Professional Documents
Culture Documents
المنهج التحليلي البنيوي لرائية ابو فراس الحمداني
المنهج التحليلي البنيوي لرائية ابو فراس الحمداني
المنهــــــــــج البنيــــــــــــــــوي
دراسة تحليلية لرائيـــــــــــــــــة
ابـــــــــي فراس الحمدانـــــــي
بحٌث تقدمْت به الطالبة (َش هالء حاتم كريم ) الى مجلس قسم اللغة العربية /كّلية
اآلداب لغرض نيل درجة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها
إشراف
أ.م.د .حسين عبيد الشمري
1438هــ
2017م
ِبْســــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــِم ِهللا اْلَر ْح َمِن
اْلَرِح ْيْم
ُهَو اَّلِذ ي َبَع َث ِفي اُأْلِّم ِّييَن َر ُس واًل ِم ْنُهْم َيْتُلو َع َلْيِهْم َآَياِتِه
َو ُيَز ِّك يِهْم َو ُيَع ِّلُم ُهُم اْلِكَتاَب َو اْلِح ْك َم َة َو ِإْن َك اُنوا ِم ْن َقْبُل َلِفي
َض اَل ٍل ُم ِبيٍن ()2
صدق هللا العلي العظيم
اإلهــــداء
أ
إلــى … .من كان عينّي اللتين أبصر بهما ويدّي اللتين أقوى
بهما … .والدي .
الباحثة
شكـــــــر وتقديـــــــر
ب
في مثل هذه اللحظات يتوقف العقل ليفكر قبل ان يخط الحروف ليجمعها في كلمات فتتبعثر
األحرف وعبثا ان يحاول تجميعها في سطور كثيرة تمر في الخيال وال يبقى لنا في نهاية
المطاف اال قليال" من الذكريات وصور تجمعنا برفاق كانوا الى جانبنا فواجب علينا شكرهم
ووداعهم .أرى من الواجب أن أسجل شكري وامتناني لكل من أعانني على إخراجه
بصورته الحاضرة ،وأخص في المقدمة أستاذي الفاضل الدكتور حسين عبيد الشمري ،لما
أبداه من مالحظات وتوجيهات قيمة ومتابعة مستمرة طيلة فترة االشراف على بحثي هذا كان
مقدمة
ت
المنهج البنيوّي نهج من المناهج النقدية الحديثة التي ظهرت في القرن العشرين
،واصبح منهجًا قريبًا من مناهج االدب ،وقد نشأ هذا المنهج في المدارس النقدية
الغربية ،ثم انتقل الى المدراس النقدية الشرقية ،ومنها النقد العربّي الذي أدخل
هذا المنهج ورَّح ب به .
وهذا البحث يهدف الى التعريف بالمنهج البنيوّي ونشأته وميزاته ويسّلط
الضوء على إيجابياته وسلبياته وأهدافه ،ويركز على التحليل البنيوّي على
مستويات اللغة ،ليكشف عن مكامن االبداع والجمال في النص االدبّي .
وقد اقتضت طبيعة البحث ومادته أن ينقسم على تمهيد وثالثة مباحث ؛
فتناول التمهيد نشوء المذهب البنيوّي ؛ وتناول المبحث االول داللة مصطلح البنيوية
،و ميزات هذا المنهج وسلبياته ،ومفهوم البنية التكوينية وكيفية معالجته
النصوص األدبية .
وتناول المبحث الثاني البنيوية التكوينية ومفهومها ،فيما تناول المبحث الثالث
التحليل البنيوّي ؛ إذ كان تطبيقًا لقواعد هذا المنهج ،وكانت المادة المختارة
( قصيدة أبي فراس الحمدانّي الرائية) لتحليلها بشكل كامل ،وتلت المباحث خاتمة
بأهم النتائج التي وصل إليها البحث .
وفي الختام أقول :هذا جهد المقل ،فإن وفقت فمن اهلل سبحانه ،وإ ن اخفقت
فمن اهلل .
تمهيد
ث
نشأة البنيوية :
وقد أصبح المنهج البنيوّي أقرب المناهج إلى األدب ؛ألنه يجمع بين االبداع
وخاصيته االولى وهي اللغة في بوتقة ثقافية واحدة .
ينظر :في نظرية االدب ،شكري ماضي ،دار الحداثة ،بيروت ،ط1986 ،1م .190 : )1
ينظر :البنيوية بين فرنسة وروسية (ش.م) ،غريمون ريغون 10: )(2
ج
الفرنسّي بعد انفصاله عن الشيوعية السوفيتية ؛ بسبب السياسة الدكتاتورية التي
انتهجها (شتالني ) والتي شوهت الحركة الماركسية (.)1
أّم ا ظهور البنيوية في أمريكا ،فقد تَأخر بعض الوقت بسبب استمرار شعبية
وجودية (سارتير) وتشديدها على حرية اإلنسان وأهمية الذات ،وهي افكار تتفق
مع المنظومة الثقافية االمريكية بالدرجة االولى ،ومن ثم كانت هذه االفكار ذات
؛ ورّبما يعود ذلك الى اختالف المزاجين ()2
تأثير شديد على المثقف االمريكي
الثقافيين الفرنسّي واالمريكّي ؛ إذ إن المسعى المصرفّي األمريكّي ينطلق من تقاليد
مختلفة ؛ فاألمريكيون يقّللون من أهمية التأريخ وينظرون إلى المستقبل ،
والفرنسيون إلى غيره ويحفظون الماضي(.)3
ينظر :إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدّي المعاصر ،عبد الغني باره.97: )(1
ينظر :صورة المنهج الحديث من خالل بعض النماذج االكاديمية ،ضياء خضير .246: )(5
ح
وقد رغب بعض النقاد العرب بإصباغ النقد العربي الحديث بصبغة تقوم على
ومنهم عبد السالم المسدي ؛ إذ ()1
طبيعة العلم الحديث الذي يتمتع بالموضوعية
وصف التمثيل البنيوّي بأنه قضّي ة ،بقوله (( التبس أمرها بيننا ،واصطبغت في
مناخنا العربّي بما لم تصبغ به غيرنا ،تلك هي قضية البنيوية ))(.)2
وخالصة لما تقدم فإن فكرة النظام والنسق الذي يتحكم بعناصر واجزاء ذلك
النص مجتمعة ،والذي يمكن أن يظهر من خالل شبكة العالقات العميقة بين
المستويات النحوية واالسالمية واإليقاعية ،فهي مستمدة من فكرة العالقات اللغوية
التي تعّد أساسًا من أسس نظرية (دي سويسر) ،التي اوضحها حين قال بأن اللغة
ليست مفردات محددة المعاني ،ولكنها مجموعة عالقات ؛ بمعنى أن الكلمة ال
يتحدد معناها اال بعالقاتها بعدد من الكلمات ؛ وأن العالقة بين صوت الكلمة ال
يتحدد معناها إال بعالقتها بعدد من الكلمات ؛ وأن العالقة بين صوت الكلمة
ومفهومهاـ ـ كما يرى سويسرـ ـ عالقة تعّس فية ؛ بمعنى أن ال عالقة لمفهوم الكلمة
بصوتها ؛ بدليل اختالف صوت هذا الشيء بين لغة واخرى ،فبناء اللغة أو
نظامها ال يتمثل إاّل في العالقات بين الكلمات ،وهي تمثل نظامًا متزامنًا ،حيث أن
هذه العالقات مترابطة (.)3
فالمنهج البنيوّي نموذج تصوير مستعار من علم اللغة؛ فاللغة الرحم االول
لنشأة المعيار البنيوّي ،زمن ابرز ما استخدمته البنيوية هو إدخال عامل البنية في
تقدير .
ينظر :النقد االدبي الحديث ،محمد غنيمي هالل .10 : )(1
خ
المبحث االول
تشتق كلمة (بنية) من الفعل الثالثي (بنى) ؛ وتعني البناء أو الطريقة ،وتدّل أيضًا
على معنى التشييد والعمارة والكيفية التي يكون البناء عليها ،او الكيفية التي ُش ِّيد
عليها(.)1
يقدم جان بياجيه تعريفًا للبنية بقوله :هي نسق من التحويالت تحتوي على
قوانينه الخاّص ة ،علمًا بأن شأن هذا النسق أن يظل قائمًا ويزداد ثراًء بفضل الدور
الذي تقوم به هذه التحوالت أنفسها ،من دون أن تخرج عن حدود ذلك النسق أو
نستعين بعناصر خارجية ؛ وبإيجاز إن البنية تتألف من ثالث خصائص هي :
الكلّية ،والتحوالت ،والضبط الذاتي (.)2
ُي راد بهذا المصطلح (( أن البنية ال تتألف من عناصر خارجّية تراكمّية مستقلة
عن (الكل) ،بل هي تتكون من عناصر داخلية خاضعة للقوانين الممّيزة للنسق من
حيث هو (نسق) ،وال تريد تركيب قوانين هذا النسق إلى (ارتباطات تراكمية) ،بل
تضفي على الكل من حيث هو خواص المجموعة باعتبارها سمات متمايزة عن
خصائص العناصر))(.)3
ينظر :لسان العرب ،ابن منظور ،مج،9ط ،1دار صادر ،بيروت .189: )(1
ينظر :البنيوية ،جان بياجيه ، 8:النظرية البنائية ،صالح فضل .187: )(2
1
وهذا يعني أن البنية تشكل من عناصر لغوية متعددة ،غير أنها تتماسك في
ما بينها وتنسجم على الرغم من اختالفاتها جملة واحدة او (كًاّل واحدًا) ،وليس
المهم في النسق العنصر أو الكل ،بل العالقات القائمة بين هذه العناصر .
إن خاّص ة هذه التحوالت توضح القانون الداخلّي للمتغيرات داخل البنية التي
ال يمكن أن تظل في حالة ثبات ؛ ألنها دائمة التحول ،وتأكيدًا لذلك ترى البنيوية
أن كل نص يحتوي ضمنيًا على نشاط داخلّي يجعل كل عنصر فيه عنصرًا بانيًا
لغيره ومبنيًا في الوقت ذاته ؛ ولهذا أخذت البنيوية هذه السمة بعين االعتبار
لتحاصر تحول البنية وما قد يعتريها من بعض التغير(.)1
وترى ايضًا أن هذه السمة تعّب ر عن حقيقة هامة في البنيوية ،وهي أن البنية
ال يمكن أن تظل في حالة يكون مطلق ،بل هي دائمًا تقبل من التغيرات ما ينسجم
مع الحاجات المحددة من قبل عالقات النسق أو تعارضاته ؛ فاألفكار التي يحتويها
النص االدبي تصبح مثًال بموجب هذا التحول سببًا لبزوغ افكار جديدة (.)2
ُي راد بهذه الميزة أن البنية تكتفي بذاتها ؛ أي انها تستطيع أن تضبط نفسها ،
وهذا الضبط الذاتّي يؤدي الى الحفاظ عليها ،والى نوع من االنغالق(.)3
إن البنية وفق هذا الكالم ال تستثمر وظيفتها من عالقتها بالواقع الخارجّي ،بل
من انتظامها الداخلّي الذي يعمل على شد العناصر بعضها إلى بعض بشكل يؤدي
إلى أن يكون فيه النظام أو النسق ككل ثابتًا منغلقًا على نفسه ،على الرغم من
خضوعهما الى مبدأ التحويالت ،غير أن هذا المبدأ ال يسمح بتالشي أو عدم
ينظر :النقد االدبي الحديث من المحاكاة الى التفكيك ،إبراهيم محمود خليل .207: )(2
2
تالقي البنيات داخل النظام ،بل تظل مترابطة ومتناسقة في ما بينها ؛ ألن قانون
(الكل) القائم على نهج مرسوم وفقًا لعمليات منتظمة ؛ لجمع هذه البنيات .
وهذا يعني أن البنيوية تسعى الى توحيد جميع العلوم في نظام واحد ،وأن
ُنفِّسر علميًا كل الظواهر االنسانية ،ومن ثم فهي بحث شمولَي استوعب واستقطب
اهتمام المجاالت المعرفية عامة ،وبذلك فهو يسعى إلى اكتشاف بنية االشياء ،
ويتخذ من البنية أسمه ومرتكزه ،وال بد أن يحمل جوهرها وخصائصها وذاتها
أوًال :اكتشاف قواعد التراكيب وآلية تشكيل المعنى في النص ؛ ألن البنيوية ُتعَد
النواة لالتجاهات التي جاءت بعدها كالتفكيكية السيمولوجيا والتلقي.
ثانيًا :إن البنيوية تختلف عن غيريها من المناهج التحليلية واالبداعية ؛ ذلك أنها
تعيد بناء الشيء من خالل عمليتين اساسيتين هما :
آ -االقتطاع :وهو اقتطاع االجزاء الداّلة على الشيء للكشف عن كيفية قيامها
بوظائفها ومدى تأثيرها في الكل .
ب -التركيب :وهو تركيب هذه االجزاء بعد اكتشاف قوانين حركتها (.)1
ينظر :النقد االدبي الحديث أصوله واتجاهاته ،احمد كمال زكي ،192-191:في النقد االدبي الحديث ، )(1
3
-1المستوى الصوتّي :وُتدرس فيه الحروف وميزاتها وتكويناتها الموسيقية من
بنر وتنغيم وإ يقاع .
-2المستوى الصرفّي :وُتدرس فيه الوحدات الصرفية ووظيفتها في التكوين
اللغوي والداللّي .
المستوى المعجمّي :وُيدرس الكلمات حسيًا وتجريديًا ،وأسلوبيًا. -3
المستوى النحوّي :وُتدرس فيه الخصائص الداللية الجمالية . -4
المستوى الداللّي :وُيدرس فيه تحليل المعاني الُم باشرة وغير الُم باشرة . -5
المستوى الرمزّي :وُيدرس فيه المعنى الثاني لّلغة داخل اللغة . -6
-7المستوى القولّي :وهو دراسة تحليل تراكيب الجمل لمعرفة خصائصها
األساسية والثانوية (.)1
المبحث الثاني
ينظر :في النقد االدبي الحديث ،طالب رهيف السلطاني .55: )(1
4
البنيوية التكوينية او التوليدية:
هي فرع من فروع البنيوية نشأ استجابة لسعي بعض المفكرين والنقاد
الماركسيين للتوفيق بين طروحات البنيوية في صيغتها الشكالنية وأسس الفكر
الماركسّي أو الجدلّي كما ُيسمى في تركيزه على التفسير الماّد ي الواقعي للفكر
والثقافة .
وقد أسهم عدد من المفكرين في صياغة هذا االتجاه ،منهم المجرّي جور
لوكاش والفرنسّي بيبر بورديو ،غير أن المفكر الكثر اسهامًا من غيره في تلك
الصياغة هو الفرنسّي الرومانّي الصل ( لوسيان غولدمان) ،وكانت طروحات
(غولدمان) نابعة من طروحات المفكر والناقد المجرّي (جورج لوكاش) الذي طّو ر
النظرية الماركسية النقدية باتجاهات سمحت لتيار كالبنيوية التكوينية بالظهور على
النحو الذي ظهرت به ،في الوقت الذي أفاد فيه من دراسات السويسري جان
بياجيه(. )1
لقد سعى غولدمان إلى تأسيس علم حقيقي لواقع االنسان ،فخرج بين
النظريات والفلسفات ،كالماركسية وطروحات فلسفة (كانت) و (هيفل) و (بياجيه)
و (لوكاش) وكان سعيه من ذلك إيجاد دليل علمّي لبنيوية شتراوس وفلسفة التوسير
لدراسة المجتمع (. )2
إن الثبوتية التكوينية التي تزعمها الناقد والمفكر (غولدمان ) جاءت كرد فعل
على الغالف النص عند البنوين ،إذ ربط هذا الناقد النص بحركة التأريخ
االجتماعّي الذي ظهر فيه تلمسًا خطى مرجعه االساس ( جورج لوكاش) الى
جانب اهتمامه بدراسة بنية النص االدبي دراسة تكشف الدرجة التي يجّس د بها
ينظر :دليل الناقد األدبي ،د .ميجان الرويلي .76 : )(1
5
النص بنية الفكر أو (رؤية العالم) عن طبقة او مجموعة اجتماعية ينتمي إليها
الكاتب .
ومن أهم افكار غولدمان أن األدب يعّبر عن رؤية الكاتب ،وهي رؤية ال
تقدم وقائع اجتماعية ،والقول بوجود البنية الداللية للنص االدبي ،ومن ثم
اكتشاف الوحدة الداخلية للنص ،يقول غولدمان :إننا ال نستطيع أن نفهم جوهر
الجمال بمعزل عن العالم الخارجّي ؛ ألن فكرة الجمال بحِّد ذاتها خلفية وجودية
تأريخية ،وليست فقط تصويرية بحتة ،والبنيوية التكوينية تعتمد على التفكيك
والتركي في تشريح النص اللسانّي الداخلّي (.)1
-1الفهم والتفسير :يعني الفهم دراسة النص الكِّلي في إطار بنيته الداخلية المغلقة
بغية البحث عن الدالالت االجتماعية الموجودة في النص من دون إضافة شيء
الى ذلك .
والفهم مرحلة وصفية تفكيكية تقوم على االستقراء والمالحظة ،ويهدف الى
تحديد بنية كلية للنص ،فيحيط بمجمله من دون إضافة أي شيء ؛ أنه مسألة تتعلق
بالتماسك الباطني للنص .ويفترض غولدمان تناول النص حرفيًا وال شيء غير
النص ،وان البحث داخله عن بنية شاملة ذات داللة تقتصر على النص االدبي
معزوًال عن المؤثرات الخارجية (.)2
ينظر :البنيوية التركيبية ،76 :اتجاهات النظرية النقدية المعاصرة ،د .سالم االوسي.116: )(1
ينظر :المنهجية في علم االجتماع االدبي ،غلودمان لوسيان .15 : )(2
6
واستبعاد العوامل النفسية التي تتنافي مع نظرية غولدمان التي تركز على
الالشعور الجماعّي ،وال تهتم بالالشعور الفردّي كما هو عند فرويد ،فالتفسير
عملية ذاتية تنظر الى العمل االدبّي في مستوى آخر خارجّي مرتبطة ببنية أوسع
()1
وأشمل
-2البنية الداّلة :تقوم البنية الدالة بتحقيق هدفين ؛ األول يتعلق بفهم االعمال
األدبية من حيث طبيعتها والكشف عن داللتها ،وهذا الهدف يبدو اكثر ارتباطًا
بعملية الفهم ،اما الثاني فيتعلق بالحكم على القيم الفلسفية واالدبية في إطار
التصور البنيوّي التكوينّي ،أي يحتوي على بينة دالة تقابلها بنية فكرية خارجية
هي بنية احدى رؤى العالم ،غير أن هذه البنية الدالة ال يمكن إدراكها إال بتجاوز
المظهر الخارجّي للعمل الروائّي .
فمفهوم البنية الدالة ال يفترض فقط وحدة األجزاء ضمن كّلية النص والعالقة
الداخلة بين العناصر ،بل يفترض في الوقت نفسه االنتقال من رؤية سكونية إلى
رؤية دينامية ،أي مرصدة النشأة الوظيفية ،وقد أكد غولدمان على االنسجام بين
البنيات أي اقامة عالقة انعكاس ميكانيكي بين الوعي الجمعّي والعمل األدبّي (.)2
-3الوعي القائم والوعي الممكن :الوعي من المفاهيم التي يصعب تحديدها ،
وقد عّر فه غولدمان بأنه مظهر معني لكل سلوك بشرّي يستتبع العمل ،وأن كلمة
مظهر تفرض وجود ذات عارفة وموضوعًا للمعرفة ،وهذه الذات العارفة ليست
ألفراد أو جماعة ،بل هي بنية متغيرة ينضوي تحتها فرد او جماعة او عدد معين
من الجماعات ،وكل واقعة اجتماعية هي واقعة وعي من بعض جوانبها ،وكل
وعي قبل كل شيء تمثيل لقطاع معين من الواقع على وجه التقريب ،وهكذا فإن
7
كل واقعة اجتماعية تستتبع وقائع وعي ؛ ولذلك فإن العنصر البنيوّي األساسّي
لوقائع الوعي تلك هو درجة تالؤمها او درجة الالتالؤم مع الواقع .
فيه ،فيفكر بالسلوك أكثر مما يفكر بالذهن .أما الوعي الممكن فال يصله الفرد إاّل
عن طريق التأمل بفضل ثقافته وخبرته في المعطيات الفكرية لجماعة من أجل أن
يبني بواسطتها مستوًى متبلور لمصالح الجماعة واهدافها(.)1
-4رؤية العالم :إن رؤية العالم من أهم العناصر التي تبنى عليها البنيوية
التكوينية كما صاغها (غولدمان ) وهذا المفهوم استعمله كثير من المفكرين
السابقين امثال (ديلثي) ،و (ياسبرز) و (لوكاش) ويذهب غولدمان إلى أن رؤية
العام في العمل األدبي هي ليست من إبداع األفراد ؛ إذ يرى أن األدب والفلسفة
هما اللذان يعبران عن رؤية العالم .
ومن هنا يمكن القول إن رؤية العالم تتجاوز ما هو واقعّي إلى ما هو
مستقبلي ،وما دامت األعمال الروائية الكبرى تتميز بشمولية الرؤية ؛ فإنها
وحدها التي تملك رؤية العالم ،فتعبر تعبيرًا كليًا وشموليًا عن قيم وطموحات
ومشاعر الجماعة التي تؤمن بها (.)2
8
إيجابيات المنهج البنيوّي وسلبياته :
إن المنهج البنيوّي كبقية المناهج األخرى واضعه انسان ومطبقه انسان ،وال
بّد أن تكون له إيجابيات وسلبيات ،ويمكن أن تتلخص االيجابيات في المتطلبات
الصارمة التي يفرضها على قارئ األدب ،فالقارئ ال يكون مجرد هاٍو للمتعة أو
التسلية أو أن يكون غير ملٍّم بقواعد اللغة وفنون القول ،لكن هذا المطلب في
الوقت نفسه يحد من انتشار األدب ؛ بسبب صعوبة العثور على عدد كبير من
القراء ليتحّلى بهذا المستوى الممتاز الذي يخلق نوعًا من االرستقراطية األدبية (.)1
ومن إيجابيات الروح النقدية العالية التي يتطلبها من القارئ ،بحيث يشارك
مشاركة إيجابية وفّع الة في تصور امكانيات النص وتوقع الحلول المتعددة للقضايا
المعروضة للقارئ( ،)2ومن اإليجابيات االخرى ما ذكرها أبو ديب حسين أستاذ
بالمنهج ،ودعا إلى اصطناع المنهج البنيوي في دراسة الظاهرة األدبية.
ان البنيوية كما يفهم من لفظها تعتمد على بنية النص وبيان العالقات التي -1
تربط بين كيانه اللفظّي والمادّي ،لتصل إلى حكم أدبّي ،فهي وإ ن كانت ال تهمل
الدراسة العالئقية لأللفاظ ،فهي تهمل الوحدة الموضوعية ودوافع االبداع وأثر المبدع
،ومن هنا فإنها تقع في خطر ميكانيكية التحليل .
ينظر :في النقد االدبي الحديث ،فائق مصطفى ،وعبد الرضا علي.184: )(1
9
التحليل البنيوّي يقف عاجزًا أمام التفريق بين االعمال األدبية الجّيدة -2
والرديئة القديمة والجديدة ؛ والسبب في ذلك أنه تحليل وصفّي صورّي ال يهتم بالقيمة
،وهذا يؤدي بدوره إلى تشويه األعمال األدبية وإ لغاء خصوصيتها(. )1
اعتمدت البنيوية لغة األرقام والمعادالت الرياضية ؛ األمر الذي جعل مادة -3
النقد جاّفة يعزف عنها القراء(.)2
إن كثرة المصطلحات وغموضها في البنيوية يجعل منهما صعبًا إاّل من قبل -4
المتخصصين ،بل حتى المتخصصين قّلما يفهم بعضهم بعضًا في هذا المجال .
إن البنيوية تخضع لشروط محّد دة ،وترفض أي شيء خارج عنها ؛ ولذلك -5
فهي منغلقة على نفسها ،وليست منفتحة كالدراسات الحديثة .
إن البنيوية مدرسة ال مذهبية وال فكرية ،وتقوم على االقتطاع والتركيب -6
(.)3
ينظر دليل الناقد األدبّي ،ميجان الرويلي ،سعد البازكي .40: )(1
ينظر :البنيوية وما بعدها النشأة والتقبل ،أطروحة دكتوراه ،سامر االسدي .80 : )(3
10
مبادئ التحليل البنيوّي :
وقد حدد (روالن بارت) مجموعة من االجراءات التي يتبعها المحلل البنيوّي
في ممارسته لتحليل الظاهرة ،وهو كما يأتي :
إن هدف هذا النشاط اإلمساك بالبنية أو العّلة الصورية للظاهرة ،وهي
العلة التي ترتبط بالظاهرة في العقل حينما يقوم العقل بتجريد أنموذج عقلّي
للموضوع يمثل صورة الموضوع ،فيصبح تصور األنموذج العقلي هو تصور
للبنية نفسها ؛ أي أن البنية هي التصور العقلي لعالقات عناصر الموضوع
ووظائفه (.)4
ينظر :عصر البنيوية من ليفي شتراوس الى فوكو ،إديت كيرزويل .27: )(1
11
وهناك مبادئ جوهرية يتوجب على المحلل البنيوّي أن ينطلق منها ،
وهي(:)5
ضرورة التركيز على الجوهر الداخلي للنص االدبي والتعامل معه من دون -1
أية افتراضات سابقة من أي نوع من مثل عالقته بالواقع االجتماعّي أو
التأريخّي ...الخ.
يقف التحليل البنيوي عند حدود اكتشاف هذه البنية في النص األدبي ،فهو -2
جوهرها ،وحين التعرف عليها يهتم بالعالقات القائمة أكثر من تحليل داللتها
أو معناها ،عن طريق االستعانة بلغة النص .
يتم التركيز الكتشاف بنية النص على إظهار التشابه والتناظر والتعارض -3
والتضاد والتوازي والتجاور والتقابل بين المستويات النحوية وااليقاعية
واألسلوبية ،إذ يتم التحليل الصوتي من خالل إظهار الوقف والبنر
والمقطع الصوتي والوزن والقافية ،أما تحليل التركيب فيتم بدراسة أركانه
كالمبتدأ والخبر ...
البحث عن داللة النص عبر الوصف المتوزع في النص ،وتكون داللته -4
في الصوت والجملة ،كالرمز والصورة والموسيقى ،وذلك في نسيج
العالقات اللغوية .
االعتماد على مبدأ الثنائيات ؛ ألنها تسِّهل السيطرة على الموضوع الخاضع -5
للتحليل البنيوّي ،وهي تبدأ بالدال والمدلول ،والتعاتب والتزامن ،واللغة
والكالم .
ومن ثم عمل جداول أو مصفوفات باالعتماد على التصنيف أو الفرز . -6
وهذا يعني أن التحليل البنيوّي محاولة للتسلل إلى داخل النص من منطلقات
المنهج البنيوي ولكن قد ال تتوافق هذه المحاولة مع صواب القارئ ؛ إذ التحليل
12
البنيوّي محاولة لقراءة بنيويته رّب ما تقترب في البنى الكامنة للنص الذي مخفي في
طياته دالالت متعددة تنقل القارئ من الخصوص إلى األفق العام .
13
المبحث الثالث
واستعمل كذلك الحروف البعيدة المخرج كالهمزة والهاء والعين والكاف في
كلمات مثل ( :أراك ،عصّي ،الهزل) وهذه الحروف ثقيلة في نخرجها ؛ إذ
تتطلب جهدًا وقوة ،فعلى الرغم من ضعفه في االمر إال انه استعمل هذه
الحروف ألنها تحمل دالالت الصبر والشجاعة والقوة ،وهي دالالت نفسية أكثر
منها صوتية ترتبط بشخصية الشاعر .
وقد استعمل الشاعر أيضًا الحروف المنفتحة والمستقلة التي ينزل فيها اللسان
إلى قاع الفم فتسكن ذات الشاعر وتهدأ وترتاح بعد قساوة وشدة ،كالعين والدال ،
والفاء ،والحاء ،والثاء ،والتاء ،وتمثل ذلك في كلمات مثل ( :يذاع ،دمعًا ،
الوفاء ،أعجزه ،حّب ك ،ميثا ،ترنو) ،وهذه الكلمات توحي باالطمئنان والسكينة
وتمنح النفس فرصة التأمل في الماضي .
14
ولم يغفل أبو فراس أصوات الصفير ( السين والصاد والزاي) والتي يقترب
معها طرف اللسان بأصول الثنايا العليا فينطلق الصوت ملفتًا ومنبهًا ومثيرًا ؛
ولعلها وسيلة الشاعر في صرخته ،ومن هذه الكلمات( الزمان ،النسر ،الصبر).
واستعمل كذلك حرفي الغّن ة (النون والميم ) اللذين لهما أثر موسيقي يرتبط
باألثر النفسي ،فهذان الصوتان يناسبان التشكيل الجمالي والبناء األسلوبّي .
عالية في القصيدة ،وهو ما تستدعيه تجربة الشاعر النفسية ؛ فيعبر كل صوت مّد
عن أّنه من أّن اته الحادة ،فيتوافق طول الزمن مع طول الصوت ،وتمتد األمواج
النفسية لتشكل نغمًا موسيقية هادئة .
ومما يالحظ أيضًا أن حروف الراء التكريرّي قد هيمن على القصيدة ،كما
أنه حرف الروّي المعتمد ؛ ويبدو ان الشاعر قد استعمل هذا الصوت نظرًا لقيمته
الجمالية والنفسية ،إذ استطاع أن يضفي حيوية على الموسيقى بفضل ضرباته
المتكررة لّلسان ،ويبدو أيضًا أن لحرف الراء قصد داللّي في هذه القصيدة تمثل
في حيرة أبي فراس الدائمة وطول تجلده في األسر بالرغم من جميع المآسي
والخظوب الملّح ة به .
أختار أبو فراس استعمال البحر الطويل في قصيدته ،وهو بحر كثير
االستعمال في الشعر العربي ومناسب لموضوعي الغزل والفخر ،وتمثل
التفعيلتان ( فعوٌل مفاعيلن) المتكررة في البيت اساسًا موسيقيًا في القصيدة ؛
15
ويبدواى أن هذه التفعيلة مرتبطة بالحالة النفسية التي أّه لت أبا فراس لإلبداع
ودفعته ألن يصب دفقاته الشعرية في نص واحد ،كما أن البحر الواحد أضفى
على القصيدة انسجامًا وتناسقًا وتأليفًا.
إن التشكيل الموسيقي صّو ر معاناة أبي فراس وصراعه النفسّي العنيف بين
ضعف النفس وتحديها ،وخلق وحدة صوتية متماسكة ،ولم يتوقف جمال التشكيل
الموسيقي على الوزن والقافية ،بل تعداه إلى تناسق وانسجام الكل من تشكيل
صوتي وصرفي ونحوي وبالغي ،وكان للفنون البديعية دور كبير في ذلك ؛ إذ
اهتم أبو فراس بنوعين منها أولهما ( الجناس) والذي ورد كثيرًا في القصيدة مثل:
(الَحْض ُر والُخْض ُر ) و ( الُمْهُر والَمْهُر ) ،والطباق الذي ورد في مثل ( :يهَد ُم ،
شَّيد) و (َأظمَأ َ ،ترتوي) ( ،أسَغ َب ُ ،يشِبُع) ،وهذين الفنان اسهما في إضفاء الجمال
على موسيقى القصيدة .
على الحركة والتحول واالنفعال ؛ ألن الفعل يدُّل على التجدد والحدوث ويبرز
16
هذا جليًا في االستهالل (أراك عصَّي ) إذ يّد عي أبو فراس القوة بالرغم من
ضعف نفسه وِا نكسارها ،فقد استطاع بهذا االستهالل واالستعمال للجمل الفعلية
أن يحول نفسه إلى حجر وجماد.
أفاد التركيب الشرطّي في قصيدة أبي فراس التعليل ؛ إذ اشترط فيه العبارة
الثانية حضور العبارة االولى وتمثل ذلك في قوله :
فقد يهدم اإليمان ما شيّد الكفُر فإن يُك ما قاَل الوشاُة ولم يكْن
فالتعليل واضح في هذين البيتين ؛ فهو يعّلل من أجل الوصول إلى ما يقصد
وما ينشد من المعاني ،كما أن التعليل هنا يزيد المعاني إثراًء وخصوبة وحيوية ،
خاّص ًة وأنه يربط الحديث بما يعيشه من مأساة وهموم .
استعمل أبو فراس االستفهام في قصيدته وهو اسلوب انشائي يتماشى مع
خلجات النفس وحركات الشعور ،ومن ذلك قوله :
َأما للهوى نهي عليك وال أمُر ؟ أراَك عصّي الدمِع شيمُتك الصبر
وهل بفتًى مثلي علـى حالـه نكـُر ؟ و :تسائلني :من أنت ؟ وهـي عليمـة
قتيلك ! قالت أيهم؟ فهم كـ ـ ـ ـ ـ ــثُر و :فقلت كما شاءت وشاء لها الهوى :
فقد استفهم أبو فراس عن معاٍن يدركها جيدًا ،لكنه استعمل االستفهام من أجل
اإلثارة؛ ألن االستفهام في هذه القصيدة حوار بينه وبين الطرف االخر (غير
17
موجود) ،فصار نقاشًا عّب ر عن مأساته وأثرى المعاني التي يطلبها ،فجمع بين
حرارة الحب وخيانة الحبيبة مع تدفق األحاسيس وانسياب العواطف .
أسلوب االلتفات :ينتقل أبو فراس من ضمير المتكلم إلى ضمير المخاطب -1
أو من ضمير المتكلم إلى ضمير الغيبة ،وفي هذا االنتقال عالقة نفسية بينه
وبين الموّج ه إليه ؛ ألن الجرح النفسّي العميق المتمثل في العذر ،
والغربة ،والحنين إلى ميدان الحرب والفروسية هو المسؤول عن توجيه
الخطاب ،ومن ذلك قوله :
ِك وحاربُت قومي في هواِك وإ ّنهم
وإ ّياي لوال حُّب الماُء والخمُر
يبين انتقال الشاعر من المتكلم (أنا) في (حاربت) إلى المخاَطب (أنت) في
(هواِك ) ثم إلى الغائب الجمع (هم).
ليعرُف من أنكرته البـدو والحضـُر فال تنكريني يـا ابنـة العـم ،إّنـه
فالنهي هنا خرج إلى معنى الطلب ،إذ يطلب من حبيبته عدم التنكر له ؛ ألن
حّبهما عرف به البدوي والحضرّي .
18
أما اسلوب األمر فتمثل بقوله :
فلم يمت اإلنسان مـا حيـي الذكـُر هو الموُت فاختر ما عال لك ذكـره
إذ خرج المعنى في فعل االمر (اختر) إلى الطلب أيضًا ؛ ألن المعنى الذي
ينشده هو الطلب من نفسه ومن غيره أن يختار موته كريمة بعز ال بمذلة ؛
ألن اإلنسان إذا مات عزيزًا سيبقى ذكره.
استعمل أبو فراس أسلوب التقديم والتأخير في قصيدته أيضًا ؛ إذ اتاحت له
الدفقة الشعورية المتلهبة فرصة ذلك فأحسن الترتيب الذي يخدم غرض الفخر
واالعتزاز ،وقد تمثل ذلك في قوله :
هواي لهـا ذنـٌب ،وبهجتهـا عـذُر و :بنفسي من الغاديَن في الحـي غـادٌة
فتـأرُن أحيانـًا كمـا أرن الُم ـهـُر وقوٌر ،وريعـاُن الصبـا يستفزهـا و:
إذ قدم في البيت األول والثاني الخبر (عندي ،في الحي) على المبتدأ (لوعٌة،
غادٌة) ،وسبب هذا التقديم التخصيص والتأكيد ،أّم ا البيت الثالث فقد قد فيه
الفاعل (ريعان) على الفعل (يستفز)؛ من أجل ابراز الفاعل وإ ظهاره .
تضمنت قصيدة أبي فراس صورًا بالغية استعان بها لتبليغ مراده ،
الخيال أبلغ في وصف الحاالت النفسية التي ارتبطت بالفخر ،فقد عمد أبو
فراس إلى التصوير الحّس ي الذي يقابل به العالم الخارجّي بالعالم الداخلّي ،وقد
استعمل الكناية واالستعارة والتشبيه والمجاز المرسل ؛ إذ استهّل قصيدته بكناية
في قوله ( :أراك عصّي الدمع) وهي كناية عن التجلد والصبر والثبات
19
والتحدي ،وكذلك في قوله ( :لنا الصدُر ) فهي كناية عن الرفع والسؤدد
والشرف.
أّم ا التشبيه فقد مأل النص ،إذ استمّد ه أبو فراس من واقعه وتجاربه ـ ـ كما
يبدو ـ ـ فعّبرت العالقة بين المشّبه والمشبه به ع8ن صلة النفس بالواقع ،فرسم
األلم الذي أصاب نفسه بهذه التشبيهات ،وقد تمثل ذلك في قوله (شاء لها
الهوى) و ( :الهوى جسُر ) ،و ( :كأني أنادي دون ميثاء ضبية) ومن
التشبيه الضمني قوله :
وفي الليلُة الظلماء ُيفتقد البدُر سيذكرني قومي إذا جّد جُّد هم
فالمشبه حال أبي فراس يذكره قومه عند اشتداد المصائب ويطلبونه فال
يجدون له أثرًا ،والمشبه به حال البدر ُيطلب عند اشتداد الظالم وكالهما عزيز
المنال .
المعجم ( الحقول الداللية) :تمثلت الوحدات الداللية في قصيدة أبي فراس أ-
في حقول متباينة ،تقوم على اساس تنظيم الكلمات في مجاالت تجمع بينها
عالقات داللية يمكن تقسيمها على الشكل االتي :
المجال النفسي :رسمت االلفاظ الدالة على الحالة النفسية جّو ًا هادئًا -1
ومنها ( :الدمع ،الصبر ،مشتاق ،لوعة ،صبابة الهول ،األحزان)،
20
فأبو فراس أمير يجد نفسه أسيرًا في سجن ،بعيدًا عن األهل في قبضة
مشاعره شوقًا إلى ساحة الحرب و آيات العشق واآلهل والوطن ،فجاءت
قصيدته مطبوعة بالطابع النفسّي .
المجال السياسّي :سيطرت الوحدات الداللية لهذا المجال على القصيدة ؛ إذ -2
خدمت غرض الفخر ،فأبو فراس في مقام االعتزال واالشارة بالنفس
الحربية التي ال تهاب الوغى وتفضل الموت على الذل واالهانة ،وقد دلت
ألفاظ على ذلك منها ( :جّر ار ،نّز ال ،كتبته ،مخفوقة ،النصر ،البيض
،القنا ،غارة ،الجيش ،الرد ،سيف ،حمر) وقد اثارت هذه االلفاظ
معاني عديدة تجسد فروسية الشاعر وشجاعته وصبره وتجلده ،كما أنها
اوحت بالحزن العميق.
المجال االجتماعّي :تظهر النزعة القومية في القصيدة بشكل واضح ،وأبو -3
فراس عنصر اجتماعّي تربطه بعشيرته صلة وطيدة ،وهو ال يخرج عن
تقاليدهم ومبادئهم وأعرافهم برغم أسره ونكرانهم ،يلوم ويعاتب ثم يعود
ويفتخر ،ومن االلفاظ التي دّلت على ذلك ( :القوم ،األهل ،الواشين ،
البدو ،الحضر ) وكلها جاءت محكمة الداللة على ما يعنيه الشاعر ،
فعبرت عن معانيه .
المجال الطبيعّي :اّتخذ أبو فراس من الطبيعة منهًال يستقي منه األلفاظ التي -4
تخدم غرضه وهدفه ،فغّي رت ألفاظ مثل ( :الليل ،النار ،الماء ،الخيل ،
الفرس ،ظبية ،المهر ) عن واقع حياة أب فراس ،وأوضحت خاصته في
انتقاء اللفظ الطبيعّي الوحّي ،وال يوجد أحسن من الطبيعة لرسم الصور
وحسن التعبير وااليحاء .
ب -المقصد الداللّي :
من خالل الحقول الداللية المتنوعة والمتباينة نجد شاعرنا يصّو ر مأساته
بالحديث عن تجربته الحياتية ومواقفه الحربية التي أضحت مجرد ذكرى
21
تعيده إلى زمن الماضي فيتحسر ويتألم ،ويزيد من ألمه عذر الحبيبة له ـ ـ
وإ ن كانت ترمز رّب ما إلى الحرية ـ ـ وهذه طعنة قوية ألبي فراس مزقت
أحشاءُه ووجدانه وأذابت قلبه وأورمت عينيه ،لكن أبا فراس أبّي شهم
فارس حتى في مواقف الضعف الفطرّي ،وقد غلب على القصيدة الفضاء
النفسّي ؛ إذ يتجه أبو فراسا اتجاهًا نفسيًا ينّم عن واقع نفسّي مّر .
22
الخاتمة
توصلت هذه الدراسة إلى مجموعة من النقاط ،يمكن أيجازها باآلتي :
إن البنيوية تتطلب معانيه متعّم قة في النص ،وهذه المعاينة نابعة من رؤية -1
شمولية للنص تتجاوز شرط الزمان والمكان ،والفرد واللغة ،وتجّس د
عالقة جدلية بين الجزئي والكلي والعام و الخاص .
إن للبنيوية قدرة على إضاءة العالم ،الثقافة واألدب واإلنسان ،إضاءًة -2
جديدة تمنح الفكر النقدّي صالبة أشد ،وقدرة أكبر على معاينه النصوص
وفهم دالالت مكوناتها .
البنيوية لغة األرقام والمحاوالت الرياضية ؛ ألنها تنظر إلى النص من -3
الداخل؛ فهي منغلقة على نفسها ،وتقوم على سجن النص ،وموت
المؤلف ،مع إهمال حركة التاريخ .
إن تطبيق المنهج البنيوي في تحليل النصوص الدبية يكشف عن قيمة هذا -4
المنهج ؛ ألنه يتناول جزئيات النص ويعيد تجميعها من جديد لتكشف عن
مكامن اإلبداع في النصوص .
إن قصيدة أبي فراس الرائية جمعت كثيرًا من االضواء التي بينها المنهج -5
البنيوي ،كمجد اإلمارة ،وذل األسر ،وقسوة السيف ورقة القافية .
ضمت هذه القصيدة كثيرًا من الصور الشعرية التي صورت واقع وتصّو ر -6
أبي فراس الحمدانّي ،وتجربته الشعرية التي عكست الواقع األليم الذي كان
يعيشه.
إن االساليب الفنية التي تضمنتها القصيدة وهي جمالية اللغة والصورة الفنية -7
والتشكيل االيقاعي ،قد اخذت معها من التحليل والدراسة ،إذ خضعت
لدراسة تحليلية في ضوء المنهج البنيوي.
23
وبعد فهذا جهد يسير ،حاولت أن اصل فيه الى ما آمل ،فأرجو أن أكون
ُو فقت بلم شمل هذه الدراسة ،فإن تم ذلك فبفضل اهلل تعالى ومنه ،وإ اّل
فبتقصير من نفسي ،والحمد هلل رب العالمين .
24
مصادر البحث
اتجاهات النظرية النقدية المعاصرة ،المقوالت والتوظيف والجمال ،د. -1
سالم كاظم االوسّي .
إشكالية تأصيل الحداثة في الخطاب النقدّي العربّي المعاصر ـ ـ مقاربة -2
حوارية في األصول المعرفية ،عبد الغني بارة ،الهيئة المصرية
للكتاب ـ ـ 2005م.
البنيوية ،جان بياجيه ،ترجمة :عارف منيمنة وآخرون ،منشورات -3
عويدات ،ط1985 ،3م.
البنيوية التكوينية ،لوسيان غولدمان وباسكادي بون ،ترجمة :محمد -4
سبيال 1982 ،م.
البنيوية بين فرنسة وروسيا ،غريجون ريغون . -5
البنيوية في االدب ،روبرت شولز ،ترجمة :حّنا عّبود ،منشورات -6
اتحاد الكتاب العرب ،ط1977 ،7م.
البنيوية وما بعدها ،النشأة والتقّب ل ،سامر األسدّي 2009،م. -7
دليل الناقد األدبي ،د .ميجان الرويلّي ود .سعد البازكي ،المركز -8
العربي الثقافي ـ ـ الدار البيضاء ـ ـ المغرب ـ ـ ط2002 ،3م.
صورة المنهج الحديث في نقد الشعر من خالل بعض النماذج -9
األكاديمية ،ضياء خضير ،دار الشؤون الثقافية ـ ـ بغداد 1998 ،م.
عصر البنيوية من ليفي شتراوس إلى فوكو ،إديث كيرزويل ،ترجمة -10
د .جابر عصفور ،دار الشؤون الثقافية ـ ـ بغداد ،ط1982 ،1م.
في البنيوية التركيبية دراسة في منهج لوسيان غولد مان ،د .جمال -11
شحيد ،دار ابن رشد للطباعة والنشر ،بغداد ،ط1982 ،1م.
في النقد األدبي الحديث ،د .طالب رهيف السلطانّي ،ط ،1المطبعة -12
العصرية ،بابل ـ ـ العراق 2011 ،م.
25
في النقد الدبي الحديث منطلقات وتطبيقات ،فائق مصطفى و عبد -13
الرضا علي ،منشورات جامعة الموصل ،ط1989 ،1م.
في نظرية االدب ،شكري الماضي ،دار الحداثة ،ط1ـ بيروت ، -14
1986م.
قضية البنيوية دراسة ونماذج ،عبد السالم المسّد ي ،وزارة الثقافة ـ ـ -15
تونس ،ط1991 ،1م.
لسان العرب ،جمال الدين بن منظور (ت711هــ) ،دار صادر ـ ـ -16
بيروت د.ت ،د.ط.
المرايا المحّد بة من البنيوية إلى التفكيك ،د .عبد العزيز حمودة ،عالم -17
المعرفة 1998 ،م.
مشكلة البنية أو أضواء على البنيوية ،إبراهيم زكريا ،دار مصر -18
للطباعة 1976 ،م.
المنهجية في علم االجتماع األدبّي ،لوسيان غولدمان ،ترجمة : -19
مصطفى المسناوّي ،الدار البيضاء ،ط1984 ،3م.
نظريات معاصرة ،د .جابر عصفور ،دار المدى ـ ـ دمشق ،ط،1 -20
1998م .
النظرية البنائية في النقد االدبي ،د .صالح فضل ،مكتبة األنجلو -21
المصرية 1980 ،م
نظرية الدب المعاصر وقرارة الشعر ،ديفد بشندر ،ترجمة :عبد -22
المقصود عبد الكريم ،سلسلة األلف كتاب الثاني ،الهيئة المصرية
للكتاب 1996 ،م.
النقد األدبي الحديث ،د .محمد غنيمي هالل ،دار العودة ،بيروت، -23
1973م.
26
النقد األدبي الحديث أصوله واتجاهاته ،احمد كمال زكي ،مصر ، -24
1971م.
النقد األدبي الحديث من المحاكاة إلى التفكيك ،إبراهيم محمود خليل ، -25
دار المسيرة ،ط2003 ،1م.
ثانيًا :البحوث
أدبنا والبنيوية ،جودت الركاّبي ،بحث مجلة الموقف االدبي ،ع،220 -26
آب .1989
الوعي القائم والوعي الممكن ،لوسيان غولدمان ،ترجمة :محمد براوة -27
،بحث مجلة آفاق ،ع.1932 /10
27