Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫بحث حول‪:‬‬

‫نظرية التحول الديموغرافي‬

‫من إعداد الطالب‪ :‬سعد روان‬


‫سنة أولى علوم اجتماعية‬
‫الفوج ‪03‬‬
‫‪ -‬مقدمة‪.‬‬

‫‪ - 1‬مفهوم التحول الديموغرافي‪.‬‬

‫‪ - 2‬مراحل التحول الديموغرافي‪:‬‬

‫‪ -1-2‬المرحلة اﻷولى ‪ /‬المرحلة البدائية ‪.‬‬

‫‪ -2-2‬المرحلة الثانية ‪ /‬المرحلة اﻻنتقالية أو المتوسطة ‪.‬‬

‫‪ -3-2‬المرحلة الثالثة ‪ /‬المرحلة اﻹستقرارية أو مرحلة النضج السكاني‪.‬‬

‫‪ -4‬التحول الديموغرافي في الجزائر‪.‬‬

‫‪ -1-4‬المرحلة اﻷولى‪.‬‬

‫‪ -2-4‬المرحلة الثانية‪.‬‬

‫‪ -3-4‬المرحلة الثالثة‪.‬‬

‫‪ -5‬نقد نظرية اﻻنتقال الديموغرافي‪.‬‬

‫‪-‬الخاتمة‪.‬‬

‫‪-‬المصادر‪.‬‬
‫‪ -‬المقدمة‪:‬‬

‫إن حجم السكان أمر مادي ومحسوس يمكن ﻷي شخص في أي زمان وفي أي مكان أن يﻼحظه‪.‬‬
‫كظاهرة كثرة اﻹنجاب أو ارتفاع عدد الوفيات بين أوساط مجموعة سكانية ما‪ ،‬فﻼ ريب إذا كان‬
‫المفكرين و الحكام في مختلف العصور و اﻷزمنة قد انتبهوا إلى هذا الموضوع وأولوه اﻷهمية البالغة‪.‬‬
‫فالمسألة السكانية من أهم المسائل المعقدة التي واجهها العالم في الماضي و الحاضر على حد السواء‪.‬‬
‫ففي الماضي أهتم بعدد السكان القادرين على حمل السﻼح لمعرفة قوة المجتمع الذي ينتمون إليه‪ ،‬كما‬
‫اهتم بالمسألة السكانية لسن الضرائب على الرعايا و في العصور الوسطى‪ ،‬و أهتم بالسكان نتيجة‬
‫اﻻكتشافات الجغرافية و الفتوحات المتعددة‪. .‬‬

‫أما في العصر الحديث‪ ،‬فقد انقسم اﻻهتمام بالمسألة السكانية إلى قسمين ‪ :‬القسم اﻷول العالم المتقدم‪/‬‬
‫المصنع الذي يشكوا من انخفاض عدد سكانه ‪ ،‬فسن عدة قوانين بغية كثرة اﻹنجاب‪ ،‬والقسم الثاني العالم‬
‫النامي الذي يشكوا من اﻻنفجار الديموغرافي الذي عاق كل سبل و جهود التنمية فيه‪ ،‬فعمل حكامه و‬
‫مفكروه على التقليل من عدد سكانهم بسن مختلف الوسائل كتحديد السن عند أول زواج ‪ ،‬منع تعدد‬
‫الزوجات‪ ،‬سن برامج لتنظيم النسل و استعمال وسائل منع الحمل ‪ . . .‬الخ‪.‬‬

‫فلقد شغلت ظاهرة التزايد السكاني إهتمام المفكرين على مر السنين من مختلف اﻻتجاهات و‬
‫التخصصات‪ ،‬إﻻ أن آرائهم إختلفت في تحديد مكانته بأبعاده اﻹنسانية المعقدة حيث شهدت رواند فكرية‬
‫متتالية في تحليلها و تفسيرها و حتى ألتنبؤاتها ‪ ،‬و من أشهر النظريات التي تناولت هذا الموضوع هي‬
‫نظرية التحول الديموغرافي‪.‬‬
‫‪ -1‬مفهوم التحول الديموغرافي‪:‬‬

‫}تعريف اﻷمم المتحدة‪ :‬لتحول الديموغرافي هو التحول التاريخي في معدﻻت المواليد والوفيات من‬
‫مستويات عالية إلى مستويات منخفضة‪ .‬وانخفاض الوفيات يسبق عادة انخفاض الخصوبة‪ ،‬ومن ثم‬
‫يؤدي ذلك إلى نمو سكاني سريع خﻼل فترة التحول‪{.‬‬

‫إن العملية الخاصة بتحول السكان من مرحلة إلى أخرى تكون فيها الخصوبة والوفيات مرتفعة إلى حالة‬
‫أخرى تتميز بارتفاع الخصوبة وانخفاض الوفيات و إلى حالة أخرى تتميز بانخفاض الخصوبة و‬
‫الوفيات و التي شهدتها مجموعة كبيرة من الدول تسمى تحول ديموغرافي أو تحول سكاني‪.‬‬

‫إذ تعرف عملية اﻻنتقال من مرحلة قبل التحول الديموغرافي إلى مرحلة ما بعد التحول الديموغرافي‬
‫ارتباطا ما بين انخفاض الوفيات و الخصوبة مما ينتج عنها نموا سكانيا انتقاليا‬

‫و تعد نظرية اﻻنتقال أو التحول الديموغرافي من أبرز المظاهر المرتبطة بدراسة السكان و التي حظيت‬
‫باهتمام كبير يماثل اﻻهتمام الذي قوبلت به نظرية مالتوس من قبل ‪.‬‬

‫هذه النظرية تعترف بالعﻼقة الواضحة بين التنمية و النمو السكاني‪ .‬حيث ترى أن معظم المجتمعات ما‬
‫قبل المرحلة اﻹستقرارية ‪ /‬المرحلة الثالثة‪ .‬عرفت استقرارا في عدد سكانها نتيجة ارتفاع معدل الوفيات‬
‫والوﻻدات على السواء‪ .‬مع العلم انه في المرحلة الثانية أدى التحسن في مجال الخدمات الصحية إلى‬
‫انخفاض معدل الوفيات باختﻼف أنواعها‪ ،‬مما تسبب في وقوع اﻻنفجار الديموغرافي في بعض الدول‪ ،‬و‬
‫بعدها وصل معدل الخصوبة إلى مرحلة اﻻنخفاض حتى بلغ مستوى اﻹحﻼل أي حوالي طفلين لكل‬
‫امرأة وبالتالي استقر حجم السكان‪ .‬كل هذا يعرف بالمراحل اﻻنتقالية الديموغرافية ‪.‬‬

‫وتعتبر هذه النظرية وليدة تفكير مجموعة من الباحثين من علماء الديموغرافية و اﻻقتصاد‪ ،‬فﻼ يمكننا أن‬
‫ننسبها إلى عالم دون آخر‪ ،‬فاﻻهتمام بالعﻼقة التي تربط السكان بالموارد المعيشية تمخضت عنها هذه‬
‫النظرية ‪ ،‬و هي محاولة ﻹخضاع التغير السكاني إلى قانون عام يتم وفقه التنبؤ باحتماﻻت النمو البشري‬
‫حاضرا و مستقبﻼ ﻷي مجتمع سكاني ‪.‬‬

‫و هذه النظرية عبارة عن وصف للتغيرات الديموغرافية للمجتمع من حيث التركيبة السكانية و أهم‬
‫التحوﻻت التي تطرأ على مستوى الوﻻدات والوفيات‪ .‬ذلك تبعا لﻸوضاع السائدة أثناء كل مرحلة ‪ .‬فلقد‬
‫أقيمت هذه النظرية في البداية على أساس تجارب بيولوجية أجريت على بعض الكائنات‪ .‬ففي بادئ اﻷمر‬
‫قام بها ريموند بورل ‪ Raymond Pearl‬حيث استنتج أن النمو الطبيعي يحدث في دورات مميزة ففي‬
‫خﻼل الدورة الواحدة و في مساحة معينة ووسط معين يبدأ النمو بطيئا ثم ما يلبث أن يتزايد بالتدريج و‬
‫بنسبة ثابتة حتى يصل إلى منتصف الدورة‪ .‬و بعد هذه النقطة فان الزيادة المطلقة بالنسبة للوحدة الزمنية‬
‫تصبح أقل حتى نهاية الدورة و قد اتخذ لوصف هذه النظرية قانونا رياضيا مستخدما معادلة المنحنى‬
‫اللوحبشي لشرح منحنى النمو السكاني و تحديد دوراته المتتابعة‪.‬‬

‫و يعتبر أدولف ﻻندري ‪ Adolphe Landry‬أول من أدخل مفهوم الثورة الديموغرافية سنة ‪. 1934‬‬
‫ثم اشتهرت بعد ذلك باسم التحول الديموغرافي من طرف برنستون من الوﻻيات المتحدة اﻷمريكية‪ ،‬و‬
‫هو أول من قسمها إلى ثﻼثة مراحل‪.‬‬
‫إﻻ أن أول من نوه بوجود مراحل ديموغرافية كان واران تومسون ‪ Warren Thompson‬سنة‬
‫‪ 1929‬حيث رأى أن كل مجتمع بشري يمر بالمراحل التالية ‪:‬‬

‫‪ -‬مرحلة ارتفاع معدل الوﻻدات و الوفيات ‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة انخفاض معدل الوﻻدات والوفيات‪.‬‬

‫‪ -‬مرحلة انخفاض معدل المواليد و ارتفاع طفيف في معدل الوفيات ‪.‬‬

‫إﻻ أن هذا اﻷخير لم يعطي لنا تفسيرا حول عملية اﻻنتقال من مرحلة إلى أخرى من حيث اﻷسباب‪ .‬و‬
‫مجمل القول فان نظرية التحول الديموغرافي هي تلك النظرية التي تحاول شرح المسار العام للنمو‬
‫السكاني و نستطيع تلخيصها في ما يلي ‪ " :‬هي التطور اﻻقتصادي والتنموي الذي يفصل التوازن بين‬
‫الوﻻدات والوفيات في أي مجتمع سكاني‪.‬‬

‫وهذا باعتبار أن المحرك اﻷول للتحوﻻت السكانية هي ظاهرة الوفيات ثم تأتي بعدها ظاهرة الوﻻدات‬
‫في المرحلة الثانية‪ .‬رغم وجود عامل ثالث يحدد عدد السكان في أي مجتمع باﻹضافة إلى العاملين‬
‫اﻷوليين )الوﻻدات والوفيات إﻻ وهو عامل الهجرة‪ .‬إﻻ أنه جرت العادة أن تتم الدراسة فقط على ظاهرة‬
‫الوﻻدات والوفيات حيث ﻻ يدخل هذا العامل إﻻ كعامل مشوش‪(.‬‬

‫و لكن السؤال المطروح هنا ما هي العوامل الكفيلة لﻼنتقال من مرحلة إلى أخرى ؟‬

‫نﻼحظ أن كل المفكرين الذين اهتموا بالتحول الديموغرافي اهتموا بظاهرة انخفاض الوفيات حيث يقول‬
‫أدولف ﻻندري " الوفيات الغير طبيعية أصبحت قليلة و السبب في ذلك الجذري في النظافة والوقاية و‬
‫الصحة " ‪.‬‬

‫إذ أن اﻷمراض المعدية أصبحت معروفة أكثر و استطاع القضاء عليها خاصة بعد اكتشاف و ذكر‬
‫ﻻندري ‪ landry‬و شرح أن سبب انخفاض الوﻻدات هو أكثر صعوبة من شرح سبب انخفاض عدد‬
‫الوفيات فيقول أن السبب في انخفاض الوﻻدات كما يعلم كل الناس اﻵن و بدون منازع هو التحديد‬
‫اﻹرادي "للوﻻدات ذلك باﻷخذ بعين اﻻعتبار مدة اﻹنجاب بعد الزواج في الماضي والحاضر‪ ،‬فمثﻼ في‬
‫فرنسا كان اﻷزواج ينجبون بعد سنوات قليلة من زواجهم أما حاليا فالمدة الفاصلة بين الزواج و اﻹنجاب‬
‫حوالي خمس سنوات في فرنسا بعد الزواج‪ .‬لكن ما هي العوامل التي كانت وراء اتخاذ هذا السلوك‬
‫ومكيف تم انتقال من مرحلة إلى أخرى؟‬

‫قد يكون هذا السؤال هو الذي جعل دانيال نوان ‪ Daniel Noin‬يذهب إلى القول بان كل من أدولف‬
‫ﻻندري ووران تومسون لم يعطيا مخططا لهذا التطور إذ لم يقوما بشرح ذلك التغير الطارئ في كل‬
‫مرحلة كما فعل فرنك نوتشتاين ‪ Frank Notestien‬بعدهما و الذي بين عملية التطور بوضوح و‬
‫استخرج المتغير المتسبب في ذلك‪.‬‬

‫أما في الوقت الحاضر فلقد اتفق الديموغرافيين على ثﻼث مراحل للنمو السكاني تتميز كل مرحلة من‬
‫مراحلها بسمات خاصة معتمدة على تطور معدﻻت الوﻻدات و الوفيات في آن واحد‪.‬‬
‫‪ -2‬مراحل التحول الديموغرافي‪:‬‬

‫‪ -1-2‬المرحلة اﻷولى ‪ /‬المرحلة البدائية ‪:‬‬

‫تتميز هذه المرحلة باﻻرتفاع الشديد في معدل الوﻻدات والذي يبلغ ما بين ‪ ‰ 50 - 40‬و كذا اﻹرتفاع‬
‫الشديد اﻵخر في معدل الوفيات و الذي يصل إلى ما بين ‪.‰ 35 - 30‬‬

‫و ترتفع الوفيات في هذه المرحلة خاصة في الشريحة العمرية الصغرى و نعني بذلك اﻷطفال الرضع‬
‫حيث يصل معدل وفيات اﻷطفال فيها ‪ ،‰ 250‬كما أن أكثر من نصف اﻷطفال يموتون في هذه‬
‫المرحلة قبل وصولهم سن ‪ 15‬سنة‪.‬‬

‫لقد كانت في تلك الفترة اﻷمراض‪ ،‬المجاعات واﻷوبئة و كذا الحروب عوامل فعالة في تحديد التزايد‬
‫السكاني‪ ،‬حيث كانت الزيادة السكانية ضعيفة في القرون اﻷولى والوسطى للميﻼد‪ .‬فحوالي ‪ %25‬من‬
‫سكان أوربا توفوا بسبب الطاعون اﻷسود و المجاعة بين ‪ . 1350-1348‬فالتاريخ يحدثنا أن المرض و‬
‫الجوع كان لهما الدور اﻷول في تحديد الزيادة السكانية في الماضي ‪ .‬فلقد انخفض عدد سكان أوربا سنة‬
‫‪ 1400‬بنسبة ‪ %40‬مما كان عليه سنة ‪ 1348‬ﻻنتشار الفقر و اﻷوبئة و المجاعة‪ .‬فأوربا كانت عرضة‬
‫لﻸوبئة و المجاعات والحروب‪ .‬ففي سنة ‪ 1663‬قدر عدد ضحايا الطاعون بلندن حوالي ‪ 100‬ألف‬
‫ضحية و هو بمثابة ربع سكان المدينة‪.‬‬

‫إن الطاعون اﻷسود هو أشد ما قضى على سكان أوربا ما بين ‪ 1350 - 1348‬إذ بلغ عدد ضحاياه ما‬
‫بين ‪ %25 - 20‬و كذلك مجاعة ‪ 1400‬التي قضت على حوالي ‪ % 60‬من سكانها‪ .‬لهذا لم يحدث‬
‫التضاعف اﻷول لسكان العالم إﻻ في سنة ‪ 1650‬حين بلغ عددهم حوالي ‪ 500‬مليون نسمة ‪ . 119‬و‬
‫بهذا بلغ معدل النمو السكاني ذروته في العالم في أوائل الستينات إذ قدر ‪.%2‬‬

‫لقد مرت أوربا بهذه المرحلة منذ ثﻼث قرون فمثﻼ في القرن الثامن عشر بلغ معدل الوﻻدات بها ‪38‬‬
‫‪ ‰‬إﻻ أن القليل منهم فقط كانوا يبقون على قيد الحياة إلى غاية سن الزواج ‪ .‬و هذا ﻻرتفاع معدل‬
‫الوفيات اﻷطفال الرضع مما ترتب عنه إنجاب متكرر قصد تعويض ما فقد من اﻷبناء فبلغ حينها متوسط‬
‫عدد اﻷطفال للمرأة الواحدة ما بين ‪ 13 - 4‬طفل‪ .‬فمثﻼ فرنسا سجلت سنة ‪ 1830‬معدل وﻻدات خام‬
‫يقدر بـ ‪.‰ 30‬‬

‫و قد يرجع السبب في ارتفاع معدل الوفيات في هذه المرحلة إلى ارتباطها بالحالة اﻻقتصادية و الصحية‬
‫بصفة عامة‪ ،‬و كذلك الحروب التي خلفت عددا كبيرا من الوفيات‪ ،‬أما عن سبب ارتفاع معدﻻت‬
‫الوﻻدات في هذه المرحلة‪ ،‬فيرجع إلى الترسب اﻻجتماعي للثقافة المرتبطة بالعادات التقاليد التي تحبذ‬
‫كثرة اﻹنجاب‪ ،‬فمزايا النظام اﻻقتصادي فيها هو الذي كان يطلب اﻷسر الكثيرة العدد للمساهمة و‬
‫المساعدة في الزراعة بما أنها النشاط السائد‪ .‬ضف إلى ذلك فالطلب على اﻹنجاب كان متأثر فيها‬
‫بمساعدة اﻷطفال ﻷسرهم عند الكبر فكان في هذه المرحلة اﻹنجاب استثمار في المستقبل‪.‬‬

‫كذلك نجد أن النسبة العالية للوفيات كانت لها اﻷثر على ارتفاع معدل الخصوبة ذلك لتعويض ما فقدته‬
‫تلك اﻷسر من اﻷطفال‪.‬‬

‫و لقد استغرقت هذه المرحلة مدة طويلة من الزمن امتدت من العصور القديمة إلى العصور الوسطى‪ ،‬و‬
‫كان المجتمع السائد كما قلنا فيها هو المجتمع الزراعي ذو الدخل المحدود‪ .‬في مثل هذه المجتمعات‬
‫تنخفض مكانة المرأة كما تقل تكاليف تربية اﻷطفال انخفاض مستوى التعليم ويساهم هؤﻻء في سن مبكر‬
‫جدا في اﻷعمال الزراعية مما يؤدي الى ارتفاع معدل الوﻻدات والوفيات فيها في نفس الوقت ‪.‬‬

‫و لقد مرت كل شعوب العالم بهذه المرحلة التي سادت العالم في كل أجزائه تقريبا حتى القرن السابع‬
‫عشر و لكن في شرق أسيا وبعض مناطق دول أمريكا الﻼتينية و إفريقيا الصحراوية بقيت بها هذه‬
‫المرحلة حتى القرن الماضي ‪.‬‬

‫‪ -2-2‬المرحلة الثانية ‪ /‬المرحلة اﻻنتقالية أو المتوسطة‪:‬‬

‫تتميز هذه المرحلة بثبات نسبي لمعدﻻت الوﻻدات بينما تبدأ معدﻻت الوفيات في اﻻنخفاض ذلك بسبب‬
‫الدور الصحي و التحسن العام في ظروف الحياة‪ .‬إذن في هذه المرحلة تحسنت اﻷوضاع اﻻقتصادية‪،‬‬
‫اﻻجتماعية و الصحية و التي صادفت اكتشافات لويس باستور في مقاومة اﻷمراض المعدية‪ .‬فكانت‬
‫وراء اﻻنخفاض المباشر لمعدل الوفيات بمختلفه‪ ،‬حيث بلغ ما بين ‪ 0% 25 -15‬فحين استمر في هذه‬
‫الفترة معدل الوﻻدات في اﻻرتفاع إذ تراوح ما بين ‪.‰ 50-40‬‬

‫كما ارتفعت نسبة الزيادة الطبيعية بنسب كبيرة حيث وصلت ‪ % 25‬و على أثر ذلك تميز الهرم السكاني‬
‫باتساع قاعدته ‪.‬‬

‫و لقد أدى النزول المفاجئ لمعدﻻت الوفيات خاصة بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية و استمرار معدل‬
‫الوﻻدات في اﻻرتفاع )الثبات( إلى تزايد معدل الزيادة السنوية و تشكل ما يسمى بالقنبلة السكانية للعالم‬
‫الثالث ‪.‬‬

‫حيث ارتفع عدد سكان العالم بمقدار أربع مرات خﻼل القرن الماضي‪ ،‬اذ كان النمو السكاني أسرع مما‬
‫كان عليه في أي وقت من التاريخ البشري السابق‪ ،‬فقدر عددهم في بداية القرن العشرين حوالي ‪1,5‬‬
‫مليار نسبة ليبلغ مليارين عام ‪ 1927‬ثم ثﻼث مﻼيير سنة ‪.1960‬‬

‫لقد تضاعف عدد سكان العالم منذ سنة ‪ 1960‬و حدث ذلك في الدول النامية بنسبة ‪ %95‬و شوهد في‬
‫نفس الفترة تباطؤ أو توقف النمو السكاني في أوروبا و أمريكا الشمالية اليابان ‪.‬‬

‫و في هذه المرحلة تطورت وظائف اﻷسرة و تحولت هذه اﻷخيرة من وحدة إنتاجية و استهﻼكية في‬
‫البيئة الزراعية إلى وحدة استهﻼكية فقط في البيئة الصناعية‪ .‬كما شجعت المرأة للمشاركة في عملية‬
‫اﻹنتاج خارج البيت و امتازت كذلك هذه المرحلة بتخصيص اﻷموال ﻹعداد الشباب و اﻷطفال وتكوينهم‬
‫بطريقة أفضل ‪.‬‬

‫لقد استمرت هذه المرحلة ما بين ‪ 150-75‬سنة و أطلق عليها الفترة اﻻنتقالية‪ .‬ففي أعقاب الثورة‬
‫الصناعية تغيرت اﻷوضاع اﻻقتصادية واﻻجتماعية السائدة في المجتمعات آنذاك‪ .‬و أدى تحسن الظروف‬
‫الصحية للسكان إلى انخفاض معدﻻت الوفيات العالية و هذا طبعا كلما قلنا بفضل التطور التكنولوجي‬
‫الذي كان من أهم العوامل التي مكنت الدول من الدخول إلى هذه المرحلة‪.‬‬

‫فأوروبا مثﻼ عرفت هذه المرحلة في القرن الثامن عشر إلى نهاية القرن التاسع عشر‪ ،‬أما الدول النامية‬
‫فقد عاشت هذه المرحلة بعد الحرب العالمية الثانية تقريبا حيث يرى دومينيك تبيتان ‪Dominique‬‬
‫‪ Tabutin‬أن دول الجنوب عرضت أكبر معدﻻت الوﻻدات في العالم ما بين ‪ ،1960 - 1940‬وهو ما‬
‫حدث في بعض المناطق اﻷوروبية في منتصف القرن التاسع عشر ‪ 122‬مما أدى إلى زيادة الفجوة بين‬
‫معدل الوﻻدات والوفيات وأحدث اﻻنفجار الديموغرافي بها ‪.‬‬

‫‪ -3-2‬المرحلة الثالثة ‪ /‬المرحلة اﻹستقرارية أو مرحلة النضج السكاني‪:‬‬

‫هذه المرحلة هي المرحلة اﻷخيرة من مراحل الدورة الديموغرافية و تتميز بالنمو البطيء في عدد‬
‫السكان من جراء التحوﻻت اﻻجتماعية واﻻقتصادية‪ ،‬فعندما ارتفع المستوى المعيشي للسكان مع زيادة‬
‫الوعي الصحي و الثقافي والحضري و كذا الوقائي اتجهت معدﻻت الوﻻدات إلى اﻻنخفاض بعد ما كانت‬
‫معدﻻت الوفيات قد انخفضت في المرحلة التي سبقتها )المرحلة اﻻنتقالية( و وصلت إلى أدنى حد لها ما‬
‫بين ‪ ‰10 - 7‬و كان نتيجة ذلك بالطبع هو انخفاض معدل النمو الطبيعي حيث وصل إلى ما بين‬
‫‪ %1-0,5‬سنويا‪ .‬كما هو الحال اﻵن في معظم دول غرب و شمال أوربا وأمريكا ‪.‬‬

‫فما بين ‪ 1955 - 1950‬انخفضت خصوبة اﻷوربيين من ‪ 2,6‬طفل لكل امرأة إلى ‪ 14‬طفل ‪ /‬امرأة و‬
‫هو حدا أقل من التعويض‪ .‬أما أمريكا الشمالية في نفس الفترة انخفضت الخصوبة بها من ‪ 3,5‬طفل لكل‬
‫امرأة إلى ‪ 1,8‬طفل لكل امرأة في أواخر السبعينات ‪.‬‬

‫فانخفاض مدة الزواج ﻻرتفاع الطﻼق في أوربا ما بين ‪ 1975 - 1950‬و تأخر سن زواج المرأة و كذا‬
‫خروجها لميدان العمل و ارتفاع العﻼقات الجنسية خارج الزواج كلها عوامل أدت إلى انخفاض الخصوبة‬
‫بها ضف إلى ذلك انتشار استعمال وسائل منع الحمل‪.‬‬

‫و من سمات هذه المرحلة هو زيادة فرص الحراك اﻻجتماعي الذي يمكن تحقيقه بطريقة أفضل في حالة‬
‫اﻷسرة الصغيرة‪ ،‬كما أدت عملية التنمية الحضرية إلى تغير مكانة الطفل في المجتمع حيث تحولوا إلى‬
‫عبء اقتصادي بعدما كانوا عونا اقتصاديا لﻸسرة ‪ ،‬فانتشرت بذلك اﻷسر المصغرة عند الطبقات العليا‬
‫أوﻻ ثم الطبقة الدنيا ثانيتا‪.‬‬

‫و من ميزات هذه المرحلة كذلك ارتفاع نسبة الشيوخ و انخفاض نسبة اﻷطفال من مجموع السكان‪.‬‬

‫إن هذه المرحلة باﻹمكان مشاهدتها بوضوح في الدول المتقدمة خﻼل الفترة الممتدة من الثورة الصناعية‬
‫حتى عام ‪ 1975‬على سبيل المثال في بريطانيا و فرنسا مرت على هذه المرحلة خﻼل الفترة الممتدة ما‬
‫بين ‪ ، 1965 - 1770‬السويد مرت عليها خﻼل الفترة الممتدة ما بين ‪.1965- 1775‬‬

‫و ما يمكن قوله هو أن خمس اﻹنسانية الموجود اليوم في البلدان المتقدمة )المصنعة( وضعت حوالي‬
‫قرنين لتحقيق التحول الديموغرافي بها ‪.‬‬

‫و المﻼحظ كذلك أنه في سنوات الخمسينات والستينات كان ينظر للوﻻدات تحت تأثير المدرسة الوظيفية‬
‫التي كانت مهيمنة على علم اﻻجتماع اﻷنجلو سكسوني و في هذا اﻻقتراب يوضع التحول الديموغرافي‬
‫في مجموع التحوﻻت البنيوية المتعلقة بالتصنيع و التحضر ‪.‬‬

‫فالتحول الديموغرافي إذن هو اﻻنتقال من المجتمع الزراعي الكثير الخصوبة إلى مجتمع مصنع قليل‬
‫الخصوبة‪ ،‬وحدث بتحويل القيم الثقافية في المجتمعات التقليدية و التي كانت منحصرة حول العائلة و‬
‫الطفل ‪.‬‬
‫و من كل هذا نﻼحظ وجود عﻼقة عكسية بين نظرية مالتوس و نظرية التحول الديموغرافي‪ .‬فمالتوس‬
‫يقول أنه ﻻ يجب رفع المستوى المعيشي للعمال و مستوى أجورهم ﻷن ذلك بالضرورة سيؤدي إلى‬
‫زيادة عددهم الشيء الذي يترتب عنه انخفاض في مستواهم المعيشي‪ ،‬ونظرية التحول الديموغرافي‬
‫تذهب إلى أنه يجب رفع المستوى المعيشي للسكان وإشراكهم في عملية التنمية مما يدفعهم إلى المحافظة‬
‫عليه و بالتالي هبوط معدل نموهم ‪.‬‬

‫و يﻼحظ بصفة عامة على هذه النظريات أنها اعترفت بالتمايز الطبقي في السلوك الديموغرافي و‬
‫حاولت تفسيره فأرجعته تارة إلى عوامل ذاتية كامنة في ذات اﻹنسان كمالتوس و تارة إلى عوامل‬
‫اقتصادية مثل كونتر‪ ،‬وتارة أخرى لعوامل اجتماعية مثل نظرية التحول الديموغرافي ‪.‬‬

‫‪ -4‬التحول الديموغرافي في الجزائر‪:‬‬

‫وفي الختام يمكن تقسيم اﻻنتقال الديموغرافي في الجزائر إلى ثﻼثة مراحل كما هو مبين في المنحنى‬
‫البياني التالي‪:‬‬

‫‪ -1-4‬المرحلة اﻷولى ‪:‬‬

‫فترة ما قبل ‪ 1962‬رغم التقلبات التي عرفتها هذه الفترة إﻻ أن أهم ما ميزها هو ارتفاع معدﻻت المواليد‬
‫والوفيات ومعدل نمو سكاني ضعيف جدا وهي نفسها مميزات المرحلة اﻷولى من مراحل اﻻنتقال‬
‫الديموغرافي المتفق عليها‪.‬‬

‫‪ -2-4‬المرحلة الثانية ‪:‬‬

‫من سنة ‪ 1980- 1962‬بعد خروج الجزائر من الحرب وما خلفته من خسائر بشرية ‪ ،‬شهدت السنوات‬
‫اﻷولى ارتفاع في معدل الوﻻدات لتعويض هذه الخسائر ‪ ،‬حيث وصلت إلى أعلى معدﻻتها المقدر ب‬
‫‪ ‰50‬سنة ‪ ، 1970‬ولوحظ انخفاض مستمر للوفيات ‪ ،‬وببقاء معدﻻت المواليد مرتفعة ومعدﻻت‬
‫الوفيات منخفضة تكون الجزائر قد أنهت المرحلة الثانية من اﻻنتقال الديموغرافي‪.‬‬
‫‪ -3-4‬المرحلة الثالثة ‪:‬‬

‫بعد ‪ 1980‬إلى يومنا هذا ‪ :‬خﻼل هذه الفترة استمرت الوفيات في اﻻنخفاض وبدأ معدل المواليد في‬
‫التراجع إلى أن قارب ‪ ‰68,19‬عام ‪ 2002‬وهو ما يتوافق مع ما تنص عليه المرحلة الثالثة من‬
‫نظرية اﻻنتقال الديموغرافي ‪ ،‬لكن بعد سنة ‪ 2002‬انحرفت الجزائر عن مسار نظرية اﻻنتقال‬
‫الديموغرافي نتيجة لعودة ارتفاع معدل المواليد والذي بلغ ‪ ‰12,26‬سنة ‪ 2016‬بفعل الخصوبة‬
‫المؤجلة والتي تسببت فيها بعض الفئات العمرية المتقدمة نسبيا في السن والتي تأخر زواجها مما أجبرها‬
‫على التعجيل باﻹنجاب بشكل متواصل بهدف ربح ما تبقى من فترة اﻹنجاب ‪ ،‬وكذا اﻻنتعاش اﻻقتصادي‬
‫الذي عرفته الجزائر في بداية القرن الحالي‪ ،‬وتتحسن الظروف اﻷمنية والذي نتج عنه تحسن دخل الفرد‪،‬‬
‫وإقبال الشباب على الزواج‪ .‬لكن المﻼحظ في نهاية سنة ‪ 2017‬تراجع في معدﻻت المواليد ليصل إلى‬
‫‪ ‰40,25‬مع ارتفاع محسوس في معدل الوفيات الذي وصل إلى ‪.‰55,4‬‬

‫‪ -5‬نقد نظرية اﻻنتقال الديموغرافي‪:‬‬

‫تنبع القوة التفسيرية للنظرية من ربط المميزات العامة للتغير الديموغرافي بالتغير اﻻجتماعي‬
‫واﻻقتصادي الذي يلخص في الغالب بـ "التحديث"‪ .‬وهنــاك وجهات نظر مختلفة حول النظرية‪ .‬فنرى‬
‫سزريتير وكرينهالغ يعتقدان بأن النظرية لم تفشل فقط في اﻻختبارات التجريبية لكنها أيضا ً أضرت‬
‫بالبحــث التجريبي ويجب أن تهمل‪ .‬وآخرون مثل كيرك وماسون حددا بأنها يمكن أن يكون لها بعض‬
‫جوانب الفشل لكن هذا يهيئ لبناء معرفي يقوي النظرية‪.‬‬

‫وقـد واجـه مفهـوم التحـول الـديموغرافي نقـدا ً أساسيا ً حتـى مـن أوسـاط أتباعـه‪ .‬ففي عــــام ‪1973‬‬
‫علـى ســــبيل المثـال فـي انطـﻼق المشـروع الكبير لــدعم نظريـة التحـول حــدد كـوال قـوة وضـعف‬
‫النظريـة‪ .‬وذكـر أن هنــاك صـعوبة فـي تحديـد العتبـة الدقيقـة للتحــديث الـذي يمكـن اﻻعتمـاد عليهـا‬
‫لتحديـد مــدى جاهزيـة الخصـوبة لﻼنخفــاض‪ .‬أمـا تشيسـنيز فقـد عــــام ‪ 1986‬أن قـوة مفهـوم‬
‫التحـول تكمـن فـي الحقيقـة التـي ﻻ يمـكن إنكارهـا بـأنـه فـي مجرى التحـديث الكـافي تتغير الخصوبة‬
‫والوفيات بطريقة يمكن توقعها‪.‬‬

‫حـــاول كـوال والمشـاركون معـه مـن جامعـة برينســــتون اســـــتخدام مسـح ذي حجــم كبيـر لتحديـد‬
‫المتغيـرات الحاســـمة التـي قررت مستهل وسـرعة التحـول الديموغرافي فـي أوربـا‪ .‬وقـد فشـلـت‬
‫محـاولتهم حيـث أن دراسـتهـم لـم تـسـتطيع إيجـاد أي مؤشـر اجتمـاعي‪ -‬اقتصــــادي للتحــديث يستطيع‬
‫بــــدون لــــبـس وﻻ إبهــام شـرح حـــــدوث انخفـــاض الخصـوبة فــي أوروبــا‪ .‬فالعوامــل اﻻجتماعيـة‬
‫و اﻻقتصــادية الـتـي تـم التأكيـد عليهـا مـن قبـل نظريـة التحـول بـدت إمـا عمـلـة مـزورة أو تنـاقض‬
‫نفسـها فـي شـرح وقـت اﻻنخفــاض ومعدلــه‪ ،‬ويشـار إلـى انخفــاض الخصـوبة المتـــــزامن فـــي‬
‫هنغاريـــا وانكلتــرا علمـا أن تطـور المؤشـرات اﻻجتماعيـة اﻻقتصـادية فـي هنغاريـا كـان أقـل بكثيـر‬
‫مقارنـة بــانكلترا التـي كـانـت تعتبـر أكثـر بلــدان العـالم تقـدمـا مـن الناحيـة اﻻقتصـادية فـي ذلـك‬
‫الوقـت‪ .‬ومـع أخـذ اﻻعتبـار لمجتمعـــــات معاصـرة مثـل الصــين وكوريـا الجنوبيـــة وســـــريﻼنكا‬
‫التـي باتــت الخصـوبة فيهـا قريبــة أو تحـت مســـــتوى معـدل إعــادة اﻹحــﻼل بـدون تحقيـق المتطلب‬
‫المفتــــــرض الكامــل فــــــي التطور اﻻجتمـــــــاعي‪ -‬اﻻقتصــــادي‪ .‬كـذلك بنغﻼديش واحــدة مـن‬
‫الـدول اﻷقـل تـطـورا فـي الـعـالـم هـي أيضـا ً مثـال جيـد آخـر ﻻنخفـــاض الخصـوبة‪ .‬وفـي ضـوء‬
‫تقيـــــم التسجيل المعاصـر ﻻنطـﻼق وسـرعة تحـول الخصـوبة وجـد كـﻼ مـن بونغـارتس وواتكينـز‬
‫أيضـا تباينـا كبيـرا جـدا فـي كـل المؤشـرات اﻻجتماعيـة‪ -‬اﻻقتصــادية المطبقــة مؤكـــــــدين‬
‫خﻼصــــات دراسة جامعة برينستون المشار إليها لتاريخ أوروبا الديموغرافي‪.‬‬

‫ينــــاقش كـالـــدول بـأن انخفــاض الخصـوبة يعتمـد علـى التطـور اﻻجتمـاعي )أساسـا ً التغيـر فـي‬
‫العﻼقـات العائليـة( الـذي لـيـس مـن الضـروري أن يترافـق مـع التحـديث اﻻقتصــادي‪ .‬رغـم أن الكثيـر‬
‫مـن البـاحثين ﻻ يرفضـون بالضـرورة تفسـير الـرؤى الكﻼسيكية لنظريـة التحـول الـديموغرافي وهـم‬
‫يجـدون مـن المـهـم التأكيـد بـأن القـوى التــــي يرتكـز عليهـا التحـول الـــديموغرافي ﻻ تتطلـب فقـط‬
‫تغيـرات فـي الظـروف الماديــة وفـي التقســيـم اﻻجتمـاعي للعمـل والمـوارد ولكـن أيضـا ً تتطلب‬
‫تغيـرات مهمة فـي الجانـب اﻻجتمـاعي والثقـافي فيمـا يخـص عـدد اﻷطفـال المرغـوب بـه و سلوك‬
‫إعادة إنتاجهم‪.‬‬

‫ومثـل نظريـة الحداثـة فــإن نظريـة التحـول الــديموغرافي فـي بعـض نسـخها المعدلـة تنكـر العـالم‬
‫الثالـث كتـــاريخ وتفتـرض بـأن التقــدم يتكـون مـن انـجـاز الظـروف المميـزة للغـرب‪ .‬وبمـا أن‬
‫التحــديث و الغربنـة انـتقﻼ إلـى دول أخـرى فـإن سـكانها ســــــيــواجهون نفـــس مراحـل التغييــر‬
‫الـــديموغرافي‪ .‬و‪ ،‬اعتقـاد كـيـرك هـذا مـا يحدث بالضبط حيث أصبح تحول الخصوبة عالميا ً‪.‬‬

‫وفـي حالــة اليابــان الفريـدة فـهـي أول مجتمـع غيـر أوروبـي أصـبح متطـورا ً وأول هد التحـول‬
‫الـــديموغرافي‪ .‬ويبــدو أن اﻻنخفـاض الرئيســي فـي الـوﻻدات بـدأ أواخـر القـرن التاسـع عشـر‪ .‬ويقـدر‬
‫أن معـدل التكاثر اﻹجمـــالـي كـــان ‪ %0.3‬فــي عـام ‪ .1875‬ومـن هـذا التـاريخ أنجـزت اليابــان‬
‫تـقـدما اجتماعيـا واقتصــاديا وانخفـض معـدل كـﻼ مـن الوفيـات والـوﻻدات‪ .‬ورغـم عـدم التأكـد يبدو أن‬
‫التنميــة اﻻجتماعيـــــة‪-‬اﻻقتصــادية واﻻنخفـــــــاض الرئيســـــــي فــــــي معــدل الوﻻدات كـان وثيقـا‬
‫الصـلـة فـي حـالـة اليابـان‪ .‬فـي الحقيقـة هـذا الشـيء الـذي حـدث طبيعيـا فـي اليـابـان كـان قبـل تنفيـذ‬
‫بـرامج التخطيط العـائلي الفعالـة‪ .‬وهـذا يعنـي بـــــأن نظريـة التحـول الــــديموغرافي لـم تـكــــن‬
‫مﻼزمــة ومختصـرة عـلـى الثقافة اﻷوروبية ومن ثم يجب أن يعد هذا نصر رئيسي لها‪.‬‬
‫وحســـب ون وينكليـر رغـم كـل اﻻنتقــادات الموجـه لنظريـة التـحـول الـديمغرافي فإنهـا تظـل إطـارا ً‬
‫مفيـدا لتحليـل التغيـرات الديموغرافيـة مـن وجهـة نظـر تاريخيـة‪ .‬أمـا إمكانيـة تطبيقهـا علـى التحـوﻻت‬
‫الديموغرافيـة فـي الـدول الناميـة فـهـي ليسـت مجـرد نقــاش أكـاديمي لكـن لـهـا أهميـة عمليـة كبيـرة‬
‫بخصـوص السياسـة السـكانية المﻼئمـة التـي يجـب تبنيهـا‪.‬‬

‫ومـن وجهــة نظرنـا فـإن هـذه النظريـة يمكـن تطويرهـــا لتأخر فــــــي اﻻعتبــــار اﻹطـار العـــام‬
‫لطبيعـة البنيــة اﻻجتماعيـة واﻻقتصــادية فـي الـدول الناميـة وهـذه القضــية يفتـرض أن تبقـى مـدار‬
‫نقــــاش أكـاديمي مثمـر‪ .‬وهنـا أتفـق مـع د‪.‬برهـان غليـون الـذي يقـول أن المفاهيم النظريـة تتطـور‬
‫وتغيـر أو تعـدل مـن مـضـمونها ومـن أشـكال تطبيقهـا تاريخيـا مـع تـطـور الواقـع الثقـــافي‬
‫واﻻجتمـاعي واﻻقتصــــادي الــذي أنتجهـا كمـا تتط ور مـع تبـــدل المكونات التي تدخل فيها والحاجات‬
‫الجديدة التي ترد عليها"‪.‬‬

‫أخيــرا نخلـص إلـى أن التحـول الـــديموغرافي فـــي الــــدول المتقدمـة أو الناميـة أمـر معقــد وﻻ‬
‫يمكــن النظر إليه ببساطة‪ .‬العوامــل والخصوصــــيــات اﻻجتماعيـة واﻻقتصــــــــادية والسياســية‬
‫والثقافيـة والنفســـية والدينيــة واﻹرث الحضـــاري وغيرهـا تتداخل وتتفاعـل لتعطـى المسـألة‬
‫الديموغرافيـة أبعـادا قـد تختلـف عبـر الوقـت مـن بلـد ﻵخـر أو مـن مجموعـة بـلـدان إلـى أخـرى‪ ،‬ولكن‬
‫فـي النهايـة سيسـري التحـول ولـو بـدرجات متفاوتـة فـي جميـع البلــدان ﻷنـه يـرتبط بـالتحوﻻت‬
‫النوعيـة الناجمـة عـن التغيـرات الكميـة فـي الخصـائص السكانية‪ .‬فـالمعروف أن التغيـرات الكميـة‬
‫تفضي إلى تحوﻻت نوعية‪.‬‬
‫‪ -‬الخاتمة‪:‬‬

‫إن القضايا السكانية من أهم القضايا التي تعرفها المجتمعات المعاصرة التي تتطلب فكرا يعتمد من جانب‬
‫العديد من المفكرين و الخبراء في مجاﻻت مختلفة‪ .‬حيث أن القضايا السكانية اليوم أصبحت تشكل‬
‫منعطفا خطيرا‪ ،‬إذ تهدد العالم بأسره في كل مخططاته التنموية‪.‬‬

‫و اﻻهتمام بالقضايا السكانية ليس وليد اليوم إنما بدأ مع ظهور المجتمعات البشرية‪ ،‬إﻻ أن ذلك اﻻهتمام‬
‫لم يكن بالمعنى الواسع ﻷغراض التنمية اﻻقتصادية و اﻻجتماعية التي تعرفها المجتمعات اليوم إنما كان‬
‫ﻷغراض حربية و ضرائبية‪.‬‬

‫و اليوم أصبح هذا اﻻهتمام يأخذ حيزا كبيرا من جهد المفكرين و المختصين العاملين على مستوى هيئات‬
‫حكومية و غير حكومية لكي يصلوا إلى حلول و الدليل على ذلك هو إقامة المؤتمرات السكانية كل عشرة‬
‫سنوات من طرف اﻷمم المتحدة‪.‬‬
‫‪ -‬المصادر‪:‬‬

‫‪ -‬جويدة عميرة‪ ،‬اتجاهات نظرية في علم السكان‪.(2014) ،‬‬

‫‪ -‬بوهراوه عز الدين‪ ،‬عمراوي صﻼح الدين‪ ،(2018) ،‬النمو الديموغرافي وتحوﻻته في الجزائر‪ ،‬مجلة الباحث في‬
‫العلوم اﻹنسانية و اﻻجتماعية‪ ،‬مجلد ‪ 2018 (05)10‬الجزائر‪ :‬جامعة قاصدي مرباح ورقلة‪ ،‬ص‪.‬ص ) ‪.(214-205‬‬

You might also like