Professional Documents
Culture Documents
Alzawayidu 6
Alzawayidu 6
ﺳـ ْﻠ ِ ِ
اﻟ ُﻤ َﻘ َّﺮ َرات
ْ
َّ
اﻟﺘ ْﻌ ِﻠ ِ
ﻴﻤ َّﻴﺔ
إﻋﺪاد
ﺷﺮﻛﺔ إﺛﺮاء اﻟﻤﺘﻮن
مسائل أصولية
للكليات الشرعية
ردمك( 978-603-٨٣٤٨-31-4 :ج)1
-١أصول الفقه - 2الفقه الحنبلي أ.العنوان
E
الطبعة السادسة
إعداد
فريق العمل الرئيس
اإلعداد العلمي
د .رائد بن حسين آل سبيت
املراجعة العلمية
إدارة املشروع
v
خرائط ذهنية
مقدمة
الحمد هلل رب العالمين ،والصالة والسالم على أشرف المرسلين ،نب ِّينا محمد
وعلى آله وصحبه أجمعين ،ومن تبع هديه إلى يوم الدين...
أما بعد:
أصـول الفقـه :أن يفقـه الـدارس مـراد اهلل ورسـوله بالكتـاب والسـنة)(((.
الفروع وإن جدّ كل الجد فيه ،وكان عار ًيا عن ذلك الفن لم تحصل الثقة بنقله ،ولم يدرك
أسرار مسائله؛ ألنه روح أجساد الفروع ،وال ُينكِر ذلك إال َمن لم َي ُذق ثمـاره ،ولم يقتف
َ
آثاره ،وإال فأين للف ْر ِّ
مسالك االجتهاد)(((.
ويقول $يف بيان منزلة أصول الفقه( :اعلم أنه ال يمكن للطالب أن يصير ُمتَف ِّق ًها
ما لم تكن له دراية باألصول ،ولو قرأ الفقه سنين وأعوا ًما ،ومن ا ّدعى غير ذلك كان كالمه
إما ً
جهاًل ،وإما مكابرة)(((.
ولما كان كتاب (روضة الناظر) البن قدامة $من أبرز مصنفات هذا العلم
قدرا؛ لما جمع فيه بين الشمول ،ودقة العبارة ،واختصارها ،واعتماده على وأجلها ً
أمهات المصنفات األصولية ،ال سيما مدونة الغزالي الفريدة( :المستصفى) ،والمصادر
األصولية الرئيسة للحنابلة؛ كـ (العدة) و(التمهيد) ،كل ذلك كان سب ًبا حقيق ًّيا العتماد
تدريسه للطالب يف الكليات الشرعية يف المملكة العربية السعودية.
ولما كان توصيف مقرر أصول الفقه الصادر عن الهيئة الوطنية للتقويم واالعتماد
األكاديمي ،والتوصيفات المعتمدة من الكليات الشرعية ،قد نصت على مفردات أصولية
لم يتطرق لها كتاب روضة الناظر ،أو اكتفى باإلشارة إليها ،وسع ًيا من شركة (إثراء المتون)
منتجا علم ًّيا موث ًقا ،يستويف هذه المفردات؛
ً يف خدمة العلم وأهله ،فقد رأت أن تعد
متكاماًل مع كتاب الروضة ،وقد أسمته: ً ليكون بين يدي األستاذ والطالب مرج ًعا
(الزوائد على روضة الناظر).
الناظر؛ فيكونا مرج ًعا معتمدً ا للطالب يف علم أصول الفقه.
-2توفير الوقت -لألساتذة والطلبة -الذي يذهب يف اإلمالء أو إعداد المذكرات.
-3تقديم مادة علمية مو ّثقة ،ومراجعة ،ومح ّكمة من لجنة علمية متخصصة من
-4التقريب بين فكرة التمسك بكتب الرتاث واستبدالها بالكتاب الجامعي؛ وذلك
الر َؤى الطموحة للكليات وضعت شركة (إثراء المتون) نصب أعينها تحقيق ُّ
الشرعية يف جامعات المملكة؛ من التميز العلمي ،وتعزيز القدرات المعرفية والمهارية،
لتقديم نموذج ٍ
ومن أجل تحقيق تلك الغاية أقامت الشركة ورشة عمل ،دعت إليها نخبة من
منهج التأليف
ً
أواًل :معايري حصر املسائل (الزوائد):
-1استيفاء المسائل الزوائد على روضة الناظر من توصيف الهيئة الوطنية للتقويم
واالعتماد األكاديمي ،ومن تواصيف مقررات أصول الفقه يف الكليات الشرعية يف المملكة،
باإلشارة إليها.
على إلحاقها بمؤلف آخر خاص بالجانب المهاري ،وكذا أال تكون داخلة تحت المهارات
اإلدراكية ،باعتبارها نتيجة يصل لها الطالب بنهاية أخذه للمقرر ،ولصعوبة قياسها تربو ًّيا.
-1االعتماد يف جميع عناصر المسألة على كتب أصول الفقه يف المذهب الحنبلي؛
خاصة مصادر (الروضة)؛ كـ( :العدة) و (التمهيد) ،أو الكتب التي استفادت من (الروضة)؛
كـ( :شرح الطويف) و(المسودة) و(التحبير) و(شرح الكوكب المنير) ،ونحو ذلك.
-2أن يكون الخروج عن تلك المصنفات التي سبق اإلشارة إليها عند الحاجة
-كما يف توثيق أقوال وأدلة المذاهب األخرى ،وكذلك عند النقول المتميزة التي لم
يوجد مثلها عند الحنابلة -وذلك للمحافظة على روح الكتاب الحنبلية ،ولعدم اضطراب
9
الزوائد على روضة الناظر
• الدمج يف المسألة الواحدة بين الصياغة العصرية التعليمية الواضحة ،ونقل
النصوص المتميزة يف المسألة األصولية؛ رغبة يف تقريب علم األصول ،مع عدم تفويت
والتعرف عليها.
ُّ مهارة الرجوع إلى المصادر
• تجنُّب األلفاظ الغريبة إال عند الضرورة ،ومراعاة بيان المراد هبا إن ُوجدت،
مختصرا يف الهامش.
ً شرحا
وشرحها ً
• تطعيم الكتاب بالنقل عن المصادر األصولية عند الحاجة إليه ،ومن مواطن
الحاجة ما يأيت:
متتالية ،مع تقديم مشهور المذهب الحنبلي ،وعزو كل قول ألبرز القائلين به.
كل قول ،مع إيراد المناقشة المؤ ِّثرة التي وردت عليه إن وجدت ،مع جواب ذلك اإليراد
وقد اتبع يف ترتيبها طريقة ابن قدامة؛ من تقديم أدلة مشهور المذهب الحنبلي،
وس ْوق المناقشات عليها ،واإلجابة عنها ،ثم تذكر أدلة األقوال األخرى ومناقشتها. َ
لفظي أو خالفٌّ • نوع الخالف وثمرته :ويذكر فيه نوع الخالف ،وهل هو خالف
معنوي ،وإن كان معنو ًّيا يذكر ثمرة الخالف باختصار ،بذكر الفروع الفقهية المتأثرة ٌّ
باألصل الفقهي المختلف فيه ،ولو لم يستقل األصل بالتأثير فيها ،وقد تذكر بعض
• عدم إضافة فقرة للترجيح ،أو حكاية المعتمد ،أو المشهور يف مذهب الحنابلة.
أما الترجيح:
فلتفاوت نظر المدرسين للكتاب ،وكذا الباحثين والمحكمين له ،وتقييدُ هم بما
ذكر من الرتجيح قد يكون فيه مصادرة على آرائهم.
أما حكاية المعتمد من المذهب:
فألن حكاية المعتمد يف األصول عسير ،ومحل نظر كذلك؛ الختالف طبيعة
11
الزوائد على روضة الناظر
-التفصيل والتوضيح عند طول المادة العلمية وتشعبها.
وقد زيدت القراءات اإلثرائية لمسائل االجتهاد والتقليد؛ حيث كانت المفردات
الزوائد يف المقرر أكثر مما تناوله ابن قدامة يف الروضة ،ورغب ًة يف تأهيل الطالب للدراسات
العليا؛ حيث كان آخر مقررات األصول يف الكليات الشرعية لمرحلة البكالوريوس.
ً
-أما ترتيب المسائل وتقسيم الكتاب فقد جرى على وفق ترتيب كتاب (روضة
الناظر) البن قدامة وتقسيمه(((؛ وذلك الرتباط الكليات الشرعية بالكتاب األصل،
((( بعض المسائل لم يتطرق لها ابن قدامة ،فالت ُِم َس لها الموضعُ المناسب ،مع االستئناس برتتيب توصيفات
المقررات ،مثل :تقسيمات األدلة ،وحروف المعاين ،وغير ذلك.
12
الـمـقـدمــة
من القارئ الكريم أن يمدنا بملحوظاته وتصويباته عرب وسائل التواصل المثبتة
يف أول الكتاب.
إتمام هذا العمل ،والشكر بعد شكر اهلل موصول ألصحاب الفضيلة الذين أعدوا هذا
كثيرا ،فأجزل اهلل للجميع األجر والمثوبة. العمل ،وح َّكموه ،وبذلوا فيه جهدً ا ً
نفيسا ،ووقتًا ً
وصلى اهلل وسلم على نبينا محمد ،وعلى آله وصحبه وسلم.
13
مدخل إىل أصول الفقه
مدخل إىل أصول الفقه
وقال الزركشي( :يجب على كل طالب علم أن يعلم ما الغرض منه ،وما هو ،ومن
حصل؟ حتى يتمكن له الطلب ويسهل)(((.أين ،وفيم ،وكيف ُي َّ
بعضا من مبادئ أصول الفقه ،وهي :حدُّ ه ،والفرق بينه وبين
وقد تناول ابن قدامة ً
عرض ألهم المبادئ التي لم يتطرق إليها ابن قدامة ،وهي (استمداده ،وحكمه):
وفيما يأتي ْ
ً
أواًل :استمداده:
ُ
أصول الفقه ما َّد َته من ثالثة علوم (التوحيد -العربية -األحكام): ي ِ
ستمدُّ َ
-1التوحيد:
ووجه استمداد أصول الفقه ما َّد َته من علم التوحيد أن من أهم مباحث األصول:
األدلة ،وهي :الكتاب ،والسنة ،واإلجماع ،والقياس ،وغيرها ،وحجية هذه األدلة متوقفة
وصدْ ِق رسوله ﷺ على ثبوت أهنا من عند اهلل ،وهذا متوقف على معرفة اهلل وتوحيدهِ ،
والمقيد ،واالقتضاء ،واإليماء ،والحقيقة ،والمجاز ،وغيرها ،وكل ذلك متوقف على
النبي ﷺ بلساهنم ،وهم أهل العربية، َّ ُِ َ ِ ِ
ُعرف أهل اللسان الذين نزل القرآن بلغتهم ،وتكلم ُّ
فاستقراء كالمهم ومعرفة أساليبهم ،يتوقف عليه فهم الكتاب والسنة.
-3األحكام الشرعية:
ووجه استمداد علم أصول الفقه من األحكام الشرعية ،أن غاية األصول هو إثبات
األحكام الشرعية أو نفيها باألدلة والدالالت ،ويلزم من ذلك معرفة مجمل األحكام
قال اآلمدي( :وأما األحكام الشرعية ،فمن جهة أن الناظر يف هذا العلم إنما ينظر يف
ونفيها ،وأن يتمكن بذلك من إيضاح المسائل بضرب األمثلة وكثرة الشواهد ،ويتأهل
بالبحث فيها للنظر واالستدالل ،وال نقول :إن استمداده من وجود هذه األحكام ونفيها يف
آحاد المسائل .فإهنا من هذه الجهة ال ثبت لها بغير أدلتها ،فلو توقفت األدلة على معرفتها
األصل يف تعلم أصول الفقه أنه فرض كفاية على األمة ،إذا قام به بعض من
يكفي سقط اإلثم عن اآلخرين ،غير أن تعلمه يكون فرض عين على من أراد االجتهاد
والفتوى؛ وذلك ألجل أن ُيحيط بأدلة األحكام ،ويعرف كيفية االستدالل هبا ،ويسلم
من الخطأ والتناقض.
أهم الـمراجــــع
-الربهان (.)84/1
-البحر احمليط (.)28/1
-اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (.)21/1
-علم أصول الفقه حقيقته ومكانته وتارخيه ومادته (ص.)115
يعترب علم أصول الفقه -من حيث هو قواعد وأصول لالستنباط والفهم -موجو ًدا
منذ عهد النبوة.
فقد كان القرآن يوحى إلى النبي ﷺ ،وهو المصدر األول لألحكام ،والنبي ﷺ
قال :جاء رجل إلى النبي ﷺ ،فقال :يا رسول اهلل ،إن أمي ماتت وعليها صوم شهر،
ُّ
أحق أن ُيقضى»(((.
وكان ﷺ يجتهد برأيه ،ويوجه أصحابه إلى االجتهاد يف األحكام التي لم ينزل
بشأهنا الوحي ،ويدل على ذلك ما جاء عن عمرو بن ميمون ْاأْلَ ْو ِد ِّي ،قال« :اثنتان فعلهما
رسول اهلل ﷺ لم يؤمر فيهما بشيء :إذنه للمنافقين ،وأخذه من ْاأْلُ َس َارى ،فأنزل اهلل:
﴿ﭻ ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﴾ و﴿ :ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾» (((.
ومن النصوص التأصيلية يف هذه المرحلة أن النبي ﷺ لما بعث معاذ بن جبل إلى
اليمن قال له« :كيف تقضي؟» قال :أقضي بكتاب اهلل .قال« :فإن لم يكن يف كتاب اهلل؟».
قال :فبسنة رسول اهلل ﷺ .قال« :فإن لم يكن يف سنة رسول اهلل ﷺ؟» .قال :أجتهد رأيي.
ِ
رسول اهلل»((( ،فهذا النص مرتب قال :فقال رسول اهلل ﷺ« :الحمد هلل الذي و ّفق رسول
لألدلة الشرعية ،وفيه تصريح بجواز االجتهاد الذي من ضروبه القياس وغيره.
وقد كان عهد الصحابة ﭫ امتدا ًدا لعهده ﷺ يف العمل بقواعد األحكام ،وأصول
االستنباط ،فكانت النازلة إذا نزلت هبم طلبوا لها الحكم من كتاب اهلل ،وسنَّة نب ِّيه ﷺ ،فإن
لم يجدوا فيهما الحكم اجتهدوا ،وقد يكون اجتهادهم بالقياس ،ومن ذلك قياس أبي بكر
الصديق ﭬ حين قال( :واهلل ألقاتلن من فرق بين الصالة والزكاة؛ فإن الزكاة حق
المال)((( ،فقاس تارك الزكاة على تارك الصالة؛ القرتاهنما يف كتاب اهلل .۵
وما جاء أن غال ًما ُقتِ َل ِغي َلةً ،فقال عمر بن الخطاب ﭬ( :لو اشرتك فيها أهل
يف رمضان إلى المسجد ،فإذا الناس َأ ْو َز ٌ
أمثل) ثم عزم ،فجمعهم على ُأ َب ّي بن كعب((( .فجمع عمر الناس على إمام واحد يف
صالة الرتاويح؛ الجتماع الكلمة ودرء الفرقة ،وقد يكون اجتهادهم بغير ذلك من األدلة؛
ومن نصوصهم التأصيلية يف ذلك ما جاء يف كتاب عمر بن الخطاب إلى أبي موسى
األشعري ﭭ ،وفيه ...( :الفهم الفهم فيما ينخلج يف صدرك -وربما قال :يف نفسك-
ويشكل عليك ما لم ينزل يف الكتاب ولم تجر به سنة ،واعرف األشباه واألمثال ،ثم قِ ِ
س
ْاأْلمور بعضها ببعض ،وانظر أقرهبا إلى اهلل ،وأشبهها بالحق فاتبعه)(((.
ثم جاء التابعون من بعدهم وكانوا على سنة من مضى ،باألخذ بالقواعد واألصول
يف الفهم واالستنباط ،فقد كانوا يرجعون إلى كتاب اهلل ،وسنة نبيه ﷺ ،فإن لم يجدوا
واحتجوا به ،فوقفنا بذلك على صحته عندهم ...وإن كانت هذه األحاديث ال تثبت من جهة ِ
اإلسناد ،لكن لما =
تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن طلب اإلسناد لها) .وانظر :أعالم الموقعين (.)155/1
((( أخرجه البخاري ( ،)7284ومسلم ( ،)20من حديث أبي هريرة ﭬ.
((( أخرجه البخاري ( ،)6896عن ابن عمر ﭭ.
((( أخرجه البخاري (.)2010
((( أخرجه الدارقطني يف سننه ( ،)4471والبيهقي يف الكربى ( ،)20373والخطيب يف الفقيه والمتفقه (،)492/1
واللفظ له.
20
مدخل إىل أصول الفقه
وقد ظهر يف عهد التابعين مدرستا أهل الحديث بالمدينة النبوية ،وأهل الرأي
بالكوفة ،وكانت كلتا المدرستين تأخذ بكتاب اهلل وسنة نبيه ﷺ ،غير أن أهل الحديث
كانوا بالمدينة فكانت األحاديث واآلثار متوافرة فق َّلت حاجتهم إلى االجتهاد بالرأي ،وأما
أهل الرأي فقد كانوا بالكوفة ،ولم تكن األحاديث واآلثار متوافرة كما عند فقهاء المدينة،
الوضاعين الذين يضعون الحديث على النبي ﷺ؛ ولذلك لجئوا إلى فضاًل عن ظهور َّ ً
االجتهاد بالرأي ،وكثرة القياس ،والبحث عن العلل والمعاين.
تظهر فيها؛ لذلك اتجه األئمة إلى التدوين والكتابة ،وبيان القواعد واألصول التي كانت
ٍّ
مستقل يف أصول أصول الفقه بد ًعا عن تلك العلوم؛ حيث أ َّلف اإلمام الشافعي أول كتاب
الفقه ،وهو (الرسالة) ،وب َّين يف رسالته جملة من مسائل علم أصول الفقه ،منها :البيان،
وبعد ذلك العهد بادر علماء المذاهب إلى التصنيف يف أصول الفقه ،واختلف
التأليف فيه على منهجين ،وهو ما سيتضح فيما يلي من خالل موضوع :مناهج التأليف يف
أهم الـمراجــــع
-علم أصول الفقه حقيقته ومكانته وتارخيه ومادته (ص.)127
-أصول الفقه -تارخيه ورجاله (ص.)20
-أصول الفقه -النشأة والتطور (ص.)70-17
-الفكر األصولي (ص.)20
21
الزوائد على روضة الناظر
البحث والتصنيف ،من حيث العناية بتقرير القواعد واألصول بناء على األدلة ،ولم يكثروا
االلتفات إلى الفروع ،وألن أوائل المصنفين فيه اشتهروا بعلم الكالم.
وممـن نسـب إلـى هـذا المنهـج أصحـاب المذاهـب الثالثـة :الشـافعية ،والمالكيـة،
والحنابلـة ،وكذلـك نسـب إليهـا ابن حـزم الظاهـري؛ ولذلـك يسـمي بعضهـم هـذه الطريقـة
-4تجريد القواعد حال تقريرها عن الفقه ،فال ُيلتفت إلى الفروع الفقهية إال يف
مقام التمثيل والبيان.
تعلق بعلم التوحيد؛
-5اشتمال مؤلفات هذا المنهج على مسائل كالمية لها ٌ
كمسألة التحسين والتقبيح العقل َي ْين ،وتعليل أحكام اهلل وأفعاله ،وغيرها.
22
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
مدخل إىل أصول الفقه
-3االلتزام بالمذهب فيما ُيتوصل إليه من القواعد األصولية ،والعناية باالنتصار له.
-4اإلكثار من إيراد مسائل الفروع ،واألمثلة والشواهد الفقهية.
تنبيهان:
التنبيه األول :هذا التقسيم ليس على اطراده ،وإنما نظر فيه إلى مؤلفات مشتهرة
أيضا على بعض مؤلفات كالرسالة للشافعي ،واللمع والتبصرة للشيرازي ،وال يصدق ً
المالكية كمقدمة عيون األدلة البن القصار ،واإلحكام للباجي؛ فهذه المؤلفات ليس فيها
أثر واضح لعلم الكالم ،وكذلك عند الحنفية نجد بعض المؤلفات التي هي أقرب إلى
ثـم نجـد طائفـة كثيـرة مـن األصولييـن ممـن جـاء بعـد الغزالـي مـن أصحـاب
المذاهـب الثالثـة -الشـافعية ،والمالكيـة ،والحنابلـة -تأثـر يف تأليفـه بالمنهـج
الكالمـي الـذي ذكرنـا خصائصـه قبـل قليـل ،وإن كان هـؤالء المؤلفـون ليسـوا ممـن
عـرف باالشـتغال بعلـم الـكالم ،وكذلـك لهـم عنايـة كبيـرة بالفـروع الفقهيـة يف تآليفهـم
أيضـا مذاهـب أئمتهـم يف أصـول الفقـه باسـتقراء أقوالهـم األصوليـة ،ويسـتمدون ً
23
الزوائد على روضة الناظر
الفقهيـة ،منهـم عنـد المالكيـة :القـرايف يف شـرح تنقيـح الفصـول ،وعنـد الشـافعية:
اإلسـنوي ،والزركشـي يف مؤلفاهتمـا األصوليـة ،وعنـد الحنابلـة :القاضـي أبو يعلـى يف
العـدة ،وأبو الخطـاب يف التمهيـد ،وابن قدامـة يف الروضـة ،ويمكـن أن يقـال :إن هـذه هـي
الطريقـة التـي شـاعت عنـد أكثـر المالكيـة ،والشـافعية ،والحنابلـة بعـد ذلـك.
التنبيه الثاين :بالنسبة إلى عزو اآلراء األصولية إلى المذاهب الفقهية ،كذلك لم يطرد
التزام بعض األصوليين يف كتبهم األصولية بمذهب إمامهم ،وإنما قرروا فيها ما أدى إليه
إليه ،وهذا َي ْصدُ ق على الباقالين ،والجويني ،والغزالي ،والرازي ،واآلمدي ،وغيرهم،
القسم الثاين :من يرجح يف المسألة األصولية حسب ما يراه أرجح يف مذهب إمامه،
فما يختاره يف المسألة يرى أنه هو مذهب اإلمام ،بغض النظر عن ترجيحه الشخصي فيها؛
أهم الـمراجــــع
-مقدمة ابن خلدون (ص.)262
-علم أصول الفقه حقيقته ومكانته وتارخيه ومادته (ص.)189
-علم أصول الفقه دراسة تارخيية ونظرة حتليلية (ص.)291
24
مدخل إىل أصول الفقه
-كشف األسرار ،لعالء الدين عبد العزيز بن أحمد بن محمد البخاري (تـ749 :هـ).
-فصول البدائع يف أصول الشرائع ،لشمس الدين محمد بن حمزة الفناري (تـ834 :هـ).
• المختصرات:
-التقريب واإلرشاد ،ألبي بكر ،محمد بن الطيب بن محمد الباقالين (تـ403 :هـ).
-إحكام الفصول يف أحكام األصول ،ألبي الوليد سليمان بن خلف الباجي (تـ474 :هـ).
-المحصول يف أصول الفقه ،ألبي بكر ابن العربي المعافري (تـ543 :هـ).
-مفتاح الوصول ألبي عبد اهلل ،محمد بن أحمد الشريف التلمساين (تـ771 :هـ).
-شرح تنقيح الفصول ،لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرايف (تـ684 :هـ).
• المختصرات:
-مختصر ابن الحاجب ،لعثمان بن عمر بن الحاجب (تـ646 :هـ).
-تنقيح الفصول ،لشهاب الدين أحمد بن إدريس القرايف (تـ684 :هـ).
25
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
• المختصرات:
-الورقات ،إلمام الحرمين أبي المعالي الجويني (تـ478 :هـ).
-منهاج الوصول ،لناصر الدين عبد اهلل بن عمر البيضاوي (تـ685 :هـ).
-جمع الجوامع ،لتاج الدين عبد الوهاب بن علي السبكي (تـ771 :هـ).
-المسودة ،آلل تيمية ،المجد بن تيمية ،وعبد الحليم بن تيمية ،وشيخ اإلسالم
26
مدخل إىل أصول الفقه
-إتحاف ذوي البصائر بشرح روضة الناظر ،د .عبد الكريم بن علي النملة (تـ1435 :هـ).
-فتح الولي الناصر بشرح روضة الناظر ،د .علي بن سعد الضويحي.
-معالم أصول الفقه عند أهل السنة والجماعة ،د .محمد بن حسين الجيزاين.
أهم الـمراجــــع
-تطور الفكر احلنفـي (ص.)77-28
-املدخل إىل أصول الفقه احلنبلي (ص.)179-137
-الفكر األصولي (ص.)438-121
-أصول الفقه -النشأة والتطور (ص.)383-98
27
الزوائد على روضة الناظر
أصول االستنباط عند األئمة األربعة بينها قدر كبير من االشرتاك ،وتعداد أصول
األئمة وحصرها قام به أتباع المذاهب األربعة خير قيام ،فكتب األصول ،والقواعد
الفقهية ،وتأريخ العلوم ،والطبقات ،والمداخل الفقهية خير شاهد على ذلك ،وليس
يكتفى هنا باإلشارة إلى أهم معالم أصول االستنباط عند األئمة األربعة:
ً
أواًل :أصول اإلمام أبي حنيفة (تـ150 :هـ):
ب َّين اإلمام $أصول االستدالل واالستنباط لديه ،بقوله( :آخذ :بكتاب اهلل،
فما لم أجد فبسنة رسول اهلل ﷺ ،فما لم أجد يف كتاب اهلل وال يف سنة رسول اهلل ﷺ أخذت
بقول أصحابه ،آخذ بقول من شئت منهم وأدع من شئت منهم ،وال أخرج من قولهم
وقال سهل بن مزاحم يف أصول أبي حنيفة( :كالم أبي حنيفةٌ :
أخذ بالثقة ،وفرار من
القبح ،والنظر يف معامالت الناس ،وما استقاموا عليه ،وصلحت عليه أمورهم ،يمضي
األمور على القياس ،فإذا قبح القياس يمضيها على االستحسان ما دام يمضي له ،فإذا
لم يمض له رجع إلى ما يتعامل المسلمون به ،وكان يوصل الحديث المعروف الذي قد
أجمع الناس عليه ،ثم يقيس عليه ما دام القياس سائ ًغا ،ثم يرجع إلى االستحسان ،أيهما
أوفق رجع إليه .قال سهل :هذا علم أبي حنيفة ،$علم العامة)(((.
األصل الرابع :عمل أهل المدينة:
والمراد بعمل أهل المدينة :هو اتفاقهم الظاهر فيما كان سبيله النقل ،ومثال ذلك:
قلت :فأنشدك اهلل ،من أعلم بالقرآن :صاحبنا أو صاحبكم؟ قال :صاحبكم،
ً
مالكا. يعني
قال ابن دقيق العيد مبينًا حظوة المصالح المرسلة عند اإلمام مالك( :الذي ال شك
ترجيحا على غيره من الفقهاء يف هذا النوع)(((.
ً فيه أن لمالك
توسع يف العمل هبذا األصل عن غيره من األئمة ،وسد الذرائع :هو منع المباح إذا كان
كتاب ،فإن لم يكن فسنة ،فإن لم تكن فقول عامة َم ْن َس َل َفنَا ال نعلم له مخال ًفا ،فإن
األصل الثاين :السنة.
ويتضح ذلك من قوله -يف الرواية السابقة البن هانئُ ( :-يفتي بـما وافق الكتاب
األصل الخامس :القياس:
َيعترب اإلمام أحمد بالقياس إن كان صحيح األصل؛ قال األثرم( :سمعت أبا عبد اهلل
أحمد بن حنبل يقول :إنما هو السنة واال ِّتباع ،وإنما القياس أن يقيس على أصل ،أ َّما أن
االستصحاب من األصول المعتربة عند اإلمام أحمد؛ وقد أفتى بموجبه يف عدة
الس َلب ،فقال( :ال ...ما سمعنامسائل ،ومن ذلك أنه سأله ابن إسحاق عن تخميس َّ
خمس السلب)((( ،فجعل عدم الدليل الشرعي ُم ِبق ًيا على األصل يف منعأن النبي ﷺ َّ
لـما سأله
َيعترب اإلمام أحمد بدليل االستحسان؛ فقد أجاب بدليل االستحسان َّ
ٍ
رجاًل أعتق ستة َأع ُبد ،وقد
صالح( :حديث النبي ﷺ الذي يرويه عمران بن حصين ،أن ً
كان له قرابة ،فأجاز النبي ﷺ الثلث ولم ير َّده((( .قال :ربما استحسنت أن ُي َر َّد على القرابة؛
ي َؤ ِ
اسيهم ،والحسن يقولُ :ي َر ُّد على القرابة ثلثا الثلث)(((. ُ
األصل الثامن :سد الذرائع:
الح َيل؛ فقد روى عنه من األصول المعتربة عند اإلمام أحمد سدُّ الذرائع وإبطال ِ
لـما سأله عن رجل قال المرأته يف صالح قوله( :الحيل ال نراها) ؛ ولذلك قال لعبد اهلل َّ
(((
رمضان :أنت طالق إن لم أطأك يف رمضان ،فسافر مسيرة أربعة أيام أو ثالثة ثم َوطِ َئها.
ويظهر يف ختام هذه المسألة :أن أصول االستنباط الكربى متفقة بين أئمة المذاهب
األربعة ،وهي الكتاب والسنة واإلجماع والقياس ،وقد اشتهر كل مذهب بأصول أخرى؛
إما تفردوا بالعمل هبا ،أو أكثروا من العمل هبا عن غيرهم من المذاهب ،و َق ّل أن ينفرد أحد
األئمة بأصل إال ويوافقه آخر يف بعض صور هذا األصل وحاالته ،وقد تختلف مسميات
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :تعريف احلكم:
يح ُك ُم ،ح ْك ًما ،وهو المنع.
الحكم لغة :مصدر َح َك َمْ ،
أبني حنيفة أحكِموا سفهاءكم
إين أخاف عليك ُُم أن أغضبا
أي :ردوهم وامنعوهم من التعرض لي.
أمر ٍ
ألمر ،أو نفيه عنه(((. إثبات ٍ ويف االصطالح:
ُ
ينقسم الحكم إلى ثالثة أقسام ،هي( :الحكم العقلي ،والحكم الحسي ،والحكم
الشرعي) ،وبيانها كاآلتي:
احلكم العقلي:
احلكم احلسي:
وهو ما استُفيدت فيه النسبة عن طريق الحس.
مثاله :الشمس مشرقة ،والنار ليست مظلمة.
احلكم الشرعي:
وهو ما استُفيدت فيه النسبة عن طريق الشرع ،وهو المراد يف إطالق األصوليين.
مباحا.
مثاله :الحج واجب ،والربا ليس ً
أهم الـمراجــــع
38
الباب األول :احلكم الشرعي
ألهنا عائدة إلى الوحي.
متعلق بأعمال العباد ،من جهة
ٌ قولهم( :المتعلق بأفعال المكلفين) ،معناه :الذي له
ً
أواًل :المتعلق بذات اهلل ،۵نحو﴿ :ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ﴾ [آل عمران.]18 :
[األعـــراف. ]11:
خامسا :المتعلق بالجماد ،نحو﴿ :ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [الكهف.]47:
ً
قولهم( :باالقتضاء) ،معناه :الطلب ،ويشمل طلب الفعل وطلب الرتك ،ويشمل
الطلب الجازم وغير الجازم ،وهذا يشمل أربعة من أقسام الحكم التكليفي:
قولهم( :أو التخيير) معناه :تخيير الشارع يف خطابه المكلف بين الرتك والفعل،
وهذا يشمل اإلباحة وهو القسم الخامس من أقسام الحكم التكليفي.
قولهم( :أو الوضع) ،معناه :جعل الشيء سب ًبا ،أو شر ًطا ،أو مان ًعا ،أو وصف
الشيء بالصحة أو الفساد.
ثان ًيا :العالقة بني املعنى اللغوي واالصطالحي:
َّب من
مركب من استدعاء الفعل ومنع الرتك ،والتحريم كذلك مرك ٌ
ٌ ً
-مثاًل- فاإليجاب
والمدلول ،وعليه يطلقون على األحكام لفظ اإليجاب والندب والتحريم والكراهة واإلباحة.
وأما الفقهاء فإهنم ُيفرقون بين الدَّ ال والمدلول؛ ولذلك فإن الحكم الشرعي ليس
هو نفس الخطاب ،وإنما هو ثمرته ومقتضاه ،وعليه فإهنم ُيضيفون يف صدر التعريف
ألفاظ مثل( :مقتضى) و(أثر) ،ويسمون األحكام بنا ًء على ذلك بالواجب ،والمندوب،
(تكليفي ،ووضعي).
القسم األول :احلكم التكليفي:
وهذا القسم هو المذكور يف التعريف باالقتضاء والتخيير ،وسيأيت بيانه(((.
أهم الـمراجــــع
حقيقة الحكم الشرعي التكليفي :هو( :خطاب الشارع ،المتعلق بأفعال المكلفين،
باالقتضاء ،أو التخيير).
وهذا التعريف سبق بيانه يف حقيقة الحكم الشرعي((( ،والذي يتعلق منه بالحكم
ويشمل :الطلب الجازم ،والطلب غير الجازم.
وإلى هذا التقسيم ترجع أحكام التكليف األربعة :اإليجاب ،والندب ،والتحريم،
أهم الـمراجــــع
للواجب ٌ
صيغ متعددة ،أهمها سبع صيغ:
(الفرض -الوجوب -ال َكتْب -األمر -القضاء -العزيمة -افعل)
ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡﭢ ﭣ ﭤ﴾ [النساء.]7 :
الصيغة الثانية :لفظ (الوجوب) وما تصرف منه:
ومثاله :عن أبي هريرة ﭬ ،أن النبي ﷺ قال« :إذا جلس بين ُش َعبِ َها األربع ثم
ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [النساء.]58 :
أهم الـمراجــــع
-أصول اجلصاص (.)73/4
-البحر احمليط (.)298/1
-التحبري للمرداوي (.)845/2
-شرح الكوكب املنري (.)354/1
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)183
ً
(كاماًل). -األساليب الشرعية الدالة على األحكام التكليفـية
44
الباب األول :احلكم الشرعي
قسم األصوليون الواجب باعتبارات عدة ،أهمها أربعة ،وهي( :ذات الواجب، َّ
ووقته ،وفاعله ،وتقديره).
وقد تناول ابن قدامة أقسام الواجب باعتبار :ذاته ،ووقته((( ،وفيما يأتي عرض
أواًل :الواجب العيني:
ً
هو :ما نظر فيه الشارع إلى ذات الفاعل ،فطلبه من كل ٍ
أحد بعينه.
حكمه :يلزم كل شخص بعينه ،وال يسقط عنه ذلك بكل حال.
هو :ما نظر فيه الشارع إلى نفس الفعل ،فطلبه من غير تعيين فاعله.
سقط عن اآلخرين.
االعتبار الثاني :من حيث تقديره ،وينقسم إىل قسمني (مقدر ،وغري مقدر):
ً
الشارع وقتًا ،وعدد
ُ مثاله :الصالة ،فكل صالة من الصلوات الخمس قدَّ ر لها
ركعات تختلف به عن غيرها.
حكمه :يجب اإلتيان به كما قدَّ ره الشارع.
أهم الـمراجــــع
-املسودة فـي أصول الفقه (.)169/1
-أصول الفقه البن مفلح (.)198/1
-التحبري للمرداوي (.)872/2
-شرح الكوكب املنري (.)373/1
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)11
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)222
46
الباب األول :احلكم الشرعي
الرأس مبني على الخالف يف حكم الزائد على القدر الواجب:
الخالف يف حكم الزائد على القدر الواجب :فمن رأى أن الزيادة على الواجب ندب فإن
الواجب هو ُسبع البدنة ،وأما ما عداه فإنه نفل.
وعلى هذا فيجوز له على القول األول أن يأكل من بقية البدنة ،وأما على القول
الثاين فال يجوز له ذلك.
أهم الـمراجــــع
-التمهيد للكلوذاني (.)326/1
-شرح خمتصر الروضة (.)348/1
-القواعد البن رجب (.)5/1
-القواعد والفوائد األصولية (.)527/1
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)18
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)274
((( روضة الناظر (.)64/1
47
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
للمندوب ٌ
صيغ متعددة ،وأبرزها ست صيغ:
(االستحباب -التطوع -الفضيلة -النافلة -الندب -الترغيب يف الفعل):
ؤخر العشاء التي تدعونها العتمة»(((.
أن ُي ِّ
ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [البقرة.]158 :
ومثاله :ما روي من حديث عبد اهلل بن عمر ﭭ ،قال :قلت :يا رسول اهلل دلني
على عمل ينفعني اهلل به ،قال« :عليك بركعتي الفجر؛ فإن فيهما فضيلة»(((.
ﮇ ﮈ ﴾ [اإلسراء.]79 :
ومثاله :ما روى جابر بن عبد اهلل ﭭ ،قال :ندب النبي ﷺ الناس يو َم الخندق،
الزبير ،فقال النبي ﷺ:
ُ الزبير ،ثم ندهبم ،فانتدب
ُ الزبير ،ثم ندهبم ،فانتدب
ُ فانتدب
حواري الزبير»(((.
َّ حواريا وإن
ًّ نبي
«إن لكل ٍّ
الصيغة السادسة :ما يدل على الرتغيب فـي الفعل.
وللرتغيب ألفاظ متعددة ،ومن أمثلة ذلك:
-1لفظ (لو):
مثاله :حديث عبد اهلل بن عباس ﭭ ،أن النبي ﷺ قال« :أما لو أن أحدهم يقول
-2لفظ (لوال):
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﴾ [التوبة.]122 :
-3لفظ َّ
(هاَّل):
َّ
«هاَّل استمتعتم بإهاهبا»(((.
-4االستفهام الدال على الرتغيب:
أهم الـمراجــــع
إطالقات املندوب
-التطوع.
-القربة.
-اإلحسان.
-الرغيبة.
وهذه كلها أسماء مترادفة ،لحقيقة واحدة هي :طلب الفعل طل ًبا غير جازم.
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)354/1
-سواد الناظر للقاضي عالء الدين العسقالني (.)213/1
-التحبري للمرداوي (.)979/2
-شرح الكوكب املنري (.)404/1
-املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد بن حنبل (ص.)153
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)282
50
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب األول :احلكم الشرعي
ً
أواًل :تصوير املسألة:
إذا تلبس اإلنسان بالعبادة ً
تنفاًل؛ كما لو صام هلل تطو ًعا ،أو حج غير الفريضة،
ً
متنفاًل فال يجوز له التحلل اتفق العلماء على أن من شرع يف الحج أو العمرة
حجا أو عمرة أن يمضي والخروج من عهدهتما((( ،قال النووي( :ويلزم من أفسد ًّ
يف فاسدهما ...ونقل أصحابنا اتفاق العلماء على هذا)((( ،وأما بقية النوافل فقد
القول الثاين :المندوب يلزم بالشروع فيه ،وإليه ذهب الحنفية والمالكية.
الدليل األول :حديث عائشة ڤ ،قالت :دخل علي النبي ﷺ ذات يوم،
فقال« :هل عندكم شيء؟» فقلنا :ال ،قال « :فإين إذن صائم» ثم أتانا يو ًما آخر فقلنا:
صائما» فأكل((( .فلو كان يه ،فلقد أصبحت «أ ِرين ِ ِ
يا رسول اهلل ،أهدي لنا َح ْيس ،فقالَ :
ً
الدليل الثاين :قول النبي ﷺ ألم هانئ -لما أرادت الفطر لتشرب شرا ًبا ناولها ﷺ
شئت فاقضيه ،وإن ِ
شئت فال تقضيه»((( .فلو كان المندوب يلزم إياه« :-إن كان تطوعا فإن ِ
ً
بالشروع فيه أللزم النبي ﷺ أم هانئ بالقضاء ولم يجعل لها الخيرة يف ذلك.
مخير يف فعل النفل ابتدا ًء ،وعليه فإنه لو شرع يف النفل
ٌ الدليل الثالث :أن اإلنسان
فإن هذا التخيير يمتد معه إلى انتهائه ،فيجوز له تركه يف أي وقت.
قد شرع فيه من المندوبات فهو ٌ
مبطل لعمله هذا ،فال يجوز له ذلك.
نوقش من وجهين:
األول :ال نسلم أن المراد بالنهي هنا النهي الدال على طلب ترك الفعل ،بل المراد
ونُوقش :أن االستثناء يف قوله( :إال أن تطوع) استثنا ٌء منقطع ،ودليله أن النبي ﷺ قد
الدليل الثالث :قياس بقية النوافل على الحج ،فكما أنه يلزم إتمام حج النافلة بعد
ونوقش :بأن اإلتمام يف الحج على خالف القياس لورود النص فيه ،وما كان كذلك
((( أخرجه أبو داود ( ،)2456والرتمذي ( ،)731وأحمد ( ،)26910واللفظ له من حديث أم هانئ ڤ.
قال الدارقطني يف العلل (( :)366-364/15االضطراب فيه من سماك بن حرب).
((( أخرجه البخاري ( ،)46ومسلم ( ،)11من حديث طلحة بن عبيد اهلل ﭬ.
52
الباب األول :احلكم الشرعي
مسألة :اجللوس فـي صالة النافلة بعد الشروع فيها:
-فمن رأى أن المندوب ال يلزم بالشروع فيه قال بجواز الجلوس يف صالة النافلة
بعد الشروع فيها.
-ومن رأى أن المندوب يلزم بالشروع فيه قال بعدم جواز الجلوس يف صالة
-فمن رأى أن المندوب ال يلزم بالشروع فيه قال بجواز اإلفطار بعد الشروع يف
صوم التطوع.
-ومن رأى لزوم المندوب بالشروع فيه أوجب إتمام صوم النفل إذا شرع فيه.
-ومن رأى أن المندوب يلزم بالشروع ذهبوا إلى أن المعذور يجب عليه القضاء.
أهم الـمراجــــع
-ختريج الفروع على األصول للزجناني (ص.)129
-البحر احمليط (.)384/1
-تشنيف املسامع (.)130/1
-التحبري للمرداوي (.)991/2
-شرح الكوكب املنري (.)407/1
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)297
53
الزوائد على روضة الناظر
للمباح ٌ
صيغ متعددة ،أهمها مثان صيغ:
(اإلباحة ِ -
الح ّل -اإلذن -نفي الحرمة -نفي الحرج -نفي اإلثم -اإلقرار -السكوت)
صالة ،إال أن اهلل أباح فيه المنطق»(((.
الصيغة الثانية :لفظ (احلل) وما تصرف منه:
ﭝ ﭞ﴾ [البقرة.]187 :
ﮧ ﮨ ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ
ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ﴾ [األنعام.]145 :
ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻﭼ ﭽ ﭾ ﭿ﴾
[النور.]60 :
((( أخرجه الرتمذي ( ،)960والدارمي ( )1847واللفظ للدارمي ،قال الرتمذي( :وقد روي هذا الحديث
السائب).
ال من حديث عطاء بن َّ عن ابن ع ّب ٍ
اس موقو ًفا ،وال نعرفه مرفوعًا إ ّ
54
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب األول :احلكم الشرعي
أحل اهلل يف كتابه
حرم فهو حرام ،وما سكت عنه فهو َع ْف ٌو»(((.
فهو حالل ،وما ّ
«إن اهلل ۵فرض
الخشني ﭬ قال :قال رسول اهلل ﷺّ : ويف حديث أبي ثعلبة
ٍ ّ
وحد حدو ًدا فال تعتدوها ،وسكت
وحرم حرمات فال تنتهكوهاّ ،فرائض فال تض ّيعوهاّ ،
ٍ
مثاله :عقود المعامالت المستحدثة ،األصل أهنا مباحة إذا خلت من المحظور
أهم الـمراجــــع
حكم املباح
حكم املباح:
المباح؛ وذلك بكونه مأذونًا يف فعله أو تركه،
أشار ابن قدامة $إلى حكم ُ
ولكن يلحق به الثواب والعقاب باعتبار ما يتصل به من النية.
أهم الـمراجــــع
-التمهيد للكلوذاني (.)67/1
-التحبري للمرداوي (.)1021/3
للمكروه ٌ
صيغ متعددة ،أهمها أربع صيغ:
(الكراهة -ال ُبغض -النهي -تصريح النبي بالترك)
تحر ًجا من استعمال
األصوليين ،وقد كان أئمة السلف يطلقون الكراهة على التحريمُّ ،
مصطلح الحرام فيما لم يرد فيه هني صريح ،ويف نصوص الشرع ما يدل على االستعمالين،
المغيرة بن شعبة ﭬ ،قال :سمعت رسول اهلل ﷺ يقول« :إن اهلل حرم عليكم :عقوق
ومنْ ٍع َ
وهات ،وكره لكم قيل وقال ،وكثرة السؤال ،وإضاعة األمهات ،ووأد البناتَ ،
المال»((( .فإن ورود لفظ الكراهة بعد لفظ التحريم يدل على تغاير المعنى ،وأن المراد
بالكراهة التنزيه ال التحريم.
ومثاله :ما روي عن ابن عمر ﭭ ،عن النبي ﷺ قال« :أبغض الحالل إلى اهلل
تعالى الطالق»(((.
الصيغة الثالثة :لفظ النهي (ال تفعل) إذا اقرتنت به قرينة تصرفه من النهي إىل الكراهة:
ومثاله :قول اهلل تعالى﴿ :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
أهم الـمراجــــع
-شرح الكوكب املنري (.)419/1
-املهذب يف علم أصول الفقه املقارن (.)284/1
-األساليب الشرعية الدالة على األحكام التكليفـية (ص.)27
حكم املكروه
حكم املكروه:
أشار ابن قدامة $إلى حكم المكروه ،بأنه ما ال يتعلق بفعله عقاب((( ،وهذا
المندوب :ما يف فعله ثواب ،وال عقاب يف تركه(((.
ثواب ،وال عقاب يف فعله. ً
امتثااًل ٌ فإذا تقرر ذلك فإن حكم المكروه :هو ما يف َت ْركِه
أهم الـمراجــــع
-التحبري للمرداوي (.)1005/3
للمحرم ٌ
صيغ متعددة ،أهمها ست صيغ: َّ
(التحريم -النهي -صيغة ال تفعل -األمر بالترك -غيرة الشارع -الكراهة)
ﭜﭝﭞﭟﭠﭡﭢﭣ ﭤﭥﭦﭧﭨﭩﭪ
ﭫ ﭬﭭ ﭮ ﭯ﴾ [المائدة.]3 :
ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ﴾ [الممتحنة.]9 :
ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ﴾ [الحجرات.]11:
ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [المائدة.]90 :
ومثاله :حديث عائشة ڤ أن النبي ﷺ قال« :يا أمة محمد ،ما أحد أغير من اهلل أن
يرى عبده أو أمته تزين»(((.
أهم الـمراجــــع
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)316
-املهذب يف علم أصول الفقه املقارن (.)298/1
-األساليب الشرعية الدالة على األحكام التكليفـية (ص.)27-26
حكم احلرام
حكم احلرام:
لم ُيشر ابن قدامة إلى حكم المحرم؛ َّ
ولعل ذلك إحالة منه إلى ما تقرر يف الواجب؛
العقاب على تركه(((.
فإذا تقرر ذلك فإن حكم المحرم هو أنه ما ُذ َّم فاعله شر ًعا ،واستحق العقاب
على فعله.
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)359/1
إطالقات احلرام
-7المتوعد عليه. -6المزجور عنه.
-9السيئة. -8الممنوع.
-11اإلثم. -10الفاحشة.
-13العقوبة. -12الحرج.
-14المكروه ،وذلك بالمعنى اللغوي للمكروه ،وهو البغيض إلى النفوس العارفة،
وتقدمت اإلشارة أن األصل يف لفظ الكراهة الوارد يف الشرع ،وعلى ألسنة السلف من الصحابة
والتابعين حمله على التحريم ،وال ُيحمل على الكراهة إال بدلي ٍل من سياق ونحوه(((.
وهذه كلها أسماء مترادفة ،لحقيقة واحدة هي :طلب ْترك الفعل طل ًبا جازما.
أهم الـمراجــــع
-التحبري للمرداوي (.)947/2
-شرح الكوكب املنري (.)386/1
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)27
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)313
-احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص.)119
أركان التكليف
[األنعام.]57 :
الركن الثاني :املُ َكََّلف:
هو :اإلنسان ،وهو المحكوم عليه ،وقد جعل اهلل تكليفه متعل ًقا ببلوغه،
ً
عاقاًل. وكونه
أهم الـمراجــــع
-التحبري للمرداوي (.)1130/3
-شرح الكوكب املنري (.)484/1
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)53
-احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص.)197
64
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب األول :احلكم الشرعي
أنواع األهلية
درج جمهور األصوليين والفقهاء على الحديث عن قضية أهلية المكلف يف سياق
حديثهم عن التكليف وشروطه ،دون تقسيم لألهلية ،وذهب أصول ُّيو الحنفية إلى تقسيم
األهلية إلى نوعين( :أهلية الوجوب ،وأهلية األداء) ،وهو تقسيم انفرد به الحنفية دون
النوع األول :أهلية الوجوب:
وهي صالحية اإلنسان للزوم الحقوق المشروعة له وعليه(((.
وهذه األهلية تثبت لإلنسان من نفخ الروح فيه حتى موته ،وهي على نوعين:
هذه تثبت لإلنسان وهو جنين يف بطن أمه ،فتكون له حقوق من غير أن تلزمه
واجبات ،وال يستحق تلك الحقوق إال بشرط والدته ح ًّيا.
الواجبات يتوالها بنفسه ،أو يتوالها عنه ول ُّيه إن كان مجنونًا ،أو لم يبلغ سن التمييز.
وهي صالحية اإلنسان بأن ُيطا َلب باألداء ،وترتتب على أفعاله اآلثار الشرعية(((.
وهذه األهلية تثبت لإلنسان منذ بلوغه سن التمييز حتى موته ،وهي على نوعين:
(أهلية أداء قاصرة ،وأهلية أداء كاملة).
أهم الـمراجــــع
-أصول البزدوي (ص.)710
-احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص.)208
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)130
66
الباب األول :احلكم الشرعي
عوارض األهلية
تقـدم أن الحديـث عـن األهليـة ممـا انفـرد بـه أصول ُّيـو الحنفيـة عـن
غيرهـم مـن األصولييـن((( ،وتب ًعـا لذلـك فقـد فصلـوا فيمـا يعـرض لهـذه األهليـة،
ومراتب تلك العوارض.
لغة :جمع عارض ،وهو :المانع أو الحابس والحائل(((.
العوارض ً
أنواع العوارض:
ٌ
مدخل يف وقوعها ،فتقع على اإلنسان جربًا من وهي العوارض التي ليس لإلنسان
غير اختيار.
ً
عارضا ،هي: وجملة هذه العوارض أحد عشر
النفاس ،الموت).
-1الصغر:
الصغير ال تثبت له أهلية األداء إال يف سن التمييز ،ويف سن التمييز تثبت له أهلية
األداء ناقصة حتى بلوغه.
وضابط الصغر المانع من األهلية الكاملة :هو عدم البلوغ ،ويكون البلوغ إما
باالحتالم للذكر ،أو بالحيض يف األنثى ،أو ببلوغهم السن ،وهو ما بين خمس عشرة سنة،
وثماين عشرة سنة على خالف بين الفقهاء.
-2اجلنون:
فساد عقل اإلنسان وزواله؛ ينفي عنه أهلية األداء ،فال تجب عليه العبادة،
أضر به كاإلتالف؛ فإن وليه يخرجه عنه.
وأما الزكاة ،وما يتعلق به حق غيره مما َّ
العقل بال علة يف أعضائه؛ ولذلك لو قام شخص بالزحف على يديه يف الطرقات وهو
يؤذي نفسه بذلك ،مع مقدرته على المشي كان ذلك ً
فعاًل من أفعال الجنون ،إال إن كان به
مرض أو عجز يف قدميه ونحو ذلك.
-3العته:
وضابطه :أن ترتدد أفعال الشخص بين اختالل المجنون وانضباط العاقل ،فيكون
فعاله ليس على نسق واحد من العقل أو الجنون ،بل يكون يتصرف تارة بمقتضى العقل،
وأما إن كان العته دون ذلك؛ من حيث إن المعتوه ُيدرك ولكن ليس كإدراك العقالء؛
-4النسيان:
68
الباب األول :احلكم الشرعي
النائم ،وأما أفعاله التي تتعلق هبا حقوق العباد؛ كما لو أتلف شي ًئا أثناء نومه ،فإنه يجب
عليه ضماهنا وأداؤها.
وقد تكلم الفقهاء يف حد النوم المستغرق الذي تناط به األحكام الشرعية ،والصحيح
حلما،
أنه ليس له هيئة معينة ،بل متى ظهرت إحدى عالمات االستغراق -كأن يحلم الشخص ً
جالسا سقط ،ونحو ذلك -كان نو ًما.
أو يكون يف حالة ال يدري هبا ما حوله؛ بحيث لو كان ً
-6اإلغماء:
ولذا فإن األصوليين ُيلحقون اإلغماء بحكم النوم.
-7الرق:
الرق :هو العبودية ،وهو عجز حكمي عن الوالية والشهادة والقضاء وملكية المال
والتزوج وغيرها ،فالرقيق يحجر عنها وال يصح منه بعضها مطل ًقا؛ لعدم تمام أهليته ،وإن
كاماًل ،ويسمى القن ،وإما أن يكون غير كامل كالذي أعتقً والرق إما أن يكون
بعضه ويسمى المبعض ،أو انعقد فيه سبب التحرير ،مثل أم الولد ،وهي الجارية إذا ولدت
من سيدها ،فإهنا تكون بالوالدة مستحقة للحرية بوفاة سيدها ،والمكاتب وهو من اشرتى
نفسه من سيده بمال مقسط ،فهو مستحق للحرية بمجرد تمام األداء ،والمدبر ،وهو أن
يجعل السيد عبده معت ًقا عن دبر منه ،أي بمجرد وفاة السيد.
الرقيق ال تنتفي عنه أهلية األداء ،غير أن الرق يمنع الرقيق من ملكية المال؛
ٌ
مملوك لسيده ،ولذلك ال يجب على الرقيق العبادات التي ُيشرتط ألن الرقيق يف األصل
69
الزوائد على روضة الناظر
بعضا من تصرفات
وأما مرض الموت فإنه ال ينفي أهلية األداء ،غير أن الشارع قيد ً
المريض مرض الموت ،كما يف األموال والنكاح والطالق ونحو ذلك؛ حف ًظا لحقوق
الورثة والدائنين.
وضابط المرض المزيل لحكم األهلية :هو ما غلب على عقل صاحبه فأصابه
باالضطراب المؤدي لخلل يف تصرفات المريض.
-9احليض:
-10النفاس:
النفاس يأخذ حكم الحيض.
-11املوت:
موت اإلنسان ينفي عنه أهلية الوجوب واألداء ،لكن إن كان بقي يف ذمته حاجة
لغيره فإهنا ال تسقط ،فإن كانت عينًا فإهنا ُتر ُد إلى صاحبها إن ُوجدت ،وإن كانت دينًا يف
ٌ
مدخل يف وقوعها ،فتقع على اإلنسان باختياره، وهي العوارض التي لإلنسان
أواًل :العوارض التي تقع من الشخص نفسه ،وهذه ستة عوارض ،هي: ً
ثان ًيا :العوارض التي تقع من غير الشخص ،وهذا عارض واحد ،هو( :اإلكراه).
-1اجلهل:
الجهل :هو اعتقاد الشيء على خالف ما هو عليه.
المسلم
الجهل ال ينايف يف أصله أهلية األداء ،لكن ُيعذر به يف بعض المواضع ،كجهل ُ
ببعض أحكام الصالة والوضوء إن كان حديث إسالم ،وكان يف دار كفر لم يستطع الهجرة منها.
70
الباب األول :احلكم الشرعي
وضابط الجهل الذي يعذر به المكلف :أن يكون نتيجة عدم القدرة على التعلم؛
سواء كان لحداثة العهد باإلسالم ،أو لوجوده بمكان ال يوجد به من يعلمه ،أو لم يصله
العلم المراد.
الس ْك ُر:
ُّ -2
السكر هو شرب الخمر المزيل للعقل ،بحيث يصل الشارب إلى حد الهذيان يف
أغلب كالمه.
اإلغماء والنوم.
محظورا ،كقصد اللهو ،وهذا قد وقع الخالف يف حكمه على قولين:
ً ب -ما كان طريقه
القول األول :أن هذا النوع من السكر ال ُيبطل التكليف ،فتتوجه على السكران
زجرا له.
أحكام الشرع بأكملها -كالطالق ،والعتاق ،والبيعً -
القول الثاين :أن هذا النوع من السكر ُيبطل التكليف ،فال تصح تصرفات السكران،
لكن إن أتلف شي ًئا لغيره فإنه يضمنه ،وأما الزجر له فيكون بإقامة الحد عليه.
الس َف ُه:
َّ -3
هي خف ٌة يف اإلنسان تبعثه على العمل يف ماله بخالف مقتضى العقل.
وضابط السفه :هو عدم وجود علة مفسرة للتصرفات التي تقتضي اإلضرار ،وتنايف
سفها إن لم يكن لذلك الشخص تفسير مقبول لهذا الفعل المناقض للعقل
هذا الفعل يعد ً
والمصلحة.
والسفه ال ينايف األهلية ،وال يمنع شي ًئا من أحكام الشرع؛ غير أن السفيه ُيحجر عليه
يف التصرفات المالية؛ حف ًظا لماله من الضياع.
-4اهلزل:
الهزل هو أن ال ُيراد باللفظ حقيقته ومعناه ،وال ُيقصد وقوع أثره ،كالتلفظ على
سبيل اللهو والعبث.
71
الزوائد على روضة الناظر
مثل أن يقول الرجل لزوجته( :أنت طالق) ،وهو ال يريد حقيقة لفظ الطالق من
وقوع الفرقة ،أو مجازه من كوهنا طال ًقا من َح ْبل ونحوه.
والهزل ال ينايف األهلية يف االعتقادات ،فلو قال اإلنسان كلمة الكفر على سبيل
الهزل؛ فإنه يرتتب عليه آثارها ،ويؤاخذ عليها.
وأما الهزل يف التصرفات فإنه على قسمين ،هما:
أ -التصرفات التي ال أثر للهزل فيها ،وهي :النكاح ،والطالق ،والعتاق ،فهذه
وال ترتتب عليه آثارها.
-5اخلطأ:
الفعل والقصد م ًعا ،فلو رمى شخص حيوانًا بحجر ،فأصاب هذا الحجر إنسانًا ،فإن ذلك
محضا؛ ألنه لم يقصد رمي ذلك اإلنسان ،ولم يقصد إصابته .وكما لو تمضمضيعد خطأ ً
-6السفر:
ال ينايف السفر األهلية ،غير أن الشارع جعل السفر سب ًبا لتخفيف بعض األحكام؛
-7اإلكراه(((:
اإلكراه يأيت بمعنى اإلجبار ،وهو الحمل على فعل الشيء بغير رضى منه ،أو اختيار.
((( ذكر ابن قدامة حكم تكليف المكره ،انظر :روضة الناظر (.)92/1
72
الباب األول :احلكم الشرعي
أهم الـمراجــــع
-الواضح البن عقيل (.)37/1
-التقرير والتحبري (.)172/2
-أصول الفقه حملمد اخلضري (ص.)93
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)149
-احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص.)211
-طلبة الطلبة (ص.)161
73
الزوائد على روضة الناظر
أموراُ ،سميت :أسبا ًبا ،وشرو ًطا،
وموانع،
َ وقولهم( :الوضع) معناه :أن الشارع َش َر َع ً
وعليه :فإن األحكام ُتوجد بوجود األسباب والشروط ،وتنتفي بوجود الموانع،
وسمي (خطاب الوضع) :ألنه شي ٌء وضعه اهلل يف شرعه لالستدالل به على ُ
األحكام ،فجعل الشيء :سب ًبا ،وشر ًطا ،وذلك أنه لما كان
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :حقيقة السبب:
السبب هو :ما يلزم من وجوده الوجود ،ومن عدمه العدم لذاته(((.
وقولهم( :ومن عدمه العدم) ُيحرتز به كذلك من المانع ،من جهة أن المانع ال يلزم
من عدمه العدم أو الوجود.
وقولهم( :لذاته) :معناه :أي لذات السبب ،وهذا اللفظ هو لبيان أن السبب لو
قارنه فقدان شرط ،أو وجود مانع فإن العدم يعود إليهما ،ال إلى ذات السبب ،ومثاله :أن
اإلنسان قد يملك النصاب ،ويحول عليه الحول ،ولكن عليه د ْي ٌن يستغرق ماله ،فإن الزكاة
ال تجب عليه ،ال ألن السبب غير موجود ،بل لوجود مانع الدين.
قسم األصوليون السبب باعتبارات متعددة ،أهمها ثالثة اعتبارات (ذاته -اقترانه
بالحكم -مناسبته للحكم):
مثاله :التلفظ بالطالق ،والرجعة ،والظهار ،وكذلك ألفاظ البيع والشراء ،وغيرها.
القسم الثاين :السبب الفعلي:
وهو ما كان مصدره الفعل.
مثاله :إحياء الموات :سبب للتملك ،والزنا :سبب للعقوبة.
االعتبار الثاني :من حيث اقرتانه باحلكم ،وينقسم إىل قسمني ،هما:
القسم األول :السبب المتقدم على الحكم:
وهذا يف أكثر األحكام ،كاألسباب الموجبة للصالة ،وأسباب وجوب الزكاة ،وغيرها.
القسم الثاين :السبب المقارن للحكم:
ومثال ذلك :حيازة المال المباح بسبب االستيالء عليه ،عن طريق الصيد ،أو
استخراج المعادن ،أو إحياء الموات.
وهو السبب الذي يستلزم مصلحة يدركها العقل من تشريع الحكم.
مثاله :زوال الشمس سبب لوجوب صالة الظهر ،فهذا السبب ال يدرك العقل مناسبته.
أهم الـمراجــــع
76
الباب األول :احلكم الشرعي
قسم األصوليون المانع إلى قسمين ،هما( :مانع الحكم ،ومانع السبب).
القسم األول :مانع احلكم:
سبب للقصاص ،وحكمة ذلك :أن األب سبب لوجود الولد ،فال يحسن أن يكون
القتل ٌ
وهو وصف ي ِ
خ ُّل وجوده بحكمة السبب(((.
ُ
مثاله :الدَّ ْين يف الزكاة ،من المعلوم أنه إذا بلغ المال النصاب فإن فيه الزكاة،
لكن إن كان مالك المال مدينًا بما ُينقص النصاب؛ فإن الزكاة ال تجب يف ماله؛
الكثرة كالعدم.
أهم الـمراجــــع
-البحر احمليط (.)12/2
-التحبري للمرداوي (.)1073/3
-شرح الكوكب املنري (.)463/1
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)461
-احلكم الشرعي التكليفـي والوضعي (ص.)182
78
الباب األول :احلكم الشرعي
كانت العبادة موافقة ألمر الشارع.
ثان ًيا :اإلثابة:
صحيحا مثا ًبا عليه؛ وذلك يف العمل الذي ُو ِجدَ ت شروطه فقد يكون العمل
ً
وقد يكون العمل غير صحيح ومثا ًبا عليه؛ كأن يفعل المكلف الطاعة وقد َّ
أخل
ٍ
شرط من شروطها ،من غير قصد ،فيكون مثا ًبا على عمله ،وأما ٍ
بركن من أركاهنا ،أو
ً
79
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
أهم الـمراجــــع
-جمموع الفتاوى (.)305-290/19
-معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص.)317
80
الباب األول :احلكم الشرعي
ً
أواًل :تصوير املسألة:
العزيمة والرخصة حكمان شرعيان ،فإذا اجتمعا يف محل واحد ،كالمسافر يف هنار
رمضان ،فهل األفضل أن يأخذ بالرخصة ويفطر ،أو يأخذ بالعزيمة ويتم صومه؟
ال خالف بين العلماء يف أن األخذ بالرخص مباح؛ قال ابن رشد( :ال اختالف يف أن
األخذ بالرخص يف مثل هذا جائز)((( .والخالف بينهم يف أفضلية األخذ بالرخصة.
القول األول :أن األفضل هو األخذ بالعزيمة ،وقد نُسب هذا القول إلى اإلمام
أحمد بن حنبل $؛ لقوله يف األسير ُيخ َّير بين القتل وشرب الخمر( :إن صرب فله
الشرف ،وإن لم يصرب فله الرخصة)((( ،وإليه ذهب الحنفية والشافعية.
ألن سببها المشقة ،والمشقة غير منضبطة؛ لتفاوهتا بحسب األشخاص واألحوال.
الدليل الثاين :أن األخذ بالرخص قد يكون وسيلة إلى ضعف العزائم
يف العبادات ،وأما األخذ بالعزيمة فإنه يؤدي إلى الثبات على العبادة،
واألخذ بالحزم.
وقد ذهب بعض العلماء إلى التفصيل يف المسألة:
ومجمل هذا التفصيل:
علـى عمـوم المكلفيـن؛ بـل يعـود ذلـك إلـى كل مكلـف بحسـبه؛ ألن المشـقة أمـر
نسـبي يختلـف باختلاف األحـوال واألعيـان ،وعليـه :فـإن المكلـف فقيـه نفسـه،
الخالف معنوي ،وقد أثمر الخالف يف التفاضل بين الرخصة والعزيمة خال ًفا يف
82
الباب األول :احلكم الشرعي
أهم الـمراجــــع
وفرق البعض اآلخر؛ بأن العلة تختص بما كانت المناسبة يف الحكم مما تدركه
العقول ،ويختص السبب بما كانت المناسبة يف الحكم مما ال تدركه العقول.
اإلسكار يف الخمر ،هو علة وسبب لتحريمه على القول بالعموم والخصوص
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)425/1
-أصول الفقه البن مفلح (.)251/1
-التحبري للمرداوي (.)1060/3
-مذكر أصول الفقه (ص.)60
-احلكم الشرعي حقيقته وأركانه وشروطه وأقسامه (ص.)400
-الفروق فـي أصول الفقه (ص.)267
84
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب األول :احلكم الشرعي
تقدم تعريف السبب((( بأنه (ما يلزم من وجوده الوجود ،ومن عدمه العدم لذاته)(((،
وقد عرف ابن قدامة الشرط بأنه :ما يلز ُم من انتفائه انتفاء الحكم(((.
ٌ
شرط من ومثال ذلك :صالة الظهر :ال تصح شر ًعا بفقدان الطهارة؛ ألن الطهارة
شروطها ،وكذلك ال تصح قبل زوال الشمس؛ ألن الزوال سبب الوجوب.
فالسبب يلزم من وجوده الوجود ،وأما الشرط فال يلزم من وجوده وجود وال عدم.
ومثال ذلك :صالة الظهر :يلزم من زوال الشمس وجوهبا على المكلف؛ ألن
الزوال سبب الوجوب ،وال يلزم من أحد شروط الصالة -كالطهارة -أداء الصالة؛
الحتمال عدم وجود بقية الشروط ،وكذلك ال يلزم من الطهارة عدم أداء الصالة؛ الحتمال
اكتمال الشروط.
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)434/1
-الفروق فـي أصول الفقه (ص.)262
عرف ابن قدامة الشرط بأنه :ما يلز ُم من انتفائه انتفا ُء الحكم((( ،ولم يتعرض $
إلى تعريف الركن.
والركن هو :ما يلزم من انتفائه انتفاء الحكم ،ويطلق على ٍ
جزء من الماهية(((.
يف توقف وجود الحكم على وجودهما؛ فعد ُم أحدهما يلزم منه عدم الحكم.
ٌ
شرط من ومثال ذلك :الصالة :ال تصح شر ًعا بفقدان الطهارة؛ ألن الطهارة
شروطها ،وكذلك ال تصح بعدم الركوع؛ ألن الركوع ركن من أركان الصالة.
ومثال ذلك :الركوع يف الصالة ركن ،وهو جزء من ماهية الصالة ،وأما الطهارة فهي
شرط ،وهي خارجة عن ماهية الصالة.
الوجه الثاين :أن الركن يتوقف عليه الوجود الذهني والخارجي جمي ًعا ،وأما الشرط
فإنما يتوقف عليه الوجود الخارجي فقط مع تحقق الوجود يف الذهن.
ومثال ذلك :أنه ال يمكننا أن نتصور الصالة الشرعية يف أذهاننا من غير ركوع ،وأما
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)227/3
-التعريفات (ص.)112
-الكليات للكفوي (ص.)481
-الفروق فـي أصول الفقه (ص.)288
الفرق بني شرطي الوجوب والصحة ،هو عني الفرق بني :خطاب التكليف،
وخطاب الوضع؛ حيث إن:
وعليه فإن الفرق بينهما يظهر من جهة:
مثال ذلك :الحجُ :يشرتط لوجوبه البلوغ ،وهذا ليس للمكلف فيه قدرة ،ويشرتط
حيث هي.
ويشرتط لصحته أن يقع يف أشهر الحج ،وهذا يف مقدور المكلف.
أهم الـمراجــــع
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)62
87
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
تقدم تعريف السبب((( بأنه (ما يلزم من وجوده الوجود ،ومن عدمه العدم لذاته)(((،
وقد عرف ابن قدامة المانع بقوله :ما يلزم من وجوده عدم الحكم(((.
ومثال ذلك :القصاص :يجب بالقتل العمد العدوان؛ ألن القتل العمد العدوان
سبب لوجوب القصاص ،ويمتنع القصاص إذا كان القاتل أ ًبا للمقتول؛ ألن األبوة من
ٌ
موانع القصاص.
أهم الـمراجــــع
-روضة الناظر (.)106-104/1
-الفروق فـي أصول الفقه (ص.)262
عرف ابن قدامة الشرط بأنه :ما يلز ُم من انتفائه انتفاء الحكم(((.
َّ
وعرف المانع بقوله :ما يلزم من وجوده عدم الحكم(((.
منه عدم الحكم ،ووجود المانع يلزم منه عدم الحكم.
ومثال ذلك :الصالة :ال تصح من غير طهارة؛ ألن الطهارة من شروط الصالة،
أهم الـمراجــــع
-روضة الناظر (.)106-105/1
-الفروق فـي أصول الفقه (ص.)262
وبيان ذلك يف المثال اآلتي:
حكم شرعي ،وثبوت هذا الحكم يتوقفٌ وجوب القصاص يف القتل :فإن ذلك
على توافر األسباب والشروط ،وانتفاء الموانع ،وبانخرام أحدها ينتفي الحكم الشرعي
فأما األسباب :فيجب أن يكون القتل عمدً ا وعدوانًا لثبوت القصاص ،فإن لم يكن
وأما الشروط :فيجب أن يكون المقتول معصوم الدم ،فإن كان غير معصوم الدم
ٍ
استيفاء القصاص.
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)434/1
-الفروق فـي أصول الفقه (ص.)262
ف ّرق األصوليون بني احلكم التكليفي واحلكم الوضعي بعدة فروق؛ أهمها
ثالثة فروق:
الفرق الثاني :أن الحكم التكليفي ُيشرتط فيه علم المك َّلف وقدرته ،ومثاله :الحج،
ال يجب على المكلف إال بعد علمه بوجوبه عليه ،وبقدرته على أدائه.
ومثاله :ضمان إتالف الصبي ،فالصبي غير مكلف؛ ورغم ذلك فإنه يضمن ما أتلفه؛ ألن
الفرق الثالث :أن الحكم التكليفي ُيوصف به الفعل الذي هو من كسب العبد ،ومثاله:
ُيوصف العبد بسقوط فريضة الحج عنه إذا كان قد أ ّداها.
طفلةً ،فإن هذه الطفلة َت ْح ُر ُم عليه بسبب الرضاع ،والرضاع ليس من كسبه.
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)415/1
-التحبري للمرداوي (.)1050/3
-شرح الكوكب املنري (.)435/1
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)58
-الفروق فـي أصول الفقه (ص.)198
91
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب الثاني:
تفصيل ُ
األصول
واالستصحاب)
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
(الكتابُّ ،
ُ
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
ً
أواًل :تعريف الدليل:
لغة :يطلق حقيقة على المرشد ،وهو الناصب للدليل أو الذاكر له.
الدليل ً
وما يحصل به اإلرشاد هنا :هو كتاب اهلل وسنة رسوله ﷺ ،وما نشأ عنهما من
اإلجماع والقياس وغيرهما من األدلة.
اصطالحا :هو( :ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خربي)(((.
ً الدليل
وإنما قالوا( :ما يمكن) ولم يقولوا( :ما يتوصل) ،لإلشارة إلى أن المعترب التوصل
وخرج بقولهم( :بصحيح النظر) :النظر الفاسد فإنه ال يمكن أن يتوصل به إلى
مطلوب خربي؛ النتفاء وجه الداللة عنه.
وقولهم( :مطلوب خبري) معناه :ما يخرب به ،وهو التصديق ،فيكون المطلوب
خارجا عن هذا التعريف ،مثل :األقوال الشارحة ،والحدود ،والرسوم.
ً التصوري
ويشمل (المطلوب الخبري) ما يفيد القطع والظن ،وهو مذهب الحنابلة ،وأكثر
الفقهاء واألصوليين.
قال القاضي أبو يعلى( :وال فرق بين أن يكون معلو ًما وبين أن يكون مظنونًا،
وحكي عن بعض المتكلمين :أن الدليل اسم لما كان موج ًبا للعلم ،فأما ما كان موج ًبا
ُ
للظن فهو أمارة ،وهذا غير صحيح؛ ألن ذلك اسم لغوي ،وأهل اللغة ال يفرقون بينهما،
ِ
كالموجب للعلم)(((. وأيضا :فإنه مرشد إلى المطلوب؛ فوجب أن يكون ً
دلياًل ً
وهي عند المتكلمين الدليل المظنون ،كخرب الواحد والقياس ،وهذه عبارة وضعها
أهل النظر للتفريق بين ما يفضي إلى العلم ،وبين ما يؤدي إلى غلبة الظن.
الضرب األول :ما له أصل يرجع إليه يف الشريعة ،مثل :القياس ،ووجوه االستدالل
والضرب الثاين :ما ال أصل له يرجع إليه يف الشريعة؛ كالرجوع إلى العادة الجارية
يف تقويم المستهلكات ،وأروش الجنايات التي ليس فيها َأ ْرش ُمقدَّ ر.
الح َّجة:
ُ -3
هي الدليل الذي يدل على صحة الدعوى والغلبة به على الخصم ،فإن ما ثبتت به
الدعوى من حيث إفادته للبيان يسمى بينة ،ومن حيث الغلبة به على الخصم يسمى :حجة.
أهم الـمراجــــع
-العدة ألبي يعلى (.)136-135/1
-التحبري للمرداوي (.)203-193/1
-الفروق اللغوية (ص.)70-68
-التعريفات (ص.)82
-الكليات للكفوي (ص.)406
96
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
قسم األصوليون األدلة باعتبارات عدة ،أهمها ثالث( :االتفاق على االحتجاج،
وطريق المعرفة ،والغرض من الدليل).
(القرآن ،والسنة ،واإلجماع ،ودليل العقل المبقي على النفي األصلي).
القسم الثاين :األدلة المختلف فيها:
ومنها( :شرع من قبلنا ،وقول الصحابي ،واالستحسان ،واالستصالح).
قسم ابن قدامة األدلة من تلك الحيثية ،ولم يجعل القياس ضمن مباحث كذا ّ
األدلة ،بل جعله ضمن مباحث دالالت األلفاظ تب ًعا للغزالي؛ وذكره يف القسم الخاص
بالداللة من حيث معقول اللفظ ،وذكر تحته جميع أحكام القياس وأنواعه ،وعدد من
وأدلة المشروعية محصورة لتوقفها على ورود الشرع ،وبعضها مجمع عليه كالكتاب
والسنة ،وبعضها مختلف فيه كقول الصحابي واالستحسان ونحو ذلك.
القسم الثاين :أدلة وقوع األحكام:
الح ْكـم مـن السـبب، ِ
وهـي األدلـة الح ِّسـية أو العقليـة الدالـة علـى حـدوث ُم َع ِّرفـات ُ
والشـرط ،والمانـع ،فهـي دالـة علـى وقـوع األحـكام بعـد مشـروعيتها ،وهـي أدلـة كثيـرة
ال يحصرها عدد.
القسم األول :األدلة العامة:
نحو :العقل ،والحس ،والعادة والتجربة ،وغير ذلك من اآلالت البشرية أو المصنوعة
نحو اإلقرار ،والبينة ،واليمين ،والنكول ،ونحو ذلك مما يذكره أهل الفقه يف كتب
ﭯ ﭰ﴾ [اإلسراء.]78:
وأما دليل وقوع الزوال وحصوله يف العالم ،فهو إما برؤية الظل ،أو باآلالت البشرية
المصنوعة الدالة عليه ،كاإلسطرالب والعيدان المركوزة يف األرض ،وغيرها مما يستخدم
ً
وكذلـك (جميـع األسـباب والشـروط والموانـع ال تتوقـف علـى نصـب مـن جهـة
الشـارع ،بـل المتوقـف هـو سـببية السـبب ،وشـرطية الشـرط ،ومانعيـة المانـع ،أمـا وقـوع هـذه
األمـور فال يتوقـف علـى نصـب مـن جهـة الشـرع ،وال تنحصـر تلك األدلـة يف عـدد ،وال يمكن
القضـاء عليهـا بالتناهـي)(((.
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)9-8
-شرح تنقيح الفصول (ص.)445
-الفروق وتهذيبه (.)140 ،129-128 /1
-بدائع الفوائد (.)15-12/4
-أدلة شرعية األحكام وأدلة وقوعها (ص .)142-85
99
الزوائد على روضة الناظر
الفرق الثالث :أدلة الشرع تثمر ما يسمى يف كتب أصول الفقه :باألحكام التكليفية،
واألحكام الوضعية ،وأما أدلة الوقوع فهي مرحلة تالية بعد ثبوت األحكام؛ حيث يتوقف
عليها إثبات وقوع أدلة األحكام الوضعية ،فتثبت وجود علة الحكم ،ووقوع سببه،
الفرق الرابع :أدلة األحكام الشرعية تختص معرفتها بعلماء الشرع وطلبته ،وأما أدلة
وقوعها فيعرفها جميع المكلفين غال ًبا ،كمعرفتهم بزوال الشمس ،وظهور هالل رمضان،
الفرق اخلامس :أن أدلة المشروعية يعرف هبا تأثير معرفات الحكم ،فيعرف سبب َّية
عرفات، الم ِّ
السبب ،وشرطية الشرط ،ومانعية المانع ،أما أدلة الوقوع فيعرف هبا وجود ُ
أهم الـمراجــــع
-الفروق للقرافي (.)129-128/1
-رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (.)169/6
-اإلحكام فـي متييز الفتاوى عن األحكام (.)194/1
-بدائع الفوائد (.)15/4
-أدلة شرعية األحكام وأدلة وقوعها (ص.)142-85
100
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
عصمته عن الخطأ المحتمل يف غيره من األدلة؛ كالقياس ،واالستحسان ،وقول الصحابي،
-3الهيمنة على غيره من األدلة :فالدليل النقلي من كتاب أو سنة هو الحاكم على
غيره من األدلة بالصحة ،فاإلجماع ال يكون إال عن مستند شرعي ،والقياس ال يكون إال
أيضا ،فمهما تعارض دليل غير الكتاب والسنة مع بناء على دليل نقلي ،وغيره من األدلة ً
الكتاب والسنة فالغلبة والحاكمية للدليل النقلي على تفاصيل عند األصوليين.
أيضا مبني على كون مصدرية هذا الدليل ربانية ،فالقرآن كالمه سبحانه لفظه وذلك ً
ومعناه ،والسنة وحيه إلى رسوله يعرب عنه بلفظه ،واإلجماع مبني عليهما؛ إذ ال إجماع إال
بمستند من النصوص.
جعل سبحانه من مقاصد الشرع وضروراته الخمس الرئيسة الحفاظ على العقل بجانب
والع ْرض والمال والنفس ،فالعقل خلق اهلل ،والنقل تنزيله ووحيه سبحانه ،فلم الدين ِ
ينزل اهلل سبحانه شر ًعا يعارض العقل الذي خلقه ،وال جعل للعقل المخلوق أن يعرتض
على الشرع المنزل.
وقد َّ
دل الشرع على مكانة العقل من وجوه كثيرة ،أبرزها ما يلي:
-١ثناء اهلل سبحانه على أصحاب العقول وأولي األلباب يف آيات كثيرة ،كما يف قوله
101
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
الشمس ،ومثال العقل :العين ،فإذا ُفتحت وكانت سليمة رأت الشمس»(((.
-٤تعليق التكليف ولزوم األحكام على وجود العقل ،واألمر بالمحافظة عليه ،وتحريم
خل به ويؤثر عليه من المسكرات ونحوها ،وإيجاب الدية كاملة يف زواله باالعتداء عليه. كل ما ُي ُّ
-٥دور العقل ووظيفته الكبرى يف فهم الشرع ودراسته ،ومن مجاالته يف ذلك:
الح َكم والمقاصد التي تضمنتها أحكامها ،قال أواًل :فهم النصوص الشرعية ،وإدراك ًِ
الراغب األصفهاين« :اعلم أن العقل لن يهتدي إال بالشرع ،والشرع ال يتبين إال بالعقل ،فالعقل
أس»(((. كاألُس ،والشرع كالبناء ،ولن يغني ٌّ
أس ما لم يكن بنا ٌء ،ولن يثبت بنا ٌء ما لم يكن ٌ
ثان ًيا :إعمال العقل باالجتهاد الستنباط األحكام التي لم يرد فيها نص شرعي؛ إما
بقياسها على أحكام منصوصة عند اتحاد العلة ،أو بالنظر يف األدلة األخرى كاالستصحاب،
ثال ًثا :تنزيل األحكام الشرعية على الوقائع؛ فوصول المجتهد إلى الحكم األنسب
للواقعة يحتاج إلى فهم الواقع المحيط هبا ،ومراعاة العوائد واألعراف ،والموازنة بين
المصالح والمفاسد ،والنظر يف المآالت والمقاصد ،قال العز بن عبد السالم« :من أراد
أن يعرف المتناسبات والمصالح والمفاسد راجحهما ومرجوحهما؛ فليعرض ذلك على
عقله بتقدير أن الشرع لم يرد به ،ثم يبني عليه األحكام ،فال يكاد حكم منها يخرج عن
ذلك إال ما تعبد اهلل به عباده ولم يوقفهم على مصلحته أو مفسدته»(((.
راب ًعا :الجمع بين األدلة التي ظاهرها التعارض ،أو الرتجيح بينها ،وحمل النصوص
على محاملها الصحيحة.
ثال ًثا :موقف الدليل النقلي من الدليل العقلي:
إن العالقة بين الدليل النقلي والدليل العقلي عالقة تكاملية يف األصل ،فالنقل
لم يرد بنبذ العقل ،أو العكس ،بل إن األدلة العقلية اتخذت موقعها لتعضيد الدليل النقلي
من حيث التكوين والثبوت ،وكذا األدلة النقلية وردت لتؤكد على أهمية الدليل العقلي
كاًّل من الدليل العقلي والنقلي يعضد بعضه اآلخر ،فلو ورد النقل أن اهلل أواًل :أن ًّ
ً
وبيان دليل التمانع :أنه لو افت ُِرض وجود إلهين لهذا الكون ،فأراد اإلله األول أن
فأي اإللهين
تطلع الشمس من المشرق ،وأراد اإلله الثاين أن تطلع الشمس من المغربّ ،
ُيمضي إرادته؟ فلو كان األول فالثاين إذن ليس بإله؛ ألن قدرته ناقصة ،والناقص ال يمكن
أن يكون إلها ،وإن تح ّققت إرادة الثاين فإن األول ليس ٍ
بإله كذلك. ً
دلياًل عقل ًّيا ،كما يف قوله تعالى﴿ :ﭷ ﭸ ﭹ ثان ًيا :أن الدليل النقلي قد يتضمن ً
ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [األنعام ]76:فإن اآلية دليل نقلي جاء متضمنًا لربهان عقلي ليثبت به
ثال ًثا :أن األدلة النقلية تحتاج للدليل العقلي موط ًئا للتسليم هبا ،فإن اإلنسان يخاطب
بدليل العقل ليعلم صدق الوحي والنبوة ،ومن َث َّم يسلم بما ورد عنهما.
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)81-80
-التحبري للمرداوي(.)1246-1231/3
-اإلحكام فـي أصول األحكام البن حزم(.)99-93/1
-موقف املتكلمني من االستدالل بالكتاب والسنة (.)٢٧٣-٢٦٢ /١
-العقل مكانته وداللته الشرعية على األصول االعتقادية (ص.)٣٢-٢٨
103
الزوائد على روضة الناظر
الوحي المختلفة بلفظه ومعناه ،وليس معناه فقط؛ كما يف السنة التي يعرب عنها رسول اهلل
ﷺ بلفظه ،وكذلك فليس هو ً
دلياًل مبن ًّيا على دليل آخر من الوحي ،بل هو أصل بذاته.
لفظه ومعناه ،وليس معناه القائم بالنفس فقط كالم اهلل كما يدّ عي األشاعرة ،وال هو
وصف ٌة من صفاته سبحانه. مخلوق كما يدعي المعتزلة ،بل هو كالم اهلل ِ
وليس هو كالكتب القديمة التي ليست معجزة ،وال هو معجز ببعض سوره دون
بالص ْر َفة((( ،كما يدعي النَّ َّظام وغيره من المعتزلة.
بعض ،وهو معجز يف نفسه وليس ِّ
آيات ليست يف المصحف نقلها اآلحاد ،وال يحتج هبا ألهنا لم تنقل فخرج بالتواتر ٌ
نقل القرآن من التواتر ،ويحتج هبا عند أبي حنيفة كأخبار اآلحاد.
((( الصرفة :صرف العرب عن إجابة التحدي الرباين واإلتيان بمثل القرآن الكريم رغم قدرهتم على ذلك،
وأول من قال هبا النظام المعتزلي.
104
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
أو السـنة ،والقيـاس ال بـد لألصـل المقيـس عليـه مـن دليـل مـن القـرآن أو
السـنة ،وقـول الصحابـي ينضبـط بـأن قبولـه يتوقـف علـى عـدم مخالفـة نـص مـن القـرآن
نصا من القرآن والسنة.
أو السنة ،وهكذا يشرتط يف كل األدلة الباقية أال تصادم ًّ
سادسا :العصمة من اخلطأ:
ً
وهذا مبني على ما سبق من كونه وح ًيا ربان ًّيا ،فكونه كذلك يعني عصمته عن الخطأ
المحتمل يف غيره من األدلة ،كالقياس واالستحسان وقول الصحابي وغيرها من األدلة،
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)20-8/2
-تقريب الوصول (ص.)177-176
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)66-64
105
الزوائد على روضة الناظر
لمـا وقـع التشـاحن بيـن المسـلمين بسـبب اختلاف القـراءات قـام عثمان بـن
ٍ
واحـد ،وهـو مـا ُعـرف بــ (المصحـف ٍ
مصحـف عفـان ﭬ بجمـع النـاس علـى
العثمـاين) ،فك َّلـف عـد ًدا مـن الصحابـة بجمـع القـرآن مـن الصـدور والصحائـف
(مصحـف عثمـان) يف األقطـار ،بـدأت مـدارس اإلقـراء يف االنتشـار ،وكانـت تلـك
المـدارس هـي مبتـدأ ظهـور مـا عـرف بالقـراءات العشـر ،التـي تلقتهـا األمـة بالقبول
وانعقـد اتفاقهـا علـى صحتهـا ،وكانـت أبـرز تلـك المـدارس ،مدرسـة الحجـاز،
ٍ
قرائهـا:
كعـب ،وزيد بـن ثابـت ،ومـن أهـم َّ أبي بـن
والتـي اعتمـدت علـى قـراءة ِّ
ابن كثيـر ونافـع ،ومدرسـة الشـام ،والتـي اعتمـدت علـى قـراءة أبي الـدرداء ﭬ،
وأشـهر ّقرائهـا :عبد اهلل بـن عامـر ،ومدرسـة البصـرة واشـتهر مـن َّقرائهـا :أبو عمرو بـن
العلاء ويعقـوب ،ومدرسـة الكوفـة ،والتـي اعتمـدت علـى قـراءة علي بـن أبي طالب ﭬ،
ومـن أشـهر قرائهـا :عاصم بـن أبي النجـود ،وحمـزة الزيـات ،وعلـي الكسـائي.
ثـم تضافـرت جهـود علمـاء القـراءات إلـى ضبـط تلـك القـراءات ،وحرصـوا
علـى وضـع شـروط تمايـز بينهـا ،وتوالـت إسـهاماهتم يف هـذا الصـدد بدايـة مـن
ً
وصـواًل البـن الجـزري يف القـرن التاسـع. ابن مجاهـد يف القـرن الرابـع
ً
أواًل :تعري�ف الق�راءات القرآني�ة:
القـراءات القرآنيـة هـي( :علـم ُيعـرف بـه كيفيـة النطـق بالكلمـات القرآنيـة،
وطريـق أدائهـا اتفا ًقـا واختال ًفـا ،مـع عـزو كل وجـه لناقلـه)(((.
القسـم األول :القراءة المتواترة:
جمـع -ال يمكـن تواطؤهـم علـى الكـذب -عـن
ٌ وهـي القـراءة التـي نقلهـا
مثلهـم إلـى منتهـى اإلسـناد؛ كالقـراءات العشـر.
فيظهـر مـن تعريفهـا السـابق أن مـدار شـرطها علـى النقـل المتواتـر يف طبقـات
اإلسـناد مـن أولـه إلـى هنايتـه ،ومـا كان كذلـك فهـو موافـق للرسـم العثمـاين ،موافـق
للعربيـة قط ًعـا.
شـروط القـراءة المتواتـرة؛ سـواء كان مـن جهـة النقـل ،أو الرسـم العثمـاين ،قـال
الزركشـي( :ويف االصطلاح عكـس المتواتـر ،وقد سـبق أن المتواتر قراءة سـاعدها
خـط المصحـف مـع صحـة النقـل فيهـا ومجيئهـا علـى الفصيـح مـن لغـة العـرب.
قـال الشـيخ أبو شـامة :فمتـى اختـل أحـد هـذه األركان الثالثـة أطلـق علـى تلـك
القـراءة أهنـا شـاذة) ( (( ،وقيـل :إن الشـاذة هـي مـا خالفـت رسـم المصحـف،
يحصـل
ّ وحاصلـه يئـول إلـى مـا سـبق؛ ألن مـا خالـف رسـم المصحـف لن
شـرط التواتـر يف النقـل.
أهم الـمراجــــع
-منجد املقرئني ومرشد الطالبني (ص.)24-18
-النشر فـي القراءات العشر (.)14-9/1
-اإلتقان للسيوطي (.)280-258/1
-مناهل العرفان (.)21-19/1
-البدور الزاهرة (ص.)7
(((
شروط القراءة املقبولة
تضافـرت جهـود علمـاء القراءات إلـى ضبط القـراءات القرآنية التـي انعقد إجماع
األمـة علـى قبولهـا ،وحرصـوا علـى وضع شـروط يجـب توافرهـا يف القراءة حتـى يحكم
لهـا بالقبـول ،واعتبارها قرآنا.
وهي كالتالي:
والمراد بالرواية أو السند ،هو سلسلة الرجال التي تصل بين القارئ وبين النبي ﷺ،
فهـذا اإلسـناد هـو أول الشـروط الثبوتيـة ،أو أول األركان التـي يجـب توافرهـا يف الروايـة
المقبولـة.
ً
أواًل :حترير حمل النزاع:
بوجـه ،ووافقـت أحـدَ قـال ابن الجـزري( :فـكل قـراءة وافقـت العربيـة ولـو
ً
احتمـااًل ،وصـح سـندها ،فهـي القـراءة الصحيحـة التـي المصاحـف العثمانيـة ولـو
ال يجـوز ر ُّدهـا وال يحـل إنكارهـا ،بـل هـي مـن األحـرف السـبعة التـي نـزل هبـا القـرآن
ووجـب علـى النـاس قبولهـا ،سـواء كانـت عـن األئمـة السـبعة ،أم عـن العشـرة ،أم عـن
((( ذكرت يف بعض التوصيفات بعنوان( :شروط القراءة المتواترة) ،والعنوان المثبت أشمل وأولى؛ ألن شروط
القراءة المتواترة مختصة بالنقل فقط ،والمراد القراءة التي تعد قرآنا ،التي من جملة أركاهنا النقل المتواتر.
((( النشر يف القراءات العشر (.)9/1
109
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
أبي طالب ،وهو اختيار جمع من األصوليين؛ منهم عبد الوهاب السبكي وغيره.
دليل القول األول (عدم اشرتاط التواتر):
الدليـل األول :أن اشتراط التواتـر يعنـي يف حقيقتـه إهمـال سـائر الشـروط األخـرى،
(كموافقـة الرسـم وموافقـة العربيـة)؛ ألن ثبـوت القـراءة عـن طريـق التواتـر يعنـي بالقطـع
ثبوهتـا عـن النبـي ﷺ ،وهـو مـا ال يحتـاج معـه إلـى اشتراط شـيء زائـد مـن موافقـة الرسـم،
الدليل الثاين :أن بعض القراء انفردوا بحروف لم تبلغ حد التواتر ،وعلى الرغم
من ذلك تلقتها األمة بالقبول ،وحصل اإلجماع على كوهنا قراءة مقبولة تصح هبا
الصالة ،وما إلى ذلك ،وهذا دليل على عدم اشرتاط التواتر.
نوقش :بأن هذه األحرف قد ثبتت بالتواتر عند صاحب القراءة؛ ولذلك قرأ هبا،
أن القول بعدم اشرتاط التواتر يفضي إلى تسوية غير القرآن بالقرآن ،وكأن الكالم
الثابت بغير التواتر يكافئ القرآن يف الثبوت.
نوقش :بأن هذا القول ال يلزم منه تلك التسوية؛ ألن نقل اآلحاد الذي تصح به
الرواية القرآنية يشرتط فيه أن يقرتن به من القرآن ما يجعله مفيدً ا للعلم ،وهو ما يخالف
غيره من األخبار.
110
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
يوجد يف الكتب المشهورة المتلقاة بالقبول تباينًا يف بعض األصول والفرش كما يف
الشاطبية ،نحو قراءة ابن ذكوان﴿ :ﭗ﴾ [يونس ]89:بتخفيف النون ...وغير ذلك من
التسهيالت ،واإلماالت التي ال توجد يف غيرها من الكتب إال يف كتاب أو اثنين ،وهذا
فهذا وشبهه وإن لم يبلغ مبلغ التواتر :صحيح مقطوع به ،نعتقد أنه من القرآن،
والعدل الضابط إذا انفرد بشيء تحتمله العربية والرسم ،واستفاض وتلقي
بالقبول ،قطع به وحصل به العلم ،وهذا قاله األئمة يف الحديث :المتلقى بالقبول
الروايات ،وهذا التميز يحصل بإفادهتا للعلم القطعي؛ بمعنى :أن الرواية يجب أن تفيد
قطعية الثبوت؛ إما عن طريق التواتر كرأي أحد الفريقين ،أو عن طريق التواتر أو خرب
وموافقة الرسم من األمور المتفق عليها ،وعلى كوهنا شر ًطا يف قبول القراءة ،وقد
سئل مالك فقيل له( :أرأيت من استكتب مصح ًفا اليوم ،أترى أن يكتب على ما أحدث
الناس من الهجاء اليوم؟ فقال :ال أرى ذلك ،ولكن يكتب على الكتبة األولى –أي :ما
كتب عليه يف عهد عثمان ﭬ -وال مخالف له يف ذلك من علماء األمة)(((.
ولما كانت القراءة القرآنية على الرسم العثماين مجردة عن النقط والشكل
(لتحتمل صورة ما بقي من األحرف السبعة؛ كاإلمالة ،والتفخيم ،واإلدغام ،والهمز،
الرسم ،وقرأ أهل البدع واألهواء بما ال يحل ألحد من المسلمين تالوته ،فوضعوها
بفتح الالم يعنون :أبا بكر وعمر ﭭ ،فلما وقع ذلك رأى المسلمون أن يجمعوا
ِ
على قراءات أئمة ثقات تجردوا للقيام بالقرآن العظيم ،فاختاروا من كل م ْص ٍر ِّ
وج َه
مصحف أئم ًة مشهورين بالثقة ،واألمانة يف النقل ،وحسن الدِّ ين ،وكمال العلم،
ٌ إليه
أفنوا عمرهم يف القراءة واإلقراء ،واشتهر أمرهم ،وأجمع أهل مصرهم على عدالتهم
فيما نقلوا ،وتوثيقهم فيما قرءوا ورووا ،وعلمهم بما يقرءون ،ولم تخرج قراءهتم عن
خط مصحفهم؛ فمنهم بالمدينة :أبو جعفر ،ونافع .وبمكة :عبد اهلل بن كثير .وبالكوفة:
عاصم ،وحمزة ،والكسائي .وبالشام :عبد اهلل بن عامر .وبالبصرة :أبو عمرو بن العالء،
ويعقوب الحضرمي)(((.
فيجب أن تكون القراءة المقبولة موافِقة ألحد وجوه العربية ،ولو كان هذا الوجه
فصيحا،
ً غير المشهور عند أهل اللغة والنحاة ،فالموافقة مشرتطة (سواء كان أفصح أم
مجم ًعا عليه أم مختل ًفا فيه اختال ًفا ال يضر مثله ،إذا كانت القراءة مما شاع وذاع وتلقاه
األئمة باإلسناد الصحيح ،إذ هو األصل األعظم والركن األقوم ،وهذا هو المختار عند
المحققين يف ركن موافقة العربية)((( ،وقد رد ابن زنجلة يف كتابه (حجة القراءات) على
بعض أهل اللغة الذين خطؤوا بعض القراءات ثم قال...( :وهذا يف كل حرف توهم فيه
اللحن يف العربية ،فإن له جوا ًبا تصدى له أئمة اللغة والتفسير والقرآن)(((.
ويتحصل من هذا المبحث أن القراءة المقبولة التي تعترب قرآنًا ويعتد هبا يف
الصالة والقراءة وغيرها من العبادات هي القراءة التي صح سندها على وفق الرسم،
أهم الـمراجــــع
ت سمعي إلى ترجمان
(((
أحوج ْ
َ قد الثمانيـــن
َ إن
يعني :إلى ناقل للكالم حتى يسمعه جيدً ا.
المعنى الثاين :بيان المراد بالكالم (تفسيره).
وهو المعنى الشائع للرتجمة ال سيما يف الوقت الحاضر ،ومنه ما ورد يف الحديث عن
هرقل ملك الروم أنه( :قال لترجمانه :قل لهم إين سائل هذا الرجل فإن كذبني فكذبوه.((()...
يعني :الرجل المختص بنقل الكالم من لغة العرب إلى لغتهم.
ويالحظ أن المعنى الثاين والثالث يشرتكان يف معنى البيان؛ ولذا أطلقوا الرتجمة
على معنى البيان ،ومن ذلك قولهم :ترجم لهذا الباب بكذا ،أي :جعل له عنوانًا يبين ما
تحته ،وقولهم( :ترجم لفالن) ،أي :بين تاريخ وفاته ونحو ذلك.
والمعنى الثالث هو المعنى المراد يف هذا المبحث؛ أي :نقل الكالم من لغة إلى لغة
فمحل هذه المسألة هو ترجمة القرآن من اللغة العربية إلى غيرها من اللغات
األجنبية ،وحكم تلك الرتجمة ومدى مشروعيتها.
((( البيت من السريع لعوف بن محلم ،يف فقه اللغة للثعالبي (ص.)278
((( أخرجه البخاري ( ،)7ومسلم ( ،)1773من حديث أبي سفيان ﭬ.
114
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
بدون مراعاة لنظم األصل وترتيبه ،وبدون المحافظة على جميع معانيه المرادة منه.
اتفق أهل العلم على أن القرآن معجز بنظمه وبيانه ولفظه ،قال ابن قدامة:
واتفقوا على استحالة الرتجمة الحرفية وحرمتها؛ حيث إن الرتجمة ال يمكن أن
تفسير القرآن ،فهي ال تدعي كوهنا مراد ًفا للغة القرآن ،بل هي تفسير غير ملتزم باللفظ،
الغرض منه بيان معنى القرآن لغير العرب ،ولذلك فإن من رفض هذا النوع من الرتجمة
وبقي الخالف الذي له وجهه بين أهل العلم يف القسم الثاين ،وهو جواز الرتجمة اللفظية.
القول الثاين :أن ترجمة القرآن ترجمة لفظية ال تجوز مطل ًقا ،وإليه ذهب جمهور
األئمة والعلماء.
دليل القول األول (جواز الرتمجة اللفظية):
الدليل األول :قوله تعالى﴿ :ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ﴾ [األنعام.]19 :
وجه االستدالل :أن الدعوة واإلنذار بالقرآن الكريم عام لجميع البشر من
نوقش :بأن ذلك غير مقتض لرتجمة ألفاظه ،بل يكفي فيه ترجمة المعنى ،ال سيما
وأن المرتجم لف ًظا ال يحمل من اإلعجاز اللغوي ما يحمله اللفظ األصلي.
جوز
الدليل الثاين :أن اإلعجاز يتعلق بالمعنى ،والقرآن معجز لكافة الناس؛ ولذلك َّ
نوقش من وجهين:
الوجه األول :أن أبا حنيفة تراجع عن ذلك القول لغرابته ،ولعله قد قال به حتى تلين
ألسنة الناس بالعربية ،ثم يصلون هبا ،وإال فالقرآن معجز بلفظه ومعجز بمعناه ،وعلى هذا
أجمعت األمة.
أيضاً ،
فمثاًل :لو الوجه الثاين :أن ما يرتجم غير معجز ،بل ويضطرب فيه المعنى ً
[اإلسراء ]29 :وأراد ترجمتها إلى غير العربية ،مع رعاية ترتيب األصل ونظامه -فإنه سيأيت
منكرا.
برتكيب غير مفهوم ،بل ويحمل معنى ً
تكلف ،فليس أحد يخالف يف أن من تكلم بمعنى القرآن بالهندية ليست قرآنًا ،وليس ما
وجه االستدالل :أن الرتجمة يف حقيقتها تبديل للفظ بلفظ آخر من لغة أخرى ،وهذا
ال يجوز للنبي ﷺ نفسه ،فمن باب أولى أال يجوز يف حق غيره من المرتجمين.
ومحاولة ترجمة القرآن ترجمة لفظية يئول إلى تخبط يف داللته ومعناه وجزالة لفظه
العربي ،يقول ابن قتيبة يف هذا السياق( :أال ترى أنك لو أردت أن تنقل قوله تعالى:
و ُتظهر مستورها ،فتقول :إن كان بينك وبين قوم هدنة وعهد ِ
فخفت منهم خيان ًة
مسألة :إطالق اسم ترمجة القرآن:
على المصنفات التي حاولت نقل معاين القرآن من اللغة العربية إلى اللغات األجنبية،
وتفضيلهم إطالق مصطلح (ترجمة معاين القرآن) أو (تفسير القرآن باللغة )...حتى يبينوا
تفسيرا وبيانًا
ً أن المرتجم ال يعد ً
بدياًل عن األصل وال يقوم مقامه ،وأنه ال يعدو كونه
أهم الـمراجــــع
118
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
الذي يطلق على القرآن كله ،وعلى كل جزء منه؛ حيث هو :اإلتقان يف الصيغة والفصاحة
والمعاين إلى درجة اإلعجاز ،فليس يف القرآن ما يخالف ذلك أو ينقص عن درجته بحال،
محكما.
ً فهذا معنى كون كتاب اهلل كله
وهو ما استقل بنفسه ولم يحتج إلى بيان ،حيث خلص لفظه عن اإلشكال ،فهو واضح
محكما ومتشاهبًا.
ً فجعل القرآن قسمين:
بعضـا يف
علـى الكتـاب كلـه ،فـكل جـزء منـه كذلـك متشـابه ،أي :متماثـل يشـبه بعضـه ً
تأويله ،وذلك نحو قوله تعالى﴿ :ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [البقرة]228 :؛ ألن ال ُق ْرء
من األسماء المشرتكة؛ تارة يعرب به عن الحيض ،وتارة عن الطهر.
وجوها إذا ردت وجوهه إلى وجه واحد ،و ُأبطِ َل الباقي
ً وهذا التشابه الذي يحتمل
محكما.
ً صار المتشابه
وللناس تفسيرات كثيرة لإلحكام الخاص والتشابه الخاص ،وما ُذكر ُّ
أعمها
وأسلمها من االعرتاض ،وهو مستنبط من نص كالم اإلمام أحمد .$
أهم الـمراجــــع
-املسودة فـي أصول الفقه (ص.)164-160
-جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (.)390-381/17
-شرح خمتصر الروضة (.)47-43/2
120
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
والوقف المناسب يف اآلية يف قول جماهير السلف ﭫ على قوله تعالى:
﴿ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ ،ويكون قوله سبحانه﴿ :ﯚ ﯛ ﯜ﴾ مبتدأ ،وخربه:
طاووس عنه ،وبه قال عروة بن الزبير ،والحسن ،وأكثر التابعين ،واختاره الكسائي،
والفراء ،واألخفش.
ولم يذكر السلف الذين رأوا أن الوقف على قوله تعالى ﴿ :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾
أ َّية عالقة لهذا بآيات الصفات ،فلم يعترب أحد منهم آيات الصفات من المتشابه ،بل
الـذي ال يعلـم معنـاه إال اهلل ،وبالتالـي قالـوا بالتفويـض يف صفات الرحمـن ،واعتربوها
غيـر معلومـة المعنـى ،فت َُم ُّـر كمـا جـاءت؛ يريـدون :إثباهتـا ،ولكـن دون معرفـة معناهـا
الـذي ال يعلمـه عندهـم إال اهلل ،وهـم وإن كانـوا يف قولهـم بالوقـف موافقيـن لقـول
السـلف ،إال أهنـم يف ادعائهـم بـأن آيـات الصفـات مـن المتشـابه الـذي ال ُيعلـم معنـاه
أي مـن السـلف.
مخالفـون لهـم ،فلـم يـرد ذلـك عـن ٍّ
ِ
(المؤولـة) ،ومـن َث َّ
ـم اعتبروا الراسـخين ِّ وذهبـت طائفـة أخـرى إلـى الثـاين وهـم
ظواهرهـا ،والراسـخون يف العلـم يعلمـون ذلـك الــتأويل ،فأخـذوا يف تعطيـل الصفـات
ولتوضيـح وجـه االنحـراف عنـد كلتـا الطائفتيـن عـن منهـج السـلف ال بـد مـن
تقريـر أن مـراد السـلف بالتأويـل يف اآليـة ليـس هـو :معرفـة المعنـى ،وال هـو :معرفـة ما
ُيصـرف إليـه ظاهـر المعنـى ،وإن كان كال المعنييـن ممـا يذكـره األصوليـون يف معنـى
التأويـل ،ولكـن مـراد السـلف بالتأويـل هنـا هـو :معرفـة حقيقـة الشـيء ،ومن َثـم قالوا:
إن الوقـف علـى ﴿ :ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﴾ [آل عمـران ،]7 :فال يعلـم حقيقـة المتشـابه
يف نفـس األمـر غيـر اهلل .۵
ورغم أن السلف -كما سبق -لم يذكروا آيات الصفات بين مسائل المتشابه ً
أصاًل،
إال أنه بِ َض ِّم قولهم السابق يف مكان الوقف يف اآلية إلى قولهم يف الصفات بأهنا :معلومة
المعنى مجهولة الكيف والحقيقة؛ كما ورد عنهم ،ومنه قول مالك $يف االستواء:
(االستواء غير مجهول ،والكيف غير معقول)((( -يتبين لنا أن كيفية الصفات وحقيقة ُكن ِْه َها
-وهو مما نقطع بجهلنا به -هو مما ال يعلم تأويله؛ أي :مما ال يعلم حقيقته إال اهلل .۵
فمـن أراد أن آيـات الصفـات مـن المتشـابه هبـذا المعنـى؛ أي :بمعنـى أن كيفيتهـا
ً
محتماًل، ال يعلمهـا إال اهلل كان الخلاف بيـن منهجـه ومنهـج السـلف هو يف كون كالمـه
ولم يذكـره السـلف ،وإال فالمعنـى صحيـح عندهـم ،فكيفيـة الصفـات وحقيقتهـا
ال يعلمهـا إال اهلل.
وأمـا مـن أراد أن آيـات الصفـات مـن المتشـابه بمعنـى أهنـا غيـر معلومـة المعنى،
فهـذا قـد خالـف تقريـرات السـلف معنًـى ومبنى.
أهم الـمراجــــع
-جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (.)296-294/13
-أعالم املوقعني (.)190-189/4
-البحر احمليط (.)197 -188/2
-التحبري للمرداوي (.)415- 395/3
123
الزوائد على روضة الناظر
فلا تجزعـن من سـنة أنت سـرتها
(((
فـأول راض سـنة مـن يسـيرها
وإنما سميت بذلك ألهنا تجري جر ًيا)(((.
وفـي االصطالح :ما نقل عن رسول اهلل ﷺ من قول ،أو فعل ،أو تقرير.
واإلقرار :كسائر ما رأى ﷺ الصحاب َة يقولونه أو يفعلونه فال ينهاهم ،وذلك كأكل
خالد بن الوليد للضب؛ حيث قال« :اجتررته فأكلته ،ورسول اهلل ﷺ ينظر إلي»(((.
تنبيه :أكثر األصوليين حصروا السنة يف االصطالح يف ثالثة أشياء( :قوله ،وفعله،
وإقراره) ،وزاد بعضهم( :ما َه َّم ﷺ بفعله ولم يفعله) كما إذا هم النبي ﷺ بفعل وعاقه
عنه عائق ،كان ذلك الفعل مطلو ًبا شر ًعا؛ ألنه ال يهم إال بحق محبوب مطلوب شر ًعا؛
ألنه مبعوث لبيان الشرعيات ،ومن ذلك :همه بمعاقبة المتخلفين عن صالة الجماعة(((،
إطالقات السنة :للسنة يف اصطالح العلماء ثالثة إطالقات:
اإلطالق األول :على ما يقابل القرآن ،كما هو اإلطالق يف هذا المبحث ،وكما قال
النبي ﷺ« :يؤم القوم أقرؤهم لكتاب اهلل ،فإن كانوا يف القراءة سواء فأعلمهم بالسنة»...
الحديث(((.
اإلطالق الثاين :على المندوب الذي يقابل الفرض وغيره من األحكام التكليفية.
اإلطالق الثالث :على ما يقابل البدعة ،فيقال :أهل السنة ،وأهل البدعة.
أهم الـمراجــــع
مكانة السنة
كل مـا يأمـر بـه الرسـول ﷺ أو ينهـى عنه فإنما هو بأمر اهلل ۵لـه؛ ألنه ال ينطق
عن الهوى ،بل هو مبلغ عن اهلل جل وعال ،ولهذا أمر اهلل بطاعته بإطالق ،قال تعالى:
﴿ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [النجـم3:و .]4وقـال تعالـى ﴿ :ﭑ ﭒ
ينثنـي شـبعا نًا علـى أريكتـه يقـول :عليكـم بالقـرآن؛ فمـا وجدتـم فيـه مـن حلال
فأحلـوه ،ومـا وجدتـم فيـه مـن حـرام فحرمـوه»(((.
وسـنة الرسـول ﷺ يف حكـم الكتـاب يف وجـوب العمـل هبـا ،وإن كانـت فر ًعـا
لـه؛ ألن اهلل تعالـى ختـم برسـوله النبـوة ،وأكمـل الشـريعة ،وجعـل إليـه بيان مـا أجمله
يف كتابـه ،وإظهـار مـا شـرعه مـن أحكامـه ،وقـال تعالـى يف محكـم تنزيله﴿ :ﮠ ﮡ
ﮢ ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ﴾ [الحشر.]7:
ولهـذه المنزلـة لسـنته أوجب اهلل علـى نبيه أمرين:
ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ﴾ [المائـدة.]67 :
[النحـل.]44 :
أحدهمـا :طاعتـه يف قبـول قولـه والعمـل بـه ،قـال اهلل تعالـى ﴿ :ﯵ ﯶ ﯷ
ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ﴾ [النساء.]59:
((( أخرجه أبو داود ( ،)4604والرتمذي ( ،)2664وأحمد ( .)17174قال الرتمذي( :حديث حسن غريب).
وقال الذهبي يف المهذب (( :)3924/8إسناده قوي).
126
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
والثـاين :أن يبلغـوا عنه ما أخربهم به وأمرهم بفعله ،قال اهلل تعالى ﴿ :ﯭ ﯮ
ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ﴾[التوبة]122:؛
ألنه ما كان يقدر على أن يبلغ جميع الناس ،فإذا بلغ الحاضر لزمه أن ينقله إلى الغائب،
وإذا بلـغ أهـل عصـر لزمهـم أن ينقلـوه إلى أهـل كل عصر ،فيدوم على األبد نقل سـنته
وحفظ شـريعته.
أهم الـمراجــــع
-قواطع األدلة (.)322/1
-السنة النبوية املصدر الثاني للتشريع اإلسالمي حملمد بامجعان (ص.)35
-السنة النبوية املصدر الثاني للتشريع اإلسالمي لرقية نياز (ص.)6
127
الزوائد على روضة الناظر
السنة ،ومنه قوله ﷺ« :أال ُأ َن ِّب ُئك ُْم بأكبرِ الكبائر؟» قالوا :بلى يا رسول اهَّللَِ ،ق َال :
«اإلشراك باهَّلل ،وعقوق الوالدين»((( ،فإن السنة هنا جاءت مؤكدة ومقررة لما جاء
أيضـا :قولـه ﷺ« :إن اهلل تعالـى حـرم الخمـر ،فمـن أدركتـه هـذه
ومنـه ً
اآليـة وعنـده منها شـيء فال يشـرب وال يبع» ((( ،فهو حكـم مقرر لقولـه تعالى:
﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞ
ﭟ﴾ [المائـدة. ]90:
املرتبة الثانية:
(تفسـير-تقييد -تخصيـص).
فإن الصحابة ﭫ لما شـق عليهم ذلك وقالوا :وأينا لم يظلم نفسـه ،قال النبي ﷺ:
«ليـس ذلـك» ،ثـم ب ّيـن لهم وتال اآليـة ﴿ :ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [لقمان.((( ]13:
﴿ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [المائـدة ]38:فجـاءت السـنة وبينـت أن
قطـع يـد السـارق يكـون مـن مفصـل الكـف (((.
مـن اآليـة جـواز النـكاح مـن غيـر مـا ذكـرت اآليـة ،ثـم جـاءت السـنة وخصصـت
هـذا العمـوم بأنـه مـا عـدا العمـة والخالـة بقولـه ﷺ« :ال تُنكـح المـرأة علـى عمتهـا
وال علـى خالتهـا» (((.
املرتبة الثالثة:
أن تكون السنة ُمن ِْشئ ًة لحكم جديد لم يتعرض له القرآن ،ومن أمثلة ذلك:
قوله ﷺ يف آنية الذهب والفضة والحرير« :ال تشربوا يف آنية الذهب والفضة،
وال تلبسوا الحرير والديباج؛ فإنها لهم يف الدنيا ولكم يف اآلخرة» ((( .فإن هذا الحديث
أنشأ حكم التحريم للبس الحرير وللشرب يف آنية الذهب والفضة ،ولم يتعرض لذلك
القرآن الكريم.
ول اهلل ِ َص َّلى اهللُ َع َل ْي ِه
أيضا :حديث ابن عباس ﭭَ :ق َال « :ن ََهى َر ُس ُ ومنه ً
ب م َن ال َّط ْيرِ » ((( ،فحرم أكل ِ ِ
الس َبا ِع َ ،و َع ْن ك ُِّل ِذ ي مخْ َل ٍ ِ َو َس َّل َم َع ْن ك ُِّل ِذ ي ن ٍ
َاب م َن ِّ
كل ذي مخلب من الطير وناب من السباع ،ولم يكن لذلك حكم يف القرآن.
ومنـه :حديـث عبد اهلل بـن مسـعود ﭬ ،قـال :قـال النبـي ﷺ« :ليـس
السـنة النبوية.
القول الثاين :نفي هذا القسم ،فال يوجد يف السنة حكم إال وقد دل القرآن
أمر ا إال والقرآن قد دل على معناه داللة عليه ،كما قال الشاطبي( :فال تجد يف السنة ً
إجمالية أو تفصيلية)(((.
دليل القول األول (إثبات استقالل السنة بالتشريع):
الدليل األول :قول النبي ﷺ« :أال إين أوتيت القرآن ومثله معه ،أال يوشك
رجل شبعان على أريكته يقول :عليكم بهذا القرآن ،فما وجدتم فيه من حالل
الدليل الثاين :إجماع العلماء على العمل بمثل هذه األحاديث ،وحكمهم بما ورد فيها.
قال الشوكاين( :اعلم أنه قد اتفق من ُيعتد به من أهل العلم على أن السنة
مستقلة بتشريع األحكام ،وأهنا كالقرآن يف تحليل الحالل وتحريم الحرام) ( ((.
((( أخرجه مسلم (.)1934
((( أخرجه البخاري ( ،)1294ومسلم (.)103
((( الموافقات للشاطبي (.)316/4
((( أخرجه أبو داود ( ،)4604والرتمذي ( ،)2664وأحمد ( ،)17174قال الرتمذي( :حديث حسن غريب).
وقال الذهبي يف المهذب (( :)3924/8إسناده قوي).
((( إرشاد الفحول (.)96/1
130
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
الدليل الثالث :الوقوع :فقد وجدت أحكام عمل هبا العلماء ولم توجد إال
يف السنة المستقلة ،وال وجود لها يف القرآن ،مثل :تحريم آنية الذهب ،وأكل ذي
ً
تفصياًل. المخلب من الطير ،ولطم الخدود على الميت ،وتقدم ذكرها
دليل القول الثاني (نفي استقالل السنة بالتشريع):
الدليل األول :قوله تعالى ﴿ :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﭫ ﭬ﴾
[النحل ، ]44:فمهمة رسول اهلل ﷺ هي بيان ما يف الكتاب.
الدليل الثاين :القرآن فيه داللة على كل أحكام الشريعة ،كما قال تعالى:
﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [النحل ،]89:فالقرآن كلية الشريعة وينبوع
نوقش :إن أريد به ذكره لجميع القواعد اإلسالمية األصلية ،وذكره جميع
األدلة التي يعتمد عليها فنحن نقول بذلك ،وإن أريد بذلك ذكره لجميع األحكام على
أهم الـمراجــــع
131
الزوائد على روضة الناظر
-1السنة هي األصل الثاين من أصول التشريع عند األصوليين.
-2بين األصوليون مفهوم السنة ،وطريق صدورها عن النبي ﷺً ،
قواًل ،أو ً
فعاًل،
إقرارا ،وعالقة ذلك باستنباط األحكام الشرعية منها.
أو ً
-4االعتناء بحجية السنة النبوية؛ بالربهنة على لزوم االحتجاج هبا ،وإفراد باب يف
لما ورد يف القرآن ،أو مبينة له ،أو زائدة عليه بأحكام لم تأت فيه ،باعتبار أن الجميع
وحي من عند اهلل.
-6ق ّعد األصوليون لضبط نقل سنة النبي ﷺ ،ببيان طرائق النقل ،ومراتبها،
وما يشرتط لكل منها ،وما يعرض لنقلها ،وما يرتتب على ذلك من أحكام.
ومن هذه المسائل :أقسام الخرب ،ونوع العلم الحاصل من الخرب المتواتر واآلحاد
وما هي الشروط المعتربة يف المتواتر ،والشروط غير المعتربة فيه ،وشروط الراوي
المقبول روايته ،وما حكم خرب المجهول ،وهل يقبل خرب المحدود بالقذف أو ال؟
وحكم ما لو أنكر الشيخ الحديث المروي عنه ،وحكم زيادة الثقة ،وحكم االحتجاج
بالحديث المرسل.
-7اهتم األصوليون بالتأصيل لضبط المنقول عن النبي ﷺ مما له عالقة بالمتن،
فتحدثوا عن الحاالت التي يقبل فيها الخرب أو يرد ،ومقاييس نقد المتون.
132
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
ومن ذلك :هل يقبل خرب الواحد يف المسائل التي تعم هبا البلوى؟ وهل يقبل خرب
الواحد يف الحدود؟ وهل يقبل خرب الواحد إذا خالف القياس؟ وحكم خرب الواحد إذا
تضمن زيادة على القرآن.
الصادق من الكاذب ،والضابط من الواهم ،ونحو ذلك.
4 -االهتمام بتاريخ الرواة ،فاهتم المحدثون برواة الحديث من حيث أسماؤهم،
ومواليدهم ،ووفياهتم ،وشيوخهم ،وتالميذهم ،ورحالهتم ،وأماكنهم ،وكل ذلك مساعد
لمعرفة عدالته ،واتصال روايته ،وكذبه ،وتدليسه ،إلى غير ذلك من أحكام الرواة.
5 -اهتم المحدثون بالتعارض الظاهري بين األحاديث ،وأ ّلفوا يف ما يسمى
بعلم( :مختلف الحديث) ،أو (تأويل مشكل الحديث) ،وهو فن جليل يحتاج إليه
وأنواعها ،وأحكامها ،وحال الرواة ،وشروطهم ،وأصناف المرويات ،وما يتعلق هبا ،وقد
تأثر علماء المصطلح بجهود األصوليين يف مباحث السنة ،وظهر ذلك جل ًّيا يف كتاب
اإللماع للقاضي عياض من المغاربة ،وكتاب علوم الحديث البن الصالح من المشارقة،
وما تال ذلك من مصنفات يف هذا الباب.
أهم الـمراجــــع
-القواعد واملسائل احلديثية املختلف فـيها بني احملدثني واألصوليني (ص.)7-1
133
الزوائد على روضة الناظر
أقسام السنة
قسم األصوليون السنة باعتبارات عدة أهمها اعتباران ( ذاهتا ،وعدد رواهتا).
ّ
االعتبار األول :من حيث ذاتها إىل ثالثة أقسام (قولية – فعلية -تقريرية):
ِ
ْاآْلخرِ فليقل ً
خيرا أو ليصمت.(((»...
والحج(((.
مثالها :إقراره الجتهاد الصحابة يف صالة العصر يف غزوة بني قريظة حين قال لهم:
«ال يصلين أحد العصر إال يف بني قريظة»((( ،ففهم بعضهم هذا النهي على حقيقته ،فلم
يصل إال يف بني قريظة بعد المغرب ،وفهم البعض أن المقصود الحث على اإلسراع،
فصالها يف وقتها قبل وصولهم إلى بني قريظة .وبلغ النبي ﷺ ما فعل الفريقان ،فأقرهما
االعتبار الثاني :من حيث عدد رواتها إىل ثالثة أقسام (متواترة – آحاد -مشهورة):
القسم األول :السنة المتواترة:
محسوس يستحيل تواطؤهم على الكذب عادةً)(((.ٍ وهي( :خرب أقوا ٍم عن ٍ
أمر
شرح التعريف:
(خبر) جنس يشمل المتواتر وغيره.
(أقوامٍ) قيد إلفادة الكثرة ،ويخرج خرب العدد الذي لم يتصف هبذا الوصف؛
مكة ،وهو قيد يخرج الخرب المفيد للعلم عن طريق دليل العقل؛ كالخرب بحدوث العالم.
علي
أوال :التواتر اللفظي :وهو ما تواتر عليه رواته يف اللفظ نحو :حديث« :من كذب ّ
ومـن بنـى هلل بيتًـا واحتسـب ممـا تواتـر حديـث مـن كـذب
(((
ومسـح خفيـن وهـذي بعض ورؤيـة شـفاعة والحـوض
ففي البيت األول ذكر لمثالين على المتواتر اللفظي ،ويف البيت الثاين ذكر ألربعة
أهم الـمراجــــع
تنقسم أفعال النبي ﷺ عند األصوليين إلى أربعة أقسام:
مختصا به ﷺ ،كزواجه بأكثر من أربع.
ًّ القسم األول :ما كان
القسم الثاين :ما ظهر أن فعله ﷺ كان بيانًا لمجمل؛ كأدائه ﷺ للصالة المبين لقوله
تعالى ﴿ :ﮛ ﮜ﴾ [البقرة ،]43 :وكذا أدائه ﷺ لمناسك الحج((( المبين لقوله
القسم الثالث :ما كان فعله على سبيل الجب ّلة والطبع كاألكل ،والشرب ،والمشي.
القسم الرابع :هو ما فعله ﷺ ابتدا ًء ولم ُتعلم صفته من وجوب ،أو ندب ،أو إباحة
يف حقه ،بنص أو أمارة ،وهذا القسم هو موضوع هذه المسألة.
اتفق العلماء على جواز االستدالل بأفعال النبي عليه السالم على األحكام،
((( انظر :صحيح مسلم ( )1218من حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ.
((( انظر :صحيح البخاري ( ،)186ومسلم ( )235من حديث عبد اهلل بن زيد ﭬ.
((( المحصول البن العربي (ص.)109
137
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
قال اآلمدي( :وأما ما سوى ذلك مما ثبت كونه من خواصه التي ال يشاركه فيها
أحد ،فال يدل ذلك على التشريك بيننا وبينه فيه إجما ًعا؛ وذلك كاختصاصه بوجوب
الضحى ،واألضحى ،والوتر ،والتهجد بالليل ،والمشاورة والتخيير لنسائه ،وكاختصاصه
بإباحة الوصال يف الصوم ،وصفية المغنم((( .((()...
أيضا على أن فعله ﷺ إن كان بيانًا لمجمل فحكمه حكم المجمل؛
واتفقوا ً
إذ المراد من ذلك المجمل هو ما ب ّينه النبي ﷺ بفعله.
يف حقنا ،وال خالف أنه واجب ،وحيث ورد بيانًا لمجمل فحكمه حكم ذلك المجمل)(((.
ألنه ﷺ ال يفعل ما هني عنه ،بشرط أن ال يتعقب فعله معتبة من اهلل ،أو استغفار منه واستدراك.
قال اآلمدي( :أما ما كان من األفعال الجبلية -كالقيام والقعود واألكل والشرب
ونحوه -فال نزاع يف كونه على اإلباحة بالنسبة إليه وإلى أمته)(((.
وقال ابن النجار( :وما كان من أفعاله ﷺ ِجبِل ًّيا -كنوم واستيقاظ وقيام وقعود
وذهاب ورجوع وأكل وشرب ونحو ذلك -فمباح قطع به األكثر ،ولم يحكوا فيه خال ًفا)(((.
ولكن وقع الخالف بينهم يف الحكم المستفاد من فعله ﷺ إن كان فعله ابتدا ًء،
ولم يرد نص يبين حكم ذلك الفعل.
((( أخرجه مسلم ( ،)1297والبيهقي ( ،)9600واللفظ للبيهقي .ولفظ مسلم« :لتأخذوا مناسككم؛ فإين ال أدري
لعلي ال أحج بعد حجتي هذه».
((( أخرجه الدارقطني يف سننه ( ،)3466من حديث عبد اهلل بن عمرو ﭭ .والبيهقي يف الكربى ( )17329من
حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ « :أن النبي ﷺ قطع يد سارق من المفصل» .انظر :التلخيص الحبير (،)56/4
والبدر المنير (.)460-459/8
((( البحر المحيط (.)29/6
((( اإلحكام يف أصول األحكام (.)173/1
((( شرح الكوكب المنير (.)178/2
138
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
الحنفية والقفال.
القـول الرابـع :أن أفعـال النبـي ﷺ علـى الوقـف ،وهـو اختيـار الـرازي وبعـض
المعتزلة واألشاعرة.
القول الخامس :أن ما كان من أفعاله ﷺ على وجه القربة فمندوب ،وما لم يظهر
نوقش :بأن قوله ﴿ :ﮩ ﮪ ﴾ ال يجوز أن يكون يف معنى قوله :ما أتى به فخذوه؛
ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [األعراف.]158 :
ظاهر يف وجوب االتباع ،وهو يكون يف الفعل والقول على حد سواء.ٌ واألمر يف اآلية
نوقش :بأن االتباع ال يفهم منه محاكاة الفعل يف اللغة ً
أصاًل ،وتارك محاكاة الفعل
ال يكون عاص ًيا إال بعد أن يؤمر بمحاكاته.
139
الزوائد على روضة الناظر
الدليل الثالث :أن وجوب المتابعة يف الفعل يدل عليه اإلجماع ،لرجوع الصحابة ﭫ
إلى قول عائشة ڤ لما اختلفوا يف وجوب الغسل من التقاء الختانين عندما قالت« :فعلته
أنا ورسول اهلل ﷺ فاغتسلنا»((( ،وأخذ به جميع الصحابة ﭫ والتزموه واج ًبا.
نوقش :بأن حديث عائشة ڤ كان بيانًا لواجب ،وهذا محل اتفاق فخرج عن
محل النزاع.
ووجه االستدالل :أنه لم يأمرهم حتى ال يجب يف حقهم ،واكتفى بالفعل؛ فدل على
نقص مرتبته عن األمر.
نوقش :بأن قوله هنا دال على عدم وجوب الفعل ،فالدليل خارج محل النزاع،
وغاية ما يستدل به على أن مطلق األمر للوجوب ،ال على أن مطلق الفعل للندب.
الدليل الثاين :أن اإلجماع منعقد على الندب ،فوجب التمسك به ونفي ما عداه.
نوقش :بأن اتفاقهم ال يدل على اتفاقهم على الندب ،بل إهنم متفقون على التأسي
به ﷺ ،ال على سبيل الوجوب أو الندب أو اإلباحة ،فال يلزم من اتفاقهم على مطلق
استدلوا بما روي عنه ﷺ أنه خلع نعليه يف الصالة ،فخلع الناس نعالهم ،فلما
فرغ قال« :ما لكم خلعتم نعالكم؟» ،فقالوا :يا رسول اهلل :رأيناك خلعت فخلعنا ،قال:
«إن جبريل أتاين فأخبرين أن بهما خب ًثا.(((»...
((( أخرجه الرتمذي ( ،)108والنسائي يف الكربى ( ،)194وأحمد ( .)25281وصححه ابن كثير يف تحفة الطالب ()31
وابن الملقن يف البدر المنير (.)517/2
((( أخرجه البخاري ( ،)887ومسلم ( )252واللفظ له.
((( أخرجه أبو داود ( ،)650وأحمد ( ،) 11153وابن خزيمة ( ،)1017من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ .وصححه:
أبو حاتم الرازي ،والحاكم ،وابن كثير ،والنووي ،وغيرهم .انظر :المستدرك ( ،)486وتحفة الطالب (،)23
والمجموع ( ،)132/3والتلخيص الحبير (.)503/1
140
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
وجه االستالل :أنه لو كان مطلق فعله موج ًبا للمتابعة لم يكن لقوله:
«ما لكم خلعتم نعالكم» معنى.
نوقش :بأن األدلة قد وردت بوجوب االتباع والتأسي ،فوجب أن تعترب ،ويكون
فعله المجرد عن الوصف الذي فعله ابتداء واج ًبا.
دليل القول الرابع (الوقف):
استدلوا بأن فعل النبي ﷺ إن لم يكن معلوم الصفة فال سبيل إلى الجزم بحكمه من
من أن يفعلوا مثل فعله هبذا الطريق ويلومهم على ذلك فقد أثبت صفة الحظر يف االتباع،
وإن كان ال يمنعهم من ذلك وال يلومهم عليه ،فقد أثبت صفة اإلباحة؛ فدل ذلك على
استدلوا على ذلك بأن الفعل إذا ظهر فيه قصد القربة ،فإنه يدل على رجحان الفعل
ولكن هذا الفعل ال يجزم فيه بالوجوب فلم يبق من درجات الرجحان إال الندب ،أما إن
لم يكن الفعل على وجه القربة ،فال دليل على رجحان الفعل على الرتك ،فبطل الوجوب
الخالف معنوي ،وقد أثمر الخالف يف حكم فعل النبي ابتدا ًء مجر ًدا عن الصفة،
141
الزوائد على روضة الناظر
أهم الـمراجــــع
الفرق الثاني :أنه يمتنع الكذب على أهل التواتر من جهة العادة ،وإن كان العقل
يجوز الكذب عليهم ،وال يمتنع عادة الكذب على خرب اآلحاد.
الفرق الثالث :أن الخرب المتواتر ال يحتاج النظر يف إسناده ،فكثرة الرواة تغني عن
البحث يف عدالتهم ،بخالف خرب اآلحاد ،فال بد لقبوله من البحث يف عدالة الرواة.
أهم الـمراجــــع
-روضة الناظر (.)186-184/1
-املسودة فـي أصول الفقه (ص.)235-234
-شرح الكوكب املنري (.)327-325/2
-شرح خنبة الفكر للقاري (ص.)186
143
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
العلماء على أن المتواتر المعنوي مفتقر لتواتر اللفظ.
ويمكن تقسيم المتواتر اللفظي إلى نوعين:
النوع األول :تواتر عام أو عند العامة :كتواتر وجوب الصلوات الخمس وعدد
ركعاهتا ،وكون الكعبة هي البيت الذي يحج الناس إليه ،وكون رمضان هو الشهر
علي
النوع الثاين :تواتر خاص :أو لدى أهل فن خاص؛ كقوله ﷺ« :من كذب َّ
وهو ما تواتر معناه دون لفظه ،حيث اتفقت جماعة يستحيل تواطؤهم على الكذب
على رواية وقائع مختلفة تشترك يف أمر ،يتواتر ذلك القدر المشترك؛ كأحاديث رفع اليدين
يف الدعاء((( ،فإهنا قد رويت بألفاظ مختلفة يف أحاديث مختلفة أن رسول اهلل ﷺ كان يرفع
يديه يف الدعاء ،فالقدر المشرتك إ ًذا بينها هو أمر رفع اليدين يف الدعاء ،فهذا تواتر معنوي.
أهم الـمراجــــع
-جامع املسائل لشيخ اإلسالم ابن تيمية (.)291/1
-التحبري للمرداوي (.)1770-1769/4
-شرح تنقيح الفصول (ص.)353- 349
-تدريب الراوي للسيوطي (.)631/2
((( أخرجه البخاري ( ،)1291ومسلم ( )4من حديث المغيرة بن شعبة ﭬ.
((( انظر :صحيح البخاري ( ،)4323( )1029ومسلم (.)2498( )895
144
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
حتققت شروط التواتر فـي مجلة من األحاديث النبوية ،ومن أمثلة احلديث
املتواتر:
أربعين ً
رجاًل من الصحابة(((.
2 -حديث« :من شهد أن ال إله إال اهلل وجبت له الجنة»((( ،وقد عد أبو جعفر الكتاين
رواته من الصحابة فبلغ هبم أربعة وثالثين صحاب ًّيا(((.
3 -حديث« :من بنى هلل مسجدا بنى اهلل له بيتًا يف الجنة»((( ،وقد رواه عشرون صحاب ًّيا
قسم األصوليون شروط العمل باألخبار باعتبارات ثالث( :الراوي -الخبر -
ّ
مدلول الخبر).
االعتبار الثاني :شروط راجعة إىل رواية اخلرب:
والمعاين ،وما يحيل المعاين ،حتى ال يؤديه على غير وجهه ،أو يبدل لفظة مكان أخرى
الشرط الثالث :أال يزيد يف الخبر ،إال أن تكون زيادة لتوضيح معنى أو بيان حال.
الشرط الرابع :أال يضطرب يف روايته ،فلو اضطرب يف روايته ولم يضبط سقطت
الجمع بينهما بحال ،فلو ورد هبذا الحال لعلمنا بأنه ال بد من تقديم المقطوع به
الشرط الثالث :أن ال يكون مدلول الخبر مخال ًفا إلجماع األمة؛ ألن اإلجماع
أهم الـمراجــــع
-اللمع للشريازي (ص.)77-75
-أصول السرخسي (.)11- 3/2
-املستصفى (ص.)125-123
-شرح خمتصر الروضة (.)146-136/2
-إرشاد الفحول (.)151/1
147
الزوائد على روضة الناظر
معنى الرواية
ومن صفة هذا اإلخبار :أنه ال ُيرتافع فيه عند الحكام.
وعكسها( :الشهادة) فإهنا إخبار بلفظ خاص عن خاص علمه مختص بمعين يمكن
أمرا عا ًما
وتجتمع الشهادة والرواية يف أهنما (خربان ،غير أن المخرب عنه إن كان ً
ال يختص بمعين فهو الرواية ،كقوله ﭬ« :إنما األعمال بالنيات»((( ،و«الشفعة فيما
ال يقسم»((( ،ال يختص بشخص معين ،بل ذلك على جميع الخلق يف جميع األعصار
واألمصار ،بخالف قول العدل عند الحاكم( :لهذا عند هذا دينار) :إلزام لمعين ال يتعداه
أهم الـمراجــــع
قسم ابن قدامة $الزيادة التي ينفرد هبا الراوي إلى قسمين (لفظية -معنوية): ّ
القسم األول :الزيادة اللفظية:
ال يف المعنى(((.
-2زيـادة اسـم الموضـع يف حديـث المحـرم الـذي وقصتـه ناقتـه؛ حيـث جـاء
يف حديـث جريـر ﭬ« :فوقعـت يـد بكـره يف أخافيـق الجـرذان((( فاندقـت عنقه»(((،
وهي التي يزيد الراوي فيها لف ًظا يؤثر يف الحكم ،ومن أمثلتها:
-1زيادة لفظ «والبيع قائم بعينه» يف قوله ﷺ« :إذا اختلف البيعان ،وليس بينهما
بينة ،والبيع قائم بعينه فالقول ما قال البائع ،أو يترادان البيع»((( ،وهذه الزيادة مؤثرة يف
((( جاء تفسيره يف روايات للحديث بأنه حجر يربوع ،وشبكة جرذان ،قال األزهري( :وقال أبو عبيد :قال
األصمعي :إنما هي لخاقيق جرذان ،واحدها لخقوق ،وهي شقوق يف األرض ،قلت :وقال غيره :األخاقيق
صحيحة ،كما جاء يف الحديث ،واحدها أخقوق مثل أخدود ،وأخاديد) .هتذيب اللغة (،)286/6
وجعله بعضهم اسم موضع يف الشام.
((( أخرجه أحمد ( ،)19176والطرباين يف المعجم الكبير ( ،)2329من حديث جرير بن عبد اهلل ﭬ ،واللفظ
للطرباين .قال الهيثمي يف مجمع الزوائد (( :)42/1يف إسناده أبو جناب وهو مدلس ،وقد عنعنه).
((( انظر :شرح تنقيح الفصول (ص.)382
ٍ
((( أخرجه ابن ماجه ( ،)2186والدارمي ( ،)2591والبيهقي يف الكربى ( ،)10915من حديث ابن مسعود.قال
البيهقي( :خالف ابن أبي ليلى الجماعة يف رواية هذا الحديث حيث زاد فيه« :والبيع قائم بعينه» ،وابن أبي ليلى وإن
كبيرا فهو ضعيف يف الرواية لسوء حفظه ،وكثرة خطئه يف األسانيد والمتون ،ومخالفته الحفاظ فيها). كان يف الفقه ً
149
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
-2زيادة لفظ« :من المسلمين» يف حديث عبد اهلل بن عمر ﭭ أن رسول اهلل ﷺ:
«فـرض زكاة الفطـر مـن رمضـان علـى النـاس صا ًعـا مـن تمـر ،أو صا ًعـا مـن شـعير،
علـى كل حـر أو عبد ذكـر أو أنثـى مـن المسـلمين»((( ،وهـذه الزيـادة مؤثـرة يف الحكـم
المستفاد من الحديث.
أهم الـمراجــــع
تعريف املرسل
وهذا التعريف يشمل:
1 -ما أرسله الصحابي.
2 -ما أرسله أهل القرن الثاين والثالث.
املرسل فـي اصطالح احملدثني :أن يرتك التابعي الواسطة التي بينه وبين الرسول ﷺ،
فيقول :قال رسول اهلل ﷺ كذا ،كما كان يفعله سعيد بن المسيب ،ومكحول الدمشقي،
(قال أبو هريرة) ،فهذا يسمى (منقط ًعا) عندهم ،إذا أسقط الراوي واسطة واحدة فقط.
فإن ترك الراوي أكثر من واسطة فهو المسمى (بالمعضل) عندهم.
والمرسل عند األصوليين أعم من المستقر لدى المحدثين؛ فهو يشمل مرسل
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :املراد بالعمل باحلديث الضعيف:
العمل بالحديث الضعيف ُيبحث من عدة أوجه؛ من جهة اختالف طرائق
فأصحاب الحديث قد يض ّعفون حدي ًثا بما ال يوجب التضعيف عند الفقهاء،
كاإلرسال والتدليس والتفرد بزيادة يف حديث لم يروها الجماعة ،والفقهاء قد
يعملون ببعض األحاديث الضعيفة ،وقد يرتكون العمل ببعض األحاديث الصحيحة،
اختلف أهل العلم يف العمل بالحديث الضعيف ،وقد ورد عن اإلمام أحمد
بعض النصوص يف الحديث الضعيف وأنه ال يعمل به ال يف الفضائل وال غيرها ،وورد
أيضا بعض النصوص التي تفيد العمل به يف الفضائل دون األحكام ،فاستنبط منهاعنه ً
َ
الضابط األول :أن العمل بها يكون يف فضائل األعمال دون األحكام ،حيث
ورد عنه $قوله( :إذا روينا عن النبي ﷺ يف الحالل والحرام شددنا يف األسانيد،
يف األسانيد)(((.
وهذا يعني أن تقبل األخبار يف فضل العمل ،ال يف إثبات استحبابه ،فاالستحباب
حكم شرعي ال يثبت بالحديث الضعيف ،لكن الفضل واألجر يقبل فيه الخرب
الضعيف ،وهذا هو المراد بقبول الخرب الضعيف يف فضائل األعمال.
الضابط الثاين :أن يكون ضعفها خفي ًفا ،وليست موضوعة وال منكرة ،كما قالوا
يف أحاديث صوم رجب( :إن أحاديثه كلها موضوعة ال يعتمد أهل العلم على شيء
منها ،وليست من الضعيف الذي يروى يف الفضائل ،بل عامتها من الموضوعات
المكذوبات) (((.
الضابط الثالث :أن ال يجيء خالفه يف الباب أثبت منه ،فإذا جاء األثبت أخذ
به ،وربما أخذ بالمرسل إذا لم يجئ خالفه.
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :تعريف اجلرح:
َ
اجلرح لغة :بفتح الجيم هو القطع يف الجسم الحيواين بحديد ،أو ما قام مقامه،
يف الجسم.
التعديل لغة :من العدل وهو ضد الجور ،تقول عَدَ ل َي ْع ِدل عَدْ ًاًل وهو عادل ،والعدل:
الخير ،والعفة ،والصيانة ،والمروءة ،والتدين ،بفعل الواجبات ،وترك المحرمات ،ما
بول قول ِ ِه شر ًعا ،لداللة هذه األحوال على تحري الصدق ،ومجانبة الكذب.
سو ُغ َق َ
ُي ِّ
أهم الـمراجــــع
-لسان العرب ( )430/11مادة (عدل).
-شرح خمتصر الروضة (.)162/2
-شرح الكوكب املنري (.)440/2
-املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد (ص.)207-206
-املذكرة فـي أصول الفقه (ص.)145
154
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
وهو تارة يكون يف السند ،وتارة يف المتن ،والحديث هنا عن :نقد المتون.
املقاييس الصحيحة لنقد متون السنة عند األئمة األربعة واحملدثني:
مثال مخالفة العقل :حديث ابن عباس قال :لما عرج بالنبي ﷺ إلى السماء السابعة،
وأراه اهلل من العجائب يف كل سماء ،فلما أصبح جعل يحدث الناس من عجائب ربه،
ّ
فكذبه من أهل مكة من كذبه وصدّ قه من صدقه ،فعند ذلك انقض نجم من السماء .فقال
النبي ﷺ« :يف دار من وقع هذا النجم فهو خليفتي من بعدي» .قال :فطلبوا ذلك النجم
فوجدوه يف دار علي بن أبي طالب ﭬ ،فقال أهل مكة :ضل محمد وغوى ،وهوى إلى
قال ابن الجوزي ( :$والعجب من تغفيل من وضع هذا الحديث كيف رتب ما
ال يصح يف العقول من أن النجم يقع يف دار ويثبت حتى يرى)(((.
ومثال مخالفة الحس :حديث( :إذا عطس الرجل عند الحديث ،فهو دليل صدقه)(((.
قال ابن القيم ( :$وهذا وإن صحح بعض الناس سنده ،فالحس يشهد بوضعه؛
ألنا نشاهد العطاس والكذب يعمل عمله)(((.
املقياس الثاني :أن يفعل الشيء بمحضر أهل التواتر فيكتمونه وال ينقلونه ،فهذا
دليل على عدم صحة الخبر:
مثاله :ما زعمه بعض المبتدعة أن النبي ﷺ أخذ بيد علي بن أبي طالب ﭬ
ثم اتفق الكل على كتمان ذلك وتغييره ومخالفته.
بحال:
مثاله :حديث ابن عمر ﭬ عن النبي ﷺ« :ال يدخل ولد الزنا الجنة»(((.
وهذا الحديث يظهر عدم صحته لمخالفته لقوله تعالى ﴿ :ﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ﴾
املقياس الرابع :مناقضة الحديث لما جاءت به السنة الصريحة الصحيحة مناقض ًة بينةً:
فكل حديث يشتمل على فساد ،أو ظلم ،أو عبث ،أو مدح باطل ،أو ذم حق ،أو نحو
((( أخرجه أبو يعلى يف مسنده ( ،)6352والطرباين يف األوسط ( ،)6509وابن الجوزي يف الموضوعات (،)77/3
من حديث أبي هريرة ﭬ قال :قال رسول اهلل ﷺ« :من حدث حدي ًثا فعطس عنده فهو حق)» .قال أبو حاتم
الرازي( :هذا حديث كذب) .علل ابن أبي حاتم (.)311/6
((( المنار المنيف البن القيم (ص.)51
((( لم نقف عليه هبذه السياقة مسندً ا ،وإنما أورده ابن القيم يف المنار المنيف (ص ،)57والقاري يف األسرار المرفوعة
يف األخبار الموضوعة (ص.)432
((( أخرجه النسائي يف الكربى ( ،)4907والطرباين يف األوسط ( ،)858وابن الجوزي يف الموضوعات ()111/3
من حديث أبي هريرة ﭬ.
156
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
مثاله :األحاديث التي جاءت يف مدح من اسمه محمد أو أحمد ،وأن كل من يسمى
هبذه األسماء ال يدخل النار؛ كحديث« :من ُولد له مولود فسماه محمدً ا تبركًا به كان هو
ومولوده يف الجنة»(((.
فإن هذا الحديث مخالف للمعلوم المقطوع به من األحكام بالقرآن والسنة؛ من أن
النجاة باألعمال الصالحة فقط ،ال باالسم أو النسب.
املقياس اخلامس :سماجة الحديث وكونه مما يسخر منه:
ً
عن كالم سيد األنبياء)(((.
أهم الـمراجــــع
((( أخرجه ابن بكير الصيريف يف فضائل التسمية بأحمد ومحمد ( ،)30وقاضي المارستان يف مشيخته (،)453
وابن الجوزي يف الموضوعات ( ،)157/1من حديث أبي أمامة ﭬ .قال الذهبي يف ميزان االعتدال
(( :)447/1موضوع).
((( لم نقف عليه! وإنما أورده ابن القيم يف المنار المنيف (ص ،)54والسخاوي يف المقاصد الحسنة (ص،)550
وقال( :قال شيخنا :هو موضوع).
((( المنار المنيف البن القيم (ص.)54
157
الزوائد على روضة الناظر
وضع بعض األصوليين مقاييس لنقد متون السنة ،وهذه المقاييس غير صحيحة
فصل ابن قدامة $بعضها ،وبين وجه فسادها ،وفيما يلي ذكر يف نقد المتون ،وقد ّ
المقاييس الفاسدة التي ذكرها ابن قدامة ،ثم المقاييس التي لم يذكرها.
المقياس األول :شهرة الحديث فيما تعم به البلوى:
حيث يرى الحنفية أنه إذا كان الحديث مما تعم به البلوى ،وروي بطريق
اآلحاد فإنه ال يقبل ،وإنما يقبل فيه الخرب المشهور فقط.
مثاله :حديث بسرة بنت صفوان أن رسول اهلل ﷺ قال« :من مس ذكره فليتوضأ»(((.
ممـا اشترطه الحنفيـة يف األخـذ بالخبر الواحـد أال يكـون مخال ًفـا لحكـم ثبـت
بقيـاس جلـي ،والقيـاس الجلـي هـو القيـاس علـى األصـول ،وهـذا فيمـا ال يمكـن فيـه
الجمـع بينهمـا ،فـإذا أمكـن الجمـع فهـو أولـى مـن العمـل بأحدهمـا وتـرك اآلخـر.
صحيحـا ،وكان راويـه غيـر فقيـه -فإهنـم يقدمـون القيـاس ،متى كانـت علتـه منصوصة؛
ً
مثاله :حديث أبي هريرة ﭬ عن النبي ﷺ« :ال تصروا اإلبل والغنم ،فمن ابتاعها
بعد فإنه بخير النظرين بعد أن يحتلبها :إن شاء أمسك ،وإن شاء ردها وصاع تمر»(((.
((( أخرجه أبو داود ( ،)181والرتمذي ( ،)82وأحمد ( ،)27293واللفظ ألبي داود وأحمد .وصححه :أحمد،
وابن معين ،والبخاري ،والرتمذي ،والدارقطني ،والبيهقي ،وغيرهم .انظر :التلخيص الحبير (.)214/1
((( أخرجه البخاري ( ،)2148ومسلم (.)1515
158
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
التي تسقط بالشبهة؛ كخرب واحد يثبت حدًّ ا من الحدود الشرعية ،فإن كان كذلك
فإنه ال يقبل.
فذهب الحنفية إلى أن التغريب ليس من حد الزنا ،وبناه بعضهم على أنه
ورد بخرب واحد يف ما يسقط بالشبهة ،فال يقبل.
إذا خالـف الـراوي ما روى ،فـإن الحنفية يرتكون العمل بذلك المروي؛ ألهنم
يـرون أن تركـه للخبر دليـل علـى نسـخه؛ إذ لـو تركـه وهـو غيـر منسـوخ قـدح ذلـك
يف عدالته.
مثاله :حديث أبي هريرة مرفو ًعا« :إذا شرب الكلب يف إناء أحدكم فليغسله
سب ًعا»((( ،مع أن أبا هريرة ﭬ كان يغسل اإلناء من ولوغ الكلب ثال ًثا.
المقياس الثاين :أن يخالف الحديث عمل أهل المدينة:
ممـا اشترطه المالكيـة للعمـل بخبر الواحـد أال يخالـف عمـل أهـل المدينـة،
ً
مـؤواًل ً
منسـوخا أو فـإن كان العمـل علـى خالفـه لم يعمـل بالخبر ويكـون
ﷺ ،فسأل عنها ،فقالوا :ماتت ،قال« :أفال كنتم آذنتموين» قال :فكأهنم صغروا أمرها،
فقال« :دلوين على قبرها» فدلوه ،فصلى عليها(((.
قال مالك يف الصالة على الجنازة إذا صلوا عليها ،ثم جاء قوم بعدما صلوا عليها،
قال( :ال تعاد الصالة ،وال يصلي عليها بعد ذلك أحد جاء بعد).
فأخرب بالحديث فقال( :قد جاء هذا الحديث وليس عليه العمل) أي :عمل أهل
المدينة(((.
األمر األول :أن عمل أهل المدينة من األصول غير المعتربة عند الجمهور،
فال تصح معارضته بالخرب.
األمر الثاين :أننا متعبدون بما روي عن النبي ﷺ ،فإذا صح النقل عنه كان العمل
به واج ًبا ،ولم يحط أهل المدينة بالسنة ،بل خرج كثير من الصحابة عن المدينة إلى
مكة والشام والعراق واليمن ومعهم من السنة ما لم يبلغ أهل المدينة.
أهم الـمراجــــع
-املدونة (.)181/1
161
الزوائد على روضة الناظر
ٌ
بيان ألبرز يردد بعض المنكرين للسنة شبهات حول حجيتها ،وفيما يلي
ثالث ُش ٍ
به مع الرد عليها:
﴿ ﭯ ﭰ ﭱ ﭲ ﭳ ﭴ﴾ [النحل. ]89:
وذلـك يـدل علـى أن الكتـاب قـد حـوى كل شـيء مـن أمـور الديـن ،وأنـه قـد
جليلهـا ودقيقهـا.
الوجـه الثـاين :لـو ُسـ ِّلم أن المـراد بـه القـرآن -كمـا هـو يف اآليـة الثانيـة-
فال يمكـن حمـل اآليتيـن علـى ظاهرهمـا مـن العمـوم يف األحـكام الدينيـة والدنيوية،
وإال للـزم الخلـف يف خبره تعالـى؛ ألن القـرآن لم يبيـن كل األمـور الدنيويـة كمـا
هـو معلـوم ،والقـرآن يتعـذر العمـل بـه وحـده بالنسـبة لألحـكام الدينيـة؛ فيجـب
ظاهر ِهمـا ،وتأوي ُلهمـا.
ِ العـدول عـن
162
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
الوجه الثالث :لو ُس ِّلم أن القرآن ب ّين كل أحكام الدين المحتاج إليها ،فإن
بيان القرآن على طريقين:
-1بيـان بطريـق النـص؛ وذلـك مثـل بيانـه أصـول الديـن وعقائـده ،وبيانـه
وجـوب الصلاة والـزكاة والصـوم والحـج.
-2بيـان بطريـق اإلحالـة علـى دليـل مـن األدلة األخـرى التي اعتربها الشـارع
وحججـا علـى خلقـه ،فـكل حكـم ممـا بينتْـه السـنة أو اإلجمـاع أو يف كتابـه أدلـة
ووجهنـا نحـوه ،وأرشـدنا إليـه ،وأوجـب علينـا العمـل بـه.
الشبهة الثانية :أن اهلل تكفل حبفظ القرآن دون السنة :
ِ
[الحجر، ]9: كما يدل عليه قوله سبحانه ﴿ :ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ﴾
الوجه األول :ال ُيس َّلم لكم أن اهلل لم يتكفل بحفظ السنة ،بدليل قوله تعالى:
﴿ﭑﭒﭓﭔﭕﭖﭗﭘﭙﭚﭛﭜﭝﭞﭟ﴾
[التوبة ،]32:ونور اهلل :شرعه ودينه الذي ارتضاه للعباد وكلفهم به ،فمن تمام حفظ الشرع
الوجه الثاين :أن اآلية دلت على حفظ القرآن ،وليس فيها حصر للحفظ
عليه فقط ،واهلل تعالى قد حفظ أشياء كثيرة مما عداه :مثل حفظه النبي ﷺ من
163
الزوائد على روضة الناظر
الشبهة الثالثة :لو كانت السنة حجة ألمر النيب ﷺ بكتابتها ،ول َع ِمل
الصحابة والتابعون على مجعها وتدوينها:
فإن حجيتها تستدعي االهتمام هبا ،والعناية بحفظها ،والعمل على صيانتها حتى
ال يعبث هبا العابثون ،ولم يقتصر األمر على عدم األمر بكتابتها ،بل تعدى ذلك إلى
النهي عن الكتابة ،واألمر بمحو ما كتب،كما ورد يف حديث أبي سعيد الخدري ﭬ
أن رسول اهلل ﷺ قال« :ال تكتبوا عني ،ومن كتب عني غير القرآن فليمحه ،وحدثوا
واجلواب من أربعة أوجه:
االحتجاج هبا هو ما ورد يف كتاب اهلل من طاعة النبي ﷺ يف كل شيء ،كما يف
وغيرها كثير التي دلت على كون سنته حجة يلزم األخذ هبا ،كما يلزم األخذ
حاصـل بنقـل الثقـة العـدل حتـى يوصلـه لمـن هـو مثلـه يف هـذه الصفـة ،والكتابـة
وحدهـا ال عالقـة لهـا بالحجيـة؛ ولـذا كان اليهـود والنصـارى يكتبـون التـوراة
واإلنجيـل ،ومـع ذلـك وقـع التبديـل والتغييـر فيهمـا ،لمـا تجـردوا مـن صفـة
العدالـة والضبـط.
الوجـه الثالـث :أنـه يلـزم مـن هـذه الشـبهة عـدم االحتجـاج بالقـرآن؛ ألن
القـرآن لم ينـزل مكتو ًبـا ،ولـو كان حجـة الهتـم الشـارع بأمـره وأنزلـه مكتو ًبـا ،كمـا
أنـزل التـوراة واإلنجيـل ،ومـع أن النبـي ﷺ كان يأمـر بكتابتـه ((( ،إال أنـه لم يجمـع
مكتو ًبـا إال يف عهـد أبي بكـر الصديـق ﭬ ((( ،وهـذا دليـل علـى أن االهتمـام
بالكتابـة ال عالقـة لـه بالحجيـة.
ً
دليلا علـى رغبتـه يف عـدم الوجـه الرابـع :أن هنـي النبـي ﷺ عـن الكتابـة ليـس
نقلهـا وعلـى عـدم حجيتهـا؛ ألنـه أمـر أصحابـه بالتحديـث عنـه كمـا يف حديـث أبـي
سـعيد الخـدري ﭬ السـابق ،ويف حديـث أبـي بكـرة ﭬ مرفو ًعـا« :ليبلـغ الشـاهد
الغائـب ،فـإن الشـاهد عسـى أن يبلـغ مـن هـو أوعـى لـه منـه»((( ،واألمـر بالتبليـغ دليـل
أهم الـمراجــــع
أركان النسخ
المعنـى األول :يطلـق ويـراد بـه رب العالميـن سـبحانه وتعالـى ،فهـو
ٍ
بشـريعة، الناسـخ للشـرائع والمثبـت لهـا سـبحانه؛ فيقـال :نسـخ اهلل تعالـى شـريع ًة
حكمـا بحكم.
ً أو
المعنـى الثـاين :يطلـق ويـراد بـه الخطـاب نفسـه الـذي نُسـخ بـه الحكـم أو النـص
المنسـوخ ،فيقـال :نسـخت آيـ ٌة آيـةً ،وخبرٌ خبرًا؛ كنسـخ أخبـار التوجـه إلـى بيـت
ﮫ﴾ [البقـرة.]144:
ويسـميه بعضهـم :أداة النسـخ ،ويعتربونـه ركنًـا وحـده؛ علـى اعتبـار أنـه الـذي به
تـم نسـخ النـص أو الحكم السـابق.
هـذا الحكـم نسـخ ذلـك الحكـم؛ كمـا يقـال :وجـوب التوجـه إلـى الكعبة نسـخ وجوب
بالسـنة؛ فيقـال :فلان ناسـخ الكتـاب بالسـنة ،ومعنـاه :أنـه يعتقـد ذلـك.
الركـن الثالث :المنسـوخ :ويطلق علـى معنيين:
المعنـى األول :يطلـق ويـراد بـه نفـس اآلية والخبر المنسـوخين ،فيقـال :هذه آية
منسـوخة ،وهذا خرب منسـوخ.
المعنـى الثـاين :يطلـق ويـراد بـه الحكـم المرفـوع بالنسـخ ،كالتوجـه إلـى بيـت
المقـدس المنسـوخ بالتوجـه إلـى الكعبـة يف الصلاة.
الركـن الرابع :المنسـوخ عنه :وهو المك َّل ُ
ـف المتع ِّبدُ .
ولـكل ركـن مـن هـذه األركان ضوابـط ،وشـروط ،وتفاصيـل مبسـوطة يف كتـب
األصول.
أهم الـمراجــــع
-التلخيص فـي أصول الفقه للجويين (.)457-456/2
-املستصفى (ص.)97
-شرح خمتصر الروضة (.)256-254/2
-الوجيز فـي أصول الفقه ،د .حممد الزحيلي (.)239-238/2
167
الزوائد على روضة الناظر
شروط النسخ
(((
شروط النسخ تنقسم إلى قسمين (شروط متفق عليها ،وشروط مختلف فيها):
القسم األول :الشروط املتفق عليها بني األصوليني ،وهي أربعة شروط:
األصلية.
ً
نسخا؛ كرفع التكاليف بالموت.
الشرط الثالث :أن يكون الدليل الدال على ارتفاع الحكم مرتاخ ًيا عن الخطاب
المنسوخ حكمه ،فإن كان مقرتنًا –كالشرط ،والصفة ،واالستثناء -فال يسمى ً
نسخا ،وإنما
ً
ناسخا هو تخصيص ،كقوله تعالى ﴿ :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ [البقرة ،]187 :فليس ذلك
هنارا ،وكذا قوله تعالى ﴿ :ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ للصوم ً
ً
ناسخا لتحريم العضل ،وإنما تخصيص له ﯟ ﯠ﴾ [النساء ،]19 :فليس االستثناء
بإباحة العضل إذا كان بحق ،كصدور الفحش من المرأة.
الشرط الرابع :أن ال يكون الخطاب المنسوخ حكمه مقيدً ا بوقت معين.
الشرط األول :أن ُين َْسخ القطعي بقطعي ،ف ُين َْسخ القرآن بمثله ،وبالمتواتر من السنة،
والسنة المتواترة كذلك ،وال ينسخهما خرب اآلحاد؛ ألنه ليس بقطعي ،وهذا الشرط
اختاره ابن قدامة(((.
الشرط الثاين :أن يكون الناسخ والمنسوخ من جنس واحد ،ف ُين َْسخ القرآن بقرآن
مثله ،و ُتن َْسخ السنة بسنة مثلها ،وهو شرط غير صحيح عند ابن قدامة؛ ألنه أجاز نسخ
السنة بالقرآن ،والقرآن ليس من جنس السنة(((.
الشرط الثالث :أن يكون قد ورد الخطاب الدال على ارتفاع الحكم بعد دخول
وقت التمكن من االمتثال ،وهو شرط غير صحيح عند ابن قدامة(((.
الشرط الرابع :أن ينسخ الحكم الشرعي إلى بدل ،فال يجوز أن ينسخ الحكم إلى
الحكم إلى أثقل منه ،وهو شرط غير صحيح عند ابن قدامة(((.
أهم الـمراجــــع
المقصد الثاين :مراعاة مصالح العباد بتشريع ما هو أنفع لهم يف دينهم ودنياهم،
وتنبيههم إلى أن الشريعة جاءت لمراعاة مصالحهم.
المقصد الثالث :اختبار المكلفين بقيامهم بوظيفة الشكر إذا كان النسخ إلى أخف،
المقصد الرابع :إرادة الخير لألمة والتيسير عليها؛ ألن النسخ إن كان إلى أشق ففيه
أهم الـمراجــــع
-مجال القراء وكمال اإلقراء (ص.)335
-مبادئ األصول (ص.)45
-نفحات من علوم القرآن (ص.)٨٣-٨٢
-النسخ فـي دراسات األصوليني (ص.)164-145
-الشرح الكبري ملختصر األصول للمنياوي (ص.)356
-املهذب يف علم أصول الفقه املقارن (.)55/2
170
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
النسخ باملساوي
اتفق األصوليون على جواز النسخ من حكم إىل حكم مياثله فـي اخلفة
أو القوة ،فال يكون أخف منه ،وال أثقل.
مثاله :نسخ التوجه إلى بيت المقدس بالتوجه إلى الكعبة.
عن الرباء بن عازب ﭬ ،قال« :كان رسول اهلل ﷺ صلى نحو بيت المقدس ،ستة
شهرا ،وكان رسول اهلل ﷺ يحب أن يوجه إلى الكعبة ،فأنزل اهلل: عشر أو سبعة عشر ً
أهم الـمراجــــع
أقسام اإلمجاع
علـى الحكـم بـأن يقولـوا كلهـم :هذا حلال ،أو :حرام .
ويلتحـق بـه :أن يفعـل الجميـع الشـيء الواحد.
القسـم الثالـث :اإلجمـاع الضمنـي :المسـتنتج مـن اختلاف أهـل العصـر علـى
قوليـن أو أكثـر؛ فيـدل ذلـك علـى اتفاقهـم علـى أن مـا خـرج عـن تلك األقـوال باطل.
القسـم األول :اإلجمـاع الـذي ينقله أهـل التواتر؛ بحيث ينقـل بالتواتر أن جميع
المجتهديـن نطقـوا بصريح الحكـم ،أو أن بعض المجتهدين أفتى ،وبعضهم سـكت.
القسـم الثـاين :اإلجمـاع الـذي ينقلـه اآلحـاد؛ بحيـث ينقـل بخبر الواحـد
أن جميـع المجتهديـن نطقـوا بصريـح الحكـم ،أو أن بعـض المجتهديـن أفتـى،
وبعضهـم سـكت.
أهم الـمراجــــع
-الفقيه واملتفقه (.)434/1
-روضة الناظر (.)289/1
-شرح خمتصر الروضة (.)126/3
-أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص.)126
-معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص.)157
-اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص.)175
173
الزوائد على روضة الناظر
شروط اإلمجاع
وقع الخالف بين األصوليين يف شروط اإلجماع المعتربة ،وقد َّفرق ابن قدامة بيانه
للشروط يف فصول متعددة من كتابه ،فذكر ثالثة شروط معتربة ،وستة شروط غير معتربة:
ً
إجما ًعا((( ،وال قول أهل المدينة إجما ًعا((( ،وال اتفاق الخلفاء الراشدين إجما ًعا(((.
الشرط الثاين :أن ينقرض العصر الذي وقع فيه اإلجماع ،بأن يموت كل المجتهدين
الذين أجمعوا على تلك المسألة ،وأما إذا رجع أحدهم عن قوله بعد اإلجماع ،فإن رجوعه
خالف بين
ٌ اإلجماع
َ خالف مستقر ،فإن سبق
ٌ اإلجماع
َ الشرط الثالث :أال يتقدم
المجتهدين ،وماتوا ولم يرجعوا عنه ،فال يصح اإلجماع الذي يقع بعد ذلك على أحد
القولين(((.
الشرط الثاين :أن يوافق اإلجماع :األصولي الذي ال يعرف تفاصيل الفروع ،والفقيه
الحافظ للفروع من غير معرفة باألصول ،وهذا الشرط غير معترب عند ابن قدامة(((.
الشرط الثالث :أن يبلغ أهل اإلجماع التواتر ،فال يقبل إجماع اآلحاد وهذا الشرط
غير معترب عند ابن قدامة(((.
الشرط الرابع :أن ينعقد اإلجماع عن دليل قطعي من كتاب أو خرب متواتر،
وهذا الشرط غير معترب عند ابن قدامة(((.
الشرط الخامس :أن ينعقد اإلجماع يف زمن الصحابة ،فال يعتد باإلجماع بعد
زمنهم ،وهذا الشرط غير معترب عند ابن قدامة(((.
ومن يحتج من األصوليين باإلجماع السكوتي ذكر له خمسة شروط زائدة:
أواًل :أن ينتشر ويشتهر القول ،بحيث يبلغ جميع المجتهدين. ً
ثان ًيا :أن يكون من المسائل التكليفية ،وليس من مسائل األصول والعقائد.
ثال ًثا :أن يكون السكوت قبل استقرار المذاهب؛ ألنه إن كان بعدها لم يدل على
الموافقة.
أهم الـمراجــــع
اإلجمـاع حـق مقطـوع بـه ،وأصـل عظيم مـن أصول الديـن ،ومصدر مـن مصادر
الشـريعة ،مسـتمد من كتاب اهلل ،وسـنة رسـوله ﷺ.
قـال اإلمـام الشـافعي ( :$ومعنـى االجتهـاد مـن الحاكـم :إنمـا يكـون بعـد أن
وقـد نـص اإلمـام أحمـد $علـى هـذا يف روايـة عبـد اهلل وأبي الحـارث:
أرأيـت إن أجمعـوا ،لـه أن
َ (يف الصحابـة إذا اختلفـوا لم يخـرج مـن أقاويلهـم،
يخـرج مـن أقاويلهـم؟ هـذا قـول خبيـث ،قـول أهـل البـدع ،ال ينبغـي أن يخـرج
أواًل :أنـه أحـد األدلـة الشـرعية المتفـق علـى االحتجـاج هبـا يف الجملة. ً
ثان ًيـا :أن اإلجمـاع ال ينعقـد إال إذا كان مسـتنِدً ا إلـى دليـل شـرعي
ثال ًثـا :اشتراك اإلجمـاع مـع الكتاب والسـنة يف تكفيـر منكر القطعـي منها.
راب ًعـا :أن القطعـي منـه مقـدم علـى الكتـاب والسـنة عنـد التعـارض ،فـإن خالفـه
سادسـا :أن القطعـي مـن اإلجمـاع ال يعـارض بالظنـي مـن األدلـة ممـا هـو دونـه ً
يف الرتبـة ،كخبر الواحـد ،أو القيـاس ،أو العـرف ،أو المصلحـة ،أو االستحسـان ونحو
يعـارض بالظنـي مـن األدلة.
ذلـك ،ولكـن الظنـي مـن اإلجمـاع قـد َ
وهبذه األمور كلها تظهر مكانة اإلجماع بين األدلة الشرعية ،وأنه يتبوأ منها
مكا نًا رفي ًعا.
أهم الـمراجــــع
-األم للشافعي (.)212/6
-العدة ألبي يعلى (.)1059/4
-شرح خمتصر الروضة (.)376/3
-التحبري للمرداوي (.)4122/8
-شرح الكوكب املنري (.)600/4
-اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص.)341
177
الزوائد على روضة الناظر
ً
أواًل :صورة املسألة:
اتفاق أبي بكر وعمر ﭭ بعد وفاة رسول اهلل ﷺ على قول ،مع مخالفة غيرهم
اتفـق األصوليـون علـى أن الصحابـة إذا اتفقـوا علـى رأي فقولهـم حجـة،
مـن أقاويلهـم؟ هـذا قـول خبيـث ،قـول أهـل البـدع ،ال ينبغـي أن يخـرج مـن أقاويـل
اختلف األصوليون يف عد اتفاق أبي بكر وعمر إجما ًعا على قولين:
القول األول :أن إجماع أبي بكر وعمر ال يعترب حجة ،وإليه ذهب الحنابلة
وجمهور األصوليين.
وحكي
القول الثاين :أن إجماعهما يعترب حجة ،وإليه ذهب بعض األصوليينُ ،
رواي ًة عن أحمد.
الوجه الثاين :أن األمر باالقتداء هبم ال ينفي اعتبار بقية األمة معهم؛ إذ بقية األمة
مسكوت عنهم يف الحديث ،وقد دل دليل اإلجماع على اعتبار قولهم.
الخالف يف المسألة معنوي ،وأثمر الخالف يف عد اتفاق أبي بكر وعمر إجما ًعا
خال ًفا يف المسائل الفقهية التي اتفقا فيها على قول ولم ُيعلم لهما مخالف ،ومنها:
-فمن رأى أن اتفاق أبي بكر وعمر حجة قال بعدم اشرتاط التكرار؛ ألنه قولهما،
أهم الـمراجــــع
((( أخرجه الرتمذي ( ،)3662وابن ماجه ( ،)97وأحمد ( )23245من حديث حذيفة بن اليمان ﭬ،
قال الرتمذي( :حديث حسن).
179
الزوائد على روضة الناظر
ً
أواًل :املراد بأهل البيت:
أهل البيت عند القائلين بأن اتفاقهم إجماع :علي بن أبي طالب وولداه :الحسن
وهم :آل علي ،وآل عقيل ،وآل جعفر ،وآل عباس .كما قال ذلك زيد بن أرقم(((.
ثان ًيا :صورة املسألة:
إذا اتفق أهل البيت بعد وفاة رسول اهلل ﷺ على قول ،مع مخالفة غيرهم لهم ،هل
القول الثاين :أن إجماعهم حجة ،وهو ما ذهب إليه القاضي أبو يعلى يف كتابه
الدليل األول :أن النصوص أثبتت العصمة لمجموع األمة ،وهؤالء بعض األمة،
الدليل الثاين :أن أهل البيت امتازوا بالقرابة والنسب ،وذلك ال و ْقع له يف االجتهاد،
وإنما يحصل االجتهاد بأدواته وهو العلم ،فأما الشرف والنسب فال أثر له يف االجتهاد يف
األحكام واستخراج عللها ،ونصب األدلة عليها.
يف اآلية أحدها ،والخطأ االجتهادي ليس واحدً ا منها ،فال يلزم إذن من نفي الرجس
عنهم نفي الخطأ.
الوجـه الثـاين :أنه يلزم من االسـتدالل باآلية إدخال زوجـات النبي ﷺ يف اإلجماع؛
ألن اآليـة إنمـا وردت يف نسـاء النبـي ﷺ بداللـة السـياق ،وهو قولـه ﴿ :۵ﯫ ﯬ ﯭ
معهـم يف اإلجمـاع؛ لمشـاركتهن لهـم يف إذهـاب الرجـس عنهـم ،وهو باطـل عندكم.
الدليل الثاين :قوله ﷺ« :إين تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا :كتاب اهلل
وجه الداللة :أنه أمر بالتمسك بالعرتة ،وأخرب بعدم ضالل من تمسك هبا،
((( أخرجه الرتمذي ( ،)3786وعبد بن حميد ( ،)240والطرباين يف الكبير ( )2680من حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ.
قال الرتمذي( :حسن غريب من هذا الوجه).
وأصله يف صحيح مسلم ( )2408من حديث زيد بن أرقم ﭬ أن رسول اهلل ﷺ قال ...« :وأنا تارك فيكم
ثقلين :أولهما كتاب اهلل فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب اهلل ،واستمسكوا به ...وأهل بيتي أذكركم اهلل يف أهل
بيتي ،أذكّركم اهلل يف أهل بيتي ،أذكركم اهلل يف أهل بيتي».
181
الزوائد على روضة الناظر
نوقش من وجهين:
الوجه األول :أنه ﷺ علق نفي الضالل على مجموع شيئين :الكتاب والعرتة،
والمعلق على شيئين ال يوجد بأحدهما ،فنفي الضالل ال يوجد بالتمسك بالعرتة وحدها
دون الكتاب ،والكتاب يمنع ما ذكرتم من أن إجماعهم حجة لقوله ﴿ :۵ﭷ ﭸ ﭹ
ﭺ﴾ [النساء ]115:ونحوه من النصوص الدالة على أن العصمة لألمة ال لبعضها.
الوجه الثاين :على فرض جواز العمل به ،فإن المراد منه :ما إن تمسكتم بإيفاء
الخالف هنا معنوي ،وثمرته تتعلق بالفقه الشيعي على وجه الخصوص العتمادهم
على هذا األصل وبناء فروعهم الفقهية عليه ،وعند أهل السنة ال يعترب إجما ًعا وال حجةً،
فاتفاقهم كاتفاق غيرهم من بعض األمة ،تجوز مخالفته إلى غيره من األقوال؛ إذ المسألة
اجتهادية ال إجماعية.
أهم الـمراجــــع
-التمهيد للكلوذاني (.)280-277/3
-الواضح البن عقيل (.)194-188/5
-املسودة فـي أصول الفقه (ص.)333
-أصول الفقه البن مفلح (.)423-416/2
-شرح خمتصر الروضة (.)117-107/3
-اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص.)137
182
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
ابن عباس ﭭ إلى جوازه ،ثم انعقد إجماع التابعين بعد ذلك على التحريم.
-فمن ذهب إلى أن االتفاق بعد االختالف إجماع ،قال بأن نكاح المتعة يوجب
الحد؛ النتفاء الشبهة ،وانعقاد اإلجماع على البطالن.
-ومن ذهب إلى أن الخالف المتقدم شبهة تدرأ الحد ،وأن االتفاق المتأخر ال يعد
فقد اختلف الصحابة فيها على قولين ،ثم أجمع المجتهدون بعد ذلك على عدم
صحته ،فلو حكم الحاكم بصحة بيع أم الولد:
-فإن من رأى انعقاد اإلجماع بعد الخالف المتقدم ،قال بنقض ذلك القضاء،
-ومن رأى عدم انعقاد اإلجماع بعد الخالف المتقدم ،قال بصحة ذلك القضاء.
أهم الـمراجــــع
أمثلة ِّ
كل نو ٍع منها: ذكر
وفيما يأتي ُ
المستند األول :القرآن ،ومن أمثلته :إجماع العلماء على أن الزاين إذا
لم يحصن حده الجلد دون الرجم ،وال خالف بين األمة فيه ،استنا ًد ا لقوله تعالى:
﴿ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ﴾ [النور.(((]2 :
وإجماع العلماء على أن قطع يد السارق يجب إذا ثبتت عليه السرقة؛ استنا ًد ا
المسـتند الثـاين :السـنة ،ومـن أمثلتـه :اإلجمـاع علـى وجـوب الغسـل مـن
التقـاء الختانيـن ،قـال ابن العربـي( :وانعقـد اإلجمـاع علـى وجـوب الغسـل بالتقـاء
الختانيـن ،وإن لم ينـزل)((( ،ومسـتندهم حديـث «إذا جلـس بيـن ُشـ َعبِ َها األربـع
ومـس الختـان الختـان فقـد وجـب الغسـل»(((.
أيضـا علـى أن مـن اشترى طعا ًما ،فليس لـه أن يبيعه حتى يقبضـه(((،
وإجماعهـم ً
حتىيقبضه»(((.
المستند الثالث :القياس ،ومن أمثلته :اإلجماع على إراقة الشيرج والدبس
قياسا على السمن ،واإلجماع على تحريم شحم ً السيال إذا وقعت فيه الفأرة
قياسا على لحمه المنصوص عليه ،واإلجماع على خالفة أبي بكر الصديق
الخنزير ً
قياسا على إمامته يف الصالة ،وقولهم( :رضيه اهلل لديننا أفال نرضاه لدنيانا؟)(((. ً
المستند الرابع :االجتهاد ،ومن أمثلته :اإلجماع على قتال مانعي الزكاة حتى قال أبو بكر:
واهلل ال فرقت بين ما جمع اهلل ،قال اهلل ﴿ :ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾ [البقرة.((( ]43:
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :صورة املسألة:
هل يتصور أن يقع اتفاق األمة بدون استناد إلى دليل ،بل بتوفيق من اهلل يف إصابة
اختلف األصوليون يف وجود مستند لكل إجماع ،على قولين:
القول الثاين :ينعقد اإلجماع بدون مستند ،ومتى ما اتفقت األمة على قول لزم أن
يوافق ذلك الصواب ولو بدون دليل ،فيوفق اهلل ۵األمة للحق ويجريه على ألسنتهم بال
أهم الـمراجــــع
-املسودة فـي أصول الفقه (ص.)330
-شرح خمتصر الروضة (.)118/3
-التحبري للمرداوي (.)1631/4
-شرح الكوكب املنري (.)259/2
-املدخل إىل مذهب اإلمام أمحد (ص.)283
-اإلمجاع حقيقته وأركانه وشروطه (ص.)269
187
الزوائد على روضة الناظر
البن حزم األندلسي ،واإلجماع البن المنذر ،واإلقناع يف مسائل اإلجماع البن القطان،
ولعل أبرز الركائز التي أدت لهذا التفاوت اختالف مناهج المصنفين أنفسهم يف
منهج توصيف اإلجماع أو الحكم به ،فعلى سبيل المثال :اشتهر عن ابن المنذر التساهل
إلى حدٍّ ما يف قيود اإلجماع ،مما جعل كتابه يضم الكثير من المسائل التي وقع فيها
الخالف ،ألنه اعتمد يف توصيف اإلجماع بقول األغلب ،مما جعل إجماعه محل نظر،
ً
مدخاًل وكذا قد يخل بالحكم باإلجماع قصور يف االستقراء واالستيعاب ،وهذا م َّثل
لتعقب ابن تيمية كتاب مراتب اإلجماع البن حزم؛ فإنه تعقبه يف العديد من المسائل التي
لم يستوعب ابن حزم فيها األقوال حول المسألة؛ مما ترتب عليه ادعاء اإلجماع يف العديد
وقد اتفق األصوليون يف الجملة على أن حقيقة اإلجماع تنطوي على اتفاق مجتهدي
عصر مع ّين بعد موت النبي ﷺ ،على حكم مسألة معينة ،وهذا القدر قد وقع فيه االتفاق
بين كل من تكلم يف اإلجماع معتربًا حجيته ،ثم وقع الخالف بعد ذلك يف بعض الشروط،
كاشرتاط انقراض العصر ،وهو أن يموت جميع المجتهدين القائلين بحكم المسألة التي
هي محل اإلجماع دون الرجوع عن قولهم ،وبعض المسائل األخرى المتعلقة بشرط
انعقاد اإلجماع.
188
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
وما يعنينا هنا هو شرط (اتفاق مجتهدي العصر)؛ فإن هذا الشرط المتفق عليه،
قد م َّثل إشكالية يف إمكانية تحقق اإلجماع يف العصر الحاضر ،وهو ما أدى لت َك ُّون
اتجاهين بصدد هذه المسألة ،اتجاه يرى عدم إمكانية تحقق اإلجماع يف العصر الحاضر،
واتجاه يرى عكس ذلك:
االجتاه األول:
عدم إمكانية تحقق اإلجماع يف العصر الحاضر ،مع اتساع الرقعة المأهولة ،وتفرق
ال يمكن إنكاره ،هذا من جهة ،ومن جهة أخرى ،فتصور اتفاقهم –على فرض إمكانية
حصر أقوالهم -شيء يف غاية العسر الختالف قرائحهم وفطنهم ،وتباين مذاهبهم ،وما
يتبع ذلك التباين من اختالف يف مناهج االستدالل؛ مما يجعل تصور وقوع االتفاق
فضاًل عن حصر أقوالهم بعد هذا االتفاق ،ثم لو فرض حصول األمرين منهم بعيدً ا جدًّ اً ،
من االتفاق وحصر هذا االتفاق ،فكيف يمكن تصور نقل هذا االتفاق بطريق قطعي،
مع أن تلك المسائل التي يفرض حصول إجماعهم عليها مما ال تتوافر الدواعي على
نقلها؟ يعني :أن قول أحد المجتهدين يف قارة أمريكا الجنوبية ليس من األهمية بأن تتوافر
همم الناس ودوافعهم لنقل هذا القول ،وهذا مطرد يف كل ناحية من نواحي العالم.
والمناهج.
الجهة الثالثة :تصور نقل اإلجماع بطريق قطعي مع عدم توافر الدواعي لهذا النقل.
فهذه ثالثة تصورات عدَّ ها المانعون كلها مستبعدة يصعب تحققها ،ومن َث َّم فتحقق
اإلجماع يف العصر الحاضر غير متصور ،وال يمكن ادعاء اإلجماع يف أي مسألة فرعية يف
العصر الحاضر.
االجتاه الثاني:
أن تصور وقوع اإلجماع يف العصر الحاضر ممكن ،وال إشكال يف تحققه واق ًعا
والحكم والعمل به.
189
الزوائد على روضة الناظر
غير ذلك؛ كأن تستطلع كل بلد آراء فقهائها من خالل هيئة أو عدة هيئات ،وبالتالي يمكن
أيضاحصر أقوال المجتهدين المعتربين يف كل ُق ْطر من أقطار العالم ،وقد ينوب عن ذلك ً
المجامع الفقهية الكربى ،والتي يمكن أن تقوم بتلك المهمة ،وهو غير مستب َعد ،ونحن
يف هذا العصر يمكن ادعاء اإلجماع على حرمة التدخين على سبيل المثال التفاق جميع
أما التصور الثاين :وهو كون اتفاق مجتهدي العصر الحالي على مسألة مستبعدً ا
مع اختالف مذاهبهم وطرق استداللهم ،فلم يسلم به أصحاب هذا االتجاه؛ ألن اختالف
المذاهب وطرق االستدالل قد يؤدي إلى االختالف يف فروع غير متناهية ،وهذا ال جدال
فيه ،وليس محل شك ،ولكن محل البحث يف تلك المسائل التي يحصل عليها االتفاق
رغم اختالف المذاهب والمناهج ،وهي نادرة بالضرورة ،وهذا شأن مسائل اإلجماع؛
أهنا قليلة ونادرة ،وقد وقع اإلجماع على أن شحم الخنزير محرم كلحمه من فقهاء
المذاهب جمي ًعا مع اختالف مذاهبهم ومناهج استداللهم ،وهذا هو المراد؛ فإن الشافعي
قد يتفق مع الحنفي والمالكي والحنبلي ،بل والزيدي وغيرهم على مسألة واحدة ،بل إن
هذا االتفاق مع اختالف المناهج والمذاهب هو محل قوة اإلجماع وحجيته القطعية.
تعذر نقل اإلجماع لعدم توافر الدواعي على نقل مسألة أما التصور الثالث :وهو ُّ
تصورا ضعي ًفا؛ ألن الدواعي تكون متوافرة لو
ً فروعية ،فقد اعتربه أصحاب هذا االتجاه
أصبحت تلك المسألة محل سؤال الستقراء اآلراء وحصرها ،مما يجعل المسألة محل
أيضا؛اهتمام من المجتهدين يف كل قطر ومكان ،ويصير نقل المسألة عنهم محل عناية ً
متصورا نقل اإلجماع هبذا الطريق.
ً فيكون
190
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
على الحكم يف تلك المسألة إجما ًعا؛ بحيث ال تجوز مخالفته ،أو ال؟
القول األول :ال يعد اتفاق المجامع الفقهية إجما ًعا ،وهذا رأي اللجنة الدائمة
القول الثاين :أن اتفاق قرارات المجامع يعد إجما ًعا سكوت ًّيا ،وهو رأي بعض
الباحثين المعاصرين.
القول الثالث :أن اتفاق قرارات المجامع يعد إجما ًعا ،ولو خالف بعض مجتهدي
القول الرابع :أن اتفاق قرارات المجامع يعد إجما ًعا واقع ًّيا وليس إجما ًعا أصول ًّيا،
فاإلجماع األصولي يشرتط فيه اتفاق الكل ،وهذا األمر لم يكن موجو ًدا إال يف القضايا
المعلومة من الدين بالضرورة ،وأما اإلجماع الواقعي فهو إجماع عن طريق مشورة
ملز ًما لألمة ،ويمكن تحققه يف الحاضرين من أهل الحل والعقد ،ثم ُي ْصدرون برأي يكون ِ
كل عصر ،وهذا رأي الشيخ عبد الوهاب خالف.
إمجاعا):
ً دليل القول األول (ال يعد
الدليل األول :أن اإلجماع أساسه اتفاق جميع المجتهدين ،حتى تثبت له العصمة،
ويتحقق به القطع ،وتلزم حجيته األمة ،وأما قرارات المجامع الفقهية فهي رأي لجماعة
من المجتهدين ،فال تثبت لهم العصمة ،وال يتحقق هبم القطع.
191
الزوائد على روضة الناظر
الدليل الثاين :أن قرارات هذه المجامع ال يشرتط فيها اتفاق كل المجتمعين ،بل
قد تخرج بموافقة أغلبية المجتمعين ،وهذا يف كثير من القرارات ،وإذا كان األمر كذلك،
فال يمكن أن نعد هذه القرارات رأ ًيا لجميع المجتهدين المجتمعينً ،
فضاًل عن المجتهدين
الذين ليسوا يف هذه المجامع.
سكوتيا):
ًّ دليل القول الثاني (يعد إمجاعا
أن قرارات هذه المجامع تنتشر وتشتهر بسرعة فائقة ،وعرب وسائل اإلعالم،
ولم يعلم له مخالف يكون إجما ًعا سكوت ًّيا ،فكيف بقول جماعة تحاوروا وتناقشوا ثم
نوقش من وجهين:
الوجه األول :أن حصر المجتهدين يف هذا العصر أمر متعذر؛ النتشار المجتهدين
يف جميع أصقاع األرض ،واتساع رقعة اإلسالم من شرق األرض إلى غرهبا ،وال بد لصحة
ال ينتشر يف جميع أصقاع األرض كما يقولون ،وكم من مجتهد يف بقعة ال يعرف قرارات
المجامع ،فضابط االنتشار يحيله الواقع.
َ
البعض غريهم): إمجاعا ولو خالف
ً دليل القول الثالث (أنه يعد
أن أعضاء هذه المجامع أكثر مجتهدي األمة ،فإذا اتفقوا على رأي فهو إجماع
ال تجوز مخالفته ،بناء على قول بعض األصوليين :إن اتفاق األكثر يكون إجما ًعا.
نوقش من وجهين:
الوجه األول :ال نسلم بأن اتفاق األكثر يعد إجما ًعا ،بل الصحيح أن اإلجماع هو
اتفاق الكل ،فلو خالف واحد أو أكثر فال يعد إجما ًعا ،وهذا رأي جمهور األصوليين
الوجه الثاين :ولو س ّلمنا ،فليس أعضاء هذه المجامع هم أكثر مجتهدي األمة ،بل
أعدادهم محصورة ،وهم قليلون ،ويف بعض المجامع إنما هم أعضاء منتدبون من بالدهم،
فهو مجتهد واحد يمثل بلدً ا فيه عشرات المجتهدين.
192
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
أصوليا):
ًّ واقعيا ال
إمجاعا ًّ
ً دليل القول الرابع (يعد
أن اإلجماع الذي روي عن الصحابة لم يكن يف حقيقته إال اجتها ًدا جماع ًّيا،
ولم يكن إجما ًعا بالمعنى األصولي ،فمن رجع للوقائع التي حكم فيها الصحابة،
وا ْع ُتبِر حكمهم فيها كاإلجماع ،إنما وقع باتفاق الحاضرين من ُأ ْولي العلم والرأي على
حكم يف حادثة معروضة ،فهو حكم صدر عن شورى الجماعة ،ثم يكون ملز ًما بعد ذلك.
نوقش :بأن اإلجماع يف عهد الصحابة يبدأ بالمشورة للحاضرين من أهل الرأي
السكويت ،وهو األكثر واألشهر.
الخالف معنوي ،ويرتتب على اعتباره الحكم بقطعية مخرجات تلك المجامع
الفقهية عند اجتماعها على حكم معين ،عند من يرى أن ما يتفقون عليه يعد إجما ًعا،
أما من يرى أنه ليس بإجماع ،فال يتعدَّ اتفاقهم عن كونه اجتها ًدا يف المسألة محل البحث.
أهم الـمراجــــع
193
الزوائد على روضة الناظر
شرع ًّيا ُتبنى عليه المسألة إال أن يطرأ عليها طارئ يغيرها.
وقد ذكر األصوليون والفقهاء عد ًدا من القواعد واألصول التي ال تكاد ُتحصر،
كلها قد ُبني على االستصحاب ،وفيما يأيت ذكر أهم هذه القواعد واألصول:
ً
أواًل :القواعد األصولية:
األصل ،وهو اإلباحة التي امتنَّ اهلل هبا على عباده بقوله ﴿ :ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ
ﯳ﴾ [البقرة.]29 :
أي منهما.
البشر إال بدليل يدل على ٍّ
القاعدة اخلامسة :األصل عدم التخصيص:
نص عا ٍّم أنه مخصص لزمه إثبات ذلك بدليله؛ ألن األصل أنه قد ثبت
فمن ا ّدعى يف ٍّ
وغير ذلك من القواعد واألصول التي لو تُتبعت لكانت كثيرة جدًّ ا.
وقريب منها ،أو هي بلفظ آخر قاعدة( :القديم يرتك على قِدَ مِه وال يغير إال بحجة).
فمن تي ّقن الطهارة وشك يف الحدث فهو متطهر ،أو تيقن الحدث وشك يف الطهارة
القاعدة الرابعة :ما ثبت بزمان حيكم ببقائه ما مل يوجد دليل على خالفه:
أي أن الواقع أو الحكم الذي ثبت يف الزمان الماضي ،ثبو ًتا أو نف ًيا ،يبقى على
حاله ،وال يتغير ما لم يوجد دليل يغيره ،فاألصل والمعيار يف األمور المتأخرة أن ُتبنى
حال الشيء ،وليس هناك دليل ُيحكم على األمور المتقدمة ،فإذا ُجهل يف وقت الخصومة ُ
بمقتضاه ،وكان لذلك الشيء حال سابقة معهودة ،فإن األصل يف ذلك أن يحكم ببقائه
واستمراره على تلك الحال المعهودة التي كان عليها حتى يقوم الدليل على خالف ذلك،
ف ُيصار حينئذ إليه.
من المقاصد العظمى للشريعة حفظ األعراض ،ولذلك كان األصل يف األبضاع
-وهي الفروج -التحريم ،ومنع االستمتاع بالنساء ،إال بعقد شرعي ،أو ملك يمين يبيحهن.
ٍ
بنسـاء ،واشـتبهت هبـن لم يجـز لـه وطء واحـدة منهـن اختلطـت زوجـة رجـل
ْ فـإذا
باالجتهـاد بلا خلاف ،سـواء كن محصـورات أو غيـر محصـورات؛ ألن األصـل التحريم
واألبضـاع يحتـاط لهـا ،واالجتهـاد خلاف االحتيـاط.
ُ
ً
أصلا يف شـيء ،كاألصـل يف الذبائـح، ويضـاف إلـى هـذا األصـل كل مـا كان
واألصل يف الدماء ،ونحو ذلك ،فكله مبني على االستصحاب.
196
واالستصحاب»
ُ والسَّن ُة ،واإلمجاعُ،
«الكتابُّ ،
ُ الثاني :تفصيل ُ
األصول الباب َّ
الحكم بالحجر.
لكن لو بيعت دار مجاورة لهذه الدار فأراد صاحب اليد على الدار األولى أخذ الدار
المبيعة بالشفعة بسبب الجوار لهذه الدار ،فأنكر المدعى عليه أن تكون هذه الدار التي يف
يده مملوك ًة له ،فإنه بظاهر َي ِده ال يستحق الشفعة ما لم ُيثبِت أن هذه الدار ملكه؛ حيث إن
الظاهر -الذي هو يده على الدار -يصلح حجة للدفع ال لالستحقاق ،فهذه القاعدة بنيت
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)160
-احملصول للرازي (.)122-109/6
-نفائس األصول (.)4025-4014/9
-شرح خمتصر الروضة (.)168-147/3
-التحبري للمرداوي (.)3762-3753/8
-القواعد الفقهية وتطبيقاتها فـي املذاهب األربعة (.)198-96/1
-الوجيز فـي أصول الفقه ،د .حممد الزحيلي (.)264-259/1
-القواعد الفقهية ،إثراء املتون (ص.)٢٣٦-١٩٥
197
الباب الثالث:
املختلف فـي َها
ِ بيان األصول
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
بيان منزلة األدلة املختلف فـيها فـي التشريع وأثرها فـي اختالف الفقهاء:
يمكن إجمال منزلة األدلة المختلف فيها يف ثالث نقاط:
األولى :أن األدلة المختلف فيها تعد مصادر تابعة لألدلة المتفق عليها ،وتستمد
أهميتها منها ،ويظهر ذلك جل ًّيا يف استدالل األئمة على تقرير الدليل المختلف فيه.
الثانية :أن هذه األدلة من أهم ما يحتاجه المجتهد؛ فهو يستعين هبا الستنباط حكم
شرعي لنازلة لم يرد فيها نص صريح ،ويستأنس هبا على سبيل االعتضاد عند وجود النص.
الثالثة :أن التعدد والتنوع يف األدلة ساعد يف الوصول لألحكام الشرعية لكثير من
الفروع الفقهية ،مما يؤكد شمول الشريعة وثباهتا ،وصالحيتها لكل زمان ومكان.
من أهم أسباب اختالف الفقهاء يف الفروع الفقهية هو اختالفهم يف حجية هذه
األدلة وترتيبها؛ فمن رأى حجية دلي ٍل منها بنى عليه عد ًدا من األحكام الشرعية ،وقدمه
على غيره من األدلة ،كمن يحتج بقول الصحابي فإنه يقدمه على القياس ،ومن ال يحتج به
أهم الـمراجــــع
-االستدالل عند األصوليني (ص.)51-18
-األدلة الشرعية دراسة أصولية استقرائية (ص .)125
-األدلة املختلف فيها عند اإلمام الزركشي (املقدمة).
201
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
والجماعة ،خال ًفا للنَّ َّظام والرافضة.
وما اختلف فيه ،وهو ما عدا ذلك من األدلة ،كإجماع أهل المدينة ،وإجماع العرتة،
وإجماع الخلفاء األربعة ،والقياس ،وشرع من قبلنا ،وقول الصحابي إذا لم يخالف،
عالقة األدلة المختلف فيها بالكتاب والسنة :هي عالقة الفرع بأصله ،فكل هذه
األدلة مبناها على الكتاب والسنة ،وفيما يأيت بعض التفصيل يف ذلك:
أواًل :إجماع أهل المدينة :هو إجماع معترب عند المالكية ،وذلك أن المدينة مقر
ً
رسول اهلل ﷺ ومهبط الوحي ،ومجتمع صحابته ناقلي الشرع وناشريه ،فاعترب اإلمام
مالك $أن أهل المدينة هم ورث ُة هذا العلم وحاملوه ،فما اتفقوا عليه من عمل فهو
اعتربه حجة.
ولما كان هذا اإلجماع هبذه الدرجة عندهم ردوا به بعض األحاديث التي اعتربوها
أخبار آحاد ال تقوى على معارضة إجماع أهل المدينة.
فهم قد بنوا إجماعهم وحجيته على أن األصل فيه أنه بمثابة النقل عن النبي ﷺ
وأصحابه ،وعارضوا به أخبار اآلحاد على اعتبار أهنا ال تقوى على معارضة اإلجماع.
وقـد فصـل بعـض أهـل العلـم ومنهـم شـيخ اإلسلام ابن تيميـة أحـوال هـذا
اإلجمـاع ،فبيـن األحـوال التـي يوافـق األئمـ ُة فيهـا المالكيـ َة علـى حجيتـه ،واألحـوال التي
خالفوهم فيها.
202
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
ثان ًيا :إجماع العترة :أي إجماع أهل البيت ،وأهنم ال يجتمعون على باطل وهو غير
محتج به لدى جماهير العلماء خال ًفا لإلمامية والزيدية ،فما ورد يف فضل أهل البيت يثبت
منزلتهم وقدرهم ،لكن ال يجعل قولهم مقد ًما على أقوال غيرهم من الصحابة.
فمن احتج هبذا اإلجماع اعترب أن أهل البيت هم أدرى الناس برسول اهلل ﷺ
وأحواله ،وهم من أعلم الصحابة بالشرع والوحي.
ثال ًثا :إجماع الخلفاء األربعة :وهم الراشدون الذين هم أقرب الناس لرسول اهلل ﷺ
من بعدي»(((.
األربعة ﭫ ليسوا كل األمة ،ولكن قد ورد عن اإلمام أحمد أنه ال ُيخرج عن قولهم،
وهذا يدل على حجية قولهم ،ال على كونه إجما ًعا.
فاإلجماعات الثالثة السابقة يتضح فيها أن حجيتها عند القائلين هبا إنما هي
لدراية أهلها بالوحي أكثر من غيرهم ،فتكون أقوالهم أقرب إلى التفرع عن الكتاب
والسنة ،إلى جانب الشرط الرئيس يف كل أنواع اإلجماع؛ وهو أنه ال بد وأن يكون له
فالقياس إ ًذا مبناه على الكتاب والسنة؛ إذ ال يقاس على أصل إال إذا كان حكمه
ﷺ ،وهو حجة عند جماهير العلماء ما لم ينسخه شرعنا ،فهو يف النهاية مشرتط فيه أن
ال يعارض الكتاب والسنة.
((( أخرجه أبو داود ( ،)4607والرتمذي ( ،)2676والطحاوي يف مشكل اآلثار ( )1186من حديث العرباض بن
سارية ﭬ ،قال الرتمذي( :حسن صحيح).
203
الزوائد على روضة الناظر
سادسا :قول الصحابي إذا لم يخالف :الصحابة حملة الشرع ،وحاضرو النبي ً
ﷺ فرتة حياته وبعثته ،ومن َث َّم هم أدرى الناس بشرعه ،وأكثرهم اتبا ًعا له ،فإذا قال
قواًل واشتهر ،ولم يخالفه فيه أحد فالذي عليه جماهير الطوائف من الفقهاء أحدهم ً
أنه إجماع وحجة .وأما إذا لم يشتهر ولكن لم يخالفه غيره من الصحابة فهو حجة عند
فهما؛ فحجيته نقاًل عن النبي ﷺ أو ً أيضا؛ إذ ال بد أن الصحابي قد أخذه ً جمهور األمة ً
مبنية على ذلك.
حكما شرع ًّيا ثبت
ً أن األصل يف هذا الحال براءة ذمة المكلف ،ومبني يف اآلخر على أن
يف المسألة؛ فيظل ثابتًا طالما لم يرد ما ينقل عنه.
باعتباره أو رده ،فإن كان فيه مصلحة متيقنة راجحة كان معتربًا.
فاعتبار هذه المصلحة من عدمه متوقف على عدم معارضته لمقاصد الوحيين.
فظهر مما سبق :أن األدلة المختلف فيها إما أهنا ال بد لها من مستند من الكتاب
والسنة ،أو مبنية عليهما ومستنبطة منهما ،أو يشرتط لصحتها عدم مخالفة الكتاب
والسنة ،فالكتاب والسنة هو الدليل المهيمن على غيره من األدلة والضابط لها.
أهم الـمراجــــع
204
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
بعض الشافعية ،وقيل :المراد شريعة عيسى ڠ ،حكاه بعض األصوليين ،والقول بعموم
الشرائع السابقة هو قول الحنابلة ،وبعض المالكية.
قولهم( :بطريق الوحي إليه ال من جهتهم وال نقلهم) معناه :أن يثبت يف شرعنا
بطريق صحيح ،وال يعتمد على روايتهم ،وال ما نقل عنهم يف كتبهم؛ لدخول التحريف
وذكر بعض األصوليين أن المراد بشرع من قبلنا هو مسائل الفروع؛ ألن مسائل
أصول الدين متفق عليها بين األنبياء عليهم الصالة والسالم ،فال يتصور الخالف فيها.
أهم الـمراجــــع
-الواضح البن عقيل (.)196-170/4
-املسودة فـي أصول الفقه (ص.)194-193
-شرح تنقيح الفصول (ص.)300-298
-البحر احمليط (.)48-39/8
إسرائيل ليوم السبت ،فهذا ال خالف يف عدم االحتجاج به(((.
القسم الثالث :شرع من قبلنا إذا ورد يف شرعنا وأمرنا بفعله كقول اهلل تعالى:
﴿ﮌﮍﮎﮏﮐ﴾ [البقرة ]178 :مع قوله تعالى﴿ :ﮮﮯﮰﮱﯓ
القسم الرابع :شرع من قبلنا إذا ورد يف شرعنا ،ولم نؤمر به ولم ننه عنه ،فهذا محل
أهم الـمراجــــع
سبق ذكر المراد بالصحابي عند ابن قدامة ،وذلك يف مسألة عدالة الصحابة(((.
وذكر بعض األصوليين أن (الصحابي) المراد يف مسألة قول الصحابي على وجه
الخصوص هو :المجتهد من الصحابة أو من كان من أهل الفتوى منهم(((.
ً
أهم الـمراجــــع
-أعالم املوقعني (.)621/4
-نثر الورود شرح مراقي السعود (.)575/2
-ميزان األصول (.)481/1
قول الصحابي له صور وأحوال متعددة ،يمكن حصرها بطريقة التقسيم؛ بأن نقول:
قول الصحابي إما أن يخالفه قول صحابي آخر أو ال ،فإن لم يخالفه صحابي آخر؛
فإما أن ينتشر القول أو ال ،فإن انتشر القول فإما أن يصرح بقية الصحابة بموافقته أو ال ،وإن
ً
أواًل :أحوال قول الصحابي واالحتجاج به:
احلالة األوىل :أن يقول الصحابي ً
مذهب الصحابي يف مسائل االجتهاد ال يكون حجة على غيره من الصحابة المجتهدين)(((.
أما يف االحتجاج بأحد أقوالهم ممن بعدهم فخالف ،ذكره ابن قدمة يف الروضة(((.
قواًل وينتشر بني الناس ،ويصرح بقية الصحابة احلالة الثانية :أن يقول الصحابي ً
مبوافقته:
قواًل وال يظهر له خمالف ،وال ينتشر بني الناس ،وتكون احلالة الرابعة :أن يقول الصحابي ً
فهي المراد بقول الصحابي عند االطالق ،وقد تناولها ابن قدامة يف الروضة ،وبين
الخالف فيها(((.
قواًل وال يظهر له خمالف ،وال ينتشر بني الناس،احلالة اخلامسة :أن يقول الصحابي ً
وتكون املسألة مما ال يدرك بالرأي واالجتهاد:
أيضا ،لكنها ُت ْذكر مفرقة يف ثنايا مسائل أصول الفقه ،كما يف
وهي محل خالف ً
قبول تفسير الصحابي وحكايته لسبب النزول ،وإخباره بالنسخ ،وغيرها من المسائل ،فمن
والمراد بالمسائل التي ال تدرك بالرأي واالجتهاد :هي المسائل التي ال يستقل
المغيبات من نعيم الجنة وعذاب النار ،وخرب األقوام الماضية ،واألخبار المستقبلة من
أشراط الساعة ونحوها ،وشرع العبادات ،وتحديد المقادير الشرعية ،وغير ذلك.
وكما تقدم فإن محل المسألة هو :قول الصحابي الذي لم يظهر له مخالف ،ولم ينتشر
بين الناس ،فإن ظهر له مخالف أو انتشر فقد تقدمت اإلشارة إلى حكم كل حالة منها.
القول الثاين :أنه ليس بحجة ،وإليه ذهب بعض الشافعية ،وأبو الخطاب وابن عقيل.
أن الظاهر أن الصحابي الفقيه لم يقل بقول مخالف للقياس إال عن حديث ثابت
أجيب :بأن احتمال السماع من النبي ﷺ ظاهر؛ ألنه قد ظهر من عادهتم يف الفتوى
بيان حكمها وإذا كان عندهم خرب عن النبي ﷺ فتارة يوردونه وتارة يسكتون عنه اكتفاء
ببيان الحكم؛ إذ هو المقصود األعظم يف اإلفتاء.
دليل القول الثاني (أنه ليس حبجة):
أن الصحابي غير معصوم عن الخطأ والزلل ،وإذا قال ما يخالف القياس تردد قوله
بين أنه أخطأ ،أو تعلق بشبهة ضعيفة ،ويحتمل أنه كان توقي ًفا فال تثبت السنة بالشك.
وقلة مباالة ،وخرب المتساهل ال ُيقبل ،فهذا الظن هبم فاسد ،فما يؤدي إليه كذلك.
قرر بعض العلماء المسألة بصورة تجعل الخالف فيها يؤول إلى اللفظ:
وذلك أن قول الصحابي فيما ال مجال للرأي فيه ،لم يخالف أحد يف أنه ال يكون
تدرك
من األصوليين ،وقد أثمر خالفهم يف (حجية قول الصحابي يف المسائل التي ال َ
بالرأي واالجتهاد) خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية واألصولية؛ منها ما يأيت:
ً
أواًل :املسائل األصولية:
210
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
أهم الـمراجــــع
-التمهيد للكلوذاني (.)346-330/3
-الواضح البن عقيل (.)44-43/1
-أعالم املوقعني (.)638-576/4
-املغين فـي أصول الفقه (ص.)271-266
-كشف األسرار لعالء الدين البخاري (.)225-217/3
-قول الصحابي فـيما ال جمال للرأي فـيه (ص.)169-111
211
الزوائد على روضة الناظر
اعتبار أقوالهم إجما ًعا ،وكذلك يف حال إذا لم نعتربها إجما ًعا فهل تكون حجة؟
أيضا قد اختلف يف حجية قولهما.
اتفاق أبي بكر وعمرً :
اتفاق العترة :أي أهل البيت ،فجماهير العلماء على أنه ليس حجة ،ولكن اعتربه
أقوال الصحابة فيما عدا ما سبق :وقد سبق بيان أحوال أقوالهم ،وأن الصحابي إذا
قواًل ولم ُيخا َلف فيه فهو حجة عند جماهير العلماء ،وأما إذا خولف فليس قوله حجة
قال ً
عند جماهير العلماء.
وقد ترتب على ذلك بعض القواعد يف منهج التعامل مع أقوالهم ،ويف الفروع الفقهية.
ً
إذ لو كان الخالف بين نصين من نصوص الوحي فيما يبدو لنا لكان الرتجيح بدليل ثالث،
فأقوال الصحابة أولى بذلك؛ حيث ال تفوق يف قوهتا قوة نصوص الوحي.
2 -أن قول الصحابي الذي لم ُيخا َلف حج ٌة مقد ٌم على القياس ،خال ًفا للشافعية.
3 -العمل بقول الصحابي والمصير إليه طالما قيل بحجيته.
4 -يخصص عموم النص بقول الصحابي الذي لم يظهر له مخالف.
5 -يصرف ظاهر الكتاب والسنة بقول الصحابي كذلك.
212
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
6 -إذا اعترب حجة كان مما يفتقر إلى أن يستند إلى دليل؛ كالقياس ال بد له من داللة
أيضا ال بد أن يكون له مستند من الكتاب والسنة.
وشاهد يشهد بصحته ،واإلجماع ً
تفسيرا وبيانًا.
ً ُ 7 -يرجع إلى قول الصحابي إذا روى خربًا ،ويجعل ذلك منه
8 -إذا خالف قول الصحابي صريح لفظ النبي ﷺ ،فيعمل بقول النبي ﷺ ويرتك
قول الصحابي مطل ًقا يف قول جمهور األصوليين ،وقال البعض إذا صرح بأن قول النبي ﷺ
منسوخ عمل بقوله وإال فال ،ومن جعل قوله حجة إذا انتشر ولم يحفظ له مخالف :ترك
9 -إذا قيل بحجية قول الصحابي إذا لم ُيخالف فإنه إذا قال :هذا الخرب منسوخ.
وجب قبول قوله ،ولو فسره بتفسير وجب الرجوع إلى تفسيره.
10-إذا قال الصحابي :هذه اآلية منسوخة لم نصر إليه إال إذا أخرب بم نسخت،
11-ما قرره أئمة المذهب من أنه إذا ن ُِقل عن اإلمام أحمد يف مسألة قوالن ُ
دليل
ِ
أحدهما قول النبي ﷺ وهو عا ٌّم ،ودليل اآلخر قول الصحابي وهو خاص فاألول مذهبه.
الناظر يف كتب الفروع الفقهية للمذاهب المختلفة يجد االستدالل بأقوال الصحابة
مما ال يكاد ُيحصى ،بل ويف كتب المذاهب التي ترى عدم حجية قول الصحابي كالشافعية
ومن أبرز تطبيقات العمل بأقوال الصحابة ما يكثر يف كتب الحنفية خاصة -مع
تعظيمهم الشديد للقياس -من تقديم أقوال الصحابة على القياس يف كثير من المسائل،
-جقولهم يف اإلغماء إذا كان يو ًما وليلة أو أقل :إنه يمنع قضاء الصلوات يف القياس،
ومع ذلك قالوا :تركناه لفعل عمار بن ياسر ﭭ.
-دقولهم يف إقرار المريض لوارثه :إنه جائز يف القياس ،ومع ذلك قالوا :تركناه لقول
ابن عمر ﭭ.
أهم الـمراجــــع
-مقدمة فـي أصول الفقه (ص.)325
-رسالة فـي أصول الفقه للعكربي (ص.)84-83
-العدة ألبي يعلى (.)1151-1178 /4
-أصول السرخسي (.)113-105/2
-التمهيد للكلوذاني (.)346-330/3
-املسودة فـي أصول الفقه (ص.)128-127
214
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
قسم علماء احلنفـية االستحسان باعتبار سنده إىل أنواع ستة ،وهي:
ّ
ٌ
استحسان سنده النص: النوع األول:
مثاله :جواز َّ
«من أسلف يف شيء ففي كيل معلوم ،ووزن معلوم ،إلى أجل معلوم»(((.
ٌ
استحسان سنده اإلمجاع: النوع الثاني:
ٍ
تقدير لمدة اللبث، ٍ
تعيين ألجرة ،وال مثاله :تجويز دخول الحمام من غير
مع أن القياس يمنع ذلك؛ فإن دخول الحمام إجارة ،وال بد يف اإلجارة من بيان المدة،
وبيان مقدار العين المستهلكة إذا كانت اإلجارة على عين ،ولكنها ُأبيحت استحسانًا؛
النعقاد اإلجماع على جوازها هبذه الصورة.
ٌ
استحسان سنده الضرورة: النوع الثالث:
مثاله :جواز الشهادة يف النكاح والدخول ،فالقياس يقتضي عدم جواز الشهادة يف
النكاح والدخول؛ ألن الشهادة مشتقة من المشاهدة وذلك بالعلم ،ولم يحصل يف هذه
األمور ،لكن عدل عن هذا الحكم إلى حكم آخر ،وهو :جواز الشهادة يف النكاح والدخول
ضرورة؛ ألنه لو لم تقبل فيها الشهادة بالتسامح ألدى إلى الحرج وتعطيل األحكام.
ٌ
استحسان سنده القياس اخلفي: النوع الرابع:
ٍ
قياس آخر هو :أدق وأخفى وهو :أن يرتك العمل بمقتضى القياس الظاهر ،ألجل
نظرا.
من األول ،لكنه أقوى حجة ،وأصح ً
((( أخرجه البخاري ( ،)2240ومسلم ( )1604من حديث ابن عباس ﭭ ،واللفظ للبخاري.
215
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
مثاله :عدم قطع يد َمن َسرق مِن َمدين ِ ِه؛ بيان ذلك:
حال من دراهم فسرق منه مثلها قبل أن يستوفيها فال تقطع أن من له على آخر دين ّ
مؤجاًل ،فالقياس يقتضي قطع يده إذا سرق مثلها قبل حلول األجل؛ ً يده ،أما إذا كان الدين
ألنه ال يباح له أخذه قبل األجل ،لكن ُع ِدل عن هذا الحكم إلى حكم آخر ،وهو :أن يده
ال تقطع؛ لقياس خفي وهو أن ثبوت الحق -وإن تأخرت المطالبة -يصير شبهة دارئة،
وإن كان ال يلزمه اإلعطاء اآلن ،فعدم قطع اليد هنا ثبت استحسانًا ألجل قياس خفي.
مثاله :لو حلف شخص وقال( :واهلل ال أدخل بيتًا) ،فالقياس يقتضي :أنه يحنث إذا
دخل المسجد؛ ألنه يسمى بيتًا يف اللغة ،ولكن ُع ِدل عن هذا الحكم إلى حكم آخر ،وهو:
عدم حنثه إذا دخل المسجد؛ لتعارف الناس على عدم إطالق هذا اللفظ على المسجد.
ٌ
استحسان سنده املصلحة: النوع السادس:
وهو :أن يرتك العمل بمقتضى القياس ألجل المصلحة العائدة إلى حفظ الضروريات الخمس.
مثاله :الحكم بتضمين األجير المشرتك ،وهو الذي ال يعمل لشخص بعينه،
بل يقدم خدمة لكل من يحتاجه مقابل أجرة معينة؛ كالصباغ والغسال والخياط.
الغسـال إذا ُأعطـي الثـوب ليغسـله فتلف عنده من غيـر تفريط ال ضمان
فالقيـاس أن ّ
عليـه؛ ألن هـذا مقتضـى عقـد اإلجارة ،فهـو قبضه بإذن صاحبـه فهو مؤتمن عليـه ،ولكنهم
عدلـوا عـن مقتضى ذلك القيـاس ،وقالوا :يضمن ما تلف عنده؛ ألجـل مصلحة المحافظة
أهم الـمراجــــع
-الفصول فـي األصول (.)233/4
-أصول السرخسي (.)202/2
-كشف األسرار لعالء الدين البخاري (.)5/4
-تيسري التحرير (.)78/4
-االستحسان حقيقته وأنواعه وحجيته (ص.)126-64
-أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص.)195
216
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
األصوليون الذين عملوا بالمصلحة المرسلة لم يعملوا هبا على جهة اإلطالق ،بل
ضبطوا المصلحة بضوابط ،وهي:
غال ًبـا ،أمـا المصالـح المتوهمـة فهـي يف حكم العدم ،فلا يعلق عليها حكـم وال ُيعتد هبا.
ومثـال ذلـك :مـا يتوهمه بعـض الناس من أن التسـوية بين الرجل والمـرأة يف اإلرث
فيـه مصلحـة ،وهي ترغيب الكفار يف اإلسلام.
ً
مالئمة ملقاصد الشريعة: الضابط الثاني :أن تكون
مثل أحد فروعها المعتربة شر ًعا ،فتجويز االختالط والخلوة باألجنبية لمصلحة مادية
أو دنيوية ال يالئم مقصود الشارع يف تحريم الزنا ،وسرت العورات؛ ألن تجويز االختالط
والخلوة بال محرم يؤدي إلى وقوع الزنا؛ لما عهد من وجود الشهوة يف اإلنسان،
التي تقتضي ميل كل من الذكر واألنثى لبعضهما.
ال يصح اعتبار المصلحة التي تقتضي مساواة االبن والبنت يف نصيب اإلرث؛ ألن هذه
217
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
الضابط اخلامس :أال تعارضها مصلحة أرجح منها أو مساوية هلا ،وأال
يستلزم من العمل بها مفسدة أرجح منها أو مساوية هلا:
ومثالها :ضرب المتّهم بالسرقة حتى ُي ِق ّر ،ووجهه :معارضة مصلحة تحصيل
المال (المراد تحقيقها بإقراره) بمصلحة حفظ نفس المتّهم (الفائتة بضربه) ،واألخيرة
أهم وأرجح؛ لتع ّلقها بحفظ النفس المقدّ م رتب ًة على حفظ المال.
ّ
أهم الـمراجــــع
218
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
نوع اخلالف:
المرسلة والعمل هبا هبذا المسمى ينسب إلى اإلمام مالك $وكذلك اإلمام أحمد ،وقد
أنكر حجيته بعض أئمة المذاهب األخرى ،غير أن الناظر يف كتب األئمة ال سيما الفروعية
يجد أن األئمة األربعة أخذوا هبا ،وإن كان ذلك تحت مسميات مختلفة؛ كما يلي:
ً
أواًل :املصلحة والقياس:
يعالج اإلمام الشافعي المصلحة المرسلة تحت باب القياس؛ حيث إن المصلحة يف
معنى القياس ففيها يثبت حكم أصل لفرع ،ولكن ليس بجامع العلة ،بل بجامع الجنس،
وأن المصلحة المرجوة يف األصل مرجوة كذلك يف الفرع ،غير أن المصلحة المرسلة
تكون يف األمور الكلية والمصالح العامة ،وليست يف فرع بعينه وشخص بمفرده.
فهذا االستخدام تحت مسميات مختلفة من قبل األئمة وأتباعهم يجعل الخالف
يف حجية االستصالح خال ًفا لفظ ًّيا ،ويجعل الخالف ً
ناتجا عن اختالف التصور للمصلحة
المرسلة بين المذاهب المختلفة.
خالفهم يف تطبيق المصلحة المرسلة يف تلك المسائل.
ومن أبرز ثمار الخالف يف حجية المصلحة المرسلة ما يرتتب على عدم العمل
هبا من غلق أبواب من سعة الشريعة ،وتقويض مرونتها وقبولها ما يستجد يف الدنيا من
أمور مستحدثة لم تكن موجودة يف عصر الوحي ،ال سيما يف أبواب السياسة الشرعية؛
حيث يحتاج الناس إلى استحداث طرق وقواعد لم ينص الشرع على مشروعيتها ،غير
وكذلك أثمر الخالف يف حجية المصلحة المرسلة خال ًفا يف عدد من المسائل
الفقهية ،منها ما يأتي:
بل له الدية؟
المخالف بالمصلحة المرسلة يف أنه لو لم يقتل السبع ُة بالواحد لصار وسيلة للقتل ،فكل
سبب اخلالف:
وسبب اختالف األصوليين يف حجية االستصالح من األصل راجع إلى أمرين:
األول :محاولة البعض سد باب اعتبار االستصالح لظنهم أن القول باالستصالح
يفضي إلى التشهي واالبتداع يف الدين.
الثاين :هو الخلط عند البعض بين المصالح التي اعتربها الشرع والمصالح التي
أهملها الشرع.
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)180-173
-األشباه والنظائر للسبكي (.)167/1
-تشنيف املسامع (.)56-19/3
-املصلحة املرسلة للشيخ الشنقيطي (ص.)26-1
-أثر االختالف فـي القواعد األصولية فـي اختالف الفقهاء حملمد حسن عبد الغفار (ص.)16-15
221
الزوائد على روضة الناظر
ً
أواًل :معنى االستحسان واالستصالح والعالقة بينهما:
االستحسان :يطلق على معان ثالثة:
الثالث :العدول بحكم المسألة عن نظائرها بدليل خاص من القرآن ،أو بدليل من السنة.
وهذا المعنى الثالث يكاد يكون متف ًقا على صحته واعتباره ،وإن اختلف يف تسميته،
فما بقي خالف وال كبير كالم إال عن المعنيين األولين ،وهما متشاهبان ومرجعهما إلى
1 -كوهنما ليسا دليلين متف ًقا عليهما ،بل الخالف فيهما كبير.
2 -كوهنما لم يرد نص خاص يدل عليهما ،وإنما هي استحسانات يراها المجتهد بحسب
رأيه حسنةً ،واستصالحات يراها مندرجة تحت األصول العامة للشريعة ،ولذلك يقول
2 -االستحسان مصلحة خالصة ،أو راجحة تقع يف نفس الناظر فمبناها على نظر
ناظر واحد ،بخالف االستصالح الذي يشرتط فيه أن تكون المصلحة فيه قطعية غير
متوهمة تتفق عليها العقول.
3 -االستحسان أخص؛ إذا قيل بأنه :ترك وجه من وجوه االجتهاد لوجه أقوى منه؛
ألننا حينئذ نشرتط فيه أن يكون له معارض مرجوح ،فيرجح االستحسان عليه ،بخالف
المصلحة المرسلة التي ال يشرتط فيها معارض؛ بل قد يقع تسليمه عن المعارض؛
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)180-171
-نفائس األصول (.)4037-4026/9
-األشباه والنظائر للسبكي (.)195-194/2
-نشر البنود على مراقي السعود (.)163-261/2
223
الزوائد على روضة الناظر
العــرف
(حقيقته وعالقته بالعادة ،وأقسامه،
وحجيته ،وشروط اعتباره)
ً
أواًل :حقيقة العرف:
العرف لغة :مادة (ع ر ف) تطلق على أصلين صحيحين :أحدهما تتابع الشيء
متصاًل بعضه ببعض ،واآلخر السكون والطمأنينة.ً
وارتياحها لألخذ به.
قولهم( :أكثر الناس) يخرج ما اعتاده البعض فيما بينهم ولم يطرد فيكون عر ًفا
االتجاه األول :أن العرف والعادة لفظان مرتادفان؛ ألن مواردهما واحدة ،ومن ثم
عرفوا العادة بما عرفوا به العرف؛ ألن العادة مأخوذة من العود أو المعاودة ،فهي بتكرارها
ّ
ومعاودهتا مرة بعد أخرى صارت معروفة مستقرة يف النفوس والعقول متلقاة بالقبول.
واختار هذا النسفي وغيره.
االتجاه الثاين :أن العرف مخصوص بالقول ،والعادة مخصوصة بالفعل ،فالنسبة
ثال ًثا :أقسام العرف:
القسم األول :العرف العملي :وهو ما اعتاده الناس من فعل وجرى عليه عملهم،
مثل :تعارف الناس البيع بالتعاطي من غير صيغة لفظية ،ودخول الحمامات من دون
تحديد مدة معينة للبقاء ،واعتبار تقديم الطعام للضيف إذنًا له بالتناول .وهذا العرف ينزل
القسـم الثـاين :العـرف القولـي :هـو شـيوع اسـتعمال بعـض األلفـاظ أو الرتاكيـب
يف معنًـى؛ بحيـث يكـون هـو المتبـادر إلـى األذهـان عنـد اإلطلاق ،مثـل :تعارفهـم إطلاق
الولـد علـى الذكـر دون األنثـى ،وتعارفهـم علـى أن ال يطلقـوا لفـظ اللحـم علـى السـمك،
القسم الثاين :العرف الخاص ،وهو :ما تعامله بعض المسلمين أو فئة من الناس
دون أخرى .مثل :إطالق لفظ الدابة على الحمار عند بعض الناس ،وكيفية القبض ،وما
يعد عي ًبا ُي َر ُّد به المبيع ونحو ذلك.
االعتبار الثالث :من حيث موافقته للشرع إىل قسمني:
القسم األول :العرف الصحيح :هو ما لم يخالف قواعد الشريعة ،وإن لم يرد نص
خاص يف موضعه ،كتعارف الناس على عقد االستصناع ،وتعارفهم تقسيم المهر إلى
القسم الثاين :العرف الفاسد :هو ما تعارفه الناس ،ولكنه يخالف الشرع أو يجلب
الضر ،مثل :تعارف الناس أكل الربا ،وعقود المقامرة ،وقضايا الثأر يف الدم ،وعضل المرأة
ومنع تزويجها من األكفاء بحجة حبسها على ابن عمها وغير ذلك.
شطر العرف معت َبر لدى الفقهاء على اختالف مذاهبهم ،وقد جعلوه ً
أصاًل ُيبنى عليه ٌ
عظيم من أحكام الفقه ،ولكن حجيته ليست مطلقة ،بل هي مقيدة بشروط سيأيت ذكرها.
اليسار واإلعسار ،قال ابن العربي يف تفسيره لآلية( :وقد ب ّينا أنه ليس له تقدير شرعي،
وإنما أحاله اهلل سبحانه على العادة ،وهي دليل أصولي بنى اهلل عليه األحكام وربط به
الحالل والحرام)(((.
الدليل الثالث :قول النبي ﷺ لهند زوجة أبي سفيان حين شكت إليه بخله بالنفقة:
«خذي ما يكفيك وولدك بالمعروف»((( .والمراد بالمعروف :القدر المتعارف على أنه
يحقق الكفاية عادة.
الدليل الرابع :ما رواه أبو هريرة ﭬ ،عن النبي ﷺ أنه قال« :للمملوك طعامه
وكسوته بالمعروف ،وال يكلف من العمل إال ما يطيق»((( ،فجعل النبي ﷺ للمملوك
الطعام والكسوة على سيده بحسب ما تعارفه الناس على اختالف بلداهنم وأشخاصهم.
الدليل الخامس :قول ابن مسعود ﭬ« :ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند اهلل
حسن»((( ،ومعنى ذلك أن ما استحسنه المسلمون وتعارفوه مما ال يخالف الشرع يكون
أمرا حسنًا.
عند اهلل ً
األول :أن يكون العرف م ّطر ًدا أو غال ًبا ،ومعنى اال ّطراد: أن يكون العرف
أن اال ّطراد أو الغلبة يجعل العرف مقطو ًعا بوجوده، كثيرا ،وال يتخ ّلف ّإاّل ً
قلياًل؛ ذلك ّ ً
يوطي ( :إنّما تعترب العادة إذا ا ّطردت ،فإذا اضطربت فال)(((. الس ّ قال ّ
ومثال العرف المطرد ،ما جرى عليه عمل بعض البلدان من تقسيم المهر يف
ومؤجل؛ فإن ذلك الفعل صار عادة مطردة ال تتخلف يف تلك البلدان، ّ معجل
النكاح إلى ّ
وال يخرجون عنه إال عند النص على خالفه ،فهذا يعد عر ًفا م ّطر ًدا.
وأما غلبة العرف فكاستعمال لفظ (الدابة) يف ذوات األربع؛ فإن غالب استعمال
الناس لهذا اللفظ يف ذلك المعنى.
رعي؛ بمعنى أن ال يكون ما تعارف الش ّ ّص ّ الشرط الثاين ّ :أاّل يكون العرف مخال ًفا للن ّ
ّ
وإاّل فال اعتبار للعرف؛ كما لو الشرع ّية المنصوص عليهاّ ، عليه النّاس مخال ًفا لألحكام ّ
ومثاله :إذا دخل إنسان دار آخر بإذنه فوجد إنا ًء ُم َعدًّ ا للشرب فهو إذن بالشرب
داللة ،فإذا أخذ ذلك اإلناء ليشرب منه فوقع من يده وانكسر ،فهو غير ضامن ،وأما لو
هناه صاحب البيت أو الدار عن الشرب منه ،ثم أخذه ليشرب به فوقع وانكسر فإنه يضمن
قيمته؛ ألن التصريح بالنهي أبطل حكم اإلذن المستند إلى داللة الحال.
ّصرف؛ وذلك بأن يكون العرف قائما عند إنشاء الت ّ
الشرط الرابع :أن يكون العرف ً ّ
بتصرف -سواء كان قول ًّيا أو فعل ًّيا-
ّ كل من يقوم ألن ّ
ّصرف عند إنشائه؛ ّساب ًقا أو مقارنًا للت ّ
ّ
المتأخر)(((. يوطي( :العرف ا ّلذي تحمل عليه األلفاظ إنّما هو المقارن ّ
السابق دون
الس ّقال ّ
يفسر قوله ﴿ﮯ ﮰ﴾ بالمسافر المنقطع ،فلو طرأ عرف يخصص لفظ﴿ :ﮯ ﮰ﴾
بمعنى آخر لم يقبل ذلك ،ويقتصر يف مصرف الزكاة على ابن السبيل المتعارف عليه
زمن النزول.
أهم الـمراجــــع
حقيقة سد الذرائع
السد لغة :كل حاجز بين الشيئين يسمى سدًّ ا ،ومنه المنع واإلغالق.
الذريعة لغة :الوسيلة.
الذريعة من حيث االصطالح لها معنيان (عام وخاص):
ثان ًيا :المعنى الخاص( :ما ظاهره مباح ،ويتوصل به إلى محرم) (((،وهو االصطالح
األشهر ،وعليه أكثر العلماء.
وعلى هذا فالمراد بسد الذرائع على المعنى الخاص هو( :منع الجائز لئال يتوسل
فقولهم( :منع) :معناه :أنه يقتضي عدم اإلذن يف إتيان الفعل ،وال يقصد به هنا
قولهـم( :لئلا يتوسـل بـه إلـى الممنـوع) ،معنـاه :يخـرج بـه مـا ال يتوسـل بـه إلـى
فعل محرم.
وكما أن الذرائع تسد وتمنع أحيانًا ،فإهنا تفتح ويؤذن هبا يف أحايين أخرى ،ويعرب
عنها بعض العلماء (بفتح الذرائع) يف مقابل (سد الذرائع) ،وهذا التعبير جار على المعنى
العام للذريعة.
قال القرايف( :اعلم أن الذريعة كما يجب سدها يجب فتحها ،وتكره وتندب
وتباح ،فإن الذريعة هي الوسيلة ،فكما أن وسيلة المحرم محرمة ،فوسيلة الواجب
واجبة ،كالسعي للجمعة والحج ،وموارد األحكام على قسمين :مقاصد؛ وهي
أهم الـمراجــــع
-التحبري للمرداوي (.)3833-3831/8
-اإلشارة فـي أصول الفقه (ص.)319-314
-الفروق للقرافي (.)34-32/2
-اعتبار املآالت ومراعاة نتائج التصرفات (ص.)266-244
-لسان العرب ( )207/3مادة (سدد).
دليل سد الذرائع
أقسامه وحجية كل قسم
ً
أواًل :أقسام الذرائع:
تنقسم الذرائع إلى أربعة أقسام:
القسم األول :ما كان إفضاؤه إلى المفسدة قط ًعا ،كحفر اآلبار يف طرق المسلمين،
الخمر ،وكالمنع من المجاورة يف البيوت خشية الزنا ،فهذا متفق على عدم منعه ،وأنه
القسم الثالث :ما كان إفضاؤه إلى المفسدة مظنونًا ظنًّا غال ًبا ،وهذا متفق على
قال القرايف( :وأما الذرائع فقد أجمعت األمة على أهنا ثالثة أقسام :أحدها:
معتربٌ إجما ًعا ،كحفر اآلبار يف ُط ُرق المسلمين ...وثانيها :ملغى إجما ًعا ،كزراعة العنب،
القول الثاين :عدم وجوب سده ومنعه ،وإليه ذهب الشافعية ،وحكي عن الحنفية.
((( هذا التقسيم ذكره الرتكي يف أصول مذهب اإلمام أحمد (ص )506نقاًلً عن :الموافقات للشاطبي.
((( شرح تنقيح الفصول ()505/2
231
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
وجه االستدالل :أن اهلل منع المسلمين من سب آلهة الكفار مع أهنا تستحق
السب والشتم ،ولكن منع من سبها حتى ال يسبوا اهلل ،وهذا ظاهر يف سد الذريعة
المؤدية إلى المفسدة.
الدليل الثاين :قوله تعالى﴿ :ﯓﯔﯕﯖﯗﯘﯙﯚ﴾
[البقرة.]104 :
وجه االستدالل :أن اهلل هنى المؤمنين أن يقولوا للرسول ﷺ راعنا؛ من ًعا لذريعة
دليل القول الثاني (عدم وجوب السدِّ):
وعليه فإنه ال يحرم شيء من هذه الذرائع حتى يرد دليل ينص على تحريمها ومنعها.
مشروع للزجر ،واالزدجار به قد يكثر وال يغلب ،فاعتربنا الكثرة يف الحكم بما هو خالف
األصل ،فاألصل عصمة اإلنسان عن اإلضرار به وإيالمه ،كما أن األصل يف مسألتنا اإلذن،
فخرج عن األصل هنالك لحكمة الزجر ،وخرج عن األصل هنا من اإلباحة لحكمة سد
وعدمه ،وال قرينة ترجح أحد الجانبين على اآلخر ،واحتمال القصد للمفسدة واإلضرار
ال يقوم مقام القصد نفسه وال يقتضيه؛ لوجود العوارض من الغفلة وغيرها عن كوهنا
وليس كذلك ...وحاصل القضية أنّا قلنا بسد الذرائع أكثر من غيرنا ،ال أهنا خاصة بنا)(((،
خاصا
ًّ ويقول( :فنحن قلنا بسد هذه الذرائع ولم يقل هبا الشافعي ،فليس سد الذرائع
بمالك ،$بل قال هبا هو أكثر من غيره وأصل سدها مجمع عليه)(((.
بينما يرى آخرون أن الخالف معنوي من حيث اعتبار دليل سد الذرائع ،وقد أثمر
الخالف على هذا الرأي يف مسألة (وجوب سد الذريعة) خالفهم يف بعض المسائل الفقهية،
أشهرها على اإلطالق:
فمن قال بوجوب سد الذرائع ،ذهب إلى تحريم هذا البيع ،وإن لم يقصد المكلف
ومن قال بعدم وجوب سد الذرائع ،لم ير تحريم هذه البيوع وال إبطالها؛
وذلك بناء على أن العقد ال يبطل بشيء تقدمه أو تأخره ،وال بكونه ذريعة إلى ما ال يحل.
أهم الـمراجــــع
يف استنباط األحكام الشرعية:
والجواب عن هذه الشبهة:
أن دليل سد الذرائع دليل كلي يقيني ثبت باستقراء أدلة الكتاب والسنة يف جميع
أبواب الشريعة ،من عقائد وعبادات ومعامالت وغير ذلك ،وقد سبق االستدالل عليه،
(ومن تأمل مصادرها ومواردها علم أن اهلل تعالى ورسوله سدا الذرائع المفضية إلى
المحارم بتحريمها والنهي عنها)(((.
الشبهة الثانية :أن قاعدة سد الذرائع تلغي األصل الشرعي برفع الحرج:
هذه الشبهة مبناها على أن العمل بسد الذرائع مخالف لألصل الشرعي وهو اإلذن
والجواب :أن اإلذن واإلباحة مبنيان على الرباءة األصلية؛ وهي عدم وجود دليل
صارف عن األصل ،وقد ثبت العمل بسد الذرائع بأدلة قطعية ترفع هذا األصل.
وهـذه الشـبهة ال تبعـد عـن الشـبهة األولـى يف عـدم وجـود دليـل على العمل بسـد
الذرائـع ،لكـن هنـا تصـور أصحاهبـا وجـود تعـارض بيـن أصـل اإلباحـة وسـد الذرائـع،
والصحيـح أنـه ال تعـارض مـع إمـكان الجمـع ،وقـد ظهـر الجمـع بيـن األصـل والدليـل،
ووجهـه أن كل وسـيلة لم يـدل الدليـل الشـرعي علـى منعهـا وثبتـت منفعتهـا ،فهـي علـى
أصـل اإلباحـة إال إذا أفضـت إلـى مضـرة تفـوق منفعتها فتمنـع لما فيها مـن الضرر ،وهذا
هـو إعمـال دليـل سـد الذرائع.
وأما إن كان المراد أن العمل بسد الذرائع يوقع المكلفين يف حرج والشريعة جاءت
برفع الحرج فيجاب عن ذلك :أن العمل بسد الذرائع أبعد عن الحرج من عدم العمل به،
وذلك لما يرتتب على العمل به من االطمئنان القلبي والراحة النفسية؛ مما يدفع عنه حرج
تأنيب الضمير والتفكير والخوف من نتائج ما فعل ،ومن تردده يف صحة ما فعل ،وذلك
كان المنع من الوسائل المفضية للمفسدة أقرب لرفع الحرج من عدم المنع منها ،مما
يوقع المكلف عند العمل هبذه الوسائل يف حرج الوقوع يف المفسدة.
قدحا يف
وهذه الشبهة قد ترد على التوسع يف إعمال دليل سد الذرائع ،فال تكون ً
الدليل ،وإنما يف إعماله ،ويعزى ذلك إلى تقصير البعض يف تحقيق ضوابط إعمال دليل
الجواب عن الشبهة:
أن هذا ادعاء ال دليل عليه.
وأيضا يجاب عنها :بالمنع ،بل إن العمل بسد الذرائع هو المقتضي للحكمة وكمال ً
العقل ،ويف ذلك يقول ابن القيم ( :$فإذا حرم الرب تعالى شي ًئا وله طرق ووسائل
تفضي إليه فإنه يحرمها ويمنع منها تحقي ًقا لتحريمه ،وتثبيتًا له ،ومن ًعا أن يقرب ِح َماه،
نقضا للتحريم ،وإغراء للنفوس به، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك ً
وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل اإلباء ،بل سياسة ملوك الدنيا تأبى ذلك؛ فإن أحدهم
إذا منع جنده أو رعيته أو أهل بيته من شيء ،ثم أباح لهم الطرق واألسباب والذرائع
متناقضا ،ولحصل من رعيته وجنده ضد مقصوده ،وكذلك األطباء ً الموصلة إليه لعد
إذا أرادوا حسم الداء منعوا صاحبه من الطرق والذرائع الموصلة إليه ،وإال فسد عليهم
ما يرومون إصالحه ،فما الظن هبذه الشريعة الكاملة التي هي يف أعلى درجات الحكمة
والمصلحة والكمال؟)(((.
الشبهة الرابعة :أن دليل سد الذرائع فيه اتهام للنيات وحكم على القضايا بمجرد
التخمين الغيبي:
الجواب عن الشبهة:
أن هذا ال يقول به إال من جهل دليل سد الذرائع ،فالعلماء وضعوا له ضوابط
وشرو ًطا حتى يتحقق العمل به ويصح ،وسبق بيان تقرير العلماء يف الوسيلة التي يحكم
بمنعها سدًّ ا للذريعة.
من األحكام الشرعية كالقياس ونحوه.
أهم الـمراجــــع
-أعالم املوقعني (.)182-113/5
-رفع احلرج فـي الشريعة اإلسالمية (ص.)130-115
-سد الذرائع عند شيخ اإلسالم ابن تيمية (ص.)129-127
-الشبهات املتعلقة باألدلة املختلف فيها واالجتهاد (ص.)169 -154
236
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
إبطال احليل
إبطال الحيل :يعتربه أئمة الحنابلة هو بعينه سد الذرائع ،والذريعة :هي األفعال،
مباحا ً
-مثاًل -عقدً ا ً أو األقوال التي ظاهرها مباح ،ويتوصل بها إلى محرم ،فيظهرون
وتوس ًاًل إلى فعل ما حرم اهلل تعالى ،واستباحة محظوراته،
ُّ يريدون به محر ًما ،مخادع ًة
نقضها ،أتوا إلى الذي قيل لهم إنه حرام احتالوا فيه حتى أحلوه)(((.
َ
الحيل ،وقد أنكر المتأخرون منهم على أبي الخطاب
ولذلك يبطل أئم ُة الحنابلة
ومن تابعه ع ْقدَ باب يف كتاب الطالق يتضمن الحيلة على تخليص الحالف من يمينه يف
بعض الصور ،وجعلوه من باب الحيل الباطلة ،وإن كان هو ومن تابعه يروهنا من الحيل
كل ما حلل الحرام أو حرم الحالل من الحيل ،غير أهنم قد يختلفون يف بعض الصور،
أهم الـمراجــــع
-صفة الفتوى (ص.)34-32
-شرح خمتصر الروضة (.)214/3
-شرح الكوكب املنري (.)437-434/4
األصل األول :القول بأن األدلة النقلية ال تفيد القطع؛ بناء على أن األدلة النقلية
تدخلها االحتماالت كاالشتراك والمجاز والنقل ونحوه؛ فلذلك ال تفيد القطع.
الوجه األول :المنع؛ أي :عدم التسليم بأن القطع يف األدلة السمعية متوقف على
القطع بنفي االحتماالت ،وإنما القطع يف األدلة السمعية يتوقف على أمر واحد وهو
الطريق الذي يعرف به مراد الشارع ،وقد عرف العلماء الذين ورثوا النبي ﷺ مراده ،فعرف
الصحابة المراد من األلفاظ الشرعية التي نقلوها عن النبي ﷺ ،ثم تناقلته األجيال خل ًفا
عن سلف ،فوقعت عناية المسلمين بمعاين الكتاب والسنة كما وقعت عنايتهم بألفاظهما،
وليست اللغة وحدها وفهمها هي المعول عليه يف ذلك حتى تتطرق االحتماالت إلى
الوجه الثاين :أن االحتمال المجرد عما يعضده ال يؤثر يف قطعية الدليل عمو ًما ،بل
قائما على القطع والجزم واليقين فكيف يكون حجة هلل على عباده ،وكيف يكون
كالم اهلل ً
إعذارا لهم.
ً
الوجه الرابع :لو كانت النصوص ال تدل على القطع ،فكيف عرف الناس أمور
اآلخرة وتفاصيل الحساب والبعث والجنة والنار؟ إذ كلها أمور خربية ال مدخل للعقل
فيها ،فلو كانت ظنية فكيف وجد اليقين بمثل هذه األخبار ،وهو مما يتفق الجميع على
اإليمان والجزم به؟
الوجه الخامس :أن من يقصد باللفظ خالف ظاهره فهو ملبس ومدلس ال مبين
وال موضح ،ومن تنزيه كالم اهلل تعالى أن يربأ عن مثل هذا.
الوجه السادس :أن كون الدليل من األمور الظنية أو القطعية أمر نسبي -يختلف
عند األمة بالقبول ال تفيد العلم بل هي ظنية) هو إخبار عما هو عندهم؛ إذ لم يحصل لهم
من الطرق التي استفاد هبا أهل السنة ما حصل لهم ،فقولهم( :لم نستفد هبا العلم) ال يلزم
عقلي محدد ،وهو الدليل الذي يحصل به اإليمان باهلل تعالى والتصديق بنبوة محمد ﷺ،
الوجه الثاين :القول بأن بعض األدلة العقلية أصل للنقل ال يفيد أن العقل هو الذي
أوجد النقل وأحدثه بعد أن لم يكن موجو ًدا ،بل النقل موجود بإيجاد اهلل تعالى له ،والعقل
وهاد إليه ،فحال العقل مع النقل كحال من يدل إنسانًا على طبيب ،فليسٍ إنما هو ٌّ
دال عليه
هو من أوجد الطبيب ،وإنما هو مرشد إليه ودال عليه.
وهبذا يظهر بطالن األصول التي بنى عليها أصحاب المدرسة العقلية شبهتهم يف
تقديم العقل على النقل.
239
الزوائد على روضة الناظر
أيضا أن يجاب عن الشبهة من جهة أخرى وهي عدم التسليم بتقديم العقل
ويمكن ً
على النقل ،وذلك من ثالثة وجوه:
نقليا:
عقليا أم ًّ
الوجه األول :أن املقدم عند التعارض هو الدليل القطعي ،سواء كان ًّ
فالدليالن القطعيان ال يمكن تعارضهما ،وإذا تعارض ظنيان فالمقدم هو الراجح
منهما ،أما إذا تعارض قطعي وظني فالقطعي هو المقدم مطل ًقا ،وإذا ُقدر أن العقلي هو
القطعي كان تقديمه لكونه قطع ًّيا ،ال لكونه عقل ًّيا ،وإنما حصل عند هؤالء تقديم العقل
الوجه الثاني :لو ُقدر تعارض الشرع والعقل لوجب تقديم الشرع؛ ألسباب منها:
-١أن العقل قد صدق الشرع ،ومن ضرورة تصديقه له قبول خربه ،والشرع لم
ً
وإبطااًل قدحا يف العقل
يصدق العقل يف كل ما أخرب به؛ فكان تقديم العقل على الشرع ً
معارضا للشرع.
ً لداللته ،وإذا بطلت داللته لم يصلح أن يكون
-٢أن العقول ليست شي ًئا واحدً ا بينًا بنفسه ،وليس عليها دليل معلوم للناس ،بل فيها
اختالف واضطراب بينهم؛ فإن ما يعلمه زيد بعقله قد ال يعلمه عمرو بعقله ،وقد يعلم اإلنسان
بعقله يف وقت ما يجهله يف وقت آخر ،أما الشرع فهو يف نفسه قول الصادق ،وهذه صفة الزمة
له ال تختلف باختالف الناس وأحوالهم ،والعلم به ممكن؛ فوجب تقديمه على العقل.
الوجه الثالث :أن تقديم العقل على الشرع يلزم منه أمور منها:
األمر األول :الحيرة والشك والشبهة ،فمن قدم عقله على الشرع المعصوم ال تجده
متناقضا يقول ً
قواًل ويقول ما يناقضه. ً حائرا شاكًّا؛ لعدم تصديقه بالحق ،أو
إال ً
األمر الثاين :ضعف الثقة بالشرع ،والطعن يف الرسالة ،والتشكيك فيما أخرب به
النبي ﷺ ،فحقيقة من يقول بجواز أن يأيت الشرع المعصوم بما يعارض العقل ويجب
تقديم العقل عليه :أن ال يحتج بالقرآن والسنة على شيء من المسائل ،وال يستفيد
التصديق الجازم بشيء منها.
األمر الثالث :اإلخالل بحقيقة اإلسالم التي تقتضي االستسالم لشرع اهلل واالنقياد
ألوامره ،وفيه مخالفة لمنهج الصحابة والسلف الصالح يف تعظيم النص الشرعي والتسليم
240
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
التام له؛ لكونه ال يرد بما يخالف العقل الصريح الصحيح ،قال ابن السمعاين« :وإنما علينا
تسليما واستسال ًما»(((.
ً أن نقبل ما عقلناه إيمانًا وتصدي ًقا ،وما لم نعقله قبلناه
اخلالصة:
وهبذا يتبين لنا أن مبدأ االنحراف من تقديم الرأي على النص ،وأن المعقوالت التي
يدّ عيها الناس ليس لها ضابط ،بل عقل الشخص الواحد يعرتيه من الشكوك والشبهات
ً
مجهواًل، ً
معقواًل ،ويظن المعقول يحرفه عن صوابه ،فيظن ما ليس بمعقولواألهواء ما ّ
فتقديم العقل على النقل مطل ًقا منهج ورثه أهل الكالم عن سلفهم من الشياطين
والفالسفة والمشركين ،وإال فصحابة رسول اهلل ﷺ لم يعارضوا الشرع بعقولهم،
ولم يكن فيهم من يقول بتقديم العقل على النص عند التعارض ،بل إذا حصل عندهم
أهم الـمراجــــع
إنسانا فهو حيوان ،لكنه إنسان فهو حيوان .فورود الملزوم الذي هو اإلنسان يستلزم هذا ً
وجود الالزم الذي هو الحيوان.
وضابط الملزوم ما يحسن فيه لو ،والالزم ما يحسن فيه الالم؛ كقوله تعالى:
﴿ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األنبياء.]22:
هو دليل يشتهر استخدامه يف علم العقائد والكالم؛ حيث يقتضي أن العالم على
تقدير الشريك ووجوده ،يستحيل وجوده؛ لحصول التمانع ،وقد أشير إليه يف قوله تعالى:
﴿ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ﴾ [األنبياء.]22:
وتقريره باختصار :أنه لو كان للعالم صانعان لكان ال يجري تدبيرهما على نظام
وال يتفق على إحكام ،ولكان العجز يلحقهما أو أحدهما؛ وذلك ألنه لو أراد أحدهما
إحياء جسم وأراد اآلخر إماتته .فإما أن تنفذ إرادهتما فيتناقض ،وإما أن ال تنفذ إرادهتما
عاجزا.
ً فيؤدي إلى عجزهما ،أو ال تنفذ إرادة أحدهما فيؤدي إلى عجزه ،واإلله ال يكون
وهو دليل ُيفزع إليه عند اشتباه حكم بين الجواز والمنع ،أو تعارض دليلين
ولم يمكن الرتجيح بينهما ،ونحو ذلك من مواطن االشتباه ،واألخذ باالحتياط أصل
يف الشرع ،حف ًظا للدين وإبراء للذمة ،قال شيخ اإلسالم ابن تيمية( :االحتياط يف الفعل
فكالمجمع على حسنه بين العقالء يف الجملة)(((.
ولذلك قدَّ م األصوليون الحاظر على المبيح ،ونص الفقهاء يف باب الربا على أن:
الجهل بالتماثل كالعلم بالتفاضل ،والشك يف أداء العبادة كتحقق عدمها ..إلى آخر هذه
األحكام والقواعد األصولية والفروعية.
الدليل المراعى وقوته)(((.
وقد اشترط العلماء ثالثة شروط لمراعاة الخالف:
ٍ
الشرط الثالث :أن يقوى مدركه بحيث ال ُي َعدُّ هفوةً؛ فحينئذ ال تجوز مراعاته.
يف حجة ،ويف حجيته قوالن يف مذهب أحمد حكاهما القاضي أبو يعلى.
قال الدبوسي( :قال جمهور العلماء :إنه خيال ال يجوز العمل به إال عند فقد
االحتجاج بذلك يف إثبات حكم شرعي؛ ألن األحكام ال تثبت بالمنام إال يف حق األنبياء،
أو بتقريرهم.
أهم الـمراجــــع
244
املختلف فيهَا
ِ الث :بيان األصول الباب َّ
الث ُ
دليل االستقراء
(حقيقته -أقسامه -حجيته)
ً
أواًل :حقيقة دليل االستقراء:
عرفه ابن قدامة بأنه( :عبارة عن تصفح أمور جزئية ليحكم بحكمها على مثلها)(((.
ثان ًيا :أقسام االستقراء :ينقسم االستقراء إىل قسمني (تام وناقص):
العلماء ،ويصلح أن يكون مقدمة من مقدمات الربهان.
مع الطهارة ،فكل صالة ال بد وأن تكون مع طهارة ،فال شك أن هذا استقراء تام،
لكن هذا النوع من االستقراء نادر الوجود ،لصعوبة اإلحاطة بكل الجزئيات يف كثير
من األمور ،إال ما كان مما ورد يف نصوص الشرع ،أو كان من البدهيات والضروريات.
ويسمى يف اصطالح الفقهاء باألعم األغلب ،وفيه يتم استقراء أكثر الجزئيات؛
لذلك اختلف فيه ،واألكثرون على أنه يفيد الظن ال اليقين؛ لذلك ال يصلح أن يكون
من مقدمات الربهان ،كقولنا :كل حيوان يحرك فكه األسفل .فهذا مبني على أغلب
المشاهد كاإلنسان وهبيمة األنعام ونحو ذلك ،وإال فقد ثبت أن بعض الحيوانات
َ الحيوان
وقد ُبني خالفهم يف حجيته على ما يفيده االستقراء الناقص ،هل هو العلم ،أم
الظن؟ على ثالثة أقوال:
القول األول :أن االستقراء الناقص يفيد الظن فقط ،وهو قول جمهور األصوليين.
القول الثاين :أن االستقراء الناقص يفيد الظن ،إال إذا كانت علته ثابتة بالقطع أو
كثرت قرائنه ،فإنه يفيد القطع.
القول الثالث :أن االستقراء الناقص ال يصل إلى حد الظن من األصل إال بانضمام
أن الجزء الذي لم ينحصر من خالل االستقراء قد يكون مخال ًفا لسائر الجزئيات
التي تم استقراؤها؛ ولذلك كان الحكم بالظنية أولى.
صورا كثيرة داخلة تحتً قال المرداوي( :والدليل على أنه يفيد الظن :أنا إذا وجدنا
نوع ،واشرتكت يف حكم ،ولم نر شي ًئا مما ُيعلم أنه منها خرج عن ذلك الحكم -أفادتنا
دليل القول الثاني (أنه يفيد الظن ،إال مع القرائن فيفيد القطع):
تأثيرا يف نقل الحكم من الظنية للقطعية؛ كما لو كثرت القرائن حولأن للقرائن ً
حكم ثبت عن طريق اآلحاد ،فإن احتفافه بقرائن كثيرة ينقله إلفادة القطع.
دليل القول الثالث (ال يفيد الظن إال بانضمام دليل):
أن االستقراء إذا لم يصل إلى كونه تا ًّما فإن الحكم باستغراق أغلب الجزئيات حكم
قاصر؛ إذ قد يكون ما لم يستقرأ فيه نقض لما أفضى إليه االستقراء الناقص من حكم ،قال
الرازي( :األظهر أنه ال يفيد الظن إال بدليل منفصل ،ثم بتقدير الحصول يكون حجة)(((.
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)41
-الفائ��ق فـ��ي أص��ول الفقه (.)456-455/2
-البحر احمليط (.)8-6/ 8
-تشنيف املسامع (.)417-416/ 3
-التقرير والتحبري (.)65/1
-التحبري للمرداوي (.)3796-3788/ 8
-املهذب فـي علم أصول الفقه املقارن (.)1028-1025/ 3( )110-109/ 1
247
ابع:
الر ُ
الباب َّ
تقاسيم األمسا ِء
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
املراد باللغات
املراد باللغات:
اللغات فـي اللغة:
اصطالحا:
ً
ُع ِّر َف ْ
ت بتعريفات متقاربة عند اللغويين واألصوليين:
• فمن تعريفاتها عند اللغويين أنها( :أصوات يعرب هبا كل قوم عن أغراضهم)(((.
ٍ
لمعان يعرب هبا كل قوم • ومن تعريفاتها عند األصوليين أنها( :ألفاظ وضعت
عن أغراضهم)(((.
أهم الـمراجــــع
وهما واحد عند التحقيق ،فالصوت المعتمد على مخارج الحروف هو ما يتحرك
به اللسان.
وهذا اللفظ الذي يتحرك به اللسان هو( :المفيد للمعنى عند التخاطب)(((.
ُ
تعريف المعنى: ويتبين من تعريف اللفظ
عن المعاين.
أهم الـمراجــــع
اللغات يتفاهم هبا الناس فيما بينهم ،ويتعاطون هبا أمور حياهتم؛ حيث خلقهم اهلل
يحتاج بعضهم إلى بعض.
ذلك ويظهره ،وذلك إما باللفظ ،أو اإلشارة ،أو الكتابة ،أو المثال ،أو نحوه ،وبما أن اللفظ
أكثر فائدةً؛ إذ يعرب عن الموجود والمعدوم ،والغائب والحاضر ،والحسي والمعنوي،
وهو أخف وأيسر على النفس ،كان مقد ًما على غيره من وسائل التعبير ،وكلما اشتدت
أهم الـمراجــــع
-أصول الفقه البن مفلح (.)48/1
-الردود والنقود شرح خمتصر ابن احلاجب (.)204-203/1
-التحبري للمرداوي (.)282-281/1
-شرح الكوكب املنري (.)102-100/1
253
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
بأساليبها.
قال اهلل تعالى﴿ :ﮩ ﮪ ﮫ ﮬ ﴾ [يوسف﴿ ،]2:ﭞ ﭟ ﭠ
األمر الثاني :أن األدلة الشرعية األخرى متوقفة على اللغة العربية كذلك:
وذلك أن الكتاب والسنة أصل كل األدلة وهما عربيان ،بل هما أفصح الكالم العربي.
ولذلك كانت اللغة العربية أحد أكرب مصادر استمداد علم أصول الفقه ،وأحد
شروط االجتهاد الالزم توافرها يف المجتهد ،إلى غير ذلك من فروع العالقة بين اللغة
والشريعة.
أهم الـمراجــــع
-صفة الفتوى (ص.)156-155
-التحبري للمرداوي (.)280/1
-إرشاد الفحول (.)209-208/2
254
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
الداللة يف االصطالح :كل أمر يفهم منه أمر سواه.
القسم األول :الداللة اللفظية :ما كان الدال فيها هو اللفظ ،أو الصوت.
القسم الثاين :الداللة غير اللفظية :ما كان الدال فيها غير اللفظ.
مثل :داللة لفظ (المرأة) على أنثى اإلنسان ،وداللة لفظ (األسد) على الحيوان
المفرتس ،وغيرها.
ثان ًيا :الداللة اللفظية العقلية :وهي :داللة اللفظ على المعنى بواسطة العقل.
مثل :داللة اللفظ على حياة الالفظ ووجوده.
ثال ًثا :الداللة اللفظية الطبعية :وهي :داللة اللفظ على المعنى بواسطة الطبع.
مثل :داللة لفظ ( ُأف) على التضجر ،وصوت السعال على المرض ،ونحوها.
راب ًعا :الداللة غير اللفظية الوضعية :وهي :ما تواضع الناس عليه وليس بلفظ.
مثل :وضع المحراب داللة على القبلة ،وداللة تحريك الرأس لألعلى واألسفل
على الموافقة ،وداللة إشارات المرور ،وغيرها.
255
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
خامسا :الداللة غير اللفظية العقلية :وهي :ما دل عليه العقل بال لفظ.
ً
مثل :داللة الدخان على النار ،وعدم شق قميص يوسف دليل على أن الذئب
لم يأكله.
سادسا :الداللة غير اللفظية الطبعية :ما دل عليه الطبع بال لفظ.
ً
مثل :حمرة الوجه دليل على الخجل ،والصفرة على الوجل ،واالبتسامة تدل على
و ُت َّ
ُفهم المعنى للعلم بوضعه)(((.
االعتبار األول :تقسيم دالالت األلفاظ بالنظر إىل طرق الداللة على املعنى:
مثل :داللة لفظ (األسد) على الحيوان المفرتس ،وداللة لفظ (الصالة) يف الشرع
القسم الثاين :داللة التضمن ،وهي :داللة اللفظ على جزء المعنى.
مثل :داللة الصالة على السالم ،وداللة القصيدة على بعض األبيات.
القسم الثالث :داللة االلتزام ،وهي :داللة اللفظ على معنى خارج عن مسماه
الثالث :باعتبار الشمول البدلي وعدمه ،وهو هبذا ينقسم إلى قسمين :مطلق ومقيد.
ثان ًيا :منهج احلنفية:
ينقسم اللفظ عندهم هبذا االعتبار إلى أربعة أقسام :خاص ،وعام ،ومشرتك ،ومؤول.
فإن ترجح البعض على الباقي فهو المؤول وإال فهو المشرتك)(((.
االعتبار الثالث :تقسيمها بالنظر إىل استعمال اللفظ فـي مسماه:
وجه حصر التقسيم فيها:
أن اللفظ إما أن يدل على معنى واحد دون احتمال غيره فهو النص.
وإما أن يدل على أكثر من معنى ،فال يخلو:
القسم األول :واضح الداللة ،أو ظاهر الداللة ،وهو أربعة أنواع:
المفسر.
َّ .2 .1المحكم.
.4الظاهر.
.3النص.
القسم الثاين :غير واضح الداللة ،أو خفي الداللة ،وهو أربعة أنواع:
258
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
وإن خفي معناه :فإما أن يكون خفاؤه لغير الصيغة فهو الخفي ،أو لنفسها:
فإن أمكن إدراكه بالتأمل فهو المشكل.
مرجوا فيه فهو المجمل ،وإال فهو المتشابه)(((.
ًّ وإال فإن كان البيان
لعل من أهمها ما يأيت:
.2النهي.
.1األمر.
.4الخاص.
.3العام.
.6المبين.
.5المجمل.
.2داللة اإلشارة.
.1داللة االقتضاء.
.4مفهوم الموافقة.
.3داللة اإليماء.
.5مفهوم المخالفة.
القسم الثاين :داللة غير المنظوم ،وتشمل:
النوع األول :منطوق صريح ،وهو ما استعمل فيه داللة المطابقة والتضمن.
النوع الثاين :منطوق غير صريح ،وهو ما استعمل فيه داللة االلتزام ،ويشمل:
داللة االقتضاء ،واإليماء ،واإلشارة.
يقسم الحنفية طرق داللة األلفاظ على األحكام إلى أربعة أقسام:
القسم األول :داللة عبارة النص ،وهي توازي داللة المنطوق عند الجمهور.
القسم الثاين :داللة إشارة النص ،وهي توازي داللة اإلشارة عند الجمهور.
القسم الثالث :داللة النص ،وهي توازي مفهوم الموافقة عند الجمهور.
القسم الرابع :داللة اقتضاء النص ،وهي توازي داللة االقتضاء عند الجمهور.
ويعتربون ما عدا هذه األقسام من الدالالت الفاسدة.
260
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)280 ،265-263 ،180
-التلويح (.)55/1
-رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (.)208 - 205/1
الفائدة الثانية:
للشرع فيه اصطالح حمل على الحقيقة الشرعية ،وإذا ورد اللفظ على لسان أهل العرف،
الفائدة الثالثة:
أن يعلم أن الحقيقة اللغوية هي األصل ،والحقائق األخرى منبثقة عنها ،فمتى
وردت اللفظة على لسان الشرع وال حقيقة شرعية خاصة هبا ،فت ُْحمل على الحقيقة
اللغوية ،وكذا إذا وردت يف كالم الناس وال عرف للناس فيها.
أهم الـمراجــــع
-البحر احمليط (.)34-7/3
-الردود والنقود شرح خمتصر ابن احلاجب (.)268-258/1
-التحبري للمرداوي (.)391-389/1
-إرشاد الفحول (.)66-63/1
262
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
مسألة :اجتماع الحقائق الشرعية والعرفية واللغوية:
فمن ذهب إلى أن األصل الحقيقة الشرعية قدّ مها على ما سواها؛ كابن الحاجب.
ومن ذهب إلى عدم تقديم الشرعية أو غيرها توقف حتى ظهور مب ِّين لوقوع اإلجمال.
ومن ذهب إلى التفريق بين السياق الواردة فيه قال :إهنا إن وردت يف اإلثبات واألمر حملت
على الشرعية ،وإن وردت يف النهي حملت على اللغوية ،واختاره اآلمدي.
مسألة :جواز عقد نية صوم النفل بالنهار استنبا ًطا من قوله ﷺ -لما لم يجد طعا ًما
صائم»(((:
ٌ يف البيت« :-فإنّي إذن
فإن من ذهب إلى تقديم الحقيقة الشرعية حال اإلثبات استدل بالحديث على
الجواز؛ ألن لفظ (الصوم) محمول على حقيقته الشرعية لوروده يف حال اإلثبات.
ومن ذهب إلى تقديم الحقيقة اللغوية لم يستدل بالحديث على جواز عقد نية صوم
النفل بالنهار؛ لحمله لفظ (الصوم) يف الحديث على حقيقته اللغوية ،وهو مطلق اإلمساك.
أهم الـمراجــــع
-التمهيد فـي ختريج الفروع على األصول (ص.)236-228
-البحر احمليط (.)33-12/3
-إرشاد الفحول (.)66 -63/1
أقسام اجملاز
القسم الثاين :مجاز شرعي :كاستعمال لفظ الصالة يف الدعاء.
القسم الثالث :مجاز عريف عام :كاستعمال لفظ الدابة يف مطلق ما دب ،إذا تعارف
جميع الناس على هذا االستعمال.
القسم الرابع :مجاز عريف خاص :كاستعمال لفظ الجوهر يف النفيس ،إذا تعارف
وجه التقسيم:
لما تقرر أن الحقائق أربع :لغوية ،وشرعية ،وعرفية عامة ،وعرفية خاصة ،كانت
المجازات أرب ًعا كذلك؛ إذ كل معنى حقيقي يف وضع فهو مجاز بالنسبة إلى وضع آخر؛
ومجازا باعتبارين.
ً فيكون حقيقة
مجازا عرف ًيا؛ ألنه فلفظ الدابة إذا استعمل يف مطلق ما دب كان حقيقة لغوية
ً
264
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
مثاله :قوله تعالى ﴿ :ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷ﴾ [البقرة ،]19:فإنه ال يمكن
أن تجعل كامل األصابع يف اآلذان ،ولكن ع َّبر باألصابع ،والمقصود جزؤها -وهو
تجوزا.
ً األنملة-
أهم الـمراجــــع
-رفع النقاب عن تنقيح الشهاب (.)442-422/1
-شرح الكوكب املنري (.)188-157/1
-مباحث البيان عند األصوليني والبالغيني (ص.)50-48
-دروس البالغة مع شرحها البن عثيمني (ص.)120-117
265
الزوائد على روضة الناظر
عالقات اجملاز
عالقات المجاز هي التي يشرتط وجودها ليمكن التجوز عن استعمال اللفظ يف
حقيقته ،فيحمل على المجاز دون الحقيقة ،وقد ذكر ابن قدامة بعضها((( ،وفيما يلي
عرض لعشر عالقات لم يذكرها:
مثاله :التجوز بلفظ اإلرادة عن المراد؛ ألهنا علته يف قوله تعالى﴿ :ﭶ
ﭷ ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [النساء ،]150 :أي :ويفرقون؛ بدليل أنه قوبل بقوله :۵
﴿ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ﴾ [النساء ،]152 :ولم يقل :ولم يريدوا أن يفرقوا.
وكذلك قول القائل :رأيت اهلل يف كل شيء؛ ألن اهلل سبحانه وتعالى هو موجد كل
مثاله :تسميتهم م َلك الموت عليه السالم مو ًتا؛ ألن الموت أثر لعمله الذي ُأمر به،
وقول الشاعر يصف ظبية :فإنما هي إقبال وإدبار .ألن اإلقبال واإلدبار من أفعالها ،وهي
آثار لها.
الحال فيه:
ّ
ِ العالقة الرابعة :التجوزبلفظ املحل عن
كيسا يف قولهم( :هات الكيس) ،والمراد :المال الذي هو حال
مثاله :تسمية المال ً
كأسا ،أو زجاجة.
فيه ،وكذلك تسمية الخمر ً
العالقة السابعة :إطالق ما بالقوة على ما بالفعل:
مسكرا؛ ألن فيه قوة اإلسكار ،وتسمية النطفة إنسانًا؛
ً
(((
مثاله :تسمية الخمر يف الدن
من باب المجاز للمشاهبة؛ ألن جزاء السيئة يشبهها يف صورة الفعل ،ويف كوهنا تسوء من
والتحقيق أن وجوه المجاز أكثر مما ُذكِر ،وهي ناشئة عن تعدد أصناف العالقة
الرابطة بين محل المجاز والحقيقة ،ويمكن القول بأن كل مسميين بينهما عالقة رابطة يجوز
التجوز باسم أحدهما عن اآلخر ،سواء نقل ذلك التجوز الخاص عن العرب ،أو لم ينقل.
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)531-507/1
-البحر احمليط (.)90-67/3
-التحبري للمرداوي (.)421-393/1
268
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
من المقرر عند األصوليين أن األصل استعمال الكالم يف حقيقته ،وأن المجاز خالف
األصل ،وال يخالف هذا األصل إال ألسباب تدعو إليه ،وأبرز تلك األسباب خمسة:
السبب الثاني :التحقري لذكر احلقيقة:
كقوله تعالى﴿ :ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ﴾ [النساء ]43:عدل بلفظ الغائط عن
المراد منه وهو الخارج من اإلنسان لبشاعة ذكره.
كقولك رأيت أسدً ا؛ فإنه أبلغ يف الداللة على الشجاعة لمن حكمت عليه يف قولك:
اجملازي عذبًا:
أهم الـمراجــــع
-احملصول للرازي (.)336-334/1
-البحر احمليط (.)58-56/3
-شرح الكوكب املنري (.)156-155/1
269
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
ومثاله :قول الشخص( :رأيت أسدً ا صاد ًعا بالحق) ،فإن استعمال لفظ (األسد) هنا
شخصا شجا ًعا يجهر بالحق ،وهو غير ما وضع له يف أصل
ً استعمال مجازي؛ ألنه أراد به
مجازا،
ً اللغة ،فإنه وضع للحيوان المفرتس المعروف ،فلما استُعمل يف غير ذلك كان
والعالقة هنا هي الشجاعة التي تجمع بين الشخص الصادع بالحق واألسد.
والقرينة الصارفة للفظ من الحقيقة إلى المجاز هي قوله( :صاد ًعا بالحق)؛
فإن األسد ال شك أنه ال يصدع بشيء حيث إنه ال يتكلم؛ فدل على أن المراد غير الحقيقة.
أنواع القرائن:
االعتبار األول :من حيث صفة ورود القرينة إىل قسمني (قرائن لفظية -
قرائن حالية):
القسم األول :القرائن اللفظية:
وهي أن يذكر المتكلم عقيب ذلك الكالم ما يدل على أن المراد من الكالم األول
غير ما أشعر به ظاهره ،يعني أن المتكلم قرن كالمه بأنه لم يقصد ما يفهم من ظاهر كالمه.
270
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
ومن أمثلته:
-1قوله تعالى﴿ :ﮚ ﮛ﴾ [يوسف ،]82:فلما علم امتناع سؤال األبنية
المجتمعة المسماة بالقرية :علم أنه مجاز ،والتقدير :وأسأل أهل القرية.
-2قوله تعالى﴿ :ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [ال ّطور ،]16:فإنه تعالى قال قبلها:
﴿ﭘ﴾ ،وهذه قرينة لفظية مقارنة للكالم تدل على أن المراد باألمر﴿ :ﭙ﴾
ليس حقيقته من الصرب على العذاب ،وإنما المراد به التسوية بين الصرب وعدمه ،فهذه
فإن قوله ﴿ :ﮥ ﮦ﴾ يدل على أن هؤالء المخاطبين باآلية ليسوا هم من قتل األنبياء،
وأن الفعل المضارع ﴿ :ﮢ﴾ ال يراد به ظاهره ،وإنما يراد به الزمن الماضي ،وعرب
بالمضارع المشعر باستمرار الجرم ألجل رضاهم به ،أو نحو ذلك.
وهي( :هيئات مخصوصة قائمة بالمتكلم ،دا ّلة على أن المراد ليس هو الحقيقة،
بل المجاز)(((.
فالمراد أن القرينة الحالية ليست لف ًظا ُيستدل به على إرادة المتكلم من إطالقه،
وإنما هي إشارة أو هيئة أو غير ذلك من األمور التي ُيفهم منها إرادة المتكلم من حيث
الحقيقة أو المجاز؛ كحال المتكلم عند ورود الخطاب ،أو عالقة المتكلم بالمخاطب،
ومن أمثلتها:
حيث أمره بالمعصية ،ولكن هذا اللفظ غير مراد به ظاهره ،والقرينة الصارفة له عن
الوجوب هي قرينة حالية ،وهي هنا معرفة حال المتكلم ،وهو اهلل سبحانه وتعالى ،وأنه
محال أن يأمر بمعصية ،ففهم الكالم على هذا النحو ،وأن المراد ليس المعنى الحقيقي بل
المجازي؛ وهو إقدار إبليس على ذلك الفعل.
ٍ
غائط، -2قوله ﷺ« :إذا أتيتم الغائط فال تستقبلوا القبلة ،وال تستدبروها ٍ
ببول وال
غربوا»(((.
شرقوا أو ّ
ولكن ّ
فإن ظاهر الحديث يدل على النهي عن استدبار القبلة أو استقبالها مطل ًقا ،إال أن
كثيرا من الفقهاء ذهب إلى أن هذا النهي ليس على عمومه ،وال يراد به ظاهره ،وإنما هو ً
خاص باالستقبال أو االستدبار يف الفضاء فقط.
أما البنيان فال حرج يف االستقبال أو االستدبار فيه ،وهو خروج عن حقيقة العموم
يف الصحراء ،ولذلك فإن هذا يعد قرينة حالية على أن المراد الفضاء فقط دون البنيان.
االعتبار الثاني :من حيث جهة ورود القرينة إىل أربعة أقسام:
وهي القرائن التي تمثل مان ًعا شرع ًّيا من حمل اللفظ على حقيقته ،فتصرفه إلى
المعنى المجازي.
ومن أمثلتها:
-1قوله تعالى﴿ :ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [ق ،]16 :فظاهر اللفظ يدل على أنه
سبحانه وتعالى يف هذه الحالة يحل يف مكان انتزاع الروح من المتوىف؛ إال أن المعلوم من
الشرع بالضرورة يمنع ذلك ،ويمنع حمل اللفظ على حقيقته هنا ،ويحمل على المجاز
وهو أن مالئكته تعالى أقرب إلى اإلنسان من حبل وريده ،والصارف هنا هو القرينة
-2قولهم( :التوكيل بالخصومة) ،فإن الخصومة بمعناها الحقيقي غير مراد هنا،
والقرينة الصارفة له عن المعنى الحقيقي قرينة شرعية؛ حيث إن نفس اللفظ قرينة مانعة
-إقرارا كان أو
ً شر ًعا عن إرادة حقيقة الخصومة ،فهي هنا مجاز عن مطلق الجواب
إنكارا -بطريق استعمال المقيد يف المطلق ،أو الكل يف الجزء؛ بنا ًء على عموم الجواب.
ً
((( أخرجه البخاري ( ،)394ومسلم ( ،)264من حديث أبي أ ّيوب ﭬ ،واللفظ لمسلم.
272
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
عليه هنا قرينة عقلية.
وهي القرائن التي تمنع من حمل اللفظ على حقيقته بدليل الحس ،فإذا منع الحس
من صرف اللفظ إلى الحقيقة وحمل على المجاز من أجلها فإهنا تكون قرينة حسية.
ومن أمثلتها:
فيحمل على استثناء األرض والجبال ونحو ذلك من األشياء التي لم تدمر ،فهنا الحس
كان صار ًفا من الحقيقة إلى ذلك المجاز على القول بأن هذا العام المخصوص مجاز.
-2قول الشخص( :واهلل ال آكل من هذا الدقيق) ،فإن ظاهر اللفظ وحقيقته يقتضي
أنه لو أكل من الدقيق عينه فإنه يحنث ،إال أن الحس يمنع من حمله على الحقيقة؛ فإن
المحسوس والمشاهد أن اإلنسان ال يأكل الدقيق بعينه ،ولكن من الخبز ونحوه ،وذلك
قرينة تفضي إلى حمل اللفظ واليمين هنا على المجاز ،فيحنث لو أكل من الخبز المصنوع
273
الزوائد على روضة الناظر
ومن أمثلتها:
-1قول الرجل المرأته التي أرادت الخروج إلى حاجة يف ساعة معينة:
خرجت ِ
فأنت طالق). ِ (إن
فإن الحقيقة يف يمينه تتناول الخروج مطل ًقا ،فمتى خرجت يف أي وقت أو أي يوم
بعد ذلك تكون طالقة ،ولكن العرف هنا يمنع من حمل اللفظ على تلك الحقيقة؛ ألن
العرف يقتضي أنه أراد يف تلك الساعة التي حلف عليها فيها ،وأنه أراد خروجها إلى ذلك
فإن الدابة لغة حقيقة يف كل ما دب على األرض ،فيتناول من يسكنون الدار من
اآلدميين ،ولكن العرف يمنع من ذلك؛ ألن الدابة يف العرف تخص ذوات األربع ،فيخرج
اإلنسان من ذلك ،وهي حقيقة عرفية لهجران الحقيقة اللغوية يف مثل ذلك ،فهي مجاز
أهم الـمراجــــع
274
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
أقسام التأويل
يف الواقع.
القسم الثالث :التأويل الباطل أو المردود ،ويسمى باللعب وهو ما يكون بغير دليل.
االعتبار الثاني :التقسيم باعتبار ُقرب االحتمال وبُعده إىل ثالثة أقسام:
القسم األول :التأويل القريب :وهو ما إذا كان المعنى المؤول إليه قري ًبا جدًّ ا،
فيرتجح بأدنى مرجح ل ُقربه ،مثل قول اهلل تعالى ﴿ :ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [المائدة،]6 :
أي :إذا عزمتم على القيام.
القسم الثاين :التأويل البعيد :وهو ما يحتاج لبعده إلى المرجح األقوى ،وذكر له
القسم الثالث :التأويل المتوسط :وهو ما إذا كان المعنى المؤول إليه متوس ًطا،
أهم الـمراجــــع
-اإلحكام اآلمدي (.)53-52/3
-التحبري للمرداوي (.)2864-2850/6
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)216-211
-الشامل فـي حدود وتعريفات مصطلحات علم أصول الفقه (.)599-597/2
((( بعد االحتمال وقربه من األمور النسبية ،فيختلف باختالف نظر المجتهد ،وقد أشار ابن قدامة لهذا التقسيم
وتوسع يف ذكر األمثلة ،انظر :روضة الناظر (.)339/2
275
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
متعددة تعود إلى أصلين:
(أحدهما :يدل على مقارنة ،وخالف انفراد.
واآلخر :يدل على امتداد واستقامة)(((.
والمشترك يف االصطالحُ :عرف بعدة تعريفات ،من أشهرها :أنه (اللفظ الموضوع
قولهم( :اللفظ) :جنس يف التعريف يشمل المهمل ،والمستعمل الدال على معنى
واحد ،والدال على معنيين فصاعدًا.
مثل :األلفاظ المتباينة والمتواطئة؛ ألهنا لم توضع لمعنيين ،بل وضعت لمعنى واحد.
قولهم( :أو أكثر) :يراد هبا أن المشرتك يشمل ما وضع لثالثة معان أو أكثر؛
كلفظ (العين).
(أواًل) :قيد يف التعريف يخرج األلفاظ المنقولة والمجازية؛ فإهنا وإن كانت قولهمً :
مستعملة يف عدة معان ،لكنها لم توضع لها بالوضع األول.
ومثال ذلك :لفظ (القرء) ،فإنه مشرتك بين الطهر والحيض على السواء.
ويسمى هذا عند العلماء بالمشترك اللفظي ،ويفرتق عن المشترك المعنوي ،وهو
عبارة عن لفظ كلي غير متعدد المعنى ،بل تتعدد فيه أفراد المعنى ،ويدخل فيه:
-المتواطئ ،وهو :الكلي الذي استوت أفراده يف معناه؛ كلفظ :اإلنسان ،والرجل.
والمش ِّكك ،وهو :الكلي الذي تفاوتت أفراده يف معناه؛ كلفظ :النور ،والبياض.
ُ -
ثان ًيا :أسباب االشرتاك:
تتلخص أهم أسباب وقوع االشرتاك يف اللغة واألدلة النقلية يف ثالثة أسباب:
غيرها من القبائل ،ثم يشتهر الوضعان فيحصل االشرتاك. غير المعنى الذي تستعمله فيه ُ
السبب الثاين :أن للعقالء مقاصد متعددة تدعوهم إلى وضع اللفظ ألكثر من
معنى؛ ولذا فقد تستعمل القبيلة الواحدة لف ًظا ما بإزاء معنيين مختلفين؛ لتحقيق تلك
المقاصد ،منها:
-التكلم بالكالم المجمل لغرض اإلهبام على السامع؛ لئال تقع مفسدة بالتصريح.
السبب الثالث (وهو سبب خاص بوجود المشرتك يف األدلة النقلية) :حصول
االجتهاد من أهله يف تعيين مراد الشارع ،وذلك عن طريق البحث عن القرينة الدالة عليه،
الصورة األولى :اإلطالق :والمراد باإلطالق هنا هو حمل اللفظ المشرتك على
أكثر من معنى من المعاين التي وضع لها اللفظ يف لغة العرب ،فالسياق الذي ورد فيه
ال يجتمعان يف محل واحد ،وهما المتضادان.
سجرت يستعمل بمعنى ملئت وفاضت ،وبمعنى يبست وذهب ماؤها ،فهنا اللفظ وضع
لمعنيين متضادين.
أيضا ما اشتهر يف التمثيل لهذه الصورة ،وهو قوله تعالى﴿ :ﭸ ومنه ً
ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ﴾ [البقرة ،]228 :فال ُق ْرء يطلق ويراد به الطهر تارة ،ويراد به
الباصرة وعلى الجاسوس ،وكلها معان مختلفة ال تطلق على محل واحد من جهة واحدة،
ويف تلك الصورة يعين المراد باللفظ المشرتك بالقرائن ،فلو قيل :قتل الحاكم العين
الخائنة ،فإن القرينة هنا وهي (القتل ،والوصف بالخيانة) يدل على أن المراد بالعين:
278
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
فعلى سبيل المثال :لفظ (الناس) مستغرق للعديد من الماهيات التي تتساوى
يف معنى اإلنسانية ،ولفظ (العين) يطلق على عدة معان :الجاسوس ،والعين الباصرة،
أيضا.
وعين الماء ،وعين الذهب ،وكل تلك الماهيات يطلق عليها عين بصورة متساوية ً
والفرق بين العام والمشرتك من جهة الوضع ،وبيان ذلك أن داللة العام على أفراده
يف الخارج إنما هو بوضع واحد ،بخالف داللة المشرتك على مدلوالته فإهنا متعددة
الوضع؛ فلفظ (الناس) دل على أفراده من الرجال والنساء ،والكبير والصغير ،ونحو ذلك
بخالف المشرتك؛ فإن (العين) تدل على الجاسوس بوضع ،وتدل على العين الجارية
غير الوضع األول ،يعني :أن العرب وضعت لفظ (العين) للداللة على بوض ٍع آخر ِ
الجاسوس ،ووضعت مرة أخرى لفظ (العين) للداللة على عين الماء ،وهكذا.
بذلك تتبين العالقة بين العام والمشرتك اتفا ًقا واختال ًفا.
تصوير املسألة:
إذا ورد المشرتك يف نص من نصوص الشريعة ،أو تكلم متكلم بلفظ يدل على
أكثر من معنى ،كأن يقول( :رأيت عينًا صافية) ،فالعين هنا مشرتك بين عدة معان:
(الباصرة ،والجارية ،والشمس ،والنقد) ،ووصف الصفاء صالح لها كلها.
وعليه فهل يصح أن يراد هبذا اللفظ المشرتك كل معانيه؛ بحيث يتعلق الحكم
أواًل( :انعقد اإلجماع على أن اللفظ المشرتك المفرد يجوز استعماله يف معانيه ،يف
ً
أزمنة عدة ،ويف إطالقات عدة ،ومن متكلمين عدة)(((.
فلو قال :عسعس الليل ،وأراد به :أد َب َر ،وقال يف وقت آخر :عسعس الليل ،وأراد به:
أق َب َل ،فإنه يجوز إطالق هذا المشرتك على معنييه هبذه الصورة باالتفاق.
ٍ
لمعان متضادة أو متناقضة (فال يحمل على ثان ًيا :إذا كان اللفظ المشرتك موضو ًعا
معنييه قط ًعا ...بال خالف)(((.
ومثلوا للمشترك ذي المعاين المتضادة بصيغة( :افعل)؛ فإهنا مشرتكة بين األمر
والتهديد عند بعض العلماء ،فهما متضادان؛ ألن األمر يقتضي طلب الفعل ،والتهديد
يقتضي طلب ترك الفعل.
ومثلوا للمشترك ذي المعاين المتناقضة بحرف( :إلى) على رأي من يجعلها مشرتكة
المشرتك عليها جمي ًعا باالتفاق ،ووجب حمله على ما دلت عليه القرينة.
متكلم واحد ،يف وقت واحد ،وانتفت معه القرينة ،وأمكن حمله على جميع معانيه.
األقوال واألدلة:
اختلف األصوليون يف حكم حمل اللفظ المشرتك على جميع معانيه إذا اتحد
وجمهور المالكية ،والشافعية ،وأكثر الحنابلة ،وهو (الذي يدل عليه كالم عامة الصحابة
القول الثاين :عدم جواز حمل اللفظ المشترك على جميع معانيه ،بل يحمل على
معنى واحد فقط من تلك المعاين ،وعند عدم وجود قرينة تدل على المراد يكون ذلك
من قبيل المجمل المحتاج إلى البيان :وهو مذهب أكثر الحنفية ،وبعض األصوليين من
الدليل الثالث :وقوع ذلك يف القرآن ،والوقوع دليل الجواز ،ومن ذلك:
أواًل :قول اهلل ﴿ :۵ﭲ ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ ﭷﭸ ﭹ ﭺ ﭻ ﭼ
ً
وجه الداللة :أن معنى الصالة من اهلل ۵هي :المغفرة والرحمة ،ومن المالئكة:
فهنا لفظ الصالة حمل على جميع معانيه التي يحتملها بطريق الحقيقة ،وال مانع
من ذلك ،فدل ذلك على جواز استعمال اللفظ المشرتك يف جميع معانيه.
نوقش من وجهين:
الوجه األول :عدم التسليم بأن اللفظ هنا واحد ،وحمل على أكثر من معنى؛
فالضمير يف كلمة (يصلون) متعدد يدل على تعدد الفعل ،وهو راجع إلى ما سبق ذكره.
فيكون التقدير( :إن اهلل يصلي ...ومالئكته يصلون ...يا أيها الذين آمنوا صلوا)،
الوجه الثاين :يمكن حمل اللفظ هنا على معنى واحد وهو الدعاء ،فيكون من اهلل
دعاء بالمغفرة والرحمة ،ومن المالئكة دعاء باالستغفار ،ومن المؤمنين دعاء للرسول ﷺ.
ﭹﭺﭻﭼﭽﭾﭿﮀ ثان ًيا :قولـه ﴿:۵ﭳ ﭴ ﭵ ﭶ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ﴾ [الحج.]18 :
281
الزوائد على روضة الناظر
وجه الداللة :أن السجود هنا لفظ واحد ،وقد ُحمل على أكثر من معنى ،فهو من
العقالء وضع الجبهة على األرض ،ومن الدواب والجماد الخشوع هلل ۵؛ ألن وضع
الجبهة على األرض غير متصور منهم.
نوقش :بأنه وقع العطف بين هذه األشياء بالواو ،والعطف يفيد تكرار العامل يف
الجميع ،فيكون التقدير( :ألم تر أن اهلل يسجد لـه ...وتسجد له الشمس ويسجد له القمر
والنجوم ،)..ويحمل السجود يف كل موضع منها بما يناسبه.
على معنى واحد.
الدليل األول :أن األصل يف اللفظ المشرتك أنه يحمل على معنى واحد من معانيه،
وال بد من وجود قرينة تدل على ذلك المعنى؛ لذا كان المتبادر إلى الذهن عند إطالقه
إرادة أحد معنييه ،ال على سبيل التعيين حتى يظهر من المتكلم إرادة أحد معانيه.
فإذا قيل بجواز حمله على جميع المعاين المحتملة ،كان ذلك على خالف األصل
وخالف المتبادر إلى الذهن.
نوقش :بعدم التسليم بأنه األصل يف لغة العرب ،خاصة أنه قد شاع عندهم استعمال
اللفظ يف جميع معانيه ،فلو قال أحدهم :ال تلمس امرأتك ،عقل من ذلك الجماع واللمس.
الدليل الثاين :أن القول بجواز حمل اللفظ المشرتك على معنييه يلزم منه الجمع
بين المتنافيين؛ وذلك لكون المستعمل مريدً ا ألحدهما غير مريد لآلخر ،فلو قيل
بجواز الجمع بين هذين المعنيين للزم من ذلك كون كل واحد منهما مرا ًدا ،وغير مراد
يف وقت واحد.
نوقش :أنه خارج محل النزاع؛ إذ ال يلزم المستعمل إرادة أحد المعنيين إال إذا كانا
متضادين ،أما إذا لم يكونا متضادين فال مانع من إرادته لهما م ًعا.
نوع اخلالف ومثرته:
الخالف معنوي ،وقد أثمر الخالف يف جواز حمل المشرتك على جميع معانيه
خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية ،منها ما يأيت:
282
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
مسألة :ختيري أولياء الدم بني القصاص والدية فـي القتل العمد العدوان:
فقد ورد المشرتك يف قول اهلل ﴿ :۵ﮝ ﮞ ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ ﮣ﴾
[اإلسراء.]33 :
فكلمة (سلطانًا) لفظ مشرتك بين الدية والقصاص:
-فمن أجاز حمل المشرتك على جميع معانيه :خ َّير أولياء الدم بين القصاص والدية؛
ً
حماًل لكلمة (سلطانًا) على معنييها ،وهما :القصاص والدية.
املكره.
مسألة :طالق َ
ورد المشترك يف حديـث عائشـة ڤ أن النبـي ﷺ قـال« :ال طلاق وال عتـاق
يف إغالق»(((.
ً
حماًل لكلمة -فمن أجاز حمل المشرتك على جميع معانيه :لم يوقع طالق المكره؛
(إغالق) على معنييها ،وهما :الجنون واإلكراه ،فال يقع طالق وال عتاق مجنون أو مكره.
-ومن منع حمل المشرتك على جميع معانيه :حملها على أحد المعنيين عينًا ،فإن كان
لو أوصى شخص لمواليه ،وله موال أعتقوه ،وموال أعتقهم ،فهل تصرف الوصية
-فمن أجاز حمل المشرتك على جميع معانيه :ذهب إلى صرف الوصية إلى جميع
((( أخرجه أبو داود ( ،)2193وابن ماجه ( ،)2046وأحمد ( ،)27002وقال الحاكم يف المستدرك
ٍ
مسلم) .وتعقبه الذهبي بأن فيه( :محمد بن عبيد لم يحتج به مسلم، صحيح على شرط
ٌ ٌ
(حديث (:)2818
وقال أبو حاتم :ضعيف).
283
الزوائد على روضة الناظر
-ومن منع حمل المشرتك على جميع معانيه :أبطل الوصية لوجود اإلجمال فيها؛ واللفظ
ال يحتمل إجراء العموم يف معنييه ،وليس أحدهما بأولى من اآلخر يف صرف الوصية إليه.
أهم الـمراجــــع
284
ابع :تقاسيم األمسا ِء
الر ُ
الباب َّ
واملبنَّي
َّ واملبنِّي
ِّ الفرق بني البيان
المراد منه.
مجازا علىً واملبنِّي بالكسر :يطلق على الشارع؛ إذ عنه تظهر األحكام ،ويطلق ِّ
ويظهر أن البيان والمب َّين بالفتح هما بمعنى واحد عند ابن قدامة.
وعلى هذا يمكن التفريق بين البيان والمب ِّين -بالكسر -أن البيان أعم من المب ِّين؛
ألن البيان يشمل البيان االبتدائي وبيان المجمل ،أما المب ِّين بالكسر فاستعمال أكثر
أهم الـمراجــــع
-الصحاح ( )2083 -2082/5مادة (بني).
-شرح خمتصر الروضة (.)674/2
-اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (.)23/3
-نظرات األصوليني حول البيان والتبيني (ص .)29 -25
معنى هذه القاعدة :أن بيان المجمل يحصل بوسائل كثيرة؛ فمن ذلك :الكالم،
والكتابة ،واإلشارة ،والفعل ،والتقرير ،وأنه كذلك يحصل بوجوه أخرى من أوجه البيان،
بحيث يمكننا أن نقول :إن البيان يحصل بكل ُمق ِّي ٍد شرعي.
ً
استدالاًل عقل ًّيا؛ فيبين به العلة ،أو مأخذ الحكم ،أو الوجه األول :أن يستدل الشارع
فائدة ما ،كما قال تعالى يف صفة ماء السحاب﴿ :ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ﴾
[فاطر ،]9 :وقال﴿ :ﭵ ﭶ ﭷ ﭸﭹ ﭺ ﭻ﴾ [الروم ،]19 :ونظائره كثيرة.
فبين سبحانه وتعالى لنا بذلك طريق االستدالل على إمكان البعث والمعاد.
ونحو ذلك من طرق االستدالل على التوحيد ونفي الشريك وغيرها من األمور
فعاًل قد أمر به؛ أو قد سبق منه فعله ليبينالوجه الثاين :الرتك :مثل أن يرتك الشرع ً
برتكه له عدم وجوبه.
الوجه الثالث :السكوت بعد السؤال عن حكم الواقعة ،ف ُيعلم بذلك أن ال حكم
للشرع فيها .هذه ثالثة وجوه ،وهناك غيرها من الوجوه ال زال العلماء يستدلون هبا لتبيين
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)684-681/2
-قواعد األصول ومعاقد الفصول (ص.)100-98
-التحبري للمرداوي (.)2813-2808/6
286
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب اخلامس:
األمرَّ ،
والنهي ،والعموم،
واخلصوص ،واملفاهيم
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
وهي أن يذكر المتكلم عقيب الكالم ما يدل على أن المراد من الكالم األول غير
ما أشعر به ظاهره(((؛ كورود لفظ يف النص يدل على أن المراد الندب ال الوجوب؛ كما
قال يف ال ّثالثة« :لمن شاء» ،كراهية أن يتّخذها النّاس سنّ ًة ((( ،فقوله« :لمن شاء» دال على
إرادة إيجاب الكفر أو حتى تخيير العبد فيه ،ومنها قوله يف تتمة اآلية ﴿ﭾ ﭿ ﮀ
ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ﴾ اآليات [الكهف ،]29 :صرفت األمر من اإليجاب أو غيره من
وهي :دليل غير لفظي ابتداء يصاحب الخطاب فيؤثر فيه داللة ،أو ثبو ًتا أو إحكا ًما
أو ترجيحا(((.
كورود األمر بعد الحظر؛ فإنه يدل على اإلباحة أو عود األمر إلى ما كان عليه قبل
الحظر على خالف بين األصوليين والفقهاء.
وذلك كما يف قوله تعالى﴿ :ﯝ ﯞ ﯟ﴾ [المائدة ،]2 :فإنه يدل على إباحة
محظورا على المحرم حال إحرامه ،فورود األمر والحال هنا حال أمر
ً الصيد بعد أن كان
بعد حظر هو القرينة التي صرفت األمر إلى اإلباحة.
وكما يف قوله تعالى﴿ :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ﴾ [آل عمران ،]193 :فإنه بصيغة األمر ،مع
إلى الدعاء.
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :تعريف النهي:
النهي لغة :خالف األمر وهو الكف.
اصطالحا( :اقتضاء كف على جهة االستعالء)(((.
ً
قولهم( :اقتضاء كف) :خرج عنه األمر ألنه اقتضاء فعل.
أشار ابن قدامة إلى أن صيغة النهي ال تفعل؛ حيث قال( :وباب النهي :ال تفعل)(((.
الصيغة األولى :التصريح بلفظ النهي؛ كقول ابن عمر ﭭ :أن رسول اهلل ﷺ
«نهى عن النجش»(((.
الصيغة الثانية :صيغ فعل األمر الطالبة للرتك واالنتهاء عن الشيء؛ مثل:
دع ،اترك ،اجتنب ،كف ..،إلخ ،ومن أمثلته قوله تعالى ﴿ :ﯩ ﯪ ﯫ
أهم الـمراجــــع
بيان املعاني
اليت تستعمل فـيها صيغة النهي
ترد صيغة النهي للعديد من املعاني ،أبرزها عشرة:
املعنى األول :التحريم:
فيها كلها للتحريم ،وهو حقيقة فيها ،مجاز يف غيرها من المعاين.
كما يف قوله ﷺ« :ال يمسكن أحدكم ذكره بيمينه وهو يبول»((( ،فحمل على الكراهة.
كقوله﴿ :ﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ
ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﴾ [البقرة﴿ ،]286 :ﯫ ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾ [آل عمران ]8 :فكلها دعاء؛
إذ ال ينهى العبد ربه سبحانه.
((( أخرجه البخاري ( ،)154ومسلم ( )267واللفظ له ،من حديث أبي قتادة األنصاري ﭬ.
292
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
املعنى التاسع :التحذير:
كقوله تعالى﴿ :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ﴾ [آل عمران ]102 :فالمراد :فمن مات وهو غير
أهم الـمراجــــع
-البحر احمليط (.)370-367/3
-التحبري للمرداوي (.)2285-2279/5
-شرح الكوكب املنري (.)83-77/3
293
الزوائد على روضة الناظر
ً
أواًل :تصوير املسألة:
إذا ورد النهي متجر ًدا عن القرائن ،فهل يقتضي التحريم ،أو أن داللته تكون
النهي إذا وردت معه قرينة تدل على المراد منه فإنه يحمل على ما دلت عليه القرينة
من التحريم أو الكراهة بال خالف ،أما إذا ورد النهي مجر ًدا عن القرائن فقد اختلف
األصوليون يف داللته.
والحنابلة.
الدليل األول :إجماع الصحابة؛ فإهنم كانوا يرجعون إلى ظواهر النواهي يف ترك
ُخابِ ُر وال نرى بذلك ً
بأسا حتّى زعم رافع بن الشيء ،من ذلك قول ابن عمر ﭭُ :كنَّا ن َ
«أن رسول اهلل ﷺ نهى عن ا ْل ُمخَ ا َب َر ِة» فرتكناها(((.
خديجٍ ّ :
((( أخرجه النسائي ( ،)3917وابن ماجة ( ،)2450وأحمد ( .)2087وأصله عند البخاري (،)2344( )2343
ومسلم ( )1547من حديث ابن عمر ﭭ.
294
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
الدليل الثاين :أن السيد إذا هنى عبده عن فعل الشيء فخالفه عاقبه ،ولم يلم يف
عقوبته ،فلو لم يكن النهي يقتضي التحريم لما استحق العقوبة.
الدليل الثالث :قول اهلل تعالى﴿ :ﮤ ﮥ ﮦ ﮧ ﴾ [الحشر.]7 :
ووجه الداللة :أن اهلل أمر باالنتهاء عما هنى عنه رسوله ﷺ ،واألمر يقتضي
اإليجاب ،ومخالف الواجب واقع يف الحرام.
التحريم والكراهة وهو :ترك الفعل ،وأن تركه خير من فعله ،وهذا معلوم ،أما لزوم
العقاب بفعله فغير معلوم ،وما ال عقاب عليه ال يكون محر ًما.
نوقش :بأن غاية ما لديكم هو الجهل بلزوم العقاب يف ارتكاب النهي ،وقد سبق
ألن كون النهي موضو ًعا للكراهة أو التحريم إما يعلم بنقل أو عقل ،ولم يوجد
حقيقة فيه ،وما سوى ذلك من المعاين واألحكام تكون من قبيل المجاز.
الخالف يف المسألة معنوي ،وقد أثمر الخالف يف داللة النهي المجرد عن القرائن
مسألة :الصالة فـي املواطن السبعة اليت ورد النهي عنها ،فقد اختلف فيها العلماء:
فمن رأى أن النهي المجرد عن القرائن يقتضي التحريم قال بحرمة الصالة فيها.
ومن رأى أن النهي يقتضي الكراهة قال بكراهة الصالة يف تلك المواطن.
ومن ذهب إلى مذهب التوقف أعمل القرائن فيما يصرف إليه النهي فيها.
295
الزوائد على روضة الناظر
أهم الـمراجــــع
-العدة ألبي يعلى (.)428-425/2
-التحبري للمرداوي (.)2283/5
-دالالت األلفاظ فـي مباحث األصوليني (.)334-327/1
-دالالت األلفاظ عند شيخ اإلسالم ابن تيمية (.)426-424/2
296
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
ً
أواًل :تصوير املسألة:
يأيت النهي من الشارع الحكيم للمكلف ،ويطلب منه ترك فعل معين كقول اهلل
أو المطلوب تركه مرة واحدة فقط؟
إذا وجد مع النهي قرينة تفيد التكرار أو عدمه فإنه يعمل هبا بال خالف.
وأما إذا وجد النهي مجر ًدا عن القرائن فهل يقتضي تكرار المنهي عنه من قبل
دائما،
وسقوطه ،قال اآلمدي( :اتفق العقالء على أن النهي عن الفعل يقتضي االنتهاء عنه ً
الدليل األول :ما تقدم من حكاية اإلجماع باقتضاء النهي التكرار ،يقول ابن النجار:
(وحكاه أبو حامد وابن برهان وأبو زيد الدبوسي إجما ًعا)(((.
الدليـل الثـاين :أن النهـي المطلـق عـام يف جميـع األزمان ،فلـزم منه أنه يفيـد التكرار،
وإال لم يشـمل جميـع األزمـان؛ ذلـك أن النهي يقتضـي عدم اإلتيان بالفعـل ،وعدم اإلتيان
ال يتحقـق إال بترك الفعـل يف جميـع أفـراده يف كل األزمنـة ،فـدل على أن النهـي يفيد تكرار
تـرك المنهي عنه.
أهم الـمراجــــع
-العدة ألبي يعلى (.)428/2
-اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (.)1009-1008/3
-شرح خمتصر الروضة (.)447-444/2
-شرح الكوكب املنري (.)98/3
-اآلراء الشاذة فـي أصول الفقه (.)780-771/2
298
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
ً
أواًل :تصوير املسألة:
إذا أتى النهي من الشارع الحكيم للمكلف ،وطلب منه الكف عن فعل معين ،فهل
يلزم المكلف االستجابة عقيب النهي ويأثم بالتأخير ،أم للمكلف الرتاخي عن الكف؟
إذا وجد مع النهي قرينة تفيد الفورية أو عدمها فإنه يعمل هبا بال خالف.
وأما إذا وجد النهي مجر ًدا عن القرائن ،فهل يقتضي الفورية من قبل المكلف
هذه المسألة لها ارتباط بالمسألة السابقة وهي داللة النهي على التكرار ،فيلزم
من الدوام على ترك المنهي عنه المبادرة إلى االمتثال؛ ولذلك يقول القرايف :$
وأيضا يقول ابن النجار( :ويؤخذ من كونه للدوام كونه للفور؛ ألنه من لوازمه)(((.ً
ويمكن االستدالل على المسألة بما سبق من أدلة داللة النهي على التكرار.
أهم الـمراجــــع
-العدة ألبي يعلى (.)428/2
-شرح الكوكب املنري (.)98-96/3
-اآلراء الشاذة فـي أصول الفقه (.)770-761/2
ً
أواًل :تصوير املسألة:
إذا هنى اهلل ۵عن شيء فإن المكلف ال يتمكن من االمتثال إال بالتلبس بضده؛ إذ
وهذه المسألة مما يقل فيها حديث األصوليين ،ولم يذكرها ابن قدامة يف الروضة؛
اكتفا ًء ببحث مقابلتها يف مباحث األمر ،وهي مسألة( :األمر بالشيء هل هو هني عن ضده؟)،
ولم يبحثها على االستقالل إال القليل من األصوليين على سبيل االختصار.
(أما النهي عن الشيء فأمر بضده إن كان له ضد واحد باالتفاق كالنهي عن الحركة يكون
أمرا بالسكون)(((.
ً
اختلف األصوليون يف النهي إذا كان له أضداد هل هو أمر بضدها؟ على أقوال
القول األول :أن النهي عن الشيء أمر بضده إن كان له ضد واحد ،أو بأحد أضداده
من طريق المعنى ،وإليه ذهب الحنفية ،والمالكية ،وأكثر الشافعية ،والحنابلة.
القول الثاين :أن النهي عن الشيء أمر بضده إن كان له ضد واحد ،أو بأحد أضداده
من طريق اللفظ ،أو إن النهي عن الشيء نفس األمر بضده ،ونسب لألشاعرة.
أمرا بضده أو بأحد أضداده مطل ًقا ،ونسب
القول الثالث :أن النهي عن الشيء ليس ً
إلى المعتزلة.
دليل القول األول (أنه أمر بالضد أو أحد األضداد معنى):
أن النهي عن الفعل يتضمن وجوب الكف عنه ،والكف ال يتحقق إال بفعل أحد
األضداد ،فيكون النهي متضمنًا لألمر بأحد أضداده ال محالة.
دليل القول الثاني (أنه أمر بالضد أو أحد األضداد ً
لفظا):
نوقش من وجهين:
الوجه األول :بعدم التسليم أن النهي واألمر ال صيغة لهما ،بل لهما صيغة يعرف
الوجه الثاين :أن الصواب معتقد أهل السنة والجماعة يف كالم اهلل ،وأنه لفظ ومعنى،
وأبيح لك غيره ،فلو كان النهي يتناول ذلك؛ لم يجز نفيه بما يقرتن به.
نوقش :أنا ال نسلم هذا ،وإنما يصح أن يرد بإباحة بعض أضداده ،ال جميعها.
301
الزوائد على روضة الناظر
أهم الـمراجــــع
-ميزان األصول (.)145-144/1
-العدة ألبي يعلى (.)431-430/2
-شرح خمتصر الروضة (.)385-380/2
-القواعد والفوائد األصولية (.)807-799/2
-دالالت األلفاظ فـي مباحث األصوليني (.)367-363/1
-دالالت األلفاظ عند شيخ اإلسالم ابن تيمية (.)440-432/2
302
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
مبحث األمر والنهي هو أحد المباحث الرئيسة يف علم أصول الفقه ،التي أفردت
لها أبواب خاصة يف مصنفات األصوليين؛ ألهمية متعلقها الذي هو الوحي ،وما يرتتب
عليه من فهم كالم الشارع.
إال يف القليل الذي اختلف فيه النهي عن األمر.
ذهب جمهور األصوليين إلى أن االمتثال لألمر يحصل بفعل المأمور به مرة واحدة،
بخالف النهي ،فإنه ال يحصل إال بتكرار االمتثال للنهي أبدً ا.
فلو قال اآلمر تصدق ،فإن هذا األمر يقتضي فعل التصدق مرة واحدة ال بتكرار،
وإذا هناه عن الزنى ،فالمقصود ترك ماهيته ،باالستمرار على عدمها ما عاش ،حتى لو عمر
ألف سنة أو أكثر ،وزنى يف آخر ساعة من عمره لعد مخال ًفا عاص ًيا.
أن االستطاعة تشرتط يف األمر دون النهي ،يظهر ذلك من قوله ﷺ« :إذا أمرتكم
بأمر فأتوا منه ما استطعتم ،وما نهيتكم عنه فانتهوا»(((.
وذلك أن النهي لدفع المفاسد ،واألمر لتحصيل المصالح ،واعتناء الشارع بدفع
المفاسد أكثر من اعتنائه بتحصيل المصالح؛ ألن المفاسد يف الوجود أكثر ،فاشرتطت
االستطاعة لألمر دون النهي ،وألن النهي عن الشيء موافق لطبيعة اإلنسان بعدم الفعل،
بخالف األمر.
أن األمر بعد النهي يدل على اإلباحة ،والنهي بعد األمر يدل على التحريم،
وابتغاء فضل اهلل :البيع؛ حيث جاء بعد النهي عنه ،فاقتضى إباحته.
ومثال النهي بعد األمر :كأن يقول الرجل البنه( :ك ُْل من هذا الطعام) ،ثم يقول له
بعد ذلك( :ال تأكل منه) ،فقد جاء النهي بعد األمر ،فاقتضى حظر األكل عليه.
وبقطع النظر عن مدى رجحان تلك المسائل األصولية إال أن المراد بيان أبرز
الفروق بين األمر والنهي التي قد يناط هبا بعض التفريعات األصولية.
أهم الـمراجــــع
304
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
أقسام اللفظ
من حيث عمومه وخصوصه
ينقسم اللفظ من حيث عمومه وخصوصه إىل أربعة أقسام:
القسم األول :خطاب عام اللفظ واملعنى:
«ح ِّرم لباس األشعري ﭬّ ،
أن رسول اهلل ﷺ قالُ : كما يف حديث أبي موسى
ِّ
العقوق كلها.
أهم الـمراجــــع
-الرسالة للشافعي (.)61-53/1
-تقريب الوصول (ص.)159-158
-البحر احمليط (.)338-336/4
صحيح).
ٌ ((( أخرجه الرتمذي ( ،)1720والنسائي ( .)5148قال الرتمذي( :حس ٌن
305
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
الفرق بني العام واسم العدد:
يتضح الفرق بين اسم العدد والعام ،من جهة أن اسم العدد هو اللفظ الدال على
الكثرة المعينة ،أما اسم العام فإنه يدل على الكثرة غير المعينة.
وبيان ذلك :أن اللفظ إن دل على وحدات متعددة وهي الكثرة ،فإن كانت تلك الكثرة
معينة -كعشرين وثالثين -فهو اسم العدد ،وإن كانت غير معينة -كلفظ (الناس) -فهو العام؛
ألن الكثرة يف الناس غير معينة أو محددة ،بخالف عشرين وثالثين ونحو ذلك.
وقد يجتمع العام والعدد يف لفظ واحد ،نحو( :المائة) و(األلف) ،فإذا نظرنا إلى
المئـات بلا حصـر ،وكـذا أفـراد األلف تتنـاول كل اآلالف بلا حصر بمعـدود معين من
األلـف ،كان كل منهمـا عا ًّمـا فيه ،وهـو المئات يف المائـة ،واآلالف يف األلف.
أهم الـمراجــــع
اختلف األصوليون يف كون العموم من عوارض المعاين على قولين رئيسين:
القول الثاين :أنه يكون من عوارض المعاين حقيقة كما هو يف اللفظ ،وهو اختيار
وليس المراد بقولهم :من (عوارض المعاين) المعاين التابعة لأللفاظ؛ فإن هذه
ال خالف يف عمومها ألن لفظها عام ،وإنما المراد المعاين المستقلة كالمقتضى والمفهوم
ونحو ذلك.
أنه يف الحقيقة ال يعرض إال لصيغة لفظية ،كالمسلمين والمشركين ،ونحو ذلك من
صيغه ،كما أن الصحة والسقم ال يعرضان بالحقيقة إال للحيوان ،واالتصال واالنفصال
-أنه لو قيل :إن استعمال العموم يف األلفاظ ويف المعاين استعمال حقيقي ،للزم
من ذلك أن يكون العموم مشرتكًا لفظ ًّيا بين األلفاظ والمعاين ،واالشرتاك خالف األصل،
مجازا بخالفه يف األلفاظ ،فإنا نكون قد
ً لكن لو قيل :إن العموم من عوارض المعاين
تخلصنا من االشرتاك.
-ولو أريد بالعموم :استغراق اللفظ لمسمياته ،فهو من عوارض األلفاظ خاصة،
وإن أريد بالعموم :شمول أمر لمتعدد مطل ًقا ،دون النظر إلى تساوي الن َِّسب أو ال،
فهو من عوارض األلفاظ والمعاين م ًعا ،حيث عطاء األمير يعم الناس مثال ،لكنه ال يساوي
بينهم يف قدر المعطى لكل واحد.
وإن أريد بالعموم :شمول مفهوم األفراد فهو من عوارض المعاين خاصة.
وبذلك يتبين أن الخالف لفظي ،ألنه مبني على الخالف يف مفهوم العموم عند كل طائفة.
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)225-224
-العقد املنظوم (.)144-141/1
-تشنيف املسامع (.)649-647/2
-التحبري للمرداوي (.)2326-2323/5
-بيان املختصر لألصفهاني (.)111-108/2
-املهذب فـي علم أصول الفقه املقارن (.)1466-1453/4
308
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
ً
أواًل :تصوير املسألة:
األصل يف صيغ العموم أهنا تدل على كافة أفرادها المندرجة تحتها ،ولكن قوة
ثان ًيا :حترير حمل النزاع:
أقل ما يصدق عليه اللفظ ،وهو الواحد إذا كان اللفظ غير جمع ،واالثنين أو الثالثة يف الجمع.
رجاًل واحدً ا غير معين قط ًعا ،وكلمة ومثال ذلك :كلمة (الرجل) العامة :تشمل ً
ثان ًيا( :إن قام دليل على انتفاء تخصيص العام كانت داللته قطعية اتفا ًقا)(((.
ومثال ذلك :قوله تعالى ﴿ :ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾[الحجرات ،]16 :فإنه عام ال يحل
-إما أن تدل القرائن على تعيين األفراد المخصوصة ،فتكون داللة العام ظنية
ومثال ذلك :قوله تعالى ﴿ :ﮬ ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ﴾ [آل عمران ،]97 :فإن لفظ
(الناس) عام خص منه المجنون والصبي ،فأصبحت داللته ظنية.
((( المراد بالقطع هنا :أن صيغ العموم تدل عليه يقينًا ،فال يرد عليها احتمال التخصيص الناشئ عن دليل.
والمراد بالظن :أهنا تدل على العموم مع احتمال ورود التخصيص عليها ،لكن العموم فيها أرجح من الخصوص
ما لم يرد دليل التخصيص.
((( الغيث الهامع شرح جمع الجوامع (ص.)273
((( البدر الطالع يف حل ألفاظ جمع الجوامع ( )340/1بتصرف.
((( وأشار بعض العلماء إلى خالف ضعيف يف المسألة ،انظر :القطع والظن عند األصوليين (ص.)333
309
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
-وإما أن تدل القرائن على أن اللفظ العام غير قابل للتعميم دون تعيين المخصوص
منه ،فإنه يكون كالمجمل يتوقف فيه حتى يتبين المراد منه باالتفاق.
قال الزركشي( :ليخرج ما يثبت إنه غير مجمل للتخصيص بدليل ،فإن
داللته على األفراد قطعية بال خالف؛ كقوله تعالى﴿ :ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ﴾.
وكذلك ما ال يحتمل إجراؤه على العموم ،أي ال يمكن اعتبار العموم فيه ،لكون المحل
غير قابل له)(((.
للتعميم يف كل الوجوه؛ لعلمنا بتساويهما يف البشرية ،والوجود ،ونحو ذلك ،فعلم أن نفي
المساواة مخصوص ببعض الوجوه دون بعض.
راب ًعا :محل الخالف يف داللة العام المجرد عن القرائن على كل فرد من أفراده فيما
وإليه ذهب جمهور العلماء من المالكية ،والشافعية ،والحنابلة ،واختاره بعض الحنفية.
القول الثاين :أن داللة العام على أفراده داللة قطعية:
وإليه ذهب جمهور الحنفية ،وبعض الحنابلة ،ونقل عن اإلمام الشافعي ،ويحكى
نوقش :بأن االحتمال إذا لم ينشأ عن دليل فال أثر له ،فكما أن الخاص يرد عليه
احتمال المجاز ،وال يقدح يف قطعيته ،فكذلك العام يرد عليه احتمال التخصيص ،فينبغي
أن ال يؤثر يف قطعيته.
أجيب :بأن قياس العام على الخاص يف عدم تأثير االحتمال فيهما قياس مع الفارق،
ويتبين الفرق من وجهين:
الوجه األول :أن ورود االحتمال على الخاص ليس شائ ًعا كشيوعه على العام ،بل:
وعليه فإن احتمال التجوز يف (الخاص) ضعيف ،واحتمال التخصيص يف (العام)
غالب ،فافرتقا.
الوجه الثاين :أن إخراج بعض أفراد العام عنه ال يخرجه عن حقيقته ،بل يبقى
ً
متناواًل لبقية أفراده ،وهذا ال يتصور يف الخاص ،فإن ورود المجاز عليه بعد تخصيصه
يخرجه عن حقيقته.
الدليل الثاين :صحة تأكيد اللفظ العام ،كما يف قول اهلل تعالى﴿ :ﯶ ﯷ
ﯸ ﯹ﴾ ِ
[الحجر ،]30 :ولو كان العموم يفيد القطع لما احتيج إلى تأكيده.
نوقش :بأن التأكيد مستعمل يف اللغة ،وال يدل على عدم قطعية ما يؤكده ،بدليل أنه
يرد على األعداد -وهي قطعية -كما يف قوله تعالى﴿ :ﰏ ﰐ ﰑ ﴾[البقرة.]196 :
الدليل األول :أن األلفاظ تدل على معانيها يف اللغة قط ًعا ،وألفاظ العموم موضوعة
للعموم فتكون قطعية الداللة على كل فرد من أفراده حتى يرد ما يصرفها عن ذلك.
نوقش من وجهين:
الوجه األول :عدم التسليم بأن داللة كافة األلفاظ يف اللغة قطعية ،بل منها ما يعد
ظاهرا فيما وضع له ،كألفاظ العموم؛ لما ذكر من ورود احتمال التخصيص عليها. ً
الوجه الثاين :على فرض التسليم بأن داللة األلفاظ قطعية على ما وضعت له،
فإن هذا مسلم إذا لم يوجد للفظ استعمال عريف أو شرعي ،وهذا متحقق يف ألفاظ العموم،
كثيرا ،ويراد هبا بعض أفرادها.
فإهنا تستعمل يف الشرع ً
311
الزوائد على روضة الناظر
الدليل الثاين :لو جاز أن يرد العام ويراد به بعض أفراده من غير قرينة تدل على ذلك
للزم التلبيس ،والتكليف بالمحال؛ فالسامع ال يمكنه معرفة المراد منه ،فإذا ُك ِّلف مراعاة
هذا االحتمال كان ذلك تكلي ًفا بما ال يطاق؛ ألن إرادة المتكلم خفية ال تعلم إال بداللة منه.
نوقش :بعدم التسليم ،فال يلزم من استعمال العام يف بعض أفراده الوقوع يف
التلبيس ،أو التكليف بالمحال؛ ألن المكلف مطالب بالعمل بالظاهر ،وهذا ليس فيه
تلبيس وال استحالة؛ فالعام ظاهر يف شموله لجميع أفراده ،فيجب عليه العمل بذلك ما
راب ًعا :نوع اخلالف ومثرته:
الخالف معنوي ،وقد أثمر الخالف يف داللة العام خال ًفا يف بعض المسائل
إفادة الظن.
وبعض من قال بأن داللة العام قطعية :منع تخصيصه بالدليل الظني؛ ألهنما غير
متساويين يف قوة الداللة والثبوت ،فالعام قطعي ،واآلخر ظني ،وذلك بناء على اشرتاطهم
تساوي العام والخاص عند التخصيص.
يف الداللة ،فالخاص القطعي مقدم على العام الظني يف األفراد المخصوصة ،ويبقى العمل
كل يف موضعه المناسب.بالعام يف األفراد غير المخصوصة ،وهبذا يتم العمل هبما م ًعاٌّ ،
ومن قال بأن داللة العام قطعية :أثبت التعارض بينهما بالقدر الذي يدل عليه
الخاص؛ لتساويهما يف القطعية ،فيعمل حينها بقواعد دفع التعارض ،وهذا من شأنه
أن ينتج أحكا ًما مخالفة لما عليه أصحاب القول األول ،ومن ذلك :إمكانية نسخ العام
للخاص إذا تأخر عنه.
312
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
أهم الـمراجــــع
313
الزوائد على روضة الناظر
يقسم العام باعتبارات مختلفة ،أهمها اعتباران( :التخصيص -طريق معرفة العموم).
االعتبار األول :تقسيم العام باعتبار ختصيصه إىل قسمني:
(عام محفوظ -عام مخصوص).
المشمولة بلفظه بال استثناء.
مثاله :قوله تعالى ﴿ :ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﴾ [هود.]6 :
وهو اللفظ العام الذي زال عمومه ودخله التخصيص ،فيتناول بعض أفراده
فقوله تعالى ﴿ :ﭮ ﭯ ﭰ ﭱ ﴾ لم يبق على عمومه؛ فخرج منه األخت من
الرضاعة إن كانت بملك اليمين؛ لقوله تعالى ﴿ :ﮑ ﮒ ﮓ﴾ [النساء.]23 :
االعتبار الثاني :تقسيم العام باعتبار طريق معرفة عمومه إىل ثالثة أقسام:
وهو ما استفيد عمومه من جهة اللغة فقط ،بمعنى أن اللفظ قد وضع يف اللغة
للعموم ،وهو الذي تناوله األصوليون يف باب العموم ،ومبناه على ألفاظ العموم ،فإذا
أطلق العام والعموم كان المراد هبما اللفظي.
القسم الثاين :العموم العريف:
وهو ما استفيد عمومه من جهة العرف مع كون اللفظ بمقتضى وضعه اللغوي
ال يفيد العموم.
314
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
الصورة األولى :العموم المستفاد بطريق االستقراء.
الصورة الرابعة :عموم المفهوم؛ سواء كان مفهوم موافقة ،أم مخالفة.
«إذا بلغ الماء قلتين لم يحمل الخبث»((( ،فمنطوقه خاص بما بلغ القلتين ،وال تعرض فيه
لما نقص عن القلتين بالذكر ،ولكن مفهومه يدل على أن كل ماء نقص عن القلتين يحمل
((( وهذا النوع محل خالف وأشار إليه ابن قدامة ،انظر :روضة الناظر (.)346/2
((( انظر :روضة الناظر ()408/2
((( انظر :روضة الناظر()404/2
((( أخرجه أبو داود ( ،)63والرتمذي ( ،)67والنسائي ( ،)52وأحمد ( ،)4605والحاكم ( ،)461والبيهقي يف
معرفة السنن واآلثار ( ،)1882قال الحاكم( :وقد صح وثبت هبذه الرواية صحة الحديث) ،وقال البيهقي:
ٌ
موصول) ،وقد استوعب الدارقطني أسانيده يف العلل ( ،)435/12وحكم بكونه محفو ًظا؛ صحيح
ٌ (وهذا إسنا ٌد
وال وجه للقول باضطرابه.
315
الزوائد على روضة الناظر
الخبث ،أي :يتنجس بمالقاة النجاسات ،وإن لم يتغير لونه أو طعمه أو ريحه؛ سواء أكان
هذا الماء راكدً ا أم جار ًيا ،وسواء أكان يف إناء أم يف بئر ونحوها.
الصورة الخامسة :عموم العلة المنصوصة أو المومأ إليها:
مثالالعلةالمنصوصة:قولهﷺ«:إنما ُجعلاالستئذانمنأجلالبصر»((( فالرسول ﷺ
ع ّلل االستئذان على الناس يف بيوهتم من أجل تحريم النظر إلى عورات الناس ،وما
ال يودون االطالع عليه داخل بيوهتم.
يف المجلس أن ينظر إلى ما يف داخل غرف النوم ،وال يجوز له أن يطلع على ما خبأه
صاحب البيت يف صندوق ،أو محفظة ،ونحو ذلك بغير إذنه.
ومثال العلة المومأ إليها :ما جاء يف حديث أبي بكرة الثقفي ﭬ ،أن رسول اهلل ﷺ
الرتوي يف الحكم
حكم بين اثنين وهو غضبان»((( ،فيشمل كل ما يمنع ّ ٌ يقضين
ّ قال« :ال
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :معنى اللفظ اخلاص:
(خص) ،يدل على معنى اإلفراد بالشيء ،يقال:
َّ الخاص يف اللغة :اسم فاعل من
ّ
شرح التعريف:
قولهم( :اللفظ) :جنس يف التعريف يشمل كافة األلفاظ.
قولهم( :الدال) :قيد يف التعريف يخرج األلفاظ المهملة؛ لعدم داللتها على شيء.
واحد باستغراق.
بأفراد بأعياهنم ،والواحد بالنوع كلفظة (رجل) ،والواحد بالجنس كلفظة (إنسان)،
والواحد بالمعاين كلفظة ِ
(الع ْلم) ،فكلها من قبيل الخاص؛ لداللتها على واحد معين،
لكوهنا وضعت وض ًعا واحدً ا لما تدل عليه من عدد ،فهي خاصة بذلك العدد ،وتفرتق
عن العام بكوهنا محصورة؛ ولذا رأى بعض األصوليين ضرورة التنصيص على قيد
(الكثرة المحصورة) يف التعريف.
((( وهذا تعريف شيخ اإلسالم ابن تيمية يف المسودة فـي أصول الفقه (ص ،)571وقريب منه تعريف الطويف يف
شرح مختصر الروضة (.)550/2
317
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
نظرا
ولهذا فإن العلماء قد يطلقون وصف (الخاص) على بعض ألفاظ العموم؛ ً
لما هو أعم منها ،فتكون خاصة بالنسبة لما هو أعم منها ،عامة بالنسبة لما هو أخص منها.
خاصا؛ ولذا
ً وقد أورد على قيد (بعينه) :أنه أخرج المطلق -ونحوه -مع كونه
استغني عنه يف تعريفات أخرى؛ ليشمل الخاص المعين كزيد ،وغير المعين كرجل.
وهبذا ُيعلم أن مصطلح (الخاص) ينطبق على :األمر والنهي ،والمطلق والمقيد،
ونحوها؛ لخصوصيتها بمعانيها.
االعتبار األول :أنواع اخلاص بالنظر إىل كليته وعدمها ،وينقسم إىل ثالثة أقسام:
القسم الثاين :خاص نوعي ،مثل :رجل وامرأة وفرس ،ويدخل تحته الواحد
االعتباري.
االعتبار الثاني :أنواع اخلاص بالنظر إىل ما وضع له ،وينقسم إىل قسمني:
أهم الـمراجــــع
318
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
إذ هي داللة على فرد بعينه كزيد ،أو كثير لكنه محصور ،وهي داللة قطعية؛ ألنه
ال احتمال لتخصيصه كالعام ،بل النص الخاص دال على الفرد المراد به قط ًعا.
لكن اللفظ الخاص محتمل للمجاز باتفاق العلماء ،قال أمير بادشاه( :االتفاق على
إطالق قطعي الداللة على الخاص واقع ،وعلى احتماله -أي الخاص -المجاز)(((.
ومن هنا يمكن القول بأن :داللة الخاص داللة قطعية من ناحية داللته على الفرد
المخصوص باالتفاق ،أما من ناحية احتمال لفظه غير حقيقته :فليست قطعية باالتفاق.
أهم الـمراجــــع
-التقرير والتحبري (.)241-238/1
-التحبري للمرداوي (.)2649-2643/6
-املطلق واملقيد وأثرهما يف اختالف الفقهاء (ص.)79-73
املراد بالتخصيص،
والفرق بينه وبني التقييد
التخصيص لغة :تمييز بعض الجملة.
واصطالحا( :قصر العام على بعض أجزائه)(((.
ً
الوجه األول :أن كل ما ذكر يف تخصيص العموم من متفق عليه ومختلف فيه من
مسائل :جار يف تقييد المطلق.
يف الشمول االستغراقي للعام ،والثاين يؤثر يف الشمول البدلي التناوبي للمطلق.
ظاهرا.
ً فيما يتناوله اللفظ
ظاهرا ،ثم يكون التخصيص بيانه :أن العموم من حيث اللغة يتناول جميع األفراد
ً
تضيي ًقا لمدلوله اللغوي ،أما اإلطالق من حيث اللغة فيتناول األمور مجردة عن أوصافها،
ثم يكون التقييد إضافة أوصاف عليها ،ال إخراج أفراد أو أوصاف منها.
مثاله :يف التقييد تقول( :أعتق رقبة) فال يتناول اللفظ وصف اإليمان أو الكفر ،بل
يسكت عنه ،ثم تقيدها بقولك( :أعتق رقبة مؤمنة) ،فيكون التصرف فيما كان اللفظ ساكتًا عنه.
ظاهرا جميع أصناف
ً أما يف التخصيص فتقول( :اقتل المشركين) فيتناول اللفظ
المشركين :صغيرهم وكبيرهم ،ذكراهنم وإناثهم ،محارهبم ومسالمهم ،ثم تخصص اللفظ
ظاهرا.
ً ً
متناواًل له العام بقصره على المحاربين منهم ،فيكون التصرف فيما كان اللفظ
الوجه الثاين :أن التخصيص ينقص من أفراد العام الذين تربأ هبم الذمة يف األمر
العام ،أما التقييد فال ينقص من متناوالت المطلق الذي تربأ هبم الذمة.
بيانه :أن اللفظ العام ال تربأ الذمة إال بجميع ما يشمله اللفظ ،ثم يكون التخصيص
فتربأ الذمة ببعض ما تناوله اللفظ العام ،أما يف اإلطالق فتربأ الذمة بفرد واحد تناوله اللفظ،
ثم يكون التقييد ،فتربأ الذمة بفرد واحد كذلك تناوله اللفظ ،فال تنقص األفراد التي تربأ هبا
الذمة يف اإلطالق وال تزيد.
أهم الـمراجــــع
-شرح تنقيح الفصول (ص.)267-266
-الفروق فـي أصول الفقه (ص.)598-595
321
الزوائد على روضة الناظر
شرط التخصيص
العموم مراد ،فال يتصور التخصيص ،ويتعين النسخ.
هذه الشروط للتخصيص عامة ،ثم لكل نوع من المخصصات شروط تختص به.
أهم الـمراجــــع
-العقد املنظوم (.)124-121/2
-التلخيص فـي أصول الفقه (.)106-104/2
-نفائس األصول (.)1927-1926/4
-أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص.)323
322
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
املخصصات املتصلة
ً
فصواًل مستقلة لالستثناء والشرط تناول فيها بعض مسائلهما(((، أفرد ابن قدامة
وفيما يأيت بيان مختصر لباقي المخصصات المتصلة( :الصفة -الغاية -البدل -الظرف).
أواًل :التخصيص بالصفة: ً
ً
مؤواًل بمشتق. وهو الظروف ،والجار والمجرور ،ولو كان جامدً ا
أن يكون الوصف قد خرج مخرج الغالب ،أو يساق لمدح أو ذم ،أو ترحم ،أو
مخصصا للعموم.ً أي من ذلك ال يكون الوصف توكيد ،أو تفصيل ،ففي ٍّ
تخصيصا؛ ألن فيه إخراج بعض أفراد الكل ً أي بدل البعض من الكل ،فيكون
عن حكم الكل ،كقوله تعالى﴿ :ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ﴾ [المائدة ،]71 :وأكثر
األصوليين ال يذكرونه.
وال يشرتط فيه بقاء األكثر كما اشرتطه البعض يف االستثناء ،بل يجوز إخراج األكثر
نحو :أكلت الرغيف ثلثه ،أو نصفه ،أو ثلثيه.
وتخصيصا.
ً وقد ألحق به بدل االشتمال ألن يف كليهما بيانًا
أهم الـمراجــــع
.)501-471/4( البحر احمليط-
.)2637-2626/6( التحبري للمرداوي-
.)384-377/1( إرشاد الفحول-
324
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
املطلق فـي اللغة :اسم مفعول من طلق ،بمعنى التخلية واإلرسال ،يقال :أطلقت
األسير ،أي :خليته.
أهم الـمراجــــع
-الصحاح ( )1519-1517/4مادة (طلق).
-مقاييس اللغة ( )422-420/3مادة (طلق) )45-44/5( ،مادة (قيد).
-احملكم البن سيده ( )283-279/6مادة (طلق).
-املطلق واملقيد وأثرهما يف اختالف الفقهاء (ص.)126-111
325
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
عند األصوليين هو التفريق بين حقيقة اللفظين وداللتهما.
ً
أواًل :أوجه التشابه بني العام واملطلق:
فيجب العمل بما يتبادر له من اللفظ المطلق والعام حتى يرد الدليل الصارف عما
يتبادر منه.
ً
شاماًل أن موارده غير منحصرة ،ال أنه يف نفسه شامل ،لكن ووجه كون المطلق
326
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
أهم الـمراجــــع
-تلقيح الفهوم فـي تنقيح صيغ العموم (ص.)12-11
-شرح الكوكب املنري (.)393-392/3
-املطلق واملقيد ،وأثرهما فـي اختالف الفقهاء (ص.)140-136
327
الزوائد على روضة الناظر
املراد بالتقييد
التقييد لغة :مصدر أصله (قيد) ،وهو الحبل ونحوه الذي ُيجعل يف ِر ْجل الدابة وغيرها،
ويستعار يف كل شيء يحبس .يقال :قيدته أقيده تقييدً ا ،وقيدت الكتابَ :ش َك ْلته ،ومنه ً
أيضا
اإليمان الفتك) أي أن اإليمان يمنع عن الفتك ،كما يمنع القيد عن التصرف، ُ قوله( :ق ّيد
أفراد جنسه)((( ،فقوله تعالى﴿ :ﮁ ﮂ﴾ [النساء ]92 :تقييد للرقبة باإليمان ،فهو قيد
قلل من انتشاره بين أفراد جنسه الذي هو (الرقاب).
املقيد :هو اللفظ المتناول لمعين ،أو لغير معين موصوف بأمر زائد على الحقيقة و َّ
الشاملة لجنسه(((.
مثالــه :أن نقــول( :محمــد) فهــذا اســم مق َّيــد ،أو (امــرأة مجتهــدة) وهــذا اســم
مقيد كذلك.
واملقيد :أن التقييد هو وصف لعملية اجتهادية يقوم هبا العالم ،تجري والفرق بني التقييد َّ
حكما واحدً ا ،فيجعلهما ً بين نصين :أحدهما مطلق ،واآلخر مقيد ،فيجمع بينهما ويعطيهما
نص ْين مختل َف ْين ،أما المق َّيد :فهو النتيجة التي
بمثابة النص الواحد من حيث المعنى ،وإن كانا َّ
أهم الـمراجــــع
توضيح عالقة التقييد بالنسخ.
ولبيان العالقة بينهما نذكر أوجه الشبه ،ثم نذكر أوجه الفرق كذلك.
ً
أواًل :أوجه الشبه بني التقييد والنسخ:
الوجه األول :أن يف كليهما بيانًا للمطلوب من المكلف ،ففي التقييد بيان األوصاف
الوجه الثاين :أن النص المتأخر يؤثر يف النص المتقدم ،فال يبقيه على حاله بل يغيره.
الوجه الثالث :أن كليهما قائم على أصل فكرة التعارض بين النصين.
وقبل بيان الفرق بينهما يجب التنبيه واإلشارة إلى أن التفريق بينهما اصطالح
المتأخرين من أهل العلم ،أما المتقدمون فكانوا يتوسعون يف مصطلح النسخ فيطلقونه
على رفع الحكم ،وعلى رفع مقتضى العموم واإلطالق ،وعلى رفع اإلجمال بالبيان،
فالجامع بين كل ذلك هو رفع الظاهر من اللفظ ،وقصره المتأخرون على رفع الحكم
فقط ،وبناء على هذا االصطالح يمكن التفريق بينهما بأمور؛ منها:
الوجه األول :أن النص المطلق بعد تقييده يبقى ً
دلياًل على الحكم ،وال يرفع أو
ينتهي العمل به ،وكل ما فيه هو االستدالل به مع القيد ،وأما النسخ فإنه ينهي العمل
بالمنسوخ ،ويرفعه ويبطل االستدالل به.
أهم الـمراجــــع
.)442-439 املطلق واملقيد وأثرهما فـي اختالف الفقهاء (ص-
.)599 الفروق فـي أصول الفقه (ص-
330
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
حكم املقيد
المقيد له حكم عند األصوليين يلتزمون به ،وينطلقون منه إلى استخراج األحكام
الشرعية من نصوص الكتاب والسنة ،وفيما يلي عرض لحكم المقيد عند األصوليين ،ورتبه:
ً
أواًل :حكم املقيد:
على خصوصه ،فكذا المقيد حكمه أن يبقى على تقييده ما لم يأت دليل يدل على عدم
اعتبار ذلك القيد.
احلالة األوىل :أن يأيت المقيد يف النص الشرعي دون أن يدل شيء على أن القيد
المذكور غير معترب ،ويف تلك الحالة يبقى المقيد على تقييده.
مقيد يدل على أن المراد بالشهرين أن يكونا متتابعين ،وهو وصف زائد على مطلق الشهرين؛
وعليه فال يجزئ يف حق من وجبت عليه كفارة الظهار بالصوم أن يصوم شهرين على التفريق.
احلالة الثانية :أن يرد المقيد يف نص ،ثم يدل دليل على أن هذا القيد غير معترب،
فقوله ﴿ :ﮖ﴾ مطلق ،وورد تقييده بقيدين ،األول قوله ﴿ :ﮘ ﮙ﴾،
والثاين قوله ﴿ :ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ﴾.
فنتيجة القيد يف التحريم اشرتاط كون الربيبة يف حجر زوج األم ،وأن تكون أ ُّمها
ً
مدخواًل هبا ،والقيد األول الخاص بكون الربيبة يف حجر زوج األم ،أي :يف كفالته ،قد دل
الدليل على عدم اعتباره ،وأنه من القيود التي لم تعترب يف التحريم ،وإنما جاء ذكره يف اآلية
جر ًيا على ما هو الغالب والمعروف عادة؛ من كون الربيبة تكون يف حضانة أمها.
331
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
وعلى ذلك فال تحرم الربيبة على زوج أمها -سواء كانت يف حجره ورعايته،
أو لم تكن -حتى يدخل بأمها.
والدليل على إلغاء هذا القيد ،وأنه غير معترب يف التحريم أن اهلل سبحانه وتعالى
اكتفى يف مقام التحليل بنفي القيد الثاين فقط ،فقال تعالى﴿ :ﮟ ﮠ ﮡ ﮢ
ﮣ ﮤ ﮥ ﮦ﴾ [النساء ،]23 :فلو كان القيد األول معتربًا يف التحريم لما
اكتفى بنفي الدخول يف معرض اإلحالل.
رتب عملية التقييد باعتبار قلة القيود وكثرهتا:
فما كانت قيوده أكثر ،كانت رتبته يف التقييد أعلى ،وهو فيه أدخل ،فقوله :أعتق رقبة
مؤمنةُ ،م َص ِّلية ،صائمة ،مجتهدة ،أعلى رتبة يف التقييد من قوله :أعتق رقبة مؤمنة .وقوله
-وقوله ﴿ :۵ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ
ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ﴾
[التوبة ،]112 :أعلى وأدخل يف التقييد ،من اقتصاره على بعض الصفات المذكورة.
والحاصل :أنه كلما كثرت األوصاف المخصصة المميزة للذات من غيرها ،كانت رتبة
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)631/2
-أصول الفقه البن مفلح (.)985/3
-التحبري للمرداوي (.)2714/6
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)278
-املطلق واملقيد وأثرهما فـي اختالف الفقهاء (ص.)442-439
-الفروق فـي أصول الفقه (ص.)599
332
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
ً
شروطا سبعة: يذكر األصوليون حلمل املطلق على املقيد
الشرط األول :أن يكون املقيد من باب الصفات.
على مقيد.
مثاله :إيجاب غسل األعضاء األربعة يف الوضوء ،مع االقتصار على عضوين يف
التيمم ،فإن اإلجماع منعقد على أنه ال يحمل إطالق التيمم على تقييد الوضوء حتى يلزم
التيمم يف األربعة األعضاء؛ لما فيه من إثبات حكم لم يذكر ،وحمل المطلق على المقيد
مقي َد ِ
ين. مرتددًا بني أصلني ِّ
الشرط الثاني :أن ال يكون للمطلق إال أصل واحد ،ال أن يكون ِّ
دائرا بين قيدين متضادين نُظِر ،فإن كان السبب مختل ًفا لم يحمل
فأما إذا كان المطلق ً
إطالقه على أحدهما إال بدليل ،فيحمل على ما كان القياس عليه أولى ،أو ما كان دليل
أما يف جانب النفي والنهي فال يكون؛ إذ يلزم منه اإلخالل باللفظ المطلق مع تناول
والنص مقدم على اجتهاده ونظره.
أهم الـمراجــــع
-البحر احمليط (.)31-21/5
-إرشاد الفحول (.)9/2
334
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
املنطوق واملفهوم
أقسامهما عند اجلمهور واحلنفـية
تعريف املنطوق:
المنطوق( :هو ما دل عليه اللفظ يف محل النطق)(((.
وقولهم( :ما دل عليه اللفظ) يخرج ما كانت الداللة فيه بغير اللفظ ،كاإلشارة ونحوها.
قسم الجمهور المنطوق إلى قسمين (صريح -غير صريح):
التفرقة بين البيع والربا تضمنًا ،وعلى تحريم الربا وتحليل البيع مطابقة.
ومن السنة :ما جاء يف كتاب أبي بكر ﭬ عن النبي ﷺ يف الصدقات ،وفيه:
ٍ «ويف صدقة الغنم يف َسائِ َمتِ َها إذا كانت أربعين إلى عشرين
بعض األصوليين -كابن قدامة -المنطوق غير الصريح من قبيل المفهوم ويجعل ُ
ال المنطوق(((.
ينقسم المنطوق غير الصريح إلى ثالثة أقسام( ،اقتضاء -إشارة -إيماء).
القسم الثاني :اإلشارة:
وهو ما يكون مقصو ًدا للمتكلم ،ولكن ال يتوقف على ما يصححه.
صوم من أصبح جن ًبا؛ فإن من ضرورة إباحة الجماع يف جميع أجزاء الليلة حتى الجزء
المتصل بالفجر اإلصباح جن ًبا؛ إذ االغتسال من الجنابة يحتاج إلى وقت ،ولم ُيحدد له
زم ٌن من الليل يف هذه اآلية الكريمة ،فلم يبق إال جوازه يف غيره وهو النهار ،والنهار محل
للصيام ،فدل ذلك على اجتماع الجنابة والصوم يف وقت واحد ،وجواز اجتماعهما يف
((( قال الزيلعي يف نصب الراية (( :)64/2ال يوجد هبذا ال ّلفظ ،وإن كان الفقهاء ك ّلهم ال يذكرونه إ ّ
اّل هبذا اللفظ).
وروي من حديث عدة من الصحابة ،أمثلها ما أخرجه ابن ماجة ( )2045من حديث ابن عباس ﭭ مرفوعًا:
«إن اهلل وضع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».
صححه من هذا الوجه :ابن حبان ( ،)7219والحاكم يف المستدرك ( ،)2801ووافقه الذهبي .وضعفه من كل
وجوهه :اإلمام أحمد كما يف العلل برواية عبد اهلل ( ،)561/1وأبو حاتم الرازي كما يف العلل البن أبي حاتم
(.)116/4
336
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
ولكنه معنى الزم للمعنى المتبادر من ألفاظه.
الوالدات المرضعات وكسوهتن على األب دون األم ،وهذا هو المتبادر من األلفاظ،
والمقصود من السياق ،ويلزم منه -أي يفهم من إشارته -أن األب ال يشاركه أحد يف
اإلنفاق على أوالده؛ ألن الولد له ال لغيره ،وتدل العبارة باإلشارة ،أي يلزم منها ،أن نسب
الولد إلى أبيه ال يشاركه فيه أحد؛ ألن اهَّلل تعالى أضاف الولد إليه بحرف الالم التي هي
هو داللة اللفظ على ثبوت حكم المنطوق به للمسكوت عنه الشرتاكهما يف علة
[اإلسراء ،]23 :فاآلية دلت بالعبارة الصريحة على تحريم التأفف ،وعلته ما فيه من األذى،
وتدل اآلية بداللة النص على تحريم الضرب والشتم والحبس وغيره؛ ألنه أشد إيذا ًء؛
وألن المتبادر لغ ًة من النهي عن التأفف النهي عما هو أكثر إيذاء للوالدين ،ويكون الحكم
يف المسكوت عنه المفهوم بالداللة أولى من الحكم المنطوق به المفهوم من العبارة،
وهذا يفهمه كل عارف باللغة.
337
الزوائد على روضة الناظر
يعترب المفهوم أحد أقسام دالالت األلفاظ عند الحنفية كما تقدم يف تقسيمهم
الدالالت إلى أربعة أقسام ،والحاصل عندهم أن داللة اللفظ إما أن تكون ثابتة بنفس
اللفظ ،أو تكون مفهومة من اللفظ لغة ،أو يتوقف عليها صدق اللفظ ،وهي االقتضاء ،فلم
وهو ما يكون المفهوم أولى بالحكم من المنطوق ،كداللة تحريم التأفيف على
تحريم الضرب ،فهو أولى منه بالتحريم ألنه أشد منه.
أهم الـمراجــــع
يشرتط يف مفهوم المخالفة تسعة شروط تعود للمذكور ،وشرطان يعودان للمسكوت عنه.
ً
أواًل :شروط املذكور:
ال يفهم منه أنه يجوز أكل الربا ِضع ًفا واحدً ا ،وكذلك قوله تعالى﴿ :ﮖ ﮗ ﮘ
ﮙ ﮚ ﮛ﴾ [النساء ،]23 :فإن الغالب من حال الربائب كوهنن يف حجور
أزواج أمهاهتن ،فذكر هذا الوصف لكونه أغلب ،ال ليدل على إباحة نكاح غيرها.
فإنه لو كان هناك عهد صار بمنزلة اللقب من إيقاع التعريف عليه ،وإيقاع العلم
الشرط الرابع :أن ال يكون املنطوق قد خرج جوابًا لسؤال عن حكم أحد الصنفني بعينه،
ًّ
مستقاًّل. الشرط السادس :أن يذكر
فلو ذكر على جهة التبعية لشيء آخر فال مفهوم له.
مثاله :قوله تعالى ﴿ :ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﴾ [البقرة ]187 :فإنه
ال يعني أنه تجوز المباشرة للمعتكف خارج المسجد ،بل هي ممنوعة مطل ًقا.
الشرط السابع :أن ال يظهر من السياق قصد التعميم ،فإن ظهر ذلك فال مفهوم له.
الشرط الثامن :أن ال يعود املفهوم على أصله الذي هو املنطوق باإلبطال.
مثاله :ما جاء يف حديث حكيم بن حزام أن النبي ﷺ قال له« :ال تبع ما ليس
الشرط األول :أن ال يكون املسكوت عنه أوىل بذلك احلكم من املنطوق.
قياسا جل ًّيا.
فإنه إذا كان أولى منه به كان مفهوم موافقة أو ً
((( رواه أبو داود ( ،)3503والرتمذي ( ،)1232والنسائي ( ،)4613وابن ماجه ( ،)2187قال الرتمذي:
ٌ
حديث حس ٌن). (حديث حكيم بن حزا ٍم
341
الزوائد على روضة الناظر
أهم الـمراجــــع
-البحر احمليط (.)147-139/5
-التحبري للمرداوي (.)2904-2894/6
-اجلامع ملسائل أصول الفقه (ص.)314 -311
-الوجيز فـي أصول الفقه ،د .حممد الزحيلي (.)168 -156/2
342
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
احلرف لغة :هو حد الشيء وطرفه ،ومنه :حرف الجبل ،وهو أعاله المحدد ،ومنه
سميت حروف الكالم بذلك؛ ألهنا طرف الكالم ومنتهاه.
واحلرف فـي اصطالح النحاة( :ما دل على معنى يف غيره)(((.
القسم األول :حروف المباين ،وهي التي ترتكب منها الكلمات ،فإذا فصل حرف
أصاًل ،وتسمى حروف منها عن بقية الحروف التي ترتكب منها الكلمة لم يدل على شيء ً
القسم الثاين :حروف المعاين ،وهي التي تدل على معنى يف غيرها ،كالواو يف قولك:
جاء أحمد ومحمد ،فإهنا تدل على اشرتاكهما يف المجيء ،وكالفاء يف قولك :جاء أحمد
واألصوليون يذكرون حروف المعاين ضمن كتبهم األصولية -مع أهنا ليست من
صناعتهم -لحاجة الفقيه الماسة إلى فهم معانيها عند استنباط األحكام الشرعية.
أهم الـمراجــــع
-البحر احمليط (.)253/2
-شرح الكوكب املنري (.)284-226/1
-الوجيز فـي أصول الفقه ،د .حممد الزحيلي (.)224-171/2
المراد بحروف المعاين ما يحتاج الفقيه إلى معرفته من معاين األلفاظ المفردة،
وليس المراد بالحروف هنا ما هو قسيم االسم والفعل؛ فقد ذكر بينها ما هو اسم كـ (إذ)
و(إذا) ،ولكن سميت كلها حرو ًفا للتغليب.
االعتبار األول :حبسب احلرفـية واالمسية إىل ثالثة أقسام:
القسم األول :ما ال يكون إال حر ًفا فقط.
مثل( :من) و(إلى) و(حتى) و(يف) و(الباء) و(الالم) و(رب) و(واو القسم)
و(تاء القسم).
واسما.
ً القسم الثاين :ما يكون حر ًفا
344
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
وأبرزها ثمانية:
.2الفاء. .1الواو.
.4الباء. .3ثم.
.6حتى. .5إلى.
.8يف. .7من.
أهم الـمراجــــع
345
الزوائد على روضة الناظر
لحرف (الواو) معان كثيرة يف اللغة تستفاد من سياق ورودها ،أبرزها ستة (العطف-
ابتداء الكالم -القسم -المعية -التخيير -بيان الحال).
ويعد حرف (الواو) أصل حروف العطف؛ لكثرة استعمالها فيه.
﴾ [الحج.]77 : ومثال هذا المعنى :قوله تعالى﴿ :ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ
ويف إفادة (الواو) العاطفة للرتتيب والمعية خالف بين أهل العلم.
ً
ذلك ،مثل قولك( :جاء زيد وعمرو قبله) ،فإن قوله( :قبله) قرينة تدل على أن المعية
غير مرادة ،وأن المراد الرتتيب ،واختلفوا يف إفادة (الواو) العاطفة المجردة عن القرائن
للرتتيب والمعية.
اختلف العلماء يف إفادة (الواو) العاطفة المجردة عن القرائن للترتيب والمعية على
ثالثة أقوال:
القول األول( :الواو) العاطفة تفيد مطلق الجمع من غير إشعار بترتيب أو معية،
وإليه ذهب جمهور العلماء من الحنفية والمالكية ،واختاره بعض الشافعية ،وأكثر
الحنابلة ،وعليه جمهور النحاة.
القول الثاين( :الواو) العاطفة تفيد الجمع بقيد الترتيب ،وإليه ذهب بعض الشافعية،
وبعض الحنابلة ،ونسب إلى جماعة من النحاة.
346
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
القول الثالث( :الواو) العاطفة تفيد الجمع بقيد المعية ،وإليه ذهب بعض الحنفية،
وبعض المالكية ،وقال ابن اللحام الحنبلي( :كالم أصحابنا يدل عليه)(((.
دليل القول األول (ال تفـيد ترتي ًبا أو معية):
الدليل األول :حديث« :ال تقولوا :ما شاء اهلل وشاء فالن ،ولكن قولوا :ما شاء اهلل
ثم شاء فالن»(((.
وجه الداللة :أن (الواو) لو أفادت الرتتيب لما منع ﷺ من استعمالها ،ولما أمر
كالمفاعلة ،مثل قولنا( :تقاتل زيد وعمرو) ،فالمفاعلة تقتضي صدور الفعل يف وقت
واحد منهما ،ولو أفادت الرتتيب لكان التقدير( :تقاتل زيد ثم عمرو) ،وهو ممتنع.
فإذا استعملت (الواو) يف غير معنى الرتتيب على سبيل الحقيقة ،لم تستعمل يف
حديث :أن النبي ﷺ لما خرج إلى السعي قرأ ﴿ :ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾
[البقرة ]158 :ثم بدأ بالصفا ،وقال« :أبدأ بما بدأ اهلل به»(((.
وجه الداللة :أنه رتب السعي بين الصفا والمروة على وفق ما اقتضته اآلية؛ مما يدل
«أبدأ بما بدأ اهلل به» ،ولو كانت تفيد الرتتيب ما احتيج إلى بيانه.
الوقوع ،حيث استعملت (الواو) وأريد هبا الجمع والمعية؛ كقوله :۵
﴿ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ﴾ [البقرة ،]127 :أي :مع إسماعيل،
347
الزوائد على روضة الناظر
نوقش :بأن استعمالها يف غير المعية أكثر ،والكثرة دليل الرجحان ،وعليه فال تفيد
المعية إال بقرينة.
ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ﴾ [المائدة.]6 :
هبا على وجوب الرتتيب ،وإن كان الوجوب قد يستفاد من أدلة أخرى.
ومن رأى أهنا تفيد الرتتيب رأى أن اآلية دليل على وجوب الرتتيب بين أعضاء الوضوء.
-فمن رأى داللتها على مطلق الجمع ذهب إلى وقوع الطالق إذا جمعت بين
348
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
حال كوننا عصبة.
أهم الـمراجــــع
349
الزوائد على روضة الناظر
لحرف (الفاء) معان كثيرة يف اللغة تستفاد من سياق ورودها ،أبرزها ستة (التشريك
يف الحكم -الترتيب والتعقيب -التسبيب -التعليل -التفريع -معنى الواو).
ومثاله :قولك( :حضر زيد فعمرو) ،فهما مشرتكان يف الحضور.
املعنى الثاني :الرتتيب ((( والتعقيب.
والمـراد بـه :أن يـأيت مـا بعـد (الفـاء) عقـب مـا قبلهـا بـدون مهلـة ،ويقـدَّ ر التعقيـب
ٍ
فالبصـرة ،فـإذا كان بينهمـا ثالثـة أيـام فدخـل بعـد الثلاث فهـذا تعقيـب عـادة)(((.
ً
أواًل :األقوال واألدلة:
دون مهلة ،فأفادت الرتتيب والتعقيب.
وجه الداللة :أن (الفاء) لو أفادت الرتتيب لكان الهالك قبل مجيء البأس ،والواقع
نوقش :بأن اآلية ليست على ظاهرها ،بل المعنى :وكم من قرية أردنا إهالكها
حكما فجاءها بأسنا واق ًعا.
ً فجاءها بأسنا ،وقيل :وكم من قرية أهلكناها
نوقش :بعدم التسليم ،فعذاب فرعون وقومه حصل يف الدنيا ،ولهم عذاب يف
أيضا؛ وعليه فالفاء دلت على التعقيب يف اآلية.
اآلخرة ً
351
الزوائد على روضة الناظر
مسألة :لو قال :واهلل ال آكل اللحم فالعنب.
فمن رأى داللتها على الرتتيب والتعقيب ذهب إلى أنه يحنث إن أكل العنب عقب
ومن رأى عدم داللتها على الرتتيب أو التعقيب ذهب إلى أنه يحنث إن جمع بين
أهم الـمراجــــع
لحرف (ثم) معان متعددة يف اللغة تستفاد من السياق الذي وردت فيه ،أبرزها
خمسة( :التشريك -الترتيب -التعجب واالستنكار -مطلق الجمع -ابتداء الكالم).
املعنى األول :التشريك بني ما بعدها وما قبلها فـي احلكم.
عمرا) ،فهما مشرتكان يف اإلكرام.
(أكرمت زيدً ا ثم ً
ُ ومثاله:
يجوز الفقهاء الطالق قبل النكاح؛ ألن اآلية رتبت الطالق على النكاح بـ(ثم)،
لم ِّ
ً
أواًل :حترير حمل النزاع:
اتفق العلماء على إفادة (ثم) للرتتيب إذا دلت القرائن على ذلك ،مثل قولك:
القول األول :أنها تفيد الترتيب مع التراخي ،وإليه ذهب جمهور العلماء من
المذاهب األربعة ،وعليه جماهير النحاة.
القول الثاين :أنها ال تفيد الترتيب بل هي بمنزلة (الواو) ،وهو قول محكي عن بعض
العلماء من الفقهاء والنحاة.
دليل القول األول (تفيد الرتتيب):
[المؤمنون ،]14 :أي :نفخنا فيه الروح بعد أن كان جما ًدا ،وهذا فيه ترتيب وتراخٍ .
الدليل الثاين :امتناع وقوعها يف جواب الشرط؛ ألن الجزاء ال يرتاخى عن الشرط
ِ
دخلت الدار ثم أنت طالق) ،بل يقول: بل يتعقبه ،فال يصح أن يقول الزوج( :إن
(إن دخلت الدار فأنت طالق) ،مما يدل على أهنا تفيد الرتتيب مع الرتاخي.
وقـوع (ثـم) غيـر مفيـدة للرتتيـب يف عـدد مـن الشـواهد ،ومنهـا علـى سـبيل المثـال:
نفس واحدة أنشأها ثم جعل منها زوجها ،أي أن وجود الخلق بعد خلق النفس الواحدة
355
الزوائد على روضة الناظر
الوقف كما يحق لألوالد؛ ألن (ثم) تفيد مطلق الجمع بال ترتيب.
وينبغي التنبيه على :أن األصل يف (ثم) إفادهتا للرتاخي ،وقد تفيد التعقيب ،فتكون
بمعنى (الفاء).
(((
جـرى يف األنابيـب ثـم اضطـرب كهـ ِّز الردينـي تحـت العجـاج
((( البيت ألبي داود اإليادي يف المعاين الكبير ( ،)58/1وشرح شواهد المغني للسيوطي (.)358/1
356
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
اآلية متعذر؛ ألن اهلل ۵شهيد على ما يفعل البشر قبل رجوعهم إليه ،وبعد ذلك ،فيكون
المراد :أنك أيها الرسول إن مت قبل رؤية ما توعدهم اهلل به ،فإن مرجعهم إلى اهلل ،واهلل
شهيد على ما يفعله الكافرون يف حياتك وبعد مماتك.
ً
استئنافية. املعنى اخلامس :ابتداء الكالم :وذلك إذا وردت ( ُث ّم)
ومثاله :قوله ﴿ :۵ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ﴾ [آل عمران ،]111 :ولو
أهم الـمراجــــع
357
الزوائد على روضة الناظر
لحرف (الباء) معان متعددة يف اللغة ،أبرزها اثنا عشر (اإللصاق -التبعيض -االستعانة-
المصاحبة -البدل -المجاورة -القسم -السببية -معنى إلى -التوكيد -الظرفية -التعدية).
وهو نوعان:
النوع األول :إلصاق حقيقي أو حسي.
ومثاله( :مررت بزيد)؛ ألن المرور لم يلصق به ،إنما ألصق بمكان بقرب من زيد.
وينص بعض أهل اللغة على أن اإللصاق هو أصل معاين حرف (الباء) ،وما عداه من
ٍ
معان فإنه يعود إليه ،قال المرادي( :ذكر النحويون لها ثالثة عشر معنى :األول :اإللصاق:
وهو أصل معانيها .ولم يذكر لها سيببويه غيره .قال :إنما هي لإللصاق واالختالط)(((.
(من) التبعيضية.
املعنى الثاني :مبعنى ِ
(من) التبعيضية:
إفادة (الباء) ملعنى ِ
ً
أواًل :حترير حمل النزاع:
اتفق العلماء على إفادة الباء لمعنى (من) التبعيضية إذا دلت القرائن على ذلك،
مثل قولك( :شربن بماء البحر) فإن الباء هنا تدل على التبعيض قط ًعا لداللة القرينة عليه.
واختلف العلماء يف إفادة الباء المجردة عن القرائن لمعنى (من) التبعيضية.
ً
فمثاًل: أن (الباء) لو كانت حقيقة يف التبعيض لما دخلت فيما ال يتبعض،
الطواف بالبيت الوراد يف قوله تعالى﴿ :ﮱ ﯓ ﯔ﴾ [الحج ،]29:ومن
المعلوم أن الطواف ال يتبعض فكيف تكون الباء حقيقة يف شيء ال يتبعض.
نوقش :بعدم التسليم بأن دخولها فيما ال يتبعض يمنع إفادهتا للتبعيض يف غيره ،بل
تفيد الباء التبعيض فيما يصلح له ،وال تفيد التبعيض فيما ال يصلح له ،كالطواف بالبيت
فهو عبارة عن الدوران حول جميع البيت ،فالشمول نشأ من لفظة الطواف دون الباء؛
أنه إذا قال القائل :مسحت برأس اليتيم ،وأخذت بزمام الناقة ال يكون إال ً
أخذا
ومسحا ببعض الرأس ،مما يؤكد مجيء (الباء) بمعنى التبعيض. ببعض الزمام،
ً
نوقش :بأن هذا خارج محل النزاع؛ لوجود القرينة الدالة على التبعيض ،وهي
الرفق والشفقة باليتيم المتحققة بمسح بعض الرأس ،بخالف مسح جميع الرأس فقد
حرجا ،وانقياد الناقة يف المثال الثاين ،ال يتحقق إال باألخذ ببعض الزمام؛
ً يسبب له
-فمن رأى إفادهتا التبعيض رأى أن اآلية يمكن أن يستدل هبا على أن مسح بعض
الرأس مجزئ.
-ومن رأى عدم إفادهتا التبعيض ذهب إلى أن اآلية ال يستدل هبا على إجزاء مسح
بعض الرأس ؛ ألن (الباء) يف اآلية إما أن تكون لإللصاق ،أو تكون زائدة (على خالف بين
أصحاب هذا الرأي) ،وكالهما يستلزمان استيعاب الرأس بالمسح.
ومثاله :قوله ﴿ :۵ﭸ ﭹ ﭺ ﭻ﴾ [األنعام ،]38 :أي :مستعينًا بجناحيه.
وقولك :ضربت بالعصا ،أي :مستعينًا بالعصا.
وعالمتها :أن يصلح يف موضعها (مع) أو تقدير الحال؛ ولذا تسمى (باء الحال).
سالما.
ومثاله :قوله ﴿ :۵ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ﴾ [هود ،]48 :أي :مع سالم ،أو ً
ومثاله :قوله ﴿ :۵ﭟ ﭠ ﭡ ﭢ ﭣ ﭤ﴾ [آل عمران ،]123 :أي :يف بدر.
املعنى الثاني عشر :التعدية.
أهم الـمراجــــع
لحرف (إلى) معان متعددة يف اللغة ،أبرزها ثمانية (انتهاء الغاية -ابتداء الغاية-
مع -التبيين -الالم -التوكيد -يف -عند)
املعنى األول :انتهاء الغاية:
والغاية نوعان يرد معهما حرف (إلى):
النوع األول :الغاية الزمانية.
ونص بعض أهل اللغة على أن انتهاء الغاية هو المعنى الحقيقي لحرف (إلى)،
وقال ابن الجزري( :وأ ّما إلى فهي النتهاء الغاية ،ولها موضعان :األول :حقيقي؛
كقولك :جئت إلى بغداد ...الثاين :مجازي ،وهو إذا كانت بمعنى المصاحبة)(((.
ً
أواًل :حترير حمل النزاع:
اتفق العلماء على دخول ما بعد (إلى) يف حكم ما قبلها إذا دلت القرائن على ذلك(((،
مثل قولك( :قرأت القرآن من أوله إلى آخره) ،و(بعتك الحائط من أوله إلى آخره)،
فدل ذكر اآلخر وجعله غاية على االستيفاء ،ودخول ما بعد (إلى) يف حكم ما قبلها.
واختلف العلماء يف دخول ما بعد (إلى) يف حكم ما قبلها حال التجرد عن القرائن.
ثان ًيا :األقوال واألدلة:
اختلف العلماء يف دخول ما بعد (إلى) يف حكم ما قبلها حال التجرد عن القرائن
على قولين:
القول الثاين :أن ما بعد (إلى) داخل يف حكم ما قبلها ،وهو رواية عن اإلمام أحمد،
الدليل األول :أن أكثر أحوال (إلى) احتفافها بقرائن تفيد عدم الدخول ،فيحمل
الدليل الثاين :أن ما بعد الغاية محكوم عليه بنقيض ُحكم ما قبلها؛ ألنه لو كان
ثابتًا فيه لم يكن الحكم منته ًيا وال منقط ًعا ،بمعنى :أن الغاية لم يكن لها فائدة لعدم انتهاء
مما يدل على دخول الغاية يف حكم ما قبل (إلى) ،ويقاس غير هذا الحكم عليه.
نوقش :بأنه خارج محل النزاع؛ ألن دخول المرافق يف حكم ما قبل (إلى) قد دلت
عليه القرينة؛ وهي فعل النبي ﷺ ،ومواظبته على غسل المرفقين.
-1إذا كانت الغاية من جنس ما قبل (إلى) فتدخل فيه ،وإال فال. =
-2إذا كانت الغاية تتميز بمفصل حسي وجب خروجها عما قبل (إلى) ،وإن لم تتميز فتدخل فيه.
ً
متناواًل لها دخلت فيه. -3إذا كانت الغاية قائمة بنفسها لم تدخل فيما قبل (إلى) ،وإن لم تكن قائمة وكان أصل الكالم
363
الزوائد على روضة الناظر
-ومن رأى أن الغاية تدخل فيما قبل (إلى) ذهب إلى أن الركبة من العورة.
-فمن رأى أن الغاية ال تدخل فيما قبل (إلى) رأى أن هذا القول يقتضي إيقاع طلقتين.
-ومن رأى أن الغاية تدخل فيما قبل (إلى) ذهب إلى أن هذا القول يقتضي إيقاع
ثالث طلقات.
ومثاله :قول الزوج :أنت طالق إلى شهر ،ونوى التأخير ،فال تطلق إال بعد شهر؛
ألنه كان يريد ابتداء الغاية.
((( أخرجه أبو داود ( ،)4114( )4113وأحمد ( ،)6756والعقيلي يف الضعفاء ( ،)167/2والدارقطني يف سننه
( ،)887من حديث عبد اهلل بن عمرو ﭭ .قال العقيلي( :ليس يروى من وجه يثبت) انتهى.
وله شاهد من حديث أبي سعيد الخدري ﭬ :أخرجه الحارث بن أبي أسامة (بغية الباحث :)143أن
رسول اهلل ﷺ ،قال« :عورة الرجل من سرته إلى ركبته» .قال ابن حجر يف التلخيص الحبير (:)505/1
(هو سلسلة ضعفاء إلى عطاء) .
364
الباب اخلامس :األمرَّ ،
والنهي ،والعموم ،واخلصوص ،واملفاهيم
ومثاله :قول اهلل ﴿ :۵ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ﴾
[النساء ،]87 :والتقدير :ليجمعنكم يف يوم القيامة.
(((
إلي من الرحيق السلسل
أشهى ّ أم ال سبيل إلى الشباب وذكره
التقدير :أشهى عندي من الرحيق.
أهم الـمراجــــع
((( على قراءة :علي بن أبي طالب ،وأبي جعفر محمد بن علي ،وجعفر بن محمد ،ومجاهد ،انظر :المحتسب
يف تبيين وجوه شواذ القراءات (.)364/1
((( البيت ألبي كبير الهذلي يف ديوان الهذليين ( ،)89/2وانظر :تاج العروس (.)217/29
365
الزوائد على روضة الناظر
لحرف (حتى) معان متعددة يف اللغة ،أبرزها أربعة( :نهاية الغاية -التعليل( -إال)
يف االستثناء المنقطع -االبتداء).
دخول ما بعد (حتى) فـي حكم ما قبلها:
وذلك ألن العطف يقتضي التشريك يف الحكم ،ومثال ذلك :قولك( :ضربت القوم حتى
أيضا ،ومثال
واتفقوا على أهنا إذا كانت لالبتداء ،دخل ما بعدها يف حكم ما قبلها ً
ذلك :قولك( :ضربت القوم حتى زيدٌ ) ،والتقدير :حتى زيد مضروب.
وحكي خالف يف أهنا إذا كانت للجر ،تكون بمنزلة (إلى) ،فيجري فيها الخالف
كثيرا من األصوليين
الجاري يف (إلى) المتعلق بدخول الغاية بعدها يف حكم ما قبلها ،إال أن ً
والنحاة ذهبوا إلى أن األصل دخول ما بعد (حتى) الجارة فيما قبلها ما لم يرد دليل ،وذلك
ودليلهم :أن القرائن تدل غال ًبا على أن ما بعد (حتى) داخل فيما قبلها ،فإذا ُعدمت
ومثاله :قول اهلل ﴿ :۵ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﴾ [األعراف.]95 :
أهم الـمراجــــع
367
الزوائد على روضة الناظر
لحرف (مِ ْن) معان متعددة يف اللغة ،أبرزها عشرة (ابتداء الغاية -التبعيض -التبيين-
الصلة -على -الباء -يف -البدل -عند -التعليل).
املعنى األول :ابتداء الغاية.
ومثالها :قول اهلل ﴿ :۵ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ
واختلفوا هل حرف (مِ ْن) حقيقة يف ابتداء الغاية والتبعيض والتبيين أو يف أحدها
دون اآلخر؟ على أقوال ،أشهرها :أهنا حقيقة البتداء الغاية دون غيره؛ لكثرة استعمالها
[الز ُ
والتقدير :لجعلنا بدلكم مالئكة.
املعنى التاسع :مبعنى عند.
[آل عمران ،]116:والتقدير :لن تغني عنهم أموالهم وال أوالدهم عند اهلل شي ًئا.
أهم الـمراجــــع
369
الزوائد على روضة الناظر
لحرف (يف) معان متعددة يف اللغة ،أبرزها سبعة( :الظرفية -االستعالء -السببية-
إلى -التأكيد -مع -من):
[األعراف.]78 :
ومثال الظرفية الزمانية :قول اهلل ﴿ :۵ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﴾ [السجدة.]5 :
ومثاله :قول النبي ﷺ« :دخلت امرأة النار يف هرة»((( ،أي :بسبب هرة.
وقد ض ّعف بعض أهل اللغة كون السببية أحد معاين (يف) ،والصحيح ثبوته كما يف
الحديث السابق.
(م ْن):
املعنى السابع :مبعنى ِ
ومثالـه :قولـه ﴿ :۵ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ﴾
أهم الـمراجــــع
371
ادس:
الس ُ
الباب َّ
القياس وقوادحه
ادس :القياس وقوادحه
الس ُ
الباب َّ
قسم األصوليون القياس الشرعي إلى قسمين( :قياس الطرد ،وقياس العكس).
ّ
القسم األول :قياس الطرد:
وقياس الطرد له أربعة أنواع:
يقول المعلل :القتل بمثقل قتل عمد عدوان وجب فيه القصاص ،كالقتل بمحدد.
فهنا صرح المعلل بذكر العلة ،وهي( :قتل عمد عدوان).
وهو الجمع بين األصل والفرع بالزم من لوازم العلة ،أو أثر من آثارها ،أو حكم من
أحكام األصل(((.
وهو القياس الذي ال ُينظر فيه إلى العلة ،وإنما ُينظر إلى الفرق بين األصل والفرع ويكتفى
بنفيه ،ويسمى القياس بنفي الفارق.
قياسا على الماء الذي حصل
صب فيه البولً ،
مثاله :االستدالل لنجاسة الماء الذي ّ
فيه البول من اإلنسان مباشرة ،وال فرق بينهما إال يف استعمال اإلناء وهو فرق غير مؤثر.
الثاين :تردد الوصف بين كونه مناس ًبا (أي :تضمن الحكمة) ،أو طرد ًّيا
(أي :لم يتضمن الحكمة) كالوصف بالسواد والطول.
مثاله :االستدالل لحكم إزالة النجاسة بغير الماء؛ فإزالة النجاسة طهارة تراد ألجل
الصالة ،فال تزال بغير الماء كالوضوء ،فوصف الطهارة إلزالة النجاسة مرتدد بين كونه
-فباعتبار أنه ال تبدو مناسبة ظاهرة لتعيين الماء إلزالة النجاسة لكوهنا تزال بغيره
-وباعتبار أن الشارع اعترب الماء يف الطهارة ألجل الصالة والطواف يكون مناس ًبا
ال طرد ًّيا.
وهو :أن يثبت الحكم يف محل ،و ُتعلم علته ،ثم يوجد محل آخر غير معلوم حكمه،
وتوجد فيه نقيض علة األصل؛ فيثبت له نقيض حكم األصل.
مثاله :قوله ﷺ « :ويف بضع أحدكم صدقة» .قالوا :يا رسول اهلل ،أيأيت أحدنا شهوته
ويكون له فيها أجر؟! قال« :أرأيتم لو وضعها يف حرام أكان عليه وزر؟ فكذلك إذا وضعها
يف الحالل كان له أجر»(((.
فأثبت النبي ﷺ للفرع (وهو الوطء الحالل) نقيض حكم األصل (وهو الوطء
أجرا؛ ألنه وطء حالل ،لما
الحرام)؛ لوجود نقيض علة حكم األصل فيه ،فأثبت للفرع ً
وزرا؛ ألنه وطء حرام.
ثبت أن يف األصل ً
أهم الـمراجــــع
377
الزوائد على روضة الناظر
القياس عند العلماء يطلق على القياس األصولي ،ويطلق عند بعض العلماء على
وسنعرف اآلن القياس المنطقي،
ّ القياس المنطقي ،وقد سبق تعريف القياس األصولي،
ونب ّين الفرق بينه وبين القياس األصولي.
القراءة نافعة
القراءة مطلوبة
اإلنسان حادث
اإلنسان خملوق
وكل حادث خملوق
القياس يف نظر األصوليين يرجع إلى االستدالل بحكم شيء على آخر لجامع
بينهما ،من غير أن يكون أحدهما أعم من اآلخر ،ويسمونه :القياس التمثيلي.
وأما قياس المناطقة :فهو االستدالل بحكم ورد على العام فينزل الحكم على
378
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
ادس :القياس وقوادحه
الس ُ
الباب َّ
فحكمنا على الخاص؛ وهو هنا (اإلنسان) ،بما حكمنا به على األعم منه؛ وهو هنا
(حادث) ،والقاعدة :أن الحكم على األعم هو حكم على األخص بالضرورة.
أهم الـمراجــــع
-روضة الناظر (.)540/2
-البحر احمليط (.)12-11/ 7
-شرح الكوكب املنري (.)398-397/ 4
-طرق االستدالل ومقدماتها عند املناطقة واألصوليني (ص.)229
-اإليناس بتيسري القياس (ص.)13-12
379
الزوائد على روضة الناظر
مثالها :حكم الشارع بقطع يد السارق ،والعلة يف هذا الحكم هي (السرقة) ،والسرقة
من األوصاف الظاهرة التي ال تخفى على أحد ،كما أهنا منضبطة ال تختلف من شخص
مثال آخر :حرم الشارع الخمر ،والعلة يف هذا الحكم هي( :اإلسكار) ،واإلسكار
من األوصاف الظاهرة التي ال تخفى على أحد ،كما أهنا منضبطة ال تختلف من شخص
وهي ما يرتتب على التشريع من جلب مصلحة أو تكميلها ،أو دفع مفسدة أو
تقليلها.
مثالها :حكم الشارع بقطع يد السارق ،والمصلحة المرتتبة على هذا الحكم هي:
حفظ أموال الناس ،وحمايتها ،وصيانتها ،والمفسدة المدفوعة هبذا الحكم هي :تسلط
380
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
ادس :القياس وقوادحه
الس ُ
الباب َّ
اخلالصة:
أن العلة :هي الوصف المناسب المعرف لحكم الشارع وباعثه على تشريع الحكم،
كاإلسكار علة لتحريم الخمر.
والحكمة :ما يجتنيه المكلف من الثمرة المرتتبة على امتثال حكم الشارع من جلب
نفع أو دفع ضر؛ كحفظ العقل من تحريم الخمر.
أهم الـمراجــــع
381
الزوائد على روضة الناظر
من مسالك العلة النقلية :النص الظاهر ،وهو مسلك معترب عند علماء األصول،
قسيم للنص الصريح.
مرجوحا.
ً ً
احتمااًل والمراد به :الذي يحتمل غير العلية
اللفظ األول( :الالم):
وهـي تـارة تكـون ظاهـرة -أي :ملفو ًظـا هبـا -كقولـه تعالـى ﴿ :ﭤ ﭥ
أهم الـمراجــــع
-روضة الناظر (.)576/2
-شرح خمتصر الروضة (.)375-356/3
-التحبري للمرداوي (.)3323-3315/7
-شرح الكوكب املنري (.)125-121/4
-املهذب فـي علم أصول الفقه املقارن (.)2030-2028/5
382
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
ادس :القياس وقوادحه
الس ُ
الباب َّ
قسم األصوليون المناسب وتعلقه بمقاصد الشريعة باعتبارين اثنين:وقد ّ
االعتبار األول :من حيث إفضاء املناسب إىل أصل املقصود الشرعي ،إىل
أقسام ثالثة:
ً
تحصياًل ألصل مثل :القضاء بصحة التصرف الصادر من األهل يف المحل؛
المقصود المتعلق بالتصرف ،كما يف ملك العين أو المنفعة الحاصل يف البيع واإلجارة
ونحوهما ،فإذا صدرا من جائز التصرف ،فيما يحق له بيعه أو إجارته ،حصل المقصود
كالقضاء بتحريم القتل ،وإيجاب القصاص على من قتل عمدً ا عدوانًا ،إلفضائه إلى
دوام مصلحة حفظ نفس اإلنسان المعصوم ،عن التعدي عليها بغير حق.
االعتبار الثاني :من حيث حصول املقصود الشرعي إىل أقسام أربعة:
القسم األول :حصول المقصود يقينًا:
كحصول الملك الحاصل يف البيع الصحيح.
القسم الثاين :حصول المقصود ظنًّا:
كحفظ األنفس الحاصل من وجوب القصاص.
المقصود بسبب أننا نجد كثرة الممتنعين عنه مقاومة لكثرة المقدمين عليه ،ال على وجه
الرتجيح والغلبة ألحد الفريقين على اآلخر يف العادة.
راجحا على حصوله :كنكاح اآليسة لتحصيل القسم الرابع :عدم حصول المقصود
ً
التناسل.
أهم الـمراجــــع
-شفاء الغليل للغزالي (ص.)161-159
-اإلحكام فـي أصول األحكام لآلمدي (.)273-272/3
-البحر احمليط (.)265/7
-الوصف املناسب لشرع احلكم (ص.)212-207
384
ادس :القياس وقوادحه
الس ُ
الباب َّ
وفـي االصطالح :اختبار األوصاف ليميز الصالح للتعليل من غيره.
جزءه.
قسما ،إذا ّ
التقسيم يف اللغة :من القسم ،والقسم :مصدر قسم الشيء يقسمه ً
صالحيتها للتعليل ثم يسربها -أي :يختربها -ليميز الصالح للتعليل من غيره ،فكان األَ ْولى
أن يقال :التقسيم والسرب؛ ألن الواو وإن لم تدل على الرتتيب لكن البداءة بالمقدم أجود.
جواب اإلشكال :أن المؤثر الحقيقي يف علم العلية إنما هو السرب ،وأما التقسيم فإنما هو
أهم الـمراجــــع
385
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
أهم الـمراجــــع
-لسان العرب ( )269-267/3مادة (طرد).
-التحبري للمرداوي (.)3450-3445/7
-شرح الكوكب املنري (.)198-195/4
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)315- 313
386
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
ادس :القياس وقوادحه
الس ُ
الباب َّ
قسم األصوليون قياس الداللة باعتبار الجامع إلى أقسام ثالثة( :أن يكون الجامع ّ
أثرا لها ،أو ُحك ًْما من أحكامها).
الزما للعلة ،أو ً
ً
الزما من لوازم العلة:
القسم األول :أن يكون اجلامع ً
الزم من لوازم اإلسكار.
فقولهم( :أثم به صاحبه) ليس هو علة القياس ،بل أثر من آثار العلة؛ التي هي القتل
العمد العدوان.
موج ٌ
فوجوب الدية على الجماعة ليس نفس العلة الموجبة للقصاص ،بل هي حكم من
أهم الـمراجــــع
المقصود بأحكام العلة الشرعية :هي ما يصح أن يكون علة شرعية؛ فيعلل به
الحكم الشرعي ،وما ال يصح.
وقد ذكر ابن قدامة $بعض أحكام العلة الشرعية((( ،وفيما يأيت بيان ما لم يذكره:
حرام ألنه خمر ،وهذا يحرم الربا فيه ألنه ُب ٌّر؛ فصار المحل ذا ُته عل ًة للحكم ،وهي علة
قاصرة ال تتعدى لغير المحل ،فمن العلماء من منع ذلك مطل ًقا ،ومنهم من أجازه مطل ًقا،
اتفق العلماء على عدم صحة التعليل باالسم؛ كأن يعلل معلل تحريم الخمر؛ ألن العرب
خمرا ،وهذا تعليل فاسد؛ ألنه يبعد أن يكون لتسمية العرب إياه بذلك تأثير يف تحريمه،
تسميه ً
حيث االسم يخص األفراد والشخوص المسماة به ،فنَ ْق ُل حكمه إلى غيره ال ُيتصور.
ألجلها
إذا كان الوصف غير منضبط ،فقد جوز جمع من أهل العلم التعليل بحكمته التي ْ
صار الوصف علة؛ وهي جلب المصلحة ،أو دفع المفسدة؛ كحفظ المال والعقل والنسب،
الذي جعل وصف الس ْكر والسرقة والزنا علة لوجوب الحد لتحصيله.
فقالوا :إن الوصف وسـيلة والحكمة مقصد ،وإذا جاز التعليل بالوسـيلة ،فبالمقصد
نفسه أولى.
أهم الـمراجــــع
-شرح تنقيح الفصول (ص.)411-405
-شرح خمتصر الروضة (.)447-440/3
-البحر احمليط (.)209-168/7
أم بالقسم الثاين فيجري فيها القياس؟
ً
أواًل :جريان القياس فـي الرخص الشرعية:
الرخصة الشرعية هي( :الحكم الشرعي الذي تغير من صعوبة إلى سهولة لعذر مع قيام
مباحا.
كالصلوات الخمس ،وكذلك عما تغير للصعوبة كحرمة االصطياد باإلحرام وقد كان ً
وقولهم( :مع قيام السبب للحكم األصلي) مثل :حل أكل الميتة للضرورة ،أبيح مع
وهي من قبيل المستثنى من قاعدة القياس بناء على تقسيم ابن قدامة(((.
تصوير املسألة:
إذا شرعت رخصة لعذر مخصوص ،ووجد ما يشبه هذا العذر يف شيء آخر ،فهل
قياسا على األول لالتفاق يف العلة ،أو ال؟
نحكم على هذا الشيء بأنه رخصة ً
قياسا على
مثاله :سفر الطاعة يباح فيه الفطر ،فهل إذا سافر للمعصية يباح له الفطر ً
سفر الطاعة بجامع أن ًّ
كاًّل منهما مسافر؟
األقوال واألدلة:
اختلف األصوليون يف جريان القياس يف الرخص على قولين:
القول األول :يجري القياس يف الرخص ،وهذا مذهب الحنابلة ،وجمهور األصوليين.
القول الثاين :ال يجري القياس يف الرخص ،وهو قول الحنفية.
دليل القول األول (جريان القياس فـي الرخص):
الدليل األول :عموم األدلة الدالة على حجية القياس ،فهي عامة لكل حكم يمكن
فيه الخطأ ،فكذلك يجوز أن تثبت الرخص بالقياس ،وإن كان طريقها غلبة الظن.
دليل القول الثاني (عدم جريان القياس فـي الرخص):
أن الرخص ال تتعدى مواردها؛ ألننا ال نعلم المصلحة التي شرعت لها الرخصة،
نوقش :أن مناط القياس معقولية المعنى ،فال يقاس إال على الرخص التي عقل معناها.
قياسا على المطرفقد ذهب الحنابلة وجمهور الفقهاء إلى جواز الجمع ألجل الثلج ً
المرخص فيه ،ومن منع من جواز القياس هنا قال بعدم جواز الجمع كالحنفية.
مسألة :جواز املسح على اجلرموق؛ وهو ما يلبس فوق اخلف ويكون غالبا من اجللد.
فقد أجاز الحنابلة المسح على الجرموق ،وقاسوا ذلك على الجبيرة ،فكما يجوز
المسح على الجبيرة للضرورة ،فإنه يجوز المسح على الجرموق يف البالد الباردة ُ ٍ
لكسير
لشدة الربد ،ومن منع القياس هنا قال بعدم الجواز.
ثان ًيا :جريان القياس فـي املقدرات:
تصوير املسألة:
أن يرد من الشارع تقدير بعدد يف موضع يمكن إدراك المعنى الذي تعلق به هذا
390
ادس :القياس وقوادحه
الس ُ
الباب َّ
المقدار ،ويوجد هذا المعنى يف موقع آخر ،فهل يتعلق به ذلك التقدير كما تعلق يف
الموضع األول؟
مثاله :تقدير نصاب السرقة بربع دينار ،وتقدير مدة القصر للمسافر بأربعة أيام،
وتقدير الحد يف الزاين غير المحصن بمائة جلدة ،فهل يجوز القياس على ذلك؟
األقوال واألدلة:
اختلف األصوليون يف جريان القياس يف المقدرات على قولين:
دليل القول األول (جواز إثبات املقدرات بالقياس):
الدليل األول :عموم األدلة الدالة على حجية القياس ،فهي عامة لكل حكم يمكن
الدليل الثاين :أن خرب الواحد تثبت به المقدرات ،وإن كان طريقه غلبة الظن ،ويجوز
فيه الخطأ ،فكذلك يجوز أن تثبت المقدرات بالقياس ،وإن كان طريقه غلبة الظن.
دون ما هو أعلى أو أدنى ،كما يف تقدير نصاب الزكوات ،فكانت من األمور التعبدية التي
ال نعلم العلة التي من أجلها ُشرعت ،فال يجري القياس فيها.
نوقش:
إننا يف القياس ننظر إلى المعاين التي تعلقت هبا تلك المقدرات ،فإذا وجدنا ما يساوي
هذا المعنى يف محل آخر أثبتنا فيه ما كان ثابتًا يف األصل من حكم ،دون تعرض إلى وجه
اختصاص ذلك المعنى المشرتك بين األصل والفرع بمقدار عينه الشارع ،فالنظر إلى المعنى
المشرتك ،وإثبات الحكم له ،وليس النظر إلى وجه االختصاص بذلك المقدار لذلك المعنى.
نوع اخلالف ومثرته:
الخالف يف المسألة معنوي ،وقد أثمر الخالف يف مسألة إثبات المقدرات بالقياس
خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية ،منها ما يأيت:
391
الزوائد على روضة الناظر
واستند من ال يقول بجريان القياس يف المقدرات إلى النص((( ال القياس.
((( أخرج البخاري ( )1531عن ابن عمر ﭭ ،قال :لما فتح هذان المصران أتوا عمر ،فقالوا :يا أمير المؤمنين،
«إن رسول اهلل ﷺ حد ألهل نجد قرنًا» ،وهو جور عن طريقنا ،وإنا إن أردنا قرنًا شق علينا ،قال :فانظروا حذوها
من طريقكم ،فحد لهم ذات عرق.
((( أخرج مسلم ( )1183من حديث جابر بن عبد اهلل ﭭ ،أن النبي ﷺ قال« :مهل أهل المدينة من ذي الحليفة ...
ومهل أهل العراق من ذات عرق .»...
392
ادس :القياس وقوادحه
الس ُ
الباب َّ
والقدح فـي اصطالح األصوليني يطلق ويراد به معنيان (عام وخاص):
أواًل :المعنى العام :وهو مفسدات االستدالل مطل ًقا.
ً
ثان ًيا :المعنى الخاص :وهو (إفساد العلة بطريق من طرق إفسادها)((( ،وهو غالب صنيع
األصوليين ،وبعضهم يخصصه بالقياس فيقول( :قوادح القياس) لتأكيد هذا المعنى الخاص.
إن يف دراسة القوادح ومعرفة الجواب عنها سالمة للدليل من االعرتاض عليه،
قد يطرأ على من يثبت عليه الحكم اعرتاض يقدح يف علية ما ادعاه علة ،وذلك من أحد
أهم الـمراجــــع
-مقاييس اللغة ( )67/5مادة (قدح).
-العدة ألبي يعلى (.)1528-1465/5
-شرح الكوكب املنري (.)357-229/4
-مذكرة فـي أصول الفقه (ص.)369-339
394
السابع:
الباب َّ
االجتهاد والتقليد
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
ثان ًيا :التشريع:
واصطالحا :ال يبعد عن هذا المعنى ،فهو :إظهار الشرائع ووضعها وإثباهتا.
ً
والشرائع اإللهية وحي اهلل ۵إلى أنبيائه ورسله صلوات اهلل وسالمه عليهم،
ﭼ ﭽ ﭾ ﭿ ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ﴾
[الشورى.]13 :
ّ
فالشريعة اإللهية :ما َشرع اهلل ل ِ ِ
عباده من أ ْمر الدِّ ين. َ َ
[الشورى.]21 :
كما قال تعالى﴿ :ﮭ ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ﴾ ّ
فهو يف األول :أن يجتهد المجتهد يف بيان شرع اهلل وحكمه يف مسألة.
بخالف الثاين :فإنه وضع شرع فيها ابتداء؛ ولذلك قال الشافعي( :من استحسن
شرع)((( ،يعني :قد أتى من عند نفسه بتشريع لم يثبته اهلل شر ًعا لعباده.
فقد َّ
أن الرأي ناتج عن االجتهاد ،فالمجتهد يبذل وسعه ليستنبط من النصوص أحكام
الشرع ،ويكون هذا رأيه الذي يقول به ويراه ،فإذا انطلق يف إصدار رأيه من دون نصوص
الشرع ،أو خالفها فهو الرأي المذموم الذي وردت نصوص السلف بذمه والتحذير منه.
هي( :اإلخبار بالحكم ال على وجه اإللزام)((( .بعكس القضاء الذي يكون حكمه ملز ًما.
ومنه يتبني الفرق بني االجتهاد والفتوى:
فإذا كان االجتهاد بذل الوسع الستخراج حكم الشرع من األدلة ،وناتج هذا
االجتهاد هو الرأي الشرعي الذي يتدين به المجتهد ،فإن الفتوى :هي أن يخرب المجتهد
خامسا :القضاء:
ً
مما سبق يتبين أن القضاء :إخبار بالحكم لكن على وجه اإللزام ،ويكون ذلك يف
خصومة.
أهم الـمراجــــع
مشروعية االجتهاد
فيه ويف القياس واحد ،كما قاله الرازي ،وإنكاره مكابرة إلجماع الصحابة فمن بعدهم)(((.
وبين األدلة على ذلك((( ،وهذا القدر دال على مشروعية االجتهاد زمن النبي ﷺ ،وبقي
ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ ﮝ ﮞ ﮟﮠ ﮡ ﮢ ﮣ ﮤ
ﮥ ﮦ ﮧ ﮨ ﮩ﴾ [النساء.]83 :
وجه االستدالل :دلت هذه اآلية على االجتهاد والقياس؛ ألن قوله:
﴿ﮝﮞﮟ﴾ ،صفة ألولي األمر ،وقد أوجب اهلل تعالى على الذين يأتيهم أمر من
األمن أو الخوف أن يرجعوا إليه يف معرفة هذه الوقائع التي ال يوجد فيها نص .قال القرطبي:
(وهو يدل على االجتهاد إذا عدم النص واإلجماع)(((.
الدليل الثاين :عن عمرو بن العاص ﭬ أنه سمع رسول اهلل ﷺ يقول« :إذا حكم
الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران ،وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر»(((.
وجه االستدالل :هذا الحديث نبه على جواز االجتهاد ومشروعيته للمجتهد،
وعلى أن االجتهاد مما قصده الشارع؛ ليجتهد العلماء فيثابوا على ذلك.
الدليل الثالث :إجماع الصحابة ﭫ على الحكم باالجتهاد يف الوقائع الخالية عن
النص ،ومن تلك الوقائع ما يأيت:
قد قدم أبا بكر يف الصالة ،فرضينا لدنيانا من رضيه رسول اهلل ﷺ لديننا ،فقدمنا أبا بكر)(((.
2 -اتفاق الصحابة ﭫ على االجتهاد يف مسألة «الجد واإلخوة» على وجوه مختلفة
3 -قول أبي بكر ﭬ لما سئل عن الكاللة((( ،قال( :إين سأقول فيها برأيي ،فإن كان
صوا ًبا فمن اهلل ،وإن كان خطأ فمني ومن الشيطان ،أراه ما خال الوالد والولد)).(5
وجه االستدالل من هذه الوقائع :أهنا ونحوها تدل على وقوع االجتهاد من
الصحابة ،وإجماعهم على مشروعيته.
((( أخرج عبد الرزاق يف مصنفه ( )19043عن ابن سيرين ،عن عبيدة السلماين ،قال :سألته عن فريضة فيها جد،
فقال( :لقد حفظت من عمر بن الخطاب فيها مائة قضية مختلفة) قال :قلت :عن عمر؟! قال :عن عمر.
((( اختلف العلماء يف معنى الكاللة على ثالثة أقوال :فقيل :الكاللة اسم للورثة ما عدا الوالدين والمولودين ،وروي عن
أبي بكر الصديق ﭬ .وقيل :الكاللة اسم للميت نفسه الذي ال ولد له وال والد ،روي ذلك عن عمر بن الخطاب
وعلي وابن مسعود ﭫ .وقيل الكاللة قرابة األم ،انظر :المغني البن قدامة (.)8/9
((( أخرجه الدارمي ( ،)3015والبيهقي ( .)12394قال ابن حجر يف التلخيص الحبير (( :)191/3رجاله ثقات
إال أنه منقطع).
((( انظر :الفصول يف األصول (.)53-52/4
401
الزوائد على روضة الناظر
أهم الـمراجــــع
-شرح خمتصر الروضة (.)601-589/3
-التحبري للمرداوي (.)3904-3889/8
-شرح الكوكب املنري (.)480-474/4
-املوافقات (.)240-11/5
-االجتهاد والتقليد عند اإلمام الشاطيب (ص.)139 -133
-منهج االستنباط وأحكام النوازل الفقهية املعاصرة (ص.)126 -121
402
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
حكم االجتهاد
ً
أواًل :حكم االجتهاد على األمة:
المراد هنا حكم االجتهاد على األمة وعلى المكلفين بمجموعهم.
فاالجتهاد من فروض الكفايات على األمة ،ونصوص األئمة والعلماء متفقة على
بلغنا -إلى اليومَ ،ي َت َف َّق ُه أ َق ُّل ُه ْم ،ويشهد الجنائز بعضهم ،ويجاهد ويرد السالم بعضهم،
ِ
وحضور الجنائز ور ِّد الفض َل لمن قام بالفقه والجهاد
ويتخلف عن ذلك غيرهم ،فيعرفون ْ
وقال القرايف( :أفتى أصحابنا رحمهم اهلل بأن العلم على قسمين فرض عين وفرض
كفاية ،وحكى الشافعي يف رسالته والغزالي يف إحياء علوم الدين اإلجماع على ذلك،)...
ثم قال( :وأما فرض الكفاية فهو العلم الذي ال يتعلق بحالة اإلنسان ،فيجب على األمة أن
يكون منهم طائفة يتفقهون يف الدين ليكونوا قدوة للمسلمين؛ حف ًظا للشرع من الضياع،
والذي يتعين لهذا من المسلمين من جاد حفظه وحسن إدراكه وطابت سجيته وسريرته
ومن ال فال)(((.
صرحوا فيها بأن االجتهاد فرض كفاية على األمة يف كتابه :الرد المذاهب َّ
فحكم االجتهاد تنطبق عليه األحكام التكليفية الخمسة ،فيختلف حكمه بحسب
نوع المسألة المنظور فيها ووقتها ،ومدى الحاجة إليها ،وبحسب أهلية المجتهد ،فقد
محر ًما.
مكروها أو َّ
ً مباحا أو
يكون االجتهاد واج ًبا أو مندو ًبا أو ً
احلكم األول :الوجوب:
يكون االجتهاد واج ًبا ،ولكنه قد يكون فرض عين أو فرض كفاية.
يعرف حكم اهلل فيها ،وذلك بالرجوع إلى النصوص الشرعية ،فإذا وجد الحكم ففيها،
وإال وجب عليه أن يجتهد ويكون الحكم الشرعي هو ما توصل إليه اجتهاده ،ويكون
الحالة الثانية :إذا تعين الحكم يف محل واليته؛ كالمفتي والقاضي ،فيكون االجتهاد
الحالة الثالثة :اجتهاده لغيره ،وذلك إذا وقعت حادثة لفرد أو جماعة ،وسئل عن
تلك الحادثة ،وخشي فوات الوقت ،ولم يوجد غيره من العلماء ،فإن اجتهاده يكون فرض
عين عليه.
ثان ًيا :يكون االجتهاد فرض كفاية يف حالتين:
الحالة األولى :إذا وقعت حادثة لفرد أو جماعة ،وسئل أحد المجتهدين عن
بالسؤال عنها؛ فإن أجاب هو أو غيره سقط الفرض ،واإلثم عن الجميع ،وإن أمسكوا
مع التباس الجواب عليهم عذروا ،ولكن ال يسقط عنهم االجتهاد ،وكان الواجب عليهم
404
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
وهي المسائل المتوقعة الحدوث ،ويكثر هذا يف الفقه الحنفي ،وقد أفاد يف إثراء الفقه
وتوسعه ،وأفاد يف استنباط األحكام كبعض النوازل يف العصر الحاضر.
ُّ اإلسالمي
فاقتتلنا ،فضرب إحدى يدي بالسيف فقطعها ،ثم الذ مني بشجرة ،فقال :أسلمت هلل،
أأقتله يا رسول اهلل بعد أن قالها؟ فقال رسول اهلل ﷺ« :ال تقتله» فقال :يا رسول اهلل إنه
قطع إحدى يدي ،ثم قال ذلك بعد ما قطعها؟ فقال رسول اهلل ﷺ« :ال تقتله ،فإن قتلته فإنه
بمنزلتك قبل أن تقتله ،وإنك بمنزلته قبل أن يقول كلمته التي قال»(((.
وجه االستدالل :أن المقداد بن عمرو ﭬ سأل رسول اهلل ﷺ عن مسألة لم تقع،
وهي جائزة الوقوع ،وأجابه النبي ﷺ ،ولم ينكر عليه السؤال عن هذه المسألة فدل ذلك
األدلة على كراهية االجتهاد فـي هذه املسائل اليت ال يتصور وقوعها:
دلت األدلة الشرعية من الكتاب والسنة وآثار الصحابة على كراهية االجتهاد يف
هذه المسائل أو السؤال عنها ،منها ما يأيت:
الدليل األول :قوله تعالى﴿ :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ
ﯙ ﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ ﯣ ﯤﯥ ﯦ ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ ﯫ
ﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ﴾ [المائدة .]102 -101
لم تقع ،قال ابن القيم( :ولم ينقطع حكم هذه اآلية ،بل ال ينبغي للعبد أن يتعرض للسؤال
عما إن بدا له ساءه ،بل يستعفي ما أمكنه ،ويأخذ بعفو اهلل)((( .وقال المرداوي( :واحتج
الشافعي على كراهة السؤال عن الشيء قبل وقوعه بقوله تعالى﴿ :ﮱ ﯓ ﯔ ﯕ﴾(((.
الدليل الثاين :عن المغيرة بن شعبة ،عن النبي ﷺ قال« :إن اهلل حرم عليكم عقوق
األمهات ،ومنع وهات ،ووأد البنات ،وكره لكم قيل وقال ،وكثرة السؤال ،وإضاعة المال»(((.
وجه االستدالل :يف هذ الحديث كره الرسول ﷺ السؤال عن مسائل لم تقع وعاهبا؛
فدل على كراهية االجتهاد يف المسائل التي ال يتصور وقوعها ولم تجر العادة بحدوثها.
الدليل الثالث :عن سهل بن سعد الساعدي ،قال :جاء عويمر العجالين إلى
رجاًل فيقتله ،أتقتلونه به ،سل لي
رجاًل وجد مع امرأته ً
عاصم بن عدي ،فقال« :أرأيت ً
يا عاصم رسول اهلل ﷺ ،فسأله ،فكره النبي ﷺ المسائل ،وعابها ،فرجع عاصم .(((»....
وجه االستدالل :أن النبي ﷺ كره السؤال عن مسائل لم تقع ،وعاهبا؛ فدل على
كراهية االجتهاد يف المسائل التي ال يتصور وقوعها ،ولم تجر العادة بحدوثها.
الدليل الرابع :أن الصحابة ﭫ كانوا ينهون عن السؤال عن المسائل التي لم تقع،
أو التي ال فائدة من السؤال عنها ،ونُقل عنهم عد ٌد من اآلثار يف ذلك ،منها:
-1عن ابن عمر ﭭ قال( :ال تسألوا عما لم يكن ،فإن عمر هنى عنه)(((.
-2عن ابن مسعود ﭬ قال( :ما أنت بمحدّ ٍ
ث قو ًما حدي ًثا ال تبلغه عقولهم ّإاّل
كان لبعضهم فتنةً)(((.
-3قال علي ﭬ( :حدثوا الناس بما يعرفون ،أتحبون أن يكذب اهلل ورسوله؟)(((.
-4عن ابن عباس ﭭ أنه قال عن الصحابة( :ما كانوا يسألون إال عما ينفعهم)(((.
للخالف المؤ ِّدي إلى التقاطع والتدابر والتعصب والتفرق شي ًعا ،ويف ذلك وقوع يف الفتنة
وإعراض عن الشرع وتعطيل للزمان فيما ال ينفع.
ً
ﰁ ﰂ ﰃ ﰄ ﰅ ﰆ ﰇﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ ﰍ ﰎ ﰏ ﰐ ﰑ ﰒ ﰓ ﰔ
ﰕ ﴾ [ص.]26 :
عالما بمخالفته له
وجه االستدالل :من اجتهد يف مقابل النص فال يخلو :أن يكون ً
أو ال ،فاألول جاهل ال اجتهاد له ،والثاين متبع لهواه؛ حيث علم الحق الذي أمر باتباعه
((( أخرجه الدارمي ( ،)123والخطيب يف الفقيه والمتفقه ( ،)13/2وابن عبد الرب يف جامع بيان العلم وفضله
( ،)2067بلفظ( :ال تسألوا عما لم يكن؛ فإن عمر كان يلعن من سأل عما لم يكن).
((( أخرجه مسلم ،المقدمة (.)11/1
((( أخرجه البخاري (.)127
((( أخرجه البخاري (.)127
407
الزوائد على روضة الناظر
وحاد عنه ،ومن اتبع الهوى فقد حكم اهلل عليه بالضاللة ،وتوعده بالعذاب الشديد ،فدل
ذلك على تحريمه.
الدليل الثاين :أن اهلل ۵أمر باتباع الوحي ،ومن اجتهد مع وجود النص فال يسعه
إال اتباعه ،حتى ال يكون مخال ًفا ألمر اهلل متب ًعا لهواه.
مقصرا يف اجتهاده بحيث ال يستفرغ وسعه يف تحصيل
ً الحالة الثانية :أن يكون
الحكم الشرعي من أدلته الشرعية.
ال يوصل إلى الحكم الشرعي.
ومن أدلة حتريم االجتهاد فـي هاتني احلالتني:
ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ﴾ [اإلسراء.]36 :
وجه االستدالل :معنى اآلية ال تقول َّن يف شيء بما ال تعلم؛ فدلت على تحريم
وجه االستدالل :دلت هذه اآلية على أن الواجب على المق ِّلد هو سؤال العلماء
والمجتهدين ،وأن االجتهاد يحرم على غير المجتهد.
الدليل الثالث :عن عبد اهلل بن عمرو بن العاص قال :سمعت رسول اهلل ﷺ يقول:
«إن اهلل ال يقبض العلم انتزا ًعا ينتزعه من العباد ،ولكن يقبض العلم بقبض العلماء ،حتى
وجـه االسـتدالل :قـال ابن حجـر( :يف هـذا الحديـث الحـث علـى حفـظ العلـم
والتحذيـر مـن ترئيـس الجهلـة ،وفيه أن الفتوى هي الرئاسـة الحقيقية ،وذم مـن يقدم عليها
بغير علم)(((.
أهم الـمراجــــع
-املوافقات (.)53/1
-صفة الفتوى (ص.)130-127
-التحبري للمرداوي (.)4102-4101/8
-شرح الكوكب املنري (.)587-583/4
-كشف األسرار لعالء الدين البخاري (.)15-14/4
-التقرير والتحبري (.)292/3
-تيسري التحرير (.)181-179/4
-االجتهاد والتقليد عند اإلمام الشاطيب (ص.)154-113
409
الزوائد على روضة الناظر
الركن الثالثُ :
الركن األول :نفس االجتهاد:
نفسه العجز عن مزيد البحث؛ وذلك كي ال يقع عليه لوم شرعي بسبب تقصيره يف البحث
قوله( :ليس فيه دليل قطعي) احرتز هبذا القيد عما وجد فيه دليل قطعي من األحكام.
الثبوت والداللة ،أما لو كان النص ظني الثبوت قطعي الداللة ،فيكون
والدليل على هذا الشرط :حديث معاذ ﭬ أن رسول اهلل ﷺ لما أراد أن يبعثه
إلى اليمن ،قال« :كيف تقضي إذا عرض لك قضاء؟» قال :أقضي بكتاب اهلل ...قال« :فإن
لم تجد يف سنة رسول اهلل ﷺ وال يف كتاب اهلل؟» قال :أجتهد رأيي وال آلو(((...؛ إذ جعل
االجتهاد مرتبة متأخرة إذا لم يوجد كتاب وال سنة ،وقد كان منهج الصحابة ﭫ النظر يف
الكتاب ثم السنة ثم اإلجماع ثم االجتهاد.
الشرط الثاين :أن ال يكون المجتهد فيه مجم ًعا عليه.
والمراد هبذا الشرط أن االجتهاد قد يكون يف نصوص ظنية ،ولكن حصل اتفاق
جميع المجتهدين على أحكامها ،فتصبح ثابتة باإلجماع ،فتكون حجيتها قطعية ،وتخرج
من محل االجتهاد؛ ألن مخالفة اإلجماع كمخالفة النص ،قال السرخسي( :وأن مخالفة
قاباًل للتأويل.
محتماًل ً
ً نص-
المحتمل للتأويل
الشرط الرابع :أن ال تكون المسألة المجتهد فيها من مسائل
العقيدة القطعية.
المقطوع هبا كمسائل التوحيد وإثباته؛ لكوهنا مقطو ًعا هبا ،وما كان
وقد حكى ابن عبد الرب اإلجماع على ذلك فقال( :ال خالف بين فقهاء األمصار
وسائر أهل السنة ،وهم أهل الفقه والحديث يف نفي القياس يف التوحيد وإثباته يف األحكام،
إال داود بن علي بن خلف األصفهاين ثم البغدادي ومن قال بقولهم ،فإهنم نفوا القياس يف
الشرط الخامس :أن تكون المسألة المجتهد فيها من النوازل أو مما يمكن وقوعه
يف الغالب والحاجة إليه ماسة.
والمراد هبذا أن االجتهاد واستعمال الرأي والقياس قبل نزول الواقعة ،واالشتغال
بحفظ المعضالت واألغلوطات ،واالستغراق يف ذلك مما كرهه جمهور أهل العلم،
= وإن كانت هذه األحاديث ال تثبت من جهة اإلسناد ،لكن لما تلقتها الكافة عن الكافة غنوا بصحتها عندهم عن
طلب اإلسناد لها) .وانظر :أعالم الموقعين (.)155/1
((( أصول السرخسي (.)108/2
((( جامع بيان العلم وفضله (.)887/2
412
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
ً
تعطياًل للسنن وتركًا لما يلزم الوقوف عليه من كتاب اهلل ۵ومعانيه. واعتربوا ذلك
وقد سار على هذا المنهج الصحابة ﭫ فقد كانوا ال يسألون
إال عما ينفعهم من الوقائع.
الركن الثالث :اجملتهد:
منهج الصحابة يف السؤال ً
أواًل :الشروط العامة للمجتهد:
اشرتط بعض علماء األصول شرو ًطا عامة للمجتهد وهي ثالثة شروط:
الشرط الثاين :أن يكون المجتهد بال ًغا؛ وذلك ألن الصغير ليس بكامل آلة العلم
حتى يتصف بمعرفة الفقه على وجهها.
(وشـرط المجتهـد :إحاطتُـه بمـدارك األحـكام المثمـرة لهـا ،وهـي األصـول التـي
َف َّصلناها :الكتابُّ ،
والسنَّة ،واإلجماع ،واستصحاب الحال ،والقياس التَّابع لها ،وما يعترب
تفصيل شروط الشروط غير معتربة عند أكثر علماء األصول ،وهي خمسة:
االجتهاد العلمية
الشرط األول :الذكورية والعدالة والحرية.
عداًل ،فيجوز أن حرا وال ً
ذكرا وال ًّ
والصحيح أنه ال يشرتط يف المجتهد أن يكون ً
يكون امرأة ورقي ًقا وفاس ًقا ،فالعدالة شرط يف المفتي ال يف المجتهد؛ ألن المفتي مخرب عن
حكم الشرع والعدالة شرط يف المخربين.
الكالم علم أصول الدين.
قال الغزالي( :فأما معرفته بطرق الكالم واألدلة المحررة على عادهتم فليس بشرط؛
وع َّلل من اشرتط ذلك بأن علم المنطق تتحقق به معرفة نصب األدلة ،وتقرير
مقدماهتا ووجه إنتاجها المطالب؛ لكونه ضاب ًطا لألشكال المنتجة من غيرها.
قال الطويف( :والحق أن ذلك ال يشرتط...؛ ألن السلف كانوا مجتهدين ،ولم يعرفوا
المنطق االصطالحي؛ ألهنم كانوا يعرفون كيفية نصب األدلة ودالالهتا على المطالب
بالدربة والقوة ،فمن بعدهم إذا أمكنه ذلك مثلهم فيه)(((.
أهم الـمراجــــع
-الربهان (.)1332-1331/2
-التمهيد للكلوذاني (.)392-390/4
القسم األول :اجملتهد املطلق:
تعريفه :هو الذي يجتهد ويفتي يف جميع أبواب الشرع ،واستقل بتقرير األصول
والقواعد التي بني عليها اجتهاده ،وتتبع النصوص الستنباط األحكام الشرعية يف المسائل
والنوازل.
ومن هؤالء:
3 -الفقهاء المجتهدون ،أتباع التابعين ومنهم :عبد الرحمن األوزاعي (تـ157 :هـ)،
وأبو ثور إبراهيم بن خالد الكلبي (تـ240 :هـ) ،وأئمة المذاهب األربعة :أبو حنيفة،
1 -زفر بن الهذيل بن قيس العنربي (تـ158 :هـ).
2 -القاضي أبو يوسف يعقوب بن إبراهيم األنصاري (تـ182 :هـ).
من المالكية:
من الحنابلة:
الفرق بني اجملتهد املطلق املستقل واجملتهد املطلق غري املستقل وهو املنتسب:
ًّ
مستقاًّل. بينهما عموم وخصوص؛ فكل مستقل مطلق ،وليس كل مطلق
ويمكن تلخيص الفرق بينهما فيما يلي:
َّ
استقل بقواعد لنفسه يبني عليها الفرق األول :المجتهد المطلق المستقل هو الذي
خارجا عن االلتزام بقواعد إمام أو مذهب معين.
ً الفقه
416
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
والمجتهد المطلق غير المستقل لم يبتكر لنفسه قواعد ،بل سلك طريق إمام من
أئمة المذاهب يف االجتهاد.
الفرق الثاين :المجتهد المطلق المستقل يجمع األحاديث واآلثار فيستخرج
أحكامها وينبه ألخذ الفقه منها ،ويجمع مختلفها ،ويرجح بعضها على بعض.
وأما المجتهد المطلق غير المستقل فيأخذ األحكام من الكتاب والسنة ،ولكنها
قليلة بالنسبة إلى المجتهد المستقل.
المجتهد المستقل)(((.
ًّ
مستقاًّل بتقرير أصوله عرفه النووي فقال( :أن يكون مجتهدً ا مقيدً ا يف مذهب إمامه
بالدليل ،غير أنه ال يتجاوز يف أدلته أصول إمامه وقواعده)(((.
ومعناه :أن مجتهد التخريج مقيدٌ يف مذهب إمامه ،مستقل يف تقريره بالدليل،
لكن ال يتعدَّ ى أصوله وقواعده ،مع إتقانه للفقه وأصوله ،وأدلة مسائل الفقه قادر على
التخريج واالستنباط ،وإلحاق الفروع باألصول والقواعد التي إلمامه ،فهو يستنبط
األحكام يف الوقائع التي لم يرد فيها نص عن إمام المذهب بطريق التخريج على النصوص
من الحنفية:
1 -أبو جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (تـ321 :هـ).
2 -محمد بن أحمد بن أبي سهل السرخسي (تـ483 :هـ).
((( الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد فـي كل عصر فرض (ص.)39
((( المجموع شرح المهذب (.)43/1
417
الزوائد على روضة الناظر
من المالكية:
1 -محمد بن عبد اهلل بن محمد بن صالح األهبري (تـ٣٧٥ :هـ).
2 -عبد اهلل بن عبد الرحمن ابن أبي زيد القيرواين (تـ386 :هـ).
من الشافعية:
1 -عبد اهلل بن محمد بن عبد الرحمن المروزي (تـ288 :هـ).
من الحنابلة:
1 -القاضي محمد بن الحسين أبو يعلى (تـ458 :هـ).
عالما بالفقه وفروع المذهب؛ ألهنا مصادره األساسية يف الشرط األول :أن يكون ً
االجتهاد.
قادرا
بصيرا بمسالك األقيسة والمعاينً ، ً الشرط الثاين :أن يكون عالما بأصول الفقه،
منصوصا عليه إلمامه بأصوله.
ً على إلحاق ما ليس
الشرط الثالث :أن يكون لديه اإلحاطة بقواعد إمامه ،وملتز ًما هبذه القواعد،
والمناظرة.
تخفيف شروط مجتهد عالما بالحديث واللغة ،قال الزركشي:
وال يشترط فيه أن يكون ً
التخريج عن المجتهد المطلق
(وأما المجتهد المقيد الذي ال يعدو مذهب إمام خاص فليس عليه
غير معرفة قواعد إمامه ،وليراع فيها ما يراعيه المطلق يف قوانين الشرع)(((.
السبب يف كون مجتهد الترجيح
ورجحوا
المنقول والمسطور على المنقول والمسطور عن األئمةَّ ،
أقل درجة من مجتهدي التخريج
بين األقوال والروايات يف المذهب.
ومن هؤالء:
من الحنفية:
1 -أبو الوليد محمد بن أحمد ابن رشد الجد (تـ٥٢٠ :هـ).
2 -أبو عبد اهلل محمد بن علي بن عمر المازري (تـ٥٣٦ :هـ).
3 -شهاب الدين أبو العباس أحمد بن إدريس القرايف (تـ684 :هـ).
من الشافعية:
الشرط السادس :أن يكون متم ِّكنًا من ترجيح قول على قول.
والفرق بني جمتهد الرتجيح وجمتهد التخريج:
الفرق األول :أن مجتهد الرتجيح ال يبلغ رتبة مجتهد التخريج يف حفظه للمذهب ومعرفته
بأقوال األئمة.
الفرق الثاين :أن مجتهد الرتجيح يرتكز اهتمامه على ترجيح الروايات أو األوجه المتعارضة
يف المذهب؛ ليستعين بالراجح منها يف الفتاوى يف ذلك ،وأما مجتهد التخريج فلم يقتصر
اهتمامه على الرتجيح بين الروايات يف المذهب ،وإنما تعدى إلى تمهيد المذهب والتأليف
فيه ،ومعالجة الجديد من الوقائع والنوازل؛ ليكون المذهب أكثر اتسا ًعا لألحكام القديمة
والجديدة.
420
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
ومن هؤالء:
من الحنفية:
-1أبو بكر الكاساين (تـ٥٨٧ :هـ).
-2زين الدين ابن نجيم (تـ970 :هـ).
ومن المالكية:
-1علي بن محمد اللخمي (تـ478 :هـ).
-1ابن حجر العسقالين (تـ852 :هـ).
-2شهاب الدين الرملي (تـ1004 :هـ).
ومن الحنابلة:
الشرط األول :أن يكون فقيه النفس؛ ألن تصور المسألة على وجهها ونقل أحكامها
ال يقوم به إال فقيه النفس.
الشرط الثالث :أن يكون لديه القدرة على إلحاق المسائل وإدراجها بما هو
منقول يف المذهب.
الفرق األول :أن المجتهد الخاص اجتهاده يف باب من أبواب الفقه أو يف بعض مسائل
الفرق الثاين :أن المجتهد الخاص يلتزم بمذهب إمام معين يف غالب أبواب الفقه ،وقد
يرجح خالف ما عليه المذهب يف أبواب اجتهاده الخاص ،أما المجتهد المقيد فهو مقيد
422
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
منشأ الخالف يف هذه المسألة
الخالف يف أن منصب االجتهاد ،هل يصح أن يتجزأ بمعنى :أن ينال العالم رتبة االجتهاد
الشرط األول :أن يكون فقيه النفس ولديه أهلية وقدرة على االستنباط.
الشرط الثاين :أن يكون محي ًطا بكل ما يتعلق بالباب الذي يجتهد فيه ،أو المسألة
التي يجتهد فيها ،من أدلة شرعية من كتاب وسنة وإجماع وقياس ،وغير ذلك من األدلة.
الشـرط الثالـث :أن يعـرف أصـول البـاب الـذي يجتهد فيه ،أو المسـألة التـي يجتهد
الشرط الرابع :أن يكون محي ًطا بكالم الفقهاء يف الباب الذي يجتهد فيه ،أو يف
الشرط الخامس :أن يكون قد اطلع على بعض األمارات التي نصبها الشارع على
بعض المسائل.
الشرط السادس :أن يكون على علم بما يجتهد فيه ،فيفتي فيما يدري ،ويم ِّيز ما
ال يدري ،ويتوقف فيما ال يدري.
وقد لخص هذه الشروط الزركشي $بعبارة جامعة ،فقال( :أما المجتهد يف
حكم خاص فإنما يحتاج إلى قوة تامة يف النوع الذي هو فيه مجتهد ،فمن عرف طرق
النظر القياسي له أن يجتهد يف مسألة قياسية ،وإن لم يعرف غيره ،وكذا العالم بالحساب
والفرائض ،هذا بناء على جواز تجزؤ االجتهاد وهو الصحيح)(((.
أهم الـمراجــــع
ً
المجـال الثالـث :النـص ظنـي الداللـة ،وهـو مـا احتمـل التأويـل والحمـل علـى
أكثر من معنى.
وقد تقدم تفصيل تلك المجاالت(((.
المباحة ،فإن كان النص قطعي الثبوت أو الداللة أو مجم ًعا عليه ،أو
غير متصور الوقوع ،لم يجز االجتهاد فيه ،وقد تقدم تفصيل ذلك(((.
القول الثاين :أن االجتهاد يف القطعيات واجب ،وهو مذهب بعض المعتزلة،
وأكثر األشاعرة.
القول الثالث :أن االجتهاد يف القطعيات جائز كالظني ،وهو قول أبي الخطاب،
والقرايف ،وشيخ اإلسالم ابن تيمية ،واختاره بعض الحنفية ،منهم ابن الهمام،
وابن أمير حاج ،وأمير بادشاه ،وبعض المعاصرين.
دليل القول األول (ال جيوز):
وجه االستدالل :يف هذه اآلية ذم اهلل االختالف فيما جاءت به البينات ،ولو جاز
االجتهاد يف القطعيات لحصل االختالف المذموم.
الدليل الثاين :عن معاوية بن أبي سفيان ﭬ قال :أال إن رسول اهلل ﷺ قام فينا فقال:
«أال إن من قبلكم من أهل الكتاب افترقوا على ثنتين وسبعين ملة ،وإن هذه الملة ستفترق
على ثالث وسبعين :ثنتان وسبعون يف النار ،وواحدة يف الجنة ،وهي الجماعة»(((.
وجه االستدالل :أن االجتهاد يف القطعيات طريق إلى االختالف ،والشريعة جاءت
بسد الذرائع.
الدليل الثالث :أن الصحابة ﭫ قد ثبت عندهم أن الشريعة ال اختالف فيها ،وأهنا
جاءت حاكمة بين المختلفين ،وإنما اجتهدوا يف الفروع دون األصول ،وهي مواضع
االشتباه ،فدل على عدم جواز االجتهاد يف القطعي وأهنا باقية على أصل النهي.
((( أخرجه أبو داود ( ،)4597وأحمد ( ،)16937والدارمي ( ،)2560وصححه ابن تيمية يف مجموع الفتاوى
( ،) 345/ 3وقال العراقي يف تخريج اإلحياء (( :)1133إسناده جيد).
وقد روي من حديث جماعة من الصحابة؛ انظر :تخريج الكشاف للزيلعي (-447/1وما بعدها).
426
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
وجه االستدالل :أن اهلل سبحانه وتعالى أمر باالستدالل على الباري سبحانه
ووجوب إفراده بالعبادة ،وهذه من أهم المسائل القطعية.
نوقش :أن هذه اآليات خطاب مع الجاحدين ،فأمروا باالستدالل ليعرفوا الحق،
واآليات ال توجب االستدالل على جميع الخلق.
الدليل الثاين :قوله تعالى﴿ :ﮮ ﮯ ﮰ ﮱ﴾ [النحل.]125 :
وجه االستدالل :أن اهلل أمر نبيه ﷺ بمجادلتهم ،وتوضيح الحق لهم بأدلته ،والمراد
بالقلب ،وأما الجدال فهو االحتجاج باللسان نصرة للقول.
الدليل الثالث :قوله تعالى﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ
ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠﭡ ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾ [المائدة.]104 :
وجه االستدالل :يف هذه اآلية هنى اهلل سبحانه وتعالى عن التقليد وذم من احتج
به ،وإذا كان التقليد منه ًّيا عنه وجب االستدالل والنظر؛ فدل على أن االجتهاد يف
القطعيات واجب.
الدليل الرابع :أن األمة أجمعت على وجوب معرفة الباري سبحانه ،وال يتم تحصيل
العلم إال بالنظر واالستدالل ،فكان واج ًبا ألن ما ال يتم الواجب إال به فهو واجب.
نوقش من ثالثة أوجه:
جل وعال غير النظر؛ من ذلك الوجه األول :أن ثمت طر ًقا ُأخر لمعرفة المولى َّ
الوجه الثاين :أن اإلنسان بفطرته يعرف ربه ،ومن كان كذلك ال يقال له انظر
واستدل ،إال من عرض له ما ُيفسد فطرته.
الوجه الثالث :أن عند عوام المسلمين من اليقين يف ذلك ما لم يحصل مثله عند
وجه االستدالل :أن المطلوب من الخلق الشهادتان ،فبأي طريق حصلها العبد فقد
أدى الواجب؛ سواء كان بالنظر واالستدالل ،أو اتباع الرسل ،أو الفطرة أو غيرها.
الدليل الثاين :أن أهل اإلسالم قاطبة يحملون أوالدهم على اإلسالم دون تكليفهم
بنظر وال استدالل.
الدليل الثالث :أن تحصيل تلك العلوم ممكن بالنظر ،وممكن بطرق أخرى من
اضطرار وفطرة ،أو تقليد من يعلم أنه مصيب ،أو غير ذلك.
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)346-345
-شرح خمتصر الروضة (.)616/2
-املوافقات (.)121-114/5
-االعتصام (.)281-266/3
واصطالحا:
ً ً
أواًل :تعريف تغري االجتهاد لغة
حوله وبدَّ له كأنه جعله غير
ويف لسان العرب( :تغير الشيء عن حاله تحول ،وغيرهَّ :
حوله ،وتغايرت األشياء :اختلفت)(((.
ما كان ،وغ َّير عليه األمرَّ :
اصطالحا:
ً تعريف تغري االجتهاد
ً (((
يقتضي ذلك ،بحيث يفتي أو يقضي بخالف ما أفتى ،أو قضى به فيها سابقا) .
تغير اجتهاد وفتوى وحكم العلماء والمجتهدين والمفتين والقضاة على مر
العصور يف بعض الحوادث والمسائل لم يكن لمجرد الهوى والتشهي ،وإنما استندوا
أوجبت عليهم تغير النظر واالجتهاد يف الحكم؛ ليحكموا فيها بما يف ذلك إلى أسباب َ
تقتضيه المصلحة ،مراعين يف ذلك تغير مناط المسألة؛ ليفتوا فيها بما يحقق مناط الحكم،
فعمر لما رأى هتاون الناس بالطالق ،رأى أن المصلحة ال تتحقق إال بإمضاء هذا
الطالق ثال ًثا.
حكما فالمجتهد يتغير اجتهاده وتختلف فتواه يف حكم المسألة حين يستحسن فيها
ً
نظرا لقوة اقتضاء الدليل الخاص ،وهذا االستحسان خاصا يخرجها من الحكم العامً ، ًّ
سواء أكان ضرورة ،أم مصلحة ،أم عر ًفا ،أم غير ذلك من موجبات االستثناء واالستحسان.
وليس المراد أن كل استحسان يعد من أسباب تغير الفتوى أو االجتهاد ،بل
مجااًل لالجتهاد والنظر مما يتفاوت فيه اجتهاد المجتهدين ،وهي ما ً المراد ما كان منها
عدا االستحسان المستند إلى النص واإلجماع؛ ألن ما ثبت حكمه بالنص أو اإلجماع
تخصيصا ،وأغلب األمثلة التي يتغير ً ال مجال فيه لالجتهاد؛ سواء سمي استحسانًا ،أو
االجتهاد فيها بسبب االستحسان هي ما كان االستحسان فيها مستندً ا إلى الحاجة ،أو
ومن أمثلته :أن اإلمام أبا حنيفة $أفتى يف أول عهد الفرس
باإلسالم ،وصعوبة نطقهم بالعربية بجواز أن يقرأ الواحد منهم يف
الصالة بالفارسية استحسانًا ألجل الضرورة؛ ولذلك لما النت
أمثلة أخرى على تغير االجتهاد ألسنتهم بالعربية رجع عن هذه الفتوى.
بسبب االستحسان
يتبع العوائد :يتغير الحكم فيه عند تغير العادة إلى ما تقتضيه العادة
المتجددة ...أال ترى أهنم أجمعوا على أن المعامالت إذا أطلق فيها
نصوص يف تغير
االجتهاد بالعرف الثمن يحمل على غالب النقود ،فإذا كانت العادة نقدً ا معينًا حملنا
اإلطالق عليه ،فإذا انتقلت العادة إلى غيره عينا ما انتقلت العادة إليه ،وألغينا األول،
النتقال العادة عنه وكذلك اإلطالق يف الوصايا واأليمان وجميع أبواب الفقه المحمولة
طائفة غير قليلة منها كان مستند تغيرها تبدُّ ل العادات واألعراف واختالفها ،ومن أمثلة
ذلك ما يأتي:
-كان اإلمام مالك $يرى أن َمن حلف ال يكلم فالنًا ناو ًيا المشافهة ،ثم كاتبه
فإنه ال يحنث ،ثم تغير اجتهاده يف هذه المسألة ورجع عن هذا القول إلى أنه يحنث
-وكان اإلمام الشافعي $يرى أن مِن حق صاحب األرض التي هبا بئر أن يبيع
الماء ،ولما انتقل إلى مصر ورأى عرف الناس بخالف ذلك الختالف البيئة تغير اجتهاده،
وذهب إلى أن صاحب األرض ليس له إال حق السبق يف االستعمال ،ولغيره بعد ذلك حق
الشرب وسقي األرض بال مقابل.
ذريعتها ،وإن كانت الوسيلة تئول إلى مصلحة تركت تلك الوسيلة وفتحت.
فقد يحكم المجتهد يف زمن ما على مسألة معينة بالفتح أو السد ،ثم يتغير الحكم يف
دائما يف كل زمان،
حكما ً
ً من المصالح والمفاسد ،فالحكم بالذرائع بعد االجتهاد ال يكون
ومن أمثلته:
-ما جاء عن جابر بن عبد اهلل ﭭ قال( :بعنا أمهات األوالد على عهد رسول اهلل ﷺ
اليمين فإنه يقضى عليه بالنكول ،ثم رجع عن هذا القول ،ورأى بعد
ذلك أن ترد اليمين على المدعي؛ سدًّ ا لذريعة التساهل يف الدعوى.
((( أخرجه أبو داود ( ،)3954وابن حبان ،)4324( ،والحاكم ( .)2189صححه ابن حبان ،وقال الحاكم:
(صحيح على شرط مسلم) ،ووافقه الذهبي.
432
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
وقد عرفه الشاطبي $فقال( :أن يثبت الحكم بمدركه الشرعي ،لكن يبقى النظر
يف تعيين محله)(((.
واجتهاد المجتهد وفتواه تتغير إذا تغير تحقيق المناط ،لكي تنتظم كل واقعة تحت
حكمها الشرعي بحسب تحقيق مناطها ،فإذا جاء زمن آخر وتجددت الحادثة على صورة
أخرى ،وطرأت عليها العوارض ،وضعت تحت حكمها الخاص هبا ،فيلزم المجتهد
الناظر يف الوقائع والنوازل أن يراعي عند اجتهاده ونظره الظروف العامة للعصر ،وتغير
أيضا من أهم
وتحقيق المناط من أهم أسباب اختالف الفقهاء يف الفروع ،وهو ً
ومن أمثلته:
1 -أن عبد اهلل بن عباس ﭭ تغير اجتهاده وفتواه يف توبة القاتل ألجل تحقيق
المناط ،فقد كان يفتي بأن للقاتل توبة ،ولما جاءه رجل وسأله (لمن قتل مؤمنًا توبة؟
قال :ال ،إال النار ،فلما ذهب قال له جلساؤه :ما هكذا كنت تفتينا أن لمن قتل مؤمنًا توبة
الغضب ،فغلب على ظنه أنه عازم على القتل ،ويريد فتوى تفتح له باب التوبة ،فرأى عدم
2 -أن اإلمام مال ًكا $تغير اجتهاده يف حكم بيع اللحم النيء بالقديد ،فكان يجيزه
مطل ًقا كبيع الخبز بالخبز ،واللحم باللحم ،ثم رجع عن ذلك ،وقال بمنعه وأنه ال خير فيه
للحاجة ،واستقر رأيه على جوازه عند الحاجة ،ولما سئل عن ذلك منع منه؛ ألنه ال حاجة
تدعو الناس إلى ذلك ،فلم يتحقق عنده مناط الحكم بالجواز.
ثال ًثا :عالقة أسباب تغري االجتهاد بقاعدة :ال ينكر تغري األحكام بتغري
القرائن واألزمان:
هذه القاعدة مبنية على تغير االجتهاد ،وأكثر أسباب تغير االجتهاد تجمعها هذه
القاعدة وبخاصة تغير االجتهاد بسبب تحقيق المصالح أو بسبب تغير العادات واألعراف،
أو بسبب سد الذرائع ،أو بسبب تحقيق المناط ،والسبب الذي له تأثير يف هذه القاعدة؛ هو
تغير االجتهاد بسبب تغير العادات واألعراف.
بحسب تغير األزمنة واألمكنة واألحوال والنيات والعوائد) ،وقال( :هذا فصل عظيم النفع
ما ال سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي هي يف أعلى رتب المصالح ال تأيت به.
فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد يف المعاش والمعاد،
وهي عدل كلها ،ورحمة كلها ،ومصالح كلها ،وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن
العدل إلى الجور ،وعن الرحمة إلى ضدها ،وعن المصلحة إلى المفسدة ،وعن الحكمة
إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل)(((.
(فإذا رأيت أهل الفجور والفسوق يلعبون بالشطرنج كان إنكارك عليهم من عدم الفقه
والبصيرة ،إال إذا نقلتهم منه إلى ما هو أحب إلى اهلل ورسوله؛ كرمي النشاب ،وسباق
الخيل ،ونحو ذلك ،وإذا رأيت الفساق قد اجتمعوا على لهو ولعب أو سماع مكاء
خيرا من أن
وتصدية فإن نقلتهم عنه إلى طاعة اهلل فهو المراد ،وإال كان تركهم على ذلك ً
ً
شاغاًل لهم عن ذلك ،وكما إذا كان الرجل تفرغهم لما هو أعظم من ذلك ،فكان ما هم فيه
مشتغاًل بكتب المجنون ونحوها ،وخفت من نقله عنها انتقاله إلى كتب البدع والضالل ً
والسحر فدعه وكتبه األولى)(((.
ووردت هذه القاعدة يف مجلة األحكام العدلية بلفظ( :ال ينكر تغير األحكام بتغير
األزمان)((( ،وبنى الشيخ علي حيدر أن األحكام التي تتغير هي األحكام المستندة على
العرف والعادة ،فقال يف شرح هذه القاعدة( :إن األحكام التي تتغير بتغير األزمان هي األحكام
المستندة على العرف والعادة؛ ألنه بتغير األزمان تتغير احتياجات الناس ،وبناء على هذا التغير
أيضا العرف والعادة ،وبتغير العرف والعادة تتغير األحكام حسبما أوضحنا آن ًفا ،بخالف يتبدل ً
األحكام المستندة على األدلة الشرعية التي لم تبن على العرف والعادة فإهنا ال تتغير)(((.
الحالة األولى :إذا اجتهد المجتهد لخاصة نفسه ،وعمل هبذا االجتهاد ،ولم يقرتن
به حكم حاكم ،ثم تغير اجتهاده.
أهم الـمراجــــع
-املوافقات (.)12/5
نقض االجتهاد
ً
أواًل :تعريف نقض االجتهاد:
النقض لغة :اإلفساد ،وهو ضد اإلبرام ،جاء يف لسان العرب :النقض إفساد ما
أبرمت من عقد أو بناء ،ويف الصحاح :النقض نقض البناء والحبل والعهد ،والنقض ضد
ثان ًيا :حكم نقض االجتهاد:
حترير حمل النزاع:
اتفق العلماء على أن االجتهاد ال ينقض باالجتهاد ،وقد حكى هذا االتفاق اآلمدي
وابن الحاجب والربماوي ،والمرداوي ،قال الربماوي( :يمتنع نقض حكم االجتهاد بتغيره
آخر ،سواء أكان من المجتهد األول أو من غيره .قال ابن الحاجب :باتفاق)(((. باجتهاد َ
ودليل عدم نقضه :أنه يلزم من نقضه التسلسل؛ إذ لو جاز النقض لجاز نقض
النقض ،وهكذا فتفوت مصلحة نصب الحاكم -وهي قطع المنازعة -لعدم الوثوق حينئذ
بالحكم ،وهو معنى قول الفقهاء يف الفروع( :ال ينقض االجتهاد باالجتهاد).
وإنما محل الخالف يف نقض االجتهاد إذا خالف النص من كتاب أو سنة ،أو خالف
املسألة األوىل :نقض االجتهاد إذا خالف النص من كتاب أو سنة ولو آحادًا:
األقوال واألدلة:
القول الثاين :ال ينقض حكمه إذا خالف غير سنة متواترة ،وهو أحد قولي القاضي
أبي يعلى الحنبلي.
دليل القول األول (النقض مبخالفة الكتاب أو السنة):
الدليل األول :ينقض اجتهاد الحاكم إذا خالف النص؛ ألنه قضاء لم يصادف
شرطه ،فوجب نقضه ،وبيان مخالفته للشرط :أن شرط الحكم باالجتهاد عدم النص.
دليل القول الثاني (ال ينقض مبخالفة سنة اآلحاد):
ما يخالفه.
إذا خالف اجتهاد الحاكم اإلجماع ،فال يخلو إما أن تكون مخالفته لإلجماع
القطعي أو الظني ،فإن خالف اإلجماع القطعي فإن اجتهاده ينقض قط ًعا.
قال المرداوي( :واإلجماع إجماعان :إجماع قطعي فينقض بمخالفته قط ًعا)(((.
إذا خالف المجتهد اإلجماع الظني فقد اختلف العلماء يف نقض اجتهاده على قولين:
القول األول :أن اجتهاد الحاكم ال ينقض إذا خالف اإلجماع الظني ،وهذا القول
اختاره ابن مفلح وابن حمدان والمرداوي.
القول الثاين :أن اجتهاد الحاكم ينقض إذا خالف اإلجماع الظني ،وقال به كثير من
الحنابلة.
دليل القول األول (ال ينقض):
ما روي أن عل ًّيا ﭬ نقض قضاء شريح بأن شهادة المولى ال تقبل بالقياس الجلي،
((( أورده الرافعي يف الشرح الكبير ( ،)479/12وقال ابن الملقن يف البدر المنير (َ ( :)606/9
اَل يحضرين من
خرجه) .وقال الحافظ يف التلخيص الحبير (( :)359/4لم أجده).
438
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
أهم الـمراجــــع
-املستصفى (ص.)373-367
439
الزوائد على روضة الناظر
التعريف بالنوازل
تعريف النوازل:
النوازل لغة :جمع نازلة من الفعل نزل.
الدهر تنزل)(((.
واصطالحا :مصطلح النوازل لم ينتشر ويتداول إال يف القرون المتأخرة ،واستعمله
ً
بعض الفقهاء وأكثرهم من المالكية ،وكما استعمل الفقهاء بعض المصطلحات المرادفة؛
-اصطالحا -أعم
ً كثيرا عن معناها اللغوي ،غير أهنا
وال يبعد تعريفها االصطالحي ً
منها لغة؛ فإذا كانت يف اللغة يراد هبا الشدائد والمصائب ،ففي االصطالح يراد هبا حكم
حل بالناس من خير أو شر. كل ما َّ
والعالقة بين المعنى اللغوي واالصطالحي للنازلة من جهة أن وقع النازلة على
الفقيه والمجتهد كوقع الشدائد على عامة الناس من حيث كوهنا مفاجئة له ،وتتطلب منه
أن يبذل وسعه ويستفرغ طاقته الستنباط حكمها؛ إذ لم يسبق فيها نص أو اجتهاد.
فيشرتط للنازلة أن تكون مما استُحدث ،ولم يتناولها نص تشريعي أو اجتهاد فقهي
سابق ،كما قال ابن عابدين( :سئل عنها المشايخ المجتهدون يف المذهب ،ولم يجدوا
تخريجا)((( ،وقال ابن عبد الرب( :باب اجتهاد الرأي على األصول
ً نصا ،فأفتوا فيها
فيها ًّ
عند عدم النصوص يف حين نزول النازلة)(((.
وقد وضع المعاصرون جملة من التعريفات االصطالحية للنوازل ،منها :أن النوازل
هي( :ما استدعى حكما شرع ًّيا من الوقائع المستجدة)(((.
أهم الـمراجــــع
األمر الثاين :أن إعطاء النوازل المستجدة يف كل عصر أحكامها الشرعية المناسبة
ً
دخواًل أول ًّيا تحت مهمة التجديد لهذا الدين. يدخل
األمر الثالث :يف دراسة النوازل إكمال لمسيرة الفقه العظيمة على مر التاريخ،
األمر الرابع :يف دراسة النوازل ضبط وإحكام لعبادات المسلمين ،وعالقة
المخلوقين بخالقهم.
األمر الخامس :يف دراسة النوازل ضبط وإحكام لتعامالت الناس وقضاياهم،
وحماية لهم من مخالفة الشريعة.
األمر السادس :كثرة النوازل المعاصرة التي يحتاج الناس إلى معرفة حكم الشرع
فيها ،وال يمكن استخراج حكمها إال بواسطة فقهاء لديهم قواعد أصولية يتمكنون من
األمر السابع :أنه إذا لم توجد دراسات أصولية تضبط مناهج دراسة النوازل الفقهية
أواًل :معامل منهج أئمة املذاهب الفقهية للنظر فـي النوازل: ً
يتلخص منهج األئمة وأتباعهم للنظر يف النوازل بالمعالم اآلتية:
أواًل :اختيار األدلة الصحيحة القوية ،فهذا أدعى لصحة النتائج ،وأقرب طريق ً
للوصول إليها.
كاًّل منهما دليل قطعي.ثان ًيا :النظر يف الكتاب والسنة المتواترة؛ ألن ًّ
ثال ًثا :النظر إلى اإلجماع؛ فإن وجده لم يحتج إلى النظر يف سواه؛ لكون اإلجماع
يخصصهما ،كما أنه ينظر يف حمل المطلق على المقيد ،والمجمل على المبين.
خامسا :النظر بعد ذلك يف القياس واالستصحاب وقول الصحابي واالستحسان
والمصلحة المرسلة ،حيث ال يلجأ إلى القياس أو غيره من األدلة إال عند فقدان النص
نقاًل عن اإلمام الشافعي فقال: وقد لخص هذا المنهج الغزالي يف المنخول ً
(((
(قال الشافعي ﭬ :إذا رفعت إليه واقعة فليعرضها على نصوص الكتاب ،فإن أعوزه
فعلى األخبار المتواترة ،فإن أعوزه إ ًذا فعلى اآلحاد ،فإن أعوزه لم يخض يف القياس،
ظاهرا نظر يف المخصصات من قياس وخرب، بل يلتفت إلى ظاهر القرآن ،فإن وجد
ً
مخصصا حكم به ،وإن لم يعثر على لفظ من كتاب وال سنة نظر إلى المذاهب، ً فإن لم يجد
فإن وجدها مجم ًعا عليها اتبع اإلجماع ،وإن لم يجد إجما ًعا خاض يف القياس)(((.
وال يصح من المجتهد اجتهاد ونظر إذا لم يأخذ بالنصوص الشرعية ،لكن االنحراف
عن هذا المنهج القويم يحصل بالتمسك بظواهر النصوص فقط دون االلتفات إلى
فقه النصوص ومعانيها ومقاصدها الشرعية ،فيؤدي ذلك إلى تحريم ما لم يحرمه اهلل،
خصوصا يف المعامالت والعادات التي األصل فيها الحل ،قال سفيان الثوري( :إنما العلم
ً
د َّلت النصوص الشرعية على اعتبار سد الذرائع واألخذ به حماية لمقاصد الشريعة،
وقد ب َّين ذلك ابن القيم فقال( :فإذا حرم الرب تعالى شي ًئا وله طرق ووسائل تفضي إليه
فإنه يحرمها ويمنع منها ،تحقي ًقا لتحريمه ،وتثبيتًا له ،ومن ًعا أن يقرب حماه ،ولو أباح
نقضا للتحريم ،وإغراء للنفوس به)(((.الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك ً
وبشرا وال تن ِّفرا»(((.
تعسراِّ ،
«يسرا وال ِّ
اليمنِّ :
التفريط الظاهر وتضييع أحكام الشريعة ،ومن الخطأ والخطر على الشريعة تربير الواقع،
والمبالغة يف فقه التيسير باألخذ باألقوال المرجوحة والشاذة ،وإظهارها لعوام الناس دون
اعتبار الحجة والدليل ،وربما وصل بعضهم إلى رد النصوص وتأويلها بما ال تحتمل
وجها يف اللغة أو يف الشرع ،فيؤدي ذلك إلى تساهل الناس يف المأمورات ،وارتكاهبم ً
للمحظورات.
إن نفرة الناس عن الدين ال تسوغ التضحية بالثوابت والمسلمات أو التنازل عن
األصول والقطعيات مهما بلغت المجتمعات من تغير أو تطور؛ فإن نصوص الشرع
وقد ظهرت يف هذا العصر بعض الفتاوى يف تحليل بعض األمور المحرمة والتي
د َّلت النصوص الشرعية على تحريمها ،وقد استندت تلك الفتاوى على المصلحة ،وهي
مصلحة متوهمة لمخالفتها لما ثبت بالشرع.
ومن ذلك :الفتوى بإباحة اإلفطار يف رمضان من أجل ّأاّل تتعطل مصلحة األعمال
يف البالد ،والفتوى بإباحة التعامل بالربا من أجل تنشيط الحركة التجارية والنهوض هبا.
-2تتبع الرخص والتلفيق بين المذاهب:
وهي من المسالك المتفق على منعها ،وسيأيت تفصيلها(((.
-3التحايل الفقهي على أوامر الشرع:
على إسقاط الزكاة ،أو اإلبراء من الديون الواجبة.
وقد فصل ابن القيم $الكالم يف الحيل وأنواعها وبين الحيل الممنوعة
والمشروعة فقال( :ال يجوز للمفتي تتبع الحيل المحرمة والمكروهة ،وال تتبع الرخص
لمن أراد نفعه ،فإن تتبع ذلك ُف ِّسق ،وحرم استفتاؤه ،فإن حسن قصده يف حيلة جائزة
ال شبهة فيها وال مفسدة لتخليص المستفتي هبا من حرج جاز ذلك ...فأحسن المخارج
ما خلص من المآثم ،وأقبح الحيل ما أوقع يف المحارم ،أو أسقط ما أوجبه اهلل ورسوله من
الحق الالزم)(((.
وهي ضوابط يحتاجها الناظر يف النوازل قبل الحكم يف النازلة وأثناء الحكم فيها،
وهي ستة ضوابط:
وقد تقدم تفصيل ذلك(((.
الضابط الرابع :التثبت والتحري:
االستعجال يف الحكم ،والتأين يف نظره؛ ألنه لو أفتى من خالل نظر قاصر ،أو بدون تثبت
قال ابن القيم ( :$فحقيق بمن أقيم يف هذا المنصب أن يعد له عدته ،وأن يتأهب
وقد ذكر الخطيب البغدادي أن هذا هو منهج السلف الصالح الذي د َّلت عليه النصوص
الشرعية فقال( :ثم يذكر المسألة لمن بحضرته ممن يصلح لذلك من أهل العلم
ويشاورهم يف الجواب ،ويسأل كل واحد منهم عما عنده ،فإن يف ذلك بركة ،واقتداء
واضحا
ً توصل إليه المجتهد يف النازلة ،وجواب المفتي
ال بد أن يكون الحكم الذي َّ
وقد أكَّد ابن القيم على أهمية هذا الضابط فقال( :ال يجوز للمفتي الرتويج ،وتخيير
مزياًل لإلشكال ،متضمنًا لفصلالسائل ،وإلقاؤه يف اإلشكال والحيرة ،بل عليه أن يبين بيانًا ً
الخطاب ،كاف ًيا يف حصول المقصود ،ال يحتاج معه إلى غيره)(((.
النازلة مراعاة هذه المراحل ،وعدم االنتقال إلى مرحلة قبل االنتهاء من المرحلة السابقة
لها ،وهذه المراحل هي:
معنى تصوير النازلة :إدراك حقيقتها يف الذهن من غير حكم عليها؛ وذلك يشمل
((( ومن ذلك :ما أخرجه البخاري ( ،)4757ومسلم ( )2770عن عائشة ،قالت :لما ذكر من شأين الذي ذكر ،وما
علي يف
علمت به قام رسول اهلل ﷺ خطي ًبا فتشهد ،فحمد اهلل وأثنى عليه بما هو أهله ،ثم قال« :أما بعد أشيروا َّ
أناس أبنوا أهلي.»...
وما أخرجه مسلم ( )1779عن أنس ﭬ« :أن رسول اهلل ﷺ شاور حين بلغه إقبال أبي سفيان.»...
((( الفقيه والمتفقه (.)390/2
((( أعالم الموقعين (.)136/4
448
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
وتصور النازلة يف ذهن المجتهد أو المفتي مرحلة أولية من مراحل الفتوى وبيان
تصوره.
الحكم؛ ألن الحكم على الشيء فرع عن ُّ
وتصوير النازلة يكون بسؤال أهل الخربة واالستفادة منهم؛ إذ ال بد من اقرتان خربة
الخرباء وفقه الفقهاء للوصول إلى تصوير صحيح لحقيقة النازلة.
أمثلة ذلك:
-1االستفادة من خربة الفلكي يف تصوير الحال يف أوروبا والدول اإلسكندنافية؛
كاالستفادة من عظام الحيوانات وجلودها يف صناعة الجيالتين ،والخاليا الجذعية،
والبصمة الوراثية ،والموت الدماغي.
مرحلة التوصيف الفقهي تتبع تصوير النازلة ،وقد أشار إليها ابن القيم $فقال:
(وال يتمكن المفتي وال الحاكم من الفتوى والحكم بالحق إال بنوعين من الفهم:
أحدهما :فهم الواقع والفقه فيه ،واستنباط علم حقيقة ما وقع بالقرائن واألمارات
علما.
والعالمات حتى يحيط به ً
والنوع الثاين :فهم الواجب يف الواقع ،وهو فهم حكم اهلل الذي حكم به يف كتابه أو
على لسان رسوله ﷺ يف هذا الواقع ،ثم يطبق أحدهما على اآلخر)(((.
المسماة.
َّ الفقه
معناه :أن المجتهد أو المفتي يبحث عن الصيغة الفقهية المناسبة للواقعة ،فيلحق
صورهتا بما يماثلها من مسائل الفقه المسماة ،فيحدد المجتهد ً
أواًل الباب الفقهي الذي
يمكن أن تلحق به النازلة ،هل هي بيع أو إجارة أو وكالة أو رهن أو جعالة ...إلى غير ذلك
1 -نازلة التطهير بمغاسل البخار (التنظيف الجاف):
هذه النازلة تدخل يف مسألة إزالة النجاسة بغير الماء ،والتي نص الفقهاء على
حكمها(((.
يعينه على فهمها ،ويسهل له الحكم عليها ،فيجتهد يف إلحاق هذه النازلة بما يشاهبها من
يسمى (بالتخريج). المسائل الفقهية؛ ليقيسها عليها ،وتأخذ حكمها وهذا َّ
أمثلة ذلك:
((( انظر :بدائع الصنائع ( ،)87/1بداية المجتهد ( ،)90/1الحاوي الكبير ( ،)43/1المغني (.)9/1
((( انظر :حاشية ابن عابدين (.)170/4( )345/3
((( انظر :األم للشافعي ( ،)56/6المغني (.)325/8
450
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
وهي الحمامات التي وقع اإلجماع على جوازها مع جهالة كمية الماء المستهلك؛ ألن
الناس يتفاوتون يف ذلك ،وهذا من باب االستحسان.
2 -مسألة األدوية تكون فيها مادة الكحول المستهلكة:
من أجاز استعمال هذه األدوية قاسها على مسألة فقهية سابقة وهي لبن المرأة إذا
خلطوه بطعام واستهلك فيه ،ثم شربه الصبي أنه ال حكم له يف التحريم على األصح األظهر(((.
نصا فقه ًّيا ساب ًقا ،وال يهتدي إلى شيء
الحالة الثالثة :أن ال يجد المجتهد والمفتي ًّ
العمل بالمقاصد الشرعية.
فقال( :الذي ينبغي للعالم أن يشتغل به هو بسط األدلة ،وإيضاح سبل النظر ،وتحصيل
مقدمات االجتهاد ،وإعداد اآللة المعينة على االستمداد ،فإذا عرضت نازلة أتيت من
بتحقيق المناط.
النوع األول :تحقيق المناط العام ،ويكون بتحقيق المناط يف المسألة الفقهية
المجردة بغض النظر عن تمثلها يف الواقع ،ويمكن أن يقال :هو تحقيق للمناط يف األنواع.
النوع الثاين :تحقيق المناط الخاص ،ويكون بتحقيق المناط يف المسألة الفقهية
باعتبارها قائمة يف الواقع يف وقت معين ومكان معين وشخص معين ،ويمكن أن يقال:
هو تحقيق المناط يف األعيان واألشخاص.
ومرحلة تنزيل األحكام على الوقائع تأيت بعد مرحلة تصوير النازلة ،وبعد تكييفها
واالستدالل لها؛ وذلك ألن التصوير والتكييف نظر جزئي خاص للنازلة ،أما تنزيل هذا
الحكم على الوقائع فهو نظر كلي عام.
بصيرا بالواقع مدركًا لجزئيات الوقائع،
ً وال بد للمجتهد الناظر يف النازلة أن يكون
قادرا على تطبيقها على الوقائع،
فإن حفظ المسائل الفقهية ال يكفي إذا لم يكن الفقيه ً
وقادرا على االستنباط من القواعد االستنباط الصحيح.
ً
-1مراعاة عوارض الحال كاإلكراه واالضطرار ،وما ينزل منزلته من الحاجيات
-2مراعاة المصالح جل ًبا ،والمفاسد دف ًعا ورف ًعا ،والموازنة بين ذلك ً
حااًل ً
ومآاًل،
فتتقدم المصالح الكلية على المصالح الجزئية ،والمتيقنة على المتوهمة ،والعامة على
للمآالت
استقر يف النفوس من
َّ
ولمراعاة العوائد واألعراف أهمية كبيرة يف ضبط الفتوى يف النوازل ،لكوهنا أحد
األمور التي يناط هبا الحكم الشرعي ،وقد تقدم تفصيلها مع أمثلتها(((.
أهم الـمراجــــع
-املوافقات (.)200-177/5
وأركانه وشروطه ومراتب المجتهدين(((.
القسم الثاني :االجتهاد اجلماعي:
1تعريفه. -
ً
ًّ
مستقاًّل يف أصول الفقه، ً
فصاًل خاصا به ،أو يجعلوا له با ًبا أو ًّ
مستقاًّل ًّ لم يفردوا له بح ًثا
عرفه المعاصرون
وإنما جاء حديثهم عنه ضمن مسائل متفرقة يف أكثر من موضوع ،وقد ّ
بتعريفات مختلفة؛ منها :أن االجتهاد الجماعي هو (استفراغ جمهور أهل العلم وسعهم
يف درك الحكم الشرعي ،واتفاقهم عليه بعد التشاور فيه)(((.
فاستشارهم ،فإذا اجتمع رأيهم على ٍ
المسلمين وعلماءهم فاستشارهم ،فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به(((.
وقد حرص عمر ﭬ على أن يكون هذا المنهج الجماعي يف االجتهاد هو
األسلوب الذي ينبغي أن يسير عليه الوالة يف األقاليم ،فقد كان يوصي والته باتباع هذا
والمتأمل فيما كان يعمله الخلفاء الراشدون لالجتهاد يف القضايا المستجدة التي
ليس فيها نص من كتاب أو سنة نجد أنه يف حقيقته ليس إال اجتها ًدا جماع ًّيا؛ ألن الذين كان
يجمعهم أبو بكر وعمر ﭭ وقت عرض الحادثة ما كانوا جميع رؤوس المسلمين وخيارهم،
كبيرا من مجتهدي الصحابة كانوا يف مكة والشام واليمن ويف ميادين الجهاد. ألن عد ًدا ً
وقد اقتفى أثر الصحابة يف ذلك المنهج الجماعي لالجتهاد الخليفة عمر بن عبد العزيز.
وهو ما سار العمل عليه يف بعض عصور الدولة األموية باألندلس أيام يحيى بن
مجلسا للشورى للنظر يف المشاكل الفقهية ،وكان ً يحيى الليثي رئيس قضاهتا ،فقد أنشأ
عضوا.
ً أعضاء هذا المجلس يف بعض األوقات ستة عشر
((( أخرجه الدارمي يف سننه ( ،)163والبيهقي يف الكربى ( ،)20367واإلسماعيلي يف معجم أسامي شيوخه (.)417/1
((( انظر :أعالم الموقعين (.)115/2
((( المرجع السابق.
455
الزوائد على روضة الناظر
مما أدى إلى شيوع التقليد ،وابتعاد الكثيرين عن التبحر يف العلوم التي تؤهل
غنًى وكفاية؛ َّ
وإذا كان القول بسد باب االجتهاد قد قصد به يف البداية منع االجتهاد الفردي إلبعاد
َمن ليسوا ً
أهاًل لالجتهاد من دائرته ،فإن األمر بعد ذلك قد أسيء فهمه؛ مما أدى إلى منع
وقام بعض العلماء بالرد على هذه الدعوى ،ومن أشهر من قام بذلك جالل الدين
السيوطي $فقد ألف كتابه( :الرد على من أخلد إلى األرض وجهل أن االجتهاد
يف منتصف القرن الرابع عشر الهجري بدأت الدعوة إلحياء االجتهاد الجماعي؛
فقد أدرك علماء اإلسالم التآمر المحدق بالشريعة اإلسالمية ،وإقصاءها عن التشريع يف
الكثير من األقطار العربية واإلسالمية ،كما أدركوا أيضا كثرة الحوادث والمستجدات
التي ليس فيها رأي للعلماء السابقين ،كما أن هذه المستجدات تحمل يف طياهتا الكثير
من التداخل بين القضايا والتشابك بين العلوم؛ مما يجعل االجتهاد فيها ال بد أن يكون
جماع ًّيا حتى يحقق غايته.
456
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
وقد دعا إلى ضرورة إحياء االجتهاد الجماعي يف األمة اإلسالمية جماعة من
العلماء المعاصرين.
يقول الشيخ محمد الطاهر بن عاشور ( :$فاالجتهاد فرض كفاية على األمة
بمقدار حاجة أقطارها وأحوالها ،وقد أثمت األمة بالتفريط فيه مع االستطاعة و ُم ْكنَة
األسباب واآلالت ...وإن أقل ما يجب على العلماء يف هذا العصر أن يبتدئوا به من هذا
الغرض العلمي هو أن يسعوا إلى جمع مجمع علمي يحضره من أكرب العلماء بالعلوم
حاجات األمة ،ويصدروا فيها عن وفاق فيما يتعين عمل األمة عليه ،ويعلموا أقطار
اإلسالم بمقرراهتم ،فال أحسب أحدً ا ينصرف عن اتباعهم)(((.
وربما اشتبه االجتهاد الجماعي باإلجماع األصولي ،ولكن المتأمل يف حقيقتهما يجد
الفرق األول :اإلجماع األصولي أساسه اتفاق جميع المجتهدين حتى تثبت
العصمة ،ويتحقق به القطع ،وتلزم حجيته األمة ،أما االجتهاد الجماعي فيكفي لوجوده
اتفاق جماعة من المجتهدين ،فال تثبت له العصمة ،وال يتحقق به القطع ،وال تلزم حجيته
جميع المجتهدين من كل المذاهب ،واالجتهاد الجماعي قد يكون مذه ًبا ،وقد يكون رأ ًيا
يتفق عليه بعض المجتهدين يف عدد من المذاهب.
الفرق الرابع :اإلجماع األصولي يلزم األمة بذاته ،واالجتهاد الجماعي ال يكتسب
الفرق السادس :اإلجماع األصولي عام يف الزمان والمكان إال إذا كان مستنده
المصلحة المتغيرة ،واالجتهاد الجماعي من طبيعته أال يكون عا ًّما يف الزمان والمكان يف
غالب أحواله.
راب ًعا :أهمية االجتهاد اجلماعي فـي العصر احلاضر:
بأمس
ِّ االجتهاد الجماعي له أهمية بالغة يف العصر الحاضر ،واألمة اإلسالمية
وخصوصا مع التقدم الهائل يف وسائل المواصالت واالتصاالت والتقنيات
ً الحاجة إليه،
ومتسارعة ،يحتاج المسلمون فيها إلى معرفة الحكم الشرعي لتلك القضايا والنوازل،
وتتلخص أهمية االجتهاد الجماعي يف الجوانب اآلتية:
1-يتحقق يف االجتهاد الجماعي مبدأ الشورى الذي د َّلت النصوص الشرعية على
مشروعيته؛منهاقولهتعالى﴿:ﮞﮟﮠ﴾[الشورى.]٣٨:وقوله﴿:ﭭﭮﭯ﴾
[آل عمران .]١٥٩ :وذلك أن أعضاء المجلس االجتهادي يمارسون الشورى بتبادل اآلراء،
وتمحيص األفكار ،وتقليبها على كل الوجوه ،حتى يصلوا إلى رأي يتفقون عليه ،أو
ترجحه األغلبية.
الرؤى واألفكار المشرتكة يف اتخاذ الحكم؛ مما يجعل استنباط الحكم أكثر د َّقة وأكثر
إصابة؛ وذلك ألن رأي الجماعة أقرب إلى الصواب من رأي الفرد.
3-تمثل مخرجات االجتهاد الجماعي أحد األدوات التي قد تسهم بشكل كبير
وف ّعال يف تحرير األحكام الفقهية المتعلقة بالنوازل المعاصرة ،مما يعيد للفقه اإلسالمي
5-االجتهاد الجماعي ينظم االجتهاد ويمنع توقفه ،وهو من أهم محفزات العملية
االجتهادية والفقهية يف الوقت الحالي ،كما أنه يساعد على قصر االجتهاد على المتأهلين
له ،وإقصاء من ليسوا بأهله.
6-االجتهاد الجماعي سبيل إلى توحيد األمة وتضامنها ،وذلك باجتماع كلمة العلماء،
وتوحيد الرؤى والمواقف ،واالتفاق يف األحكام الشرعية ،والناس تبع لعلمائهم يف ذلك.
خامسا :شروط عضو االجتهاد اجلماعي:
ً
قادرا على
والمجتهد الجزئي أو المجتهد الخاص هو الذي يحصل له من العلم ما يجعله ً
ويكفي يف عضو االجتهاد الجماعي أن يكون مجتهدً ا جزئ ًّيا ،وهذا التخفيف
ميسورا على طالبه وغير متعذر؛ ألن تحصيل ذلكً يجعل الوصول إلى إمكانية االجتهاد
وهذا القول اختاره أكثر الفقهاء المعاصرين ،وبناء على هذا القول فيشرتط يف عضو
االجتهاد الجماعي أن تتوفر فيه شروط المجتهد الجزئي أو المجتهد الخاص كحد أدنى
كاالقتصاد ،والرتبية ،واالجتماع ،والطب ،وغير ذلك من الخرباء الذين يستعين هبم علماء
الشريعة يف تصوير ومعرفة فقه الواقع للنوازل والمستجدات ،فهؤالء الخرباء ال يشرتط
فيهم توافر شروط االجتهاد ،وإنما ينبغي أن يكونوا من الخرباء البارعين والمتميزين يف
تخصصاهتم المساعدة للعلماء المجتهدين ،ويكون دورهم يف الوقائع والنوازل الجديدة
هو التصوير والتكييف والبيان والتحديد الدقيق للقضايا محل االجتهاد.
فاالجتهاد الجماعي يف النوازل مطلب حاجي ال بد منه يف هذا العصر ،حتى تتسع
الشريعة وتشمل الكثير من القضايا االقتصادية ،والعلمية ،والطبية واالجتماعية والسياسية،
وكل ماله صلة بالحياة اليومية ،وال بد للبحث فيها ودراستها دراسة علمية مفيدة من تصور
صحيح ،واستيفاء كامل لكافة جوانبها الواقعية والعلمية والشرعية ،ولن يتم ذلك إال عرب
االجتهاد الجماعي.
مستقلة تضم نخبة من علماء الشريعة ،ويناط هبا النظر يف القضايا والنوازل َوفق آليات
وضوابط خاصة.
وهذه المؤسسات منها ما يغلب عليه الطابع المحلي كدور اإلفتاء يف بلدان العالم
اإلسالمي ،ومنها ما يكون عا ًّما للعالم اإلسالمي كمجمع الفقه اإلسالمي الدولي بجدة،
ً
وعاماًل وحتى تحقق المجامع الفقهية ثمارها ،وتكون نافعة يف مصلحة األمة،
مهما لتأكيد خلود أحكام الشريعة وشمولها ،فإن عليها أن تراعي عند إنشائها وتكوينهاًّ
األهداف العلمية والعملية.
أهداف المجامع الفقهية والعلمية:
أواًل :جمع كلمة األمة اإلسالمية؛ وذلك من خالل تدبر أحوالها ،ودراسة أوضاعها،
ً
وفحص قضاياها ،وإيجاد الحلول المناسبة لها عن طريق االجتهاد الجماعي.
461
الزوائد على روضة الناظر
ثان ًيا :بيان حكم اهلل ۵يف النوازل المستجدة التي لم يسبق بحثها من قبل الفقهاء
السابقين ،أو ترجيح بعض األقوال المختلفة ،والتي تحتاج األمة أن تختار منها ما يحقق
المصلحة الغالبة العامة.
ثال ًثا :إثراء المجتمع اإلسالمي باالجتهادات الجماعية المتنوعة التي تعالج
مشكالت األمة يف شتى جوانب حياهتا اإلنسانية واالجتماعية ،مع االلتزام بثوابت الشريعة
اإلسالمية وضوابطها.
بلد إسالمي من مؤسسة أو أكثر غير أن أشهرها ما يأيت:
لجان للبحوث الشرعية تمدها بما تحتاج إليه من الدراسات والبحوث المتخصصة،
وقد تستعين بذوي االختصاص والخرباء من اقتصاديين أو أطباء من أجل إعطاء التصور
الدقيق للواقعة والنازلة الجديدة.
أهم الـمراجــــع
ثان ًيا :عالقة االتباع بالتقليد:
المنهج األول :من ال يفرق بين التقليد واالتباع ،وهذا الظاهر من صنيع ابن قدامة
وأكثر األصوليين.
المنهج الثاين :من يفرق بينهما ،واختار هذا بعض األصوليين كابن القيم ،وهؤالء
فرقوا من جهتين:
الجهة األولى :جهة حقيقة كل منهما:
فالتقليد معناه :الرجوع إلى قول ال حجة لقائله عليه ،واالتباع :ما ثبت عليه حجة.
وعلى هذا فيندرج يف االتباع ما يلي:
-2اتباع من له حجة على قوله ،كالمجتهد الذي له حجة ودليل على قوله.
أهم الـمراجــــع
-مقاييس اللغة ( )362/1مادة (تبع).
-املصباح املنري ( )72/1مادة (تبع).
-جامع بيان العلم وفضله (.)998-975 ،787/2
-أعالم املوقعني (.)139-137/2
464
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
شروط التقليد
عرف ابن قدامة التقليد بأنه( :قبول قول الغير من غير حجة)((( ،وب ّين ما يسوغ فيه التقليد
وما ال يسوغ((( ،وقد وضع أهل العلم ضوابط كثيرة للتقليد ،أبرزها أربعة:
وقد ذكره ابن قدامة يف الروضة.
الضابط الثاني :أال يكون املقلد ممن ميكنه االجتهاد ،ويسعفه الوقت لذلك.
فإنه إذا كان مجتهدً ا لم يجز له تقليد غيره إال فيما ضاق عليه وقته ،واحتاج لقول فيه
الضابط الثالث :أال يكون غرض املقلد تتبع الرخص بتقليد من يوافق هواه.
اإلجماع على ذم ذلك.
َ حيث نقل العلماء
الضابط الرابع :أال يظهر للمقلد نص واضح من كتاب أو سنة خيالف ما يقلده.
والمقلد يف هذا على قسمين:
األول :أن يكون للمقلد حظ من أدوات النظر واالستدالل ،بحيث يستطيع هبا التمييز
سواء كان َمن تمذهب بمذهبه أو استفتاه فأفتاه ،فإنه يلزمه أن يرجع إلى قول من يقول
الثاين :أن يكون عام ًّيا ليس له حظ من أدوات النظر ،وهذا ال يلزمه الرجوع للنص إال
واضحا يستطيع مثله فهمه ،أو يوضحه له أحد أهل العلم فيتضح ويفهمه ،ويفهم
ً نصا
أن يكون ًّ
وجه مخالفته له ،حينئذ يرجع إليه.
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :تعريف تتبع الرخص:
تتبع الرخص مركب من كلمتين:
الرخص :أصل الكلمة رخص :يدل على اللين والتسهيل ،والرخصة يف األمر
ثان ًياُّ :
خالف التشديد.
والمراد بتتبع الرخص :أن يختار من األقوال والمذاهب ما هو أيسر عليه وأهون.
أن يعمد المكلف يف كل مسألة مختلف فيها إلى أهون األقوال وأيسرها عليه،
بقول أهل المدينة يف السماع؛ يعني :يف الغناء ،وبقول أهل الكوفة يف النبيذ ،وبقول أهل
مكة يف المتعة لكان فاس ًقا)(((.
وقال سليمان التيمي( :لو أخذت برخصة كل عالم -أو قالَ :ز ّلة كل عالم -اجتمع
فيك الشر كله)(((.
فتكون آراء الرجال حاكمة على نصوص الشرع.
الشريعة ومقاصدها؛ إذ من مقاصد الشريعة إخراج أن فيه مخالف ًة ألصول َّ أَّ -
حث على اتباع المسلم ما يحقق هواه، الرخص َّ المكلف عن داعية هواه ،ويف َت َت ُّبع ُّ
نفسه.
وتميل إليه ُ
أن للمك َّلف أن يفعل ما يشاء ألن حاص َله َّانحالاًل من ربقة التَّكليف؛ ًَّ بَّ -
أن فيه
ج -أنه يؤدي إلى َت ْرك ا ِّتباع الدَّ ليل إلى ا ِّتباع الخالف؛ وهو مخالف لألمر بالرد إلى
الكتاب والسنة.
د -أنه يؤدي إلى االستهانة بالدِّ ين وشرائعه؛ إذ َيصير بذلك س َّي ًااًل ال ينضبط.
الشبهة األولى :قوله تعالى﴿ :ﯗ ﯘ ﯙ ﯚ﴾ [البقرة ]185 :فقد يفهم من
اآلية أن مقتضى التيسير هو تتبع الرخص ،والحقيقة أن اآلية ال يفهم منها تتبع الرخص
لوجهين:
الوجه األول :أن الشريعة التي جاءت بالتيسير هي الشريعة التي جاءت بذم اتباع
الهوى ،وال شك أن األخذ باألقوال الميسرة مفض إلى اتباع الهوى ،وإلى انخرام
أيضا.
التكليف ،ويف ذلك كله انخرام للدين ،وهذا باطل فما أدى إليه باطل ً
مخالفة الهوى.
ويجاب عن ذلك :بأن المراد بقولهم الخالف رحمة :أي أنه فتح للناس باب النظر
واالجتهاد ،وليس المراد أن يكون اختيار الناس بآرائهم المجردة؛ إذ هذا سير على محض
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :معنى التلفـيق:
التلفيق لغة :من كلمة ( َل َف َق) ،وهي تدل على مالءمة األمر ،وضم بعضه إلى بعض،
الش َّق َت ْي ِن إلى األخرى ،وهذا ل ِ ْف ُق هذا:
يقالَ :ل َف ْق ُت ال َّث ْو َب بِال َّثوب َل ْف ًقا :أي ضممت إحدى ُّ
اصطالح�ا :أن يقـوم المكلـف بالجمـع بيـن قـول مجتهـد وقـول مجتهـد آخـر
ً
المجتهدين بصحتها.
ويفهم من التعريف أنه يلزم يف التلفيق أن يكون يف حادثة واحدة ،فإن اختلفت
الحوادث فال يعد من التلفيق؛ كمن تزوج امرأة بال ولي وأخرى بال شهود.
ً
وقواًل للشافعي يف البيوع، وال يعد من التلفيق لو اختار ً
قواًل ألبي حنيفة يف الطهارة،
أ -لو توضأ فمسح بعض شعر رأسه مقلدً ا الشافعي ،يف إجزاء الوضوء بمسح بعض
شعر الرأس ،وبعد الوضوء مس أجنبية مقلدً ا أبا حنيفة يف عدم النقض بمسها ،والمسألة
هنا :صحة الوضوء.
ولي مقلدً ا أبا حنيفة يف عدم اشرتاط الوالية ،وبال شهود
ب -لو تزوج امرأ ًة بال ّ
أيضا مقلدً ا مال ًكا يف عدم اشرتاط َّ
الشهادة بذاهتا واالكتفاء بإعالن النكاح ،والمسألة هنا: ً
صحة النكاح.
ويف المثالين يكون قد أتى بوضوء ونكاح ال يقول بصحته كال اإلمامين.
470
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
األخف واألسهل يف المسائل الخالفية،
ِّ الرخص يكون بأخذ القول أن َت َت ُّب َع ُّ 1ـ َّ
أ َّما التَّلفيق فحقيقتُه الجمع بين قولين يف مسألة واحدة أو مسألتين متالزمتين.
3ـ التلفيق يكون يف مسألة واحدة أو مسألتين متالزمتين ،أما تتبع الرخص فال يلزم
-2ال خالف بين العلماء أن التلفيق الذي يقصد منه تحليل المحرمات ،وتتبع
الرخص باطل.
-3محل الخالف يف الجمع بين األقوال المتعارضة يف مسألة واحدة ،أو يف مسألتين
متالزمتين من المسائل التي يسوغ فيها الخالف ،ما لم يقصد تتبع الرخص وتحليل ما حرم اهلل.
ومثاله :لو طلق زوجته ألبتة ،وهو يرى أهنا تقع ثالث طلقات ،وعمل بذلك ففارق
الدليل األول :أنه لو قيل بجواز التلفيق يف التقليد ألدى ذلك إلى إفساد الشريعة،
والتالعب هبا ،وهذا محظور ،وكل ما أدى إلى محظور فهو محظور.
نوقش :بأن هذا خارج محل النزاع ،فقد سبق أن التلفيق إذا استباح
نوقش :بأن كل مذهب يحكم ببطالهنا بالنظر إلى المذهب ذاته ،ولكن لو نظر إلى
الدليل الثالث :أن المقلد قد التزم مذه ًبا معينًا ،ومن التزم مذه ًبا معينًا ال يجوز له
الخروج منه إلى غيره.
نوقش :بأن مسألة التزام مذهب معين محل خالف ،وال واجب إال ما أوجبه اهلل
ورسوله ،ولم يوجب اهلل وال رسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من
األمة فيقلده دون غيره.
((( وهبذه الشروط الثالثة (مع إضافة شروط أخرى) :خرج قرار مجمع الفقه اإلسالمي التابع لمنظمة التعاون اإلسالمي.
انظر :القرار رقم ( )70مجلة المجمع ،العدد (.)41/1( )8
472
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
نوقش :بأن يسر الشريعة المعترب ما كان على وفق أدلة الشرع ،وليس التلفيق على
الدليل الثالث :أن منع التلفيق يؤدي إلى إفساد كثير من عبادات العامة؛ إذ ال تكاد
ً
-مثاًل -فقد يقع يف موافقة تجد عام ًّيا يفعل عبادة كاملة موافقة لمذهب معين ،فلو صلى
قول رجل معين دون غيره ،بحيث ال يخالف قوله مطل ًقا.
الدليل الثاين :أن القول بالتفصيل فيه تحقيق ألدلة القولين السابقين ،وخروج عن
المفاسد المحتملة من القول بالتلفيق بوضع الضوابط التي تحكم القول به.
الخالف معنوي ،وقد أثمر الخالف يف جواز التلفيق خال ًفا يف بعض المسائل
الفقهية ،منها ما يأيت:
مسألة :من قّلد الشافعي بعدم وجوب الدلك فـي الوضوء ،وقّلد مال ًكا بعدم نقض اللمس
بال شهوة ،ثم صلى بهذا الوضوء.
فعند من يمنع التلفيق صالته غير صحيحة.
وعند من يجيز التلفيق صالته صحيحة.
473
الزوائد على روضة الناظر
مسألة :لو حج رجل ،فمكث فـي مزدلفة مبقدار حط رحله تقليدًا للمالكية ،وقلم
أظفاره تقليدًا للظاهرية فـي عدم اعتباره من حمظورات اإلحرام ،ثم طاف راك ًبا
تقليدًا للشافعية.
فعند من يمنع التلفيق صنيعه محرم ،ويلزمه تصحيح فعله بحسب مذهبه.
وعند من يجيز التلفيق ال حرج عليه.
أهم الـمراجــــع
-مقاييس اللغة ( )257/5مادة (لفق).
-املصباح املنري ( )556/2مادة (لفق).
-عمدة التحقيق فـي التقليد والتلفـيق (ص.)232 ،224 ،181
-التحقيق فـي بطالن التلفـيق (ص.)168-159
-التلفـيق بني املذاهب الفقهية وعالقته بتيسري الفتوى (ص.)19
474
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
ً
أواًل :حقيقة التمذهب:
التمذهب لغة :مصدر تمذهب ،يقال تمذهبَ ،تم ْذ ُهبا ،فهو م ِ
تمذهب ،والمذهب:
اصطالحا :هو االلتزام بمذهب مجتهد معين يف األصول والفروع ،أو أحدهما.
ً
الثانية :االلتزام بالمذهب مع الخروج عنه أحيانًا لدليل يدعو إلى ذلك.
القول األول :جواز التمذهب ،وإليه ذهب الجمهور ،وهو األشهر عند الحنابلة.
القول الثاين :وجوب التمذهب ،وإليه ذهب بعض الحنفية ،وبعض المالكية،
وهو وجه عند الشافعية ،ووجه عند الحنابلة ،اختاره ابن رجب.
القول الثالث :المنع من التمذهب ،وهو قول ابن حزم ،وجماعة من العلماء.
475
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
إن سلف األمة لم يلزموا العامة بتقليد واحد منهم ،بل كان الناس يقلدون من شاءوا
من أهل العلم.
الدليل الثالث :أنه لم يوجب أحد من األمة اتباع رجل معين يف كل ما يقول ،وقد
نقل اإلجماع على أنه ال يحل اتباع رجل يف كل حكم يقوله ،وأثر عن السلف أن كل أحد
نوقش من وجهين:
األول :ال نسلم بذلك؛ فالعامي يلزمه اتباع قول من أفتاه ،وإن كان عنده اطالع
الثاين :أن ما ذكرتموه منقوض بعصر اإلسالم األول ،فلم ُيلزم الصحابة وال التابعون
نوقش :بأنه ال يلزم من التمذهب تقديم قول اإلمام والرد إليه إذا خالف الكتاب
والسنة ،فمن كان له أهلية النظر فيلزمه تقديم الدليل ،ومن كان عام ًّيا فيقلد من يثق فيه من
المجتهدين؛ تحقي ًقا ألمر اهلل بسؤال أهل الذكر.
الدليل الثاين :أن األئمة بشر يخطئون ويصيبون ،وقد يخفى عليهم شيء من السنن،
فكيف يجوز تقليدهم؟!
ونوقش :بأن المقلد إن كان ً
أهاًل للنظر فيلزمه مخالفة إمامه تب ًعا للدليل ،وإن
راب ًعا :نوع اخلالف ومثرته:
الخالف معنوي ،وقد أثمر الخالف يف حكم التمذهب خال ًفا يف بعض المسائل
ومن أوجبه لم يقتصر به على مرتبة الجواز ،بل عال به إلى القول بالوجوب.
ومن منع جعله محر ًما ممنو ًعا منه.
أهم الـمراجــــع
ضوابط التمذهب
تقدم بيان حقيقة التمذهب وحكمه يف مسألة سابقة ((( ،وللتمذهب شروط وضوابط
تشبه شروط التقليد وضوابطه.
حيث إن التمذهب هو نوع من التقليد يف الحقيقة ،وإن كان أرفع أنواعه حيث
ِ
المتمذهب ،وصاحب المذهب، ولن نتكلم هنا عن شروط التمذهب الواجبة يف
وإنما نجمع بعض الضوابط التي ذكرها أهل العلم ،وتلزم من تمذهب بمذهب
ن�ص واض�ح م�ن كت�اب وس�نة الضاب�ط األول :أال يظه�ر للمتمذه�ب مبذه�ب معين ٌّ
خيال�ف مذهب�ه.
وإنما يتأتى ذلك إذا كان له حظ من أدوات النظر واالستدالل؛ بحيث يستطيع هبا
نصا يخالف التمييز بين مدلوالت النصوص ،وإن قصر عن درجة المجتهد ،فإذا رأى أن ًّ
مذهب إمامه فإنه يلزمه أن يرجع إلى قول من يقول بمقتضى النص من األئمة ،وإن خالف
مذهب إمامه.
وإذا لم يجد من قال بمقتضى النص على ما فهم هو منه فال يجوز له ذلك ،وإال كان
الضاب�ط الثان�ي :أن�ه مت�ى انتقل املتمذهب إىل درج�ة االجتهاد مل يعد جيوز له أخذ فرع
من فروع مذهبه إال أن يوافقه بدليله.
فكأنـه اجتهـاد خـاص لـه وافـق فيـه مذهبـه القديـم ،وإال فالمجتهـد ال يجـوز
له التقليد.
الضابط الثالث :أال يأخذ من املذهب ما يوافق هواه ،ثم خيرج عنه إىل غريه من املذاهب
كلما وجد ما وافق هواه.
وهذا هو السبب يف إيجاب من أوجبوا التمذهب ،أي :سد ذريعة تتبع الرخص يف
كل مذهب.
أهم الـمراجــــع
-أدب املفيت واملستفيت (ص .)171-158
-صفة الفتوى (ص.)72-71
-آداب الفتوى واملفيت واملستفيت (ص.)78-74
-جمموع فتاوى شيخ اإلسالم ابن تيمية (.)226-220/20
-أعالم املوقعني (.)205-203/6
-التمذهب دراسة نظرية نقدية (.)959-953/2
479
الزوائد على روضة الناظر
اختلف العلماء يف اإللزام بمذهب معين يف القضاء على قولين:
القول األول :ال يجوز إلزام القاضي بمذهب معين ،وإليه ذهب الحنابلة والشافعية،
القول الثاين :يجوز إلزام القاضي بمذهب معين ،وإليه ذهب الحنفية ،وهو القول
وجه الداللة :أن اهلل أمر بالحكم بالحق ،والحق ال يتعين يف مذهب بعينه ،وقد يظهر
وجه الداللة :أن اهلل تعالى أمر بالرد إلى اهلل والرسول ،وليس إلى مذهب معين.
أن القضاة بمنزلة الوكالء والنواب عن الحكام ،والوكيل يتقيد يف الدليل الثاينّ :
حدود الوكالة المعطاة له ال يتجاوزها ،فإذا قيد الحاكم القاضي بمذهب معين عليه التزامه
بشروطه الشرعية.
الدليل الثالث :أن المصلحة الشرعية قد تقتضي تقييد القاضي بمذهب معين ،فقد
ال يكون مجتهدً ا يف النظر.
خال ًفا يف بعض المسائل الفقهية منها ما يأيت:
مسألة :نقض قضاء القاضي إذا خالف مذهبه:
فإن من ذهب إلى جواز إلزام القاضي بمذهب معين يف الحكم ،قال بنقض قضائه
ومن ذهب إلى عدم جواز إلزام القاضي بمذهب معين يف الحكم لم ينقض قضاءه.
أهم الـمراجــــع
-املغين (.)93/10
-حتفة احملتاج بشرح املنهاج (.)117/10
-مواهب اجلليل فـي شرح خمتصر خليل (.)98 /6
-دقائق أولي النهى لشرح املنتهى (.)491/3
-الدر املختار وحاشية ابن عابدين (رد احملتار) (.)408/5
-نظرية احلكم القضائي فـي الشريعة والقانون (ص.)300-281
-االختصاص املذهيب فـي القضاء الشرعي وتطبيقاته املعاصرة (ص.)15
481
الزوائد على روضة الناظر
وال ُفتيا :تبيين المشكل من األَحكام.
اصطالحا :إخبار عن حكم اهلل بدليل شرعي لسؤال أو نازلة.
ً
وقولهم( :عن حكم اهلل) يشمل الحكم القطعي أو الظني؛ وذلك أن العالم إذا
سئل عن مسألة قطعية؛ كحكم الصالة أو الزكاة ،أو مسألة اجتهادية فأجاب فهو بيان
وقولهم( :بدليل شرعي) ،يفيد أنه البد أن يكون يف فتواه مستندً ا إلى دليل شرعي،
وهذا يندرج فيه من بلغ درجة االجتهاد أو كان دون ذلك ممن قصر عن كمال آلة االجتهاد،
ويخرج هبذا القيد الناقل كالعامي إذا سمع الحكم من العالم ونقله ،فال ينطبق عليه
اصطالحا.
ً مسمى الفتوى
وقولهم( :لسؤال) يشمل سؤال التعلم وغيره مما صدر بسبب نازلة.
وقولهم( :أو نازلة) يندرج فيه بيان العالم لحكم مسألة نازلة تطلب األمر بيان
حكمها ،ولو لم يسأل عنها.
وقولهم( :لسؤال أو نازلة) :يخرج بيان العالم لحكم مسألة لغير هذين األمرين،
كأن يبين الحكم يف درس علمي أو نحو ذلك.
482
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
األول :تشرتط العدالة يف الفتوى باإلجماع ،بخالف االجتهاد فالعدالة على
الصحيح ليست شر ًطا فيه.
الثاين :تنفرد الفتوى بكوهنا مختصة بتنزيل الحكم على مسألة معينة؛ إذ هي اجتهاد
وزيادة ،حيث إن حقيقتها تحقيق لمناط األحكام الشرعية وتنزيل لها على الوقائع ،ولذا
واضحة أو خفية.
األمر األول :أن الفتوى إخبار عن حكم اهلل تعالى ،ال إلزام فيه من جهة المفتي،
483
الزوائد على روضة الناظر
األمر الثالث :أن فتوى المفتي قد تكون عامة أو خاصة ،بخالف قضاء القاضي؛
فإنه حكم معين على شخص معين.
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :أهمية الفتوى:
تتضح أهمية الفتوى يف خمس نقاط رئيسة:
وكفى بما تواله اهلل تعالى بنفسه شر ًفا وجاللة.
ثم قام هبا الرسول ﷺ أتم قيام ،فكان ُيستفتى فيفتي بيانًا للذكر الذي أنزل إليه(((.
الثانية :أن اإلفتاء إخبار عن اهلل تعالى وبيان ألحكامه؛ ولذا قيل المفتي مو ِّقع
الثالثة :أن المفتي قائم مقام النبي ﷺ ،ونائب عنه يف أمته ،فهو خليفته ووارثه يف
تبليغ األحكام وتعليمها للناس ،واستنباط األحكام للوقائع التي لم يرد فيها نص؛ ولذا
الرابعة :أن حفظ الدين من ضروريات الشرع وواجباته ،ومن أعظم ما يكون به
حفظ الدين منصب اإلفتاء؛ إذ به بيان أحكام الشريعة ،وتنزيل أحكامها على المستجدات
والنوازل ،وبه ينفى التحريف والباطل والشبه عن دين اهلل تعالى؛ ولذا جاء يف حديث
ً
((( انظر :صحيح البخاري ( ،)83ومسلم ( )1306من حديث ابن عمر ﭭ.
((( أخرجه أبو داود ( ،)3641والرتمذي ( ،)2682وابن ماجه ( )223من حديث أبي الدرداء ﭬ،
وأعله الدارقطني يف العلل ( )216/6باالضطراب ،وأورده البخاري يف الصحيح ( )24/1بال إسناد ،وصححه
ابن حبان( ،)88وابن الملقن يف البدر المنير ( .)587/7وقال ابن حجر( :له طرق ُيعرف هبا أن للحديث ً
أصاًل).
انظر :المقاصد الحسنة للسخاوي (ص.)459
((( أخرجه البخاري ( ،)100ومسلم (.)2673
485
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
الخامسة :أن القيام بمنصب اإلفتاء قيام بفرض من فروض الكفايات على األمة؛ إذ
ال بد أن يقوم يف األمة من يعلمهم أحكام دينهم ،قال تعالى ﴿ :ﯧ ﯨ ﯩ ﯪ
ﯫﯬ ﯭ ﯮ ﯯ ﯰ ﯱ ﯲ ﯳ ﯴ ﯵ ﯶ ﯷ ﯸ ﯹ ﯺ
ﯻ ﯼ ﯽ﴾ [التوبة.]122 :
ولما سبق من أهمية الفتوى وعظيم شأهنا كان السلف يتهيبوهنا ،ويتورعون عنها،
بل ويتدافعوهنا بينهم ،فعن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال( :أدركت مائة وعشرين من
(إن أحدهم ليفتي يف المسألة ،ولو وردت على عمر بن الخطاب ﭬ لجمع لها أهل
خير من أن يقول ما ال يعلم). ً
جاهاًل ٌ يموت الرجل
َ بدر!) ،وقال محمد بن سيرين( :ألن
ً
جاهاًل و سئل القاسم بن محمد يو ًما فقال( :ال أعلم) ،ثم قال( :واهلل ألن يعيش الرجل
خير له من أن يقول ما ال يعلم) ،وسئل سعيد بن جبير عن بعد أن يعلم حق اهلل عليهٌ ،
شيء ،فقال( :ال أعلم) ،ثم قال( :ويل لمن يقول ل ِ َما ال يعلم :إين أعلم) ،وقال ابن عباس:
يقصد بالضوابط :ما ال بد من تحققه يف الفتوى ،للوصول هبا إلى الكمال واإلتقان،
ومن أفتى ولم تتوافر فيه تلك األهلية فقد تجشم ما ال علم له به ،وكذب على اهلل
ﯔ ﯕ ﯖ ﯗ ﯘ ﯙﯚ ﯛ ﯜ ﯝ ﯞ ﯟ ﯠ ﯡ ﯢ﴾ [النحل.]116 :
وقرن اهلل تعالى تحريم القول عليه بغير علم بتحريم اإلشراك به ،مما يدل على عظم
الذنب ،فقال تعالى ﴿ :ﮀ ﮁ ﮂ ﮃ ﮄ ﮅ ﮆ ﮇ ﮈ ﮉ ﮊ ﮋ ﮌ ﮍ ﮎ
ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ ﮔ ﮕ ﮖ ﮗ ﮘ ﮙ ﮚ ﮛ ﮜ﴾ [األعراف.]33 :
((( انظر لهذه اآلثار :المدخل إلى السنن الكربى للبيهقي (ص.)436-433
486
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﴾ [األحـزاب ،]36 :وقـال تعالـى ﴿ :ﮎ ﮏ ﮐ ﮑ ﮒ ﮓ
يجب يف الفتوى أن تكون مالئمة لمقاصد الشرع ،مح ّققة لجلب المصالح ودرء
المفاسد ،فإن الشريعة بأكملها قائمة على تحقيق المصالح ،قال ابن تيمية( :فمن فهم
األفعال أو عدم مشروعيته إال بعد النظر فيما يئول إليه ،فقد يحقق القول به مصلحة آنية،
لكنه يوقع يف مفسدة مآلية عظيمة ،فال يكون القول به محق ًقا للمقصد الشرعي ،ومن هذا
الباب امتنع النبي ﷺ عن هدم الكعبة ،وقال لعائشة ڤ« :لوال حداثة عهد قومك بالكفر
لنقضت الكعبة ،ولجعلتها على أساس إبراهيم»((( ،فامتنع ﷺ عما فيه مصلحة خو ًفا من
ومن تحقيق المصالح :مراعاة الخالف إذا اقتضى حال المستفتي ذلك ،فإذا ُسئل
عن مسألة بعد وقوعها ،ورأى أن اإلفتاء بالراجح عنده يفضي إلى مفسدة أكرب من تحصيل
المصلحة المرجوة من الفتوى به ،فله أن يفتيه بالمرجوح عنده تحقي ًقا للمصلحة.
فال ينبغي للمفتي أن ينزع إلى التشديد ويوقع الناس يف الحرج الذي جاءت الشريعة
وفق الصراط المستقيم ،محق ًقا لقواعد الشريعة وأدلتها ،قال الشاطبي( :المفتي البالغ
ذروة الدرجة هو الذي يحمل الناس على المعهود الوسط فيما يليق بالجمهور ،فال يذهب
فهمها؛ إذ قد أمر اهلل تعالى نب َّيه خال عن التعقيد والمصطلحات التي َّ ٍ
يتعذر على المستفتي ُ
الكريم بالبال ِغ المبين ،فقال تعالى ﴿ :ﭥ ﭦ ﭧ ﭨ ﭩ ﭪ ﴾ [النور.]54:
ِ
القضية المسئول عنها. ِ
حسم ومن هذا المعنى أن َت ْس َلم الفتوى من الرت ُّدد يف
أهم الـمراجــــع
-صفة الفتوى (ص.)97 ،14-7
-الفتوى فـي اإلسالم (.)115-114 ،3
-الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص.)20-17
-ضوابط الفتوى فـي الشريعة اإلسالمية (ص.)84-81
شروط املفيت
إال أن العلماء مختلفون يف بلوغ االجتهاد ومرتبته المطلوبة للفتوى.
األقوال واألدلة:
اختلف العلماء يف بلوغ االجتهاد ومرتبته المطلوبة للفتوى على أقوال كثيرة ،أهمها
ثالثة أقوال:
القول األول :يشرتط بلوغ مرتبة االجتهاد المطلق ،وإليه ذهب أكثر الحنابلة،
المذهب((( ،ولمن كان اجتهاده جزئ ًّيا ،وهبذا قال جمع من األصوليين ،ونص ابن الصالح
والنووي وغيرهما أن هذا هو الذي عليه العمل ،وإليه مفزع المفتين من مدد مديدة.
القول الثالث :ال يشرتط أن يكون مجتهدً ا ،بل تجوز فتوى المقلد بمذهب إمامه إذا
كان حاف ًظا له متمكنًا من فهمه .وقيد بعضهم هذا القول بعدم وجود المجتهد.
أن الفتوى خرب بحكم اهلل تعالى ،وغير المجتهد المطلق ال يفتي بحكم اهلل ،بل هو
مخرب عن مذهب إمامه.
الشرط الثاني :العدالة:
وهي َم َلكة تحمل صاحبها على مالزمة التقوى والمروءة ،وتستلزم ما يأيت:
ثان ًيا :ترك الصغائر المخلة بالمروءة كسرقة الشيء اليسير ونحوه.
ثال ًثا :ترك المباحات المرذولة ،كاألكل يف الطرقات ،ومرجع ذلك عرف الناس
زمانًا ومكانًا.
والعدالة مشرتطة للمفتي باإلجماع ،قال ابن حمدان يف شروط المفتي:
وجه الداللة :أن اهلل تعالى أمر بالتبين والتثبت من خرب الفاسق ،والفتوى من جنس
الدليل الثاين :أن المفتي مخرب عن اهلل تعالى ،والفاسق ال يؤمن منه الكذب على اهلل
تعالى ،فينسب للشرع ما ليس منه ،وإذا وجب االحرتاز من خربه يف غير الدين ففي الدين أولى.
إال أنه يستثنى من ذلك أمران:
1ـ لو وقعت للفاسق يف نفسه واقعة عمل فيها بفتوى نفسه ولم يستفت غيره.
2ـ ذكر ابن القيم أن حكم فتيا الفاسق يختلف باختالف األمكنة واألزمنة والقدرة
عم
والعجز ،وذهب إلى جواز فتيا الفاسق إذا لم يكن معلنًا بفسقه داع ًيا إليه ،فيما إذا َّ
الفسق وغلب على أهل األرض؛ ألنه لو منعت فتواه لعطلت األحكام ،وفسد نظام
الخلق ،وبطلت أكثر الحقوق.
والظاهر أن مثل هذه الحالة التي ذكرها ابن القيم هي حالة ضرورة ال يختلف
يف مثلها.
وأحكامها ،مع البصر التام والفطنة بإمكان تنزيلها يف الواقع على محملها الصحيح،
وهذا أمر زائد على االجتهاد ،فقد يكون العالم مجتهدً ا غير أنه ال يحسن تنزيل األحكام
إذا لم يكن كذلك تصور له الظالم بصورة المظلوم وعكسه ،والمحق بصورة المبطل
أهم الـمراجــــع
-الربهان (.)227/2
-أدب املفيت واملستفيت (ص.)107
-صفة الفتوى (ص.)13
-أعالم املوقعني (.)169/4
-البحر احمليط (.)358/8
-التحبري للمرداوي (.)4071-4070/8
-شرح الكوكب املنري (.)582-557/4
-الفتوى وأهميتها (ص.)39
491
الزوائد على روضة الناظر
حرص العلماء على وضع عدة ضوابط للمفتي يف فتواه ،والمستفتي يف طلبه
للفتوى ،وقد صنف يف هذا الباب العديد من العلماء ،فذكروا آدا ًبا على المفتي التحلي هبا
أثناء فتواه ،وعلى المستفتي االلتزام هبا أثناء استفتائه للمفتي ،وفيما يأيت ذكر أبرز اآلداب
ً
أواًل :آداب املفيت:
وآداب المفتي ليست شرو ًطا ال تصح الفتوى إال هبا ،ولكن منها ما هو واجب أو
مندوب ،ومنها ما يكون قبل إصدار الفتوى ،أو يف أثنائها ،أو بعدها ،وقد اعتنى العلماء
-1التثبت من األهلية للفتوى ،فال يتصدر للفتيا إال إذا كان حقي ًقا بذلك؛ كأن
يشهد له أهل العلم بالتمكن ،قال اإلمام مالك( :ال ينبغي للعالم أن يفتي حتى يراه الناس
(ال ينبغي للرجل أن ينصب نفسه -يعني للفتيا -حتى يكون فيه خمس خصال ،أما أولها:
أن تكون له نية ،فإنه إن لم تكن له نية لم يكن على كالمه نور ،ولم يكن عليه نور)(((.
-4الحرص يف فتواه على ما يرضي اهلل بموافقة شرعه ،وتحقيق مقاصده يف رعاية
مصالح الناس ،متجن ًبا الخضوع ألهواء الناس ورغباهتم المخالفة لشرع اهلل ،مبتعدً ا يف
تربيرا للواقع أو إرضاء ألحد من الناس.
فتواه عن أن تكون ً
-5التورع عن الفتوى ما أمكنه ،فال يفتي يف مسألة يكفيه غيره إياها ،فقد كان
السلف ﭫ يتدافعون الفتوى ،فإن رأى أهنا قد تعينت عليه بذل جهده يف معرفة حكمها،
مستعينًا باهلل تعالى.
-6التأين والتثبت ،وإدامة التيقظ وترك العجلة ،قال اإلمام مالك( :العجلة يف
الفتوى نوع من الجهل والخرق)((( ،وعن األثرم قال( :سمعت أحمد بن حنبل يكثر أن
يقول :ال أدري ،وذلك فيما عرف األقاويل فيه)(((.
-8استشارة من يثق بدينه وعلمه ،وال يستقل بالجواب؛ ذها ًبا بنفسه ،وارتفا ًعا هبا،
فقد قال اهلل تعالى لنبيه ﷺ ﴿ :ﭭ ﭮ ﭯ ﴾ [آل عمران ،]159 :وأثنى على المؤمنين
احتمااًل يحتاج معه إلى االستفصال.ً -9استفصال السائل ،إذا وجد يف السؤال
اع القول بدليله أو تعليله؛ فإن الدليل أساس الفتوى وروحها. -10إ ْت َب ُ
حرمه ،إال لما يعلم أن األمر فيه -11أال يشهد على اهلل ورسوله بأنه أحل كذا أو َّ
كذلك ،مما نص اهلل ورسوله على حله أو تحريمه ،واألولى أن يقول :أكره كذا ،أرى هذا
حسنًا ،ينبغي هذا ،ال يعجبني هذا ،ونحو ذلك مما نُقل عن السلف يف فتاواهم.
-12مراعاة ما يقتضيه الحال يف فتواه من جهة إيجاز الجواب وتفصيله ،وال ينبغي
أن يع ّلق الجواب أو يرتدد فيه؛ لئال يوقع المستفتي يف حيرة من أمره ،ويحسن به أن يزيد
يف الجواب عما تضمنه السؤال إن رأى الحاجة لذلك ،فقد سئل النبي ﷺ عن ماء البحر،
فأجاب عنه مضي ًفا حكم ميتته ،فقال ﷺ« :هو الطهور ماؤه ،الحل ميتته»(((.
-13إرشاد المستفتي إلى البديل المناسب ،فإن من فقه المفتي ونصحه إذا أفتى
المستفتي بالتحريم :أن يدله على ما هو عوض له عنه ،فإذا سد عليه باب المحظور فتح
له باب المباح.
قياسا على
-14ترك الفتيا حال انشغال القلب بغضب أو جوع أو نحوهماً ،
القاضي ،فقد ورد النهي عن القضاء حال الغضب يف قوله ﷺ« :ال يقضين حكم بين اثنين
وهو غضبان»(((.
-15الحلم والوقار ،والسكينة والرفق بالمستفتي ،والتلطف معه ،وإفهامه برفق
إن كان بطيء الفهم.
-16معرفة الناس؛ وذلك بأن يعرف عاداهتم وأحوالهم وطباعهم حتى يتمكن من
-17أن يكون له من الكفاية ما يرتفع به عن االحتياج للناس واألخذ مما يف أيديهم.
المستفتي :هو المقلد الذي يطلب بيان حكم الشرع بسؤاله لمن هو أهل لذلك.
-1يجب عليه قط ًعا البحث الذي يعرف به أهلية من يختاره لإلفتاء إِذا لم يكن
َع ِ
ار ًفا بأهليته.
((( أخرجه البخاري ( ،)7158ومسلم ( )1717من حديث أبي بكرة ﭬ ،واللفظ للبخاري.
494
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
-8أال يتضمن السؤال ما يحمل المفتي على رأي معين؛ كأن يذكر يف سؤاله
ً
سؤااًل مجر ًدا للمفتي :مفاسد رأي من اآلراء التي يسوغ فيها الخالف ،بل ينبغي أن يسأل
عن الهوى والتعصب لرأي أو مذهب.
-9مراعاة حال المفتي ومكانه وزمانه ،فال يسأله يف أوقات غير مناسبة ،أو يف مكان
هم ،أو شيء مما يشغل القلب.
غير مناسب ،أو حال انشغاله بأمر ،أو حال ضجر ،أو ّ
َفس ِه ما أمكن؛ ألن المفتي قد يحتاج إلى االستفصال عن حاله،
َ -10أن يستفتي بِن ِ
أهم الـمراجــــع
قد تقدم أن من اآلداب التي ينبغي على المفتي التحلي هبا هي إرشاد المستفتي
ومراعاته لألحوال التي قد تؤثر يف الفتوى ويف حال المستفتي((( ،والحقيقة أن الفتوى
تصدر يف األصل بناء على سؤال المستفتي؛ ولذلك فإن مراعاة حال المستفتي من أبرز
الشافعي المفتي بالطبيب الذي يكشف علة المريض ،فقال( :المستفتي عليل ،والمفتي
ماهرا بِطِ ِّب ِه وإال قتله)(((.
طبيب؛ فإن لم يكن ً
والصرب على
ّ الوجه األول :إذا كان المستفتي بعيد الفهم فعلى المفتي التّر ّفق به،
الوجه الثاين :أن يستفصل المستفتي عن حاله ليحقق مناطه الخاص ،ويفتيه بما
هو أنفع له.
الوجه الثالث :أن يراعي مقاصد السائلين بأسئلتهم ،فإن كان مراد السائل مخال ًفا
للشرع لم يجبه ،كأن يكون غرضه من سؤاله الوصول إلى غرضه بأي طريق اتفق ،أو كان
الوجه الرابع :أن يعدل يف الجواب إلى ما هو أنفع للسائل؛ فإن ذلك من أمانة المفتي
وحرصـه ،ومنه لما سـأل النّاس النبـي ﷺ عن المال المنفقنزل قوله تعالى﴿ :ﯵ
ﯶ ﯷﯸ ﯹ ﯺ ﯻ ﯼ ﯽ ﯾ ﯿ ﰀ ﰁ ﰂ ﰃﰄ ﰅ
أهـم
ﰆ ﰇ ﰈ ﰉ ﰊ ﰋ ﰌ﴾ [البقـرة]215: ،فأجاهبـم بذكـر المصـرف؛ إذ هـو ّ
مما سألوا عنه.
ّ
الوجه الخامس :أن يضيف يف جوابه بيان ما ينتفع به السائل ،ولو لم يسأل عنه،
ّبي ﷺ عن وقد أخذ العلماء ذلك من حديث أبي هريرة ّ
الصحابة ﭫ سألوا الن ّ أن بعض ّ
.
((( الوضوء بماء البحر ،فقال: «هو ال ّطهور ماؤهّ ،
الحل ميتته»
الوجه السادس :أن يحرص المفتي على بيان البدائل المباحة للسائل إذا كان
جوابه بالمنع.
الوجه السابع :أن يعرض المفتي عن الجواب إن كان السؤال فيما ال نفع فيه ،أو
علي ﭬ: السائل ال يحتمل الجواب ،فيرتك إجابته وجو ًبا ،لقول ّ
وكذا لو كان عقل ّ
غلوا
الوجه الثامن :حمل المستفتي على الطريق الوسط المعتدل ،فإن رأى فيه ًّ
وتشديدً ا أعاده إلى االعتدال ببيان التيسير وأخبار سعة رحمة اهلل ،وإن كان ً
مائاًل إلى
وخوفه من العقوبة العاجلة واآلجلة. التساهل واإلفراط أمره بمراقبة اهلل َّ
أهم الـمراجــــع
القسم األول :مسائل التوحيد والعقيدة:
وهي المسائل المتعلقة بإفراد اهلل تعالى بربوبيته ،وألوهيته ،وأسمائه وصفاته ،وما
يتعلق بذلك من مسائل اإليمان ،وهذا النوع يحتاج إلى مزيد من التحرز؛ فالخطأ فيه عظيم
لعظم متعلقه ،وقد ن ّبه العلماء يف هذه المسائل إلى ثالثة أمور:
األمر األول :أن يب ّين المفتي هذه المسائل على وفق ما جاءت به النصوص ،مبتعدً ا
األمر الثاين :أن يكون البيان باأللفاظ الواضحة ،والحذر من اإلجمال المخل
أو األلفاظ الموهمة إال بما ُيبينها.
إجمااًل مبتعدً ا عن التفصيل ،وينهى السائل عن ً األمر الثالث :أن يكتفي بالبيان
الخوض فيما قد يوقعه يف الشبه أو الضرر يف معتقده.
وقد ذهب جمع من العلماء إلى النهي عن التفصيل مطل ًقا يف باب العقائد.
ودليله :أن الخوض يف دقائق هذا العلم قد يوقع الناس يف الفتنة ،فهم ال يدركون
الحجج العقلية الدقيقة ،وقد ت ْعلق الشبه يف أذهاهنم فال يستطيعون فكاكًا منها.
ونحوها.
ً
تفصياًل. ً
إجمااًل أو وهي أرحب مجاالت الفتوى ،فال يمنع المفتي من الفتوى فيها
االعتبار الثاني :تقسيم جماالت الفتوى من حيث وجود النص وكالم العلماء على حكم
وعمل المفتي هنا هو تحقيق المناط ،فإن تأكد من دخول الواقعة يف حكم النص
أفتى بمقتضاه.
وعليه هنا النظر ،فإن كانت محل إجماع أخذ به ،وال يجوز له أن يخالفه ،وإن كانت
2ـ الهاتف والجوال ،ويتبع الجوال جملة من برامج التواصل الحديثة.
3ـ شبكة اإلنرتنت :ويمكن أن يكون ذلك كتاب ًّيا عن طريق المدونات والمنتديات
والمواقع الخاصة بالفتاوى ،ومواقع الشبكة االجتماعية كـ (تويرت -والفيس بوك وغيرهما).
ويندرج هنا نشر قرارات مجامع البحوث والمجامع الفقهية وهيئات اإلفتاء
ونحوها.
والفتيا فـي الوسائل احلديثة ال ختلو من حالني:
كأن تكون مسجلة بحيث تستقبل األسئلة قبل بث الحلقة ،وتعرض على المفتي،
ليتفحصها ويعد اإلجابات لها ،ثم تبث الحلقة على الناس ،وهذا النوع وما قام مقامه
كاإلجابة الكتابية ال إشكال فيه ،ويتميز بإمكانية النظر والتأمل ،وعدم االستعجال يف
أواًل :تبيين الحكم الشرعي يف الواقعات والنوازل التي تواجه الناس بطريقة سريعة.
ً
ثان ًيا :إشاعة الثقافة الفقهية الشرعية لجميع الناس على اختالف مستوياهتم وأجناسهم.
وله آثار سلبية كثيرة ،أبرزها:
أواًل :تصدر من ليس ً
أهاًل ،وذلك أن هذه القنوات لكثرهتا أصبحت تبحث عن كل ً
من له حظ من العلم ،ولو لم يكن ً
أهاًل.
ثان ًيا :نشر اآلراء الفقهية الشاذة والمهجورة ،وذلك لكثرة المتصدرين للفتوى على
بين الفتاوى لعوام الناس.
خامسا :كثرة األخطاء بسبب االستعجال وعدم التمهل ،واختالف أماكن السائلين
ً
مع عدم معرفة المفتي بمعاين ألفاظهم وأعرافهم وعاداهتم ،وربما الغفلة عن معرفة واقعهم.
سادسا :تأثر المفتين يف فتواهم بجملة من المؤثرات كالسائل ،أو مقدم الربنامج،
ً
أو سياسة القناة ،أو نحو ذلك.
وهذه السلبيات أدت إلى قول بعض المعاصرين بالمنع من الفتوى المباشرة ،لكن
غالب المعاصرين على جواز ذلك؛ شرط أن يضبط بستة ضوابط مهمة:
الضابط األول :االعتناء بجودة اختيار المفتي ،ووضع ضوابط مناسبة تؤهله للفتيا
المباشرة.
ومن ذلك :اتصافه بحسن الفهم ،وجودة المنطق ،وسرعة البديهة ،ومعرفة الواقع
المحلي والعالمي ،والعلم بأحكام النوازل ،مع التدين التام ،وحسن الورع ،والتوسط بين
التشديد والتساهل.
الضابط الثاين :فرز األسئلة ،ومعرفة ما ينبغي أن يجاب عنه ،وما ال يجاب عنه،
أو يحال السائل فيه إلى جهة االختصاص.
الضابط الثالث :أن يحرص المفتي على استفصال السائل ،وتحقيق مناط سؤاله.
الضابط الرابع :عدم التدخل بما يؤثر على فتوى المفتي.
501
الزوائد على روضة الناظر
الضابط الخامس :مراعاة حال المستمعين والمشاهدين من حيث صياغة الفتوى ولغتها.
الضابط السادس :التأين وعدم التسرع يف الفتوى حتى تأخذ حقها من النظر
واالجتهاد ،فإن لم يكن عنده علم بحكمها فال يمنعه ذلك من رد العلم إلى اهلل تعالى.
أهم الـمراجــــع
-أدب املفيت واملستفيت (ص.)157-153
-صفة الفتوى (ص.)50-44
-أعالم املوقعني (.)43-42/6
-الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص.)25-24
-الفتوى وأهميتها (ص.)15
-ضوابط الفتوى عرب الفضائيات (ص.)24-23
502
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
ً
أواًل :أسباب اخلطأ فـي الفتوى:
الفتوى عمل بشري ،ولذا فهو عرضة للخطأ؛ إذ ال عصمة ألحد إال من عصمه اهلل
وذلك بأن يتصدى للفتوى مع عدم اكتمال أهليته ،وهو من اختل فيه شرط من
شروط المجتهد ،وقد تقدم تفصيلها(((.
-3اخلضوع لألهواء.
خطرا على المفتي ،سواء هوى نفسه أو هوى غيره ،قال ً وهو من أشد المزالق
تعالى ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ ﭝ ﭞ ﭟ ﭠ ﭡ
ﭢ ﭣ ﭤ ﭥ ﭦﭧ ﭨ ﭩ﴾ [الجاثية.]23 :
-5االبتعاد عن التوسط.
-4وقوع الفتنة يف األمة بسبب الفتاوى من غير األهل ،أو الفتاوى التي لم تدرس
-5التقليل من هيبة العلماء ،والوقوع يف أعراضهم ،والتندر هبم بسبب تلك األخطاء.
أهم الـمراجــــع
-أدب املفيت واملستفيت (ص.)113-111
-صفة الفتوى (ص.)32-31
-الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص.)89-87
-الفتوى وأحكامها (ص.)35-31
-آثار اخلطأ فـي الفتوى فـي الشريعة اإلسالمية (ص -115وما بعدها - 126 ،وما بعدها).
504
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
ً
أواًل :حقيقة الفتوى الشاذة:
نصا
الفتوى الشاذة هي :الفتوى التي تفرد فيها بقول غير معترب شر ًعا؛ كأن تخالف ًّ
ثان ًيا :خطر الفتوى الشاذة:
أواًل :تحليل الحرام وتحريم الحالل ،وهذا بدوره يؤدي إلى هدم الدين، ً
ٌ
(ثالث يهدمن الدين :زلة العالم ،وجدال منافق بالقرآن ،وأئمة مضلون)(((، قال عمر ﭬ:
وعن أبي الدرداء ﭬ أنه قال( :إن مما أخشى عليكم زلة العالم ،وجدال المنافق بالقرآن،
ثال ًثا :تتبع هذه اآلراء الشاذة يؤدي إلى ضعف التدين والمسارعة إلى التحايل على
الشرع وتتبع الرخص.
خامسا :حصول البلبلة والحيرة واالضطراب يف المجتمع ،والذي قد يصل بدوره ً
أهم الـمراجــــع
-القول الشاذ وأثره فـي الفتيا (ص.)77
-الفتوى الشاذة مفهومها وأسبابها وطرق التقويم (ص.)22
((( أخرجه ابن المبارك يف الزهد ( ،)1475والدارمي يف مقدمة السنن ( ،)220وصححه ابن كثير يف مسند الفاروق
( )662/2من قول عمر ﭬ.
((( أخرجه أبو نعيم يف حلية األولياء (.)219/1
505
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
القسم الثاني :الفتوى اخلاصة:
وضابطهـا :أهنـا الفتـوى التـي تتعلـق بسـائل معيـن؛ كأن يسـأل عـن حكـم صلاة
أو طهارة ،فيفتيه بحكم مسألته.
الفرق األول :أن الفتوى العامة تختلف عن الخاصة من حيث المتعلق؛ فالعامة
الفرق الثاني :أن الفتوى العامة خطرها عظيم لتعلقها باألمة بخالف الخاصة.
الفرق الثالث :أن الفتوى العامة تشريع للجميع ،أما الخاصة فقد تتعلق بتحقيق مناط
خاص لشخص يستثنى من عموم الحكم لسبب شرعي ،وقد تتغير هذه الفتوى بسبب تغير
المؤثرات ،كما أن الفتوى الخاصة المبنية على أساس الضرورة ال تعم جميع األحوال
واألزمان واألماكن واألشخاص؛ إذ إن الضرورة تقدر بقدرها ،وهي حالة استثنائية تنتهي
بمجرد انتهاء موجبها ،ويجب السعي إليجاد بديل عنها قدر المستطاع.
الفرق الرابع :أن الخاصة يمكن أن يقوم هبا من بلغ أدنى مرتبة أهلية الفتيا غال ًبا،
وتحر وفهم عميق ،ولذا دعا ٍّ أما العامة فال ينبغي أن يقوم هبا إال من كان عنده مزيد نظر
بعضهم إلى أن يختص هبا المجتهد المطلق.
وسبب ذلك أن الخاصة غال ًبا ما تكون قريبة المأخذ واضحة الدليل ،وإن كانت قد
تخرج عن ذلك أحيانًا ،أما العامة فهي غال ًبا تبنى على المصالح والمفاسد وتحتاج إلى
استقراء دقيق؛ ألهنا ال تتعلق بمصلحة فرد بعينه ،بل مصلحة األمة أو المجتمع بعامة.
506
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
الفرق اخلامس :أن الخاصة يقوم هبا آحاد المفتين ،أما العامة فينبغي أن يكون
االجتهاد فيها جماع ًّيا؛ ولذا ذكر بعض الباحثين أن العامة ال ينبغي أن تصدر إال من هيئات
ومجامع ،ويلتمس ذلك من فعل عمر ﭬ حين كان يستشير الصحابة يف مثل هذه القضايا
المهمة.
الفرق السادس :أن الفتوى الخاصة قد ال تكون من العلم الواجب نشره بين الناس
مرجوحا مراعاة للخالف ،قال الشاطبي: ً بخالف العامة ،كما لو أفتى معينًا بقول يراه
العقول ،فإن قبلتها ،فلك أن تتكلم فيها ،إما على العموم إن كانت مما تقبلها العقول على
العموم ،وإما على الخصوص إن كانت غير الئقة بالعموم ،وإن لم يكن لمسألتك هذا
وقد ُيخص الفرد من الناس بأمر ال يحسن نشره لعامة الناس لما يف نشره من
المفاسد ،ويدل لذلك حديث معاذ ﭬ حين كان رديف النَّبِ ِّي ﷺ ،فقال له« :يا معاذ،
حق العباد على اهلل؟» ،قلت :اهلل ورسوله أعلم ،قال: حق اهلل على عباده ،وما ّهل تدري ّ
يعذب منوحق العباد على اهلل أن ال ّحق اهلل على العباد أن يعبدوه وال يشركوا به شيئًاّ ،
«فإن ّ
ّ
ِ
تبشرهمَ ،ف َيتَّك ُلوا» .
أبشر به النّاس؟ قال« :ال ّ
ال يشرك به شيئًا» ،فقلت :يا رسول اهلل أفال ّ
(((
أهم الـمراجــــع
ً
أواًل :حقيقة تنظيم الفتوى:
يقصد بتنظيم الفتوى :قصر الفتوى ،وتوحيد مصدرها على جهات معينة ،أو
من األحكام المتعلقة بتنظيم الفتوى ما يأتي:
1ـ بما أن الفتوى من المصالح العامة المتعلقة باألمة؛ لذا كان واج ًبا على إمام
المسلمين أن يتص َّفح أحوال المفتين ،فمن كان يصلح للفتوى َّ
2ـ يجوز لإلمام أن يع ّين األهل للفتوى ،وعليه أن يرجع يف شأهنم إلى العلماء
المعروفين.
3ـ لإلمام أن يع ّين مفت ًيا يف بلد مخصوص؛ لحاجة الناس يف ذلك البلد للفتوى،
خاص ببلد معين.
ٍّ ٍ
قاض قياسا على جواز تعيين
ً
4ـ أجاز بعض المعاصرين قصر اإلمام الفتوى على فئات معينة أو أشخاص معينين،
ويدل لذلك :أن الفتوى منصب عظيم ،وأثره ليس على الفرد وحده ،بل على األمة كلها،
508
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
5ـ لإلمام أن يعين مفت ًيا يف باب من أبواب العلم دون غيره ،كأن يعينه مفت ًيا يف
عالما يف هذا الباب دون غيره فالجواز مبني
المناسك أو المعامالت ونحوها ،وإذا كان ً
على مسألة (تجزؤ االجتهاد).
أهم الـمراجــــع
-الفقيه واملتفقه (.)325-324/2
-صفة الفتوى (ص.)26-24
-أعالم املوقعني (.)135-131/6
-الفتيا ومناهج اإلفتاء (ص.)106-105
-تنظيم الفتوى أحكامه وآلياته ،د .حممد الزحيلي (ص - 23وما بعدها).
-تنظيم الفتوى آلياته وأحكامه ،د .سعد الشثري (ص.)12-11
509
الزوائد على روضة الناظر
لتغير الفتوى أسباب كثيرة ،منها ما سبق ذكره يف المؤثرات ،ومما لم يذكر:
-1الكشف عن دليل جديد.
ألن الواجب على المجتهد اتباع األدلة ،فإذا وجد ً
دلياًل أقوى من دليل اجتهاده
الحق والصواب.
-2تغري املناط للواقعة اجلديدة.
فإذا تغير مناطها عن الواقعة السابقة المجتهد فيها؛ كأن يوجد مانع أو يتغير وصف
أو حال أو مكان أو زمان أو نحو ذلك ،فسيتغير االجتهاد تب ًعا لتغير المناط.
أ -تغير النيات :فالنية لها أثر كبير يف الفتوى ،وقد يتغير االجتهاد بسببها ،فمن باع
خمرا ليس كمن لم يقصد ذلك. عن ًبا بقصد اإلعانة على جعلها ً
خمرا.
حالاًل ثم ينقلب ً ً ب -تغير ماهية الشيء ،فالمشروب قد يكون
الزمان.
أهم الـمراجــــع
-أعالم املوقعني (.)٤٠٨/٣
-أسباب تغري الفتوى وضوابطها ( - 13وما بعدها).
-الوجيز يف أصول الفقه ،د .حممد الزحيلي (.)٣٤٠-٣٣٨/٢
510
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
السابع :االجتهاد والتقليد
الباب َّ
فمـن أهـم أسـباب اختلاف الفتـوى بيـن العلمـاء أن يكـون قـد بلـغ أحدهـم الدليـل
ً
حاماًل ولم يبلـغ اآلخـر ،ومـن هـذا ما جـاء من فتوى ابن عباس بـأن المتوىف عنهـا إذا كانت
تعتد بأبعد األجلين ،ولم يكن قد بلغته سـنة رسـول اهلل ﷺ يف ُسـ َب ْي َعة األسـلمية ،وقد جاء
ـاس :آخـر األجليـن ،قلـت أنـا: امـرأة ولـدت بعـد زوجهـا بأربعيـن ليلـةً؟ فقـال ابن ع ّب ٍ ٍ يف
ـاس غالمـه كري ًبـا إلـى أ ّم سـلمة يسـألها ،فقالـت« :قتـل-يعنـي أبـا سـلمة -فأرسـل ابن ع ّب ٍ
زوج ُسـ َب ْي َع َة األَ ْسـ َل ِم َّي ِة وهـي ُح ْب َلـى ،فوضعـت بعـد موته بأربعيـن ليلةً ،فخطبـت ،فأنكحها
ومثـال هـذا :اختلاف الصحابـة يف فهمهـم لحديـث الصلاة يف بنـي قريظـة ،فعـن
يف بنـي ُق َر ْي َظـةَ» ،فـأدرك بعضهـم العصـر يف ال ّطريـق ،فقـال بعضهـم :ال نص ّلـي حتّـى نأتيها،
وقـال بعضهـم :بـل نص ّلـي ،لم يرد منّـا ذلك ،فذكر للنبـي ﷺ ،فلم يعنّف واحـدً ا منهم»(((.
ومن هذا الباب االختالف بسبب وقوع االشرتاك يف لفظ أو دوران اللفظ بين
الحقيقة والمجاز ،ونحو ذلك من دالالت األلفاظ.
-3تعارض األدلة:
قد يختلف المفتون بسبب اختالف موقفهم عند تعارض األدلة من حيث ثبوت
التعارض ،والعمل عند التعارض ،واختالفهم يف األسباب المرجحة لدليل على آخر.
4ـ اعتبار الدليل وعدمه:
قد يختلف العلماء يف صحة األدلة؛ كأن يكون الحديث من السنة فيختلف يف ثبوته،
ثان ًيا :األسباب الراجعة إىل االختالف فـي القواعد:
وذلك أن المفتين قد يختلفون يف القواعد األصولية التي يعتمد عليها يف استنباط
والقياس ،أو تخصيص القرآن بخرب اآلحاد ،واختالفهم يف حمل المطلق على المقيد ،أو
ً
ثالثا :األسباب الراجعة إلى املؤثرات:
ويقصد هبذا المؤثرات يف النظر إلى الحكم؛ كالنظر يف المصالح والمفاسد ومآالت
1ـ إحسان الظن بالمفتين وأهنم إنما أرادوا بذل الجهد يف تحصيل مراد الشرع،
2ـ ترك الطعن والتجريح والتماس العذر للمخالف فيما يسوغ فيه الخالف ،وإن
كان مخط ًئا يف ظنك؛ ألنك ال تقطع بخطأ مخالفك؛ إذ ال يقين يف الباب ،وإنما هو ترجيح
ّ
فيحل هذا بغلبة الظن ،قال يحيى بن س ِع ٍ
يد األنصاري( :ما برح المستفتون ُي ْس َت ْفت َْو َن، َ َ َْ
المحرم
ّ أن ا ْل ُم َح ِّل َل هلك لتحليله ،وال يرى ا ْل ُم َح ِّل ُل ّ
أن المحرم ّ
ّ ويحرم هذا ،فال يرى
ّ
هلك لتحريمه)(((.
وال يجوز الطعن على المخالف؛ ألنه معذور يف خطئه ،بل مأجور عليه بنص
ثم أخطأ
ثم أصاب فله أجران ،وإذا حكم فاجتهد ّ قوله ﷺ« :إذا حكم الحاكم فاجتهد ّ
أجر»(((.
فله ٌ
3ـ استدامة األلفة واألخوة الدينية مع وجود االختالف ،قال شيخ اإلسالم
ابن تيمية عن العلماء من الصحابة والتابعين ومن بعدهم( :وكانوا يتناظرون يف المسألة
مناظرة مشاورة ومناصحة ،وربما اختلف قولهم يف المسألة العلمية والعملية مع بقاء
وقال( :فال يكون فتنة وفرقة مع وجود االجتهاد السائغ)(((.
أهم الـمراجــــع
يمنع التحريم ،ودليل التحريم يمنع الجواز ،فكل منهما مقابل اآلخر ومعارض له ومانع له.
ثان ًيا :تعريف الرتجيح:
الرتجيح لغة :مصدر رجح ،وهو بمعنى ثقل الشيء وميالنه ،يقال :رجح الميزان
وقويتُه. َي ْر َجح :إذا َث ُق َل ْت كِ َّفتُه ومالَ ،و َر َّج ْح ُت الشيء بال َّت ْث ِقيل َّ
فضلتُه َّ
-1التناقض:
نقضت ما أ ْب َر َمه :إذا
ُ التناقض لغة :من نقض الشيء ،وهو هدمه وإبطاله ،يقال:
أبطلته ،وتناقض الكالمانَ :تدَ ا َف َعا كأن كل واحد نقض اآلخر ،ويف كالمه تناقض :إذا كان
واختلف فيه وفـي التعارض هل هما مرتادفان أو بينهما فرق؟ وفيه اجتاهان:
االتجاه األول :أن التناقض مرادف للتعارض ،وهو قول الغزالي ،وابن قدامة،
وعالء الدين البخاري.
االتجاه الثاين :أن بينهما فر ًقا :وهو قول بعض الحنفية.
القضية مطل ًقا سواء كانت شرعية أم غير شرعية.
الوجه الثاين :التعارض األصولي ال يكون إال يف الظاهر فحسب ،أما التناقض
الوجه الثالث :التعارض يعني التقابل بحيث يمكن معه الجمع ،أما التناقض فيعني
إسقاط كل من الدليلين وعدم اعتبارهما؛ ألنه يعني صدق أحدهما وكذب اآلخر.
وعلى هذا فبينهما عموم وخصوص وجهي :فقد يجتمعان يف وجه ،وهو عندما يقع
التعارض يف األدلة الشرعية وال يمكن معه الجمع ،بل ال بد فيه من إسقاط أحد الدليلين،
وتناقضا.
ً تعارضا
ً فيكون
-2التعادل:
أهم الـمراجــــع
-لسان العرب ( )167/7مادة (عرض).
-املصباح املنري (.)621 ،396/2( )219/1
-كشف األسرار لعالء الدين البخاري (.)76/3
-التحبري للمرداوي (.)4128/8
-التعارض والرتجيح بني األدلة الشرعية (.)39/1
-أصول الفقه الذي ال يسع الفقيه جهله (ص.)415
519
الزوائد على روضة الناظر
ً
أواًل :التعارض فـيما يظهر للمجتهد ال فـي احلقيقة:
نصوص الشرع وأحكامه وحي من اهلل العزيز الحكيم ،فال يأتيها الباطل من بين
تتعارض يف ذاهتا؛ إذ تعارض النصوص واألحكام يليق بمن علمه قليل ،وحكمته قاصرة،
وهو سبحانه وتعالى منزه عن ذلك فهو العليم الحكيم.
حكما
ً حكما يعارض
ً لكن قد يبدو لبعض الفقهاء والعلماء من المجتهدين أن
نصا آخر؛ فيكون التعارض والظن بحسب الظاهرنصا يعارض مدلو ُله ًّ
آخر ،أو أن ًّ
ال يف الحقيقة.
ولذلك يستخدم كثير من العلماء لفظ (الظاهر) عند الحديث عن التعارض ،أي:
فيما يظهر للمجتهد يف ظنه.
يقول ابن حزم( :إذا تعارض الحديثان أو اآليتان أو اآلية والحديث فيما يظن من
ال يعلم)(((.
فال يوجد يف الحقيقة تعارض ،بل هو بحسب ما يظهر ،قال النووي( :وأما إذا
ال يتعارض قطعيان أبدً ا ،كآية من القرآن وأخرى مثلها ،وكذلك ال يتعارض حديث
متواتر مع آية أو حديث آخر متواتر.
فمن بدا له تعارض فهو قط ًعا بسبب سوء فهمه واستنباطه ،أو بسبب جهله بوقوع
النسخ ،بخالف تعارض الظنيات كأحاديث اآلحاد فيحتمل أن يكون بسبب أن أحد النصين
ثابت واآلخر غير ثابت ،وغير ذلك.
أهم الـمراجــــع
-اإلحكام فـي أصول األحكام البن حزم (.)163-158/2
-املنهاج شرح صحيح مسلم (.)35/1
-رفع املالم عن األئمة األعالم (ص.)31-30
-درء تعارض العقل والنقل (.)79/1
-نشر البنود على مراقي السعود (.)275-273/2
-علم أصول الفقه لعبد الوهاب خالف (ص.)231-229
521
الزوائد على روضة الناظر
ظاهرا يف أذهان
ً ال تعارض بين األدلة الشرعية يف ذاهتا ،وإنما يقع التعارض فيها
العلماء ،ولوقوع ذلك أربعة أسباب رئيسة:
ً
ومثاله :قوله تعالى ﴿ :ﭑ ﭒ ﭓ ﭔ ﭕ ﭖ ﭗ ﭘ
ﭙ ﭚ﴾ [البقرة ،]234 :وقوله تعالى ﴿ :ﭫ ﭬ ﭭ ﭮ ﭯ
فقد يرد الدليالن ظاهرهما التعارض لكنهما وردا على حالين متغايرين غير أن
فلم ُيشكِنا»((( ،مع حديثي عبد ال ّله بن عمر وأبي هريرة ﭫ :عن رسول ال ّله ﷺ أنّه قال:
خباب على عدم تأخير الصالة ألجل اإلبراد حتى يخرج هبا عن وقتها ،فمعناه أنه ﷺ
رخص يف اإلبراد ،ولم يرخص يف التأخير إلى خروج الوقت. ّ
فأكثر ما ُي ْحرتس فيه منه إحال ُة المعنى ،فلم تكن فيه واآلخر فيحفظه ،وما ُأخذ حف ًظا
ُ َ
حفظوا، َّ
أهم الـمراجــــع
-الرسالة للشافعي (ص )228
-البحر احمليط (.)167/8
-أفعال الرسول صلى اهلل عليه وسلم وداللتها على األحكام (.)185/2
الطرق املعينة
على درء التعارض بني أدلة الشرع
يقصد هبا الطرق التي تقلل من وقوع التعارض بين األدلة ،وتجعل العالم سري ًعا
يف دفع التعارض الذي وقع يف فهمه بين النصوص ،ولهذا طرق متعددة يطلب من العالم
الجمع بينها لالستعانة هبا على ذلك ،وأبرز تلك الطرق خمسة ،وهي:
حجية الدليلين المتعارضين ثبو ًتا وإحكا ًما ،فإذا كان أحدهما غير معترب به انتفى التعارض؛
ولذا كان واج ًبا على العالم التأكد من صحة الدليل من نص ،أو إجماع ،أو قياس ،أو غيرها.
الطريق الثالث :الحرص على تتبع األدلة واستقرائها ،والنظر إليها مجتمعة ،فبجمعها
بعضا ،ولو اقتصر على بعضها لحصل التعارض. قد يزول التعارض ،وقد يفسر بعضها ً
معرفة هذه القواعد وكيفية التعامل معها ،ومعرفة تراتيب األدلة حين التعارض.
ٍ
ومعان؛ فإن فهم النص ٍ
دالالت الطريق الخامس :العلم بلغة العرب وما فيها من
كثيرا من التعارضات.
كثيرا من اإلشكاالت ،ويدرأ ً
وسياقه ،مما يزيل ً
أهم الـمراجــــع
-اإلحكام فـي األصول األحكام لآلمدي (.)243/4
-شرح خمتصر الروضة (.)687/3
-املوافقات (.)352/5
-التحبري للمرداوي (.)4121/8
-معامل أصول الفقه عند أهل السنة واجلماعة (ص.)272
524
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب َّ
الث ُ
امن :التعارض والرتجيح
ً
أواًل :شروط التعارض:
يشترط للتعارض خمسة شروط:
الشرط الثاني :اختالف احلكمني.
ً
وداللة. الشرط الثالث :التساوي فـي القوة ثبو ًتا
فال تعارض بين دليلين تختلف قوهتما يف الثبوت ،فال تعارض بين متواتر وآحاد،
وال تعارض بين دليلين تختلف قوهتما يف الداللة ،فال تعارض بين قطعي وظني.
وذهب بعض األصوليين إلى عدم اشرتاطه ،وذكر أن اشرتاطه مبني على أن هذه
وذلك بأن يكون تقابل الدليلين يف وقت واحد ،فلو اختلف الزمن النتفى التعارض،
ألن وقت اآلية الثانية مختلف عن اآلية األولى ،فهو مختص بالجمعة فحسب.
الشرط اخلامس :احتاد احملل.
وهو أن يرد الدليالن المتعارضان على محل واحد ،فال تعارض إذا اختلف
المحل؛ ألن التعارض ال يتحقق بين شيئين يف محلين مختلفين ،فال تعارض بين
قوله تعالى ﴿ :ﯡ ﯢ ﯣ ﯤ ﯥ ﯦ ﯧ﴾ [البقرة ،]223 :وقوله تعالى:
525
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الزوائد على روضة الناظر
ثان ًيا :شروط الرتجيح:
فال يكفي يف الرتجيح وجود األدلة ،بل ال ُبدّ مِن تقابلها وتعارضها؛ ولذا ال ترجيح
َب ْين األدلة المتفقة ،وال ترجيح بين األدلة التي ال تقبل التعارض.
ً
منسوخا وارتفع التعارض. ً
ناسخا والمتقدم ْ
الشرط الرابعْ :أن َ
مستقل.
ٍّ بدليل
ٍ بصيغة فـي الدليل ،ال
ٍ الرتجيح
ُ يكون
المرجح على خرب الواحد ،وهذا الشرط فيه خالف على قولين:
َّ كالتواتر يف المتواتر
القول األول :أنه ال يشرتط؛ فالرتجيح يكون بوصف تابع؛ كالرتجيح بقوة السند
وأحوال الرواة ونحو ذلك ،ويكون بدليل مستقل ،فإذا وقع التعارض بين حديثين
أمكن الرتجيح بينهما باعتضاد أحدهما بدلي ٍل آخر من كتاب أو سنة أو إجماع أو قياس،
وهو قول الجمهور.
526
الباب َّ
الث ُ
امن :التعارض والرتجيح
القول الثاين :اشرتاطه ،وهو قول الحنفية؛ ولذا ال يقع الرتجيح عندهم بكثرة األدلة.
دليل القول األول (عدم االشرتاط):
ِ ِ
المستقل قد يكون أقوى من الوصف ،ول َذا فهو َأ ْو َلى بالرتجيح.
ّ أن الدليل
دليل القول الثاني (االشرتاط):
ّ
والمستقل ليس وص ًفا فيه. أن الرجحان وصف يف الدليل، ّ
بل هو صفة يف المستدل ،فالرتجيح فعل المستدل ،فيمكن أن يكون بصفة يف الدليل أو
بدليل مستقل.
الوجه الثاين :أن الرتجيح بالدليل المستقل يئول إلى كونه وص ًفا ،وهو كثرة النظائر
أهم الـمراجــــع
-أصول السرخسي (.)13/2
-كشف األسرار لعالء الدين البخاري (.)78-77/3
-التقرير والتحبري (.)3/3
-البحر احمليط (.)147 ،120/8
-تيسري التحرير (.)154/3
-التعارض والرتجيح بني األدلة الشرعية (.)128/2( )153/1
527
الزوائد على روضة الناظر
قد يقع التعارض بين األدلة الشرعية ،فيجتهد أهل العلم يف دفعه بطرق ومناهج
بيان
متعددة متفق عليها يف الجملة ،وإن وقع االختالف يف بعض التفاصيل ،وفيما يأتي ٌ
لتلك المناهج والطرق.
اتفق العلماء على أن دفع التعارض يكون بثالثة طرق إجمالية ،وهي:
1ـ الجمع.
2ـ النسخ.
3ـ الرتجيح.
الجمع بين الدليلين ما أمك َن ،مثل :أن يحمل العا ّم
ُ القول األول :أن المقدَّ م
ٍ
حالة غير التي ُيحمل كل منهما على المطلق على المق َّيد ،أو بحم ِل ٍّ
ُ الخاص ،أو على
ّ
عليها َ
اآلخ ُر.
فإن لم يمكن وأمكن العلم بالنسخ -كأن يعرف التأريخ -فالمتأخر ناسخ للمتقدم.
((( ذكر ابن قدامة هذا المنهج يف التعارض بين العمومين ،انظر :روضة الناظر (.)489-487/2
528
نه رقنا اًلضف ،باتكلا اذه نم ةخسن دثحأ ليزنتل
الباب َّ
الث ُ
امن :التعارض والرتجيح
﴿ﭖ ﭗ ﭘ ﭙ ﭚ ﭛ ﭜ﴾ [الحجـر] قـال ابن ع ّبـاس ﭭ:
(يسألون يف موضع ،وال يسألون يف موضع آخر)(((.
الدليل األول :أن العمل بالمتأخر عند العلم بالتاريخ هو صنيع الصحابة ،ولذا قال
ابن شهاب( :كان صحابة رسول اهلل ﷺ يتّبعون األحدث فاألحدث من أمره) ،ويف لفظ:
ً
ناسخا لحديث: بين ُش َعبِ َها األربع ّ
ومس الختان الختان فقد وجب الغسل»((( ،ورأوه
نوقش :بأن ما ذكر يدل على أن الصحابة يأخذون بالمتأخر الناسخ إذا علموا كونه
ً
ناسخا لما تقدم ،أو تعذر عندهم الجمع بين الدليلين ،وليس فيه أهنم قدّ موا النسخ على
الجمع بين األدلة.
((( عزاه السيوطي يف الدر المنثور ( )387/8لعبد بن حميد ،وروى ابن جرير يف تفسيره ( )141/14عن ابن عباس
نوعًا آخر من الجمع ،فقال( :ال يسألهم هل عملتم كذا وكذا؟ ألنه أعلم بذلك منهم ،ولكن يقول لهم :لم عملتم
كذا وكذا؟) ،أي :ال يسألهم سؤال استفهام ،بل إنكار.
((( أخرجه مسلم (.)1113
((( أخرجه هبذا اللفظ من حديث عائشة ڤ :مسلم (.)349
الخدري ﭬ. ٍ
سعيد ((( أخرجه مسلم ( )343من حديث أبي
ّ
529
الزوائد على روضة الناظر
الدليل الثاين :أن العقالء متّفقون على تقديم الراجح على المرجوح عند التعارض،
ويمنعون من تقديم المرجوح أو مساواته بالراجح ،كذلك يصنعون يف األمور العرفية،
فكذلك يف األمور الشرعية.
نوقش :بأن النظر إلى الراجح والمرجوح من األدلة إنما يكون عند عدم إمكان
الجمع دف ًعا للتعارض ،لكن إذا أمكن الجمع انتفى التعارض فال حاجة للرتجيح.
بعض المسائل الفقهية ،منها ما يأيت:
فقد ورد فيه حديث عبد ال ّله بن عمر وأبي هريرة ﭫ ،عن رسول ال ّله ﷺ أنّه قال:
ّ
فلم ُي ْشكِنَا»(((.
فمن رأى تقديم النسخ -وهم الحنفية -جعلوا اإلبراد فِي الصي ِ
ف مستح ًّبا مطل ًقا، َّ ْ
ومن رأى تقديم الجمع -وهم الجمهور -جعلوا اإلبراد رخصة والتقديم أفضل،
واعتمدوا حديث خباب ،وحملوا حديث اإلبراد على الرتخيص والتخفيف يف التأخير.
وفريق ثالث ذهب إلى :استحباب اإلبراد ألحاديثه ،وأما حديث خباب
تأخيرا زائدً ا على قدر اإلبراد ،فلم يأذن لهم رسول اهلل ﷺ؛ ألن
ً فمحمول على أهنم طلبوا
اإلبراد يؤخر بحيث يحصل للحيطان يفء يمشون فيه ويتناقص الحر ،فال حاجة
للزيادة عليه.
((( أخرجهما البخاري ( .)533ويف ( ،)536ومسلم ( )615من حديث أبي هريرة وحده ،بلفظَ « :ف َأ ْب ِر ُدوا ّ
بالصالة».
((( أخرجه مسلم (.)619
530
الباب َّ
الث ُ
امن :التعارض والرتجيح
المعارضة من االختالف يف أسانيدها.
ومن رأى تقديم الجمع على الرتجيح -وهم الجمهور -اشرتطوا الولي يف النكاح،
ً
عماًل بحديث أبي موسى« :ال نكاح إال بولي» ،وفسروا األيم يف حديث ابن عباس بأهنا
الثيب ،وأهنا ال تجرب على النكاح ،فال بد من رضاها ،وال تمنع منه إن طلبته ،وال يدل
الحديث على تفردها بالعقد دون ولي أو شهود ،وهبذا تجتمع األحاديث وال تفرتق.
أهم الـمراجــــع
((( أخرجه أبو داود ( ،)2085والرتمذي ( ،)1101وابن ماجه ( ،)1881وصححه :ابن المديني ،والبخاري ،والرتمذي.
انظر :المستدرك ( ،)184/2ومعرفة السنن واآلثار (.)35/10
((( أخرجه مسلم (.)1421
531
الزوائد على روضة الناظر
حكم الرتجيح
الرتجيح هو:
(تغليب بعض األمارات على بعض يف الظن)(((.
الشرع يف الحقيقة ال يمكن تعارضها ،بل يقع التعارض من جهة فهم البشر القاصر ،وهذا
الرتجيح إنما يسلك يف حال التعارض؛ ألن األصل العمل بكل ما ورد وثبت من نصوص
الشرع ،فإذا ورد نصان وظهر للمجتهد تعارض أحدهما مع اآلخر فأول ما يلزمه سلوكه
هو مسلك الجمع؛ حيث إعمال النصين أولى من إعمال أحدهما ،فإذا لم يمكن الجمع
بينهما لجأ المجتهد إلى مسلك الرتجيح ،وذلك بطرق كثيرة ،منها :النظر يف الصحة
والضعف فيقدم الصحيح على الضعيف أو األصح على األقل صحة ،وهكذا.
حكم الرتجيح:
مما سبق يتبين أن الرتجيح هو آلية التعامل مع النصوص ُبغية إعمالها ،واالستدالل
هبا دون تعارض بينها ،وهذا من أوجب الواجبات التي تلزم المجتهد ،وال يتمكن مجتهد
من استظهار أحكام الشرع دون التمكن من الرتجيح؛ ولذلك ألحق األصوليون بكتب
أصول الفقه أبوا ًبا خاصة عن التعارض والرتجيح ،نصوا فيها على أن الرتجيح متعين
ً
وعقاًل. شر ًعا
ومما يدل على ذلك الوجوب( :إطباق األولين ومن تبعهم على ترجيح مسلك
يف االجتهاد على مسلك ،هذا ما درج عليه األولون قبل اختالف اآلراء ...فوضح أن
فمنهم من قدم النسخ ثم الرتجيح ثم الجمع ،ومنهم من قدم الجمع ثم الرتجيح ثم
النسخ ،واختالفهم هذا كان له أثر كبير جدًّ ا فيما ال ُيحصى من المسائل الشرعية.
اجلهة الثانية :اختالف العلماء فـي األوجه والطرق اليت يكون بها اجلمع بني األدلة املتعارضة.
وهذا يرتتب عليه أن العالمين ربما يتفقان يف تقديم الجمع على النسخ
-وله صور شتى ،وقد يكون قري ًبا أو بعيدً ا -أو حمل العام على الخاص والمطلق على المقيد،
ونحو ذلك.
وقد اختلفت مناهج العلماء يف دفع هذا التعارض مما أثر يف أقوالهم يف المسألة:
ً
منسوخا ،أو من باب ومنهم من ذهب إلى التحريم؛ إما ألنه جعل حديث ابن عباس
ترجيح حديث عثمان بمرجحات متعددة.
ومنهم من حاول الجمع بالتأويل ،فحمل الجواز على العقد ،والنهي على الدخول
هبا ،وبعضهم جمع بحمل حديث ابن عباس على الخصوصية بالنبي ﷺ.
اجلهة الثالثة :اختالف العلماء فـي آحاد طرق الرتجيح ،فليست ًّ
حماًّل لالتفاق،
وكذا ً
أيضا فـي ترتيبها حني احلاجة إليها.
فقد يتفق عالمان على رتبة الرتجيح ،ولكن يقع الخالف بينهما يف أفراده؛ ولذا كان
من أوجه الرتجيح ما هو محل وفاق ،وما هو محل خالف.
ومن أمثلة ذلك :الرتجيح بكثرة األدلة ،وكثرة الرواة ،فهما محل خالف،
رسل ،أو ما أفاد األمر واإلباحة ،أو ما أفاد النهي واإلباحة،
والم َ
المسنَد ُ
وكما يف تعارض ُ
اجلهة الرابعة :اختالف العلماء فـي اعتبار بعض القواعد األصولية غري اخلاصة بأبواب
التعارض والرتجيح.
فمن يحتج ببعض األدلة المختلف فيها كاالستحسان ،وقول الصحابي ،والمصالح
خصص النص بالمصلحة؟ وكذا يقال يف قول الصحابي، الخاصة والنص العام ،وهل ُي َّ
بالمرسل،
َ يخصص العام؟ وتقديم المرسل على المتصل مبني على االحتجاج ِّ وهل
وتعارض مفهوم الموافقة ومفهوم المخالفة مبني على االحتجاج بمفهوم المخالفة،
ثان ًيا :تعترب بعض األسباب املهمة للخالف بني العلماء من أهم مسببات
ومن أبينها :وقوع التعارض المتعلق باختالف أفهام العلماء ومداركهم العقلية،
وهذا له أثر ظاهر ال يخفى يف تباين اآلراء يف فهم نصوص الكتاب والسنة ،واختالف
أهم الـمراجــــع
-أسباب اختالف الفقهاء ،د .عبد اهلل الرتكي (ص.)٢٩٤-٢٦٨
-اخلالف واملناظرة ،إثراء املتون (ص.)٥٨-٥٦
534
535
فهرس احملتويات
فهرس احملتويات
فهرس احملتويات
فهرس المحتويات
مقدمة7.............................................................................................
منهج التأليف 9...................................................................................
نشأة علم أصول الفقه 19........................................................................
مناهج التأليف فـي علم أصول الفقه 22.......................................................
ً
إجمااًل 39............................................... حقيقة الحكم الشرعي ،وتقسيماته
حقيقة الحكم التكليفـي42......................................................................
عوارض األهلية67...............................................................................
حكم ترجمة القرآن الكريم (ألفاظه ومعانيه) 114..........................................
بيان المقصد الشرعي من النسخ 170.........................................................
سبب الخالف فـي االستصالح وثمرته 219.................................................
ً
(إجمااًل) 242................. تعريف موجز ببعض األدلة األخرى وبيان الموقف منها
ِ
األسماء 249................................................................ ابع :تقاسيم
الر ُ
الباب َّ
المراد باللغات 251..............................................................................
تعريف اللفظ والمعنى 252.....................................................................
سبب وضع اللغات253.........................................................................
عالقة اللغة العربية بالشريعة 254..............................................................
541
الزوائد على روضة الناظر
المراد بدالالت األلفاظ ،وبيان مناهج العلماء فـي تقسيماهتا ،والفرق بين منهج
الجمهور والحنفـية 255.........................................................................
فائدة معرفة أنواع الحقيقة 262.................................................................
ما يرتتب على إثبات الحقيقة الشرعية من مسائل أصولية وفروع فقهية 263............
أقسام المجاز 264................................................................................
أنواع القرائن الصارفة من الحقيقة إلى المجاز 270.........................................
المشرتك :حقيقته وأسبابه وصوره ،وعالقته بالعام ،وحكم حمله على جميع معانيه 276.
ذكر الخالف فـي كون العموم من عوارض المعاين ،وثمرة الخالف 307...............
داللة العام من حيث القطعية والظنية 309....................................................
أنواع الخطاب بالعام ،وداللة كل نوع 314...................................................
الخاص وأنواعه317..............................................................
ّ معنى اللفظ
نوع داللة الخاص 319..........................................................................
المخصصات المتصلة 323.....................................................................
النص الظاهر من المسالك النقلية للعلة382.................................................
الفرق بين االجتهاد وبين ما يشتبه به :كالتشريع ،والرأي ،والفتوى ،والقضاء 397.....
مشروعية االجتهاد400..........................................................................
معنى التلفـيق الفقهي وحكمه470.............................................................
الباب ال َّث ُ
امن :التعارض والترجيح 515...........................................................
تعريف التعارض والرتجيح ،وعالقتهما بالمصطلحات ذات الصلة 517...............
بيان محل التعارض والرتجيح 520............................................................
أسباب التعارض بين األدلة الشرعية522.....................................................
الطرق المعينة على درء التعارض بين أدلة الشرع 524.....................................
حكم الرتجيح 532...............................................................................
546
ﻫﺬا اﻟﻜﺘﺎب:
https://jona.ws/ https://ithraa.io/