كان بعد ضرب‬


‫ومثاله‪ :‬قولك‪( :‬ضربت زيدً ا ً‬
‫فصل‪ ،‬وال مهلة‪.‬‬
‫زيد بال ْ‬
‫‪ ‬‬

‫ويف إفادة (الفاء) للرتتيب والتعقيب خالف بين أهل العلم‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬

‫إفادة (الفاء) للرتتيب والتعقيب‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫اختلف العلماء يف إفادة (الفاء) للترتيب والتعقيب على ثالثة أقوال‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬الفاء تفيد الترتيب والتعقيب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫وإليه ذهب جمهور العلماء من المذاهب األربعة‪ ،‬وعليه جماهير النحاة‪.‬‬

‫قسماألصوليون والنحاة الرتتيب إلى قسمين‪:‬‬


‫((( َّ‬
‫القسم األول‪ :‬ترتيب معنوي أو زماين‪ :‬يكون ما قبل (الفاء) ساب ًقا لما بعدها يف الزمن‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬ترتيب ذكري أو إخباري‪ :‬يكون ما قبل (الفاء) ساب ًقا لما بعدها يف ِّ‬
‫الذكر واإلخبار دون الزمن‪.‬‬
‫((( القواعد والفوائد األصولية (ص‪ ،)187‬وأصل العبارة يف المحصول للرازي (‪.)373/1‬‬
‫‪350‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫القول الثاين‪( :‬الفاء) ال تفيد الترتيب‪.‬‬


‫وهو قول محكي عن الفراء والكوفيين من النحاة‪.‬‬
‫القول الثالث‪( :‬الفاء) ال تفيد التعقيب‪.‬‬
‫وهو قول منسوب لبعض األصوليين وأهل اللغة‪.‬‬
‫دليل القول األول (تفـيد الرتتيب والتعقيب)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وقوعها يف جواب الشرط‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫كقول الزوج لزوجته‪( :‬إن دخلت الدار فأنت طالق)‪ ،‬والجواب يأيت بعد الشرط‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫دون مهلة‪ ،‬فأفادت الرتتيب والتعقيب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫دليل القول الثاني (ال تفـيد الرتتيب)‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫قوله تعالى‪ ﴿:‬ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﴾ [األعراف‪.]4 :‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن (الفاء) لو أفادت الرتتيب لكان الهالك قبل مجيء البأس‪ ،‬والواقع‬
‫‪    ‬‬

‫خالف ذلك؛ مما يدل على أهنا لم تفد الرتتيب‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن اآلية ليست على ظاهرها‪ ،‬بل المعنى‪ :‬وكم من قرية أردنا إهالكها‬
‫حكما فجاءها بأسنا واق ًعا‪.‬‬
‫ً‬ ‫فجاءها بأسنا‪ ،‬وقيل‪ :‬وكم من قرية أهلكناها‬
‫‪ ‬‬

‫دليل القول الثالث (ال تفـيد التعقيب)‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫قوله ‪ ﴿:۵‬ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ﴾ [طه‪.]61 :‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن موسى ﷺ َّ‬


‫كذهبم يف الدنيا‪ ،‬وكان عذاهبم يف اآلخرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫نوقش‪ :‬بعدم التسليم‪ ،‬فعذاب فرعون وقومه حصل يف الدنيا‪ ،‬ولهم عذاب يف‬
‫أيضا؛ وعليه فالفاء دلت على التعقيب يف اآلية‪.‬‬
‫اآلخرة ً‬
‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫الخالف معنوي يف هذه المسألة‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف إفادة (الفاء) للترتيب‬
‫والتعقيب خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬

‫‪351‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مسألة‪ :‬حكم موافقة املأموم لإلمام فـي أفعال الصالة‪:‬‬


‫حيث وردت (الفاء) يف قوله ﷺ‪« :‬إنما جعل اإلمام ليؤتم به‪ ،‬فإذا كبر فكبروا‪،‬‬
‫وإذا ركع فاركعوا‪.(((»...‬‬
‫فمن رأى إفادهتا للرتتيب والتعقيب استدل هبذا الحديث على المنع من موافقة‬
‫المأموم لإلمام؛ ألن مقتضى (الفاء) أن يكون فعل المأموم عقيب فعل اإلمام ال معه‪.‬‬
‫ومن رأى أهنا ال تفيد الرتتيب أو التعقيب لم ير يف الحديث داللة على المنع‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫المقتضي للكراهية أو التحريم‪ ،‬وإن كان المنع قد يستفاد من أدلة أخرى‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫مسألة‪ :‬لو قال‪ :‬واهلل ال آكل اللحم فالعنب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فمن رأى داللتها على الرتتيب والتعقيب ذهب إلى أنه يحنث إن أكل العنب عقب‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اللحم بدون تراخٍ ‪ ،‬وإال فال يحنث‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ومن رأى عدم داللتها على الرتتيب أو التعقيب ذهب إلى أنه يحنث إن جمع بين‬
‫‪    ‬‬

‫أكل اللحم والعنب‪ ،‬بغض النظر عن الرتتيب أو الفصل بينهما‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬التسبيب‪.‬‬


‫فيكون ما قبلها سب ًبا لما بعدها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﯛ ﯜﯝﯞﯟﯠﯡﯢﯣﯤ ﯥ ﴾‬


‫[الحج‪.]63 :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫والمعنى‪ :‬أصبحت مخضرة بسبب الماء المنزل‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫املعنى الرابع‪ :‬التعليل‪.‬‬


‫‪‬‬

‫فيكون ما بعدها علة لما قبلها‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ومثاله‪( :‬تصدق على الفقراء؛ فهم إخوانك)‪.‬‬


‫والتقدير‪ :‬ألهنم إخوانك‪.‬‬
‫املعنى اخلامس‪ :‬التفريع والتفصيل‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله ‪ ﴿:۵‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﴾ [يس‪.]72 :‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)805‬ومسلم (‪ )411‬من حديث أنس بن ٍ‬
‫مالك ﭬ‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪352‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املعنى السادس‪ :‬تأتي الفاء مبعنى الواو‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول امرئ القيس‪:‬‬
‫فح ْو َم ِل‬ ‫ِ‬ ‫ِ‬
‫بس ْقط ال ِّلوى َب ْي َن الدَّ‬ ‫ومن ِْز ِل‬ ‫ٍ‬ ‫ِقفا ِ‬
‫خول َ‬ ‫حبيب َ‬ ‫نبك من ذكرى‬
‫(((‬

‫والتقدير‪ :‬بين جبلي الدَّ خول وحومل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)198/1‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)209-207/1‬‬


‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪)111-110/1‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)116-115/1‬‬


‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)376-373/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)266-261/2‬‬


‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (ص‪.)187‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)620-612/2‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)216-210/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)236 -233/1‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (‪.)245-244/1‬‬
‫ً‬
‫(كاماًل)‪.‬‬ ‫‪ -‬داللة حرف الفاء‪ :‬دراسة أصولية تطبيقية‬

‫((( البيت المرئ القيس يف ديوانه (ص‪ ،)29‬وهتذيب اللغة (‪.)478/15‬‬


‫‪353‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حرف (ثُمَّ) وأبرز معانيه‬

‫لحرف (ثم) معان متعددة يف اللغة تستفاد من السياق الذي وردت فيه‪ ،‬أبرزها‬
‫خمسة‪( :‬التشريك‪ -‬الترتيب‪ -‬التعجب واالستنكار‪ -‬مطلق الجمع‪ -‬ابتداء الكالم)‪.‬‬
‫املعنى األول‪ :‬التشريك بني ما بعدها وما قبلها فـي احلكم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫وذلك إذا وردت عاطفة‪ ،‬وهذا هو قول جمهور اللغويين واألصوليين‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫عمرا)‪ ،‬فهما مشرتكان يف اإلكرام‪.‬‬
‫‪     ‬‬ ‫(أكرمت زيدً ا ثم ً‬
‫ُ‬ ‫ومثاله‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫املعنى الثاني‪ :‬الرتتيب مع الرتاخي‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫متأخرا عما قبلها مع وجود مهلة بينهما‪ ،‬وهذه المهلة قد‬


‫ً‬ ‫أي‪ :‬أن يكون ما بعد (ثم)‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تكون قصيرة‪ ،‬وقد تكون طويلة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قوله ‪ ﴿ :۵‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [األحزاب‪ ،]49 :‬ولذا‬


‫‪    ‬‬

‫يجوز الفقهاء الطالق قبل النكاح؛ ألن اآلية رتبت الطالق على النكاح بـ(ثم)‪،‬‬
‫لم ِّ‬
‫‪ ‬‬

‫وهي تفيد الرتتيب والرتاخي‪.‬‬


‫ويف إفادة (ثم) للرتتيب خالف بين أهل العلم‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫إفادة (ثم) للرتتيب‪:‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫‪‬‬

‫اتفق العلماء على إفادة (ثم) للرتتيب إذا دلت القرائن على ذلك‪ ،‬مثل قولك‪:‬‬
‫‪‬‬

‫أمس أعجب)‪ ،‬فإن قرينة ذكر اليوم واألمس‪ ،‬تدل‬


‫صنعت ُ‬
‫َ‬ ‫صنعت اليوم‪ ،‬ثم ما‬
‫َ‬ ‫(أعجبني ما‬
‫على أن (ثم) يف ذلك لرتتيب اإلخبار‪ ،‬وال تراخي بين اإلعجابين‪.‬‬
‫واختلف العلماء يف إفادة (ثم) المجردة عن القرائن للرتتيب‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬
‫اختلف العلماء يف إفادة (ثم) للترتيب على قولين‪:‬‬
‫‪354‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫القول األول‪ :‬أنها تفيد الترتيب مع التراخي‪ ،‬وإليه ذهب جمهور العلماء من‬
‫المذاهب األربعة‪ ،‬وعليه جماهير النحاة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أنها ال تفيد الترتيب بل هي بمنزلة (الواو)‪ ،‬وهو قول محكي عن بعض‬
‫العلماء من الفقهاء والنحاة‪.‬‬
‫دليل القول األول (تفيد الرتتيب)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫الدليل األول‪ :‬استقراء نصوص الشرع وشواهد العربية يفيد بأن (ثم) تدل على‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الرتتيب والرتاخي‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫[المؤمنون‪ ،]14 :‬أي‪ :‬نفخنا فيه الروح بعد أن كان جما ًدا‪ ،‬وهذا فيه ترتيب وتراخٍ ‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬امتناع وقوعها يف جواب الشرط؛ ألن الجزاء ال يرتاخى عن الشرط‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ِ‬
‫دخلت الدار ثم أنت طالق)‪ ،‬بل يقول‪:‬‬ ‫بل يتعقبه‪ ،‬فال يصح أن يقول الزوج‪( :‬إن‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫(إن دخلت الدار فأنت طالق)‪ ،‬مما يدل على أهنا تفيد الرتتيب مع الرتاخي‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثاني (ال تفيد الرتيب)‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫وقـوع (ثـم) غيـر مفيـدة للرتتيـب يف عـدد مـن الشـواهد‪ ،‬ومنهـا علـى سـبيل المثـال‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [الزمر‪.]6 :‬‬


‫وجه الداللة‪ :‬أن (ثم) لم تفد الرتتيب يف هذه اآلية؛ ألهنا تقتضي أن الخلق ُخلقوا‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫من آدم ڠ قبل أن توجد حواء ۏ‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن ﴿ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ معطوفة على محذوف‪ ،‬والتقدير‪ :‬خلقكم من‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫نفس واحدة أنشأها ثم جعل منها زوجها‪ ،‬أي أن وجود الخلق بعد خلق النفس الواحدة‬
‫‪‬‬

‫وجعل الزوج منها‪ ،‬وعليه فـ(ثم) مستعملة يف باهبا‪ ،‬وأفادت الرتتيب‪.‬‬


‫وبقية النصوص المستشهد هبا على أن (ثم) ال تفيد الرتتيب يؤولها أصحاب‬
‫القول األول بما يحفظ داللة (ثم) على الرتتيب والرتاخي‪ ،‬أو يجعلها خارج محل النزاع‬
‫لوجود القرينة‪.‬‬

‫‪355‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫والخالف يف هذه المسألة معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف إفادة ثم للترتيب خال ًفا يف‬
‫بعض المسائل الفقهية‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬
‫مسألة‪ :‬إذا قال الواقف‪( :‬وقفت مالي على أوالدي ثم أوالد أوالدي)‪:‬‬
‫‪ -‬فمن رأى داللتها على الرتتيب والرتاخي ذهب إلى أن األحفاد ال يحق لهم‬

‫‪   ‬‬


‫االنتفاع من الوقف إال بعد انتفاء استحقاق األوالد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -‬ومن رأى عدم داللتها على الرتتيب ذهب إلى أن األحفاد يحق لهم االنتفاع من‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الوقف كما يحق لألوالد؛ ألن (ثم) تفيد مطلق الجمع بال ترتيب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وينبغي التنبيه على‪ :‬أن األصل يف (ثم) إفادهتا للرتاخي‪ ،‬وقد تفيد التعقيب‪ ،‬فتكون‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بمعنى (الفاء)‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ومثال ذلك‪ :‬قول الشاعر‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫(((‬
‫جـرى يف األنابيـب ثـم اضطـرب‬ ‫كهـ ِّز الردينـي تحـت العجـاج‬
‫‪    ‬‬

‫والتقدير‪ :‬جرى يف األنابيب فاضطرب‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬التعجب واالستنكار‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﴾ [المدثر‪ ،]15 :‬أي‪ :‬كيف يطلب زيادة النعم‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫من اهلل مع إشراكه معه غيره؟!‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫املعنى الرابع‪ :‬مطلق اجلمع‪.‬‬


‫‪‬‬

‫فتكون بمنزلة (الواو العاطفة)‪.‬‬


‫‪‬‬

‫احرتازا من إلغائها؛ إذ إن ًّ‬


‫كاًّل منهما للجمع‬ ‫ً‬ ‫وذلك عندما يتعذر العمل بحقيقة (ثم)؛‬
‫بين المعطوف والمعطوف عليه‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ‬
‫ﮋ ﮌ ﮍ ﴾ [يونس‪ ،]46 :‬فالعمل بحقيقة (ثم) المفيدة للرتتيب والرتاخي يف هذه‬

‫((( البيت ألبي داود اإليادي يف المعاين الكبير (‪ ،)58/1‬وشرح شواهد المغني للسيوطي (‪.)358/1‬‬
‫‪356‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫اآلية متعذر؛ ألن اهلل ‪ ۵‬شهيد على ما يفعل البشر قبل رجوعهم إليه‪ ،‬وبعد ذلك‪ ،‬فيكون‬
‫المراد‪ :‬أنك أيها الرسول إن مت قبل رؤية ما توعدهم اهلل به‪ ،‬فإن مرجعهم إلى اهلل‪ ،‬واهلل‬
‫شهيد على ما يفعله الكافرون يف حياتك وبعد مماتك‪.‬‬
‫ً‬
‫استئنافية‪.‬‬ ‫املعنى اخلامس‪ :‬ابتداء الكالم‪ :‬وذلك إذا وردت ( ُث ّم)‬
‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [آل عمران‪ ،]111 :‬ولو‬

‫‪   ‬‬


‫كانت عاطفة لكان ما بعدها مجزو ًما كالفعل قبلها؛ فتكون‪( :‬ثم ال ينصروا)‪ ،‬فلما جاءت‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مرفوعة دل ذلك على أن (ثم) حرف استئناف هنا‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬الفصول فـي األصول (‪.)92-91/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)199/1‬‬


‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)111/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)117-116/1‬‬


‫‪ -‬اجلنى الداني فـي حروف املعاني (ص‪.)432-426‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)324-320/2‬‬
‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (ص‪.)190-189‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)624-620/2‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)221-216/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)237/1‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (‪.)253-246/1‬‬

‫‪357‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حرف (الباء) وأبرز معانيه‬

‫لحرف (الباء) معان متعددة يف اللغة‪ ،‬أبرزها اثنا عشر (اإللصاق‪ -‬التبعيض‪ -‬االستعانة‪-‬‬
‫المصاحبة‪ -‬البدل‪ -‬المجاورة‪ -‬القسم‪ -‬السببية‪ -‬معنى إلى‪ -‬التوكيد‪ -‬الظرفية‪ -‬التعدية)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫املعنى األول‪ :‬اإللصاق‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وهو تعليق الشيء بالشيء وإيصاله به‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وهو نوعان‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫النوع األول‪ :‬إلصاق حقيقي أو حسي‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬مسحت برأسي‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬إلصاق مجازي أو معنوي‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪( :‬مررت بزيد)؛ ألن المرور لم يلصق به‪ ،‬إنما ألصق بمكان بقرب من زيد‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وينص بعض أهل اللغة على أن اإللصاق هو أصل معاين حرف (الباء)‪ ،‬وما عداه من‬
‫‪    ‬‬

‫ٍ‬
‫معان فإنه يعود إليه‪ ،‬قال المرادي‪( :‬ذكر النحويون لها ثالثة عشر معنى‪ :‬األول‪ :‬اإللصاق‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫وهو أصل معانيها‪ .‬ولم يذكر لها سيببويه غيره‪ .‬قال‪ :‬إنما هي لإللصاق واالختالط)(((‪.‬‬

‫(من) التبعيضية‪.‬‬
‫املعنى الثاني‪ :‬مبعنى ِ‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﴾ [اإلنسان‪ ،]6 :‬أي‪ :‬يشرب منها‪.‬‬


‫ويف إفادة (الباء) لمعنى (مِن) التبعيضية خالف بين أهل العلم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫(من) التبعيضية‪:‬‬
‫إفادة (الباء) ملعنى ِ‬
‫‪‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫اتفق العلماء على إفادة الباء لمعنى (من) التبعيضية إذا دلت القرائن على ذلك‪،‬‬
‫مثل قولك‪( :‬شربن بماء البحر) فإن الباء هنا تدل على التبعيض قط ًعا لداللة القرينة عليه‪.‬‬
‫واختلف العلماء يف إفادة الباء المجردة عن القرائن لمعنى (من) التبعيضية‪.‬‬

‫((( الجنى الداين فـي حروف المعاين (ص‪.)36‬‬


‫‪358‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫اختلف العلماء يف إفادة الباء المجردة عن القرائن لمعنى (من) التبعيضية على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن (الباء) ال تفيد معنى التبعيض‪ ،‬وإليه ذهب بعض الحنفية‪،‬‬
‫والمالكية‪ ،‬والحنابلة‪ ،‬ونسب إلى جمهور أهل اللغة‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن (الباء) تفيد معنى التبعيض على سبيل الحقيقة‪ :‬وإليه ذهب الشافعية‪،‬‬
‫ونسب إلى الكوفيين‪ ،‬وجماعة من النحاة‪ ،‬ونقله عدد من األصوليين مع حكاية الخالف‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫دليل القول األول (ال تفيد التبعيض)‪:‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ً‬
‫فمثاًل‪:‬‬ ‫أن (الباء) لو كانت حقيقة يف التبعيض لما دخلت فيما ال يتبعض‪،‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الطواف بالبيت الوراد يف قوله تعالى‪﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [الحج‪ ،]29:‬ومن‬
‫‪    ‬‬
‫المعلوم أن الطواف ال يتبعض فكيف تكون الباء حقيقة يف شيء ال يتبعض‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوقش‪ :‬بعدم التسليم بأن دخولها فيما ال يتبعض يمنع إفادهتا للتبعيض يف غيره‪ ،‬بل‬
‫‪   ‬‬

‫تفيد الباء التبعيض فيما يصلح له‪ ،‬وال تفيد التبعيض فيما ال يصلح له‪ ،‬كالطواف بالبيت‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فهو عبارة عن الدوران حول جميع البيت‪ ،‬فالشمول نشأ من لفظة الطواف دون الباء؛‬
‫‪    ‬‬

‫ولهذا ال يسمى من دار ببعضه طائ ًفا‪.‬‬


‫دليل القول الثاني (تفيد التبعيض)‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫أنه إذا قال القائل‪ :‬مسحت برأس اليتيم‪ ،‬وأخذت بزمام الناقة ال يكون إال ً‬
‫أخذا‬
‫ومسحا ببعض الرأس‪ ،‬مما يؤكد مجيء (الباء) بمعنى التبعيض‪.‬‬ ‫ببعض الزمام‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫ً‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن هذا خارج محل النزاع؛ لوجود القرينة الدالة على التبعيض‪ ،‬وهي‬
‫‪ ‬‬

‫الرفق والشفقة باليتيم المتحققة بمسح بعض الرأس‪ ،‬بخالف مسح جميع الرأس فقد‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫حرجا‪ ،‬وانقياد الناقة يف المثال الثاين‪ ،‬ال يتحقق إال باألخذ ببعض الزمام؛‬
‫ً‬ ‫يسبب له‬
‫‪‬‬

‫لتعذر انقيادها بجميعه‪.‬‬


‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬
‫والخالف يف هذه المسألة معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف إفادة الباء التبعيض خال ًفا‬
‫يف بعض المسائل الفقهية‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬
‫مسألة‪ :‬مقدار مسح الرأس فـي الوضوء‪ ،‬حيث وردت (الباء) يف قوله ‪﴿ :۵‬ﭝ‬
‫ﭞ﴾ [المائدة‪:]6 :‬‬
‫‪359‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫‪ -‬فمن رأى إفادهتا التبعيض رأى أن اآلية يمكن أن يستدل هبا على أن مسح بعض‬
‫الرأس مجزئ‪.‬‬
‫‪ -‬ومن رأى عدم إفادهتا التبعيض ذهب إلى أن اآلية ال يستدل هبا على إجزاء مسح‬
‫بعض الرأس ؛ ألن (الباء) يف اآلية إما أن تكون لإللصاق‪ ،‬أو تكون زائدة (على خالف بين‬
‫أصحاب هذا الرأي)‪ ،‬وكالهما يستلزمان استيعاب الرأس بالمسح‪.‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬االستعانة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫وهي الداخلة على آلة الفعل‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [األنعام‪ ،]38 :‬أي‪ :‬مستعينًا بجناحيه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وقولك‪ :‬ضربت بالعصا‪ ،‬أي‪ :‬مستعينًا بالعصا‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املعنى الرابع‪ :‬املصاحبة‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫وعالمتها‪ :‬أن يصلح يف موضعها (مع) أو تقدير الحال؛ ولذا تسمى (باء الحال)‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫سالما‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [هود‪ ،]48 :‬أي‪ :‬مع سالم‪ ،‬أو ً‬
‫‪    ‬‬

‫املعنى اخلامس‪ :‬البدل‪.‬‬


‫وعالمتها‪ :‬أن يصلح يف موضعها كلمة (بدل)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ‬


‫‪   ‬‬

‫ﭸ﴾ [سبأ‪ ،]16 :‬والتقدير‪ :‬بدلناهم بدل جنتيهم‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫املعنى السادس‪ :‬مبعنى (عن) للمجاورة‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ويكثر ورودها بعد السؤال‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﮄ ﮅ ﮆ﴾ [الفرقان‪ ،]59 :‬أي‪ :‬فاسأل عنه ً‬


‫خبيرا‪.‬‬

‫املعنى السابع‪ :‬القسم‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [الشعراء‪.]44 :‬‬

‫املعنى الثامن‪ :‬السببية‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [العنكبوت‪ ،]40 :‬أي‪ :‬بسبب ذنبه‪.‬‬
‫‪360‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املعنى التاسع‪ :‬الغاية مبعنى إىل‪.‬‬


‫إلي بأن‬
‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [يوسف‪ ،]100 :‬أي‪ :‬انتهى إحسانه ّ‬
‫أخرجني من السجن‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫املعنى العاشر‪ :‬التوكيد‪.‬‬
‫وذلك إذا وردت زائدة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﴾ [الزمر‪ ،]36 :‬أي‪ :‬أليس اهلل كاف ًيا عبده‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫املعنى احلادي عشر‪ :‬مبعنى (فـي) الظرفـية‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [آل عمران‪ ،]123 :‬أي‪ :‬يف بدر‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫املعنى الثاني عشر‪ :‬التعدية‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وتسمى (باء النقل)‪ ،‬وترد مع األفعال الالزمة‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قوله ‪﴿ :۵‬ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [البقرة‪ ،]17 :‬وأصل المعنى‪ :‬ذهب ُ‬


‫نورهم‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقد نُظِمت هذه المعاين وغيرها يف البيتين اآلتيين(((‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ـل‬‫أقسـم وب ِّعـض أو فـزد أو ع ِّل ِ‬ ‫بالبـاء ألصـق واسـتعن أو عـد أو‬


‫وبهـا فعـوض إن تشـا أو ِ‬
‫أبـد ِل‬ ‫وأتـت بمعنـى مـع ويف وعلـى وعـن‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬الفصول فـي األصول (‪.)94/1‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)202 -200/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)112/1‬‬


‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)310-308/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)381-379/1‬‬


‫‪ -‬اجلنى الداني فـي حروف املعاني (ص‪.)56-36‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)271-266/2‬‬
‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (ص‪.)196-193‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)671-665/2‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)289-272/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)271-267/1‬‬

‫((( الجنى الداين فـي حروف المعاين (ص‪.)56‬‬


‫‪361‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حرف (إىل) وأبرز معانيه‬

‫لحرف (إلى) معان متعددة يف اللغة‪ ،‬أبرزها ثمانية (انتهاء الغاية‪ -‬ابتداء الغاية‪-‬‬
‫مع‪ -‬التبيين‪ -‬الالم‪ -‬التوكيد‪ -‬يف‪ -‬عند)‬
‫املعنى األول‪ :‬انتهاء الغاية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫والمراد‪ :‬أن ينتهي حكم ما قبلها بدخول ما بعدها‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫والغاية نوعان يرد معهما حرف (إلى)‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫النوع األول‪ :‬الغاية الزمانية‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثالها‪ :‬قول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [البقرة‪.]187 :‬‬


‫‪   ‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬الغاية المكانية‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومثالها‪ :‬قول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [اإلسراء‪.]1 :‬‬


‫‪    ‬‬

‫ونص بعض أهل اللغة على أن انتهاء الغاية هو المعنى الحقيقي لحرف (إلى)‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫ويعد ما عداه من قبيل المجاز‪.‬‬


‫قال المرادي‪( :‬إلى حرف جر‪ ،‬يرد لمعان ثمانية‪ :‬األول‪ :‬انتهاء الغاية يف الزمان‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫والمكان‪ ،‬وغيرهما‪ .‬وهو أصل معانيها)(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫وقال ابن الجزري‪( :‬وأ ّما إلى فهي النتهاء الغاية‪ ،‬ولها موضعان‪ :‬األول‪ :‬حقيقي؛‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫كقولك‪ :‬جئت إلى بغداد‪ ...‬الثاين‪ :‬مجازي‪ ،‬وهو إذا كانت بمعنى المصاحبة)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫خالف بين أهل العلم‪.‬‬


‫ٌ‬ ‫ويف دخول ما بعد (إلى) يف حكم ما قبلها‬
‫‪‬‬

‫دخول ما بعد (إىل) فـي حكم ما قبلها‪:‬‬


‫‪‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫اتفق العلماء على دخول ما بعد (إلى) يف حكم ما قبلها إذا دلت القرائن على ذلك(((‪،‬‬

‫((( الجنى الداين فـي حروف المعاين (ص‪.)385‬‬


‫((( البديع يف اللغة (‪.)247/1‬‬
‫((( وقد اختلف األصوليون يف ضابط القرينة الذي يميز بين الغاية التي يصح دخولها فيما قبل (إلى) والغاية التي‬
‫=‬ ‫ ‬ ‫يمتنع دخولها‪ ،‬ومن أقوالهم يف ذلك‪:‬‬
‫‪362‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫مثل قولك‪( :‬قرأت القرآن من أوله إلى آخره)‪ ،‬و(بعتك الحائط من أوله إلى آخره)‪،‬‬
‫فدل ذكر اآلخر وجعله غاية على االستيفاء‪ ،‬ودخول ما بعد (إلى) يف حكم ما قبلها‪.‬‬
‫واختلف العلماء يف دخول ما بعد (إلى) يف حكم ما قبلها حال التجرد عن القرائن‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬
‫اختلف العلماء يف دخول ما بعد (إلى) يف حكم ما قبلها حال التجرد عن القرائن‬
‫على قولين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫القول األول‪ :‬أن ما بعد (إلى) غير داخل يف حكم ما قبلها‪ ،‬وإليه ذهب الجمهور من‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫المذاهب األربعة‪ ،‬ونسب إلى أكثر المحققين‪ ،‬والمتأخرين من النحاة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن ما بعد (إلى) داخل يف حكم ما قبلها‪ ،‬وهو رواية عن اإلمام أحمد‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ونسب إلى بعض الحنفية‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫دليل القول األول (أن ما بعد إىل غري داخل)‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬أن أكثر أحوال (إلى) احتفافها بقرائن تفيد عدم الدخول‪ ،‬فيحمل‬
‫‪    ‬‬

‫عند عدم القرائن على األكثر‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن ما بعد الغاية محكوم عليه بنقيض ُحكم ما قبلها؛ ألنه لو كان‬
‫ثابتًا فيه لم يكن الحكم منته ًيا وال منقط ًعا‪ ،‬بمعنى‪ :‬أن الغاية لم يكن لها فائدة لعدم انتهاء‬
‫‪ ‬‬

‫الحكم‪ ،‬وهو ُمحال‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫دليل القول الثاني (أن ما بعد إىل داخل)‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [المائدة‪ ،]6 :‬ونحوه‪.‬‬


‫الم َغ َّيا‪-‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن المرافق ‪-‬وهي الغاية‪ -‬تغسل كما تغسل األيدي ‪-‬وهي ُ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫مما يدل على دخول الغاية يف حكم ما قبل (إلى)‪ ،‬ويقاس غير هذا الحكم عليه‪.‬‬
‫‪‬‬

‫نوقش‪ :‬بأنه خارج محل النزاع؛ ألن دخول المرافق يف حكم ما قبل (إلى) قد دلت‬
‫عليه القرينة؛ وهي فعل النبي ﷺ‪ ،‬ومواظبته على غسل المرفقين‪.‬‬

‫‪ -1‬إذا كانت الغاية من جنس ما قبل (إلى) فتدخل فيه‪ ،‬وإال فال‪.‬‬ ‫=‬
‫‪ -2‬إذا كانت الغاية تتميز بمفصل حسي وجب خروجها عما قبل (إلى)‪ ،‬وإن لم تتميز فتدخل فيه‪.‬‬
‫ً‬
‫متناواًل لها دخلت فيه‪.‬‬ ‫‪ -3‬إذا كانت الغاية قائمة بنفسها لم تدخل فيما قبل (إلى)‪ ،‬وإن لم تكن قائمة وكان أصل الكالم‬
‫‪363‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫والخالف يف المسألة معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف دخول ما بعد (إلى) يف حكم ما‬
‫قبلها خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية‪ ،‬منها ما يأتي‪:‬‬
‫مسألة‪ :‬حكم الركبة‪ ،‬أهي من العورة أو ال؟‬
‫حيث ورد حرف (إلى) يف قول النبي ﷺ‪« :‬وإذا أنكح أحدكم عبده أو أجيره‪،‬‬
‫فال ينظرن إلى شيء من عورته‪ ،‬فإن ما أسفل من سرته إلى ركبتيه من عورته»(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -‬فمن رأى أن الغاية ال تدخل فيما قبل (إلى) رأى أن هذا الحديث يدل على أن‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الركبة ليست من العورة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ -‬ومن رأى أن الغاية تدخل فيما قبل (إلى) ذهب إلى أن الركبة من العورة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫مسألة‪ :‬احلكم إذا قال الزوج لزوجته‪( :‬أنت طالق من واحدة إىل ثالث)‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬فمن رأى أن الغاية ال تدخل فيما قبل (إلى) رأى أن هذا القول يقتضي إيقاع طلقتين‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬ومن رأى أن الغاية تدخل فيما قبل (إلى) ذهب إلى أن هذا القول يقتضي إيقاع‬
‫‪    ‬‬

‫ثالث طلقات‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫املعنى الثاني‪ :‬ابتداء الغاية‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول الزوج‪ :‬أنت طالق إلى شهر‪ ،‬ونوى التأخير‪ ،‬فال تطلق إال بعد شهر؛‬
‫ألنه كان يريد ابتداء الغاية‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬مبعنى (مع)‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ ﭽ﴾ [النساء‪ ،]2 :‬أي‪ :‬أموالهم مع أموالكم‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫املعنى الرابع‪ :‬التبيين‪:‬‬


‫‪‬‬

‫بغضا من فعل تعجب أو اسم تفضيل‪.‬‬


‫وهي المبينة لفاعلية مجرورها بعد ما يفيد ح ًبا أو ً‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4114( )4113‬وأحمد (‪ ،)6756‬والعقيلي يف الضعفاء (‪ ،)167/2‬والدارقطني يف سننه‬
‫(‪ ،)887‬من حديث عبد اهلل بن عمرو ﭭ‪ .‬قال العقيلي‪( :‬ليس يروى من وجه يثبت) انتهى‪.‬‬
‫وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ‪ :‬أخرجه الحارث بن أبي أسامة (بغية الباحث ‪ :)143‬أن‬
‫رسول اهلل ﷺ‪ ،‬قال‪« :‬عورة الرجل من سرته إلى ركبته»‪ .‬قال ابن حجر يف التلخيص الحبير (‪:)505/1‬‬
‫(هو سلسلة ضعفاء إلى عطاء) ‪.‬‬
‫‪364‬‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ﴾ [يوسف‪.]33 :‬‬


‫املعنى اخلامس‪ :‬مبعنى (الالم)‪:‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﴾ [النمل‪ ،]33 :‬والتقدير‪ :‬واألمر لك‪.‬‬
‫املعنى السادس‪ :‬التوكيد‪ :‬وذلك إذا وردت زائدة‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [إبراهيم‪ ،]37 :‬وذلك‬
‫على قراءة‪َ ( :‬ت ْه َوى إِ َل ْيهم)(((‪ ،‬والمعنى‪ :‬هتواهم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫املعنى السابع‪ :‬الظرفـية مبعنى (فـي)‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫[النساء‪ ،]87 :‬والتقدير‪ :‬ليجمعنكم يف يوم القيامة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املعنى الثامن‪ :‬مبعنى عند‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول الشاعر‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫(((‬
‫إلي من الرحيق السلسل‬
‫أشهى ّ‬ ‫أم ال سبيل إلى الشباب وذكره‬
‫التقدير‪ :‬أشهى عندي من الرحيق‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬أصول الشاشي (ص‪.)٢٢٦‬‬


‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)221-220/1‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)114-113/1‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)357-356‬‬


‫‪ -‬اجلنى الداني فـي حروف املعاني (ص‪.)390-385‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)315-312/2‬‬


‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (ص‪.)204-198‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)639-634/2‬‬


‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)242-237/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)246-245/1‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (‪)266-259/1‬‬
‫‪ -‬الفوائد السنية فـي شرح األلفـية (‪.)127/4‬‬

‫((( على قراءة‪ :‬علي بن أبي طالب‪ ،‬وأبي جعفر محمد بن علي‪ ،‬وجعفر بن محمد‪ ،‬ومجاهد‪ ،‬انظر‪ :‬المحتسب‬
‫يف تبيين وجوه شواذ القراءات (‪.)364/1‬‬
‫((( البيت ألبي كبير الهذلي يف ديوان الهذليين (‪ ،)89/2‬وانظر‪ :‬تاج العروس (‪.)217/29‬‬
‫‪365‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حرف (حتى) وأبرز معانيه‬

‫لحرف (حتى) معان متعددة يف اللغة‪ ،‬أبرزها أربعة‪( :‬نهاية الغاية‪ -‬التعليل‪( -‬إال)‬
‫يف االستثناء المنقطع‪ -‬االبتداء)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫املعنى األول‪ :‬نهاية الغاية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ﴾ [القدر‪.]5 :‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫دخول ما بعد (حتى) فـي حكم ما قبلها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫اتفق األصوليون على أن حتى إذا كانت للعطف‪ ،‬دخل ما بعدها يف حكم ما قبلها؛‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وذلك ألن العطف يقتضي التشريك يف الحكم‪ ،‬ومثال ذلك‪ :‬قولك‪( :‬ضربت القوم حتى‬
‫‪   ‬‬

‫زيدً ا)‪ ،‬فيكون الضرب قد شمل زيدً ا مع أنه الغاية‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أيضا‪ ،‬ومثال‬
‫واتفقوا على أهنا إذا كانت لالبتداء‪ ،‬دخل ما بعدها يف حكم ما قبلها ً‬
‫‪    ‬‬

‫ذلك‪ :‬قولك‪( :‬ضربت القوم حتى زيدٌ )‪ ،‬والتقدير‪ :‬حتى زيد مضروب‪.‬‬
‫وحكي خالف يف أهنا إذا كانت للجر‪ ،‬تكون بمنزلة (إلى)‪ ،‬فيجري فيها الخالف‬
‫‪ ‬‬

‫كثيرا من األصوليين‬
‫الجاري يف (إلى) المتعلق بدخول الغاية بعدها يف حكم ما قبلها‪ ،‬إال أن ً‬
‫والنحاة ذهبوا إلى أن األصل دخول ما بعد (حتى) الجارة فيما قبلها ما لم يرد دليل‪ ،‬وذلك‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫بخالف ما ذهبوا إليه يف حرف (إلى)‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ودليلهم‪ :‬أن القرائن تدل غال ًبا على أن ما بعد (حتى) داخل فيما قبلها‪ ،‬فإذا ُعدمت‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫القرائن ُحمل الحال على الغالب‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الم َغ َّيا يف (حتى)‪ ،‬ورأى‬


‫وذهب بعض العلماء إلى أنه ال خالف يف دخول الغاية يف ُ‬
‫َق ْصر الخالف على (إلى) فقط (((‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية‪( :‬الغاية المؤقتة بحرف (حتى) تدخل يف حكم المحدود‬
‫المغ َّيا‪ ،‬ال نعلم بين أهل اللغة خال ًفا فيه‪ ،‬وإنما اختلف الناس يف الغاية المؤقتة بحرف إلى)(((‪.‬‬
‫ُ‬

‫((( انظر‪ :‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)103‬‬


‫((( الفتاوى الكربى (‪.)254/6‬‬
‫‪366‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املعنى الثاني‪ :‬التعليل‪ :‬وهي التي يصلح أن يكون يف موضعها (كي)‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [البقرة‪،]217 :‬‬
‫أي‪ :‬كي يردوكم عن دينكم‪.‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬مبعنى (إال) فـي االستثناء املنقطع‪ :‬وهو قليل‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬قولك‪( :‬واهلل ال أفعل حتى أن تفعل)‪ ،‬والتقدير‪ :‬إال أن تفعل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫املعنى الرابع‪ :‬االبتداء‪ :‬وهي التي تدخل على مبتدأ مرفوع‪ ،‬أو على ماض‪ ،‬أو على‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مضارع مرفوع‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﴾ [األعراف‪.]95 :‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)220-218/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)117/1‬‬


‫‪ -‬نهاية الوصول لألرموي اهلندي (‪.)436-428/2‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)140-139/1‬‬


‫‪ -‬اجلنى الداني فـي حروف املعاني (ص‪.)558-542‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)318-315/2‬‬
‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (ص‪.)197‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)627-624/2‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)242-221/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)240-238/1‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (ص‪.)266-225‬‬

‫‪367‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حرف (مِنْ) وأبرز معانيه‬

‫لحرف (مِ ْن) معان متعددة يف اللغة‪ ،‬أبرزها عشرة (ابتداء الغاية‪ -‬التبعيض‪ -‬التبيين‪-‬‬
‫الصلة‪ -‬على‪ -‬الباء‪ -‬يف‪ -‬البدل‪ -‬عند‪ -‬التعليل)‪.‬‬
‫املعنى األول‪ :‬ابتداء الغاية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫والغاية نوعان يرد معهما حرف ِ‬
‫(م ْن)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫النوع األول‪ :‬الغاية الزمانية‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫ومثالها‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ﮈ﴾ [اإلسراء‪.]79 :‬‬
‫‪    ‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬الغاية المكانية‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ومثالها‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ﴾ [اإلسراء‪.]1 :‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املعنى الثاني‪ :‬التبعيض‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭴﭵﭶﭷﭸ ﭹﭺﭻﭼ﴾‬


‫[غافر‪ ،]79 :‬والتقدير‪ :‬لرتكبوا بعضها‪ ،‬وتأكلوا بعضها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬التبيني أو بيان اجلنس‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﯩ ﯪ ﯫ ﯬ﴾ [الحج‪.]30 :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫واختلفوا هل حرف (مِ ْن) حقيقة يف ابتداء الغاية والتبعيض والتبيين أو يف أحدها‬
‫‪ ‬‬

‫دون اآلخر؟ على أقوال‪ ،‬أشهرها‪ :‬أهنا حقيقة البتداء الغاية دون غيره؛ لكثرة استعمالها‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫فيه‪ ،‬وكثرة االستعمال دليل الحقيقة‪.‬‬


‫‪‬‬

‫املعنى الرابع‪ :‬الصلة لتأكيد العموم‪:‬‬


‫وهي الداخلة على نكرة ال تختص بالنفي‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قولك‪( :‬ما جاءين من رجل)‪.‬‬
‫املعنى اخلامس‪ :‬مبعنى على‪.‬‬
‫ومثالــه‪ :‬قــول اهلل ‪﴿ :۵‬ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ﴾ [األنبيــاء‪،]77 :‬‬
‫والتقدير‪ :‬نصرناه على القوم‪.‬‬
‫‪368‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املعنى السادس‪ :‬مبعنى الباء‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ‬
‫ﭚ﴾ [الشورى‪ ،]45 :‬والتقدير‪ :‬ينظرون بطرف خفي‪.‬‬
‫املعنى السابع‪ :‬مبعنى فـي‪.‬‬
‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﴾‬
‫[األحقاف‪ ،]4 :‬والتقدير‪ :‬ماذا خلقوا يف األرض‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫املعنى الثامن‪ :‬مبعنى البدل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫خرف‪،]60 :‬‬ ‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ﴾ ُّ‬

‫‪‬‬
‫[الز ُ‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والتقدير‪ :‬لجعلنا بدلكم مالئكة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫املعنى التاسع‪ :‬مبعنى عند‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙ ﭚﭛﭜ﴾‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫[آل عمران‪ ،]116:‬والتقدير‪ :‬لن تغني عنهم أموالهم وال أوالدهم عند اهلل شي ًئا‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫املعنى العاشر‪ :‬للتعليل‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ‬


‫ﭵ ﭶ ﭷ ﴾ [البقرة‪ ،]19 :‬أي‪ :‬بسبب الصواعق‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)202/1‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)223-222/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)113-112/1‬‬


‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)111/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)62/1‬‬


‫‪ -‬اجلنى الداني فـي حروف املعاني (ص‪.)321-308‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)293-290/2‬‬
‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (ص‪.)210-207‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)634-627/2‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)289-272/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)244-241/1‬‬
‫‪ -‬دالالت األلفاظ عند ابن تيمية (ص‪.)270-267‬‬

‫‪369‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حرف (فـي) وأبرز معانيه‬

‫لحرف (يف) معان متعددة يف اللغة‪ ،‬أبرزها سبعة‪( :‬الظرفية‪ -‬االستعالء‪ -‬السببية‪-‬‬
‫إلى‪ -‬التأكيد‪ -‬مع‪ -‬من)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫املعنى األول‪ :‬الظرفـية املكانية أو الزمانية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومثال الظرفية المكانية‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﮞﮟﮠﮡﮢﮣ﴾‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫[األعراف‪.]78 :‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومثال الظرفية الزمانية‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ [السجدة‪.]5 :‬‬
‫‪   ‬‬

‫املعنى الثاني‪ :‬االستعالء مبعنى (على)‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [طه‪ ،]71:‬أي‪ :‬على جذوع النخل‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫املعنى الثالث‪ :‬السببية‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول النبي ﷺ‪« :‬دخلت امرأة النار يف هرة»(((‪ ،‬أي‪ :‬بسبب هرة‪.‬‬
‫وقد ض ّعف بعض أهل اللغة كون السببية أحد معاين (يف)‪ ،‬والصحيح ثبوته كما يف‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الحديث السابق‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫املعنى الرابع‪ :‬مبعنى (إىل)‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ﴾ [إبراهيم‪ ،]9 :‬أي‪ :‬إلى أفواههم‪.‬‬


‫‪‬‬

‫املعنى اخلامس‪ :‬التأكيد‪ :‬وهي التي يفيد الكالم بدوهنا‪.‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪ ﴿ :۵‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ﴾ [هود‪،]41:‬‬
‫والتقدير‪ :‬اركبوها‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3318‬ومسلم (‪ ،)2619‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫‪370‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب اخلامس‪ :‬األمر‪َّ ،‬‬
‫والنهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬واخلصوص‪ ،‬واملفاهيم‬

‫املعنى السادس‪ :‬مبعنى (مع)‪:‬‬


‫ومثاله‪ :‬قول اهلل ‪﴿ :۵‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ﴾ [األعراف‪،]38 :‬‬
‫والتقدير‪ :‬ادخلوا مع أمم‪.‬‬

‫(م ْن)‪:‬‬
‫املعنى السابع‪ :‬مبعنى ِ‬
‫ومثالـه‪ :‬قولـه ‪﴿ :۵‬ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾‬

‫‪   ‬‬


‫[النساء‪ ،]5 :‬والتقدير‪ :‬ارزقوهم منها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬الفصول فـي األصول (‪.)95-94/1‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)204/1‬‬


‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)113/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)377-376/1‬‬


‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)61/1‬‬
‫‪ -‬اجلنى الداني فـي حروف املعاني (ص‪.)252-244‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)297-296/2‬‬
‫‪ -‬القواعد والفوائد األصولية (ص‪.)206-205‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)671-665/2‬‬
‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)245-242/2‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)٢٥٤-٢٥١/١‬‬

‫‪371‬‬
‫ادس‪:‬‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬
‫القياس وقوادحه‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫أنواع القياس األصولي‬

‫قسم األصوليون القياس الشرعي إلى قسمين‪( :‬قياس الطرد‪ ،‬وقياس العكس)‪.‬‬
‫ّ‬
‫القسم األول‪ :‬قياس الطرد‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وهو‪ :‬أن يثبت الحكم يف محل‪ ،‬و ُتعلم علته‪ ،‬ثم يوجد محل آخر غير معلوم حكمه‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وتوجد فيه مثل علة المحل األول‪ ،‬فيثبت له حكم المحل األول‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وقياس الطرد له أربعة أنواع‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‌النوع األول‪ :‬قياس العلة‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫وهو ما صرح فيه بذكر العلة‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثاله‪( :‬قياس القتل بمثقل على القتل بمحدد)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫يقول المعلل‪ :‬القتل بمثقل قتل عمد عدوان وجب فيه القصاص‪ ،‬كالقتل بمحدد‪.‬‬
‫فهنا صرح المعلل بذكر العلة‪ ،‬وهي‪( :‬قتل عمد عدوان)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‌النوع الثاني‪ :‬قياس الداللة‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وهو الجمع بين األصل والفرع بالزم من لوازم العلة‪ ،‬أو أثر من آثارها‪ ،‬أو حكم من‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أحكام األصل(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‌النوع الثالث‪ :‬القياس مبعنى األصل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫وهو القياس الذي ال ُينظر فيه إلى العلة‪ ،‬وإنما ُينظر إلى الفرق بين األصل والفرع ويكتفى‬
‫بنفيه‪ ،‬ويسمى القياس بنفي الفارق‪.‬‬
‫قياسا على الماء الذي حصل‬
‫صب فيه البول‪ً ،‬‬
‫مثاله‪ :‬االستدالل لنجاسة الماء الذي ّ‬
‫فيه البول من اإلنسان مباشرة‪ ،‬وال فرق بينهما إال يف استعمال اإلناء وهو فرق غير مؤثر‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)387‬‬


‫‪375‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫‌النوع الرابع‪ :‬قياس الشبه‪ :‬ويفسر عند األصوليني بأحد تفسريين‪:‬‬


‫األول‪ :‬تردد الفرع بين أصلين شابه ًّ‬
‫كاًّل منهما بعض أوصافه‪ ،‬وهو الذي يسمى‬
‫عند بعض الفقهاء كالشافعي‪( :‬قياس غلبة األشباه)‪.‬‬
‫ْ‬
‫المذي‪ ،‬فإذا أراد المجتهد إلحاقه بالمني قال‪:‬‬ ‫مثاله‪ :‬االستدالل لحكم‬
‫طاهرا كالمني‪.‬‬
‫ً‬ ‫المذي خارج من الفرج‪ ،‬وسبقته شهوة فخرج أمامها؛ فكان‬
‫وإذا أراد إلحاقه بالبول قال‪ :‬خارج من الفرج‪ ،‬وال ُيخلق منه الولد‪ ،‬وال يجب‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫نجسا كالبول‪.‬‬
‫الغسل منه؛ فكان ً‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الثاين‪ :‬تردد الوصف بين كونه مناس ًبا (أي‪ :‬تضمن الحكمة)‪ ،‬أو طرد ًّيا‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫(أي‪ :‬لم يتضمن الحكمة) كالوصف بالسواد والطول‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مثاله‪ :‬االستدالل لحكم إزالة النجاسة بغير الماء؛ فإزالة النجاسة طهارة تراد ألجل‬
‫‪   ‬‬

‫الصالة‪ ،‬فال تزال بغير الماء كالوضوء‪ ،‬فوصف الطهارة إلزالة النجاسة مرتدد بين كونه‬
‫‪    ‬‬

‫مناس ًبا أو طرد ًيا‪ ،‬وذلك باعتبارين‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ ‪-‬فباعتبار أنه ال تبدو مناسبة ظاهرة لتعيين الماء إلزالة النجاسة لكوهنا تزال بغيره‬
‫‪    ‬‬

‫صار طرد ًّيا‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ ‪-‬وباعتبار أن الشارع اعترب الماء يف الطهارة ألجل الصالة والطواف يكون مناس ًبا‬
‫ال طرد ًّيا‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬قياس العكس‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وهو‪ :‬أن يثبت الحكم يف محل‪ ،‬و ُتعلم علته‪ ،‬ثم يوجد محل آخر غير معلوم حكمه‪،‬‬
‫وتوجد فيه نقيض علة األصل؛ فيثبت له نقيض حكم األصل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫مثاله‪ :‬قوله ﷺ ‪« :‬ويف بضع أحدكم صدقة»‪ .‬قالوا‪ :‬يا رسول اهلل‪ ،‬أيأيت أحدنا شهوته‬
‫ويكون له فيها أجر؟! قال‪« :‬أرأيتم لو وضعها يف حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها‬
‫يف الحالل كان له أجر»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪ )1006‬من حديث أبي ذر ﭬ‪.‬‬


‫‪376‬‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫فأثبت النبي ﷺ للفرع (وهو الوطء الحالل) نقيض حكم األصل (وهو الوطء‬
‫أجرا؛ ألنه وطء حالل‪ ،‬لما‬
‫الحرام)؛ لوجود نقيض علة حكم األصل فيه‪ ،‬فأثبت للفرع ً‬
‫وزرا؛ ألنه وطء حرام‪.‬‬
‫ثبت أن يف األصل ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬روضة الناظر (‪.)612-608/2‬‬


‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)224-223/3‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)252-251/2‬‬


‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)66-48/7‬‬
‫‪ -‬املختصر فـي أصول الفقه (ص‪.)150‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)211-209/4‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)318-317‬‬
‫‪ -‬معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص‪.)183-181‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)172-169‬‬
‫‪ -‬األصول من علم األصول (ص‪.)75-72‬‬

‫‪377‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫التفريق بني القياس األصولي وما يشبهه‬

‫القياس عند العلماء يطلق على القياس األصولي‪ ،‬ويطلق عند بعض العلماء على‬
‫وسنعرف اآلن القياس المنطقي‪،‬‬
‫ّ‬ ‫القياس المنطقي‪ ،‬وقد سبق تعريف القياس األصولي‪،‬‬
‫ونب ّين الفرق بينه وبين القياس األصولي‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫القياس المنطقي هو‪ :‬قول مؤ َّلف من قضايا يلزم لذاهتا ٌ‬
‫قول آخر‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مثاله‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القراءة نافعة‬
‫‪    ‬‬
‫القراءة مطلوبة‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وكل نافع مطلوب‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اإلنسان حادث‬
‫‪    ‬‬

‫اإلنسان خملوق‬
‫وكل حادث خملوق‬
‫‪ ‬‬

‫الفرق بني القياس األصولي واملنطقي‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬

‫القياس يف نظر األصوليين يرجع إلى االستدالل بحكم شيء على آخر لجامع‬
‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫بينهما‪ ،‬من غير أن يكون أحدهما أعم من اآلخر‪ ،‬ويسمونه‪ :‬القياس التمثيلي‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مثاله‪ :‬قياس النبيذ على الخمر‪ ،‬لجامع اإلسكار‪.‬‬


‫‪‬‬

‫وأما قياس المناطقة‪ :‬فهو االستدالل بحكم ورد على العام فينزل الحكم على‬
‫‪‬‬

‫الخاص‪ ،‬فيعطى الخاص حكم العام‪ ،‬ويكون ذلك بالمقدمات والنتائج‪.‬‬


‫مثاله‪:‬‬
‫اإلنسان حادث‬
‫اإلنسان خملوق‬
‫وكل حادث خملوق‬

‫‪378‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫فحكمنا على الخاص؛ وهو هنا (اإلنسان)‪ ،‬بما حكمنا به على األعم منه؛ وهو هنا‬
‫(حادث)‪ ،‬والقاعدة‪ :‬أن الحكم على األعم هو حكم على األخص بالضرورة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬روضة الناظر (‪.)540/2‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)12-11/ 7‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)398-397/ 4‬‬
‫‪ -‬طرق االستدالل ومقدماتها عند املناطقة واألصوليني (ص‪.)229‬‬
‫‪ -‬اإليناس بتيسري القياس (ص‪.)13-12‬‬

‫‪379‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفرق بني العلة واحلكمة‬

‫العلة والحكمة مصطلحان أصوليان متشاهبان؛ مما قد يجعل أحدهما يلتبس‬


‫باآلخر‪ ،‬وفيما يلي التفريق بينهما ببيان التعريف والمثال لكل منهما‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬العلة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫المعرف للحكم‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫وهي الوصف الظاهر المنضبط‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫مثالها‪ :‬حكم الشارع بقطع يد السارق‪ ،‬والعلة يف هذا الحكم هي (السرقة)‪ ،‬والسرقة‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫من األوصاف الظاهرة التي ال تخفى على أحد‪ ،‬كما أهنا منضبطة ال تختلف من شخص‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫آلخر‪ ،‬أو من مكان آلخر‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫مثال آخر‪ :‬حرم الشارع الخمر‪ ،‬والعلة يف هذا الحكم هي‪( :‬اإلسكار)‪ ،‬واإلسكار‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫من األوصاف الظاهرة التي ال تخفى على أحد‪ ،‬كما أهنا منضبطة ال تختلف من شخص‬
‫‪    ‬‬

‫آلخر أو من مكان آلخر‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬احلكمة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫وهي ما يرتتب على التشريع من جلب مصلحة أو تكميلها‪ ،‬أو دفع مفسدة أو‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫تقليلها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫مثالها‪ :‬حكم الشارع بقطع يد السارق‪ ،‬والمصلحة المرتتبة على هذا الحكم هي‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫حفظ أموال الناس‪ ،‬وحمايتها‪ ،‬وصيانتها‪ ،‬والمفسدة المدفوعة هبذا الحكم هي‪ :‬تسلط‬
‫‪‬‬

‫بعض الناس على أموال اآلخرين‪ ،‬وانتشار الفوضى واإلجرام‪.‬‬


‫مثال آخر‪ :‬حكم الشارع بتحريم الخمر‪ ،‬والمصلحة المرتتبة على هذا الحكم هي‪:‬‬
‫المحافظة على عقول الناس‪ ،‬والمفسدة المدفوعة هبذا الحكم هي‪ :‬إفساد العقل وإتالفه‬
‫بشرب المسكرات‪ ،‬مما يؤدي كذلك إلى عدم السيطرة على تصرفاته مما يسبب االعتداء‬
‫على اآلخرين‪.‬‬

‫‪380‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫اخلالصة‪:‬‬
‫أن العلة‪ :‬هي الوصف المناسب المعرف لحكم الشارع وباعثه على تشريع الحكم‪،‬‬
‫كاإلسكار علة لتحريم الخمر‪.‬‬
‫والحكمة‪ :‬ما يجتنيه المكلف من الثمرة المرتتبة على امتثال حكم الشارع من جلب‬
‫نفع أو دفع ضر؛ كحفظ العقل من تحريم الخمر‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬تشنيف املسامع (‪.)216-215/3‬‬


‫‪ -‬علم أصول الفقه لعبد الوهاب خالف (ص‪.)65-62‬‬
‫‪ -‬مقاصد الشريعة البن عاشور (‪.)34/2‬‬
‫‪ -‬املهذب فـي علم أصول الفقه املقارن (‪.)2116/5‬‬
‫‪ -‬الوصف املناسب لشرع احلكم (ص‪.)74‬‬
‫‪ -‬رعاية املصلحة واحلكمة يف تشريع نيب الرمحة ﷺ (ص‪.)205-202‬‬
‫‪ -‬العلة واحلكمة والتعليل باحلكمة دراسة مصطلحية (ص‪.)86-81‬‬

‫‪381‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫النص الظاهر من املسالك النقلية للعلة‬

‫من مسالك العلة النقلية‪ :‬النص الظاهر‪ ،‬وهو مسلك معترب عند علماء األصول‪،‬‬
‫قسيم للنص الصريح‪.‬‬
‫مرجوحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫احتمااًل‬ ‫والمراد به‪ :‬الذي يحتمل غير العلية‬

‫‪   ‬‬


‫وله ألفاظ يذكرها األصوليون‪ ،‬وهذه األلفاظ لم تجعل من قسم النص الصريح؛‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ألن ًّ‬
‫كاًّل منها له معان غير التعليل‪ ،‬ومن هذه األلفاظ‪( :‬الالم والباء)‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اللفظ األول‪( :‬الالم)‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫وهـي تـارة تكـون ظاهـرة ‪-‬أي‪ :‬ملفو ًظـا هبـا‪ -‬كقولـه تعالـى‪ ﴿ :‬ﭤ ﭥ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [إبراهيـم‪ ،]1:‬وتـارة تكـون مقـدرة؛ كقولـه تعالى‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫﴿ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﴾ [القلم‪ ،]14 ،13 :‬أي‪ :‬ألن كان‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫اللفظ الثاني‪( :‬الباء)‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫كقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [البقرة‪.]54 :‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬روضة الناظر (‪.)576/2‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)375-356/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3323-3315/7‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)125-121/4‬‬
‫‪ -‬املهذب فـي علم أصول الفقه املقارن (‪.)2030-2028/5‬‬

‫‪382‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫عالقة أقسام املناسب مبقاصد الشريعة‬

‫مبحث المناسبة عند األصوليين له عالقة بمقاصد الشريعة‪ ،‬باعتبار أن المناسبة‬


‫المطلوبة ليست مطلق المناسبة‪ ،‬بل المناسبة التي تتفق مع مقاصد الشرع واعتباراته‪.‬‬
‫ولذلك يقول الغزالي‪( :‬وجميع أنواع المناسبات ترجع إلى رعاية المقاصد‪ ،‬وما‬

‫‪   ‬‬


‫انفك عن رعاية أمر مقصود فليس مناس ًبا‪ ،‬وما أشار إلى رعاية أمر مقصود فهو مناسب‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثم الشيء ينبغي أن يكون مقصو ًدا للشرع حتى تكون رعايته مناسبة يف أقيسة الشرع)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫قسم األصوليون المناسب وتعلقه بمقاصد الشريعة باعتبارين اثنين‪:‬‬‫وقد ّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫(إفضاء المناسب إلى المقصد الشرعي‪ ،‬وتحصيله له)‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫االعتبار األول‪ :‬من حيث إفضاء املناسب إىل أصل املقصود الشرعي‪ ،‬إىل‬
‫‪    ‬‬

‫أقسام ثالثة‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم األول‪ :‬وهو المفضي إلى أصل المقصود الشرعي يف االبتداء‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫تحصياًل ألصل‬ ‫مثل‪ :‬القضاء بصحة التصرف الصادر من األهل يف المحل؛‬
‫‪ ‬‬

‫المقصود المتعلق بالتصرف‪ ،‬كما يف ملك العين أو المنفعة الحاصل يف البيع واإلجارة‬
‫ونحوهما‪ ،‬فإذا صدرا من جائز التصرف‪ ،‬فيما يحق له بيعه أو إجارته‪ ،‬حصل المقصود‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وهو ملكية العين أو المنفعة‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫القسم الثاين‪ :‬وهو المفضي إلى دوام المقصود الشرعي‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫كالقضاء بتحريم القتل‪ ،‬وإيجاب القصاص على من قتل عمدً ا عدوانًا‪ ،‬إلفضائه إلى‬
‫دوام مصلحة حفظ نفس اإلنسان المعصوم‪ ،‬عن التعدي عليها بغير حق‪.‬‬
‫‪‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬وهو المفضي إلى تكميل المقصود الشرعي‪:‬‬


‫مكمل لمصلحة النكاح‪ ،‬وليس‬
‫مثل‪ :‬الحكم باشرتاط الشهادة يف النكاح؛ فإنه ّ‬
‫محص ًاًل ألصلها؛ لحصول المصلحة بنفس التصرف وصحته‪.‬‬
‫ِّ‬

‫((( شفاء الغليل للغزالي (ص‪.)160-159‬‬


‫‪383‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬من حيث حصول املقصود الشرعي إىل أقسام أربعة‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬حصول المقصود يقينًا‪:‬‬
‫كحصول الملك الحاصل يف البيع الصحيح‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬حصول المقصود ظنًّا‪:‬‬
‫كحفظ األنفس الحاصل من وجوب القصاص‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫القسم الثالث‪ :‬ما يحتمل حصول المقصود وعدم حصوله‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وم َّثل له اآلمدي بحد شرب الخمر لمصلحة حفظ العقل؛ فإنه يحتمل حصول‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫المقصود بسبب أننا نجد كثرة الممتنعين عنه مقاومة لكثرة المقدمين عليه‪ ،‬ال على وجه‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الرتجيح والغلبة ألحد الفريقين على اآلخر يف العادة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫راجحا على حصوله‪ :‬كنكاح اآليسة لتحصيل‬ ‫القسم الرابع‪ :‬عدم حصول المقصود‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫‪   ‬‬

‫التناسل‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شفاء الغليل للغزالي (ص‪.)161-159‬‬
‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)273-272/3‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)265/7‬‬
‫‪ -‬الوصف املناسب لشرع احلكم (ص‪.)212-207‬‬
‫‪384‬‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫تعريف مسلك السرب والتقسيم‬

‫مسلك السبر والتقسيم من المسالك التي ُت َ‬


‫عرف هبا العلة‪ ،‬وللتعريف هبذا المسلك‬
‫ُيبدأ بتعريف المفردات ثم تعريف المركب‪.‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف املفردات‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫السرب فـي اللغة‪ :‬التجربة‪ ،‬وسرب الشيء سربًا‪ :‬حزره وخربه‪ ،‬وحاصله يرجع إلى‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مسبارا‪.‬‬
‫ً‬ ‫االختبار؛ ولذلك سمي ما يخترب به طول الجرح وعرضه‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وفـي االصطالح‪ :‬اختبار األوصاف ليميز الصالح للتعليل من غيره‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫جزءه‪.‬‬
‫قسما‪ ،‬إذا ّ‬
‫التقسيم يف اللغة‪ :‬من القسم‪ ،‬والقسم‪ :‬مصدر قسم الشيء يقسمه ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وفـي االصطالح‪ :‬تعداد األوصاف التي يظن صالحيتها للتعليل‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬تعريف مسلك السرب والتقسيم هو‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫(حصر األوصاف وإبطال ما ال يصلح؛ فيتعين الباقي علة)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬إشكال فـي التسمية وجوابه‪:‬‬


‫التقسيم مقدم يف الوجود على السرب؛ ألن التقسيم تعداد األوصاف التي يظن‬
‫‪ ‬‬

‫صالحيتها للتعليل ثم يسربها ‪-‬أي‪ :‬يختربها‪ -‬ليميز الصالح للتعليل من غيره‪ ،‬فكان األَ ْولى‬
‫‪   ‬‬

‫أن يقال‪ :‬التقسيم والسرب؛ ألن الواو وإن لم تدل على الرتتيب لكن البداءة بالمقدم أجود‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫جواب اإلشكال‪ :‬أن المؤثر الحقيقي يف علم العلية إنما هو السرب‪ ،‬وأما التقسيم فإنما هو‬
‫‪ ‬‬

‫الحتياج السرب إلى شيء يسرب؛ ولذا قدموا السرب ألهميته‪.‬‬


‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬لسان العرب (‪ )340/4‬مادة (سرب)‪ )478/12( ،‬مادة (قسم)‪.‬‬


‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)411-404/3‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)1278-1268/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3363- 3351/7‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر أصول الفقه للجراعي (‪.)257 -251/3‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)152-142/4‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)310-307‬‬

‫‪385‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫تعريف مسلك الطرد‬

‫بعضا وجرى‪ ،‬واطرد الكالم‪ :‬إذا تتابع‪.‬‬


‫الطرد لغة‪ :‬يقال اطرد الشيء إذا تبع بعضه ً‬
‫واصطالحا‪ :‬هو مقارنة الحكم للوصف بال مناسبة‪ ،‬ال بالذات‪ ،‬وال بالتبع‪.‬‬
‫ً‬
‫مثاله‪ :‬قول بعضهم يف إزالة النجاسة بالخل ونحوه‪ :‬الخل مائع ال يبنى على جنسه‬

‫‪   ‬‬


‫القناطر‪ ،‬وال يصاد منه السمك‪ ،‬وال تجري فيه السفن‪ ،‬فال تزال به النجاسة كالدهن‪ .‬فهذه‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫األوصاف الثالثة ال تظهر مناسبتها للحكم‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬لسان العرب (‪ )269-267/3‬مادة (طرد)‪.‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3450-3445/7‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)198-195/4‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)315- 313‬‬

‫‪386‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫أقسام قياس الداللة وأمثلتها‬

‫قسم األصوليون قياس الداللة باعتبار الجامع إلى أقسام ثالثة‪( :‬أن يكون الجامع‬ ‫ّ‬
‫أثرا لها‪ ،‬أو ُحك ًْما من أحكامها)‪.‬‬
‫الزما للعلة‪ ،‬أو ً‬
‫ً‬
‫الزما من لوازم العلة‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬أن يكون اجلامع ً‬

‫‪   ‬‬


‫مثال ذلك‪ :‬قياس النبيذ على الخمر بجامع الرائحة المالزمة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فالرائحة ليست علة القياس‪ ،‬ولكنها تدل على العلة التي هي اإلسكار؛ ألن الرائحة‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫الزم من لوازم اإلسكار‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬أن يكون اجلامع أث ًرا من آثار العلة‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫بالمث َّقل قتل َأ َ‬


‫‪   ‬‬

‫ثم به صاحبه من حيث كونُه ً‬


‫قتاًل؛ فوجب فيه‬ ‫مثال ذلك‪ :‬القتل ُ‬
‫‪    ‬‬

‫القصاص كالقتل بالجارح‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فقولهم‪( :‬أثم به صاحبه) ليس هو علة القياس‪ ،‬بل أثر من آثار العلة؛ التي هي القتل‬
‫‪    ‬‬

‫العمد العدوان‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫حكما من أحكام العلة‪:‬‬


‫القسم الثالث‪ :‬أن يكون اجلامع ً‬
‫ٍ‬ ‫ِ‬
‫مثال ذلك‪ :‬تقطع أيدي الجماعة إذا اشرتكوا يف قطع يد رج ٍل واحد؛ ألنه َق ٌ‬
‫طع‬
‫‪   ‬‬

‫ب للدية عليهم‪ ،‬فهو كما لو َقتَل جماع ٌة واحدً ا‪.‬‬ ‫ِ‬


‫‪‬‬‫‪‬‬

‫موج ٌ‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫فوجوب الدية على الجماعة ليس نفس العلة الموجبة للقصاص‪ ،‬بل هي حكم من‬
‫‪ ‬‬

‫أحكام العلة الموجبة للقصاص‪.‬‬


‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)439-436/3‬‬


‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)65-64/7‬‬
‫‪ -‬تشنيف املسامع (‪.)407-404/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3461-3460/7‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)211-209/4‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)323-322‬‬
‫‪ -‬قياس الداللة دراسة أصولية تطبيقية (ص‪.)76-74‬‬
‫‪387‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أحكام العلة الشرعية‬

‫المقصود بأحكام العلة الشرعية‪ :‬هي ما يصح أن يكون علة شرعية؛ فيعلل به‬
‫الحكم الشرعي‪ ،‬وما ال يصح‪.‬‬
‫وقد ذكر ابن قدامة ‪ $‬بعض أحكام العلة الشرعية(((‪ ،‬وفيما يأيت بيان ما لم يذكره‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعليل احلكم مبحله‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫خمرا‪ ،‬وتحريم الربا يف ال ُب ِّر بكونِه ُب ًّرا‪ ،‬فيقال‪ :‬هذا‬

‫‪   ‬‬


‫كتعليل حكم تحريم الخمر بعلة كونه ً‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حرام ألنه خمر‪ ،‬وهذا يحرم الربا فيه ألنه ُب ٌّر؛ فصار المحل ذا ُته عل ًة للحكم‪ ،‬وهي علة‬
‫‪    ‬‬
‫قاصرة ال تتعدى لغير المحل‪ ،‬فمن العلماء من منع ذلك مطل ًقا‪ ،‬ومنهم من أجازه مطل ًقا‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومنهم من أجازه يف العلة القاصرة دون المتعدية‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬التعليل باالسم‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫اتفق العلماء على عدم صحة التعليل باالسم؛ كأن يعلل معلل تحريم الخمر؛ ألن العرب‬
‫‪    ‬‬

‫خمرا‪ ،‬وهذا تعليل فاسد؛ ألنه يبعد أن يكون لتسمية العرب إياه بذلك تأثير يف تحريمه‪،‬‬
‫تسميه ً‬
‫حيث االسم يخص األفراد والشخوص المسماة به‪ ،‬فنَ ْق ُل حكمه إلى غيره ال ُيتصور‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬التعليل باحلكمة‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ألجلها‬
‫إذا كان الوصف غير منضبط‪ ،‬فقد جوز جمع من أهل العلم التعليل بحكمته التي ْ‬
‫‪ ‬‬

‫صار الوصف علة؛ وهي جلب المصلحة‪ ،‬أو دفع المفسدة؛ كحفظ المال والعقل والنسب‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الذي جعل وصف الس ْكر والسرقة والزنا علة لوجوب الحد لتحصيله‪.‬‬
‫‪‬‬

‫فقالوا‪ :‬إن الوصف وسـيلة والحكمة مقصد‪ ،‬وإذا جاز التعليل بالوسـيلة‪ ،‬فبالمقصد‬
‫نفسه أولى‪.‬‬
‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)411-405‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)447-440/3‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)209-168/7‬‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪ ،)622/2‬والفصول التي بعدها‪.‬‬


‫‪388‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫ما جيري فـيه القياس وما ال جيري فـيه‬

‫األحكام الشرعية على قسمني (تعبدية ‪ -‬اجتهادية)‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬األحكام التعبدية‪ ،‬وهي غير معقولة المعنى‪ ،‬ال مجال للرأي فيها والقياس‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬األحكام االجتهادية‪ ،‬وهي أحكام معقولة المعنى‪ ،‬يجري فيها الرأي والقياس‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وقــد اختلــف األصوليــون يف بعــص األحــكام الشــرعية‪ ،‬كاألســباب‪ ،‬والحــدود‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والكفــارات‪ ،‬والرخــص‪ ،‬والمقــدرات‪ ،‬أتلحــق بالقســم األول فال يجــري فيهــا القيــاس‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫أم بالقسم الثاين فيجري فيها القياس؟‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وقد تحدث ابن قدامة عن جريان القياس يف‪ :‬األسباب‪ ،‬والحدود‪ ،‬والكفارات‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومحل الحديث هنا األحكام التي لم يذكرها ابن قدامة ‪ ،$‬وهي‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬جريان القياس فـي الرخص الشرعية‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫الرخصة الشرعية هي‪( :‬الحكم الشرعي الذي تغير من صعوبة إلى سهولة لعذر مع قيام‬
‫‪    ‬‬

‫السبب للحكم األصلي)‪.‬‬


‫وقولهم‪( :‬الذي تغير من صعوبة إلى سهولة) احرتز به عن الحكم الذي لم يتغير‬
‫‪ ‬‬

‫مباحا‪.‬‬
‫كالصلوات الخمس‪ ،‬وكذلك عما تغير للصعوبة كحرمة االصطياد باإلحرام وقد كان ً‬
‫‪   ‬‬

‫وقولهم‪( :‬مع قيام السبب للحكم األصلي) مثل‪ :‬حل أكل الميتة للضرورة‪ ،‬أبيح مع‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫قيام سبب التحريم وهو الخبث يف الميتة‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫وهي من قبيل المستثنى من قاعدة القياس بناء على تقسيم ابن قدامة(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫تصوير املسألة‪:‬‬
‫‪‬‬

‫إذا شرعت رخصة لعذر مخصوص‪ ،‬ووجد ما يشبه هذا العذر يف شيء آخر‪ ،‬فهل‬
‫قياسا على األول لالتفاق يف العلة‪ ،‬أو ال؟‬
‫نحكم على هذا الشيء بأنه رخصة ً‬
‫قياسا على‬
‫مثاله‪ :‬سفر الطاعة يباح فيه الفطر‪ ،‬فهل إذا سافر للمعصية يباح له الفطر ً‬
‫سفر الطاعة بجامع أن ًّ‬
‫كاًّل منهما مسافر؟‬

‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)642/2‬‬


‫‪389‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫األقوال واألدلة‪:‬‬
‫اختلف األصوليون يف جريان القياس يف الرخص على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬يجري القياس يف الرخص‪ ،‬وهذا مذهب الحنابلة‪ ،‬وجمهور األصوليين‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يجري القياس يف الرخص‪ ،‬وهو قول الحنفية‪.‬‬
‫دليل القول األول (جريان القياس فـي الرخص)‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬عموم األدلة الدالة على حجية القياس‪ ،‬فهي عامة لكل حكم يمكن‬

‫‪   ‬‬


‫القياس فيه‪ ،‬فال يفرق بين الرخص وغيرها من األحكام‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬أن خرب الواحد تثبت به الرخص‪ ،‬وإن كان طريقه غلبة الظن‪ ،‬ويجوز‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫فيه الخطأ‪ ،‬فكذلك يجوز أن تثبت الرخص بالقياس‪ ،‬وإن كان طريقها غلبة الظن‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫دليل القول الثاني (عدم جريان القياس فـي الرخص)‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أن الرخص ال تتعدى مواردها؛ ألننا ال نعلم المصلحة التي شرعت لها الرخصة‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫فيجب أن يقتصر فيها على ما ورد به النص‪ ،‬فال يدخلها القياس‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوقش‪ :‬أن مناط القياس معقولية المعنى‪ ،‬فال يقاس إال على الرخص التي عقل معناها‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫الخالف يف المسألة معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف جريان القياس يف الرخص خال ًفا‬
‫‪ ‬‬

‫يف بعض المسائل الفقهية منها ما يأيت‪:‬‬


‫مسألة‪ :‬اجلمع بني املغرب والعشاء ألجل الثلج‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫قياسا على المطر‬‫فقد ذهب الحنابلة وجمهور الفقهاء إلى جواز الجمع ألجل الثلج ً‬
‫‪ ‬‬

‫المرخص فيه‪ ،‬ومن منع من جواز القياس هنا قال بعدم جواز الجمع كالحنفية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫مسألة‪ :‬جواز املسح على اجلرموق؛ وهو ما يلبس فوق اخلف ويكون غالبا من اجللد‪.‬‬
‫فقد أجاز الحنابلة المسح على الجرموق‪ ،‬وقاسوا ذلك على الجبيرة‪ ،‬فكما يجوز‬
‫‪‬‬

‫المسح على الجبيرة للضرورة‪ ،‬فإنه يجوز المسح على الجرموق يف البالد الباردة‬ ‫ُ‬ ‫ٍ‬
‫لكسير‬
‫لشدة الربد‪ ،‬ومن منع القياس هنا قال بعدم الجواز‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬جريان القياس فـي املقدرات‪:‬‬
‫تصوير املسألة‪:‬‬
‫أن يرد من الشارع تقدير بعدد يف موضع يمكن إدراك المعنى الذي تعلق به هذا‬
‫‪390‬‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫المقدار‪ ،‬ويوجد هذا المعنى يف موقع آخر‪ ،‬فهل يتعلق به ذلك التقدير كما تعلق يف‬
‫الموضع األول؟‬
‫مثاله‪ :‬تقدير نصاب السرقة بربع دينار‪ ،‬وتقدير مدة القصر للمسافر بأربعة أيام‪،‬‬
‫وتقدير الحد يف الزاين غير المحصن بمائة جلدة‪ ،‬فهل يجوز القياس على ذلك؟‬
‫األقوال واألدلة‪:‬‬
‫اختلف األصوليون يف جريان القياس يف المقدرات على قولين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫القول األول‪ :‬يجوز إثبات المقدرات بالقياس‪ ،‬وهو مذهب الحنابلة‪ ،‬وجمهور األصوليين‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫القول الثاين‪ :‬ال يجوز إثبات المقدرات بالقياس‪ ،‬وهو مذهب الحنفية‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫دليل القول األول (جواز إثبات املقدرات بالقياس)‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫الدليل األول‪ :‬عموم األدلة الدالة على حجية القياس‪ ،‬فهي عامة لكل حكم يمكن‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القياس فيه‪ ،‬فال يفرق بين المقدرات وغيرها من األحكام‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن خرب الواحد تثبت به المقدرات‪ ،‬وإن كان طريقه غلبة الظن‪ ،‬ويجوز‬
‫‪    ‬‬

‫فيه الخطأ‪ ،‬فكذلك يجوز أن تثبت المقدرات بالقياس‪ ،‬وإن كان طريقه غلبة الظن‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثاني (عدم جواز إثبات املقدرات بالقياس)‪:‬‬


‫أن التقديرات قد ثبتت على وجه ال يمكن إدراك وجه اختصاصها بذلك التقدير‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫دون ما هو أعلى أو أدنى‪ ،‬كما يف تقدير نصاب الزكوات‪ ،‬فكانت من األمور التعبدية التي‬
‫‪   ‬‬

‫ال نعلم العلة التي من أجلها ُشرعت‪ ،‬فال يجري القياس فيها‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫نوقش‪:‬‬
‫إننا يف القياس ننظر إلى المعاين التي تعلقت هبا تلك المقدرات‪ ،‬فإذا وجدنا ما يساوي‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫هذا المعنى يف محل آخر أثبتنا فيه ما كان ثابتًا يف األصل من حكم‪ ،‬دون تعرض إلى وجه‬
‫‪‬‬

‫اختصاص ذلك المعنى المشرتك بين األصل والفرع بمقدار عينه الشارع‪ ،‬فالنظر إلى المعنى‬
‫المشرتك‪ ،‬وإثبات الحكم له‪ ،‬وليس النظر إلى وجه االختصاص بذلك المقدار لذلك المعنى‪.‬‬
‫نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬
‫الخالف يف المسألة معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف مسألة إثبات المقدرات بالقياس‬
‫خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية‪ ،‬منها ما يأيت‪:‬‬

‫‪391‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مسألة‪ :‬احلكم بالقطع على قطع الطريق‪:‬‬


‫ ‪-‬فمن قال بالقياس يف المقدرات أوجب القطع على من أخذ منهم ربع دينار‬
‫فصاعدً ا؛ قياسا على السنة يف السارق‪.‬‬
‫ ‪-‬ومن قال بعدم القياس لم يوجب القطع‪.‬‬
‫مسألة اإلحرام من ذات عرق‪:‬‬
‫فقد اتفق العلماء على صحة اإلحرام منه‪ ،‬واختلفوا يف مستند االتفاق‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫فاستند من قال بجريان القياس يف المقدرات إليه؛ حيث يرون أن اعتباره كان بقياس‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫عمر ﭬ ميقات ذات عرق على ميقات قرن المنازل(((‪ ،‬وهو قياس يف المقدرات‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫واستند من ال يقول بجريان القياس يف المقدرات إلى النص((( ال القياس‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -‬الفصول فـي األصول (‪)108-105/4‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)1413-1409/4‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -‬إحكام الفصول (‪.)631-628/2‬‬


‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)454- 449/3‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)67-66/2‬‬


‫‪ -‬احملصول للرازي (‪.)355- 349/5‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)399-398‬‬


‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)1349-1348/3‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)452-451/3‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3520-3519/7‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)220/4‬‬


‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)79-67/7‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)338‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬الرخص الشرعية وإثباتها بالقياس (ص‪.)191-177‬‬


‫‪ -‬حكم القياس على الرخص (ص‪.)52-38‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬املهذب فـي أصول الفقه املقارن (‪.)1936-1934/4‬‬


‫‪ -‬ما ال جيري فـيه القياس (ص‪.)183-171‬‬

‫((( أخرج البخاري (‪ )1531‬عن ابن عمر ﭭ‪ ،‬قال‪ :‬لما فتح هذان المصران أتوا عمر‪ ،‬فقالوا‪ :‬يا أمير المؤمنين‪،‬‬
‫«إن رسول اهلل ﷺ حد ألهل نجد قرنًا»‪ ،‬وهو جور عن طريقنا‪ ،‬وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا‪ ،‬قال‪ :‬فانظروا حذوها‬
‫من طريقكم‪ ،‬فحد لهم ذات عرق‪.‬‬
‫((( أخرج مسلم (‪ )1183‬من حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ‪ ،‬أن النبي ﷺ قال‪« :‬مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ‪...‬‬
‫ومهل أهل العراق من ذات عرق ‪.»...‬‬
‫‪392‬‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬

‫مقدمة‪ :‬فـي تعريف القادح‪،‬‬


‫وأهميته للمجتهد‪ ،‬واأللفاظ ذات الصلة‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف القادح‪:‬‬
‫القدح ً‬
‫لغة‪ :‬له معان عدة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫قدحا أي‪ :‬عابه وتن ّقصه‪.‬‬
‫منها التنقيص‪ ،‬ومنه قدح فالن يف فالن ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومنها الطعن ومنه قدح يف نسبه‪ ،‬أي‪ :‬طعن فيه‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والقدح فـي اصطالح األصوليني يطلق ويراد به معنيان (عام وخاص)‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫أواًل‪ :‬المعنى العام‪ :‬وهو مفسدات االستدالل مطل ًقا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬المعنى الخاص‪ :‬وهو (إفساد العلة بطريق من طرق إفسادها)(((‪ ،‬وهو غالب صنيع‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األصوليين‪ ،‬وبعضهم يخصصه بالقياس فيقول‪( :‬قوادح القياس) لتأكيد هذا المعنى الخاص‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أهميته للمجتهد‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫إن يف دراسة القوادح ومعرفة الجواب عنها سالمة للدليل من االعرتاض عليه‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ور ًّدا على االعرتاضات الموردة عليه‪.‬‬


‫قال المرداوي‪( :‬فإيراد القوادح ما يقدح يف الدليل بجملته سواء العلة وغيرها؛ ألنه‬
‫‪   ‬‬

‫قد يطرأ على من يثبت عليه الحكم اعرتاض يقدح يف علية ما ادعاه علة‪ ،‬وذلك من أحد‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وجوه يعرب عنها بالقوادح‪ ،‬وربما كانت قادحة ال يف خصوص العلة)(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األلفاظ ذات الصلة‪:‬‬


‫‪‬‬

‫األسئلة الواردة على القياس‪ ،‬االعرتاضات‪ ،‬مبطالت العلة‪ ،‬مفسدات العلة‪.‬‬


‫وهي مصطلحات متقاربة وأعمها السؤال‪ ،‬وهو ما عرب به ابن قدامة(((‪.‬‬

‫((( منع الموانع عن جمع الجوامع (ص‪.)402‬‬


‫((( التحبير للمرداوي (‪.)3544/7‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪ )662/2‬وما بعدها‪.‬‬
‫‪393‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ووجه العموم أن األسئلة أربعة أقسام‪:‬‬


‫أحدها‪ :‬السؤال عن المذهب‪ ،‬فيقول السائل‪ :‬ما تقول يف كذا؟ فيقابله جواب من‬
‫جهة المسئول‪ ،‬فيقول‪ :‬هكذا‪.‬‬
‫والثاين‪ :‬السؤال عن الدليل بأن يقول‪ :‬ما دليلك عليه؟ فيقول المسئول‪ :‬كذا‪.‬‬
‫والثالث‪ :‬السؤال عن وجه الدليل‪ ،‬فيبينه المسئول‪.‬‬
‫الرابع‪ :‬السؤال على سبيل االعرتاض والقدح فيه‪ ،‬فيجيب المسئول عنه‪ ،‬ويبين‬

‫‪   ‬‬


‫بطالن اعرتاضه وصحة ما ذكره من وجه دليله‪ ،‬وهذا الذي يعرب عنه بالقوادح‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬مقاييس اللغة (‪ )67/5‬مادة (قدح)‪.‬‬
‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)1528-1465/5‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)357-229/4‬‬
‫‪ -‬مذكرة فـي أصول الفقه (ص‪.)369-339‬‬

‫‪394‬‬
‫السابع‪:‬‬
‫الباب َّ‬
‫االجتهاد والتقليد‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الفرق بني االجتهاد وبني ما يشتبه به‪:‬‬


‫كالتشريع‪ ،‬والرأي‪ ،‬والفتوى‪ ،‬والقضاء‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬االجتهاد‪ :‬كما عرفه ابن قدامة فـي الروضة‪:‬‬
‫االجتهاد فـي اللغة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫(بذل المجهود‪ ،‬واستفراغ الوسع يف فعل ‪ ...‬وهو فـي عرف الفقهاء‪ :...‬بذل المجهود‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫يف العلم بأحكام الشرع)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬التشريع‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫لغة‪ :‬من َش َ‬
‫رع إذا ب َّين وأوضح‪ ،‬ومنه قيل‪ :‬شرع فالن إذا أظهر الحق وقمع الباطل‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫واصطالحا‪ :‬ال يبعد عن هذا المعنى‪ ،‬فهو‪ :‬إظهار الشرائع ووضعها وإثباهتا‪.‬‬
‫ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والشرائع اإللهية وحي اهلل ‪ ۵‬إلى أنبيائه ورسله صلوات اهلل وسالمه عليهم‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [المائدة‪ ]48 :‬وقال‪﴿ :‬ﭺ ﭻ‬


‫‪    ‬‬

‫ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾‬
‫‪ ‬‬

‫[الشورى‪.]13 :‬‬
‫ّ‬
‫فالشريعة اإللهية‪ :‬ما َشرع اهلل ل ِ ِ‬
‫عباده من أ ْمر الدِّ ين‪.‬‬ ‫َ َ‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫شرع وجعل نفسه ندًّ ا هلل يف ذلك؛‬


‫فكل من وضع أو شرع ما لم يأت من عند اهلل فقد َّ‬
‫‪ ‬‬

‫[الشورى‪.]21 :‬‬
‫كما قال تعالى‪﴿ :‬ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ ّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ومن هنا يتبين الفرق بين االجتهاد والتشريع ‪:‬‬


‫‪‬‬

‫فهو يف األول‪ :‬أن يجتهد المجتهد يف بيان شرع اهلل وحكمه يف مسألة‪.‬‬
‫بخالف الثاين‪ :‬فإنه وضع شرع فيها ابتداء؛ ولذلك قال الشافعي‪( :‬من استحسن‬
‫شرع)(((‪ ،‬يعني‪ :‬قد أتى من عند نفسه بتشريع لم يثبته اهلل شر ًعا لعباده‪.‬‬
‫فقد َّ‬

‫((( روضة الناظر (‪ )697/2‬باختصار‪.‬‬


‫((( المستصفى (ص‪.)171‬‬
‫‪397‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثال ًثا‪ :‬الرأي‪:‬‬


‫لغة‪ :‬مشتق من الرؤية‪.‬‬
‫وفـي اصطالح األصوليني‪( :‬القول الصادر عن اجتهاد ونظر يف أمارة أو داللة‬
‫مستنبطة)(((‪ .‬أو (استخراج صواب العاقبة)(((‪.‬‬
‫وقد َخ َّ‬
‫ص بعض أهل العلم الرأي بالقياس؛ حيث هو أبرز صور إعمال المجتهد‬

‫‪   ‬‬


‫رأيه‪ ،‬ومنه سمي أصحاب اإلمام أبي حنيفة‪( :‬أصحاب الرأي)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومما سبق يتبني أن الفرق بني االجتهاد والرأي‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫أن الرأي ناتج عن االجتهاد‪ ،‬فالمجتهد يبذل وسعه ليستنبط من النصوص أحكام‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشرع‪ ،‬ويكون هذا رأيه الذي يقول به ويراه‪ ،‬فإذا انطلق يف إصدار رأيه من دون نصوص‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫الشرع‪ ،‬أو خالفها فهو الرأي المذموم الذي وردت نصوص السلف بذمه والتحذير منه‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫راب ًعا‪ :‬الفتوى‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫هي‪( :‬اإلخبار بالحكم ال على وجه اإللزام)(((‪ .‬بعكس القضاء الذي يكون حكمه ملز ًما‪.‬‬
‫ومنه يتبني الفرق بني االجتهاد والفتوى‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫فإذا كان االجتهاد بذل الوسع الستخراج حكم الشرع من األدلة‪ ،‬وناتج هذا‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫االجتهاد هو الرأي الشرعي الذي يتدين به المجتهد‪ ،‬فإن الفتوى‪ :‬هي أن يخرب المجتهد‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫مستفتيه برأيه هذا يف مسألته‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫خامسا‪ :‬القضاء‪:‬‬
‫ً‬
‫‪‬‬

‫مما سبق يتبين أن القضاء‪ :‬إخبار بالحكم لكن على وجه اإللزام‪ ،‬ويكون ذلك يف‬
‫خصومة‪.‬‬

‫((( المعتمد يف أصول الفقه (‪.)336-335/2‬‬


‫((( الواضح البن عقيل (‪.)205/1‬‬
‫((( نشر البنود على مراقي السعود (‪.)197/1‬‬
‫‪398‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الفرق بني االجتهاد والقضاء‪:‬‬


‫بذل الوسع الستخراج حكم‬ ‫على نحو ما ذكر يف الفتوى‪ ،‬فيقال‪ :‬إذا كان االجتها ُد َ‬
‫الشرع من األدلة‪ ،‬وناتج هذا االجتهاد هو الرأي الشرعي الذي يتدين به المجتهد‪ ،‬فإن‬
‫القضاء‪ :‬هو أن يبدي المجتهد رأيه الشرعي ً‬
‫فصاًل بين الخصوم على وجه اإللزام لهم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬تهذيب اللغة (‪.)272 -270/1‬‬


‫‪ -‬احمليط فـي اللغة (‪ )45-44/1‬مادة (شرع)‪.‬‬
‫‪ -‬رسالة فـي أصول الفقه للعكربي (ص‪.)72-71‬‬
‫‪ -‬املعتمد فـي أصول الفقه (‪.)314 -189/2‬‬
‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)205/1‬‬
‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)342‬‬
‫‪ -‬نشر البنود على مراقي السعود (‪.)315/2‬‬
‫‪399‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مشروعية االجتهاد‬

‫ذهب جمهور العلماء إلى مشروعية االجتهاد وجوازه‪.‬‬


‫والخالف يف مشروعيته قول شاذ‪ ،‬قال به النظام وبعض معتزلة بغداد‪.‬‬
‫قال شيخ اإلسالم ابن تيمية ‪( :$‬والذي عليه جماهير األمة أن االجتهاد جائز يف‬

‫‪   ‬‬


‫الجملة)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وقال الزركشي ‪( :$‬يجب العمل باالجتهاد يف الحوادث‪ ،‬خال ًفا للنظام‪ ،‬وخالفه‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫فيه ويف القياس واحد‪ ،‬كما قاله الرازي‪ ،‬وإنكاره مكابرة إلجماع الصحابة فمن بعدهم)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وقد تعرض ابن قدامة لمسألتي االجتهاد يف عصر النبوة‪ ،‬واالجتهاد من النبي ﷺ‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وبين األدلة على ذلك(((‪ ،‬وهذا القدر دال على مشروعية االجتهاد زمن النبي ﷺ‪ ،‬وبقي‬
‫‪   ‬‬

‫أن يشار إلى األدلة على مشروعية االجتهاد عمو ًما‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األدلة على مشروعية االجتهاد‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫تضافرت األدلة الشرعية من الكتاب والسنة واإلجماع على مشروعية االجتهاد‪،‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومن تلك األدلة ما يأتي‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒﮓ ﮔ‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [النساء‪.]83 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫وجه االستدالل‪ :‬دلت هذه اآلية على االجتهاد والقياس؛ ألن قوله‪:‬‬
‫‪‬‬

‫﴿ﮝﮞﮟ﴾‪ ،‬صفة ألولي األمر‪ ،‬وقد أوجب اهلل تعالى على الذين يأتيهم أمر من‬
‫‪‬‬

‫األمن أو الخوف أن يرجعوا إليه يف معرفة هذه الوقائع التي ال يوجد فيها نص‪ .‬قال القرطبي‪:‬‬
‫(وهو يدل على االجتهاد إذا عدم النص واإلجماع)(((‪.‬‬

‫((( مجموع الفتاوى (‪)203/20‬‬


‫((( البحر المحيط (‪)228/8‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)708-701/2‬‬
‫((( انظر‪ :‬الجامع ألحكام القرآن (‪.)292/5‬‬
‫‪400‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الدليل الثاين‪ :‬عن عمرو بن العاص ﭬ أنه سمع رسول اهلل ﷺ يقول‪« :‬إذا حكم‬
‫الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»(((‪.‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬هذا الحديث نبه على جواز االجتهاد ومشروعيته للمجتهد‪،‬‬
‫وعلى أن االجتهاد مما قصده الشارع؛ ليجتهد العلماء فيثابوا على ذلك‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬إجماع الصحابة ﭫ على الحكم باالجتهاد يف الوقائع الخالية عن‬
‫النص‪ ،‬ومن تلك الوقائع ما يأيت‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪1 -‬حكمهم بإمامة أبي بكر باالجتهاد‪ ،‬فقد أخرج ابن سعد يف الطبقات الكربى عن أبي بكر‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الهذلي عن الحسن قال‪ :‬قال علي ﭬ‪( :‬لما قبض النبي ﷺ نظرنا يف أمرنا فوجدنا النبي ﷺ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫قد قدم أبا بكر يف الصالة‪ ،‬فرضينا لدنيانا من رضيه رسول اهلل ﷺ لديننا‪ ،‬فقدمنا أبا بكر)(((‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪2 -‬اتفاق الصحابة ﭫ على االجتهاد يف مسألة «الجد واإلخوة» على وجوه مختلفة‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مع قطعهم أنه ال نص فيها(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪3 -‬قول أبي بكر ﭬ لما سئل عن الكاللة(((‪ ،‬قال‪( :‬إين سأقول فيها برأيي‪ ،‬فإن كان‬
‫‪    ‬‬

‫صوا ًبا فمن اهلل‪ ،‬وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان‪ ،‬أراه ما خال الوالد والولد))‪.(5‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وجه االستدالل من هذه الوقائع‪ :‬أهنا ونحوها تدل على وقوع االجتهاد من‬
‫الصحابة‪ ،‬وإجماعهم على مشروعيته‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫قال الجصاص‪( :‬فقد صح عن الصحابة القول بالقياس واالجتهاد يف أحكام‬


‫الحوادث‪ ،‬وقد استقر أن إجماعهم حجة بما قدمنا على تسويغ االجتهاد يف أحكام‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الحوادث‪ ،‬والرجوع إلى النظر والمقاييس‪ ،‬يف استدراك حكمها)(((‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7352‬ومسلم (‪.)1716‬‬


‫((( أخرجه ابن سعد يف الطبقات الكربى (‪.)183/3‬‬
‫‪‬‬

‫((( أخرج عبد الرزاق يف مصنفه (‪ )19043‬عن ابن سيرين‪ ،‬عن عبيدة السلماين‪ ،‬قال‪ :‬سألته عن فريضة فيها جد‪،‬‬
‫فقال‪( :‬لقد حفظت من عمر بن الخطاب فيها مائة قضية مختلفة) قال‪ :‬قلت‪ :‬عن عمر؟! قال‪ :‬عن عمر‪.‬‬
‫((( اختلف العلماء يف معنى الكاللة على ثالثة أقوال‪ :‬فقيل‪ :‬الكاللة اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين‪ ،‬وروي عن‬
‫أبي بكر الصديق ﭬ‪ .‬وقيل‪ :‬الكاللة اسم للميت نفسه الذي ال ولد له وال والد‪ ،‬روي ذلك عن عمر بن الخطاب‬
‫وعلي وابن مسعود ﭫ‪ .‬وقيل الكاللة قرابة األم‪ ،‬انظر‪ :‬المغني البن قدامة (‪.)8/9‬‬
‫((( أخرجه الدارمي (‪ ،)3015‬والبيهقي (‪ .)12394‬قال ابن حجر يف التلخيص الحبير (‪( :)191/3‬رجاله ثقات‬
‫إال أنه منقطع)‪.‬‬
‫((( انظر‪ :‬الفصول يف األصول (‪.)53-52/4‬‬
‫‪401‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الدليل الرابع‪ :‬أنه ثبت باالستقراء المفيد للقطع أن الشريعة‬


‫إنما وضعت لمصالح العباد‪ ،‬وليس أدل على ذلك من كثرة التعليل‬
‫لتفاصيل األحكام يف الكتاب والسنة‪ ،‬ومن هذا األصل ثبت االجتهاد؛‬
‫أدلة أخرى على مشروعية‬ ‫إذ هو سبيل إلقامة مصالح العباد‪ ،‬ولو لم يجز االجتهاد لبقيت الوقائع‬
‫االجتهاد‬
‫خالية من األحكام‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)601-589/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3904-3889/8‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)480-474/4‬‬
‫‪ -‬املوافقات (‪.)240-11/5‬‬
‫‪ -‬االجتهاد والتقليد عند اإلمام الشاطيب (ص‪.)139 -133‬‬
‫‪ -‬منهج االستنباط وأحكام النوازل الفقهية املعاصرة (ص‪.)126 -121‬‬
‫‪402‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫حكم االجتهاد‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حكم االجتهاد على األمة‪:‬‬
‫المراد هنا حكم االجتهاد على األمة وعلى المكلفين بمجموعهم‪.‬‬
‫فاالجتهاد من فروض الكفايات على األمة‪ ،‬ونصوص األئمة والعلماء متفقة على‬

‫‪   ‬‬


‫ذلك يف جميع المذاهب الفقهية‪ ،‬وفيما يأيت بعض تلك النصوص‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫قال اإلمام الشافعي‪( :‬ولم يزل المسلمون على ما وص ْف ُت‪ ،‬منذ َ‬
‫بعث اهلل نبيه ‪-‬فيما‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫بلغنا‪ -‬إلى اليوم‪َ ،‬ي َت َف َّق ُه أ َق ُّل ُه ْم‪ ،‬ويشهد الجنائز بعضهم‪ ،‬ويجاهد ويرد السالم بعضهم‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫ِ‬
‫وحضور الجنائز ور ِّد‬ ‫الفض َل لمن قام بالفقه والجهاد‬
‫‪   ‬‬ ‫ويتخلف عن ذلك غيرهم‪ ،‬فيعرفون ْ‬
‫‪    ‬‬

‫ون َم ْن َق َّص َر عن ذلك‪ ،‬إذا كان هبذا قائمون بكفايتهم)(((‪.‬‬


‫السالم‪ ،‬وال ُي َؤ ِّث ُم َ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقال القرايف‪( :‬أفتى أصحابنا رحمهم اهلل بأن العلم على قسمين فرض عين وفرض‬
‫‪    ‬‬

‫كفاية‪ ،‬وحكى الشافعي يف رسالته والغزالي يف إحياء علوم الدين اإلجماع على ذلك‪،)...‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثم قال‪( :‬وأما فرض الكفاية فهو العلم الذي ال يتعلق بحالة اإلنسان‪ ،‬فيجب على األمة أن‬
‫يكون منهم طائفة يتفقهون يف الدين ليكونوا قدوة للمسلمين؛ حف ًظا للشرع من الضياع‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫والذي يتعين لهذا من المسلمين من جاد حفظه وحسن إدراكه وطابت سجيته وسريرته‬
‫ومن ال فال)(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫نصوصا كثيرة للعلماء يف مختلف‬ ‫ً‬ ‫وقد أورد السيوطي ‪$‬‬


‫‪ ‬‬

‫صرحوا فيها بأن االجتهاد فرض كفاية على األمة يف كتابه‪ :‬الرد‬ ‫المذاهب َّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد يف كل عصر فرض(((‪.‬‬


‫نصوص يف حكم االجتهاد‬
‫‪‬‬

‫على عموم األمة‬


‫حكم االجتهاد بالنظر اجلزئي‪:‬‬
‫المراد هنا حكم االجتهاد على كل مجتهد وعالم على وجه الخصوص‪ ،‬ال بالنظر‬
‫إلى مجموع األمة‪.‬‬

‫((( الرسالة (ص‪.)369-367‬‬


‫((( شرح تنقيح الفصول (ص‪.)435‬‬
‫((( انظر‪( :‬ص‪ )26-3‬من الكتاب‪.‬‬
‫‪403‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫فحكم االجتهاد تنطبق عليه األحكام التكليفية الخمسة‪ ،‬فيختلف حكمه بحسب‬
‫نوع المسألة المنظور فيها ووقتها‪ ،‬ومدى الحاجة إليها‪ ،‬وبحسب أهلية المجتهد‪ ،‬فقد‬
‫محر ًما‪.‬‬
‫مكروها أو َّ‬
‫ً‬ ‫مباحا أو‬
‫يكون االجتهاد واج ًبا أو مندو ًبا أو ً‬
‫احلكم األول‪ :‬الوجوب‪:‬‬
‫يكون االجتهاد واج ًبا‪ ،‬ولكنه قد يكون فرض عين أو فرض كفاية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬يكون االجتهاد فرض عين يف ثالث حاالت‪:‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬اجتهاد المجتهد يف حق نفسه‪ ،‬وذلك إذا نزلت به حادثة فعليه أن‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫يعرف حكم اهلل فيها‪ ،‬وذلك بالرجوع إلى النصوص الشرعية‪ ،‬فإذا وجد الحكم ففيها‪،‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وإال وجب عليه أن يجتهد ويكون الحكم الشرعي هو ما توصل إليه اجتهاده‪ ،‬ويكون‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫االجتهاد فرض عين عليه‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬إذا تعين الحكم يف محل واليته؛ كالمفتي والقاضي‪ ،‬فيكون االجتهاد‬
‫‪    ‬‬

‫يف حقه فرض عين‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الحالة الثالثة‪ :‬اجتهاده لغيره‪ ،‬وذلك إذا وقعت حادثة لفرد أو جماعة‪ ،‬وسئل عن‬
‫‪    ‬‬

‫تلك الحادثة‪ ،‬وخشي فوات الوقت‪ ،‬ولم يوجد غيره من العلماء‪ ،‬فإن اجتهاده يكون فرض‬
‫‪ ‬‬

‫عين عليه‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬يكون االجتهاد فرض كفاية يف حالتين‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الحالة األولى‪ :‬إذا وقعت حادثة لفرد أو جماعة‪ ،‬وسئل أحد المجتهدين عن‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫خص‬‫‪-‬توجه الفرض على جميعهم‪ ،‬وأخصهم بمعرفتها من َّ‬


‫َّ‬ ‫الحكم فيها ولم يخش فواهتا‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫بالسؤال عنها؛ فإن أجاب هو أو غيره سقط الفرض‪ ،‬واإلثم عن الجميع‪ ،‬وإن أمسكوا‬
‫مع التباس الجواب عليهم عذروا‪ ،‬ولكن ال يسقط عنهم االجتهاد‪ ،‬وكان الواجب عليهم‬
‫‪‬‬

‫كفائ ًّيا حتى ظهور الجواب ومعرفة الحكم الشرعي للحادثة‪.‬‬


‫الحالة الثانية‪ :‬إذا تردد الحكم بين قاضيين مشرتكين يف النظر فيه‪ ،‬فيكون فرض‬
‫تفرد بالحكم فيه سقط‬
‫االجتهاد مشرتكًا بينهما‪ ،‬وكان الواجب عليهما كفائ ًّيا‪ ،‬فأ ُّيهما َّ‬
‫فرضه عنهما‪ ،‬وإن تركاه بال عذر َأثِ َما‪.‬‬

‫‪404‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫احلكم الثاني‪ :‬الندب‪:‬‬


‫يكون االجتهاد مندو ًبا يف حالتين‪:‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬أن يجتهد العالم يف مسألة من النوازل متوقعة الحدوث؛ ليسبق إلى‬
‫معرفة حكمها قبل نزولها‪.‬‬
‫الحالة الثانية‪ :‬أن يسأل المجتهد والمفتي فيما يجوز حدوثه من النوازل عن مسألة‬
‫مستحب يف ح ِّقه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ٌّ‬ ‫لم تقع‪ ،‬فال يجب عليه حينئذ االجتهاد يف تحصيل حكمها‪ ،‬بل هو‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مسمى (الفقه االفرتاضي)‪،‬‬
‫وهذه الحالة‪ ،‬والحالة السابقة أطلق عليها بعض العلماء َّ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وهي المسائل المتوقعة الحدوث‪ ،‬ويكثر هذا يف الفقه الحنفي‪ ،‬وقد أفاد يف إثراء الفقه‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وتوسعه‪ ،‬وأفاد يف استنباط األحكام كبعض النوازل يف العصر الحاضر‪.‬‬
‫ُّ‬ ‫اإلسالمي‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫من األدلة على جواز ذلك‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫أن المقداد بن عمرو الكندي سأل رسول اهلل ﷺ‪ :‬أرأيت إن لقيت ً‬


‫رجاًل من الكفار‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فاقتتلنا‪ ،‬فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها‪ ،‬ثم الذ مني بشجرة‪ ،‬فقال‪ :‬أسلمت هلل‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫أأقتله يا رسول اهلل بعد أن قالها؟ فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال تقتله» فقال‪ :‬يا رسول اهلل إنه‬
‫قطع إحدى يدي‪ ،‬ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟ فقال رسول اهلل ﷺ‪« :‬ال تقتله‪ ،‬فإن قتلته فإنه‬
‫‪ ‬‬

‫بمنزلتك قبل أن تقتله‪ ،‬وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»(((‪.‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬أن المقداد بن عمرو ﭬ سأل رسول اهلل ﷺ عن مسألة لم تقع‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وهي جائزة الوقوع‪ ،‬وأجابه النبي ﷺ‪ ،‬ولم ينكر عليه السؤال عن هذه المسألة فدل ذلك‬
‫‪ ‬‬

‫على جواز االجتهاد يف المسائل التي لم تقع‪ ،‬وهي جائزة الوقوع‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫احلكم الثالث‪ :‬الكراهة‪:‬‬


‫‪‬‬

‫يكره االجتهاد يف المسائل التي ال يتصور وقوعها‪ ،‬ولم تجر‬


‫العادة بحدوثها ويكره السؤال عنها‪.‬‬
‫صرح بأن ذلك مكروه اإلمام الشافعي واإلمام أحمد‪،‬‬
‫وممن َّ‬
‫َّ‬
‫نصوص يف كراهة السؤال عن‬ ‫وهو مذهب السلف‪ ،‬واختاره من الحنابلة ابن مفلح وابن النجار‪.‬‬
‫المسائل التي ال يتوقع وقوعها‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4019‬ومسلم (‪.)95‬‬


‫‪405‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫األدلة على كراهية االجتهاد فـي هذه املسائل اليت ال يتصور وقوعها‪:‬‬
‫دلت األدلة الشرعية من الكتاب والسنة وآثار الصحابة على كراهية االجتهاد يف‬
‫هذه المسائل أو السؤال عنها‪ ،‬منها ما يأيت‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ‬
‫ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ‬
‫ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [المائدة ‪.]102 -101‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬دلت هذه اآلية على كراهية االجتهاد والسؤال عن المسائل التي‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫لم تقع‪ ،‬قال ابن القيم‪( :‬ولم ينقطع حكم هذه اآلية‪ ،‬بل ال ينبغي للعبد أن يتعرض للسؤال‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫عما إن بدا له ساءه‪ ،‬بل يستعفي ما أمكنه‪ ،‬ويأخذ بعفو اهلل)(((‪ .‬وقال المرداوي‪( :‬واحتج‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الشافعي على كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه بقوله تعالى‪﴿ :‬ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬عن المغيرة بن شعبة‪ ،‬عن النبي ﷺ قال‪« :‬إن اهلل حرم عليكم عقوق‬
‫‪    ‬‬

‫األمهات‪ ،‬ومنع وهات‪ ،‬ووأد البنات‪ ،‬وكره لكم قيل وقال‪ ،‬وكثرة السؤال‪ ،‬وإضاعة المال»(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وجه االستدالل‪ :‬يف هذ الحديث كره الرسول ﷺ السؤال عن مسائل لم تقع وعاهبا؛‬
‫‪    ‬‬

‫فدل على كراهية االجتهاد يف المسائل التي ال يتصور وقوعها ولم تجر العادة بحدوثها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬عن سهل بن سعد الساعدي‪ ،‬قال‪ :‬جاء عويمر العجالين إلى‬
‫رجاًل فيقتله‪ ،‬أتقتلونه به‪ ،‬سل لي‬
‫رجاًل وجد مع امرأته ً‬
‫عاصم بن عدي‪ ،‬فقال‪« :‬أرأيت ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫يا عاصم رسول اهلل ﷺ‪ ،‬فسأله‪ ،‬فكره النبي ﷺ المسائل‪ ،‬وعابها‪ ،‬فرجع عاصم ‪.(((»....‬‬
‫‪ ‬‬

‫وجه االستدالل‪ :‬أن النبي ﷺ كره السؤال عن مسائل لم تقع‪ ،‬وعاهبا؛ فدل على‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫كراهية االجتهاد يف المسائل التي ال يتصور وقوعها‪ ،‬ولم تجر العادة بحدوثها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الدليل الرابع‪ :‬أن الصحابة ﭫ كانوا ينهون عن السؤال عن المسائل التي لم تقع‪،‬‬
‫أو التي ال فائدة من السؤال عنها‪ ،‬ونُقل عنهم عد ٌد من اآلثار يف ذلك‪ ،‬منها‪:‬‬

‫((( أعالم الموقعين (‪.)58/1‬‬


‫((( التحبير (‪.)4102/8‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5975‬ومسلم (‪.)593‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5308‬ومسلم (‪.)1492‬‬
‫‪406‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫‪ -1‬عن ابن عمر ﭭ قال‪( :‬ال تسألوا عما لم يكن‪ ،‬فإن عمر هنى عنه)(((‪.‬‬
‫‪ -2‬عن ابن مسعود ﭬ قال‪( :‬ما أنت بمحدّ ٍ‬
‫ث قو ًما حدي ًثا ال تبلغه عقولهم ّإاّل‬
‫كان لبعضهم فتنةً)(((‪.‬‬
‫‪ -3‬قال علي ﭬ‪( :‬حدثوا الناس بما يعرفون‪ ،‬أتحبون أن يكذب اهلل ورسوله؟)(((‪.‬‬
‫‪ -4‬عن ابن عباس ﭭ أنه قال عن الصحابة‪( :‬ما كانوا يسألون إال عما ينفعهم)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الدليل الخامس‪ :‬أن االجتهاد يف المسائل التي ال يتصور وقوعها ولم تجر العادة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ٌ‬
‫اشتغال بما ال ينفع‪ ،‬وهو موصل إلى الفتنة‪ ،‬والبعد عن صراط الحق‪ ،‬وإثارة‬ ‫بحدوثها‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫للخالف المؤ ِّدي إلى التقاطع والتدابر والتعصب والتفرق شي ًعا‪ ،‬ويف ذلك وقوع يف الفتنة‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫وإعراض عن الشرع وتعطيل للزمان فيما ال ينفع‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫احلكم الرابع‪ :‬التحريم‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫محرما يف ثالث حاالت‪:‬‬ ‫يكون االجتهاد‬


‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫نص؛ من كتاب‪ ،‬أو سنة‪،‬‬


‫الحالة األولى‪ :‬االجتهاد يف مقابل ٍّ‬
‫نصوص يف تحريم االجتهاد‬
‫يف مقابل النص‬
‫أو إجماع قطعي‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومن األدلة على حتريم االجتهاد فـي مقابل نص‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ﰕ ﴾ [ص‪.]26 :‬‬
‫عالما بمخالفته له‬
‫وجه االستدالل‪ :‬من اجتهد يف مقابل النص فال يخلو‪ :‬أن يكون ً‬
‫‪‬‬

‫أو ال‪ ،‬فاألول جاهل ال اجتهاد له‪ ،‬والثاين متبع لهواه؛ حيث علم الحق الذي أمر باتباعه‬

‫((( أخرجه الدارمي (‪ ،)123‬والخطيب يف الفقيه والمتفقه (‪ ،)13/2‬وابن عبد الرب يف جامع بيان العلم وفضله‬
‫(‪ ،)2067‬بلفظ‪( :‬ال تسألوا عما لم يكن؛ فإن عمر كان يلعن من سأل عما لم يكن)‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم ‪ ،‬المقدمة (‪.)11/1‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)127‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)127‬‬
‫‪407‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وحاد عنه‪ ،‬ومن اتبع الهوى فقد حكم اهلل عليه بالضاللة‪ ،‬وتوعده بالعذاب الشديد‪ ،‬فدل‬
‫ذلك على تحريمه‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬أن اهلل ‪ ۵‬أمر باتباع الوحي‪ ،‬ومن اجتهد مع وجود النص فال يسعه‬
‫إال اتباعه‪ ،‬حتى ال يكون مخال ًفا ألمر اهلل متب ًعا لهواه‪.‬‬
‫مقصرا يف اجتهاده بحيث ال يستفرغ وسعه يف تحصيل‬
‫ً‬ ‫الحالة الثانية‪ :‬أن يكون‬
‫الحكم الشرعي من أدلته الشرعية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬أن يقع ممن ال تتوفر فيه شروط االجتهاد‪ ،‬فاالجتهاد ممن ليس ً‬
‫أهاًل‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ال يوصل إلى الحكم الشرعي‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومن أدلة حتريم االجتهاد فـي هاتني احلالتني‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ‬


‫‪   ‬‬

‫ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [اإلسراء‪.]36 :‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وجه االستدالل‪ :‬معنى اآلية ال تقول َّن يف شيء بما ال تعلم؛ فدلت على تحريم‬
‫‪    ‬‬

‫االجتهاد والفتوى بغير علم‪.‬‬


‫الدليل الثاين‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ﴾ [النحل‪.]43 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫وجه االستدالل‪ :‬دلت هذه اآلية على أن الواجب على المق ِّلد هو سؤال العلماء‬
‫والمجتهدين‪ ،‬وأن االجتهاد يحرم على غير المجتهد‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫«إن اهلل ال يقبض العلم انتزا ًعا ينتزعه من العباد‪ ،‬ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتى‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫رؤوسا ُج َّه ًااًل‪ ،‬فسئلوا‪ ،‬فأفتوا بغير علم‪ ،‬فضلوا وأضلوا»(((‪.‬‬


‫ً‬ ‫عالما اتخذ الناس‬
‫إذا لم ُيبق ً‬
‫‪‬‬

‫وجـه االسـتدالل‪ :‬قـال ابن حجـر‪( :‬يف هـذا الحديـث الحـث علـى حفـظ العلـم‬
‫والتحذيـر مـن ترئيـس الجهلـة‪ ،‬وفيه أن الفتوى هي الرئاسـة الحقيقية‪ ،‬وذم مـن يقدم عليها‬
‫بغير علم)(((‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)100‬ومسلم (‪.)2673‬‬


‫((( فتح الباري (‪.)229/1‬‬
‫‪408‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫احلكم اخلامس‪ :‬اإلباحة‪:‬‬


‫يباح االجتهاد إذا كان المجتهد ً‬
‫أهاًل‪ ،‬وكانت المسألة مما يمكن وقوعه والوقت متسع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬قواطع األدلة (‪.)303 -302/2‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)228/8‬‬


‫‪ -‬الفوائد السنية فـي شرح األلفـية (‪.)296-295/5‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬املوافقات (‪.)53/1‬‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)130-127‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)4102-4101/8‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)587-583/4‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)15-14/4‬‬
‫‪ -‬التقرير والتحبري (‪.)292/3‬‬
‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)181-179/4‬‬
‫‪ -‬االجتهاد والتقليد عند اإلمام الشاطيب (ص‪.)154-113‬‬
‫‪409‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أركان االجتهاد وشروط كل منها‬

‫ذكر جمهور علماء األصول أن لالجتهاد ثالثة أركان وهي‪:‬‬


‫الركن األول‪ :‬نفس االجتهاد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫المجتَهدُ فيه‪.‬‬
‫الركن الثاين‪ُ :‬‬

‫‪   ‬‬


‫المجت َِهدُ ‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫الركن الثالث‪ُ :‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫الركن األول‪ :‬نفس االجتهاد‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫ً‬
‫‪   ‬‬ ‫أواًل‪ :‬تعريفه‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫االجتهاد لغة‪ :‬بذل الوسع‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الوسع يف نيل حكم شرعي عملي بطريق االستنباط(((‪.‬‬


‫وفـي االصطالح‪ :‬بذل ُ‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬شروط نفس االجتهاد‪:‬‬


‫ويمكن استنباطها من خالل التعريف السابق؛ فيكون لالجتهاد شرطان‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكون االجتهاد فيه بذل للوسع‪.‬‬


‫يحس من‬
‫ومعناه‪ :‬أن يبذل المجتهد وسعه‪ ،‬ويستفرغ طاقته الذهنية والعلمية بحيث ُّ‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫نفسه العجز عن مزيد البحث؛ وذلك كي ال يقع عليه لوم شرعي بسبب تقصيره يف البحث‬
‫‪ ‬‬

‫عن الحكم الشرعي‪.‬‬


‫‪‬‬

‫حكما شرع ًّيا‪.‬‬


‫ً‬ ‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون الحكم الذي يستنبطه المجتهد‬
‫‪‬‬

‫حكما لغو ًّيا فليس باجتهاد شرعي‪ ،‬ولو‬


‫ً‬ ‫فلو كان الحكم الذي يستنبطه المجتهد‬
‫حكما عقل ًّيا فال يسمى اجتها ًدا شرع ًّيا‪.‬‬
‫ً‬ ‫كان الحكم الذي يستنبطه المجتهد‬
‫حكما حس ًّيا فليس باجتهاد شرعي‪.‬‬
‫ً‬ ‫ولو كان الحكم الذي يستنبطه المجتهد‬

‫((( عرفه هبذا التعريف الزركشي يف البحر المحيط (‪.)227/8‬‬


‫‪410‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الركن الثاني‪ :‬اجملتهد فـيه‪:‬‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريفه‪:‬‬
‫عرفه الغزالي فقال‪( :‬والمجتهد فيه كل حكم شرعي ليس فيه دليل قاطع)(((‪.‬‬
‫وعرفه الزركشي فقال‪( :‬هو كل حكم شرعي عملي أو علمي يقصد به العلم ليس‬
‫فيه دليل قطعي)(((‪.‬‬
‫قوله‪( :‬كل حكم شرعي) خرج هبذا الحكم العقلي‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫قوله‪( :‬عملي) المراد بالعملي ما هو كسب للمكلف‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫قوله‪( :‬علمي) المراد به ما تضمنه علم األصول من المظنونات التي يستند العمل إليها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫قوله‪( :‬ليس فيه دليل قطعي) احرتز هبذا القيد عما وجد فيه دليل قطعي من األحكام‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬شروط اجملتهد فيه‪ ،‬وهي مخسة‪:‬‬


‫الشرط األول‪ :‬أن تكون المسألة المجتهد فيها غير منصوص عليها‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمراد هبذا الشرط‪ :‬أن ال يكون المجتهد فيه‪ ،‬فيه نص قطعي‬


‫‪    ‬‬

‫الثبوت والداللة‪ ،‬أما لو كان النص ظني الثبوت قطعي الداللة‪ ،‬فيكون‬
‫‪    ‬‬

‫محل االجتهاد عند الغزالي‬


‫مجال االجتهاد يف سنده ومتنه مما يسميه الجمهور بالدراية‪ ،‬ولو كان‬
‫النص قطعي الثبوت ظني الداللة فمجال االجتهاد يف داللته‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫عماًل بقاعدة‪:‬‬ ‫ً‬ ‫منصوصا عليها فال يجوز االجتهاد فيها‬


‫ً‬ ‫وأما إذا كانت المسألة‬
‫‪   ‬‬

‫(ال اجتهاد مع النص)‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫والدليل على هذا الشرط‪ :‬حديث معاذ ﭬ أن رسول اهلل ﷺ لما أراد أن يبعثه‬
‫‪ ‬‬

‫إلى اليمن‪ ،‬قال‪« :‬كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال‪ :‬أقضي بكتاب اهلل‪ ...‬قال‪« :‬فإن‬
‫‪‬‬

‫لم تجد يف سنة رسول اهلل ﷺ وال يف كتاب اهلل؟» قال‪ :‬أجتهد رأيي وال آلو‪(((...‬؛ إذ جعل‬
‫‪‬‬

‫((( المستصفى (ص‪.)345‬‬


‫((( البحر المحيط (‪.)265/8‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)3592‬والرتمذي (‪ ،)1327‬وأحمد (‪ ،)22007‬وأعله باإلرسال‪ :‬البخاري‪ ،‬والعقيلي‪،‬‬
‫والرتمذي‪ ،‬والدارقطني‪ ،‬وابن الجوزي‪ ،‬وغيرهم‪ .‬انظر‪ :‬التاريخ الكبير للبخاري (‪ ،)277/2‬والضعفاء للعقيلي‬
‫(‪ ،)215/1‬وعلل الدارقطني (‪.)89 ،88/6‬‬
‫نحى جماعة من العلماء إلى قبول الحديث؛ اعتما ًدا على اشتهار العمل به‪ ،‬قال الخطيب البغدادي يف الفقيه‬
‫وقد َ‬
‫والمتفقه (‪( :)473 ،472/1‬على أن أهل العلم قد تقبلوه واحتجوا به‪ ،‬فوقفنا بذلك على صحته عندهم‪= ... ،‬‬
‫‪411‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫االجتهاد مرتبة متأخرة إذا لم يوجد كتاب وال سنة‪ ،‬وقد كان منهج الصحابة ﭫ النظر يف‬
‫الكتاب ثم السنة ثم اإلجماع ثم االجتهاد‪.‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن ال يكون المجتهد فيه مجم ًعا عليه‪.‬‬
‫والمراد هبذا الشرط أن االجتهاد قد يكون يف نصوص ظنية‪ ،‬ولكن حصل اتفاق‬
‫جميع المجتهدين على أحكامها‪ ،‬فتصبح ثابتة باإلجماع‪ ،‬فتكون حجيتها قطعية‪ ،‬وتخرج‬
‫من محل االجتهاد؛ ألن مخالفة اإلجماع كمخالفة النص‪ ،‬قال السرخسي‪( :‬وأن مخالفة‬

‫‪   ‬‬


‫اإلجماع بعد انعقاده كمخالفة النص)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون النص الوارد يف المسألة ‪-‬إن ورد فيها‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫قاباًل للتأويل‪.‬‬
‫محتماًل ً‬
‫ً‬ ‫نص‪-‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫كالم الشافعي يف النص‬ ‫فإن لم يكن النص يحتمل إال معنى واحدً ا فال اجتهاد فيه‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المحتمل للتأويل‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن ال تكون المسألة المجتهد فيها من مسائل‬
‫‪   ‬‬

‫العقيدة القطعية‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمراد هبذا الشرط أن االجتهاد ال يكون يف مسائل العقيدة‬


‫‪    ‬‬

‫المقطوع هبا كمسائل التوحيد وإثباته؛ لكوهنا مقطو ًعا هبا‪ ،‬وما كان‬
‫‪    ‬‬

‫كالم ابن القيم حول‬


‫االجتهاد يف قطعيات العقيدة‬
‫هذا شأنه فال اجتهاد فيه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وقد حكى ابن عبد الرب اإلجماع على ذلك فقال‪( :‬ال خالف بين فقهاء األمصار‬
‫وسائر أهل السنة‪ ،‬وهم أهل الفقه والحديث يف نفي القياس يف التوحيد وإثباته يف األحكام‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫إال داود بن علي بن خلف األصفهاين ثم البغدادي ومن قال بقولهم‪ ،‬فإهنم نفوا القياس يف‬
‫‪ ‬‬

‫التوحيد واألحكام جمي ًعا)(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الشرط الخامس‪ :‬أن تكون المسألة المجتهد فيها من النوازل أو مما يمكن وقوعه‬
‫يف الغالب والحاجة إليه ماسة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫والمراد هبذا أن االجتهاد واستعمال الرأي والقياس قبل نزول الواقعة‪ ،‬واالشتغال‬
‫بحفظ المعضالت واألغلوطات‪ ،‬واالستغراق يف ذلك مما كرهه جمهور أهل العلم‪،‬‬

‫= وإن كانت هذه األحاديث ال تثبت من جهة اإلسناد‪ ،‬لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن‬
‫طلب اإلسناد لها)‪ .‬وانظر‪ :‬أعالم الموقعين (‪.)155/1‬‬
‫((( أصول السرخسي (‪.)108/2‬‬
‫((( جامع بيان العلم وفضله (‪.)887/2‬‬
‫‪412‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫ً‬
‫تعطياًل للسنن وتركًا لما يلزم الوقوف عليه من كتاب اهلل ‪ ۵‬ومعانيه‪.‬‬ ‫واعتربوا ذلك‬
‫وقد سار على هذا المنهج الصحابة ﭫ فقد كانوا ال يسألون‬
‫إال عما ينفعهم من الوقائع‪.‬‬
‫الركن الثالث‪ :‬اجملتهد‪:‬‬
‫منهج الصحابة يف السؤال‬ ‫ً‬
‫أواًل‪ :‬الشروط العامة للمجتهد‪:‬‬
‫اشرتط بعض علماء األصول شرو ًطا عامة للمجتهد وهي ثالثة شروط‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫مسلما‪.‬‬ ‫الشرط األول‪ :‬أن يكون المجتهد‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬

‫‪ ‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون المجتهد بال ًغا؛ وذلك ألن الصغير ليس بكامل آلة العلم‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫حتى يتصف بمعرفة الفقه على وجهها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫علما؛‬ ‫عاقاًل؛ وذلك ألن من ال َ‬
‫عقل له ال يدرك ً‬ ‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون المجتهد ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فقها وال غيره‪.‬‬


‫ال ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬الشروط العلمية للمجتهد املطلق‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ذكر ابن قدامة شروط المجتهد فقال‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫(وشـرط المجتهـد‪ :‬إحاطتُـه بمـدارك األحـكام المثمـرة لهـا‪ ،‬وهـي األصـول التـي‬
‫َف َّصلناها‪ :‬الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫والسنَّة‪ ،‬واإلجماع‪ ،‬واستصحاب الحال‪ ،‬والقياس التَّابع لها‪ ،‬وما يعترب‬
‫‪ ‬‬

‫يف الحكم يف الجملة‪ ،‬وتقديم ما يجب تقديمه منها)(((‪.‬‬


‫ثم ب ّين ‪ $‬القدر الواجب يف معرفة كل منها(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الشروط غري املعتربة فـي اجملتهد‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫ذكر بعض األصوليين شرو ًطا أخرى للمجتهد‪ ،‬ولكن هذه‬


‫‪‬‬

‫تفصيل شروط‬ ‫الشروط غير معتربة عند أكثر علماء األصول‪ ،‬وهي خمسة‪:‬‬
‫‪‬‬

‫االجتهاد العلمية‬
‫الشرط األول‪ :‬الذكورية والعدالة والحرية‪.‬‬
‫عداًل‪ ،‬فيجوز أن‬ ‫حرا وال ً‬
‫ذكرا وال ًّ‬
‫والصحيح أنه ال يشرتط يف المجتهد أن يكون ً‬
‫يكون امرأة ورقي ًقا وفاس ًقا‪ ،‬فالعدالة شرط يف المفتي ال يف المجتهد؛ ألن المفتي مخرب عن‬
‫حكم الشرع والعدالة شرط يف المخربين‪.‬‬

‫((( ينظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)698-697/2‬‬


‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)699-697/2‬‬
‫‪413‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الشرط الثاين‪ :‬معرفة تفريعات الفقه والتي يعنى بتحقيقها الفقهاء‪.‬‬


‫وذلك ألن تفريعات الفقه من فروع االجتهاد التي استخرجها المجتهدون بعد‬
‫حيازة منصبه‪ ،‬فلو اشرتطت معرفتها يف االجتهاد لزم الدور؛ لتوقف األصل الذي هو‬
‫االجتهاد على الفرع الذي هو تفريعات الفقه‪.‬‬
‫الشرط الثالث‪ :‬معرفة دقائق العربية والتصريف‪.‬‬
‫فال يشرتط يف المجتهد معرفتها‪ ،‬حتى يكون كسيبويه واألخفش والمربد‪ ،‬والفارسي‬

‫‪   ‬‬


‫وابن جني ونحوهم؛ ألن المحتاج إليه منها يف الفقه دون ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الشرط الرابع‪ :‬معرفة علم الكالم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫والصحيح أنه ال يشرتط يف المجتهد أن يكون عار ًفا بعلم الكالم‪ ،‬والمراد بعلم‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الكالم علم أصول الدين‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫قال الغزالي‪( :‬فأما معرفته بطرق الكالم واألدلة المحررة على عادهتم فليس بشرط؛‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫إذ لم يكن يف الصحابة والتابعين من يحسن صنعة الكالم)(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫الشرط الخامس‪ :‬معرفة علم المنطق‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وع َّلل من اشرتط ذلك بأن علم المنطق تتحقق به معرفة نصب األدلة‪ ،‬وتقرير‬
‫‪    ‬‬

‫مقدماهتا ووجه إنتاجها المطالب؛ لكونه ضاب ًطا لألشكال المنتجة من غيرها‪.‬‬
‫قال الطويف‪( :‬والحق أن ذلك ال يشرتط‪...‬؛ ألن السلف كانوا مجتهدين‪ ،‬ولم يعرفوا‬
‫‪ ‬‬

‫المنطق االصطالحي؛ ألهنم كانوا يعرفون كيفية نصب األدلة ودالالهتا على المطالب‬
‫بالدربة والقوة‪ ،‬فمن بعدهم إذا أمكنه ذلك مثلهم فيه)(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬الربهان (‪.)1332-1331/2‬‬
‫‪ -‬التمهيد للكلوذاني (‪.)392-390/4‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬قواطع األدلة (‪.)307-303/2‬‬


‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)586-577/3‬‬
‫‪ -‬اإلبهاج شرح املنهاج للسبكي (‪.)257-254/3‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)243-227/8‬‬
‫‪ -‬الفوائد السنية فـي شرح األلفـية (‪.)293-281/5‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3885-3867/8‬‬

‫((( المستصفى (‪ )386/2‬ط‪ :‬الرسالة‪.‬‬


‫((( شرح مختصر الروضة (‪.)583/3‬‬
‫‪414‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫أقسام اجملتهدين ومراتبهم‬


‫وشروط كل قسم‬
‫يقسم المجتهدون إلى ثالثة أقسام‪ ،‬وكل قسم ينقسم إلى مراتب‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬المجتهد المطلق‪.‬‬
‫القسم الثاين‪ :‬المجتهد المقيد بمذهب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬المجتهد الخاص أو المجتهد الجزئي‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫القسم األول‪ :‬اجملتهد املطلق‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وله مرتبتان‪( :‬المجتهد المطلق المستقل ‪ -‬المجتهد المطلق غير المستقل)‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املرتبة األوىل‪ :‬اجملتهد املطلق املستقل‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تعريفه‪ :‬هو الذي يجتهد ويفتي يف جميع أبواب الشرع‪ ،‬واستقل بتقرير األصول‬
‫‪    ‬‬

‫والقواعد التي بني عليها اجتهاده‪ ،‬وتتبع النصوص الستنباط األحكام الشرعية يف المسائل‬
‫‪    ‬‬

‫والنوازل‪.‬‬
‫ومن هؤالء‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪1 -‬الفقهاء المجتهدون من الصحابة‪ ،‬ومنهم الخلفاء الراشدون والعبادلة‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪2 -‬الفقهاء المجتهدون من التابعين‪ ،‬كأمثال‪ :‬سعيد بن المسيب‪ ،‬وإبراهيم النخعي‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪3 -‬الفقهاء المجتهدون‪ ،‬أتباع التابعين ومنهم‪ :‬عبد الرحمن األوزاعي (تـ‪157 :‬هـ)‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي (تـ‪240 :‬هـ)‪ ،‬وأئمة المذاهب األربعة‪ :‬أبو حنيفة‪،‬‬
‫‪‬‬

‫ومالك‪ ،‬والشافعي‪ ،‬وأحمد‪.‬‬


‫شروطه‪ :‬هي شروط المجتهد المطلق‪ ،‬وقد سبق بياهنا(((‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)413‬‬


‫‪415‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ويسمى باجملتهد املنتسب‪.‬‬


‫املرتبة الثانية‪ :‬اجملتهد املطلق غري املستقل‪َّ ،‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو الذي يجتهد ويفتي يف جميع أبواب الشرع‪ ،‬ووجدت منه شروط‬
‫االجتهاد التي اتصف هبا المجتهد المطلق المستقل‪ ،‬إال أنه لم يضع لنفسه قواعد‪ ،‬بل‬
‫سلك طريق إمام من أئمة المذاهب يف االجتهاد‪.‬‬
‫فهذا المجتهد غير مقلد إلمامه يف الحكم والدليل‪ ،‬لكن سلك طريقه يف‬
‫االجتهاد والفتوى‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ومن هؤالء‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫من الحنفية‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪1 -‬زفر بن الهذيل بن قيس العنربي (تـ‪158 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪2 -‬القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم األنصاري (تـ‪182 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪3 -‬محمد بن الحسن الشيباين (تـ‪189 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫من المالكية‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪1 -‬عبد الرحمن بن القاسم العتقي (تـ‪191 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪2 -‬أشهب بن عبد العزيز القيسي (تـ‪204 :‬هـ)‪.‬‬


‫من الشافعية‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪1 -‬يوسف بن يحيى البويطي (تـ‪231 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪2 -‬إسماعيل بن يحيى المزين (تـ‪264 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫من الحنابلة‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪1 -‬أبو بكر أحمد بن محمد بن هارون الخالل (تـ‪311 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪2 -‬أبو الحسين عمر بن القاسم الخرقي (تـ‪٣٣٤ :‬هـ)‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الفرق بني اجملتهد املطلق املستقل واجملتهد املطلق غري املستقل وهو املنتسب‪:‬‬
‫ًّ‬
‫مستقاًّل‪.‬‬ ‫بينهما عموم وخصوص؛ فكل مستقل مطلق‪ ،‬وليس كل مطلق‬
‫ويمكن تلخيص الفرق بينهما فيما يلي‪:‬‬
‫َّ‬
‫استقل بقواعد لنفسه يبني عليها‬ ‫الفرق األول‪ :‬المجتهد المطلق المستقل هو الذي‬
‫خارجا عن االلتزام بقواعد إمام أو مذهب معين‪.‬‬
‫ً‬ ‫الفقه‬

‫‪416‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫والمجتهد المطلق غير المستقل لم يبتكر لنفسه قواعد‪ ،‬بل سلك طريق إمام من‬
‫أئمة المذاهب يف االجتهاد‪.‬‬
‫الفرق الثاين‪ :‬المجتهد المطلق المستقل يجمع األحاديث واآلثار فيستخرج‬
‫أحكامها وينبه ألخذ الفقه منها‪ ،‬ويجمع مختلفها‪ ،‬ويرجح بعضها على بعض‪.‬‬
‫وأما المجتهد المطلق غير المستقل فيأخذ األحكام من الكتاب والسنة‪ ،‬ولكنها‬
‫قليلة بالنسبة إلى المجتهد المستقل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫شروطه‪ :‬يشرتط له ما يشرتط يف المجتهد المطلق المستقل‪ ،‬قال السيوطي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫(أما المجتهد المطلق غير المستقل فهو الذي وجدت فيه شروط االجتهاد التي اتصف هبا‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫المجتهد المستقل)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬اجملتهد املقيد مبذهب إمام من أئمة املذاهب‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫وهذا القسم ثالث مراتب‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املرتبة األوىل‪ :‬جمتهد التخريج‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ًّ‬
‫مستقاًّل بتقرير أصوله‬ ‫عرفه النووي فقال‪( :‬أن يكون مجتهدً ا مقيدً ا يف مذهب إمامه‬
‫بالدليل‪ ،‬غير أنه ال يتجاوز يف أدلته أصول إمامه وقواعده)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومعناه‪ :‬أن مجتهد التخريج مقيدٌ يف مذهب إمامه‪ ،‬مستقل يف تقريره بالدليل‪،‬‬
‫لكن ال يتعدَّ ى أصوله وقواعده‪ ،‬مع إتقانه للفقه وأصوله‪ ،‬وأدلة مسائل الفقه قادر على‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫التخريج واالستنباط‪ ،‬وإلحاق الفروع باألصول والقواعد التي إلمامه‪ ،‬فهو يستنبط‬
‫‪ ‬‬

‫األحكام يف الوقائع التي لم يرد فيها نص عن إمام المذهب بطريق التخريج على النصوص‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أو القواعد المنقولة عن إمام المذهب‪.‬‬


‫ومن هؤالء‪:‬‬
‫‪‬‬

‫من الحنفية‪:‬‬
‫‪1 -‬أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (تـ‪321 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪2 -‬محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (تـ‪483 :‬هـ)‪.‬‬

‫((( الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد فـي كل عصر فرض (ص‪.)39‬‬
‫((( المجموع شرح المهذب (‪.)43/1‬‬
‫‪417‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫من المالكية‪:‬‬
‫‪1 -‬محمد بن عبد اهلل بن محمد بن صالح األهبري (تـ‪٣٧٥ :‬هـ)‪.‬‬
‫‪2 -‬عبد اهلل بن عبد الرحمن ابن أبي زيد القيرواين (تـ‪386 :‬هـ)‪.‬‬
‫من الشافعية‪:‬‬
‫‪1 -‬عبد اهلل بن محمد بن عبد الرحمن المروزي (تـ‪288 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪2 -‬أبو حامد أحمد بن محمد اإلسفراييني (تـ‪406 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪3 -‬أبو إسحاق إبراهيم بن علي الشيرازي (تـ‪476 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫من الحنابلة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪1 -‬القاضي محمد بن الحسين أبو يعلى (تـ‪458 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪2 -‬محفوظ بن أحمد أبو الخطاب الكلوذاين (تـ‪510 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪3 -‬أبو الوفاء علي بن عقيل (تـ‪513 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وجملتهد التخريج أربعة شروط‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫عالما بالفقه وفروع المذهب؛ ألهنا مصادره األساسية يف‬ ‫الشرط األول‪ :‬أن يكون ً‬
‫االجتهاد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫قادرا‬
‫بصيرا بمسالك األقيسة والمعاين‪ً ،‬‬ ‫ً‬ ‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون عالما بأصول الفقه‪،‬‬
‫منصوصا عليه إلمامه بأصوله‪.‬‬
‫ً‬ ‫على إلحاق ما ليس‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون لديه اإلحاطة بقواعد إمامه‪ ،‬وملتز ًما هبذه القواعد‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫فال يتجاوزها عند التخريج واالستنباط‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬أن يكون متم ِّكنًا من الفرق والجمع والنظر‬


‫‪‬‬

‫والمناظرة‪.‬‬
‫تخفيف شروط مجتهد‬ ‫عالما بالحديث واللغة‪ ،‬قال الزركشي‪:‬‬
‫وال يشترط فيه أن يكون ً‬
‫التخريج عن المجتهد المطلق‬
‫(وأما المجتهد المقيد الذي ال يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه‬
‫غير معرفة قواعد إمامه‪ ،‬وليراع فيها ما يراعيه المطلق يف قوانين الشرع)(((‪.‬‬

‫((( البحر المحيط (‪.)238/8‬‬


‫‪418‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫املرتبة الثانية‪ :‬جمتهد الرتجيح‪:‬‬


‫تعريفه‪ :‬هو مجتهد مقيد يف مذهب إمامه لم يبلغ به اجتهاده رتبة أصحاب الوجوه‬
‫والطرق‪ ،‬غير أنه فقيه النفس‪ ،‬حافظ لمذهب إمامه‪ ،‬عارف بأدلته‪ ،‬قائم بتقريره ونصرته‪،‬‬
‫ويحرر‪ ،‬ويمهد ويقرر‪ ،‬ويز ِّيف ويرجح‪.‬‬
‫ِّ‬ ‫يصور‪،‬‬
‫وهؤالء هم أكثر الفقهاء المتأخرين الذين رتبوا المذاهب‬
‫يخل منهم عصر من العصور‪ ،‬فبواسطتهم‬ ‫وحرروها‪ ،‬والذين لم ُ‬ ‫َّ‬

‫‪   ‬‬


‫أمكن ضبط األحكام الفقهية الكثيرة المنقولة عن أئمة المذاهب‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الفقهية وأصحاهبم‪ ،‬وقاموا بتخريج علل األحكام‪ ،‬وقاسوا غير‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫السبب يف كون مجتهد الترجيح‬
‫ورجحوا‬
‫المنقول والمسطور على المنقول والمسطور عن األئمة‪َّ ،‬‬

‫‪‬‬
‫أقل درجة من مجتهدي التخريج‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫بين األقوال والروايات يف المذهب‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ومن هؤالء‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫من الحنفية‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪1 -‬أبو الحسن أحمد بن محمد القدوري (تـ‪428 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪2 -‬أبو بكر بن مسعود بن أحمد الكاساين (تـ‪587 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪3 -‬علي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناين (تـ‪593 :‬هـ)‪.‬‬


‫من المالكية‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪1 -‬أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد الجد (تـ‪٥٢٠ :‬هـ)‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪2 -‬أبو عبد اهلل محمد بن علي بن عمر المازري (تـ‪٥٣٦ :‬هـ)‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪3 -‬شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرايف (تـ‪684 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫من الشافعية‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪1 -‬أبو حامد محمد بن محمد الغزالي (تـ‪505 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪2 -‬أبو القاسم عبد الكريم بن محمد الرافعي (تـ‪623 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪3 -‬محيي الدين يحيى بن شرف النووي (تـ‪676 :‬هـ)‪.‬‬
‫من الحنابلة‪:‬‬
‫‪1 -‬موفق الدين عبد اهلل بن أحمد ابن قدامة (تـ‪620 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪2 -‬مجد الدين عبد السالم بن عبد اهلل ابن تيمية الحراين (تـ‪٦٥٢ :‬هـ)‪.‬‬
‫‪3 -‬عالء الدين علي بن سليمان المرداوي (تـ‪885 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪419‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وجملتهد الرتجيح ستة شروط‪:‬‬


‫الشرط األول‪ :‬أن يكون فقيه النفس‪.‬‬
‫ومتبحرا يف مذهب إمامه‪.‬‬
‫ً‬ ‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون حاف ًظا‬
‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون عار ًفا بأدلة إمامه ً‬
‫قائما بتقريرها‪.‬‬
‫قادرا على التصوير والتحرير والتقرير والتمهيد والتبسيط‬
‫الشرط الرابع‪ :‬أن يكون ً‬

‫‪   ‬‬


‫يف الفتاوى‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الشرط الخامس‪ :‬أن يكون عار ًفا بتقييد مطلقات المذهب‪ ،‬وتخصيص عموماته‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫الشرط السادس‪ :‬أن يكون متم ِّكنًا من ترجيح قول على قول‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫والفرق بني جمتهد الرتجيح وجمتهد التخريج‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفرق األول‪ :‬أن مجتهد الرتجيح ال يبلغ رتبة مجتهد التخريج يف حفظه للمذهب ومعرفته‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بأقوال األئمة‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفرق الثاين‪ :‬أن مجتهد الرتجيح يرتكز اهتمامه على ترجيح الروايات أو األوجه المتعارضة‬
‫‪    ‬‬

‫يف المذهب؛ ليستعين بالراجح منها يف الفتاوى يف ذلك‪ ،‬وأما مجتهد التخريج فلم يقتصر‬
‫‪ ‬‬

‫اهتمامه على الرتجيح بين الروايات يف المذهب‪ ،‬وإنما تعدى إلى تمهيد المذهب والتأليف‬
‫فيه‪ ،‬ومعالجة الجديد من الوقائع والنوازل؛ ليكون المذهب أكثر اتسا ًعا لألحكام القديمة‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والجديدة‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫املرتبة الثالثة‪ :‬جمتهد الفتيا‪:‬‬


‫‪‬‬

‫تعريفه‪ :‬هو المجتهد الذي يسوغ له الفتيا على مذهب إمامه‬


‫‪‬‬

‫الذي هو مقلده‪ ،‬ويقوم بحفظ المذهب‪ ،‬ونقله‪ ،‬وفهمه‪ ،‬ويعتمد يف‬


‫نقله وفتواه على ما يحكيه من مسطورات مذهبه من منصوصات‬
‫الحال التي يمسك فيها مجتهد‬
‫الفتيا عن اإلفتاء‬ ‫إمامه‪ ،‬أو تفريعات أصحابه المجتهدين يف مذهبهم وتخريجاهتم‪.‬‬

‫‪420‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫ومن هؤالء‪:‬‬
‫من الحنفية‪:‬‬
‫‪ -1‬أبو بكر الكاساين (تـ‪٥٨٧ :‬هـ)‪.‬‬
‫‪ -2‬زين الدين ابن نجيم (تـ‪970 :‬هـ)‪.‬‬
‫ومن المالكية‪:‬‬
‫‪ -1‬علي بن محمد اللخمي (تـ‪478 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -2‬أبو بكر ابن العربي (تـ‪543 :‬هـ)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومن الشافعية‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -1‬ابن حجر العسقالين (تـ‪852 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪ -2‬شهاب الدين الرملي (تـ‪1004 :‬هـ)‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن الحنابلة‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -1‬تقي الدين ابن النجار (تـ‪٩٧٢ :‬هـ)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -2‬منصور بن يونس البهويت (تـ‪1051 :‬هـ)‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وجملتهد الفتيا أربعة شروط‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكون فقيه النفس؛ ألن تصور المسألة على وجهها ونقل أحكامها‬
‫ال يقوم به إال فقيه النفس‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫مستحضرا ألكثر المذهب مع قدرته على مطالعة بقيته‪،‬‬


‫ً‬ ‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون‬
‫‪ ‬‬

‫صحيح الفهم يف واضحاته ومشكالته‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أن يكون لديه القدرة على إلحاق المسائل وإدراجها بما هو‬
‫منقول يف المذهب‪.‬‬
‫‪‬‬

‫عالما بمراتب الرتجيح والظاهر من األقوال واألوجه؛‬


‫ً‬ ‫الشرط الرابع‪ :‬أن يكون‬
‫حتى ال يفتي بما هو مرجوح أو ضعيف‪.‬‬
‫القسم الثالث‪ :‬اجملتهد اخلاص أو اجملتهد اجلزئي‪:‬‬
‫تعريفه‪ :‬هو المجتهد يف فن من فنون الشريعة‪ ،‬أو يف باب من أبواب الفقه‪ ،‬أو يف‬
‫مسألة من مسائل الفقه‪.‬‬
‫‪421‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفرق بني اجملتهد املطلق واجملتهد اخلاص من وجهني‪:‬‬


‫الوجه األول‪ :‬أن المجتهد المطلق المستقل أو المنتسب اجتهاده يف جميع العلوم‬
‫الشرعية وجميع أبواب الفقه‪ .‬أما المجتهد الخاص فاجتهاده يختص بف ٍّن من فنون الشريعة؛‬
‫كعلم الفرائض ً‬
‫مثاًل‪ ،‬أو يف باب من أبواب الفقه؛ كفقه المعامالت‪ ،‬أو فقه األسرة‪ ،‬أو فقه‬
‫الجنايات‪ ،‬أو فقه القضاء‪ ،‬أو يف مسألة من مسائل الفقه‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬أن المجتهد المطلق متفق على وجوده يف األمة‪ ،‬والمجتهد الخاص‬

‫‪   ‬‬


‫مختلف فيه؛ ذلك أن تجزؤ االجتهاد مختلف فيه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الفرق بني اجملتهد اخلاص واجملتهد املقيد مبذهب إمامه‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫الفرق األول‪ :‬أن المجتهد الخاص اجتهاده يف باب من أبواب الفقه أو يف بعض مسائل‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫الفقه‪ .‬أما المجتهد المقيد بمذهب إمامه فاجتهاده عام يف جميع أبواب الفقه مع التزامه‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بقواعد ومذهب اإلمام‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفرق الثاين‪ :‬أن المجتهد الخاص يلتزم بمذهب إمام معين يف غالب أبواب الفقه‪ ،‬وقد‬
‫‪    ‬‬

‫يرجح خالف ما عليه المذهب يف أبواب اجتهاده الخاص‪ ،‬أما المجتهد المقيد فهو مقيد‬
‫‪    ‬‬

‫بمذهب إمامه وتخريجه‪ ،‬وترجيحه ال يخرج عن األقوال الموجودة يف المذهب‪.‬‬


‫مراتب اجملتهد اخلاص‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫المجتهد الخاص له ثالث مراتب‪:‬‬


‫المرتبة األولى‪ :‬المجتهد يف فن من فنون الشريعة‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والمراد به المجتهد المتخصص يف علم من علوم الشريعة كعلم الفرائض؛ النقطاع‬


‫‪ ‬‬

‫أحكام قسمة المواريث عن غيرها من فروع الفقه يف الظاهر‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المرتبة الثانية‪ :‬المجتهد يف باب من أبواب الفقه‪:‬‬


‫‪‬‬

‫والمراد به المجتهد المتخصص يف باب من أبواب الفقه‪ ،‬كالمتخصص يف فقه‬


‫المعامالت أو فقه األسرة‪ ،‬أو فقه الجنايات‪ ،‬أو فقه القضاء‪ ،‬وغير ذلك من أبواب الفقه‪.‬‬
‫المرتبة الثالثة‪ :‬المجتهد يف مسألة من مسائل الفقه‪:‬‬
‫والمراد به المجتهد المتخصص يف مسألة من مسائل الفقه‪ ،‬فمتى علم المجتهد أدلة‬
‫المسألة الواحدة وطرق النظر فيها فهو مجتهد فيها‪ ،‬وإن جهل حكم غيرها من المسائل‪.‬‬

‫‪422‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫اجملتهد اخلاص هل له شروط خاصة به؟‬


‫اختلف العلماء يف المجتهد الخاص‪ ،‬هل يشرتط أن تتوفر فيه شروط المجتهد‬
‫المطلق‪ ،‬أو ال يشرتط ذلك‪ ،‬ويكفي أن تتوفر فيه بعض الشروط الخاصة به؟‬
‫على قولين‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أنه ال يشرتط يف المجتهد الخاص ما يشرتط يف المجتهد المطلق‪،‬‬
‫وإنما يجتهد فيما حصل شروط االجتهاد فيه‪ .‬وهو قول أكثر علماء األصول‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫القول الثاين‪ :‬ال يجتهد يف باب أو مسألة إال من حصل شروط االجتهاد المطلق‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وهو قول بعض األصوليين‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫منشأ الخالف يف هذه المسألة‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫أشار الطويف ‪ $‬إلى منشأ الخالف يف هذه المسألة‪ ،‬فقال‪( :‬إن أصل هذا النزاع هو‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الخالف يف أن منصب االجتهاد‪ ،‬هل يصح أن يتجزأ بمعنى‪ :‬أن ينال العالم رتبة االجتهاد‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يف بعض األحكام دون بعض؟)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫شروط اجملتهد اخلاص‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أن يكون فقيه النفس ولديه أهلية وقدرة على االستنباط‪.‬‬
‫الشرط الثاين‪ :‬أن يكون محي ًطا بكل ما يتعلق بالباب الذي يجتهد فيه‪ ،‬أو المسألة‬
‫‪ ‬‬

‫التي يجتهد فيها‪ ،‬من أدلة شرعية من كتاب وسنة وإجماع وقياس‪ ،‬وغير ذلك من األدلة‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫الشـرط الثالـث‪ :‬أن يعـرف أصـول البـاب الـذي يجتهد فيه‪ ،‬أو المسـألة التـي يجتهد‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫فيهـا؛ الحتياجـه يف اجتهـاده إلى تلـك األصول‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬أن يكون محي ًطا بكالم الفقهاء يف الباب الذي يجتهد فيه‪ ،‬أو يف‬
‫‪‬‬

‫المسألة التي يجتهد فيها‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الشرط الخامس‪ :‬أن يكون قد اطلع على بعض األمارات التي نصبها الشارع على‬
‫بعض المسائل‪.‬‬
‫الشرط السادس‪ :‬أن يكون على علم بما يجتهد فيه‪ ،‬فيفتي فيما يدري‪ ،‬ويم ِّيز ما‬
‫ال يدري‪ ،‬ويتوقف فيما ال يدري‪.‬‬

‫((( شرح مختصر الروضة (‪.)586/3‬‬


‫‪423‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وقد لخص هذه الشروط الزركشي ‪ $‬بعبارة جامعة‪ ،‬فقال‪( :‬أما المجتهد يف‬
‫حكم خاص فإنما يحتاج إلى قوة تامة يف النوع الذي هو فيه مجتهد‪ ،‬فمن عرف طرق‬
‫النظر القياسي له أن يجتهد يف مسألة قياسية‪ ،‬وإن لم يعرف غيره‪ ،‬وكذا العالم بالحساب‬
‫والفرائض‪ ،‬هذا بناء على جواز تجزؤ االجتهاد وهو الصحيح)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬مقدمة اجملموع شرح املهذب (‪.)72-71/1‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬املسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)550-547‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)165-162/4‬‬


‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)172-153‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)588-585/3‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)239-238/8‬‬


‫‪ -‬أدب املفيت واملستفيت (ص‪.)104-86‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3885-3880/8‬‬


‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)471-459/4‬‬
‫‪ -‬الرد على من أخلد إىل األرض وجهل أن االجتهاد فـي كل عصر فرض (ص‪.)42-38‬‬
‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)183-180/4‬‬
‫‪ -‬اإلنصاف فـي بيان أسباب اخلالف (ص‪.)82-69‬‬
‫‪ -‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية املعاصرة (ص‪.)207-155‬‬

‫((( البحر المحيط (‪.)238/8‬‬


‫‪424‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫جمال االجتهاد املشروع واملمنوع‪،‬‬


‫وأثر ذلك فـي اإلنكار على املخالف‬
‫مجال االجتهاد ومحا ُّله المشروعة هي الموضوعات التي يدور فيها المجتهد بنظره‬
‫واجتهاده‪ ،‬وال يجوز له أن يتعداها إلى غيرها من المجاالت الممنوعة‪.‬‬
‫وألن معرفة ذلك فيه تربية للمجتهد‪ ،‬وضبط لنظره وفكره‪ ،‬ذلك أن من الشريعة ما‬

‫‪   ‬‬


‫هو من المس َّلمات والضروريات التي ال مجال لالجتهاد فيها‪ ،‬فكان من باب حماية جناهبا‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وصيانة بقائها أن ُج ِع َل االجتهاد محو ًطا بسياج ال يجوز تخطيه وتجاوزه إلى غيره‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬جماالت االجتهاد املشروعة‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫مجاالت االجتهاد المشروعة التي يسوغ االجتهاد فيها ثالثة مجاالت وهي‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نص فيه وال إجماع‪.‬‬


‫المجال األول‪ :‬ما ال َّ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المجال الثاين‪ :‬النص ظني الثبوت‪ ،‬وهو ما لم يثبت بطريق القطع‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫المجـال الثالـث‪ :‬النـص ظنـي الداللـة‪ ،‬وهـو مـا احتمـل التأويـل والحمـل علـى‬
‫‪    ‬‬

‫أكثر من معنى‪.‬‬
‫وقد تقدم تفصيل تلك المجاالت(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬جماالت االجتهاد املمنوعة‬


‫‪   ‬‬

‫ومجاالت االجتهاد الممنوعة هي ما سوى مجاالت االجتهاد‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫المباحة‪ ،‬فإن كان النص قطعي الثبوت أو الداللة أو مجم ًعا عليه‪ ،‬أو‬
‫‪ ‬‬

‫غير متصور الوقوع‪ ،‬لم يجز االجتهاد فيه‪ ،‬وقد تقدم تفصيل ذلك(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫امثلة على مجال االجتهاد‬


‫الممنوع‬
‫حكم االجتهاد فـي القطعيات‪:‬‬
‫‪‬‬

‫اختلف العلماء يف جواز االجتهاد يف القطعيات على ثالثة أقوال‪:‬‬


‫القول األول‪ :‬المنع من االجتهاد يف القطعيات‪ ،‬وهو قول الجمهور حيث اختاره‬
‫األكثر من الشافعية والمالكية والحنابلة‪ ،‬واختاره الشاطبي‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)448-411‬‬


‫((( انظر‪( :‬ص‪( ،)407‬ص‪.)448-411‬‬
‫‪425‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القول الثاين‪ :‬أن االجتهاد يف القطعيات واجب‪ ،‬وهو مذهب بعض المعتزلة‪،‬‬
‫وأكثر األشاعرة‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬أن االجتهاد يف القطعيات جائز كالظني‪ ،‬وهو قول أبي الخطاب‪،‬‬
‫والقرايف‪ ،‬وشيخ اإلسالم ابن تيمية‪ ،‬واختاره بعض الحنفية‪ ،‬منهم ابن الهمام‪،‬‬
‫وابن أمير حاج‪ ،‬وأمير بادشاه‪ ،‬وبعض المعاصرين‪.‬‬
‫دليل القول األول (ال جيوز)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ﮯ﴾ [آل عمران‪.]105 :‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬يف هذه اآلية ذم اهلل االختالف فيما جاءت به البينات‪ ،‬ولو جاز‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫االجتهاد يف القطعيات لحصل االختالف المذموم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬عن معاوية بن أبي سفيان ﭬ قال‪ :‬أال إن رسول اهلل ﷺ قام فينا فقال‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫«أال إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة‪ ،‬وإن هذه الملة ستفترق‬
‫‪    ‬‬

‫على ثالث وسبعين‪ :‬ثنتان وسبعون يف النار‪ ،‬وواحدة يف الجنة‪ ،‬وهي الجماعة»(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وجه االستدالل‪ :‬أن االجتهاد يف القطعيات طريق إلى االختالف‪ ،‬والشريعة جاءت‬
‫‪    ‬‬

‫بسد الذرائع‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬أن الصحابة ﭫ قد ثبت عندهم أن الشريعة ال اختالف فيها‪ ،‬وأهنا‬
‫‪ ‬‬

‫جاءت حاكمة بين المختلفين‪ ،‬وإنما اجتهدوا يف الفروع دون األصول‪ ،‬وهي مواضع‬
‫االشتباه‪ ،‬فدل على عدم جواز االجتهاد يف القطعي وأهنا باقية على أصل النهي‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الدليل الرابع‪ :‬أن االجتهاد يف القطعيات مظنة للوقوع يف الشبهات والضالل‬


‫‪ ‬‬

‫واضطراب اآلراء‪ ،‬فهو طريق غير آمن‪ ،‬فلم يجز سلوكه‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫دليل القول الثاني (الوجوب)‪:‬‬


‫‪‬‬

‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭩ ﭪ ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬


‫ﭴ ﭵ ﭶ ﴾ [الروم‪ .]8 :‬وقوله تعالى‪﴿ :‬ﮜ ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﴾‬
‫[آل عمران‪.]19 :‬‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)4597‬وأحمد (‪ ،)16937‬والدارمي (‪ ،)2560‬وصححه ابن تيمية يف مجموع الفتاوى‬
‫(‪ ،) 345/ 3‬وقال العراقي يف تخريج اإلحياء (‪( :)1133‬إسناده جيد)‪.‬‬
‫وقد روي من حديث جماعة من الصحابة؛ انظر‪ :‬تخريج الكشاف للزيلعي (‪-447/1‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪426‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫وجه االستدالل‪ :‬أن اهلل سبحانه وتعالى أمر باالستدالل على الباري سبحانه‬
‫ووجوب إفراده بالعبادة‪ ،‬وهذه من أهم المسائل القطعية‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬أن هذه اآليات خطاب مع الجاحدين‪ ،‬فأمروا باالستدالل ليعرفوا الحق‪،‬‬
‫واآليات ال توجب االستدالل على جميع الخلق‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النحل‪.]125 :‬‬
‫وجه االستدالل‪ :‬أن اهلل أمر نبيه ﷺ بمجادلتهم‪ ،‬وتوضيح الحق لهم بأدلته‪ ،‬والمراد‬

‫‪   ‬‬


‫بذلك المسائل القطعية؛ ألن اآلية يف مجادلة الكفار‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫نوقش‪ :‬بالفرق بين االجتهاد والنظر وبين الجدال‪ ،‬فالنظر تقليب الفكر‪ ،‬ويكون‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫بالقلب‪ ،‬وأما الجدال فهو االحتجاج باللسان نصرة للقول‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ‬
‫‪    ‬‬
‫ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾ [المائدة‪.]104 :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وجه االستدالل‪ :‬يف هذه اآلية هنى اهلل سبحانه وتعالى عن التقليد وذم من احتج‬
‫‪   ‬‬

‫به‪ ،‬وإذا كان التقليد منه ًّيا عنه وجب االستدالل والنظر؛ فدل على أن االجتهاد يف‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القطعيات واجب‪.‬‬
‫الدليل الرابع‪ :‬أن األمة أجمعت على وجوب معرفة الباري سبحانه‪ ،‬وال يتم تحصيل‬
‫‪    ‬‬

‫العلم إال بالنظر واالستدالل‪ ،‬فكان واج ًبا ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب‪.‬‬
‫نوقش من ثالثة أوجه‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫جل وعال غير النظر؛ من ذلك‬ ‫الوجه األول‪ :‬أن ثمت طر ًقا ُأخر لمعرفة المولى َّ‬
‫‪   ‬‬

‫الفطرة‪ ،‬وبديهة العقل‪ ،‬واتباع الرسل‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن اإلنسان بفطرته يعرف ربه‪ ،‬ومن كان كذلك ال يقال له انظر‬
‫واستدل‪ ،‬إال من عرض له ما ُيفسد فطرته‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬أن عند عوام المسلمين من اليقين يف ذلك ما لم يحصل مثله عند‬
‫‪‬‬

‫أرباب النظر وأهل الكالم‪.‬‬


‫دليل القول الثالث (اجلواز)‪:‬‬
‫«أم ْر ُت أن أقاتل الناس حتى‬‫ِ‬ ‫الدليل األول‪ :‬عن ابن عمر أن رسول اهلل ﷺ قال‪ُ :‬‬
‫يشهدوا أن ال إله إال اهلل وأن محمدا رسول اهلل‪ ،‬ويقيموا الصالة‪ ،‬ويؤتوا الزكاة‪ ،‬فإذا فعلوا‬
‫ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إال بحق اإلسالم‪ ،‬وحسابهم على اهلل»(((‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)25‬ومسلم (‪.)22‬‬


‫‪427‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫وجه االستدالل‪ :‬أن المطلوب من الخلق الشهادتان‪ ،‬فبأي طريق حصلها العبد فقد‬
‫أدى الواجب؛ سواء كان بالنظر واالستدالل‪ ،‬أو اتباع الرسل‪ ،‬أو الفطرة أو غيرها‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬أن أهل اإلسالم قاطبة يحملون أوالدهم على اإلسالم دون تكليفهم‬
‫بنظر وال استدالل‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬أن تحصيل تلك العلوم ممكن بالنظر‪ ،‬وممكن بطرق أخرى من‬
‫اضطرار وفطرة‪ ،‬أو تقليد من يعلم أنه مصيب‪ ،‬أو غير ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)346-345‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)616/2‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -‬الفصول فـي األصول (‪.)274-271/3‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬املوافقات (‪.)121-114/5‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬االعتصام (‪.)281-266/3‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)227-203/19‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)286-281/8‬‬


‫‪ -‬التقرير والتحبري (‪.)330-303/3‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)201-195/4‬‬


‫‪ -‬تقريب الوصول (ص‪.)197-196‬‬
‫‪ -‬إرشاد الفحول (‪.)211/2‬‬
‫‪ -‬علم أصول الفقه لعبد الوهاب خالف (ص‪.)203-202‬‬
‫‪ -‬الوجيز فـي أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)318 -311/2‬‬
‫‪ -‬معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص‪.)488 -485‬‬
‫‪ -‬االجتهاد والتقليد عند اإلمام الشاطيب (ص‪.)247 -235‬‬
‫‪ -‬القطع والظن عند األصوليني (ص‪.)521-512 ،446 -434‬‬
‫‪428‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫تغري االجتهاد وحاالته‬

‫واصطالحا وأسبابه‪ ،‬وبيان عالقة‬


‫ً‬ ‫ُيذكر يف هذه المسألة تعريف تغير االجتهاد لغة‬
‫أسباب تغير االجتهاد بقاعدة‪( :‬ال ينكر تغير األحكام بتغير القرائن واألزمان)‪.‬‬

‫واصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف تغري االجتهاد لغة‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫التغري لغة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫تغير الشيء تحوله وتبديله‪ ،‬وإزالته عما كان عليه‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حوله وبدَّ له كأنه جعله غير‬
‫ويف لسان العرب‪( :‬تغير الشيء عن حاله تحول‪ ،‬وغيره‪َّ :‬‬
‫‪    ‬‬
‫حوله‪ ،‬وتغايرت األشياء‪ :‬اختلفت)(((‪.‬‬
‫ما كان‪ ،‬وغ َّير عليه األمر‪َّ :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫اصطالحا‪:‬‬
‫ً‬ ‫تعريف تغري االجتهاد‬
‫‪    ‬‬

‫المراد بتغير االجتهاد عند علماء األصول‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫(تحول المجتهد عن رأيه يف المسألة االجتهادية‪ ،‬وتبدُّ ل حكمه فيها؛ لموجب‬


‫ُّ‬
‫‪    ‬‬

‫ً (((‬
‫يقتضي ذلك‪ ،‬بحيث يفتي أو يقضي بخالف ما أفتى‪ ،‬أو قضى به فيها سابقا) ‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أسباب تغري االجتهاد‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫تغير اجتهاد وفتوى وحكم العلماء والمجتهدين والمفتين والقضاة على مر‬
‫‪   ‬‬

‫العصور يف بعض الحوادث والمسائل لم يكن لمجرد الهوى والتشهي‪ ،‬وإنما استندوا‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أوجبت عليهم تغير النظر واالجتهاد يف الحكم؛ ليحكموا فيها بما‬ ‫يف ذلك إلى أسباب َ‬
‫‪ ‬‬

‫تقتضيه المصلحة‪ ،‬مراعين يف ذلك تغير مناط المسألة؛ ليفتوا فيها بما يحقق مناط الحكم‪،‬‬
‫‪‬‬

‫ولتغير االجتهاد عدة أسباب أبرزها خمسة‪:‬‬


‫‪‬‬

‫السبب األول‪ :‬تغري االجتهاد بسبب حتقيق املصلحة‪:‬‬


‫فالمجتهد قد يفتي يف مسألة ما‪ ،‬ثم يحدث من العوارض ما يقتضي أن يجدد‬
‫اجتهاده فيها لتحقيق مصلحة معينة ال تتحقق باجتهاده وفتواه السابقة‪.‬‬

‫((( لسان العرب (‪ ،)40/5‬مادة (غير)‪.‬‬


‫((( تغير االجتهاد دراسة تأصيلية تطبيقية (‪.)184/1‬‬
‫‪429‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫والنظر يف المصلحة يكون يف جانب االستدالل هبا؛ إذ هي من أدلة الشريعة المعتربة‬


‫بضوابطها المقررة عند األصوليين‪ ،‬كما أنه ينظر إليها حين تنزيل الحكم على الحادثة‪.‬‬
‫وقد أشار الشاطبي ‪ $‬إلى أن تحقيق المصلحة سبب لتغير االجتهاد‪ ،‬فقال‪:‬‬
‫(إنا وجدنا الشارع قاصدً ا لمصالح العباد‪ ،‬واألحكام العادية تدور معه حيثما دار‪ ،‬فرتى‬
‫الشيء الواحد يمنع يف حال ال تكون فيه مصلحة‪ ،‬فإذا كان فيه مصلحة جاز)(((‪.‬‬
‫مثاله‪ :‬ما جاء عن ابن عباس ﭭ‪ ،‬قال‪( :‬كان الطالق على عهد رسول اهلل ﷺ‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وأبي بكر‪ ،‬وسنتين من خالفة عمر‪ ،‬طالق الثالث واحدة‪ ،‬فقال عمر بن الخطاب‪ :‬إن‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الناس قد استعجلوا يف أمر قد كانت لهم فيه أناة‪ ،‬فلو أمضيناه عليهم‪ ،‬فأمضاه عليهم)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫فعمر لما رأى هتاون الناس بالطالق‪ ،‬رأى أن المصلحة ال تتحقق إال بإمضاء هذا‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫الطالق ثال ًثا‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫السبب الثاني‪ :‬تغري االجتهاد بسبب االستحسان‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫حكما‬ ‫فالمجتهد يتغير اجتهاده وتختلف فتواه يف حكم المسألة حين يستحسن فيها‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫نظرا لقوة اقتضاء الدليل الخاص‪ ،‬وهذا االستحسان‬ ‫خاصا يخرجها من الحكم العام‪ً ،‬‬ ‫ًّ‬
‫‪    ‬‬

‫سواء أكان ضرورة‪ ،‬أم مصلحة‪ ،‬أم عر ًفا‪ ،‬أم غير ذلك من موجبات االستثناء واالستحسان‪.‬‬
‫وليس المراد أن كل استحسان يعد من أسباب تغير الفتوى أو االجتهاد‪ ،‬بل‬
‫‪ ‬‬

‫مجااًل لالجتهاد والنظر مما يتفاوت فيه اجتهاد المجتهدين‪ ،‬وهي ما‬ ‫ً‬ ‫المراد ما كان منها‬
‫عدا االستحسان المستند إلى النص واإلجماع؛ ألن ما ثبت حكمه بالنص أو اإلجماع‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫تخصيصا‪ ،‬وأغلب األمثلة التي يتغير‬ ‫ً‬ ‫ال مجال فيه لالجتهاد؛ سواء سمي استحسانًا‪ ،‬أو‬
‫‪ ‬‬

‫االجتهاد فيها بسبب االستحسان هي ما كان االستحسان فيها مستندً ا إلى الحاجة‪ ،‬أو‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المصلحة‪ ،‬أو ال ُعرف‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ومن أمثلته‪ :‬أن اإلمام أبا حنيفة ‪ $‬أفتى يف أول عهد الفرس‬
‫باإلسالم‪ ،‬وصعوبة نطقهم بالعربية بجواز أن يقرأ الواحد منهم يف‬
‫الصالة بالفارسية استحسانًا ألجل الضرورة؛ ولذلك لما النت‬
‫أمثلة أخرى على تغير االجتهاد‬ ‫ألسنتهم بالعربية رجع عن هذه الفتوى‪.‬‬
‫بسبب االستحسان‬

‫((( الموافقات (‪.)520/2‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪.)1472‬‬
‫‪430‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫السبب الثالث‪ :‬تغري االجتهاد بسبب تغري العادات واألعراف‪:‬‬


‫يعد تغير العرف والعادة أحد مقتضيات تغير االجتهاد‪ ،‬ألن العرف والعادة من‬
‫األمور التي يناط هبا الحكم‪ ،‬فإذا ثبت كون الحكم إنما وضع ألجل عرف معين‪ ،‬فإن‬
‫الحكم يتغير بتغير ذلك العرف‪.‬‬
‫تغيرا‬
‫واختالف األحكام وتغير االجتهاد بسبب اختالف العادات واألعراف ليس ً‬
‫واختال ًفا يف أصل خطاب الشرع‪ ،‬بل معنى هذا االختالف أن العادات إذا اختلفت اقتضت‬

‫‪   ‬‬


‫حكما يالئمها‪.‬‬
‫ً‬ ‫كل عادة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وقد أشار القرايف ‪ $‬إلى ذلك‪ ،‬فقال‪( :‬كل ما هو يف الشريعة‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يتبع العوائد‪ :‬يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة‬
‫‪    ‬‬
‫المتجددة ‪ ...‬أال ترى أهنم أجمعوا على أن المعامالت إذا أطلق فيها‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫نصوص يف تغير‬
‫االجتهاد بالعرف‬ ‫الثمن يحمل على غالب النقود‪ ،‬فإذا كانت العادة نقدً ا معينًا حملنا‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اإلطالق عليه‪ ،‬فإذا انتقلت العادة إلى غيره عينا ما انتقلت العادة إليه‪ ،‬وألغينا األول‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫النتقال العادة عنه وكذلك اإلطالق يف الوصايا واأليمان وجميع أبواب الفقه المحمولة‬
‫‪    ‬‬

‫على العوائد‪ ،‬إذا تغيرت العادة تغيرت األحكام يف تلك األبواب)(((‪.‬‬


‫والمتأمل يف الفتاوى المتغيرة الصادرة من المجتهدين من السلف والخلف يجد‬
‫‪ ‬‬

‫طائفة غير قليلة منها كان مستند تغيرها تبدُّ ل العادات واألعراف واختالفها‪ ،‬ومن أمثلة‬
‫‪   ‬‬

‫ذلك ما يأتي‪:‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪-‬كان اإلمام مالك ‪ $‬يرى أن َمن حلف ال يكلم فالنًا ناو ًيا المشافهة‪ ،‬ثم كاتبه‬
‫‪ ‬‬

‫فإنه ال يحنث‪ ،‬ثم تغير اجتهاده يف هذه المسألة ورجع عن هذا القول إلى أنه يحنث‬
‫‪‬‬

‫بمكاتبته‪ ،‬حيث أصبح هو العرف السائد‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬وكان اإلمام الشافعي ‪ $‬يرى أن مِن حق صاحب األرض التي هبا بئر أن يبيع‬
‫الماء‪ ،‬ولما انتقل إلى مصر ورأى عرف الناس بخالف ذلك الختالف البيئة تغير اجتهاده‪،‬‬
‫وذهب إلى أن صاحب األرض ليس له إال حق السبق يف االستعمال‪ ،‬ولغيره بعد ذلك حق‬
‫الشرب وسقي األرض بال مقابل‪.‬‬

‫((( اإلحكام يف تمييز الفتاوى عن األحكام (ص‪.)219-218‬‬


‫‪431‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫السبب الرابع‪ :‬تغري االجتهاد بسبب سد الذرائع‪:‬‬


‫تغيرا يف أصل هذا الدليل‪ ،‬بل إنه من األصول‬
‫تغير االجتهاد بسبب سد الذرائع ليس ً‬
‫الشرعية الثابتة‪ ،‬وإنما هو تغير يف إعماله يف هذه المسألة أو تلك‪ ،‬ويشمل ذلك تغير إفضاء‬
‫الوسائل والذرائع إلى المفاسد من وقت إلى وقت‪ ،‬ومن حال إلى حال‪ ،‬ومن شخص إلى‬
‫شخص‪ ،‬فقد يطرأ على الوسائل ما يغير غايتها من كوهنا مفضية إلى مصلحة غال ًبا إلى أن‬
‫يكون الغالب إفضاؤها إلى مفسدة مما يتغير معه حكمها من اإلباحة إلى المنع‪ ،‬فالحكم‬

‫‪   ‬‬


‫ناتج عن النظر إلى المآالت‪:‬‬ ‫ٍ‬
‫بسد ذريعة ما ٌ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فإن كان مآل الوسائل الصحيحة يفضي إلى مفسدة منعت تلك الوسيلة وسدت‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ذريعتها‪ ،‬وإن كانت الوسيلة تئول إلى مصلحة تركت تلك الوسيلة وفتحت‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فقد يحكم المجتهد يف زمن ما على مسألة معينة بالفتح أو السد‪ ،‬ثم يتغير الحكم يف‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وأيضا بناء على ما يتحقق‬


‫زمن آخر على المسألة نفسها بناء على التغيرات التي حصلت‪ً ،‬‬
‫‪   ‬‬

‫دائما يف كل زمان‪،‬‬
‫حكما ً‬
‫ً‬ ‫من المصالح والمفاسد‪ ،‬فالحكم بالذرائع بعد االجتهاد ال يكون‬
‫‪    ‬‬

‫بل يتغير فيها اجتهاد المجتهد بحسب ما يتحقق من مصلحة أو مفسدة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫ ‪-‬ما جاء عن جابر بن عبد اهلل ﭭ قال‪( :‬بعنا أمهات األوالد على عهد رسول اهلل ﷺ‬
‫‪ ‬‬

‫وأبي بكر‪ ،‬فلما كان عمر هنانا فانتهينا)(((‪.‬‬


‫فعمر رأى المنع من بيعهن وهنى عن ذلك سدًّ ا للذريعة؛ إذ يقتضي بيعهن إلى‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫مفسدة التفريق بينهن وبين أوالدهن‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ ‪-‬كان اإلمام أحمد يرى أن المدعى عليه إذا تمنع من أداء‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫اليمين فإنه يقضى عليه بالنكول‪ ،‬ثم رجع عن هذا القول‪ ،‬ورأى بعد‬
‫ذلك أن ترد اليمين على المدعي؛ سدًّ ا لذريعة التساهل يف الدعوى‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أمثلة أخرى على تغيير االجتهاد‬


‫بسبب سد الذرائع‬ ‫السبب اخلامس‪ :‬تغري االجتهاد بسبب حتقيق املناط‪:‬‬
‫تحقيق المناط يراد به االجتهاد يف تحقيق القاعدة الكلية يف الصور الجزئية‪ ،‬وكذا‬
‫النظر يف معرفة وجود العلة يف آحاد الصور بعد معرفتها يف نفسها‪.‬‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)3954‬وابن حبان‪ ،)4324( ،‬والحاكم (‪ .)2189‬صححه ابن حبان‪ ،‬وقال الحاكم‪:‬‬
‫(صحيح على شرط مسلم)‪ ،‬ووافقه الذهبي‪.‬‬
‫‪432‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫وقد عرفه الشاطبي ‪ $‬فقال‪( :‬أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي‪ ،‬لكن يبقى النظر‬
‫يف تعيين محله)(((‪.‬‬
‫واجتهاد المجتهد وفتواه تتغير إذا تغير تحقيق المناط‪ ،‬لكي تنتظم كل واقعة تحت‬
‫حكمها الشرعي بحسب تحقيق مناطها‪ ،‬فإذا جاء زمن آخر وتجددت الحادثة على صورة‬
‫أخرى‪ ،‬وطرأت عليها العوارض‪ ،‬وضعت تحت حكمها الخاص هبا‪ ،‬فيلزم المجتهد‬
‫الناظر يف الوقائع والنوازل أن يراعي عند اجتهاده ونظره الظروف العامة للعصر‪ ،‬وتغير‬

‫‪   ‬‬


‫تغيرا يف األحوال والظروف‪،‬‬
‫تغيرا زمان ًّيا أم مكان ًّيا‪ ،‬أم ً‬
‫الواقع المحيط بالنازلة سواء أكان ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وعلى المجتهد تب ًعا لذلك مراعاة هذا التغير يف فتاواه وأحكامه‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫أيضا من أهم‬ ‫‪     ‬‬
‫وتحقيق المناط من أهم أسباب اختالف الفقهاء يف الفروع‪ ،‬وهو ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫أسباب اختالف رأي المجتهد وتغير اجتهاده من زمن إلى زمن‪ ،‬ومن حال إلى حال‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بحسب اختالف تقديره ونظره إلى الواقعة‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن أمثلته‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪1 -‬أن عبد اهلل بن عباس ﭭ تغير اجتهاده وفتواه يف توبة القاتل ألجل تحقيق‬
‫‪    ‬‬

‫المناط‪ ،‬فقد كان يفتي بأن للقاتل توبة‪ ،‬ولما جاءه رجل وسأله (لمن قتل مؤمنًا توبة؟‬
‫قال‪ :‬ال‪ ،‬إال النار‪ ،‬فلما ذهب قال له جلساؤه‪ :‬ما هكذا كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنًا توبة‬
‫‪ ‬‬

‫مقبولة‪ ،‬فما بال اليوم؟ قال‪ :‬إين أحسبه ً‬


‫رجاًل مغض ًبا يريد أن يقتل مؤمنًا) قال‪ :‬فبعثوا يف‬
‫أثره فوجدوه كذلك(((‪ ،‬فابن عباس ﭭ تغيرت فتواه يف حق هذا السائل لما رأى يف عينيه‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الغضب‪ ،‬فغلب على ظنه أنه عازم على القتل‪ ،‬ويريد فتوى تفتح له باب التوبة‪ ،‬فرأى عدم‬
‫‪ ‬‬

‫تحقق مناط اإلفتاء يف حقه‪ ،‬وهذا من تحقيق المناط الخاص‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪2 -‬أن اإلمام مال ًكا ‪ $‬تغير اجتهاده يف حكم بيع اللحم النيء بالقديد‪ ،‬فكان يجيزه‬
‫‪‬‬

‫مطل ًقا كبيع الخبز بالخبز‪ ،‬واللحم باللحم‪ ،‬ثم رجع عن ذلك‪ ،‬وقال بمنعه وأنه ال خير فيه‬
‫للحاجة‪ ،‬واستقر رأيه على جوازه عند الحاجة‪ ،‬ولما سئل عن ذلك منع منه؛ ألنه ال حاجة‬
‫تدعو الناس إلى ذلك‪ ،‬فلم يتحقق عنده مناط الحكم بالجواز‪.‬‬

‫((( الموافقات (‪.)12/5‬‬


‫((( أخرجه ابن أبي شيبة يف المصنف (‪ ،)27753‬وأبو جعفر النحاس يف الناسخ والمنسوخ (ص‪ .)349‬قال الحافظ‬
‫يف التلخيص الحبير (‪( :)343/4‬رجاله ثقات)‪.‬‬
‫‪433‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثال ًثا‪ :‬عالقة أسباب تغري االجتهاد بقاعدة‪ :‬ال ينكر تغري األحكام بتغري‬
‫القرائن واألزمان‪:‬‬
‫هذه القاعدة مبنية على تغير االجتهاد‪ ،‬وأكثر أسباب تغير االجتهاد تجمعها هذه‬
‫القاعدة وبخاصة تغير االجتهاد بسبب تحقيق المصالح أو بسبب تغير العادات واألعراف‪،‬‬
‫أو بسبب سد الذرائع‪ ،‬أو بسبب تحقيق المناط‪ ،‬والسبب الذي له تأثير يف هذه القاعدة؛ هو‬
‫تغير االجتهاد بسبب تغير العادات واألعراف‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وفصل الكالم فيها ابن القيم‪،‬‬
‫وهذه القاعدة أشار إليها العز بن عبد السالم والقرايف‪ّ ،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫كاماًل يف كتابه أعالم الموقعين بعنوان‪( :‬فصل يف تغير الفتوى‪ ،‬واختالفها‬ ‫فصاًل ً‬
‫وعقد لها ً‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫بحسب تغير األزمنة واألمكنة واألحوال والنيات والعوائد)‪ ،‬وقال‪( :‬هذا فصل عظيم النفع‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫جدًّ ا‪ ،‬وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ما ال سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي يف أعلى رتب المصالح ال تأيت به‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد يف المعاش والمعاد‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهي عدل كلها‪ ،‬ورحمة كلها‪ ،‬ومصالح كلها‪ ،‬وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن‬
‫‪    ‬‬

‫العدل إلى الجور‪ ،‬وعن الرحمة إلى ضدها‪ ،‬وعن المصلحة إلى المفسدة‪ ،‬وعن الحكمة‬
‫إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وذكر ابن القيم لهذه القاعدة أمثلة كثيرة‪.‬‬


‫منها‪ :‬ترك إنكار المنكر إذا كان يرتتب على اإلنكار ما هو شر منه‪ ،‬فقال ابن القيم‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫(فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫والبصيرة‪ ،‬إال إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى اهلل ورسوله؛ كرمي النشاب‪ ،‬وسباق‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الخيل‪ ،‬ونحو ذلك‪ ،‬وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء‬
‫خيرا من أن‬
‫وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة اهلل فهو المراد‪ ،‬وإال كان تركهم على ذلك ً‬
‫‪‬‬

‫ً‬
‫شاغاًل لهم عن ذلك‪ ،‬وكما إذا كان الرجل‬ ‫تفرغهم لما هو أعظم من ذلك‪ ،‬فكان ما هم فيه‬
‫مشتغاًل بكتب المجنون ونحوها‪ ،‬وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضالل‬ ‫ً‬
‫والسحر فدعه وكتبه األولى)(((‪.‬‬

‫((( أعالم الموقعين (‪.)11/3‬‬


‫((( أعالم الموقعين (‪.)13-12/3‬‬
‫‪434‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫ووردت هذه القاعدة يف مجلة األحكام العدلية بلفظ‪( :‬ال ينكر تغير األحكام بتغير‬
‫األزمان)(((‪ ،‬وبنى الشيخ علي حيدر أن األحكام التي تتغير هي األحكام المستندة على‬
‫العرف والعادة‪ ،‬فقال يف شرح هذه القاعدة‪( :‬إن األحكام التي تتغير بتغير األزمان هي األحكام‬
‫المستندة على العرف والعادة؛ ألنه بتغير األزمان تتغير احتياجات الناس‪ ،‬وبناء على هذا التغير‬
‫أيضا العرف والعادة‪ ،‬وبتغير العرف والعادة تتغير األحكام حسبما أوضحنا آن ًفا‪ ،‬بخالف‬ ‫يتبدل ً‬
‫األحكام المستندة على األدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإهنا ال تتغير)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫رابعًا‪ :‬حاالت تغري اجتهاد اجملتهد‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫تغير اجتهاد المجتهد له ثالث حاالت‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الحالة األولى‪ :‬إذا اجتهد المجتهد لخاصة نفسه‪ ،‬وعمل هبذا االجتهاد‪ ،‬ولم يقرتن‬
‫‪    ‬‬
‫به حكم حاكم‪ ،‬ثم تغير اجتهاده‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الحالة الثانية‪ :‬إذا اجتهد المجتهد لخاصة نفسه‪ ،‬وعمل هبذا‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫االجتهاد‪ ،‬واقرتن هبذا االجتهاد حكم حاكم‪ ،‬ثم تغير اجتهاده‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الحالة الثالثة‪ :‬إذا اجتهد المجتهد لغيره‪ ،‬ثم تغير اجتهاده‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫تفصيل حاالت تغير‬


‫اجتهاد المجتهد‬
‫وقد تناول ابن قدامة الحاالت الثالث يف الروضة(((‪.‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬املوافقات (‪.)12/5‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلحكام فـي متييز الفتاوى عن األحكام (ص‪.)119-99‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬قواعد األحكام فـي مصاحل األنام (‪.)20-17/1‬‬


‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)13-11/3‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)216-213/20‬‬


‫‪ -‬تغري االجتهاد دراسة تأصيلية تطبيقية (‪.)344-123/2( )267-261/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الفتوى فـي اإلسالم أهميتها ضوابطها آثارها (ص‪.)515-501‬‬


‫‪ -‬تغري األحكام دراسة تطبيقية (ص‪.)420-97‬‬
‫‪ -‬سد الذرائع عند شيخ اإلسالم ابن تيمية (ص ‪.)273-263‬‬
‫ً‬
‫(كاماًل)‪.‬‬ ‫‪ -‬تغري الفتوى مفهومه وضوابطه وتطبيقاته فـي الفقه اإلسالمي‬

‫((( انظر‪ :‬مجلة األحكام العدلية المادة رقم (‪( )39‬ص‪.)20‬‬


‫((( درر الحكام يف شرح مجلة األحكام (‪.)47/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)746-745/2‬‬
‫‪435‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫نقض االجتهاد‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف نقض االجتهاد‪:‬‬
‫النقض لغة‪ :‬اإلفساد‪ ،‬وهو ضد اإلبرام‪ ،‬جاء يف لسان العرب‪ :‬النقض إفساد ما‬
‫أبرمت من عقد أو بناء‪ ،‬ويف الصحاح‪ :‬النقض نقض البناء والحبل والعهد‪ ،‬والنقض ضد‬

‫‪   ‬‬


‫نقضا‪ ،‬وانتقض وتناقض(((‪.‬‬
‫اإلبرام‪ ،‬نقضه‪ ،‬ينتقضه ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هو (هدمه وإلغاؤه وإبطال العمل به)(((‪.‬‬
‫ً‬ ‫نقض االجتهاد‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬حكم نقض االجتهاد‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫حترير حمل النزاع‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫اتفق العلماء على أن االجتهاد ال ينقض باالجتهاد‪ ،‬وقد حكى هذا االتفاق اآلمدي‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وابن الحاجب والربماوي‪ ،‬والمرداوي‪ ،‬قال الربماوي‪( :‬يمتنع نقض حكم االجتهاد بتغيره‬
‫‪    ‬‬

‫آخر‪ ،‬سواء أكان من المجتهد األول أو من غيره‪ .‬قال ابن الحاجب‪ :‬باتفاق)(((‪.‬‬ ‫باجتهاد َ‬
‫‪    ‬‬

‫ودليل عدم نقضه‪ :‬أنه يلزم من نقضه التسلسل؛ إذ لو جاز النقض لجاز نقض‬
‫النقض‪ ،‬وهكذا فتفوت مصلحة نصب الحاكم ‪-‬وهي قطع المنازعة‪ -‬لعدم الوثوق حينئذ‬
‫‪ ‬‬

‫بالحكم‪ ،‬وهو معنى قول الفقهاء يف الفروع‪( :‬ال ينقض االجتهاد باالجتهاد)‪.‬‬
‫وإنما محل الخالف يف نقض االجتهاد إذا خالف النص من كتاب أو سنة‪ ،‬أو خالف‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫اإلجماع‪ ،‬أو القياس الجلي‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫املسألة األوىل‪ :‬نقض االجتهاد إذا خالف النص من كتاب أو سنة ولو آحادًا‪:‬‬
‫‪‬‬

‫األقوال واألدلة‪:‬‬
‫‪‬‬

‫اختلف العلماء يف ذلك على قولين‪:‬‬


‫نصا من كتاب اهلل أو سنة رسول اهلل ﷺ‬
‫القول األول‪ :‬أن االجتهاد ينقض إذا خالف ًّ‬
‫ولو آحا ًدا‪ ،‬وهذا القول نص عليه اإلمام أحمد‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬لسان العرب (‪ )242/7‬مادة (نقض)‪.‬‬


‫((( الوجيز يف أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬محمد الزحيلي (‪ ،)341/2‬وانظر‪ :‬نقض االجتهاد دراسة أصولية (ص‪.)35‬‬
‫((( الفوائد السنية يف شرح األلفية (‪.)311-310/5‬‬
‫‪436‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫القول الثاين‪ :‬ال ينقض حكمه إذا خالف غير سنة متواترة‪ ،‬وهو أحد قولي القاضي‬
‫أبي يعلى الحنبلي‪.‬‬
‫دليل القول األول (النقض مبخالفة الكتاب أو السنة)‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬ينقض اجتهاد الحاكم إذا خالف النص؛ ألنه قضاء لم يصادف‬
‫شرطه‪ ،‬فوجب نقضه‪ ،‬وبيان مخالفته للشرط‪ :‬أن شرط الحكم باالجتهاد عدم النص‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الدليل الثاين‪ :‬ألن المجتهد والحاكم إذا ترك الكتاب والسنة فقد فرط؛ فوجب‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫نقض حكمه‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫دليل القول الثاني (ال ينقض مبخالفة سنة اآلحاد)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫أن ما لم يبلغ التواتر من النصوص لم يصل إلى حد القطع بثبوته‪ ،‬فال يجوز نقض‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ما يخالفه‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫املسألة الثانية‪ :‬نقض االجتهاد إذا خالف اإلمجاع‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫تحرير محل النزاع‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫إذا خالف اجتهاد الحاكم اإلجماع‪ ،‬فال يخلو إما أن تكون مخالفته لإلجماع‬
‫‪ ‬‬

‫القطعي أو الظني‪ ،‬فإن خالف اإلجماع القطعي فإن اجتهاده ينقض قط ًعا‪.‬‬
‫قال المرداوي‪( :‬واإلجماع إجماعان‪ :‬إجماع قطعي فينقض بمخالفته قط ًعا)(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وإن خالف اجتهاده اإلجماع الظني فقد اختلف العلماء يف ذلك‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫األقوال فـي املسألة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫إذا خالف المجتهد اإلجماع الظني فقد اختلف العلماء يف نقض اجتهاده على قولين‪:‬‬
‫‪‬‬

‫القول األول‪ :‬أن اجتهاد الحاكم ال ينقض إذا خالف اإلجماع الظني‪ ،‬وهذا القول‬
‫اختاره ابن مفلح وابن حمدان والمرداوي‪.‬‬
‫القول الثاين‪ :‬أن اجتهاد الحاكم ينقض إذا خالف اإلجماع الظني‪ ،‬وقال به كثير من‬
‫الحنابلة‪.‬‬

‫((( التحبير للمرداوي (‪.)3973/8‬‬


‫‪437‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫املسألة الثالثة‪ :‬نقض االجتهاد إذا خالف القياس اجللي‪:‬‬


‫األقوال واألدلة‪:‬‬
‫اختلف العلماء هل ينقض االجتهاد إذا خالف القياس الجلي على قولين‪:‬‬
‫قياسا ولو جل ًّيا‪ .‬وهذا القول صحح‬
‫القول األول‪ :‬أن االجتهاد ال ينقض إذا خالف ً‬
‫المرداوي كونه المذهب‪ ،‬ونسبه لألكثر‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫قياسا جل ًّيا‪ ،‬وهو قول اإلمام مالك والشافعي‬
‫القول الثاين‪ :‬ينقض االجتهاد إذا خالف ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وابن حمدان يف الرعايتين‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫دليل القول األول (ال ينقض)‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫أن االجتهاد ال ينقض باالجتهاد‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثاني (ينقض)‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ما وقع للصحابة ﭫ يف قولهم بخالف ما كانوا يقولون به ً‬


‫أواًل‪ ،‬ومن تلك الوقائع‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫ما روي أن عل ًّيا ﭬ نقض قضاء شريح بأن شهادة المولى ال تقبل بالقياس الجلي‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهو أن ابن العم تقبل شهادته‪ ،‬وهو أقرب من المولى(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫((( أورده الرافعي يف الشرح الكبير (‪ ،)479/12‬وقال ابن الملقن يف البدر المنير (‪َ ( :)606/9‬‬
‫اَل يحضرين من‬
‫خرجه)‪ .‬وقال الحافظ يف التلخيص الحبير (‪( :)359/4‬لم أجده)‪.‬‬
‫‪438‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬شرح اللمع ألبي إسحاق الشريازي (ص‪.)1037-1035‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -‬املستصفى (ص‪.)373-367‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -‬احملصول للرازي (‪. )66 -63/6‬‬


‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (‪.)203/4‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)650- 646/3‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬اإلبهاج شرح املنهاج للسبكي (‪.)269 -265/3‬‬


‫‪ -‬خمتصر ابن احلاجب مع بيان املختصر (‪.)328 -326/3‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)441‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -‬نفائس األصول (‪.)3914 -3908/9‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (‪.)145- 139/6‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)316-312/8‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬الفوائد السنية فـي شرح األلفـية (‪.)316-310/5‬‬


‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)236-234/4‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)3983-3971/8‬‬


‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)513-503/4‬‬
‫ً‬
‫‪ -‬نقض االجتهاد دراسة أصولية (كاماًل)‪.‬‬
‫‪ -‬الوجيز فـي أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي(‪.)346-338/2‬‬
‫‪ -‬االجتهاد فـي الشريعة اإلسالمية‪ ،‬د‪ .‬حسن مرعي (ص‪.)140-136‬‬

‫‪439‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫التعريف بالنوازل‬

‫تعريف النوازل‪:‬‬
‫النوازل لغة‪ :‬جمع نازلة من الفعل نزل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫قال ابن فارس‪( :‬النون والزاي والالم كلمة صحيحة تدل على هبوط شيء ووقوعه‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ً‬
‫نزواًل‪ ،‬والنازلة‪ :‬الشديدة من شدائد‬ ‫ً‬
‫نزواًل‪ ،‬ونزل المطر من السماء‬ ‫ونزل عن دابته‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الدهر تنزل)(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫واصطالحا‪ :‬مصطلح النوازل لم ينتشر ويتداول إال يف القرون المتأخرة‪ ،‬واستعمله‬
‫‪   ‬‬ ‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫بعض الفقهاء وأكثرهم من المالكية‪ ،‬وكما استعمل الفقهاء بعض المصطلحات المرادفة؛‬
‫‪   ‬‬

‫كمصطلح الحوادث ومصطلح الوقائع‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪-‬اصطالحا‪ -‬أعم‬
‫ً‬ ‫كثيرا عن معناها اللغوي‪ ،‬غير أهنا‬
‫وال يبعد تعريفها االصطالحي ً‬
‫‪    ‬‬

‫منها لغة؛ فإذا كانت يف اللغة يراد هبا الشدائد والمصائب‪ ،‬ففي االصطالح يراد هبا حكم‬
‫حل بالناس من خير أو شر‪.‬‬ ‫كل ما َّ‬
‫‪ ‬‬

‫والعالقة بين المعنى اللغوي واالصطالحي للنازلة من جهة أن وقع النازلة على‬
‫الفقيه والمجتهد كوقع الشدائد على عامة الناس من حيث كوهنا مفاجئة له‪ ،‬وتتطلب منه‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أن يبذل وسعه ويستفرغ طاقته الستنباط حكمها؛ إذ لم يسبق فيها نص أو اجتهاد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫فيشرتط للنازلة أن تكون مما استُحدث‪ ،‬ولم يتناولها نص تشريعي أو اجتهاد فقهي‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫سابق‪ ،‬كما قال ابن عابدين‪( :‬سئل عنها المشايخ المجتهدون يف المذهب‪ ،‬ولم يجدوا‬
‫‪‬‬

‫تخريجا)(((‪ ،‬وقال ابن عبد الرب‪( :‬باب اجتهاد الرأي على األصول‬
‫ً‬ ‫نصا‪ ،‬فأفتوا فيها‬
‫فيها ًّ‬
‫عند عدم النصوص يف حين نزول النازلة)(((‪.‬‬

‫((( مقاييس اللغة (‪ )417/5‬مادة (نزل)‪.‬‬


‫((( حاشية ابن عابدين (‪ .)50/1‬وقد جعلوا مسائل النوازل قسيما لمسائل ظاهر الرواية‪ ،‬ومسائل النوادر؛ فالنوازل‬
‫عندهم قسم ثالث من أقسام مسائل كتب األحناف‪.‬‬
‫((( جامع بيان العلم وفضله (‪.)884/2‬‬
‫‪440‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫وقد وضع المعاصرون جملة من التعريفات االصطالحية للنوازل‪ ،‬منها‪ :‬أن النوازل‬
‫هي‪( :‬ما استدعى حكما شرع ًّيا من الوقائع المستجدة)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬جامع بيان العلم وفضله (‪.)864-844/2‬‬


‫‪ -‬لسان العرب (‪.)660-656/11‬‬
‫‪ -‬حاشية ابن عابدين (‪.)11-398/2‬‬
‫‪ -‬حبوث فـي قضايا فقهية معاصرة (ص‪.)7-5‬‬
‫‪ -‬فقه النوازل دراسة تأصيلية تطبيقية (‪.)25-20/1‬‬

‫((( فقه النوازل دراسة تأصيلية تطبيقية (‪.)24/1‬‬


‫‪441‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫منهج النظر فـي النوازل وضوابطه‬

‫أهمية النظر فـي النوازل‬


‫تكمن أهمية النظر واالجتهاد يف النوازل العامة والفقهية خاصة يف أمور سبعة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫األمر األول‪ :‬بيان كمال الشريعة‪ ،‬وصالحيتها لكل زمان ومكان‪ ،‬وتحكيمها يف‬

‫‪   ‬‬


‫جميع جوانب الحياة‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫األمر الثاين‪ :‬أن إعطاء النوازل المستجدة يف كل عصر أحكامها الشرعية المناسبة‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ً‬
‫دخواًل أول ًّيا تحت مهمة التجديد لهذا الدين‪.‬‬ ‫يدخل‬
‫‪    ‬‬
‫األمر الثالث‪ :‬يف دراسة النوازل إكمال لمسيرة الفقه العظيمة على مر التاريخ‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والسير على خطى الفقهاء المتقدمين يف تشييد بنائه وإحكام لبناته‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األمر الرابع‪ :‬يف دراسة النوازل ضبط وإحكام لعبادات المسلمين‪ ،‬وعالقة‬
‫‪    ‬‬

‫المخلوقين بخالقهم‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫األمر الخامس‪ :‬يف دراسة النوازل ضبط وإحكام لتعامالت الناس وقضاياهم‪،‬‬
‫وحماية لهم من مخالفة الشريعة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫األمر السادس‪ :‬كثرة النوازل المعاصرة التي يحتاج الناس إلى معرفة حكم الشرع‬
‫فيها‪ ،‬وال يمكن استخراج حكمها إال بواسطة فقهاء لديهم قواعد أصولية يتمكنون من‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫تطبيقها على النصوص‪ ،‬ويستخرجون حكم النوازل بناء عليها‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫األمر السابع‪ :‬أنه إذا لم توجد دراسات أصولية تضبط مناهج دراسة النوازل الفقهية‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المعاصرة فقد يحصل خلل يف دراسة هذه النوازل‪.‬‬


‫‪‬‬

‫مناهج العلماء للنظر فـي النوازل‬


‫ال شك أن مناهج العلماء قد اختلفت باختالف قرائحهم ومعارفهم ومذاهبهم‪،‬‬
‫وكل تلك العوامل كان لها أثرها البالغ على تلك التعددية المنهجية‪ ،‬إال أن ألئمة المذاهب‬
‫الفقهية مالمح عامة وخطو ًطا عريضة اشرتكوا فيها فيما يخص استنباط األحكام الشرعية‬
‫يف النوازل الفقهية‪ ،‬كما كان للمعاصرين والفقهاء الحاليين مالمح مشرتكة يمكن تمييزها‬
‫يف طريقة استنباطهم لألحكام الشرعية يف النوازل الفقهية‪.‬‬
‫‪442‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫أواًل‪ :‬معامل منهج أئمة املذاهب الفقهية للنظر فـي النوازل‪:‬‬ ‫ً‬
‫يتلخص منهج األئمة وأتباعهم للنظر يف النوازل بالمعالم اآلتية‪:‬‬
‫أواًل‪ :‬اختيار األدلة الصحيحة القوية‪ ،‬فهذا أدعى لصحة النتائج‪ ،‬وأقرب طريق‬ ‫ً‬
‫للوصول إليها‪.‬‬
‫كاًّل منهما دليل قطعي‪.‬‬‫ثان ًيا‪ :‬النظر يف الكتاب والسنة المتواترة؛ ألن ًّ‬
‫ثال ًثا‪ :‬النظر إلى اإلجماع؛ فإن وجده لم يحتج إلى النظر يف سواه؛ لكون اإلجماع‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬
‫دلياًل قطع ًّيا‪ ،‬ال يقبل النسخ والتأويل‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫راب ًعا‪ :‬النظر يف أخبار اآلحاد‪ ،‬فإن عارض خرب خاص عموم الكتاب أو السنة فإنه‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫يخصصهما‪ ،‬كما أنه ينظر يف حمل المطلق على المقيد‪ ،‬والمجمل على المبين‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫خامسا‪ :‬النظر بعد ذلك يف القياس واالستصحاب وقول الصحابي واالستحسان‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمصلحة المرسلة‪ ،‬حيث ال يلجأ إلى القياس أو غيره من األدلة إال عند فقدان النص‬
‫‪   ‬‬

‫من الكتاب والسنة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫نقاًل عن اإلمام الشافعي فقال‪:‬‬ ‫وقد لخص هذا المنهج الغزالي يف المنخول ً‬
‫‪    ‬‬

‫(((‬
‫(قال الشافعي ﭬ‪ :‬إذا رفعت إليه واقعة فليعرضها على نصوص الكتاب‪ ،‬فإن أعوزه‬
‫‪    ‬‬

‫فعلى األخبار المتواترة‪ ،‬فإن أعوزه إ ًذا فعلى اآلحاد‪ ،‬فإن أعوزه لم يخض يف القياس‪،‬‬
‫ظاهرا نظر يف المخصصات من قياس وخرب‪،‬‬ ‫بل يلتفت إلى ظاهر القرآن‪ ،‬فإن وجد‬
‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫مخصصا حكم به‪ ،‬وإن لم يعثر على لفظ من كتاب وال سنة نظر إلى المذاهب‪،‬‬ ‫ً‬ ‫فإن لم يجد‬
‫‪   ‬‬

‫فإن وجدها مجم ًعا عليها اتبع اإلجماع‪ ،‬وإن لم يجد إجما ًعا خاض يف القياس)(((‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬املناهج املعاصرة للنظر فـي النوازل وأبرز مالحمها‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫برزت يف العصر الحاضر مناهج يف النظر فيما استجد حدوثه من النوازل‬


‫والواقعات‪ ،‬وإذا نظرنا يف قرارات المجامع الفقهية والفتاوى المعاصرة نجد أهنا ال تلتزم‬
‫‪‬‬

‫راجحا‪ ،‬والمناهج التي يسلكوهنا للنظر يف النوازل‬


‫ً‬ ‫بمذهب معين‪ ،‬وإنما يرجحون ما يرونه‬
‫ال تخرج عن ثالثة مناهج‪ ،‬هما طرفان ووسط‪ ،‬وهذه المناهج هي‪:‬‬

‫((( اإلعواز‪ :‬تعذر الوجود‪ .‬انظر‪ :‬الزاهر (ص ‪.)٣٧‬‬


‫((( المنخول (ص‪.)575‬‬
‫‪443‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫املنهج األول‪ :‬منهج التضييق والتشديد‪:‬‬


‫وأبرز مالمح هذا المنهج‪:‬‬
‫‪1 -‬التعصب للمذهب أو لآلراء أو ألفراد العلماء‪.‬‬
‫التعصب للمذهب أو لألفراد‪ ،‬قال اإلمام أحمد ‪:$‬‬
‫ُّ‬ ‫وقد َّ‬
‫حذر العلماء من‬
‫(من أفتى الناس ليس ينبغي أن يحمل الناس على مذهبه ويشدد عليهم)(((‪.‬‬
‫‪2 -‬التمسك بظواهر النصوص فقط‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫تعظيم النصوص الشرعية وتقديمها على غيرها من األدلة مطلب شرعي‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وال يصح من المجتهد اجتهاد ونظر إذا لم يأخذ بالنصوص الشرعية‪ ،‬لكن االنحراف‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫عن هذا المنهج القويم يحصل بالتمسك بظواهر النصوص فقط دون االلتفات إلى‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فقه النصوص ومعانيها ومقاصدها الشرعية‪ ،‬فيؤدي ذلك إلى تحريم ما لم يحرمه اهلل‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫خصوصا يف المعامالت والعادات التي األصل فيها الحل‪ ،‬قال سفيان الثوري‪( :‬إنما العلم‬
‫‪   ‬‬

‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫عندنا الرخصة من ثقة‪ ،‬فأما التشديد فيحسنه كل أحد)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪3 -‬الغلو يف سد الذرائع والمبالغة يف األخذ باالحتياط عند كل خالف‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫د َّلت النصوص الشرعية على اعتبار سد الذرائع واألخذ به حماية لمقاصد الشريعة‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وقد ب َّين ذلك ابن القيم فقال‪( :‬فإذا حرم الرب تعالى شي ًئا وله طرق ووسائل تفضي إليه‬
‫فإنه يحرمها ويمنع منها‪ ،‬تحقي ًقا لتحريمه‪ ،‬وتثبيتًا له‪ ،‬ومن ًعا أن يقرب حماه‪ ،‬ولو أباح‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫نقضا للتحريم‪ ،‬وإغراء للنفوس به)(((‪.‬‬‫الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك ً‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ولكن اإلشكال هو يف االنحراف عن هذا المنهج إلى الغلو‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫يف سد الذرائع؛ فالمبالغة يف سدها قد يؤدي إلى تعطيل مصالح‬


‫راجحة مقابل مصلحة أو مفسدة متوهمة يظنها الفقيه؛ فيغلق الباب‬
‫‪‬‬

‫أثر التشديد بغير حق‬


‫إساء ًة للشرع من حيث ال يشعر‪ ،‬ولذا ينبغي أن تراعى الضوابط التي‬
‫على المسلمين‬
‫اعتمدها العلماء يف سد الذرائع‪ ،‬وقد تقدم بياهنا‪.‬‬

‫((( اآلداب الشرعية (‪.)59/2‬‬


‫((( جامع بيان العلم وفضله (‪.)784/1‬‬
‫((( أعالم الموقعين (‪.)109/3‬‬
‫‪444‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫املنهج الثاني‪ :‬منهج املبالغة فـي التساهل والتيسري‪:‬‬


‫الشريعة السمحة ُبنِيت على التيسير ورفع الحرج‪ ،‬وقد د َّلت على ذلك نصوص‬
‫كثيرة منها قوله تعالى‪﴿ :‬ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ‬
‫ﭽﭾﭿﮀﮁﮂﮃﮄﮅﮆﮇ‬
‫ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑﮒ ﮓ ﮔ ﮕ‬
‫ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜﮝ ﮞ ﮟ ﮠ﴾ [األعراف‪.]١٥٧:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وكان النبي ﷺ يأمر أصحابه ﭫ بالتيسير على الناس‪ ،‬وعدم حملهم على الشدة‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والضيق؛ فقد قال النبي ﷺ لمعاذ بن جبل وأبي موسى األشعري ﭭ لما بعثهما إلى‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫وبشرا وال تن ِّفرا»(((‪.‬‬
‫تعسرا‪ِّ ،‬‬
‫«يسرا وال ِّ‬
‫اليمن‪ِّ :‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫ولكن اإلشكال هو يف المبالغة يف التيسير والتساهل‪ ،‬إلى درجة تصل بالفتوى إلى‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫التفريط الظاهر وتضييع أحكام الشريعة‪ ،‬ومن الخطأ والخطر على الشريعة تربير الواقع‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمبالغة يف فقه التيسير باألخذ باألقوال المرجوحة والشاذة‪ ،‬وإظهارها لعوام الناس دون‬
‫‪    ‬‬

‫اعتبار الحجة والدليل‪ ،‬وربما وصل بعضهم إلى رد النصوص وتأويلها بما ال تحتمل‬
‫‪    ‬‬

‫وجها يف اللغة أو يف الشرع‪ ،‬فيؤدي ذلك إلى تساهل الناس يف المأمورات‪ ،‬وارتكاهبم‬ ‫ً‬
‫للمحظورات‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫إن نفرة الناس عن الدين ال تسوغ التضحية بالثوابت والمسلمات أو التنازل عن‬
‫‪   ‬‬

‫األصول والقطعيات مهما بلغت المجتمعات من تغير أو تطور؛ فإن نصوص الشرع‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫جاءت صالحة للناس يف كل زمان ومكان‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومن أبرز مالمح هذا المنهج االجتهادي المتساهل ما يأتي‪:‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -1‬اإلفراط يف العمل بالمصلحة ولو عارضت النصوص‪:‬‬


‫‪‬‬

‫وقد ظهرت يف هذا العصر بعض الفتاوى يف تحليل بعض األمور المحرمة والتي‬
‫د َّلت النصوص الشرعية على تحريمها‪ ،‬وقد استندت تلك الفتاوى على المصلحة‪ ،‬وهي‬
‫مصلحة متوهمة لمخالفتها لما ثبت بالشرع‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)3038‬ومسلم (‪.)1732‬‬


‫‪445‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ومن ذلك‪ :‬الفتوى بإباحة اإلفطار يف رمضان من أجل ّأاّل تتعطل مصلحة األعمال‬
‫يف البالد‪ ،‬والفتوى بإباحة التعامل بالربا من أجل تنشيط الحركة التجارية والنهوض هبا‪.‬‬
‫‪ -2‬تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب‪:‬‬
‫وهي من المسالك المتفق على منعها‪ ،‬وسيأيت تفصيلها(((‪.‬‬
‫‪ -3‬التحايل الفقهي على أوامر الشرع‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫أبرز مالمح مدرسة التساهل الغلو يف تيسير التحايل الفقهي‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫المحرمة‪ ،‬ومن ذلك‪ :‬التحايل‬
‫َّ‬ ‫على أوامر الشرع‪ ،‬وذلك بتتبع الحيل‬

‫‪   ‬‬


‫تحذير المفتين من الحيل‬

‫‪‬‬
‫على إسقاط الزكاة‪ ،‬أو اإلبراء من الديون الواجبة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وقد فصل ابن القيم ‪ $‬الكالم يف الحيل وأنواعها وبين الحيل الممنوعة‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫والمشروعة فقال‪( :‬ال يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة‪ ،‬وال تتبع الرخص‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫لمن أراد نفعه‪ ،‬فإن تتبع ذلك ُف ِّسق‪ ،‬وحرم استفتاؤه‪ ،‬فإن حسن قصده يف حيلة جائزة‬
‫‪    ‬‬

‫ال شبهة فيها وال مفسدة لتخليص المستفتي هبا من حرج جاز ذلك ‪ ...‬فأحسن المخارج‬
‫‪    ‬‬

‫ما خلص من المآثم‪ ،‬وأقبح الحيل ما أوقع يف المحارم‪ ،‬أو أسقط ما أوجبه اهلل ورسوله من‬
‫‪    ‬‬

‫الحق الالزم)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫املنهج الثالث‪ :‬املنهج الوسطي املعتدل فـي النظر فـي النوازل‪:‬‬


‫وهو أعدل المناهج وأصوهبا‪ ،‬لما فيه من التوسط بين اإلفراط‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والتفريط‪ ،‬وهذا هو منهج أغلب العلماء والفقهاء وأهل الفتوى‬


‫‪ ‬‬

‫والمجامع الفقهية يف هذا العصر‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫المنهج الوسطي يف النوازل‬

‫ضوابط املنهج املعتدل للنظر فـي النوازل‪:‬‬


‫‪‬‬

‫وهي ضوابط يحتاجها الناظر يف النوازل قبل الحكم يف النازلة وأثناء الحكم فيها‪،‬‬
‫وهي ستة ضوابط‪:‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)510-467‬‬


‫((( أعالم الموقعين (‪.)171-170/4‬‬
‫‪446‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الضابط األول‪ :‬التأكد من وقوع النازلة‪:‬‬


‫بأن تكون واقعة‪ ،‬أو مما يمكن وقوعها يف الغالب‪ :‬وقد سبق تفصيل ذلك(((‪.‬‬
‫الضابط الثاين‪ :‬أن تكون النازلة من المسائل التي يسوغ النظر فيها‪:‬‬
‫ويعنى هبا المسائل التي لم يرد فيها نص أو إجماع‪ ،‬وأن ال يكون مقطو ًعا هبا‪ ،‬وقد‬
‫تقدم تفصيل ذلك(((‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬االجتهاد يف البحث عن الحكم الشرعي للنازلة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫والمقصود بذلك أن يبذل المجتهد وسعه يف البحث عن الحكم الشرعي للنازلة‪،‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وقد تقدم تفصيل ذلك(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الضابط الرابع‪ :‬التثبت والتحري‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ينبغي للمجتهد والمفتي الناظر يف النازلة التثبت‪ ،‬والتحري للمسائل‪ ،‬وعدم‬


‫‪   ‬‬

‫االستعجال يف الحكم‪ ،‬والتأين يف نظره؛ ألنه لو أفتى من خالل نظر قاصر‪ ،‬أو بدون تثبت‬
‫‪    ‬‬

‫وترو فقد يخطئ الصواب‪ ،‬ويقع يف محذور يضل به خلق كثير‪.‬‬


‫ٍّ‬
‫‪    ‬‬

‫قال ابن القيم ‪( :$‬فحقيق بمن أقيم يف هذا المنصب أن يعد له عدته‪ ،‬وأن يتأهب‬
‫‪    ‬‬

‫له أهبته‪ ،‬وأن يعلم قدر المقام الذي أقيم فيه)(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫الضابط الخامس‪ :‬استشارة أهل االختصاص‪:‬‬


‫على المجتهد والمفتي الناظر يف النازلة استشارة أهل االختصاص من أهل العلم‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وقد ذكر الخطيب البغدادي أن هذا هو منهج السلف الصالح الذي د َّلت عليه النصوص‬
‫‪ ‬‬

‫الشرعية فقال‪( :‬ثم يذكر المسألة لمن بحضرته ممن يصلح لذلك من أهل العلم‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ويشاورهم يف الجواب‪ ،‬ويسأل كل واحد منهم عما عنده‪ ،‬فإن يف ذلك بركة‪ ،‬واقتداء‬
‫‪‬‬

‫بالسلف الصالح‪ ،‬وقد قال اهلل تبارك وتعالى‪﴿ :‬ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞﭟ ﭠ ﭡ ﭢ‬


‫ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯﭰ ﭱ ﭲ ﭳ‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪( ،)443-405‬ص‪.)412‬‬


‫((( انظر‪( :‬ص‪( ،)407‬ص‪.)448-411‬‬
‫((( انظر‪( :‬ص‪.)410‬‬
‫((( أعالم الموقعين (‪.)9/1‬‬
‫‪447‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ﭴ ﭵﭶ ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ﴾ [آل عمران ‪ ]159‬وشاور النبي ﷺ يف مواضع وأشياء وأمر‬


‫بالمشاورة(((‪ ،‬وكانت الصحابة تشاور يف الفتاوى واألحكام)(((‪.‬‬
‫وخصوصا يف النوازل‬
‫ً‬ ‫ويف عصرنا الحاضر تتأكد أهمية استشارة أهل االختصاص‪،‬‬
‫المعاصرة المتعلقة باالقتصاد والمعامالت المالية‪ ،‬أو يف قضايا الطب أو الفلك‪.‬‬
‫فالذي ال يعرف حقيقة النقود الورقية قد يفتي بأنه ال زكاة فيها‪ ،‬أو أن الربا ال يجري‬
‫يسمى بأطفال األنابيب ال يستطيع أن يعطي فتوى‬ ‫فيها‪ ،‬والذي ال يعرف مجريات ما َّ‬

‫‪   ‬‬


‫صحيحة بالتحليل أو التحريم إال إذا وضحت له حاالت هذه العملية‪ ،‬وهكذا‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الضابط السادس‪ :‬الوضوح والبيان‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫واضحا‬
‫ً‬ ‫توصل إليه المجتهد يف النازلة‪ ،‬وجواب المفتي‬
‫‪     ‬‬ ‫ال بد أن يكون الحكم الذي َّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫ال غموض فيه وال إهبام وال لبس‪ ،‬وال يفضي إلى االضطراب يف معرفة المعنى المقصود‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقد أكَّد ابن القيم على أهمية هذا الضابط فقال‪( :‬ال يجوز للمفتي الرتويج‪ ،‬وتخيير‬
‫‪   ‬‬

‫مزياًل لإلشكال‪ ،‬متضمنًا لفصل‬‫السائل‪ ،‬وإلقاؤه يف اإلشكال والحيرة‪ ،‬بل عليه أن يبين بيانًا ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الخطاب‪ ،‬كاف ًيا يف حصول المقصود‪ ،‬ال يحتاج معه إلى غيره)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫مراحل النظر فـي النازلة الفقهية وفق املنهج املعتدل‪:‬‬


‫النظر يف النازلة الفقهية يمر بعدد من المراحل‪ ،‬وعلى المجتهد والمفتي الناظر يف‬
‫‪ ‬‬

‫النازلة مراعاة هذه المراحل‪ ،‬وعدم االنتقال إلى مرحلة قبل االنتهاء من المرحلة السابقة‬
‫لها‪ ،‬وهذه المراحل هي‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫المرحلة األولى‪ :‬مرحلة تصوير النازلة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫معنى تصوير النازلة‪ :‬إدراك حقيقتها يف الذهن من غير حكم عليها؛ وذلك يشمل‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أمرين‪ :‬معرفة حقيقتها يف الواقع‪ ،‬ومعرفة الواقع المحيط هبا‪.‬‬


‫‪‬‬

‫((( ومن ذلك‪ :‬ما أخرجه البخاري (‪ ،)4757‬ومسلم (‪ )2770‬عن عائشة‪ ،‬قالت‪ :‬لما ذكر من شأين الذي ذكر‪ ،‬وما‬
‫علي يف‬
‫علمت به قام رسول اهلل ﷺ خطي ًبا فتشهد‪ ،‬فحمد اهلل وأثنى عليه بما هو أهله‪ ،‬ثم قال‪« :‬أما بعد أشيروا َّ‬
‫أناس أبنوا أهلي‪.»...‬‬
‫وما أخرجه مسلم (‪ )1779‬عن أنس ﭬ‪« :‬أن رسول اهلل ﷺ شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان‪.»...‬‬
‫((( الفقيه والمتفقه (‪.)390/2‬‬
‫((( أعالم الموقعين (‪.)136/4‬‬
‫‪448‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫وتصور النازلة يف ذهن المجتهد أو المفتي مرحلة أولية من مراحل الفتوى وبيان‬
‫تصوره‪.‬‬
‫الحكم؛ ألن الحكم على الشيء فرع عن ُّ‬
‫وتصوير النازلة يكون بسؤال أهل الخربة واالستفادة منهم؛ إذ ال بد من اقرتان خربة‬
‫الخرباء وفقه الفقهاء للوصول إلى تصوير صحيح لحقيقة النازلة‪.‬‬
‫أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪ -1‬االستفادة من خربة الفلكي يف تصوير الحال يف أوروبا والدول اإلسكندنافية؛‬

‫‪   ‬‬


‫لتحديد مواقيت الصالة والصوم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -2‬االستفادة من خربة الطبيب؛ لتصوير بعض المسائل المتعلقة بالطب‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫كاالستفادة من عظام الحيوانات وجلودها يف صناعة الجيالتين‪ ،‬والخاليا الجذعية‪،‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫والبصمة الوراثية‪ ،‬والموت الدماغي‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -3‬االستفادة من خربة االقتصادي؛ لتصوير حقيقة النوازل االقتصادية‪ ،‬كالمتاجرة‬


‫‪   ‬‬

‫بالهامش‪ ،‬والبطاقات االئتمانية‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المرحلة الثانية‪ :‬مرحلة التوصيف الفقهي للنازلة‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫مرحلة التوصيف الفقهي تتبع تصوير النازلة‪ ،‬وقد أشار إليها ابن القيم ‪ $‬فقال‪:‬‬
‫(وال يتمكن المفتي وال الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إال بنوعين من الفهم‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫أحدهما‪ :‬فهم الواقع والفقه فيه‪ ،‬واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن واألمارات‬
‫علما‪.‬‬
‫والعالمات حتى يحيط به ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والنوع الثاين‪ :‬فهم الواجب يف الواقع‪ ،‬وهو فهم حكم اهلل الذي حكم به يف كتابه أو‬
‫‪ ‬‬

‫على لسان رسوله ﷺ يف هذا الواقع‪ ،‬ثم يطبق أحدهما على اآلخر)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫تعريف التوصيف الفقهي أو التكييف الفقهي‪:‬‬


‫هو‪ :‬النظر يف األوصاف الفقهية للنازلة المبحوثة‪ ،‬وإلحاقها بما يماثلها من مسائل‬
‫‪‬‬

‫المسماة‪.‬‬
‫َّ‬ ‫الفقه‬
‫معناه‪ :‬أن المجتهد أو المفتي يبحث عن الصيغة الفقهية المناسبة للواقعة‪ ،‬فيلحق‬
‫صورهتا بما يماثلها من مسائل الفقه المسماة‪ ،‬فيحدد المجتهد ً‬
‫أواًل الباب الفقهي الذي‬
‫يمكن أن تلحق به النازلة‪ ،‬هل هي بيع أو إجارة أو وكالة أو رهن أو جعالة‪ ...‬إلى غير ذلك‬

‫((( أعالم الموقعين (‪.)69/1‬‬


‫‪449‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫فيخرجه عليها‪ ،‬وهذا‬


‫ِّ‬ ‫تخرج النازل ُة عليها‬‫من أبواب الفقه‪ ،‬ثم يحدِّ د المسألة الفقهية التي َّ‬
‫يسمى (بتخريج الفروع على الفروع)‪.‬‬ ‫ما َّ‬
‫فيقوم المجتهد بعرض النازلة على اجتهادات أئمة المذاهب الفقهية وأتباعهم‪،‬‬
‫فإن من أكرب دعائم التكييف الفقهي الصحيح اإلفادة مما قرره الفقهاء السابقون والعناية‬
‫يسمى (بالسوابق الفقهية) التي تمس النازلة‪.‬‬ ‫بالبحث عما َّ‬
‫والنظر يف النازلة من أجل التكييف الفقهي له ثالث حاالت‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫نصا فقه ًّيا يف النازلة‪.‬‬‫الحالة األولى‪ :‬أن يجد المجتهد والمفتي ًّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أمثلة ذلك‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪1 -‬نازلة التطهير بمغاسل البخار (التنظيف الجاف)‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫هذه النازلة تدخل يف مسألة إزالة النجاسة بغير الماء‪ ،‬والتي نص الفقهاء على‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حكمها(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪2 -‬نازلة عقد التأمين‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أشار إليه ابن عابدين يف معرض كالمه عما يسمى بالسوكرة(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪3 -‬نازلة زراعة عضو استؤصل يف القصاص‪:‬‬


‫قصاصا فثبت‪ ،‬هل‬
‫ً‬ ‫تحدث عنها بعض الفقهاء فيما لو أعاد الجاين عضوه المقطوع‬
‫‪ ‬‬

‫يقتص منه مرة أخرى أو ال(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫نصا فقه ًّيا قري ًبا من النازلة‪،‬‬


‫الحالة الثانية‪ :‬أن يجد المجتهد والمفتي يف النازلة ًّ‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫يعينه على فهمها‪ ،‬ويسهل له الحكم عليها‪ ،‬فيجتهد يف إلحاق هذه النازلة بما يشاهبها من‬
‫‪ ‬‬

‫يسمى (بالتخريج)‪.‬‬ ‫المسائل الفقهية؛ ليقيسها عليها‪ ،‬وتأخذ حكمها وهذا َّ‬
‫‪‬‬

‫أمثلة ذلك‪:‬‬
‫‪‬‬

‫‪1 -‬نازلة البوفيه المفتوح‪:‬‬


‫فمقدار ما يؤكل من الطعام غير معلوم؛ ألن الناس يتفاوتون يف مقدار األكل‪.‬‬
‫فمن أجاز َّ‬
‫ورخص يف البوفيه المفتوح من المعاصرين ألحقها بمسألة فقهية سابقة‪،‬‬

‫((( انظر‪ :‬بدائع الصنائع (‪ ،)87/1‬بداية المجتهد (‪ ،)90/1‬الحاوي الكبير (‪ ،)43/1‬المغني (‪.)9/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬حاشية ابن عابدين (‪.)170/4( )345/3‬‬
‫((( انظر‪ :‬األم للشافعي (‪ ،)56/6‬المغني (‪.)325/8‬‬
‫‪450‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫وهي الحمامات التي وقع اإلجماع على جوازها مع جهالة كمية الماء المستهلك؛ ألن‬
‫الناس يتفاوتون يف ذلك‪ ،‬وهذا من باب االستحسان‪.‬‬
‫‪2 -‬مسألة األدوية تكون فيها مادة الكحول المستهلكة‪:‬‬
‫من أجاز استعمال هذه األدوية قاسها على مسألة فقهية سابقة وهي لبن المرأة إذا‬
‫خلطوه بطعام واستهلك فيه‪ ،‬ثم شربه الصبي أنه ال حكم له يف التحريم على األصح األظهر(((‪.‬‬
‫نصا فقه ًّيا ساب ًقا‪ ،‬وال يهتدي إلى شيء‬
‫الحالة الثالثة‪ :‬أن ال يجد المجتهد والمفتي ًّ‬

‫‪   ‬‬


‫من ذلك‪ ،‬فعليه أن يبحث عن حكم النازلة‪ ،‬وذلك باستنباط حكمها من األدلة الشرعية‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس‪ ،‬أو دليل من األدلة المختلف فيها‪ ،‬ويدخل يف ذلك‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫العمل بالمقاصد الشرعية‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وقد أكد القرطبي على أهمية استحضار األدلة والشواهد عند النظر يف النوازل‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فقال‪( :‬الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط األدلة‪ ،‬وإيضاح سبل النظر‪ ،‬وتحصيل‬
‫‪   ‬‬

‫مقدمات االجتهاد‪ ،‬وإعداد اآللة المعينة على االستمداد‪ ،‬فإذا عرضت نازلة أتيت من‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫باهبا‪ ،‬ونشدت يف مظاهنا‪ ،‬واهلل يفتح يف صواهبا)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ويراعي المجتهد يف هذه المرحلة ما تقرر يف أصول الفقه من األدلة المعتربة‬


‫ومراتبها والرتجيح بينها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫المرحلة الثالثة‪ :‬تنزيل األحكام على الوقائع‪:‬‬


‫والمراد هبذه المرحلة‪ :‬تنزيل الحكم الشرعي على الواقعة المعينة ويكون ذلك‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫بتحقيق المناط‪.‬‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وتحقيق المناط نوعان‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫النوع األول‪ :‬تحقيق المناط العام‪ ،‬ويكون بتحقيق المناط يف المسألة الفقهية‬
‫المجردة بغض النظر عن تمثلها يف الواقع‪ ،‬ويمكن أن يقال‪ :‬هو تحقيق للمناط يف األنواع‪.‬‬
‫‪‬‬

‫النوع الثاين‪ :‬تحقيق المناط الخاص‪ ،‬ويكون بتحقيق المناط يف المسألة الفقهية‬
‫باعتبارها قائمة يف الواقع يف وقت معين ومكان معين وشخص معين‪ ،‬ويمكن أن يقال‪:‬‬
‫هو تحقيق المناط يف األعيان واألشخاص‪.‬‬

‫((( انظر‪ :‬المعيار المعرب (‪.)311/6‬‬


‫((( تفسير القرطبي (‪.)333/6‬‬
‫‪451‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ومرحلة تنزيل األحكام على الوقائع تأيت بعد مرحلة تصوير النازلة‪ ،‬وبعد تكييفها‬
‫واالستدالل لها؛ وذلك ألن التصوير والتكييف نظر جزئي خاص للنازلة‪ ،‬أما تنزيل هذا‬
‫الحكم على الوقائع فهو نظر كلي عام‪.‬‬
‫بصيرا بالواقع مدركًا لجزئيات الوقائع‪،‬‬
‫ً‬ ‫وال بد للمجتهد الناظر يف النازلة أن يكون‬
‫قادرا على تطبيقها على الوقائع‪،‬‬
‫فإن حفظ المسائل الفقهية ال يكفي إذا لم يكن الفقيه ً‬
‫وقادرا على االستنباط من القواعد االستنباط الصحيح‪.‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫ضوابط تنزيل األحكام على الوقائع‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫تنزيل األحكام على الوقائع له ضوابط منها‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ -1‬مراعاة عوارض الحال كاإلكراه واالضطرار‪ ،‬وما ينزل منزلته من الحاجيات‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫وعموم البلوى‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -2‬مراعاة المصالح جل ًبا‪ ،‬والمفاسد دف ًعا ورف ًعا‪ ،‬والموازنة بين ذلك ً‬
‫حااًل ً‬
‫ومآاًل‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فتتقدم المصالح الكلية على المصالح الجزئية‪ ،‬والمتيقنة على المتوهمة‪ ،‬والعامة على‬
‫‪    ‬‬

‫الخاصة‪ ،‬والدائمة على العارضة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫مراعاة المآالت‪ ،‬فال ينبغي للناظر يف النوازل التسرع‬ ‫‪-3‬‬


‫بالحكم والفتيا إال بعد النظر إلى ما يئول إليه الفعل‪ ،‬والنظر يف‬
‫‪ ‬‬

‫كالم الشاطبي يف نظر المجتهد‬ ‫المآالت أصل ثابت يف الشريعة‪.‬‬


‫‪ -4‬مراعاة العوائد واألعراف وهو‪ :‬ما‬
‫‪   ‬‬

‫للمآالت‬
‫استقر يف النفوس من‬
‫َّ‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫جهة العقول وتلقته الطباع السليمة بالقبول‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ولمراعاة العوائد واألعراف أهمية كبيرة يف ضبط الفتوى يف النوازل‪ ،‬لكوهنا أحد‬
‫‪‬‬

‫األمور التي يناط هبا الحكم الشرعي‪ ،‬وقد تقدم تفصيلها مع أمثلتها(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)431‬‬


‫‪452‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫ضوابط مراعاة العوائد واألعراف‪:‬‬


‫وقد وضع علماء األصول عد ًدا من الضوابط للعمل بقاعدة (العادة محكمة)‪،‬‬
‫وهي متعلقة بمراعاة العوائد واألعراف(((‪ ،‬ومنها‪:‬‬
‫‪ -1‬أن يكون العرف مطر ًدا أو غال ًبا‪.‬‬
‫‪ -2‬أن يكون العرف المراد تحكيمه يف التصرفات ً‬
‫قائما عند إنشائها‪.‬‬
‫تصريح بخالفه‪.‬‬
‫ٌ‬ ‫العرف‬
‫َ‬ ‫‪ -3‬أن ال يعارض‬

‫‪   ‬‬


‫ً‬
‫تعطياًل له‪.‬‬ ‫نص شرعي بحيث يكون العمل بالعرف‬ ‫‪ -4‬أن ال يعارض العرف ٌّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬املوافقات (‪.)200-177/5‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬اإلحكام فـي متييز الفتاوى عن األحكام (ص‪.)244-243 ،227-218‬‬


‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)205-204/4‬‬
‫‪ -‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية املعاصرة (ص‪.)573-84‬‬
‫‪ -‬حبوث ندوة «حنو منهج علمي أصيل لدراسة القضايا الفقهية املعاصرة»‬
‫(‪.)١٥٩٦ ،١٣١٨/٣ ،٨٩١/٢ ،٣٧٦/١‬‬
‫‪ -‬مراحل النظر يف النازلة الفقهية (ص‪.)٢٣-٨‬‬

‫((( تقدم تفصيلها‪ ،‬انظر‪( :‬ص‪.)240-239‬‬


‫‪453‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫االجتهاد الفردي واجلماعي‬

‫ينقسم االجتهاد بالنظر إلى المجتهدين إلى قسمين (فردي ‪ -‬جماعي)‪:‬‬

‫القسم األول‪ :‬االجتهاد الفردي‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫المراد باالجتهاد الفردي‪ :‬هو أن يستقل كل مجتهد برأيه وفهمه يف اجتهاده‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وهو االجتهاد المعروف المشهور عند علماء األصول‪ ،‬وقد سبق الكالم عن تعريفه‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وأركانه وشروطه ومراتب المجتهدين(((‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫القسم الثاني‪ :‬االجتهاد اجلماعي‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهذا القسم هو المراد هبذه المسألة‪ ،‬وفيها يبحث‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪1‬تعريفه‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪2‬تاريخه ونشأته‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪3‬الفرق بين اإلجماع األصولي واالجتهاد الجماعي‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪4‬أهميته‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪5‬شروط عضو االجتهاد الجماعي‪.‬‬ ‫‪-‬‬


‫‪6‬االجتهاد الجماعي يف النوازل ومؤسساته‪.‬‬ ‫‪-‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ً‬
‫‪ ‬‬

‫أواًل‪ :‬تعريف االجتهاد اجلماعي‪:‬‬


‫االجتهاد الجماعي وإن كان واق ًعا يف عصر الخلفاء الراشدين وعصر الدولة‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫األموية‪ ،‬إال أن هذا المصطلح يعترب من المصطلحات المعاصرة‪ ،‬فعلماء األصول‬


‫‪‬‬

‫ًّ‬
‫مستقاًّل يف أصول الفقه‪،‬‬ ‫ً‬
‫فصاًل‬ ‫خاصا به‪ ،‬أو يجعلوا له با ًبا أو‬ ‫ًّ‬
‫مستقاًّل ًّ‬ ‫لم يفردوا له بح ًثا‬
‫عرفه المعاصرون‬
‫وإنما جاء حديثهم عنه ضمن مسائل متفرقة يف أكثر من موضوع‪ ،‬وقد ّ‬
‫بتعريفات مختلفة؛ منها‪ :‬أن االجتهاد الجماعي هو (استفراغ جمهور أهل العلم وسعهم‬
‫يف درك الحكم الشرعي‪ ،‬واتفاقهم عليه بعد التشاور فيه)(((‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪( ،)397‬ص‪.)460-410‬‬


‫((( انظر‪ :‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية المعاصرة (ص‪.)234‬‬
‫‪454‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫ثان ًيا‪ :‬تاريخ االجتهاد اجلماعي ونشأته‪:‬‬


‫مر االجتهاد الجماعي بأربع مراحل تاريخية‪:‬‬
‫املرحلة األوىل‪ :‬عصر الصحابة وبعض السلف‪:‬‬
‫منهجا متب ًعا يف عهد‬
‫هذه الفرتة هي الفرتة البارزة يف العمل باالجتهاد الجماعي‪ ،‬فقد كان ً‬
‫أبي بكر وعمر ﭭ‪ ،‬ولم ينكره أحدٌ من الصحابة ﭫ؛ فكان ذلك موافقة منهم على فعلهما‪.‬‬
‫بكر ﭬ‪ ،‬إذا ورد عليه الخصم نظر يف كتاب اهلل‪ ،‬فإن وجد فيه ما‬ ‫(فقد كان أبو ٍ‬

‫‪   ‬‬


‫يقضي بينهم قضى به‪ ،‬وإن لم يكن يف الكتاب‪ ،‬وعلم من رسول اهلل ﷺ يف ذلك األمر‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫سنّ ًة ‪ ...‬فإن أعياه أن يجد فيه سنّ ًة من رسول اهلل ﷺ‪ ،‬جمع رؤوس النّاس وخيارهم‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫فاستشارهم‪ ،‬فإذا اجتمع رأيهم على ٍ‬

‫‪   ‬‬


‫أمر‪ ،‬قضى به)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫وكان عمر إذا لم يجد يف القضية كتا ًبا وال سنة وال قضاء من أبي بكر‪ ،‬دعا رؤوس‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المسلمين وعلماءهم فاستشارهم‪ ،‬فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقد حرص عمر ﭬ على أن يكون هذا المنهج الجماعي يف االجتهاد هو‬
‫‪    ‬‬

‫األسلوب الذي ينبغي أن يسير عليه الوالة يف األقاليم‪ ،‬فقد كان يوصي والته باتباع هذا‬
‫‪    ‬‬

‫األسلوب(((‪ ،‬يجمعون يف المسجد رؤوس الناس من ذوي الرأي يستشيروهنم يف األمور‬


‫الخطيرة‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫والمتأمل فيما كان يعمله الخلفاء الراشدون لالجتهاد يف القضايا المستجدة التي‬
‫ليس فيها نص من كتاب أو سنة نجد أنه يف حقيقته ليس إال اجتها ًدا جماع ًّيا؛ ألن الذين كان‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫يجمعهم أبو بكر وعمر ﭭ وقت عرض الحادثة ما كانوا جميع رؤوس المسلمين وخيارهم‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫كبيرا من مجتهدي الصحابة كانوا يف مكة والشام واليمن ويف ميادين الجهاد‪.‬‬ ‫ألن عد ًدا ً‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وقد اقتفى أثر الصحابة يف ذلك المنهج الجماعي لالجتهاد الخليفة عمر بن عبد العزيز‪.‬‬
‫‪‬‬

‫وهو ما سار العمل عليه يف بعض عصور الدولة األموية باألندلس أيام يحيى بن‬
‫مجلسا للشورى للنظر يف المشاكل الفقهية‪ ،‬وكان‬ ‫ً‬ ‫يحيى الليثي رئيس قضاهتا‪ ،‬فقد أنشأ‬
‫عضوا‪.‬‬
‫ً‬ ‫أعضاء هذا المجلس يف بعض األوقات ستة عشر‬

‫((( أخرجه الدارمي يف سننه (‪ ،)163‬والبيهقي يف الكربى (‪ ،)20367‬واإلسماعيلي يف معجم أسامي شيوخه (‪.)417/1‬‬
‫((( انظر‪ :‬أعالم الموقعين (‪.)115/2‬‬
‫((( المرجع السابق‪.‬‬
‫‪455‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫املرحلة الثانية‪ :‬بعد عصر الصحابة وبعض عصور الدولة األموية‪:‬‬


‫ويف تلك المرحلة انتشر االجتهاد الفردي على حساب االجتهاد الجماعي‪ ،‬وساعد‬
‫على هذا تفرق المجتهدين يف األقطار؛ مما يصعب معه اجتماعهم وتشاورهم‪ ،‬فاستمر‬
‫االجتهاد الفردي‪ ،‬وقد يكون السبب يف ذلك عدم وجود الحاجة إلى االجتهاد الجماعي‪.‬‬
‫املرحلة الثالثة‪ :‬فـي القرون املتأخرة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وفيها حصل فتور يف االجتهاد عمو ًما وندر وجود االجتهاد الجماعي؛ وذلك لعدد‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أهمها‪ :‬أن أتباع المذاهب األربعة رأوا أن يف تفريعات المذاهب الفقهية‬
‫من األسباب من ِّ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫مما أدى إلى شيوع التقليد‪ ،‬وابتعاد الكثيرين عن التبحر يف العلوم التي تؤهل‬
‫‪     ‬‬ ‫غنًى وكفاية؛ َّ‬

‫‪   ‬‬


‫لالجتهاد‪ ،‬وانتشار التعصب المذهبي‪ ،‬واإلفتاء بغلق باب االجتهاد‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وإذا كان القول بسد باب االجتهاد قد قصد به يف البداية منع االجتهاد الفردي إلبعاد‬
‫‪   ‬‬

‫َمن ليسوا ً‬
‫أهاًل لالجتهاد من دائرته‪ ،‬فإن األمر بعد ذلك قد أسيء فهمه؛ مما أدى إلى منع‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫االجتهاد مطل ًقا‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫وقام بعض العلماء بالرد على هذه الدعوى‪ ،‬ومن أشهر من قام بذلك جالل الدين‬
‫السيوطي ‪ $‬فقد ألف كتابه‪( :‬الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد‬
‫‪ ‬‬

‫يف كل عصر فرض)‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬

‫املرحلة الرابعة‪ :‬االجتهاد اجلماعي فـي العصر احلديث‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أواًل‪ :‬ظهور الدعوة إلى إحياء االجتهاد الجماعي يف األمة‪:‬‬


‫ً‬
‫‪ ‬‬

‫يف منتصف القرن الرابع عشر الهجري بدأت الدعوة إلحياء االجتهاد الجماعي؛‬
‫‪‬‬

‫فقد أدرك علماء اإلسالم التآمر المحدق بالشريعة اإلسالمية‪ ،‬وإقصاءها عن التشريع يف‬
‫‪‬‬

‫الكثير من األقطار العربية واإلسالمية‪ ،‬كما أدركوا أيضا كثرة الحوادث والمستجدات‬
‫التي ليس فيها رأي للعلماء السابقين‪ ،‬كما أن هذه المستجدات تحمل يف طياهتا الكثير‬
‫من التداخل بين القضايا والتشابك بين العلوم؛ مما يجعل االجتهاد فيها ال بد أن يكون‬
‫جماع ًّيا حتى يحقق غايته‪.‬‬

‫‪456‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫وقد دعا إلى ضرورة إحياء االجتهاد الجماعي يف األمة اإلسالمية جماعة من‬
‫العلماء المعاصرين‪.‬‬
‫يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ‪( :$‬فاالجتهاد فرض كفاية على األمة‬
‫بمقدار حاجة أقطارها وأحوالها‪ ،‬وقد أثمت األمة بالتفريط فيه مع االستطاعة و ُم ْكنَة‬
‫األسباب واآلالت‪ ...‬وإن أقل ما يجب على العلماء يف هذا العصر أن يبتدئوا به من هذا‬
‫الغرض العلمي هو أن يسعوا إلى جمع مجمع علمي يحضره من أكرب العلماء بالعلوم‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫الشرعية يف كل قطر إسالمي على اختالف مذاهب المسلمين يف األقطار‪ ،‬ويبسطوا بينهم‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫حاجات األمة‪ ،‬ويصدروا فيها عن وفاق فيما يتعين عمل األمة عليه‪ ،‬ويعلموا أقطار‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اإلسالم بمقرراهتم‪ ،‬فال أحسب أحدً ا ينصرف عن اتباعهم)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫((( مقاصد الشريعة اإلسالمية (‪.)395-394/3‬‬


‫‪457‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثان ًيا‪ :‬تأسيس اجملامع الفقهية‪:‬‬


‫أثمرت هذه الدعوات المخلصة يف قيام ثالثة مجامع فقهية وهي‪:‬‬
‫‪1 -‬مجمع البحوث اإلسالمية بالقاهرة الذي أنشئ سنة ‪1969‬م‪.‬‬
‫‪2 -‬المجمع الفقهي اإلسالمي بمكة المكرمة الذي تأسس عام ‪1393‬هـ‪.‬‬
‫‪3 -‬مجمع الفقه اإلسالمي بجدة الذي تأسس عام ‪1401‬هـ‪.‬‬
‫وظهرت يف العالم اإلسالمي مجامع فقهية وهيئات علمية أخرى سيأيت ذكرها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ثال ًثا‪ :‬الفرق بني اإلمجاع األصولي واالجتهاد اجلماعي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫تقدم الكالم يف مدى حجية االجتهاد الجماعي‪ ،‬وإمكانية تحقق اإلجماع به(((‪،‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫وربما اشتبه االجتهاد الجماعي باإلجماع األصولي‪ ،‬ولكن المتأمل يف حقيقتهما يجد‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫أن هناك ستة فروق رئيسة بينهما‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفرق األول‪ :‬اإلجماع األصولي أساسه اتفاق جميع المجتهدين حتى تثبت‬
‫‪   ‬‬

‫العصمة‪ ،‬ويتحقق به القطع‪ ،‬وتلزم حجيته األمة‪ ،‬أما االجتهاد الجماعي فيكفي لوجوده‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اتفاق جماعة من المجتهدين‪ ،‬فال تثبت له العصمة‪ ،‬وال يتحقق به القطع‪ ،‬وال تلزم حجيته‬
‫‪    ‬‬

‫األمة‪ ،‬إال إذا ألزم به ولي األمر‪.‬‬


‫الفرق الثاين‪ :‬اإلجماع األصولي ال يكون مذه ًبا؛ ألن تح ُّققه ال يكون إال باتفاق‬
‫‪ ‬‬

‫جميع المجتهدين من كل المذاهب‪ ،‬واالجتهاد الجماعي قد يكون مذه ًبا‪ ،‬وقد يكون رأ ًيا‬
‫يتفق عليه بعض المجتهدين يف عدد من المذاهب‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الفرق الثالث‪ :‬اإلجماع األصولي ال يتعدد يف الموضوع الواحد يف العصر الواحد‪،‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫واالجتهاد الجماعي قد يتعدد يف الموضوع الواحد ويف العصر الواحد‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫الفرق الرابع‪ :‬اإلجماع األصولي يلزم األمة بذاته‪ ،‬واالجتهاد الجماعي ال يكتسب‬
‫‪‬‬

‫عنصر اإللزام من نفسه‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الفرق الخامس‪ :‬اإلجماع األصولي هو إجماع المجتهدين يف الشريعة‪ ،‬أما أهل‬


‫العلوم األخرى من ذوي الخربة وأصحاب الرأي فال يدخلون يف أهل اإلجماع‪ ،‬أما‬
‫االجتهاد الجماعي فيضم أهل االجتهاد يف الشريعة وأصحاب االختصاص يف الموضوع‬
‫المجتهد فيه من وجهة النظر الشرعية‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)203-191‬‬


‫‪458‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الفرق السادس‪ :‬اإلجماع األصولي عام يف الزمان والمكان إال إذا كان مستنده‬
‫المصلحة المتغيرة‪ ،‬واالجتهاد الجماعي من طبيعته أال يكون عا ًّما يف الزمان والمكان يف‬
‫غالب أحواله‪.‬‬
‫راب ًعا‪ :‬أهمية االجتهاد اجلماعي فـي العصر احلاضر‪:‬‬
‫بأمس‬
‫ِّ‬ ‫االجتهاد الجماعي له أهمية بالغة يف العصر الحاضر‪ ،‬واألمة اإلسالمية‬
‫وخصوصا مع التقدم الهائل يف وسائل المواصالت واالتصاالت والتقنيات‬
‫ً‬ ‫الحاجة إليه‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫الحديثة‪ ،‬واختالط الشعوب اإلسالمية بغيرها من شعوب العالم‪ ،‬ووجود أقليات‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مسلمة تعيش يف بالد غير إسالمية؛ مما نتج عنه قضايا ومشكالت ومستجدات كثيرة‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومتسارعة‪ ،‬يحتاج المسلمون فيها إلى معرفة الحكم الشرعي لتلك القضايا والنوازل‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وتتلخص أهمية االجتهاد الجماعي يف الجوانب اآلتية‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪1-‬يتحقق يف االجتهاد الجماعي مبدأ الشورى الذي د َّلت النصوص الشرعية على‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مشروعيته؛منهاقولهتعالى‪﴿:‬ﮞﮟﮠ﴾[الشورى‪.]٣٨:‬وقوله‪﴿:‬ﭭﭮﭯ﴾‬
‫‪    ‬‬

‫[آل عمران‪ .]١٥٩ :‬وذلك أن أعضاء المجلس االجتهادي يمارسون الشورى بتبادل اآلراء‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وتمحيص األفكار‪ ،‬وتقليبها على كل الوجوه‪ ،‬حتى يصلوا إلى رأي يتفقون عليه‪ ،‬أو‬
‫ترجحه األغلبية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫نظرا لتعدد‬ ‫ً‬


‫وشمواًل للقضية المطروحة‪ً ،‬‬ ‫‪2-‬االجتهاد الجماعي يكون أكثر استيعا ًبا‬
‫‪   ‬‬

‫الرؤى واألفكار المشرتكة يف اتخاذ الحكم؛ مما يجعل استنباط الحكم أكثر د َّقة وأكثر‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫إصابة؛ وذلك ألن رأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الفرد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪3-‬تمثل مخرجات االجتهاد الجماعي أحد األدوات التي قد تسهم بشكل كبير‬
‫‪‬‬

‫وف ّعال يف تحرير األحكام الفقهية المتعلقة بالنوازل المعاصرة‪ ،‬مما يعيد للفقه اإلسالمي‬
‫‪‬‬

‫حيويته وقدرته على مواجهة المشكالت المعاصرة‪.‬‬


‫‪4-‬االجتهاد الجماعي يسهم يف سد الفراغ الحاصل بسبب توقف اإلجماع؛ حيث‬
‫إن اتفاق جمع كبير من المجتهدين أو األغلبية منهم على حكم شرعي سيؤدي إلى أحكام‬
‫شرعية تكون يف قوهتا ودقتها أقرب إلى قوة اإلجماع منها إلى قوة االجتهاد الفردي‪،‬‬
‫ويمكن أن يكون الجسر الذي يوصل إلى اإلجماع التام فيما بعد‪.‬‬
‫‪459‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫‪5-‬االجتهاد الجماعي ينظم االجتهاد ويمنع توقفه‪ ،‬وهو من أهم محفزات العملية‬
‫االجتهادية والفقهية يف الوقت الحالي‪ ،‬كما أنه يساعد على قصر االجتهاد على المتأهلين‬
‫له‪ ،‬وإقصاء من ليسوا بأهله‪.‬‬
‫‪6-‬االجتهاد الجماعي سبيل إلى توحيد األمة وتضامنها‪ ،‬وذلك باجتماع كلمة العلماء‪،‬‬
‫وتوحيد الرؤى والمواقف‪ ،‬واالتفاق يف األحكام الشرعية‪ ،‬والناس تبع لعلمائهم يف ذلك‪.‬‬
‫خامسا‪ :‬شروط عضو االجتهاد اجلماعي‪:‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫ال يشرتط يف عضو االجتهاد الجماعي أن يكون مجتهدً ا مطل ًقا‪ ،‬والمجتهد المطلق‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫قادرا على االجتهاد يف جميع أبواب الفقه ومسائله‪،‬‬ ‫كما سبق بيانه هو الذي يكون ً‬
‫(((‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫قادرا على‬ ‫‪     ‬‬
‫والمجتهد الجزئي أو المجتهد الخاص هو الذي يحصل له من العلم ما يجعله ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫االجتهاد يف بعض أبواب العلم دون غيرها‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ويكفي يف عضو االجتهاد الجماعي أن يكون مجتهدً ا جزئ ًّيا‪ ،‬وهذا التخفيف‬
‫‪   ‬‬

‫ميسورا على طالبه وغير متعذر؛ ألن تحصيل ذلك‬‫ً‬ ‫يجعل الوصول إلى إمكانية االجتهاد‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المستوى من العلم ممكن يف عصرنا الحاضر مع وجود التخصصات يف العلوم الشرعية‬


‫‪    ‬‬

‫وانتشار الكليات والمعاهد واألقسام العلمية المتخصصة‪ ،‬وتوفرت يف هذا العصر‬


‫الوسائل واإلمكانات العلمية‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وهذا القول اختاره أكثر الفقهاء المعاصرين‪ ،‬وبناء على هذا القول فيشرتط يف عضو‬
‫االجتهاد الجماعي أن تتوفر فيه شروط المجتهد الجزئي أو المجتهد الخاص كحد أدنى‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫للقيام باالجتهاد‪ ،‬وقد سبق ذكر شروطه(((‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وأما بقية أعضاء مجلس االجتهاد الجماعي من المتخصصين يف العلوم األخرى؛‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫كاالقتصاد‪ ،‬والرتبية‪ ،‬واالجتماع‪ ،‬والطب‪ ،‬وغير ذلك من الخرباء الذين يستعين هبم علماء‬
‫الشريعة يف تصوير ومعرفة فقه الواقع للنوازل والمستجدات‪ ،‬فهؤالء الخرباء ال يشرتط‬
‫‪‬‬

‫فيهم توافر شروط االجتهاد‪ ،‬وإنما ينبغي أن يكونوا من الخرباء البارعين والمتميزين يف‬
‫تخصصاهتم المساعدة للعلماء المجتهدين‪ ،‬ويكون دورهم يف الوقائع والنوازل الجديدة‬
‫هو التصوير والتكييف والبيان والتحديد الدقيق للقضايا محل االجتهاد‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)452-415‬‬


‫((( انظر‪( :‬ص‪.)460-423‬‬
‫‪460‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫سادسا‪ :‬االجتهاد اجلماعي فـي النوازل ومؤسساته‪:‬‬


‫ً‬
‫إذا كان االجتهاد ضرور ًّيا يف القرون السابقة‪ ،‬فهو أكثر ضرورة يف الوقت الحالي؛‬
‫كبيرا‪ ،‬وتطورت‬
‫تغيرا ً‬
‫ذلك أن األوضاع الحياتية قد تغيرت عما كانت عليه يف الماضي ً‬
‫مذهاًل‪ ،‬وبخاصة فيما يتعلق بالمعامالت‪ ،‬ونتج عن ذلك ظهور قضايا‪ ،‬ونوازل‬ ‫ً‬ ‫تطورا‬
‫ً‬
‫جديدة لم تكن موجودة من قبل‪ ،‬مما يوجب مواجهتها باجتهادات فردية من العلماء‬
‫المجتهدين‪ ،‬واجتهادات جماعية من مؤسسات االجتهاد الجماعي‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫أيضا ذات تعقيدات‬‫وإذا كانت النوازل المستجدة يف العصر الحاضر كثيرة‪ ،‬فإهنا ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومالبسات وتداخالت بعلوم ومعارف أخرى‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫فاالجتهاد الجماعي يف النوازل مطلب حاجي ال بد منه يف هذا العصر‪ ،‬حتى تتسع‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشريعة وتشمل الكثير من القضايا االقتصادية‪ ،‬والعلمية‪ ،‬والطبية واالجتماعية والسياسية‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وكل ماله صلة بالحياة اليومية‪ ،‬وال بد للبحث فيها ودراستها دراسة علمية مفيدة من تصور‬
‫‪   ‬‬

‫صحيح‪ ،‬واستيفاء كامل لكافة جوانبها الواقعية والعلمية والشرعية‪ ،‬ولن يتم ذلك إال عرب‬
‫‪    ‬‬

‫االجتهاد الجماعي‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مؤسسات االجتهاد الجماعي‪:‬‬


‫ظهر يف هذا العصر مؤسسات االجتهاد الجماعي وهي مؤسسات حكومية‪ ،‬أو‬
‫‪ ‬‬

‫مستقلة تضم نخبة من علماء الشريعة‪ ،‬ويناط هبا النظر يف القضايا والنوازل َوفق آليات‬
‫وضوابط خاصة‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وهذه المؤسسات منها ما يغلب عليه الطابع المحلي كدور اإلفتاء يف بلدان العالم‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫اإلسالمي‪ ،‬ومنها ما يكون عا ًّما للعالم اإلسالمي كمجمع الفقه اإلسالمي الدولي بجدة‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫والمجمع الفقهي اإلسالمي بمكة المكرمة‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ً‬
‫وعاماًل‬ ‫وحتى تحقق المجامع الفقهية ثمارها‪ ،‬وتكون نافعة يف مصلحة األمة‪،‬‬
‫‪‬‬

‫مهما لتأكيد خلود أحكام الشريعة وشمولها‪ ،‬فإن عليها أن تراعي عند إنشائها وتكوينها‬‫ًّ‬
‫األهداف العلمية والعملية‪.‬‬
‫أهداف المجامع الفقهية والعلمية‪:‬‬
‫أواًل‪ :‬جمع كلمة األمة اإلسالمية؛ وذلك من خالل تدبر أحوالها‪ ،‬ودراسة أوضاعها‪،‬‬
‫ً‬
‫وفحص قضاياها‪ ،‬وإيجاد الحلول المناسبة لها عن طريق االجتهاد الجماعي‪.‬‬
‫‪461‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثان ًيا‪ :‬بيان حكم اهلل ‪ ۵‬يف النوازل المستجدة التي لم يسبق بحثها من قبل الفقهاء‬
‫السابقين‪ ،‬أو ترجيح بعض األقوال المختلفة‪ ،‬والتي تحتاج األمة أن تختار منها ما يحقق‬
‫المصلحة الغالبة العامة‪.‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬إثراء المجتمع اإلسالمي باالجتهادات الجماعية المتنوعة التي تعالج‬
‫مشكالت األمة يف شتى جوانب حياهتا اإلنسانية واالجتماعية‪ ،‬مع االلتزام بثوابت الشريعة‬
‫اإلسالمية وضوابطها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫أبزر وأشهر مؤسسات االجتهاد الجماعي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫يوجد يف العالم اإلسالمي جملة من مؤسسات االجتهاد الجماعي‪ ،‬وال يكاد يخلو‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫بلد إسالمي من مؤسسة أو أكثر غير أن أشهرها ما يأيت‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ -1‬مجمع الفقه اإلسالمي الدولي بجدة‪ ،‬التابع لمنظمة التعاون اإلسالمي‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -2‬المجمع الفقهي اإلسالمي بمكة المكرمة‪ ،‬التابع لرابطة العالم اإلسالمي‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -3‬هيئة كبار العلماء يف المملكة العربية السعودية‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -4‬اللجنة الدائمة للبحوث العلمية واإلفتاء بالمملكة العربية السعودية‪ ،‬وهي‬


‫‪    ‬‬

‫متفرعة عن هيئة كبار العلماء‪.‬‬


‫‪ -5‬مجمع البحوث اإلسالمية باألزهر يف مصر‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -6‬المجلس اإلسالمي األعلى بتونس‪.‬‬


‫‪ -7‬المجلس العلمي األعلى بالمغرب‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -8‬مجلس الفكر اإلسالمي يف باكستان‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -9‬مجمع الفقه اإلسالمي السوداين‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -10‬هيئة الفتوى يف الكويت‪.‬‬


‫‪ -11‬مجمع فقهاء الشريعة بأمريكا‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -12‬المجلس األوروبي لإلفتاء والبحوث بإيرلندا‪.‬‬


‫‪ -13‬مجمع الفقه اإلسالمي يف الهند‪.‬‬
‫وهذه المؤسسات العلمية تحكمها أنظمة ولوائح داخلية تختلف من مؤسسة‬
‫إلى أخرى‪ ،‬لكنها جمي ًعا تعتمد منهج االجتهاد الجماعي القائم على التشاور والتذاكر‬
‫يف القضايا والنوازل المطروحة للنقاش وإبداء الرأي‪ ،‬ويتبع هذه المؤسسات يف الغالب‬
‫‪462‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫لجان للبحوث الشرعية تمدها بما تحتاج إليه من الدراسات والبحوث المتخصصة‪،‬‬
‫وقد تستعين بذوي االختصاص والخرباء من اقتصاديين أو أطباء من أجل إعطاء التصور‬
‫الدقيق للواقعة والنازلة الجديدة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬االجتهاد اجلماعي ودور اجملامع الفقهية فـي تطبيقه (ص‪.)220-65‬‬


‫‪ -‬االجتهاد اجلماعي فـي التشريع اإلسالمي (ص‪( )92-43‬ص‪.)142 -125‬‬
‫‪ -‬حبوث االجتهاد فـي الشريعة اإلسالمية (ص‪.)256-253‬‬
‫‪ -‬منهج استنباط أحكام النوازل الفقهية املعاصرة (ص‪.)258-228‬‬
‫‪ -‬أصول التشريع اإلسالمي (ص‪.)130-127‬‬
‫‪ -‬أحباث ندوة االجتهاد اجلماعي فـي العامل اإلسالمي (‪.)279-272/1‬‬
‫‪ -‬النوازل األصولية (ص‪.)55-53‬‬
‫‪463‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫عالقة التقليد باملصطلحات ذات الصلة‬

‫من األلفاظ ذات الصلة بالتقليد‪ :‬االتباع‪.‬‬


‫ً‬
‫أواًل‪ :‬معنى االتباع‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫أصله من تبع‪ ،‬وهو أصل يدل على ال ُّت ُلو والقفو‪ ،‬ومنه يقال‪ :‬تبعت فالنًا إذا تلوته‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫واتبعته ولحقته‪ ،‬وتبعه يف كذا إذا وافقه عليه‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬عالقة االتباع بالتقليد‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫للعلماء يف إبراز العالقة بين التقليد واالتباع منهجان‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المنهج األول‪ :‬من ال يفرق بين التقليد واالتباع‪ ،‬وهذا الظاهر من صنيع ابن قدامة‬
‫‪   ‬‬

‫وأكثر األصوليين‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المنهج الثاين‪ :‬من يفرق بينهما‪ ،‬واختار هذا بعض األصوليين كابن القيم‪ ،‬وهؤالء‬
‫‪    ‬‬

‫فرقوا من جهتين‪:‬‬
‫الجهة األولى‪ :‬جهة حقيقة كل منهما‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫فالتقليد معناه‪ :‬الرجوع إلى قول ال حجة لقائله عليه‪ ،‬واالتباع‪ :‬ما ثبت عليه حجة‪.‬‬
‫وعلى هذا فيندرج يف االتباع ما يلي‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -1‬اتباع من قوله حجة يف نفسه‪ ،‬كالرسول ﷺ واإلجماع‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬اتباع من له حجة على قوله‪ ،‬كالمجتهد الذي له حجة ودليل على قوله‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الجهة الثانية‪ :‬من جهة الحكم‪:‬‬


‫فالتقليد مذموم وممنوع منه يف الشرع بخالف االتباع‪.‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬مقاييس اللغة (‪ )362/1‬مادة (تبع)‪.‬‬
‫‪ -‬املصباح املنري (‪ )72/1‬مادة (تبع)‪.‬‬
‫‪ -‬جامع بيان العلم وفضله (‪.)998-975 ،787/2‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)139-137/2‬‬
‫‪464‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫شروط التقليد‬

‫عرف ابن قدامة التقليد بأنه‪( :‬قبول قول الغير من غير حجة)(((‪ ،‬وب ّين ما يسوغ فيه التقليد‬
‫وما ال يسوغ(((‪ ،‬وقد وضع أهل العلم ضوابط كثيرة للتقليد‪ ،‬أبرزها أربعة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫ضوابط التقليد‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الضابط األول‪ :‬أن يعلم املقلد أن َّ‬
‫املقلد من أهل االجتهاد‪ ،‬فيصح تقليده له‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وقد ذكره ابن قدامة يف الروضة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الضابط الثاني‪ :‬أال يكون املقلد ممن ميكنه االجتهاد‪ ،‬ويسعفه الوقت لذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫فإنه إذا كان مجتهدً ا لم يجز له تقليد غيره إال فيما ضاق عليه وقته‪ ،‬واحتاج لقول فيه‬
‫‪    ‬‬

‫وليس له قول؛ كما ضبطه أهل العلم رضوان اهلل عليهم‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الضابط الثالث‪ :‬أال يكون غرض املقلد تتبع الرخص بتقليد من يوافق هواه‪.‬‬
‫اإلجماع على ذم ذلك‪.‬‬
‫َ‬ ‫حيث نقل العلماء‬
‫‪ ‬‬

‫الضابط الرابع‪ :‬أال يظهر للمقلد نص واضح من كتاب أو سنة خيالف ما يقلده‪.‬‬
‫والمقلد يف هذا على قسمين‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫األول‪ :‬أن يكون للمقلد حظ من أدوات النظر واالستدالل‪ ،‬بحيث يستطيع هبا التمييز‬
‫‪ ‬‬

‫نصا يخالف َمن يقلده‬


‫بين مدلوالت النصوص‪ ،‬وإن قصر عن درجة المجتهد‪ ،‬فإذا رأى أن ًّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫سواء كان َمن تمذهب بمذهبه أو استفتاه فأفتاه‪ ،‬فإنه يلزمه أن يرجع إلى قول من يقول‬
‫‪‬‬

‫بمقتضى النص من األئمة‪ ،‬وإن خالف مذهب إمامه‪.‬‬


‫لكن إذا لم يجد من قال بمقتضى النص على ما فهم هو منه فال يجوز له ذلك‪،‬‬
‫وفهما لم ُيسبق إليه‪.‬‬
‫ً‬ ‫وإال كان مبتد ًعا ً‬
‫قواًل‬

‫((( روضة الناظر (‪.)747/2‬‬


‫((( انظر‪ :‬روضة الناظر‪.)748-747/2( :‬‬
‫‪465‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الثاين‪ :‬أن يكون عام ًّيا ليس له حظ من أدوات النظر‪ ،‬وهذا ال يلزمه الرجوع للنص إال‬
‫واضحا يستطيع مثله فهمه‪ ،‬أو يوضحه له أحد أهل العلم فيتضح ويفهمه‪ ،‬ويفهم‬
‫ً‬ ‫نصا‬
‫أن يكون ًّ‬
‫وجه مخالفته له‪ ،‬حينئذ يرجع إليه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬أدب املفيت واملستفيت (ص‪.)158‬‬


‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)73-68‬‬
‫‪ -‬آداب الفتوى واملفيت واملستفيت (ص‪.)86- 71‬‬
‫‪ -‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)230-220 ،18-15/20‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)140-129/2‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)662-506/3‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)555-529/4‬‬
‫‪ -‬التمذهب دراسة نظرية نقدية (‪.)120-93/1‬‬
‫‪466‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫تتبع رخص املفتني حكمه وأثره‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف تتبع الرخص‪:‬‬
‫تتبع الرخص مركب من كلمتين‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬تتبع‪ :‬وهي مأخوذ من كلمة تبع‪ ،‬وقد سبق بيان معناها إال أن التتبع بالتشديد‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫يدل على مزيد يف المعنى‪ ،‬ف َت َت َّب ْع ُت الشيء تتب ًعا‪ ،‬أي تطلبته متتب ًعا له‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الرخص‪ :‬أصل الكلمة رخص‪ :‬يدل على اللين والتسهيل‪ ،‬والرخصة يف األمر‬
‫ثان ًيا‪ُّ :‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫خالف التشديد‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمراد بتتبع الرخص‪ :‬أن يختار من األقوال والمذاهب ما هو أيسر عليه وأهون‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أن يعمد المكلف يف كل مسألة مختلف فيها إلى أهون األقوال وأيسرها عليه‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫فيختاره ويعمل به‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬حكم تتبع الرخص‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫اتفق العلماء على أن تتبع الرخص يف أقوال العلماء محرم شر ًعا‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫قال األوزاعي‪( :‬من أخذ بنوادر العلماء خرج من اإلسالم)(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫وقال اإلمام أحمد‪ :‬سمعت يحيى القطان يقول‪( :‬لو أن ً‬


‫رجاًل عمل بكل رخصة‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫بقول أهل المدينة يف السماع؛ يعني‪ :‬يف الغناء‪ ،‬وبقول أهل الكوفة يف النبيذ‪ ،‬وبقول أهل‬
‫مكة يف المتعة لكان فاس ًقا)(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫وقال سليمان التيمي‪( :‬لو أخذت برخصة كل عالم ‪-‬أو قال‪َ :‬ز ّلة كل عالم‪ -‬اجتمع‬
‫فيك الشر كله)(((‪.‬‬

‫((( السنن الكربى للبيهقي (‪.)20918‬‬


‫((( مسائل اإلمام أحمد رواية عبد اهلل (ص‪.)1632‬‬
‫((( المسودة فـي أصول الفقه (ص‪.)519‬‬
‫‪467‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫راب ًعا‪ :‬أدلة حتريم تتبع الرخص‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬أن تتبع الرخص يفضي إلى تتبع ما هتواه النفس‪ ،‬وقد هنى الشرع عن‬
‫اتباع الهوى‪ ،‬ويف القرآن الكريم ضابط ينفي اتباع الهوى‪ ،‬وهو قوله تعالى‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ ﴾ [النساء‪ ،]59 :‬فقد أمر اهلل بالرد إلى الشرع ال إلى الهوى‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬أن تتبع الرخص يؤدي إلى إسقاط التكليف يف األوامر والنواهي؛ ألن‬
‫للمكلف حينئذ أن يفعل ما يشاء ويختار ما يشاء‪ ،‬ف ُيمنع سدًّ ا للذريعة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الدليل الثالث‪ :‬أن تتبع الرخص يفضي إلى جملة من المفاسد؛ منها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ 1‬ـ االنسالخ من الدين برتك اتباع الدليل إلى اتباع األقوال مجردة عن األدلة؛‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫فتكون آراء الرجال حاكمة على نصوص الشرع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ 2‬ـ االستهانة بالدين؛ إذ ال يكون مان ًعا للنفوس عن أهوائها‪ ،‬بل يكون الدين حا ًّثا‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫على اتباع كل نفس ما هتوى‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫خامسا‪ :‬آثار تتبع الرخص‪:‬‬


‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫الشريعة ومقاصدها؛ إذ من مقاصد الشريعة إخراج‬ ‫أن فيه مخالف ًة ألصول َّ‬ ‫أ‪َّ -‬‬
‫‪    ‬‬

‫حث على اتباع المسلم ما يحقق هواه‪،‬‬ ‫الرخص َّ‬ ‫المكلف عن داعية هواه‪ ،‬ويف َت َت ُّبع ُّ‬
‫نفسه‪.‬‬
‫وتميل إليه ُ‬
‫‪ ‬‬

‫أن للمك َّلف أن يفعل ما يشاء‬ ‫ألن حاص َله َّ‬‫انحالاًل من ربقة التَّكليف؛ َّ‬‫ً‬ ‫ب‪َّ -‬‬
‫أن فيه‬
‫‪   ‬‬

‫ويرتك ما يشاء؛ وهو عين إسقاط التَّكليف‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ج‪ -‬أنه يؤدي إلى َت ْرك ا ِّتباع الدَّ ليل إلى ا ِّتباع الخالف؛ وهو مخالف لألمر بالرد إلى‬
‫‪ ‬‬

‫الكتاب والسنة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫د‪ -‬أنه يؤدي إلى االستهانة بالدِّ ين وشرائعه؛ إذ َيصير بذلك س َّي ًااًل ال ينضبط‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الشرعية الذي يقوم على العدالة والتَّسوية؛‬ ‫السياسة َّ‬


‫هـ‪ -‬أنه يؤدي إلى انخرام نظام ِّ‬
‫بحيث إذا انخرم أ َّدى إلى الفوضى‪ ،‬والمظالم‪ ،‬وتضييع الحقوق بين الناس‪.‬‬
‫و‪ -‬أنه ُيفضي إلى القول بتلفيق المذاهب على وجه َيخرق إجماع العلماء‪.‬‬

‫سادسا‪ :‬شبهات حول جواز تتبع الرخص‪:‬‬


‫ً‬
‫وقد يتوهم البعض أن ثمة ما يدل على جواز تتبع الرخص يف الشريعة‪ ،‬ومن ذلك‪:‬‬
‫‪468‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الشبهة األولى‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [البقرة‪ ]185 :‬فقد يفهم من‬
‫اآلية أن مقتضى التيسير هو تتبع الرخص‪ ،‬والحقيقة أن اآلية ال يفهم منها تتبع الرخص‬
‫لوجهين‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن الشريعة التي جاءت بالتيسير هي الشريعة التي جاءت بذم اتباع‬
‫الهوى‪ ،‬وال شك أن األخذ باألقوال الميسرة مفض إلى اتباع الهوى‪ ،‬وإلى انخرام‬
‫أيضا‪.‬‬
‫التكليف‪ ،‬ويف ذلك كله انخرام للدين‪ ،‬وهذا باطل فما أدى إليه باطل ً‬

‫‪   ‬‬


‫الوجه الثاين‪ :‬أن اليسر ورفع الحرج الذي جاءت به الشريعة ليس مطل ًقا‪ ،‬بل‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مضبوط بالضوابط الشرعية التي تضبط للناس أحوالهم وأفعالهم‪ ،‬ومن تلك الضوابط‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫مخالفة الهوى‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الشبهة الثانية‪ :‬أن الخالف رحمة وسعة على األمة‪ ،‬فمن أخذ بقول من األقوال فله متسع‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ويجاب عن ذلك‪ :‬بأن المراد بقولهم الخالف رحمة‪ :‬أي أنه فتح للناس باب النظر‬
‫‪   ‬‬

‫واالجتهاد‪ ،‬وليس المراد أن يكون اختيار الناس بآرائهم المجردة؛ إذ هذا سير على محض‬
‫‪    ‬‬

‫الهوى ومبطل للشريعة كلها‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الصحاح (‪ )1190- 1189/3‬مادة (تبع)‪.‬‬


‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)1564-1563/4‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)162/4‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)384-381/8‬‬
‫‪ -‬املوافقات (‪.)103-99/5‬‬
‫‪ -‬التقرير والتحبري (‪.)353-351/3‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)579-577/4‬‬
‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)255-254/4‬‬
‫‪469‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫معنى التلفـيق الفقهي وحكمه‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬معنى التلفـيق‪:‬‬
‫التلفيق لغة‪ :‬من كلمة ( َل َف َق)‪ ،‬وهي تدل على مالءمة األمر‪ ،‬وضم بعضه إلى بعض‪،‬‬
‫الش َّق َت ْي ِن إلى األخرى‪ ،‬وهذا ل ِ ْف ُق هذا‪:‬‬
‫يقال‪َ :‬ل َف ْق ُت ال َّث ْو َب بِال َّثوب َل ْف ًقا‪ :‬أي ضممت إحدى ُّ‬

‫‪   ‬‬


‫أي ُي َوائِ ُم ُه‪َ ،‬و َت َاَل َف َق َأ ْم ُر ُه ْم‪َ :‬ت َاَل َء َم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫اصطالح�ا‪ :‬أن يقـوم المكلـف بالجمـع بيـن قـول مجتهـد وقـول مجتهـد آخـر‬
‫‪     ‬‬ ‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫يف مسـألة واحـدة‪ ،‬أو مسـألتين متالزمتيـن؛ بحيـث يخـرج بصـورة ال يقـول أحـد مـن‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المجتهدين بصحتها‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫ويفهم من التعريف أنه يلزم يف التلفيق أن يكون يف حادثة واحدة‪ ،‬فإن اختلفت‬
‫‪    ‬‬

‫الحوادث فال يعد من التلفيق؛ كمن تزوج امرأة بال ولي وأخرى بال شهود‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫وقواًل للشافعي يف البيوع‪،‬‬ ‫وال يعد من التلفيق لو اختار ً‬
‫قواًل ألبي حنيفة يف الطهارة‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهما مسألتان ال تالزم بينهما‪ ،‬وتوسع بعضهم فعدَّ ه من التلفيق‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬أقسامه‪:‬‬


‫للتلفيق قسمان‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم األول‪ :‬اجلمع بني األقوال املتعارضة فـي مسألة واحدة‪:‬‬


‫مثاله‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أ ‪ -‬لو توضأ فمسح بعض شعر رأسه مقلدً ا الشافعي‪ ،‬يف إجزاء الوضوء بمسح بعض‬
‫‪‬‬

‫شعر الرأس‪ ،‬وبعد الوضوء مس أجنبية مقلدً ا أبا حنيفة يف عدم النقض بمسها‪ ،‬والمسألة‬
‫هنا‪ :‬صحة الوضوء‪.‬‬
‫ولي مقلدً ا أبا حنيفة يف عدم اشرتاط الوالية‪ ،‬وبال شهود‬
‫ب ‪ -‬لو تزوج امرأ ًة بال ّ‬
‫أيضا مقلدً ا مال ًكا يف عدم اشرتاط َّ‬
‫الشهادة بذاهتا واالكتفاء بإعالن النكاح‪ ،‬والمسألة هنا‪:‬‬ ‫ً‬
‫صحة النكاح‪.‬‬
‫ويف المثالين يكون قد أتى بوضوء ونكاح ال يقول بصحته كال اإلمامين‪.‬‬
‫‪470‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫القسم الثاني‪ :‬اجلمع بني األقوال املتعارضة فـي مسألتني متالزمتني‪:‬‬


‫ولي تقليدً ا ألبي حنيفة‪ ،‬ثم طلق زوجته بلفظ من األلفاظ‬
‫تزوج امرأ ًة بال ّ‬
‫مثاله‪ :‬لو َّ‬
‫التي يكون الطالق معها بائنًا عند أبي حنيفة‪ ،‬لكنه أخذ بمذهب الشافعي الذي يجعل‬
‫الطالق هبذا اللفظ رجع ًّيا‪ ،‬فهنا حصل التلفيق يف مسألتين يف مسألة النكاح بال ولي‪ ،‬والتي‬
‫ما زال أثرها باق ًيا‪ ،‬ومسألة الطالق بلفظ محتمل للبينونة أو الرجعية‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬الفرق بني التلفـيق وتتبع الرخص‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫التلفيق وتتبع الرخص قد يلتقيان يف وجه‪ :‬فيما إذا ل ّفق بين األقوال والمذاهب‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫قاصدً ا تتبع الرخص‪ ،‬وقد يختلفان يف وجوه أخرى‪ ،‬منها‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫األخف واألسهل يف المسائل الخالفية‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫الرخص يكون بأخذ القول‬ ‫أن َت َت ُّب َع ُّ‬ ‫‪1‬ـ َّ‬
‫‪    ‬‬
‫أ َّما التَّلفيق فحقيقتُه الجمع بين قولين يف مسألة واحدة أو مسألتين متالزمتين‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فجمع بين أقوال‬


‫ٌ‬ ‫الر َخص أخذ برخصة قالها أحدُ العلماء‪ ،‬أما الت َ‬
‫َّلفيق‬ ‫أن َت َت ُّب َع ُّ‬ ‫‪2‬ـ َّ‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يصححه أحدٌ من المجتهدين‪.‬‬


‫ِّ‬ ‫ف فيها بقول ال‬ ‫وتصر ٌ‬ ‫ُّ‬ ‫العلماء‬
‫‪    ‬‬

‫‪3‬ـ التلفيق يكون يف مسألة واحدة أو مسألتين متالزمتين‪ ،‬أما تتبع الرخص فال يلزم‬
‫‪    ‬‬

‫فيه ذلك‪ ،‬بل قد يكون يف مسائل متفرقة من أبواب شتى‪.‬‬

‫راب ًعا‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -1‬ال يدخل التلفيق يف المسائل المعلومة من الدين بالضرورة ونحوها من المسائل‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬

‫التي ال يسوغ فيها الخالف‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -2‬ال خالف بين العلماء أن التلفيق الذي يقصد منه تحليل المحرمات‪ ،‬وتتبع‬
‫‪ ‬‬

‫الرخص باطل‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -3‬محل الخالف يف الجمع بين األقوال المتعارضة يف مسألة واحدة‪ ،‬أو يف مسألتين‬
‫‪‬‬

‫متالزمتين من المسائل التي يسوغ فيها الخالف‪ ،‬ما لم يقصد تتبع الرخص وتحليل ما حرم اهلل‪.‬‬

‫خامسا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫ً‬
‫اختلف العلماء يف حكم التلفيق على ثالثة أقوال‪:‬‬
‫القول األول‪ :‬أن التلفيق غير جائز‪ ،‬وهو ٌ‬
‫قول عند الحنفية‪ ،‬وهي طريقة المصريين‬
‫من المالكية‪ ،‬وبعض الشافعية وبعض الحنابلة‪ ،‬وا ُدعي اإلجماع عليه‪.‬‬
‫‪471‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫القول الثاين‪ :‬أن التلفيق جائز‪ ،‬وهو ٌ‬


‫قول عند الحنفية‪ ،‬وجعله ابن نجيم المذهب‬
‫عندهم‪ ،‬وهو طريقة المغاربة من المالكية‪ ،‬وذكر الدسوقي أهنا المرجحة‪ ،‬وهو قول بعض‬
‫الشافعية‪ ،‬وبعض الحنابلة‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬جواز التلفيق بشروط‪ ،‬وإليه ذهب بعض الشافعية‪ ،‬وبعض الحنابلة‪.‬‬
‫وأبرز تلك الشروط المشار إليها مع اختالفهم فيها‪:‬‬
‫‪1‬ـ أال يؤدي إلى نقض حكم الحاكم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪2‬ـ أال يؤدي إلى مخالفة اإلجماع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪3‬ـ أال يؤدي إلى نقض ما عمل به تقليدً ا يف واقعة واحدة(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫ومثاله‪ :‬لو طلق زوجته ألبتة‪ ،‬وهو يرى أهنا تقع ثالث طلقات‪ ،‬وعمل بذلك ففارق‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫زوجته‪ ،‬ثم رأى بعد أهنا تقع رجعية‪ ،‬فليس له أن يرد زوجته برأيه الذي رآه بعد مفارقتها‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫دليل القول األول (عدم جواز التلفيق)‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬أنه لو قيل بجواز التلفيق يف التقليد ألدى ذلك إلى إفساد الشريعة‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫والتالعب هبا‪ ،‬وهذا محظور‪ ،‬وكل ما أدى إلى محظور فهو محظور‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن هذا خارج محل النزاع‪ ،‬فقد سبق أن التلفيق إذا استباح‬
‫‪ ‬‬

‫المحرمات فهو باطل‪.‬‬


‫الدليل الثاين‪ :‬أن هذه المسألة الملفقة لم يقل أحد من المذاهب بجوازها‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن كل مذهب يحكم ببطالهنا بالنظر إلى المذهب ذاته‪ ،‬ولكن لو نظر إلى‬
‫‪ ‬‬

‫المذهب اآلخر فال يحكم ببطالهنا‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬أن المقلد قد التزم مذه ًبا معينًا‪ ،‬ومن التزم مذه ًبا معينًا ال يجوز له‬
‫الخروج منه إلى غيره‪.‬‬
‫‪‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن مسألة التزام مذهب معين محل خالف‪ ،‬وال واجب إال ما أوجبه اهلل‬
‫ورسوله‪ ،‬ولم يوجب اهلل وال رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من‬
‫األمة فيقلده دون غيره‪.‬‬

‫((( وهبذه الشروط الثالثة (مع إضافة شروط أخرى)‪ :‬خرج قرار مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة التعاون اإلسالمي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬القرار رقم (‪ )70‬مجلة المجمع‪ ،‬العدد (‪.)41/1( )8‬‬
‫‪472‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫دليل القول الثاني (جواز التلفيق)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬أن القول بمنع التلفيق يؤدي إلى القول بمنع التقليد؛ ألن الملفق بين‬
‫أقوال المجتهدين إنما يقلد يف تلك المسألة أولئك المجتهدين؛ فإذا منعناه من التلفيق‬
‫فيها‪ ،‬فقد منعناه من التقليد‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن ال تالزم بين امتناع التلفيق وامتناع التقليد؛ إلمكان وجود التقليد مع‬
‫عدم التلفيق‪ ،‬ومن ثم فال يلزم من اشرتاط عدم التلفيق يف التقليد عدم التقليد نفسه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الدليل الثاين‪ :‬أن من مقاصد الشريعة اليسر والسماحة‪ ،‬ورفع الحرج‪ ،‬ومنع التلفيق‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فيه حرج ومشقة‪ ،‬وهذا ينايف مقصدً ا من مقاصد الشريعة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن يسر الشريعة المعترب ما كان على وفق أدلة الشرع‪ ،‬وليس التلفيق على‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫وفق ما دل عليه الشرع‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬أن منع التلفيق يؤدي إلى إفساد كثير من عبادات العامة؛ إذ ال تكاد‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫‪-‬مثاًل‪ -‬فقد يقع يف موافقة‬ ‫تجد عام ًّيا يفعل عبادة كاملة موافقة لمذهب معين‪ ،‬فلو صلى‬
‫‪    ‬‬

‫مذاهب مختلفة يف صالة واحدة‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثالث (اجلواز بشروط)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬أنه لم يرد عن أحد من الصحابة أو السلف إلزام آحاد الناس باتباع‬
‫‪ ‬‬

‫قول رجل معين دون غيره‪ ،‬بحيث ال يخالف قوله مطل ًقا‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن القول بالتفصيل فيه تحقيق ألدلة القولين السابقين‪ ،‬وخروج عن‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫المفاسد المحتملة من القول بالتلفيق بوضع الضوابط التي تحكم القول به‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫سادسا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬


‫ً‬
‫‪‬‬

‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف جواز التلفيق خال ًفا يف بعض المسائل‬
‫الفقهية‪ ،‬منها ما يأيت‪:‬‬
‫مسألة‪ :‬من قّلد الشافعي بعدم وجوب الدلك فـي الوضوء‪ ،‬وقّلد مال ًكا بعدم نقض اللمس‬
‫بال شهوة‪ ،‬ثم صلى بهذا الوضوء‪.‬‬
‫فعند من يمنع التلفيق صالته غير صحيحة‪.‬‬
‫وعند من يجيز التلفيق صالته صحيحة‪.‬‬
‫‪473‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مسألة‪ :‬لو حج رجل‪ ،‬فمكث فـي مزدلفة مبقدار حط رحله تقليدًا للمالكية‪ ،‬وقلم‬
‫أظفاره تقليدًا للظاهرية فـي عدم اعتباره من حمظورات اإلحرام‪ ،‬ثم طاف راك ًبا‬
‫تقليدًا للشافعية‪.‬‬
‫فعند من يمنع التلفيق صنيعه محرم‪ ،‬ويلزمه تصحيح فعله بحسب مذهبه‪.‬‬
‫وعند من يجيز التلفيق ال حرج عليه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬مقاييس اللغة (‪ )257/5‬مادة (لفق)‪.‬‬
‫‪ -‬املصباح املنري (‪ )556/2‬مادة (لفق)‪.‬‬
‫‪ -‬عمدة التحقيق فـي التقليد والتلفـيق (ص‪.)232 ،224 ،181‬‬
‫‪ -‬التحقيق فـي بطالن التلفـيق (ص‪.)168-159‬‬
‫‪ -‬التلفـيق بني املذاهب الفقهية وعالقته بتيسري الفتوى (ص‪.)19‬‬
‫‪474‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫حقيقة التمذهب وحكمه‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حقيقة التمذهب‪:‬‬
‫التمذهب لغة‪ :‬مصدر تمذهب‪ ،‬يقال تمذهب‪َ ،‬تم ْذ ُهبا‪ ،‬فهو م ِ‬
‫تمذهب‪ ،‬والمذهب‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫ُ‬ ‫َ ً‬
‫مصدر من ذهب يذهب مذه ًبا‪ ،‬يقال‪ :‬ذهب َم ْذ َهب فالن‪ :‬قصد قصده وطريقته‪ ،‬وذهب يف‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الدِّ ين َم ْذ َه ًبا‪ :‬رأى فيه رأ ًيا‪ ،‬وتمذهب بالمذهب‪ :‬أي اتبعه واتخذه مذه ًبا له‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اصطالحا‪ :‬هو االلتزام بمذهب مجتهد معين يف األصول والفروع‪ ،‬أو أحدهما‪.‬‬
‫ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقولهم‪( :‬االلتزام بمذهب مجتهد معين)‪ :‬له صورتان‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫األولى‪ :‬االلتزام بالمذهب مع عدم الخروج عنه‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الثانية‪ :‬االلتزام بالمذهب مع الخروج عنه أحيانًا لدليل يدعو إلى ذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬


‫أن يختار المكلف مذه ًبا من المذاهب المعتربة كالحنفي أو الحنبلي‪ ،‬ويلتزم به يف‬
‫‪ ‬‬

‫جميع األحكام الشرعية أو غالبها‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫اختلف العلماء يف حكم التمذهب على ثالثة أقوال‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫القول األول‪ :‬جواز التمذهب‪ ،‬وإليه ذهب الجمهور‪ ،‬وهو األشهر عند الحنابلة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫القول الثاين‪ :‬وجوب التمذهب‪ ،‬وإليه ذهب بعض الحنفية‪ ،‬وبعض المالكية‪،‬‬
‫وهو وجه عند الشافعية‪ ،‬ووجه عند الحنابلة‪ ،‬اختاره ابن رجب‪.‬‬
‫القول الثالث‪ :‬المنع من التمذهب‪ ،‬وهو قول ابن حزم‪ ،‬وجماعة من العلماء‪.‬‬

‫‪475‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫دليل القول األول (جواز التمذهب)‪:‬‬


‫الدليـل األول‪ :‬أن اهلل تعالـى أمـر مـن ال يعلـم بسـؤال العلمـاء‪ ،‬فقـال تعالـى‪:‬‬
‫جـاز لغيـر المجتهـد تقليـدُ‬
‫َ‬ ‫﴿ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ﴾ [النحـل‪ ،]43 :‬وإذا‬
‫يختـار منهـم واحـدً ا فيق ِّلـدَ ه َ‬
‫دون غيـره‪ ،‬لثقتـه يف علمـه‬ ‫َ‬ ‫َمـن شـاء مـن العلمـاء جـاز لـه ْ‬
‫أن‬
‫وعدالته وورعه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الدليل الثاين‪ :‬أن الصحابة كانوا يجيزون للعامي أن يستفتي بعضهم يف مسألة‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وبعضهم اآلخر يف مسألة أخرى‪ ،‬ولم ينقل عن أحد منهم اإلنكار؛ فكان إجما ًعا‪ ،‬ثم‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫إن سلف األمة لم يلزموا العامة بتقليد واحد منهم‪ ،‬بل كان الناس يقلدون من شاءوا‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫من أهل العلم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل الثالث‪ :‬أنه لم يوجب أحد من األمة اتباع رجل معين يف كل ما يقول‪ ،‬وقد‬
‫‪   ‬‬

‫نقل اإلجماع على أنه ال يحل اتباع رجل يف كل حكم يقوله‪ ،‬وأثر عن السلف أن كل أحد‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يؤخذ من قوله ويرد إال النبي ﷺ‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثاني (وجوب التمذهب)‪:‬‬


‫أن عدم تقيده بمذهب من المذاهب يؤدي إلى اتباع الهوى‪ ،‬وتلقط الرخص من‬
‫‪ ‬‬

‫المذاهب‪ ،‬وهذا يؤدي إلى سقوط التكليف‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫نوقش من وجهين‪:‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫األول‪ :‬ال نسلم بذلك؛ فالعامي يلزمه اتباع قول من أفتاه‪ ،‬وإن كان عنده اطالع‬
‫‪ ‬‬

‫فيلزم اتباع قول من يراه ً‬


‫آخذا بالدليل من المفتين‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الثاين‪ :‬أن ما ذكرتموه منقوض بعصر اإلسالم األول‪ ،‬فلم ُيلزم الصحابة وال التابعون‬
‫‪‬‬

‫أحدً ا بالتمذهب بمذهب معين؛ لئال يقع الناس يف تتبع الرخص‪.‬‬


‫دليل القول الثالث (املنع من التمذهب)‪:‬‬
‫الدليل األول‪ :‬أن اهلل تعالى أمر بالرد إلى اهلل ورسوله‪ ،‬فقال تعالى‪﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ‬
‫ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [النساء‪ ،]59 :‬والمتمذهبون يخالفون هذا فيردون إلى رأي رجل‬
‫معين ال يخرجون عنه‪.‬‬
‫‪476‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫نوقش‪ :‬بأنه ال يلزم من التمذهب تقديم قول اإلمام والرد إليه إذا خالف الكتاب‬
‫والسنة‪ ،‬فمن كان له أهلية النظر فيلزمه تقديم الدليل‪ ،‬ومن كان عام ًّيا فيقلد من يثق فيه من‬
‫المجتهدين؛ تحقي ًقا ألمر اهلل بسؤال أهل الذكر‪.‬‬
‫الدليل الثاين‪ :‬أن األئمة بشر يخطئون ويصيبون‪ ،‬وقد يخفى عليهم شيء من السنن‪،‬‬
‫فكيف يجوز تقليدهم؟!‬
‫ونوقش‪ :‬بأن المقلد إن كان ً‬
‫أهاًل للنظر فيلزمه مخالفة إمامه تب ًعا للدليل‪ ،‬وإن‬

‫‪   ‬‬


‫لم يكن كذلك لزمه التقليد‪ ،‬وإذا جاز له سؤال أي عالم وتقليده جاز له أن يقتصر على‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫عالم واحد‪ ،‬فيتبعه يف جميع أقواله لقناعته بعلمه ودينه‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫راب ًعا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف حكم التمذهب خال ًفا يف بعض المسائل‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األصولية‪ ،‬منها ما يأيت‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مسألة‪ :‬اختيار مذهب معني للتدين‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫جوز اختيار مذهب معين من المذاهب المعتربة‪.‬‬ ‫فمن أجاز التمذهب ّ‬


‫‪    ‬‬

‫ومن أوجبه لم يقتصر به على مرتبة الجواز‪ ،‬بل عال به إلى القول بالوجوب‪.‬‬
‫ومن منع جعله محر ًما ممنو ًعا منه‪.‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬لسان العرب (‪ )394/1‬مادة (ذهب)‪.‬‬


‫‪ -‬حميط احمليط (ص‪.)312‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬جمموع الفتاوى (‪.)209 -208/20‬‬


‫‪ -‬أصول الفقه البن مفلح (‪.)1564-1562/4‬‬
‫‪ -‬املوافقات (‪.)280/5‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)205-203/6‬‬
‫‪ -‬الرد على من اتبع غري املذاهب األربعة (ص‪.)10-1‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)353-348/8‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)577-574/4‬‬
‫‪ -‬التمذهب دراسة نظرية نقدية (‪)892-763/2‬‬
‫‪477‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ضوابط التمذهب‬

‫تقدم بيان حقيقة التمذهب وحكمه يف مسألة سابقة (((‪ ،‬وللتمذهب شروط وضوابط‬
‫تشبه شروط التقليد وضوابطه‪.‬‬
‫حيث إن التمذهب هو نوع من التقليد يف الحقيقة‪ ،‬وإن كان أرفع أنواعه حيث‬

‫‪   ‬‬


‫هو تقليد طالب العلم أو ما يسميه األصوليون بـ(الفروعي)‪ ،‬بخالف تقليد العامي الذي‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ال اشتغال له بالعلم وإنما يسأل ليقيم أمور عباداته ويس ِّير معامالته‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ِ‬
‫‪     ‬‬
‫المتمذهب‪ ،‬وصاحب المذهب‪،‬‬ ‫ولن نتكلم هنا عن شروط التمذهب الواجبة يف‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وإنما نجمع بعض الضوابط التي ذكرها أهل العلم‪ ،‬وتلزم من تمذهب بمذهب‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫إمام على فرض توافر شروط التمذهب‪ ،‬فأبرزها ثالثة ضوابط‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫ن�ص واض�ح م�ن كت�اب وس�نة‬ ‫الضاب�ط األول‪ :‬أال يظه�ر للمتمذه�ب مبذه�ب معين ٌّ‬
‫‪    ‬‬

‫خيال�ف مذهب�ه‪.‬‬
‫وإنما يتأتى ذلك إذا كان له حظ من أدوات النظر واالستدالل؛ بحيث يستطيع هبا‬
‫‪ ‬‬

‫نصا يخالف‬ ‫التمييز بين مدلوالت النصوص‪ ،‬وإن قصر عن درجة المجتهد‪ ،‬فإذا رأى أن ًّ‬
‫‪   ‬‬

‫مذهب إمامه فإنه يلزمه أن يرجع إلى قول من يقول بمقتضى النص من األئمة‪ ،‬وإن خالف‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫مذهب إمامه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وإذا لم يجد من قال بمقتضى النص على ما فهم هو منه فال يجوز له ذلك‪ ،‬وإال كان‬
‫‪‬‬

‫وفهما لم ُيسبق إليه‪.‬‬


‫ً‬ ‫مبتد ًعا ً‬
‫قواًل‬
‫‪‬‬

‫الضاب�ط الثان�ي‪ :‬أن�ه مت�ى انتقل املتمذهب إىل درج�ة االجتهاد مل يعد جيوز له أخذ فرع‬
‫من فروع مذهبه إال أن يوافقه بدليله‪.‬‬
‫فكأنـه اجتهـاد خـاص لـه وافـق فيـه مذهبـه القديـم‪ ،‬وإال فالمجتهـد ال يجـوز‬
‫له التقليد‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)475‬‬


‫‪478‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الضابط الثالث‪ :‬أال يأخذ من املذهب ما يوافق هواه‪ ،‬ثم خيرج عنه إىل غريه من املذاهب‬
‫كلما وجد ما وافق هواه‪.‬‬
‫وهذا هو السبب يف إيجاب من أوجبوا التمذهب‪ ،‬أي‪ :‬سد ذريعة تتبع الرخص يف‬
‫كل مذهب‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أدب املفيت واملستفيت (ص ‪.)171-158‬‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)72-71‬‬
‫‪ -‬آداب الفتوى واملفيت واملستفيت (ص‪.)78-74‬‬
‫‪ -‬جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (‪.)226-220/20‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)205-203/6‬‬
‫‪ -‬التمذهب دراسة نظرية نقدية (‪.)959-953/2‬‬
‫‪479‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫اإللزام مبذهب معني‬


‫فـي جمال القضاء‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تصوير املسألة‪:‬‬
‫إذا وظف الحاكم ً‬
‫رجاًل للقضاء‪ ،‬واشرتط عليه أال يحكم إال بمذهب معين بحيث‬
‫ال يخرج عنه‪ ،‬فهل هذا اإللزام مشروع أو ال؟‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫اختلف العلماء يف اإللزام بمذهب معين يف القضاء على قولين‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫القول األول‪ :‬ال يجوز إلزام القاضي بمذهب معين‪ ،‬وإليه ذهب الحنابلة والشافعية‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وهو قول عند المالكية‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫القول الثاين‪ :‬يجوز إلزام القاضي بمذهب معين‪ ،‬وإليه ذهب الحنفية‪ ،‬وهو القول‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اآلخر عند المالكية‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫دليل القول األول (عدم جواز اإللزام)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ﴾ [ص‪.]26 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن اهلل أمر بالحكم بالحق‪ ،‬والحق ال يتعين يف مذهب بعينه‪ ،‬وقد يظهر‬
‫‪   ‬‬

‫له الحق يف غير ذلك المذهب‪.‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [النساء‪.]59 :‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن اهلل تعالى أمر بالرد إلى اهلل والرسول‪ ،‬وليس إلى مذهب معين‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دليل القول الثاني (جواز اإللزام)‪:‬‬


‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾‬
‫[النساء‪.]59 :‬‬
‫وجه الداللة‪ :‬أن الحاكم ولي أمر ُأمرنا باتباعه‪ ،‬فإذا َألزم القاضي وجب عليه اتباع أمره‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن الطاعة مقيدة بغير ما فيه مخالفة هلل ورسوله‪ ،‬واهلل تعالى حين التنازع‬
‫أمر بالرد إلى اهلل ورسوله‪ ،‬وليس إلى غيرهما‪.‬‬
‫‪480‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫أن القضاة بمنزلة الوكالء والنواب عن الحكام‪ ،‬والوكيل يتقيد يف‬ ‫الدليل الثاين‪ّ :‬‬
‫حدود الوكالة المعطاة له ال يتجاوزها‪ ،‬فإذا قيد الحاكم القاضي بمذهب معين عليه التزامه‬
‫بشروطه الشرعية‪.‬‬
‫الدليل الثالث‪ :‬أن المصلحة الشرعية قد تقتضي تقييد القاضي بمذهب معين‪ ،‬فقد‬
‫ال يكون مجتهدً ا يف النظر‪.‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف مسألة جواز إلزام القاضي بمذهب معين‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية منها ما يأيت‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫مسألة‪ :‬نقض قضاء القاضي إذا خالف مذهبه‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فإن من ذهب إلى جواز إلزام القاضي بمذهب معين يف الحكم‪ ،‬قال بنقض قضائه‬
‫‪    ‬‬

‫إذا خالف ذلك اإللزام‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن ذهب إلى عدم جواز إلزام القاضي بمذهب معين يف الحكم لم ينقض قضاءه‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬املغين (‪.)93/10‬‬
‫‪ -‬حتفة احملتاج بشرح املنهاج (‪.)117/10‬‬
‫‪ -‬مواهب اجلليل فـي شرح خمتصر خليل (‪.)98 /6‬‬
‫‪ -‬دقائق أولي النهى لشرح املنتهى (‪.)491/3‬‬
‫‪ -‬الدر املختار وحاشية ابن عابدين (رد احملتار) (‪.)408/5‬‬
‫‪ -‬نظرية احلكم القضائي فـي الشريعة والقانون (ص‪.)300-281‬‬
‫‪ -‬االختصاص املذهيب فـي القضاء الشرعي وتطبيقاته املعاصرة (ص‪.)15‬‬
‫‪481‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫تعريف الفتوى‪ ،‬وعالقتها‬


‫باملصطلحات ذات الصلة‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف الفتوى‪:‬‬
‫الفتوى لغة‪ :‬بالواو بفتح الفاء‪ ،‬وبالياء فتُضم الفاء (فتيا)‪ ،‬اسم مصدر من ( َأ ْفتَى)‬
‫يفتي إفتاء‪ ،‬وتجمع على ال َفت ِ‬

‫‪   ‬‬


‫َاوي بكسر الواو على األصل‪ ،‬وقيل‪ :‬يجوز الفتح للتخفيف‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مسألته‪ :‬إِذا َأجبته عنها‪،‬‬
‫و َأ ْفتَى العالم إذا ب َّين الحكم‪ ،‬وأفتاه يف األمر‪ :‬أبانه له‪ ،‬و َأ ْفتَيته يف َ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وال ُفتيا‪ :‬تبيين المشكل من األَحكام‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫اصطالحا‪ :‬إخبار عن حكم اهلل بدليل شرعي لسؤال أو نازلة‪.‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫قولهم‪( :‬إخبار) يبين أن الفتوى ليست ُملزمة‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقولهم‪( :‬عن حكم اهلل) يشمل الحكم القطعي أو الظني؛ وذلك أن العالم إذا‬
‫‪    ‬‬

‫سئل عن مسألة قطعية؛ كحكم الصالة أو الزكاة‪ ،‬أو مسألة اجتهادية فأجاب فهو بيان‬
‫‪    ‬‬

‫لحكم اهلل تعالى‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫وقولهم‪( :‬بدليل شرعي)‪ ،‬يفيد أنه البد أن يكون يف فتواه مستندً ا إلى دليل شرعي‪،‬‬
‫وهذا يندرج فيه من بلغ درجة االجتهاد أو كان دون ذلك ممن قصر عن كمال آلة االجتهاد‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫لكنه يعرف الحكم بدليله‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ويخرج هبذا القيد الناقل كالعامي إذا سمع الحكم من العالم ونقله‪ ،‬فال ينطبق عليه‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫اصطالحا‪.‬‬
‫ً‬ ‫مسمى الفتوى‬
‫وقولهم‪( :‬لسؤال) يشمل سؤال التعلم وغيره مما صدر بسبب نازلة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫وقولهم‪( :‬أو نازلة) يندرج فيه بيان العالم لحكم مسألة نازلة تطلب األمر بيان‬
‫حكمها‪ ،‬ولو لم يسأل عنها‪.‬‬
‫وقولهم‪( :‬لسؤال أو نازلة)‪ :‬يخرج بيان العالم لحكم مسألة لغير هذين األمرين‪،‬‬
‫كأن يبين الحكم يف درس علمي أو نحو ذلك‪.‬‬

‫‪482‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫ثان ًيا‪ :‬عالقة الفتوى باملصطلحات ذات الصلة‪:‬‬


‫‪ 1‬ـ عالقة الفتوى باالجتهاد‪:‬‬
‫تشرتك الفتوى مع االجتهاد يف ثالثة وجوه‪:‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن ًّ‬
‫كاًّل منهما من قبيل معرفة الحكم الشرعي بدليله‪.‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬أن المعرفة فيهما قد تبلغ درجة القطع واليقين‪ ،‬وقد تفيد الظن‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الوجه الثالث‪ :‬أن ًّ‬
‫كاًّل منهما يدخله الصواب والخطأ‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أما وجه االختالف بينهما فيتضح بأمور‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫األول‪ :‬تشرتط العدالة يف الفتوى باإلجماع‪ ،‬بخالف االجتهاد فالعدالة على‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الصحيح ليست شر ًطا فيه‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الثاين‪ :‬تنفرد الفتوى بكوهنا مختصة بتنزيل الحكم على مسألة معينة؛ إذ هي اجتهاد‬
‫‪   ‬‬

‫وزيادة‪ ،‬حيث إن حقيقتها تحقيق لمناط األحكام الشرعية وتنزيل لها على الوقائع‪ ،‬ولذا‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫قد يشرتط يف الفتوى ما ال يشرتط يف االجتهاد‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫خاصا بالمسائل التي تحتاج إلى نظر وتأمل‪ ،‬أي‪:‬‬


‫ًّ‬ ‫الثالث‪ :‬ينفرد االجتهاد بكونه‬
‫فيما فيه استفراغ للوسع‪ ،‬بخالف الفتوى‪ ،‬فإهنا إخبار عن حكم اهلل يف المسائل سواء كانت‬
‫‪ ‬‬

‫واضحة أو خفية‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ .2‬عالقة الفتوى باحلكم القضائي‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫تشرتك الفتوى مع الحكم القضائي بأن ًّ‬


‫كاًّل منهما إخبار عن حكم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وتختلف الفتوى عن الحكم القضائي يف ثالثة أمور‪:‬‬


‫‪‬‬

‫األمر األول‪ :‬أن الفتوى إخبار عن حكم اهلل تعالى‪ ،‬ال إلزام فيه من جهة المفتي‪،‬‬
‫‪‬‬

‫بخالف القضاء والحكم؛ فإنه إخبار معناه اإلنشاء واإللزام‪.‬‬


‫األمر الثاين‪ :‬أن الفتوى تعم أحكام الدنيا واآلخرة‪ ،‬بخالف القضاء؛ فإنه يخص‬
‫األحكام الدنيوية دون األخروية‪.‬‬

‫‪483‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫األمر الثالث‪ :‬أن فتوى المفتي قد تكون عامة أو خاصة‪ ،‬بخالف قضاء القاضي؛‬
‫فإنه حكم معين على شخص معين‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬لسان العرب (‪ )147/15‬مادة (فتا)‪.‬‬


‫‪ -‬املصباح املنري (‪ )462/2‬مادة (فتى)‪.‬‬
‫‪ -‬اإلحكام فـي متييز الفتاوى عن األحكام (ص‪.)97‬‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)4‬‬
‫‪ -‬الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص‪.)12-9‬‬
‫‪ -‬الفتوى وأهميتها (ص‪.)10‬‬
‫‪ -‬الفتوى فـي الشريعة اإلسالمية (ص‪.)8‬‬
‫‪484‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫أهمية الفتوى وضوابطها‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أهمية الفتوى‪:‬‬
‫تتضح أهمية الفتوى يف خمس نقاط رئيسة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫األولى‪ :‬الفتوى يف دين اإلسالم لها مكانة عالية‪ ،‬ومنزلة عظيمة‪ ،‬ومهمة جليلة‪ ،‬فهي أمر‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫تواله اهلل تعالى بنفسه‪ ،‬قال تعالى‪﴿ :‬ﭑﭒﭓﭔﭕﭖ ﴾ [النساء‪،]176 :‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وكفى بما تواله اهلل تعالى بنفسه شر ًفا وجاللة‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ثم قام هبا الرسول ﷺ أتم قيام‪ ،‬فكان ُيستفتى فيفتي بيانًا للذكر الذي أنزل إليه(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الثانية‪ :‬أن اإلفتاء إخبار عن اهلل تعالى وبيان ألحكامه؛ ولذا قيل المفتي مو ِّقع‬
‫‪   ‬‬

‫عن اهلل تعالى‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الثالثة‪ :‬أن المفتي قائم مقام النبي ﷺ‪ ،‬ونائب عنه يف أمته‪ ،‬فهو خليفته ووارثه يف‬
‫‪    ‬‬

‫تبليغ األحكام وتعليمها للناس‪ ،‬واستنباط األحكام للوقائع التي لم يرد فيها نص؛ ولذا‬
‫‪    ‬‬

‫قال ﷺ‪« :‬العلماء ورثة األنبياء»(((‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫الرابعة‪ :‬أن حفظ الدين من ضروريات الشرع وواجباته‪ ،‬ومن أعظم ما يكون به‬
‫حفظ الدين منصب اإلفتاء؛ إذ به بيان أحكام الشريعة‪ ،‬وتنزيل أحكامها على المستجدات‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والنوازل‪ ،‬وبه ينفى التحريف والباطل والشبه عن دين اهلل تعالى؛ ولذا جاء يف حديث‬
‫‪ ‬‬

‫عبد ال ّله بن عمرو ﭭ قال‪ :‬سمعت رسول اهلل ﷺ يقول‪ّ :‬‬


‫«إن اهلل ال يقبض العلم انتزا ًعا‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫عالما اتّخذ النّاس‬


‫ينتزعه من العباد‪ ،‬ولكن يقبض العلم بقبض العلماء‪ ،‬حتّى إذا لم ُيبق ً‬
‫جه ًااًل‪ ،‬فسئلوا فأفتوا بغير علمٍ‪ ،‬فض ّلوا وأض ّلوا»(((‪.‬‬
‫رؤوسا ّ‬
‫‪‬‬

‫ً‬

‫((( انظر‪ :‬صحيح البخاري (‪ ،)83‬ومسلم (‪ )1306‬من حديث ابن عمر ﭭ‪.‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)3641‬والرتمذي (‪ ،)2682‬وابن ماجه (‪ )223‬من حديث أبي الدرداء ﭬ‪،‬‬
‫وأعله الدارقطني يف العلل (‪ )216/6‬باالضطراب‪ ،‬وأورده البخاري يف الصحيح (‪ )24/1‬بال إسناد‪ ،‬وصححه‬
‫ابن حبان(‪ ،)88‬وابن الملقن يف البدر المنير (‪ .)587/7‬وقال ابن حجر‪( :‬له طرق ُيعرف هبا أن للحديث ً‬
‫أصاًل)‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المقاصد الحسنة للسخاوي (ص‪.)459‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)100‬ومسلم (‪.)2673‬‬
‫‪485‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الخامسة‪ :‬أن القيام بمنصب اإلفتاء قيام بفرض من فروض الكفايات على األمة؛ إذ‬
‫ال بد أن يقوم يف األمة من يعلمهم أحكام دينهم‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ‬
‫ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ‬
‫ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [التوبة‪.]122 :‬‬
‫ولما سبق من أهمية الفتوى وعظيم شأهنا كان السلف يتهيبوهنا‪ ،‬ويتورعون عنها‪،‬‬
‫بل ويتدافعوهنا بينهم‪ ،‬فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال‪( :‬أدركت مائة وعشرين من‬

‫‪   ‬‬


‫األنصار من أصحاب رسول اهلل ﷺ ُيسأل أحدهم عن المسألة‪ ،‬فيردها هذا إلى هذا‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وهذا إلى هذا حتى ترجع إلى األول)‪ ،‬وقال أبو حصين عثمان بن عاصم األسدي‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫(إن أحدهم ليفتي يف المسألة‪ ،‬ولو وردت على عمر بن الخطاب ﭬ لجمع لها أهل‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫خير من أن يقول ما ال يعلم)‪.‬‬ ‫ً‬
‫جاهاًل ٌ‬ ‫يموت الرجل‬
‫‪   ‬‬ ‫َ‬ ‫بدر!)‪ ،‬وقال محمد بن سيرين‪( :‬ألن‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫جاهاًل‬ ‫و سئل القاسم بن محمد يو ًما فقال‪( :‬ال أعلم)‪ ،‬ثم قال‪( :‬واهلل ألن يعيش الرجل‬
‫‪   ‬‬

‫خير له من أن يقول ما ال يعلم)‪ ،‬وسئل سعيد بن جبير عن‬ ‫بعد أن يعلم حق اهلل عليه‪ٌ ،‬‬
‫‪    ‬‬

‫شيء‪ ،‬فقال‪( :‬ال أعلم)‪ ،‬ثم قال‪( :‬ويل لمن يقول ل ِ َما ال يعلم‪ :‬إين أعلم)‪ ،‬وقال ابن عباس‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫(إذا ترك العالم (ال أدري) أصيبت مقاتله)(((‪.‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬ضوابط الفتوى‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫يقصد بالضوابط‪ :‬ما ال بد من تحققه يف الفتوى‪ ،‬للوصول هبا إلى الكمال واإلتقان‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫وللفتوى ستة ضوابط رئيسة‪:‬‬


‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الضابط‏األول‪ :‬توافر أهلية اإلفتاء فـي املفيت‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومن أفتى ولم تتوافر فيه تلك األهلية فقد تجشم ما ال علم له به‪ ،‬وكذب على اهلل‬
‫‪‬‬

‫تعالى يف شرعه‪ ،‬وقد قال اهلل تعالى‪ ﴿ :‬ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ‬


‫‪‬‬

‫ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [النحل‪.]116 :‬‬
‫وقرن اهلل تعالى تحريم القول عليه بغير علم بتحريم اإلشراك به‪ ،‬مما يدل على عظم‬
‫الذنب‪ ،‬فقال تعالى‪ ﴿ :‬ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ‬
‫ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [األعراف‪.]33 :‬‬

‫((( انظر لهذه اآلثار‪ :‬المدخل إلى السنن الكربى للبيهقي (ص‪.)436-433‬‬
‫‪486‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الضابط الثاني‪ :‬االعتماد على األدلة الشرعية‪:‬‬


‫ًّ‬
‫محاًّل لالعتبار اعتما ُدها على األدلة‬ ‫إن أول ما يجب توافره يف الفتوى لتكون‬
‫الشرعية الصحيحة المعتربة‪ ،‬وال يجوز للمفتي الحكم بالرأي المجرد‪ ،‬قال تعالى‪:‬‬
‫﴿ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ﴾ [اإلسراء‪ ،]36 :‬أو أن يحكم بالظن والتخرص دون بينة‬
‫﴿ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾ [النجم‪ ،]28 :‬وال أن‬
‫يحكم هبواه‪ ،‬قال تعالى‪ ﴿ :‬ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇ﴾ [ص‪.]26 :‬‬

‫‪   ‬‬


‫كمـا ال يجـوز لـه مخالفـة الكتـاب والسـنة واألدلـة المعتبرة‪ ،‬قـال تعالـى‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫﴿ ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾ [األحـزاب‪ ،]36 :‬وقـال تعالـى‪ ﴿ :‬ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﴾ [الحجـرات‪.]1 :‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الضابط الثالث‪ :‬مراعاة مقاصد الشرع‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يجب يف الفتوى أن تكون مالئمة لمقاصد الشرع‪ ،‬مح ّققة لجلب المصالح ودرء‬
‫‪    ‬‬

‫المفاسد‪ ،‬فإن الشريعة بأكملها قائمة على تحقيق المصالح‪ ،‬قال ابن تيمية‪( :‬فمن فهم‬
‫‪    ‬‬

‫حكمة الشارع منهم كان هو الفقيه ح ًّقا)(((‪.‬‬


‫ومن دقيق هذا الباب مراعاة ما تئول إليه الفتوى‪ ،‬فال يفتي بمشروعية فعل من‬
‫‪ ‬‬

‫األفعال أو عدم مشروعيته إال بعد النظر فيما يئول إليه‪ ،‬فقد يحقق القول به مصلحة آنية‪،‬‬
‫‪   ‬‬

‫لكنه يوقع يف مفسدة مآلية عظيمة‪ ،‬فال يكون القول به محق ًقا للمقصد الشرعي‪ ،‬ومن هذا‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الباب امتنع النبي ﷺ عن هدم الكعبة‪ ،‬وقال لعائشة ڤ‪« :‬لوال حداثة عهد قومك بالكفر‬
‫‪ ‬‬

‫لنقضت الكعبة‪ ،‬ولجعلتها على أساس إبراهيم»(((‪ ،‬فامتنع ﷺ عما فيه مصلحة خو ًفا من‬
‫‪‬‬

‫الوقوع يف مفسدة أعظم‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ومن تحقيق المصالح‪ :‬مراعاة الخالف إذا اقتضى حال المستفتي ذلك‪ ،‬فإذا ُسئل‬
‫عن مسألة بعد وقوعها‪ ،‬ورأى أن اإلفتاء بالراجح عنده يفضي إلى مفسدة أكرب من تحصيل‬
‫المصلحة المرجوة من الفتوى به‪ ،‬فله أن يفتيه بالمرجوح عنده تحقي ًقا للمصلحة‪.‬‬

‫((( الفتاوى الكربى (‪.)172/6‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1585‬ومسلم (‪.)1333‬‬
‫‪487‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الضابط الرابع‪ :‬حتقيق مناط الفتوى‪:‬‬


‫صحيحا‪ ،‬ثم معرفة‬
‫ً‬ ‫تصورا‬
‫ً‬ ‫ويكون ذلك بفهم المسألة المستفتَى عنها‪ ،‬وتصورها‬
‫حكمها وتنزيله على الواقع‪ ،‬مراع ًيا يف ذلك حال المستفتي وزمان الفتوى ومكاهنا‪ ،‬حتى‬
‫يوقع الفتوى موقعها‪ ،‬وال يخرج هبا عن ظروفها ومالبساهتا الزمانية والمكانية‪ ،‬وذلك من‬
‫إعمال المصالح والعرف‪ ،‬وهما أمران مرعيان يف الشريعة‪.‬‬
‫ولمراعاة مناط الفتوى يحتاج المفتي إلى النظر يف واقع الناس‪ ،‬وقد يحتاج إلى‬

‫‪   ‬‬


‫استفسار المستفتي عن حاله حتى يجيبه بما يراه األصلح لحاله‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الضابط اخلامس‪ :‬مراعاة التوسط واالعتدال‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫فال ينبغي للمفتي أن ينزع إلى التشديد ويوقع الناس يف الحرج الذي جاءت الشريعة‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫برفعه‪ ،‬وال أن يميل إلى التساهل المفضي إلى انحالل الدين وتتبع الرخص‪ ،‬بل يكون‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وفق الصراط المستقيم‪ ،‬محق ًقا لقواعد الشريعة وأدلتها‪ ،‬قال الشاطبي‪( :‬المفتي البالغ‬
‫‪   ‬‬

‫ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور‪ ،‬فال يذهب‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫هبم مذهب الشدة‪ ،‬وال يميل هبم إلى طرف االنحالل)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الضابط السادس‪ :‬سالمة الفتوى من الغموض‪:‬‬


‫تقديمها بأسلوب ُمبين‪ ،‬وكالم محرر‪،‬‬ ‫ُ‬ ‫لما كانت الفتوى بيانًا لحكم شرعي‪ ،‬وجب‬
‫‪ ‬‬

‫فهمها؛ إذ قد أمر اهلل تعالى نب َّيه‬ ‫خال عن التعقيد والمصطلحات التي َّ‬ ‫ٍ‬
‫يتعذر على المستفتي ُ‬
‫الكريم بالبال ِغ المبين‪ ،‬فقال تعالى‪ ﴿ :‬ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾ [النور‪.]54:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ِ‬
‫القضية المسئول عنها‪.‬‬ ‫ِ‬
‫حسم‬ ‫ومن هذا المعنى أن َت ْس َلم الفتوى من الرت ُّدد يف‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)97 ،14-7‬‬
‫‪ -‬الفتوى فـي اإلسالم (‪.)115-114 ،3‬‬
‫‪ -‬الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص‪.)20-17‬‬
‫‪ -‬ضوابط الفتوى فـي الشريعة اإلسالمية (ص‪.)84-81‬‬

‫((( الموافقات (‪.)276/5‬‬


‫‪488‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫شروط املفيت‬

‫يشترط يف المفتي ما يلي‪:‬‬

‫الشرط األول‪ :‬أهلية االجتهاد‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫ويندرج يف هذا الشرط الشروط السابقة لبلوغ رتبة االجتهاد كاإلسالم والتكليف‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫واإلحاطة بالنصوص‪ ،‬وتحصيل العلوم المعينة على االستنباط(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫إال أن العلماء مختلفون يف بلوغ االجتهاد ومرتبته المطلوبة للفتوى‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫األقوال واألدلة‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اختلف العلماء يف بلوغ االجتهاد ومرتبته المطلوبة للفتوى على أقوال كثيرة‪ ،‬أهمها‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثالثة أقوال‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫القول األول‪ :‬يشرتط بلوغ مرتبة االجتهاد المطلق‪ ،‬وإليه ذهب أكثر الحنابلة‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وحكاه أكثر العلماء الذين تكلموا عن شروط المفتي‪.‬‬


‫القول الثاين‪ :‬ال يشرتط بلوغ مرتبة االجتهاد المطلق‪ ،‬بل تجوز الفتوى لمجتهد‬
‫‪ ‬‬

‫المذهب(((‪ ،‬ولمن كان اجتهاده جزئ ًّيا‪ ،‬وهبذا قال جمع من األصوليين‪ ،‬ونص ابن الصالح‬
‫‪   ‬‬

‫والنووي وغيرهما أن هذا هو الذي عليه العمل‪ ،‬وإليه مفزع المفتين من مدد مديدة‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القول الثالث‪ :‬ال يشرتط أن يكون مجتهدً ا‪ ،‬بل تجوز فتوى المقلد بمذهب إمامه إذا‬
‫‪ ‬‬

‫كان حاف ًظا له متمكنًا من فهمه‪ .‬وقيد بعضهم هذا القول بعدم وجود المجتهد‪.‬‬
‫‪‬‬

‫دليل القول األول (اشرتاط االجتهاد املطلق)‪:‬‬


‫‪‬‬

‫أن الفتوى خرب بحكم اهلل تعالى‪ ،‬وغير المجتهد المطلق ال يفتي بحكم اهلل‪ ،‬بل هو‬
‫مخرب عن مذهب إمامه‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)413‬‬


‫قادرا على تخريج الوجوه والفروع غير المنصوصة‬
‫((( مجتهد المذهب‪ :‬هو من كان عارفا بأصول إمامه وقواعده‪ً ،‬‬
‫على ما نص عليه إمامه‪.‬‬
‫‪489‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫دليل القول الثاني (اشرتاط االجتهاد فـي مذهب)‪:‬‬


‫أن المجتهد المطلق ُعدم وجوده منذ زمن طويل‪ ،‬ولو لم نجز فتوى المجتهد‬
‫المقلد ألفضى ذلك إلى الحرج العظيم‪ ،‬ولوكل الناس إلى أهوائهم‪.‬‬
‫دليل القول الثالث (عدم اشرتاط االجتهاد)‪:‬‬
‫أن من هذا حاله عدل ثقة‪ ،‬وقد َن َق َل كال َم إما ٍم مجتهد‪ ،‬فيقبل قوله لعدالته‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن هذا نقل للفتوى‪ ،‬وليس من باب الفتوى‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ويمكن أن يستدل للقيد المذكور‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫بأن قبول قوله من باب الضرورة‪ ،‬والضرورة ترفع المحظور‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشرط الثاني‪ :‬العدالة‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهي َم َلكة تحمل صاحبها على مالزمة التقوى والمروءة‪ ،‬وتستلزم ما يأيت‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬

‫أواًل‪ :‬ترك الكبائر واإلصرار على الصغائر‪.‬‬ ‫ً‬


‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬ترك الصغائر المخلة بالمروءة كسرقة الشيء اليسير ونحوه‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬ترك المباحات المرذولة‪ ،‬كاألكل يف الطرقات‪ ،‬ومرجع ذلك عرف الناس‬
‫‪    ‬‬

‫زمانًا ومكانًا‪.‬‬
‫والعدالة مشرتطة للمفتي باإلجماع‪ ،‬قال ابن حمدان يف شروط المفتي‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫(أما ْاشتِ َراط إِ ْس َاَلمه وتكليفه وعدالته فباإلجماع)(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫دليل اشرتاط العدالة‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ﴾ [الحجرات‪.]6 :‬‬


‫‪ ‬‬

‫وجه الداللة‪ :‬أن اهلل تعالى أمر بالتبين والتثبت من خرب الفاسق‪ ،‬والفتوى من جنس‬
‫‪‬‬

‫األخبار التي يجب فيها التثبت‪.‬‬


‫‪‬‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن المفتي مخرب عن اهلل تعالى‪ ،‬والفاسق ال يؤمن منه الكذب على اهلل‬
‫تعالى‪ ،‬فينسب للشرع ما ليس منه‪ ،‬وإذا وجب االحرتاز من خربه يف غير الدين ففي الدين أولى‪.‬‬
‫إال أنه يستثنى من ذلك أمران‪:‬‬
‫‪1‬ـ لو وقعت للفاسق يف نفسه واقعة عمل فيها بفتوى نفسه ولم يستفت غيره‪.‬‬

‫((( صفة الفتوى (ص‪.)13‬‬


‫‪490‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫‪2‬ـ ذكر ابن القيم أن حكم فتيا الفاسق يختلف باختالف األمكنة واألزمنة والقدرة‬
‫عم‬
‫والعجز‪ ،‬وذهب إلى جواز فتيا الفاسق إذا لم يكن معلنًا بفسقه داع ًيا إليه‪ ،‬فيما إذا َّ‬
‫الفسق وغلب على أهل األرض؛ ألنه لو منعت فتواه لعطلت األحكام‪ ،‬وفسد نظام‬
‫الخلق‪ ،‬وبطلت أكثر الحقوق‪.‬‬
‫والظاهر أن مثل هذه الحالة التي ذكرها ابن القيم هي حالة ضرورة ال يختلف‬
‫يف مثلها‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الشرط الثالث‪ :‬فقه النفس‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهو أن يكون عنده استعداد فطري يتحصل به قوة الفهم لنصوص الشريعة‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وأحكامها‪ ،‬مع البصر التام والفطنة بإمكان تنزيلها يف الواقع على محملها الصحيح‪،‬‬
‫‪    ‬‬
‫وهذا أمر زائد على االجتهاد‪ ،‬فقد يكون العالم مجتهدً ا غير أنه ال يحسن تنزيل األحكام‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫خبيرا بأعراف الناس وطباعهم وطرائقهم يف التحايل والخداع؛ فإنه‬


‫على الوقائع‪ ،‬وليس ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫إذا لم يكن كذلك تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه‪ ،‬والمحق بصورة المبطل‬
‫‪    ‬‬

‫وعكسه‪ ،‬وراج عليه المكر والخداع واالحتيال‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الربهان (‪.)227/2‬‬
‫‪ -‬أدب املفيت واملستفيت (ص‪.)107‬‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)13‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)169/4‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)358/8‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)4071-4070/8‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)582-557/4‬‬
‫‪ -‬الفتوى وأهميتها (ص‪.)39‬‬
‫‪491‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫آداب املفيت واملستفيت‬

‫حرص العلماء على وضع عدة ضوابط للمفتي يف فتواه‪ ،‬والمستفتي يف طلبه‬
‫للفتوى‪ ،‬وقد صنف يف هذا الباب العديد من العلماء‪ ،‬فذكروا آدا ًبا على المفتي التحلي هبا‬
‫أثناء فتواه‪ ،‬وعلى المستفتي االلتزام هبا أثناء استفتائه للمفتي‪ ،‬وفيما يأيت ذكر أبرز اآلداب‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫التي يتحلى هبا كل من المفتي والمستفتي‪.‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫ً‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫أواًل‪ :‬آداب املفيت‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫المفتي‪ :‬هو المخرب عن حكم اهلل تعالى‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وآداب المفتي ليست شرو ًطا ال تصح الفتوى إال هبا‪ ،‬ولكن منها ما هو واجب أو‬
‫‪   ‬‬

‫مندوب‪ ،‬ومنها ما يكون قبل إصدار الفتوى‪ ،‬أو يف أثنائها‪ ،‬أو بعدها‪ ،‬وقد اعتنى العلماء‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بذكرها وعدّ ها‪ ،‬ونذكر هنا أهمها‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ -1‬التثبت من األهلية للفتوى‪ ،‬فال يتصدر للفتيا إال إذا كان حقي ًقا بذلك؛ كأن‬
‫يشهد له أهل العلم بالتمكن‪ ،‬قال اإلمام مالك‪( :‬ال ينبغي للعالم أن يفتي حتى يراه الناس‬
‫‪ ‬‬

‫أهاًل لذلك‪ ،‬ويرى هو نفسه ً‬


‫أهاًل لذلك)(((‪.‬‬ ‫ً‬
‫‪ -2‬إخالص العمل هلل تعالى‪ ،‬فإنما األعمال بالنيات‪ ،‬وقد قال اإلمام أحمد‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫(ال ينبغي للرجل أن ينصب نفسه ‪-‬يعني للفتيا‪ -‬حتى يكون فيه خمس خصال‪ ،‬أما أولها‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫أن تكون له نية‪ ،‬فإنه إن لم تكن له نية لم يكن على كالمه نور‪ ،‬ولم يكن عليه نور)(((‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -3‬التوجه إلى اهلل بالدعاء يف أن يلهمه الصواب ويفتح له طريق السداد‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -4‬الحرص يف فتواه على ما يرضي اهلل بموافقة شرعه‪ ،‬وتحقيق مقاصده يف رعاية‬
‫مصالح الناس‪ ،‬متجن ًبا الخضوع ألهواء الناس ورغباهتم المخالفة لشرع اهلل‪ ،‬مبتعدً ا يف‬
‫تربيرا للواقع أو إرضاء ألحد من الناس‪.‬‬
‫فتواه عن أن تكون ً‬

‫((( الفروق للقرايف (‪.)110/2‬‬


‫((( انظر‪ :‬أعالم الموقعين (‪.)١٥٢/٤‬‬
‫‪492‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫‪ -5‬التورع عن الفتوى ما أمكنه‪ ،‬فال يفتي يف مسألة يكفيه غيره إياها‪ ،‬فقد كان‬
‫السلف ﭫ يتدافعون الفتوى‪ ،‬فإن رأى أهنا قد تعينت عليه بذل جهده يف معرفة حكمها‪،‬‬
‫مستعينًا باهلل تعالى‪.‬‬
‫‪ -6‬التأين والتثبت‪ ،‬وإدامة التيقظ وترك العجلة‪ ،‬قال اإلمام مالك‪( :‬العجلة يف‬
‫الفتوى نوع من الجهل والخرق)(((‪ ،‬وعن األثرم قال‪( :‬سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن‬
‫يقول‪ :‬ال أدري‪ ،‬وذلك فيما عرف األقاويل فيه)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -7‬التمهيد للفتوى‪ ،‬فيما إذا كان الحكم مستغر ًبا عما تألفه النفوس وألفت خالفه‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫حتى يكون ذلك أوقع لقبولهم ما يراه من حكم اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪ -8‬استشارة من يثق بدينه وعلمه‪ ،‬وال يستقل بالجواب؛ ذها ًبا بنفسه‪ ،‬وارتفا ًعا هبا‪،‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فقد قال اهلل تعالى لنبيه ﷺ‪ ﴿ :‬ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [آل عمران‪ ،]159 :‬وأثنى على المؤمنين‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بأن أمرهم شورى بينهم‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫احتمااًل يحتاج معه إلى االستفصال‪.‬‬‫ً‬ ‫‪ -9‬استفصال السائل‪ ،‬إذا وجد يف السؤال‬
‫‪    ‬‬

‫اع القول بدليله أو تعليله؛ فإن الدليل أساس الفتوى وروحها‪.‬‬ ‫‪ -10‬إ ْت َب ُ‬
‫‪    ‬‬

‫حرمه‪ ،‬إال لما يعلم أن األمر فيه‬ ‫‪ -11‬أال يشهد على اهلل ورسوله بأنه أحل كذا أو َّ‬
‫‪    ‬‬

‫كذلك‪ ،‬مما نص اهلل ورسوله على حله أو تحريمه‪ ،‬واألولى أن يقول‪ :‬أكره كذا‪ ،‬أرى هذا‬
‫حسنًا‪ ،‬ينبغي هذا‪ ،‬ال يعجبني هذا‪ ،‬ونحو ذلك مما نُقل عن السلف يف فتاواهم‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -12‬مراعاة ما يقتضيه الحال يف فتواه من جهة إيجاز الجواب وتفصيله‪ ،‬وال ينبغي‬
‫‪   ‬‬

‫أن يع ّلق الجواب أو يرتدد فيه؛ لئال يوقع المستفتي يف حيرة من أمره‪ ،‬ويحسن به أن يزيد‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫يف الجواب عما تضمنه السؤال إن رأى الحاجة لذلك‪ ،‬فقد سئل النبي ﷺ عن ماء البحر‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫فأجاب عنه مضي ًفا حكم ميتته‪ ،‬فقال ﷺ‪« :‬هو الطهور ماؤه‪ ،‬الحل ميتته»(((‪.‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -13‬إرشاد المستفتي إلى البديل المناسب‪ ،‬فإن من فقه المفتي ونصحه إذا أفتى‬
‫‪‬‬

‫المستفتي بالتحريم‪ :‬أن يدله على ما هو عوض له عنه‪ ،‬فإذا سد عليه باب المحظور فتح‬
‫له باب المباح‪.‬‬

‫((( أعالم الموقعين (‪.)445/3‬‬


‫((( آداب الفتوى والمفتي والمستفتي (ص‪.)15‬‬
‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)83‬والرتمذي (‪ ،)69‬والنسائي (‪ )59‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪ ،‬قال الرتمذي‪:‬‬
‫(حسن صحيح)‪.‬‬
‫‪493‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫قياسا على‬
‫‪ -14‬ترك الفتيا حال انشغال القلب بغضب أو جوع أو نحوهما‪ً ،‬‬
‫القاضي‪ ،‬فقد ورد النهي عن القضاء حال الغضب يف قوله ﷺ‪« :‬ال يقضين حكم بين اثنين‬
‫وهو غضبان»(((‪.‬‬
‫‪ -15‬الحلم والوقار‪ ،‬والسكينة والرفق بالمستفتي‪ ،‬والتلطف معه‪ ،‬وإفهامه برفق‬
‫إن كان بطيء الفهم‪.‬‬
‫‪ -16‬معرفة الناس؛ وذلك بأن يعرف عاداهتم وأحوالهم وطباعهم حتى يتمكن من‬

‫‪   ‬‬


‫تنزيل الحكم يف محله‪ ،‬ولو جهل هذا لكان ما يفسد أكثر مما يصلح‪ ،‬وراج عليه المكر‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫والخداع واالحتيال‪ ،‬ولشق على الناس فيما يوقع عليهم مخال ًفا لعاداهتم‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ -17‬أن يكون له من الكفاية ما يرتفع به عن االحتياج للناس واألخذ مما يف أيديهم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪ -18‬يجب على المفتي أن يغ ّير فتواه إذا تبين له أهنا خطأ‪ ،‬وهذا ال يقدح يف علمه‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أو دينه‪ ،‬بل هو دليل على تقواه وسعة علمه‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬آداب املستفيت‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫المستفتي‪ :‬هو المقلد الذي يطلب بيان حكم الشرع بسؤاله لمن هو أهل لذلك‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ومن آداب المستفتي‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -1‬يجب عليه قط ًعا البحث الذي يعرف به أهلية من يختاره لإلفتاء إِذا لم يكن‬
‫َع ِ‬
‫ار ًفا بأهليته‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -2‬إخالص النية يف سؤاله‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -3‬االستئذان من المفتي قبل مبادرة السؤال‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -4‬مراعاة األدب يف الجلوس عند المفتي‪.‬‬


‫‪ -5‬مراعاة األدب يف لفظه وخطابه للمفتي‪ ،‬فال يرفع صوته فيما ال يحتاج إلى‬
‫‪‬‬

‫ذلك‪ ،‬ويختار من القول أحسنه‪ ،‬ويتأدب يف ندائه للمفتي حين سؤاله‪.‬‬


‫‪ -6‬الدعاء للمفتي بما يراه مناس ًبا‪.‬‬
‫‪ -7‬ال يذكر عنده رأي غيره‪ ،‬أو فتيا لم ْف ٍ‬
‫ت آخر‪.‬‬ ‫ُ‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7158‬ومسلم (‪ )1717‬من حديث أبي بكرة ﭬ‪ ،‬واللفظ للبخاري‪.‬‬
‫‪494‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫‪ -8‬أال يتضمن السؤال ما يحمل المفتي على رأي معين؛ كأن يذكر يف سؤاله‬
‫ً‬
‫سؤااًل مجر ًدا‬ ‫للمفتي‪ :‬مفاسد رأي من اآلراء التي يسوغ فيها الخالف‪ ،‬بل ينبغي أن يسأل‬
‫عن الهوى والتعصب لرأي أو مذهب‪.‬‬
‫‪ -9‬مراعاة حال المفتي ومكانه وزمانه‪ ،‬فال يسأله يف أوقات غير مناسبة‪ ،‬أو يف مكان‬
‫هم‪ ،‬أو شيء مما يشغل القلب‪.‬‬
‫غير مناسب‪ ،‬أو حال انشغاله بأمر‪ ،‬أو حال ضجر‪ ،‬أو ّ‬
‫َفس ِه ما أمكن؛ ألن المفتي قد يحتاج إلى االستفصال عن حاله‪،‬‬
‫‪َ -10‬أن يستفتي بِن ِ‬

‫‪   ‬‬


‫وله أن يبعث ثقة يعتمد خربه ليستفتي له‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -11‬عدم السؤال عما ال يقع وال نفع فيه‪ ،‬أو ما فيه فتنة‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪)1603-1594/5‬‬


‫‪ -‬اجملموع شرح املهذب (‪.)58-47/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الفقيه واملتفقه (‪.)386-375/2‬‬


‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)113-105/6‬‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪)69-68 ،13‬‬
‫‪ -‬املوافقات (‪.)282-253/5‬‬
‫‪ -‬شرح الكوكب املنري (‪.)598-593/4‬‬
‫‪ -‬الفتوى فـي اإلسالم (ص‪ -82‬وما بعدها‪ -101 ،‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪ -‬الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص‪.)64-60‬‬
‫‪ -‬ضوابط الفتوى فـي الشريعة اإلسالمية (ص‪ -123‬وما بعدها‪ -211 ،‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪495‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مراعاة املفيت حال املستفيت‬

‫قد تقدم أن من اآلداب التي ينبغي على المفتي التحلي هبا هي إرشاد المستفتي‬
‫ومراعاته لألحوال التي قد تؤثر يف الفتوى ويف حال المستفتي(((‪ ،‬والحقيقة أن الفتوى‬
‫تصدر يف األصل بناء على سؤال المستفتي؛ ولذلك فإن مراعاة حال المستفتي من أبرز‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫الضمانات لصحة الفتوى‪ ،‬وتحقيقها لمقصود الشرع ومصالحه المعتربة‪ ،‬ولذا شبه‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الشافعي المفتي بالطبيب الذي يكشف علة المريض‪ ،‬فقال‪( :‬المستفتي عليل‪ ،‬والمفتي‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ماهرا بِطِ ِّب ِه وإال قتله)(((‪.‬‬
‫طبيب؛ فإن لم يكن ً‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وحتصل مراعاة حال املستفيت فـي الفتوى من مثانية وجوه‪:‬‏‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والصرب على‬
‫ّ‬ ‫الوجه األول‪ :‬إذا كان المستفتي بعيد الفهم فعلى المفتي التّر ّفق به‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫تفهم سؤاله وتفهيم جوابه‏‪.‬‏‬


‫ّ‬
‫‪    ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن يستفصل المستفتي عن حاله ليحقق مناطه الخاص‪ ،‬ويفتيه بما‬
‫هو أنفع له‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬أن يراعي مقاصد السائلين بأسئلتهم‪ ،‬فإن كان مراد السائل مخال ًفا‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬

‫للشرع لم يجبه‪ ،‬كأن يكون غرضه من سؤاله الوصول إلى غرضه بأي طريق اتفق‪ ،‬أو كان‬
‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫غرضه موافقة هواه ولم يكن غرضه بيان الحق‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الوجه الرابع‪ :‬أن يعدل يف الجواب إلى ما هو أنفع للسائل؛ فإن ذلك من أمانة المفتي‬
‫وحرصـه‪ ،‬ومنه لما سـأل النّاس النبـي ﷺ عن المال المنفق‏نزل قوله تعالى‪﴿ :‬ﯵ‬
‫‪‬‬

‫ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ‬
‫أهـم‬
‫ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾ [البقـرة‪]215:‬‏‪ ،‬فأجاهبـم بذكـر المصـرف؛ إذ هـو ّ‬
‫مما سألوا عنه‪.‬‬
‫ّ‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)530-492‬‬


‫((( الفقيه والمتفقه (‪.)394/2‬‬
‫‪496‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الوجه الخامس‪ :‬أن يضيف يف جوابه بيان ما ينتفع به السائل‪ ،‬ولو لم يسأل عنه‪،‬‬
‫ّبي ﷺ عن‬ ‫وقد أخذ العلماء ذلك من حديث أبي هريرة ّ‬
‫الصحابة ﭫ سألوا الن ّ‬ ‫أن بعض ّ‬
‫‪.‬‬
‫(((‬ ‫الوضوء بماء البحر‪ ،‬فقال‏‪:‬‏ «هو ال ّطهور ماؤه‪ّ ،‬‬
‫الحل ميتته»‬
‫الوجه السادس‪ :‬أن يحرص المفتي على بيان البدائل المباحة للسائل إذا كان‬
‫جوابه بالمنع‪.‬‬
‫الوجه السابع‪ :‬أن يعرض المفتي عن الجواب إن كان السؤال فيما ال نفع فيه‪ ،‬أو‬

‫‪   ‬‬


‫ال وقوع له‪ ،‬أو كان سؤال السائل يف أمر ال يعنيه‪ ،‬ونقل عن ابن ع ّباس ﭭ قوله لعكرمة‏‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فأفت الناس‪ ،‬فمن جاءك يسألك عما َيعنيه فأفتِ ِه‪ ،‬ومن سألك عما ال يعنيه فال ُتفته)(((‪.‬‬
‫(انطلق ِ‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫علي ﭬ‪:‬‏‬ ‫السائل ال يحتمل الجواب‪ ،‬فيرتك إجابته وجو ًبا‪ ،‬لقول ّ‬
‫‪     ‬‬ ‫وكذا لو كان عقل ّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫يكذب اهلل ورسوله)(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬ ‫(حدّ ثوا النّاس بما يعرفون أتح ّبون أن ّ‬
‫‪    ‬‬

‫غلوا‬
‫الوجه الثامن‪ :‬حمل المستفتي على الطريق الوسط المعتدل‪ ،‬فإن رأى فيه ًّ‬
‫‪   ‬‬

‫وتشديدً ا أعاده إلى االعتدال ببيان التيسير وأخبار سعة رحمة اهلل‪ ،‬وإن كان ً‬
‫مائاًل إلى‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وخوفه من العقوبة العاجلة واآلجلة‪.‬‬ ‫التساهل واإلفراط أمره بمراقبة اهلل َّ‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬الواضح البن عقيل (‪.)464-463/5‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -‬جمموع الفتاوى (‪.)198/28‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)53-43/6‬‬


‫‪ -‬ذخر احمليت من آداب املفيت (ص‪.)71-70‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الفتوى أهميتها وضوابطها (ص‪.)504‬‬


‫‪ -‬الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص‪.)72-64‬‬
‫‪ -‬مراعاة حال املستفيت (ص‪.)496-493‬‬

‫((( سبق تخريجه (ص‪.)493‬‬


‫((( أخرجه البيهقي يف المدخل إلى السنن الكربى (‪ ،)826‬وأبو نعيم يف حلية األولياء (‪.)327/3‬‬
‫((( أخرجه البخاري (‪.)127‬‬
‫‪497‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫جماالت الفتوى‪ ،‬واملؤثرات فـيها‪،‬‬


‫ووسائلها فـي العصر احلاضر‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬جماالت الفتوى‪:‬‬
‫الفتوى إخبار عن اهلل تعالى‪ ،‬ومجال اإلخبار يشمل الدين كله‪ ،‬ويمكن تقسيم‬
‫مجاالت الفتوى باعتبارين‪( :‬المفتى به‪ ،‬ووجود النص على الفتوى)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫االعتبار األول‪ :‬تقسيم جماالت الفتوى من حيث املفتى به إىل ثالثة أقسام‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫القسم األول‪ :‬مسائل التوحيد والعقيدة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهي المسائل المتعلقة بإفراد اهلل تعالى بربوبيته‪ ،‬وألوهيته‪ ،‬وأسمائه وصفاته‪ ،‬وما‬
‫‪    ‬‬
‫يتعلق بذلك من مسائل اإليمان‪ ،‬وهذا النوع يحتاج إلى مزيد من التحرز؛ فالخطأ فيه عظيم‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫لعظم متعلقه‪ ،‬وقد ن ّبه العلماء يف هذه المسائل إلى ثالثة أمور‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األمر األول‪ :‬أن يب ّين المفتي هذه المسائل على وفق ما جاءت به النصوص‪ ،‬مبتعدً ا‬
‫‪    ‬‬

‫عن الدخول يف علم الكالم وتفصيالت أهل البدع‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫األمر الثاين‪ :‬أن يكون البيان باأللفاظ الواضحة‪ ،‬والحذر من اإلجمال المخل‬
‫أو األلفاظ الموهمة إال بما ُيبينها‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫إجمااًل مبتعدً ا عن التفصيل‪ ،‬وينهى السائل عن‬ ‫ً‬ ‫األمر الثالث‪ :‬أن يكتفي بالبيان‬
‫الخوض فيما قد يوقعه يف الشبه أو الضرر يف معتقده‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وقد ذهب جمع من العلماء إلى النهي عن التفصيل مطل ًقا يف باب العقائد‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫ودليله‪ :‬أن الخوض يف دقائق هذا العلم قد يوقع الناس يف الفتنة‪ ،‬فهم ال يدركون‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫الحجج العقلية الدقيقة‪ ،‬وقد ت ْعلق الشبه يف أذهاهنم فال يستطيعون فكاكًا منها‪.‬‬
‫‪‬‬

‫خاصا منقا ًدا للحق ُيؤمن من وقوعه يف الفتنة‪.‬‬


‫واستثنوا من ذلك إذا كان السائل مسرتشدً ا ًّ‬
‫وهذا األمر فيه تفصيل‪:‬‬
‫أ ـ فإن كان المراد بما سـبق‪ :‬النهي عن إفتاء عامة الناس بما تسـتنكره عقولهم‪ ،‬أو‬
‫يف المتشـاهبات مـن حيـث كيفيتهـا‪ ،‬أو يف دقائـق علم الـكالم فهذا حق‪ ،‬وقـد قال علي بن‬
‫أبي طالـب ﭬ‪( :‬حدثـوا الناس بما يعرفون‪ ،‬أتحبون أن يكذب اهلل ورسـوله؟!)(((‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪.)127‬‬


‫‪498‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫خصوصا عند من‬


‫ً‬ ‫ب ـ وإن كان المراد‪ :‬المنع من بيان تفاصيل العقيدة مطل ًقا؛‬
‫التبست لديه‪ ،‬فهذا مردود بفتاوى النبي ﷺ يف تفاصيل أمور االعتقاد‪ ،‬وكذا فتاوى‬
‫أصحابه وأئمة الفتوى من بعدهم ممن سار على هديهم‪.‬‬
‫والمقصود أن على المفتي يف هذه المسائل أن يحرر النظر يف المسألة التي سئل‬
‫عنها‪ ،‬ويجيب بما يقتضيه بيان العلم ومالحظة المصلحة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫القسم الثاني‪ :‬املسائل العملية‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وهي المتعلقة بأبواب الفقه من عبادات‪ ،‬ومعامالت‪ ،‬وجنايات‪ ،‬وأحكام األسرة‪،‬‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ونحوها‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ً‬
‫تفصياًل‪.‬‬ ‫ً‬
‫إجمااًل أو‬ ‫وهي أرحب مجاالت الفتوى‪ ،‬فال يمنع المفتي من الفتوى فيها‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬املسائل املتعلقة بالعلوم الشرعية األخرى‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫كعلم أصول الفقه‪ ،‬والقواعد الفقهية‪ ،‬والتفسير‪ ،‬والسنة‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫االعتبار الثاني‪ :‬تقسيم جماالت الفتوى من حيث وجود النص وكالم العلماء على حكم‬
‫‪    ‬‬

‫الواقعة أو عدمه إىل ثالثة أقسام‪:‬‬


‫القسم األول‪ :‬الفتوى فيما ورد فيه نص‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وعمل المفتي هنا هو تحقيق المناط‪ ،‬فإن تأكد من دخول الواقعة يف حكم النص‬
‫أفتى بمقتضاه‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫القسم الثاني‪ :‬الفتوى فيما تكلم عنه الفقهاء اجملتهدون‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫وعليه هنا النظر‪ ،‬فإن كانت محل إجماع أخذ به‪ ،‬وال يجوز له أن يخالفه‪ ،‬وإن كانت‬
‫‪‬‬

‫موضع خالف اجتهد يف األخذ باألرجح يف نظره‪.‬‬


‫‪‬‬

‫القسم الثالث‪ :‬النوازل‪:‬‬


‫وقد تقدم تعريف النوازل(((‪ ،‬وهذا النوع من المسائل يحتاج إلى مزيد نظر واجتهاد‪،‬‬
‫ويكون ذلك وفق منهج معترب‪ ،‬سبق بيانه(((‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)477-440‬‬


‫((( انظر‪( :‬ص‪.)489-446‬‬
‫‪499‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثان ًيا‪ :‬املؤثرات فـي الفتوى‪:‬‬


‫تتأثر الفتوى بأمور كثيرة منها أسباب تغير االجتهاد عمو ًما‪،‬‬
‫وأهمها‪ :‬المصلحة والعرف والواقع‪ ،‬وقد سبق تفصيل ذلك(((‪.‬‬
‫النظر يف مآل الفتوى وتقدير‬
‫عواقبها‬
‫ثال ًثا‪ :‬وسائل الفتوى فـي العصر احلاضر‪:‬‬
‫تعددت وسائل الفتوى المعاصرة ما بين وسائل ماضية ما زالت مستمرة‪ ،‬ووسائل‬

‫‪   ‬‬


‫حديثة لم تعهد يف األزمان السابقة‪ ،‬ومن تلك الوسائل الحديثة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪1‬ـ القنوات الفضائية واإلذاعات‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪2‬ـ الهاتف والجوال‪ ،‬ويتبع الجوال جملة من برامج التواصل الحديثة‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪3‬ـ شبكة اإلنرتنت‪ :‬ويمكن أن يكون ذلك كتاب ًّيا عن طريق المدونات والمنتديات‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والمواقع الخاصة بالفتاوى‪ ،‬ومواقع الشبكة االجتماعية كـ (تويرت‪ -‬والفيس بوك وغيرهما)‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫أو عن طريق برامج المحادثة المباشرة‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ويندرج هنا نشر قرارات مجامع البحوث والمجامع الفقهية وهيئات اإلفتاء‬
‫‪    ‬‬

‫ونحوها‪.‬‬
‫والفتيا فـي الوسائل احلديثة ال ختلو من حالني‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫احلالة األوىل‪ :‬وسائل غري مباشرة‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫كأن تكون مسجلة بحيث تستقبل األسئلة قبل بث الحلقة‪ ،‬وتعرض على المفتي‪،‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ليتفحصها ويعد اإلجابات لها‪ ،‬ثم تبث الحلقة على الناس‪ ،‬وهذا النوع وما قام مقامه‬
‫‪ ‬‬

‫كاإلجابة الكتابية ال إشكال فيه‪ ،‬ويتميز بإمكانية النظر والتأمل‪ ،‬وعدم االستعجال يف‬
‫‪‬‬

‫الفتوى‪ ،‬مما يقلل من وقوع الخطأ فيها‪.‬‬


‫‪‬‬

‫احلالة الثاني‪ :‬وسائل مباشرة‪:‬‬


‫وهي التي يلقى فيها السؤال على المفتي أثناء عرض الحلقة‪ ،‬ويتولى اإلجابة على‬
‫الفور‪ ،‬وهذا النوع من الفتاوى له إيجابيات‪ ،‬أبرزها‪:‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)469-429‬‬


‫‪500‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫أواًل‪ :‬تبيين الحكم الشرعي يف الواقعات والنوازل التي تواجه الناس بطريقة سريعة‪.‬‬
‫ً‬
‫ثان ًيا‪ :‬إشاعة الثقافة الفقهية الشرعية لجميع الناس على اختالف مستوياهتم وأجناسهم‪.‬‬
‫وله آثار سلبية كثيرة‪ ،‬أبرزها‪:‬‬
‫أواًل‪ :‬تصدر من ليس ً‬
‫أهاًل‪ ،‬وذلك أن هذه القنوات لكثرهتا أصبحت تبحث عن كل‬ ‫ً‬
‫من له حظ من العلم‪ ،‬ولو لم يكن ً‬
‫أهاًل‪.‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬نشر اآلراء الفقهية الشاذة والمهجورة‪ ،‬وذلك لكثرة المتصدرين للفتوى على‬

‫‪   ‬‬


‫اختالف مشارهبم‪ ،‬ومذاهبهم‪ ،‬ومناهجهم يف التعامل مع الوقائع واألسئلة الواردة إليهم‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثال ًثا‪ :‬أدت عملية تعدد الفتاوى بتعدد قنوات البث واختالفها إلى نشر فكرة (التخير)‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫بين الفتاوى لعوام الناس‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫راب ًعا‪ :‬عدم تمكن المفتي من تحقيق مناط السائل بشكل مناسب‪ ،‬وعدم التفريق‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بين الفتوى العامة والخاصة‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫خامسا‪ :‬كثرة األخطاء بسبب االستعجال وعدم التمهل‪ ،‬واختالف أماكن السائلين‬
‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫مع عدم معرفة المفتي بمعاين ألفاظهم وأعرافهم وعاداهتم‪ ،‬وربما الغفلة عن معرفة واقعهم‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫سادسا‪ :‬تأثر المفتين يف فتواهم بجملة من المؤثرات كالسائل‪ ،‬أو مقدم الربنامج‪،‬‬
‫ً‬
‫أو سياسة القناة‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫وهذه السلبيات أدت إلى قول بعض المعاصرين بالمنع من الفتوى المباشرة‪ ،‬لكن‬
‫غالب المعاصرين على جواز ذلك؛ شرط أن يضبط بستة ضوابط مهمة‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الضابط األول‪ :‬االعتناء بجودة اختيار المفتي‪ ،‬ووضع ضوابط مناسبة تؤهله للفتيا‬
‫‪ ‬‬

‫المباشرة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫ومن ذلك‪ :‬اتصافه بحسن الفهم‪ ،‬وجودة المنطق‪ ،‬وسرعة البديهة‪ ،‬ومعرفة الواقع‬
‫‪‬‬

‫المحلي والعالمي‪ ،‬والعلم بأحكام النوازل‪ ،‬مع التدين التام‪ ،‬وحسن الورع‪ ،‬والتوسط بين‬
‫التشديد والتساهل‪.‬‬
‫الضابط الثاين‪ :‬فرز األسئلة‪ ،‬ومعرفة ما ينبغي أن يجاب عنه‪ ،‬وما ال يجاب عنه‪،‬‬
‫أو يحال السائل فيه إلى جهة االختصاص‪.‬‬
‫الضابط الثالث‪ :‬أن يحرص المفتي على استفصال السائل‪ ،‬وتحقيق مناط سؤاله‪.‬‬
‫الضابط الرابع‪ :‬عدم التدخل بما يؤثر على فتوى المفتي‪.‬‬
‫‪501‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الضابط الخامس‪ :‬مراعاة حال المستمعين والمشاهدين من حيث صياغة الفتوى ولغتها‪.‬‬
‫الضابط السادس‪ :‬التأين وعدم التسرع يف الفتوى حتى تأخذ حقها من النظر‬
‫واالجتهاد‪ ،‬فإن لم يكن عنده علم بحكمها فال يمنعه ذلك من رد العلم إلى اهلل تعالى‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أدب املفيت واملستفيت (ص‪.)157-153‬‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)50-44‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)43-42/6‬‬
‫‪ -‬الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص‪.)25-24‬‬
‫‪ -‬الفتوى وأهميتها (ص‪.)15‬‬
‫‪ -‬ضوابط الفتوى عرب الفضائيات (ص‪.)24-23‬‬
‫‪502‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫أسباب اخلطأ فـي الفتوى ومظاهره‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬أسباب اخلطأ فـي الفتوى‪:‬‬
‫الفتوى عمل بشري‪ ،‬ولذا فهو عرضة للخطأ؛ إذ ال عصمة ألحد إال من عصمه اهلل‬

‫‪   ‬‬


‫تعالى‪ ،‬ومن أهم أسباب الخطأ يف الفتوى ما يلي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -1‬عدم أهلية املفيت‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫وذلك بأن يتصدى للفتوى مع عدم اكتمال أهليته‪ ،‬وهو من اختل فيه شرط من‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫شروط المجتهد‪ ،‬وقد تقدم تفصيلها(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -2‬عدم املعرفة بواقع الناس وأحواهلم وأعرافهم‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪ -3‬اخلضوع لألهواء‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫خطرا على المفتي‪ ،‬سواء هوى نفسه أو هوى غيره‪ ،‬قال‬ ‫ً‬ ‫وهو من أشد المزالق‬
‫‪    ‬‬

‫تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ‬
‫ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ﴾ [الجاثية‪.]23 :‬‬
‫‪ ‬‬

‫ومما يقارب هذا المعنى الخضوع لضغط الواقع وتأثيره‪.‬‬


‫‪ -4‬التسرع فـي الفتوى‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وذلك بأن يفتي دون أن يتأمل المسألة‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -5‬االبتعاد عن التوسط‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫والمفتون إذا لم يسلكوا التوسط على طرفين‪:‬‬


‫األول‪ :‬منهم من يتساهل ويتتبع الرخص واألقوال الشاذة‪ ،‬وقد نص العلماء على‬
‫‪‬‬

‫حرمة التساهل يف الفتوى واتباع الحيل‪.‬‬


‫الثاين‪ :‬ومنهم من يتشدد ويغلق باب الرتخص المباح والتيسير الذي جاءت الشريعة به‪.‬‬
‫‪ -6‬عدم مراعاة مقتضيات تغري الفتوى من تغري الزمان واملكان واألعراف والعادات وغري ذلك‪.‬‬

‫((( انظر‪( :‬ص‪.)413‬‬


‫‪503‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫ثان ًيا‪ :‬مظاهر اخلطأ فـي الفتوى‪:‬‬


‫ال شك أن الخطأ يف الفتوى عظيم‪ ،‬وال سيما يف وقتنا الحاضر؛ وذلك لسرعة انتشار‬
‫الفتوى عن طريق وسائل اإلعالم والتواصل المعاصرة‪ ،‬ومن المظاهر التي يسببها الوقوع‬
‫يف الخطأ‪:‬‬
‫‪ -1‬التشكيك يف األحكام الشرعية‪ ،‬ونسبة الخطأ للشرع‪.‬‬
‫‪ -2‬انتشار األقوال الشاذة والضعيفة بين األمة‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ -3‬ضعف التدين الذي يسببه وقوع آحاد الناس يف التخير بين األقوال واالنتقال‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫بين المفتين بالتشهي والهوى‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪ -4‬وقوع الفتنة يف األمة بسبب الفتاوى من غير األهل‪ ،‬أو الفتاوى التي لم تدرس‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫بشكل كاف‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪ -5‬التقليل من هيبة العلماء‪ ،‬والوقوع يف أعراضهم‪ ،‬والتندر هبم بسبب تلك األخطاء‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪ -6‬استغالل أعداء األمة لبعض الفتاوى الصادرة بطريقة خاطئة‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أدب املفيت واملستفيت (ص‪.)113-111‬‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)32-31‬‬
‫‪ -‬الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص‪.)89-87‬‬
‫‪ -‬الفتوى وأحكامها (ص‪.)35-31‬‬
‫‪ -‬آثار اخلطأ فـي الفتوى فـي الشريعة اإلسالمية (ص‪ -115‬وما بعدها‪ - 126 ،‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪504‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫خطر الفتوى الشاذة‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حقيقة الفتوى الشاذة‪:‬‬
‫نصا‬
‫الفتوى الشاذة هي‪ :‬الفتوى التي تفرد فيها بقول غير معترب شر ًعا؛ كأن تخالف ًّ‬

‫‪   ‬‬


‫صريحا‪ ،‬أو إجما ًعا ثابتًا‪ ،‬أو كانت مخالفة ألصول الشريعة وقواعدها‪ ،‬أو انفرد‬
‫ً‬ ‫صحيحا‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫هبا قليل مع ضعف مأخذهم‪ ،‬أو هجر القول هبا‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬خطر الفتوى الشاذة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫للفتوى الشاذة آثار سلبية على الفرد والمجتمع‪ ،‬منها‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أواًل‪ :‬تحليل الحرام وتحريم الحالل‪ ،‬وهذا بدوره يؤدي إلى هدم الدين‪،‬‬ ‫ً‬
‫‪   ‬‬

‫ٌ‬
‫(ثالث يهدمن الدين‪ :‬زلة العالم‪ ،‬وجدال منافق بالقرآن‪ ،‬وأئمة مضلون)(((‪،‬‬ ‫قال عمر ﭬ‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫وعن أبي الدرداء ﭬ أنه قال‪( :‬إن مما أخشى عليكم زلة العالم‪ ،‬وجدال المنافق بالقرآن‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫والقرآن حق‪ ،‬وعلى القرآن منار كمنار الطريق)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬ضعف التعظيم للكتاب والسنة والتسليم لهما‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬تتبع هذه اآلراء الشاذة يؤدي إلى ضعف التدين والمسارعة إلى التحايل على‬
‫الشرع وتتبع الرخص‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫راب ًعا‪ :‬ذهاب هيبة العلماء‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫خامسا‪ :‬حصول البلبلة والحيرة واالضطراب يف المجتمع‪ ،‬والذي قد يصل بدوره‬ ‫ً‬
‫‪ ‬‬

‫إلى اهتام الدين والتشكيك فيه‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬القول الشاذ وأثره فـي الفتيا (ص‪.)77‬‬
‫‪ -‬الفتوى الشاذة مفهومها وأسبابها وطرق التقويم (ص‪.)22‬‬

‫((( أخرجه ابن المبارك يف الزهد (‪ ،)1475‬والدارمي يف مقدمة السنن (‪ ،)220‬وصححه ابن كثير يف مسند الفاروق‬
‫(‪ )662/2‬من قول عمر ﭬ‪.‬‬
‫((( أخرجه أبو نعيم يف حلية األولياء (‪.)219/1‬‬
‫‪505‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الفرق بني الفتوى العامة والفتوى اخلاصة‪،‬‬


‫وضوابط كل منهما‬
‫تنقسم الفتوى من حيث العموم واخلصوص إىل قسمني (عامة ‪ -‬خاصة)‪:‬‬
‫القسم األول‪ :‬الفتوى العامة‪:‬‬
‫وضابطها‪ :‬أهنا الفتوى المتعلقة بعموم المسلمين‪ ،‬أو بالمجتمع كله‪ ،‬وتعرف‬

‫‪   ‬‬


‫بالنوازل العامة‪ ،‬أو المتعلقة بالشأن العام‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫القسم الثاني‪ :‬الفتوى اخلاصة‪:‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وضابطهـا‪ :‬أهنـا الفتـوى التـي تتعلـق بسـائل معيـن؛ كأن يسـأل عـن حكـم صلاة‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫أو طهارة‪ ،‬فيفتيه بحكم مسألته‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وبني الفتوى العامة واخلاصة ستة فروق رئيسة‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفرق األول‪ :‬أن الفتوى العامة تختلف عن الخاصة من حيث المتعلق؛ فالعامة‬
‫‪    ‬‬

‫متعلقة بالمجتمع أو األمة‪ ،‬والخاصة بشخص معين‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫الفرق الثاني‪ :‬أن الفتوى العامة خطرها عظيم لتعلقها باألمة بخالف الخاصة‪.‬‬
‫الفرق الثالث‪ :‬أن الفتوى العامة تشريع للجميع‪ ،‬أما الخاصة فقد تتعلق بتحقيق مناط‬
‫‪ ‬‬

‫خاص لشخص يستثنى من عموم الحكم لسبب شرعي‪ ،‬وقد تتغير هذه الفتوى بسبب تغير‬
‫‪   ‬‬

‫المؤثرات‪ ،‬كما أن الفتوى الخاصة المبنية على أساس الضرورة ال تعم جميع األحوال‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫واألزمان واألماكن واألشخاص؛ إذ إن الضرورة تقدر بقدرها‪ ،‬وهي حالة استثنائية تنتهي‬
‫‪ ‬‬

‫بمجرد انتهاء موجبها‪ ،‬ويجب السعي إليجاد بديل عنها قدر المستطاع‪.‬‬
‫‪‬‬

‫الفرق الرابع‪ :‬أن الخاصة يمكن أن يقوم هبا من بلغ أدنى مرتبة أهلية الفتيا غال ًبا‪،‬‬
‫‪‬‬

‫وتحر وفهم عميق‪ ،‬ولذا دعا‬ ‫ٍّ‬ ‫أما العامة فال ينبغي أن يقوم هبا إال من كان عنده مزيد نظر‬
‫بعضهم إلى أن يختص هبا المجتهد المطلق‪.‬‬
‫وسبب ذلك أن الخاصة غال ًبا ما تكون قريبة المأخذ واضحة الدليل‪ ،‬وإن كانت قد‬
‫تخرج عن ذلك أحيانًا‪ ،‬أما العامة فهي غال ًبا تبنى على المصالح والمفاسد وتحتاج إلى‬
‫استقراء دقيق؛ ألهنا ال تتعلق بمصلحة فرد بعينه‪ ،‬بل مصلحة األمة أو المجتمع بعامة‪.‬‬

‫‪506‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫الفرق اخلامس‪ :‬أن الخاصة يقوم هبا آحاد المفتين‪ ،‬أما العامة فينبغي أن يكون‬
‫االجتهاد فيها جماع ًّيا؛ ولذا ذكر بعض الباحثين أن العامة ال ينبغي أن تصدر إال من هيئات‬
‫ومجامع‪ ،‬ويلتمس ذلك من فعل عمر ﭬ حين كان يستشير الصحابة يف مثل هذه القضايا‬
‫المهمة‪.‬‬
‫الفرق السادس‪ :‬أن الفتوى الخاصة قد ال تكون من العلم الواجب نشره بين الناس‬
‫مرجوحا مراعاة للخالف‪ ،‬قال الشاطبي‪:‬‬ ‫ً‬ ‫بخالف العامة‪ ،‬كما لو أفتى معينًا بقول يراه‬

‫‪   ‬‬


‫(وضابطه أنك تعرض مسألتك على الشريعة‪ ،‬فإن صحت يف ميزاهنا‪ ،‬فانظر يف مآلها‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫بالنسبة إلى حال الزمان وأهله‪ ،‬فإن لم يؤد ذكرها إلى مفسدة‪ ،‬فاعرضها يف ذهنك على‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫العقول‪ ،‬فإن قبلتها‪ ،‬فلك أن تتكلم فيها‪ ،‬إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫العموم‪ ،‬وإما على الخصوص إن كانت غير الئقة بالعموم‪ ،‬وإن لم يكن لمسألتك هذا‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المساغ‪ ،‬فالسكوت عنها هو الجاري على وفق المصلحة الشرعية والعقلية)(((‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫وقد ُيخص الفرد من الناس بأمر ال يحسن نشره لعامة الناس لما يف نشره من‬
‫‪    ‬‬

‫المفاسد‪ ،‬ويدل لذلك حديث معاذ ﭬ حين كان رديف النَّبِ ِّي ﷺ‪ ،‬فقال له‪« :‬يا معاذ‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫حق العباد على اهلل؟»‪ ،‬قلت‪ :‬اهلل ورسوله أعلم‪ ،‬قال‪:‬‬ ‫حق اهلل على عباده‪ ،‬وما ّ‬‫هل تدري ّ‬
‫‪    ‬‬

‫يعذب من‬‫وحق العباد على اهلل أن ال ّ‬‫حق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئًا‪ّ ،‬‬
‫«فإن ّ‬
‫ّ‬
‫ِ‬
‫تبشرهم‪َ ،‬ف َيتَّك ُلوا» ‪.‬‬
‫أبشر به النّاس؟ قال‪« :‬ال ّ‬
‫ال يشرك به شيئًا»‪ ،‬فقلت‪ :‬يا رسول اهلل أفال ّ‬
‫‪ ‬‬

‫(((‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬الفتوى اخلاصة دراسة تأصيلية (ص‪.)17‬‬


‫‪ -‬نهاية السول (ص‪.)406-402‬‬
‫‪ -‬املوافقات (‪.)172-167/5‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)337/4‬‬
‫‪ -‬الوجيز فـي أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)398-397/2‬‬

‫((( الموافقات (‪.)172/5‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)2856‬ومسلم (‪.)30‬‬
‫‪507‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫تنظيم الفتوى حقيقته وأحكامه‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حقيقة تنظيم الفتوى‪:‬‬
‫يقصد بتنظيم الفتوى‪ :‬قصر الفتوى‪ ،‬وتوحيد مصدرها على جهات معينة‪ ،‬أو‬

‫‪   ‬‬


‫أشخاص معينين‪ ،‬يقوم ولي األمر بتعيينهم لذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬أحكام تنظيم الفتوى‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫من األحكام المتعلقة بتنظيم الفتوى ما يأتي‪:‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ 1‬ـ بما أن الفتوى من المصالح العامة المتعلقة باألمة؛ لذا كان واج ًبا على إمام‬
‫‪    ‬‬

‫المسلمين أن يتص َّفح أحوال المفتين‪ ،‬فمن كان يصلح للفتوى َّ‬
‫‪   ‬‬

‫أقره عليها‪ ،‬ومن لم يكن‬


‫‪    ‬‬

‫من أهلها منعه منها‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫‪ 2‬ـ يجوز لإلمام أن يع ّين األهل للفتوى‪ ،‬وعليه أن يرجع يف شأهنم إلى العلماء‬
‫‪    ‬‬

‫المعروفين‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ 3‬ـ لإلمام أن يع ّين مفت ًيا يف بلد مخصوص؛ لحاجة الناس يف ذلك البلد للفتوى‪،‬‬
‫خاص ببلد معين‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫ٍ‬
‫قاض‬ ‫قياسا على جواز تعيين‬
‫ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ 4‬ـ أجاز بعض المعاصرين قصر اإلمام الفتوى على فئات معينة أو أشخاص معينين‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ويدل لذلك‪ :‬أن الفتوى منصب عظيم‪ ،‬وأثره ليس على الفرد وحده‪ ،‬بل على األمة كلها‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وقد تسوره كثير من المنتسبين للعلم وليسوا ً‬


‫أهاًل له‪ ،‬مما أورث فوضى الفتاوى وتضارهبا‬
‫‪‬‬

‫كثيرا من المفاسد يف الجوانب الدينية‬


‫وانتشار األقوال الشاذة واآلراء الخاطئة‪ ،‬وهذا س َّبب ً‬
‫واالجتماعية واالقتصادية وغيرها‪.‬‬
‫ولذا فإن تنظيم الفتوى بحيث يع ّين له األهل بإشراف من ولي األمر يعد من السياسة‬
‫الشرعية الموافقة للمصلحة‪ ،‬والشريعة تعنى بتحصيل المصلحة العظمى ودرء المفسدة‪.‬‬

‫‪508‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫‪ 5‬ـ لإلمام أن يعين مفت ًيا يف باب من أبواب العلم دون غيره‪ ،‬كأن يعينه مفت ًيا يف‬
‫عالما يف هذا الباب دون غيره فالجواز مبني‬
‫المناسك أو المعامالت ونحوها‪ ،‬وإذا كان ً‬
‫على مسألة (تجزؤ االجتهاد)‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الفقيه واملتفقه (‪.)325-324/2‬‬
‫‪ -‬صفة الفتوى (ص‪.)26-24‬‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)135-131/6‬‬
‫‪ -‬الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص‪.)106-105‬‬
‫‪ -‬تنظيم الفتوى أحكامه وآلياته‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (ص‪ - 23‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪ -‬تنظيم الفتوى آلياته وأحكامه‪ ،‬د‪ .‬سعد الشثري (ص‪.)12-11‬‬
‫‪509‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أسباب تغري الفتوى‬

‫لتغير الفتوى أسباب كثيرة‪ ،‬منها ما سبق ذكره يف المؤثرات‪ ،‬ومما لم يذكر‪:‬‬
‫‪ -1‬الكشف عن دليل جديد‪.‬‬
‫ألن الواجب على المجتهد اتباع األدلة‪ ،‬فإذا وجد ً‬
‫دلياًل أقوى من دليل اجتهاده‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫األول‪ ،‬أو أصح منه‪ ،‬أو أقرب داللة‪ ،‬وجب عليه األخذ باألقوى واألصح؛ ألنه أقرب إلى‬

‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الحق والصواب‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪ -2‬تغري املناط للواقعة اجلديدة‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫فإذا تغير مناطها عن الواقعة السابقة المجتهد فيها؛ كأن يوجد مانع أو يتغير وصف‬
‫‪    ‬‬

‫أو حال أو مكان أو زمان أو نحو ذلك‪ ،‬فسيتغير االجتهاد تب ًعا لتغير المناط‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ويندرج فـي هذا السبب‪ ،‬مسببات أخرى مثل‪:‬‬


‫‪    ‬‬

‫أ‪ -‬تغير النيات‪ :‬فالنية لها أثر كبير يف الفتوى‪ ،‬وقد يتغير االجتهاد بسببها‪ ،‬فمن باع‬
‫‪    ‬‬

‫خمرا ليس كمن لم يقصد ذلك‪.‬‬ ‫عن ًبا بقصد اإلعانة على جعلها ً‬
‫خمرا‪.‬‬
‫حالاًل ثم ينقلب ً‬ ‫ً‬ ‫ب‪ -‬تغير ماهية الشيء‪ ،‬فالمشروب قد يكون‬
‫‪ ‬‬

‫نظرا لحال أهل‬


‫ج‪ -‬فساد الزمان وتغيره‪ ،‬كأن يفتى بتضمين الصناع أو تسعير السلع ً‬
‫‪   ‬‬

‫الزمان‪.‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أعالم املوقعني (‪.)٤٠٨/٣‬‬
‫‪ -‬أسباب تغري الفتوى وضوابطها (‪ - 13‬وما بعدها)‪.‬‬
‫‪ -‬الوجيز يف أصول الفقه‪ ،‬د‪ .‬حممد الزحيلي (‪.)٣٤٠-٣٣٨/٢‬‬
‫‪510‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫أسباب اختالف الفتوى‪،‬‬


‫وأثر ذلك فـي إعذار املفتني‬
‫البحث يف أسباب اختالف الفتوى هو نفسه البحث يف أسباب الخالف بين العلماء‪،‬‬
‫وللخالف بينهم أسباب كثيرة‪ ،‬منها‪:‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫أواًل‪ :‬األسباب الراجعة إىل األدلة‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪ -1‬معرفة الدليل وعدمه‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫فمـن أهـم أسـباب اختلاف الفتـوى بيـن العلمـاء أن يكـون قـد بلـغ أحدهـم الدليـل‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ً‬
‫حاماًل‬ ‫ولم يبلـغ اآلخـر‪ ،‬ومـن هـذا ما جـاء من فتوى ابن عباس بـأن المتوىف عنهـا إذا كانت‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تعتد بأبعد األجلين‪ ،‬ولم يكن قد بلغته سـنة رسـول اهلل ﷺ يف ُسـ َب ْي َعة األسـلمية‪ ،‬وقد جاء‬
‫‪   ‬‬

‫جالـس عنـده‪ ،‬فقـال‪ :‬أفتنـي‬


‫ٌ‬ ‫رجـل إلـى ابن ع ّب ٍ‬
‫ـاس‪ ،‬وأبو هريـرة‬ ‫عـن أبي سـلمة‪ ،‬قـال‪ :‬جـاء ٌ‬
‫‪    ‬‬

‫ـاس‪ :‬آخـر األجليـن‪ ،‬قلـت أنـا‪:‬‬ ‫امـرأة ولـدت بعـد زوجهـا بأربعيـن ليلـةً؟ فقـال ابن ع ّب ٍ‬ ‫ٍ‬ ‫يف‬
‫‪    ‬‬

‫﴿ ﯪ ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﴾ [الطلاق‪ ،]4 :‬قـال أبو هريـرة‪ :‬أنـا مـع ابن أخـي‬


‫‪    ‬‬

‫ـاس غالمـه كري ًبـا إلـى أ ّم سـلمة يسـألها‪ ،‬فقالـت‪« :‬قتـل‬‫‪-‬يعنـي أبـا سـلمة‪ -‬فأرسـل ابن ع ّب ٍ‬
‫زوج ُسـ َب ْي َع َة األَ ْسـ َل ِم َّي ِة وهـي ُح ْب َلـى‪ ،‬فوضعـت بعـد موته بأربعيـن ليلةً‪ ،‬فخطبـت‪ ،‬فأنكحها‬
‫‪ ‬‬

‫السـنَابِ ِل فيمـن خطبهـا»(((‪.‬‬


‫رسـول اهلل ﷺ‪ ،‬وكان أبو َّ‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫‪ -2‬االختالف فـي فهم الدليل‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومثـال هـذا‪ :‬اختلاف الصحابـة يف فهمهـم لحديـث الصلاة يف بنـي قريظـة‪ ،‬فعـن‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫يصليـن أحـدٌ العصـر إال‬


‫ّ‬ ‫لمـا رجـع مـن األحـزاب‪« :‬ال‬ ‫ابن عمـر‪ ،‬قـال‪ :‬قـال النبـي ﷺ لنـا ّ‬
‫‪‬‬

‫يف بنـي ُق َر ْي َظـةَ»‪ ،‬فـأدرك بعضهـم العصـر يف ال ّطريـق‪ ،‬فقـال بعضهـم‪ :‬ال نص ّلـي حتّـى نأتيها‪،‬‬
‫وقـال بعضهـم‪ :‬بـل نص ّلـي‪ ،‬لم يرد منّـا ذلك‪ ،‬فذكر للنبـي ﷺ‪ ،‬فلم يعنّف واحـدً ا منهم»(((‪.‬‬
‫ومن هذا الباب االختالف بسبب وقوع االشرتاك يف لفظ أو دوران اللفظ بين‬
‫الحقيقة والمجاز‪ ،‬ونحو ذلك من دالالت األلفاظ‪.‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)4909‬ومسلم (‪ ،)1485‬واللفظ للبخاري‪.‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)946‬ومسلم (‪.)1770‬‬
‫‪511‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫‪ -3‬تعارض األدلة‪:‬‬
‫قد يختلف المفتون بسبب اختالف موقفهم عند تعارض األدلة من حيث ثبوت‬
‫التعارض‪ ،‬والعمل عند التعارض‪ ،‬واختالفهم يف األسباب المرجحة لدليل على آخر‪.‬‬
‫‪4‬ـ اعتبار الدليل وعدمه‪:‬‬
‫قد يختلف العلماء يف صحة األدلة؛ كأن يكون الحديث من السنة فيختلف يف ثبوته‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وقد يكون الخالف يف ثبوت كونه ً‬
‫دلياًل؛ كالخالف يف االستدالل بالمصالح المرسلة‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫واالستحسان‪ ،‬وقول الصحابي‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫ثان ًيا‪ :‬األسباب الراجعة إىل االختالف فـي القواعد‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫وذلك أن المفتين قد يختلفون يف القواعد األصولية التي يعتمد عليها يف استنباط‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫األحكام‪ ،‬مثل‪ :‬اختالف العلماء يف التخصيص ببعض المخصصات كقول الصحابي‬


‫‪   ‬‬

‫والقياس‪ ،‬أو تخصيص القرآن بخرب اآلحاد‪ ،‬واختالفهم يف حمل المطلق على المقيد‪ ،‬أو‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫يف النهي وحمله على الفساد‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫ثالثا‪ :‬األسباب الراجعة إلى املؤثرات‪:‬‬
‫ويقصد هبذا المؤثرات يف النظر إلى الحكم؛ كالنظر يف المصالح والمفاسد ومآالت‬
‫‪ ‬‬

‫األفعال‪ ،‬والنظر إلى األعراف واألحوال واألزمان واألماكن‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫وإذا نظر المسلم يف تلك األسباب وجب عليه ما يلي‪:‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪1‬ـ إحسان الظن بالمفتين وأهنم إنما أرادوا بذل الجهد يف تحصيل مراد الشرع‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫ولم يكن مقصود أحدهم إال الوصول إلى الحق‪.‬‬


‫‪‬‬

‫‪2‬ـ ترك الطعن والتجريح والتماس العذر للمخالف فيما يسوغ فيه الخالف‪ ،‬وإن‬
‫‪‬‬

‫كان مخط ًئا يف ظنك؛ ألنك ال تقطع بخطأ مخالفك؛ إذ ال يقين يف الباب‪ ،‬وإنما هو ترجيح‬
‫ّ‬
‫فيحل هذا‬ ‫بغلبة الظن‪ ،‬قال يحيى بن س ِع ٍ‬
‫يد األنصاري‪( :‬ما برح المستفتون ُي ْس َت ْفت َْو َن‪،‬‬ ‫َ‬ ‫َ َْ‬
‫المحرم‬
‫ّ‬ ‫أن ا ْل ُم َح ِّل َل هلك لتحليله‪ ،‬وال يرى ا ْل ُم َح ِّل ُل ّ‬
‫أن‬ ‫المحرم ّ‬
‫ّ‬ ‫ويحرم هذا‪ ،‬فال يرى‬
‫ّ‬
‫هلك لتحريمه)(((‪.‬‬

‫((( جامع بيان العلم وفضله (‪.)1691‬‬


‫‪512‬‬
‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‬
‫الباب َّ‬

‫وال يجوز الطعن على المخالف؛ ألنه معذور يف خطئه‪ ،‬بل مأجور عليه بنص‬
‫ثم أخطأ‬
‫ثم أصاب فله أجران‪ ،‬وإذا حكم فاجتهد ّ‬ ‫قوله ﷺ‪« :‬إذا حكم الحاكم فاجتهد ّ‬
‫أجر»(((‪.‬‬
‫فله ٌ‬
‫‪3‬ـ استدامة األلفة واألخوة الدينية مع وجود االختالف‪ ،‬قال شيخ اإلسالم‬
‫ابن تيمية عن العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم‪( :‬وكانوا يتناظرون يف المسألة‬
‫مناظرة مشاورة ومناصحة‪ ،‬وربما اختلف قولهم يف المسألة العلمية والعملية مع بقاء‬

‫‪   ‬‬


‫األلفة والعصمة وأخوة الدين‪ ،‬نعم من خالف الكتاب المستبين والسنة المستفيضة‪ ،‬أو‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ما أجمع عليه سلف األمة خال ًفا ال يعذر فيه‪ ،‬فهذا يعامل بما يعامل به أهل البدع)(((‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫وقال‪( :‬فال يكون فتنة وفرقة مع وجود االجتهاد السائغ)(((‪.‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬رفع املالم عن األئمة األعالم (ص‪.)9‬‬


‫‪ -‬اإلنصاف فـي التنبيه على املعاني واألسباب اليت أوجبت االختالف (ص‪.)33‬‬
‫‪ -‬أسباب اختالف الفقهاء لعلي اخلفـيف (ص‪.)24‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)7352‬ومسلم (‪.)1716‬‬


‫((( مجموع الفتاوى (‪.)172/24‬‬
‫((( االستقامة البن تيمية (‪.)31/1‬‬
‫‪513‬‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪:‬‬
‫التعارض والرتجيح‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والرتجيح‬

‫تعريف التعارض والرتجيح‪،‬‬


‫وعالقتهما باملصطلحات ذات الصلة‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬تعريف التعارض‪:‬‬
‫عار َض الشي َء‬
‫التعارض لغة‪ :‬مصدر مادته عرض‪ ،‬وهو بمعنى المقابلة يقال‪َ :‬‬
‫وعار ْض ُت كتابي بكتابه‪َ :‬أي قابلته‪.‬‬ ‫ِ‬
‫بالشيء ُمعارضةً‪ :‬قا َب َله‪،‬‬
‫َ‬

‫‪   ‬‬


‫المما َن َعة)(((‪.‬‬
‫اصطالحا‪( :‬تقابل الدَّ ليلين على سبيل ُ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫ومثاله‪ :‬لو كان أحد الدليلين يدل على الجواز والدليل اآلخر يدل على المنع‪ ،‬فدليل الجواز‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫يمنع التحريم‪ ،‬ودليل التحريم يمنع الجواز‪ ،‬فكل منهما مقابل اآلخر ومعارض له ومانع له‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬تعريف الرتجيح‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫الرتجيح لغة‪ :‬مصدر رجح‪ ،‬وهو بمعنى ثقل الشيء وميالنه‪ ،‬يقال‪ :‬رجح الميزان‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫وقويتُه‪.‬‬ ‫َي ْر َجح‪ :‬إذا َث ُق َل ْت كِ َّفتُه ومال‪َ ،‬و َر َّج ْح ُت الشيء بال َّت ْث ِقيل َّ‬
‫فضلتُه َّ‬
‫‪    ‬‬

‫اصطالحا‪ :‬تقوية أحد الدليلين على اآلخر‪.‬‬


‫ً‬
‫‪    ‬‬

‫ثال ًثا‪ :‬عالقة التعارض والرتجيح باملصطلحات ذات الصلة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪ -1‬التناقض‪:‬‬
‫نقضت ما أ ْب َر َمه‪ :‬إذا‬
‫ُ‬ ‫التناقض لغة‪ :‬من نقض الشيء‪ ،‬وهو هدمه وإبطاله‪ ،‬يقال‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أبطلته‪ ،‬وتناقض الكالمان‪َ :‬تدَ ا َف َعا كأن كل واحد نقض اآلخر‪ ،‬ويف كالمه تناقض‪ :‬إذا كان‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫بعضه يقضي إبطال بعض‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫اصطالحا ‪ :‬هو عند المناطقة‪ :‬اختالف القضيتين باإليجاب والسلب‪ ،‬بحيث‬


‫ً‬
‫يقتضي لذاته صدق إحداهما وكذب األخرى‪ ،‬كقولنا‪ :‬زيد إنسان‪ ،‬زيد ليس بإنسان‪.‬‬
‫‪‬‬

‫واختلف فيه وفـي التعارض هل هما مرتادفان أو بينهما فرق؟ وفيه اجتاهان‪:‬‬
‫االتجاه األول‪ :‬أن التناقض مرادف للتعارض‪ ،‬وهو قول الغزالي‪ ،‬وابن قدامة‪،‬‬
‫وعالء الدين البخاري‪.‬‬
‫االتجاه الثاين‪ :‬أن بينهما فر ًقا‪ :‬وهو قول بعض الحنفية‪.‬‬

‫((( البحر المحيط (‪ ،)120/8‬التحبير للمرداوي (‪.)4126/8‬‬


‫‪517‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫دليل االجتاه األول (أنهما مرتادفان)‪:‬‬


‫أن التناقض يف الكالم يف عامة االصطالحات هو اختالف كالمين بالنفي واإلثبات‬
‫بحيث يقتضي لذاته أن يكون أحدهما صد ًقا واآلخر كذ ًبا‪ ،‬وهذا هو عين التعارض‪.‬‬
‫دليل االجتاه الثاني (أنهما غري مرتادفـني)‪:‬‬
‫أن التناق ــض يوج ــب بط ــان الدلي ــل‪ ،‬والتع ــارض يمن ــع ثب ــوت الحك ــم م ــن غي ــر‬
‫أن يتعرض للدليل باإلبطال‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫أيضا من ثالثة وجوه‪:‬‬
‫وفرق بينهما ً‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن التعارض األصولي محله األدلة الشرعية‪ ،‬أما التناقض فمحله‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫القضية مطل ًقا سواء كانت شرعية أم غير شرعية‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الوجه الثاين‪ :‬التعارض األصولي ال يكون إال يف الظاهر فحسب‪ ،‬أما التناقض‬
‫‪    ‬‬

‫فيكون يف نفس األمر‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الوجه الثالث‪ :‬التعارض يعني التقابل بحيث يمكن معه الجمع‪ ،‬أما التناقض فيعني‬
‫‪    ‬‬

‫إسقاط كل من الدليلين وعدم اعتبارهما؛ ألنه يعني صدق أحدهما وكذب اآلخر‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫وعلى هذا فبينهما عموم وخصوص وجهي‪ :‬فقد يجتمعان يف وجه‪ ،‬وهو عندما يقع‬
‫‪ ‬‬

‫التعارض يف األدلة الشرعية وال يمكن معه الجمع‪ ،‬بل ال بد فيه من إسقاط أحد الدليلين‪،‬‬
‫وتناقضا‪.‬‬
‫ً‬ ‫تعارضا‬
‫ً‬ ‫فيكون‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫والتعارض أعم من جهة إطالقه إن أمكن الجمع‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫والتناقض أعم من جهة وقوعه يف األدلة الشرعية وغيرها‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫‪ -2‬التعادل‪:‬‬
‫‪‬‬

‫ال َّت َعا ُد ُل لغة‪:‬‬


‫ِ‬
‫‪-‬بالكسر‪ -‬مثله‬ ‫الش ْيء‬ ‫عدياًل فاعتدل سوي ُت فاستَوى‪ِ ،‬‬
‫وعدْ ُل َّ‬ ‫التَّساوي‪ ،‬وعدَّ لتُه َت ً‬
‫ْ‬ ‫َ َّ ْ‬
‫من جنسه أو مقداره‪َ ،‬وعَدْ ُل ُه ‪-‬بالفتح‪ -‬ما يقوم مقامه من غير جنسه‪.‬‬
‫ولألصوليني فـي مصطلح التعادل اجتاهان‪:‬‬
‫بعض‬
‫االتجاه األول‪ :‬أن التعادل مرادف للتعارض‪ ،‬فال فرق بينهما‪ ،‬وقد عنون ُ‬
‫األصوليين لهذا الباب بعنوان‪( :‬التعادل والترجيح)‪.‬‬
‫‪518‬‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والرتجيح‬

‫االتجاه الثاين‪ :‬أن التعادل أخص من التعارض‪ ،‬فالتعادل تساوي الدليلين من ّ‬


‫كل‬
‫اآلخر‪ ،‬وإذا حصل التعادل فال يمكن الرتجيح‪،‬‬ ‫ُ‬
‫بحيث ال يبقى ألحدهما مزي ٌة على َ‬ ‫ٍ‬
‫وجه‪،‬‬
‫والبحث عن أد ّل ٍة أخرى‪ ،‬أو يتو َّق َ‬
‫ف‪ ،‬أو‬ ‫ِ‬ ‫بل على المجتهد أن يعدل إلى تساقط الدليلين‪،‬‬
‫دل عليهما الدليالن‬ ‫األخف من الحكمين اللذين َّ‬‫ِّ‬ ‫يذهب إلى األشدِّ ‪ ،‬أو إلى‬
‫َ‬ ‫يتخ َّي َر‪ ،‬أو‬
‫المتعادالن‪.‬‬
‫التعارض فيعني تقا ُب َل الدليلين يف الظاهر؛ بحيث يبدو للناظر إليهما يف أول‬
‫ُ‬ ‫وأما‬

‫‪   ‬‬


‫ُ‬
‫الوصول إلى الجمع بينهما أو ترجيحِ‬ ‫ٍ‬
‫األمر أهنما متنافيان‪ ،‬و ُيمكن بشيء من النظر والتف ُّكر‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أحدهما‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬لسان العرب (‪ )167/7‬مادة (عرض)‪.‬‬
‫‪ -‬املصباح املنري (‪.)621 ،396/2( )219/1‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)76/3‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)4128/8‬‬
‫‪ -‬التعارض والرتجيح بني األدلة الشرعية (‪.)39/1‬‬
‫‪ -‬أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص‪.)415‬‬

‫‪519‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫بيان حمل التعارض والرتجيح‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬التعارض فـيما يظهر للمجتهد ال فـي احلقيقة‪:‬‬
‫نصوص الشرع وأحكامه وحي من اهلل العزيز الحكيم‪ ،‬فال يأتيها الباطل من بين‬

‫‪   ‬‬


‫يديها وال من خلفها‪ ،‬فهو سبحانه العليم بخلقه‪ ،‬الحكيم يف فعله وشرعه‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ومن َث َّم ُيقطع بأن النصوص واألحكام الثابتة التي شرعها سبحانه ال يمكن أن‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫تتعارض يف ذاهتا؛ إذ تعارض النصوص واألحكام يليق بمن علمه قليل‪ ،‬وحكمته قاصرة‪،‬‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫وهو سبحانه وتعالى منزه عن ذلك فهو العليم الحكيم‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حكما‬
‫ً‬ ‫حكما يعارض‬
‫ً‬ ‫لكن قد يبدو لبعض الفقهاء والعلماء من المجتهدين أن‬
‫‪   ‬‬

‫نصا آخر؛ فيكون التعارض والظن بحسب الظاهر‬‫نصا يعارض مدلو ُله ًّ‬
‫آخر‪ ،‬أو أن ًّ‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ال يف الحقيقة‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫ولذلك يستخدم كثير من العلماء لفظ (الظاهر) عند الحديث عن التعارض‪ ،‬أي‪:‬‬
‫فيما يظهر للمجتهد يف ظنه‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫يقول ابن حزم‪( :‬إذا تعارض الحديثان أو اآليتان أو اآلية والحديث فيما يظن من‬
‫ال يعلم)(((‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫فال يوجد يف الحقيقة تعارض‪ ،‬بل هو بحسب ما يظهر‪ ،‬قال النووي‪( :‬وأما إذا‬
‫‪ ‬‬

‫تعارض حديثان يف الظاهر فال بد من الجمع بينهما‪ ،‬أو ترجيح أحدهما)(((‪.‬‬


‫‪‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬التعارض فـي الظنيات ال القطعيات‪:‬‬


‫‪‬‬

‫ال يتعارض قطعيان أبدً ا‪ ،‬كآية من القرآن وأخرى مثلها‪ ،‬وكذلك ال يتعارض حديث‬
‫متواتر مع آية أو حديث آخر متواتر‪.‬‬

‫((( اإلحكام فـي أصول األحكام البن حزم (‪.)158/2‬‬


‫((( المنهاج شرح صحيح مسلم (‪.)35/1‬‬
‫‪520‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والرتجيح‬

‫فمن بدا له تعارض فهو قط ًعا بسبب سوء فهمه واستنباطه‪ ،‬أو بسبب جهله بوقوع‬
‫النسخ‪ ،‬بخالف تعارض الظنيات كأحاديث اآلحاد فيحتمل أن يكون بسبب أن أحد النصين‬
‫ثابت واآلخر غير ثابت‪ ،‬وغير ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬اإلحكام فـي أصول األحكام البن حزم (‪.)163-158/2‬‬
‫‪ -‬املنهاج شرح صحيح مسلم (‪.)35/1‬‬
‫‪ -‬رفع املالم عن األئمة األعالم (ص‪.)31-30‬‬
‫‪ -‬درء تعارض العقل والنقل (‪.)79/1‬‬
‫‪ -‬نشر البنود على مراقي السعود (‪.)275-273/2‬‬
‫‪ -‬علم أصول الفقه لعبد الوهاب خالف (ص‪.)231-229‬‬

‫‪521‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫أسباب التعارض بني األدلة الشرعية‬

‫ظاهرا يف أذهان‬
‫ً‬ ‫ال تعارض بين األدلة الشرعية يف ذاهتا‪ ،‬وإنما يقع التعارض فيها‬
‫العلماء‪ ،‬ولوقوع ذلك أربعة أسباب رئيسة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫السبب األول‪ :‬عدم العلم بالنسخ‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ظاهرا وأحدهما منسوخ‪ ،‬وال يعلم المجتهد بنسخه‬ ‫فقد يقع التعارض بين دليلين‬

‫‪ ‬‬
‫ً‬

‫‪   ‬‬


‫فيقع عنده التعارض‪.‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومثاله‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ﭙ ﭚ﴾ [البقرة‪ ،]234 :‬وقوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ‬
‫‪    ‬‬

‫ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ﴾ [البقرة‪ ،]240:‬فاآلية الثانية منسوخة‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫باألولى عند كثير من العلماء‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫السبب الثاني‪ :‬عدم العلم بتغاير األحوال‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫فقد يرد الدليالن ظاهرهما التعارض لكنهما وردا على حالين متغايرين غير أن‬
‫‪ ‬‬

‫الناظر ال يدرك ذلك‪.‬‬


‫اب ﭬ‪َ ،‬ق َال‪« :‬شكونا إلى رسول اهلل ﷺ الصالة يف الرم َض ِ‬
‫اء‪،‬‬ ‫ومثاله‪ :‬حديث َخ َّب ٍ‬
‫َّ ْ‬ ‫ّ‬
‫‪   ‬‬

‫فلم ُيشكِنا»(((‪ ،‬مع حديثي عبد ال ّله بن عمر وأبي هريرة ﭫ‪ :‬عن رسول ال ّله ﷺ أنّه قال‪:‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الحر من َف ْيحِ جهنّم»(((‪ ،‬فقد حمل حديث‬


‫فإن شدّ ة ّ‬
‫الصالة‪ّ ،‬‬ ‫الحر َف َأ ْبرِ ُدوا عن ّ‬
‫ّ‬ ‫«إذا اشتدّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫خباب على عدم تأخير الصالة ألجل اإلبراد حتى يخرج هبا عن وقتها‪ ،‬فمعناه أنه ﷺ‬
‫رخص يف اإلبراد‪ ،‬ولم يرخص يف التأخير إلى خروج الوقت‪.‬‬ ‫ّ‬
‫‪‬‬

‫السبب الثالث‪ :‬اختالف الدالالت‪.‬‬


‫فقـد يقـع التعـارض بيـن عـام وخـاص‪ ،‬أو مطلـق ومقيـد‪ ،‬أو حقيقـة ومجـاز‪،‬‬
‫أو نحو ذلك‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)619‬‬


‫ِ‬
‫((( أخرجهما البخاري (‪ .)533‬ويف (‪ ،)536‬ومسلم (‪ )615‬من حديث أبي هريرة وحده‪ ،‬بلفظ‪َ « :‬ف َأ ْب ِر ُدوا بِالصَّاَلَة»‪.‬‬
‫‪522‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والرتجيح‬

‫ومثاله‪ :‬قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [النساء‪ ،]24 :‬مع قوله ﷺ‪:‬‬


‫وعمتها‪ ،‬وال بين المرأة وخالتها»(((؛ فإن اآلية عامة‪ ،‬والحديث خاص‪.‬‬
‫«ال ُي ْج َم ُع بين المرأة ّ‬
‫السبب الرابع‪ :‬اختالف الرواة فـي احلفظ والضبط واألداء ونقل الرواية‪.‬‬
‫فقد يرد دليالن ظاهرهما التعارض‪ ،‬ويكون أحد الراويين اختصر الحديث‪ ،‬أو‬
‫لم يذكر سببه‪ ،‬أو حفظ أحد الدليلين ولم يحفظ اآلخر‪ ،‬بينما غيره نقل الحديثين م ًعا‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫وم ّثل له الشافعي باختالف الصحابة يف ألفاظ التشهد‪ ،‬ثم قال يف توجيه ذلك‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫َ‬
‫الرجل فيح َف ُظ ُه‪،‬‬ ‫رسول اهلل‪ ،‬فلع َّله َج َع َل يع ِّل ُمه‬
‫ُ‬ ‫ظيم اهلل‪ ،‬ف َع َّل َم ُه ْم‬
‫كالم أريدَ به ت ْع ُ‬
‫ٌ‬ ‫ٌّ‬
‫(كل‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫فأكثر ما ُي ْحرتس فيه منه إحال ُة المعنى‪ ،‬فلم تكن فيه‬ ‫واآلخر فيحفظه‪ ،‬وما ُأخذ حف ًظا‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ُ‬ ‫َ‬

‫‪   ‬‬


‫ِ‬
‫اختالف شيء من كالمه ُيحيل المعنى فال َت َس ُع إحالتُه‪ ،‬فلعل‬ ‫ِ‬ ‫نقص‪ ،‬وال‬
‫ُ‬ ‫زيادة وال ٌ‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫امرئ منهم كما َح ِف َ‬ ‫ٍ‬ ‫النبي أجاز لِكل‬
‫‪    ‬‬

‫ظ؛ إذ كان ال معنى فيه يحيل شي ًئا عن حكمه‪،‬‬


‫ولعل من اختلفت روايته واختلف تشهده إنما توسعوا فيه فقالوا على ما ِ‬
‫‪   ‬‬

‫حفظوا‪،‬‬ ‫َّ‬
‫‪    ‬‬

‫وعلى ما َح َض َر ُهم و ُأ ِج َيز لهم)(((‪.‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬الرسالة للشافعي (ص ‪)228‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)167/8‬‬
‫‪ -‬أفعال الرسول صلى اهلل عليه وسلم وداللتها على األحكام (‪.)185/2‬‬

‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)5109‬ومسلم (‪ ،)1408‬من حديث أبي هريرة ﭬ‪.‬‬


‫((( الرسالة للشافعي (ص‪.)271-270‬‬
‫‪523‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الطرق املعينة‬
‫على درء التعارض بني أدلة الشرع‬
‫يقصد هبا الطرق التي تقلل من وقوع التعارض بين األدلة‪ ،‬وتجعل العالم سري ًعا‬
‫يف دفع التعارض الذي وقع يف فهمه بين النصوص‪ ،‬ولهذا طرق متعددة يطلب من العالم‬
‫الجمع بينها لالستعانة هبا على ذلك‪ ،‬وأبرز تلك الطرق خمسة‪ ،‬وهي‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫الطريق األول‪ :‬اللجوء إلى اهلل تعالى‪ ،‬واالعتماد عليه‪ ،‬وحسن القصد‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الطريق الثاين‪ :‬التأكد من صحة الدليل وثبوته‪ ،‬وقد سبق أن من شروط التعارض‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫حجية الدليلين المتعارضين ثبو ًتا وإحكا ًما‪ ،‬فإذا كان أحدهما غير معترب به انتفى التعارض؛‬
‫‪    ‬‬
‫ولذا كان واج ًبا على العالم التأكد من صحة الدليل من نص‪ ،‬أو إجماع‪ ،‬أو قياس‪ ،‬أو غيرها‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الطريق الثالث‪ :‬الحرص على تتبع األدلة واستقرائها‪ ،‬والنظر إليها مجتمعة‪ ،‬فبجمعها‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بعضا‪ ،‬ولو اقتصر على بعضها لحصل التعارض‪.‬‬ ‫قد يزول التعارض‪ ،‬وقد يفسر بعضها ً‬
‫‪    ‬‬

‫نظرا وتطبي ًقا‪ ،‬فدفع التعارض ينبني على‬


‫الطريق الرابع‪ :‬الحذق بالقواعد األصولية ً‬
‫‪    ‬‬

‫معرفة هذه القواعد وكيفية التعامل معها‪ ،‬ومعرفة تراتيب األدلة حين التعارض‪.‬‬
‫ٍ‬
‫ومعان؛ فإن فهم النص‬ ‫ٍ‬
‫دالالت‬ ‫الطريق الخامس‪ :‬العلم بلغة العرب وما فيها من‬
‫‪ ‬‬

‫كثيرا من التعارضات‪.‬‬
‫كثيرا من اإلشكاالت‪ ،‬ويدرأ ً‬
‫وسياقه‪ ،‬مما يزيل ً‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬اإلحكام فـي األصول األحكام لآلمدي (‪.)243/4‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)687/3‬‬
‫‪ -‬املوافقات (‪.)352/5‬‬
‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)4121/8‬‬
‫‪ -‬معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص‪.)272‬‬
‫‪524‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والرتجيح‬

‫شروط كل من التعارض والرتجيح‬

‫ً‬
‫أواًل‪ :‬شروط التعارض‪:‬‬
‫يشترط للتعارض خمسة شروط‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫وإحكاما‪.‬‬
‫ً‬ ‫الشرط األول‪ :‬حجية الدليلني املتعارضني ثبو ًتا‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫فال تعارض بين حديث صحيح وآخر ضعيف‪ ،‬وال بين ناسخ وآخر منسوخ‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫الشرط الثاني‪ :‬اختالف احلكمني‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫ألهنما إن اتفقا يف الحكم فال تعارض‪ ،‬ومثاله‪ :‬أن يكون أحدهما مثبتًا للحل‪،‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫واآلخر مثبتًا للتحريم‪.‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫وداللة‪.‬‬ ‫الشرط الثالث‪ :‬التساوي فـي القوة ثبو ًتا‬
‫‪    ‬‬

‫فال تعارض بين دليلين تختلف قوهتما يف الثبوت‪ ،‬فال تعارض بين متواتر وآحاد‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫وال تعارض بين دليلين تختلف قوهتما يف الداللة‪ ،‬فال تعارض بين قطعي وظني‪.‬‬
‫وذهب بعض األصوليين إلى عدم اشرتاطه‪ ،‬وذكر أن اشرتاطه مبني على أن هذه‬
‫‪ ‬‬

‫الشروط شروط للتعارض الحقيقي بين األدلة‪ ،‬وهو غير واقع‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الشرط الرابع‪ :‬احتاد الوقت‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وذلك بأن يكون تقابل الدليلين يف وقت واحد‪ ،‬فلو اختلف الزمن النتفى التعارض‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫فال تعارض بين قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﭧ ﭨ ﭩ﴾ [البقرة‪ ،]275:‬وقوله تعالى ﴿ ﭑ ﭒ‬


‫ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [الجمعة‪]9:‬؛‬
‫‪‬‬

‫ألن وقت اآلية الثانية مختلف عن اآلية األولى‪ ،‬فهو مختص بالجمعة فحسب‪.‬‬
‫الشرط اخلامس‪ :‬احتاد احملل‪.‬‬
‫وهو أن يرد الدليالن المتعارضان على محل واحد‪ ،‬فال تعارض إذا اختلف‬
‫المحل؛ ألن التعارض ال يتحقق بين شيئين يف محلين مختلفين‪ ،‬فال تعارض بين‬
‫قوله تعالى‪ ﴿ :‬ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [البقرة‪ ،]223 :‬وقوله تعالى‪:‬‬
‫‪525‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫﴿ﮃﮄﮅ ﴾ [النساء‪]23 :‬؛ ألن محل الحل يف اآلية األولى يف الزوجة‪،‬‬


‫ومحل التحريم يف اآلية الثانية يف نكاح األمهات‪.‬‬
‫والذي يبدو أن الشرط الثالث وما بعده إنما يشرتط للتعارض الحقيقي‪ ،‬أي‪:‬‬
‫يف األدلة نفسها‪ ،‬أو أن تكون شرو ًطا للتعادل من كل جهة؛ بحيث ال يمكن معه جمع‬
‫وال ترجيح‪ ،‬وهو غير واقع‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫أما التعارض الصوري الذي يقع يف أفهام المجتهدين فهو الذي يقع مع اختالل هذه‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الشروط أو بعضها‪ ،‬ثم يدعي المجتهد الجمع ً‬
‫‪-‬مثاًل‪ -‬باختالف المحل‪ ،‬أو الوقت‪ ،‬أو نحو ذلك‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫ثان ًيا‪ :‬شروط الرتجيح‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫ذكر األصوليون شرو ًطا للترجيح أبرزها أربعة‪:‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الشرط األول‪ :‬حتقق التعارض ب َْنْي األدلة‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫فال يكفي يف الرتجيح وجود األدلة‪ ،‬بل ال ُبدّ مِن تقابلها وتعارضها؛ ولذا ال ترجيح‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫َب ْين األدلة المتفقة‪ ،‬وال ترجيح بين األدلة التي ال تقبل التعارض‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫اجلمع بني الدليلني‪.‬‬


‫ِ‬ ‫الشرط الثاني‪ :‬عدم إمكان‬
‫ِ‬
‫فإن أمكن العمل هبما‪ ،‬أو بِ ُك ّل واحد منهما ‪-‬ولو من ْ‬
‫وجه‪ -‬كان العمل هبما َأ ْو َلى‬ ‫ْ‬
‫‪ ‬‬

‫إعمال لهما‪ ،‬واإلعمال َأ ْو َلى‬


‫ٌ‬ ‫مِن الرتجيح؛ ألن الرتجيح فيه إهمال ألحدهما‪ ،‬والجمع فيه‬
‫مِن اإلهمال‪ ،‬وهذا على طريقة من يقدَّ م الجمع على الرتجيح‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الشرط الثالث‪ :‬أال يعلم تأخر أحدهما‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫فإن علِم تأخر أحدهما كان‬


‫‪‬‬

‫ً‬
‫منسوخا وارتفع التعارض‪.‬‬ ‫ً‬
‫ناسخا والمتقدم‬ ‫ْ‬
‫الشرط الرابع‪ْ :‬أن َ‬
‫‪‬‬

‫مستقل‪.‬‬
‫ٍّ‬ ‫بدليل‬
‫ٍ‬ ‫بصيغة فـي الدليل‪ ،‬ال‬
‫ٍ‬ ‫الرتجيح‬
‫ُ‬ ‫يكون‬
‫المرجح على خرب الواحد‪ ،‬وهذا الشرط فيه خالف على قولين‪:‬‬
‫َّ‬ ‫كالتواتر يف المتواتر‬
‫القول األول‪ :‬أنه ال يشرتط؛ فالرتجيح يكون بوصف تابع؛ كالرتجيح بقوة السند‬
‫وأحوال الرواة ونحو ذلك‪ ،‬ويكون بدليل مستقل‪ ،‬فإذا وقع التعارض بين حديثين‬
‫أمكن الرتجيح بينهما باعتضاد أحدهما بدلي ٍل آخر من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس‪،‬‬
‫وهو قول الجمهور‪.‬‬
‫‪526‬‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والرتجيح‬

‫القول الثاين‪ :‬اشرتاطه‪ ،‬وهو قول الحنفية؛ ولذا ال يقع الرتجيح عندهم بكثرة األدلة‪.‬‬
‫دليل القول األول (عدم االشرتاط)‪:‬‬
‫ِ‬ ‫ِ‬
‫المستقل قد يكون أقوى من الوصف‪ ،‬ول َذا فهو َأ ْو َلى بالرتجيح‪.‬‬
‫ّ‬ ‫أن الدليل‬
‫دليل القول الثاني (االشرتاط)‪:‬‬
‫ّ‬
‫والمستقل ليس وص ًفا فيه‪.‬‬ ‫أن الرجحان وصف يف الدليل‪،‬‬ ‫ّ‬

‫‪   ‬‬


‫نوقش من وجهني‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الوجه األول‪ :‬أن هذا الدليل مبني على أن الرتجيح صفة يف الدليل‪ ،‬وليس كذلك‪،‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫بل هو صفة يف المستدل‪ ،‬فالرتجيح فعل المستدل‪ ،‬فيمكن أن يكون بصفة يف الدليل أو‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫بدليل مستقل‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الوجه الثاين‪ :‬أن الرتجيح بالدليل المستقل يئول إلى كونه وص ًفا‪ ،‬وهو كثرة النظائر‬
‫‪   ‬‬

‫المرجح‪ ،‬وكثرهتا وصف يف الدليل‪.‬‬ ‫َّ‬ ‫للدليل‬


‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أصول السرخسي (‪.)13/2‬‬
‫‪ -‬كشف األسرار لعالء الدين البخاري (‪.)78-77/3‬‬
‫‪ -‬التقرير والتحبري (‪.)3/3‬‬
‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)147 ،120/8‬‬
‫‪ -‬تيسري التحرير (‪.)154/3‬‬
‫‪ -‬التعارض والرتجيح بني األدلة الشرعية (‪.)128/2( )153/1‬‬

‫‪527‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫مناهج اجملتهدين فـي دفع التعارض‬

‫قد يقع التعارض بين األدلة الشرعية‪ ،‬فيجتهد أهل العلم يف دفعه بطرق ومناهج‬
‫بيان‬
‫متعددة متفق عليها يف الجملة‪ ،‬وإن وقع االختالف يف بعض التفاصيل‪ ،‬وفيما يأتي ٌ‬
‫لتلك المناهج والطرق‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪ ‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬حترير حمل النزاع‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫اتفق العلماء على أن دفع التعارض يكون بثالثة طرق إجمالية‪ ،‬وهي‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫‪1‬ـ الجمع‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪2‬ـ النسخ‪.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫‪3‬ـ الرتجيح‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫واختلفوا يف ترتيبها والمقدم منها‪.‬‬


‫‪    ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬األقوال واألدلة‪:‬‬


‫‪ ‬‬

‫اختلف األصوليون يف ترتيب الطرق على أقوال‪ ،‬أشهرها قوالن‪:‬‬


‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫الجمع بين الدليلين ما أمك َن‪ ،‬مثل‪ :‬أن يحمل العا ّم‬
‫ُ‬ ‫القول األول‪ :‬أن المقدَّ م‬
‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫ٍ‬
‫حالة غير التي ُيحمل‬ ‫كل منهما على‬ ‫المطلق على المق َّيد‪ ،‬أو بحم ِل ٍّ‬
‫ُ‬ ‫الخاص‪ ،‬أو‬ ‫على‬
‫ّ‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫عليها َ‬
‫اآلخ ُر‪.‬‬
‫فإن لم يمكن وأمكن العلم بالنسخ ‪-‬كأن يعرف التأريخ‪ -‬فالمتأخر ناسخ للمتقدم‪.‬‬
‫‪‬‬

‫فإن لم يمكن فالعمل على الرتجيح‪ ،‬وإلى هذا ذهب الجمهور(((‪.‬‬


‫القول الثاين‪ :‬إن علم التأريخ فالمقدم النسخ‪ ،‬فإن لم ُيمك ْن فالرتجيح‪ ،‬فإن لم ُيمك ْن‬
‫فالجمع بينهما‪ ،‬وهذا منهج الحنفية‪.‬‬

‫((( ذكر ابن قدامة هذا المنهج يف التعارض بين العمومين‪ ،‬انظر‪ :‬روضة الناظر (‪.)489-487/2‬‬
‫‪528‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والرتجيح‬

‫دليل القول األول (تقديم اجلمع ثم النسخ ثم الرتجيح)‪:‬‬


‫حملهما‬
‫الدليل األول‪ :‬أن الدليلين المتعارضين دليالن شرع ّيان ثابتان‪ ،‬والواجب ْ‬
‫على عدم التناقض‪.‬‬
‫حمل لهما على التوافق‪ ،‬بل هو عمل هبما‪ ،‬أما النسخ والرتجيح‬
‫والجمع بينهما ْ‬
‫ففيهما ترك ألحدهما وإبطال له‪ ،‬والعمل بالدليلين أولى من إبطال أحدهما‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫الدليـل الثـاين‪ :‬أن العمل باألدلـة والجمع بينها هو الوارد عن الصحابة ففي‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫َق ْولـه تعالـى‪ ﴿ :‬ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [الرحمـن‪َ ،]39 :‬و َقولـه تعالى‪:‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [الحجـر] قـال ابن ع ّبـاس ﭭ‪:‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫(يسألون يف موضع‪ ،‬وال يسألون يف موضع آخر)(((‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫دليل القول الثاني (تقديم النسخ فالرتجيح فاجلمع)‪:‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الدليل األول‪ :‬أن العمل بالمتأخر عند العلم بالتاريخ هو صنيع الصحابة‪ ،‬ولذا قال‬
‫‪    ‬‬

‫ابن شهاب‪( :‬كان صحابة رسول اهلل ﷺ يتّبعون األحدث فاألحدث من أمره)‪ ،‬ويف لفظ‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫(فكانوا يتّبعون األحدث فاألحدث من أمره‪ ،‬ويرونه النّاسخ المحكم)(((‪.‬‬


‫رجحوا حديث عائشة ڤ‪« :‬إذا جلس‬ ‫وقد ثبت ذلك يف وقائع منها‪ :‬أهنم ّ‬
‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫ناسخا لحديث‪:‬‬ ‫بين ُش َعبِ َها األربع ّ‬
‫ومس الختان الختان فقد وجب الغسل»(((‪ ،‬ورأوه‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫«إنما الماء من الماء»(((‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫نوقش‪ :‬بأن ما ذكر يدل على أن الصحابة يأخذون بالمتأخر الناسخ إذا علموا كونه‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ً‬
‫ناسخا لما تقدم‪ ،‬أو تعذر عندهم الجمع بين الدليلين‪ ،‬وليس فيه أهنم قدّ موا النسخ على‬
‫الجمع بين األدلة‪.‬‬
‫‪‬‬

‫((( عزاه السيوطي يف الدر المنثور (‪ )387/8‬لعبد بن حميد‪ ،‬وروى ابن جرير يف تفسيره (‪ )141/14‬عن ابن عباس‬
‫نوعًا آخر من الجمع‪ ،‬فقال‪( :‬ال يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ ألنه أعلم بذلك منهم‪ ،‬ولكن يقول لهم‪ :‬لم عملتم‬
‫كذا وكذا؟)‪ ،‬أي‪ :‬ال يسألهم سؤال استفهام‪ ،‬بل إنكار‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)1113‬‬
‫((( أخرجه هبذا اللفظ من حديث عائشة ڤ‪ :‬مسلم (‪.)349‬‬
‫الخدري ﭬ‪.‬‬ ‫ٍ‬
‫سعيد‬ ‫((( أخرجه مسلم (‪ )343‬من حديث أبي‬
‫ّ‬
‫‪529‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الدليل الثاين‪ :‬أن العقالء متّفقون على تقديم الراجح على المرجوح عند التعارض‪،‬‬
‫ويمنعون من تقديم المرجوح أو مساواته بالراجح‪ ،‬كذلك يصنعون يف األمور العرفية‪،‬‬
‫فكذلك يف األمور الشرعية‪.‬‬
‫نوقش‪ :‬بأن النظر إلى الراجح والمرجوح من األدلة إنما يكون عند عدم إمكان‬
‫الجمع دف ًعا للتعارض‪ ،‬لكن إذا أمكن الجمع انتفى التعارض فال حاجة للرتجيح‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫ثال ًثا‪ :‬نوع اخلالف ومثرته‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الخالف معنوي‪ ،‬وقد أثمر الخالف يف منهج دفع التعارض بين النصوص خال ًفا يف‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬ ‫بعض المسائل الفقهية‪ ،‬منها ما يأيت‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫مسألة‪ :‬اإلبراد بصالة الظهر‪:‬‬
‫‪    ‬‬

‫فقد ورد فيه حديث عبد ال ّله بن عمر وأبي هريرة ﭫ‪ ،‬عن رسول ال ّله ﷺ أنّه قال‪:‬‬
‫‪   ‬‬

‫الحر من َف ْيحِ جهنّم»((( ‪.‬‬


‫فإن شدّ ة ّ‬
‫الصالة‪ّ ،‬‬‫الحر َف َأ ْبرِ ُدوا عن ّ‬ ‫«إذا اشتدّ‬
‫‪    ‬‬

‫ّ‬
‫‪    ‬‬

‫اب‪ ،‬قال‪« :‬شكونا إلى رسول اهلل ﷺ الصالة يف الرم َض ِ‬


‫اء‪،‬‬ ‫وقد عارضه حديث خ ّب ٍ‬
‫َّ ْ‬ ‫ّ‬
‫‪    ‬‬

‫فلم ُي ْشكِنَا»(((‪.‬‬
‫فمن رأى تقديم النسخ ‪-‬وهم الحنفية‪ -‬جعلوا اإلبراد فِي الصي ِ‬
‫ف مستح ًّبا مطل ًقا‪،‬‬ ‫َّ ْ‬
‫‪ ‬‬

‫خباب منسوخ‪.‬‬‫ٍ‬ ‫وأن حديث‬


‫‪   ‬‬

‫ومن رأى تقديم الجمع ‪-‬وهم الجمهور‪ -‬جعلوا اإلبراد رخصة والتقديم أفضل‪،‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫واعتمدوا حديث خباب‪ ،‬وحملوا حديث اإلبراد على الرتخيص والتخفيف يف التأخير‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫وفريق ثالث ذهب إلى‪ :‬استحباب اإلبراد ألحاديثه‪ ،‬وأما حديث خباب‬
‫تأخيرا زائدً ا على قدر اإلبراد‪ ،‬فلم يأذن لهم رسول اهلل ﷺ؛ ألن‬
‫ً‬ ‫فمحمول على أهنم طلبوا‬
‫‪‬‬

‫اإلبراد يؤخر بحيث يحصل للحيطان يفء يمشون فيه ويتناقص الحر‪ ،‬فال حاجة‬
‫للزيادة عليه‪.‬‬

‫((( أخرجهما البخاري (‪ .)533‬ويف (‪ ،)536‬ومسلم (‪ )615‬من حديث أبي هريرة وحده‪ ،‬بلفظ‪َ « :‬ف َأ ْب ِر ُدوا ّ‬
‫بالصالة»‪.‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)619‬‬
‫‪530‬‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والرتجيح‬

‫مسألة‪ :‬اشرتاط الولي لعقد النكاح‪:‬‬


‫ّبي ﷺ َق َال‪:‬‬ ‫ّ‬
‫فقد وردت أحاديث فيه‪ ،‬ومنها حديث أبي موسى األشعري ﭬ أن الن ّ‬
‫أن النّبي ﷺ َق َال‪َ :‬‬
‫«األي ِّ ُم ّ‬
‫أحق‬ ‫اس ﭭ‪ّ ،‬‬ ‫«ال نكاح إال بولي»(((‪ ،‬وعارضه حديث ابن ع ّب ٍ‬
‫ّ‬
‫بنفسها من ول ّيها‪ ،‬والبكر تستأذن يف نفسها‪ ،‬وإذنها ُص َمات َُها)(((‪.‬‬
‫فمن رأى تقديم الرتجيح على الجمع ‪-‬وهم الحنفية‪ -‬لم يشرتطوا الولي يف‬
‫بكرا كانت‬
‫النكاح؛ حيث فسروا (األ ّيم) يف حديث ابن عباس بأهنا المرأة التي ال زوج لها؛ ً‬

‫‪   ‬‬


‫معارضا‬
‫ً‬ ‫أم ثي ًبا‪ ،‬وقد جعلها الشارع أحق بنفسها‪ ،‬ولما أن كان هذا الحديث يف ظاهره‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫لحديث أبي موسى ذهبوا إلى ترجيح حديث ابن عباس؛ لقوة إسناده‪ ،‬ولما يف األحاديث‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫المعارضة من االختالف يف أسانيدها‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫ومن رأى تقديم الجمع على الرتجيح ‪-‬وهم الجمهور‪ -‬اشرتطوا الولي يف النكاح‪،‬‬
‫‪    ‬‬

‫ً‬
‫عماًل بحديث أبي موسى‪« :‬ال نكاح إال بولي»‪ ،‬وفسروا األيم يف حديث ابن عباس بأهنا‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الثيب‪ ،‬وأهنا ال تجرب على النكاح‪ ،‬فال بد من رضاها‪ ،‬وال تمنع منه إن طلبته‪ ،‬وال يدل‬
‫‪    ‬‬

‫الحديث على تفردها بالعقد دون ولي أو شهود‪ ،‬وهبذا تجتمع األحاديث وال تفرتق‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬العدة ألبي يعلى (‪.)615/2‬‬


‫‪ -‬شرح تنقيح الفصول (ص‪.)421‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)576/2‬‬


‫‪‬‬

‫‪ -‬البحر احمليط (‪.)157/8‬‬


‫‪ -‬التقرير والتحبري (‪.)158-157/1‬‬
‫‪‬‬

‫‪ -‬التحبري للمرداوي (‪.)4130/8‬‬


‫‪ -‬تشنيف املسامع (‪.)495/3‬‬
‫‪ -‬فواتح الرمحوت (‪.)189/2‬‬
‫‪ -‬التعارض والرتجيح بني األدلة الشرعية (‪.)166/1‬‬

‫((( أخرجه أبو داود (‪ ،)2085‬والرتمذي (‪ ،)1101‬وابن ماجه (‪ ،)1881‬وصححه‪ :‬ابن المديني‪ ،‬والبخاري‪ ،‬والرتمذي‪.‬‬
‫انظر‪ :‬المستدرك (‪ ،)184/2‬ومعرفة السنن واآلثار (‪.)35/10‬‬
‫((( أخرجه مسلم (‪.)1421‬‬
‫‪531‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حكم الرتجيح‬

‫الرتجيح هو‪:‬‬
‫(تغليب بعض األمارات على بعض يف الظن)(((‪.‬‬

‫‪   ‬‬


‫بيان حقيقة الرتجيح‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫وإنما يعمل بالرتجيح يف حال تعارض النصوص فيما يظهر لنا‪ ،‬وإال فنصوص‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫الشرع يف الحقيقة ال يمكن تعارضها‪ ،‬بل يقع التعارض من جهة فهم البشر القاصر‪ ،‬وهذا‬

‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الرتجيح إنما يسلك يف حال التعارض؛ ألن األصل العمل بكل ما ورد وثبت من نصوص‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫الشرع‪ ،‬فإذا ورد نصان وظهر للمجتهد تعارض أحدهما مع اآلخر فأول ما يلزمه سلوكه‬
‫‪    ‬‬

‫هو مسلك الجمع؛ حيث إعمال النصين أولى من إعمال أحدهما‪ ،‬فإذا لم يمكن الجمع‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫بينهما لجأ المجتهد إلى مسلك الرتجيح‪ ،‬وذلك بطرق كثيرة‪ ،‬منها‪ :‬النظر يف الصحة‬
‫‪    ‬‬

‫والضعف فيقدم الصحيح على الضعيف أو األصح على األقل صحة‪ ،‬وهكذا‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫حكم الرتجيح‪:‬‬
‫مما سبق يتبين أن الرتجيح هو آلية التعامل مع النصوص ُبغية إعمالها‪ ،‬واالستدالل‬
‫‪ ‬‬

‫هبا دون تعارض بينها‪ ،‬وهذا من أوجب الواجبات التي تلزم المجتهد‪ ،‬وال يتمكن مجتهد‬
‫من استظهار أحكام الشرع دون التمكن من الرتجيح؛ ولذلك ألحق األصوليون بكتب‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫أصول الفقه أبوا ًبا خاصة عن التعارض والرتجيح‪ ،‬نصوا فيها على أن الرتجيح متعين‬
‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫وعقاًل‪.‬‬ ‫شر ًعا‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫ومما يدل على ذلك الوجوب‪( :‬إطباق األولين ومن تبعهم على ترجيح مسلك‬
‫يف االجتهاد على مسلك‪ ،‬هذا ما درج عليه األولون قبل اختالف اآلراء‪ ...‬فوضح أن‬
‫‪‬‬

‫الرتجيح مقطوع به)(((‪.‬‬


‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬اإلشارة ألبي الوليد الباجي (ص‪.)329‬‬
‫‪ -‬الربهان (‪.)175/2‬‬
‫‪ -‬املنخول (ص‪.)534-533‬‬
‫‪ -‬شرح خمتصر الروضة (‪.)678-676/3‬‬ ‫((( الربهان (‪.)741/2‬‬
‫((( المرجع السابق‪.‬‬
‫‪532‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الباب َّ‬
‫الث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والرتجيح‬

‫عالقة أسباب اختالف الفقهاء‬


‫مبباحث التعارض والرتجيح‬
‫العالقة بين هذين الموضوعين عالقة وثيقة؛ إذ بينهما تأثير وتأثر‪ ،‬تتضح يف النقاط اآلتية‪:‬‬
‫ً‬
‫أواًل‪ :‬يعترب باب التعارض والرتجيح من أهم مسببات اخلالف بني العلماء‪،‬‬

‫‪   ‬‬


‫وذلك من جهات متعددة‪:‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫اجلهة األوىل‪ :‬اختالف مناهج العلماء فـي دفع التعارض‪.‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫فمنهم من قدم النسخ ثم الرتجيح ثم الجمع‪ ،‬ومنهم من قدم الجمع ثم الرتجيح ثم‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫النسخ‪ ،‬واختالفهم هذا كان له أثر كبير جدًّ ا فيما ال ُيحصى من المسائل الشرعية‪.‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اجلهة الثانية‪ :‬اختالف العلماء فـي األوجه والطرق اليت يكون بها اجلمع بني األدلة املتعارضة‪.‬‬
‫‪   ‬‬

‫وهذا يرتتب عليه أن العالمين ربما يتفقان يف تقديم الجمع على النسخ‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬

‫والرتجيح‪ ،‬ولكنهما قد يختلفان يف طريقة الجمع على طرائق شتى؛ كالتأويل‬


‫‪    ‬‬

‫‪-‬وله صور شتى‪ ،‬وقد يكون قري ًبا أو بعيدً ا‪ -‬أو حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد‪،‬‬
‫ونحو ذلك‪.‬‬
‫‪ ‬‬

‫«اَل َينْكِ ُح ا ْل ُم ْحرِ ُم‪ ،‬وال ُينْك َُح‪،‬‬


‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬حديث عثمان ﭬ أن النبي ﷺ قال‪َ :‬‬
‫تزوج‬
‫ّبي ﷺ ّ‬
‫«أن الن ّ‬
‫وال يخطب»(((‪ ،‬معارض يف ظاهره لما ورد عن ابن عباس ﭭ من ّ‬
‫‪   ‬‬

‫‪‬‬‫‪‬‬

‫ميمونة وهو ُم ْحرِ ٌم»(((‪.‬‬


‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫وقد اختلفت مناهج العلماء يف دفع هذا التعارض مما أثر يف أقوالهم يف المسألة‪:‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫مرجحا حديث ابن عباس‪.‬‬


‫ً‬ ‫الم ْحرم؛‬
‫فذهب بعض العلماء إلى صحة نكاح ُ‬
‫‪‬‬

‫ً‬
‫منسوخا‪ ،‬أو من باب‬ ‫ومنهم من ذهب إلى التحريم؛ إما ألنه جعل حديث ابن عباس‬
‫ترجيح حديث عثمان بمرجحات متعددة‪.‬‬
‫ومنهم من حاول الجمع بالتأويل‪ ،‬فحمل الجواز على العقد‪ ،‬والنهي على الدخول‬
‫هبا‪ ،‬وبعضهم جمع بحمل حديث ابن عباس على الخصوصية بالنبي ﷺ‪.‬‬

‫((( أخرجه مسلم (‪.)1409‬‬


‫((( أخرجه البخاري (‪ ،)1837‬ومسلم (‪.)1410‬‬
‫‪533‬‬
‫نه رقنا اًلضف ‪،‬باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫اجلهة الثالثة‪ :‬اختالف العلماء فـي آحاد طرق الرتجيح‪ ،‬فليست ًّ‬
‫حماًّل لالتفاق‪،‬‬
‫وكذا ً‬
‫أيضا فـي ترتيبها حني احلاجة إليها‪.‬‬
‫فقد يتفق عالمان على رتبة الرتجيح‪ ،‬ولكن يقع الخالف بينهما يف أفراده؛ ولذا كان‬
‫من أوجه الرتجيح ما هو محل وفاق‪ ،‬وما هو محل خالف‪.‬‬
‫ومن أمثلة ذلك‪ :‬الرتجيح بكثرة األدلة‪ ،‬وكثرة الرواة‪ ،‬فهما محل خالف‪،‬‬
‫رسل‪ ،‬أو ما أفاد األمر واإلباحة‪ ،‬أو ما أفاد النهي واإلباحة‪،‬‬
‫والم َ‬
‫المسنَد ُ‬
‫وكما يف تعارض ُ‬

‫‪   ‬‬


‫مقررا للحكم وما كان ً‬
‫ناقاًل عنه‪ ،‬ونحو ذلك‪.‬‬ ‫أو ما أفاد خفة الحكم وثقله‪ ،‬أو ما كان ًّ‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مؤثرا بدوره على أقوالهم يف المسائل الفقهية‪.‬‬
‫كل هذا مما اختلف فيه العلماء‪ ،‬وكان ً‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫اجلهة الرابعة‪ :‬اختالف العلماء فـي اعتبار بعض القواعد األصولية غري اخلاصة بأبواب‬
‫‪    ‬‬
‫‪   ‬‬ ‫التعارض والرتجيح‪.‬‬
‫‪    ‬‬

‫فمن يحتج ببعض األدلة المختلف فيها كاالستحسان‪ ،‬وقول الصحابي‪ ،‬والمصالح‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫مؤثرا يف باب التعارض؛ إذ سيقع التعارض عنده بين المصلحة‬


‫المرسلة كان قوله هذا ً‬
‫‪    ‬‬

‫خصص النص بالمصلحة؟ وكذا يقال يف قول الصحابي‪،‬‬ ‫الخاصة والنص العام‪ ،‬وهل ُي َّ‬
‫‪    ‬‬

‫بالمرسل‪،‬‬
‫َ‬ ‫يخصص العام؟ وتقديم المرسل على المتصل مبني على االحتجاج‬ ‫ِّ‬ ‫وهل‬
‫وتعارض مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة مبني على االحتجاج بمفهوم المخالفة‪،‬‬
‫‪ ‬‬

‫وتعارض الخرب مع القراءة الشاذة مبني على االحتجاج هبا‪.‬‬


‫‪   ‬‬

‫ثان ًيا‪ :‬تعترب بعض األسباب املهمة للخالف بني العلماء من أهم مسببات‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫اخلالف فـي باب التعارض والرتجيح‪.‬‬


‫‪ ‬‬

‫ومن أبينها‪ :‬وقوع التعارض المتعلق باختالف أفهام العلماء ومداركهم العقلية‪،‬‬
‫‪‬‬

‫وهذا له أثر ظاهر ال يخفى يف تباين اآلراء يف فهم نصوص الكتاب والسنة‪ ،‬واختالف‬
‫‪‬‬

‫األقوال يف األحكام والمسائل الشرعية‪.‬‬

‫أهم الـمراجــــع‬
‫‪ -‬أسباب اختالف الفقهاء‪ ،‬د‪ .‬عبد اهلل الرتكي (ص‪.)٢٩٤-٢٦٨‬‬
‫‪ -‬اخلالف واملناظرة‪ ،‬إثراء املتون (ص‪.)٥٨-٥٦‬‬

‫‪534‬‬
535
 
 
‫فهرس احملتويات‬

   

    
   

    
    
   
    
    
     
   
   
‫فهرس احملتويات‬
   
   
   
 


‫فهرس احملتويات‬

‫فهرس المحتويات‬

‫مقدمة‪7.............................................................................................‬‬
‫منهج التأليف ‪9...................................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫مدخل إلى أصول الفقه ‪15..........................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مبادئ علم أصول الفقه ‪17......................................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫نشأة علم أصول الفقه ‪19........................................................................‬‬
‫‪     ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫مناهج التأليف فـي علم أصول الفقه ‪22.......................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أبرز المؤلفات األصولية فـي مختلف المذاهب‪ ،‬والمؤلفات المعاصرة ‪25.............‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أصول االستنباط عند األئمة األربعة ‪28.......................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫الباب األول‪ :‬الحكم الشرعي ‪35..................................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫المراد بالحكم‪ ،‬وتقسيماته ‪37..................................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫إجمااًل ‪39...............................................‬‬ ‫حقيقة الحكم الشرعي‪ ،‬وتقسيماته‬
‫حقيقة الحكم التكليفـي‪42......................................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬

‫صيغ الواجب وأساليبه‪43.......................................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫أقسام الواجب باالعتبارات المختلفة ‪45.....................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫‪‬‬

‫أثر الزائد على المقدار المجزئ فـي الواجب ‪47............................................‬‬


‫‪‬‬

‫صيغ المندوب وأساليبه ‪48.....................................................................‬‬


‫إطالقات المندوب ‪50...........................................................................‬‬
‫هل يلزم المندوب بالشروع فـيه أو ال؟ ‪51....................................................‬‬
‫صيغ المباح وأساليبه‪54.........................................................................‬‬
‫حكم المباح ‪56...................................................................................‬‬
‫‪537‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫صيغ المكروه وأساليبه ‪57......................................................................‬‬


‫حكم المكروه ‪59.................................................................................‬‬
‫صيغ الحرام وأساليبه ‪60........................................................................‬‬
‫حكم الحرام ‪62...................................................................................‬‬
‫إطالقات الحرام ‪63..............................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫أركان التكليف ‪64................................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أنواع األهلية ‪65...................................................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫عوارض األهلية‪67...............................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫حقيقة الحكم الوضعي ‪74......................................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حقيقة السبب‪ ،‬وأنواعه ‪75......................................................................‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أقسام المانع وأمثلته ‪77..........................................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫المصطلحات المتعلقة بالصحة والفساد ‪79..................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫التفاضل بين العزيمة والرخصة‪81.............................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫الفرق بين السبب والعلة ‪84.....................................................................‬‬


‫الفرق بين الشرط والسبب ‪85..................................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫الفرق بين الشرط والركن ‪86...................................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫الفرق بين شرطي الوجوب والصحة ‪87......................................................‬‬


‫‪‬‬

‫الفرق بين المانع والسبب ‪88...................................................................‬‬


‫‪‬‬

‫الفرق بين المانع والشرط ‪89...................................................................‬‬


‫عالقة الحكم الشرعي بالسبب والشرط والمانع‪90.........................................‬‬
‫الفرق بين الحكم التكليفـي والوضعي ‪91....................................................‬‬
‫واالستصحاب) ‪93...........‬‬
‫ُ‬ ‫واإلجماع‪،‬‬
‫ُ‬ ‫والسنَّةُ‪،‬‬
‫(الكتاب‪ُّ ،‬‬
‫ُ‬ ‫الباب الثاين‪ :‬تفصيل األُصول‬
‫تعريف الدليل واأللفاظ ذات الصلة به ‪95....................................................‬‬
‫‪538‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫تقسيمات األدلة باعتبارات متعددة‪97.........................................................‬‬


‫الفرق بين أدلة األحكام الشرعية وأدلة وقوعها ‪100........................................‬‬
‫خصائص الدليل النقلي من الكتاب والسنة‪ ،‬ومكانته‪ ،‬وموقفه من الدليل‬
‫العقلي‪101........................................................................................‬‬
‫خصائص القرآن الكريم ‪104...................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫القراءات القرآنية‪ ،‬أنواعها‪ ،‬وشروطها ‪106...................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫شروط القراءة المقبولة ‪109....................................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫حكم ترجمة القرآن الكريم (ألفاظه ومعانيه) ‪114..........................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫أنواع المحكم والمتشابه ‪119..................................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫موقف السلف من المتشابه‪ ،‬وأثر االنحراف فـيه ‪121......................................‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تعريف السنة والحديث وبيان النسبة بينهما ‪124............................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫مكانة السنة ‪126..................................................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫عالقة السنة بالقرآن‪128.........................................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫بيان جهود األصوليين والمحدثين فـي دراسة السنة‪132...................................‬‬


‫أقسام السنة ‪134..................................................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫أفعال النبي ﷺ ‪ ،‬وأقسامها‪ ،‬وحجية كل قسم ‪137..........................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫التفريق بين أقسام الخرب ‪143...................................................................‬‬


‫‪‬‬

‫أنواع الحديث المتواتر‪144.....................................................................‬‬


‫‪‬‬

‫أمثلة الحديث المتواتر ‪145.....................................................................‬‬


‫شروط العمل بخرب اآلحاد ‪146................................................................‬‬
‫معنى الرواية ‪148.................................................................................‬‬
‫التمثيل على الزيادة التي انفرد هبا الراوي ‪149...............................................‬‬
‫تعريف المرسل ‪151.............................................................................‬‬
‫‪539‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حكم العمل بالحديث الضعيف‪152..........................................................‬‬


‫تعريف الجرح والتعديل ‪154...................................................................‬‬
‫مقاييس نقد متون السنة عند األئمة األربعة وعند المحدثين ‪155........................‬‬
‫المقاييس المردودة لنقد متون السنة ‪158.....................................................‬‬
‫الرد على شبه منكري السنة‪162...............................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫أركان النسخ ‪166.................................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫شروط النسخ‪168................................................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫بيان المقصد الشرعي من النسخ ‪170.........................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫النسخ بالمساوي ‪171...........................................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫أقسام اإلجماع ‪172..............................................................................‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫شروط اإلجماع ‪174.............................................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫مرتبة اإلجماع بين األدلة ‪176..................................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫اتفاق الشيخين أبي بكر وعمر ‪178............................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫إجماع أهل البيت ‪180...........................................................................‬‬


‫األثر الفقهي التفاق أهل عصر متأخر على قول من أقوال أهل عصر متقدم‪183.......‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫المراد بمستند اإلجماع وأمثلته ‪184...........................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫ال إجماع إال عن مستند ‪186....................................................................‬‬


‫‪‬‬

‫اإلجماع فـي العصر الحاضر وعالقته بقرارات المجامع الفقهية‪188....................‬‬


‫‪‬‬

‫القواعد الفقهية واألصولية المبنية على االستصحاب ‪194................................‬‬


‫فـيها‪199.................................................‬‬ ‫ِ‬
‫الباب الثالث‪ :‬بيان األصول المختلف َ‬
‫حصر األدلة المختلف فـيها إجماال وبيان منزلتها فـي التشريع وأثرها فـي‬
‫اختالف الفقهاء ‪201.............................................................................‬‬
‫عالقة األدلة المختلف فـيها بالكتاب والسنة ‪202...........................................‬‬
‫‪540‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫حقيقة شرع من قبلنا ‪205........................................................................‬‬


‫أقسام شرع من قبلنا ‪206........................................................................‬‬
‫حقيقة قول الصحابي‪207.......................................................................‬‬
‫حاالت قول الصحابي وحجيتها ‪208.........................................................‬‬
‫مكانة أقوال الصحابة‪ ،‬وأثر ذلك فـي المنهج وفـي الفروع الفقهية ‪212..................‬‬

‫‪   ‬‬


‫أنواع االستحسان باعتبار سنده ‪215...........................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫ضوابط العمل بالمصلحة ‪217.................................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫سبب الخالف فـي االستصالح وثمرته ‪219.................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫الفرق بين االستحسان واالستصالح ‪222....................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫العــرف (حقيقته وعالقته بالعادة‪ ،‬وأقسامه‪ ،‬وحجيته‪ ،‬وشروط اعتباره) ‪224...........‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫حقيقة سد الذرائع ‪229..........................................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫دليل سد الذرائع أقسامه وحجية كل قسم ‪231..............................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫الشبه المعاصرة الموجهة لدليل سد الذرائع‪ ،‬والجواب عنها ‪234.......................‬‬


‫‪ ‬‬

‫إبطال الحيل ‪237.................................................................................‬‬


‫شبه أصحاب المدرسة العقلية الحديثة فـيما ذهبوا إليه من تقديم العقل على‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫النقل عند التعارض ومناقشتها‪238............................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫ً‬
‫(إجمااًل) ‪242.................‬‬ ‫تعريف موجز ببعض األدلة األخرى وبيان الموقف منها‬
‫‪‬‬

‫دليل االستقراء (حقيقته ‪ -‬أقسامه ‪ -‬حجيته) ‪245...........................................‬‬


‫‪‬‬

‫ِ‬
‫األسماء ‪249................................................................‬‬ ‫ابع‪ :‬تقاسيم‬
‫الر ُ‬
‫الباب َّ‬
‫المراد باللغات ‪251..............................................................................‬‬
‫تعريف اللفظ والمعنى ‪252.....................................................................‬‬
‫سبب وضع اللغات‪253.........................................................................‬‬
‫عالقة اللغة العربية بالشريعة ‪254..............................................................‬‬
‫‪541‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫المراد بدالالت األلفاظ‪ ،‬وبيان مناهج العلماء فـي تقسيماهتا‪ ،‬والفرق بين منهج‬
‫الجمهور والحنفـية ‪255.........................................................................‬‬
‫فائدة معرفة أنواع الحقيقة ‪262.................................................................‬‬
‫ما يرتتب على إثبات الحقيقة الشرعية من مسائل أصولية وفروع فقهية ‪263............‬‬
‫أقسام المجاز ‪264................................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫عالقات المجاز ‪266.............................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫أسباب العدول عن الحقيقة إلى المجاز‪269.................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫أنواع القرائن الصارفة من الحقيقة إلى المجاز ‪270.........................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫أقسام التأويل ‪275................................................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المشرتك‪ :‬حقيقته وأسبابه وصوره‪ ،‬وعالقته بالعام‪ ،‬وحكم حمله على جميع معانيه ‪276.‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫الفرق بين البيان والمب ِّين والمب َّين ‪285........................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫قاعدة (كل مق ِّيد من الشرع بيان) ‪286.........................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫الباب الخامس‪ :‬األمر‪ ،‬والنَّهي‪ ،‬والعموم‪ ،‬والخصوص‪ ،‬والمفاهيم ‪287....................‬‬


‫‪ ‬‬

‫بيان نوع القرائن الصارفة لألمر عن الوجوب ‪289..........................................‬‬


‫تعريف النهي‪ ،‬وبيان صيغته ‪291...............................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫بيان المعاين التي تستعمل فـيها صيغة النهي ‪292............................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫داللة النهي على التحريم ‪294..................................................................‬‬


‫‪‬‬

‫داللة النهي على التكرار ‪297...................................................................‬‬


‫‪‬‬

‫داللة النهي على الفور ‪299.....................................................................‬‬


‫النهي عن الشيء هل هو أمر بضده؟ ‪300.....................................................‬‬
‫الفرق بين األمر والنهي ‪303....................................................................‬‬
‫أقسام اللفظ من حيث عمومه وخصوصه‪305...............................................‬‬
‫التمييز بين العام وبين ما يشبهه من األلفاظ ‪306.............................................‬‬
‫‪542‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫ذكر الخالف فـي كون العموم من عوارض المعاين‪ ،‬وثمرة الخالف ‪307...............‬‬
‫داللة العام من حيث القطعية والظنية ‪309....................................................‬‬
‫أنواع الخطاب بالعام‪ ،‬وداللة كل نوع ‪314...................................................‬‬
‫الخاص وأنواعه‪317..............................................................‬‬
‫ّ‬ ‫معنى اللفظ‬
‫نوع داللة الخاص ‪319..........................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫المراد بالتخصيص‪ ،‬والفرق بينه وبين التقييد‪320...........................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫شرط التخصيص ‪322...........................................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫المخصصات المتصلة ‪323.....................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫تعريف المطلق والمقيد لغة ‪325...............................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫عالقة المطلق بالمصطلحات المشاهبة ‪326..................................................‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫المراد بالتقييد ‪328...............................................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫عالقة المقيد والتقييد بالمصطلحات المشاهبة ‪329.........................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫حكم المقيد ‪331.................................................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫شروط حمل المطلق على المقيد ‪333........................................................‬‬


‫المنطوق والمفهوم أقسامهما عند الجمهور والحنفـية‪335................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫شروط مفهوم المخالفة ‪340....................................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫المراد بحروف المعاين‪343.....................................................................‬‬


‫‪‬‬

‫أقسام حروف المعاين ‪344......................................................................‬‬


‫‪‬‬

‫حرف (الواو) وأبرز معانيه ‪346................................................................‬‬


‫حرف (الفاء) وأبرز معانيه‪350.................................................................‬‬
‫حرف ( ُث َّم) وأبرز معانيه ‪354...................................................................‬‬
‫حرف (الباء) وأبرز معانيه ‪358.................................................................‬‬
‫حرف (إلى) وأبرز معانيه ‪362..................................................................‬‬
‫‪543‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫حرف (حتى) وأبرز معانيه ‪366................................................................‬‬


‫حرف (مِ ْن) وأبرز معانيه ‪368..................................................................‬‬
‫حرف (فـي) وأبرز معانيه ‪370..................................................................‬‬
‫ادس‪ :‬القياس وقوادحه ‪373............................................................‬‬
‫الس ُ‬
‫الباب َّ‬
‫أنواع القياس األصولي ‪375....................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫التفريق بين القياس األصولي وما يشبهه ‪378................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫الفرق بين العلة والحكمة ‪380.................................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫النص الظاهر من المسالك النقلية للعلة‪382.................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫عالقة أقسام المناسب بمقاصد الشريعة‪383.................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تعريف مسلك السرب والتقسيم‪385............................................................‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫تعريف مسلك الطرد ‪386.......................................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫أقسام قياس الداللة وأمثلتها ‪387..............................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫أحكام العلة الشرعية ‪388.......................................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫ما يجري فـيه القياس وما ال يجري فـيه‪389..................................................‬‬


‫مقدمة‪ :‬فـي تعريف القادح‪ ،‬وأهميته للمجتهد‪ ،‬واأللفاظ ذات الصلة ‪393..............‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫السابع‪ :‬االجتهاد والتقليد‪395..............................................................‬‬


‫الباب َّ‬
‫‪ ‬‬

‫الفرق بين االجتهاد وبين ما يشتبه به‪ :‬كالتشريع‪ ،‬والرأي‪ ،‬والفتوى‪ ،‬والقضاء ‪397.....‬‬
‫‪‬‬

‫مشروعية االجتهاد‪400..........................................................................‬‬
‫‪‬‬

‫حكم االجتهاد ‪403..............................................................................‬‬


‫أركان االجتهاد وشروط كل منها ‪410........................................................‬‬
‫أقسام المجتهدين ومراتبهم وشروط كل قسم ‪415.........................................‬‬
‫مجال االجتهاد المشروع والممنوع‪ ،‬وأثر ذلك فـي اإلنكار على المخالف ‪425.......‬‬
‫تغير االجتهاد وحاالته ‪429.....................................................................‬‬
‫‪544‬‬
‫فهرس احملتويات‬

‫نقض االجتهاد ‪436.............................................................................‬‬


‫التعريف بالنوازل ‪440...........................................................................‬‬
‫منهج النظر فـي النوازل وضوابطه‪442........................................................‬‬
‫االجتهاد الفردي والجماعي ‪454..............................................................‬‬
‫عالقة التقليد بالمصطلحات ذات الصلة‪464................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫شروط التقليد ‪465...............................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫تتبع رخص المفتين حكمه وأثره ‪467.........................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫معنى التلفـيق الفقهي وحكمه‪470.............................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫حقيقة التمذهب وحكمه ‪475..................................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫ضوابط التمذهب ‪478...........................................................................‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫اإللزام بمذهب معين فـي مجال القضاء ‪480................................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫تعريف الفتوى‪ ،‬وعالقتها بالمصطلحات ذات الصلة‪482.................................‬‬


‫‪    ‬‬

‫أهمية الفتوى وضوابطها ‪485..................................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫شروط المفتي ‪489...............................................................................‬‬


‫آداب المفتي والمستفتي‪492...................................................................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬

‫مراعاة المفتي حال المستفتي ‪496.............................................................‬‬


‫‪ ‬‬

‫مجاالت الفتوى‪ ،‬والمؤثرات فـيها‪ ،‬ووسائلها فـي العصر الحاضر ‪498.................‬‬


‫‪‬‬

‫أسباب الخطأ فـي الفتوى ومظاهره ‪503......................................................‬‬


‫‪‬‬

‫خطر الفتوى الشاذة ‪505........................................................................‬‬


‫الفرق بين الفتوى العامة والفتوى الخاصة‪ ،‬وضوابط كل منهما‪506.....................‬‬
‫تنظيم الفتوى حقيقته وأحكامه ‪508...........................................................‬‬
‫أسباب تغير الفتوى ‪510.........................................................................‬‬
‫أسباب اختالف الفتوى‪ ،‬وأثر ذلك فـي إعذار المفتين ‪511................................‬‬
‫‪545‬‬
‫الزوائد على روضة الناظر‬

‫الباب ال َّث ُ‬
‫امن‪ :‬التعارض والترجيح ‪515...........................................................‬‬
‫تعريف التعارض والرتجيح‪ ،‬وعالقتهما بالمصطلحات ذات الصلة ‪517...............‬‬
‫بيان محل التعارض والرتجيح ‪520............................................................‬‬
‫أسباب التعارض بين األدلة الشرعية‪522.....................................................‬‬
‫الطرق المعينة على درء التعارض بين أدلة الشرع ‪524.....................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫شروط كل من التعارض والرتجيح ‪525......................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪ ‬‬
‫مناهج المجتهدين فـي دفع التعارض‪528....................................................‬‬

‫‪   ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬
‫‪     ‬‬
‫حكم الرتجيح ‪532...............................................................................‬‬

‫‪   ‬‬


‫‪    ‬‬
‫عالقة أسباب اختالف الفقهاء بمباحث التعارض والرتجيح ‪533........................‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬

‫فهرس المحتويات ‪535.............................................................................‬‬


‫‪   ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪    ‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪   ‬‬
‫‪‬‬‫‪‬‬‫‪‬‬
‫‪ ‬‬
‫‪ ‬‬

‫‪‬‬
‫‪‬‬

‫‪546‬‬
‫ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب‪:‬‬

‫• ﻳﺸــﺘﻤﻞ ﻋـﻠﻰ )‪ (193‬ﻣﻔــﺮدة أﺻــﻮﻟـﻴﺔ ﻟـﻢ ﺗــﺮد ﻓـﻲ ﻛــﺘﺎب‬


‫روﺿـﺔ اﻟﻨﺎﻇـﺮ‪ ،‬وﻫـﻲ ﻣـﻦ اﻟﻤﻔـﺮدات اﻟـﻮاردة ﻓـﻲ ﺗـﻮﺻـﻴﻒ‬
‫ﻣـﻘﺮر أﺻـﻮل اﻟـﻔﻘـﻪ اﻟﺼـﺎدر ﻋـﻦ اﻟﻬـﻴﺌﺔ اﻟﻮﻃـﻨﻴﺔ ﻟﻠﺘﻘـﻮﻳـﻢ‬
‫واﻻﻋـﺘﻤﺎد اﻷﻛـﺎدﻳﻤﻲ‪ ،‬واﻟﺘـﻮﺻﻴﻔـﺎت اﻟـﻤﻌﺘﻤـﺪة ﻣـﻦ ﻛـﻠﻴﺎت‬
‫اﻟﺸـﺮﻳﻌﺔ‪.‬‬
‫• ﻳـﻠﺒﻲ ﺣـﺎﺟﺔ ﻣـﻠﺤﺔ ﻟـﺪى أﺳـﺎﺗﺬة أﺻـﻮل اﻟﻔﻘـﻪ ﻓـﻲ ﻛـﻠﻴﺎت‬
‫اﻟـﺸـﺮﻳـﻌﺔ وﻃـﻼﺑـﻬـﺎ‪ ،‬ﻓـﻲ ﺗـﻮﻓـﻴـﺮ ﻛـﺘـﺎب واﺣـﺪ ﻣـﻊ روﺿـﺔ‬
‫اﻟـﻨـﺎﻇـﺮ ﻳـﻜـﻮن ﻣـﺴﺘـﻮﻓـﻴًﺎ ﻟـﻤﻔـﺮدات ﻣـﻘـﺮر أﺻـﻮل اﻟـﻔﻘـﻪ‪.‬‬
‫• ﻳـﺠﻤـﻊ ﺑـﻴـﻦ اﻷﺻـﺎﻟـﺔ واﻟـﺼـﻴـﺎﻏـﺔ اﻟـﺘـﻌـﻠـﻴـﻤـﻴـﺔ اﻟـﻮاﺿـﺤـﺔ‪.‬‬
‫• أﻋـﺪ ﻣـﺎدﺗـﻪ اﻟـﻌﻠﻤﻴﺔ وراﺟـﻌﻬـﺎ ﻣﺠﻤـﻮﻋـﺔ ﻣـﻦ اﻷﻛـﺎدﻳـﻤﻴﻴـﻦ‬
‫اﻟـﻤﺨﺘﺼﻴﻦ ﺑﻌـﻠﻢ أﺻـﻮل اﻟﻔﻘـﻪ‪ ،‬وﻓـﻖ ﻣﻨﻬﺞ ﺧـﺎص‪ ،‬وﻣﻌﺎﻳﻴﺮ‬
‫ﻋﻠـﻤﻴﺔ ﻣـﺤﻜﻤـﺔ؛ ﻟـﻀﻤـﺎن أﻛـﺒـﺮ ﻗـﺪر ﻣـﻦ اﻹﺗـﻘـﺎن واﻟـﺠـﻮدة‪.‬‬

‫‪https://jona.ws/‬‬ ‫‪https://ithraa.io/‬‬

You might also like