Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 17

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‬ ‫المجلد‪)02( :‬‬

‫‪The Observer Journal for Social‬‬ ‫العدد‪)02( :‬‬


‫‪StudiesSciences‬‬ ‫‪2022‬‬

‫املنهج وآليات نقد التراث عند محمد أركون‬


‫‪The curriculum and mechanisms of heritage criticism on the‬‬
‫‪authority of Muhammad Arkoun‬‬

‫محمد مسيكة‪*1‬عبد الحليم شتوح ‪*2‬‬


‫‪1‬جامعة قاصدي مرباح ورقلة‪messika.mohamed@univ-ouargla.dz ،‬‬
‫‪2‬جامعة عمارثليجي األغواط‪chabdelhaim779104479@gmail.com،‬‬

‫تاريخ النشر‪:‬‬ ‫تاريخ القبول‪:‬‬ ‫تاريخ االستالم‪:‬‬


‫‪2022/07/20‬‬ ‫‪2022/02/08‬‬ ‫‪2021-06-16‬‬
‫امللخص‪:‬‬
‫لقد عرفت الدراسات اإلسالمية نشاطا حثيثا في مجال التعليم والتعلم‪ ،‬حيث نجد‬
‫مجموعة من العلماء انبرت لهذا املجال وكتبت فيه‪ ،‬وتعد مسألة املنهج والتراث التي حاول‬
‫املفكر محمد أركون إعادة النظر في مكوناتها وبنية تشكل العقل العربي‪ ،‬من خالل مشروعه‬
‫النقدي‪ ،‬الذي سعى من خالله إلى تكوين خطاب حداثي للموروث اإلسالمي‪ ،‬معتمدا على‬
‫النقد واملناهج الحديثة ليتجاوز به القراءات القديمة لحدود املوروث والنص الديني‪ .‬وما‬
‫يميز مشروع أركون هي االهتمام بالحفريات املعرفية‪ ،‬وعملية تأصيل منهجه بشكل يتماش ى‬
‫مع معرفة التاريخ اإلسالمي وتمحيصه‪ ،‬خاصة ما ارتبط منه بالنص الديني والسلطة واللغة‬
‫والهوية وغيرها‪ ،‬ويعد النقد التاريخي من أهم أدوات املنهج النقدي عند أركون باعتباره‬
‫األداة الرئيسية في بناء بنية العقل العربي‪.‬‬
‫الكلمات املفتاحية‪:‬املنهج‪ ،‬آليات‪ ،‬نقد‪،‬التراث‪ ،‬محمد أركون‪.‬‬
‫‪Abstract :‬‬
‫‪slamic studies have known an active activity in the field of‬‬
‫‪education and learning, where we find a group of scientists. The‬‬
‫‪formation of a modernist speech for Islamic heritage, dependent on‬‬
‫‪cash and modern curricula to exceed the ancient readings of the limits‬‬
‫‪of heritage and religious text. The Ercon project distinguishes the‬‬
‫‪attention of cognitive excuse, and a rooting process in line with the‬‬

‫*‪ -‬المؤلف المرسل‬


‫محمد مسيكة ‪ /‬سعاد طيباوي‬

‫‪knowledge of Islamic history and scrutiny, especially what is‬‬


‫‪associated with religious text, power, language, identity and others.‬‬
‫‪Keywords: Methodologies, Mechanisms, Cash, Heritage, Mohamed‬‬
‫‪Arcon.‬‬
‫‪ -1‬مقدمة ‪:‬‬
‫إن عبارة " نقد العقل اإلسالمي" والتي برزت على يد أركون‪ ،‬وعرف بها‪ ،‬جاءت‬
‫متزامنة في املرحلة نفسها التي استخدم فيها الجابري مقولة " نقد العقل العربي"‪ ،‬ولكن مع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ذلك ال تعتبر دراسة أركون دراسة تابعة‪ ،‬وال مشروعا تقليديا بقدر ما كانت دراسة أصيلة‬
‫بمنهج انثروبولجي تأريخي‪ ،‬أراد من خالله دراسة اإلسالم "كوحي وعقل" خارج مقاييس‬
‫ً‬
‫اإلسالم التقليدي‪ .‬ولم يكن اختيار(نقد العقل اإلسالمي) من قبل أركون اعتباطا بقدر ما‬
‫كان دراسة عن تجربة حاكى فيها املاض ي ليستنطق به الحاضر‪ ،‬ورغم اعتماده على املصدر‬
‫اإلسالمي في تبني مشروعه هذا (مسكويه‪ ،‬وأبو حيان التوحيدي) إال َّأنه يشير إلى سبب آخر‬
‫في تبني طريقة فالسفة اليونان والفلسفة اإلغريقية بوجه عام وانتهاجهما للمنهج العقالني‬
‫في استكمال ما قرر أن يسير عليه‪ ،‬وهذا ما أطلق عليه (اإلسالميات املطبقة)‪ ،‬وبذلك جاء‬
‫ً‬
‫مشروعه مؤطرا بإطارين نظريين هما‪ (:‬اإلسالميات املطبقة ) و(نقد العقل اإلسالمي)‪ ،‬فما‬
‫هي مميزات هذين اإلطارين؟ وما الهدف من نقد أركون للعقل العربي؟‬
‫‪ -2‬مفهوم النقد عند محمد أركون‬
‫من خالل اطالعنا على كتابات محمد أركون‪ ،‬فإننا ال نجده يحدد النقد كمفهوم‬
‫يمارسه بشكل واضح وبإفراد مقال كامل له‪ ،‬أو كتاب يتناول فيه النقد بالتحليل والتشريح‬
‫ً‬
‫وإنما يحدده في ثنايا مقاالته وكتبه ويقول في هذا الصدد محددا ‪ (( :‬الفكر النقدي هو‬
‫الفكر الذي يطرح التساؤل باستمرار على الشروط النظرية لصالحية أو عدم صالحية كل‬
‫عبارة أو خطاب ذي هدف معرفي وصادر عن العقل ))‪ (،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم‬
‫صالح‪ ،1993 ،‬صفحة ‪ )21‬فكل املعارف املنتجة من طرف العقل تتحول إلى ورشة عمل أال‬
‫وهي النقد‪ ،‬وال يحدد أركون هنا عقال معينا بل كمفهوم فلسفي عام‪ ،‬ونجده في موضع آخر‬
‫يحدد النقد ويحصره ضمن مجال معين‪ ،‬ويقول‪(( :‬التفحص والبحث في املنتجات الثقافية‬
‫العربية عبارة عن برنامج نقدي‪ ،‬أي دراسة شروط صالحية كل املعارف التي أنتجها العقل‬
‫ضمن اإلطار امليتافيزيقي واملؤسساتي والسياس ي‪ ،‬والذي فرض عن طريق الظاهرة القرآنية‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪32‬‬
‫املنهج وآليات نقد التراث عن محمد أركون‬

‫ً‬
‫والظاهرة اإلسالمية))‪ (،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،1993 ،‬صفحة ‪ )28‬إذا‬
‫فاالختيار وتحليل املعطيات الثقافية هي عناصر النقد األركوني األساسية والتي ال تكون إال‬
‫عبر التحقق من معارف العقل املؤطر إسالميا‪ ،‬وإذا كنا ننقد املعرفة املنتجة من طرف‬
‫عقل معين فنحن ننقده هو ذاته‪ ،‬ويعتقد أركون أن الحقيقة ال تكون حقيقة إال إذا مرت‬
‫على حاجر النقد وهذا ما سماه بنقد العقل اإلسالمي‪.‬‬
‫كما أننا نجد في موضع آخر أن أركون يحدد نقد العقل اإلسالمي بأنه‪ (( :‬تغيير كل‬
‫ش يء من أساسه)) ‪(،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،2001 ،‬صفحة ‪ )119‬وفي موضع‬
‫آخر يحدد خصائص النقد بأنه تاريخي والهوتي وفلسفي للخصائص اإلسالمية وأنواعها‪،‬‬
‫بصفته الشرط األول لتغيير الوضع في املناخ الديني اإلسالمي‪ ،‬واالنتقال به من مرحلة‬
‫االنغالق والتجمد املفروض اليوم‪ ،‬إلى مرحلة الفهم الحديث والواسع للظاهرة الدينية‬
‫‪(،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،2001 ،‬صفحة ‪ ،)99‬وهدف النقد حسب أركون‬
‫ليس هدم العقل بل إنه يهدف إلى التعقلن‪ ،‬أي عدم التخلي عن العقل وتصحيح مساره‬
‫ّ‬
‫التاريخي وتوسعته لجعله إنسانيا ال أنانيا‪ ،‬فال ينحرف عن مساره اإلنساني لينتج الالعقل‬
‫والالعقالنية‪ ،‬فيتحول إلى نظام وضعي أو قمعي‪ ،‬وال ينقلب إلى نقيضه ليصبح أداة قمع‬
‫وإرهاب ألن الدين اليوم يشوه باسم الدين نفسه والعقل يدمر باسم العقل‪ ،‬فالعقل‬
‫التنويري األوروبي واإلنساني الحر تحول إلى عقل أدواتي انتهازي رأسمالي بارد‪ ،‬وعقل هدفه‬
‫الربح والفائدة بأي الطرق واألشكال كيفما كانت وبأقص ى سرعة‪ ،‬ال يراعي الصالح العام‪،‬‬
‫كما أنه أدى إلى تلوث البيئة‪(.‬محمد أركون ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،2009 ،‬الصفحات ‪-320‬‬
‫‪.)321‬‬
‫باإلضافة إلى أن هذا التشكيل يعد تيولوجيا جديدة‪ ،‬فالالهوت مرتبط بأوضاع‬
‫ً‬
‫املجتمع وحاجياته ودرجة تطوره‪ ،‬فإذا تغير املجتمع وانتقل من حال إلى حال‪ ،‬تغير وفقا‬
‫لذلك الالهوت وتجدد‪ ،‬وإذا لم يتغير الالهوت ولم يساير تطور املجتمع فإن أفراد املجتمع‬
‫ً‬
‫يشعرون بعذاب الضمير نظرا للتناقض الكبير املوجود بين أعمالهم وممارستهم‪ ،‬والقواعد‬
‫الالهوتية التي بقيت جامدة تنتمي إلى عصر آخر‪ ،‬والدليل املباشر على هذا الفول هي‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪33‬‬
‫محمد مسيكة ‪ /‬سعاد طيباوي‬

‫مجتمعاتنا التي تعيش بأنماط الحداثة الغربية كتنظيم الدولة والتعليم والجمعيات املدنية‬
‫واألحزاب وغيرها من العوامل‪ .....‬الخ ‪ ،‬بينما على الصعيد الفكري ال يزال املجتمع يعيش‬
‫على فتاوى ابن تيمية مثال‪(.‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،2001 ،‬صفحة ‪)185‬‬
‫ً‬ ‫َّ‬
‫إن هدف أركون من هذا كله هو إبراز كيفية تشكل العالم اإلسالمي تاريخيا وطرح‬
‫مشكلة املعنى على ضوء الشروط الجديدة واملتعددة للوجود البشري‪ ،‬فاملشكلة املطروحة‬
‫على الفكر النقدي هي مسألة تاريخية الحقيقة املنزلة أو مشكلة تفاعل الوحي والحقيقة‬
‫والتاريخ منذ سنة ‪622‬م (العام األول للهجرة)(محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل ّ‬
‫العوا‪،1985 ، ،‬‬
‫صفحة ‪،)174‬فنقد العقل اإلسالمي هو إعادة تقييم شاملة لكل املوروث اإلسالمي منذ‬
‫ظهور القرآن حتى اليوم بتتبع تاريخ تشكل هذا العقل عبر مراجعة مفهوم الكتاب الديني‬
‫وإضاءته في ظل املناخ العلمي املعاصر‪ ،‬فالقرآن هو نقطة البداية دائما في كل عودة نقدية‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫إلى املاض ي اإلسالمي‪ ،‬ومنه يطرح أركون تحقيبا أبستمولوجيا جديدا على طريقة مدرسة‬
‫الحوليات لنقد العقل اإلسالمي وهو كالتالي‪:‬‬
‫‪ -)1‬مرحلة القرآن والبدايات التكوينية للفكر اإلسالمي تمتد من (‪1‬ه إلى سنة‬
‫‪150‬ه) أي من ( ‪622‬م إلى ‪767‬م)‬
‫‪ -)2‬مرحلة التشكيل والتأسيس من (ه‪ 150‬إلى سنة ‪450‬ه) أي من (‪ 767‬إلى‬
‫‪1085‬م)‬
‫‪ -)3‬مرحلة العصر الكالسيكي خالل القرنين الخامس والسادس هجري‬
‫‪ -)4‬مرحلة العصر املدرس ي بداية من القرن الثالث عشر ميالدي‬
‫‪ -)5‬مرحلة عصر النهضة بداية من القرن التاسع عشر ميالدي‪(.‬محمد أركون‬
‫ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،2009 ،‬صفحة ‪)283‬‬
‫ً‬
‫ففي كل مرحلة من هذه املراحل كان لهذا العقل مفهوما محددا يمارس فعالية‬
‫محددة مشروطة معرفيا حسب احتياجات ذلك العصر‪ ،‬ومع كل مرحلة من مراحل تطوره‬
‫يتم نقده ابستومولوجيا بإبراز تاريخيته التي يحجبها ويقاومها‪(.‬علي‪،2005/2004 ،‬‬
‫الصفحات ‪)100-96‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪34‬‬
‫املنهج وآليات نقد التراث عن محمد أركون‬

‫ً‬ ‫ً‬
‫وانطالقا من هذا الوصف املوجز ملعنى الفكر النقدي والذي ملسناه ظاهرا على‬
‫مشروع أركون واملتميز بالتعرية التاريخية واالجتماعية‪ ،‬والفلسفية‪ ،‬وتفكيكه لجذور‬
‫املاض ي بغية تقويمه لإلسهام في بناء الحاضرمن خالل تكراره واجتراره للمسائل‬
‫الغامضةخاصة ما كان متعلقا منها بالنقد التاريخي واأللسني والسيمائي واألنثروبولوجي‬
‫للتراث اإلسالمي املقيد واملعرقل لحركة املفكر حريته‪ ،‬إن هذه املراجعات النقدية ملختلف‬
‫املحطات التاريخية املقترنة بالتراث أو الفكر األوربي ستولد نوعا من الطمأنينة الفكرية‬
‫والشراكة العقلية بين األمم‪ ،‬لينسف بذلك مصطلح "صدام الحضارات" وفق تعبير‬
‫"هنتغتون" ويحل محله حوار الحضارات على َّأنه ٌ‬
‫ملك مشاع لإلنسانية جمعاء‪ ،‬يقول‬
‫محمد أركون وهو يحدد تلك املقاربات واملهام في نقد العقل اإلسالمي‪( :‬نحن اآلن بحاجة إلى‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫ثورة فكرية حقيقية تذهب إلى أعمق األشياء وتغير منظورنا جذريا للتراث‪ ،‬وهكذا وبدال من‬
‫أن يستمر التراث كقوة معيقة تشدنا إلى الخلف في كل مرة‪ ،‬يصبح قوة تحريرية تساعدنا‬
‫على اإلقالع واالنطالق الحضاري‪ ،‬ولكن هذا لن يتم قبل القيام بمسح تأريخي شامل للتراث‪،‬‬
‫ً‬
‫وهذا ما افعله شخصيا منذ أكثر من ثالثين سنة من خالل مشروعي " نقد العقل اإلسالمي "‬
‫باملعنى األلسني والتاريخي واألنثروبولوجي والفلسفي لكلمة نقد) ‪(،‬محمد أركون ترجمة‪:‬‬
‫هاشم صالح‪ ،2009 ،‬الصفحات ‪ ،)224-223‬وهنا تتضح خطوط ومعالم املنهج النقدي‬
‫الذي اتبعه أركون في بناء مشروعه الفكري والذي سنحاول أننمر على كل واحد منه‪.‬‬
‫‪ 1-2‬التعقيب التاريخي‪:‬‬
‫ْأولى أركون في أغلب أبحاثه وكتاباته للمقاربة التاريخية أهمية بالغة خاصة‬
‫ً‬
‫النقدية منها‪ ،‬داعيا بضرورة إدخال املنهج التاريخي في صلب دراسة التراث وتحليل العقل‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اإلسالمي‪ ،‬دخوال نقديا ال وصفيا‪ ،‬فما هو النقد التاريخي عند أركون؟ وكيف يمكن فهمه؟‪.‬‬
‫إن النقد باملعنى التاريخي كما يفهمه ويطبقه أركون على أبحاثه والذي يمكن‬ ‫َّ‬

‫تشخيصه في سياق كالمه وتحليالته النقدية‪ ،‬يتحدد في ((اعتبار أن الوحي أو أي حقيقة‬


‫أخرى‪ ،‬ال يمكن تفسيرها خارج تاريخيتها_أي بمعزل عن تطورها ونموها عبر التاريخ_‪ ،‬وما‬
‫طرأ عليها من متغيرات بتأثير من هذا التاريخ عينه) ‪( ،‬نادر‪ ،2008 ،‬صفحة ‪ )47‬إذن هو‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪35‬‬
‫محمد مسيكة ‪ /‬سعاد طيباوي‬

‫يجعل من التاريخ أداة تربط الوحي بالحقيقة‪ ،‬وبما أ َّن اإلنسان أو النفس اإلنسانية تعمل‬
‫على معرفة الحقيقة وكشفها‪ ،‬يقول أركون‪(( :‬إن التاريخية ليست مجرد لعبة ابتكرها‬
‫الغربيون من أجل الغربيين‪ ،‬وإنما هي ش يء يخص الشرط البشري منذ أن ظهر الجنس‬
‫البشري على وجه األرض‪ ،‬وال توجد طريقة أخرى لتفسير أي نوع من أنواع ما ندعوه بالوحي‬
‫أو أي مستوى من مستوياته خارج تاريخية انبثاقه‪ ،‬وتطوره أو نموه عبر التاريخ‪ ،‬ثم‬
‫املتغيرات التي تطرأ عليه تحت ضغط التاريخ)) ‪(،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪،‬‬
‫‪ ،2001‬صفحة ‪ )48‬فهو ال يكتفي بالقراءة التقليدية للنص الديني أو ما يمكن تسميته بـ "‬
‫القراءة املؤمنة " ‪(،‬نادر‪ ،2008 ،‬صفحة ‪ )48‬لذلك فهو يعد كل التركيبات الالهوتية‬
‫اإلسالميةوكل ما أنتجه الفكر اإلسالمي من تفسير وفقه وعلم كالم وغيرها من آراء بشر‪ ،‬أو‬
‫قراءة بشرية لنصوص سماوية‪ ،‬ومن حق املفكر أن يخضعها للبحث البشري التاريخي‪" ،‬‬
‫كل يؤخذ منه ويرد إال صاحب هذا القبر" ‪ -‬أي الرسول محمد (صلى هللا عليه وسلم) ‪-‬‬
‫‪(،‬اإلمام مالك رحمة هللا عليه) إذن هي دعوة إلخضاع كافة اآلراء اإلسالمية للبحث التاريخي‬
‫دون املساس بمصدريه األصيلين " القرآن الكريم والسنة املطهرة "‪.‬‬
‫والنقد هنا (ليس باملعنى السلبي وإنما هو نقد التجسيد التاريخي للوحي أو للمبادئ‬
‫الروحية)‪،‬وبالتالي هو مشروع في العمق أو عمق العمق‪ ،‬وهو في الوقت نفسه حاجة تاريخية‬
‫ملحة‪ ،‬وكما جاء في قول ناقل أفكاره و مترجمه الشخص ي‪ ،‬هاشم صالح‪(( :‬إنها ال تعني‬
‫إطالقا الهجوم على اإلسالم كما توهم بعض السذج الذين يفهمون كلمة " نقد " باملعنى‬
‫السلبي فقط‪ ،‬ألنهم يجهلون معناها الفلسفي العميق كما هو وارد عند كانط‪ ،‬ويضيف‬
‫الكاتب هاشم صالح‪ ،‬وبحسب ما أفهم عن محمد أركون بعد أن عاشرت فكره طيلة أكثر‬
‫من ربع قرن‪ :‬كل التراث العربي – اإلسالمي منذ البداية وحتى اليوم ينبغي أن يتعرض لغربلة‬
‫عامة شاملة‪ ،‬من أجل معرفة بنيته الداخلية‪(،‬كيحل‪ ،2008 ،‬صفحة ‪ )255‬أو كيفية‬
‫تشكله التاريخية طيلة القرون الستة األولى بشكل خاص‪ ،‬فما جف منه وتخشب ومات‬
‫نطرحه ونبقي فقط على الجوهر الروحي واألخالقي لرسالة اإلسالم العظيم‪ ،‬فاملعرفة التي‬
‫نمتلكها عن الفترة التأسيسية للتراث اإلسالمي ال تزال الهوتية – أسطورية‪ ،‬تضعه فوق‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪36‬‬
‫املنهج وآليات نقد التراث عن محمد أركون‬

‫التاريخ أو فوق املشروطية االجتماعية ‪ -‬التاريخية))‪ (.‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪،‬‬
‫‪ ،2009‬صفحة ‪)06‬‬
‫إن أقرب ما يكون إلى فكر أركون وهو يدعو إلى مراجعة فكرنا اإلسالمي القديم هي‬
‫املراجعة النقدية التاريخية ال قدسية فيالوحي اإللهي‪ ،‬فيقول‪( :‬لقد غدت مراجعة فكرنا‬
‫اإلسالمي القديم ضرورة تحتمها املرحلة الحرجة التي يمر بها املسلمون والتي يحتاجون فيها‬
‫إلى موازين علمية هادفة لالنتقال من مرحلة الخمود والجمود إلى املرحلة الحضارية‪،‬‬
‫وينفضون فيها عن أنفسهم غبار الزمن ويعوضون عما فاتهم من التخطيط لبناء فكرهم‬
‫وواقعهم بناء يدفعهم إلى العلم والعمل من جديد‪ ،‬وتلك املراجعة ضرورة تاريخية‪ ،‬ال بد أن‬
‫نقدم عليها بأصالة وثبات للوصول إلى هدفين مهمين‪:‬‬
‫أولهما‪ :‬تمييز ذلك الفكر املرتبط بالزمان واملكان عن الوحي اإللهي املستقل عن‬
‫الزمان واملكان حتى تكون املراجعة مشروعة ومبنية على أساس منطقي‪ ،‬فالفكر يحمل في‬
‫طياته قصور اإلنسان وهو وليس معصوما كالوحي اإللهي‪.‬‬
‫وثانيهما‪ :‬حتى نتعرف على جذور وحركة ذلك الفكر من املراحل التاريخية السابقة‪،‬‬
‫ً‬
‫بكل ما تحمل من خصوصيات تتصل بها وتعبر عنها في ايجابياتها أو سلبياتها‪ ،‬تمهيدا لتبني‬
‫ايجابياتها وحذف سلبياتها من حياتنا‪ ،‬كي ال تسلب امتنا وحدتها العقيدية‪ ،‬فتعيد إليها‬
‫الفرقة والتمزق الفكري االجتماعي من جديد)‪(،‬عبد الحميد محسن‪ ،1987 ،‬صفحة ‪)03‬‬
‫غير أن نقد النقد اعترى كتابات أركون وصوبت نحوها أسهم النقاد دون غيرها من آراء‬
‫املفكرين املسلمين املعاصرين له‪.‬‬
‫واألمر األهم عند أركون هو إضفاء (الصفة التاريخية للخطاب القرآني) ‪(،‬محمد‬
‫أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح ‪ ،1987 ،‬صفحة ‪)264‬واألمر الذي عرف به أركون‪ ،‬فكان‬
‫ً‬
‫مدعاة للنيل من مشروعه‪ ،‬رغم إساءة فهمه من قبل الكثير‪ ،‬غير أن أركون يعمل علنا على‬
‫ً‬
‫استجالء هذه املسألة‪ ،‬رغم عدم توضيحها للقارئ العربي فهما لحد اآلن ألنها تدخل ضمن‬
‫منطقة " املمنوع أو املستحيل التفكير فيه "‪(.‬خليقي‪ ،2010 ،‬صفحة ‪)80‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪37‬‬
‫محمد مسيكة ‪ /‬سعاد طيباوي‬

‫‪ 2-2‬التعقيب األلسني أو السيميائي‪:‬‬


‫اللغة بأدواتها وسيلة من وسائل إصالح العقول ووسيلة أيضا لنقل األفكار من‬
‫عالم التنظير إلى ميدان التطبيق ومنجم دائم لرفد املعرفة بحسب مالئمتها للزمان واملكان‪.‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫وقد اعتمدها أركون مقاربة ومسارا نقديا في مسارات تصحيح ما آل إليه العقل‬
‫اإلسالمي املعاصر‪ ،‬وهنا علينا الخوض في ماهية هذا العلم (اللغة) وأدواته قبل الدخول‬
‫ملقاربة أركون فيه‪ ،‬فقد شهد العالم الفكري ما بين عام ‪ 1966 – 1960‬من القرن املاض ي‬
‫مولد نزعة فلسفية جديدة أخذت طريقها إلى قواميس اللغة‪ ،‬والفلسفة باسم (البنية – ‪La‬‬
‫‪ ،)Structure‬وبالتحديد في العاصمة الفرنسية باريس‪ ،‬ثم لتأخذ صور ومسميات أخرى‬
‫(البنية‪ ،‬والنسق‪ ،‬والنظام‪ ،‬واللغة)‪ ،‬فهي (لم تعد مجرد مفهوم علمي أو فلسفي يجري على‬
‫أقالم علماء اللغة‪ ،‬وأهل األنثروبولوجيا‪،‬وأصحاب التحليل النفس ي‪،‬‬
‫ً‬
‫وفالسفةاألبستمولوجيا أو املهتمين بتاريخ الثقافة فحسب‪ ،‬بل هي قد أصبحت أيضا "‬
‫املفتاح العمومي " التي تستعمل في النقد وفي االقتصاد وغيرها‪ :‬وال شك أن كل هذه‬
‫ً‬
‫التطبيقات التي عرفها منهج التحليل البنيوي ( ومنهم أركون الذي اعتمدها منهجا أصيال )‬
‫هي التي جعلت من " البنية" كلمة واسعة متعددة الدالالت – ‪(، ) polysémique‬إبراهيم‪،‬‬
‫‪ ،1990‬الصفحات ‪ )8-7‬وقبل الغوص في املوضوع البد من تعريف البنية‬
‫ومعناها االشتقاقي وهي من الفعل الثالثي (بنى‪ ،‬يبني‪ ،‬بناء‪ ،‬وبناية‪ ،‬وبنية) وهي‬
‫ً‬
‫التكوين وقد تعني أيضا (الكيفية التي شيد على نحوها هذا البناء أو ذاك)‪ ،‬ومن هنا جاء‬
‫حديثنا عن بناء (املجتمع أو الشخصية أو بنية اللغة التي نحن بصددها‪ ،‬أما في اللغات‬
‫األجنبية‪َّ ،‬‬
‫فإن كلمة ((‪ )structur‬مشتقة من الفعل الالتيني (‪ )struere‬بمعنى يبني أو يشيد)‬
‫‪(،‬إبراهيم‪ ،1990 ،‬صفحة ‪ )29‬وقد وضعت لهذا املصطلح تعاريف عدة بحسب الغرض أو‬
‫الظاهرة التي وظفت لها‪ ،‬لكن من املمكن عندنا اعتماد تعريف (الالند) في معجمه حيث‬
‫يقول‪( :‬إن البنية هي كل مكون من ظواهر متماسكة‪ ،‬يتوقف كل منها على ما عداه‪ ،‬وال‬
‫يمكنه أن يكون ما هو إال بفضل عالقته بما عداه)‪ ،‬ومن خالل هذا التعريف يتبين لنا في‬
‫الفهم الفلسفي ملصطلح " البنية " أن لها عدة أنواع منها البنية الرياضية‪ ،‬البنية النفسية‪،‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪38‬‬
‫املنهج وآليات نقد التراث عن محمد أركون‬

‫البنية االبستيمولوجية‪ ،‬البنية االنثروبولجية‪ ،‬البنية اللغوية‪ ،‬وهي التي تعنينا في بحثنا هذا‬
‫(البنية في ميدان اللسانيات) والتي من خاللها ستشترك كل البنى السابقة في االنصهار من‬
‫خاللها‪.‬‬
‫وقد اختار أركون منذ البداية " علم اللسانيات بشقيه الدياكروني وتعني التطور‪،‬‬
‫والسانكروني وتعني التزامن" في التحليل واتبعه بعلم السيمائيات والذي هو في املرتبة‬
‫الثانية بعد التحليل اللغوي وبعدها يحل التاريخ‪ ،‬والسيسيولوجيا‪ ،‬واألنثروبولوجيا‬
‫‪(،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،1987 ،‬صفحة ‪ )37‬وهكذا نجد أن البنية قد‬
‫أصبحت العامل املشترك الذي يربط أركان ومفاهيم أي حضارة واملتمثلة بـ الالشعور "‬
‫الالهوتي واألسطوري والخيالي "‪ ،‬واللغة‪ ،‬والثقافة وإن هذا التشخيص أو هذه الدعوة‬
‫ً‬
‫اإلسالميةالتي تبناها أركون نجدها امتدادا لدعوة العالم اللغوي ‪ -‬ياكوبسون‪- Jackobson‬‬
‫في كتابه " مقاالت في علم اللغة العام " حيث بين َّ‬
‫أن‪( :‬التوسع التدريجي في عالم الفكر‬
‫اللغوي واالمتداد لجميع الجهات بات يكاد مستوعبالكل علوم اإلنسان) ‪(،‬إبراهيم‪،1990 ،‬‬
‫صفحة ‪ْ )14‬‬
‫وإن كان علماء اللغة يميزون بين مصطلحين فلسفيين تجتمع عندهما البنيوية‬
‫اللغوية هما (الساكروني وتعني‪ :‬التزامن)‪( ،‬والدياكروني وتعني‪ :‬التطور)‪ ،‬ورغم تبني عالم‬
‫اللغة السويسري املشهور " فردناند دي سوسير" والذي كان موقفه بمثابة رد فعل عنيف‬
‫ضد الدراسات التاريخية املقارنة للغات‪ ،‬مما جعله يعطي الصدارة ملا هو " تزامني سكوني "‬
‫على ما هو " تاريخي تطوري "‪ ،‬نجد َّ‬
‫أن أركون رغم إعطاءه األسبقية التصنيفية ملا هو تزامني‬
‫– ساكروني‪ ،‬نجده يزاوج بين املنهجين من خالل أنه يرى بوجوب أسبقية فهم الظاهرة‬
‫اللغوية دون إنكار البعد التاريخي الذي يتزامن معه في الترتيب الذي يليه‪ ،‬أي أنه كان من‬
‫أنصار رافض ي أسبقية " التفسير التاريخي" على " التفسير البنيوي"‪ ،‬نعود ونقول‪ :‬كان‬
‫أركون يزاوج بين املسارين من خالل تبني األدوات اللسانية الحديثة ومباحث الداللة واملعنى‬
‫املتفرعة عنها‪ ،‬فهو يبدأ بالقراءة األلسنية أو اللغوية من أجل إبراز قيمة النص اللغوي‪،‬‬
‫والقصد الغائي من تركيزه على البنية اللغوية والنحوية اللفظية للنص الديني هو‪( :‬لتحرير‬
‫ٌ‬
‫معتبر فوق الزمان واملكان‪ ،‬لكي‬ ‫القارئ من هيبة هذا النص على الصعيد الالهوتي‪ ،‬إذ أ َّنه‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪39‬‬
‫محمد مسيكة ‪ /‬سعاد طيباوي‬

‫يصبح مثل أي نص لغوي يخضع لقوانين الصرف والنحو كسائر النصوص األخرى)‬
‫‪(،‬نادر‪ ،2008 ،‬صفحة ‪ )46‬مع تحديده لخصائص الخطاب القرآني وتميزه عن غيره من‬
‫الخطابات األخرى في اللغة العربية وذلك (من الناحية البالغية واألسلوب واإليقاع ‪ -‬النظم ‪-‬‬
‫)‪(،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح ‪ ،1987 ،‬صفحة ‪ )72‬وليس بهدف إبراز تفوق‬
‫الخطاب القرآني على غيره باعتماد نظرية اإلعجاز التي كانت تؤكد الدور الحاسم للصيغ‬
‫التعبيرية اللغوية في انبثاق الوعي بالكتاب السماوي (القرآن)‪(،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم‬
‫صالح ‪ ،2001 ،‬صفحة ‪ )100‬فهذه الصيغ التعبيرية هي التي تحدد تصرفات املؤمنين‬
‫الشعائرية واألخالقية والقانونية وحتى الفكرية والتخيلية‪(.‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم‬
‫صالح ‪ ،2001 ،‬صفحة ‪.)54‬‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫أما قراءة أركون للمجهود االستشراقي في هذا املجال فلم يكن عمال منقطعا أو‬
‫ً‬
‫منفصال عما بدأه غيره من املستشرقين في سبر أغوار النص القرآني باعتماد املنهج اللساني‬
‫وفق املعطيات الواقعية لتاريخ القرآن‪ ،‬هذه املنهجية التي غفل عنها أغلب مفسرو القرآن‬
‫السابقون والالحقون‪ ،‬باستثناء ما جاء به السيوطي" جالل الدين عبد الرحمن ‪-911‬‬
‫ً ً‬ ‫ً‬
‫‪1505‬م " في كتاب (إتقان علوم القرآن) إذ يعده أركون جهدا فكريا حرا وسط عماء فكري‬
‫‪(،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح ‪ ،1987 ،‬صفحة ‪ ،)247‬ونعود ألركون لنراه رغم‬
‫اشادته بمشروع السيوطي كما أشرنا‪ ،‬إال َّ‬
‫أن هذا املجهود اعترته عيوب تمثلت أساسا في‬
‫نزع الصفة التاريخية عن الخطاب القرآني‪ ،‬وهذا ما سينتبه إليه الخطاب‬
‫االستشراقي‪(،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح ‪ ،1987 ،‬صفحة ‪ )264‬ولعله يعني بهذا‬
‫القول ذلك الرعيل األول من املستشرقين التاريخيين األملان والذين جاءوا بعد "أبراهام‬
‫جيجر‪ "Abraham Geiger‬وهو حاخام يهودي اعتمد في قراءته وتحليالته على تفسيري‬
‫البيضاوي والجاللين وهما مشتركان في املعتقد األشعري‪ ،‬هذا الرعيل الذي تمايز عن‬
‫سابقيه بالخروج عن مقاصد الدراسة الجدلية التي كانت تتبناها الدوائر الكنائسية‬
‫واليهودية‪ ،‬وانصبت اهتماماتهم على الدراسات القرآنية بمنهجهم الفيلولوجي‪ ،‬ومن اشهر‬
‫الدراسات نجد " تيودور نولدكه" في أطروحته " تركيب القرآن ‪ /‬أو تاريخ القرآن ‪1858‬م"‪،‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪40‬‬
‫املنهج وآليات نقد التراث عن محمد أركون‬

‫إذ يصفه أركون‪( :‬رغم ما فيه من ثغرات فإنه تمكن من إدخال التاريخ النقدي للخطاب‬
‫القرآني ضمن األبحاث القرآنية) ‪(،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح ‪ ،1987 ،‬صفحة‬
‫‪ )264‬ومع ذلك التقييم للجهد االستشراقي غير املنكر من قبل أركون‪ ،‬إال أن (تلك املحاوالت‬
‫لم تشبع فضول الباحث والذي يروم في بحثه بين املزاوجة بين التحليل التاريخي‬
‫االنثروبولوجي‪ ،‬والتحليل اللساني ألتزامني لسبر أغوار النص القرآني) ‪(،‬خليقي‪،2010 ،‬‬
‫ً‬
‫صفحة ‪ )84‬وهذا ما كان يطمح إليه أركون معتمدا نظرية النقد األدبي لتعرية األسس‬
‫الالهوتية التي تقوم عليها نظرية اإلعجاز‪ ،‬وبذلك يحاول أركون ومن خالل قراءته‬
‫التجديدية على تحرير العقل الدوغمائي من كل القيود االبستمولوجية‪ ،‬لنقل هذا العقل‬
‫من حالة الركود والسكون إلى الحداثة واإلبداع‪.‬‬
‫‪ 3-2‬التعقيب االنثروبولوجي‪:‬‬
‫أما اإلطار الثالث ملنظومة نقد العقل اإلسالمي كما مارسه أركون فقد تجلى باملعنى‬
‫"االنثروبولوجي"‪ ،‬فهو يرتكز على التفكير بما يسميه (املثلث االنثروبولوجي) املمثل بـ "‬
‫العنف‪ ،‬التقديس‪ ،‬الحقيقة "‪ ،‬وقد نعت أركون هذا املثلث باالنثروبولجي بحسب قوله‪:‬‬
‫(ألنه موجود في كل املجتمعات البشرية وليس فقط في املجتمعات اإلسالمية‪ .‬فالعالقة بين‬
‫ً‬
‫املقدس والحقيقة والعنف موجودة لدى اليهود واملسيحيين أيضا بل ولدى شعوب الشرق‬
‫األقص ى والشعوب األفريقية وكل الشعوب‪ ،‬إنها بالفعل ظاهرة أنثروبولجية‪ :‬أي إنسانية‬
‫تخص اإلنسان في كل مكان‪ ،‬وإن تكن تتخذ تجليات مختلفة بحسب خصوصيات الشعوب‬
‫وأديانها وثقافاتها) ‪ (،‬محمد أركون‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ )41‬فهو يدعوا‬
‫ويعمل في تطبيق مشروعه من خالل إخضاع املباحث الكالمية ملعطيات االنثروبولوجية‬
‫الدينية واملخيال الجماعي ومضامين الذاكرة في الالوعي‪(،‬إن النقد في هذا املجال من شأنه‬
‫أن يكشف عن العامل الالعقالني املسكوت عنه واملجهول واملرمي في دائرة الالمفكر فيه)‬
‫‪(،‬نادر‪ ،2008 ،‬صفحة ‪ )48‬وهنا تكمن الغاية‪ ،‬التي يبتغيها أركون من وراء هذا املنهج‬
‫النقدي املالمس لواقع األمة اإلسالمية املعاش وهي تعيش هذه الصراعات الدامية بين‬
‫الطوائف والتي مردها " ذلك املثلث االنثروبولوجي " (العنف‪ ،‬التقديس‪ ،‬الحقيقة‪ :‬هذه هي‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪41‬‬
‫محمد مسيكة ‪ /‬سعاد طيباوي‬

‫األركان الثالثة التي ال تنفصم والتي يرتكز عليها الوجود املباشر للجماعة " املؤمنة " وأملها‬
‫ً‬
‫بالنجاة في الدار اآلخرة)‪( ،‬محمد أركون ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ ،2009 ،‬صفحة ‪ ،)234‬إذا هي‬
‫ً‬
‫جدلية الطائفة الناجية‪ ،‬ومنظومة تحديد وتوصيف هذه الطائفة والتي قطعا هي تختلف‬
‫باختالف األنظمة االيدلوجية ذات الهيمنة الدينية أو السياسية‪ ،‬وهذا مانراه في لبنان‬
‫وإيران وباكستان وغيرها‪ ،‬وكيف عمل هذا املثلث االنثروبولوجي ليصبح ومن خالل العقول‬
‫املحركة له هو الباعث واملهيمن على الساحة السياسية‪.‬‬
‫إذن تنامي ظاهرة العنف كانت السبب الذي دفعه للبحث في أسبابه وأهدافه‬
‫والتي وجدها مرتبطة بأركان هذا املثلث‪ ،‬بل إن أركون يعود إلى التحليل النفس ي العام‬
‫ليوسع دائرة تأثير هذا املثلث ليشمل به كل املجتمعات اإلنسانية فيقول‪( :‬العنف‪،‬‬
‫ّ‬ ‫َّ‬
‫ومشكل للكينونة الجماعية‪،‬‬
‫ِّ‬ ‫التقديس‪ ،‬الحقيقة‪ :‬هذه هي األركان الثالثة لكل تراث مشكل‬
‫أو للوجود الجماعي على األرض‪ ،‬وال تخلو منها أمة من األمم أو قبيلة من القبائل أو دين من‬
‫األديان‪ ،‬والجماعة مستعدة للعنف من أجل الدفاع عن حقيقتها املقدسة) ‪(،‬نادر‪،2008 ،‬‬
‫صفحة ‪ ،)235‬واإلسالم واملسيحية وفق هذا التعميم َّ‬
‫معنيان أكثر من غيرهما من األديان‬
‫بتطبيق هذه االفتراضية على الواقع العملي بحكم سعة انتشارهما‪ّ ،‬‬
‫وحدة املواجهة‬
‫ً‬
‫املقدسة بينهما والتي يدعمها العنف غالبا من أجل ما تسمى الحقيقة باسم " الحرب‬
‫املقدسة "‪ ،‬وهنا يتسع عند أركون "مفهوم الحرب املقدسة " ليخرجها من الدائرة العلمانية‬
‫[ الفكرية ]‪ ،‬وهذا تفرد فكري يحسب له ال عليه‪ ،‬وبالعودة إلى أركون ونقده – األنثروبولوجي‬
‫– يقول‪( :‬من وجهة نظر األنثروبولوجيا االجتماعية والثقافية‪ ،‬فإنه ال يمكننا أن نحصر‬
‫مفهوم الحرب املقدسة في الدائرة الدينية وحدها‪ ،‬فهي موجودة أيضا في الدائرة العلمانية‬
‫ولكنهم يتوهمون أنهم يتحاشون التلوينات الدينية إذ يغيرون املصطلح فيتحدثون عن‬
‫ً‬
‫الحرب العادلة أو الشرعية بدال من الحرب املقدسة أو الجهاد‪ ،‬لكن املصطلح األول ليس‬
‫ً‬
‫أجنبيا على التلوينات الالهوتية) ‪(،‬نادر‪ ،2008 ،‬الصفحات ‪ )165-164‬لذلك هو يفضل‬
‫استخدام املنظور الشمولي لألنثروبولجيا التاريخية من أجل تجاوز كال الجانبين ‪ -‬الديني‬
‫ً‬
‫والعلماني ‪ -‬أو من أجل اإلحاطة بهما معا‪ ،‬لذلك هو يعمم "مثلثه األنثروبولوجي " ‪ -‬العنف‪،‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪42‬‬
‫املنهج وآليات نقد التراث عن محمد أركون‬

‫التقديس‪ ،‬الحقيقة حيث يرى أنه موجود بشكل ضمني أو صريح كامن أو ملتهب في كل فكر‬
‫متماسك وكل ممارسة للبشر في املجتمع‪ ،‬والتي ال يخلو مجتمع بشري منها على حد رأيه‪،‬‬
‫وقد فند من هذا البعض ممن تناولوا فكر أركون بالنقد والتحليل ذلك التعميم فقالوا‪:‬‬
‫(أركون يصور العلماء وكأن همهم الوحيد هو الكراس ي واالستماتة على السلطة‪ ،‬متناسين‬
‫مهمتهم العلمية وغايتهم النظرية وتوقهم إلى الحقيقة ‪ -‬لقوله‪ :‬العنف ظاهرة معممة في كل‬
‫املجاالت وحتى الخطاب البشري ينطوي في داخله على إرادة القوة ‪.......‬بما في ذلك الخطاب‬
‫املعرفي ألنه يهدف إلى إقناع اآلخرين به‪ ........‬بما في ذلك خطابي هذا ‪(،‬املزوغي‪،2007 ،‬‬
‫صفحة ‪ )148‬حيث وصف كالمه هذا‪ ( :‬بالسفسطة‪ ،‬وعمومية مخلة بروح العلم‪ ،‬وتخدش‬
‫الصورة املعرفية للعلماء) ‪(،‬املزوغي‪ ،2007 ،‬صفحة ‪ )151‬وقد ساق أصحاب هذا االنتقاد‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫اكتفاء به عن غيره من األمثلة ألنه قريب العهد بنا‬ ‫مثاال واحدا معبرا " بحسب رأيهم "‬
‫لعلماء كبار لم يتصرفوا بعنف مع أقرانهم‪ ،‬ولم يشعروا باملزاحمة الشرسة‪ ،‬مع إنهم عاشوا‬
‫في جو ثقافي وسياس ي واقتصادي برزت فيه روح التنافس واكتسحت كل املجاالت الحيوية‬
‫لإلنسان سنة ‪1913‬م وذلك عندما فرض أينشتاين نظريته في الفيزياء من خالل قوة‬
‫صدقها ومطابقتها للواقع ‪ .........‬استدعى ذلك الفيزيائي األوربي الشهير ‪ -‬ماكس بالنك –‬
‫رئيس األكاديمية امللكية للعلوم في بريطانيا دعوته لالنضمام إليهم مع أنه لم يكن أستاذا‬
‫ً‬
‫جامعيا‪ ،‬ثم وصف انجازاته العلمية باألعظم في تاريخ الفكر البشري‪ ،‬ولم ينل منه‪ ،‬في حين‬
‫سقط أركون في العموميات‪(.‬املزوغي‪ ،2007 ،‬صفحة ‪)150‬‬
‫نقول‪ :‬نعم التعميم يفسد التقييم‪ ،‬لكن مما يؤسف له ذلك الفهم الخاطئ لبعض‬
‫قراءات أركون‪ ،‬يقابله اختيار املثل الخاطئ أيضا ‪ ........‬فالنتائج العلمية التي توصل إليها‬
‫اينشتاين علمية يحكمها املنطق الرياض ي من قبيل "‪ ،"2 = 1+1‬وهو علم ال ينكره إال‬
‫جاهل‪ ،‬ال بل كان األحرى بهم استخدام مدى تقبل العرب واملسلمين لنتائج اينشتاين‬
‫العلمية وإدراجها في املناهج مع ديانته واقترانها بالعداء (الصهيوني ـ اإلسالمي ـ العربي)‪،‬‬
‫فهذه ليست حجة من جهة‪ ،‬ومن جهة أخرى إنما عنى أركون‪ ،‬بإرادة القوة والعنف‪ ،‬في‬
‫قبول أو تقبل أي خطاب إنما يقصد الخطابات املعرفية ذات الطابع السياس ي أو‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪43‬‬
‫محمد مسيكة ‪ /‬سعاد طيباوي‬

‫االقتصادي أو االجتماعي ‪ .......‬ألن الحقيقة في ذلك ستكون نسبية وليس حقيقية‪ ،‬وبقدر‬
‫دفاعك واستماتتك من أجل صحة قولك سيكون ذلك بمثابة إثبات‪ ،‬وهنا تكون القوة أو‬
‫العنف الفكري هي الفاصل‪.‬‬
‫أن لهذا العنف املقدس تجليات حتى في الدعوات السماوية السامية‪ ،‬تحكمها‬ ‫كما َّ‬
‫ً‬
‫أحيانا وحسب رأي الفقهاء ( الضرورات )‪ ،‬فهذه هي الدعوة اإلسالمية التي ال يدانيها سمو‪،‬‬
‫ً‬ ‫ً‬ ‫ً‬
‫فمع أن (املوعظة الحسنة) كانت بل فرضت منهاجا إسالميا ربانيا لها‪ ،‬وبها انتشر اإلسالم‪،‬‬
‫ُ‬ ‫َ َ ُّ َ ُ ْ َ ْ َ‬
‫اس َتط ْع ُت ْم ِّم ْن ق َّو ٍة َو ِّم ْن‬ ‫لكن في الوقت نفسه ال نستطيع إنكار قوله تعالى‪ { :‬وأ ِّعدوا لهم ما‬
‫َ‬ ‫َ‬
‫ين م ْن ُدونه ْم ال َت ْعل ُم َون ُه ُم ُ‬
‫َّللا َي ْعل ُم ُه ْم َو َما‬
‫َّ‬ ‫رَباط ْال َخ ْيل ُت ْره ُبو َن به َع ُد َّو َّ َ َ ُ َّ ُ ْ َ َ َ‬
‫ِّ ِّ‬ ‫َّللا وعدوكم وآخ ِّر ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫َّ ُ َ َّ َ ْ ُ ْ َ َ ْ ُ ْ ُ ْ َ ُ نَ‬ ‫َ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫ُ‬ ‫ُْ‬
‫َّللا يوف ِّإليكم وأنتم ال تظلمو } األنفال‪ ،60:‬ألم تمثل هذه اآلية‬ ‫تن ِّفقوا ِّمن ش ْي ٍء ِّفي س ِّب ِّيل ِّ‬
‫بالذات ( ذلك املثلث األنثروبولوجي القوة = العنف‪ ،‬أعداء هللا = املقدس‪ ،‬وانتم ال تظلمون‬
‫ْ ْ‬ ‫َ‬
‫= الحقيقة)‪ ،‬جاء في تفسير سيد قطب‪ ،‬لآلية قال هللا تعالى‪ْ  :‬اد ُع ِّإلى َس ِّب ِّيل َرِّّب َك ِّبال ِّحك َم ِّة‬
‫ض َّل َع ْن َس ِّب ِّيل ِّه َو ُه َو‬ ‫َو ْاملَ ْوع َظة ْال َح َس َنة َو َجاد ْل ُه ْم ب َّالتي ه َي َأ ْح َس ُن إ َّن َرَّب َك ُه َو َأ ْع َل ُم ب َم ْن َ‬
‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ‬ ‫ِّ ِّ‬
‫ين ‪‬‬ ‫لصابر َ‬ ‫َ‬
‫َ َ ْ ْ ُ َ ْ ٌ َّ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬ ‫ُ‬
‫َ ُ ْ ْ َ‬ ‫ْ‬ ‫َ ْ َ ُ ُْْ َ َ َ ْ ْ َ ُ‬
‫َ‬ ‫ُ‬ ‫َ‬ ‫ْ‬ ‫َ‬
‫أعلم ِّباملهت ِّدين * و ِّإن عاقبتم فعا ِّقبوا ِّب ِّمث ِّل ما عو ِّقبتم ِّب ِّه ول ِّئن صبرتم لهو خير ِّل ِّ ِّ‬
‫أن بين أسلوب الدعوة املقترن بالحكمة ومزاياها االيجابية‪ ،‬لكنه‬ ‫النحل‪ ،126 -125 :‬بعد ْ‬

‫في الوقت نفسه بين الحكمة أيضا في تتمة اآلية الثانية بقوله‪(( :‬االعتداء عمل مادي يدفع‬
‫ً‬ ‫ً‬
‫بمثله إعزازا لكرامة الحق‪ ،‬ودفعا لغلبة الباطل‪ ،‬وليس ذلك بعيدا عن دستور الدعوة فهو‬
‫جزء منه‪ ،‬فالدفا ع عن الدعوة في حدود القصد والعدل يحفظ لها كرامتها وعزتها‪ ،‬فال‬
‫تهون في نفوس الناس‪ ،‬والدعوة املهينة ال يعتنقها أحد)) ‪(،‬قطب‪ ،‬بدون تاريخ‪ ،‬صفحة‬
‫‪ ،)111‬فهذا هو العنف الذي قصده أركون‪ ،‬العنف الذي يفسر أحيانا "حكمة "‪ ،‬وهل‬
‫الحكمة إال صواب األمور‪ ،‬علما أن العنف قليل ما يبتدئ به الداعي بل هو سمة املدعو‬
‫دائما وذلك للحفاظ على ارثه وقديمه املخزون الذي يريد الحفاظ عليه‪.‬‬
‫خاتمة‪:‬‬
‫ومما تقدم‪ ،‬نرى أن مشروع محمد أركون النقدي‪ ،‬كان من بين املشاريع العربية‬
‫األولى‪ ،‬والسباقة إلى قراءة التراث العربي والعقل العربي وبنية تكوينه‪ ،‬قراءة معاصرة‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪44‬‬
‫املنهج وآليات نقد التراث عن محمد أركون‬

‫ومنهجية‪ ،‬وفي حقيقة األمر أن قراءة ومنهج محمد أركون للتراث‪ ،‬ماهي إال مقاربة عامة‪،‬‬
‫ً‬
‫قام فيها بنقد التراث والتطرق إلى وسائل التعامل مع النص الديني خصوصا‪.‬‬
‫كما أن مشروعه ابتعد كل البعد عن التفسيرات الكالسيكية التي كانت متمسكا‬
‫بقداسة النص الديني‪ ،‬لقد اعتمد في نقده للتراث على الحفريات األنثربولوجية والتفكيكية‬
‫للنصوص‪ ،‬ومحاولة فهمها فهما يتماش ى مع مكونات العصر‪ .‬لقد استند املشروع األركوني‬
‫على املنهج التفكيكي الحفري الذي قام على التحليل دون التركيب والبناء‪ ،‬ومن خالله قام‬
‫بتحطيم أساسيات ومقومات بينة العقل العربي‪ ،‬دون إعادة إعطاء تركيبة جديدة‪ ،‬وكأن‬
‫مشروعه قائم على نفس أفكار الفيلسوف الفرنس ي "جاك دريدا" الذي حطم مقومات‬
‫العقل الغربي من هوية وتاريخ وميتافيزيقا ولغة‪...‬الخ‪ ،‬دونما إعطاء مشروع بديل‪.‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪45‬‬
‫محمد مسيكة ‪ /‬سعاد طيباوي‬

‫قائمة املراجع‪:‬‬

‫أركون‪ ،‬محمد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ .)2009( .‬نحو نقد العقل اإلسالمي‪ .‬بيروت لبنان‪ :‬دار‬
‫الطليعة للطباعة والنشر‪ ،‬ط ‪.01‬‬
‫أركون‪ ،‬محمد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ .)1993( .‬الفكر اإلسالمي‪ .‬نقد واجتهاد‪ .‬الجزائر‪:‬‬
‫املؤسسة الوطنية للكتاب‪ ،‬ب ط‪.‬‬
‫اإلمام مالك رحمة هللا عليه‪.‬‬
‫زكريا‪ ،‬إبراهيم‪ .)1990( .‬مشكلة البنية‪ .‬مصر‪ :‬مكتبة مصر للنشر والتوزيع‪.‬‬
‫سيد قطب‪( .‬بدون تاريخ)‪ .‬في ظالل القرآن‪ .‬القاهرة مصر‪ :‬دار إحياء الكتب العربية‪ ،‬ط‪1‬‬
‫ج‪.14‬‬
‫عبد الحميد‪ ،‬محسن‪ .)1987( .‬الفكر اإلسالمي تقويمه وتجديده‪ .‬العراق‪ :‬دار االنبار‬
‫للطباعة والنشر‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫بن علي‪ ،‬عبد الغني‪ .)2005/2004( .‬النزعة النقدية في فكر محمد أركون‪ .‬تم االسترداد من‬
‫رسالة مجاستير جامعة الجزائر ‪.02‬‬
‫خليقي‪ ،‬عبد املجيد‪ .)2010( .‬قراءة النص الديني عند محمد أركون‪ .‬بيروت لبنان‪ :‬منتدى‬
‫املعارف‪ ،‬ط‪.1‬‬
‫أركون‪ ،‬محمد ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ .)2009( .‬قضايا في نقد العقل الديني‪ ،‬كيف نفهم‬
‫اإلسالم اليوم ؟ ‪ .‬بيروت لبنان‪ :‬دار الطليعة‪ ،‬ط‪. 4‬‬
‫العوا‪ .)1985( . ،‬الفكر العربي‪ .‬بيروت لبنان‪ :‬منشورات‬ ‫أركون‪ ،‬محمد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬عادل ّ‬
‫عويدات ط ‪.03‬‬
‫أركون‪ ،‬محمد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح ‪ .)1987( .‬الفكر اإلسالمي‪ :‬قراءة علمية‪ .‬بيروت لبنان‪:‬‬
‫مركز اإلنماء القومي‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫أركون‪ ،‬محمد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ .)1987( .‬تاريخية الفكر العربي اإلسالمي‪ .‬بيروت‬
‫لبنان‪ :‬مركز اإلنماء القومي‪ ،‬ط‪. 1‬‬
‫أركون‪ ،‬محمد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح ‪ .)2001( .‬القرآن من التفسير املوروث إلى تحليل‬
‫الخطاب الديني‪ .‬بيروت لبنان‪ :‬دار الطليعة‪ ،‬ط‪. 2‬‬
‫أركون‪ ،‬محمد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ .)2001( .‬اإلسالم أوروبا الغرب‪ ،‬رهانات املعنى‬
‫وإرادات الهيمنة‪ .‬بيروت لبنان‪ :‬دار الساقي‪ ،‬ط‪.2‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪46‬‬
‫املنهج وآليات نقد التراث عن محمد أركون‬

‫أركون‪ ،‬محمد ‪ ،‬ترجمة‪ :‬هاشم صالح‪ .)2001( .‬القرآن من التفسير املوروث إلى تحليل‬
‫الخطاب الديني‪ .‬بيروت لبنان‪ :‬دار الطليعة‪ ،‬ط‪. 2‬‬
‫املزوغي‪ ،‬محمد‪ .)2007( .‬العقل بين التاريخ والوحي حول العدمية النظرية في إسالميات‬
‫محمد أركون‪ .‬أملانيا ‪ -‬كولونيا‪ :‬منشورات الجمل ـ بغداد ـط‪.1‬‬
‫كيحل‪ ،‬مصطفى‪ .)2008( .‬االنسنة والتأويل في فكر محمد أركون‪ .‬تأليف رسالة دكتوراه‪.‬‬
‫جامعة قسنطينة‪.‬‬
‫أبي نادر‪ ،‬نايلة‪ .)2008( .‬التراث واملنهج بين أركون والجابري‪ .‬بيروت لبنان‪ :‬الشبكة العربية‬
‫لألبحاث والنشر‪ ،‬ط ‪.01‬‬

‫مجلة الراصد لدراسات العلوم االجتماعية‪ .‬املجلد ‪2022 )02(2‬‬


‫‪47‬‬

You might also like