Professional Documents
Culture Documents
-سعدروان -نظرية التحول الديموغرافي
-سعدروان -نظرية التحول الديموغرافي
-1-4المرحلة اﻷولى.
-2-4المرحلة الثانية.
-3-4المرحلة الثالثة.
-الخاتمة.
-المصادر.
-المقدمة:
إن حجم السكان أمر مادي ومحسوس يمكن ﻷي شخص في أي زمان وفي أي مكان أن يﻼحظه.
كظاهرة كثرة اﻹنجاب أو ارتفاع عدد الوفيات بين أوساط مجموعة سكانية ما ،فﻼ ريب إذا كان
المفكرين و الحكام في مختلف العصور و اﻷزمنة قد انتبهوا إلى هذا الموضوع وأولوه اﻷهمية البالغة.
فالمسألة السكانية من أهم المسائل المعقدة التي واجهها العالم في الماضي و الحاضر على حد السواء.
ففي الماضي أهتم بعدد السكان القادرين على حمل السﻼح لمعرفة قوة المجتمع الذي ينتمون إليه ،كما
اهتم بالمسألة السكانية لسن الضرائب على الرعايا و في العصور الوسطى ،و أهتم بالسكان نتيجة
اﻻكتشافات الجغرافية و الفتوحات المتعددة. .
أما في العصر الحديث ،فقد انقسم اﻻهتمام بالمسألة السكانية إلى قسمين :القسم اﻷول العالم المتقدم/
المصنع الذي يشكوا من انخفاض عدد سكانه ،فسن عدة قوانين بغية كثرة اﻹنجاب ،والقسم الثاني العالم
النامي الذي يشكوا من اﻻنفجار الديموغرافي الذي عاق كل سبل و جهود التنمية فيه ،فعمل حكامه و
مفكروه على التقليل من عدد سكانهم بسن مختلف الوسائل كتحديد السن عند أول زواج ،منع تعدد
الزوجات ،سن برامج لتنظيم النسل و استعمال وسائل منع الحمل . . .الخ.
فلقد شغلت ظاهرة التزايد السكاني إهتمام المفكرين على مر السنين من مختلف اﻻتجاهات و
التخصصات ،إﻻ أن آرائهم إختلفت في تحديد مكانته بأبعاده اﻹنسانية المعقدة حيث شهدت رواند فكرية
متتالية في تحليلها و تفسيرها و حتى ألتنبؤاتها ،و من أشهر النظريات التي تناولت هذا الموضوع هي
نظرية التحول الديموغرافي.
-1مفهوم التحول الديموغرافي:
}تعريف اﻷمم المتحدة :لتحول الديموغرافي هو التحول التاريخي في معدﻻت المواليد والوفيات من
مستويات عالية إلى مستويات منخفضة .وانخفاض الوفيات يسبق عادة انخفاض الخصوبة ،ومن ثم
يؤدي ذلك إلى نمو سكاني سريع خﻼل فترة التحول{.
إن العملية الخاصة بتحول السكان من مرحلة إلى أخرى تكون فيها الخصوبة والوفيات مرتفعة إلى حالة
أخرى تتميز بارتفاع الخصوبة وانخفاض الوفيات و إلى حالة أخرى تتميز بانخفاض الخصوبة و
الوفيات و التي شهدتها مجموعة كبيرة من الدول تسمى تحول ديموغرافي أو تحول سكاني.
إذ تعرف عملية اﻻنتقال من مرحلة قبل التحول الديموغرافي إلى مرحلة ما بعد التحول الديموغرافي
ارتباطا ما بين انخفاض الوفيات و الخصوبة مما ينتج عنها نموا سكانيا انتقاليا
و تعد نظرية اﻻنتقال أو التحول الديموغرافي من أبرز المظاهر المرتبطة بدراسة السكان و التي حظيت
باهتمام كبير يماثل اﻻهتمام الذي قوبلت به نظرية مالتوس من قبل .
هذه النظرية تعترف بالعﻼقة الواضحة بين التنمية و النمو السكاني .حيث ترى أن معظم المجتمعات ما
قبل المرحلة اﻹستقرارية /المرحلة الثالثة .عرفت استقرارا في عدد سكانها نتيجة ارتفاع معدل الوفيات
والوﻻدات على السواء .مع العلم انه في المرحلة الثانية أدى التحسن في مجال الخدمات الصحية إلى
انخفاض معدل الوفيات باختﻼف أنواعها ،مما تسبب في وقوع اﻻنفجار الديموغرافي في بعض الدول ،و
بعدها وصل معدل الخصوبة إلى مرحلة اﻻنخفاض حتى بلغ مستوى اﻹحﻼل أي حوالي طفلين لكل
امرأة وبالتالي استقر حجم السكان .كل هذا يعرف بالمراحل اﻻنتقالية الديموغرافية .
وتعتبر هذه النظرية وليدة تفكير مجموعة من الباحثين من علماء الديموغرافية و اﻻقتصاد ،فﻼ يمكننا أن
ننسبها إلى عالم دون آخر ،فاﻻهتمام بالعﻼقة التي تربط السكان بالموارد المعيشية تمخضت عنها هذه
النظرية ،و هي محاولة ﻹخضاع التغير السكاني إلى قانون عام يتم وفقه التنبؤ باحتماﻻت النمو البشري
حاضرا و مستقبﻼ ﻷي مجتمع سكاني .
و هذه النظرية عبارة عن وصف للتغيرات الديموغرافية للمجتمع من حيث التركيبة السكانية و أهم
التحوﻻت التي تطرأ على مستوى الوﻻدات والوفيات .ذلك تبعا لﻸوضاع السائدة أثناء كل مرحلة .فلقد
أقيمت هذه النظرية في البداية على أساس تجارب بيولوجية أجريت على بعض الكائنات .ففي بادئ اﻷمر
قام بها ريموند بورل Raymond Pearlحيث استنتج أن النمو الطبيعي يحدث في دورات مميزة ففي
خﻼل الدورة الواحدة و في مساحة معينة ووسط معين يبدأ النمو بطيئا ثم ما يلبث أن يتزايد بالتدريج و
بنسبة ثابتة حتى يصل إلى منتصف الدورة .و بعد هذه النقطة فان الزيادة المطلقة بالنسبة للوحدة الزمنية
تصبح أقل حتى نهاية الدورة و قد اتخذ لوصف هذه النظرية قانونا رياضيا مستخدما معادلة المنحنى
اللوحبشي لشرح منحنى النمو السكاني و تحديد دوراته المتتابعة.
و يعتبر أدولف ﻻندري Adolphe Landryأول من أدخل مفهوم الثورة الديموغرافية سنة . 1934
ثم اشتهرت بعد ذلك باسم التحول الديموغرافي من طرف برنستون من الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية ،و
هو أول من قسمها إلى ثﻼثة مراحل.
إﻻ أن أول من نوه بوجود مراحل ديموغرافية كان واران تومسون Warren Thompsonسنة
1929حيث رأى أن كل مجتمع بشري يمر بالمراحل التالية :
إﻻ أن هذا اﻷخير لم يعطي لنا تفسيرا حول عملية اﻻنتقال من مرحلة إلى أخرى من حيث اﻷسباب .و
مجمل القول فان نظرية التحول الديموغرافي هي تلك النظرية التي تحاول شرح المسار العام للنمو
السكاني و نستطيع تلخيصها في ما يلي " :هي التطور اﻻقتصادي والتنموي الذي يفصل التوازن بين
الوﻻدات والوفيات في أي مجتمع سكاني.
وهذا باعتبار أن المحرك اﻷول للتحوﻻت السكانية هي ظاهرة الوفيات ثم تأتي بعدها ظاهرة الوﻻدات
في المرحلة الثانية .رغم وجود عامل ثالث يحدد عدد السكان في أي مجتمع باﻹضافة إلى العاملين
اﻷوليين )الوﻻدات والوفيات إﻻ وهو عامل الهجرة .إﻻ أنه جرت العادة أن تتم الدراسة فقط على ظاهرة
الوﻻدات والوفيات حيث ﻻ يدخل هذا العامل إﻻ كعامل مشوش(.
و لكن السؤال المطروح هنا ما هي العوامل الكفيلة لﻼنتقال من مرحلة إلى أخرى ؟
نﻼحظ أن كل المفكرين الذين اهتموا بالتحول الديموغرافي اهتموا بظاهرة انخفاض الوفيات حيث يقول
أدولف ﻻندري " الوفيات الغير طبيعية أصبحت قليلة و السبب في ذلك الجذري في النظافة والوقاية و
الصحة " .
إذ أن اﻷمراض المعدية أصبحت معروفة أكثر و استطاع القضاء عليها خاصة بعد اكتشاف و ذكر
ﻻندري landryو شرح أن سبب انخفاض الوﻻدات هو أكثر صعوبة من شرح سبب انخفاض عدد
الوفيات فيقول أن السبب في انخفاض الوﻻدات كما يعلم كل الناس اﻵن و بدون منازع هو التحديد
اﻹرادي "للوﻻدات ذلك باﻷخذ بعين اﻻعتبار مدة اﻹنجاب بعد الزواج في الماضي والحاضر ،فمثﻼ في
فرنسا كان اﻷزواج ينجبون بعد سنوات قليلة من زواجهم أما حاليا فالمدة الفاصلة بين الزواج و اﻹنجاب
حوالي خمس سنوات في فرنسا بعد الزواج .لكن ما هي العوامل التي كانت وراء اتخاذ هذا السلوك
ومكيف تم انتقال من مرحلة إلى أخرى؟
قد يكون هذا السؤال هو الذي جعل دانيال نوان Daniel Noinيذهب إلى القول بان كل من أدولف
ﻻندري ووران تومسون لم يعطيا مخططا لهذا التطور إذ لم يقوما بشرح ذلك التغير الطارئ في كل
مرحلة كما فعل فرنك نوتشتاين Frank Notestienبعدهما و الذي بين عملية التطور بوضوح و
استخرج المتغير المتسبب في ذلك.
أما في الوقت الحاضر فلقد اتفق الديموغرافيين على ثﻼث مراحل للنمو السكاني تتميز كل مرحلة من
مراحلها بسمات خاصة معتمدة على تطور معدﻻت الوﻻدات و الوفيات في آن واحد.
-2مراحل التحول الديموغرافي:
تتميز هذه المرحلة باﻻرتفاع الشديد في معدل الوﻻدات والذي يبلغ ما بين ‰ 50 - 40و كذا اﻹرتفاع
الشديد اﻵخر في معدل الوفيات و الذي يصل إلى ما بين .‰ 35 - 30
و ترتفع الوفيات في هذه المرحلة خاصة في الشريحة العمرية الصغرى و نعني بذلك اﻷطفال الرضع
حيث يصل معدل وفيات اﻷطفال فيها ،‰ 250كما أن أكثر من نصف اﻷطفال يموتون في هذه
المرحلة قبل وصولهم سن 15سنة.
لقد كانت في تلك الفترة اﻷمراض ،المجاعات واﻷوبئة و كذا الحروب عوامل فعالة في تحديد التزايد
السكاني ،حيث كانت الزيادة السكانية ضعيفة في القرون اﻷولى والوسطى للميﻼد .فحوالي %25من
سكان أوربا توفوا بسبب الطاعون اﻷسود و المجاعة بين . 1350-1348فالتاريخ يحدثنا أن المرض و
الجوع كان لهما الدور اﻷول في تحديد الزيادة السكانية في الماضي .فلقد انخفض عدد سكان أوربا سنة
1400بنسبة %40مما كان عليه سنة 1348ﻻنتشار الفقر و اﻷوبئة و المجاعة .فأوربا كانت عرضة
لﻸوبئة و المجاعات والحروب .ففي سنة 1663قدر عدد ضحايا الطاعون بلندن حوالي 100ألف
ضحية و هو بمثابة ربع سكان المدينة.
إن الطاعون اﻷسود هو أشد ما قضى على سكان أوربا ما بين 1350 - 1348إذ بلغ عدد ضحاياه ما
بين %25 - 20و كذلك مجاعة 1400التي قضت على حوالي % 60من سكانها .لهذا لم يحدث
التضاعف اﻷول لسكان العالم إﻻ في سنة 1650حين بلغ عددهم حوالي 500مليون نسمة . 119و
بهذا بلغ معدل النمو السكاني ذروته في العالم في أوائل الستينات إذ قدر .%2
لقد مرت أوربا بهذه المرحلة منذ ثﻼث قرون فمثﻼ في القرن الثامن عشر بلغ معدل الوﻻدات بها 38
‰إﻻ أن القليل منهم فقط كانوا يبقون على قيد الحياة إلى غاية سن الزواج .و هذا ﻻرتفاع معدل
الوفيات اﻷطفال الرضع مما ترتب عنه إنجاب متكرر قصد تعويض ما فقد من اﻷبناء فبلغ حينها متوسط
عدد اﻷطفال للمرأة الواحدة ما بين 13 - 4طفل .فمثﻼ فرنسا سجلت سنة 1830معدل وﻻدات خام
يقدر بـ .‰ 30
و قد يرجع السبب في ارتفاع معدل الوفيات في هذه المرحلة إلى ارتباطها بالحالة اﻻقتصادية و الصحية
بصفة عامة ،و كذلك الحروب التي خلفت عددا كبيرا من الوفيات ،أما عن سبب ارتفاع معدﻻت
الوﻻدات في هذه المرحلة ،فيرجع إلى الترسب اﻻجتماعي للثقافة المرتبطة بالعادات التقاليد التي تحبذ
كثرة اﻹنجاب ،فمزايا النظام اﻻقتصادي فيها هو الذي كان يطلب اﻷسر الكثيرة العدد للمساهمة و
المساعدة في الزراعة بما أنها النشاط السائد .ضف إلى ذلك فالطلب على اﻹنجاب كان متأثر فيها
بمساعدة اﻷطفال ﻷسرهم عند الكبر فكان في هذه المرحلة اﻹنجاب استثمار في المستقبل.
كذلك نجد أن النسبة العالية للوفيات كانت لها اﻷثر على ارتفاع معدل الخصوبة ذلك لتعويض ما فقدته
تلك اﻷسر من اﻷطفال.
و لقد استغرقت هذه المرحلة مدة طويلة من الزمن امتدت من العصور القديمة إلى العصور الوسطى ،و
كان المجتمع السائد كما قلنا فيها هو المجتمع الزراعي ذو الدخل المحدود .في مثل هذه المجتمعات
تنخفض مكانة المرأة كما تقل تكاليف تربية اﻷطفال انخفاض مستوى التعليم ويساهم هؤﻻء في سن مبكر
جدا في اﻷعمال الزراعية مما يؤدي الى ارتفاع معدل الوﻻدات والوفيات فيها في نفس الوقت .
و لقد مرت كل شعوب العالم بهذه المرحلة التي سادت العالم في كل أجزائه تقريبا حتى القرن السابع
عشر و لكن في شرق أسيا وبعض مناطق دول أمريكا الﻼتينية و إفريقيا الصحراوية بقيت بها هذه
المرحلة حتى القرن الماضي .
تتميز هذه المرحلة بثبات نسبي لمعدﻻت الوﻻدات بينما تبدأ معدﻻت الوفيات في اﻻنخفاض ذلك بسبب
الدور الصحي و التحسن العام في ظروف الحياة .إذن في هذه المرحلة تحسنت اﻷوضاع اﻻقتصادية،
اﻻجتماعية و الصحية و التي صادفت اكتشافات لويس باستور في مقاومة اﻷمراض المعدية .فكانت
وراء اﻻنخفاض المباشر لمعدل الوفيات بمختلفه ،حيث بلغ ما بين 0% 25 -15فحين استمر في هذه
الفترة معدل الوﻻدات في اﻻرتفاع إذ تراوح ما بين .‰ 50-40
كما ارتفعت نسبة الزيادة الطبيعية بنسب كبيرة حيث وصلت % 25و على أثر ذلك تميز الهرم السكاني
باتساع قاعدته .
و لقد أدى النزول المفاجئ لمعدﻻت الوفيات خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و استمرار معدل
الوﻻدات في اﻻرتفاع )الثبات( إلى تزايد معدل الزيادة السنوية و تشكل ما يسمى بالقنبلة السكانية للعالم
الثالث .
حيث ارتفع عدد سكان العالم بمقدار أربع مرات خﻼل القرن الماضي ،اذ كان النمو السكاني أسرع مما
كان عليه في أي وقت من التاريخ البشري السابق ،فقدر عددهم في بداية القرن العشرين حوالي 1,5
مليار نسبة ليبلغ مليارين عام 1927ثم ثﻼث مﻼيير سنة .1960
لقد تضاعف عدد سكان العالم منذ سنة 1960و حدث ذلك في الدول النامية بنسبة %95و شوهد في
نفس الفترة تباطؤ أو توقف النمو السكاني في أوروبا و أمريكا الشمالية اليابان .
و في هذه المرحلة تطورت وظائف اﻷسرة و تحولت هذه اﻷخيرة من وحدة إنتاجية و استهﻼكية في
البيئة الزراعية إلى وحدة استهﻼكية فقط في البيئة الصناعية .كما شجعت المرأة للمشاركة في عملية
اﻹنتاج خارج البيت و امتازت كذلك هذه المرحلة بتخصيص اﻷموال ﻹعداد الشباب و اﻷطفال وتكوينهم
بطريقة أفضل .
لقد استمرت هذه المرحلة ما بين 150-75سنة و أطلق عليها الفترة اﻻنتقالية .ففي أعقاب الثورة
الصناعية تغيرت اﻷوضاع اﻻقتصادية واﻻجتماعية السائدة في المجتمعات آنذاك .و أدى تحسن الظروف
الصحية للسكان إلى انخفاض معدﻻت الوفيات العالية و هذا طبعا كلما قلنا بفضل التطور التكنولوجي
الذي كان من أهم العوامل التي مكنت الدول من الدخول إلى هذه المرحلة.
فأوروبا مثﻼ عرفت هذه المرحلة في القرن الثامن عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر ،أما الدول النامية
فقد عاشت هذه المرحلة بعد الحرب العالمية الثانية تقريبا حيث يرى دومينيك تبيتان Dominique
Tabutinأن دول الجنوب عرضت أكبر معدﻻت الوﻻدات في العالم ما بين ،1960 - 1940وهو ما
حدث في بعض المناطق اﻷوروبية في منتصف القرن التاسع عشر 122مما أدى إلى زيادة الفجوة بين
معدل الوﻻدات والوفيات وأحدث اﻻنفجار الديموغرافي بها .
هذه المرحلة هي المرحلة اﻷخيرة من مراحل الدورة الديموغرافية و تتميز بالنمو البطيء في عدد
السكان من جراء التحوﻻت اﻻجتماعية واﻻقتصادية ،فعندما ارتفع المستوى المعيشي للسكان مع زيادة
الوعي الصحي و الثقافي والحضري و كذا الوقائي اتجهت معدﻻت الوﻻدات إلى اﻻنخفاض بعد ما كانت
معدﻻت الوفيات قد انخفضت في المرحلة التي سبقتها )المرحلة اﻻنتقالية( و وصلت إلى أدنى حد لها ما
بين ‰10 - 7و كان نتيجة ذلك بالطبع هو انخفاض معدل النمو الطبيعي حيث وصل إلى ما بين
%1-0,5سنويا .كما هو الحال اﻵن في معظم دول غرب و شمال أوربا وأمريكا .
فما بين 1955 - 1950انخفضت خصوبة اﻷوربيين من 2,6طفل لكل امرأة إلى 14طفل /امرأة و
هو حدا أقل من التعويض .أما أمريكا الشمالية في نفس الفترة انخفضت الخصوبة بها من 3,5طفل لكل
امرأة إلى 1,8طفل لكل امرأة في أواخر السبعينات .
فانخفاض مدة الزواج ﻻرتفاع الطﻼق في أوربا ما بين 1975 - 1950و تأخر سن زواج المرأة و كذا
خروجها لميدان العمل و ارتفاع العﻼقات الجنسية خارج الزواج كلها عوامل أدت إلى انخفاض الخصوبة
بها ضف إلى ذلك انتشار استعمال وسائل منع الحمل.
و من سمات هذه المرحلة هو زيادة فرص الحراك اﻻجتماعي الذي يمكن تحقيقه بطريقة أفضل في حالة
اﻷسرة الصغيرة ،كما أدت عملية التنمية الحضرية إلى تغير مكانة الطفل في المجتمع حيث تحولوا إلى
عبء اقتصادي بعدما كانوا عونا اقتصاديا لﻸسرة ،فانتشرت بذلك اﻷسر المصغرة عند الطبقات العليا
أوﻻ ثم الطبقة الدنيا ثانيتا.
و من ميزات هذه المرحلة كذلك ارتفاع نسبة الشيوخ و انخفاض نسبة اﻷطفال من مجموع السكان.
إن هذه المرحلة باﻹمكان مشاهدتها بوضوح في الدول المتقدمة خﻼل الفترة الممتدة من الثورة الصناعية
حتى عام 1975على سبيل المثال في بريطانيا و فرنسا مرت على هذه المرحلة خﻼل الفترة الممتدة ما
بين ، 1965 - 1770السويد مرت عليها خﻼل الفترة الممتدة ما بين .1965- 1775
و ما يمكن قوله هو أن خمس اﻹنسانية الموجود اليوم في البلدان المتقدمة )المصنعة( وضعت حوالي
قرنين لتحقيق التحول الديموغرافي بها .
و المﻼحظ كذلك أنه في سنوات الخمسينات والستينات كان ينظر للوﻻدات تحت تأثير المدرسة الوظيفية
التي كانت مهيمنة على علم اﻻجتماع اﻷنجلو سكسوني و في هذا اﻻقتراب يوضع التحول الديموغرافي
في مجموع التحوﻻت البنيوية المتعلقة بالتصنيع و التحضر .
فالتحول الديموغرافي إذن هو اﻻنتقال من المجتمع الزراعي الكثير الخصوبة إلى مجتمع مصنع قليل
الخصوبة ،وحدث بتحويل القيم الثقافية في المجتمعات التقليدية و التي كانت منحصرة حول العائلة و
الطفل .
و من كل هذا نﻼحظ وجود عﻼقة عكسية بين نظرية مالتوس و نظرية التحول الديموغرافي .فمالتوس
يقول أنه ﻻ يجب رفع المستوى المعيشي للعمال و مستوى أجورهم ﻷن ذلك بالضرورة سيؤدي إلى
زيادة عددهم الشيء الذي يترتب عنه انخفاض في مستواهم المعيشي ،ونظرية التحول الديموغرافي
تذهب إلى أنه يجب رفع المستوى المعيشي للسكان وإشراكهم في عملية التنمية مما يدفعهم إلى المحافظة
عليه و بالتالي هبوط معدل نموهم .
و يﻼحظ بصفة عامة على هذه النظريات أنها اعترفت بالتمايز الطبقي في السلوك الديموغرافي و
حاولت تفسيره فأرجعته تارة إلى عوامل ذاتية كامنة في ذات اﻹنسان كمالتوس و تارة إلى عوامل
اقتصادية مثل كونتر ،وتارة أخرى لعوامل اجتماعية مثل نظرية التحول الديموغرافي .
وفي الختام يمكن تقسيم اﻻنتقال الديموغرافي في الجزائر إلى ثﻼثة مراحل كما هو مبين في المنحنى
البياني التالي:
فترة ما قبل 1962رغم التقلبات التي عرفتها هذه الفترة إﻻ أن أهم ما ميزها هو ارتفاع معدﻻت المواليد
والوفيات ومعدل نمو سكاني ضعيف جدا وهي نفسها مميزات المرحلة اﻷولى من مراحل اﻻنتقال
الديموغرافي المتفق عليها.
من سنة 1980- 1962بعد خروج الجزائر من الحرب وما خلفته من خسائر بشرية ،شهدت السنوات
اﻷولى ارتفاع في معدل الوﻻدات لتعويض هذه الخسائر ،حيث وصلت إلى أعلى معدﻻتها المقدر ب
‰50سنة ، 1970ولوحظ انخفاض مستمر للوفيات ،وببقاء معدﻻت المواليد مرتفعة ومعدﻻت
الوفيات منخفضة تكون الجزائر قد أنهت المرحلة الثانية من اﻻنتقال الديموغرافي.
-3-4المرحلة الثالثة :
بعد 1980إلى يومنا هذا :خﻼل هذه الفترة استمرت الوفيات في اﻻنخفاض وبدأ معدل المواليد في
التراجع إلى أن قارب ‰68,19عام 2002وهو ما يتوافق مع ما تنص عليه المرحلة الثالثة من
نظرية اﻻنتقال الديموغرافي ،لكن بعد سنة 2002انحرفت الجزائر عن مسار نظرية اﻻنتقال
الديموغرافي نتيجة لعودة ارتفاع معدل المواليد والذي بلغ ‰12,26سنة 2016بفعل الخصوبة
المؤجلة والتي تسببت فيها بعض الفئات العمرية المتقدمة نسبيا في السن والتي تأخر زواجها مما أجبرها
على التعجيل باﻹنجاب بشكل متواصل بهدف ربح ما تبقى من فترة اﻹنجاب ،وكذا اﻻنتعاش اﻻقتصادي
الذي عرفته الجزائر في بداية القرن الحالي ،وتتحسن الظروف اﻷمنية والذي نتج عنه تحسن دخل الفرد،
وإقبال الشباب على الزواج .لكن المﻼحظ في نهاية سنة 2017تراجع في معدﻻت المواليد ليصل إلى
‰40,25مع ارتفاع محسوس في معدل الوفيات الذي وصل إلى .‰55,4
تنبع القوة التفسيرية للنظرية من ربط المميزات العامة للتغير الديموغرافي بالتغير اﻻجتماعي
واﻻقتصادي الذي يلخص في الغالب بـ "التحديث" .وهنــاك وجهات نظر مختلفة حول النظرية .فنرى
سزريتير وكرينهالغ يعتقدان بأن النظرية لم تفشل فقط في اﻻختبارات التجريبية لكنها أيضا ً أضرت
بالبحــث التجريبي ويجب أن تهمل .وآخرون مثل كيرك وماسون حددا بأنها يمكن أن يكون لها بعض
جوانب الفشل لكن هذا يهيئ لبناء معرفي يقوي النظرية.
وقـد واجـه مفهـوم التحـول الـديموغرافي نقـدا ً أساسيا ً حتـى مـن أوسـاط أتباعـه .ففي عــــام 1973
علـى ســــبيل المثـال فـي انطـﻼق المشـروع الكبير لــدعم نظريـة التحـول حــدد كـوال قـوة وضـعف
النظريـة .وذكـر أن هنــاك صـعوبة فـي تحديـد العتبـة الدقيقـة للتحــديث الـذي يمكـن اﻻعتمـاد عليهـا
لتحديـد مــدى جاهزيـة الخصـوبة لﻼنخفــاض .أمـا تشيسـنيز فقـد عــــام 1986أن قـوة مفهـوم
التحـول تكمـن فـي الحقيقـة التـي ﻻ يمـكن إنكارهـا بـأنـه فـي مجرى التحـديث الكـافي تتغير الخصوبة
والوفيات بطريقة يمكن توقعها.
حـــاول كـوال والمشـاركون معـه مـن جامعـة برينســــتون اســـــتخدام مسـح ذي حجــم كبيـر لتحديـد
المتغيـرات الحاســـمة التـي قررت مستهل وسـرعة التحـول الديموغرافي فـي أوربـا .وقـد فشـلـت
محـاولتهم حيـث أن دراسـتهـم لـم تـسـتطيع إيجـاد أي مؤشـر اجتمـاعي -اقتصــــادي للتحــديث يستطيع
بــــدون لــــبـس وﻻ إبهــام شـرح حـــــدوث انخفـــاض الخصـوبة فــي أوروبــا .فالعوامــل اﻻجتماعيـة
و اﻻقتصــادية الـتـي تـم التأكيـد عليهـا مـن قبـل نظريـة التحـول بـدت إمـا عمـلـة مـزورة أو تنـاقض
نفسـها فـي شـرح وقـت اﻻنخفــاض ومعدلــه ،ويشـار إلـى انخفــاض الخصـوبة المتـــــزامن فـــي
هنغاريـــا وانكلتــرا علمـا أن تطـور المؤشـرات اﻻجتماعيـة اﻻقتصـادية فـي هنغاريـا كـان أقـل بكثيـر
مقارنـة بــانكلترا التـي كـانـت تعتبـر أكثـر بلــدان العـالم تقـدمـا مـن الناحيـة اﻻقتصـادية فـي ذلـك
الوقـت .ومـع أخـذ اﻻعتبـار لمجتمعـــــات معاصـرة مثـل الصــين وكوريـا الجنوبيـــة وســـــريﻼنكا
التـي باتــت الخصـوبة فيهـا قريبــة أو تحـت مســـــتوى معـدل إعــادة اﻹحــﻼل بـدون تحقيـق المتطلب
المفتــــــرض الكامــل فــــــي التطور اﻻجتمـــــــاعي -اﻻقتصــــادي .كـذلك بنغﻼديش واحــدة مـن
الـدول اﻷقـل تـطـورا فـي الـعـالـم هـي أيضـا ً مثـال جيـد آخـر ﻻنخفـــاض الخصـوبة .وفـي ضـوء
تقيـــــم التسجيل المعاصـر ﻻنطـﻼق وسـرعة تحـول الخصـوبة وجـد كـﻼ مـن بونغـارتس وواتكينـز
أيضـا تباينـا كبيـرا جـدا فـي كـل المؤشـرات اﻻجتماعيـة -اﻻقتصــادية المطبقــة مؤكـــــــدين
خﻼصــــات دراسة جامعة برينستون المشار إليها لتاريخ أوروبا الديموغرافي.
ينــــاقش كـالـــدول بـأن انخفــاض الخصـوبة يعتمـد علـى التطـور اﻻجتمـاعي )أساسـا ً التغيـر فـي
العﻼقـات العائليـة( الـذي لـيـس مـن الضـروري أن يترافـق مـع التحـديث اﻻقتصــادي .رغـم أن الكثيـر
مـن البـاحثين ﻻ يرفضـون بالضـرورة تفسـير الـرؤى الكﻼسيكية لنظريـة التحـول الـديموغرافي وهـم
يجـدون مـن المـهـم التأكيـد بـأن القـوى التــــي يرتكـز عليهـا التحـول الـــديموغرافي ﻻ تتطلـب فقـط
تغيـرات فـي الظـروف الماديــة وفـي التقســيـم اﻻجتمـاعي للعمـل والمـوارد ولكـن أيضـا ً تتطلب
تغيـرات مهمة فـي الجانـب اﻻجتمـاعي والثقـافي فيمـا يخـص عـدد اﻷطفـال المرغـوب بـه و سلوك
إعادة إنتاجهم.
ومثـل نظريـة الحداثـة فــإن نظريـة التحـول الــديموغرافي فـي بعـض نسـخها المعدلـة تنكـر العـالم
الثالـث كتـــاريخ وتفتـرض بـأن التقــدم يتكـون مـن انـجـاز الظـروف المميـزة للغـرب .وبمـا أن
التحــديث و الغربنـة انـتقﻼ إلـى دول أخـرى فـإن سـكانها ســــــيــواجهون نفـــس مراحـل التغييــر
الـــديموغرافي .و ،اعتقـاد كـيـرك هـذا مـا يحدث بالضبط حيث أصبح تحول الخصوبة عالميا ً.
وفـي حالــة اليابــان الفريـدة فـهـي أول مجتمـع غيـر أوروبـي أصـبح متطـورا ً وأول هد التحـول
الـــديموغرافي .ويبــدو أن اﻻنخفـاض الرئيســي فـي الـوﻻدات بـدأ أواخـر القـرن التاسـع عشـر .ويقـدر
أن معـدل التكاثر اﻹجمـــالـي كـــان %0.3فــي عـام .1875ومـن هـذا التـاريخ أنجـزت اليابــان
تـقـدما اجتماعيـا واقتصــاديا وانخفـض معـدل كـﻼ مـن الوفيـات والـوﻻدات .ورغـم عـدم التأكـد يبدو أن
التنميــة اﻻجتماعيـــــة-اﻻقتصــادية واﻻنخفـــــــاض الرئيســـــــي فــــــي معــدل الوﻻدات كـان وثيقـا
الصـلـة فـي حـالـة اليابـان .فـي الحقيقـة هـذا الشـيء الـذي حـدث طبيعيـا فـي اليـابـان كـان قبـل تنفيـذ
بـرامج التخطيط العـائلي الفعالـة .وهـذا يعنـي بـــــأن نظريـة التحـول الــــديموغرافي لـم تـكــــن
مﻼزمــة ومختصـرة عـلـى الثقافة اﻷوروبية ومن ثم يجب أن يعد هذا نصر رئيسي لها.
وحســـب ون وينكليـر رغـم كـل اﻻنتقــادات الموجـه لنظريـة التـحـول الـديمغرافي فإنهـا تظـل إطـارا ً
مفيـدا لتحليـل التغيـرات الديموغرافيـة مـن وجهـة نظـر تاريخيـة .أمـا إمكانيـة تطبيقهـا علـى التحـوﻻت
الديموغرافيـة فـي الـدول الناميـة فـهـي ليسـت مجـرد نقــاش أكـاديمي لكـن لـهـا أهميـة عمليـة كبيـرة
بخصـوص السياسـة السـكانية المﻼئمـة التـي يجـب تبنيهـا.
ومـن وجهــة نظرنـا فـإن هـذه النظريـة يمكـن تطويرهـــا لتأخر فــــــي اﻻعتبــــار اﻹطـار العـــام
لطبيعـة البنيــة اﻻجتماعيـة واﻻقتصــادية فـي الـدول الناميـة وهـذه القضــية يفتـرض أن تبقـى مـدار
نقــــاش أكـاديمي مثمـر .وهنـا أتفـق مـع د.برهـان غليـون الـذي يقـول أن المفاهيم النظريـة تتطـور
وتغيـر أو تعـدل مـن مـضـمونها ومـن أشـكال تطبيقهـا تاريخيـا مـع تـطـور الواقـع الثقـــافي
واﻻجتمـاعي واﻻقتصــــادي الــذي أنتجهـا كمـا تتط ور مـع تبـــدل المكونات التي تدخل فيها والحاجات
الجديدة التي ترد عليها".
أخيــرا نخلـص إلـى أن التحـول الـــديموغرافي فـــي الــــدول المتقدمـة أو الناميـة أمـر معقــد وﻻ
يمكــن النظر إليه ببساطة .العوامــل والخصوصــــيــات اﻻجتماعيـة واﻻقتصــــــــادية والسياســية
والثقافيـة والنفســـية والدينيــة واﻹرث الحضـــاري وغيرهـا تتداخل وتتفاعـل لتعطـى المسـألة
الديموغرافيـة أبعـادا قـد تختلـف عبـر الوقـت مـن بلـد ﻵخـر أو مـن مجموعـة بـلـدان إلـى أخـرى ،ولكن
فـي النهايـة سيسـري التحـول ولـو بـدرجات متفاوتـة فـي جميـع البلــدان ﻷنـه يـرتبط بـالتحوﻻت
النوعيـة الناجمـة عـن التغيـرات الكميـة فـي الخصـائص السكانية .فـالمعروف أن التغيـرات الكميـة
تفضي إلى تحوﻻت نوعية.
-الخاتمة:
إن القضايا السكانية من أهم القضايا التي تعرفها المجتمعات المعاصرة التي تتطلب فكرا يعتمد من جانب
العديد من المفكرين و الخبراء في مجاﻻت مختلفة .حيث أن القضايا السكانية اليوم أصبحت تشكل
منعطفا خطيرا ،إذ تهدد العالم بأسره في كل مخططاته التنموية.
و اﻻهتمام بالقضايا السكانية ليس وليد اليوم إنما بدأ مع ظهور المجتمعات البشرية ،إﻻ أن ذلك اﻻهتمام
لم يكن بالمعنى الواسع ﻷغراض التنمية اﻻقتصادية و اﻻجتماعية التي تعرفها المجتمعات اليوم إنما كان
ﻷغراض حربية و ضرائبية.
و اليوم أصبح هذا اﻻهتمام يأخذ حيزا كبيرا من جهد المفكرين و المختصين العاملين على مستوى هيئات
حكومية و غير حكومية لكي يصلوا إلى حلول و الدليل على ذلك هو إقامة المؤتمرات السكانية كل عشرة
سنوات من طرف اﻷمم المتحدة.
-المصادر:
-بوهراوه عز الدين ،عمراوي صﻼح الدين ،(2018) ،النمو الديموغرافي وتحوﻻته في الجزائر ،مجلة الباحث في
العلوم اﻹنسانية و اﻻجتماعية ،مجلد 2018 (05)10الجزائر :جامعة قاصدي مرباح ورقلة ،ص.ص ) .(214-205