Professional Documents
Culture Documents
مقال - - - - الثورة الرقمية و تأثيرها على الادارة العمومية بالمغرب
مقال - - - - الثورة الرقمية و تأثيرها على الادارة العمومية بالمغرب
40
مقدمة:
عرفت العقود األخيرة تحوالت مهمة في طبيعة املجتمعات اإلنسانية ،نتيجة الثورة الرقمية التي شهدها العالم ،وكذا
االستعمال املكثف للوسائط الحديثة لتكنولوجيا املعلوميات واالتصاالت ،التي أحدثت تغيرات جوهرية في الحياة
ّ كهرومغناطيسيةّ ،
ّ
توصل اإلنسان إلى اختراع وسائل حديثة لالتصال عن اليومية لإلنسان ،فبعـد اكتشافه املوجات ال
ّ
السلكية (التي انطلق العمل بها في منتصف القرن تطو ًرا ملفتا لالنتباه ،فمن وسائل ّ
االتصال بعد ،سرعان ما عرفت ّ
ّ ّ
الال ّ
البصرية ،التي أحدثت ثورة في ميدان سلكية ،إلى األقمار الصناعية واأللياف التاسع عشر) ،82ووسائل االتصاالت
االتصاالت الدولية.
فقد أصبحت الوسائط التكنولوجيا من اآلليات األساسية واملعول عليها في إحداث التنمية املستدامة ،األمر الذي
كان له انعكاس علـى كيفية تدبير وتسيير املرافق واإلدارات العمومية وشبه العمومية ،التي تعتبر القاطرة التي تحرك
عجلة التنمية في الدول النامية.
وتتعدد األسباب التي حفزت املغرب على إدخال هذه الوسائط التكنولوجيا باإلدارة العمومية ،ففي ظل عدم
تحقيق برامج التأهيل واإلصالح اإلداري التي قامت بها الحكومات املغربية لألهداف املسطرة ،83ونتيجة ملا أصبح
يشهده العالم من تحديات كبرى في ظل عالم القرن الواحد والعشرين ،التى تختصر العوملة ،والفضاء الرقمي،84
واملعرفة ،وثورة االنترنيت ،بكل متغيراته وحركة اتجاهاته ،85وبغية تحسين العالقة مع جمهور املرتفقين ،عمل
=
40
املسؤولون املغاربة على وضع استراتيجية وطنية لرقمنة العمل اإلداري في أفاق خلق إدارة إلكترونية قائمة الذات
ملواكبة التطورات السريعة واملتالحقة التي يشهدها العالم حاليا.
فالتقدم العلمي أصبح يفرض نفسه بقوة على جميع الدول ،وأصبحت التكنولوجيا تغير وجه العالم ،وتغير
ارتباطاتنا االقتصادية واالجتماعية التي نعيشها كل يوم ،فما كان يمكن الحصول عليه في ساعات أو أيام أو ربما شهور
وسنوات ،أضحى اليوم يتم الحصول عليه في دقائق كحد أقص ى ،86فبدأ الحديث عن الدور الذي يمكن أن تلعبه
تكنولوجيا املعلوميات واالتصاالت في تحقيق التنمية املستدامة ،األمر الذي تطلب اعتماد رؤية استراتيجية لتطوير
اإلدارة العمومية باملغرب ( املبحث األول ) .من خالل العمل على تأهيل املوظف العمومي وتشجيع املواطنين ملواكبة
االنعكاسات التي أضحت تفرضها الثورة الرقمية (املبحث الثاني).
إن وجود رؤية استراتيجية لتطوير اإلدارات واملؤسسات العمومية ،تتجاوز تلك املقاربة الضيق الذي أفرزها تفعيل
ورش املغرب الرقمي ،872013يكتس ي أهمية بالغة اليوم ملا لها من دور في توفير خدمة عمومية ذات جودة عالية
تستجيب ملطالب ورغبات جموع املواطنين ،88عن طريق توفير الوسائل الضرورية لتطوير التبادل املعلوماتي داخل
الجهاز اإلداري ،وبشكل خاص تحقيق التناغم بين األنظمة املعلوماتية التابعة ملختلف األجهزة والهياكل اإلدارية لتطوير
العمل اإلداري من خالل الوعي بأهمية نظم املعلوميات في تطوير العمل باإلدارة العمومية (الفقرة األولى) ،وحتى ال
يصبح مشروع رقمنة العمل اإلداري غاية في حد ذاته ،وإنما وسيلة لخدمة املواطنين وتيسير معامالتهم اليومية وتحسين
العالقة معهم ،باإلضافة إلى توفير الشروط املالئمة لتنمية اقتصادية واجتماعية ،عن طريق تنمية استعمال تكنولوجيا
املعلوميات واالتصال داخل اإلدارة العمومية (الفقرة الثانية).
إن عملية إدخال التكنولوجيا الحديثة بوسائلها املتنوعة إلى اإلدارة العمومية ،أمر أصبح مؤكدا لجميع العاملين
واملتعاملين مع هذا الجهاز ،ذلك أنها آلية من اآلليات املهمة التي ستمكن من تحسين وإرساء عالقات متميزة ما بين
اإلدارة واملنتفعين بخدماتها ،من منطلق أن الحق في املعلومة الذي ينص عليه الفصل 27مـن دستور فاتح يوليوز2011
،89أضحى يفرض بث جميع الوثائق عبر شبكة االنترنيت ،األمر الذي قد يعطي بعدا جديدا ملفهوم الشفافية اإلدارية،
=
41
ويمهد الطريق لدمقراطة اإلدارة ،بجعلها إدارة مواطنة تستجيب النتظارات كل الفاعلين ،فمن حق املواطنين أن يكونوا
على بينة من كل األمور التي تخص عالقتهم باإلدارة ،ومن حقهم االستفادة من ذلك بكل شفافية ومصداقية ،ذلك أن
تبني مشروع اإلدارة اإللكترونية ،يجب أن يهدف بالدرجة األولى إلى إصالح اإلدارة وتنميتها وتطورها وتأهيلها بهدف
تحسين جودة الخدمات اإلدارية املقدمة.
كما أن تكنولوجيا املعلوميات واالتصال تعتبر من أهم العوامل املؤثرة على نمو وتطور املجتمعات في شتى مجاالت
الحياة ،فهي باإلضافة إلى العنصر البشري تشكل إحدى العوامل التي يتم بها تقييم مدى تقدم اإلدارة العمومية ،األمر
الذي يفرض تطوير األنظمة املعلوماتية بشكل تدريجي لتوفير املعلومات الالزمة لتسهيل مسار اتخاذ القرارات اإلدارية،
في إطار مبادئ الحكامة اإللكترونية ،التي أضحت تساهم في تحسين العمل اإلداري.
فعندما تؤسس اإلدارة أساسا قويا ومتينا وفعاال في مجال تقديم الخدمات إلكترونيا سواء لألفراد أو املنظمات
الخاصة املحلية منها أو الدولية ،فإن ذلك سيؤدي في النهاية لخلق مناخ إيجابي يمكن تلك الجهات من إجراء املعامالت
إلكترونيا فيما بينها وبين املواطنين بغرض تقليص النفقات وتحسين جودة الخدمات املقدمة من طرف املرافق العامة.90
إذا كان الدفع بعجلة التنمية اإلدارية يعتبر الهاجس الرئيس ي ملختلف الفاعلين اإلداريين ،ملا لها من دور في تحسين
أداء اإلدارة العمومية وتقريب اإلدارة من املواطنين والقضاء على البيروقراطية ،فإن االستثمار في قطاع التكنولوجيا
الحديثة داخل اإلدارة العمومية أضحى يعتبر هدفا أساسيا للعديد من الدول لتحسين هياكلها اإلدارية من جهة،
وإلرضاء احتياجات املواطنين من جهـة أخرى.
فالرغبة في الرفع من كفاءة الجهاز اإلداري من العوامل التي دفعت باإلدارة العمومية املغربية إلى استعمال تقنيات
حديثة داخلها للرقي بعملية التسيير اإلداري ومن أجل تلبية الحاجيات اإلدارية للمواطنين ،حيث أضحت املعلوميات
تعتبر من آليات الحديثة التي تتبناها اإلدارة العمومية اليوم لتنظيم مرافقها وإدارة أعمالها ونشاطاتها ،مما يساعد في
القضاء على املشاكل التي كانت تحد من فعالية عمل الجهاز اإلداري.
كما أن تقديم الخدمات اإلدارية بصورة أفضل هي من الدوافع الرئيسية التي يسعى لتحقيقها ورش اإلدارة
اإللكترونية الذي انخرط فيه املغرب منذ سنوات ،بتحسين خبرات األفراد في التعامل مع اإلدارة عند تقديمهم للطلبات
أو الحصول على الخدمات ،91وأيضا بخلق بيئة متميزة للعمل اإلداري يستطيع من خاللها املوظف اكتساب املهارات
والكفاءات املطلوبة في استخدام التكنولوجيا الحديثة باإلدارة العمومية ،وتحسين اآلليات التواصلية مع املواطنين.
42
إن توظيف تكنولوجيا املعلوميات واالتصاالت باملغرب يهدف في املقام األول إلى إحداث التغيير اإليجابي في النسق
اإلداري ،من خالل السعي نحو تحسين وإثراء ما هو موجود ورفع مستوى العمل اإلداري ،سواء قصد إرضاء املنتفعين أو
بقصد التفوق في مجال املنافسة اإلدارية مع غيرها من اإلدارات ،92وفي كل الحاالت يبقى العميل أو املرتفق هو املستفيد
األول من هذا التحسين املستمر واملتواصل ،93وهذا األمر يتم من خالل :
ضرورة التعرف على احتياجات املتعاملين مع اإلدارة األساسية، -
إشراك العاملين في تخطيط وتطوير الخدمات املقدمة لهم، -
وضع نظام لقياس درجة رضا املتعاملين كجزء أساس ي يتيح للمتعاملين مع اإلدارة الحصول على الخدمات دون -
مساعدة من أي موظف،
إيجاد قنوات متعددة للسماح للمواطن بالدخول إلى النظام اإللكتروني في كل ساعات اليوم وفي كل أيام -
األسبوع،
وجود إجراءات لتلقي الشكاوي ومعالجتها وفقا ملعايير تحدد املدة التي يجب فيها تنفيذ مثل هذه اإلجراءات،94 -
لذلك فإن تطبيق مشروع الرقمنة اإلدارية يجعل اإلدارة أكثر قربا من املواطنين ،عن طريق تزويدهم بدخول سهل
وسريع إلى املعلومات عبر االنترنيت ،فاإلدارة االلكتـرونية سوف تعمل على إعادة بناء عالقات جديدة بين اإلدارة
واملواطنين من خالل الت مكن من اآلليات الحديثة لتقنيات املعلوميات ،والسما الحاسب اآللي الذي يعتمد في الواقع على
برامج املعلوميات التي هي من حيث املبدأ ال تؤمن بالعالقة العاطفية وما قد ينتج على ذلك من املخاطر التي يتعرض لها
املرتفق ،95بسبب مزاجية املوظف املخول له القيام بالعمل اإلداري.
من هذا املنطلق ،عملت بعض القطاعات الوزارية على االستفادة من هذه التقنيات في فتح وابتكار طرق جديدة
لالتصال تقوم على التوظيف األمثل لهذه الوسائل في عملية التواصل اليومي مع املواطنين ،حيث قـامت وزارة الداخلية
مثال في هـذا اإلطار ،بفتح موقع الكتروني على شبكة االنترنيت لتسجـيل في اللوائح االنتخابية سنة ،2015من خالل املوقع
الوزاري ،www.listeselectorales.maوكذلك من خالل موقع www.Watiqa.maللحصول على شواهد الحالة املدنية،
كذلك قامت وزارة العدل والحريات بإنشاء مواقع على الشبكة العنكبوتية قصد تمكن املواطنين من اإلطالع على األحكام
القضائية أو الحصول على السجل العدلي بدون الحضور إلى أروقت املحاكم ،www.e-justice.maنفس النهج سارت
عليه املديرية العامة لضرائب غير املباشرة ،من خالل تمكين املستوردين واملعشرين من إنجاز الوثائق الضرورية بواسطة
اآلليات الحديثة لالتصال ،في إطار برنامج ،BADRوبرنامج ،96SADOCاملعمول بهما من طرف هذه املديرية ،كما قامت
43
وزارة التربية الوطنية والتعليم العالي اعتمادا على تكنولوجيا املعلوميات بتبني برنامج ،JAMRATIلتسهيل ولوج الطلبة إلى
داخل املؤسسات التعليمية العليا ،والقيام باإلجراءات اإلدارية عبر الوسائط اإللكترونية الحديثة.
الفقرة الثانية :تنمية استعمال تكنولوجيا املعلوميات واالتصال داخل اإلدارة العمومية
بدءا ،يجب القول أن استعمال تكنولوجيا اإلعالم واالتصال ،أضحى عنصرا أساسيا في منظومة التحديث اإلداري،
ذلك أن اإلدارة العمومية بكل مكوناتها وهيكلها التنظيمي والفني أصبحت مطالبة بمواكبة العصر بتطوير أساليب
العمل اإلداري.
فقد أصبح الطموح باملغرب يتجسد في بناء إدارة عصرية دائمة اإلصغاء ملحيطها الوطني والدولي ،ومتوفرة على
اآلليات الالزمة لالستجابة لحاجيات جميع مكونات املجتمع أفرادا وجماعات ،ومهتمة بتقديم أفضل خدمة عمومية،
ذات جودة عالية ،وقريبة من املواطنين ،وبأقل تكلفة ممكنة.
ذلك أن تكنولوجيا الحديثة ،أصبحت اليوم هي اللبنة األساسية لصناعة املستقبل اإلداري ملا توفره من دعامات
أساسية في تطوير وتنمية العمل اإلداري ،وباعتبارها آلية لتعزيز الدور التشاركي بين جميع مكونات اإلدارة العمومية،
عن طريق تحقيق األهداف التالية:
تبسيط اإلجراءات داخل املؤسسات العمومية ،وهذا ينعكس ايجابيا على مستوى الخدمات التي تقدم إلى -
املواطنين،
اختصار وقت تنفيذ وانجاز املعامالت اإلدارية املختلفة، -
تسهيل إجراء االتصال بين دوائر املؤسسة املختلفة ،وكذلك مع املؤسسات األخرى داخل وخارج البلد97، -
توفير كم هائل من املعلومات والبيانات الحكومية والتشريعية والقضائية ونحوها للمواطنين ولقطاعات -
األعمال ،وللجهات الحكومية األخرى ذات االرتباط اإلداري والعلمي ولكل من يحتاجها،98
إن استعمال تكنولوجيا املعلوميات واالتصاالت ،أصبح حجر الزاوية في بناء صرح تنظيم إداري فعال ،لتجسيد
أهداف ومرامي سياسة تفعيل االستراتيجية الوطنية لإلدارة االلكترونية ،ومن أجل إعطاء التنمية املحلية بأبعادها
االقتصادية واالجتماعية واإلدارية معناها الحقيقي.
فاإلدارة اإللكترونية ليست مجرد إجراء تقني أو إداري ،بل توجها حاسما لتطوير وتحديث الهياكل اإلدارية والنهوض
بالتنمية املندمجة في إطار الحكامة اإللكترونية ،الش يء الذي يتطلب تغييرا في السلوكيات والعقليات ،الن ذلك أساس
نجاح التنمية اإلدارية املرتبطة باستعمال تكنولوجيا املعلوميات ،وذلك عن طريق:
44
يمثل تطوير وتأهيل البنية التحتية لإلدارة العمومية بجعلها قادرة على استيعاب اآلليات الحديثة لتكنولوجيا
املعلوميات واالتصال إحدى الركائز األساسية لتطوير اإلدارة العمومية باملغرب ،من خالل إنشاء بنوك للمعطيات موحدة
مشتركة ومحينة ،ووضعها رهن إشارة مختلف املؤسسات والهيئات العمومية ،لضمان إنجاز أفضل الخدمات لصالح
املواطنين عن طريق وضع الخدمات اإلدارية على الخط الستفادة منها من طرف املرتفقين ،وللرفع من قيمة الوتيرة ثم
اعتماد مقاربة وطنية ،تقوم على تعـدد قنـوات االتصال لتسهيل الحصول على الخدمات املطلوبة ،مع توفير األجهزة
واملعدات الضرورية لذلك ،إلى جانب تجديد أسطول الحواسيب باإلدارات ،عن طريق وضع خطة سنوية للتزود باملعدات
الضرورية لكل إدارة عمومية ،باإلضافة إلى تبني استراتيجية مندمجة لتزويد املواطنين باملعطيات والوثائق التي تمتلكها هذه
اإلدارات لتسهيل حياتهم اليومية ،لذلك تم تحرير قطاع االتصاالت ،99لتحسين الخدمات املوضوعة على الخط إلى جانب
تطوير وتوسيع شبكات االتصال.
45
إن تعزيز آليات الشراكة والتعاون بين القطاعين العام والخاص طبقا لقانون ،10086/12يعد من بين أهم الوسائل التي
سوف تمكن اإلدارة العمومية من تحقيق دورها األساس ي في االستجابة لحاجيات وإنتظارات املواطنين ،عن طريق االستفادة
من اآلليات التي تعتمدها بعض مؤسسات القطاع الخاص ذات الريادة في مجال استخدام تكنولوجيا الحديثة للمعلوميات.
وللوصول إلى هذا املبتغى عملت الدولة على تطوير عالقة الشراكة في مجال استعمال تكنولوجيا املعلوميات
واالتصال ،عن طريق تفعيل دور املؤسسات الوطنية املتخصصة ذات االرتباط بتتبع وتقييم ورصد مدى اندماج
املؤسسات واإلدارات العمومية في التوظيف األمثل لتكنولوجيا الحديثة ،101إلى جانب تثمين مهام الوكالة الوطنية لتقنين
املواصالت ، 102كهيئة وطنية مستقلة يعهد إليها تطوير وتوجيه وتتبع استعمال تكنولوجيا املعلوميات واالتصال داخل
اإلدارة العمومية من خالل:
▪ ـتبع وتطوير أنشطة البحث العلمي املتعلقة باستخدام تكنولوجيا املعلوميات واالتصال،
▪ إعداد الدراسات امليدانية الخاصة باختيار تكنولوجيا املعلومـيات املالئمة للتسيير اإلداري ووضع األهداف
والبرامج،
▪ مساعدة اإلدارات على وضع برامج التحديث اإلداري،
ذلك أن للقطاع الخاص دور هام في مساندة املشاريع اإللكترونية ،من خالل مساهمته في توفير املوارد األساسية
من أجهزة وبرمجيات ،كما يمكن للقطاع الخاص مساندة املشاريع اإللكترونية من خالل توفير خدماته االستثمارية
والتطويرية والعمل على تقديم الحلول التقنية املناسبة ،لتحقيق األهداف املنشودة من تلك املشاريع ،103مع ضرورة
46
مشاركته في االستثمار والتمويل لتحسين البنية التحتية لشبكات االتصاالت والقيام بعمليات صيانة األجهزة ،وإنشاء
املعاهد التدريبية لتطوير الكفاءات العلمية.104
وقد قامت السلطات اإلدارية بعدة اتفاقيات شراكة مع القطاع الخاص ،وحتى بين اإلدارات العمومية من أجل
تأهيل اإلدارة ومدها بالتكنولوجيات الحديثة ،ومن هذه االتفاقيات:
-اتفاقية شراكة موقعة بين كتابة الدولة املكلفة بالبريد وتقنيات االتصال واإلعالم ووزارة الوظيفة العمومية
واإلصالح اإلداري بتاريخ 23ابريل ،2001
-االتفاقية املتعلقة بالتكوين في املعلوميات املكتباتية املبرمة مابين إدارة الجمارك والضرائب غير املباشرة
ومكتب التكوين املنهي وإنعاش التشغيل105،
إن الثورة الرقمية بكافة أشكالها وتطبيقاتها فرضت نفسها بقوة على املجتمعات اإلنسانية ،لذلك كان البد من
تنسيق الجهود واملبادرات بين القطاعين العام والخاص ،ملواجهة كل التحديات والعوائق التي قد تطرح في سياق تنزيل
االستراتيجية الوطنية ملجتمع املعرفة ،وإيجاد الحلول املناسبة لها وتحديد رؤية مستقبلية لضمان نجاح تطبيق مشروع
اإلدارة االلكترونية باملغرب ،ونشر الوعي اإللكتروني داخل املجتمع.
إن تعزيز وتدعيم فرص التنمية االقتصادية واالجتماعية ،أضحى يتطلب تحقيق التعليم والتدريب مدى الحياة لزيادة
االبتكار واإلبداع للمجتمع لكي يتمكن من التنافس والتواجد في عالم سريع التحوالت ،وهذا يعني لزوم إعادة النظر في
47
نظم التعليم والتدريب ملواكبة التحول الجديد ،بما في ذلك الخطط والبرامج واألساليب التعليمية والتدريبية على كافة
املستويات ،وإلى توعية اجتماعية بثقافة رقمية ،واالستعداد النفس ي والسلوكي والفني واملادي ،وغير ذلك من متطلبات
التكيف.107
ذلك أن اإلدارة االلكترونية إدارة عمومية مسؤولة عن تقديم املعلومات والخدمات اإللكترونية بطريقة رقمية
للمواطنين ومؤسسات األعمال القادرة على االتصال إلكترونيا عن بعد ،108الش ئ الذي يتطلب من الحكومات الوطنية
االستفادة من اآلليات اإللكترونية الحديثة حتى تتفاعل إلكترونيا مع مواطنيها ،من خالل استغالل الفرص التي تقدمها
تكنولوجيا املعلوميات واالتصال في الرفع من كفاءة الجهاز اإلداري للمساهمة في تحويل األنشطة اإلدارية ،من الطرق
واألساليب التقليدية إلى تقديم خدمات اإللكترونية أكثر ديناميكية وتفاعلية ،واالسترشاد بها من أجل تمكين املواطن من
املهارات األساسية للتفاعل مع مجتمع املعرفة على الصعيد املحلي والعاملي والتحلي بالسمات األساسية لقيادات اإلدارة
اإللكترونية ،109من خالل العمل على:
ويحتم هذا األمر بالضرورة إعداد مناهج عمل متكاملة والقيام بحمالت توعية تستهدف تهيئة املواطنين ومؤسسات
املجتمع املدني ،حتى تكون قادرة على التعامل اإليجابي مع الوسائط واألساليب التقنية الحديثة ،عن طريق أشعار جمهور
املتعاملين الحاليين واملتوقعين بأهمية القضايا املطروحة من خالل إعالمهم باإلجراءات التي ثم اتخاذها على الشبكة،
وتجزئة األمور واملشكالت املعقدة إلى مكونات سهلة الفهم ،وإتباع األسلوب أالستباقي في تشجيع املستخدمين على
االهتمام بكل جوانب استخدام التقنية املعلوماتية ،وذلك من خالل :
48
▪ ضمان فرص متساوية لوصول املواطنين إلى الخدمات اإلدارية اإللكترونية،
▪ خلق ثقافة إيجابية لدى املواطنين والقطاعات املستهدفة بمشروع اإلدارة اإللكترونية،
إن الثقافة املعلوماتية وقدرة الفرد على الوصول إلى املعلومة في مصدرها والوقت املناسب والحكم على قيمتها وصحتها
وتوثيقها وتأمينها من املهارات الواجبة للتعايش اإليجابي الفاعل مع م جتمعات املعرفة لتحقيق املنفعة من معطياتها
واستثمار تحدياتها ،وقد اهتمت العديد من الحكومات بتثقيف مواطنيها وتسليحهم بمهارات القرن الجديد أو ألفية
املعلوميات امل فتوحة ،وفي سبيل تحقيقها لهذا الغرض ثم وضع الخطط والسياسات والبرامج للتوعية املعلوماتية على
مستوى املواطن العادي ،وشاع استخدام مصطلح املواطن اإللكتروني أو الفرد الرقمي للتميز بين املثقف واألمي
معلوماتيا ،111ولعل مثال كوستاريكا يبرز مدى قدرة الدولة على القيام بتنمية الفرد ليتفاعل مع الرقمية ،بما جعلها في
مصاف الدول ذات املكانة في مجال تكنولوجيا املعلوميات ،ولقد كان سبب صعود كوستاريكا إلى مصاف الدول الريادية
هنا هو قوة القيادة السياسية وتصميمها على تخصيص جزء من ميزانية الدولة لتنمية قطاع تكنولوجيا املعلوميات
واالتصاالت.112
وتظهر أهمية هذه امل سألة انطالقا من املزايا والفوائد التي أصبحت تقدمها تكنولوجيا املعلوميات ،فالحديث لم يعد
يتمحور اليوم حول سبل اإلصالح اإلداري أو التحديث اإلداري ،وإنما حول القدرة على استيعاب التكنولوجيا الحديثة
داخل املنظومة اإلدارية ،وأيضا مدى القدرة على وضع اإلطار القانوني الذي بإمكانه مجابهة كل األسئلة القانونية التي
سوف يطرحها استخدام الوسائط اإللكترونية الحديثة داخل اإلدارة العمومية ،فهذه األخيرة هي ابنة بيئتها تتأثر بكافة
العوامل املحيطة بها ،لذلك فإن تنميتها مرتبطة بمجموعة من الروابط أو نسيج من العوامل السياسية ،االقتصادية،
اإلدارية واالجتماعية ،والعمل على نشر التوعية بأهمية التقنيات الحديثة داخل املجتمع ،ولعل هذا ما دفع بالسلطات
العمومية إلى اعتماد هذه التقنيات ،سواء على مستوى التنظيم اإلداري الداخلي أوفي عالقة اإلدارة مع محيطها
االقتصادي واالجتماعي.113
49
نخلص مما سبق ،أن وضع خطط استراتيجية لتكوين وتهيئة مواطن رقمي قادر على التعامل بالوسائط االلكترونية
الحديثة ،شكلت إحدى االنشغاالت األساسية للحكومات واملنظمات الدولية ،114في سياق بناء نظام متكامل يسهل إعادة
تصميم اإلجراءات والعمليات اإلدارية بشكل يقوم على تطوير القدرات اإلدارية ،بما يهدف إلى تحسين جودة الخدمات
العمومية والنهوض باستخدام التقنيات املعلوماتية داخل اإلدارة العمومية ،ويحقق بالفعل مفهوم اإلدارة اإللكترونية.115
ذلك أن التغيرات الجوهرية التي فرضتها تكنولوجيا الحديثة داخل اإلدارة العمومية ،فرضا واقعا جديدا على
املوظفين العموميين بظهور قواعد واآلليات جديدة تنظم العالقات التفاعلية بين اإلدارة واملوظف ،مما أضحى يتيح لهذا
األخير متابعة وضعيته اإلدارية ،وتنظيم عمله املنهي ،وأيضا التقدم بشكاوي إلى جهة عمله أو الجهـة املختصة في حال
حدوث خطأ إداري في حقه مما يطور أداء اإلدارة وأساليب تنظيمها116 .
ذلك أن الرهان على الوسائط الحديثة لتطوير العمل اإلداري وتزايد االعتماد على استعمال التقنيات الحديثة لقضاء
املصالح الشخصية وتسريع وثيرة العمل اإلداري ،أضحى يطرح إشكاليـة الحماية القانونية النتيجة عن استخدام وسائل
االتصال الحديثة ونوعيـة الضمانـات القانونية املمنوحة للموظفين العموميين.
-
-
˓
-
-
50
تحدد األنظمة الوظيفية حقوق وواجبات ا ملوظف العمومي التي يجب عليه االمتثال لها واحترامها ،إال أن أغلب هذه
الواجبات والحقوق ال تتأثر بالنظام االلكتروني ،وتبقى محتفظة بصفتها وطابعها وذلك لكون تلك الواجبات تستند إلى
اعتبارات أخالقية وإدارية ال تتغير بتغير أسلوب العمل وإنما تنبع من أخالق املجتمع الوظيفي وعاداته ،117فإذا كان من
حق املوظف العمومي أن يحصل على تأهيل مناسب يؤهله للولوج إلى الوظيفة العمومية ،ويجعله قادرا على التفاعل مع
األنظمة الحديثة لتكنولوجيا املعلوميات،
فإن هناك مجموعة من الواجبات التي ينبغي للموظف االلتزام بها للحفاظ على مصالح وحقوق املواطنين لضمان
حسن سير املرا فق العمومية بانتظام واطراد تحقيقا للمصلحة ،تلك الواجبات التي تحددها األنظمة والقوانين الوطنية
أو األعراف والتقليد املجتمعية املتفق عليها ،في سياق تطوير جودة الخدمة العمومية في ظل التطورات التي أصبحت
تعرفها الساحة الوطنية في مجال استعمال التكنولوجيا الحديثة.
فإذا كان قانون الوظيفة العمومية يحدد مهام وواجبات املوظف العمومي التي يلزم إتباعها عند مباشرته للعمل
الوظيفي وخصوصا واجب أداء املوظف العام ألع مال وظيفته بنفسه ،فإنه في ظل النظام الوظيفي اإللكتروني يجب
العمل بنفس املبدأ الوظيفي ،كونه التزام شخص ي يقتض ي مباشرته من طرف املوظف بنفسه وال يجوز له إنابة غيره في
القيام به ،لذا يجب على كل موظف أن يدخل إلى النظام اإللكتروني الخاص به ليتمكن من قراءة امللفات التي له صالحية
الدخول إليها واإلطالع على مضمونها أو التغيير فيها حسب الصالحية التي يملكها ،واإلطالع أيضا على البريد املرسل إليه
من الرئيس اإلداري املباشر له ليتمكن مـن إنجاز املعامالت أو الكتب املرسلة إليه وإرسالها إلى الجهة املعنية حسب
سياقات العمل املتبعة.118
ومع ذلك ،فإن التطورات الراهنة في مجال استخدام الوسائط اإللكترونية الحديثة داخل اإلدارة العمومية املغربية،
وتزايد إقبال املوظفين العموميين عليها ،أضحى يفرض تحيين الترسانة القانونية التي تؤطر مجال الوظيفة العمومية حتى
يتم الحفاظ على حقوق املوظف العمومي ويستطيع أداء وواجباته بكل كفاءة واحترافية بدون وجود أي نوع من التردد أو
العشوائية.
51
ذلك أن التعامل مع نظم املعلوميات يتطلب إحداث تغييرات جذرية في طبيعة األعمال اإلدارية وكيفية تقديم الخدمة
العمومية ،كما يتطلب نوعية من املوظفين اإلداريين القادرين على التعامل مع التطورات التقنية الحديثة.
حيث أن تطبيق مشروع اإلدارة االلكترونية مثال وما ينطوي عليه من استخدام للتقنيات الحديثة ،كثيرا ما يطرح
تحديات ذات صلة وثيقة بأولئك املوظفين الذين يتعاملون بواسطة هذه الوسائط اإللكترونية للمرة األولى ،ومدى
قدراتهم على االلتزام بقواعد السر املنهي.119
كما أن استخدام التقنيات الحديثة داخل اإلدارة العمومية أضحى ضرورة مستقبلية ملواجهة تحديات الراهنة
وتحسين جودة الخدمات العمومية ،بما يحقق للمجتمع ما يصبو إليه من رقي وازدهار.
ومن هذا املنطلق ،فإن تطبيق مشروع اإلدارة االلكترونية باملغرب يحتاج إلى إعداد الكوادر البشرية املؤهلة واملدربة
على التكييف مع التطورات الدولية في مجال النظم املعلوماتية ،وكذلك إلى أجهزة إلكترونية ذات تقنية عالية ووسائل
متطورة حتى تحقق اإلدارة اإللكترونية أعلى املستويات من النجاح ،120من خالل الوعي باألهمية التي تحتلها هذه التقنيات
الحديثة في العمل اإلداري من طرف املوظفين العموميين بما يؤهلهم إلى االنخراط الفعلي في هذا الورش الوطني ،غير أنه
ال يمكن إجبار املوظف على اآلليات التقن ية الحديثة ،وإنما يجب إقناعه على الفائدة منها ،121حيث أن العديد من
املختصين يرون في التبسيط اإلداري أحد املحاور األساسية لتحسين عالقة اإلدارة بمداريها إلى جانب العمل على إعالمهم
وحماية حقوقهم ،122ذلك أن تعزيز مشاركتهم في هذا املشروع يتطلب ضمان الحقوق التي تسعدهم على االندماج الفعال
وااليجابي في التوظيف املتميز لتكنولوجيا املعلوميات داخل اإلدارة العمومية ،عن طريق:
▪ توعية املوظف العمومي بأهمية اإلدارة االلكترونية ،من خالل توفير األرضية املالئمة للعمل اإلداري،
▪ توفير اآلليات التقنية الضرورية للعمل داخل مختلف الهيئات واملؤسسات العمومية،
▪ تنمية املهارات الذاتية للموظفين العموميين ،السيما في امليادين املرتبطة بالتكنولوجيا الحديثة،
▪ إعادة توزيع املهام والصالحيات داخل اإلدارات العمومية بما يتناسب ونجاح ورش اإلدارة االلكترونية،
52
▪ إعادة النظر في مفهوم السر املنهي ،وحدود مسؤولية املوظف العمومي عن اإلجراءات الصادرة عن األجهزة
اإللكترونية املبرمجة مسبقا،
▪ العمل على صياغة إطار قانوني جديد يضمن الحماية القانونية واإلدارية للموظف العمومي في حاالت التالعب
باملعطيات والبيانات اإلدارية التي توجد في نطاق االختصاص اإلداري ،وحدود املسؤولية اإلدارية لكل املتدخلين،
ذلك أن املوظف العمومي هو العنصر األساس ي في سياق التحول إلى اإلدارة اإللكترونية ،لذا فإنه ال بد من تدريب
وتأهيل املوظفين املعنيين ،لكي ينجزوا األعمال املطلوبة منهم عبر الوسائط اإللكترونية بعقد دورات تدريبية للموظفين
املعنيين ،أو تأهيلهم على رأس العمل ،123فالعنصر البشري يعتبر محور أي بنيان إداري ذلك أن هذا األخير مهما بلغت
تنظيماته وقوانينه من دقة وحداثة فإن فعالية ونجاعته تظل رهينة فعالية وكفاءة موارده البشرية واستعدادها للعمل
والتفاني في خدمة أهدافه.124
اتسمت السنوات األخيرة بتطورات وتحديات عديدة كان لها تأثيرات مباشرة على اإلدارة العمومية ،ومن أهم هذه
التحديات تلك املتعلقة بالتكييف القانوني الستعمال الوسائط اإللكترونية الحديثة داخل املنظومة اإلدارية.
فإذا كان تحديث اإلدارة العمومية أمرا ضروريا في الوقت الراهن ،بالنظر إلى الدور الذي أصبح منوطا بها لقيادة
قاطرة التنمية خصوصا في البلدان النامية ،فإن أغلب املهتمين يجمعون على أن اإلدارة العمومية بهذه الدول أصبحت
أكثر تضخما وأقل فاعلية وكفاءة.
وحتى تتمكن هذه األخير من مواكبة مختلف التغيرات التكنولوجيا والتقنية واالقتصادية ،كان ينبغي عليها
االستفادة من التطورات الحديثة لتكنولوجيا اإلعالم واالتصال وكذا مختلف التجارب الدولية في كيفية التعامل مع
مثل هذه التغيرات والتطورات في سبل بناء مجتمع معلوماتي متطور.
مما أضحى يستلزم تبني مشروع لإلدارة اإللكترونية يتالءم والتغيرات التي تعرفها اإلدارة العمومية باملغرب ،عن
طريق توفير املتطلبات املالية ،التقنية ،القانونية ،التنظيمية واملؤسساتية ،لضمان نجاح مشرع اإلدارة اإللكترونية
باملغرب ،وجعلها لبنة أساسية في مسار تعزيز وتدعيم االستراتيجية الوطنية ملجتمع املعرفة.
كما أن التعامل مع املتغيرات التي أحدثتها تكنولوجيا املعلوميات ،يتطلب ضرورة إحداث تغييرات جوهرية في طبيعة
املوارد البشرية العاملة داخل اإلدارة العمومية ،وكذا تطوير إمكانياتهم الذاتية لتتكيف مع التكنولوجيا الحديثة في
سياق تحسين جودة الخدمة العمومية.
53
)Powered by TCPDF (www.tcpdf.org