Professional Documents
Culture Documents
الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري
الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري
الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري
يعتبر موضوع الإنسان محور اهتمام الفلسفة ،إذ تناولت مند بدايتها مع الإغريق ،و تنوعت طرق دراسته
و مجال بحثه ،يمكن تحديد الظروف المتدخلة في تحديد حقيقة الإنسان إلى ُبعدين ،أولهما ذاتي يرتبط
أساسا بجانب الحرية و التفكير اللذين يتمتع بهما الإنسان ،و من خلالهما يستطيع الإنسان أن يختار سلوكاته
و يغير من وجوده أما البعد الثاني فهو بعد موضوعي و يتجلى في مجموعة من الإكراهات و الحتميات و
الضغوطات التي تفرض على الإنسان ،و منها خضوعه لقوانين الطبيعة ثم سيادة قوانين المجتمع و
أعرافه و تقاليده عليه ثم كونه كائن فان.
الفكر الفلسفي جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان؛ فيستطيع الإنسان بدراسة الفلسفة ،أن يوضح جوانب
معتقداته ،فيدفعه ذلك إلى التفكير في المسائل الأساسية ،ويصبح قادرا على دراسة آراء الغموض في ُ
الفلاسفة القدامى ،لكي يفهم لماذا فكروا على النحو الذي فكروا فيه ،وأي أثر يمكن لأفكارهم أن تحدثه في
خصوصا كبار الكتاب منهم.
ً حياته .كما أن العديد من الناس يجدون متعة في قراءة آثار كبار الفلاسفة
مستمدا من
ً وللفلسفة تأثير كبير في حياتنا اليومية ،وحتى في اللغة التي نتحدث بها نصنف الأمور تصنيفا
الفلسفة ،فعلى سبيل المثال فإن تصنيف الكلمة إلى اسم وفعل وحرف ،يتضمن فكرة فلسفية مفادها أنه
يوجد اختلاف بين الكلمات وما يحدث لها .وما من مؤسسة اجتماعية إلا وهي مرتكزة على أفكار فلسفية،
سواء في مجال التشريع أو نظام الحكم أو الدين أو الأسرة أو الزواج أو الصناعة أو المهنة أو التربية .وإن
الخلافات الفلسفية قد أدت إلى الإطاحة بالحكومات وإحداث تغييرات جذرية في القوانين وتحويل الأنظمة
الاقتصادية بالكامل .إن تلك التغييرات ما كانت لتقع إلا لأن الناس المعنيين بالأمر كانت لهم آراء يؤمنون
بها حول ما يعتبرون أنه الأهم والأقرب إلى الحقيقة والواقع والأكثر فائدة ،وحول الكيفية التي يجب أن
تنظم بها الحياة.
يخفي الحديث عن” حوار الحضارات “حقيقة ما تتعرض له معظم ثقافات العالم من انسحاق وتهديد
بالتفكك والدمار نتيجة الهيمنة الواسعة للثقافة الأمريكية ولكنه يوحي ولو شكلياً بتساوي الثقافات ونديتها
شك إيحاء غير صادق لا علاقة له بالواقع بل إنه رد فعل وهمي على الشعور بالسيطرة الثقافية. ّ وهو بلا
حيث هناك من يرى أن استحالة قيام حوار حضاري وفق المعطيات الموجودة اليوم في عصر العولمة،
تؤدي بنا الى القول إن الحوار ممكن وخاصة كفكرة أن يسعى للحلول السلمية في عالم القوة والتكتلات
الدولية ولكنه من الناحية الفعلية مازال أمام حوار الحضارات ،من إشكاليات الحوار كذلك الأخذ بالنموذج
الغربي وذلك بتعميم حضارة المعلوماتية واتخاذها أداة للتغيير الذي يفرض من الخارج وتفرض نفسها
كحضارة عالمية ،ما يؤدي إلى إعاقة عملية التطوير والبناء الذاتي لأنها تعيد تشكيل الواقع الاجتماعي
والفكري لدى الشعوب
فما الفلسفة وما الدين وما العلاقة بينهما عبر التاريخ؟ وما علاقة الفلسفة بالقيم؟ وما أهمية الفلسفة
والدين في تدبير عيش مستدام؟ ثم ما أهمية الفلسفة والدين في إرساء حوار ثقافي حضاري مقابل
الصراع والعنف؟
لا يمكن الاستغناء أبدا عن دور الفلسفة في مجتمعتنا فإنها تقوم بدور كبير في تنشئة الفرد و كذا
المجتمع،
البنية المفهومية
ملتبسا حتى عند بعض أنصارها ،وعلى محركات البحث الإلكتروني ،حيث
ً معنى الفلسفة ،ما زال
محب الحكمة” .ولكن بتمحيص هذا التعريف،ّ حب الحكمة” ،والفيلسوف هو “ يعرفون الفلسفة بأنها “ ّ
نكتشف أنه ليس دقي ًقا .فلو رجعنا تاريخيًا إلى اللحظة التي ُولِد فيها المصطلح ،فستتجلى لنا حقيقته ،إذ
كنزا في بحر
تقول الرواية بأن مجموعة من البحارة اليونانيين ،في القرن السادس قبل الميلاد ،وجدوا ً
“إيجة” ،فاتفقوا على أن هذا الكنز يستحقه أحد أصحاب الحكمة السبعة في أثينا ،فجاؤوا إلى أولهم وقالوا
لست صاحب الحكمة ،ولذلك لا أستحقه”.ُ له“ :أنت صاحب الحكمة وتستحق هذا الكنز” .فقال لهم“ :أنا
فذهبوا إلى الحكيم الثاني ،فكان جوابه كالأول ،وكذلك الثالث والرابع حتى وصلوا إلى فيثاغورث الحكيم
لست صاحب الحكمة ،إنما صديق الحكمة” .ومن هنا؛ جاء لقب فيلسوف أي صديق ُ السابع :فقال لهم“ :أنا
الحكمة المتواضع؛ فهي في اليونانية (فيلوش) وتعني الصديق ،و(شوفيا) وتعني الحكمة.
الدين في تعريفه البسيط هو عقيدة وشريعة وأخلاق .يلتزم بها المؤمن ،ليعبّر عن صدق انتمائه للدين.
ويتفق أتباع الملل والنحل كلهم على أن شرط التكليف الديني هو العقل أولًا .لذلك قال اللاهوتيون“ :العقل
مناط التكليف” .وهنا ،يلتقي الدين بالفلسفة ،لكن قبل ذلك ما تعريف الدين عند الفلاسفة؟
يقول سيسرون ،في كتابه (عن القوانين)“ :الدين هو الرباط الذي يصل الإنسان باهلل” .أما كانط ،فقال في
كتابه (الدين في حدود العقل)“ :الدين هو الشعور بواجباتنا ،من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية” .وقال
الأب شاتل ،في كتاب (قانون الإنسانية)“ :الدين هو مجموعة واجبات المخلوق نحو الخالق :واجبات الإنسان
نحو هللا ،وواجبـاته نحو الجماعة ،وواجباتـه نحو نفسه”
مر التاريخ اختلف مفهوم الطبيعة عند الفلاسفة ،وتطور من التأملات والمعاني الأسطورية
على َّ
أن الطبيعة نموذج مثالي والفلسفية ،إلى العلمية ،ومنذ عصر الفلاسفة اليونانيين رأى الفيلسوف أفلاطون َّ
عظيم وكامل ،يمثل الروح الإلهية ،وتحكمه قوانين الرياضيات المرتبطة بالفضاء والكواكب ،بينما قال
أن كل شي ٍء له شكل ومادة يتكون منها ،وأنَّه يتحرك
ل شيء طبيعة ،والطبيعة هي َّ أن لك ّ
الفيلسوف أرسطو َّ
أو يتصرف وفق غايةٍ ما أساسية متأصلةٍ فيه ،وبغض النظر عن مدى دقة أو قيمة آراء الفلاسفة
ومفهومهم حول الطبيعة ،وتنوعه واختلافه من فيلسوفٍ إلى آخر ،فقد تطورت الأسئلة عن الطبيعة لاحقاً،
لتدخل في مجال العلم وفلسفته ،وأصبح هناك تحليل مادي وميكانيكي للعالم والطبيعة ،مثلما رآه العالم
ل من هؤلاء ،خلق نيوتن ،أو تحليل آخر علمي وفلسفي ،تصوره العالم آينشتاين من خلال نظرياته ،وك ّ
ثابت للطبيعة في الفلسفة
ٌ مفهوم
ٌ صورة خاصة عن العالم وعن الطبيعة ،مما يعني أ ّنه لا يوجد
هي أسلوب الحياة الذي يسعى لتقليل استخدام الفرد أو المجتمع لموارد المعيشة المستدامة
ويطلق على هذه الحياة حياة الانسجام .وغالبًا ما يحاول ممارسيهاالأرض الطبيعية والموارد الشخصيةُ .
تقليل البصمة الكربونية بتغيير طرق النقل و/أو استهلاك الطاقة و/أو نظامهم الغذائي .كما يهدف
مؤيديها إلى إدارة حياتهم بطرق تتفق مع الاستدامة والتوازن الطبيعي وتحترم العلاقة الإنسانية التكافلية
الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري
الثانوية العسكرية الملكية الثانية
جدع مشترك علمي٣
افهيمي رحاب
الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري
مع البيئة الطبيعية للأرض .فتتبع الممارسة والفلسفة العامة للحياة الإيكولوجية بدقة المبادئ العامة
للتنمية المستدامة.
بأ ّنه حالة من التشاور ،والتفاعل ،والقدرة على التكيف بين الشعوب المختلفة يعرف حوار الحضارات
أفكار مخالفة ،والقدرة على التعامل مع جميع الأفكار والآراء السياسيّة
ٍ بما تحمله جميع الأطراف من
والدينيّة والثقافيّة ،ويكون الهدف من هذا الحوار القدرة على التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك
الحضاري بين الشعوب ،و يمكن الاستفادة من قيم الحضارات المختلفة وتبادلها عند حصول الحوار
الحضاري،
الفلسفة و القيم
من أعلى القيم التي تدعو لها الفلسفة الحديثة والمعاصرة هي نبذ العنف وتحقيق السلام؛ وقد عمد
الفيلسوف إمانويل كانط إلى بيان الوسائل الداعية لتحقيق السلم وإن حلكة الأيام بظلم أهلها
المتصارعين ،لذلك يضع أساس السلام بين الدول و الأسباب التي تحول بين تحقيقه ،من خلال رصد ما
يمكن أن يحول دون تبادل الثقة بين المتصارعين والمتحاربين؛ وينوه كانط أنه لابد و إن اشتدت الصراعات
أن يبقى حيز من ثقة لتحقيق السلام ،وإلا ما كان السلام ممكنا وتحولت الصراعات إلى حرب إبادة الغاية
منها فقط القضاء على الآخر وتصفيته؛ ويؤكد فيلسوف السلام أن هذا النوع من الحرب أو القتل لشبيه
بحالة الطبيعة التي لا يسود فيها قانون العقل كما لا يحكمها حكم القضاء والحق.ويستبعد كانط أن تكون
للحرب صفة من صفات المسؤولية التي تستدعي أن تتكون فيها العلاقات بين الدول كالعلاقة بين الرئيس
والمرؤوسين في العمل ،لذلك فهو لا يبرر فعل الحرب التأديبية .إن كلا الحربين في نظره تضيع الحقوق
في مهب الريح والسلام في خبر كان .ولهذا في اعتقاده وجب الحيلولة من كل الأسباب الداعية إلى الحرب
ومنعها بقوى القانون بهدف ضمان سلام دائم.
ومن ثمة نجد الفيلسوف المعاصر إريك فايل يبث في دعوى قيمة الفلسفة بالقول إنها تتنافى والعنف،
بل هي إن كانت تسعى في منتهاها إلى بيان الحقيقة فإنها بالموازاة تقف في منأى عن العنف؛ لذلك
كانت من أضداد الحقيقة العنف وليس فقط الخطأ أو قول الزور ،كما أن من تعاريفها ليس مطابقة الفكر
للواقع؛ بل الحق هو أن يطابق القول الإنساني؛ لأنه لا يمكن الفصل بين الخطاب ومنتجه.
اهمية الفلسفة والدين في ارساء حوار ثقافي حضاري مقابل الصراع والعنف
حوار ثقافي
يقول ابن خلدون في مقدمته «إن الإنسان اجتماعي بطبعه .وهذا يعني أن الإنسان فطر على العيش مع
وحيدا بمعزل عنهم مهما توفرت له سبل الراحة
ً الجماعة والتعامل مع الآخرين فهو لا يقدر على العيش
والرفاهية».
لذلك ،فإن الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن له العيش في معزل عن الجماعة ،ويجب أن يقترب من بعضه
البعض من خلال التساكن والتعايش والمشاركة الجماعية .وهذه العلاقة الاجتماعية يوطدها أكثر الحوار
والتفاهم.
والحوار الثقافي هو وسيلة لغاية أسمى هي تحقيق التقارب بين الثقافات المختلفة وتفادي الخلافات
المؤدية للنزاعات والحروب والتطرف .فهو آلية أو وسيلة لتقريب وجهات النظر المتباعدة ،وتحقيق
التواصل والتفاهم بين الجماعات المتعايشة في مكان واحد أو في أمكنة مختلفة ،لأن غياب حوار ثقافي
يؤدي إلى تفكيك وحدة المجتمع والنسيج الاجتماعي ،مما يؤدي إلى جعل المجتمع كالفسيفساء .ويعود
السبب في ذلك إلى أن لكل ثقافة نمط حياة وعادات وتقاليد تساهم في تكوين إطار خاص للثقافة
وانغلاقها على نفسها ،مما يؤدي إلى تفكيك الإطار المشترك وهو المجتمع أو الدولة.
فالحوار الثقافي يكرس الاعتراف بشرعية جميع الثقافات الموجودة في المجتمع ،والتعرف على عادات
وقيمها وتقاليدها وتحقيق المساواة والحريات بين جميع الثقافات الموجودة داخل
ّ الثقافات الأخرى
المجتمع ،والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة.
ولا يمكن تصور حوار ثقافي حقيقي إذا لم يكن هناك إقرار بمبدأ التنوع الثقافي .فالتنوع الثقافي عامل
أساسي للفهم المتبادل والتعايش السلمي والسير نحو التقدم الاقتصادي والاجتماعي ،وحماية التراث
لجميع الشعوب التي يتعرض تراثها الثقافي والحضاري لمحاولات التشويه والتزوير والطمس والتدمير.
ومن جهة أخرى ،فإن التنوع الثقافي ،الذي هو حق من حقوق الشعوب ،وفطرة في الإنسان وطبيعة في
التقارب بين الثقافات ،بحكم أن التنوع هو مدعاة للتقارب ،بخلاف الانغلاق
َ الحياة وسنة في الكون ،يقتضي
الذي هو سبيل إلى الانكماش المفضي إلى ضمور الثقافات وسقوط الحضارات.
حوار حضاري
النظام العالمي الجديد كما قال الدكتور مصطفى محمود هو مصطلح بدا لينتهي بتفريغ الوطن من
وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي بحيث لا يبقى منه إلا خادم للقوى الكبرى ،فلا
يمكن التفريق بين النظام العالمي الجديد والعولمة فكلاهما يتقاسمان نفس الأهداف أو إن صح القول
واحدا في إطار حضارة واحدة مستحدثة على حساب ً كلاهما واحد لأن الهدف واحد وهو جعل العالم
الحضارات الإنسانية والثقافات والقيم و الأخلاق والسياسة باسم الحرية.
وقد استخدم هذا المصطلح كذلك من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه للشعب الأمريكي
تحدث عن فكرة عصر جديد وحقبة ّ شهر أوت 1990بمناسبة إرسال القوات الأمريكية إلى الخليج حيث
للحرية وزمن للسلام لكل الشعوب.وفي يوم 11سبتمبر 1990أشار الرئيس الأمريكي إلى إقامة نظام
متحررا من الإرهاب ،فعالًا في البحث عن العدل وأكثر أما ًنا في طلب السلام ،عصرً عالمي جديد يكون
تستطيع فيه كل أمم العالم غربًا وشر ًقا ،شمالًا وجنوبًا أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم.
الحياة المعاصرة تعاني والرقمنة المفرطة ،ولذلك نحتاج إلى فلسفة مركبة تكون قادرة على الاضطلاع
بالواقع ما بعد الافتراضي ،وانتشال الإنسان من السعادة الاستهلاكية والضغط النفسي ،والاحتكار
الاقتصادي ،وتفجير مواطن القوة التي يختزنها في ذاته بغية التصدي إلى مضار الهيمنة الايديولوجية
والتهرم .ولتحقيق ذلك
ّ والمراقبة والمعاقبة ،وتمكين الجسد الإنساني من إرادة الاقتدار حتى يقهر المرض
أن من اللازم اليوم الاهتمام بالمبادئ التربوية التي تعمل على تهذيب النوع البشري ،وتدبير النسق القيمي
الذي يحفظ الحياة في الكون من كل تبديد ،والاشتغال على شروط الحكم الرشيد من أجل تفادي الفساد
والتأخر.