اقتصاد

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 98

‫المحاضرة رقم ‪10‬‬

‫مفهوم االقتصاد السياسي ومحتواه‬

‫إن كلمة اقتصاد في اللغة العربية مشتقة من فعل قصد ولها عدة معان والقصد هو‬
‫االعتدال في السلوك كله‪ ،‬كما جاء في لسان العرب قديما القصد في الشيء أي‬
‫عدم االفراط وهو مابين االسراف والبخل في المعيشة‪.‬‬
‫اما في اللغة الفرنسية ‪ ECONOMIE‬فهو من اصل الكلمة االغريقية ‪OIKOS‬‬
‫اي المنزل و ‪ NOMOS‬اي التدبير وبالتالي تصبح تجبير شؤون المنزل فعي‬
‫تعبير عن القواعد والطرق في ادارة المال‪ ،‬وعند اضافة ‪ POLITIC‬تصبح تدبير‬
‫شؤون العامة او المدينة‪ ،‬ولم يستخدم مصطلح االقتصاد السياسي اال في القرن‬
‫‪ 71‬من قبل المفكر الفرنسي انظوان دي مون كريتان في كتابه مطول في‬
‫االقتصاد السياسي‪.‬‬
‫يمكن تعريف االقتصاد السياسي (علم االقتصاد) بأنه علم إدارة الموارد النادرة حث‬
‫يدرس الصور التي يتخذها التصرف اإلنساني في تدبير هذه الموارد‪ .‬فهو يحلل‬
‫ويشرع الصيغة التي يقوم الفرد أو الجماعة طبقاً لها بتخصيص الموارد المحدودة‬
‫إلشباع الحاجات المتعددة غير المحددة‪.‬‬
‫وهذا التعريف يثير المالحظات اآلتية‪:‬‬
‫‪ -7‬يدرس علم االقتصاد كل أشكال التصرف اإلنساني في مقاومته للندرة‪ .‬وادارة‬
‫الموارد النادرة ال ترتد إلى مجرد المبادلة الحرة بمقابل‪ ،‬وانما تشمل أيضاً‬
‫استخدام الجبر أو اإلكراه العام والخاص الذي تمارسه الدولة أو بعض األفراد‬
‫أو الجماعات ذات السلطة أو السطوة‪ ،‬كما تتضمن االلتجاء إلى المنح أو‬
‫التحويالت دون مقابل للمنتجات أو النقود مثل اإلعانات االجتماعية‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -2‬يدرس علم االقتصاد العالقات بين غايات النشاط اإلنساني والوسائل‬
‫المستخدمة لتحقيق هذه الغايات‪ ،‬ولكنه علم محايد بالنسبة للغايات‪ .‬فهذه‬
‫األخيرة متعددة ومتباينة‪ ،‬وال يدخل في مهمة علم االقتصاد شرحها أو‬
‫تقويمها‪ .‬ومع ذلك فإن من مهام علم االقتصاد أن يبين كيفية حكم الغايات‬
‫للنشاط االقتصادي لإلنسان وكيف أن تحولها وتغيرها يؤثر على صيغ هذا‬
‫النشاط‪ .‬وينتمي إلى علم االقتصاد البحث عن الغايات المتعددة للفعل لتحديد‬
‫المالئم والقابل للتحقيق من بينها‪ ،‬والطرق االقتصادية األنسب لتحقيقها‪.‬‬
‫ومن هذا التعريف يمكن أن يحدد موضوع علم االقتصاد‪:‬‬
‫‪ -7‬يهتم علم االقتصاد في المقام األول بوصف طرق إدارة الموارد النادرة التي‬
‫تظهر في الزمان والمكان‪ .‬فهو يالحظ ويصنف المعلومات الناتجة عن‬
‫التجارب اإلنسانية‪.‬‬
‫‪ -2‬يهتم علم االقتصاد في المقام الثاني بتنظيم الوقائع على نحو يظهر الوحدة‬
‫والدورية التي تطبع التصرفات اإلنسانية‪ .‬فمن مهام النظرية االقتصادية أو‬
‫التحليل االقتصادي تأسيس األفكار‪ ،‬والبحث عن محددات الظواهر وآثارها‪،‬‬
‫وايضاح العالقات العامة الثابتة التي تقوم بينها‪ .‬فالنظرية االقتصادية تستنبط‬
‫من الواقع شرحا مبسطا لتشغيل اقتصاد معين‪ ،‬وتقيم نظما منطقية تشكل‬
‫نماذج شارحة للحقيقة االقتصادية‪.‬‬
‫‪ -3‬يساهم علم االقتصاد ويبين لنا كيف تتكون وتوزع وتستهلك الثروات بمعنى‬
‫البحث في طبيعة الثروة وكل ما يتصل بها‪.‬‬
‫‪ -4‬يدرس السلوك االنساني عند العالقة بين الغايات والوسائل وعامل الندرة‪.‬‬
‫‪ -5‬هو علم المبادلة‪.‬‬
‫‪ -6‬يساهم علم االقتصاد في توجيه السياسة االقتصادية‪ .‬فهو ال يقترح أهدافا‬
‫سياسية أو اجتماعية‪ ،‬ولكنه يسعى إلى تحديد السياسة االقتصادية المتكاملة‬

‫‪2‬‬
‫التي تالئم تحقيق أهداف سياسية واجتماعية معينة‪ .‬ويبين مدى التناسق بين‬
‫األهداف وامكانية تحقيقها من الناحية االقتصادية والوسائل التي تستجيب‬
‫لتحقيق هذه األهداف وأفضل هذه الطرق‪.‬‬
‫‪ -1‬في مواجهة أهداف معينة وفي إطار ظروف عملية محددة‪ ،‬يقدم علم‬
‫االقتصاد قواعد االستخدام األمثل للموارد االقتصادية وصيغ تحقيق الرفاهية‬
‫المادية‪.‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬وامتدادا لبيان محتوى علم االقتصاد‪ ،‬يعرف الفريد مارشال‬
‫(‪ )7224 -7442‬علم االقتصاد أو علم االقتصاد السياسي بالقول” إن االقتصاد‬
‫السياسي‪ ،‬أو علم االقتصاد هو دراسة للبشرية في ممارسة شئون حياتها العادية”‪.‬‬
‫وعلى الرغم من شمول التعريف لمسائل غير اقتصادية‪ ،‬أو تخرج عن نطاق علم‬
‫االقتصاد‪ ،‬إال أنه يرد على ذلك بأنه ال يوجد في السلوك البشرى أو اإلنساني‬
‫الكثير الذي يمكن استبعاده من نطاق علم االقتصاد‪ ،‬وباعتباره منبت الصلة‬
‫بالموضوع‪ .‬غير أنه ألغراض عملية‪ ،‬تدور اهتمامات علم االقتصاد السياسي‬
‫حول اإلجابة على األمور واألسئلة المحورية التالية‪ ،‬مع األخذ في االعتبار أن‬
‫هذه األسئلة تتغير بدرجة كبيرة من حيث إلحاحها مع تغير البيئة المحيطة التي‬
‫تحدد اإلجابة عليها محتوى علم االقتصاد‪ ،‬وتتمثل هذه االهتمامات في‪:‬‬
‫السؤال المحوري األول هو ‪ :‬التساؤل عما يحدد أسعار السلع والخدمات‪ ،‬وكيفية‬
‫توزيع حصيلة هذا النشاط االقتصادي‪ ،‬والعوامل واالعتبارات التي تحدد حصة كل‬
‫عامل من عوامل اإلنتاج‪ ،‬أو بتعبير آخر الحصة التي تذهب إلى األجور والفائدة‬
‫واألرباح وريع األرض واألشياء الثابتة وغير القابلة للتغيير المستخدمة في اإلنتاج‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫المحاضرة رقم ‪30‬‬
‫عالقة االقتصاد السياسي بالعلوم االخرى‬

‫يعتبر سلوك اإلنسان و تصرفاته المختلفة موضوع الدراسة المشترك لكل فروع‬
‫العلوم االجتماعية المتعددة التي يتعلق موضوعها بمختلف مظاهر النـشاط اإلنساني‬
‫داخــل المجتمع ( االقتصاد السياسي‪ ،‬علم السياسة‪ ،‬الجغرافيا‪ ،‬التاريخ‪ ،‬علم النفس‪،‬‬
‫علم االجتماع…)‪ ،‬فكل تخصص معرفي يدرس هذا السلوك من زاوية معينة ويحاول‬
‫أن يفهم طبيعة العالقات بين األفراد داخل المجتمع و في سياق تطورها وتغيرها عبر‬
‫الزمن‪ ،‬وال يمكن دراسة أي مجال لنشاط اإلنسان دون الرجوع إلى المجاالت األخرى‪.‬‬
‫و لكن رغم هذا الترابط بين مختلف الظواهر االجتماعية‪ ،‬و جد الباحثون أنه‬
‫لتسهيل عملية البحث العلمي و التوصل إلى النتائج األكثر دقة كان البد من وجود‬
‫تقسيم منهجي للعالقات االجتماعية‪ ،‬و بناءا على ذلك تتولى كل مجموعة من‬
‫الباحثين جانـب من جوانب هذه العالقات و تدرسها منفردة‪ ،‬و لكن تبقى الحدود بين‬
‫هذه الفروع االجتـماعية مــتداخلة إلى حد كبير و التي تحاول كلها تفسير و فهم‬
‫طبيعة العالقات بين األفراد داخل المجتمعات في إطارها المكاني و الزماني المتغير‪.‬‬
‫و على اعتبار علم االقتصاد السياسي أحد هذه العلوم االجتماعية الذي حقق‬
‫قدر من االستقاللية بموضوعه و مناهجه و قوانينه ونظرياته‪ ،‬غير أننا نجد الباحثين‬
‫االقتصاديين ال يستعينون بما تم التوصل إليه في الحقول االجتماعية األخرى من‬
‫طرق و مناهج و مواضيع تساعد على اكتمال البناء المعرفي لهذا العلم‪ ،‬وسنحاول‬
‫من خالل هذا العنصر فهم طبيعة العالقة بين علم االقتصاد السياسي وبين باقي‬
‫فروع العلوم االجتماعية األخرى و إبراز االعتماد المتبادل فيما بين االقتصاد و هذه‬
‫العلوم‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪-1‬عالقة االقتصاد السياسي بالقانون‪:‬‬
‫تتمثل العالقة بين االقتصاد و القانون في المجتمعات البشرية في أن القانون‬
‫هو اإلطار التنظيمي المحدد لمختلف التفاعالت االقتصادية‪ ،‬فالعالقة بينهما عالقة‬
‫وطيدة إذ أن القانون يدرس القوانين التي اختارها مجتمع ما لنفسه‪ ،‬و ما كانت هذه‬
‫القوانين سوى ترجمة لواقع البنيات االقتصادية التي تفرضها على المجتمع‪.‬‬
‫فالقانون قد يكون رأسماليا في الدول الديمقراطية‪ ،‬و قد يكون اشتراكيا ضمن‬
‫الدول االشتراكية‪ ،‬أو إسالميا أو إقطاعيا‪ ،‬فالهيكل أو الشكل يعتبر من أهم المعايير‬
‫المعتمدة للتفريق بين نظام اقتـصادي و آخر‪ ،‬و المقصود بالشكل اإلطار القانوني‬
‫والحقوقي الذي ينظم العالقات االقتصادية داخل كل نظام اقتصادي‪ .‬فكل دولة لها‬
‫جزء من تشريعاتها القانونية المتعلقة بالشق االقتصادي مثل‪ :‬القانون التجاري‪،‬‬
‫وتسيير المشاريع الخاصة أو العامة‪ ،‬و قوانين المالية العامة‪ ،‬و قانون التأمين…الخ‪.‬‬

‫‪ -2‬عالقة االقتصاد السياسي بعلم السياسة‪:‬‬


‫يعتبر علم السياسة من العلوم األكثر ارتباطا بعلم االقتصاد‪ ،‬فالظاهرة السياسية‬
‫و االقتصادية تشكالن في الواقع وجهان لعملة واحدة‪ ،‬تعتبر الدولة من الموضوعات‬
‫الرئيسية التي يهتم بدراستها علم السياسة‪ ،‬و في الوقت ذاته تعتبر قوة الدولة‬
‫واستقرارها االقتصادي من أهم مواضيـع البحث و الدراسة لدى االقتصاديين‪ ،‬و يعتبر‬
‫الماركانتيلون من األوائل الذين أكدوا على هذا االرتباط الموضوعي بين االقتصاد‬
‫والسياسية‪ ،‬كما أن تطور األحداث السياسية و االقتصادية حتى يومنا الحاضر تزيد‬
‫من حجم هذا االرتباط بين الظواهر السياسية و االقتصادية‪.‬‬
‫لذلك يستحيل على الباحث في االقتصاد أن يتجاهل ما يتم التوصل إليه في‬
‫حقل علم السياسة‪ ،‬و كذلك الشأن بالنسبة للباحث السياسي‪ ،‬فالكثير من األزمات‬
‫السياسة اليوم التي يتولد عنها نزاعات سياسية و حروب مستمرة‪ ،‬يرجع تفسيرها إلى‬
‫عوامل اقتصادية ( الصراع في السودان‪ ،‬في نيجيريا‪ ،‬الحرب األمريكية على العراق‬
‫‪2‬‬
‫ترجع أسبابها حسب الكثير من الدارسين إلى رغبة الو‪.‬م‪.‬أ لضمان مصدر مستمر‬
‫من الطاقة حتى تحافظ على استقرار اقتصادها الداخلي)‪ ،‬كما أن دراسوا النظم‬
‫السياسة المعاصرة يؤكدون على الترابط الوثيق بين االستقرار السياسي من جهة‬
‫والرخاء االقتصادي من جهة أخرى‪ ،‬فكلما تمكن نظام سياسي معين من تأمين‬
‫حاجيات االقتصادية لمواطنيه‪ ،‬كلما زاد االستقرار السياسي داخله‪ ،‬كذلك نجد أن من‬
‫متطلبات الحكم الراشد المعاصر ضرورة ضمان الحقوق االقتصادية لألفراد و التأكيد‬
‫على تطبيق تنمية مستدامة فعالة من شأنها أن تطور الجوانب المادية للدولة واألفراد‪.‬‬
‫كذلك نجد أن شكل النظام السياسي و قيمه و إيديولوجيته عوامل رئيسية في‬
‫تحديد بنية النظام االقتصادي‪ ،‬بحيث نجد أن النظم الديمقراطية الحرة تتبنى‬
‫بالضرورة نظام اقتصادي رأسمالي حر‪ ،‬عكس النظم االشتراكية التي تدعو إلى‬
‫تطبيق مبادئ االقتصاد الموجه و المركزي التخطيط‪.‬‬

‫‪ -0‬عالقة االقتصاد السياسي بعلم االجتماع‪:‬‬


‫يعرف علم االجتماع بأنه‪ ”:‬علم القوانين العامة للتطور المجتمع‬
‫اإلنساني”‪.‬فموضوع علم االجتماع يتعلق إذن بالظواهر االجتماعية ( السسيولوجية)‬
‫في حركتها الكلية‪ ،‬في حين أن علم االقتصاد السياسي يهتم بمستوى واحد من‬
‫مستويات الظواهر االجتماعية و هو المستوى المتعلق باالرتباطات المادية‪ ،‬و لقد‬
‫انصرف بعض االقتصاديين لدراسة السسيولوجية االقتصادية أي االعتبارات أو‬
‫الدوافع االجتماعية للتصرف االقتصادي‪،‬و يمكن تلخيص العالقة بين االقتصاد وعلم‬
‫االجتماع في النقاط التالية‪:‬‬
‫–أهمية النشاط االقتصادي و تأثيره على الكل االجتماعي‪ ،‬أي أثر األساس‬
‫االقتصادي في تحديد طبيعة التفاعالت و بنية العالقات االجتماعية‪ ،‬و يعتبر ابن‬
‫خلدون من األوائل الذين أبرزوا طبيعة هذه العالقة‪ ،‬بحيث يرجع سبب ظهور‬
‫المجتمع إلى الضرورة الملحة التي تدفع الناس للتجمع بهدف إنتاج و سائل المعيشة‪،‬‬
‫‪3‬‬
‫أي أنه أعطى تفسير مادي لنشأة المجتمع‪ ،‬فالمجتمع ظاهرة طبيعية أدى إليها عمران‬
‫التكافل االجتماعي‪.‬‬
‫كما تظهر أهمية التحوالت في البنى االجتماعية على طبيعة التفاعالت‬
‫االقتصادية‪ ،‬و ذلك بأثر حركة مجموع المجتمع على تحول النشاط االقتصادي‬
‫للمجتمع‪ ( .‬كيف تؤثر المكونات االجتماعية و الثقافية على اختيارات أو سلوكيات‬
‫األفراد االقتصادية؟ و في هذا اإلطار يمكننا أن نفهــم و نفسر كيف أن الخمر كسلعة‬
‫ال يتم التعامل بها في مجتمعات إسالمية‪ ،‬عكس المجتمعات الغربية بسبب‬
‫االختالف الثقافي و االجتماعي)‪.‬‬
‫–كما تتجلى العالقة بين العلمين و تكون أكثر وضوحا من خالل ظهور‬
‫تخصص فرعي ضمن االقتصاد هو( علم االقتصاد االجتماعي)‪ ،‬أو ضمن علم‬
‫االجتماع هو(علم االجتماع االقتصادي)‪ ،‬فاألول هو اتجاه يميل إلى تفسير‬
‫المعطيات أو الظواهر االقتصادية اعتمادا على الظواهر االجتماعية و واقع البنية‬
‫االجتماعية‪ ،‬أما الثاني فهو يزودنا بالمعرفة الضرورية الخاصة باإلطار االجتماعي‬
‫الذي يمارس في ظله النشاط االقتصادي‪.‬‬

‫‪ -4‬عالقة االقتصاد السياسي بالتاريخ‪:‬‬


‫كما يرتبط االقتصاد بالتاريخ ألن هذا األخير يسعى لمعرفة األحداث و الوقائع‬
‫و تفسيرها عبر تطورها التاريخي‪ ،‬في حين أن االقتصاد يعمل على استكشاف‬
‫وصياغة القوانين التي تحكم التفاعالت االقتصادية‪ ،‬لذلك يحتاج االقتصادي لمعرفة‬
‫نتائج عمل المؤرخ أي معرفة اإلطار التاريخي و الزمني النشاط االقتصادي لنتأكد‬
‫من صحة القوانين االقتصادية و عموميتها‪ ،‬فالتاريخ يعتبر بمثابة المختبر التجريبي‬
‫للباحث االقتصادي الذي يسمح له بتتبع الظاهرة عبر مراحل تاريخية مختلفة ليكتشف‬
‫بعدها مواطن التكرار في أسباب الظاهرة االقتصادية ليصل في النهاية إلى التعميم‬
‫ويؤسس القانون االقتصادي‪ ،‬لذلك يعتبر المنهج التاريخي من أدوات و طرق التحليل‬
‫‪4‬‬
‫التي ال يمكن أن يستغني عنها الباحث االقتصادي ( ارجع للعنصر السابق حول‬
‫المنهج التاريخي‪ ،‬لتتضح الرؤية أكثر حول حجم االرتباط الوثيق بين علم االقتصاد‬
‫و التاريخ)‪.‬‬
‫كما أن المؤرخ بدوره يحتاج إلى معلومات اقتصادية ألنها تسهل عليه جزءا من‬
‫بحثه و يحتاج كذلك إلى التحليل االقتصادي ألن التطورات المادية االقتصادية‬
‫للمجتمعات يمكن أن تستعمل كوسيلة تفسير للتابع المراحل التاريخية‪ ،‬و هذا ما‬
‫يؤكده كارل مارس في نظرياته حول التطور التاريخي للمجتمعات‪ ،‬بحيث يرجع‬
‫السبب في انتقال البشر من مرحلة إلى مرحلة تاريخية إلى التحول في طبيعة‬
‫عالقات اإلنتاج المادي ( الجدلية المادية‪/‬المادية التارخية)‪ ،‬فمثال وصول التاريخ‬
‫اإلنساني للمرحلة الرأسمالية ظهر نتيجة سيطرت الطبقة البورجوازية على وسائل‬
‫اإلنتاج مقابل خضوع الطبقة العاملة لسيطرتها‪ ،‬هذا الوضع سيغير التاريخ و يدخل‬
‫البشر مرحلة تاريخية جديدة و هي االشتراكية ثم الشيوعية‪ ،‬نتيجة تحول عالقات‬
‫اإلنتاج‪ ،‬بحيث تصبح ملكية وسائل اإلنتاج بيد الطبقة العاملة لتزول بذلك الملكية‬
‫الخاصة و الطبقة البورجوازية‪ ،‬و هكذا يتطور التاريخ البشري استنادا إلى عوامل‬
‫اقتصادية مادية مرتبطة بتحول عالقات اإلنتاج و الملكية‪.‬‬

‫‪ -5‬عالقة االقتصاد السياسي بعلم النفس‪:‬‬


‫يرتبط كذلك علم االقتصاد السياسي بعلم النفس‪ ،‬فاالقتصاد التقليدي انطلق‬
‫أساس من أرضية نفسية تتعلق باألنانية‪ ،‬معتب ار أن التصرفات االقتصادية تعتمد على‬
‫المصلحة الشخصية و تعلق الفرد بضرورة إشباع رغباته‪ ،‬وهنا نجد أن الحاجة كأحد‬
‫عناصر المشكلة االقتصادية هي حالة نفسية بالدرجة األولى‪ ،‬تحرك الفرد للقيام‬
‫بنشاطات اقتصادية لتلبيتها‪ ،‬كما أن لعدة ظواهر اقتصادية مثل الظواهر النقدية أو‬
‫ظاهرة القيمة أو ظواهر التقلبات الوقتية أرضية نفسية ال يشك في صحتها‪ .‬فتأثير‬
‫الشائعة مثال على الحياة االقتصادية يؤكد على صحة هذا التصور‪ ،‬لنفرض مثال أن‬
‫‪5‬‬
‫شائعة مفادها أن أزمة اقتصادية ستحل بالمجتمع‪ ،‬فترى األفراد نتيجة هذه الشائعة‬
‫يهرعون إلى المصارف لسحب ودائعهم و أو لشراء الذهب‪ ،‬و هذا ما جرى فعال عام‬
‫‪ ،9191‬عام الضائقة و األزمة الكبرى التي عرفها النظام الرأسمالي بأمريكا‪ ،‬فبعد‬
‫االنخفاض الكبير الذي حدث في بورصة نيويورك تدافع الناس نحو صناديق‬
‫المصارف لسحب ودائعهم و شراء الذهب خوفا من انهيار قيمة الدوالر‪ ،‬إال أنهم‬
‫بعملهم هذا ساهموا مساهمة فعالة و قوية في تخفيض أسعار الدوالر‪ ،‬إذ كثر عرضه‬
‫في السوق لشراء الذهب و قل طلبه نظ ار لسلسلة االنخفاضات التي كانت تصيبه من‬
‫جراء هذه األزمة‪ .‬بصورة أخرى الشائعة خطرة و خطيرة‪ ،‬فهي و إن كانت تحمل‬
‫أخبار بال أساس من الصحة ال تلبث و أن تـضر باالقتصاد و تخلق بذلك‬
‫“أساسها”‪ ،‬و إن كانت الشائعة مدعومة بأساس واقعي فإنها تزيد من حجم قوة الواقعة‬
‫و كبر تأثيرها على المجتمع االقتصادي‪ ،‬حتى أن “ألبير أفتاليون ‪Albert‬‬
‫”‪ Aftalion‬االقتصادي الفرنسي يبني كامل نظريته النقدية على أساس نفسي‪.‬‬

‫‪ -6‬عالقة االقتصاد السياسي بالجغرافيا‪:‬‬


‫الجغرافيا هي دراسة العالم كوسط يعيش فيه اإلنسان‪ ،‬و النقطة التي يلتقي فيها‬
‫هذه الفرعين من المعرفة هي تلك الخاصة بتوطن النشاط االقتصادي ( الوحدات‬
‫اإلنتاجية لهذا النشاط )‪ ،‬و هنا يزودنا علم الجغرافيا بالمعرفة الخاصة بالوسط‬
‫الطبيعي للنشاط االقتصادي‪ ،‬فاحتواء رقعة جغرافية على ثروة النفط أو الذهب أو أي‬
‫معدن أو مورد طبيعي مهم‪ ،‬سينعكس هذا حتما على طبيعة النشاط والمستوى‬
‫االقتصادي و المعيشي لتلك المنطقة أو الدولة‪.‬‬
‫كما أن تتأكد هذه العالقة ضمن ما يعرف بـ”الجغرافيا االقتصادية”‪ ،‬و هي علم‬
‫البحث عن القوى المحركة و الموارد الطبيعية في بلد معين‪ ،‬و عندما نتحدث عن‬
‫الموارد الطبيعية فإننا نكون بصدد الحديث عن أحد عوامل المتعلق باألرض إلى‬
‫جانب العمل و رأس المال‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫‪ -7‬عالقة االقتصاد السياسي بالديموغرافيا‪:‬‬
‫الديموغرافيا علم يهتم بدراسة قضايا السكان من حيث‪ :‬حركة السكان‪ ،‬الهجرة‪،‬‬
‫توزيع السكان‪ ،‬الخصوبة في اإلنجاب و التكاثر‪ ،‬تحديد النسل‪ ،‬التخطيط العائلي‪،‬‬
‫ويسجل نمو المواليد و الوفيات‪ ،‬متوسط العمر…الخ‪ ،‬فحاالت السكان و حركتهم‬
‫وبناهم الفكرية و طباعهم و بيولوجيتهم هي جميعها محاور يدرسها الديمغرافي في‬
‫أبحاثه‪ ،‬في المقابل يذهب علماء االقتصاد السياسي في تعريفهم للنشاط االقتصادي‬
‫إلى اعتبار اإلنسان هو الفاعل األساسي في النشاط االقتصادي‪ ،‬و من هنا يتضح‬
‫التداخل الكبير بين هذين العلمين‪ ،‬فالعوامل الديموغرافية تؤثر حتما على السلوك‬
‫االقتصادي لإلنسان‪ ،‬فهي التي تحدد له شروطه األساسية‪ :‬القوة العاملة كما و كيفا‪،‬‬
‫و كذلك مدى الحاجات التي يمثل إشباعها الهدف النهائي للنشاط االقتصادي‪.‬‬
‫و بناءا على هذا تتفاوت المجتمعات في درجات توفيرها لالحتياجات الكمية‬
‫والكيفية لسكانها‪ ،‬و بما أن الموارد المتاحة في الطبيعة ناذرة فإن نوعية السكان تؤثر‬
‫في هذه الموارد و تسخرها حسب متطلباتها‪ ،‬فاقتصاديات بلد معين تعد غير مستقرة‬
‫إذا لم يتناسب و حجمها السكاني بالزيادة و النقصان‪ ،‬و من أبرز االقتصاديين الذين‬
‫ربطوا بين االقتصاد و السكان “روبرت مالتوس” في نظريته السكانية‪ ،‬بحيث اعتقد‬
‫بأن الحجم المتزايد للسكان مقابل قلة الموارد و نذرتها سيؤدي بالضرورة إلى حالة‬
‫عدم االستقرار‪.‬‬

‫‪ -8‬عالقة علم االقتصاد بعلم اإلحصاء‪:‬‬


‫اإلحصاء هو العلم الذي يبحث في أساليب جمع البيانات و تبويبها و تحليلها‬
‫إلى نوع من المعرفة أو إتخاذ الق اررات‪ ،‬فهنا يظهر الربط حيث ان دراسة الظواهر و‬
‫المشاكل اإلقتصادية يحتاج في كثير من األحيان إلى بيانات إحصائية و تحليل هذه‬
‫البيانات إلستخالص النتائج منها‪.‬‬
‫‪7‬‬
‫‪ -9‬عالقة علم االقتصاد بالرياضيات ‪:‬‬
‫إن استخدام الرياضيات تمكن الباحث أو واضع السياسة االقتصادية من التعامل‬
‫مع عدد كبير من المتغيرات‪ ،‬ومعرفة العالقة بينهم بشكل دقيق مثل ترجمة العالقة‬
‫بين المتغيرت االقتصادية في مجال اإلنتاج ‪ ،‬والنمو االقتصادي‪ ،‬والتوزيع من‬
‫عبارات لفظية إلى عبارات رياضية‪ .‬ويعتمد اإلقتصادي في أحيان كثيرة أساليب‬
‫رياضية في البراهين و التحليل‪ ،‬فمثال عند حساب تكاليف المشروع أو الدخل أو‬
‫الربح فانه يستخدم بعض المعادالت الرياضية إلثبات صحة ذلك‪ .‬ومع تزايد إستخدام‬
‫األساليب الرياضية في االقتصاد ظهر االقتصاد الرياضي( ‪Mathematical‬‬
‫‪ .)Economics‬و كذلك االقتصاد القياسي (‪ )Econometrics‬الذي يجمع كال من‬
‫الرياضة و اإلحصاء‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫المحاضرة رقم ‪20‬‬
‫مفاهيم اقتصادية‪ :‬المشكلة االقتصادية‬

‫هناك تفرقة جرى عليها الكتاب منذ القرن الثامن عشر بين العلوم الطبيعية‬
‫والعلوم اإلنسانية أو االجتماعية‪ .‬فالعلوم الطبيعية (مثل الجيولوجيا والفيزياء‬
‫والكيمياء) تهتم بالبحث في العالقات بين األشياء والظواهر الطبيعية‪ ،‬بينما تهتم‬
‫العلوم اإلنسانية (مثل االجتماع والتاريخ والقانون واالقتصاد) بدراسة أفعال اإلنسان‬
‫وعالقاته مع غيره من بنى جنسه ومع األشياء التي تحيط به‪ .‬وقد عرفت كل العلوم‬
‫اإلنسانية في القرن العشرين تطو ار سريعاً وهائالً‪ .‬ويبحث االقتصاديون في توجيه‬
‫النشاط الفردي والجماعي بقصد استخدام الظروف المادية لتحقيق احتياجات وحاجات‬
‫األشخاص‪.‬‬
‫وتحتل المشكالت االقتصادية في الوقت الحاضر أهمية كبيرة على المستويين‬
‫القومي والدولي‪ .‬ومن الثابت أن لهذه المشكالت انعكاسات سياسية واجتماعية ال‬
‫يمكن إنكارها‪ ،‬حيث يصعب إهمال دور التطورات االقتصادية في فهم الجوانب‬
‫السياسية واالجتماعية ألي جماعة من الجماعات‪ .‬فالواقع االجتماعي حقيقة معقدة‪،‬‬
‫وكل علم من العلوم اإلنسانية ال يعبر إال عن وجه واحد من وجوه هذا الواقع وال‬
‫يتعلق إال بزاوية من زوايا النظر إلى النشاط اإلنساني‪.‬‬
‫وتتمركز المشكلة االقتصادية حول فهم العناصر التالية‪:-‬‬
‫أوالً ‪ :‬الحاجات االقتصادية والحاجات اإلنسانية األخرى‪.‬‬
‫ثانياً ‪:‬األموال أو الموارد االقتصادية المحدودة‪.‬‬
‫ثالثاً ‪ :‬القوانين االقتصادية‪.‬‬
‫رابعاً ‪:‬النشاط االقتصادي‬

‫‪1‬‬
‫أوالً ‪ :‬الحاجات االقتصادية والحاجات اإلنسانية األخرى‪:‬‬
‫ويكون العمل اإلنساني نشاطاً اقتصادياً عندما يسعى إلى مقاومة الندرة النسبية‬
‫للموارد‪ .‬فكل إنسان له حاجات أو رغبات تتمثل في إحساس باألم يريد إزالته أو‬
‫إحساس بالراحة يريد زيادته‪.‬‬
‫وهناك وسائل قادرة على إشباع هذه الحاجات بإيقاف اإلحساس باأللم أو عدم‬
‫الرضا أو جلب اإلحساس باالرتياح أو زيادته‪.‬‬
‫‪ -‬وهذه الحاجات اإلنسانية حاجات شخصية‪ ،‬فكل فرد هو الذي يقرر دون تدخل من‬
‫جانب غيره ما إذا كان لديه حاجة يريد إشباعها ومدى هذه الحاجة‪ .‬فالحاجة‬
‫االقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية وعن الحاجة االجتماعية وعن الحاجة‬
‫األخالقية‪ .‬فالحاجة االقتصادية تختلف عن الحاجة الطبيعية التي تعبر عن عدد‬
‫السعرات الح اررية الالزمة للفرد‪.‬‬
‫‪ -‬وتختلف أيضاً عن الحاجة االجتماعية التي تأخذ في الحسبان المستوى الحضاري‬
‫واألوساط التي ينتمي إليها الفرد‪.‬‬
‫‪ -‬كما تختلف عن الحاجة بمعناها األخالقي والتي تعتمد على معيار النافع والضار‬
‫والى بعض القيم الخلقية أو الدينية‪.‬‬
‫‪ -‬حقيقة أن الحاجات التي يشعر بها اإلنسان تحكمها عوامل طبيعية ونفسية‬
‫وأخالقية‪ ،‬ولكنها تعتمد قبل كل شيء على المتطلبات الخاصة لصاحب الحاجة‪،‬‬
‫فال يوجد كما زعم بعض الكتاب حاجات حقيقية وحاجات خيالية‪.‬‬
‫تنوع الحاجات االقتصادية‪:‬‬
‫‪ -‬وتقسم الحاجات إلى الحاجات الضرورية والحاجات الكمالية‪ ،‬والحاجات الفردية‬
‫المستقبلية‪.‬‬ ‫والحاجات‬ ‫الحاضرة‬ ‫والحاجات‬ ‫الجماعية‪،‬‬ ‫والحاجات‬
‫فالحاجة الضرورية‪ ،‬هي الحاجة التي تتوقف حياة الفرد على إشباعها كالحاجة‬
‫إلى الشراب والعالج والطعام‪ .‬أما الحاجة الكمالية‪ ،‬فهي تلك التي تزيد من متعه‬
‫الحياة ولذتها كاالستماع إلى الموسيقى والتنويع في المالبس والمعرفة‪.‬‬
‫‪2‬‬
‫‪ -‬أما الحاجة الفردية‪ ،‬فهي تلك التي تتصل مباشرة بشخصية اإلنسان وحياته‬
‫الخاصة كالحاجة إلى المأوى وتأسيس المسكن والعالج‪ .‬أما الحاجة الجماعية‪،‬‬
‫فهي التي تولد وتظهر بوجود الجماعة وحياة الفرد وسط هذه الجماعة‪ ،‬مثل‬
‫الحاجة إلى األمن والدفاع عن الجماعة وممتلكاتها ومكافحة األم ارض وغيرها من‬
‫الحاجات التي تباشرها الدولة عادة بواسطة أجهزة تمثل الصالح العام‪.‬‬
‫‪ -‬وأخي اًر‪ ،‬فالحاجة المستقبلية هي تلك المتوقع ظهورها مستقبالً كما لو قامت الدولة‬
‫باستصالح األراضي واقامة السدود وذلك بغية إشباع حاجة مستقبلية وهى خلق أو‬
‫زيادة الرقعة الزراعية الالزمة إلشباع الحاجة إلى الطعام أو إقامة المساكن وغيرها‬
‫من استخدامات األرض العديدة‪ .‬أما الحاجة الحالة أو الحاضرة فهي تلك‬
‫اإلحساس أو الشعور الحال باأللم مثال ذلك استهالك المزارع ما ينتجه من غلة‪.‬‬
‫علماً بأن التقسيمات المختلفة السابقة للحاجات والفروق بينها جميعاً نسبية إلى حد‬
‫بعيد بل ولفظية إلى حد ما‪.‬‬
‫خصائص الحاجات االقتصادية‪:‬‬
‫وتتسم الحاجات اإلنسانية االقتصادية بتقسيماتها المتعددة السابق ذكرها‪،‬‬
‫بمجموعة من الخصائص‪ ،‬والتي يمكن إجمالها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬قابلية الحاجة لإلشباع‪ :‬إذا كانت الحاجة هي الشعور بالضيق أو األلم فهذا‬
‫اإلحساس تتراوح حدته ونوعه وفقاً لظروف الحال‪ ،‬وتقل حدة هذا الشعور إذا‬
‫أشبع اإلنسان حاجاته‪ ،‬فكلما استرسل في اإلشباع تناقصت حدة األلم حتى‬
‫يتالشى أو يزول كل ضيق أو ألم‪ ،‬على األقل في حدود الفترة الواحدة‪ ،‬وهذا ما‬
‫يعبر عنه علم االقتصاد بظاهرة تناقص المنفعة الحدية‪.‬‬
‫‪ -2‬ال نهائية الحاجات‪ :‬إن حاجات اإلنسان ال تنتهي‪ ،‬فإذا ما أشبع حاجة‪ ،‬سرعان‬
‫ما تظهر له حاجة أخرى‪ ،‬واذا ما أشبع األخيرة سرعان ما تجد له ثالثة وهكذا‪،‬‬
‫في سلسلة ال تنتهي‪ .‬وهذه الخصيصة للحاجات اإلنسانية إذ لم يرضى عنها أهل‬
‫الزهد والقناعة لكنها الشك من أهم دوافع الرقى والتقدم االجتماعي‪ ،‬فلوالها لبقى‬
‫‪3‬‬
‫اإلنسان في مستويات غير مقبولة من المعيشة‪ ،‬قنوعا بما لديه مادام قاد اًر على‬
‫إشباع حاجاته البسيطة‪.‬‬
‫‪ -3‬نسبية الحاجات‪ :‬إن الحاجات التي يسعى اإلنسان إلى إشباعها اليوم ليست هي‬
‫التي كانت باألمس وهذه الخاصية انعكاساً لضرورات حيوية أو نفسية بقدر ما‬
‫هي تعبير عن أوضاع اجتماعية تحكمها ظروف الزمان والمكان التي يشعر بها‬
‫باإلنسان في مجتمع متمدين‪ ،‬أو في تعبير آخر ليست حاجات األجداد مثل‬
‫حاجاتنا والتي سوف تختلف بالطبع عنها حاجات األحفاد‪.‬‬
‫‪ -4‬قابيلة الحاجات لالستبدال‪ :‬أي يستخدم سلعا كتعويض لحاجته لسلع اخرى او‬
‫خدمة‪.‬‬
‫‪ -5‬قابلية الحاجات للقياس‪ :‬أي ترتيبها حسب االهمية تصاعديا او تنازليا كما يمكن‬
‫ان يصنفها حسب الظروف واالولويات‪.‬‬

‫ثانياً‪ :‬األموال أو الموارد االقتصادية المحدودة‪:‬‬


‫لذلك كانت الوسائل التي يملكها اإلنسان إلشباع حاجاته محدودة دائماً‪ ،‬بمعني‬
‫أن اإلنسان يعيش في عالم ندرة‪ .‬فالموارد التي يتصرف فيها إما أن تكون غير كافية‬
‫إلشباع كل حاجاته في وقت معين‪ ،‬واما أن تكون موزعة توزيعاً مكانياً سيئاً حيث‬
‫تتوافر في أماكن معينة وتشح في أماكن أخرى‪ .‬وحتى لو كانت الموارد التي يتمتع‬
‫بها اإلنسان وفيرة للغاية فإن اإلنسان يظل محصو اًر بعامل الوقت‪ ،‬وهو أكثر نعم اهلل‬
‫على اإلنسان ندرة‪.‬‬
‫والمال االقتصادي هو عبارة عن كل شيئ نافع متاح لالستعمال‪ ،‬والمنفعة هي‬
‫القدرة على إشباع حاجة من الحاجات أو رغبة من الرغبات اإلنسانية‪ .‬فلكي يعتبر‬
‫الشيء أو المال اقتصادي ‪ ،‬يجب أن تتوافر فيه الخصائص التالية‪:-‬‬
‫‪ -1‬وجود حاجة محسوسة لدى الفرد ووجود عالقة بين الحاجة والشيء يعتبره الفرد‬
‫قاد اًر على إشباع الحاجة‪.‬‬
‫‪4‬‬
‫‪ -2‬يجب أن تتوافر في الشيئ النفعية أي قابليته إلشباع حاجة أو رغبة بطريق‬
‫مباشر أو غير مباشر ‪ .‬والمنفعة ليست صفة مطلقة بل هي صفة نسبية تتوقف‬
‫على ظروف الحال‪.‬‬
‫‪ -3‬الندرة وهى الخصيصة التي تميز بين األموال الحرة والمتوافرة بكميات غير‬
‫محدودة بالنسبة إلشباع الحاجات اإلنسانية‪ ،‬واألموال االقتصادية المتاحة لدى‬
‫الجماعة بكميات محدودة‪ .‬واألموال االقتصادية‪ ،‬وليست األموال الحرة‪ ،‬هي التي‬
‫تكون محالً الهتمامات الفكر االقتصادي وعلم االقتصاد‪ .‬فال معني لعمليات‬
‫اإلنتاج والمبادلة إال بالنسبة للسلع والوسائل الندرة‪ .‬فالمحيط الخارجي حين يمد‬
‫اإلنسان بأشياء وفيرة تشبع كل حاجة إليها فإن هذه األشياء تعتبر أشياء حرة ال‬
‫تدخل في نطاق المبادالت حتى ال يتحمل من يستخدمها أي تضحية إلشباع‬
‫آخر‪ .‬فالهواء سلعة حرة وليس سلعة اقتصادية‪ ،‬له قيمة استعمالية ولكنه ال يدخل‬
‫في نطاق التبادل‪ ،‬بمعني أنه ال يتمتع بقيمة تبادلية‪ .‬وترجع ندرة األشياء إلى‬
‫أسباب طبيعية كندرة المعادن النفيسة‪ ،‬أو إلى أسباب إدارية كوضع قيود على‬
‫صيد الحيوانات أو صيد األسماك‪ ،‬أو إلى عوامل دينية كقدسية األبقار في الهند‪.‬‬
‫ولما كان من الصعب على اإلنسان أن يحصل على كل شيئ يحتاجه مرة‬
‫واحدة‪ ،‬وعمل كل شيئ نافع له في وقت واحد كان عليه أن يختار‪ .‬فللوصول إلى‬
‫هدف معين فإن عليه أن يضحي بغاية أخرى حيث ال تكفي الوسائل المتاحة له‬
‫لتحقيق كل أهدافه‪ .‬وكل اختيار يتضمن في نفس الوقت تضحية أو تكلفة الفرصة‪.‬‬
‫فعندما تشترى قميصاً فإنك تتنازل عن اإلشباع الذي كان من الممكن أن يحققه لك‬
‫شراء سلعة أخرى بالمورد الذي اشتريت به القميص‪ .‬وتكلفة الفرصة بتعبير مادي هي‬
‫التضحية التي يتحملها الشخص حين يختار بين عدد من األفعال الممكنة‪ .‬فعندما‬
‫يقوم الشخص بنشاط معين‪( .‬إنتاج سلعة معينة مثالً) فإن التكلفة التي يتحملها تتمثل‬
‫في الفرص التي لم يحصلها (قيمة السلعة والخدمات التي لم يتمكن من إنتاجها) ألن‬
‫الموارد المستخدمة لم تعد متاحة الستخدام آخر‪.‬‬
‫‪5‬‬
‫فندرة الوسائل‪ ،‬واالختيار بين الغايات‪ ،‬والتكلفة هي األفكار الرئيسية التي تسمح‬
‫بفهم جوهر النشاط االقتصادي‪ ،‬حيث أن حياتنا االقتصادية تتكون من مجموعة من‬
‫الق اررات المتشابهة التي تهدف إلى تحقيق التوازن بين الوسائل والحاجات‪ .‬وانطالقاً‬
‫من هذه الوجهة من وجهات النظر نستخدم دخلنا‪ ،‬وندير صفقاتنا‪ ،‬وننظم إنتاجا‪،‬‬
‫وتوزيع وقتنا بين العمل والفراغ بين اليقظة والنوم‪.‬‬
‫فمقاومة الندرة هي جوهر النشاط االقتصادي سواء تعلق األمر بشخص معين‬
‫يعيش منعزالً في الصحراء أو كان يتعلق بشخص يعيش في جماعة يتخصص كل‬
‫عضو من أعضائها في عمل معين ويركز جهوده في نشاط واحد لمصلحة اآلخرين‬
‫بحيث توزع الموارد اإلجمالية على الجميع عن طريق التبادل‪.‬‬
‫وتتم مقاومة الندرة بالعمليات اإلنتاجية‪ .‬فاألفراد حين يشعرون بالحاجات يبحثون‬
‫عن تحسين ظروف معيشتهم بممارسة عمليات إنتاجية ومبادالت موضوعها سلع‬
‫وخدمات تخصص في النهاية لالستهالك‪.‬‬

‫ثالثًا ‪ :‬القوانين االقتصادية‪:‬‬


‫تُعبر القوانين االقتصادية عن جوهر العمليات أو الظواهر االقتصادية الجارية‪،‬‬
‫وهى عمليات تجري في دائرة عالقات اإلنتاج‪ .‬ولكن الجوهر والظاهرة ليس‬
‫متطابقين‪ ،‬ولو كان متطابقين‪ ،‬لما كانت هناك حاجة لعلم االقتصاد‪ ،‬ولكانت تكفي‬
‫قوة المالحظة والتجربة والرصد في الحياة للكشف عن جوهر العمليات أو الظواهر‬
‫االقتصادية‪ .‬واكتشاف القوانين‪ ،‬بصفة عامة‪ ،‬ال يتطلب الموهبة والمقدرة العملية‬
‫فحسب‪ ،‬وانما يتطلب في كثير من األحيان قد اًر كبي اًر من الشجاعة الشخصية‪،‬‬
‫ويصدق هذا القول في حالة قوانين الحياة االقتصادية‪ .‬فالقوانين التي يدرسها علم‬
‫االقتصاد غالباً ما تمتد بآثارها إلى مختلف الطبقات والفئات االجتماعية‪ ،‬فالقوانين‬
‫االقتصادية التي يكشف عنها علم االقتصاد ال تعتبر ذات قيمة نظرية محضة بل لها‬
‫آثارها العملية‪.‬‬
‫‪6‬‬
‫من جهة أخرى‪ ،‬تتفاوت القوانين االقتصادية من حيث األهمية داخل النظام‬
‫االقتصادي الواحد‪ ،‬كما قد يكون لقانون اقتصادي أهمية كبرى في ظل نظام‬
‫اقتصادي معين‪ ،‬كالنظام الرأسمالي ‪ ،‬ويفتقد جزءاً كبي اًر من أهميته في ظل نظام‬
‫اقتصادي أخر ‪ .‬كما أنه في حدود النظام االقتصادي الواحد تتفاوت القوانين‬
‫االقتصادية في أهميتها‪ .‬فهناك منها الرئيسي الذي يفسر الظواهر والعالقات الرئيسية‬
‫أو األساسية التي تبرز جوهر النظام‪ ،‬وهناك القانون االقتصادي الثانوي الذي يفسر‬
‫جانبا محدودا أو جزءا من جوانب العالقات والظواهر االقتصادية التي يتكون منها‬
‫النظام‪.‬‬
‫‪ -1‬وأخي اًر‪ ،‬يمكن إجمال السمات الرئيسية للقوانين االقتصادية فيما يلي‪:‬‬
‫نسبية التطبيق‪ ،‬أي تغيرها بتغيير الزمان والمكان‪ .‬فالقوانين االقتصادية التي‬
‫تنطبق في بلد متقدم قد ال تنطبق في بلد متخلف‪ ،‬وتلك التي تنطبق في بلد‬
‫رأسمالي قد ال تنطبق في بلد ذات نظام اقتصادي اشتراكي‪ .‬فالثبات واالستقرار‬
‫الذي يتصف بهما القانون الطبيعي‪ ،‬نجدهما نسبيان للقانون االقتصادي‪.‬‬
‫‪ -2‬كما تتسم القوانين االقتصادية بأنها ليست حتمية التطبيق أو الحدوث‪.‬‬
‫‪ -3‬كما تتميز القوانين بعدم دقتها الحسابية ‪ ،‬فهي ال يمكن االعتماد عليها للوصول‬
‫إلى نتائج دقيقة محددة ‪ ،‬وانما هي تعبر عن مجرد ميل أو اتجاه معين‪ .‬وتمدنا‬
‫االقتصادية‪.‬‬ ‫القوانين‬ ‫لهذه‬ ‫بنماذج‬ ‫االقتصادية‬ ‫النظرية‬
‫فقد استطاع جوسن قى سنة ‪ 1554‬أن يعلن قانونين للحاجات‪ ،‬األول ‪ :‬قانون‬
‫االستمرار‪ ،‬والثاني ‪ :‬قانون التكرار‪.‬‬
‫‪ -‬ومضمون قانون االستمرار هو أن أي رغبة يوالي إشباعها دون توقف تتناقص‬
‫حدتها حتى تنتهي باالنعدام بعد أن كانت مرتفعة في بدايتها‪ .‬وهذا هو قانون‬
‫تناقص حدة الحاجات أو قابلية الحاجات لإلشباع‪ .‬وتختلف قابلية الحاجة لإلشباع‬
‫من فرد إلى فرد آخر‪ ،‬وبالنسبة للفرد الواحد من حاجة إلى حاجة أخرى‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -‬ومضمون قانون التكرار هو أن اإلحساس المريح عندما يتكرر تتناقص درجة حدة‬
‫الرغبة ومدتها‪ .‬وتتناقص حدة الرغبة ومدتها بسرعة كلما كان التكرار متعاقباً على‬
‫فترات قصيرة‪.‬‬

‫رابعاً‪ :‬النشاط االقتصادي‬


‫يبدأ النشاط االقتصادي لالنسان من خالل مزاولته للمهن والحرف وتلقي‬
‫العائدات مقابل جهده ثم يعمل على انفاقها لتلبية حاجاته بمختلف مستوياتها‪ ،‬ومن‬
‫هنا فإن مؤشر النشاط االقتصادي ال يقتصر فقط على المالك والتجار فكل عملية‬
‫تتوفر على هذه العناصر المتمثلة في ‪ :‬االنتاج‪ ،‬التوريع‪ ،‬التبادل‪ ،‬واالستهالك‪.‬‬
‫ويمكن تعريف النشاط االقتصادي أنه مجموع العمليات والمهام التي يقوم بها‬
‫الفرد أو الحماعة الستخراج الموارد االولية وتحويلها الى منتجات قابلة لالستهالك‬
‫لتلبي حاجات اعضاء الجماعة‪.‬‬
‫اإلنتاج‪:‬‬ ‫‪-1‬‬
‫تقوم عمليات اإلنتاج على تجميع العوامل الطبيعية أو األدوات الفنية مع العمل‬
‫من أجل الحصول على سلع وخدمات تخصص لالستهالك‪ .‬فاإلنتاج يتضمن‬
‫عمليات تحويل وعمليات نقل الموارد االقتصادية‪.‬‬
‫واإلنتاج إما أن يكون إنتاج سلع مادية أو خدمات غير مادية (خدمات)‪ .‬وقد‬
‫استبعد الفكر االقتصادي في وقت من األوقات الحصول على خدمات من نطاق‬
‫اإلنتاج‪ .‬ففي كتاب ثروة األمم وضع أدم سميث بين المهن غير المنتجة الجيش‬
‫والحكومة وبعض المهن األخرى مثل رجال الدين ورجال القانون واألطباء والممثلون‬
‫والموسيقيون والمطربون والراقصون‪ .‬فقد قدر آدم سميث أن عمل هؤالء يهلك وقت‬
‫إنتاجه متأث اًر بأن وقتاً معيناً يمر بين الحصول على الشيئ المادي واستهالكه‪ ،‬بينما‬
‫يتم إنتاج واستهالك الخدمات في وقت واحد دون أي فاصل زمني‪ .‬ولكن هذه‬
‫الخدمات تشبع حاجات إنسانية وهى خدمات مرغوبة والذين يمارسونها يمدون‬
‫‪8‬‬
‫المجتمع بنشاط منتج‪ .‬ونتيجة لذلك يمكن القول أن كل تصرف يوجد منفعة يعتبر‬
‫تصرفاً منتجاً‪ .‬والعمل المنتج قوامه الحصول على تيار من المنافع من عوامل‬
‫اإلنتاج‪.‬‬
‫وفكرة المنفعة فكرة محايدة في عالقاتها باألخالق أو بالصحة‪ .‬فأي سلعة أو‬
‫خدمة تعد نافعة طالما أن هناك مستهلكاً يرغبها إلشباع حاجة له ولو كان هذا‬
‫اإلشباع متعارضاً مع االعتبارات الصحيحة أو األخالقية‪ .‬فالخمور والسجائر تعتبر‬
‫سلعاً نافعة من وجهة نظر مستهلكيها يضحون في سبيل الحصول عليها بجزء من‬
‫مواردهم‪ ،‬رغم أنها سلع ضارة من الناحية الصحية‪.‬‬
‫ويمكن التمييز بين طائفتين كبيرتين من السلع والخدمات‪:‬‬
‫‪ -‬السلع االستهالكية أو النهائية وهى التي تستخدم في اإلشباع المباشر لحاجات‬
‫المستهلكين دون أن تمر بأي مرحلة أخرى من مراحل اإلنتاج مثل الخبز‪.‬‬
‫‪ -‬السلع اإلنتاجية أو غير المباشرة‪ ،‬وهى تستخدم في اإلمداد بسلع االستهالك‬
‫كاألدوات واآلالت‪.‬‬
‫‪ -‬ويمكن تصنيف السلع االستهالكية والسلع اإلنتاجية إلى‪:‬‬
‫‪ -‬سلع ذات استهالك فوري يتم استهالكها باالستخدام لمرة واحدة مثل الخبز‬
‫والكهرباء‪.‬‬
‫‪ -‬سلع ذات استخدام متكرر حيث تستخدم عدة مرات وتوزع منفعتها خالل الزمان‬
‫مثل المنازل والمالبس واآلالت‪.‬‬
‫‪ -‬والطلب على السلع التي يتم استهالكها باستخدامها مرة واحدة طلب منتظم‪ ،‬بينما‬
‫يتغير الطلب على السلع ذات االستخدام المتكرر تغي اًر كبي اًر بحسب الحاجة إلى‬
‫شرائها التي غالباً ما تكون محالً لتغيرات كبيرة‪.‬‬
‫‪ -‬ويمد األفراد بعضهم بعضاً بالسلع والخدمات الالزمة إلشباع حاجاتهم عن طريق‬
‫عمليات المبادلة‪ .‬فكل فرد يعتبر في وقت واحد منتجاً لسلع وخدمات ومستهلك ًا‬
‫لسلع وخدمات أخرى‪ .‬فصانع األثاث يشترى اللحم ويستهلك خدمات الطبيب‪.‬‬
‫‪9‬‬
‫وتتوقف درجة تشابك عمليات المبادلة على درجة التخصص وتقسيم العمل وقد‬
‫شهد العالم الحديث تطو اًر كبي اًر في تقسيم العمل األمر الذي أدى إلى نمو المبادالت‪.‬‬
‫‪-0‬النقود‪:‬‬
‫تعتبر النقود من المسائل الهامة ذات الصلة بالمشكلة االقتصادية وقد أدى‬
‫استخدام النقود إلى تسهيل المبادالت بإحالل التبادل غير المباشر محل التبادل‬
‫المباشر أو المقايضة‪ .‬فالنقود أدت إلى زيادة مرونة الصفقات االقتصادية ولكن‬
‫النقود ليست سلعة تبادل فقط‪ ،‬وذلك لما لها من منفعة خاصة تتمثل في كونها هي‬
‫السيولة في ذاتها‪ .‬فكل فرد تتكون ثروته من سلع حقيقية عقارية (كاألرض‬
‫والعمارات) أو من صكوك (مثل أسهم الشركات وسنداتها وصكوك الدولة) عليه أن‬
‫يحولها إلى مال سائل (نقود) إذا أراد سلعة دون حاجة إلى سلعة أخرى‪.‬‬
‫أما النقود فيمكن استخدامها لشراء أي سلعة دون حاجة إلى أي عملية تحويل‪.‬‬
‫فالنقود تعطى إذن لصاحبها خدمات خاصة أهمها االحتياط للمخاطر غير المتوقعة‪،‬‬
‫وشراء السلع والصكوك التي يفضلها في ضوء التغيرات التي تط أر على األسعار‪.‬‬
‫والنقود إما أن تكون نقوداً معدنية أو أوراق بنكنوت‪ ،‬واما أن تكون شيكات أو‬
‫تحويالت بين الحسابات في البنوك أو صناديق التوفير‪ .‬فالنقود تشمل مجموعة‬
‫وسائل الدفع المستخدمة سواء عن طريق النقل المادي من يد إلى يد أو عن طريق‬
‫التحويل الحسابي‪.‬‬
‫‪-3‬االستهالك‪:‬‬
‫االستهالك هو العملية التي بها تشبع الحاجات االقتصادية والذي يأخذ صورة‬
‫إنهاء السلعة أو الخدمة واستنفاذ ما فيها من منفعة‪ .‬فالخبز يستهلك بأكله ليخفف‬
‫إحساسنا بالجوع‪ .‬والمشهد المسرحي يستهلك عندما ينتهي بإشباع الرغبة في التسلية‪،‬‬
‫والسيارة‪ ،‬وهى سلعة استهالكية معمرة‪ ،‬يجب أن تستبدل بها سيارة أخرى عندما تقطع‬
‫عدداً معيناً من آالف الكيلومترات‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫وباإلضافة إلى سلع االستهالك المعمرة أو غير المعمرة المخصصة لإلشباع‬
‫عن طريق استنفاذ ما فيها من منفعة‪ ،‬توجد سلع المتعة كاللوحات والتحف‪ ،‬وهى‬
‫بطبيعتها سلع دائمة تساهم في إشباع جانب من حاجات اإلنسان‪.‬‬
‫‪-4‬التوزيع‪:‬‬
‫يتطلب بعد كل عملية انتاج نهائية للسلع والبضائع توزيعها وفق السياسة‬
‫االقتصادية الممنهجة من طرف المجتمع والتي ترسمها الدولة من خالل النظام‬
‫االقتصادي المتبع ولهذا تتم عملية التوزيع بناء على طابع الملكية لوسائل االنتاج‬
‫وهو ما يختلف فيه االنظمة االقتصادية من مرحلة الخرى او في وقت واحد إال أن‬
‫الشيء الذي تتقاطع فيه االنظمة االقتصادية هو توجيه السلع والمنتجات لالستهالك‬
‫عبر التوزيع بآليات مختلفة كالتسويق والمكافأة مقابل الجهد‪.‬‬
‫‪-5‬التبادل‪:‬‬
‫تعتبر عملية التبادل سلوكا اقتصاديا قديما أملته الحاجة االقتصادية بين الناس‬
‫في المجتمع الواحد بحكم أن االفراد يتوزعون في عدة قطاعات انتاجية وما يشكل‬
‫فائضا لمجموعة ما يشكل ندرة لمجموعة اخرى ثانية وفي ظروف ال يستطيع‬
‫المجتمع أن يتخصص في انتاج كل السلع والبضائع التي يحتاجها وهو ما يدفعه‬
‫للبحث خارج محيطه من خالل اخراج الفائض من االنتاج واستبداله بما يحتاجون‬
‫اليه من سلع ومنتجات في مجتمعات لها نفس المشكلة‪.‬‬

‫وكخالصة القول‪ :‬إن تحليل المشكلة االقتصادية بشكل معمق يوحي بضرورة‬
‫استجابة المجتمع االقتصادي لتشكيل حلوال للتساؤالت التي تطرحها المشكلة‬
‫االقتصادية مهما كانت طبيعة النظام االقتصادي المنتهج في الدولة وعليه فإن‬
‫للمشكلة االقتصادية ابعادا هي الحاجات المتعددة والموارد المحدودة وضرورة‬
‫االختيار في استخدم هذه الموارد الشباع الحاجات كما يمكن اضافة عنصر‬
‫اقتصادي والمتمثل في افتقاد المجتمع للتقنيات والتكنولوجيا من اجل استغالل الموارد‬
‫‪11‬‬
‫الطبيعية والثروات المعدنية الن ما تطلبته االنشطة االقتصادية في العصور الماضية‬
‫من وسائل االنتاج ليس بنفس الحجم والتطور الذي هو عملية النشاط االقتصادي‬
‫اليوم‪.‬‬

‫‪12‬‬
‫المحاضرة رقم ‪50‬‬

‫المدرسة الطبيعية (الفيزيوقراطية)‬


‫تمهيد‪:‬‬
‫تميز القرن الثامن عشر بانتشار الفكر و النزعة العلمية في أوساط الباحثين و العديد‬
‫من الحقول المعرفية‪ ،‬فقد تقدمت في هذا القرن علوم الطبيعة و الكيمياء و الفلك و غيرها‬
‫من العلوم الطبيعية األخرى‪ ،‬و قد أثر هذا التطور على طريقة و منهج البحث لدى المفكرين‬
‫في العلوم اإلنسانية و االجتماعية‪ ،‬فشرعوا في دراسة مختلف سلوكات اإلنسان و عالقاته‬
‫باعتبارها خاضعة لقوانين تشبه القوانين التي تحكم مختلف الظواهر الطبيعية‪ ،‬و بذلك‬
‫اتجهت جهود المفكرين إلى تخليص العلوم اإلنسانية من كل أبعاد أخالقية أو معيارية‬
‫لتصبح تعبير عن عالقات وضعية و تفسيرية ظهرت الفيزيوقراطية في ظل هذه التحوالت‬
‫الفكرية الواسعة التي عرفها العالم األوربي‪ ،‬فهي تعتبر جزء من تيار ساد فرنسا و أسس‬
‫لعصر األنوار في القرن الثامن عشر الذي لمع في وسطه فولتير‪ ،‬مونيسكيو‪ ،‬روسو‪ ،‬ديدور‬
‫و غيرهم من فالسفة هذا العصر الذهبي من تاريخ أوربا الحديث‪ ،‬و قد تأثر الفيزيوقراطيون‬
‫بشكل كبير و مباشر بهذه النزعة العلمية والتجريبية التي اتضحت في أعمال رائد هذه‬
‫المدرسة الطبيب الفرنسي فرانسوا كيناي الذي قدم نظريته االقتصادية بناءا على تشبيه‬
‫العالقات االقتصادية لألفراد داخل الدولة بالعالقات التي تحصل بين األعضاء المكونة‬
‫للجسم اإلنساني‪ .‬هذه المحاوالت لفرانسوا كيناي و غيره من الباحثيين االقتصاديين مثل "وليام‬
‫بيتي"‪ ،‬تعكس رغبة كبيرة في إخضاع الظواهر اإلنسانية االقتصادية للدراسة العلمية الدقيقة‬
‫والموضوعية‪ .‬لتنبأ أعمال هؤالء بإحداث نقلة نوعية في دراسة االقتصاد و تحديد معالم‬
‫البحث في مختلف قضاياه‪ ،‬ما جعل البعض يعتقد بأن الفضل في ظهور علم االقتصاد‬
‫الحديث يرجع ألعمال الفيزيوقراطيين الذين حددوا نطاق البحث االقتصادي و مناهجه‬
‫وأهدافه‪ ،‬من خالل إدخال فكرة القوانين االقتصادية‪.‬‬
‫تعريف المدرسة الفيزيوقراطية‪:‬‬
‫تشير تسمية الفيزيوقراطية إلى مجموعة األفكار االقتصادية التي نشأت و سادت فرنسا‬
‫في نهاية حكم لويس ‪ ،15‬بحيث قام مجموعة من الفالسفة االقتصاديين (الطبيعيين) بتقديم‬

‫‪1‬‬
‫نظرية متكاملة عن النشاط االقتصادي‪ ،‬مبنية على دراسة اإلنسان وعالقته بالعالم الطبيعي‬
‫والفيزيوقراطيون أو الطبيعيون هم جماعة من النبالء و المالك الزراعيين‪ ،‬و العلماء و الذين‬
‫انضموا تحت راية االقتصادي الطبيب فرانسوا كيناي‪ ،‬الذي يعود له الفضل في وضع أسس‬
‫المدرسة الفيزيوقراطية و علم االقتصاد السياسي الحديث‪ ،‬بعد إصداره كتابه الشهير الذي‬
‫عنونه ب"الجداول االقتصادية" سنة ‪ ، 1551‬و هيمن على األفكار االقتصادية في فرنسا‬
‫إلى غاية قيام الثورة الفرنسية ‪.1571‬‬
‫لقد ولدت الفيزيوقراطية في عهد اتسم باالضمحالل االقتصادي‪ ،‬وبأزمة طويلة كونت‬
‫الواقع الموضوعي الذي هيأ الثورة الفرنسية‪ ،‬فجاءت بأفكار اقتصادية ذات طابع ثوري تمردي‬
‫واضح‪ ،‬نادت من خاللها إلى ضرورة الرجوع إلى األرض و الطبيعة باعتبارها مصدر كل‬
‫الخيرات و التخلي في المقابل على سياسات التجاريين التصنيعية التي دعا إلى تطبيقها‬
‫كولبير الذي اتهمته بتفقير البالد‪ ،‬و نادت باإلصالح و تغيير األوضاع و الرجوع إلى القيم‬
‫الطبيعية و األصيلة لإلنسان‪ .‬و يعتبر كيناي ‪ (.‬أشهر الفيزيوقراطيون الذين دعوا للرجوع إلى‬
‫الطبيعة و اعتبر أن األرض هي مصدر ) وتميز بـ ـ ـ‪:‬‬
‫‪ -1‬إنه آخر المفكرين االقتصاديين الذي تعرض لمشكلة التفضيل بين أنواع النشاط‬
‫االقتصادي و البحث عن أفضل المهن‪.‬‬
‫‪ -2‬إنه أول المفكرين االقتصاديين الذي بحث بطريقة منظمة عن أفضل النظم االقتصادية‪.‬‬
‫(التي تحقق الرفاهية‪ ،‬و طالب باألخذ بنظام الملكية الخاصة و ضرورة الحرية الفردية)‬
‫‪ -3‬أول من اعتقد بوجود قوانين موضوعية تحكم العالقات االقتصادية‪ ،‬و تبقى وظيفة‬
‫الباحث هي كشف هذه القوانين‪.‬‬
‫مبادئ و مرتكزات المدرسة الفيزيوقراطية‪:‬‬
‫يمكن تلخيص أهم مبادئ و نظريات المدرسة الفيزيوقراطية في النقاط التالية‪:‬‬
‫أ‪ -‬النظام الطبيعي أساس الحرية االقتصادية‪ :‬يقول " دي نيمور"‪ " :‬إن الفيزيوقراطية هي‬
‫علم القانون الطبيعي"‪ ،‬لكم ما المقصود بالنظام الطبيعي؟ و ما هو تعريفه؟ كيف العمل‬
‫للوصول إلى معرفته؟ ما هي الطرق الواجب اتباعها لتطبيقه؟‬
‫تعريف النظام الطبيعي‪:‬‬

‫‪2‬‬
‫اعتقد الطبيعيون في ضرورة وجود نظام طبيعي باعتباره‪" :‬نظاما مثاليا يحقق التوافق بين‬
‫المصالح المتعددة في المجتمع"‪ ،‬أو بأنه ‪":‬النظام الذي يؤمن الملكية و األمن والحرية"‪ ،‬أو‬
‫بصورة أدق و أعمق "هو النظام الذي أراده اهلل لسعادة البشر‪ ...‬هو النظام اإللهي"‪ ،‬و أن‬
‫القوانين التي ترعى هذا النظام هي "قوانين ال مرد لحكمها ألنها من طبيعة البشر و‬
‫األشياء و هي التعبير الحي عن إرادة اهلل"‪ .‬و إذا ابتعد الناس عن تطبيق هذه القوانين‬
‫التي تحكم هذا النظام اإللهي فإنه بالضرورة سيعرفون ‪ (.‬التعاسة و الحرمانو يتكون‬
‫النظام الطبيعي من مجموعة أنظمة التي تحقق الرخاء للجماعة و بما يساعد على ازدهار‬
‫الزراعة‪ ،‬و يستند هذا النظام الطبيعي إلى فكرة الملكية في صورها المتعددة‪ ،‬و يترتب‬
‫على ذلك ضرورة احترام هذه الملكية باعتبارها جزء من النظام الطبيعي‪ ،‬و هي تشمل‪:‬‬
‫‪ -1‬الملكية الشخصية‪ :‬و هي حق الشخص في استغالل ملكاته الذهنية و العضلية‬
‫والحصول على مقابل إنتاجه‪ ،‬أي الحق في الحرية‪.‬‬
‫‪ -2‬الملكية المنقولة‪ :‬و هي حق الشخص في ملكية ثمرة عمله‪.‬‬
‫‪ -3‬الملكية العقارية‪ :‬و هي تتعلق بصفة خاصة بملكية األراضي الزراعية‬
‫بناءا على مفهوم الحرية التي يكفلها النظام الطبيعي لألفراد‪ ،‬فمن حق اإلنسان حسب‬
‫الطبيعيين أن يملك ما يشاء و يختار المهنة التي يشاء‪ ،‬باعتبار أن المصلحة الذاتية ال‬
‫تتعارض مع المصلحة العامة‪ ،‬و يعود أصل العبارة المشهورة " دعه يعمل دعه يمر إلى‬
‫االقتصادي الفيزيوقراطي " إلى "فانسون كورني"‪ ،‬و التي تبناها الحقا "آدم سميث" كأساس‬
‫لفكره االقتصادي‪ .‬أما الدولة أو الملك فليس له أي دور اقتصادي أو حق في التدخل في‬
‫سير التفاعالت االقتصادية‪ ،‬ألن القوانين التي تضعها اإلدارة تغير توازن العالقات‬
‫االجتماعية‪ ،‬لذلك يرون أن دور الملك هو تأمين و حماية النظام الطبيعي من خالل‬
‫الدفاع عن الحرية‪ .‬كما نجدهم يصرون على ضرورة تحرير التجارة الخارجية و الداخلية‪،‬‬
‫و تفسير ذلك أن حرية التجارة تكفل للزارع زيادة دخله‪ ،‬ألن فرنسا كانت قادرة على‬
‫تصدير المنتجات الزراعية‪ ،‬و بالتالي زيادة دخول العمال ‪ (.‬الزراعيين مع اتساع األسواق‬
‫أمامهم‬
‫كيف يتم التعرف قوانين النظام الطبيعي؟‬

‫‪3‬‬
‫يعتقد الطبيعيون أن هذا النظام و قوانينه يكتشفان ب"البداهة"‪ ،‬فبالعقل نصل إلى هذه‬
‫الحقيقة‪ ،‬يقول "ليرسييه" ‪":‬بأن البداهة هي التي توفق بين المنفعة الشخصية و النفع العام‬
‫من جهة و بين العدالة من جهة أخرى‪ ،‬بأنها هي التي تضمن اتفاق المصالح بين السلطة‬
‫واألمة‪ ،‬و هي التي تسمح و تفرض على اإلنسان االنصياع ألوامر هذا النظام الطبيعي‪.‬‬
‫فكرة القانون؟‬
‫كانت المدرسة الفيزيوقراطية أول من قال بفكرة وجود قوانين ترعى الشؤون االقتصادية‪،‬‬
‫فبالرغم من إرجاعها هذه القوانين إلى القدرة اإللهية‪ .‬و لهذه النقطة أهمية كبيرة تجعل من‬
‫الطبيعيين أول من أعطى لالقتصاد صفة العلم الباحث عن القوانين التي تنظم شؤونه‪.‬‬
‫وحددت بذلك منهج و حدود البحث لدى المدارس التي تلتها‪ ،‬الكالسيكية و الماركسية‪.‬‬
‫ب‪ -‬مبدأ الريع الصافي ( الناتج الصافي) ( األرض هي مصدر الثروة)‪ :‬بدأ الطبيعيون‬
‫تعريفهم للثروة باستبعاد المعدن النفيس كمصدر لها اعتقد الماركانتيليون بأن مصدر الثروة‬
‫هو الذهب و الفضة‪ ،‬و أن الفرد أو الدولة التي تملك أكبر كمية من هاته المعادن هو‬
‫الثري و الغني‪ ،‬لكن األمر مختلف بالنسبة للفيزيوقراط‪ ،‬فهم يعتقدون بأن النقود المعدنية‬
‫ليست إال ثروة عقيمة‪ ،‬و يعرفون الثروة بأنها ‪ :‬كمية من المنتجات التي بإمكاننا أن‬
‫نستهلك منها ما يطيب لنا و بدون حساب‪ ،‬دون أن يؤدي هذا االستهالك إلى شح المنبع‬
‫الرئيسي لهذه المنتجات"‪ ،‬فالثروة إذا كما يعرفها "دي الرفيير" هي‪":‬مجموعة القيم التي‬
‫يمكن استهالكها عند الرغبة دون إفقار لمصدرها"‪ ،‬و لذلك نجد بأن النشاط المنتج الوحيد‬
‫هو الزراعة‪ ،‬و أن غير ذلك هو مجرد تحويل عقيم لصورة المادة‪ .‬فأنواع النشاط األخرى‬
‫غير قادرة على الخلق و إعطاء قيمة جديدة أو ريع صافيا ألنها من قبيل الحرف العقيمة‪،‬‬
‫يقول كيناي في هذا الصدد‪":‬إن الزراعة هي النشاط الوحيد الذي يمنح اإلنسان أكثر ‪(.‬‬
‫مما يحصل عليه"‪ ،‬فالزراعة تضاعف‪ ،‬بينما الصناعة تحول و التجارة تنقل‬
‫‪ -‬ما هو الريع الصافي الذي تمنحه لنا الزراعة؟‬
‫في كل عملية إنتاجية يقوم اإلنسان للحصول على سلعة أو رزق ال بد له من إنفاق بعض‬
‫المصاريف الضرورية إلنتاج تلك السلعة ( شراء مواد أولية‪ ،‬صرف الوقت الالزم‪ ،‬تسديد‬
‫أجر العمال‪ ،)...‬و هذه التكاليف البد له من أن يقتطعها من السلعة المنتجة والمنجزة‬
‫حتى يحصل على ما يسمى "ريعا صافيا" لعمليته اإلنتاجية‪ ،‬أو بصورة أبسط فالريع‬

‫‪4‬‬
‫الصافي هو الفرق بين ما ينفق للحصول على سلعة ما‪ ،‬و بين نتيجة العملية اإلنتاجية‬
‫التي هي السلعة نفسه‪.‬‬
‫و إن هذا الريع الصافي بهذه الصورة ال تمنحه سوى الزراعة دون غيرها من الفعاليات‬
‫االقتصادية األخرى‪ ،‬و سبب ذلك بنظر الفيزيوقراط بسيط‪ :‬فحبة القمح مثال التي تبذر في‬
‫األرض تعطي أضعافا لها‪ ،‬أي األرض وحدها هي المنتجة للريع الصافي و أن ذلك يعود‬
‫إلى عمل الخالق اإلله‪ ،‬فالزراعة هبة من الطبيعة‪ ،‬و يؤدي تضافر جهد اإلنسان مع عمل‬
‫الطبيعة إلى نشوء قيمة ‪ (.‬جديدة لم تكن موجودة و هي الناتج الصافي‪.‬‬
‫ج ‪ -‬مبدأ دوران الثروة و توزيع الدخل ( الجدول االقتصادي)‪:‬‬
‫بعد أن بين الطبيعيون كيف أن الزراعة هي النشاط المنتج الوحيد من خالل فكرة الريع‬
‫الصافي‪ ،‬يتطرقون في مستوى آخر إلى تحليل الكيفية التي يتم من خاللها توزيع الدخل‬
‫العام الناجم عن الريع الصافي على األفراد داخل المجتمع‪ ،‬و ذلك من خالل استخدام‬
‫الجدول االقتصادي الذي وضعه فرانسوا كيناي مستعينا في ذلك بخبرته في ميدان الطب‪،‬‬
‫بحيث لجأ إلى تشبيه العملية التي يتم من خاللها توزيع الدخل و دوران الثروة على‬
‫طبقات المجتمع بعملية دوران الدم داخل جسم اإلنسان الدورة الدموية)‪ ،‬و تعتبر نظرية‬
‫توزيع الدخل من أشهر النظريات التي قدمها الطبيعيون في دراساتهم االقتصادية ‪.‬و رك از‬
‫من خاللها على دراسة االقتصاد وفق نظرة كالنية تدرس الدخل على المستوى الوطني و‬
‫ليس وفق نظرة جزئية تركز على دخل الفرد كوحدة للتحليل‪.‬‬
‫فمن خالل الجدول االقتصادي حاول كيناي أن يبين كيفية توزيع الناتج الصافي ودورانه‬
‫بين الطبقات في المجتمع‪ ،‬ليقدم لنا بذلك عرض لدورة الناتج الصافي بانتقال الدخول من‬
‫طبقة إلى أخرى‪ ،‬أكثر من كون قدم لنا نظرية للتوزيع بالمعنى الحديث فانطالقا من مبدأ‬
‫الريع الصافي‪ ،‬و تقسيم المجتمع إلى طبقة عقيمة و أخرى منتجة‪ ،‬استطاع كيناي أن‬
‫يخطط جدوال اقتصاديا يبين فيه كيفية انتقال الثروة من الطبقة المنتجة الزراعية إلى غيرها‬
‫من الطبقات العقيمة‪ ،‬ثم كيف تعود هذه الثروة إلى نفس الطبقة التي انطلقت منها أي‬
‫الزراعية‪ ،‬و هكذا في كل عام من اإلنتاج و قد قسم كيناي المجتمع إلى ثالثة طبقات‪:‬‬
‫‪-1‬الطبقة المنتجة ‪:‬و تشمل العمال الزراعيين الذين يقومون على خلق الناتج الصافي‪،‬‬
‫و هو الزراعة‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫‪-2‬طبقة المالك العقاريين ‪:‬و هؤالء و إن لم يكونوا منتجين بالمعنى المتقدم‪ ،‬إال أن‬
‫الطبيعيين رتبوا على دورهم أهمية خاصة‪ ،‬و بذلك احتلوا مكانا وسطا بين طبقة المنجين‬
‫والطبقة العقيمة‪.‬‬
‫‪-3‬الطبقة العقيمة ‪:‬تشمل ذوي الحرف األخرى غير الزراعة‪ ،‬و يدخل فيها العاملون في‬
‫الصناعة و التجارة‪ ،‬و اعتبرت هذه الطبقة عقيمة طبقا لنظرية الريع الصافي‪ ،‬حيث أنها‬
‫ال تضيف إلى اإلنتاج الصافي كما هو الحال في الزراعة‬
‫و لبيان كيفية تداول الناتج الصافي بين طبقات المجتمع استخدم كيناي أمثلة حسابية‬
‫لتبسيط هذه العملية‪:‬‬
‫‪-‬افترض أن الزراعة تنتج ما قيمته ‪ 5‬مليار فرنك‪ ،‬كيف تدور هذه القيمة؟‬
‫‪-‬الطبقة الزراعية تحتفظ ب ‪ 02‬مليار لمواجهة نفقاتهم الخاصة على المنتجات الزراعية‬
‫يحتفظون بجزء من منتوجهم الزراعي لالستهالك الذاتي )و سداد تكلفة اإلنتاج الزراعي (‪.‬‬

‫النتاج الزراعي االجمالي – مصاريف االنتاج واالستهالك = الريع الصافي‬


‫‪ 50‬مليار فرنك‬ ‫‪ 50‬مليار فرنك‬ ‫‪ 50‬مليار فرنك‬

‫‪ 03‬مليار فرنك ( الريع الصافي) يتم توزيعه و دورانه بالشكل التالي‪:‬‬


‫‪ 11 -‬مليار فرنك تنفقه الطبقة الزراعية لشراء سلع صناعية و خدمات تجارية من الطبقة‬
‫العقيمة‪.‬‬
‫‪ 12 -‬مليار )فرنك تدفع كأجر للمالك العقاريين مقابل االستفادة– كراء ‪ -‬من أرضهم‬
‫)ضريبة األرض)‪.‬‬
‫‪ -‬طبقة المالك العقاريين تقوم بتوزيع دخلها ‪ 02‬مليار الذي حصلته من الطبقة الزراعية‬
‫بالكيفية التالية‪ 01 :‬مليار تنفقه على شراء منتجات زراعية من الزراعيين‪ ،‬و ‪ 01‬مليار‬
‫تنفقه على شراء سلع صناعية و خدمات تجارية من الطبقة العقيمة‪.‬‬
‫‪ -‬و بهذه الطريقة تكون الطبقة العقيمة قد تتحصلت على ‪ 02‬مليار‪ 01،‬مليار من‬
‫الطبقة الزراعية و ‪ 01‬مليار اآلخر من طبقة المالك العقاريين‪.‬‬
‫‪ -‬الطبقة العقيمة تقوم بدورها بتوزيع ما تحصلت عليه من مداخيل ‪ 02‬مليار‪ ،‬على شراء‬
‫ما تحتاج إليه من منتجات زراعية‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬و بذلك يعود من جديد كل قيمة اإلنتاج الزراعي إلى طبقة المنتجين الزراعيين ‪11‬‬
‫مليار من طبقة المالك العقاريين‪ ،‬و ‪ 02‬مليار من الطبقة العقيمة= ‪ 03‬مليارات فرنك‬
‫ناقص الناتج الصافي‪ ،‬و هكذا تتم دورة الناتج الصافي بأن تعود إلى النقطة التي بدأت‬
‫منها‪.‬‬
‫و الرسم التالي(الجدول االقتصادي) يبين هذه الطريقة في توزيع الناتج الصافي‪ ،‬وفق‬
‫المعطيات السابقة‪:‬‬
‫الطبقة المنتجة الزراعية‪:‬‬
‫‪ 15‬مليار فرنك= قيمة االنتاج الزراعي‬
‫‪ 12‬مليار فرنك= مصاريف االنتاج واالستهالك‬
‫‪ 13‬مليار فرنك= الريع الصافي للتوزيع‬

‫‪ 12‬مليار‬ ‫‪ 11‬مليار‬ ‫‪ 12‬مليار‬ ‫‪ 11‬مليار‬


‫=‬ ‫=‬ ‫=‬ ‫=‬
‫قيمة البضائع‬ ‫قيمة السلع‬ ‫ضريبة‬ ‫قيمة البضائع‬
‫وسلع زراعية‬ ‫الصناعية و‬ ‫االرض‬ ‫وسلع الزراعية‬
‫وخدمات تجارية‬

‫الطبقة العقيمة ( التجار و الصناعيين)‬ ‫‪ 11‬مليار فرنك= قيمة سلع‬ ‫طبقة المالكين العقاريين‬
‫صناعية وخدمات تجارية‬

‫الجدول االقتصادي‪( :‬دوران الثروة بين مختلف طبقات المجتمع)‬

‫تقييم الفكر االقتصادي للطبيعيين‪:‬‬


‫أ ‪-‬اإلسهامات‪:‬‬
‫‪ -‬أثبت الطبيعيون من خالل طريقتهم في التحليل االقتصادي تفوقا و تمي از عن باقي‬
‫المدارس و االتجاهات التي سبقتهم‪ ،‬فمن خالل اعتمادهم على المنهج التجريبي‪ ،‬و تحديد‬
‫مهمة الباحث في اكتشاف القوانين الموضوعية التي تحكم التفاعالت االقتصادية‪ ،‬ساهموا‬
‫‪7‬‬
‫في بلورة مالمح علم القتصاد السياسي‪ ،‬بل يذهب البعض– كما سلف الذكر‪ ،‬إلى اعتبار‬
‫فرانسوا كيناي مؤسس علم االقتصاد السياسي الحديث‪.‬‬
‫‪ -‬و تبقى فكرة القوانين أهم ما جاء به الطبيعيون‪ ،‬ألنهم حرروا بذلك البحث االقتصادي من‬
‫أحضان الفلسفة و األخالق و الفكر الديني الكنسي‪.‬و بينوا كيف أن الظواهر االقتصادية‬
‫كغيرها من الظواهر الطبيعية األخرى تحكمها قوانين موضوعية ينبغي على الباحث العمل‬
‫على اكتشافها‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن نظرية كيناي حول دوران الناتج الصافي اعتبرت من أهم األعمال التنظيرية‬
‫للطبيعيين‪ ،‬نظ ار إلى ما قدمته هذه النظرية من إضافة في أدوات التحليل‪ ،‬بحيث اعتبرت‬
‫أول بداية تحليلية لوضع نماذج للتوازن العام لالقتصاد الوطني‪ ،‬و قد أدت هذه النماذج‬
‫فيما بعد إلى وضع نماذج فالراس "و نماذج المنتج – المستخدم للتوازن ل"يونتييف"‬
‫‪ -‬كما أن الطبيعيين كانوا السباقين إلى وضع أسس االقتصاد الليبرالي الحر‪ ،‬من حرية‬
‫واقرار مبدأ الملكية الخاصة‪ ،‬و التي تعتبر من أهم المبادئ التي قام على أساسها‬
‫االقتصاد و الفكر الكالسيكي ل"آدم سميث‪".‬‬
‫ب ‪ -‬ا النتقادات‪:‬‬
‫بالرغم من إسهامات الطبيعيين في جعل االقتصاد كعلم و معرفة منظمة يخطوا‬
‫خطوات هامة و حاسمة نحو األمام‪ ،‬غير أن أعمالهم شابتها بعض النقائص‪ ،‬التي فتحت‬
‫بابا واسعا لالنتقادات‪ ،‬و أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬بالرغم من ادعاء الطبيعيين الموضوعية في أبحاثهم غير أنهم لم يخفوا بعدا اجتماعيا‬
‫وذاتيا في نظرياتهم االقتصادية‪ ،‬فمنتقديهم يعتقدون أن الطبيعيين عكفوا على إعطاء‬
‫الزراعة أهمية كبيرة مقارنة بباقي األنشطة األخرى ليس ألنها النشاط االقتصادي المنتج‬
‫الوحيد فقط بل أسس السبب في ذلك هو رغبتهم في تبرير دخل للمالك العقاريين الذي‬
‫يحصلون عليه دون عمل من جانبهم‪.‬‬
‫‪ -‬كما ان نظريتهم حول القيمة يشوبها الغموض و الخطأ‪ ،‬فنظ ار لكون الطبيعيين فشلوا في‬
‫الوصول إلى فكرة أو معيار " المنفعة "في تعريف الثروة‪ ،‬فقد عجزوا عن تصور أن‬
‫الصناعة أو التجارة ( نشاط الطبقة العقيمة) يمكن أن يكونا منتجين كذلك‪ ،‬ألنهما و إن‬
‫اقتص ار على تحويل المواد إال أنهما يضيفان منفعة جديدة تبرر اعتبارهما منتجين‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -‬و فيما يتعلق بدور الطبيعة في النشاط االقتصادي‪ ،‬فقد كان القياس يقتضي منهم معاملة‬
‫الصناعات االستخراجية معاملة الزراعة‪ ،‬حيث أن المناجم و المحاجر تعطي أيضا أكثر‬
‫مما تأخذ‪ ،‬و لكنهم عجزوا أيضا عن إدراك هذه الحقيقة‪.‬‬
‫‪ -‬كما أن التطورات التي عرفتها أوربا مع ظهور الثورة الصناعية مع نهاية القرن الثامن‬
‫عشر فندت الكثير من فرضيات الفيزيوقراطيين حول اعتبار الزراعة النشاط المنتج الوحيد‬
‫القادر على تحقيق الرفاهية و التقدم للمجتمعات‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫المحاضرة رقم ‪40‬‬
‫المدرسة التجارية (الماركنتيلية)‬

‫تعتبر التجارة الخارجية أو الدولية من أقدم اهتمامات الفلسفة االقتصادية ورجال‬


‫االقتصاد و اليوم ازدادت أهمية هذه التجارة حتى أصبحت عامال رئيسيا في‬
‫اإلستراتيجية االقتصادية و السياسية للدول و تتسم العالقات االقتصادية الدولية‬
‫بطابع يجعلها تغاير العالقات االقتصادية الداخلية حيث يعترضها عدة قيود وعوائق‬
‫تفرضها الدول للمحافظة على سياستها أو اقتصادياتها ومن هنا نستشف أن التجارة‬
‫الدولية أو الخارجية تستجيب للظروف والعوامل الخارجية من ناحية وتؤدي دو ار هاما‬
‫في االقتصاد الوطني من ناحية أخري‪ ،‬ولكن كيف تمكنت هذه التجارة من التطور‬
‫واالزدهار إلى الشكل الذي أصبحت عليه اآلن وما هي األفكار التي ساهمت في‬
‫بلورت طرق المعامالت التجارية الدولية لعل من أهم األفكار أو المذاهب التي أدت‬
‫بالتجارة الدولية إلى ما آلت إليه هو المذهب المركانتيلي أو التجاري الذي يعد أولى‬
‫خطوات التفكير اإلقتصادي الدولي ونقطة إطالق السياسات واإلستراتيجيات في‬
‫المعامالت التجارية الدولية ترى ما هي المركانتيلية‪ ،‬ما هي ظروف نشأة هذا‬
‫المذهب وكيف تم هل كان فعال مذهبا فعاال ومحققا لرفاهية الشعوب واألمم وما هو‬
‫النقد الموجه له هذا ما حاولت استبيانه في هذا العرض لفهم أكبر ألفكار‬
‫االقتصاديين ولتعميم الفائدة إن شاء اهلل‬

‫التعريف بالمذهب المركانتيلي أو التجاري‪:‬‬


‫المركانتيلية هي مذهب اقتصادي ظهرت بوادره ابتداء من أواخر القرن الرابع‬
‫عشر وساد إلى غاية القرن النصف الثاني من القرن الثامن عشر والمركانتيلية لغة‬
‫جاءت من ‪ Merchant‬باالنجليزية التي تعني ” التاجر” أما اصطالحا فهي المذهب‬

‫‪1‬‬
‫الذي أولى اهتماما كبي ار بالمعادن النفيسة “ذهب وفضة” باعتبارهما أساس ثروة األمة‬
‫ومنبع قوتها‬

‫الظروف التي مهدت للفكر اإلقتصادي المركانتيلي‬


‫شهد القرن الخامس عشر والسادس عشر تحرر العبيد من سطوة النظام‬
‫اإلقطاعي في أوروبا و أتجه معظم المتحررين للعمل في التجارة إلى أن نشاط‬
‫التجارة الداخلي لم يكن من األتساع و األهمية بحيث يوفر لهم مكانة اقتصادية كبرى‬
‫وسطوة سياسية في بالدهم‪ .‬لقد جاء التغيير األساسي في األوضاع االقتصادية‬
‫واالجتماعية عن طريق التجارة الخارجية التي كانت تنمو بصورة متسارعة بحيث‬
‫أدت تدريجيا إلى ثراء التجار وأدت إلى رفع أهميتهم في النشاط اإلقتصادي وظهورهم‬
‫كطبقة اجتماعية قوية في بلدانهم ومن أهم األسباب التي أدت إلى تطور التجارة‬
‫الدولية آنذاك ‪:‬‬
‫‪ -1‬اتصال أوروبا بالمشرق اإلسالمي المتقدم حينها‬
‫‪ -2‬اكتشاف طرق مواصالت بحرية جديدة كطريق رأس الرجاء الصالح‬
‫‪ -3‬اكتشاف القارة األمريكية الغنية بالذهب و كانت النتيجة الحتمية الكتشاف المناجم‬
‫الغنية بالذهب في القارة األمريكية وزيادة التجارة الخارجية ونموها مع الشرق‬
‫األوسط واألقصى أن زاد ثراء طبقة التجار وزادت قوتهم داخل بلدانهم وبدأوا‬
‫يسعون تدريجيا إلى تحرير المدن من سيطرة اإلقطاعيين فتكونت في كل مدينة‬
‫هيئة إلدارتها مكونة من طبقة التجار ذوي النفوذ وصاحب هذه التطورات‬
‫اتخاذهم مع الملك لمحاربة اإلقطاعيين و تقويض نفوذ النبالء و األمراء ولقد كان‬
‫الكتشاف الموارد الجديدة للثروة أيضا أثر اقتصادي له أهمية كبرى فلقد تدفقت‬
‫المعادن النفيسة على أوروبا وخاصة الدول االستعمارية الكبرى مثل‪ :‬اسبانيا‪،‬‬
‫البرتغال‪ ،‬إنجلت ار هولندا‪ ،‬فرنسا واستخدمت هذه المعادن في شراء المنتجات من‬
‫البلدان األوربية المتقدمة‬
‫‪2‬‬
‫‪ -4‬ومن جهة أخرى ونتيجة لتحالف الملك والتجار فقد تم القضاء على سلطة‬
‫اإلقطاعيين والنبالء و األمراء وتمكن الملك من فرض سلطة مركزية على‬
‫سلطات األمراء التي كانت تقوم في مراكز متعددة داخل الدولة و كانت هذه‬
‫الخطوة األولى التي أدت إلى ظهور الدولة األوروبية الحديثة التي تقوم على‬
‫أساس قومي و تخضع لسلطة مركزية واحدة وكانت القوة الثانية التي أدت إلى‬
‫ظهور الدولة األوروبية الحديثة بروز القوميات العرقية و تفكك اإلمبراطوريات‬
‫الكبرى و انهيارها و يعد ظهور الدولة األوروبية بهذا الشكل الحديث ذا أثر بالغ‬
‫في سياسة التجاريين إذ قام هؤالء برسم سياسة التجارة الخارجية على مستوى‬
‫االقتصاد القومي بما يخدم مصلحتهم و يحقق لهم أكبر ربح و أكثر ثراء ‪.‬‬
‫ولقد كانت حركة النهضة الفكرية في أوروبا من أهم األحداث التي ساهمت في‬
‫تطور الفكر السياسي و اإلقتصادي األوروبي والتي صاحبت عصر الرأسمالية‬
‫التجارية المتحررة من الدين ومن فلسفات وقيود الكنيسة وأدى ذلك إلى زعزعة‬
‫مركز الكنيسة ومن ثم إلى انهيار بقية أعمدة النظام اإلقتصادي وتقوية السلطة‬
‫المدنية للملك أو الحكومة من جهة أخرى ال تؤمن إال بمصلحتها القومية وتعمل‬
‫جاهدة على مد سلطانها و توسيع رقعتها إلى احتدام الصراع بين هذه الدول‬
‫لصون مستعمراتها وعدم السماح ألي دولة باستغالل مواردها‪.‬‬

‫مبادئ الفكر الماركانتيلي ‪:‬‬


‫يقدر علماء الفكر اإلقتصادي على أن أفكار التجاريين كانت تدور حول عدد‬
‫من المبادئ األساسية أال وهي ‪:‬‬
‫‪ -1‬العالقة بين ثروة األمة وما لديها من معدن نفيس إن التجاريين كانو يعلقون‬
‫أهمية كبرى على الذهب والفضة باعتبارهما عماد ثروة األمة ونقطة قوتها و‬
‫يصدق ذلك بصفة خاصة على كتابات التجاريين قبل بداية القرن السابع عشر‬
‫ومن ثم يميل بعض الباحثين إلى إطالق اسم المعدنيين “‪ ” Bulliomists‬على‬
‫‪3‬‬
‫رجال الرعيل االول من الفكر التجاري إشارة إلى األهمية الخاصة للمعدن النفيس‬
‫في نظرتهم إلى الثروة وبالنظر إلى الظروف التي أتت بالمذهب التجاري والتي‬
‫كان ضمنها ظهور الدولة اإلقليمية نجد أن دوافع التجاريين إلعطاء المعادن‬
‫النفيسة كل هذه األهمية كانت منطقية فقد استنفذت الحرب المتواصلة خزائن‬
‫الملوك ولم توفر الضرائب اإليراد الالزم لقيام الدولة بأعباء الدفاع والحروب‬
‫واإلدارة العامة وأصبح الملوك في ضائقة مستمرة ‪ ،‬والملك ليس في حاجة إلى‬
‫قمح أو قطن لمتابعة حروبه والقيام بسائر نفقات الدولة وانما هو بحاجة مستمرة‬
‫إلى ذهب وفضة ليؤكد سلطانه ويحقق أطماعه ويد أر عن نفسه أطماع غيره إذن‬
‫فالمعدن النفيس وقوة الدولة توأمان ال ينفصالن‪.‬‬
‫غير أن المسألة ال تقف عند حد مالئمة المعدن النفيس للقيام بحاجات الدولة‬
‫الناشئة فالواقع أن وجهة نظر التجاريين تستند إلى أكثر من ذلك فإننا نجد في‬
‫كتابات بعضهم قياس ثروة األمة على ثروة األفراد ‪ ،‬فكما أن الفرد يقاس غناه بما‬
‫لديه من ذهب وفضة كذلك شأن األمم وفي ذلك يقول توماس مان ‪1664‬‬
‫ويصدق ثروة المملكة ما يصدق على ثروة الفرد الذي يكسب دخال سنويا مقداره‬
‫‪ 1111‬جنيه ولديه رأس مال نقدي يبلغ ألفا من الجنيهات ‪.‬‬
‫إذا أنفق هذا الفرد ‪ 1011‬جنيه في السنة فإنه سيفقد كل أمواله بعد أربع سنوات‬
‫في حين سيضاعفها خالل نفس المدة إذا أنفق ‪ 011‬جنيه سنويا فقط وهذه‬
‫القاعدة ال تغيب أبدا في حق المملكة كذلك يمكننا أن نركز على عنصرين هامين‬
‫أديا بالتجاريين إلى اتخاذ هذا الموقف من المعادن النفيسة‬
‫أوال – االرتفاع الشديد لألسعار في أوروبا خالل القرن السادس عشر الذي‬
‫صاحبته زيادة ضخمة في كمية المعادن النفيسة المتدفقة إلى أوروبا وبزيادة غير‬
‫معهودة في نواحي النشاط التجار ي والصناعي والحرفي وقد دفع هذا‬
‫المركانتيليين إلى الربط بين هذه الظواهر المختلفة وكان التفسير الذي خلصوا‬
‫إليه هو أن الزيادة في النشاط اإلقتصادي قد تترتب على االرتفاع في األسعار‬
‫‪4‬‬
‫وزيادة الموجود في الدولة من المعادن النفيسة ( النقود الذهبية والفضية ) لكن‬
‫هذا التحليل لم يكن مبينا على أي أساس علمي بل هو عبارة عن استنتاج جاء‬
‫من حدوث ظاهرتين معا في آن واحد ‪.‬‬
‫ثانيا – اعتقاد العديد من التجاريين أن مستوى سعر الفائدة يحدد كميات القروض‬
‫التي تستخدم في القيام بالنشاط اإلنتاجي والتجاري وأن مستوى الفائدة يتوقف‬
‫على كمية المعادن النفيسة الموجودة في الدولة فإذا زادت كمية النقود وأنخفض‬
‫سعر الفائدة فهذا سيؤدي حتما إلى زيادة النشاط اإلقتصادي ‪.‬‬
‫‪ -2‬تحقيق ميزان تجاري موافق من أهم المبادئ التي أعطاها التجاريون أهمية كبرى‬
‫هو مبدأ االهتمام بالتجارة الخارجية أو الدولية فمن وجهة نظرهم إلى العالقة بين‬
‫ثروة األمة وما لديها من معدن نفيس فإن الزيادة من هذا المعدن يعني زيادة ثروة‬
‫األمة ومن ثم فإذا كان للبلد مناجم لهذه الثروة وجب عليهم استغاللها بشتى‬
‫الوسائل واذا افتقر البلد لمناجم ومعادن نفيسة فالطريق إلى زيادة رصيده منها‬
‫يمر عبر التجارة الدولية وهذا ال يتحقق إال إذا باع البلد سلعا للعالم الخارجي‬
‫بقيمة تزيد عن كمية ما يشتريه منه وهذا ما يسمى تحقيق الفائض في الميزان‬
‫التجاري وهذا الفائض المتحقق يزيد من ثروة الدولة من المعدن النفيس وبالتالي‬
‫وكنتيجة لذلك ستنتعش األسعار واإلنتاج أما في حالة وقوع العكس وهو أن قيمة‬
‫الواردات تكون أكبر من قيمة الصادرات فإن الدولة ستحقق عج از في ميزانها‬
‫التجاري وستضطر إلى إخراج معادنها النفيسة بمقدار ذلك العجز وفي ذلك‬
‫نقصان شرائه ويلزم عن هذا التحليل وجوب العمل على تحقيق فائض في الميزان‬
‫التجاري لزيادة الثروة ويقول ميسلند ‪“ 1623‬إذا زادت قيمة السلع الوطنية‬
‫والمصدر ة عن قيمة السلع األجنبية المستوردة فإن القاعدة التي تصدق دائما‬
‫هي أن المملكة تصبح أكثر غنى وانتعاشا حيث أن الفائض البد أن يأتي لها‬
‫بالمعدن النفيس” كما أن توماس مان ‪ 1664‬يقول” إن الطريقة العادية لزيادة‬
‫ثروتنا تتمثل في التجارة الخارجية حيث يتعين علينا أن نراعي دائما القاعدة وهي‬
‫‪5‬‬
‫أن نبيع لألجانب سنويا أكثر مما نشتر ي منهم في القيمة “ لقد استطاعت‬
‫المركانتيلية أن توجه النظرة للتجارة الخارجية بعين الحارس لكل تحرك أو تدفق‬
‫للسلع والمعادن النفيسة وقد مرت هذه السياسة بعدة مراحل وهي ‪:‬‬
‫المرحلة األولى ‪ :‬وهي التي تعرف بمرحلة السياسة المعدنية ” ‪” Bullionison‬‬
‫وفيها أعتبر التجاريون أن الطريقة الوحيدة لالحتفاظ برصيد الدولة من المعدن‬
‫النفيس وزيادته هي فرض رقابة تامة على كل خروج أو تحرك للمعدن النفيس‬
‫وتركيز كل المعامالت في الصرف األجنبي في يد موظف عمومي وهو صراف‬
‫الملك حيث يشرف على تصدير أو استيراد أو التصرف في المعدن النفيس مع‬
‫العالم الخارجي ‪.‬‬
‫المرحلة الثانية‪ :‬في هذه الفترة وجدت الدولة أنه يكفي أن تكون معامالت الدولة‬
‫مع كل دولة على انفراد ذات فائض في الميزان التجاري ومنه لم يعد هناك داع‬
‫إلى مراقبة للصادرات من الذهب والفضة وانما يكفي أن تكون مجموع المعامالت‬
‫لصالح الدولة‪.‬‬
‫المرحلة الثالثة‪ :‬هنا في هذه المرحلة اتضحت فكرة الميزان التجاري الحديثة حيث‬
‫أن البلد يجب عليه تحقيق فائض في الميزان التجاري السنوي بغض النظر عن‬
‫المعامالت الثنائية األداء حيث يمكن أن يحقق خسارة بوحدة مع البلد األول لكنه‬
‫يعوضها بربح عدة وحدات مع بلدان أخرى بحيث تكون النتيجة النهائية فائضا‬
‫موافقا على التجارة الخارجية في مجملها كما تجدر اإلشارة إلى أن التجاريين‬
‫تطرقوا حتى لما يسمى بالصادرات والواردات غير المنضورة وعلى ذلك فإننا نجد‬
‫أن توماس مان يشير إلى نفقات النقل البحري ونفقات الجيوش خارج البالد وما‬
‫يدفع الكاثوليك للكنيسة بروما وهو يذكر أثر هذه المدفوعات على دخول وخروج‬
‫الذهب شأنها شأن السلع التي تستوردها وتصدرها الدولة ‪.‬‬
‫‪ -3‬تدخل الدولة في الحياة االقتصادية‪ :‬واضح أن منطق التجاريين يقتضي تدخل‬
‫الدولة في التجارة الخارجية‪ .‬فإن الميزان التجاري الموافق ال ينشأ من تلقاء‬
‫‪6‬‬
‫نفسه‪.‬والبد ان يكون محال لسياسة هادفة من الدولة و من ثم فقد نادى التجاريون‬
‫بوجوب إخضاع التجارة الدولية لقيود بقصد تحقيق فائض دائم في الميزان‬
‫التجاري‪.‬وتتمثل هذه القيود في فرض ضرائب جمركية على الواردات وحضر‬
‫بعضها كما تتمثل في إعانة بعض الصادرات‪.‬‬
‫لم يقف تدخل الدولة عند حدود التجارة الخارجية بل تعداه إلى إشرافها على‬
‫عملية إنتاج السلع المعدة للتصدير و توفير ظروف أخرى لزيادة الصادرات‪.‬‬
‫وكان أكثرها شيوعا منح إنتاج سلعة أى معينة أو تصديرها لشركة معينة ومثل‬
‫ذلك شركة الهند الشرقية و شركة الشرق األوسط في إنجلت ار‪ .‬كذلك امتد تدخل‬
‫الدولة إلى أسعار السلع و مستوى األجور واستيراد العمال المهرة من الخارج‬
‫وانشاء صناعات وطنية و استغالل المزارع و المناجم في المستعمرات للحصول‬
‫على المواد األولية‪.‬‬
‫وفي شئون النقل البحري و صناعة السفن كانت قوانين المالحة في إنجلت ار‬
‫نموذجا لتدخل الدولة في الحياة االقتصادية وهي تستوجب نقل السلع المستوردة‬
‫إلى إنجلت ار على سفن مملوكة لرعايا انجليز يقودها قبطان انجليزي و مالحوها‬
‫انجليز‪.‬‬
‫‪ -4‬ترتيب أوجه النشاط االقتصادي‪ :‬كانت المفاضلة بين اوجه النشاط اإلقتصادي‬
‫من المسائل التي شغلت رجال الفكر التجاري منذ زمن قديم فقد تولد شعور بأن‬
‫الحرف ال يمكنها ان تكون بنفس األهمية و يجب ترتيبها حسب مردودها من‬
‫المعادن النفيسة ومن هنا جاءت المفاضلة بين الزراعة و التجارة و الصناعة ‪.‬‬
‫فمن البديهي أن تأتي التجارة الدولية في قمة النشاطات التي تسهم في ثروة البلد‬
‫فهي الطريق الوحيد لزيادة رصيد الدولة من المعدن النفيس و قد اشار التجاريين‬
‫إلى أن التجارة الداخلية ال تزيد شيئا إلى الثروة ذلك أن ربح أحد الطرفين يشكل‬
‫خسارة بالنسبة للطرف اآلخر ومن ثم فال جديد يضاف مهما كان حجم الصفقة ‪.‬‬
‫اما في التجارة الدولية فما يكسبه البلد يمثل إضافة صافية لثروته حيث أن‬
‫‪7‬‬
‫الطرف الخاسر هو بلد أجنبي‪ .‬و بالمثل فإن ما يخسره البلد في التجارة الخارجية‬
‫يمثل اقتطاعا من الثروة القومية‪.‬‬
‫كما اعطى التجاريون الصناعة المرتبة الثانية من حيث األهمية بعد التجارة‬
‫الدولية فالصناعة هي أساس الصادرات التي يأتي للبلد بالمعدن النفيس‪ .‬وترتب‬
‫على ذلك أنهم كانوا ينادون بإتباع السياسات التي من شأنها دعم الصناعة‬
‫الوطنية كإعفاء المواد األولية من الضرائب الجمركية أو إخضاعها لضرائب‬
‫مخففة‪.‬‬
‫أما الزراعة فلم تحظى من التجاريين بتقدير يذكر ألن و حسب منظورهن لألمر‬
‫فإن الزراعة ال تستطيع زيادة رصيد البلد من المعادن النفيسة كما أنها عاجزة عن‬
‫تصدير كمية كبيرة من العمل الوطني إلى الخارج لذلك فقد جاءت التجارة في‬
‫ذيل أوجه النشاط اإلقتصادي التي تضيف إلى الثروة‪.‬‬
‫‪ -0‬زيادة حجم السكان‪ :‬الغاية النهائية من السياسة االقتصادية في نظر التجاريين‬
‫تنحصر في قوة الدولة اما الرفاهية الفردية فقد كانت غير ذات معنى بالنسبة لهم‬
‫فلم يكن هدف السياسة االقتصادية إشباع رغبات الفـرد و تحقيق رفاهيته و من‬
‫هنا كانت نظرتـهم للسكان‪ .‬فكلما زاد حجم السكان كانت الدولة أقوى و كان‬
‫بإمكانها إنشاء الجيوش القوية و تحمل ما يصيبها من خسائر ضد الدول‬
‫األخرى‪ .‬من ناحية أخرى فإن ازديـاد حجم السكان يؤدي إلى ازدياد اليد العاملة و‬
‫رخصها وكالهما يساعد على نمو الصناعة‪.‬‬

‫السياسات المتبعة في الفكر المركانتيلي‪.‬‬


‫إن الغاية وراء سياسة التقييد الشديد للتجارة الخارجية كانت تتمثل أساسا في‬
‫تحقيق المصلحة االقتصادية القومية‪ ،‬وهو تكوين الفائض من المعادن النفيسة‪ .‬ولذلك‬
‫أصبح تدخل الدولة ام ار حتميا حتى يتم محاربة الواردات وتقييدها من جهة والعمل‬
‫على إنعاش الصادرات وتحقيق اكبر مكسب ممكن منها من جهة اخرى‪ .‬هذه‬
‫‪8‬‬
‫السياسة كانت ترتكز أساسا على عدة سياسات انتهجها المركانتيليون لتحقيق اهدافهم‬
‫ومن اهم هذه السياسات ‪:‬‬
‫‪ -1‬سياسة احتكار الدولة للتجارة الخارجية‪ :‬من اهم األساليب الرئيسية التي ابتدعها‬
‫المركانتيليون للتحكم في التجارة الخارجية تنظيم احتكار الدولة لها( ‪state‬‬
‫‪ )monopoly of trade‬فقد قامت الدولة بمنع األجانب من التجارة في سلع‬
‫معينة او في مناطق معينة كما قامت بتنظيم و إدارة الصادرات الوطنية بطرق‬
‫مباشرة‪ .‬فلقد حرمت البرتغال مثال على أي دولة أجنبية أن تتاجر مع مستعمراتها‬
‫في الشرق و استخدمت في ذلك أسطولها البحري ‪.‬كما قامت الدولة األسبانية‬
‫بحراسة تجارتها الخارجية دائما بقوة بحرية و حددت ميناء إشبيلية وعدد محدود‬
‫من موانئ مستعمراتها األمريكية للشحن البحري كل ذلك لتتأكد من وقوع التجارة‬
‫الدولية بيدها‪.‬واحتكرت الدولة الهولندية تجارة مستعمراتها في الهند الشرقية‬
‫بالكامل و ابتدعت وسائل عدة لتنفيذ هذه السياسة من اهمها الرقابة المباشرة‬
‫وتحديد الكميات المنتجة من السلع الهامة داخل مستعمراتها‪ .‬وسنت بريطانيا‬
‫قانون القمح لتحرم به استيراد اية انواع من الغالل إال في حاالت الشح الشديد‬
‫في المحاصيل الوطنية كما سنت أيضا قوانين المالحة البحرية لتمنع بها أية‬
‫سفن أجنبية من المتاجرة في الموانئ البريطانية او فيم بينها وبين موانئ‬
‫مستعمرات التاج كما ربطت فيما بينها و بين مستعمراتها بروابط جمركية بشكل‬
‫يجعل من المستحيل أن تذهب تجارة المستعمرات الهامة إلى الدول المنافسة‪.‬‬
‫وباإلضافة إلى هدا أصدرت بريطانيا قوائم ببعض السلع الهامة التي يحرم‬
‫تصديرها من مستعمراتها و هنا نالحظ مدى أهمية الدور الذي لعبته المالحة في‬
‫تمكين الدولة من احتكار التجارة الخارجية و تنظيمها ولقد كان هذا من أحد‬
‫األسباب المباشرة وراء صدور قوانين المالحة في بريطانيا وغيرها من الدول‬
‫المركانتيلية‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫‪ -2‬سياسة االستيراد‪ :‬من الممكن تلخيص سياسة االستيراد المركانتيلية في مبدأ هام‬
‫أال وهو محاربة السلع والخدمات االجنبية ألنها تتسبب في تسرب المعدن النفيس‬
‫خارج الدولة اما األسلوب الذي أتبع لتنفيذ هذه السياسة فقد تمثل في الضرائب‬
‫الجمركية المرتفعة و المنع المباشر لبعض السلع من الدخول اما تجارة الواردات‬
‫من المستعمرات فقد كان لها وضع خاص حيث كانت البلدان االوروبية‬
‫المركانتيلية تحصل عليها بأثمان بخسة ثم تعيد تصدير جزء كبير منها في‬
‫السوق االوروبي و من ثم يتحقق لها منها فائض صافي من الذهب ‪.‬‬
‫إال أن قوانين االستيراد كانت مرنة و لينة إذا ما تعلق االمر بالمواد الخام التي ال‬
‫تتوافر عليها الدولة و الضرورية للصناعات التصديرية المهمة كونها ترفع من‬
‫قيمة الصادرات و منه فهي تدخل المعادن النفيس و تزيد في ثروة البلد‪.‬‬
‫‪ -3‬سياسة التصدير‪ :‬اما بالنسبة لسياسة التصدير فقد شجعت الصادرات من السلع‬
‫المصنوعة بكافة الوسائل الممكنة والعمل دائما على اكتساب أسواق خارجية‬
‫جديدة خاصة البلدان المكتشفة حديثا و الغنية بالمعادن النفيسة‪.‬‬
‫وحينما كانت بعض صناعات الصادرات تعجز عن مواجهة المنافسة االجنبية‬
‫في بعض االسواق فإن الدولة ال تتوانى عن مساعدتها مباشرة بمعونة مالية‪.‬‬
‫كما أن الدول المركانتيلية قد قامت بفرض ضرائب جمركية مرتفعة جدا على‬
‫بعض صادرات المواد الخام و السلع نصف المصنعة و التي تلزم للصناعات‬
‫القومية الهامة التي يدر تصدير منتجاتها مكاسب كبيرة من المعدن النفيس‪.‬‬
‫وهكذا تمكنت الدول من حماية صناعاتها القومية الهامة من مواجهة أية مشاكل‬
‫قد تنشأ في سبيل الحصول على مستلزمات إنتاجها‪ .‬وهكذا ساهمت الدول‬
‫المركانتيلية في تقوية المركز التنافسي لصناعاتها القومية في االسواق الخارجية‬
‫ومن ثم ازدادت قدرتها على اكتساب المعدن النفيس و استطاعت ان توجه كل‬
‫طاقاتها االقتصادية نحو تصدير المنتجات و تحقيق الفائض المنشود في الميزان‬
‫التجاري و تعزيز ثروتها من المعادن النفيسة‪.‬‬
‫‪10‬‬
‫‪ -4‬سياسة األجور المنخفضة لقد تنبه المركانتيليون إلى أهمية تخفيض نفقة اإلنتاج‬
‫للصادرات من السلع المصنوعة لهذا دعوا إلى سياسة الألجور المنخفضة ألنها‬
‫تساهم في بقاء نفقات اإلنتاج منخفضة‪.‬ولكن باإلضافة إلى ذلك اعتقدوا ان‬
‫االجور المنخفضة من شأنها ان تشجع العمال على بذل جهد اكبر لمضاعفة‬
‫اجرهم ومن ثم يزداد اإلنتاج المخصص للتصدير‪.‬كما انهم اعتقدوا أن االجور‬
‫المرتفعة تذهب بأكملها إلشباع الحاجات االستهالكية للطبقة العاملة و من ثم‬
‫فإن ارتفاع االجور يعني زيادة االستهالك ‪.‬‬
‫‪ -0‬سلبيات المذهب المركانتيلي‪ :‬سيطر المذهب التجاري على الممارسات‬
‫االقتصادية األوروبية خالل القرن ‪ 16‬وكانت مظاهره تتجلى في كل أوجه الحياة‬
‫و إنعكساته على الشعوب كانت واضحة حيث أن مبدأ تحصيل المعادن النفيسة‬
‫وزيادتها قد أدى إلى ارتفاع األسعار بطريقة غير مسبوقة ولم يتوافق ذلك مع‬
‫مصالح األفراد الذين أهملهم المذهب وخص عنايته الكاملة للدولة أو المملكة كما‬
‫أن مبدأ تخفيض األجور يعد مبدأ ظالمة حيث يستعبد العمال وال يأبه لوضعهم‬
‫االجتماعي ومن جهة أخرى فإن السياسات المنتهجة للتجاريين كانت تؤدي إلى‬
‫عكس النتائج االقتصادية المنطقية بقولهم أن زيادة المعدن تزيد الثروة وتزيد‬
‫اإلنتاج ومن ثم فهناك زيادة أكبر في معدالت التصدير وتحقيق ميزان تجاري‬
‫موافق إال أن هذه الزيادة في المعادن في الحقيقة قد أتت بزيادة في األسعار وهذا‬
‫ما يقوض من عملية التصنيع والتصدير‪ ،‬أما ما يترتب على زيادة عدد السكان‬
‫من احتمال الضغط على المواد الغذائية و انخفاض مستوى معيشة الفرد فقد‬
‫كانت بعيدة كل البعد عن أدهان التجاريين ويمكن تلخيص عيوب المذهب‬
‫المركانتيلي في‪:‬‬
‫أ‪ -‬إهمال الفرد و إهمال رفاهيته‬
‫ب‪ -‬تعطيل سير التجارة الدولية بالتدخالت الدائمة للدولة‬
‫ت‪ -‬عدم اإلمكان المحافظة على ميزان تجاري موافق دائم‬
‫‪11‬‬
‫ث‪ -‬استعمال بشع لموارد الشعوب المستعمرة وتقوية النزعة االستعمارية‬
‫ج‪ -‬ارتفاع في األسعار‬
‫ح‪ -‬إهمال الزراعة والتجارة الداخلية‬
‫خ‪ -‬التشجيع على زيادة السكان دون مراعاة ما يترتب عن ذلك ‪.‬‬

‫النقد الموجه للمركانتيلية وبداية زوالها‬


‫هاجم دفيد هيوم السياسة التجارية المركانتيلية على أساس التناقض المنطقي في‬
‫أركانها وخالصة مناقشته هي أن تكوين الفائض في الميزان التجاري والمحافظة عليه‬
‫بصفة مستمرة ال يمكن أن يؤدي إلى زيادة القدرة على تنميته بل على العكس ‪ .‬البد‬
‫أن يؤدي إلى تدهوره ‪ ،‬فزيادة كمية المعادن النفيسة داخل االقتصاد زيادة كبيرة نتيجة‬
‫اإلصرار على تكوين فائض مستمر في الميزان التجاري يعمل على رفع مستويات‬
‫األسعار في النهاية وفي رأي هيوم ‪ .‬أن هذا في حد ذاته يضعف من القدرة على‬
‫التصدير ومن ثم يؤدي إلى تدهور الفائض بدال من زيادته كما اعتبر آدم سميث أن‬
‫السياسة التجارية المركانتيلية سياسة ساذجة ال تقوم بتحليل األوضاع االقتصادية‬
‫تحليال عميقا وتكتفي بإعطاء القواعد التي كان بعضها مناف للمنطق ويمكن تصوره‬
‫كتحليل فلسفي نظري أكثر منه تحليل اقتصادي مبني على حقائق ومشاهدات‬
‫واقعية‪ .‬وقد بين المذهب ذلك في كتابه ثروة األمم ”‪ .‬ومن هنا بدأ المركانتيلي في‬
‫التراجع واالضمحالل فكريا من جهة أخرى أدت التطورات التكنولوجية كاكتشاف‬
‫المحرك البخاري إلى تحول كبار التجار إلى مستثمرين صناعيين ينبذون تدخل‬
‫الدولة في شؤون االقتصاد والتقييد الصارم للصادرات و الواردات وتحولوا شيئا فشيئا‬
‫إلى سلطة تضاهي سلطة الملك ومن ثم فقد أخذ الفكر التجاري في االضمحالل‬
‫وكانت انجلت ار بالذات التي تعتبر مهده هي أيضا لحده‪ ،‬ذلك أن ظهور فلسفات‬
‫جديدة على يد هيوم‪ -‬وجون جاك روسو و مونتسكيو تنظر نظرة ارتياب إلى تدخل‬
‫الدولة وترفض فكرة الحق اإللهي للملوك وتكافح من أجل الحرية الفردية والمساواة قد‬
‫‪12‬‬
‫دق آخر مسمار في نعش المركانتيلية و بعض األفكار وطورت إلى مذهب جديد‬
‫بينما أخذ منها بعض األفكار وطورت إلى مذهب جديد سماه أصحابه الطبيعية أو‬
‫الفيزيوقراطية ‪.‬‬

‫خــــاتمـة‬
‫النظام المركانتيلي التجاري ” ‪ ” Marcuntilism‬هو نظام اقتصادي نشأ في‬
‫أوروبا لتعزيز ثروة الدولة وزيادة ملكيتها من المعدنين النفيسين عن طريق التنظيم‬
‫الحكومي الصارم لكامل االقتصاد والتوجه التام للتجارة الخارجية والدولية ‪.‬‬
‫لقد ساهمت المركانتيلية في تطور الفكر اإلقتصادي في العالم وقدمت مبادئ‬
‫طورت فيما بعد وقامت عليها قواعد ونظريات اقتصادية بل أن المركانتيلية هي اللبنة‬
‫األولى في بناء التفكير اإلقتصادي الرأسمالي الحديث ‪.‬‬
‫لكن هذا المذهب كان مذهبا استغالليا وأعطى للحكومة الصالحيات ألن تفرض‬
‫قيودا على الشعب وأن تستغله شر استغالل لتحقيق منفعتها ومنفعة كبار التجار‬
‫وأدت السياسات التي أتبعتها إلى استعمار بلدان كاملة وتجريدها من مواردها بالقوة‬
‫واستعباد شعوبها ‪.‬‬
‫إن المذهب التجاري تولد نتيجة ظروف معينة وتطور بحسبها ولكنه لم يستطع‬
‫مواكبة تطور الشعوب ووعيها بمدى أهمية رفاهية الفرد ومدى أهمية حرية التجارة‬
‫فتالشى ليترك مكانا لتصورات اقتصادية جاءت لتوافق تطور الشعوب ‪.‬‬

‫‪13‬‬
‫المحاضرة رقم ‪70‬‬

‫المدرسة الماركسية (االشتراكية)‬


‫تقديم‪ :‬ظهرت الماركسية كمذهب و تيار فكري في النصف الثاني من القرن التاسع‬
‫عشر في أوربا‪ ،‬و سميت كذلك نسبة لمؤسسها كارل ماركس‪ ،‬حيث استوحى نظريته من‬
‫التراث الفكري آنذاك والذي عاصر فيه الفلسفة الكالسيكية األلمانية‪ ،‬االقتصاد السياسي‬
‫الكالسيكي االنجليزي و االشتراكية الفرنسية‪ ،‬حيث كانت نظريته مادية بحتة بعيدة عن‬
‫الميتافيزيقة و المثالية تدور حول ملكية األفراد لوسائل اإلنتاج و التي تملكها الطبقة‬
‫الرأسمالية و طبقة البروليتاريا الكادحة و تطور المجتمع من طبقة إلى أخرى حيث ال يت هذا‬
‫التحول إال بوجود الصراع بين هذه الطبقات كما وضع قوانين جدلية و تاريخية و اتخذها‬
‫كمنهج لنظريته‪ ،‬حيث كان يطمح إلى قيا مجتمع شيوعي إال أن هذا الطموح اصطد بواقع‬
‫الرأسمالية المتعصب و ل تضمحل الرأسمالية لتحل محلها االشتراكية و من ث الشيوعية‪،‬‬
‫هذا ما أدى ببعض المفكرين لنقد نظريته و نعتها بالناقصة‪ ،‬ليأتي من بعده تالمذته و‬
‫مفكرين معجبين بنظريته و اتبعوا خطاه و درسوا الواقع المعاش بتطبيق النظرية الماركسية‬
‫الكالسيكية عليه فوجدوها تحوي على نقائص‪ ،‬مما اضطره إلى تحديث النظرية التقليدية و‬
‫اكتشاف طبقة وسطى في المجتمع و إضافة بعض المفاهي التي كانت غائبة عن كارل‬
‫ماركس مع حفاظه على األساس و لب النظرية الكالسيكسة‪.‬‬
‫مفهوم الماركسية الكالسيكية‬
‫نبذة عن حياة كارل ماركس‪ :‬ولد كارل ماركس سنة ‪ 8181‬في بروسيا من عائلة‬
‫يهودية ومثقفة وميسورة الحال‪ ،‬درس الحقوق في جامعة بون ث جامعة برلين و اهت بالفلسفة‬
‫و التاريخ‪ ،‬لقد كان ماكس فيلسوفا ومفك ار مادياً‪ ،‬وألف مع زميله فردريك انلغز‪ ،‬مجموعة من‬
‫الكتب شرحا فيها أفكارهما و يعدان أول المؤسسين للشيوعية الحديثة التي بدأت من ألمانيا‬
‫في النصف الثاني من القرن التاسع عشر‪ ،‬ث تابعها في نفس االتجاه لينين وغيره من مفكري‬
‫المادية أو الماركسية أو الشيوعية الحديثة في القرن العشرين‪ ،‬وهو صاحب مقولة الدين هو‬
‫أفيون الشعوب ألن الدين ال يشجع الفكر الحر الذي ينتج بل يبقيه كالمخدرين دون طموح‬
‫للتقد والتغيير و من أه أعمال كارل ماركس‪:‬‬
‫‪1‬‬
‫‪ -8‬البيان الشيوعي‪ :‬في عا ‪ 8148‬ماركس كان قد أجبر على مغادرة فرنسا بسبب‬
‫نشاطاته الثورية وكان قد استقر في بروكسل ولحقته زوجته وأطفالها إلى هناك‬
‫وساعده صديقه انغلس الذي كان أبوه برجوازيا على شراء منزل والذي تحول فيما‬
‫بعد إلى مركز لإلتصال واالجتماع بالشبكات العمالية الثورية‪.‬‬
‫‪ -2‬عصبة الشيوعيين‪ :‬في عا ‪ 8141‬اجتمع الشيوعيون ليؤسسوا عصبته وفوض‬
‫ماركس وانجلز ليشكلوا مبادىء هذه العصبة وبرنامجها المتبع وكان هذا البرنامج‬
‫قد عرف فيما بعد ب بيان الشيوعية حيث وضع فيه ماركس جوهر أفكاره وأسس‬
‫العمل على تحقيقها‪ ،‬وكانت عصبة الشيوعيون قد قامت على أنقاض جماعة رابطة‬
‫العادلين في فرنسا والتي كانت ال تؤمن بضرورة الثورة واالستيالء على السلطة‬
‫وكان شعارها‪ :‬الناس كله أخوة طبعا أقنع ماركس أعضائها بأنه يحلمون بعال‬
‫وردي واستبدل الشعار إلى أن صار يا عمال العال اتحدوا ‪.‬‬
‫البيان الشيوعي كان يمهد لعقيدة االشتراكية العلمية ويجسد المادية التاريخية بعيدا‬
‫عن الكنيسة أو الدين باعتقاد ماركس‬
‫‪ -3‬رأس المال‪ :‬جمعت مؤلفات كارل ماركس في مجلد رأس المال‪ ،‬حيث ربط تكون‬
‫رأس المال بالقيمة المضافة الناتجة عن عالقات اإلنتاج ول يجعله يقتصر على‬
‫حالة تراكمية جامدة ‪.‬‬
‫‪ -4‬العائلة المقدسة عا ‪8148‬‬
‫‪ -8‬اإليديولوجية األلمانية عا ‪8141‬‬
‫عوامل ظهور الماركسية الكالسيكية‪:‬‬
‫يمكننا القول بأن الظروف التي أعانت كارل ماركس على وضع نظريته كانت ظروفاً‬
‫سياسية‪ ،‬واقتصادية‪ ،‬واجتماعية‪ ،‬وفكرية‪ ،‬سادت في عصره وعاشها في بداية حياته مثل‪:‬‬
‫التناقضات التي جاء بها تطور النظا الرأسمالي في أوروبا خالل القرن التاسع عشر‬ ‫‪-‬‬
‫بين طبقة المالك الرأسماليين وطبقة العمال الكادحين‪.‬‬
‫التطور الكبير الذي قطعه عل الطبيعة خالل القرن التاسع عشر‪ ،‬فقد كف هذا العل‬ ‫‪-‬‬
‫(الطبيعة) عن دراسة األشياء والوقائع منفصلة عن بعضها البعض‪ ،‬وتحول إلى عل‬
‫نظري يسعى إلى تفسير هذه الوقائع‪ ،‬وايضاح الصلة بينها على أساس ديالكتيكي ‪ ،‬وقد‬

‫‪2‬‬
‫ساعدت النظريات واالكتشافات الكبرى في عل الطبيعة إبان القرن التاسع عشر على‬
‫تشكيل النظرة المادية الجدلية إلى الطبيعية‪ ،‬كاكتشاف بقاء الطاقة وتحولها‪ ،‬ونظرية‬
‫تركيب الكائنات الحية من خاليا‪ ،‬ونظرية داروين التطورية‬
‫‪ -‬الفقر المذقع و االوضاع المزرية التي كان يعيشها عامة الناس ماعدا قلة منه‬
‫‪ -‬االضطهاد الكنسي الذي كان يمارس شتى الضغوط على المجتمع األوروبي‬
‫نظرية كارل ماركس حول الصراع الطبقي‪:‬‬
‫يعد كارل ماركس مؤسس اتجاه الصراع الذي هو أحد االتجاهات األساسية في النظرية‬
‫االجتماعية‪ ،‬و السبب في هذا الصراع هو صراع قائ على المصالح بين الطبقات‬
‫االجتماعية حيث التي اعتبرها ماركس تناقضات داخلية تظهر في المجتمع و تنسج أساسا‬
‫من تأثير عالقات اإلنتاج على حياة الناس و التي تؤثر على طريقة تفاعلها‪ ،‬فالطبقات‬
‫المالكة لوسائل اإلنتاج تكون قادرة على استغالل الطبقات األخرى لصالحها و من جهة‬
‫أخرى أن الطبقات التي يقع على كاهلها نتائج االستغالل مهتمة بإحداث تغييرات أساسية في‬
‫هذا النظا ‪ ،‬لتضح حدا الستغالله إذا أصبح لدى تلك الطبقات وعي كافي تصبح الثورة ال‬
‫مفر منها و من نتائج هذه الثورة المزيد من التقد التكنولوجي الذي ل يكن من قبل‪.‬‬
‫يعتقد ماركس أن التطور التاريخي للجماعات البشرية ساه بشكل فعال في تطور الملكية و‬
‫قد حدد لهذه الملكية عدة أنواع فقد تكون الملكية في ظل‪:‬‬
‫النظا البدائي‪ :‬تكون عالقات اإلنتاج ال تعترف بسيد أو عبد و أن وسائل اإلنتاج مملوكة‬
‫جماعيا‪ ،‬وهذا ينسج بصورة رئيسية مع طابع قوى اإلنتاج في تلك الفترة‪ .‬إن العمل سوية‬
‫أدى إلى الملكية العامة لوسائل اإلنتاج وكذلك لثمار اإلنتاج‪ ،‬هنا ل توجد بعد فكرة الملكية‬
‫الخاصة لوسائل اإلنتاج‪ ،‬فيما عدا الملكية الشخصية لبعض أدوات اإلنتاج التي كانت في‬
‫الوقت ذاته وسائل للدفاع ضد الحيوانات المفترسة‪ ،‬هنا ل يكن ثمة استغالل وال طبقات‪.‬‬
‫النظا العبودي‪ :‬ففي هذا النظا مالك العبيد يملك وسائل اإلنتاج؛ هو كذلك يمتلك العامل‬
‫في اإلنتاج العبد الذي يستطيع بيعه أو شراءه أو قتله كما لو كان حيوانا‪ ،‬إن عالقات اإلنتاج‬
‫هذه تنسج ب صورة رئيسية مع حالة قوى اإلنتاج في تلك الفترة فبدال من األدوات الحجرية‬
‫أصبح تحت تصرف اإلنسان اآلن أدوات معدنية؛ وبدال من صورة الصيد البدائية التي ل‬
‫يكن تعرف الرعي وال الحرث‪ ،‬ظهر اآلن الرعي والحرث و وتوزيع العمل بين فروع اإلنتاج‬

‫‪3‬‬
‫هذه حيث تظهر هنا إمكانية تبادل المنتجات بين األفراد وبين الجماعات‪ ،‬إمكانية تراك‬
‫الثروة في أيدي القالئل من الناس بامتالكها لوسائل اإلّنتاج‪ ،‬وامكانية إخضاع األقلية‬
‫عبيد‪ ،‬حيث يغيب هنا العمل العا الحر ألعضاء المجتمع في عملية‬
‫لألغلبية وتحويلها إلى ّ‬
‫اإلنتاج فال توجد ملكية عامة لوسائل اإلنتاج أو لثمار اإلنتاج و حلت محلها الملكية‬
‫الخاصة‪ ،‬هنا يبدو مالك العبيد مالك الثروة الرئيسي واألساسي بكل ما في العبارة من معنى‪،‬‬
‫فثمة الغني والفقير‪ ،‬المستغل والمستغل‪ ،‬أناس له كامل الحقوق وأناس ال حقوق له ‪،‬‬
‫وصراع طبقي ضار بينه هذه هي صورة النظا العبودي‪.‬‬
‫النظا اإلقطاعي‪ :‬إن أساس عالقات اإلنتاج في هذا هي أن السيد اإلقطاعي يمتلك وسائل‬
‫اإلنتاج ولكنه ال يمتلك عامل اإلنتاج العبد امتالكا تاما‪ ،‬ل يعد السيد اإلقطاعي يستطيع قتل‬
‫العبد ولكنه يستطيع شراءه أو بيعه‪ ،‬إلى جانب الملكية اإلقطاعية ثمة ملكية فردية يمتلك فيها‬
‫الفالح والحرفي أدوات إنتاجه ومشروعه الخاص القائ على أساس عمله الشخصي‪ ،‬إن‬
‫عالقات اإلنتاج هذه تنسج بالدرجة الرئيسية مع حالة قوى اإلنتاج في تلك الحقبة تحسينات‬
‫أخرى في صهر الحديد والعمل به‪ ،‬انتشار المحراث الحديدي والمغزل‪ ،‬مزيد من التطور في‬
‫الزراعة و البستنة وزراعة الكرو ‪ ،‬وصناعة األلبان‪ ،‬ظهور الو رشات الحرفية‪ ،‬حيث تتطلب‬
‫قوى اإلنتاج الجديدة إن يبدي الكادح ميال للعمل واهتماما بالعمل‪ ،‬و هنا تطورت الملكية‬
‫الخاصة تطو ار إضافيا واالستغالل ما زال كما كان في ظل العبودية تقريبا لكن لقد جرى‬
‫تلطيفه بعض الشيء‪ ،‬و الصراع الطبقي بين المستغلين و المستغلين هو الصفة الرئيسية‬
‫للنظا اإلقطاعي‪.‬‬
‫النظا الرأسمالي‪ :‬إن المعال الرئيسية لعالقات اإلنتاج تكمن في أن الرأسمالي يمتلك وسائل‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وال يمتلك العمال في اإلنتاج بل له أجور الذين و ال يستطيع قتله وال بيعه ألنه‬
‫أحرار‪ ،‬ولكنه محرومون من وسائل اإلنتاج‪ ،‬ولكي ال يموتون جوعا ه مضطرون إلى بيع‬
‫قوة عمله إلى الرأسمالي وان يرزحوا تحت نير االستغالل‪ ،‬إلى جانب الملكية الرأسمالية‬
‫لوسائل اإلنتاج نجد أوال نطاقا واسعا من الملكية الخاصة للفالحين وأصحاب الحرف في‬
‫ملكية وسائل اإلنتاج‪ ،‬وهؤالء الفالحون وأصحاب الحرف ل يعودوا اقنانا‪ ،‬وتقو ملكيته‬
‫الخاصة على أساس كدحه الشخصي‪ ،‬وبدال من الو رشات الحرفية تظهر معامل ومصانع‬

‫‪4‬‬
‫مجهزة بالماكينات‪ .‬و بدال من القطع الزراعية للفالح المزروعة بأدوات إنتاج بدائية‪ ،‬تظهر‬
‫األن مزارع رأسمالية واسعة تدار بطرق علمية ومزودة بالماكينات الزراعية‪.‬‬
‫وهذا يعني إن عالقات اإلنتاج الرأسمالية توقفت عن االنسجا مع حالة قوى إنتاج المجتمع‬
‫وأصبحت في تناقض متعارض معها و أن الصفة األساسية للنظا الرأسمالي هي أشد أشكال‬
‫الصراع الطبقي حدة بين المستغلين وموضوع االستغالل‪.‬‬
‫النظا االشتراكي‪ :‬أن أساس عالقات اإلنتاج هو الملكية االشتراكية لوسائل اإلنتاج‪ ،‬هنا ال‬
‫يوجد مستغلون ومستغلون بعد اآلن توزع البضائع المنتجة وفقا للعمل المنجز وفقا لمبدأ "من‬
‫ال يعمل ال يأكل" ‪ ،‬هنا تتميز العالقات المتبادلة بين الناس وعملية اإلنتاج بالتعاون الجماعي‬
‫والمساعدة االشت اركية لعمال تحرروا من االستغالل و هنا تنسج عالقات اإلنتاج انسجاما‬
‫تاما مع حالة القوى المنتجة الن الطابع االجتماعي لعملية اإلنتاج يتعزز بالملكية االجتماعية‬
‫لوسائل اإلنتاج‪.‬‬
‫و من خالل ما رأينا من نماذج في انتقال الملكية فقد توصل كارل ماركس إلى أن المجتمع‬
‫ينقس إلى طبقتين األولى رأسمالية مالكة لوسائل اإلنتاج و الثانية تتمثل في طبقة البروليتاريا‬
‫الكادحة هذه األخيرة التي من شأنها القيا بالثورة ضد الطبقة األولى لتستعيد مكانتها في‬
‫المجتمع‪.‬‬
‫مبادئ النظرية الماركسية‪ :‬و تقو النظرية الماركسية على عدة مبادئ أهمها‪:‬‬
‫‪ -8‬أنها تعبير عن صراع طبقي ومصالح مادية‬
‫‪ -2‬المه ليس فه العال بل العمل على تغييره‬
‫‪ -3‬المادة توجه العال وتفسر التاريخ‬
‫‪ -4‬التاريخ عند الماركسية عبارة عن صراع بين الطبقات نتيجة عوامل اقتصادية‬
‫‪ -8‬االقتصاد وعالقات اإلنتاج هما أساس كل ظاهرة اجتماعية‬
‫‪ -1‬الدعوة لتغير العال لصالح الكادحين (البروليتاريا)‪ ،‬مع رفض قاطع للميتافيزيقا‬
‫‪ -1‬تفسير األحداث والتاريخ بناء على نظا الملكية‬
‫‪ -1‬محاربة األديان واعتبارها وسيلة لتخدير الشعوب‪ ،‬وخادماً للرأسمالية واإلمبريالية‬
‫‪ -9‬اإليمان بأزلية المادة وأن العوامل االقتصادية هي المحرك األول لألفراد والجماعات‬
‫‪ -81‬األخالق نسبية وهي انعكاس آللة اإلنتاج‬

‫‪5‬‬
‫‪ -88‬القضاء على االستغالل الفردي وسحق الفرد‬
‫تفسير ماركس للمادية‪ :‬حيث قا تحليل ماركس على أساس الظروف المادية بعيدا عن‬
‫القوى الروحية و من ث من أسس نظريته االجتماعية على‪:‬‬
‫‪ -8‬المادية الجدلية أو الديالكتيكية‪ :‬هي تلك النظرية التي تقرر بأن المادة هي كل الوجود‪،‬‬
‫وان مظاهر الوجود على اختالفها ما هي إال نتيجة تطور متصل للقوى المادية ‪،‬وان ما‬
‫هو عقلي يتطور عما هو مادي والبد أن يفسر على أساس طبيعي‪،‬‬
‫أول من وضع مبادئ المادية الجدلية‪ ،‬هو الفيلسوف األلماني الجنسية كارل ماركس‬
‫الذي أسسها مع صديق عمره فردريك انجلز ‪ ،8198 -8121‬ولكن الذي دعى إليها‬
‫ونشرها هو لينين ‪ ،8934 -8111‬ويطلق على هذه الفلسفة اس المادية الجدلية‪ ،‬لقد‬
‫تأثر ماركس بالفلسفة األلمانية المادية التي كانت سائدة في عصره‪ ،‬فأخذ عن (هيجل)‬
‫الجدل حيث يكمن محور الديالكتيك الهيجلي في أن المتناقضات تنشأ في العقل‬
‫الجمعي أوال ث تنعكس على أرض الواقع لكن هذه الجدلية ل تعجب ماركس و انجلز‪،‬‬
‫و قال بأن المذهب الهيجلي يمشي على رأسه و ال بد أن يعاد إلى توازنه و يمشي‬
‫على قد ميه و أخذ ماركس وانجلز من الديالكتيك الهيجلي نواته المعقولة نابذين قشرته‬
‫المثالية وطوراها ابعد من ذلك لكي يضفوا عليها شكال علميا ‪.‬‬
‫وتقو المادية الجدلية عند كارل ماركس على قوانين ثالثة و هي كالتالي ‪:‬‬
‫‪ -‬قانون وحدة األضداد وصراعها‪ :‬كل شيء طبيعي وكل ظاهرة تشتمل على طرفي‬
‫تضاد‪ ،‬وال يمكن أن يظل هذان الطرفان في سال فمن المحت ان يتولد الصراع بينهما‬
‫وهذا الصراع بينهما ال يقضي على وحدة الشيء أو الظاهرة‪ ،‬بل يقضي إلى تغلب‬
‫الطرف المعبر عن التقد على الطرف اآلخر فيحدث التحول‪ ،‬وهذا هو السبيل الى‬
‫التطور‪ ،‬ويرى ماركس أننا نجد التضاد في الشيء الواحد‪ :‬الحار والبارد‪ ،‬والصالبة‬
‫والليونة‪ ،‬والحياة والموت‪ ،‬واألنانية و الغيرية ‪.‬‬
‫وأن التحول يحدث حينما يتغلب طرف على اآلخر دون القضاء على وحدة الشيء‪،‬‬
‫وبالتطبيق على الواقع السياسي نجد أن المجتمع الرأسمالي يشمل على البروليتاريا‬
‫والبرجوازية‪ ،‬وكل طبقة منها تفترض وجود الطبقة األخرى على الرغ من تضادهما‪ ،‬إذ‬
‫أنهما سيؤلفان وحدة النظا الرأسمالي ‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫‪ -‬قانون االنتقال من التغير الكمي على التغير الكيفي‪ :‬يوضح هذا القانون كيف يسير‬
‫التطور‪ ،‬فالتغير الكمي يحدث من ناحية المقدار أما التغير الكيفي فيحدث من التحول‬
‫في الكيف أو الصفات‪ ،‬ويرى ماركس انه عندما تتراك التغيرات الكمية و تتزايد‪ ،‬فإن‬
‫التغير الكيفي ال يلبث أن يت ‪ ،‬كما يرى انه إذا اختفت الملكية الرأسمالية وهي الكيفية‬
‫األساسية للنظا الرأسمال وحلت محلها الملكية االشتراكية‪ ،‬فإن نظاما جديداً يحل محل‬
‫النظا الرأسما لي وهو النظا االشتراكي‪ ،‬وبينما يحدث التغير من الرأسمالية إلى‬
‫االشتراكية فجأة أي باالنقالب الثوري المباغت‪ ،‬نجد أن االنتقال من االشتراكية إلى‬
‫الشيوعية ال يت فجأة بل بالتغيير المستمر البطيء ‪.‬‬
‫‪ -‬قانون نفي النفي‪ :‬وهذا القانون يكشف عن االتجاه العا للتطور في العال المادي‪،‬‬
‫فتاريخ المجتمع اإلنساني يتألف من حلقات نفي النظ الجديدة للنظ القديمة‪ ،‬فقد قضى‬
‫مجتمع الرقيق على المشاعية البدائية‪ ،‬وقضى مجتمع اإلقطاع على مجتمع الرقيق‪،‬‬
‫وقضت الرأسمالية على مجتمع اإلقطاع ث قضى المجتمع االشتراكي على مجتمع‬
‫الرأسمالية‪ .‬وكل نظا ي شتمل في نفسه على مبادئ كامنه في ذاته تكون هي البيت في‬
‫القضاء عليه؛ فالمجتمع الرأسمالي يحوي في ذاته على مبادئ وال يعني السلب أو‬
‫الجديد ينسج القدي كله بل الواقع انه يستبقي من القدي أفضل ما فيه فيدمجه في‬
‫الجديد ويرفعه إلى أعلى‪.‬‬
‫إن المادية الجدلية‪ ،‬ال تناقش األمور الغيبية‪ ،‬ألنها ال تؤمن إال بالمادة المحسوسة‪،‬‬
‫وترى المادية الجدلية أن كل ما في الوجود يضمن عناصر متناقضة‪ ،‬و متصارعة‪،‬‬
‫وان التصارع بين النقيضين (الشيء وضده) ينشأ عنه شيء أرقى مرتبة منه‪ ،‬وهذا ما‬
‫يوضح طبيعة التطور ويجعل منه تقدماً وهو ما يعرف بقانون نفي النفي ‪.‬‬
‫‪ -2‬الماديـة التاريخيــة ‪ :‬هي امتداد و نتاج تطبيق المنطق جدلي على التطور التاريخي‬
‫للمجتمع ‪ ،‬و هي عل يفسر لنا كيفية تطور القوانين االجتماعية وكذا نظرية‬
‫سوسيولوجية ‪ ،‬استخدمها ماركس في دراسة المجتمع لتحليل جوانبه المادية و قضية‬
‫اإلنتاج االقتصادي و هو أساس دراسته‪ ،‬و مغزاها أن المادة أو الوجود هما أصل‬
‫ظهورالوعي أو الفكر‪ ،‬و التي اتخذ منها ماركس محو ار لنظريته‪ ،‬حيث هي إيديولوجية‬
‫واضحة المعال يمكننا معرفة األساس المادي و االقتصادي للعال و هي في تطور‬

‫‪7‬‬
‫مستمر على أساس جدلي‪ ،‬فهي العال الذي يبحث عن القوانين العامة و القوى الدافعة‬
‫لتطور المجتمع اإلنساني بصورة عامة دراسة تاريخ المجتمعات و الشعوب و تاريخ تغير‬
‫و تطور النظ االقتصادية و االجتماعية‪ ،‬و أيضا تدرس قوانين الحياة المعاصرة سواء‬
‫كانت رأسمالية أو اشتراكية ‪.‬‬
‫ففي رأي ماركس أن المجتمع ناتج من حركة المادة التي تشكل الطبيعة و خاصة‬
‫أشكالها الطبيعية‪ ،‬حيث يقول أن سلف المجتمع البشري هو قطيع حيواني ينمو و يقو‬
‫على أساس الطعا و الجنس و تحوله البيولوجي إلى مجتمع بشري كان نتاج تأثير‬
‫مباشر للعمل و النشاط المزود باألدوات و لتحقيق هدف محدد كان ال بد خلق أدوات‬
‫ضرورية بالعمل على تطوير أشياء طبيعية و كان المجتمع البشري نتاج سعي اإلنسان‬
‫إلى تغير صفاته من جهة و من جهة و كذا األدوات التي يؤثر بها في الطبيعة‪،‬‬
‫فظهرت هناك روابط في العمل‪ ،‬فتفاعل الطبيعة و المجتمع شرط ضروري لقيا المجتمع‬
‫بوظائفه و تطوره و من ث تؤثر الطبيعة في المجتمع يؤثر هو عليها حسب آليات‬
‫محددة‪.‬‬
‫حسب الدراسة التاريخية لماركس رأى أن اإلنتاج المادي هو أساس وجود المجتمع فكل‬
‫من الرؤى السياسية‪ ،‬األخالقية‪ ،‬التشريعية و الدينية تقو على أساس اإلنتاج و هو‬
‫األساس االقتصادي للمجتمع و هذا األخير يقو على طبقات تعكسها المصالح‬
‫المت ضاربة و التي تقو على العداء و من ث قد وجود المادة على الوعي و بنى عل‬
‫االجتماع قاعدتين هما‪:‬‬
‫الوجود االجتماعي‪ :‬و يتمثل في الظواهر المادية في المجتمع ‪ :‬نشاط‪ ،‬إنتاج‪ ،‬عمل‪،‬‬
‫استغالل و تأثير الطبيعة‪.‬‬
‫الوعي االجتماعي‪ :‬و هو مجموعة الظاهرة الروحية من أفكار‪ ،‬نظريات‪ ،‬مشاعر‪ ،‬تقاليد‬
‫و أعراف و التي تعكس الوجود االجتماعي للناس في مجتمع ما‪.‬‬
‫و أن جوهر المادية التاريخية يعود إلى البناء الفوقي للمجتمع الذي هو ناتج البناء‬
‫التحتي للمجتمع‪ ،‬حيث أن هذا األخير هو مجموع عالقات المجتمع االقتصادية ‪ ،‬و‬
‫البناء الفوقي هو القوانين واألخالق والسياسات العامة ‪ ،‬و تعتبر الماركسية أن البناء‬
‫الفوقي للمجتمع يعكس بنائه التحتي ‪ ،‬فمثال في المجتمع الرأسمالي تتولد دولة تخد‬

‫‪8‬‬
‫المصالح الرأسمالية وأحزاب ال تتناقض مع الرأسمالية و تسن القوانين بما يخد‬
‫الرأسمالية‪.‬‬
‫التحليل االقتصادي للمدرسة الماركسية‪:‬‬
‫ان استناد ماركس على الواقع االقتصادي في مرحلة تحليله اكسبه مجاال واسعا‬
‫العطاء العال رؤية جديدة تستحق العمل بها والخروج من االزمات المتتالية للرأسمالية‪ ،‬وفي‬
‫نظر ماركس أن الرأسمالية تواجه صراعا طبقيا وتناقضات تؤدي بها للفناء واستبدالها‬
‫باالشتراكية حيث تسيطر الطبقة العاملة البلوريتارية ويتغير الحك وملكية االرض للدولة ويت‬
‫التخطيط لالنتاج والتوزيع والغاء السوق الحرة‪ ،‬كما استند ماركس في تحليله الى الفلسفة‬
‫المادية التي تعرف بالدياليكتية ليفسر به تطور التاريخ‪ ،‬وهو يرى ان الصراع بين القوتين‬
‫متضادتين امر حتمي‪ ،‬ومع الت صاد تنتهي مرحلة من التاريخ لتبدأ مرحلة جديدة تخلق معها‬
‫قوة جديدة مضادة لها وهكذا تتكرر نفس الظروف ليتواصل الصدا والتجديد‪.‬‬
‫ومن هنا نخلص الى ان االشتراكية في نظر ماركس هي نظا اقتصادي جماعي يتميز‬
‫بالملكية الجماعية لوسائل االنتاج بما في ذلك من تخطيط شامل يهدف الى تلبية حاجات‬
‫االنسان ‪ ،‬وللقضاء على الصراع الطبقي تبنت التحليل االقتصادي في النظريات التالية‪:‬‬
‫‪ -8‬نظرية قيمة العمل وفائض القيمة‪ :‬تتحدد قيمة أي سلعة بعدد ساعات العمل المبذولة في‬
‫صنعها‪ ،‬فالعامل يبيع قوة عمله ويشتريها منه الرأسمالي طبقا لنظرية القيمة‪ ،‬ويرى‬
‫ماركس أن الرأسمالي عندما يشتري من العامل قوته العاملة فإنه بتشغيل هذه القوة عددا‬
‫من الساعات اكبر من الساعات التي دفع قيمتها ي المرحلة االولى وهنا يكمن الفرق‬
‫المتمثل في فائض القيمة الذي يحصل عليه الرأسمالي وعليه فإن الفرق بين الحد االدني‬
‫والالز لبقاء العامل على قيد الحياة وبين قدرة العامل االنتاجية الفعلية يظهر على شكل‬
‫فائض القيمة‪.‬‬
‫‪ -2‬قانون تارك ارس المال‪ :‬يشرح ماركس عملية التارك بأنها تت من خالل حصص الدخول‬
‫التي يحصل عليها مالك وسائل االنتاج‪ ،‬على ان الرأسماليين يقومون باستثمار الجزء‬
‫االكبر من االرباح في تكوين رؤوس االموال منتجة من انشاء المصانع الجديدة‪ ،‬وهذا‬
‫ارجع الى نفسية وميول الرأسمالي الذي يطمح الى تحقيق الربح ومن هنا وجب أن يزيد‬

‫‪9‬‬
‫في االنتاج مع التقليل في نفقة االنتاج وذلك من خالل زيادة انتاجية عماله التي تدفعه‬
‫بها االالت والماكنات وبهذا تتارك رؤوس االموال‪.‬‬
‫كما يشير ماركس الى ان الارسمالي سيهمل علة تركيز رؤوس االموال التي بدورها تعمل‬
‫على المنافسة غير العادلة وهو ما يجعل المشروعات الكبيرة تطغى علة المشاريع‬
‫الصغيرة من السوق نهائيا وعليه سيتحول صغار المنتجين الى التجارة او العمالة‪.‬‬
‫تقييم المدرسة الماركسية‪:‬‬
‫يتفق منظروا االقتصاد على ان الماركسية قدمت نظاما فكريا متكامال لتفسير التطور‬
‫االجتماعي في كافة مرحلة ومستوياته‪ ،‬وان ماركس ركز بقوة على فكرة التطور والبحث في‬
‫قوانينه واتجاهاته ومن ثمة القوانين التي تؤثر فيه‪ ،‬كما توصل ايضا الى فكرة االعتماد على‬
‫التفسير المادي او االقتصادي للتاريخ افرزت منهجا يمكن تطبيقه في نطاق العلو‬
‫االجتماعية المختلقة باإلضافة الى ان ماركس ومن خالل فكره االقتصادي كشف او اظهر‬
‫عيوب الرأسمالية التي تسببت في كثير من االزمات االقتصادية فيما بعد‪.‬‬
‫وبهذا يكون قد قد خدمة للرأسماليين العادة النظر في منظومته االقتصادية وهو ما‬
‫دفع حكومات البلدان الرأسمالية الى اتخاذ التدابير الالزمة لتفادي وتدارك االخطاء واألخطار‬
‫اساسا حول نظرية القيمة وفائض القيمة بعد التسلي بها بحك ان عنصر العمل ليس هو‬
‫العنصر االنتاجي الوحيد ولهذا ال يمكن ان نعتمد على العمل فقط في تفسير قيمة السلعة‪،‬‬
‫وال يمكن قياس قيمة العمل بساعات العمل ألنها تنفي العوامل االخرى المصاحبة للسوق‬
‫كالطلب على السلعة‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫المحاضرة رقم ‪80‬‬
‫نظرية كينزية‬
‫مفهومها‪ :‬المحور األساسي لهذه المدرسة يرتكز على فكرة تدخل الحكومة لضمان‬
‫استقرار اإلقتصاد‪.‬‬
‫خالل فترة الكساد الكبير في ‪ ، 1929‬لم تستطع النظريات االقتصادية في ذلك الوقت‬
‫ان تفسر أسباب التدهور الشديد لالقتصاد العالمي أو أن تجد حالً للنهوض باإلنتاج و‬
‫التشغيل‪ .‬وقام عدد من اإلقتصاديين بإنتقاد النظرية الكالسيكية للتوظف بعد حدوث الكساد‬
‫الكبير‪ ،‬وفي عام ‪ 1991‬قدم اإلقتصادي اإلنجليزي "جون مينرد كينز" تفسي اًر جديداً للكيفية‬
‫التي يتم بها تحديد مستوي التوظف وذلك في كتابه "النظرية العامة للتوظف‪ ،‬الفائدة والنقود"‬
‫والذي أحدث به ثورة كبيرة في الفكر اإلقتصادي فيما يتعلق بمشكلة البطالة‪.‬‬
‫وتتعارض نظرية التوظيف الحديثة بشدة مع النظرية الكالسيكية‪ ،‬حيث تري النظرية‬
‫الحديثة أن النظام اإلقتصادي الرأسمالي ال يحتوي علي اآللية القادرة علي ضمان تحقق‬
‫التوظيف الكامل‪ .‬فحالة التوظيف الكامل والمصحوب بإستقرار نسبي في األسعار وفق الفكر‬
‫الكنزي إنما هي حالة عرضية وليست دائمة التحقق‪ .‬ولذلك يبدأ كينز نظريته برفض‬
‫اإلفتراض األساسي الذي تقوم عليه النظرية الكالسيكية والذي يقوم أن المجتمعات تسودها‬
‫حالة من التوظيف الكامل‪.‬‬
‫أهم مقومات النظرية الكينزية الحديثه ‪:‬‬
‫‪ -1‬عدم أرتباط خطط اإلدخار بخطط اإلستثمار‪ :‬ترفض النظرية قانون ساي بتشكيكها‬
‫في مقدرة سعر الفائدة علي تحقيق التزامن بين القطاع العائلي فيما يتعلق باإلدخار‬
‫مع خطط قطاع رجال األعمال فيما يتعلق باإلستثمار‪ .‬فبينما كان الكالسيك يعتقدون‬
‫بأن زيادة اإلدخار يترتب عليها زيادة في اإلستثمارات المقدمة من رجال األعمال‪،‬‬
‫فإن النظرية الحديثة تقوم بأن إدخار أكثر معناه إستهالك أقل وبالتالي طلب أقل علي‬
‫مختلف السلع والخدمات المقدمة‪ .‬فكيف نتوقع أن يتوسع رجال األعمال في‬
‫أستثماراتهم في الوقت الذي ينكمش فيه الطلب علي المنتجات ؟ أى ليس بالضرورة‬
‫كل ما يدخر يستثمر‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ -2‬سعر الفائدة‪ :‬إن سعر الفائدة رغم تأثيره علي ق اررات الستثمرين إال أنه ليس العامل‬
‫الوحيد أو األكثر أهمية‪ ،‬فالعامل الحاسم هنا هو معدل الربح الذى يتوقعه رجال‬
‫األعمال‪ .‬ففي حاالت الركود وتشاؤم رجال األعمال حول المبيعات واألرباح تكون‬
‫أسعار الفائدة منخفضة‪ ،‬ولكن هذا اإلنخفاض ال يشجع رجال األعمال علي زيادة‬
‫إستثمارتهم‬
‫‪ -9‬معارضة فكرة مرونة األجور واألسعار‪ :‬تذكر النظرية الحديثة وجود مرونة في‬
‫األسعار واألجور بالدرجة التي يمكن معها ضمان العودة إلى التوظيف الكامل‪ ،‬فنظام‬
‫األسعار فى ظل النظام اإلقتصادي الرأسمالي الحديث لم يعد نظام ًا قائماً علي‬
‫المنافسة التامة‪ .‬فهناك منتجون يتمتعون بسيطرة إحتكارية على أسواق أهم السلع ولن‬
‫يسمحوا بإنخفاض أسعار منتجاتهم عند إنخفاض الطلب‪ ،‬كما أنه في أسواق العمل‬
‫نجد نقابات العمال القوية تعارض اإلتجاه نحو تخفيض األجور‪.‬‬
‫وبناء علي ما تقدم فقد تم رفض نظرية التوظف الكالسيكية‪ ،‬نظ اًر لعدم ميكانيكية‬ ‫ً‬
‫النظام الرأسمالي وقدرته علي تحقيق التوظيف الكامل للموارد‬
‫النموذج الكينزي وتحديد الدخل التوازني ‪:‬‬
‫يقوم النموذج الكينزي في تحديد الدخل التوازني علي بعض اإلفتراضات واألسس من‬
‫أهمها ‪:‬‬
‫‪ -1‬يحدد الطلب علي السلع والخدمات مستوي اإلنتاج المحلي اإلجمالي علي األقل في‬
‫األجل القصير‬
‫‪ -2‬األجل القصير هو الفترة من الزمن التي ال تتغير االسعار خاللها أو تتغير بشكل‬
‫طفيف جداً‪ ،‬حيث يعرض المنتجون جميع اإلنتاج المطلوب‪.‬‬
‫‪ -9‬يتعدل اإلقتصاد بسرعة في األجل القصير من أجل الوصول إلي مستوي التوازن‬
‫بحيث الطلب الكلي يساوي اإلنتاج "العرض الكلي"‬
‫‪ -4‬يركز كينز علي الطلب الكلي بينما يركز الكالسيك علي العرض ‪ ،‬أما كينز فقد‬
‫بني نظريته علي أساس أن الطلب الكلي هو األساس الذي يخلق عرضه الخاص‪،‬‬
‫فوجود الطلب علي السلعة سيدفع المنتجون إلنتاج هذه السلع لتلبية هذا الطلب‬
‫فالطلب هو الذي يحدد اإلنتاج‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫‪ -5‬أوضح كينز أن إنخفاض األجور يؤدي إلي إنخفاض الطلب الفعلي‪ ،‬وعندها‬
‫يخفض المنتجون من إنتاجهم فتزيد البطالة عكس ما كانت تري المدرسة التقليدية‬
‫من أن إنخفاض األجور يؤدي إلي إرتفاع االرباح ومن هنا خلص كينز إلي أن‬
‫مستوي األجور ليس هو المحدد لمستوي التشغيل وانما يحدده الطلب الكلي‪.‬‬
‫‪ -1‬يتكون الطلب الفعلي عند كينز من الطلب اإلستهالكي والطلب اإلستثماري ‪-‬‬
‫إقتصاد مغلق‪ -‬وأوضح أن الطلب اإلستهالكي يتحدد بعوامل موضوعية وأخري‬
‫شخصية‪ ،‬وفي حين يتحدد الطلب اإلستثماري تبعاً للعائد المتوقع من قبل‬
‫المنتجين‪ ،‬و مدي تغطيته لتكاليف اإلستخدام‬
‫نظرية التوازن لدي كينز ‪:‬‬
‫‪ -1‬التوازن الداخلي ‪ :‬شرط ضروري في النظرية الكينزية ‪ ،‬تعد المساواة بين اإلدخار و‬
‫اإلستثمار وذلك عند كل مستوي من مستويات الدخل فقد رفض كينز فكرة أن‬
‫اإلدخار يتعادل مع اإلستثمار تلقائياً علي أساس التغير في سعر الفائدة عند‬
‫الكالسيك‪ ،‬كما يعتبر أن سعر الفائدة مقابل عدم اإلكتناز وليس جزء لإلدخار‪ ،‬و يري‬
‫كذلك أن العالقة بين سعر الفائدة واألستثمار إنما يتحدد في ضوء العالقة بين سعر‬
‫الفائدة والكفاية الحدية لرأسمال‪ ،‬وأن سعر الفائدة يتحدد بدوره عند نقطة التعادل بين‬
‫عرض النقود والطلب عليها‪ .‬ونلخص في األخير من خالل دراسة التوازن الداخلي‬
‫عند كينز أن هناك نوعين من المساواة كنتيجه إلدخال عنصر الزمن في التحليل ‪:‬‬
‫األول يتحقق بتوازن اإلدخار مع اإلستثمار وبالمعني المقصود عند الكالسيك‪ ،‬أما‬
‫الثاني يتحقق عندما يتساوي اإلدخار المحقق فى الفترة الحالية باإلستثمار المتوقع في‬
‫الفترة الالحقة‪ ،‬وهذا ما أنشغلت به النظر ية الكينزية‪.‬‬
‫‪ -2‬التوزان الخارجي ‪ :‬يجمع اإلقتصاديين بشكل عام علي أن تحقيق التوازن اإلقتصادي‬
‫الخارجي يعد من أهم األهداف التي تسعي السياسات اإلقتصادية إلي تحقيقها‪ .‬لقد‬
‫أعتمد اإلقتصادي كينز في تحليله لموضوع التوازن اإلقتصادي الخارجي علي فكرة‬
‫الطلب الفعلي إلعتبارها األساس الذي يبني عليه معظم السياسات اإلقتصادية‪ .‬أما‬
‫في حالة اإلقتصاد المفتوح فإن التوازن يتحقق عندما يتساوي الفرق بين عناصر‬
‫الحقن والتسرب الداحلية‪ ،‬ومع صافي التعامل مع العالم الخارجي‪ .‬وهكذا عندما‬

‫‪3‬‬
‫يتحقق فائض في ميزان المدفوعات فإن عالجه يتم ضمن مستويات الدخل والتوظيف‬
‫في الدخل‪ ،‬أى أن الدخل يرتفع وبما أنه من محددات الطلب الكي‪ ،‬فإن الطلب‬
‫المحلي على السلع المحلية المستوردة يرتفع مما يؤدي إلي رفع حجم الواردات لكن‬
‫من ناحية أخري قد يؤدي إرتفاع الطلب إلي إرتفاع األسعار في الداخل مما يؤدي‬
‫إلى تراجع الطلب الخارجي علي الصادرات‪ ،‬وهكذا حتي يصل ميزان المدفوعات إلي‬
‫نقطة التوزان وهذا حسب قيمة ومدي فعالية مضاعف التجارة الخارجية‪ ،‬كما أن‬
‫حدوث عجز فى ميزان المدفوعات سيؤثر كذلك علي الوضع الداخلي‪ ،‬حيث ينخفض‬
‫الدخل وتتراجع األسعار مما يؤدي إلي نقص الطلب المحلي علي الواردات وفي نفس‬
‫الوقت يتزايد الطلب الخارجي علي الصادرات وهكذا حتي يصل ميزان المدفوعات مرة‬
‫أخري إلى نقطة التوازن من جديد‪.‬‬
‫مما سبق يتضح أن كينز في تحليله للتوازن الخارجي مرونة كل من الطلب الداخلي‬
‫علي الواردات والطلب الخارجي علي الصادرات باإلضافة إلى مرونة عرض عوامل اإلنتاج‪،‬‬
‫وهكذا فإن تغيرات مستويات اإلنتاج في النظرية الكينزية تحل محل تغيرات مستويات‬
‫األسعار وأسعار الفائدة عند الكالسيك‪.‬‬
‫استقرار االقتصاد‬
‫ال يوجد هناك وصفه سحرية في المبادئ االقتصادية الثالثة لنموذج كينز‪ .‬لكن ما‬
‫يميز الكينزية عن باقي المدارس االقتصادية هو إيمانها بتقليل سعة الدورة االقتصادية والتي‬
‫تصنف على أنها األهم من بين جميع المشاكل االقتصادية‪.‬‬
‫فعوضاً عن ميزانية الحكومة الخاطئة تقترح الكينزية سياسة مالية أخرى وهي مواجهة‬
‫التقلبات الدورية )‪ (countercyclical fiscal policies‬والتي تعمل بعكس الدورة‬
‫االقتصادية‪ .‬على سبيل المثال اإلقتصاد الكينزي يقترح على الحكومة بتشغيل العماله في‬
‫بناء البنية التحتية بأعداد كبيرة وان كان على حساب العجز المالي للحكومة وذلك لتحفيز‬
‫العمالة والحفاظ على استقرار األجور أثناء فترة الركود االقتصادي وكذلك تقوم الحكومة‬
‫بفرض ضرائب دخل ع الية للحيلولة دون حدوث تضخم اقتصادي في حالة ازدياد الطلب في‬
‫األسواق‪ .‬وكذلك تقترح الكينزية بتغيير السياسة المالية وكيفية استخدامها في تحفيز االقتصاد‬
‫وذلك عن طريق خفض معدل الفائدة لتشجيع االستثمار‪.‬‬

‫‪4‬‬
‫تُصر الكينزية على الحكومات بأن يكون حل المشاكل االقتصادية على المدى القصير‬
‫بدالً عن انتظار السوق ليصلح المشاكل تلقائياً على المدى البعيد وذلك حسب قول‬
‫كينز“على المدى البعيد كلنا ميتون ‪”.‬لكن الكينزية ال تدعوا الحكومات الى تعديل‬
‫السياسات كل بضعة أشهر وذلك ألنها تؤمن بأن الحكومات ليس لها القابلية لتضبط األمور‬
‫بنجاح‪.‬‬
‫تطور الكينزية‬
‫على الرغم من القبول الواسع ألفكار كينز عندما كان على قيد الحياة لكنه جوبه بالنقد‬
‫من قبل العديد من المفكرين الذين عاصروه‪ .‬وتجدر اإلشارة بشكل خاص حول اختالفه مع‬
‫المدرسة النمساوية في االقتصاد والتي يؤمن أتباعها بأن الركود والنشاط االقتصادي هما جزء‬
‫من النظام الطبيعي وأن تدخل الحكومة يؤدي إلى تفاقم المشكلة في إنعاش االقتصاد‪.‬‬
‫هيمنت نظرية وسياسات االقتصاد الكينزي بين فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية الى‬
‫أوائل السبعينيات‪ ،‬حيث بدأت العديد من اإلقتصادات المتقدمة تعاني من تضخم وبطيء في‬
‫النمو االقتصادي في نفس الوقت أو كما تسمى الركود التضخمي ‪(stagflation).‬‬
‫وبذلك فترت شعبية النظرية الكينزية لعدم امتالكها سياسة للتعامل مع الركود‬
‫التضخمي‪ .‬النقاد االقتصاديون راهنوا على قابلية الحكومات في تنظيم الدورة االقتصادية‬
‫بتطبيق السياسة الضريبية وأصروا بدال عن ذلك على حل المشكلة االقتصادية باللجوء الى‬
‫السياسة المالية وذلك ألن الحكومات لديها التحكم الكامل بصرف المال والتي يؤثر بدورها‬
‫على معدل الفائدة والتي بالنتيجة تخفف من الكارثة االقتصادية‪.‬يعتقد أصحاب المدرسة‬
‫المالية بأن األموال أو النقد له تأثير واضح على الناتج العام على المدى القصير لكن هذه‬
‫السياسة تؤدي الى التضخم على المدى البعيد وهذا حسب اعترافهم‪.‬‬
‫استغل االقتصاديون الكينزيون هذه الهفوة في المدرسة النقدية واعتبروا أن النظرية‬
‫الكينزية متكاملة حيث أنها تعالج المشاكل االقتصادية على المديين القصير والبعيد‪ .‬حيث‬
‫تركز النظري ة الكينزية على أن المال له تأثير إسمي على االقتصاد من ناحية األسعار‬
‫واألجور وليس له أثر كبير على العمالة والناتج العام‪.‬‬
‫واجهت المدرسة الكينزية االنتقاد من قبل المدرسة الكالسيكية الجديدة التي ظهرت في‬
‫صناع القرار ليس لديهم تأثير على االقتصاد وأن األفراد‬
‫أواسط السبعينات‪ .‬والتي تقول بأن ُ‬
‫‪5‬‬
‫لديهم التأثير على السوق وأن تصرفاتهم هي التي ستغير السياسة االقتصادية قبل أن تقوم‬
‫الحكومة بذلك‪.‬‬
‫نشأ جيل جديد من الكينزيين بين فترة السبعينات والثمانينات شكك في قابلية النظرية‬
‫التي طرحتها المدرسة الكالسيكية الجديدة حيث يقول الكينزيون الجدد على أنه حتى لو أن‬
‫بعض األفراد لهم تأثير صحيح إال أن طلب السوق ال يستجيب على المدى القصير‪ .‬ولهذا‬
‫فإن سياسة الضرائب تبقى مؤثرة على المدى القصير حسب المدرسة الكينزية‪.‬‬
‫في وقت الكارثة االقتصادية العالمية بين عامي ‪ 2002‬و ‪ 2002‬عادت األفكار‬
‫الكينزية إلى الظهور‪ .‬حيث اعتبرت النظرية على أنها األساس للسياسات االقتصادية‬
‫لمواجهة األزمة من قبل الحكومات حيث أتبعتها حكومتي الواليات المتحدة وبريطانيا في‬
‫مواجهة الكارثة االقتصادية‪ .‬حيث كتب جريكوري مانكيو ) ‪( N. Gregory Mankiw‬وهو‬
‫ال في صحيفة نيويورك تايمز ” اذا أردت أن تصغي لعالم‬
‫أستاذ في جامعة هارفارد مقا ً‬
‫اقتصادي واحد لفهم المشاكل التي تواجه االقتصاد‪ ،‬فبال شك أن هذا العالم االقتصادي هو‬
‫جون ماينارد كينز‪ .‬ورغم انه مات قبل أكثر من نصف قرن إال أن تشخيصه للركود والكساد‬
‫يبقى األساس لالقتصاد الكلي الحديث‪ .‬حيث قال كينز ” الرجال العمليون هم الذين يؤمنون‬
‫بأنفسهم وبأنهم معفيين تماماً من أي تأثير الفكري‪ ،‬هم بالحقيقة عبيد لعالم اقتصادي ميت‪”.‬‬
‫على الرغم من ذلك‪ ،‬فأن الكارثة في عام ‪ 2002-2002‬أظهرت أن نظرية كينز‬
‫تستوجب التحسين والتعديل لتعطي دو اًر للعملة في نظامها بعد أن كانت النظرية غافلة عنه‬
‫ودمج القطاع المالي كقطاع حقيقي يشابه قطاع االقتصاد‪.‬‬

‫‪6‬‬
‫المحاضرة رقم ‪60‬‬
‫المدرسة الكالسيكية‬
‫تمهيد‪:‬‬
‫إن الثورة الصناعية الكبرى التي بدأت في أوربا في نهاية القرن الثامن عشر‪ ،‬و اتخذت‬
‫شكلها الكامل في مطلع و منتصف القرن التاسع عشر أثبتت بالوقائع المادية بأن أغلب‬
‫استنتاجات المدرسة الفيزيوقراطية كانت خاطئة و بعيدة عن الواقع العملي‪ ،‬و بذلك ظهرت‬
‫الحاجة مع بزوغ فجر الصناعات الجديدة و العالقات االقتصادية الجديدة إلى مدرسة‬
‫اقتصادية جديدة تعلل و تشرح الواقع االقتصادي الجديد‪ ،‬فظهرت عندها المدرسة الكالسيكية‬
‫كاستجابة لهذه التحوالت االقتصادية‪.‬‬
‫و منذ ظهور هذه المدرسة الجديدة عرف االقتصاد عهدا جديدا‪ ،‬خاصة مع ظهور عدد‬
‫من المفكرين االقتصاديين و خاصة االنجليز منهم‪ ،‬الذين أعطوا النظرية االقتصادية اتجاها‬
‫و حيوية جديدين ‪ ،‬اعتبرت الكالسيكية اإلطار الفكري للثورة الصناعية و المعبر عن االتجاه‬
‫الليبرالي الذي ساد هذه الفترة من تاريخ أوربا‪ ،‬و شكلت في الوقت ذاته امتداد للمدرسة‬
‫الفيزيوقراطية فيما يتعلق باألساس الفلسفي المرتبط بمبدأ الحرية و الملكية الشخصية كأساس‬
‫للتفاعالت االقتصادية‪.‬‬
‫تعريف المدرسة الكالسيكية‪:‬‬
‫ساهمت أفكار عدد من المفكرين االقتصاديين أمثال‪ :‬آدم سميث‪ ،‬ريكارد‪ ،‬ستيوارت‬
‫ميل ومالتوس )في ظهور اتجاه جديد في دراسة الظواهر االقتصادية و قدموا ما يعرف‬
‫بالنظرية التقليدية أو الكالسيكية اإلنجليزية)‪.‬‬
‫و يتميز تفكير هذه المدرسة بمحاولة تحليل المبادئ التي تحكم النظام الرأسمالي تحليال‬
‫دقيقا و صلبا‪ ،‬و متابعة التطور التاريخي الذي أدى إلى نشأة هذا النظام‪ ،‬و التنبؤ بمستقبله‪،‬‬
‫و كان االعتقاد السائد لدى أنصار هذا االتجاه هو وجود قوانين تحكم الظاهرة االجتماعية‪.‬‬
‫غير أن المالحظ بالنسبة لهؤالء المفكرين هو أنهم انقسموا إلى طائفتين فيما يتعلق‬
‫بنظرتهم إلى مستقبل النظام الرأسمالي‪ ،‬فكانت كتابات البعض منهم مشبعة بروح التفاؤل في‬

‫‪1‬‬
‫حين أن البعض اآلخر سلك طريق التشاؤم حول مصير النظام الرأسمالي ‪.‬غير أن كل‬
‫الكالسيكيين يتفقون في نقاط مشتركة تكون األساس العلمي الفلسفي لفكرهم االقتصادي‪:‬‬
‫‪ -1‬الكالسيكية تهتم بالتصرفات االقتصادية الجزئية ‪:‬أي بالمشاكل المرتبطة بالمصلحة‬
‫الفردية و هي مشاكل القيمة و األسعار و المردود‪...‬إلخ‪ ،‬فنظرتها" ميكرو اقتصادية"‪ ،‬و هي‬
‫تعتقد أن المجموعة تتكون بعد إضافة الجزئيات بعضها ببعض‪.‬‬
‫‪ -2‬الكالسيكية فلسفة سكونية‪:‬أي أن دراستها تنصب على واقع معين و في فترة‬
‫زمنية معينة‪ ،‬غير أن هذا ال يعني إهمالها التام للحركية في تحليلها‪ ،‬بل نجدها تهتم بقضايا‬
‫التطور المتعلقة بالسكان و تراكم رأس المال‪ ،‬و لكن ذلك يعبر عن مجرد استنتاج إمكانية‬
‫وجود توازن قار و دائم بسبب تداخل المصالح الخاصة‪ ،‬فالكالسيكية سكونية التحليل حركية‬
‫المضمون‪.‬‬
‫‪-3‬الكالسيكية فلسفة ليبرالية ‪:‬ترى أن الحرية االقتصادية و حق الملكية الشخصية‬
‫مبادئ أساسية في الحياة االقتصادية‪ ،‬باعتبارهما حق مقدس لإلنسان و هبته إياهم الطبيعة‪،‬‬
‫لذلك ال ينبغي على الدولة التدخل في توجيه األنشطة االقتصادية أو الحد من الملكية‬
‫الشخصية‪.‬‬
‫اوال‪ :‬ادم سميث‪:‬‬
‫يعتبر لدى الكثيرين أب االقتصاد السياسي‪ ،‬يعتبر آدم سميث أول اقتصادي يكتب في‬
‫النظرية االقتصادية و هو يشغل وظيفة أستاذ جامعي‪ ،‬مما انعكس بشكل واضح في عرضه‬
‫المنظم ألفكاره سنة ‪، 1771‬و مرجعا أساسيا للفكر االقتصادي الحديث‪ ،‬بحيث يعتبر كتاب‬
‫"ثروة األمم( " تلخصت فيه أفكار سميث االقتصادية‪ ،‬و التي تميزت بروح التجديد و‬
‫اإلبداع‪ ،‬فمعظم أفكاره جاءت مناقضة لمبادئ المدرسة الفيزيوقراطية‪ ،‬و تضمنت الكثير من‬
‫النظريات االقتصادية التي اكتشفها سميث عبر احتكاكه بالواقع العملي ‪.‬و أصبح علم‬
‫االقتصاد السياسي بعد صدور هذا المؤلف هو علم الثروة‪.‬‬
‫لكن بالرغم من أن هذا الكتاب يحتوي على آراء و أفكار اقتصادية جديدة غير أننا‬
‫نلتمس في طياته انتماء آدم سميث للمدرسة الطبيعية من الناحية الفلسفية‪ ،‬التي تقوم على‬
‫االعتقاد بأن هناك نظاما طبيعيا‪ ،‬و أن هذا النظام قادر على التوفيق بين المصالح الخاصة‬

‫‪2‬‬
‫و العامة بصورة أفضل من أي نظام آخر‪ ،‬لذلك يمكن القول بأن الفلسفة العامة التي‬
‫سيطرت على أعمال الطبيعيين وجدت عند سميث‪ ،‬فيما يتعلق بضرورة وجود نظام طبيعي‪.‬‬
‫عموما يمكن تلخيص أعمال سميث الفكرية في النقاط التالية‪:‬‬
‫أ ‪-‬الدور األساسي للمصلحة الخاصة و الدوافع الشخصية في الحياة االقتصادية‪:‬‬
‫تشكل المصلحة الشخصية و مبدأ الحرية األساس النظري لفلسفة سميث االقتصادية‪ ،‬و تقوم‬
‫هذه الفلسفة على االعتقاد في سالمة و كفاءة النظام الطبيعي‪ ،‬فآدم سميث يعتقد في كتابه "‬
‫نظرية الشعور األخالقي ‪ ،" 1759‬بأن السلوك اإلنساني يخضع لست بواعث ‪:‬حب الذات‪،‬‬
‫التعاطف‪ ،‬الرغبة في الحرية‪ ،‬اإلحساس بالملكية‪ ،‬عادة العمل‪ ،‬و الميل للمبادلة‪.‬‬
‫و قد أدى اعتقاد سميث في وجود نظام طبيعي إلى االعتقاد بأنه قادر على تحقيق‬
‫التوافق واالنسجام بين المصالح الخاصة لألفراد و بين المصلحة العامة‪ ،‬وهذه هي فكرة "‬
‫اليد الخفية‪ ،‬التي تعني أن ‪:‬األفراد في سعيهم لتحقيق صالحهم الخاص يحققون– دون أن‬
‫يشعروا ‪ -‬المصلحة العامة‪.‬‬
‫فآدم سميث اعتقد بأن الدافع الشخصي هو أكبر ضمان للصالح العام‪ ،‬و لكن كيف‬
‫يتحقق ذلك؟‬
‫يجيب سميث بأن ‪:‬الدافع الشخصي هو مجرد وسيلة أو أداة‪ ،‬و الصالح العام هو دائما‬
‫الغاية أو الهدف‪ ،‬و يوضح سميث هذه العالقة و االنسجام بين المصلحة الخاصة و الصالح‬
‫العام‪ ،‬بقوله"‪ :‬ليس بفضل و كرم الجزار أو صانع الجعة أو الخباز ما يسمح لنا بتوفير‬
‫الطعام لعيشنا‪ ،‬بقدر ما يرجع ذلك إلى نظرتهم إلى مصالحهم الخاصة‪ ،‬و عندما نطلب‬
‫خدماتهم‪ ،‬فإننا ال نتوسل إلى إنسانيتهم بقدر ما نستحث مصالحهم الشخصية‪ ،‬و هكذا‪،‬‬
‫فعندما نتوجه إليهم فإننا ال نعرض عليهم حاجتنا‪ ،‬بل إننا نستثير مصالحهم الشخصية‪ ،‬فال‬
‫أحد سوى الشحاذ الذي يمكن أن يعتمد في حياته على أفضال اآلخرين‪.‬‬
‫ب ‪-‬الحرية االقتصادية مبدأ ضروري الستقرار الحياة االقتصادية‪ :‬بعد أن فسر سميث‬
‫أهمية الدوافع الشخصية في الحياة االقتصادية‪ ،‬فإن النتيجة الحتمية لذلك هي ضرورة ترك‬
‫الحرية التامة و المطلقة للفرد في العمل كيفما يشاء و بالطريقة التي يراها هو مناسبة دون‬
‫أن تحد هذه الحرية حدود‪ ،‬إال حدود المنافسة أو المزاحمة‪ ،‬بمعنى أن الحرية يجب أن تنمو‬
‫في بيئة المنافسة بين األفراد دون أي احتكار الذي من شأنه أن يقضي على محاسن الحرية‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫و استند سميث في تبريره لمبدأ الحرية إلى أن‪:‬‬
‫الفرد هو أفضل حكم على تقرير مصلحته الخاصة‪ ،‬وبالتالي يجب تركه ح ار في سلوكه‪.‬‬
‫و لضمان حماية الحرية كأساس للفعاليات االقتصادية دعا سميث إلى تطبيق آليات‬
‫اقتصاد السوق الحر‪ ،‬الذي يعتبر تنظيما اجتماعيا لضبط سلوك األفراد في ميدان اإلنتاج و‬
‫إشباع الحاجات‪ ،‬و يتوقف قيام هذا التنظيم على مدى توافر المؤسسات االجتماعية‬
‫الضرورية و بخاصة الدولة و تطورها على النحو الذي يساعد على تدعيم السوق الحر ‪.‬‬
‫عبر سن التشريعات القانونية و القضائية و توفير البيئة الثقافية و الحرية السياسية المناسبة‬
‫لنجاح مثل هذه التطبيقات االقتصادية‪.‬‬
‫و على هذا النحو فقد كانت دعوة سميث إلى الحرية االقتصادية جزء متكامل من نظرة‬
‫شاملة للجوانب السياسية و االجتماعية و القانونية‪ ،‬فالدعوة إلى اقتصاد السوق في ظل‬
‫غياب هذه المؤسسات و النظم تبقى غير متكاملة‪.‬‬
‫و قد استخلص سميث أن الحكومة فيما عدا وظيفة وضع القوانين السليمة‪ ،‬فإنها ال‬
‫تستطيع أن تكون أكثر فاعلية و كفاءة في تحقيق المصلحة العامة‪ ،‬و أن تدخلها في النشاط‬
‫اإلنتاجي يكون ضا ار في أغلب األحيان ‪.‬و طالما أن األفراد هم أقدر على التعرف على‬
‫مصالحهم الخاصة‪ ،‬و طالما أن النظام الطبيعي يؤدي إلى التنسيق بين المصلحة الخاصة و‬
‫العامة‪ ،‬فالنتيجة المنطقية لذلك هي عدم تدخل الدولة ‪.‬ما عدا في حدود وظيفتها التي‬
‫تقتصر على سن القوانين المنظمة للحياة االقتصادية و التي تحمي الحريات و ملكيات‬
‫األفراد‪ ،‬إلى جانب قيامها بمهمة الدفاع الخارجي و توفير القضاء العادل‪ ،‬و إقامة بعض‬
‫المشروعات التي يعجز األفراد على القيام بها‪ ،‬و اصطلح على تسمية الدولة لدى الكالسيك‬
‫ب"الدولة الحامية‪".‬‬
‫كما عارض سميث بشدة القيود التي يمكن أن يفرضها التجار و أصحاب الحرف على‬
‫حرية النشاط االقتصادي‪.‬‬
‫ج ‪-‬العمل أساس القيمة ‪ /‬مصدر الثروة‪:‬‬
‫يبدو من خالل فكرة القيمة و أساسها حجم االختالف بين سميث و الفيزيوقراطيون‪ ،‬فقد‬
‫أظهر سميث معارضته الواضحة ألساس القيمة عند الفيزيوقراط المفسرة بالطبيعة‪ ،‬يقول آدم‬
‫سميث "‪:‬العمل في أمة من األمم يشكل المصدر المبدئي الذي يسمح بشراء و استهالك‬

‫‪4‬‬
‫األشياء الضرورية و الالزمة للحياة‪ ،‬و هذه األشياء هي دائما أما النتيجة المباشرة للعمل أو‬
‫نتيجة لبيع عمل األمة لغيرها من األمم لشراء احتياجاتها"‪ ،‬إذا فالعمل وحده عند سميث هو‬
‫مصدر القيمة‪ ،‬و بما أن العمل هو من صميم اإلنسان‪ ،‬فإن الثروة ز مصدرها عند سميث‬
‫إذن من اإلنسان و ليس من الطبيعة‪ ،‬و أن احتكاك اإلنسان مع الطبيعة هو الذي يعطينا‬
‫اإلنتاج‪ ،‬فليس هناك إذا ريعا تعطيه و تهبه الطبيعة و األرض دونما جهد و عمل اإلنسان‬
‫الذي يسيطر و يخضع الطبيعة ‪.‬و يؤدي العمل و تراكمه المستمر إلى خلق رأس المال الذي‬
‫يتحقق نتيجة عملية االدخار‬
‫لكن هذا الطرح السابق لنظرية سميث حول القيمة غير كاف لفهم القيمة عند سميث‬
‫بكل جوانبها‪ ،‬فالظاهر أن سميث قدم نظرية وحدة حول القيمة لخصها في أن العمل هو‬
‫مصدر القيمة وأساسها‪ ،‬غير أن بعض دارسي تاريخ الفكر االقتصادي يرون بأن آدم سميث‬
‫قدم أكثر من نظرية أو تصور حول القيمة باعتبارها محددا لقيمة المبادلة‪ ،‬و يرون بأن‬
‫سميث عرض على األقل ثالث نظريات للقيمة ‪:‬نظرية العمل كمقياس أو أساس للقيمة‪ ،‬ثم‬
‫أضاف إلى هذه النظرية بعض عناصر الطلب و العرض كمحددات للقيمة إلى جانب‬
‫العمل‪ ،‬و اتجهت بعض دراساته لرأس المال إلى األخذ بنظرية نفقة أو كلفة اإلنتاج التي‬
‫تأخذ بعين االعتبار عناصر النفقة أو الكلفة األخرى من غير العمل‪.‬‬
‫و قد خلط آدم سميث بين مقياس القيمة و أساس تحديد القيمة‪ ،‬بحيث استخدم العمل‬
‫في الكثير من األحيان باعتباره مقياسا للقيمة و أحيانا أخرى باعتباره أساسا لتحديد القيمة‪،‬‬
‫فذهب في أول األمر إلى اتخاذ العمل مقياسا للقيم حيث أن وحدات العمل وحدات متجانسة‬
‫بعكس النقود التي تتغير قيمها من فترة إلى أخرى‪ ،‬فالنقود هي مقياس أسمى للقيمة بينما‬
‫يبقى العمل هو المقياس الحقيقي للقيم‪ ،‬و هنا نجد بأن سميث استخدم العمل باعتباره مقياسا‬
‫للقيمة ‪.‬لكنه ما لبث أن نظر إلى العمل باعتباره أساس لتحديد قيم األشياء‪ ،‬فقيمة كل سلعة‬
‫تتحدد بما بذل فيها من عمل‪ ،‬و العمل هنا يؤخذ باعتباره أساس لتحديد القيمة‪ ،‬بمعنى أن‬
‫النقود هي تعبير مادي عن ساعات العمل المبذولة في إنتاج سلعة معينة‪ ،‬فسلعة‬
‫يستغرق في إنتاج وحدة منها ‪ 10‬ساعات تقابلها دفع نقد كأجر ‪ 10‬دوالرات‪ ،‬فقيمة‬
‫السلعة هي‪ 10‬دوالرات المقدرة ب ‪ 10‬ساعات من العمل و المدفوعة كأجر للعامل‪.‬‬

‫‪5‬‬
‫لكن بعد تراكم رأس المال يختلف الوضع بالنسبة لقيمة السلع‪ ،‬ألن األمر يختلف‪،‬‬
‫فقيمة السلعة ال تتحدد بما بذل فيها من عمل فقط‪ ،‬و إنما يجب أن يؤخذ أيضا في االعتبار‬
‫رأس المال المستخدم فيها‪ ،‬و بذلك يدخل الربح إلى جانب األجر في تحدد قيمة السلع ‪.‬أي‬
‫أن المنتج أو صاحب المصنع عندما يريد تحديد قيمة سلعة معينة ال يعتمد فقط على األجر‬
‫المدفوع للعمال كمقابل لمجهودهم و يحدد بناءا عليه قيمة السلعة‪ ،‬بل يضيف إلى هذا‬
‫المتغير ما أنفقه من رأس المال على مشروع معين‪ ،‬و بالتالي يحدد قيمة السلعة بما يضمن‬
‫له تحقيق ربح الذي يحصل من خالله على فائدة باإلضافة إلى رأس المال ‪.‬و من خالل هذا‬
‫انتهى سميث إلى نظرية " نفقة أو كلفة اإلنتاج "في تحديد قيمة السلع‪.‬‬
‫ثم أشار سميث الحقا إلى أن هذه القيمة قد تختلف عن ثمن السوق‪ ،‬ليضيف لتصوره‬
‫حول القيمة محدد أو متغير جديد قد يتحكم في تحديدها‪ ،‬فعند نزول السلعة إلى السوق‬
‫يتحدد ثمنها طبقا العتبارات قانون العرض و الطلب‪ ،‬فلنفترض أن قيمة سلعة تحددت ب‬
‫‪10‬دوالرات بالرجوع إلى قاعدة الكلفة في اإلنتاج ‪ ،‬لكن عند نزولها إلى السوق و نتيجة‬
‫زيادة الطلب عليها و قلة العرض يؤدي هذا إلى ارتفاع ثمنها ليبلغ ‪ 12‬دوالر‪ ،‬و هنا نجد أن‬
‫قيمة السلعة المحددة بكلفة إنتاجها ‪ 10‬دوالرات تختلف عن ثمن أو سعر السلعة في السوق‬
‫‪12‬دوالر‪.‬‬
‫و بالتالي نالحظ بأن سميث لم يقدم مجرد نظرية أو تصور واحد للقيمة بل استند في‬
‫تصوره ألكثر من متغير في تحديد قيمة السلع كالعمل‪ ،‬الربح‪ ،‬العرض و الطلب‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬دافيد ريكاردو‬
‫طفال لعائلة يهودية‬
‫ولد دافيد ريكاردو في لندن وكان ترتيبه الثالث من بين سبعة عشر ا‬
‫سفاردية من أصل إيطالي كانت قد استقرت في هولندا‪ ،‬ثم هاجرت إلى إنجلت ار‬
‫عام ‪ 1711‬قادمة من أمستردام‪ .‬أرسلته أسرته إلى هولندا للدراسة‪ ،‬ثم عاد إلى لندن‬
‫ناجحا‬
‫ا‬ ‫سمسار‬
‫اا‬ ‫عام ‪1771‬م‪ ،‬وعمل وهو في الخامسة عشر من العمر مع والده الذي كان‬
‫في سوق األوراق المالية‪ .‬في العام ‪ ،1771‬انفصل دافيد عن عائلته؛ ألنه تزوج من سيدة‬
‫مسيحية من طائفة الكويكرز‪ ،‬األمر الذي أدى لطرد والده له من العمل‪.‬‬
‫ترك دافيد الديانة اليهودية واعتنق المسيحية وبدأ عمله كمضارب مستقل في‬
‫البورصة واستطاع أن يجمع ثروة كبيرة في وقت قصير وهو لم يتجاوز السادسة والعشرين‬

‫‪6‬‬
‫من عمره بعد‪ ،‬وأسس “شركة تحمل اسمه جعلته من كبار األثرياء وهو لم يتجاوز الخامسة‬
‫والثالثين‪ ،‬فأصبح من مالك األراضي‪ ،‬كما ساعدته ثروته على عضوية مجلس اللوردات‬
‫حيث قام بشراء مقعد في البرلمان االنجليزي (كما جرت العادة حينئذ) عن مقاطعة أيرلندية‬
‫وظل في البرلمان من سنة ‪1717‬م حتى وفاته‪.‬‬
‫كان من نتاج تحقيق دافيد ريكاردو لثروته‪ ،‬أن تفرغ لالطالع‪ ،‬ففي عام ‪1777‬م ق أر‬
‫“ثروة األمم” آلدم سميث فتأثر به وشعر بالميل لعلم االقتصاد فبدأ في الكتابة حـول بعض‬
‫القضـايا المالية واالقتصادية الهامة في إنجلت ار آنذاك‪ ،‬وفي العام ‪1711‬م‪ ،‬اعتزل دافيد‬
‫البورصة وعالم المال‪ ،‬واتجه إلى دراسة االقتصاد‪ ،‬كما نشأت عالقة فكرية بينه وبين‬
‫االقتصاديين جيمس ميل وتوماس مالتوس‪ ،‬كل هذا جعله يتجه لإلنتاج الفكري والمعرفي في‬
‫علم االقتصاد ليصبح أحد أهم مؤسسي علم االقتصاد السياسي الحديث‪.‬‬
‫أشهر مؤلفات ريكاردو‬
‫ألف ريكاردو كتابه “مبادئ االقتصاد السياسي و الضرائب” في عام ‪1717‬م ويعد‬
‫الكتاب هو المرجع األساسي لريكاردو في االقتصاد السياسي‪ ،‬وهو كتاب ال يمكن لمهتم‬
‫بحقل العلوم االقتصادية تجاهله أو تجاوزه على اإلطالق‪ .‬باإلضافة إلى مؤلفات أخرى منها‬
‫“الثمن الباهظ للسبائك‪ :‬برهان على تلف األوراق النقدية” في عام ‪1711‬م‪ ،‬و”مقالة حول‬
‫تأثير السعر المنخفض للذرة على أرباح األسهم” عام ‪1711‬م‪.‬‬
‫مبادئ االقتصاد السياسي والضرائب في عام ‪ 1781‬أتم ريكاردو اإلصدار الثالث من‬
‫عمله الشهير “مبادئ االقتصاد السياسي والضرائب”‪ ،‬وقد لخص غرضه من تأليفه في‬
‫مقدمته ‪“ :‬تتوزع ملكية خيرات األرض – التي يتم استخراجها عبر المزج بين العمل واآلالت‬
‫ورأس المال‪ -‬على ثالث طبقات اجتماعية هي طبقة مالكي األراضي‪ ،‬وطبقة مالكي رأس‬
‫المال المطلوب لعملية اإلنتاج‪ ،‬وطبقة العمال‪ .‬ويعتبر تحديد القوانين التي تنظم طريقة توزيع‬
‫الثروات المشكلة األساسية في االقتصاد السياسي”‪.‬‬
‫فصال‪ ،‬يعتبر دافيد ريكاردو أن اإلشكالية األساسية فى‬
‫ا‬ ‫في هذا الكتاب المكون من ‪18‬‬
‫االقتصاد إنما تتعلق بمسألة تحديد القوانين التي تنظم عملية توزيع الدخل‪ ،‬مختلفاا مع سميث‬
‫الذي رأى أن المشكلة في تنظيم اإلنتاج‪ ،‬على الرغم من أن كالهما قد صاغ مشكلته في‬
‫إطار أن قيمة السلع تتحدد وفق ندرتها باإلضافة إلى كمية العمل المطلوبة للحصول عليها‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫وقد حاول ريكاردو من خالل الكتاب البحث عن حلول للمشكالت المطروحة في عصره مثل‬
‫التضخم وانخفاض قيمة العملة الورقية وارتفاع أسعار الذهب في فترة كانت تعرف فيها‬
‫بريطانيا و بعض دول أوروبا ارتفاعا كبي ار في نسبة اإلنتاج نتيجة للثورة الصناعية‪ ،‬وقد أدى‬
‫إلى نتيجة حتمية وهي أن نمط اإلنتاج الرأسمالي هو المحرك األساسي لعجلة النشاط‬
‫االقتصادي وال يمكن استبداله بنظام آخر‪.‬‬
‫نظريات ريكاردو االقتصادية وقد ساهم ريكاردو بالعديد من النظريات في االقتصاد‬
‫خصوصا فعلى سبيل المثال ال الحصر‪ :‬نظرية التجارة الدولية‪،‬‬
‫ا‬ ‫عموما واالقتصاد السياسي‬
‫ا‬
‫نظرية القيمة‪ ،‬نظرية السكان‪ ،‬نظرية األجور‪،‬قانون اإلنتاجية المتناقصة‪.‬‬
‫وفيما يلي سنتناول أهم إسهامات ريكاردو في النظرية االقتصادية‪:‬‬
‫‪ -1‬نظرية النمو عند ريكاردو‪:‬‬
‫هناك تطابق في اآلراء بين سميث وريكاردو في القيمة واالسعار في تحليلهم للنمو‬
‫االقتصادي بعدة مواقع كالناتج الكلي المعتمد على عناصر االنتاج ‪ ،‬لكنه اختلف مع آدم‬
‫سميث بالتجارة الخارجية بأن االرض ثابتة في مجاالت االنتاج‪ ،‬كما اختلف معه بأن المكون‬
‫األساس للنمو هو تكوين رأس المال ‪ ،‬كما وان اهتمام آدم سميث بالقطاع الصناعي عليه‬
‫تحفظ من قبل ريكاردو ‪ ،‬هذه االختالفات واآلراء المنفردة لدافيد ريكاردو عن سميث يالحظ‬
‫فيها المفكر االقتصادي خصوصية ريكاردو وتميزه فهو يرى ان النمو االقتصادي يتحكم به‬
‫عامل النمو السكاني وقانون تناقص الغلة وتراكم رأس المال ‪ ،‬وقد اعطى ريكاردوا اهمية‬
‫كبيرة للنمو السكاني وطالب باإلقالل من عدد السكان ومن هذا المنطلق بنى نظريته في‬
‫السكان ‪ ،‬وبرأيه ان السباق بين السكان والتقدم الفني سيكون في غير صالح النمو السكاني ‪،‬‬
‫وبالتالي يوصل المجتمع الى حالة الركود ‪ ،‬وهذا الذي حدا به تشجيع القيام بأعمال التجارة‬
‫كونها تمول النمو االقتصادي حسب رأيه ومن خالل ازدهار الصناعة ‪ ،‬ألن التجارة تساعد‬
‫على مبدأ التخصص وتساعد على مبدأ تقسيم العمل بين العاملين ‪ ،‬والذي ميز دافيد‬
‫ريكاردو بشكل اكبر هو اعطاء أهمية الى االمور غير االقتصادية مثل العوامل الفكرية‬
‫التشاؤمية والثقافية واألجهزة االدارية والتنظيمية في المجتمع ‪ ،‬ووجود حكومة فعالة تعمل‬
‫على األمن واالستقرار السياسي داخل البلد ‪.‬‬

‫‪8‬‬
‫‪ -8‬نظرية التجارة الدولية‪:‬‬
‫ألن ريكاردو من تلك المدرسة التي ترى بالحرية المطلقة للسوق‪ ،‬فهو من أهم‬
‫المساهمين في مفهوم “التجارة الحرة” العالمية‪ ،‬والسيما عبر طرحه “نظرية الميزة النسبية ”‬
‫روج‬
‫(‪ ،)Theory of Comparative Advantage‬وتأكيده على فكرة “اليد الخفية” التي ّ‬
‫لها آدم سميث‪.‬‬
‫فحرية التجارة الدولية عنده تعني أن تتم التبادالت االقتصادية بين الدول دون فرض‬
‫رسوم على الواردات والصادرات بهدف تشجيع هذه التبادالت يقول ريكاردو ‪“ :‬عند اتباع‬
‫منظومة التجارة الحرة بشكل كامل‪ ،‬فإن كل دولة ستحرص كل الحرص على تكريس‬
‫رأسمالها وعملها للمجاالت التي تصب في صالحها وصالح األطراف األخرى‪ ،‬وبهذا الشكل‬
‫متصال على نحو وثيق بالصالح العام في كل العالم‪.‬‬
‫ا‬ ‫يكون هذا السعي للمصلحة الذاتية‬
‫ويتسم هذا النظام بقدرته على توزيع العمل بأفضل طريقة ممكنة وأكثرها كفاءة‬
‫اقتصاديا عبر تقديم الحوافز للقطاعات المختلفة‪ ،‬ومكافأة اإلبداع واالبتكار‪ ،‬وتسخير كل‬
‫ا‬
‫اإلمكانيات التي تتيحها الطبيعة‪ ،‬ومن خالل زيادة اإلنتاج؛ وبذلك يساهم هذا النظام في‬
‫نظر للتداخل الوثيق بين‬
‫طا بين مختلف دول العالم المتحضر اا‬
‫نشر الخير العام ويشكل راب ا‬
‫مصالحها”‪.‬‬
‫ببساطة‪ ،‬يحاول ريكاردو في االقتباس السابق أن يقول بأن التجارة الخارجية بين دولتين تعود‬
‫بالفائدة عليهما معا‪ .‬لكن كيف يحدث ذلك؟‬
‫دعونا نأخذ المثال التالي لدولتين هما إنجلت ار والبرتغال‪ ،‬كالهما يستطيعان إنتاج نوعين‬
‫من السلع (المنسوجات والزيوت) وتصديرهما للبلدان األخرى‪ .‬بالنسبة لكل بلد من البلدين‬
‫فهي تحتاج تكلفة معينة إلنتاج السلعة‪ ،‬فالوقت التي تحتاجه إنجلت ار إلنتاج متر واحد من‬
‫القماش ليس نفسه الوقت الذي تحتاجه البرتغال إلنتاج نفس السلعة‪ ،‬وهذا االختالف ناتج‬
‫عن الخبرة في الصنعة لدى صانعي البلدين وكذلك األدوات المستخدمة في النسيج‪.‬‬

‫‪9‬‬
‫مالحظة هامة ‪ :‬في هذه الفترة الزمنية كان االقتصاديون يحسبون تكلفة إنتاج سلعة ما عن‬
‫طريق الوقت الالزم إلنتاجها‪:‬‬
‫الزيت‬ ‫النسيج‬
‫‪ 181‬ساعة ‪ /‬للوحدة‬ ‫‪ 111‬ساعة ‪ /‬للوجدة‬ ‫انجت ار‬
‫‪ 71‬ساعة ‪ /‬للوحدة‬ ‫‪ 71‬ساعة ‪ /‬للوحدة‬ ‫البرتغال‬

‫بالنسبة لدولة “إنجلت ار”‪ :‬يستطيع العامل اإلنجليزي إنتاج متر من القماش خالل ساعتين بينما‬
‫يحتاج ساعة واحدة فقط إلنتاج لتر من الزيت‪ ،‬نالحظ هنا أن تكلفة إنتاج متر من القماش‬
‫هي ضعف تكلفة لتر من الزيت (يمكننا القول أيضا أن تكلفة إنتاج لتر من الزيت هي‬
‫نصف تكلفة إنتاج متر من القماش) فبحسب مبدأ تكلفة الفرصة البديلة التي تعرفنا عليه‬
‫سابقا‪ ،‬فإنتاج انجلت ار مت ار من القماش تكون قد ضحت بإنتاج لترين من الزيت (يمكننا القول‬
‫أيضا أن إنجلت ار إذا أرادت إنتاج لتر من الزيت فهي تضحي فقط بإنتاج نصف متر من‬
‫القماش‪.‬‬
‫بالنسبة لدولة “البرتغال”‪ :‬بنفس المنطق فإن العامل البرتغالي يستهلك ‪ 1‬ساعات إلنتاج متر‬
‫واحد بينما يستهلك ‪ 1‬ساعات إلنتاج لتر واحد من الزيت‪ ،‬نالحظ أيضا أن تكلفة إنتاج متر‬
‫من القماش تساوي ثالثة أرباع (‪ )% 71‬من تكلفة إنتاج لتر من الزيت‪ ،‬لذا فإن أخذ‬
‫البرتغال القرار بإنتاج وحدة من المنسوجات يعني تضحيتها فقط بـ ـ (¾)وحدة من الزيت‪.‬‬
‫ومما سبق نجد أن‪:‬‬
‫البرتغال تمتلك ما يمكن أن نسميه “ميزة نسبية” في إنتاج المنسوجات حيث أن إنتاجها‬
‫للمنسوجات يعني التضحية فقط بإنتاج (¾) وحدة من الزيت‪ ،‬بخالف إنجلت ار التي إذا أرادت‬
‫إنتاج وحدة من المنسوجات فهذا يعني تضحيتها بوحدتين من الزيت!‬
‫وعلى العكس‪ ،‬نجد أن إنجلت ار تمتلك “الميزة النسبية” في إنتاج الزيت حيث أن إنتاجها‬
‫للزيت يعني التضحية فقط بإنتاج نصف متر من القماش‪ ،‬بخالف البرتغال التي إذا أرادت‬
‫إنتاج لتر من الزيت فهذا يعني تضحيتها بما يساوي مت ار وثلث المتر تقر ايبا من المنسوجات!‬
‫وعليه؛ فحسب تحليل ريكاردو يمكن أن تقوم التجارة بين كل من دولتي إنجلت ار والبرتغال‪،‬‬
‫فتتخصص كل منهما في السلعة التي تمتلك ميزة “نسبية” فيها وتصدر تلك السلعة للدولة‬
‫األخرى‪.‬‬

‫‪10‬‬
‫المحاضرة رقم ‪90‬‬

‫النظم االقتصادية‪:‬‬
‫تقديم‪ :‬البد من التفريق بين مفهوم النظام االقتصادي ومفهوم التنظيم االقتصادي من خالل‬
‫تعريف كل منهما‪ :‬فالنظام االقتصادي هو مجموعة العالقات والمؤسسات التي تميز الحياة‬
‫االقتصادية لمجتمع معين في الزمان والمكان أما التنظيم االقتصادي فهو وسيلة يستخدمها‬
‫النظام االقتصادي لتنظيم النشاط االقتصادي والفعاليات االقتصادية المختلفة‪ .‬وتختلف‬
‫طبيعة التنظيم االقتصادي من نظام اقتصادي آلخر‪ .‬ويمكننا على سبيل المثال ذكر نوعين‬
‫من التنظيمات االقتصادية‪:‬‬
‫‪ – 1‬التنظيم االقتصادي الحر‪ ،‬وهو وسيلة النظام االقتصادي الرأسمالي في تنظيم‬
‫فعاليات النشاط االقتصادي التي تقوم على حرية النشاط االقتصادي‪ .‬ويتصف هذا التنظيم‬
‫بالالمركزية والعفوية‪ ،‬ومن أهم خصائصه‪ :‬اقتصاد يقوم التوازن فيه على آلية السوق‪ ،‬ويعتمد‬
‫المشروع الخاص وال تتدخل الدولة في النشاط االقتصادي إال بصورة غير مباشرة‬
‫‪ – 2‬التنظيم االقتصادي الموجه‪ ،‬الذي يعتمده النظام االقتصادي االشتراكي لتحقيق‬
‫أهدافه االقتصادية‪ ،‬حيث يقوم التخطيط اإللزامي والمركزي والشامل بتحقيق التوازن في‬
‫النظام االقتصادي وفعالياته‪ .‬ومن أهم خصائص هذا التنظيم‪ :‬وجود خطة مركزية شاملة‬
‫وتتصف باإللزامية توجه كافة األنشطة والفعاليات االقتصادية لتحقيق أهداف النظام‬
‫االقتصادي االشتراكي‪ .‬وتفقد آلية السوق فاعليتها في هذا التنظيم االقتصادي لتحل محلها‬
‫الخطة وتتدخل الدولة في النشاط االقتصادي من خالل ملكيتها لوسائل اإلنتاج (الملكية‬
‫العامة)‪ .‬ويصبح المشروع هنا وحدة اقتصادية في جسم اقتصادي متناغم‪ ،‬فالمشروع وحدة‬
‫اقتصادية منفصلة من الناحية القانونية فقط‪.‬‬
‫– تصنيف األنظمة االقتصادية‪ :‬يتم تصنيف األنظمة االقتصادية باالستناد الى عدد‬
‫من المؤشرات والمعايير أهمها‪:‬‬
‫‪ – 1‬التصنيف الذي يعتمد مجموعة عوامل للتفريق بين األنظمة االقتصادية أهم هذه‬
‫العوامل‪ :‬دور الدولة في االقتصاد‪.‬‬

‫‪1‬‬
‫‪ – 2‬التصنيف الذي اعتمد شكل الملكية على أنه العامل الوحيد الذي يتم بواسطته‬
‫التفريق بين األنظمة االقتصادية‪.‬‬
‫وعلى العموم يمكن التمييز بين ثالث انظمة اقتصادية اساسية وهي‪:‬‬
‫النظام االقتصادي الرأسمالي‪ ،‬النظام االقتصادي االشتراكي والنظام االقتصادي‬
‫المختلط او االسالمي‪ .‬وتختلف أساسيات هذا االخير (االقتصاد اإلسالمي) عن‬
‫االقتصاديات الوضعية رأسمالية كانت أم اشتراكية‪ ،‬فتعاليم األول تستقى من مصادر التشريع‬
‫اإلسالمي‪ ،‬وأهمها الكتاب والسنة‪ ،‬تلك المصادر التي تتميز بثوابت ال تتغير‪ ،‬صالحة لكل‬
‫زمان ومكان؛ ألنها ليست من وضع البشر وانما هي تنزيل من خالق السماوات واألرض‪.‬‬
‫عند مقارنة ذلك النظام باألنظمة الوضعية نجد أن تلك األنظمة‪ ،‬فضالً‪ ،‬عن‬
‫عدم وضوح الرؤية فيها‪ ،‬قد تعرضت لكثير من الهزات نتيجة التخبط الذي يصاحب سن‬
‫األنظمة التي تحكم المتعاملين وتطبيقها‪ .‬فغني عن البيان ما نتج عن تطبيق النظام‬
‫االشتراكي في الدول التي تبنت ذلك النظام من تدهور لبناها التحتية وقطاعاتها االقتصادية‬
‫التي الزالت تعاني ذلك التدهور‪ ،‬وستظل تعانيه لعدة سنوات قادمة‪ ،‬وخير دليل على ذلك‬
‫الجمهوريات السوفييتية ودول أوروبا الشرقية وغيرها من الدول التي كانت تدور في فلك‬
‫االتحاد السوفييتي التي كانت الظروف االقتصادية من األسباب الرئيسة لتفككها‪.‬‬
‫أما النظام الرأسمالي فقد كشفت األزمات المالية‪ ،‬وخاصة األخيرة منها في دول‬
‫شرق آسيا عام ‪1991‬م عن إخفاقاته في معالجة تلك األزمات وأسبابها‪ .‬ففي ظل النظام‬
‫الرأسمالي تعمل حرية سعر الصرف لعملة الدولة نظرياً على زيادة الكفاءة االقتصادية من‬
‫حيث استغالل الموارد االستغالل األمثل‪ ،‬ولكن بعد تفجر تلك األزمة اتضح أن هناك فرصة‬
‫لبعض المستثمرين لتحقيق أرباح عالية إذا ترك سعر الصرف لعوامل العرض والطلب في‬
‫السوق المالية‪ .‬ونتيجة لذلك وضعت كثير من الدول قيوداً على حركة رؤوس األموال من‬
‫الدولة المتضررة واليها؛ مما يعني إخفاق النموذج االقتصادي الرأسمالي التعامل مع تلك‬
‫الظروف عملياً‪.‬‬
‫تاريخ النظم االقتصادية‪ :‬تدل دراسة التاريخ االقتصادي أن المجتمعات التي وصلت اليوم‬
‫إلى درجة عالية من التقدم الصناعي قد مرت منذ القدم بمراحل مختلفة‪ ،‬إذ بدأت بنظام‬

‫‪2‬‬
‫االكتفاء الذاتي الفردي حيث كان كل فرد يعتمد على نفسه فقط في الحصول على ما يحتاج‬
‫إليه‪ .‬وفي ظل هذا النظام البدائي في فترة ما قبل التاريخ‪ ،‬كان اإلنسان يكافح ويجاهد لحماية‬
‫نفسه من قسوة الطبيعة ولزيادة إنتاج ما يحتاج إليه مع االقتصاد في مجهوده‪.‬‬
‫وتدل دراسة هذا النظام البدائي على أن اإلنسان كان يعتمد في صراعه مع الطبيعة‬
‫على أدوات بدائية وبسيطة‪ .‬مثل العصي والحجارة المدببة والقوس والبلطة الحجرية في عدة‬
‫أغراض مثل الدفاع عن النفس وجمع الثمار‪.‬‬
‫ثم كانت بعد ذلك مرحلة أخرى من مراحل التطور تميزت بممارسة الزراعة وتربية‬
‫الماشية وااللتجاء إلى الري واختراع المحراث والمنجل والعربة ذات العجالت‪.‬‬
‫وقد ساعد اكتشاف النار والمعادن وصناعة األدوات اإلنسان في صراعه مع الطبيعة‬
‫وقسوتها‪.‬‬
‫‪ .1‬النظام االقتصادي البدائي‬
‫إن الحياة المعاصرة التي نحياها‪ ،‬بكل ما بها من متع وخيرات وأمن وحماية‪ ،‬إنما هي‬
‫من األمور الحديثة جداً في تاريخ البشرية‪ .‬ذلك أن اإلنسان عاش الجزء األكبر من تاريخه‬
‫في حالة بدائية‪ .‬فمنذ بدء الخليقة قبل ماليين السنين وهو يواجه الطبيعة بكل ما بها من‬
‫قسوة‪ ،‬فكان عرضة للزالزل والبراكين والفيضانات والحيوانات المتوحشة‪ ،‬فظل يسعى جاهداً‬
‫لتحقيق مزيد من اإلنتاج؛ إلشباع حاجاته المتعددة‪.‬‬
‫وبدأ اإلنسان في التجمع والسكن في الكهوف والمغارات واالعتماد في سد حاجاته من‬
‫الغذاء على ثمار األشجار‪ ،‬واصطياد الحيوانات واألسماك‪ ،‬وكانت مرحلة اكتشاف النار‬
‫مهمة لإلنسان‪ ،‬إذ جعلته يطهو طعامه وأصبح بإمكانه أن يعيش في مناطق باردة‪ ،‬وحقق‬
‫لنفسه أداة جديدة يمكن االعتماد عليها في حماية نفسه من مخاطر الحيوانات المفترسة‪ ،‬وقد‬
‫كان يعتمد على األحجار وأغصان الشجر في الدفاع والصيد والقنص‪.‬‬
‫وقد تمكن إلنسان البدائي من تطوير هذه األدوات واستخدامها في تعبيد األرض‬
‫ألغراض الزراعة‪ .‬ومع اكتشاف الزراعة بدأت مرحلة التخصص في اإلنتاج والتبادل بين‬
‫أفراد الجماعة‪ ،‬حيث كان منهم من يعمل بالصيد والرعي‪ ،‬ومنهم من يعمل بالزراعة‪.‬‬

‫‪3‬‬
‫إال أن الصيد كان النشاط الرئيس الذي اعتمد عليه اإلنسان في ظل النظام البدائي‪،‬‬
‫واستطاع بعد ذلك أن يسيطر على قوى الطبيعة‪ ،‬وانتقل من مزاولة نشاط الصيد البدائي إلى‬
‫استئناس بعض الحيوانات مثل الماعز والحصان‪ .‬ثم اتجه بعد ذلك إلى تعلم الزراعة‬
‫البدائية‪ ،‬واستعان بالحيوانات على حرث األرض‪ ،‬وكانت الزراعة محدودة‪ .‬فقد كانت ملكية‬
‫األرض على الشيوع‪ ،‬والقوي من األشخاص في هذه الجماعة البدائية كان يستأثر بنصيب‬
‫األسد‪ ،‬ويترك الباقي لمن هو أضعف منه‪ .‬وطبيعي أن يكون اإلنسان البدائي أنانياً وشرساً‬
‫في معامالته بفعل قسوة الطبيعة التي يتعامل معها‪ .‬وشيئاً فشيئاً أصبحت الملكية مقسمة بين‬
‫القبائل‪ .‬حيث لكل قبيلة أراضيها سواء مخصصة للري أو مخصصة للزراعة‪ ،‬وال يشاركها‬
‫فيها القبائل األخرى‪.‬‬
‫وبزيادة الجهد تمكن اإلنسان في النظام البدائي‪ ،‬من تطوير أدوات إنتاجه وزيادة‬
‫إنتاجيته فأصبح في إمكانه أن ينتج أكثر من حاجته‪ ،‬وبالتالي أصبح هناك فائض ادخار؛‬
‫مم ا أدى إلى تمتعه بالملكية الفردية‪ ،‬وبظهور الوفرة في اإلنتاج والملكية الفردية أصبح‬
‫اإلنسان في حاجة إلى المزيد من األيدي العاملة المنتجة‪ ،‬وبالتالي لم يعد‪ ،‬في ظل النظام‬
‫البدائي‪ ،‬يقتل عدوه األضعف منه‪ ،‬ولكنه استخدمه أسير حرب في اإلنتاج‪ .‬ومن هنا نشأ ما‬
‫يسمى "نظام الرق" ألول مرة‪.‬‬
‫‪ .2‬نظام الرق‬
‫يرجع مفهوم الرق إلى آراء الفالسفة اليونانيين‪ :‬أمثال أفالطون وأرسطو؛ إذ إنهم‬
‫الحظوا أن العمل اليدوي في مجال اإلنتاج الزراعي والحرفي كان في مرتبة أدنى وال يليق‬
‫باألحرار الذين يعملون بالفكر والحرب والدفاع‪ ،‬وهكذا أصبح كل ضعيف أو مقهور أو‬
‫مغلوب على أمره ضمن الرقيق‪ ،‬وأصبح كل قوى متمتعا بحقوقه وحريته ومن طبقة السادة أو‬
‫األحرار‪ .‬وفي ظل نظام الرق تطورت أدوات اإلنتاج على نحو مكن اإلنسان من زراعة‬
‫نباتات جديدة كالكروم والزيتون‪.‬‬
‫في ظل هذا النظام انقسم المجتمع إلى طبقتين متميزتين هما‪ :‬طبقة األحرار الذين‬
‫يتمتعون بكل الحقوق والحريات‪ ،‬وطبقة األرقاء المحرومين من كل حق أو حرية‪ ،‬ورغم أنهم‬
‫القوى اإلنتاجية البشرية الرئيسة لإلنتاج في المجتمع؛ انقسمت طبقة األحرار إلى فئتين ‪:‬‬

‫‪4‬‬
‫السادة وهم كبار المالك العقاريين‪ ،‬وهم في الوقت نفسه كبار مالك الرقيق‪ ،‬والعامة وهم‬
‫صغار المنتجين من مزارعين وحرفيين‪ ،‬الذين كانوا يستخدمون عدد محدوداً من الرقيق‬
‫كذلك‪.‬‬
‫باإلضافة إلى هاتين الفئتين كانت هنالك فئة ثالثة تضم األفراد العاطلين عن كل عمل‬
‫حيث تتولى الدولة إعالتهم‪.‬‬
‫وقد تميز نظام الرق بعدم العدالة في التوزيع‪ ،‬ألن ما ينتجه الرق يذهب بالكامل لصالح‬
‫سيده‪ ،‬وال يحصل الرقيق على ما يكفي لسد حاجته الضرورية أو لضمان استمرار حياته‪.‬‬
‫وكان األرقاء جزءاً من وسائل اإلنتاج‪ ،‬فهم جزء من أشياء كاألرض والحيوانات‬
‫واآلالت‪.‬‬
‫ونتيجة للظروف السيئة التي كان يعيشها الرقيق قاموا بثورات متعددة مطالبين‬
‫بتحريرهم‪ ،‬إلى أن أدرك السادة أن من األفضل تحريرهم واعطاءهم مساحات من األرض‬
‫حتى يزداد اإلنتاج ويتوفر لديهم الحماس‪ .‬وهكذا انتهى نظام الرق ليتحول فيما بعد إلى نظام‬
‫اإلقطاع‪.‬‬
‫‪ .3‬النظام االقتصادي اإلقطاعي‬
‫ترجع نشأة النظام اإلقطاعي إلى عهد الرومان‪ .‬إال أن معالمه الحقيقة لم تظهر‬
‫بوضوح إال ابتداء من القرن التاسع الميالدي‪ ،‬ووصل إلى قمته خالل القرن الثالث عشر‪ ،‬ثم‬
‫بدأ بعد ذلك في االضمحالل تدريجياً‪ .‬وليس هناك اتفاق بين المؤرخين حول حادث معين أو‬
‫تاريخ معين لنشأة النظام اإلقطاعي‪.‬‬
‫بدأ نظام اإلقطاع باقتطاع المالك واألمراء مساحات من األراضي إلى من يدينون لهم‬
‫بالوالء‪ ،‬وذلك مدى حياتهم‪ ،‬ثم أصبح ذلك أم اًر وراثياً‪ ،‬ويقوم هؤالء النبالء الذين حصلوا على‬
‫األرض باقتطاع مساحات منها إلى من يدين لهم وألميرهم وملكهم بالوالء‪ ،‬ومن هنا بدأ‬
‫االتجاه نحو تطبيق نظام الحكم المحلي بدالً من نظام الحكم المركزي‪ ،‬إذ يمكن القول أن‬
‫الضيعة أو اإلقطاعية كانت وحدة سياسية واجتماعية واقتصادية‪ .‬فهي وحدة سياسية ألن أحد‬
‫األسياد أو النبالء أو رجال الكنيسة كان يملكها ويكون له حق الحصول على دخل منها‪ ،‬وله‬
‫فيها سلطات واسعة‪ ،‬كسلطة جمع الضرائب وتعبئة السكان وقت الحرب‪ .‬وتعد الضيعة أو‬

‫‪5‬‬
‫اإلقطاعية وحدة اجتماعية؛ ألنها تتكون من مجموعة من األفراد يعيشون معاً في قرية‬
‫صغيرة‪ ،‬وتربطهم عادات خاصة بهم‪ .‬وتعد الضيعة أو اإلقطاعية وحدة اقتصادية؛ ألن كل‬
‫من أفرادها كان يعتمد على مبدأ االكتفاء الذاتي‪ ،‬حيث يتعاونون في زراعة األرض واعدادها‬
‫لإلنتاج ويشتركون في دفع الضرائب للسيد والكنيسة‪.‬‬
‫وتدل دراسة تاريخ أوروبا االقتصادي خالل القرون الوسطى أن المدن القديمة سقطت‬
‫تحت سلطان السادة اإلقطاعيين‪ ،‬وأّرغم أهلها على فالحة األرض المحيطة بها‪ ،‬وترتب على‬
‫ذلك اندثار بعض المدن‪ ،‬وتحول بعضها إلى قرى‪ .‬ولذلك فإن المرحلة األولى لإلقطاع قد‬
‫تميزت باندثار معالم المدنية‪ ،‬وسيادة الريف وزيادة أهمية النشاط الزراعي على حساب‬
‫النشاطين الصناعي والتجاري‪ .‬وهكذا أصبحت اإلقطاعية الوحدة السياسية للنظام اإلقطاعي‬
‫في أوروبا في القرون الوسطى‪ ،‬كما أصبحت كذلك الوحدة االقتصادية واالجتماعية‪.‬‬
‫نخلص مما تقدم إلى أن الزراعة كانت تحتل المركز األول في اقتصاديات الدول‬
‫األوربية حتى منتصف القرن التاسع عشر‪ .‬وكان الدخل من قطاع الزراعة‪ ،‬حتى ذلك‬
‫التاريخ‪ ،‬أكبر من الدخل من قطاع الصناعة أو من قطاع الخدمات‪.‬‬
‫وقد جرت عادة االقتصاديين على تقسيم النشاط االقتصادي إلى ثالث قطاعات هي‪:‬‬
‫الزراعة‪ ،‬والصناعة‪ ،‬والخدمات‪ .‬واذا رجعنا إلى اإلحصاءات‪ ،‬نجد أن نسبة المشتغلين‬
‫بالقطاع األول كانت أكبر من نسبة المستغلين بالقطاعين الثاني والثالث‪ ،‬وذلك حتى‬
‫منتصف القرن التاسع عشر‪ .‬فمنذ قيام الثورة الصناعية في النصف الثاني من القرن الثامن‬
‫عشر بدأت نسبة المشتغلين بقطاعي الصناعة والخدمات تزداد وفي الوقت نفسه قلت نسبة‬
‫المشتغلين بالزراعة‪ ،‬وقد اشتهر نظام اإلقطاع بنمو الطوائف الحرفية وطبقة الصناع الذين‬
‫أخذوا على عاتقهم توفير احتياجات المجتمع من الصناعات الحرفية‪ .‬ويتكون نظام الطوائف‬
‫الحرفية من عدد من (األسطوات) أو المعلمين في كل حرفة على حدة‪ .‬ويقوم (األسطى) أو‬
‫المعلم بمباشرة حرفته بمساعده عدد من الحرفيين والصبية‪.‬‬
‫وقد تميز العصر اإلقطاعي كذلك بنمو التجارة والمدن التجارية؛ مما أدى إلى تكوين‬
‫طبقة من كبار التجار األغنياء داخل كل مدينة‪ ،‬وقد ساهمت طبقة التجار والمدينة عموما‬
‫في تقويض نظام اإلقطاع ذاته‪ ،‬فمن ناحية أصبحت المدينة مقصداً للهاربين من وطأة حكم‬

‫‪6‬‬
‫اإلقطاع وظلمه داخل الريف‪ ،‬ومن ناحية أخرى كان لدى األغنياء من تجار المدن المال‬
‫الذي ساهم في نشأة النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫خصائص النظام اإلقطاعي‪ :‬تميز النظام اإلقطاعي الذي ساد أوروبا في العصور‬
‫الوسطى‪ ،‬بعده خصائص يمكن تلخيصها فيما يلي‪:‬‬
‫‪ .1‬كان النظام االقتصادي يقوم على اإلقطاعيات‪.‬‬
‫‪ .2‬اقترن النظام اإلقطاعي بالعبودية‪ ،‬وبصفة خاصة في قطاع الزراعة‪.‬‬
‫‪ .3‬تميز النظام اإلقطاعي بمستوى منخفض جداً من الفن اإلنتاجي‪ ،‬وبساطة تكلفة‬
‫أما تقسيم العمل فلم يكن موجوداً في ظل هذا النظام إال‬
‫أدوات اإلنتاج المستخدمة وصغرها‪ّ ،‬‬
‫في صورة بدائية‪.‬‬
‫مساوئ النظام اإلقطاعي‪ :‬يمكن تلخيص مساوئ هذا النظام فيما يلي‪:‬‬
‫‪ -1‬نظام تقسيم األرض إلى شرائح واعطاء المزارع عدداً منها تفصلها عن بعضها‬
‫مسافات كبيرة‪ ،‬أدى إلى ضياع جزء كبير من الوقت والجهد‪ ،‬ويكفي أن نذكر‬
‫هنا‪.‬‬
‫‪ -2‬إن تقسيم األرض الزراعية في اإلقطاعية إلى قطع كبيرة‪ ،‬ثم تقسيم كل قطعة إلى‬
‫شرائح صغيرة‪ ،‬أدى إلى إسراف في استخدام األرض القابلة للزراعة نتيجة ترك‬
‫مسافات كبيرة لتكون حدوداً فاصلة بين القطع المختلفة وكذلك بين الشرائح‬
‫المتعددة‪.‬‬
‫‪ -3‬أدى اتباع نظام الحقول المفتوحة إلى تبديد جزء من األرض‪ ،‬نتيجة تركها بدون‬
‫زراعة‪ ،‬ففي ظل نظام الحقلين كان هناك تبديد لنصف مساحة األرض الزراعية‪،‬‬
‫وفي ظل نظام الحقول الثالثة كان هناك تبديد لثلث مساحة األرض الزراعية‪،‬‬
‫ومن الواضح أنه لو طبق نظام الدورات الزراعية ألمكن االستفادة من هذه‬
‫األراضي‪.‬‬
‫‪ -4‬أدى اتباع نظام الحقول المفتوحة إلى جمود التقدم الفني في أساليب الزراعة‬
‫وطرقها‪ ،‬إذ كان المزارعون يزرعون الحاصالت نفسها‪ ،‬بالطريقة ونفسها‪ ،‬وفي‬
‫الوقت نفسه من كل عام‪.‬‬

‫‪7‬‬
‫‪ -5‬من أعظم مساوئ النظام اإلقطاعي ما كان ينطوي عليه من ظلم اجتماعي يقع‬
‫على عاتق طبقة العبيد‪.‬‬
‫العوامل التي أدت إلى تالشي النظام اإلقطاعي‪ :‬ومن اهمها‪:‬‬
‫‪ .1‬الثورة الصناعية ‪ :‬ال شك أن الثورة الصناعية كانت أهم العوامل التي أدت إلى تالشي‬
‫النظام اإلقطاعي ويتفق االقتصاديون في إطالق تسمية الثورة الصناعية ‪lairtsudn‬‬
‫‪ noienituel‬على التغيرات الهائلة التي حدثت في الهيكل الصناعي إلنجلت ار في الفترة‬
‫من عام ‪ 1171‬حتى عام ‪1331‬م‪ .‬فالواقع أن المخترعات العظيمة التي ظهرت في‬
‫فروع الصناعة المختلفة‪ ،‬وخاصة صناعة الغزل والنسيج‪ ،‬وصناعة التعدين‪ ،‬وتوليد‬
‫القوى المحركة‪ ...‬الخ‪ .‬وما ترتب عليها من نتائج‪ ،‬كانت سبباً في إطالق تسمية " الثورة‬
‫الصناعية"‪.‬‬
‫وال يعني تحديد عام ‪1171‬م بالذات بداية للثورة الصناعية‪ ،‬أنه لم يكن هناك تقدم فني‬
‫في طرق اإلنتاج الصناعي ووسائله قبل هذا التاريخ؛ فمنذ أن أصبحت الصناعة حرفة‬
‫مستقلة في القرن الثاني عشر الميالدي‪ ،‬حدث تقدم ملموس في طرق الصناعة ولكن‬
‫هذا التقدم كان بطيئاً؛ إذ استغرق ستة قرون من الزمان‪ ،‬بعكس ما حدث خالل الفترة‬
‫من ‪ 1171‬إلى ‪1331‬م؛ إذ كان التقدم سريعاً لدرجة مذهلة‪.‬‬
‫أما تحديد عام ‪1331‬م نهاية للثورة الصناعية‪ ،‬فال يعنى إطالقاً نهاية التقدم الفني في‬
‫طرق اإلنتاج الصناعي ووسائله‪ ،‬ولكنه يعني فقط نهاية الفترة التي شهدت التغيرات‬
‫الكبيرة في الهيكل الصناعي بإنجلت ار وما ترتب عليها من نتائج بالغة األهمية‪ .‬فالتقدم‬
‫الفني سيظل مستم اًر حتى يرث اهلل األرض ومن عليها‪ .‬ولعلنا نذكر في هذا المجال‬
‫التغير الكبير في طرق اإلنتاج الصناعي ووسائله في الدول الصناعية الكبرى مثل‬
‫الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬واالتحاد السوفيتي‪ ،‬وألمانيا الغربية‪ ،‬وانجلترا‪ ،‬وفرنسا‪ ،‬إلخ‬
‫الذي حدث من عام ‪1951‬م‪ ،‬فمنذ ذلك التاريخ أدخل نظام اآللية؛ إذ أصبحت اآلالت‬
‫تدار أوتوماتيكياً أي دون الحاجة إلى العمال‪ ،‬إال في بعض العمليات الخاصة‪ ،‬لقد كان‬
‫هذا التطور هائالً لدرجة أن البعض أطلق عليه تسمية "الثورة الصناعية الثانية" وترجع‬
‫هذه التسمية إلى صغر الفترة التي تم خاللها هذا التطور الهائل في وسائل اإلنتاج‪ ،‬فهي‬

‫‪8‬‬
‫لم تزد على خمس سنوات (‪1951‬ـ‪1955‬م)‪ ،‬وكذلك إلى اآلثار البالغة التي تركها هذا‬
‫التقدم الفني‪.‬‬
‫إن إطالق تسمية ثورة صناعية على التقدم الفني في طرق ووسائل الصناعة يستدعى‬
‫توافر ثالثة شروط‪:‬‬
‫‪ -‬أن يكون هذا التقدم كبي اًر وهائالً‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون هذا التقدم سريعاً ومفاجئ ًا‪ ،‬أي يحدث خالل فترة قصيرة من الزمن‪.‬‬
‫‪ -‬أن يكون لهذا التقدم الفني آثار ذات أهمية كبرى على الهيكل االقتصادي وعلى‬
‫العالقات االجتماعية‪.‬‬
‫ولإللمام ببعض جوانب الثورة الصناعية ينبغي دراسة النقاط اآلتية‪:‬‬
‫أ‪ .‬العوامل التي ساعدت على قيام الثورة الصناعية‬
‫لم تقم الثورة الصناعية في جميع الدول في وقت واحد‪ .‬فقد بدأت في إنجلت ار في عام‬
‫‪ ،1171‬إال أنها لم تبدأ في فرنسا إال عام ‪1315‬م‪ .‬ثم تأتي بعد ذلك الواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬إذ بدأ التطور الصناعي بها منذ منتصف القرن التاسع عشر‪ .‬أما في االتحاد‬
‫السوفيتي فإن التطور لم يظهر بوضوح إال بعد عام ‪ 1371‬وفي ألمانيا بعد عام‬
‫‪1311‬م ويرجع ذلك الختالف الظروف االقتصادية‪ ،‬واالجتماعية‪ ،‬والسياسية‪.‬‬
‫وفيما يلي أهم العوامل التي ساعدت على قيام الثورة الصناعية‪:‬‬
‫‪ -‬انتصار سياسة الحرية وانسحاب الدولة من الحياة االقتصادية‬
‫‪ -‬توافر رأس المال‬
‫‪ -‬زيادة السكان‬
‫‪ -‬السيطرة على اقتصاديات بعض المستعمرات‬
‫‪ -‬تقدم وسائل النقل والمواصالت‬
‫ب‪ .‬نتائج الثورة الصناعية‬
‫‪ -‬هجرة السكان من الريف وتركزهم في بعض المدن‬
‫‪ -‬كبر حجم الوحدات اإلنتاجية‬
‫‪ -‬دور النزعات االحتكارية في الصناعة‬

‫‪9‬‬
‫‪ -‬ظهور المصانع واستخدام اآلالت‬
‫‪ -‬ارتفاع مستويات المعيشة‬
‫‪ -‬احتدام النزاع بين العمال وأصحاب األعمال‬
‫ج‪ .‬الثورة الصناعية والدول النامية‪ :‬هناك عالقة وثيقة بين الثورة الصناعية واالستعمار في‬
‫أفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية‪ ،‬ومن ثم بقاء هذه المجتمعات في حالة من التخلف‬
‫االقتصادي‪.‬‬
‫(‪ )1‬العالقة بين الثورة الصناعية واالستعمار‪:‬‬
‫قامت الثورة الصناعية في عدد كبير من دول أوروبا‪ ،‬وكانت هذه الدول في حاجة إلى‬
‫كميات كبيرة من المواد األولية‪ ،‬وعندما تقدمت الصناعة في الدول األوروبية وأصبح‬
‫اإلنتاج في كثير من هذه الدول يزيد على حاجات االستهالك فيها‪ ،‬بدأت هذه الدول‬
‫تبحث عن أسواق خارجية لتصريف الفائض من إنتاجها الصناعي‪ .‬فوجدت في أفريقيا‬
‫وآسيا وأمريكا الالتينية مصد اًر تحصل منه على ما تحتاجه من المواد األولية وسوقا‬
‫لتصريف الفائض من إنتاجها الصناعي‪ ،‬وذلك ألن هذه الدول كانت حتى ذلك الوقت‬
‫دوالً زراعية‪.‬‬
‫وهكذا يؤكد كارل ماركس أن الدول الصناعية لجأت ـ تحت ضغط الحاجة إلى منافذ‬
‫جديدة ـ إلى غزو العالم‪.‬‬
‫(‪ )2‬أثر االستعمار على اقتصاديات الدول النامية‪:‬‬
‫جعل االستعمار من المستعمرات مناطق متخصصة في إنتاج المواد األولية على أن‬
‫تقوم بتصديرها إلى دول أوروبا الصناعية‪ ،‬وفي الوقت نفسه تقوم هذه المستعمرات‬
‫باستيراد المنتجات الصناعية من هذه الدول‪ .‬وقد ترتب على هذا الوضع نوعا من‬
‫التخصص الدولي‪ ،‬إذ أصبحت دول أفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية دوالً زراعية أو‬
‫ال صناعية‪ .‬وليس ذلك فحسب‪ ،‬بل كانت‬
‫استخراجية‪ ،‬بينما أصبحت دول أوروبا دو ً‬
‫الدول األوروبية تحصل على المواد األولية بأثمان منخفضة‪ ،‬وتبيع منتجاتها الصناعية‬
‫بأثمان مرتفعة ‪ ،‬أي أن معدل التبادل كان دائما في صالح الدول األوروبية؛ ولذلك فان‬
‫الدول األوروبية االستعمارية تمسكت باحتالل دول أفريقيا وآسيا وأمريكا الالتينية‬

‫‪10‬‬
‫واستعمارها تمسكاً شديداً‪ ،‬ولم توافق على منحها االستقالل إال عندما اضطرتها الظروف‬
‫الحركات التحررية الثورية إلى ذلك‪.‬‬
‫‪ .2‬قيام الملكية الخاصة‪ :‬قامت في عدد كبير من الدول األوروبية حركات ثورية تحريرية‬
‫تهدف إلى القضاء على نفوذ طبقة النبالء بالقضاء على مصدر قوتهم وهو ملكية‬
‫األرض واعادة توزيعها على الفالحين‪.‬‬
‫ومن أعظم هذه الحركات التحريرية الثورة الفرنسية التي اندلعت في ‪ 14‬مايو عام‬
‫‪ 1139‬م والتي بدأت بمصادرة أراضى النبالء ورجال الكنيسة وبيعها للفالحين بأسعار‬
‫معقولة وعلى أقساط‪.‬‬
‫وفي منتصف القرن التاسع عشر صدرت في ألمانيا عدة تشريعات تهدف إلى مساعدة‬
‫الفالحين في الحصول على األرض عن طريق إنشاء بنوك تقرض الفالحين المبالغ‬
‫الالزمة لش ارء األرض مقابل رهنها للبنك حتى يتم السداد‪ ،‬وكانت آجال هذه القروض‬
‫تمتد أحياناً إلى أكثر من ‪ 51‬سنة‪.‬‬
‫وفي الواليات المتحدة أعلن تحرير العبيد إثر قيام الحرب األهلية في الجنوب عام‬
‫‪ 1373‬وكان من نتائج حركة التحرير تغيير كبير في نظام الزراعة وانتشار الملكية‬
‫الصغيرة نسبيا‪.‬‬
‫‪ .3‬نمو االقتصاد النقدي ‪ :‬إن انتعاش التبادل التجاري ونموه في أوروبا الغربية إلى ظهور‬
‫أهمية الدور الذي تؤديه النقود في الحياة االقتصادية‪ .‬فقد استبدلت خدمات العمل‬
‫المدفوعات النقدية‪ ،‬وسداد إيجار األرض نقدا بدالً من نظام السخرة‪ .‬وقد أدى كل ذلك‬
‫إلى نمو حجم المعامالت النقدية وحجم السوق‪.‬‬

‫‪11‬‬
‫المحاضرة رقم ‪01‬‬

‫النظام االقتصادي الرأسمالي‬


‫لقد قام النظام الرأسمالي على أنقاض النظام اإلقطاعي‪ ،‬فالعوامل التي أدت إلى انهيار‬
‫النظام اإلقطاعي هي ذاتها التي ساهمت في إحداث تغيير في الهيكل االجتماعي الموجود‬
‫والقائم وايجاد نظام جديد هو النظام الرأسمالي‪ .‬ويعتبر النظام الرأسمالي من أقدم األنظمة‬
‫الوضعية‪ ،‬والتي انبثقت منه أغلب النظم االقتصادية المعاصرة‪ ،‬وذلك إما بتجنب نقاط‬
‫الضعف فيه أو بتعجيله أو القيام بتغيير المؤسسات التي يعتمد عليها النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫مفهوم النظام االقتصادي الرأسمالي‪ :‬لتعريف النظام االقتصادي الرأسمالي يجب مراعاة عدة‬
‫عناصر أساسية هي‪ :‬الفرد أو األفراد الرأسماليين‪ ،‬ثم الجمع بين عوامل اإلنتاج من أرض‬
‫وعمل ورأس مال ومواد خام‪ ،‬ثم استخدام اآلالت والتقدم الفني‪ ،‬كل ذلك بهدف الربح وتراكم‬
‫الثروة‪.‬‬
‫وبالتالي يمكن النظر للرأسمالية‪ ،‬كنظام‪ ،‬على أنها ذلك النظام‪ ،‬الذي يقوم على مبدأ‬
‫اإلتاحة لألفراد العاديين حق تملك وسائل اإلنتاج المختلفة‪ ،‬والتنافس مع نظرائهم‪ ،‬بهدف‬
‫تحقيق الكسب المادي‪ ،‬مع التأكيد على عدم التدخل الخارجي في طبيعة عمل القوانين‬
‫الطبيعية‪ ،‬التي تحكم تعامل األفراد بعضهم مع بعض‪ ،‬والدول بعضها مع بعض‪.‬‬
‫عوامل نشأة النظام الرأسمالي ‪ :‬وهي‬
‫‪-1‬تراكم رأس المال‬
‫‪ -2‬زيادة عدد السكان‬
‫‪ -3‬انتشار األفكار والمخترعات الفنية الحديثة‬
‫‪ -4‬التحرر السياسي‬
‫‪ -5‬االكتشافات الجغرافية والفتوحات األوروبية‬
‫خصائص النظام الرأسمالي‪ :‬هناك مجموعة من الخصائص التي تميز النظام الرأسمالي عن‬
‫غيره من النظم وتعمل على تسيير هذا النظام من ناحية وعلى نموه من ناحية أخرى‪ .‬وهذه‬

‫‪12‬‬
‫الخصائص هي‪ :‬الملكية الفردية‪ ،‬وحرية المشروع‪ ،‬وحافز الربح‪ ،‬والمنافسة‪ ،‬وجهاز الثمن‪.‬‬
‫وفيما يلي مناقشة هذه الخصائص‪:‬‬
‫‪ -1‬الملكية الفردية الخاصة‪ :‬يقصد بها في النظام الرأسمالي‪ ،‬إقرار المجتمع وحمايته‬
‫لحقوق األ فراد في االحتفاظ بما يحصلون عليه من ثروة‪ ،‬والتصرف فيها كيفما شاءوا‬
‫عن طريق االستغالل أو التأجير أو التنازل أو البيع أو التوريث‪.‬‬
‫وال يعنى إقرار المجتمع وحمايته لحقوق األفراد في التصرف فيما يملكون بالطريقة‬
‫التي تحقق لهم مصالحهم الخاصة‪ ،‬أن هذه الحماية تكون مطلقة‪ ،‬بل عادة ما تكون‬
‫في حدود اإلطار القانون واالجتماعي للمجتمع‪ ،‬وبالدرجة التي ال تسبب ضر اًر‬
‫لآلخرين‪.‬‬
‫‪ -2‬حافز الربح‪ :‬يعد حافز الربح في النظام الرأسمالي هو الدافع األساسي لزيادة اإلنتاج‪،‬‬
‫وهو المحرك الرئيسي ألي قرار يتخذه المنتجون‪ ،‬فكل فرد في هذا النظام إنما‬
‫يتصرف بما تمليه عليه مصلحته الشخصية‪ ،‬بما يتفق مع تحقيق أهدافه الخاصة‪.‬‬
‫وبما أن الربح هو الفرق بين اإليرادات والتكاليف فان المنتجين في النظام الرأسمالي‬
‫يختارون النشاط االقتصادي المالئم الستخدام ما في حوزتهم من موارد اقتصادية‬
‫أخذين في االعتبار إمكانية الحصول على أكبر قدر ممكن من إيرادات واقل تكاليف‬
‫لتعظيم الفرق بينهما‪ .‬واذا حدث ذلك في جميع األنشطة االقتصادية فإن كل الموارد‬
‫االقتصادية تكون قد استخدمت ونظمت‪ ،‬بحيث تعطي أقصى أرباح ممكنة‪ ،‬والتالي‬
‫يحصل المجتمع على أقصى دخل ممكن من موارده‪.‬‬
‫والربح في النظام الرأسمالي ليس مجرد عائد يحصل عليه المنظمون فحسب‪ ،‬ولكنه‬
‫يعد أحد العناصر المسيرة للنظام االقتصادي التي تعمل على تنميته‪ ،‬فعلى كل من‬
‫يرغب في الحصول على المزيد من األرباح‪ ،‬يزيد من إنتاجه‪ ،‬األمر الذي يؤدي إلى‬
‫زيادة اإلنتاج الكلى للمجتمع‪.‬‬
‫‪ -3‬المنافسة‪ :‬يتنافس البائعون والمشترون في سوق السلع االستهالكية وسوق عوامل‬
‫اإلنتاج من أجل الحصول على أفضل الشروط للسلع والخدمات محل التعاقد‪ ،‬فالبائع‬
‫يحاول بيع أكبر قدر ممكن من السلع سعي ًا وراء الربح‪ ،‬منافساً بذلك غيره من منتجي‬

‫‪13‬‬
‫السلع المماثلة‪ ،‬محاوالً تخفيض ثمن سلعته أو تحسين من جودتها ليكسب السوق‬
‫لنفسه‪.‬‬
‫‪ -4‬آلية األسعار‪ :‬يتميز النظام الرأسمالي بأن األثمان تتحدد فيه وفقا لرغبات المشترين‬
‫والبائعين وقدرتهم على المساومة ودون أي تدخل من جانب الحكومة‪ .‬ويؤدي جهاز‬
‫الثمن دور المرشد للمنتج والمستهلك ليتقرر بناء على ذلك ما يمكن إنتاجه من سلع‬
‫وخدمات‪ ،‬وكذا ما يتم استهالكه منها‪.‬‬
‫أي أن جهاز الثمن في النظام الرأسمالي من أهم العناصر التي يعتمد عليها في‬
‫التوفيق بين الموارد المتاحة في المجتمع والحاجات المطلوب إشباعها‪ .‬ويتحدد الثمن‬
‫في النظام الرأسمالي بقوى العرض والطلب‪ ،‬حيث تتحدد رغبات البائعين فيما يسمى‬
‫بقوى العرض‪ ،‬أم ا رغبات المستهلكين فتتحدد فيما يسمى بقوة الطلب‪ ،‬وبتالقي قوى‬
‫العرض والطلب يتم تحديد الثمن بالسوق‪ ،‬ومن هنا جاء تسمية االقتصاد الرأسمالي‬
‫"باقتصاد السوق" أو "اقتصاد العرض والطلب"‪.‬‬
‫انتقادات النظام الرأسمالي ‪ :‬ساد النظام الرأسمالي الحر دول العالم المتقدمة ما يقرب من‬
‫مائة وخمسين عاماً من منتصف القرن الثامن عشر حتى أواخر القرن التاسع عشر‪ .‬ورغم ما‬
‫فيه من ركائز أساسية مثل‪ :‬نظرية عدم التعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة‪،‬‬
‫فاإلنسان لو ترك وشأنه لن يحقق مصلحته الشخصية فحسب‪ ،‬بل سوف يعمل في الوقت‬
‫نفسه على تحقيق الصالح العام‪ .‬ولذلك كان شعار النظام ال أرسمالي ـ اتركه يعمل‪ ،‬اتركه يمرـ‬
‫وهى تعنى إطالق حرية العمل‪ ،‬إطالق حرية التجارة داخل البالد وخارجها‪.‬‬
‫وفيما يلي نتناول بالشرح والتفصيل عيوب النظام الرأسمالي‪:‬‬
‫‪ -1‬الحرية الوهمية‬
‫‪ -2‬االحتكار واإلسراف في استخدام الموارد‬
‫‪ -3‬سوء توزيع الدخل والثروة‬
‫‪ -4‬التقلبات االقتصادية والدورات االقتصادية‪ :‬يعتقد أنصار النظام الرأسمالي أن "جهاز‬
‫الثمن" كفيل بتحقيق التوازن التلقائي بين اإلنتاج واالستهالك‪ .‬والوقع ـ كما أثبتت‬
‫التجربة ـ أن هذا التوازن ال يمكن أن يحدث بطريقة تلقائية‪ .‬ويرجع ذلك إلى انه في‬

‫‪14‬‬
‫ظل النظام الرأسمالي الحر‪ ،‬يتولى المنظمون وأصحاب المشروعات وضع خطط‬
‫اإلنتاج التي تعتمد إلى حد بعيد على التنبؤات والتوقعات المستقبلية‪ .‬وقد أثبتت‬
‫التجربة أن المنظم الفردي وحده ال يتوفر لديه اإلمكانات لدراسة الطلب في األجل‬
‫الطويل‪ ،‬والسيما لدراسة الحالة االقتصادية بصفة عامة وما ينتظر أن يط أر عليها من‬
‫تغيرات‪ ،‬ويترتب على ذلك أن الطلب الفعلي على سلعة معينة قد يزيد وقد ينقص‬
‫عما كان يتوقعه المنظمون أو أصحاب المشروعات‪ ،‬مما يؤدى إلى اختالل التوازن‬
‫بين اإلنتاج واالستهالك‪ .‬ولذلك يمكن القول‪ :‬إن التقلبات االقتصادية ـ رواج وكساد ـ‬
‫هي في الواقع سمة من سمات النظام الرأسمالي الحر‪ .‬وتظل دراسة اقتصاديات‬
‫الدول الغربية التي اتبعت هذا النظام أكثر من مائة عام دليالً قاطعاً على حتمية‬
‫التقلبات االقتصادية في هذا النظام‪ ،‬وما يترتب على ذلك من بطالة خالل فترات‬
‫الكساد‪.‬‬
‫خصائص التقلبات االقتصادية‪ :‬أسفرت الدراسات اإلحصائية عن أن التقلبات االقتصادية‬
‫تتميز بخاصتين رئيسيتين هما صفة "الدورية" أي التكرار عبر فترات‪ ،‬وصفة التوافق الزمني‬
‫لمجموعة اتجاهات اقتصادية داخل الهيكل االقتصادي‪.‬‬
‫الخاصية األولى‪ :‬الدورية ‪ :‬تعاود التقلبات االقتصادية تعاود الظهور في فترات قد ال تكون‬
‫متساوية تماماً من حيث القياس الزمني‪ ،‬ولكنها متقاربة إلى الدرجة التي تجعلنا نسلم‬
‫بخاصية الدورية أو التكرار التي تتسم بها التقلبات‪ ،‬وقد ال تتشابه الدورات المتعاقبة من حيث‬
‫مداها أو الفترة التي تستغرقها‪ ،‬ولعل ظاهرة الدورية هذه أصبحت موضوع دراسة رجال‬
‫األعمال واهتمامهم إلى درجة أنهم يدخلون في توقعات يتم بناء عليها تقدير الظروف‬
‫المستقبلية‪.‬‬
‫الخاصية الثانية‪ :‬الشمول والتوافق الزمني‪ :‬تشمل التقلبات االقتصادية معظم أجزاء الجهاز‬
‫االقتصادي‪ .‬ويتأثر كل جزء من األجزاء بما يحدث في أجزاء أو قطاعات أخرى ضمن‬
‫النشاط االقتصادي القومي‪ .‬وقد يمثل البعض هذه الظاهرة بذلك اإلحساس باأللم الذي‬
‫يصيب كل الجسم عندما يتعرض لصدمة أو التهاب في جزء من أجزائه‪ ،‬إذا حدث ما يؤثر‬
‫في ميدان إنتاج أو قطاع أو منشأة كبرى‪ ،‬فإن هذا األثر ـ سيئاً كان أم طيباً ـ سيمتد مداه‬

‫‪15‬‬
‫إلى كل هؤالء الذين يتعاملون مع "المصاب" وسيؤثرون كذلك على غيرهم ممن لهم صله‬
‫اقتصادية بهم‪ .‬وهكذا يمتد األثر إلى الجهاز االقتصادي كله‪ .‬ففشل بعض المنشآت يعنى‬
‫ال‪ ،‬والتشاؤم يخلق التشاؤم‪.‬‬
‫فشالً آلخرين غيرهم والتفاؤل يخلق تفاؤ ً‬

‫مراحل الدورة االقتصادية‪ :‬تتميز الدورة االقتصادية باتجاهين متناقضين‪:‬‬


‫اوال‪ :‬االتجاه التصاعدي‪ :‬وبه المراحل التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬مرحلة الكساد‪ :‬في مرحلة الكساد يكون النشاط االقتصادي قد وصل إلى منتهى ما‬
‫يمكن عملياً من االنخفاض‪ .‬فاألجور منخفضة لمن ساعدهم القدر على االستمرار‬
‫في العمل‪ .‬وتكون قوة النقود الشرائية عالية ولكن القدرات الشرائية لألفراد ضعيفة‬
‫رغم انخفاض األسعار‪ ،‬ونظ اًر لضعف القدرة الشرائية في المجتمع‪ ،‬فمن البديهي أن‬
‫يكون معدل اإلنتاج في قطاعات السلع االستهالكية واالستثمارية منخفضاً في‬
‫ميدان اإلنتاج‪ ،‬ويستقر توازن قطاع األعمال عند مستوى منخفض من حيث‬
‫األسعار والعمالة واألرباح والتكاليف‪ .‬ويتحمل المجتمع هذه الفترة بما فيها من شقاء‬
‫للعاطلين ولهؤالء الذين خسروا الجزء األكبر من ثرواتهم أو يعانون انخفاض‬
‫الدخل‪ ،‬ولكن هذا الوضع لن يستمر إلى األبد بعد فترة قد تطول أو تقصر يستعد‬
‫المجتمع لمواجهة فترة من التفاؤل تحل محل التشاؤم‪ ،‬فالكساد بطبيعته يحمل بين‬
‫ثناياه بذور اإلنتاج‪.‬‬
‫‪ -2‬االنتعاش‪ :‬تكمن بذور اإلنتاج في انخفاض مستويات األجور حتى بالنسبة للعمال‬
‫المهرة‪ ،‬وتوافر فرص االقتراض قليل التكلفة والودائع لدى البنوك‪ ،‬وانخفاض نفقات‬
‫الخامات والمعدات نسبياً‪ ،‬وقد تنخفض أسعار المنتجات‪ ،‬وتكاليف اإلنتاج‪ ،‬وذلك‬
‫الن المراحل األخيرة من الكساد تكون قد "شدت" النفقات إلى مستوى منخفض جداً‬
‫بحيث يظهر بصيص من أمل الربح‪.‬‬
‫وهذا األمل يحفز المنظمين ـ الذين يتمتعون بمركز طيب للحصول على المال ـ أن‬
‫يخاطروا بالعودة إلى تنشيط اإلنتاج‪ ،‬وسيحاول هؤالء اقتناص الفرص قبل غيرهم‬
‫من المنافسين‪ ،‬فيصلحون المعدات اإلضافية وسرعان ما يحذو فريق آخر حذوهم‪،‬‬

‫‪16‬‬
‫وتبدأ الطلبات على شركات التشييد والبناء‪ ،‬فتزداد العمالة‪ ،‬ويحصل العمال على‬
‫دخل إضافي بعد أن انتقلوا من البطالة إلى التوظف‪ ،‬فينفقون هذا الدخل على سلع‬
‫استهالكية‪ ،‬وهذه الزيادة في اإلنفاق تبعث على تنشيط اإلنتاج في صناعات أخرى‬
‫كصناعة السلع االستهالكية فتزداد العمالة‪ ،‬فالدخل‪ ،‬فاإلنفاق‪ ،‬وهكذا يكون المجتمع‬
‫قد تخطى ظلماك الكساد وانتقل إلى نور النشاط الطبيعي‪.‬‬
‫‪ -3‬التوسع‪ :‬أن تيار االنتعاش الذي بدأ يزداد قوة يجد تدعيماً من جهات متعددة‪،‬‬
‫فتنشيط االستثمار في صناعة ما يؤدى إلى التنشيط في صناعة أخرى‪ ،‬وأجور‬
‫العمال في صناعة ما تخلق طلبات على منتجات صناعة أخرى‪ ،‬واذا ساد تنشيط‬
‫عام في الطلب فإن األسعار ستميل نحو االرتفاع وتزداد دخول رجال األعمال‪،‬‬
‫بينما ال ترتفع األجور وأسعار الفائدة إال ببطء‪ .‬وهذا يعنى اتساع الربح أو الفائض‪.‬‬
‫وهنا يبدأ التفاؤل واذا بدأ فسوف ينتشر بسرعة والى كثير من المجاالت‪ ،‬فالبنوك‬
‫متأكدة أن المنظمون يربحون‪ ،‬ولذلك فهي ال تمانع في اإلقراض‪ ،‬فتتوسع في‬
‫االئتمان ويتمادى المنظمون في االقتراض ويتوسعون في اإلنتاج طالما أن األرباح‬
‫والمتوقعة تفوق سعر الفائدة‪.‬‬
‫إن هذا الرواج غير العادي يصيب رجال األعمال " بلوثة" من الفرح والغبطة‬
‫فيبالغون في التفاؤل‪ ،‬وتصيب حمى التكالب على الكسب غالبية رجال األعمال‪،‬‬
‫وهكذا يصل المجتمع إلى "الفورة" االقتصادية التي قد تستمر عدداً من السنين‪.‬‬
‫ثانيا‪ :‬االتجاه التنازلي ‪ :‬وبه المراحل التالية‪:‬‬
‫‪ -1‬نقطة التحول التنازلي‪ :‬وبما أن الكساد يولد االنتعاش ذاتياً‪ ،‬فإن ظروف الرواج‬
‫الجامد تحمل بين ثناياها عوامل إيقافها‪ ،‬فالمجتمع قد وصل إلى مرحلة التوظف‬
‫الكامل وبعض األجور قد أخذت في االرتفاع‪ ،‬وزيادة الطلب على العمل قد أدت إلى‬
‫توظيف عناصر أقل كفاية بأجور قد تفوق إنتاجيتهم‪،‬‬
‫وقد بدأ سعر الفائدة في االرتفاع‪ ،‬وارتفعت كذلك أثمان معظم الخامات ومعدات‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وبدأت نفقات اإلنتاج تسير في مرحلة تصاعدية‪ ،‬ويأتي الوقت الذي تتخطى‬
‫فيه نفقات اإلنتاج في مرحلتها التصاعدية أثمان المنتجات‪ ،‬فتتناقص فرص الربح‪،‬‬

‫‪17‬‬
‫ويتضاءل الفائض والربح تدريجياً‪ ،‬ويختفي فائض الربح من بعض المنشآت وتلحق‬
‫منشآت أخرى خسارة‪.‬‬
‫عندما تقارب مرحلة الرواج على االنتهاء‪ .‬يبدأ القلق‪ .‬وقد يساور القلق البنوك‪ ،‬فتلوح‬
‫بطلب رد القروض التي سبق أن قدمتها‪ ،‬مما يؤدي إلى إحراج المركز المالي‬
‫للمقترضين‪ ،‬األمر الذي يؤدى إلى انتشار عدوى القلق والذعر في دوائر األعمال‬
‫ويصبح الجو ملبداً بغيوم التشاؤم التي تقود إلى مرحلة النكسة‪.‬‬
‫‪ -2‬مرحلة النكسة‪ :‬في هذه المرحلة يصاب كل منظم بالقلق على مركزه‪ ،‬ويتيقن أن‬
‫مرحلة الكسب قد أوشكت على االنتهاء‪ ،‬فيتوقف المنظمون عن طلب معدات‬
‫وخامات جديدة‪ ،‬ويحاول البعض منهم تخفيض معدالت القروض‪ ،‬وتبدأ أخبار‬
‫اإلفالس في االنتشار‪ ،‬وتزيد الشائعات وتنتشر ويزداد الذعر‪ ،‬ويزداد تفضيل األفراد‬
‫للنقد السائل‪ ،‬فيضيفون بذلك إلى تيار االنكماش‪ ،‬واذ يقل اإلنفاق فتنخفض أرقام‬
‫المبيعات فيزيدون قلق رجال األعمال تأكيدا‪.‬‬
‫وكما أن الرواج يغذى نفسه‪ ،‬فإن االنكماش يغذى نفسه كذلك‪ ،‬وألن كل فرد يفكر في‬
‫نفسه‪ ،‬فيحاول إنقاذ المركز المالي أو يمتنع عن اإلنفاق وسرعان ما يتجمع أثر‬
‫االمتناع عن االتفاق بالتكالب على االكتناز‪ ،‬فتبدأ بوادر االنهيار‪ ،‬وتنتشر أخبار‬
‫اإلفالسات‪ ،‬واذا انهارت منشأة فإنها تخلف وراء انهيارها صعوبات عملية وسيكولوجية‬
‫لكل من كان يتعامل معها من المنشآت األخرى‪ .‬فيطغى التشاؤم على الجميع‪ ،‬ويعم‬
‫اليأس والبؤس بين العاطلين الذين ُسرحوا من المنشآت التي أفلست أو خفضت من‬
‫معدالت نشاطها‪ ،‬فتؤدى البطالة إلى بطالة‪ ،‬بكل ما لها من آثار انكماشية‪ ،‬وبعد فترة‬
‫يجد المجتمع نفسه قد عاد إلى ظلمات الكساد مرة أخرى فترة يستمر مداها رد فعل‬
‫بقدر ما كان االنحراف شديداً خالل مرحلة التضخم التي سبقت االنهيار‪.‬‬

‫‪18‬‬
‫المحاضرة رقم ‪00‬‬

‫النظام االقتصادي االشتراكي‬


‫بعد تطبيق النظام االقتصادي الرأسمالي ظهرت العديد من المشكالت التي‬
‫أوجبت ضرورة تدخل الدولة في النشاط االقتصادي وادارته‪ .‬وكان التحول من النظام‬
‫الرأسمالي إلى نظام يعتمد على الملكية الجماعية لمعظم عوامل اإلنتاج واتباع أسلوب‬
‫التخطيط االقتصادي إلدارة النشاط االقتصادي من خالل النظام االقتصادي االشتراكي‪.‬‬
‫تعريف النظام االقتصادي االشتراكي‪ :‬يطلق لفظ االشتراكية ‪ meiudnurS‬للتعبير عن‬
‫الكثير من المعاني المختلفة‪ ،‬فأحياناً يطلق على مجرد تدخل الدولة في النشاط االقتصادي‪،‬‬
‫وبذلك تكون االشتراكية نقيضاً لسياسة الحرية االقتصادية‪ .‬كما يطلق‪ ،‬أحياناً‪ ،‬للتعبير عن‬
‫تدخل الدولة في حياة العمال‪ ،‬والطبقات الفقيرة‪ ،‬بهدف سن التشريعات االجتماعية‪،‬‬
‫واالقتصادية‪ ،‬التي تخفف معاناتهم‪ ،‬وتمنحهم بعض المزايا‪.‬‬
‫إال أن االشتراكية‪ ،‬من الناحية العلمية‪ ،‬تعني النظام الذي تؤول فيه ملكية مواد اإلنتاج‪،‬‬
‫واألراضي‪ ،‬واآلالت‪ ،‬والمصانع للدولة‪ .‬بمعنى آخر‪ ،‬فإن االشتراكية‪ ،‬على خالف ما تقتضيه‬
‫الرأسمالية‪ ،‬تقوم على الملكية الجماعية لعناصر اإلنتاج المختلفة‪.‬‬
‫أخذت االشتراكية‪ ،‬في الفكر االقتصادي والتطبيق الفعلي‪ ،‬صورتين‪ ،‬صورة االشتراكية‬
‫الخيالية‪ ،‬وصورة االشتراكية الماركسية نسبة إلى كارل ماركس‪ .‬فقبل ظهور االشتراكية‬
‫الماركسية‪ ،‬كان المنادون باالشتراكية يحاولون تصوير عالم خيالي‪ ،‬تسود فيه مبادئ‬
‫االشتراكية الخيالية‪ ،‬وتنعدم فيه مساوئ النظم االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬السائدة‪ ،‬محاولين‬
‫إقناع األفراد‪ ،‬والحكومات‪ ،‬بالمشاركة في إقامة هذا العالم الخيالي‪ .‬وكان اعتمادهم‪ ،‬في ذلك‪،‬‬
‫على التأثير العاطفي المصحوب بسرٍد للمساوئ االجتماعية‪ ،‬واالقتصادية‪ ،‬التي كانت سائدة‬
‫في تلك الفترة‪ .‬ومن هذا المنطلق فإن االشتراكية الخيالية لم تكن ذات أساس علمي تحليلي‪،‬‬
‫وانما كانت مجرد تخيالت وأحالم‪ ،‬ليس لها أساس علمي‪ .‬أما الصورة الثانية من صور‬
‫االشتراكية فكانت االشتراكية الماركسية‪ ،‬أو االشتراكية العلمية‪ ،‬التي حاول كارل ماركس‬
‫بناءها على أساس علمي‪ ،‬محاولة لتميزها عن االشتراكية الخيالية‪ ،‬ولدحض حجج‬
‫‪19‬‬
‫الرأسمالية‪ ،‬التي اعتمدت المنهج العلمي أداة رئيسية في تحليلها للقضايا االقتصادية‬
‫المختلفة‪.‬‬
‫ظهور النظام االشتراكي‪ :‬إذا كان يؤرخ للنظام الرأسمالي بقيام الثورة الصناعية‪ ،‬فقد‬
‫سبق النظام الرأسمالي في الظهور أحد أهم عناصر النظام االقتصادي ‪ ،‬ونعني به المذهب‬
‫الفكري وذلك من خالل أفكار وتنبؤات بعض رجال الفكر‪ ،‬والذي كان من أهمهم العالم‬
‫االقتصادي اإلنجليزي آدم سميث‪ ،‬والذي ظهر في كتابة الشهير ” ثروة األمم ” والصادر عام‬
‫‪ .1117‬وبعد سنوات من تطبيق النظام الرأسمالي في بلدان أوروبا الغربية والواليات المتحدة‬
‫األمريكية‪ ،‬تعرض اإلطار اإلنتاجي الجديد لهجوم شديد‪ ،‬وانتقادات الذعة من جانب‬
‫اقتصاديين ألمان وفرنسيين وأمريكيين‪ ،‬ولكن كان الهجوم الكبير من جانب اقتصاديين أصبح‬
‫يطلق عليهم اسم االشتراكيين‪ ،‬وهم الذين تشككوا في سالمة القوة والدوافع والسلوك التي‬
‫ارتبطت بالحيازة الخاصة للممتلكات‪ ،‬والسعي إلى إحراز الثروة‪ .‬وقد وجد هؤالء‬
‫االقتصاديون‪ ،‬وفي السنوات الوسطي من القرن التاسع عشر النتقاداتهم وهجومهم‪ ،‬الجذور‬
‫في التراث الكالسيكي نفسه‪ ،‬وذلك انطالقا من فكرة أن القيمة تجد أساسها في العمل والتي‬
‫نادى بها ريكاردو‪ ،‬وفكرة فائض القيمة الذي يستولي عليه الرأسمالي بطريقة خادعة‪ ،‬والرأي‬
‫القائل بأن كل الحصيلة من البضائع إنما تخص األيدي العاملة التي تنتجها‪.‬‬
‫وعلى الرغم من كثرة الكتاب الذي انتقدوا وهاجموا النظام الرأسمالي‪ ،‬إال أن هناك‬
‫شخصية قد دفعتهم إلى الظل‪ ،‬وهى شخصية األلماني كارل ماركس (‪ .)1333 -1313‬وقد‬
‫وصلت شهرته على المسرح االقتصادي والتاريخي إلى درجة أن نعت المرء بأنه ماركسياً في‬
‫الدول الصناعية الغربية‪ ،‬وخصوصاً الواليات المتحدة األمريكية‪ ،‬فذلك يفيد استبعاده من‬
‫الخطاب الراقي المحترم‪ ،‬ودمغه بعار شديد‪ .‬وقد تأثر كارل ماركس فكرياً بالفيلسوف األلماني‬
‫هيجل‪ ،‬ومن ثم كان مهيئاً لرفض التراث الكالسيكي أو مفترضات النظام الرأسمالي التقليدي‬
‫والحديث‪ .‬فاالقتصاديون الرأسماليون يفترضون وجود توازن بين القوى المختلفة‪ ،‬لدرجة أن‬
‫أصبح يسمي باقتصاد التوازن‪ ،‬والذي يقوم على أساس أن العالقة األساسية بين صاحب‬
‫العمل والعامل‪ ،‬وبين األرض ورأس المال والعمل‪ ،‬وهي العالقة التي ال يمكن أن تتغير أبداً‪،‬‬
‫وان حدث تغيير في المعروض من األيدي العاملة أو من رأس المال‪ ،‬وهذا التغيير ال يؤدى‬

‫‪20‬‬
‫إال إلى توازن جديد ومماثل ‪ .‬وبحث وتحديد هذا التوازن النهائي هو جوهر علم االقتصاد‬
‫السياسي‪ .‬كما أن من أساسيات النظام االقتصادي التقليدي والحديث هو وجود قاعدة ثابتة ال‬
‫تتغير‪ ،‬أيا كانت االضطرابات أو األزمات التي يتعرض لها النظام‪ ،‬وأن علم االقتصاد يبحث‬
‫ويثقل المعرفة بالمؤسسات الرئيسية والعالقات الجوهرية الدائمة والباقية‪.‬‬
‫من جهة ثانية‪ ،‬وقع كارل ماركس تحت تأثير هيغل ‪ ،‬ومن الفكر اليهغلي جاءت فكرة‬
‫على أكبر قدر من األهمية‪ ،‬وهى أن الحياة االقتصادية واالجتماعية والسياسية تكون دائماً‬
‫في حال تحول مستمر‪ .‬وعندما يبرز كيان اجتماعي أو طبقة اجتماعية وتحتل الموقع األول‬
‫اجتماعياً‪ ،‬ال تلبث أن يظهر كيان أو طبقة اجتماعية وقوة جديدة تنافسها وتتحداها‪ .‬والمثال‬
‫البارز لهذه الفكرة‪ ،‬هو بروز طبقة الرأسماليون أو الصناعيون الجديد مكان الطبقة الحاكمة‬
‫القديمة‪ ،‬وهى مالكو األرض‪ .‬ولم يكن األمر يحتاج إلى جهود لرؤية أن الصناعيين الجدد أو‬
‫البرجوازية الجديدة‪ ،‬بعد أن تحدت الطبقة االجتماعية السابقة عليها وهى األرستقراطيين أو‬
‫مالك األراضي بالقدر الكافي وأنشأت تركيباً جديداً‪ ،‬سوف تتعرض بدورها لتحد كيان‬
‫اجتماعي جديد وهو طبقة العمال‪.‬‬
‫من جهة ثالثة‪ ،‬إذا كانت فلسفة المذهب الفردي أو فلسفة النظام الرأسمالي تطلق‪ ،‬في‬
‫أحد جوانبها‪ ،‬من أن الدولة إنما توجد من أجل الفرد‪ ،‬نجد لكارل ماركس فلسفة أو فكر جديد‬
‫مخالف‪ ،‬وهو نفس فكر األلماني جورج فريدريك ليست ‪ ،‬وهى أن الفرد يوجد من أجل الدولة‪.‬‬
‫فالدولة هي التي تمنحه الحماية و إمكانية الوجود بشكل متحضر ومستمر‪ ،‬ومن هنا فالدولة‬
‫يجب أن تتقدم وأن يكون لها الدور األسمى‪.‬‬
‫وقد رفض ماركس مهتدياً بهيغل‪ ،‬االفتراضات األساسية لالقتصاد الرأسمالي التقليدي‬
‫والحديث‪ ،‬فالتوازن ليس هو النهاية‪ ،‬وانما هو مجرد حدث في تغير أكبر كثي اًر‪ ،‬يؤدى إلى‬
‫تغيير كامل العالقة بين رأس المال والعمل‪ .‬كما أن المؤسسات االقتصادية‪ ،‬ونقابات العمال‪،‬‬
‫والشركات‪ ،‬والمظاهر االقتصادية للدولة وسياستها‪ .‬كل ذلك في تغيير مستمر وفي حالة‬
‫حركة‪ ،‬وأن صراع الطبقات هو مصدر هذه الحركة‪.‬‬
‫وقد أصدر كارل ماركس‪ ،‬بالتعاون مع صديقة األلماني أيضاً فريدريك انغلز أشهر‬
‫منشور سياسي‪ ،‬والذي قوبل بأكبر قدر من االعتراض والتنديد وهو البيان الشيوعي الذي‬

‫‪21‬‬
‫خاطب السخط الواسع النطاق الذي عبرت عنه الحركات الثورية للعام ‪ .1343‬وقد تبع ذلك‬
‫إصدار المجلد األول من كتابه ” رأس المال ” الذي راجعه وأعده للطبع صديقه انجلز‪،‬‬
‫وصدر في حياة كارل ماركس‪ ،‬ثم اعتمد انجلز بعد ذلك على المذكرات وأجزاء من‬
‫المخطوطة الستكمال ونشر الجزأين األخيرين من ” رأس المال” بعد وفاة كارل ماركس‪.‬‬
‫وفي كتابة ” رأس المال “ ‪ ،‬أشار ماركس إلى إنجازات النظام الرأسمالي في مجال‬
‫اإلنتاج‪ ،‬وأشاد بها‪ ،‬وذكر أن النظام الرأسمالي‪ ،‬وفي فترة لم تتجاوز المائة عام حقق قد اًر‬
‫أكبر وأضخم من كل األجيال السابقة مجتمعة‪ .‬كما أشار إلى إنجازات أخرى للرأسمالية‪ ،‬وان‬
‫كانت فرعية كخلق المدن الجديدة وزيادة سكان الحضر زيادة كبيرة بالقياس لسكان الريف‬
‫عالوة على األسعار الرخيصة للسلع والمنتجات‪ .‬ولكن بعد هذه اإلشارة المقتضبة لمنجزات‬
‫اإلطار اإلنتاجي الجديد أو الرأسمالية‪ ،‬وجه ماركس سهامه نحو جوانب الضعف في‬
‫الرأسمالية والتي أجملها في أربعة عيوب أو مشكالت رئيسية‪ ،‬وهى‪:‬‬
‫‪ -1‬التوزيع غير المتكافئ في السلطة ‪ :‬ذهب ماركس إلى أن السلطة ال مهرب منها في‬
‫الحياة االقتصادية‪ ،‬ومصدر هذه السلطة هي الملكية الخاصة‪ ،‬وبالتالي فالسلطة هي‬
‫ملكية طبيعية وحتمية للرأسمالي‪ .‬وأن سلطة الرأسمالي ال تقتصر على مشروعه‪ ،‬بل تمتد‬
‫إلى المجتمع والدولة‪ .‬فالجهاز اإلداري في الدولة ما هو إال لجنة إلدارة الشئون المشتركة‬
‫للبرجوازية الحاكمة‪ ،‬ويضيف ماركس بأن هذه السلطة الرأسمالية تمتد لتشمل‬
‫االقتصاديين‪ ،‬ومن ثم يخضع علم االقتصاد واالقتصاديون لنفوذ سلطة الرأسمالي‪.‬‬
‫‪ -2‬التوزيع غير المتكافئ في الدخل ‪ :‬إن الفروق الهائلة في توزيع الدخل‪ ،‬كانت محل‬
‫مالحظات االقتصاديين التقليديين أنفسهم‪ .‬وقد قالوا بمبررات لم تكن كافية وقوية لهذا‬
‫التفاوت‪ .‬وقد وجد ماركس تبري اًر‪ ،‬من جهة نظره ونظر أنصاره والتي وجد مصدرها في‬
‫نظرية ريكاردو ” العمل في القيمة “‪ .‬فقد رأى ماركس أن العامل الحدي يحصل على‬
‫مقابل أو على أجر يعكس إسهامه المضاف في مجموع إيرادات المشروع‪ .‬ويتناقص هذا‬
‫اإلسهام‪ ،‬وفقاً لقانون الغلة المتناقصة مع إضافة عمال جدد‪ .‬واألجر الحدي يقرر األجر‬
‫للجميع ‪ .‬ولكن من هم بعيدون عن الحد يحصلون على األجر الحدي على الرغم من‬
‫أنهم يساهمون في المكاسب بأكثر مما يحصلون عليه من أجر‪ ،‬وربما بأكثر منه كثي اًر‪.‬‬

‫‪22‬‬
‫وانهم في المراحل قبل الحدية من العائدات المتناقصة يحققون فائدة أكبر وهذه هي‬
‫القيمة المضافة أو فائض القيمة‪ ،‬والتي ال يحصل عليها من يحققها أو يحققونها‪ ،‬بل‬
‫يستولي عليها وبطريقة خادعة الرأسمالي‪.‬‬
‫فإذا كان ت هناك قوانين إلنتاج تفرضها الطبيعة مثل قانون الغلة المتناقصة‪ ،‬فإن قوانين‬
‫التوزيع قد فرضها اإلنسان‪ ،‬وليس هناك ما يجبر العمال على الخضوع لمثل هذا الترتيب‬
‫اإلنساني‪.‬‬
‫‪ -3‬األزمات المتالحقة للنظام الرأسمالي ‪ :‬ال يمثل فقط التوزيع غير المتكافئ في السلطة‪،‬‬
‫وال التوزيع غير المتكافئ في الدخل‪ ،‬عيوب الرأسمالية‪ ،‬بل يهدد بقاء النظام الرأسمالي‬
‫كذلك االتجاه إلى الكساد والبطالة‪ .‬فقد شهد ويشهد النظام الرأسمالي وجود دورة‬
‫اقتصادية أشبه بالموجة تسبب اختالالً‪ .‬وقد نظر االقتصاديون الرأسماليون األوائل‪ ،‬من‬
‫أمثال جانب باتسيت ساى‪ ،‬دافيد ريكاردو إلى هذه الموجات بأنها أمر مؤقت ال تغير‬
‫األوضاع األساسية‪ ،‬كما حلل جون مانيارد كينز هذه الدورات أو األزمات بفكر جديد‬
‫يخالف قانون ساى‪ ،‬وهو وجوب تدخل الدول لخلق أو تنشيط الطلب الكلي أو الطلب‬
‫الفعال‪.‬‬
‫ومع الكساد الكبير وما سببه من تعاسة وشقاء‪ ،‬أي اإلخفاق الذريع للنظام الرأسمالي‪،‬‬
‫كان النموذج السوفيتي أو االشتراكية أو الشيوعية هو البديل الواضح والمتاح والممكن‪.‬‬
‫إال أن ممارسات النظام الحاكم في االتحاد السوفيتي للسلطة‪ ،‬السيما في عهد جوزيف‬
‫فيساريو نوفيتش ست الين‪ ،‬كانت بمنزلة آفة في كل أرجاء العالم على كلمة الشيوعية أو‬
‫االشتراكية نفسها‪ .‬كما كانت مصدر متاعب جسيمة في سنوات الخمسينات‪ ،‬والتي‬
‫شهدت المالحقة الشرسة للمواليين للشيوعيين‪ ،‬ولمن سموا بـ ” الحمر ” والتي دعا إليها‬
‫جوزيف ريموند مكارثى‪ ،‬ولهذا عرفت هذه الحملة أو المالحقة للمواليين للشيوعية‬
‫“بالمكارثية” والتي تميزت بأخذ الناس بالشبهة والشائعة‪.‬‬
‫‪ -4‬االحتكار‪ :‬لم يقتصر األمر على نقاط الضعف السابقة‪ ،‬التي ألمت وتلم بالنظام‬
‫الرأسمالي‪ ،‬بل يوجد نقطة ضعف أخرى أشار إليها كارل ماركس‪ ،‬وهى االحتكار‪ .‬وعلى‬
‫الرغم من أن أنصار النظام الرأسمالي يعترفون بها‪ ،‬إال أنهم يرونها استثناء من القاعدة‬

‫‪23‬‬
‫الحاكمة للسوق‪ ،‬وهى التنافس‪ ،‬ومن ثم فاالحتكار ال يمثل خط اًر على النظام في جملته‪.‬‬
‫غيران ماركس يرى المسألة من وجهة نظر أخرى‪ ،‬فازدياد النشاط االقتصادي في أيدي‬
‫فئة قليلة من الرأسماليين‪ ،‬هو اتجاه قوى ومستمر‪ .‬وهكذا يرى كارل ماركس أن النظام‬
‫االقتصادي الرأسمالي الذي أشاد به االقتصاديين الكالسيك‪ ،‬وبسبب نقاط الضعف‬
‫المذكورة آنفاً‪ ،‬سيصل إلى نهايته‪ ،‬كما كان يعتقد ماركس في مجال آخر‪ ،‬أن الدولة بعد‬
‫استيالء الطبقة العاملة أو البروليتاريا عليها‪ ،‬سوف تختفي في نهاية األمر‪ .‬وهو قول لم‬
‫يصدق‪ ،‬بل احتفظت الدولة الحديثة بقوتها في ظل تطبيقها للنظام االشتراكي‪ ،‬كما حدث‬
‫في االتحاد السوفيتي (الذي شهد أول تطبيق للفكر االشتراكي عام ‪ )1911‬والصين‬
‫وبلدان وسط شرق أوروبا ودول أخرى‪ .‬بل قد فشل النظام االشتراكي وتفكك االتحاد‬
‫السوفيتي سياسيا وتحوله إلى جمهوريات مستقلة‪ ،‬تسعى‪ ،‬وبخطي حثيثة‪ ،‬ومعها دول‬
‫شرق أوروبا وبقية بلدان العالم تقريبا نحو العودة إلى النظام الرأسمالي‪.‬‬
‫الخصائص العامة للنظام االشتراكي ‪ :‬وهي‬
‫‪ -1‬الملكية العامة لوسائل االنتاج‪ :‬كانت روح النظام االشتراكي تتمثل في التخلص من‬
‫سوء التوزيع اال قتصادي واالجتماعي للرأسمالية وتحقيق عدالة تتطلب إحالل الملكية‬
‫العامة محل الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج‪.‬‬
‫فالنظام االشتراكي يقوم على مبدأ عام هو إلغاء الملكية الفردية للموارد االقتصادية‬
‫وأدوات اإلنتاج‪ ،‬حيث يجب أن تتملك الدولة هذه الموارد واألدوات‪ .‬فالملكية العامة تشمل‬
‫ملكية الدولة لمصادر الثروة الطبيعية وللمشروعات الصناعية والتجارية ولمشروعات‬
‫النقل والمصارف وللمشروعات الزراعية‪ .‬وال يخل بمبدأ الملكية العامة إنابة السلطة‬
‫المركزية لبعض الهيئات العامة إلدارة بعض المشروعات أو تملك بعض أدوات اإلنتاج‬
‫وفقاً للخطة االقتصادية العامة‪.‬‬
‫وال يعني ذلك أن الملكية الخاصة محرمة تحريما مطلقا في النظام االشتراكي‪ ،‬فالملكية‬
‫الخاصة نظام طبيعي بالنسبة ألموال االستهالك حيث ال يستطيع الفرد أن يستهلك شيئاً‬
‫قبل أن يتملكه ويكون له حرية التصرف فيه‪ ،‬لذلك يسلم النظام االشتراكي بالملكية‬
‫الخاصة لسلع االستهالك‪ .‬فاألفراد يملكون ما يحصلون عليه من دخول كما يملكون ما‬

‫‪24‬‬
‫يكونونه من مدخرات بشرط أال تتحول هذه المدخرات إلى رؤوس أموال عينية‪ .‬ويسمح‬
‫بالملكية الخاصة للمساكن والحدائق المحيطة بها واألموال التي تخصص الستعمال‬
‫أصحابها وتنتقل هذه األشياء إلى الورثة‪ .‬وال يعتبر تملك مل هذه األموال ملكية خاصة‬
‫استثناء من مبدأ الملكية العامة لوسائل اإلنتاج ألنها أموال مخصصة إلشباع الحاجات‬
‫الذاتية ألصحابها وليست مخصصة لإلنتاج‪ ،‬ومع ذلك كان من الممكن تملك بعض‬
‫المشروعات الزراعية ملكية خاصة دون استغالل للغير‪.‬‬
‫ويؤدى إلغاء الملكية الخاصة لوسائل اإلنتاج إلى تقريب الفوارق بين الطبقات واختفاء‬
‫طبقة الرأسماليين والمالك الزراعيين‪ .‬ففي المجتمع االشتراكي يتقاضى األفراد أجو اًر‬
‫نظير خدماتهم وجهودهم‪ ،‬ويصبح الجهد المبذول في اإلنتاج هو أساس التفرقة في‬
‫مستوى المعيشة بين األفراد‪ ،‬وتختفي بذلك الطبقة التي تحصل على دخل دون أن تساهم‬
‫في اإلنتاج بالعمل‪.‬‬
‫‪ -2‬التوزيع العادل للثروات ‪ ،‬هذا هو الشعار الذي ترفعه االشتراكية في توزيع الثروات على‬
‫اسس العدالة والمساواة‪ .‬وتعتبر عملية إعادة توزيع الدخل القومي بشكل يحقق العدالة‬
‫والمساواة في التوزيع من اهم األسس التي يقوم عليها الوجود االشتراكي ‪ .‬وال يقصد‬
‫بالعدالة والمساواة ان يتقاضى كل فرد نفس النصيب من الدخل القومي ‪ ،‬وانما ينال كل‬
‫فرد نصيبا يتالئم مع مردوده من االنتاج ومساهمته فيه ‪ .‬فاألشخاص المتساوون في‬
‫الكفاءة والمهارة واالنتجاية سوف ينالون نصيبا متكافئاً ‪ .‬ويترتب على ذلك انعدام‬
‫التفاوت الكبير في الدخول والثروة بين االفراد وطبيعة النظام االشتراكي على الغاء‬
‫الملكية الخاصة ال تسمح لفئة من المجتمع أن تقتطع أجزاء هامة من الدخل القومي‬
‫دون أن تساهم فيه بجهد فعلي ‪ .‬وبذلك يتحول المجتمع إلى طبقة واحدة تعمل ضمن‬
‫أهداف المجتمع وتتلقى التعويض العادل لقاء مساهمتها في االنتاج‪.‬‬
‫‪ -3‬التخطيط المركزي‪ :‬يعتمد النظام االشتراكي على أسلوب التخطيط المركزي الشامل في‬
‫االدارة االقتصادية ‪ ،‬نعني بالتخطيط عموماً العمل الواعي للسيطرة على واقع معين‬
‫وذلك بقصد تغييره في فترة زمنية محددة إلى واقع آخر ‪ .‬وينطوي هذا التعريف على‬
‫جملة امور أهمها‪:‬‬

‫‪25‬‬
‫أن الواقع الجديد أفضل من الواقع الحالي وأن األمور لو تركت على غابرها لما تبلور‬
‫الواقع الجديد في الفترة الزمنية المحددة ‪ .‬وعليه يتطلب التخطيط تحديد الواقع الحالي ‪،‬‬
‫ورسم أهداف طموحه والسعي لتحقيق هذه األهداف عن طريق حصر الموارد المتاحة‬
‫وتوجيهها توجيهاً واعياً وكفؤاً ‪ .‬ومن هذا المنطلق فالتخطيط علم وفن إذ أنه يقوم على‬
‫تفهم موضوعي لواقع معين ومحاولة لتغيير هذا الواقع في آن واحد وبما يتفق وطموحات‬
‫المجتمع أو السلطة السياسية وذلك عن طريق رسم وتنفيذ سياسيات محدده‪.‬‬
‫والتخطيط اال شتراكي هو محاولة جماعية وقومية لتعبئة الموارد الطبيعية والبشرية التي‬
‫يحوزها االقتصاد ‪ ،‬واستغاللها بطريقة علمية ومنظمة ألجل تحقيق أهداف المجتمع‬
‫االشتراكي وتنظيم االنتاج واعادة االنتاج‪.‬‬
‫وهناك مميزات أخرى يتميز بها النظام االشتراكية مثل استقرار االقتصاد القومي كنتيجة‬
‫للتخطيط االقتصادي ‪ ،‬وكذلك تنمية روح التعاون والمساعدة بين أفراد المجمتع‬
‫واحساسهم بالمسؤولية الوطنية ومحاولة تحقيق اكبر قدر من الكفاءة واالنتاج وعدم‬
‫االستغالل‪.‬‬
‫عيوب النظام االقتصادي االشتراكي‪ :‬من الصعب أن يخلو نظام اقتصادي من العيوب‪،‬‬
‫ومهما نجح هذ ا النظام في عالج عيوب ما قبله من نظم‪ ،‬إال أن هناك بعض العيوب التي‬
‫تشوب هذا النظام ومن أهمها‪:‬‬
‫‪ -‬عدم وجود الدافع القومي لضمان مزيد من تشجيع العمال على اإلنتاج‪ ،‬وبالتالي إمكانية‬
‫حدوث نوع من التراخي من جانب بعض المسؤولين عن إدارة أمور المشروع في ظل‬
‫النظام االشت راكي‪ ،‬وكذلك ضرورة توفير جهاز إداري ورقابي ضخم‪ ،‬ألن الدولة هي‬
‫المسؤول عن المشروعات في ظل النظام االشتراكي‪ ،‬ويؤدى ذلك إلى زيادة تكاليف‬
‫اإلنتاج من خالل وجود مزيد من اإلجراءات الروتينية وتعطيل العمل داخل الجهاز‬
‫اإلداري للدولة‪.‬‬
‫‪ -‬عدم كفاءة أسلوب التخطيط المركزي إلدارة االقتصاد القومي‪ ،‬فقد أثبتت التجربة والواقع‬
‫انه رغم المزايا المتعددة التي يحققها التخطيط االقتصادي‪ ،‬إال أنه يحتوي على عيوب‬
‫متعددة أهمها‪ :‬أن السلطات التي تتولى التخطيط قد ال تملك المعلومات الكافية الالزمة‬

‫‪26‬‬
‫للتخطيط على النحو األكمل‪ ،‬فضالً عن أن الواقع قد اثبت أن التخطيط يجر معه ذيوالً‬
‫من البيروقراطية الخانقة‪ ،‬ويمهد لسيطرة الحزب الواحد في السلطة‪ .‬كذلك فإن التخطيط‬
‫كان يتم كثي اًر على حساب فعالية اإلنتاج القومي وكفاءته والسلوك االقتصادي القويم‪.‬‬
‫‪ -‬ومن العيوب كذلك عدم وجود الحافز الستخدام وسائل إنتاجية حديثة؛ األمر الذي أدى‬
‫ذلك إلى تخلف المعدات واآلالت المستخدمة في العمليات اإلنتاجية وما لذلك من آثار‬
‫سلبية على جودة اإلنتاج‪ ،‬وكذلك عدم الخبرة الكافية في مجال العالقات التجارية‬
‫الخارجية‪ .‬كذلك ضعف جودة السلع التي تنتجها الدول االشتراكية مقارنة بالدول الرأسمالية‬
‫الصناعية‪ .‬وبإحالل الملكية الجماعية والتخطيط االقتصادي الشامل‪ ،‬فإن أفكا اًر مثل‬
‫المنافسة وقوى العرض والطلب وجهاز األثمان لتوجيه الموارد وحافز الربح الشخصي ال‬
‫تجد لها مكاناً في االقتصاد االشتراكي‪ .‬فبدالً من المنافسة بين المشروعات يكون هناك‬
‫التنسيق المتكامل بينها‪ .‬ويتم تخطيط المشروعات وتنفيذها وتوجيه الموارد في المجتمع‬
‫عموماً‪ ،‬وفقاً ألهداف عينية مادية وليس نقدية‪ ،‬ويكون الهدف تحقيق اإلنتاج وانجازه‪،‬‬
‫وليس الربح الشخصي‪.‬‬

‫‪27‬‬

You might also like