الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري

You might also like

Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 5

‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬

‫يعتبر موضوع الإنسان محور اهتمام الفلسفة‪ ،‬إذ تناولت مند بدايتها مع الإغريق‪ ،‬و تنوعت طرق دراسته‬
‫و مجال بحثه‪ ،‬يمكن تحديد الظروف المتدخلة في تحديد حقيقة الإنسان إلى ُبعدين‪ ،‬أولهما ذاتي يرتبط‬
‫أساسا بجانب الحرية و التفكير اللذين يتمتع بهما الإنسان‪ ،‬و من خلالهما يستطيع الإنسان أن يختار سلوكاته‬
‫و يغير من وجوده أما البعد الثاني فهو بعد موضوعي و يتجلى في مجموعة من الإكراهات و الحتميات و‬
‫الضغوطات التي تفرض على الإنسان‪ ،‬و منها خضوعه لقوانين الطبيعة ثم سيادة قوانين المجتمع و‬
‫أعرافه و تقاليده عليه ثم كونه كائن فان‪.‬‬

‫الفكر الفلسفي جزء لا يتجزأ من حياة الإنسان؛ فيستطيع الإنسان بدراسة الفلسفة‪ ،‬أن يوضح جوانب‬
‫معتقداته‪ ،‬فيدفعه ذلك إلى التفكير في المسائل الأساسية‪ ،‬ويصبح قادرا على دراسة آراء‬ ‫الغموض في ُ‬
‫الفلاسفة القدامى‪ ،‬لكي يفهم لماذا فكروا على النحو الذي فكروا فيه‪ ،‬وأي أثر يمكن لأفكارهم أن تحدثه في‬
‫خصوصا كبار الكتاب منهم‪.‬‬
‫ً‬ ‫حياته‪ .‬كما أن العديد من الناس يجدون متعة في قراءة آثار كبار الفلاسفة‬
‫مستمدا من‬
‫ً‬ ‫وللفلسفة تأثير كبير في حياتنا اليومية‪ ،‬وحتى في اللغة التي نتحدث بها نصنف الأمور تصنيفا‬
‫الفلسفة‪ ،‬فعلى سبيل المثال فإن تصنيف الكلمة إلى اسم وفعل وحرف‪ ،‬يتضمن فكرة فلسفية مفادها أنه‬
‫يوجد اختلاف بين الكلمات وما يحدث لها‪ .‬وما من مؤسسة اجتماعية إلا وهي مرتكزة على أفكار فلسفية‪،‬‬
‫سواء في مجال التشريع أو نظام الحكم أو الدين أو الأسرة أو الزواج أو الصناعة أو المهنة أو التربية‪ .‬وإن‬
‫الخلافات الفلسفية قد أدت إلى الإطاحة بالحكومات وإحداث تغييرات جذرية في القوانين وتحويل الأنظمة‬
‫الاقتصادية بالكامل‪ .‬إن تلك التغييرات ما كانت لتقع إلا لأن الناس المعنيين بالأمر كانت لهم آراء يؤمنون‬
‫بها حول ما يعتبرون أنه الأهم والأقرب إلى الحقيقة والواقع والأكثر فائدة‪ ،‬وحول الكيفية التي يجب أن‬
‫تنظم بها الحياة‪.‬‬

‫يخفي الحديث عن” حوار الحضارات “حقيقة ما تتعرض له معظم ثقافات العالم من انسحاق وتهديد‬
‫بالتفكك والدمار نتيجة الهيمنة الواسعة للثقافة الأمريكية ولكنه يوحي ولو شكلياً بتساوي الثقافات ونديتها‬
‫شك إيحاء غير صادق لا علاقة له بالواقع بل إنه رد فعل وهمي على الشعور بالسيطرة الثقافية‪.‬‬ ‫ّ‬ ‫وهو بلا‬
‫حيث هناك من يرى أن استحالة قيام حوار حضاري وفق المعطيات الموجودة اليوم في عصر العولمة‪،‬‬
‫تؤدي بنا الى القول إن الحوار ممكن وخاصة كفكرة أن يسعى للحلول السلمية في عالم القوة والتكتلات‬
‫الدولية ولكنه من الناحية الفعلية مازال أمام حوار الحضارات‪ ،‬من إشكاليات الحوار كذلك الأخذ بالنموذج‬
‫الغربي وذلك بتعميم حضارة المعلوماتية واتخاذها أداة للتغيير الذي يفرض من الخارج وتفرض نفسها‬
‫كحضارة عالمية‪ ،‬ما يؤدي إلى إعاقة عملية التطوير والبناء الذاتي لأنها تعيد تشكيل الواقع الاجتماعي‬
‫والفكري لدى الشعوب‬

‫فما الفلسفة وما الدين وما العلاقة بينهما عبر التاريخ؟ وما علاقة الفلسفة بالقيم؟ وما أهمية الفلسفة‬
‫والدين في تدبير عيش مستدام؟ ثم ما أهمية الفلسفة والدين في إرساء حوار ثقافي حضاري مقابل‬
‫الصراع والعنف؟‬

‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬


‫الثانوية العسكرية الملكية الثانية‬
‫جدع مشترك علمي‪٣‬‬
‫افهيمي رحاب‬
‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬

‫لا يمكن الاستغناء أبدا عن دور الفلسفة في مجتمعتنا فإنها تقوم بدور كبير في تنشئة الفرد و كذا‬
‫المجتمع‪،‬‬

‫البنية المفهومية‬
‫ملتبسا حتى عند بعض أنصارها‪ ،‬وعلى محركات البحث الإلكتروني‪ ،‬حيث‬
‫ً‬ ‫معنى الفلسفة‪ ،‬ما زال‬
‫محب الحكمة”‪ .‬ولكن بتمحيص هذا التعريف‪،‬‬‫ّ‬ ‫حب الحكمة”‪ ،‬والفيلسوف هو “‬ ‫يعرفون الفلسفة بأنها “ ّ‬
‫نكتشف أنه ليس دقي ًقا‪ .‬فلو رجعنا تاريخيًا إلى اللحظة التي ُولِد فيها المصطلح‪ ،‬فستتجلى لنا حقيقته‪ ،‬إذ‬
‫كنزا في بحر‬
‫تقول الرواية بأن مجموعة من البحارة اليونانيين‪ ،‬في القرن السادس قبل الميلاد‪ ،‬وجدوا ً‬
‫“إيجة”‪ ،‬فاتفقوا على أن هذا الكنز يستحقه أحد أصحاب الحكمة السبعة في أثينا‪ ،‬فجاؤوا إلى أولهم وقالوا‬
‫لست صاحب الحكمة‪ ،‬ولذلك لا أستحقه”‪.‬‬‫ُ‬ ‫له‪“ :‬أنت صاحب الحكمة وتستحق هذا الكنز”‪ .‬فقال لهم‪“ :‬أنا‬
‫فذهبوا إلى الحكيم الثاني‪ ،‬فكان جوابه كالأول‪ ،‬وكذلك الثالث والرابع حتى وصلوا إلى فيثاغورث الحكيم‬
‫لست صاحب الحكمة‪ ،‬إنما صديق الحكمة”‪ .‬ومن هنا؛ جاء لقب فيلسوف أي صديق‬ ‫ُ‬ ‫السابع‪ :‬فقال لهم‪“ :‬أنا‬
‫الحكمة المتواضع؛ فهي في اليونانية (فيلوش) وتعني الصديق‪ ،‬و(شوفيا) وتعني الحكمة‪.‬‬

‫الدين في تعريفه البسيط هو عقيدة وشريعة وأخلاق‪ .‬يلتزم بها المؤمن‪ ،‬ليعبّر عن صدق انتمائه للدين‪.‬‬
‫ويتفق أتباع الملل والنحل كلهم على أن شرط التكليف الديني هو العقل أولًا‪ .‬لذلك قال اللاهوتيون‪“ :‬العقل‬
‫مناط التكليف”‪ .‬وهنا‪ ،‬يلتقي الدين بالفلسفة‪ ،‬لكن قبل ذلك ما تعريف الدين عند الفلاسفة؟‬

‫يقول سيسرون‪ ،‬في كتابه (عن القوانين)‪“ :‬الدين هو الرباط الذي يصل الإنسان باهلل”‪ .‬أما كانط‪ ،‬فقال في‬
‫كتابه (الدين في حدود العقل)‪“ :‬الدين هو الشعور بواجباتنا‪ ،‬من حيث كونها قائمة على أوامر إلهية”‪ .‬وقال‬
‫الأب شاتل‪ ،‬في كتاب (قانون الإنسانية)‪“ :‬الدين هو مجموعة واجبات المخلوق نحو الخالق‪ :‬واجبات الإنسان‬
‫نحو هللا‪ ،‬وواجبـاته نحو الجماعة‪ ،‬وواجباتـه نحو نفسه”‬

‫مر التاريخ اختلف مفهوم الطبيعة عند الفلاسفة‪ ،‬وتطور من التأملات والمعاني الأسطورية‬
‫على َّ‬
‫أن الطبيعة نموذج مثالي‬ ‫والفلسفية‪ ،‬إلى العلمية‪ ،‬ومنذ عصر الفلاسفة اليونانيين رأى الفيلسوف أفلاطون َّ‬
‫عظيم وكامل‪ ،‬يمثل الروح الإلهية‪ ،‬وتحكمه قوانين الرياضيات المرتبطة بالفضاء والكواكب‪ ،‬بينما قال‬
‫أن كل شي ٍء له شكل ومادة يتكون منها‪ ،‬وأنَّه يتحرك‬
‫ل شيء طبيعة‪ ،‬والطبيعة هي َّ‬ ‫أن لك ّ‬
‫الفيلسوف أرسطو َّ‬
‫أو يتصرف وفق غايةٍ ما أساسية متأصلةٍ فيه‪ ،‬وبغض النظر عن مدى دقة أو قيمة آراء الفلاسفة‬
‫ومفهومهم حول الطبيعة‪ ،‬وتنوعه واختلافه من فيلسوفٍ إلى آخر‪ ،‬فقد تطورت الأسئلة عن الطبيعة لاحقاً‪،‬‬
‫لتدخل في مجال العلم وفلسفته‪ ،‬وأصبح هناك تحليل مادي وميكانيكي للعالم والطبيعة‪ ،‬مثلما رآه العالم‬
‫ل من هؤلاء‪ ،‬خلق‬ ‫نيوتن‪ ،‬أو تحليل آخر علمي وفلسفي‪ ،‬تصوره العالم آينشتاين من خلال نظرياته‪ ،‬وك ّ‬
‫ثابت للطبيعة في الفلسفة‬
‫ٌ‬ ‫مفهوم‬
‫ٌ‬ ‫صورة خاصة عن العالم وعن الطبيعة‪ ،‬مما يعني أ ّنه لا يوجد‬

‫هي أسلوب الحياة الذي يسعى لتقليل استخدام الفرد أو المجتمع لموارد‬ ‫المعيشة المستدامة‬
‫ويطلق على هذه الحياة حياة الانسجام‪ .‬وغالبًا ما يحاول ممارسيها‬‫الأرض الطبيعية والموارد الشخصية‪ُ .‬‬
‫تقليل البصمة الكربونية بتغيير طرق النقل و‪/‬أو استهلاك الطاقة و‪/‬أو نظامهم الغذائي‪ .‬كما يهدف‬
‫مؤيديها إلى إدارة حياتهم بطرق تتفق مع الاستدامة والتوازن الطبيعي وتحترم العلاقة الإنسانية التكافلية‬
‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬
‫الثانوية العسكرية الملكية الثانية‬
‫جدع مشترك علمي‪٣‬‬
‫افهيمي رحاب‬
‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬

‫مع البيئة الطبيعية للأرض‪ .‬فتتبع الممارسة والفلسفة العامة للحياة الإيكولوجية بدقة المبادئ العامة‬
‫للتنمية المستدامة‪.‬‬

‫بأ ّنه حالة من التشاور‪ ،‬والتفاعل‪ ،‬والقدرة على التكيف بين الشعوب المختلفة‬ ‫يعرف حوار الحضارات‬
‫أفكار مخالفة‪ ،‬والقدرة على التعامل مع جميع الأفكار والآراء السياسيّة‬
‫ٍ‬ ‫بما تحمله جميع الأطراف من‬
‫والدينيّة والثقافيّة‪ ،‬ويكون الهدف من هذا الحوار القدرة على التعارف والتواصل والتفاعل والاحتكاك‬
‫الحضاري بين الشعوب‪ ،‬و يمكن الاستفادة من قيم الحضارات المختلفة وتبادلها عند حصول الحوار‬
‫الحضاري‪،‬‬

‫عالقة الفلسفة بالدين وتطورهما عبر التاريخ‬


‫إذا كان للدين أجوبة قطعية حول نصوص سماوية‪ ،‬تحتمل التأويل‪ ،‬فإن الفلسفة هي تساؤل مستمر عن‬
‫ل ما لا يقدر العِ لم على الإجابة عنه تأتي الفلسفة والدين للإجابة‬
‫الواقع‪ ،‬ومحاولة للإجابة عنه منطقيًا‪ ،‬فك ّ‬
‫عنه‪ .‬فالفلسفة هي أن تعيش حياتك بحكمة‪ ،‬وتفهم إيمانك بعقلانية‪ ،‬وتتعامل مع الأشياء برشد‪ ،‬وهذا‬
‫مقصد رئيس من مقاصد الدين‪ ،‬يحاول أن يقربه لنا الفيلسوف ابن رشد‪ ،‬في التلاقي بين الدين والفلسفة‪،‬‬
‫بقوله‪ :‬هي “النظر في الموجودات‪ ،‬واعتبارها من جهة دلالتها على الصانع‪ ،‬وكلما كانت المعرفة بصنعتها‬
‫الصادرة من‬‫ّ‬ ‫أتم‪ ،‬كانت المعرفة بالصانع أتم” والأمر ذاته ذهب إليه كانط‪ ،‬بقوله‪“ :‬إن الفلسفة هي المعرفة‬
‫العقل” إذن بحسب التعريفين‪ ،‬نستطيع القول إن الإيمان الحقيقي يجب أن يكون عقلانيًا‪ .‬إذا كان للدين‬
‫أجوبة قطعية حول نصوص سماوية‪ ،‬تحتمل التأويل‪ ،‬فإن الفلسفة هي تساؤل مستمر عن الواقع‪،‬‬
‫ل ما لا يقدر ال ِعلم على الإجابة عنه تأتي الفلسفة والدين للإجابة عنه‪.‬‬ ‫ومحاولة للإجابة عنه منطقيًا‪ ،‬فك ّ‬
‫هناك عوامل كثيرة يلتقي فيها الدين بالفلسفة‪ ،‬على اعتبار أننا في هذه الورقة نرفض فكرة التضاد بينهما‪،‬‬
‫كما نرفض فكرة اتهام الفلاسفة جملة واحدة بالإلحاد‪ ،‬فالطرق إلى معرفة الخالق بعدد أنفاس الخلائق‪،‬‬
‫أن الفلاسفة والأنبياء لا يموتون‪ ،‬فهم باقون مدى الحياة‪،‬‬
‫وأهم عوامل التلاقي ّ‬ ‫ّ‬ ‫ومنها طريق الفلسفة‪.‬‬
‫بذكرهم وأفكارهم وأجوبتهم‪ ،‬إضافة إلى دورهم في الأخلاق الإنسانية‪ ،‬وهذا ما لم يدركه بعض المتدينين‪،‬‬
‫والفلسفة تجيب عن الأسئلة التي لا يستطيع العلم الإجابة عنها‪ ،‬وهنا تلتقي بالدين‪ ،‬عندما يجيب عن أسئلة‬
‫ماورائية‪.‬‬

‫الفلسفة و القيم‬
‫من أعلى القيم التي تدعو لها الفلسفة الحديثة والمعاصرة هي نبذ العنف وتحقيق السلام؛ وقد عمد‬
‫الفيلسوف إمانويل كانط إلى بيان الوسائل الداعية لتحقيق السلم وإن حلكة الأيام بظلم أهلها‬
‫المتصارعين‪ ،‬لذلك يضع أساس السلام بين الدول و الأسباب التي تحول بين تحقيقه‪ ،‬من خلال رصد ما‬
‫يمكن أن يحول دون تبادل الثقة بين المتصارعين والمتحاربين؛ وينوه كانط أنه لابد و إن اشتدت الصراعات‬
‫أن يبقى حيز من ثقة لتحقيق السلام‪ ،‬وإلا ما كان السلام ممكنا وتحولت الصراعات إلى حرب إبادة الغاية‬
‫منها فقط القضاء على الآخر وتصفيته؛ ويؤكد فيلسوف السلام أن هذا النوع من الحرب أو القتل لشبيه‬
‫بحالة الطبيعة التي لا يسود فيها قانون العقل كما لا يحكمها حكم القضاء والحق‪.‬ويستبعد كانط أن تكون‬
‫للحرب صفة من صفات المسؤولية التي تستدعي أن تتكون فيها العلاقات بين الدول كالعلاقة بين الرئيس‬
‫والمرؤوسين في العمل‪ ،‬لذلك فهو لا يبرر فعل الحرب التأديبية‪ .‬إن كلا الحربين في نظره تضيع الحقوق‬
‫في مهب الريح والسلام في خبر كان‪ .‬ولهذا في اعتقاده وجب الحيلولة من كل الأسباب الداعية إلى الحرب‬
‫ومنعها بقوى القانون بهدف ضمان سلام دائم‪.‬‬

‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬


‫الثانوية العسكرية الملكية الثانية‬
‫جدع مشترك علمي‪٣‬‬
‫افهيمي رحاب‬
‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬

‫ومن ثمة نجد الفيلسوف المعاصر إريك فايل يبث في دعوى قيمة الفلسفة بالقول إنها تتنافى والعنف‪،‬‬
‫بل هي إن كانت تسعى في منتهاها إلى بيان الحقيقة فإنها بالموازاة تقف في منأى عن العنف؛ لذلك‬
‫كانت من أضداد الحقيقة العنف وليس فقط الخطأ أو قول الزور‪ ،‬كما أن من تعاريفها ليس مطابقة الفكر‬
‫للواقع؛ بل الحق هو أن يطابق القول الإنساني؛ لأنه لا يمكن الفصل بين الخطاب ومنتجه‪.‬‬

‫اهمية الفلسفة و الدين في تدبير العيش المستدام‬


‫عندما تذكر الفلسفة أو الفلاسفة في الوطن العربي غالباً ما تجد نظرات الاستهجان والريبة‪ ،‬والسؤال‬
‫الذي يطرح نفسه دائماً‪ ،‬هو ما الفائدة من هذا العلم والأفكار التي آمن بها أناس في عصور غابرة لا‬
‫تعكس حياة وقيم البشر اليوم وليس لهم تأثير يذكر على نمو وتطور المجتمعات‪ ،‬بل عملت معظم الدول‬
‫العربية على التخلص من تدريس الفلسفة في مدارسها كونهم يعتبرونها فكراً مضاداً للدين ولفئة مختارة‬
‫من المفكرين والمهتمين بالشأن الفلسفي‪ ،‬وهي العلة التي تغلب عليها الغرب بحيث جعل الفلسفة أم‬
‫العلوم في الكليات والجامعات الراقية‪ ،‬ولابد أن يدرس الطالب مبادئ علوم الفلسفة وتاريخها وأبرز‬
‫مفكريها ومدارسها ليوسع آفاقه ونظرته للحياة ويفهم تطبيقات المنطق الرياضي في اتخاذ القرار‬
‫والمنهجية العلمية للتفكير والإقناع والحوار والنقد والتصنيف والتفنيد‪ ،‬وكيف ينظر للكون وباقي‬
‫المخلوقات فيه وليس لأخيه الإنسان فقط وتعلم فلسفة مبادئ الأخلاق والمنطق‪ .‬ولا تعد الفلسفة علما‬
‫يهتم بمجال معين‪ ،‬بل هي التفكير في التفكير وتدبر المرء للعالم المادي والحسي وما وراء العالم المرئي‬
‫والمحسوس في محاولات دائمة للوصول للحكمة وماهية المعرفة بالنفس والبيئة الخارجية المحيطة‬
‫بالإنسان وما يقف خلفها من قوى محركة‪ ،‬ومع الوقت تطور الفلسفة لتركز على المنطق والتحليل‬
‫المفهومي‪ ،‬وبدلا ً من فهم الحياة أصبح علما تطبيقيا يعمل الباحثون فيه لمعرفة ما هي الطريقة المثلى‬
‫لعيش الحياة‪،‬‬

‫اهمية الفلسفة والدين في ارساء حوار ثقافي حضاري مقابل الصراع والعنف‬
‫‪ ‬حوار ثقافي‬
‫يقول ابن خلدون في مقدمته «إن الإنسان اجتماعي بطبعه‪ .‬وهذا يعني أن الإنسان فطر على العيش مع‬
‫وحيدا بمعزل عنهم مهما توفرت له سبل الراحة‬
‫ً‬ ‫الجماعة والتعامل مع الآخرين فهو لا يقدر على العيش‬
‫والرفاهية»‪.‬‬

‫لذلك‪ ،‬فإن الإنسان كائن اجتماعي لا يمكن له العيش في معزل عن الجماعة‪ ،‬ويجب أن يقترب من بعضه‬
‫البعض من خلال التساكن والتعايش والمشاركة الجماعية‪ .‬وهذه العلاقة الاجتماعية يوطدها أكثر الحوار‬
‫والتفاهم‪.‬‬

‫والحوار الثقافي هو وسيلة لغاية أسمى هي تحقيق التقارب بين الثقافات المختلفة وتفادي الخلافات‬
‫المؤدية للنزاعات والحروب والتطرف‪ .‬فهو آلية أو وسيلة لتقريب وجهات النظر المتباعدة‪ ،‬وتحقيق‬

‫التواصل والتفاهم بين الجماعات المتعايشة في مكان واحد أو في أمكنة مختلفة‪ ،‬لأن غياب حوار ثقافي‬
‫يؤدي إلى تفكيك وحدة المجتمع والنسيج الاجتماعي‪ ،‬مما يؤدي إلى جعل المجتمع كالفسيفساء‪ .‬ويعود‬
‫السبب في ذلك إلى أن لكل ثقافة نمط حياة وعادات وتقاليد تساهم في تكوين إطار خاص للثقافة‬
‫وانغلاقها على نفسها‪ ،‬مما يؤدي إلى تفكيك الإطار المشترك وهو المجتمع أو الدولة‪.‬‬

‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬


‫الثانوية العسكرية الملكية الثانية‬
‫جدع مشترك علمي‪٣‬‬
‫افهيمي رحاب‬
‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬

‫فالحوار الثقافي يكرس الاعتراف بشرعية جميع الثقافات الموجودة في المجتمع‪ ،‬والتعرف على عادات‬
‫وقيمها وتقاليدها وتحقيق المساواة والحريات بين جميع الثقافات الموجودة داخل‬
‫ّ‬ ‫الثقافات الأخرى‬
‫المجتمع‪ ،‬والاحترام المتبادل بين الثقافات المختلفة‪.‬‬

‫ولا يمكن تصور حوار ثقافي حقيقي إذا لم يكن هناك إقرار بمبدأ التنوع الثقافي‪ .‬فالتنوع الثقافي عامل‬
‫أساسي للفهم المتبادل والتعايش السلمي والسير نحو التقدم الاقتصادي والاجتماعي‪ ،‬وحماية التراث‬
‫لجميع الشعوب التي يتعرض تراثها الثقافي والحضاري لمحاولات التشويه والتزوير والطمس والتدمير‪.‬‬

‫ومن جهة أخرى‪ ،‬فإن التنوع الثقافي‪ ،‬الذي هو حق من حقوق الشعوب‪ ،‬وفطرة في الإنسان وطبيعة في‬
‫التقارب بين الثقافات‪ ،‬بحكم أن التنوع هو مدعاة للتقارب‪ ،‬بخلاف الانغلاق‬
‫َ‬ ‫الحياة وسنة في الكون‪ ،‬يقتضي‬
‫الذي هو سبيل إلى الانكماش المفضي إلى ضمور الثقافات وسقوط الحضارات‪.‬‬

‫‪ ‬حوار حضاري‬
‫النظام العالمي الجديد كما قال الدكتور مصطفى محمود هو مصطلح بدا لينتهي بتفريغ الوطن من‬
‫وطنيته وقوميته وانتمائه الديني والاجتماعي والسياسي بحيث لا يبقى منه إلا خادم للقوى الكبرى‪ ،‬فلا‬
‫يمكن التفريق بين النظام العالمي الجديد والعولمة فكلاهما يتقاسمان نفس الأهداف أو إن صح القول‬
‫واحدا في إطار حضارة واحدة مستحدثة على حساب‬ ‫ً‬ ‫كلاهما واحد لأن الهدف واحد وهو جعل العالم‬
‫الحضارات الإنسانية والثقافات والقيم و الأخلاق والسياسة باسم الحرية‪.‬‬

‫وقد استخدم هذا المصطلح كذلك من قبل الرئيس الأمريكي جورج بوش في خطابه للشعب الأمريكي‬
‫تحدث عن فكرة عصر جديد وحقبة‬ ‫ّ‬ ‫شهر أوت ‪ 1990‬بمناسبة إرسال القوات الأمريكية إلى الخليج حيث‬
‫للحرية وزمن للسلام لكل الشعوب‪.‬وفي يوم ‪ 11‬سبتمبر ‪ 1990‬أشار الرئيس الأمريكي إلى إقامة نظام‬
‫متحررا من الإرهاب‪ ،‬فعالًا في البحث عن العدل وأكثر أما ًنا في طلب السلام‪ ،‬عصر‬‫ً‬ ‫عالمي جديد يكون‬
‫تستطيع فيه كل أمم العالم غربًا وشر ًقا‪ ،‬شمالًا وجنوبًا أن تنعم بالرخاء وتعيش في تناغم‪.‬‬

‫الحياة المعاصرة تعاني والرقمنة المفرطة‪ ،‬ولذلك نحتاج إلى فلسفة مركبة تكون قادرة على الاضطلاع‬
‫بالواقع ما بعد الافتراضي‪ ،‬وانتشال الإنسان من السعادة الاستهلاكية والضغط النفسي‪ ،‬والاحتكار‬
‫الاقتصادي‪ ،‬وتفجير مواطن القوة التي يختزنها في ذاته بغية التصدي إلى مضار الهيمنة الايديولوجية‬
‫والتهرم‪ .‬ولتحقيق ذلك‬
‫ّ‬ ‫والمراقبة والمعاقبة‪ ،‬وتمكين الجسد الإنساني من إرادة الاقتدار حتى يقهر المرض‬
‫أن من اللازم اليوم الاهتمام بالمبادئ التربوية التي تعمل على تهذيب النوع البشري‪ ،‬وتدبير النسق القيمي‬
‫الذي يحفظ الحياة في الكون من كل تبديد‪ ،‬والاشتغال على شروط الحكم الرشيد من أجل تفادي الفساد‬
‫والتأخر‪.‬‬

‫الفلسفة والدين في سبيل عيش مستدام وحوار ثقافي حضاري‬


‫الثانوية العسكرية الملكية الثانية‬
‫جدع مشترك علمي‪٣‬‬
‫افهيمي رحاب‬

You might also like