Professional Documents
Culture Documents
62575935
62575935
ث و عِبَر
الثورُة العربيُة الكربى ...أحدا ٌ
بقلم :م .خالد العسيلي
أطلق الشريف الحسين بن علي حاكم مكة الرصاصة األولى لما بات يعرف بالثورة العربية الكبرى على الثكنة العثمانية في مكة
يوم العاشر من شهر حزيران/يونيو عام 1916م والتي ساهمت في سقوط الدولة العثمانية وهزيمتها في الحرب العالمية األولى
وكان من نتائجها إلغاء الخالفة اإلسالمية ومنصب الخليفة الذي استمر منذ عهد سيدنا أبي بكر الصديق رضي هللا عنه إلى يوم
اإلثنين 27رجب 1342هـ الموافق 3آذار/مارس 1924م ،هذا السقوط الذي أدى إلى تجزئة المشرق العربي بين اإلحتاللين
اإلنجليزي و الفرنسي والذي كان من األسباب الرئيسية أيضا ً لوجود الكيان الصهيوني على أرض فلسطين .
فكيف بدأت هذه الثورة وماهي أسبابها؟ ومااألحداث التي أدت إلى إنطالقها؟ وكيف كان للتدخل اإلنجليزي الدور الحاسم في
إنتصارها؟ وإلى ماذا انتهت ؟!!
أوالً :أوضاع الدولة العثمانية الداخلية والخارجية قبيل الحرب العالمية األولى:
تولت جماعة اإلتحاد و الترقي الحكم بعد إنقالبهم على السلطان عبد الحميد الثاني فيما عرف باالنقالب الدستوري عام 1908م
ثم عزله ونفيهم إياه إلى سالونيك عام 1909م وتنصيب أخيه محمد الخامس رشاد سلطانا ً شبه منزوع الصالحيات ،ثم استولت
على مقاليد األمور بشكل كامل بعد انقالب عسكري في 23كانون الثاني/يناير1913م والمعروف أيضا ً بـانقالب الباب العالي
والذي أدى إلى اإلطاحة بالحكومة اإلئتالفية (الوزارة التي كانت تحكم منذ 21تموز/يوليو 1912م) والصدراألعظم كامل باشا
من السلطة ومقتل وزير الحربية ناظم باشا وتنصيب أنور باشا مكانه ،وبهذا تكون حكومة الباشوات الثالثة قد بدأت حيث أن
وزارة كامل باشا كانت قد أبعدت قيادة جمعية االتحاد والترقي عن السلطة مؤقتا.
وكانت األحداث تتسارع حول الدولة العثمانية التي تعيش حالة سيئة جدا ً من الصراعات الداخلية والتحزبات بين القوميات ضمن
األراضي العثمانية التي بدأت في التآكل فخسرت إقليم البوسنة والهرسك في تشرين األول/أكتوبر 1908م لصالح اإلمبراطورية
النمساوية-المجرية في ما عُرف باألزمة البوسنية ،ثم خسرت ليبيا عام 1911م وفقدت بعدها كامل البلقان في حربي البلقان األولى
و الثانية 1913-1912م وخرجت ألبانيا مستقلة كنتيجة للحرب عام 1913م وبذلك لم يتبقى للدولة العثمانية في الجانب األوروبي
إال منطقة تراقيا الشرقية فقط التي استعادتها بعد حرب البلقان الثانية 1913م.
بعد انتهاء الحرب البلقانية كانت الدولة العثمانية قد خرجت مستنزفة بشكل كبير ومحرومة من جزء مهم من مواردها البشرية
والمالية واإلقتصادية فلهذا اتجه االتحاديون إلى محاولة إعادة بناء الدولة والبحث عن سبل جديدة للبقاء فعملوا على تدعيم سلطتهم
بشكل كبير وقمعوا أحزاب المعارضة ونفوا زعماءها وأعدموا الكثير من أعضائها .
ثانيا ً :بداية نشوء وتبلور األفكار القومية :
برزت في بداية العهد الجديد بعد عزل السلطان عبد الحميد الثاني 1909م عدة أمور و أحداث على الصعيد الداخلي كان من أهمها
عودة من كان منفيا ً في الخارج من أعضاء تركيا الفتاة وعدد كبير من الالجئين السياسيين األرمن و البلغار وكذلك أتراك روسيا
الذين وجدوا في فكرة اتحاد الشعوب التركية في مناطق آسيا الروسية القوة الضرورية لمقاومة خطر الجامعة السالفية التي ينادي
بها القياصرة الروس ،فظهر صراع كبير في اإلتجاهات السياسية و الفكرية العامة و أخذت العاصمة استانبول تموج باألفكار
والتيارات الجديدة والتي كانت تنطلق بشكل عام من مثقفي جماعة اإلتحاد و الترقي كالتجديد اإلسالمي العثماني الذي كان أحد
رموزه مراد بيك ميزانجي (1854-1917م) والتيار التغريبي الكامل والذي كان أبرز رموزه أحمد رضا بيك (1859-1930م)
وعبدهللا جودت (1869-1932م) وكذلك كانت تلك المرحلة بداية ظهور التيار ذي النزعة القومية التركية الطورانية على المسرح
السياسي الفكري والذي كان انطالقه معتمداً على دمج أفكار ما اصطلح على تسميتهم بأتراك روسيا باإلضافة لبعض المفكرين
القوميين من أتراك ألبانيا و مقدونيا والقوقاز مع حركة علمية فكرية تتجه إلى استكشاف ماضي األتراك وهويتهم والتي انطلقت
متأثرة باألفكار القومية التي كانت منتشرة في ذلك الوقت و خصوصا ً في فرنسا المعقل األساسي السابق لحركات المعارضة ضد
السلطان عبدالحميد الثاني ،وكان من رموز هذا التيار ضياء كوك ألب ( )1876-1924و يوسف أقجورا (1876-1935م) وخالدة
أديب (1884-1964م) و حمد هللا صبحي طانروفر (1885-1966م).
كانت اآلراء بين المثقفين والزعماء العرب في نهاية العهد الحميدي وبداية العهد الدستوري منقسمة ومتنوعة تنوعا ً كبيراً منها من
يدعو إلى خالفة عربية كعبدالرحمن الكواكبي أو انفصال للبالد العربية و تأسيس دولة تحت حماية الدول االوروبية كمسيحيي
لبنان وأيضا ً كان هناك من يدعو إلى إصالحات خاصة للمناطق العربية بينما كان هناك اطراف من زعماء العرب يدعون
إلصالحات عامة في جميع الواليات ومنها الواليات العربية مثل رفيق بك العظم وحقي بك العظم وعبدالرحمن الشهبندر باإلضافة
لضباط و سياسيين آخرين وكثير من الموظفين من سوريا و العراق ،بل إن هناك من قبل تكون اللغة التركية هي اللغة الرسمية
()1
للبالد كالدكتور شبلي شميل و سليمان البستاني
ثم لما ظهر ا ستيالء حركة اإلتحاد و الترقي على الحكم بشكل كامل بعد اإلنقالب العسكري في عام 1913م وبداية حركة القمع
ضد المناوؤين و المعارضين من األتراك وغيرهم وظهور النزعة الطورانية التركية واشتداد أثرها ضمن المجتمع العربي من
خالل قوانين فرض اللغة التركية في المدارس الحكومية و نظام القضاء واإلدارة المحلية ،دعت الجمعية العربية الفتاة (تأسست
في باريس عام 1911م) إلى عقد المؤتمر العربي األول في باريس والذي انعقد ألربع جلسات في الفترة من 17إلى 23حزيران
1913م وشارك فيه حزب الالمركزية اإلدارية العثماني (تأسس في القاهرة كانون الثاني/يناير1913م) برئاسة عبدالحميد
الزهراوي ومجموعة من الجمعيات والشخصيات العربية الفاعلة والتي كان أغلبها من سوريا (الطبيعية) والعراق ،وعندما شعر
االتحاديون بخطورة المؤتمر العربي األول في باريس ( )1913خصوصا ً مع ما تمر به الدولة وقتها من حرب البلقان "فرأت
الحكومة أن ال تزيد مشاكلها بمشكلة العرب وهم تقريبا ً نصف الدولة أو يزيدون أخذوا يهادنون العرب ويتقربون إليهم ،حتى
وصلوا إلى ما أطلق عليه (الوفاق التركي العربي) بين ممثل اإلتحاديين مدحت شكري باشا وممثل المؤتمر العربي عبد الكريم
الخليل" (.)2
لكن ما إن قامت الحرب العالمية األولى في عام ( )1914حتى ساءت العالقة بينهم وبين العرب المتمثلين بالجمعيات واألحزاب
العربية ،وكان انضمام تركيا إلى ألمانيا ضد دول الحلفاء التي انضم لها العرب األثر الكبير في جعل الصدام بين جمعية االتحاد
والترقي والجمعيات العربية حتمياً.
"قام جمال باشا بعد معلومات قدمها فيليب زلزل ترجمان القنصل الفرنسي ببيروت بمداهمة قنصلية فرنسا في بيروت فعثر على
أوراق مدفونة في حائط الغرفة ،ومن بينها مخابرات القنصل والسفارة ووزارة الخارجية ،ثم أمر جمال باشا بمداهمة القنصليتين
البريطانية والفرنسية في دمشق ،وحصل منهما على وثائق سياسية هامة؛ فيها أسماء الزعماء العرب الذين اتصلوا بفرنسا للعمل
في سبيل االستقالل عن الدولة العثمانية" (. )3
" وكان من المعروف أن الجمعيات العربية في الشام كانت على صلة بالقنصل الفرنسي بيكو في بيروت وكان حزب الالمركزية
()4
على صلة مباشرة باللورد كتشنر المعتمد السياسي البريطاني في مصر"
وفي ديسمبر عام 1913اجتمع شفيق بك المؤيد العظم (أحد الشخصيات العربية البارزة وعضو البرلمان العثماني عن مدينة
دمشق) مع السفير الفرنسي في األستانة واستفسر منه عن موقف فرنسا في حال حدوث ثورة عربية وإن كانت فرنسا سترتسل
()5
قوات عسكرية إلى حلب للتدخل.
وما كانت إعدامات جمال باشا في ( 14آب/اغسطس ،1915و 6أيار/مايو )1916لقادة وبعض أعضاء الجمعيات القومية العربية
وزعمائها إال تسريعا ً في إنهاء العالقة العثمانية العربية التي دامت ( )400سنة ،حيث أعلن الشريف حسين الثورة في حزيران
/يونيو .)1916
رفض السلطان عبد الحميد الثاني منذ عام 1905م تعيين الشريف حسين شريفا ً لمكة وقال "إني راض بتعيينه أميرا ً على مكة اذا
اكتفى الشريف حسين بذلك بل إني اعتقد أنه لن يكتفي باإلمارة فحسب بل يطمع إلى أكثر من ذلك ويهدد يوما ً ما عرشي"
() 6
وبعد بداية العهد الدستوري عام 1908م استقال شريف مكة علي بن عبد هللا ولجأ إلى مصر خشية على نفسه من أن يعمد رجال
اإلتحاد و الترقي إلى اإلنتقام منه ألنه كان وثيق الصلة بالسلطان عبدالحميد ثم توفي الشريف عبداإلله بن محمد وهو يتجهز للسفر
بعد تعيينه في منصب الشرافة تم تعيين الشريف حسين كحاكم و شريف لمكة "بسبب شخصيته البارزة الموقرة فضالً عن مكانته
في المجتمع وسمو نسبه و لسبب أهم هو ماكان معروفا ً من كره السلطان له ،فاختاره أعضاء جمعية اإلتحاد و الترقي الذين كانوا
()7
في الحكم ليكون شريفا ً في مكة"
وبعد خلع السلطان عبدالحميد عن الحكم عام 1909م "توترت عالقة الشريف حسين مع اإلتحاديين بسبب محاوالتهم المتكررة
للحد من سلطاته ونفوذه في الحجاز وكان الحسين يعمل على أهدافه الخاصة لضمان وضع مستقل ذاتيا ً للحجاز تحت سلطته
() 8
وضمان التوارث المباشر لعائلته لإلمارة"
فقد كانت سياسة االتحاديين تقوم على المركزية وربط الواليات العثمانية شبه المستقلة بمركز الدولة ،وهذا األمر سيؤدي بطبيعة
الحال إلى الحد من نفوذ الشرافة في مكة " ازدادت العالقات سوءا ً بين الشريف حسين وحكومة االتحاديين خصوصا ً بعد تعيينهم
وهيب باشا واليًا على الحجاز ،على أن يجمع في يده السلطة المدنية والعسكرية ،ويحاول القضاء على الشرافة ،ومن هنا فإن
()9
الصدام بينهما كان على وشك الوقوع ،وتطلع الشريف حسين إلى دولة كبرى تساعده".
ويشير ديفيد فرومكين في كتابه سالم ما بعده سالم إلى أن "الحسين أمر بإعالن الثورة عندما اكتشف أن في نية قادة تركيا الفتاة
()10
أن يخلعوه"
أطلق الشريف حسين فجر اليوم العاشر من حزيران /يونيو 1916م عدة طلقات من مسدسه بإتجاه الحاميات العثمانية معلنا ً بداية
الثورة وكان للعثمانيين مدفعية قوية في القلعة التي احتشد حولها الثوار الذين تم تسليحهم بواسطة الدعم اإلنجليزي العسكري .
كانت قلعة أجياد استسلمت بعد قصف أحدث ثغرة في جدارها في الرابع من تموز/يوليو 1916بعد أن أرسل السير ريجينالد
وينغيت نائب الحاكم العام البريطاني في السودان سريتي مدفعية من سرايا الجيش المصري وتم سحب مدفعان منها إلى مكة
فكان لهما األثر الحاسم إلى استسالم الثكنات العثمانية فيها.
وهاجم األميران فيصل و علي المدينة المنورة واألمير عبدهللا الطائف وهاجم الشريف عبد المحسن البركاتي دار الحكومة وثكنات
العثمانيين في مكة والشريف محسن بن أحمد مدينة جدة التي سقطت كأول مدينة بيد قوات الشريف حسين بمساعدة القصف الجوي
والبحري من الطائرات والسفن الحربية البريطانية وتم تسليم الطائف في 22أيلول/سبتمبر بعد أن فرض عليها الحصار وكانت
قد سقطت كذلك كل المدن الساحلية كرابغ التي أقام اإلنجليز فيها مطارا ً عسكريا ً و ينبع والقنفذة والليث بمساعدة األسطول
البريطاني ،وبذلك تكون الغايات العسكرية المباشرة قد تحققت وتكون كل مدن الحجاز قد سقطت بيد قوات الشريف ما عدا المدينة
المنورة.
"كان مقر المعتمد البريطاني في القاهرة قد عمل مدة تقرب من 9أشهر من أجل إشعال شرارة الثورة ،وعندما بلغ القاهرة نبأ
الثورة في الصحراء قال ويندهام ديدز :إنها نصر عظيم لكاليتون.
لكن الثورة العربية التي كان الحسين يأمل في حدوثها لم تحدث إطالقاً ،فلم تنضم إليه أي وحدات عربية في الجيش العثماني ،وال
انضم إليه وإلى الحلفاء أي شخصيات سياسية أو عسكرية من الدولة العثمانية ،وبقيت قواته مؤلفة من بضعة آالف من رجال
القبائل غير المدربين الذين يحصلون على دعم مالي من بريطانيا ،والعدد الضئيل من الضباط غير الحجازيين الذين انضموا إلى
()19
جيشه كانوا إما أسرى حرب أو منفيين سبق أن عاشوا في أراض خاضعة للحكم اإلنجليزي".
أما خارج الحجاز وماجاورها من القبائل فلم يكن هناك أي تأييد منظور للثورة في أي جزء من العالم العربي" ،في حين أن
السوريين عموما ً لم يكونوا راغبين في الثورة على األتراك واستمر بعض القيادة السياسية في المدن السورية بتعريف نفسه
باأليديولوجيا العثمانوية ،واختار بعضهم اآلخر عدم اتخاذ موقف بانتظار نتيجة الحرب وحافظ الكثيرون على مناصبهم طوال
الحرب ونظروا إلى ثورة الجنوب بحذر و ازدراء بل وصموها بالخيانة ،وكان الزعماء السياسيين في سوريا ال يثقون بالطموحات
()20
الهاشمية السياسية"
واستقر الوضع على هذا الحال خالل عدة أشهر بينما القوات العثمانية يتم تعزيزيها في المدينة المنورة وبدأت تقارير المخابرات
اإلنجليزية تصل إلى القاهرة بأن ثورة الحجاز كانت تنهار بأسرع مما كان متوقعاً...
أصيب المكتب العربي في مقر المندوب السامي البريطاني في القاهرة بخيبة األمل ألن زعامة الحسين فشلت في إثبات وجودها
وترسيخ مكانتها وانضمام العرب لها بشكل يناسب الدعم الذي قدمته بريطانيا الذي و كما يقول ستورز في مذكراته أنه قد بلغ أحد
عشر مليون جنيه إسترليني.
خالل عدة أشهر من انطالق الثورة استقرت بعثات بريطانية و فرنسية في مدينة جدة لمساعدة ثورة الشريف ثم وصل في تشرين
أول/أكتوبر من نفس العام ضابط المخابرات اإلنجليزي والعامل في المكتب العربي في القاهرة الكابتن توماس لورنس والذي
اصبح فيما بعد مستشاراً حربيا ً لألمير فيصل واشتهر باسم "لورنس العرب" وقد كان برفقة سكرتير الشؤون الشرقية السير رونالد
ستورز.
"يذكر لورنس في كتابه أن القائد العام للقوات البريطانية في مصر السير ارشيبالد مري لم يكن مؤمنا ً بالثورة العربية وال ظهر
له أن يبذل المال و الرجال و السالح في سبيلها بل كان يعتبرها بشيء من اإلستخفاف و التحقير عمالً هامشيا ً مربكا ً ،والح للناس
()21
أن الثورة العربية ماتت في المهد".
وفي 2تشرين الثاني/نوفمبر 1916م أعلن الشريف حسين نفسه ملكا ً على العرب و طالب الحلفاء و الدول المحايدة اإلعتراف
بهذا اللقب فكان جوابهم في 3كانون الثاني/يناير اإلعتراف به ملكا ً على الحجاز فقط.
سقط ميناء الوجه الواقع مابين تبوك و المدينة على ساحل البحر األحمر يوم 25كانون الثاني/يناير 1917م بيد قوات الشريف
المدعوم بالبوارج البريطانية و 250جندي انجليزي واتخذ منها األمير فيصل والكابتن لورنس مقراً للعمليات ولضرب العثمانيين
في مدائن صالح ،وسيطروا بعدها على ضبا و المويلح وبذلك لم يبقى في يد العثمانيين في الحجاز إال المدينة المنورة والحاميات
في محطات سكة حديد الحجاز.
عمل لورنس على تعليم العرب كيفية استعمال المتفجرات لتخريب سكة الحديد والي أدى إلى تضييق الخناق على الجنود
المحاصرين في المدينة والحاميات العثمانية في محطات خط الحديد الحجازي.
سقطت العقبة في 6تموز/يوليو 1917م واتخذها األمير فيصل و معه لورنس العرب مقراً لقيادة قواته و تسليحها بحراً من القوات
البريطانية في مصر و التي أصبح يقودها الجنرال ادموند اللنبي و حضر إلى العقبة عدد من الضباط اإلنجليز و الفرنسيين لمساعدة
قوات األمير فيصل.
في 11كانون األول/ديسمبر 1917سقطت مدينة القدس ودخلها الجنرال اللنبي ماشيا ً مع القوات اإلنجليزية من بوابة يافا وكانت
قد سقطت قبل ذلك مدن غزة و الخليل و يافا وبيت لحم حيث احتلت القوات البريطانية مع نهاية 1917كامل سنجق القدس.
وقف أهل معان مع العثمانيين وتطوعوا معهم في صد هجوم جيش األمير فيصل وبقوا ثابتين كما صمدت كل القوات في الحاميات
العثمانية جنوب معان كقلعة الحسا وحامية تبوك وحامية العال والقوة األساسية بقيادة فخري باشا في المدينة المنورة" ،وفي
األسبوع األول من نيسان /ابريل 1918قام العرب بقيادة اللفتاننت كولونيل أالن دوني بتخريب الخط الحديدي جنوب معان
وشمالها تخريبا ً يستحيل إصالحه وبذلك تكون معان قد عزلت ،أي أنه تم تدمير 50جسراً وقنطرة و 3000مفصلة من خط
()22
الحديد الحجازي"
وهزم األمير عبد هللا قوات ابن الرشيد أمير حائل الموالية للعثمانيين قرب منطقة تيماء في شهر حزيران /يونيو 1918م ،ثم اتجه
جيش األمير فيصل مصحوبا ً بالوحدات البريطانية الحاوية على عربات مصفحة ورشاشات وفصائل إشارة بإتجاه الشمال من
معان والهدف المرسوم كان مدينة درعا فوصل في 12أيلول /سبتمبر 1918م إلى مسافة 12كم من درعا وبدأت مجموعات
التخريب في تدمير سكة الحديد شمال درعا وجنوبها لعزل الحامية العثمانية فيها وذلك لمساعدة القوات البريطانية المتقدمة بإتجاه
شمال فلسطين والذين احتلوا العفولة وبيسان ثم في 25أيلول /سبتمبر احتل اإلنجليز ع ّمان وانسحب الجيش العثماني منها و من
معان باتجاه درعا سيرا ً على األقدام بعد أن تم تدمير خط سكة حديد الحجاز ،وعلى أبواب مدينة درعا اجتمع جيش األمير فيصل
والجيش اإلنجليزي يوم 28أيلول /سبتمبر ثم توجهوا إلى دمشق ودخلوها في أول تشرين أول /أكتوبر ،ثم مالبث أن تم احتالل
سوريا كلها قبل نهاية الشهر وكان آخر منطقة تحتلها قوات الحلفاء شماالً محطة المسلمية في حلب وهي المنطقة التي تتفرع منها
سكة الحديد إلى القسطنطينية و سوريا والعراق حيث وقعت الدولة العثمانية في اليوم التالي هدنة مدروس.
خاتمة:
كانت نهاية ما أصبح يعرف تاريخيا ً بالثورة العربية الكبرى أن تمت تجزئة سوريا الكبرى إلى مناطق تحت الحكم الفرنسي قاموا
بتجزئتها إلى دويالت حلب و دمشق ودولة جبل الدروز ودولة العلويين على الساحل ودولة لبنان الكبير ثم جمعتها في دولتي
سوريا و لبنان الكبير ومناطق تحت االحتالل اإلنجليزي جعلوها ممالك منفصلة تحت رعايتهم وشرعوا ينفذون وعدهم لليهود
على أرض فلسطين ،بل أن الشريف حسين نفسه خسر اإلمارة التي حكمها أجداده األشراف ألف سنة ّإال أربعة عشر عاما ً من
سنة 358هـ 968 /م من حكم جعفر بن محمد إلى نهاية حكم علي بن الحسين سنة 1344هـ 1924 /م.
بقيت سيطرة بريطانيا على مشيخات الخليج والجنوب العربي وذهبت أحالم القوميين العرب ومؤسسي الجمعيات السرية الذين
فرحوا بخلع السلطان عبد الحميد الثاني وعدوه من أكبر اإلنتصارات لهم كل ذلك ذهب أدراج الرياح و "تروي الروايات التاريخية
الندم الشديد الذي أصاب الشريف حسين في نهاية حياته ،وهو أمر طبيعي في ظل ما آلت إليه أحالمه الكبيرة بل وضعه الشخصي،
()25
فهل يتعظ الذين يتحالفون اليوم مع الصهيونية ضد إخوتهم ظانين أن نهايتهم ستكون وردية" ؟!!
الهوامش
----------
-1العرب و الترك في العهد الدستوري العثماني -توفيق علي برو ط ،1960ص .79-77
-2صحوة الرجل المريض -موفق بني المرجة ط ،1984ص .322
-3المصدر السابق ص .328
-4العرب و الدولة العثمانية من الخضوع إلى المواجهة -د .احمد زكريا الشلق ط ،2002ص + 290الدولة العثمانية والشرق
العربي - 1914-1514د .محمد أنيس ط ،1985ص 271
-5تاريخ النكبة والقضية الفلسطينية -سمير ذياب إسبيتان ،ط ،2016ص .73
-6مقدرات العراق السياسية -محمد طاهر العمري ط بغداد 1925مجلد /1ص .177
-7يقظة العرب -جورج انطونيوس ط ،1987ص + 178الدولة العثمانية والشرق العربي 1914-1514ص .224
-8أعيان المدن والقومية العربية -فيليب خوري ط ،1993ص + 124دور النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني -1908
1014م -د .عصمت عبد القادر ط 2006ص .264
-9الدولة العثمانية والشرق العربي 1914-1514ص + 277الحجاز في العهد العثماني -عماد عبدالعزيز يوسف ط 2014ص
.162-161
-10سالم ما بعده سالم -ديفيد فرومكين ط 2001ص .267
-11جمعية العربية الفتاة السرية -د .سهيلة ريماوي ط 1988ص ،66دور النواب العرب في مجلس المبعوثان العثماني -1908
1014م ص .81
-12مجلة الهالل -الجزء الثاني السنة 1908/11/1 - 17م ص .71
-13نشأة الحكومة العربية الحديثة -محمد عزة دروزة ط 1993ص .177
-14جمعية العربية الفتاة السرية ص + 267الدولة العثمانية والشرق العربي 1914-1514ص .239
-15الملوك الهاشميون -جيمس موريس ط 2011ص .29-28
-16يقظة العرب ص .252
-17سالم ما بعده سالم ص .208
-18يقظة العرب ص + 266-251دراسات تاريخية في النهضة العربية الحديثة -محمد بديع شريف وآخرون ص + 132-121
الدولة العثمانية والشرق العربي 1914-1514ص .284-281
-19سالم ما بعده سالم ص .269-267
-20أعيان المدن والقومية العربية ص .126
-21الثورة العربية الكبرى -أمين السعيد ج /1ص + 212يقظة العرب ص . 314
-22يقظة العرب ص .334
-23الحجاز في العهد العثماني ص .229
-24تاريخ قريش -د .حسين مؤنس ط 1988ص .787، 784-783
-25السلطان والتاريخ -شعبان صوان ط 2016ص .547