‫كلية العلوم اإلنسانية واالجتماعية‬

‫شعبة علم االجتماع‬

‫الفصل الرابع‬
‫الوحدة‪ :‬سوسيولوجيا القروية‬
‫( المحاضرة الثانية)‬
‫ذ‪ .‬مبارك الطايعي‬
‫(تابع‪)...‬‬
‫‪ -‬المحور الثاني‪ :‬السوسيولوجيا القروية بالمغرب‪ :‬التأسيس واإلنتاج والمقاربة‬

‫يمكن أن نميز بخصوص اإلنتاجات السوسيولوجية بالمغرب بين نوعين من اإلنتاجات؛ إنتاج ارتبط‬
‫باألبحاث الكولونيالية حول المغرب‪ ،‬وإنتاج ما بعد االستقالل (المدرسة الوطنية)‪.‬‬
‫‪-‬األبحاث الكولونيالية‪ :‬تعتبر الفترة الكولونيالية فترة كانت من وراء ظهور اإلنتاج السوسيولوجي‬
‫بالمغرب؛ وهو إنتاج ارتبط من الناحية التاريخية بتأسيس البعثة العلمية ‪ mission scientifique‬سنةً‬
‫واحدة ً بعد توقيع عهد الحماية؛ أي‪ :‬سنة ‪1913‬م‪ ،‬وذلك في إطار اإلقامة الفرنسية بالمغرب بغية تقديم‬
‫معرفة اجتماعية حول المجتمع المغربي تمكن مسؤولي اإلقامة العامة وضباط الشؤون األهلية من‬
‫معرفة منطق التنظيم االجتماعي للمجتمع المغربي لتسهيل عملية سياسته والسيطرة عليه‪ .‬وقد عملت‬
‫هذه البعثة على إصدار موسوعة سميت بـ"موسوعة مدن وقبائل المغرب" " ‪Villes et Tribus du‬‬
‫‪"Maroc‬؛ حيث أنجزت من خاللها عدة أبحاث حول مناطق مختلفة بالمغرب‪ ،‬واتسمت هذه األبحاث‬
‫بمزج بين ما هو سوسيولوجي تطبيقي وما هو إثنولوجي تاريخي‪ .‬ويمكن أن نميز في هذا االتجاه‬
‫الكولونيالي‪ ،‬خاصة ذاك الذي اهتم بالمسألة القروية‪ ،‬بين مقاربتين‪ :‬المقاربة اإلثنوغرافية والمقاربة‬
‫األنثروبولوجية‪.‬‬
‫بالنسبة للمقاربة اإلثنوغرافية التي اهتمت بالمسألة القروية بالمغرب نجد دراسة جوزيف بوريلي‬
‫‪Joseph bourilly‬في كتابه "‪"Éléments d’ethnographie marocaine‬؛ وهي من الدراسات‬
‫األكثر تمثيال للمقاربة اإلثنوغرافية؛ وقد اهتمت هذه المقاربة على وصف كل ما يتعلق بالحياة الزراعية؛‬
‫خاصة فيما يتعلق بعادات الفالحين وتنظيمهم الداخلي وما يتخلل ذلك من شروط من جراء ارتباطها‬
‫بالوسط الطبيعي وبالنظام التقني وما يعرفه من أدوات للعمل وما يتخلله كذلك من أشكال متعددة من‬
‫(الشركة)‪.‬‬
‫ْ‬ ‫"الشركات"‬
‫‪1‬‬
‫كما نجد هناك اهتماما بمفهوم الثقافة الفالحية؛ وهو مفهوم كرسته طبعا الدراسات اإلثنوغرافية األلمانية؛‬
‫وقد استُعمل هذا المفهوم‪ ،‬ضمن هذه المقاربة‪ ،‬من أجل وصف مجموع الممارسات المرتبطة باإلنتاج‬
‫سواء منها المنقولة أو المكتسبة اجتماعيا؛ وكذلك وصف مجموع القيم والسلوكات والمؤسسات المشكلة‬
‫للنظام الزراعي بالمغرب‪.‬‬
‫كما نجد هناك اهتماما ضمن هذه المقاربة بالبحث عن القوانين الوظيفية والتطورية المرتبطة بالمجتمع‬
‫القروي بالمغرب‪.‬‬
‫كما أن هناك دراسات أخرى ضمن هذه المقاربة من مثل تلك التي قام بها كل من إدوارد ويسترمارك‬
‫‪ Émile Laoust‬اللذان أكدا على‬ ‫)‪(1876-1952‬‬ ‫‪ Edward Westermarck‬وإميل الوست‬ ‫(‪)1939-1862‬‬

‫وجود مميزات سحرية بالزراعة المغربية‪.‬‬

‫‪ -‬المقاربة األنثروبولوجية‪:‬‬
‫تمثل هذه المقاربة دراسة جاك بيرك )‪ Jacques Berque (1910-1995‬حول البنيات االجتماعية باألطلس‬
‫الكبير؛ وقد اعتمد في دراسته للمجال القروي على منطقة سكساوة من خالل االعتماد على آليتين‪:‬‬
‫استنطاق المجال باإلنسان واستنطاق اإلنسان بالمجال؛ وتتمثل اآللية األولى من خالل اعتماده على‬
‫البيوغرافيا المحلية والوثائق الشخصية وأسماء األمكنة واألرشيف االجتماعي والذاكرة الشعبية‪ ...‬إلخ‪.‬‬
‫وتتمثل الثانية في محاولة تتبعه لحركية اإلنسان في المجال وضبط خصائص هذه الحركية‪ ..‬إنهما‬
‫اآلليتان اللتان اعتمدهما جاك بيرك في فهمه النظام أو البناء االجتماعي للمجاالت القروية بالمغرب؛‬
‫نموذج سكساوة‪ .‬وقد مكنته هاتين اآلليتين من كشف نوع العالقة الموجودة بين البنيات االجتماعية‬
‫والبنيات الزراعية ومدى التطابق بينهما‪.‬‬
‫‪ -‬اإلنتاج القروي لما بعد االستقالل‪:‬‬
‫‪( Paul Pascon‬ازداد في فاس بتاريخ ‪ 03‬أبريل ‪ 1932‬وتوفي يوم ‪22‬‬ ‫تشكل الدراسات التي قام بها بول باسكون‬
‫أبريل ‪ 1985‬برفقة األستاذ عاريف في طريقهما إلى موريتانيا) وكريكوري الزاريف ‪ ( G. Lazarev‬حول‬
‫العالم القروي أهم هذه الدراسات؛ التي اهتمت بالمسألة القروية وما يرتبط بها من قضايا ويمكن القول‬
‫ان اسهاماتهما تشكل صرحا علميا لتقعيد السوسيولوجيا القروية بالمغرب‪ ،‬بما تشكله ابحاثهما من نوعي ٍة‬
‫لتجاوز المقاربة الكولونيالية‪ .‬وقد اتجهت إسهاماتهما إلى إعطاء توجه جديد للبحث السوسيولوجي بالعالم‬
‫القروي نحو الفعل والتدخل‪ .‬من خالل فريق عمل مكون من باحثين من تخصصات متعددة تعنى تهتم‬
‫بالمسألة القروي‪.‬‬

‫‪2‬‬
‫يشير الزاريف ان تشكيل هذا الفريق ارتبط بظروف كان من ورائها مبادرة المهندس الزراعي‬
‫‪ Bernard Estérez‬الذي اقنع اول وزير للفالحة في مغرب االستقالل منصور النجاي ( الذي‬
‫يقول عنه الزاريف كان من اكبر الفالحين العصريين) انه على المغرب ان تنطلق تصوراته في‬
‫اعداد مخططات التنمية الفالحة من رؤية جديدة تتجاوز تلك التي خلفها االستعمار واالعتماد على‬
‫نخبة ادارية وطنية ‪ ،‬بذلك شكل مكتبا للدراسات اسمه ‪ SERESA‬العداد دراسات وابحاث يكون‬
‫هدفها وضع لبنات مخطط تنمية الفالحة والعالم القروي في المستقبل‪ .‬كان من اعضاء فريق هذا‬
‫المكتب كل من بول باسكون وال زاريف وبيير جنتيل ومارك اوليفيي ‪Marc ollivier , pierre‬‬
‫‪. Gentelle la zarev‬‬
‫لم تدم مدة عمل هذا المكتب أكثر من ‪ 3‬سنوات لظروف مرتبطة بسوء التدبير‪ Enstérez‬للجانب‬
‫المالي لمشروع الدراسات‪ .‬بعدها قرر كل من باسكون والزاريف ومارك اوليفي ونجيب بودربالة‬
‫واخرون تأسيس مجموعة بحث متعددة االختصاصات للبحث في العلوم االنسانية ‪ EIRESH‬من‬
‫هذا الفريق انطلقت أعمال باسكون وغيره ‪ ..‬وتشكل اليوم اطارا للسوسيولجيا القروية بالمغرب‪ .‬وقد‬
‫انصب اهتمامه في النظر والتحليل للسياسات الزراعية والسياسات المائية بالمغرب‪ .‬وتعتبر أطروحة‬
‫منحى جديدا لنوع المواضيع التي ستفتتحها الدراسات‬
‫ً‬ ‫باسكون التي عنونها بـ"حوز مراكش"‬
‫السوسيولوجية بالمغرب‪.‬‬

‫‪3‬‬