Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 10

‫بسم اهلل الرمحن الرحيم‬

‫ث و عِبَر‬
‫الثورُة العربيُة الكربى ‪ ...‬أحدا ٌ‬
‫بقلم ‪ :‬م‪ .‬خالد العسيلي‬

‫أطلق الشريف الحسين بن علي حاكم مكة الرصاصة األولى لما بات يعرف بالثورة العربية الكبرى على الثكنة العثمانية في مكة‬
‫يوم العاشر من شهر حزيران‪/‬يونيو عام ‪1916‬م والتي ساهمت في سقوط الدولة العثمانية وهزيمتها في الحرب العالمية األولى‬
‫وكان من نتائجها إلغاء الخالفة اإلسالمية ومنصب الخليفة الذي استمر منذ عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي هللا عنه إلى يوم‬
‫اإلثنين ‪ 27‬رجب ‪1342‬هـ الموافق ‪ 3‬آذار‪/‬مارس ‪1924‬م‪ ،‬هذا السقوط الذي أدى إلى تجزئة المشرق العربي بين اإلحتاللين‬
‫اإلنجليزي و الفرنسي والذي كان من األسباب الرئيسية أيضا ً لوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين ‪.‬‬

‫فكيف بدأت هذه الثورة وماهي أسبابها؟ ومااألحداث التي أدت إلى إنطالقها؟ وكيف كان للتدخل اإلنجليزي الدور الحاسم في‬
‫إنتصارها؟ وإلى ماذا انتهت ؟!!‬

‫أوالً ‪ :‬أوضاع الدولة العثمانية الداخلية والخارجية قبيل الحرب العالمية األولى‪:‬‬

‫تولت جماعة اإلتحاد و الترقي الحكم بعد إنقالبهم على السلطان عبد الحميد الثاني فيما عرف باالنقالب الدستوري عام ‪1908‬م‬
‫ثم عزله ونفيهم إياه إلى سالونيك عام ‪1909‬م وتنصيب أخيه محمد الخامس رشاد سلطانا ً شبه منزوع الصالحيات‪ ،‬ثم استولت‬
‫على مقاليد األمور بشكل كامل بعد انقالب عسكري في ‪ 23‬كانون الثاني‪/‬يناير‪1913‬م والمعروف أيضا ً بـانقالب الباب العالي‬
‫والذي أدى إلى اإلطاحة بالحكومة اإلئتالفية (الوزارة التي كانت تحكم منذ ‪ 21‬تموز‪/‬يوليو ‪ 1912‬م) والصدراألعظم كامل باشا‬
‫من السلطة ومقتل وزير الحربية ناظم باشا وتنصيب أنور باشا مكانه‪ ،‬وبهذا تكون حكومة الباشوات الثالثة قد بدأت حيث أن‬
‫وزارة كامل باشا كانت قد أبعدت قيادة جمعية االتحاد والترقي عن السلطة مؤقتا‪.‬‬
‫وكانت األحداث تتسارع حول الدولة العثمانية التي تعيش حالة سيئة جدا ً من الصراعات الداخلية والتحزبات بين القوميات ضمن‬
‫األراضي العثمانية التي بدأت في التآكل فخسرت إقليم البوسنة والهرسك في تشرين األول‪/‬أكتوبر‪ 1908‬م لصالح اإلمبراطورية‬
‫النمساوية‪-‬المجرية في ما عُرف باألزمة البوسنية‪ ،‬ثم خسرت ليبيا عام ‪1911‬م وفقدت بعدها كامل البلقان في حربي البلقان األولى‬
‫و الثانية ‪1913-1912‬م وخرجت ألبانيا مستقلة كنتيجة للحرب عام ‪1913‬م وبذلك لم يتبقى للدولة العثمانية في الجانب األوروبي‬
‫إال منطقة تراقيا الشرقية فقط التي استعادتها بعد حرب البلقان الثانية ‪1913‬م‪.‬‬
‫بعد انتهاء الحرب البلقانية كانت الدولة العثمانية قد خرجت مستنزفة بشكل كبير ومحرومة من جزء مهم من مواردها البشرية‬
‫والمالية واإلقتصادية فلهذا اتجه االتحاديون إلى محاولة إعادة بناء الدولة والبحث عن سبل جديدة للبقاء فعملوا على تدعيم سلطتهم‬
‫بشكل كبير وقمعوا أحزاب المعارضة ونفوا زعماءها وأعدموا الكثير من أعضائها ‪.‬‬
‫ثانيا ً ‪ :‬بداية نشوء وتبلور األفكار القومية ‪:‬‬

‫برزت في بداية العهد الجديد بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني ‪1909‬م عدة أمور و أحداث على الصعيد الداخلي كان من أهمها‬
‫عودة من كان منفيا ً في الخارج من أعضاء تركيا الفتاة وعدد كبير من الالجئين السياسيين األرمن و البلغار وكذلك أتراك روسيا‬
‫الذين وجدوا في فكرة اتحاد الشعوب التركية في مناطق آسيا الروسية القوة الضرورية لمقاومة خطر الجامعة السالفية التي ينادي‬
‫بها القياصرة الروس ‪ ،‬فظهر صراع كبير في اإلتجاهات السياسية و الفكرية العامة و أخذت العاصمة استانبول تموج باألفكار‬
‫والتيارات الجديدة والتي كانت تنطلق بشكل عام من مثقفي جماعة اإلتحاد و الترقي كالتجديد اإلسالمي العثماني الذي كان أحد‬
‫رموزه مراد بيك ميزانجي (‪1854-1917‬م) والتيار التغريبي الكامل والذي كان أبرز رموزه أحمد رضا بيك (‪1859-1930‬م)‬
‫وعبدهللا جودت (‪1869-1932‬م) وكذلك كانت تلك المرحلة بداية ظهور التيار ذي النزعة القومية التركية الطورانية على المسرح‬
‫السياسي الفكري والذي كان انطالقه معتمداً على دمج أفكار ما اصطلح على تسميتهم بأتراك روسيا باإلضافة لبعض المفكرين‬
‫القوميين من أتراك ألبانيا و مقدونيا والقوقاز مع حركة علمية فكرية تتجه إلى استكشاف ماضي األتراك وهويتهم والتي انطلقت‬
‫متأثرة باألفكار القومية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت و خصوصا ً في فرنسا المعقل األساسي السابق لحركات المعارضة ضد‬
‫السلطان عبدالحميد الثاني‪ ،‬وكان من رموز هذا التيار ضياء كوك ألب (‪ )1876-1924‬و يوسف أقجورا (‪1876-1935‬م) وخالدة‬
‫أديب (‪1884-1964‬م) و حمد هللا صبحي طانروفر (‪1885-1966‬م)‪.‬‬

‫ثالثا ً ‪ :‬الحركة القومية العربية واإلتحاديين‪:‬‬

‫كانت اآلراء بين المثقفين والزعماء العرب في نهاية العهد الحميدي وبداية العهد الدستوري منقسمة ومتنوعة تنوعا ً كبيراً منها من‬
‫يدعو إلى خالفة عربية كعبدالرحمن الكواكبي أو انفصال للبالد العربية و تأسيس دولة تحت حماية الدول االوروبية كمسيحيي‬
‫لبنان وأيضا ً كان هناك من يدعو إلى إصالحات خاصة للمناطق العربية بينما كان هناك اطراف من زعماء العرب يدعون‬
‫إلصالحات عامة في جميع الواليات ومنها الواليات العربية مثل رفيق بك العظم وحقي بك العظم وعبدالرحمن الشهبندر باإلضافة‬
‫لضباط و سياسيين آخرين وكثير من الموظفين من سوريا و العراق‪ ،‬بل إن هناك من قبل تكون اللغة التركية هي اللغة الرسمية‬
‫(‪)1‬‬
‫للبالد كالدكتور شبلي شميل و سليمان البستاني‬
‫ثم لما ظهر ا ستيالء حركة اإلتحاد و الترقي على الحكم بشكل كامل بعد اإلنقالب العسكري في عام ‪1913‬م وبداية حركة القمع‬
‫ضد المناوؤين و المعارضين من األتراك وغيرهم وظهور النزعة الطورانية التركية واشتداد أثرها ضمن المجتمع العربي من‬
‫خالل قوانين فرض اللغة التركية في المدارس الحكومية و نظام القضاء واإلدارة المحلية‪ ،‬دعت الجمعية العربية الفتاة (تأسست‬
‫في باريس عام ‪1911‬م) إلى عقد المؤتمر العربي األول في باريس والذي انعقد ألربع جلسات في الفترة من ‪ 17‬إلى ‪ 23‬حزيران‬
‫‪1913‬م وشارك فيه حزب الالمركزية اإلدارية العثماني (تأسس في القاهرة كانون الثاني‪/‬يناير‪1913‬م) برئاسة عبدالحميد‬
‫الزهراوي ومجموعة من الجمعيات والشخصيات العربية الفاعلة والتي كان أغلبها من سوريا (الطبيعية) والعراق‪ ،‬وعندما شعر‬
‫االتحاديون بخطورة المؤتمر العربي األول في باريس (‪ )1913‬خصوصا ً مع ما تمر به الدولة وقتها من حرب البلقان "فرأت‬
‫الحكومة أن ال تزيد مشاكلها بمشكلة العرب وهم تقريبا ً نصف الدولة أو يزيدون أخذوا يهادنون العرب ويتقربون إليهم‪ ،‬حتى‬
‫وصلوا إلى ما أطلق عليه (الوفاق التركي العربي) بين ممثل اإلتحاديين مدحت شكري باشا وممثل المؤتمر العربي عبد الكريم‬
‫الخليل" (‪.)2‬‬
‫لكن ما إن قامت الحرب العالمية األولى في عام (‪ )1914‬حتى ساءت العالقة بينهم وبين العرب المتمثلين بالجمعيات واألحزاب‬
‫العربية‪ ،‬وكان انضمام تركيا إلى ألمانيا ضد دول الحلفاء التي انضم لها العرب األثر الكبير في جعل الصدام بين جمعية االتحاد‬
‫والترقي والجمعيات العربية حتمياً‪.‬‬
‫"قام جمال باشا بعد معلومات قدمها فيليب زلزل ترجمان القنصل الفرنسي ببيروت بمداهمة قنصلية فرنسا في بيروت فعثر على‬
‫أوراق مدفونة في حائط الغرفة‪ ،‬ومن بينها مخابرات القنصل والسفارة ووزارة الخارجية‪ ،‬ثم أمر جمال باشا بمداهمة القنصليتين‬
‫البريطانية والفرنسية في دمشق‪ ،‬وحصل منهما على وثائق سياسية هامة؛ فيها أسماء الزعماء العرب الذين اتصلوا بفرنسا للعمل‬
‫في سبيل االستقالل عن الدولة العثمانية" (‪. )3‬‬
‫" وكان من المعروف أن الجمعيات العربية في الشام كانت على صلة بالقنصل الفرنسي بيكو في بيروت وكان حزب الالمركزية‬
‫(‪)4‬‬
‫على صلة مباشرة باللورد كتشنر المعتمد السياسي البريطاني في مصر"‬
‫وفي ديسمبر عام ‪ 1913‬اجتمع شفيق بك المؤيد العظم (أحد الشخصيات العربية البارزة وعضو البرلمان العثماني عن مدينة‬
‫دمشق) مع السفير الفرنسي في األستانة واستفسر منه عن موقف فرنسا في حال حدوث ثورة عربية وإن كانت فرنسا سترتسل‬
‫(‪)5‬‬
‫قوات عسكرية إلى حلب للتدخل‪.‬‬
‫وما كانت إعدامات جمال باشا في (‪ 14‬آب‪/‬اغسطس ‪ ،1915‬و‪ 6‬أيار‪/‬مايو ‪ )1916‬لقادة وبعض أعضاء الجمعيات القومية العربية‬
‫وزعمائها إال تسريعا ً في إنهاء العالقة العثمانية العربية التي دامت (‪ )400‬سنة‪ ،‬حيث أعلن الشريف حسين الثورة في حزيران‬
‫‪/‬يونيو ‪.)1916‬‬

‫رابعا ً ‪ :‬شريف مكة و اإلتحاديين‬

‫رفض السلطان عبد الحميد الثاني منذ عام ‪1905‬م تعيين الشريف حسين شريفا ً لمكة وقال "إني راض بتعيينه أميرا ً على مكة اذا‬
‫اكتفى الشريف حسين بذلك بل إني اعتقد أنه لن يكتفي باإلمارة فحسب بل يطمع إلى أكثر من ذلك ويهدد يوما ً ما عرشي"‬
‫(‪) 6‬‬

‫وبعد بداية العهد الدستوري عام ‪1908‬م استقال شريف مكة علي بن عبد هللا ولجأ إلى مصر خشية على نفسه من أن يعمد رجال‬
‫اإلتحاد و الترقي إلى اإلنتقام منه ألنه كان وثيق الصلة بالسلطان عبدالحميد ثم توفي الشريف عبداإلله بن محمد وهو يتجهز للسفر‬
‫بعد تعيينه في منصب الشرافة تم تعيين الشريف حسين كحاكم و شريف لمكة "بسبب شخصيته البارزة الموقرة فضالً عن مكانته‬
‫في المجتمع وسمو نسبه و لسبب أهم هو ماكان معروفا ً من كره السلطان له‪ ،‬فاختاره أعضاء جمعية اإلتحاد و الترقي الذين كانوا‬
‫(‪)7‬‬
‫في الحكم ليكون شريفا ً في مكة"‬
‫وبعد خلع السلطان عبدالحميد عن الحكم عام ‪1909‬م "توترت عالقة الشريف حسين مع اإلتحاديين بسبب محاوالتهم المتكررة‬
‫للحد من سلطاته ونفوذه في الحجاز وكان الحسين يعمل على أهدافه الخاصة لضمان وضع مستقل ذاتيا ً للحجاز تحت سلطته‬
‫(‪) 8‬‬
‫وضمان التوارث المباشر لعائلته لإلمارة"‬
‫فقد كانت سياسة االتحاديين تقوم على المركزية وربط الواليات العثمانية شبه المستقلة بمركز الدولة‪ ،‬وهذا األمر سيؤدي بطبيعة‬
‫الحال إلى الحد من نفوذ الشرافة في مكة " ازدادت العالقات سوءا ً بين الشريف حسين وحكومة االتحاديين خصوصا ً بعد تعيينهم‬
‫وهيب باشا واليًا على الحجاز‪ ،‬على أن يجمع في يده السلطة المدنية والعسكرية‪ ،‬ويحاول القضاء على الشرافة‪ ،‬ومن هنا فإن‬
‫(‪)9‬‬
‫الصدام بينهما كان على وشك الوقوع‪ ،‬وتطلع الشريف حسين إلى دولة كبرى تساعده‪".‬‬
‫ويشير ديفيد فرومكين في كتابه سالم ما بعده سالم إلى أن "الحسين أمر بإعالن الثورة عندما اكتشف أن في نية قادة تركيا الفتاة‬
‫(‪)10‬‬
‫أن يخلعوه"‬

‫خامساً‪ :‬شريف مكة و الحركة القومية‬


‫كانت الجمعيات العربية السرية تعتبر العهد الحميدي عهد استبداد ورجعية وال تكن هذه الجمعيات و من أهمها (جمعية العربية‬
‫الفتاة و جمعية العهد) أي إحترام للعهد الحميدي بل كان مؤسسوها مع المحتفلين بسقوط السلطان عبدالحميد الثاني وإعالن العهد‬
‫الدستوري عام ‪1908‬م (‪ )11‬وقد ذكرت مجلة الهالل ذات الطابع القومي إحتفال الجمعيات العربية بسقوط السلطان ووصفته بمنبع‬
‫(‪)12‬‬
‫اإلستبداد‬
‫يقول محمد عزة دروزة (من مؤسسي جمعية العربية الفتاة) "كانت الدولة ظالمة غاشمة وامتأل قلوب الناس بالرعب والعدوان‬
‫(‪)13‬‬
‫والمقصود هنا هو السلطان عبد‬ ‫على أموالهم وحرياتهم والسلطان سار باإلسلوب اإلستبدادي الذي ال رقابة للشعب عليه"‬
‫الحميد الثاني رحمه هللا‪.‬‬
‫ونجد أن موقف األمراء العرب (في شبه الجزيرة العربية) كان سلبيا ً من الجمعيات و األحزاب وتضارب مصالحهم و مفاهيمهم‬
‫مع أهداف الجمعيات واألحزاب و خططها وانشغالهم باإلتصال مع دول الحلفاء (وخصوصا ً بريطانيا) التي كانوا يجدون في‬
‫(‪)14‬‬
‫اإلتصال بها مسألة مصيرية ال تقل أهمية عن اإلتصال بالحركة العربية وجمعياتها‬
‫وقد رأى الشريف حسين أن يستعين بزعماء الحركة القومية العربية بعد أن كانت هناك زيارات سابقة لموفدين من جمعية العربية‬
‫الفتاة إلى مكة فأرسل ابنه األمير فيصل في زيارة رسمية إلى القسطنطينية في أيار‪/‬مايو ‪ 1915‬ولكن الهدف األساسي منها كان‬
‫االجتماع في دمشق مع قادة الجمعيات العربية واإلتفاق على الرؤية المستقبلية وقد تم له ذلك وانتسب فيصل شخصيا ً إلى العربية‬
‫الفتاة وعند عودته من استانبول تسلم النقاط األساسية التي اتفق عليها األطراف على شكل ميثاق وهو ما عرف الحقا ً باسم‬
‫(بروتوكول دمشق‪1915‬م) وهو عبارة عن المطالب التي أرادوا من الشريف حسين أن يتفاوض عليها مع ابريطانيا ويتضمن‪:‬‬
‫اعترافها باستقالل البالد العربية‪ ،‬من مرسين وأضنة إلى الخليج فالمحيط الهندي‪ ،‬عدا عدن‪ ،‬ثم البحر المتوسط‪ ،‬مع إلغاء‬
‫االمتيازات األجنبية‪ ،‬وعقد تحالف دفاعي بين بريطانيا والدولة العربية المستقلة‪ ،‬ومنح بريطانيا أفضلية اقتصادية‪ ،‬كما تم تسليم‬
‫األمير فيصل خريطة توضح هذه الحدود التي ستتم المفاوضات على أساسها‪.‬‬

‫سادساً‪ :‬بداية التواصل بين الحسين واإلنجليز‬


‫كان اإلتصال األول بين الشريف حسين واإلنجليز هو من خالل ابنه عبدهللا الذي قابل في شباط‪ /‬فبراير عام ‪ 1914‬عندما كان‬
‫متجها ً من مكة إلى القسطنطينية مرورا ً بالقاهرة اللورد كيتشنر المعتمد البريطاني في مصر والسير رونالد ستورز سكرتير‬
‫الشؤون الشرقية في دار اإلعتماد البريطاني آنذاك‪ ،‬وحاول بإسلوب حذر أن يعرف موقف اإلنكليز إن قام األتراك بعزل والده من‬
‫شرافة مكة وقيام ثورة عربية في الحجاز نتيجة لذلك‪ ،‬ورغم أن هذه المحادثات لم تنته إلى نتيجة عملية لكنها كانت ذات أثر فعال‬
‫في سير الحوادث المستقبلية‪ ،‬فقد كتب كتشنر إلى حكومته يقول‪" :‬إن من المفيد مراقبة التطورات ألن العرب يبدون متحمسين"‪،‬‬
‫كما أشار ستورز في مذكراته "أن األمير عبدهللا سأله إن كانت بريطانيا على استعداد لتقدم إلى الشريف األكبر دزينة أو حتى‬
‫(‪)15‬‬
‫نصف دزينة من المدافع الرشاشة للدفاع ضد األتراك"‪.‬‬
‫ومع اندالع الحرب العالمية األولى أرسل ستورز بناءاً على تعليمات اللورد كتشنر رسوالً سريا ً إلى األمير عبدهللا يسأل عن‬
‫موقف الشريف األكبر في حال دخول الدولة العثمانية الحرب إلى جانب ألمانيا ضد بريطانيا وهل سيكون "معنا أم علينا"‪ ،‬ثم‬
‫تلقى األمير عبدهللا رسالة أخرى من السير ريجنالد وينجيت الحاكم اإلنجليزي العام للسودان‪ ،‬لكن الشريف حسين في هذه المرحلة‬
‫اكتفى بالحياد وعدم تقديم أي مساعدة للدولة العثمانية التي كانت قد دخلت الحرب فعليا ً في ‪ 29‬تشرين أول‪ /‬أكتوبر ‪1914‬م‪.‬‬

‫سابعا ً‪ :‬مراسالت الحسين ‪ -‬مكماهون‬


‫في ‪ 14‬تموز‪ /‬يوليو ‪1915‬م أرسل الشريف حسين مذكرة إلى مقر المعتمد البريطاني في القاهرة اشتملت على النقاط األساسية‬
‫لبرتوكول دمشق والتي يشترطها العرب الشتراكهم في الحرب ضد الدولة العثمانية وحلفائها مع إضافة شرطين يتعلقان به شخصيا ً‬
‫وهما‪ :‬أن تدعم إنجلترا إعالن خليفة عربي للمسلمين‪ ،‬وأن البنود الخاصة بالمساعدة المتبادلة تظل سارية مدة خمسة عشر عاما ً‪،‬‬
‫(‪)16‬‬
‫وقد تتمدد باتفاق الطرفين‪.‬‬
‫كان ستورز في تعقيب له على هذه الرسالة "ينبغي للحسين أن يرضى بأن نسمح له باإلحتفاظ بوالية الحجاز" وأيضا ً "إن الحسين‬
‫(‪)17‬‬
‫يعرف أنه يطلب كأساس للمفاوضات أكثر بكثير مما له الحق أو لديه األمل أوعنده القوة التي تسمح له بتوقعه"‬
‫على الرغم من جميع االنتقادات والمناقشات في مقر المندوب السامي البريطاني جاء رد السير هنري مكماهون في ‪ 30‬آب‪/‬‬
‫أغسطس ‪1915‬م وبدافع إبقاء الخيوط متصلة مع الحسين مراوغا ً فلم يتضمن ردا ً صريحا ً بالقبول أو الرفض‪ ،‬ذاكراً له "أن‬
‫مصالح العرب هي مصالح انجلترا ‪ ،‬ومصالح انجلترا هي مصالح العرب" وإن بحث الحدود ينبغي تأجيله إلى ما بعد انتهاء‬
‫الحرب‪.‬‬
‫بعد ذلك الرد المراوغ أرسل الحسين رسالة أخرى إلى مكماهون تعبر عن دهشته مما في رده من "غموض وبرودة و تردد"‬
‫واتهمه فيها باإلحجام عن مناقشة موضوع الحدود موضحا ً أن تلك المطالب واإلقتراحات ليست صادرة عن شخصه وحده "بل‬
‫هي مقترحات شعب بأسره" وأن قضية الحدود المطروحة تعتبر شرطا ً أساسيا ً تتوقف عليه نتيجة المفاوضات من حيث الموافقة‬
‫أو الرفض‪ ،‬فكان رد مكماهون هذه المرة في ‪ 24‬تشرين أول ‪/‬أكتوبر ‪1915‬م يتضمن إقتراحات ومناقشة لموضوع الحدود حيث‬
‫أشار إلى أن بريطانيا ستعترف باستقالل العرب ضمن المنطقة التي حددها الشريف حسين باستثناء أجزاء معينة وتحديدا ً واليتي‬
‫أضنة واالسكندرونة كذلك المنطقة الواقعة غرب خط دمشق حمص حماه حلب والتي تعتبر ذات أهمية عند الحلفاء وال تعتبر‬
‫عربية محضة باإلضافة إلى وجود مصالح لبريطانيا العظمى في واليتي البصرة و بغداد وسيتم إقرار ترتيبات إدارية خاصة‬
‫فيهما وأوضح أيضا ً أن تلك المناطق التي ترتبط بمعاهدات الحماية على شواطئ الخليج العربي يجب ان ال تدرج ضمن النقاشات‬
‫كما أشار بوضوح إلى استثناء مستعمرة عدن من المفاوضات ‪.‬‬
‫وكان رد الحسين على رسالة مكماهون في ‪ 5‬تشرين الثاني‪ /‬نوفمبر ‪1915‬م ‪ ،‬أوضح فيها موافقته على استثناء والية أضنة (التي‬
‫تضم ميناء مرسين) ولم يوافق على ما تبقى من استثناءات إال تلك التحفظات الخاصة باألمراء العرب المرتبطين بمعاهدات مع‬
‫بريطانيا‪ ،‬اما بخصوص العراق فقد وافق أن تحتل القوات البريطانية لفترة ما بعد الحرب تلك األجزاء على أن يكون إحتالالً مؤقتا ً‬
‫و تدفع بريطانيا مقابل ذلك معونة مالية للدولة العربية الناشئة‪.‬‬
‫أعرب مكماهون في رده عن ارتياحه الستثناء مرسين من حدود البالد العربية‪ ،‬ولكنه ظل مصرا على تحفظه فى موضوع‬
‫المناطق الساحلية الواقعة فى سورية الشمالية لوجود مصالح فرنسية فيها‪ ،‬وأن بريطانيا لن تبرم صلحا ً على أسس ال تكفل "حرية‬
‫الشعوب العربية"‪ ،‬فرد الشريف حسين في رسالته الرابعة والمؤرخة في ‪ 1‬كانون الثاني ‪/‬يناير ‪1916‬م "ان ما يتعلق بقضية‬
‫العراق وقضية التعويض الذى افترضناه لقاء احتالله فإنني رغبة في تقوية ثقة بريطانيا بنوايانا ادع أمر تقدير المبلغ الى حكمتها‬
‫وعدالتها" أما بالنسبة للمناطق الساحلية من بالد الشام فأشار إلى أنه حريص على اجتناب ما يعكر صفو العالقات بين فرنسا و‬
‫بريطانيا العظمى لذلك فهو مستعد لغض الطرف عنها حاليا ً إلى ما بعد إنتهاء الحرب‪.‬‬
‫كان جواب مكماهون على هذه الرسالة والمؤرخ في ‪ 25‬يكانون الثاني ‪ /‬يناير ‪1916‬م مكرراً عما سبقها وأثنى فيها على رغبة‬
‫الشريف حسين تجنب كل ما من شانه اإلساءة إلى تحالف إنجلترا وفرنسا‪.‬‬
‫بالرسالة السابقة تكون المفاوضات قد ختمت وبقي رسائل االتفاق حول متطلبات اإلعداد للثورة من سالح وذخائر وأموال ومؤن‬
‫والتي كان آخرها رسالة هنري مكماهون بتاريخ ‪ 10‬آذار‪ /‬مارس ‪1916‬م والتي قال فيها "وقد يسرني أن أخبركم بأن حكومة‬
‫جاللة الملك صادقت على جميع مطالبكم‪ ،‬وأن كل شيء رغبتم اإلسراع فيه وفي إرساله فهو مرسل مع رسولكم حامل هذا‪،‬‬
‫واألشياء الباقية ستحضر بكل سرعة ممكنة وتبقى في بورسودان تحت أمركم لحين ابتداء الحركة وابالغنا إياها بصورة رسمية‬
‫(‪)18‬‬
‫(كما ذكرتم) وبالمواقع التي يقتضي سوقها إليها والوسائط التي يكونون حاملين الوثائق بتسليمها إياهم‪." .‬‬
‫لم يتم التوقيع على أية وثيقة في تلك المراسالت كما لم يجتمع الفرقاء الرئيسيون فيها وكانت العهود البريطانية من المرونة و‬
‫الميوعة بحيث ال يمكن اعتبارها وثائق في أية محكمة قانونية‪ .‬فكانت بداية مشؤومة لتحالف تم اعداده تحت ضغط الحرب فترك‬
‫آثاره إلى عصرنا الراهن ‪.‬‬
‫كان كيتشنر واتباعه ومكماهون ومن خاللهم الحكومة البريطانية بحاجة ماسة إلى كسب التأييد العربي ولكنهم لم يكونوا مستعدين‬
‫لدفع الثمن المطلوب بل كانت هناك مفاوضات أخرى تجري بشكل سري بنفس الفترة الزمنية ما بين ‪ 23‬تشرين‬
‫الثاني ‪/‬نوفمبر‪1915‬م و ‪ 16‬أيار‪/‬مايو ‪1916‬م بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس‬
‫والروسي سيرغي سازونوف لتقسيم تركة الدولة العثمانية بينهم‪.‬‬

‫ثامنا ً ‪ :‬بداية الثورة ثم مرحلة الجمود‬

‫أطلق الشريف حسين فجر اليوم العاشر من حزيران ‪/‬يونيو ‪1916‬م عدة طلقات من مسدسه بإتجاه الحاميات العثمانية معلنا ً بداية‬
‫الثورة وكان للعثمانيين مدفعية قوية في القلعة التي احتشد حولها الثوار الذين تم تسليحهم بواسطة الدعم اإلنجليزي العسكري ‪.‬‬
‫كانت قلعة أجياد استسلمت بعد قصف أحدث ثغرة في جدارها في الرابع من تموز‪/‬يوليو ‪ 1916‬بعد أن أرسل السير ريجينالد‬
‫وينغيت نائب الحاكم العام البريطاني في السودان سريتي مدفعية من سرايا الجيش المصري وتم سحب مدفعان منها إلى مكة‬
‫فكان لهما األثر الحاسم إلى استسالم الثكنات العثمانية فيها‪.‬‬
‫وهاجم األميران فيصل و علي المدينة المنورة واألمير عبدهللا الطائف وهاجم الشريف عبد المحسن البركاتي دار الحكومة وثكنات‬
‫العثمانيين في مكة والشريف محسن بن أحمد مدينة جدة التي سقطت كأول مدينة بيد قوات الشريف حسين بمساعدة القصف الجوي‬
‫والبحري من الطائرات والسفن الحربية البريطانية وتم تسليم الطائف في ‪ 22‬أيلول‪/‬سبتمبر بعد أن فرض عليها الحصار وكانت‬
‫قد سقطت كذلك كل المدن الساحلية كرابغ التي أقام اإلنجليز فيها مطارا ً عسكريا ً و ينبع والقنفذة والليث بمساعدة األسطول‬
‫البريطاني‪ ،‬وبذلك تكون الغايات العسكرية المباشرة قد تحققت وتكون كل مدن الحجاز قد سقطت بيد قوات الشريف ما عدا المدينة‬
‫المنورة‪.‬‬
‫"كان مقر المعتمد البريطاني في القاهرة قد عمل مدة تقرب من ‪ 9‬أشهر من أجل إشعال شرارة الثورة‪ ،‬وعندما بلغ القاهرة نبأ‬
‫الثورة في الصحراء قال ويندهام ديدز‪ :‬إنها نصر عظيم لكاليتون‪.‬‬
‫لكن الثورة العربية التي كان الحسين يأمل في حدوثها لم تحدث إطالقاً‪ ،‬فلم تنضم إليه أي وحدات عربية في الجيش العثماني‪ ،‬وال‬
‫انضم إليه وإلى الحلفاء أي شخصيات سياسية أو عسكرية من الدولة العثمانية‪ ،‬وبقيت قواته مؤلفة من بضعة آالف من رجال‬
‫القبائل غير المدربين الذين يحصلون على دعم مالي من بريطانيا‪ ،‬والعدد الضئيل من الضباط غير الحجازيين الذين انضموا إلى‬
‫(‪)19‬‬
‫جيشه كانوا إما أسرى حرب أو منفيين سبق أن عاشوا في أراض خاضعة للحكم اإلنجليزي‪".‬‬
‫أما خارج الحجاز وماجاورها من القبائل فلم يكن هناك أي تأييد منظور للثورة في أي جزء من العالم العربي‪" ،‬في حين أن‬
‫السوريين عموما ً لم يكونوا راغبين في الثورة على األتراك واستمر بعض القيادة السياسية في المدن السورية بتعريف نفسه‬
‫باأليديولوجيا العثمانوية‪ ،‬واختار بعضهم اآلخر عدم اتخاذ موقف بانتظار نتيجة الحرب وحافظ الكثيرون على مناصبهم طوال‬
‫الحرب ونظروا إلى ثورة الجنوب بحذر و ازدراء بل وصموها بالخيانة‪ ،‬وكان الزعماء السياسيين في سوريا ال يثقون بالطموحات‬
‫(‪)20‬‬
‫الهاشمية السياسية"‬
‫واستقر الوضع على هذا الحال خالل عدة أشهر بينما القوات العثمانية يتم تعزيزيها في المدينة المنورة وبدأت تقارير المخابرات‬
‫اإلنجليزية تصل إلى القاهرة بأن ثورة الحجاز كانت تنهار بأسرع مما كان متوقعاً‪...‬‬

‫تاسعاً‪ :‬لورنس العرب واإلنطالق نحو دمشق‬

‫أصيب المكتب العربي في مقر المندوب السامي البريطاني في القاهرة بخيبة األمل ألن زعامة الحسين فشلت في إثبات وجودها‬
‫وترسيخ مكانتها وانضمام العرب لها بشكل يناسب الدعم الذي قدمته بريطانيا الذي و كما يقول ستورز في مذكراته أنه قد بلغ أحد‬
‫عشر مليون جنيه إسترليني‪.‬‬
‫خالل عدة أشهر من انطالق الثورة استقرت بعثات بريطانية و فرنسية في مدينة جدة لمساعدة ثورة الشريف ثم وصل في تشرين‬
‫أول‪/‬أكتوبر من نفس العام ضابط المخابرات اإلنجليزي والعامل في المكتب العربي في القاهرة الكابتن توماس لورنس والذي‬
‫اصبح فيما بعد مستشاراً حربيا ً لألمير فيصل واشتهر باسم "لورنس العرب" وقد كان برفقة سكرتير الشؤون الشرقية السير رونالد‬
‫ستورز‪.‬‬
‫"يذكر لورنس في كتابه أن القائد العام للقوات البريطانية في مصر السير ارشيبالد مري لم يكن مؤمنا ً بالثورة العربية وال ظهر‬
‫له أن يبذل المال و الرجال و السالح في سبيلها بل كان يعتبرها بشيء من اإلستخفاف و التحقير عمالً هامشيا ً مربكا ً‪ ،‬والح للناس‬
‫(‪)21‬‬
‫أن الثورة العربية ماتت في المهد‪".‬‬
‫وفي ‪ 2‬تشرين الثاني‪/‬نوفمبر ‪1916‬م أعلن الشريف حسين نفسه ملكا ً على العرب و طالب الحلفاء و الدول المحايدة اإلعتراف‬
‫بهذا اللقب فكان جوابهم في ‪ 3‬كانون الثاني‪/‬يناير اإلعتراف به ملكا ً على الحجاز فقط‪.‬‬
‫سقط ميناء الوجه الواقع مابين تبوك و المدينة على ساحل البحر األحمر يوم ‪ 25‬كانون الثاني‪/‬يناير ‪1917‬م بيد قوات الشريف‬
‫المدعوم بالبوارج البريطانية و ‪ 250‬جندي انجليزي واتخذ منها األمير فيصل والكابتن لورنس مقراً للعمليات ولضرب العثمانيين‬
‫في مدائن صالح‪ ،‬وسيطروا بعدها على ضبا و المويلح وبذلك لم يبقى في يد العثمانيين في الحجاز إال المدينة المنورة والحاميات‬
‫في محطات سكة حديد الحجاز‪.‬‬
‫عمل لورنس على تعليم العرب كيفية استعمال المتفجرات لتخريب سكة الحديد والي أدى إلى تضييق الخناق على الجنود‬
‫المحاصرين في المدينة والحاميات العثمانية في محطات خط الحديد الحجازي‪.‬‬
‫سقطت العقبة في ‪ 6‬تموز‪/‬يوليو ‪1917‬م واتخذها األمير فيصل و معه لورنس العرب مقراً لقيادة قواته و تسليحها بحراً من القوات‬
‫البريطانية في مصر و التي أصبح يقودها الجنرال ادموند اللنبي و حضر إلى العقبة عدد من الضباط اإلنجليز و الفرنسيين لمساعدة‬
‫قوات األمير فيصل‪.‬‬
‫في ‪ 11‬كانون األول‪/‬ديسمبر ‪ 1917‬سقطت مدينة القدس ودخلها الجنرال اللنبي ماشيا ً مع القوات اإلنجليزية من بوابة يافا وكانت‬
‫قد سقطت قبل ذلك مدن غزة و الخليل و يافا وبيت لحم حيث احتلت القوات البريطانية مع نهاية ‪ 1917‬كامل سنجق القدس‪.‬‬
‫وقف أهل معان مع العثمانيين وتطوعوا معهم في صد هجوم جيش األمير فيصل وبقوا ثابتين كما صمدت كل القوات في الحاميات‬
‫العثمانية جنوب معان كقلعة الحسا وحامية تبوك وحامية العال والقوة األساسية بقيادة فخري باشا في المدينة المنورة‪" ،‬وفي‬
‫األسبوع األول من نيسان ‪/‬ابريل ‪ 1918‬قام العرب بقيادة اللفتاننت كولونيل أالن دوني بتخريب الخط الحديدي جنوب معان‬
‫وشمالها تخريبا ً يستحيل إصالحه وبذلك تكون معان قد عزلت‪ ،‬أي أنه تم تدمير ‪ 50‬جسراً وقنطرة و ‪ 3000‬مفصلة من خط‬
‫(‪)22‬‬
‫الحديد الحجازي"‬
‫وهزم األمير عبد هللا قوات ابن الرشيد أمير حائل الموالية للعثمانيين قرب منطقة تيماء في شهر حزيران ‪/‬يونيو ‪1918‬م ‪ ،‬ثم اتجه‬
‫جيش األمير فيصل مصحوبا ً بالوحدات البريطانية الحاوية على عربات مصفحة ورشاشات وفصائل إشارة بإتجاه الشمال من‬
‫معان والهدف المرسوم كان مدينة درعا فوصل في ‪ 12‬أيلول ‪/‬سبتمبر ‪1918‬م إلى مسافة ‪ 12‬كم من درعا وبدأت مجموعات‬
‫التخريب في تدمير سكة الحديد شمال درعا وجنوبها لعزل الحامية العثمانية فيها وذلك لمساعدة القوات البريطانية المتقدمة بإتجاه‬
‫شمال فلسطين والذين احتلوا العفولة وبيسان ثم في ‪ 25‬أيلول ‪/‬سبتمبر احتل اإلنجليز ع ّمان وانسحب الجيش العثماني منها و من‬
‫معان باتجاه درعا سيرا ً على األقدام بعد أن تم تدمير خط سكة حديد الحجاز‪ ،‬وعلى أبواب مدينة درعا اجتمع جيش األمير فيصل‬
‫والجيش اإلنجليزي يوم ‪ 28‬أيلول ‪/‬سبتمبر ثم توجهوا إلى دمشق ودخلوها في أول تشرين أول ‪/‬أكتوبر‪ ،‬ثم مالبث أن تم احتالل‬
‫سوريا كلها قبل نهاية الشهر وكان آخر منطقة تحتلها قوات الحلفاء شماالً محطة المسلمية في حلب وهي المنطقة التي تتفرع منها‬
‫سكة الحديد إلى القسطنطينية و سوريا والعراق حيث وقعت الدولة العثمانية في اليوم التالي هدنة مدروس‪.‬‬

‫عاشراً‪ :‬نهاية الثورة‬


‫كان صدور وعد بلفور من وزارة الخارجية البريطانية و الذي يتعهد فيه بقيام وطن قومي لليهود على أرض فلسطين و اتفاق‬
‫س ّمي اصطالحا ً بالثورة العربية وكان يجب أن يكون لها األثر الكبير في معرفة طبيعة‬
‫سايكس بيكو من األمور التي حدثت أثناء ما ُ‬
‫السياسة اإلستعمارية لقوات الحلفاء و لإلنكليز خصوصا ً لكن هذا كله لم يؤثر على حسن ظن الشريف حسين بنوايا الحلفاء "حتى‬
‫أنه عندما وصلت إليه بعد سبعة أشهر من توقيعها رسائل من جمال باشا فيها تفاصيل اتفاقية سايكس بيكو لم يفعل شيئا ً سوى أنه‬
‫أرسلها إلى المندوب السامي البريطاني في مصر سائالً عن حقيقة هذه اإلتفاقية "(‪ ، )23‬أما بخصوص وعد بلفور فكان رد الحلفاء‬
‫هو رسالة من نائب الملك إلى الشريف حسين أعادت له الهدوء وأيدت الرسالة حقوق عرب فلسطين السياسية و االقتصادية وقد‬
‫أذاع منشوراً في جريدة القبلة الناطقة باسمه في ‪ 23‬آذار‪/‬مارس ‪ 1918‬دعا فيه عرب فلسطين إلى الهدوء واإلطمئنان وإلى‬
‫التعاون مع الجيش البريطاني‪.‬‬
‫"كان ثمن الثورة بالنسبة إلى العرب غاليا ً على المدى الطويل و القصير‪ ،‬دفعوا جميعا ً هذا الثمن مع أن أقل من ‪ %10‬منهم‬
‫اشتركوا في الثورة‪ .‬حتى في الحجاز لم يكن الرأي العام وراء الحسين‪.‬‬
‫وليت الشريف حسين وأنصاره كسبوا فخر هذا العمل الذي قاموا به في نظر اإلنجليز و الفرنسيين‪ ،‬ذلك أن البطل الحقيقي لهذه‬
‫المأساة كان في نظر الغرب رجالً إنجليزيا ً غريب األطوار هو الكولونيل لورنس‪.‬‬
‫وهكذا نجد أنه إرضاء لمطامح حفنة من العرب وأوهام حفنة من الخطباء المتحمسين على منابر دمشق دفع العرب ‪ -‬كل العرب‬
‫‪ -‬ثمنا ً باهظا ً والزالوا يدفعونه‪ ،‬و ‪ 10‬حزيران ‪/‬يونيو ‪ 1916‬كان دون شك يوما ً مشؤوما ً كان من نتاجه أن أصبحت إسرائيل هي‬
‫معضلة العرب الكبرى وهي نتيجة مباشرة لهذه الخطوة التي خطاها الشريف حسين بن علي‪ ،‬فقد تقاسمت فرنسا و إنجلترا ميراث‬
‫الدولة العثمانية في البالد العربية (عدا الجزيرة) وحولتها إلى مستعمرات تحت أسماء شتى وتربع أحد أبناء الحسين على عرش‬
‫(‪)24‬‬
‫العراق بعد أن طردته فرنسا عن عرش سوريا وأصبح ابنه الثاني أميرا على شرق األردن وكالهما تحت الحكم البريطاني "‬
‫الذي وثق به الحسين وكان مخلصا ً له‪ ،‬أما هو فقد تخلت عنه بريطانيا ورفضت اإلعتراف به خليفة للمسلمين بعد أن ألغى مصطفى‬
‫كمال الخالفة العثمانية في ‪3‬آذار‪/‬مارس ‪1924‬م ولم يعد يتلقى أي ردود على رسائله إلى الحكومة البريطانية بل أصبحوا يعدونه‬
‫هدفا ً للسخرية ومثارا ً لإلزعاج‪ ،‬في حين تقدمت جيوش عبدالعزيز آل سعود إلى الحجاز فدخلوا مكة في ‪ 15‬تشرين أول ‪/‬أكتوبر‬
‫‪1924‬م ثم حاصروا جدة لمدة عام تقريبا ً وتم تسليمها في ‪ 17‬كانون أول ‪/‬ديسمبر ‪ ،1925‬وبتسليم جدة انتهى حكم األشراف في‬
‫الحجاز‪.‬‬
‫أما الملك الحسين بن علي فقد كان تنازل عن العرش البنه علي يوم ‪ 4‬تشرين أول‪/‬أكتوبر ‪ 1924‬ثم سافر إلى ميناء العقبة بعد‬
‫بضعة أيام من تنازله وبقي فيها ثمانية أشهر وفيها أعلن نفسه خليفة في ‪ 11‬آذار ‪/‬مارس ‪1924‬م بعد عدة أيام من إلغاء كمال‬
‫أتاتورك لمنصب الخالفة لكن هذه الدعوة لم تلق أي صدى أو تجاوب من أي جهة ثم أن الحكومة البريطانية أبلغته أنه غير‬
‫مرغوب ببقاءه هناك فاختار أن يذهب إلى قبرص وأقام فيها إلى ‪ 1930‬منفيا ً وبعد أن أصيب بنوبة حادة تم نقله إلى ع ّمان وهو‬
‫في الخامسة والسبعين من عمره حيث توفي في ‪ 14‬من كانون الثاني ‪/‬يونيو ‪ 1931‬ودفن في القدس ‪.‬‬

‫خاتمة‪:‬‬
‫كانت نهاية ما أصبح يعرف تاريخيا ً بالثورة العربية الكبرى أن تمت تجزئة سوريا الكبرى إلى مناطق تحت الحكم الفرنسي قاموا‬
‫بتجزئتها إلى دويالت حلب و دمشق ودولة جبل الدروز ودولة العلويين على الساحل ودولة لبنان الكبير ثم جمعتها في دولتي‬
‫سوريا و لبنان الكبير ومناطق تحت االحتالل اإلنجليزي جعلوها ممالك منفصلة تحت رعايتهم وشرعوا ينفذون وعدهم لليهود‬
‫على أرض فلسطين‪ ،‬بل أن الشريف حسين نفسه خسر اإلمارة التي حكمها أجداده األشراف ألف سنة ّإال أربعة عشر عاما ً من‬
‫سنة ‪ 358‬هـ ‪968 /‬م من حكم جعفر بن محمد إلى نهاية حكم علي بن الحسين سنة ‪ 1344‬هـ ‪1924 /‬م‪.‬‬

‫بقيت سيطرة بريطانيا على مشيخات الخليج والجنوب العربي وذهبت أحالم القوميين العرب ومؤسسي الجمعيات السرية الذين‬
‫فرحوا بخلع السلطان عبد الحميد الثاني وعدوه من أكبر اإلنتصارات لهم كل ذلك ذهب أدراج الرياح و "تروي الروايات التاريخية‬
‫الندم الشديد الذي أصاب الشريف حسين في نهاية حياته‪ ،‬وهو أمر طبيعي في ظل ما آلت إليه أحالمه الكبيرة بل وضعه الشخصي‪،‬‬
‫(‪)25‬‬
‫فهل يتعظ الذين يتحالفون اليوم مع الصهيونية ضد إخوتهم ظانين أن نهايتهم ستكون وردية" ؟!!‬
‫الهوامش‬
‫‪----------‬‬
‫‪ -1‬العرب و الترك في العهد الدستوري العثماني ‪ -‬توفيق علي برو ط ‪ ،1960‬ص ‪.79-77‬‬
‫‪ -2‬صحوة الرجل المريض ‪ -‬موفق بني المرجة ط ‪ ،1984‬ص ‪.322‬‬
‫‪ -3‬المصدر السابق ص ‪.328‬‬
‫‪ -4‬العرب و الدولة العثمانية من الخضوع إلى المواجهة ‪ -‬د‪ .‬احمد زكريا الشلق ط ‪ ،2002‬ص ‪ + 290‬الدولة العثمانية والشرق‬
‫العربي ‪ - 1914-1514‬د‪ .‬محمد أنيس ط ‪ ،1985‬ص ‪271‬‬
‫‪ -5‬تاريخ النكبة والقضية الفلسطينية ‪ -‬سمير ذياب إسبيتان‪ ،‬ط ‪ ،2016‬ص ‪.73‬‬
‫‪ -6‬مقدرات العراق السياسية ‪ -‬محمد طاهر العمري ط بغداد ‪ 1925‬مجلد ‪ /1‬ص ‪.177‬‬
‫‪ -7‬يقظة العرب ‪ -‬جورج انطونيوس ط ‪ ،1987‬ص ‪ + 178‬الدولة العثمانية والشرق العربي ‪ 1914-1514‬ص ‪.224‬‬
‫‪ -8‬أعيان المدن والقومية العربية ‪ -‬فيليب خوري ط ‪ ،1993‬ص ‪ + 124‬دور النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني ‪-1908‬‬
‫‪1014‬م ‪ -‬د‪ .‬عصمت عبد القادر ط ‪ 2006‬ص ‪.264‬‬
‫‪ -9‬الدولة العثمانية والشرق العربي ‪ 1914-1514‬ص ‪ + 277‬الحجاز في العهد العثماني ‪ -‬عماد عبدالعزيز يوسف ط ‪ 2014‬ص‬
‫‪.162-161‬‬
‫‪ -10‬سالم ما بعده سالم ‪ -‬ديفيد فرومكين ط ‪ 2001‬ص ‪.267‬‬
‫‪ -11‬جمعية العربية الفتاة السرية ‪ -‬د‪ .‬سهيلة ريماوي ط ‪ 1988‬ص ‪ ،66‬دور النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني ‪-1908‬‬
‫‪1014‬م ص ‪.81‬‬
‫‪ -12‬مجلة الهالل ‪ -‬الجزء الثاني السنة ‪1908/11/1 - 17‬م ص ‪.71‬‬
‫‪ -13‬نشأة الحكومة العربية الحديثة ‪ -‬محمد عزة دروزة ط ‪ 1993‬ص ‪.177‬‬
‫‪ -14‬جمعية العربية الفتاة السرية ص ‪ + 267‬الدولة العثمانية والشرق العربي ‪ 1914-1514‬ص ‪.239‬‬
‫‪ -15‬الملوك الهاشميون ‪ -‬جيمس موريس ط ‪ 2011‬ص ‪.29-28‬‬
‫‪ -16‬يقظة العرب ص ‪.252‬‬
‫‪ -17‬سالم ما بعده سالم ص ‪.208‬‬
‫‪ -18‬يقظة العرب ص ‪ + 266-251‬دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة ‪ -‬محمد بديع شريف وآخرون ص ‪+ 132-121‬‬
‫الدولة العثمانية والشرق العربي ‪ 1914-1514‬ص ‪.284-281‬‬
‫‪ -19‬سالم ما بعده سالم ص ‪.269-267‬‬
‫‪ -20‬أعيان المدن والقومية العربية ص ‪.126‬‬
‫‪ -21‬الثورة العربية الكبرى ‪ -‬أمين السعيد ج‪ /1‬ص ‪ + 212‬يقظة العرب ص ‪. 314‬‬
‫‪ -22‬يقظة العرب ص ‪.334‬‬
‫‪ -23‬الحجاز في العهد العثماني ص ‪.229‬‬
‫‪ -24‬تاريخ قريش ‪ -‬د‪ .‬حسين مؤنس ط ‪ 1988‬ص ‪.787، 784-783‬‬
‫‪ -25‬السلطان والتاريخ ‪ -‬شعبان صوان ط ‪ 2016‬ص ‪.547‬‬

You might also like