Download as pdf or txt
Download as pdf or txt
You are on page 1of 14

‫رابعا ـ نشأة اللغة العربية ونشأة الدراسات اللغوية(‪:)1‬‬

‫دتهيد‪:‬‬

‫مر العصور‪ ،‬وتص ّدى للبحث عنها كثَت‬


‫لقد شغلت قضية نشأة اللغة اإلنسانية ادلف ّكرين على ّ‬
‫من العلماء والفبلسفة‪ ،‬وادلتكلّمُت واللغويُت‪.‬‬

‫وقد بذلت جهود كثَتة‪ ،‬وأجريت جتارب متع ّددة لكشف ىذه القضية‪ ،‬فلم يتم االتفاق على رأي‬
‫وتوصلوا إىل نظرايت عديدة أشهرىا أربع نظرايت‪ :‬نظرية‬
‫واحد‪ ،‬بل ذىبوا مذاىب شىت‪ّ ،‬‬
‫التوقيف واإلذلام‪ ،‬ونظرية التواضع واالصطبلح‪ ،‬ونظرية التقليد وا﵀اكاة‪ ،‬ونظرية الغريزة‬
‫الكبلمية‪.‬‬

‫صحح ا﵀ ّققون إدخال ىذه ادلسألة يف علم األصول‬


‫ولكل دليلو على ما ذىب إليو وتبنّاه‪ ،‬وقد ّ‬
‫وقررت اجلمعية‬
‫من الفضول‪ ،‬وذلذا انصرف الباحثون مؤ ّخرا عن اخلوض يف ىذا ادلوضوع‪ّ " ،‬‬
‫اللغوية يف ابريس عدم مناقشة ىذا ادلوضوع هنائيا‪ ،‬أو قبول أي حبث فيو لعرضو يف جلستو"(‪.)2‬‬

‫‪ 1‬ـ أمهية تناول موضوع نشأة اللغات(‪:)3‬إنّو رغم احتدام النقاش واجلدال بُت العلماء يف أصل‬
‫نشأة اللغات‪،‬مع صعوبة سبلمة أدلة كل فريق من االعًتاضات إال أ ّن تناول ىذه النقطة ابلذات‬
‫أقصد تفسَت نشأة الكبلم اإلنساين ذلا دواعيها‪ ،‬ومنها‪:‬‬

‫أ ـ معرفة عناية العلماء هبذا ادلوضوع‪.‬‬

‫ب ـ إ ّن ىذه القضية شغلت حيّزا من التفكَت‪ ،‬وانلت قدرا وافرا من اجلهد‪.‬‬

‫ج ـ بيان أ ّن علماء ادلسلمُت قد شاركوا يف ىذا ادلوضوع‪ ،‬وعرضوا آراء ال تقل جدية واستدالال‬
‫عما ق ّدمو غَتىم قدديا وحديثا‪ ،‬بل رمبا فاقوا غَتىم وسبقوه‪.‬‬
‫ّ‬
‫وقد أشار الشنقيطي صاحب مراقي السعود إىل اخلبلف يف نشأة اللغات بقولو‪:‬‬

‫(‪ )1‬فقو اللغة ـ مفهومو ـ موضوعاتو ـ قضاايه‪ :‬دمحم بن إبراىيم احلمد[‪55‬وما بعدىا]‪.‬‬
‫(‪)2‬‬
‫علم اللغة‪ :‬الدكتور حامت الضامن[‪.]95‬‬
‫(‪ )3‬فقو اللغة ـ مفهومو ـ موضوعاتو ـ قضاايه‪ :‬دمحم بن إبراىيم احلمد[‪55‬وما بعدىا]‪.‬‬
‫واللغة الرب ذلا قد وضعا*****وعزوىا لبلصطبلح قد مُسعا‬
‫(‪)4‬‬
‫فباإلشارة وابليقُت*****كالطفل فهم ذي اخلفاء البُت‬

‫‪ 2‬ـ نظرايت نشأة اللغة(‪:)5‬‬

‫النظرية األوىل‪ :‬نظرية التوقيف واإلذلام(‪ :)6‬حقيقتها‪ ،‬وأصحاهبا‪ ،‬وأدلتهم عليها واالعًتاض عليها‬
‫من طرف ادلخالفُت‪.‬‬

‫أ ـ حقيقة نظرية التوقيف واإلذلام‪ :‬وخبلصتها أ ّن اللغة اإلنسانية إذلام‪ ،‬ووحي من هللا تعاىل‪،‬‬
‫توقيفية ال رلال لبلجتهاد فيها‪ ،‬وال يد لئلنسان يف وضعها‪.‬‬

‫*فا﵁ تعاىل علّم آدم أُساء األشياء كلها ما خلق وما مل خيلق جبميع اللغات اليت يتكلّم هبا أوالده‬
‫تفرقوا تكلّم كل قوم بلسان ألفوه‪ ،‬واعتادوه(‪.)7‬‬
‫فلما ّ‬
‫بعده فأخذ عنو أوالده اللغات‪ّ ،‬‬
‫ب ـ أصحاب نظرية التوقيف واإلذلام‪ :‬وذىب إىل ىذه النظرية كل من الفبلسفة اليواننيُت‬
‫[ىرقليطس]و [ىَتالكيت‪/‬ت‪480‬ق‪ .‬م]‪ ،‬ومال إليها بعض ادلم ْحدثُت منهم األب‬
‫الفرنسي[المي‪/‬ت‪1711‬م]‪ ،‬وبعض علماء اللغة اذلنود‪ ،‬وقال هبا عدد غَت قليل من علماء‬
‫ادلسلمُت‪ ،‬ومنهم أبو بكر عبد العزيز‪ ،‬والشيخ أبو دمحم ادلقدسي‪ ،‬وطوائف من أصحاب اإلمام‬
‫أزتد‪ ،‬واألشعري‪ ،‬وابن فورك وغَتىم(‪ ،)8‬وأبو علي اجلمبّائي [ت‪330‬ه]‪ ،‬وعلي بن عيسى‬

‫(‪)4‬‬
‫مراقي السعود دلبتغي الرقي والصعود‪ :‬الشنقيطي[البيت ‪.]168/167‬‬
‫(‪ )5‬فقو اللغة ـ مفهومو ـ موضوعاتو ـ قضاايه‪ :‬دمحم بن إبراىيم احلمد[‪56‬وما بعدىا]‪ ،‬الوجيز يف فقو اللغة العربية‪ :‬عبد القادر دمحم مايو[‪24‬وما‬
‫بعدىا]‪.‬‬
‫(‪)6‬‬
‫ادلزىر‪ :‬السيوطي[‪ 8/1‬ـ ‪ ،]18‬فقو اللغة ـ مفهومو ـ موضوعاتو ـ قضاايه‪ :‬دمحم بن إبراىيم احلمد[‪56‬وما بعدىا]‪ ،‬نظرايت العلماء ادلسلمُت‬
‫يف نشأة اللغة‪ :‬الدكتور حازم سعيد البيايت‪ ،‬رللة شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬اجمللد الثاين عشر‪ ،‬العدد األول‪2007 ،‬م[ ‪124‬وما‬
‫بعدىا]‪ ،‬يف علم اللغة العام‪ :‬الدكتور عبد الصبور شاىُت[‪70‬وما بعدىا]‪ ،‬فقو اللغة يف الكتب العربية‪ :‬الدكتور عبده الراجحي[‪77‬وما بعدىا]‪،‬‬
‫اتريخ آداب العرب‪ :‬دمحم صادق الرافعي[‪47‬وما بعدىا]‪.‬‬
‫(‪)7‬‬
‫نظرايت العلماء ادلسلمُت يف نشأة اللغة‪ :‬الدكتور حازم سعيد البيايت‪ ،‬رللة شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬اجمللد الثاين عشر‪،‬‬
‫العدد األول‪2007 ،‬م[ ‪.]126‬‬
‫(‪)8‬‬
‫رلموع الفتاوى‪ :‬ابن تيمية[‪.]240/12‬‬
‫الرّماين[ت‪384‬ه] وابن فارس‪ ،‬واجلاحظ(‪ ،)9‬وابن جٍت يف أحد أقوالو حيث ذكر أنّو بعد حبث‬
‫ُّ‬
‫وتنقَت قد قوي يف نفسو اعتماد كوهنا توقيفا من هللا تعاىل‪ ،‬وأهنّا وحي(‪.)10‬‬

‫*وقد عقد ابن فارس يف كتابو [الصاحيب]اباب عنوانو[القول على لغة العرب أتوقيفية أم‬
‫وقرر يف ىذا الباب أبهنّا توقيفية(‪.)11‬‬
‫اصطبلحية؟]‪ّ ،‬‬
‫ج ـ أدلة أصحاب نظرية التوقيف واإلذلام‪ :‬وىي نوعان نقلية وعقلية‪:‬‬

‫*من األدلة النقلية‪ :‬ومنها‪:‬‬

‫ـ وقد اعتمد غَت ادلسلمُت على ما ورد يف التوراة من أ ّن هللا تعاىل خلق رتيع احليواانت والطيور‬
‫مث عرضها على آدم عليو السبلم لَتى كيف يسميها‪ ،‬فوضع آدم أُساء جلميع احليواانت‬
‫ادلستأنسة‪ ،‬وطيور السماء‪ ،‬وذوات العقول‪.‬‬

‫ونص ما يف التوراة‪[:‬وجبل الرب اإللو من األرض كل حيواانت الربية‪ ،‬وكل طيور السماء‬
‫ّ‬
‫فسمى‬
‫فأحضرىا إىل آدم لَتى ماذا يدعوىا‪ ،‬وكل ما دعا بو آدم ذات نفس حية‪ ،‬فهو اُسها‪ّ ،‬‬
‫آدم رتيع البهائم‪ ،‬وطيور السماء‪ ،‬ورتيع حيواانت الربية] (‪.)12‬‬

‫اء مكلَّ َها﴾(‪.)13‬‬


‫َُسَ َ‬ ‫ـ وعند ادلسلمُت‪ :‬ومنها‪ :‬قولو تعاىل‪َ ﴿ :‬و َعلَّ َم َ‬
‫آد َم ْاأل ْ‬
‫قال ابن فارس‪":‬أقول إ ّن لغة العرب توقيف‪ ،‬ودليل ذلك ـ وذكر اآلية السابقة الذكر ـ فكان ابن‬
‫عباس يقول‪ :‬علّم األُساء كلها‪.‬‬

‫وىذه ىي اليت يتعارفها الناس من دابة‪ ،‬وأرض‪ ،‬وسهل ‪ ،‬وجبل‪ ،‬وزتار‪ ،‬وأشباه ذلك من األمم‬
‫وغَتىا‪.‬‬

‫(‪)9‬‬
‫رسائل اجلاحظ‪ :‬حتقيق عبد السبلم ىارون[‪ ،]191/3‬علم اللغة‪ :‬حامت الضامن[‪.]6‬‬
‫(‪)10‬‬
‫اخلصائص‪ :‬ابن جٍت[‪.]47/1‬‬
‫(‪)11‬‬
‫الصاحيب‪ :‬ابن فارس[‪.]31‬‬
‫(‪)12‬‬
‫سفر التكوين‪ ،‬اإلصحاح الثاين[‪.]19‬‬
‫(‪)13‬‬
‫البقرة‪31 :‬‬
‫ـ مث ذكر تفسَتات أخرى لآلية وخلص بقولو ـ ‪ :‬والذي نذىب إليو من ذلك ما ذكران عن ابن‬
‫عباس"(‪.)14‬‬
‫اا ِإهبا ِإمن س ْلطَ ٍن‬
‫ان﴾(‪.)15‬‬ ‫ـ قولو تعاىل‪ ﴿ :‬إِإ ْن ِإى َي إِإَّال أ ْ‬
‫م‬ ‫َنز َل َّم َ‬
‫آاب مؤمكم َّما أ َ‬
‫وىا أَنتم ْم َو َ‬
‫َُسَاءٌء َُسَّْيـتم مم َ‬
‫وجو االستدالل‪ :‬وذلك يقتضي كون البواقي توقيفية‪ ،‬وىي تلك األُساء اليت مل يسموىا(‪.)16‬‬

‫ْسنَتِإ مك ْم َوأَل َْوانِإ مك ْم ۚ إِإ َّن ِإيف َٰذَلِإ َ‬


‫ف أَل ِإ‬ ‫ِإ‬
‫ك‬ ‫ض َوا ْختِإ َبل م‬ ‫السماو ِإ‬
‫ات َو ْاأل َْر ِإ‬ ‫آايتِإِإو َخل م‬
‫ْق َّ َ َ‬ ‫ـ قولو تعاىل﴿ َوم ْن َ‬
‫َآلاي ٍن ِإ ِإ‬
‫ُت﴾(‪.)17‬‬ ‫ت لّل َْعال ِإم َ‬ ‫َ‬
‫وجو االستدالل‪ :‬فاختبلف األلسن داللة على التوقيف‪ ،‬وقالوا إ ّن األلسنة مبعٌت األعضاء ليست‬
‫ادلرادة يف اآلية‪ ،‬ألهنّا ال ختتلف‪ ،‬فادلراد هبا اللغات من حيث إ ّن اللفظ مشًتك بُت اللسان‬
‫العضو واللسان اللغة(‪.)18‬‬

‫*من األدلة العقلية‪ :‬ومنها‪:‬‬

‫ـ ومن حججهم إثباات للتوقيف وردا على أصحاب نظرية ادلواضعة واالصطبلح‪ :‬وىو أ ّن‬
‫االصطبلح حيتاج إىل لغة سابقة‪ ،‬وىم يرون أنّو إذا بطل االصطبلح وجب التوقيف(‪.)19‬‬

‫ـ إرتاع العلماء على االحتجاج بلغة العرب‪ ،‬ممّا خيتلفون فيو أو يتفقون‪ ،‬واحتجاجهم كذلك‬
‫من يف‬
‫أبشعارىم‪ ،‬ولو كانت اللغة مواضعة واصطبلحا مل يكن أولئك يف االحتجاج هبم أبوىل ْ‬
‫االحتجاج بنا لو اصطلحنا واتفقنا اليوم على لغة معينة حندثها‪ ،‬ونتواضع عليها(‪.)20‬‬

‫ـ إ ّن الصحابة مهنع هللا يضر‪ ،‬وىم الفصحاء ونظرىم يف العلوم ادلختلفة ال خفاء فيو‪ ،‬ومع ذلك مل نسمع‬
‫عنهم ّأهنم قد اصطلحوا على اخًتاع لغة أو إحداث لفظة مل تتق ّدمهم(‪.)21‬‬

‫(‪)14‬‬
‫الصاحيب‪ :‬ابن فارس[‪.]13‬‬
‫(‪)15‬‬
‫النجم‪23 :‬‬
‫(‪)16‬‬
‫ادلزىر يف علوم اللغة وأنواعها‪ :‬السيوطي[‪.]17/1‬‬
‫(‪)17‬‬
‫الروم‪22 :‬‬
‫(‪)18‬‬
‫ادلزىر يف علوم اللغة وأنواعها‪ :‬السيوطي[‪.]18/1‬‬
‫(‪)19‬‬
‫ادلزىر يف علوم اللغة وأنواعها‪ :‬السيوطي[‪ 8/1‬ـ ‪.]18‬‬
‫(‪)20‬‬
‫الصاحيب‪ :‬ابن فارس[‪.]32/31‬‬
‫د ـ االعًتاض على أدلة أصحاب نظرية التوقيف واإلذلام‪ :‬وممّا اعًتض بو على ما استدلوا بو‪:‬‬

‫ـ إ ّن نص التوراة يضعف دليلهم‪ ،‬وأنّو حجة عليهم ال ذلم‪ ،‬أل ّن فيو إشعارا أب ّن آدم عليو السبلم‬
‫ىو الذي وضع األُساء‪.‬‬

‫ادلفسرون يف ادلراد‬
‫ـ إ ّن اآلية اليت احتج هبا علماء ادلسلمُت ليست دليبل قاطعا‪ ،‬إذ اختلف ّ‬
‫ابألُساء‪.‬‬

‫ـ وجلواز أن تكون تلك خصوصية آلدم عليو السبلم‪ ،‬فكما خلقو ابتداعا علّمو ابتداء‪ ،‬ولو أريد‬
‫ابألُساء أُساء رتيع ادلوجودات‪ ،‬فهل تعلّمها جبميع ألسنة أوالده؟ وىذه األلسنة قد بلغت ألوفا‬
‫مؤلّفة‪ ،‬ومنها ادلخًتعات ذوات األُساء ادلرجتلة(‪.)22‬‬

‫ـ إنّو لو كانت اللغة توقيفية‪ ،‬دلا جاز لنا أن ندخل فيها شيئا من األُساء‪ ،‬أال ترى إىل لغتنا العربية‬
‫اليوم‪ ،‬وحنن ندخل فيها من مصطلحات العلوم والفنون الشيء الكثَت؟ أال ترى أننا ننقل‬
‫دالالت بعض األلفاظ كالسيارة والدراجة وغَتىا؟‪ ،‬إذ حدوث الًتادف‪ ،‬واالشًتاك‪ ،‬والتضاد يف‬
‫اللغة لدليل على أ ّن اللغة ليست كلها توقيفيا من هللا تعاىل‪.‬‬

‫ـ إ ّن التوقيف حيتاج إىل فهم لكبلم ادلوقف سابقا على التوقيف‪ ،‬وإال مل يفهم(‪.)23‬‬

‫ورد ىذا األخَت‪ :‬إ ّن هللا تعاىل قادر على أن خيلق يف اإلنسان علما ضروراي يعرف بو معاين‬
‫ّ‬
‫األلفاظ من غَت فهم سابق(‪.)24‬‬

‫النظرية الثانية‪ :‬نظرية التواضع واالصطبلح[ادلواضعة] (‪ :)25‬حقيقتها‪ ،‬وأصحاهبا‪ ،‬وأدلتهم عليها‬


‫واالعًتاض عليها من طرف ادلخالفُت‪.‬‬

‫(‪)21‬‬
‫الصاحيب‪ :‬ابن فارس[‪.]34/33‬‬
‫(‪)22‬‬
‫الوجيز يف فقو اللغة العربية‪ :‬عبد القادر دمحم مايو[‪.]26‬‬
‫(‪ )23‬مذّكرة أصول الفقو‪ :‬الشيخ دمحم األمُت الشنقيطي[‪.]171‬‬
‫(‪ )24‬مذّكرة أصول الفقو‪ :‬الشيخ دمحم األمُت الشنقيطي[‪.]171‬‬
‫(‪ )25‬فقو اللغة ـ مفهومو ـ موضوعاتو ـ قضاايه‪ :‬دمحم بن إبراىيم احلمد[‪59‬وما بعدىا]‪ ،‬نظرايت العلماء ادلسلمُت يف نشأة اللغة‪ :‬الدكتور حازم‬
‫سعيد البيايت‪ ،‬رللة شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬اجمللد الثاين عشر‪ ،‬العدد األول‪2007 ،‬م[ ‪128‬وما بعدىا]‪ ،‬يف علم اللغة العام‪:‬‬
‫أ ـ حقيقة نظرية التواضع واالصطبلح[ادلواضعة]‪ :‬وخبلصتها أ ّن اللغة مواضعة واتفاق بُت‬
‫الناس‪ ،‬حبيث يصطلحون على كذا وكذا من األلفاظ‪.‬‬

‫أي أ ّن اللغة ابتدعت واستحدثت ابلتواضع عليها وارجتال ألفاظها ارجتاال(‪.)26‬‬

‫صور شيخ اإلسبلم ابن تيمية ىذه النظرية بقولو‪":‬أ ّن قوما اجتمعوا‪ ،‬واصطلحوا على أن‬
‫وقد ّ‬
‫يسموا ىذا بكذا‪ ،‬وىذا بكذا‪ ،‬وجيعل ىذا عاما يف رتيع اللغات"(‪.)27‬‬

‫ب ـ أصحاب نظرية التواضع واالصطبلح[ادلواضعة]‪ :‬وممّن قال هبذه النظرية الفبلسفة‬


‫اليواننيون[دديقريطس](‪ ،)28‬و[أرسطو](‪)29‬و[دديو كريت]يف القرن اخلامس قبل ادليبلد‪ ،‬وأشار‬
‫اذلنود األوائل إىل ذلك(‪ ،)30‬كما مال إليها بعض الفبلسفة اإلجنليز‪ ،‬وقال بو من ادلسلمُت أبو‬
‫ىاشم اجلمبّائي ادلعتزيل[ت‪321‬ه](‪ ،)31‬والراغب األصفهاين [ت‪503‬ه]‪ ،‬وابن‬
‫خلدون[ت‪809‬ه] (‪ ،)32‬وابن جٍت يف قول آخر لو حيث عقد فصبل يف كتابو[اخلصائص]‪،‬‬
‫وُسّاه الكبلم على أصل اللغة أ إذلام ىي أم اصطبلح؟‪ ،‬وذىب فيو إىل القول‪[:‬وأكثر أىل النظر‬
‫(‪)34‬‬ ‫(‪)33‬‬
‫تبٌت فكرة ادلواضعة يف‬
‫على أ ّن أصل اللغة إمنا ىو تواضع واصطبلح] ‪ ،‬والسيوطي ‪ ،‬وقد ّ‬
‫العصر احلديث آدم ُسيث‪ ،‬وروسو من خبلل نظرية العقد االجتماعي‪ ،‬واليت تقول‪":‬إ ّن اللغة‬

‫الدكتور عبد الصبور شاىُت[‪69‬وما بعدىا]‪ ،‬فقو اللغة يف الكتب العربية‪ :‬الدكتور عبده الراجحي[‪77‬وما بعدىا]‪ ،‬اتريخ آداب العرب‪ :‬دمحم‬
‫صادق الرافعي[‪47‬وما بعدىا]‪.‬‬
‫(‪)26‬نظرايت العلماء ادلسلمُت يف نشأة اللغة‪ :‬الدكتور حازم سعيد البيايت‪ ،‬رللة شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬اجمللد الثاين عشر‪،‬‬
‫العدد األول‪2007 ،‬م[ ‪.]128‬‬
‫(‪ )27‬رلموع الفتاوى‪ :‬ابن تيمية[‪.]62/7‬‬
‫(‪ )28‬علم اللغة‪ :‬وايف[‪.]90‬‬
‫(‪ )29‬يف علم اللغة العام‪ :‬الدكتور عبد الصبور شاىُت[‪.]35‬‬
‫(‪ )30‬البحث اللغوي عند اذلنود‪ :‬الدكتور أزتد عمر[‪.]100‬‬
‫(‪ )31‬رلموع الفتاوى‪ :‬ابن تيمية[‪.]62/7‬‬
‫(‪)32‬‬
‫مقدمة ابن خلدون‪ :‬ابن خلدون[‪.]492‬‬
‫(‪)33‬‬
‫اخلصائص‪ :‬ابن جٍت[‪.]40/1‬‬
‫(‪)34‬‬
‫ادلزىر يف علوم اللغة وأنواعها‪ :‬السيوطي[‪.]18/1‬‬
‫مظهر من مظاىر التعاقد االجتماعي بُت الناس"(‪ )35‬وأ ّن الناس اجتمعوا يف القدًن لوضع لغة‬
‫واالتفاق عليها‪.‬‬

‫تردد فيها ىو‬


‫واجلدير ابلذكر أ ّن ابن جٍت قد عرض ىذه النظرية‪ ،‬ومل جيزم هبا كابن فارس‪ ،‬بل ّ‬
‫وشيخو أبو علي الفارسي‪ ،‬بُت التوقيف واإلذلام‪ ،‬والقول ابدلواضعة واالصطبلح(‪.)36‬‬

‫*وذتّة من حاول اجلمع بُت الوجهتُت‪ ،‬والتوفيق بُت الرأيُت‪ ،‬فقال ابلتوقيف‪ ،‬ومل ينكر‬
‫االصطبلح‪ ،‬ومنهم‪ :‬سعيد بن مسعدة األخفش األوسط[ت‪210‬ه]‪ ،‬وأبو علي‬
‫الفارسي[ت‪374‬ه]‪ ،‬وأبو إسحاق اإلسفراييٍت [ت‪418‬ه]‪.‬‬

‫ج ـ من أدلة أصحاب نظرية التواضع واالصطبلح[ادلواضعة]‪ :‬ومنها النقلية والعقلية‪:‬‬

‫*من األدلة النقلية‪ :‬ومنها‪:‬‬

‫اء مكلَّ َها﴾(‪.)37‬‬


‫َُسَ َ‬ ‫ـ قولو تعاىل‪َ ﴿ :‬و َعلَّ َم َ‬
‫آد َم ْاأل ْ‬
‫وجو االستدالل‪ :‬فذكر أ ّن هللا تعاىل خلق آلدم القدرة على استخدام اللغة ووضعها‪ ،‬وإىل ىذا‬
‫الفهم ذلذه اآلية الكردية ذىب السيوطي بقولو‪ِ":‬إملَ ال جيوز أن يكون ادلراد من تعليم األُساء اإلذلام‬
‫إىل وضعها"(‪.)38‬‬

‫مزودا‬
‫وىذا الفهم لآلية الكردية يتفق مع ما أثبتتو البحوث العلمية احلديثة‪ ،‬من أ ّن اإلنسان يولد ّ‬
‫مبلكة على اكتساب اللغة كاملة يف مرحلة وجيزة من عمره‪ ،‬وىذه ادللكة دت ّكنو من تلقي لغة‬
‫اجملتمع الذي يعيش فيو‪ ،‬فإذا عاش يف رلتمع عريب تل ّقى العربية‪ ،‬وإذا عاش يف رلتمع فرنسي‬
‫تل ّقى الفرنسية‪ ،‬وال صلة ذلذه القدرة ابجلنس الذي ينتمي إليو اإلنسان‪.‬‬

‫*من األدلة العقلية‪:‬‬

‫(‪)35‬‬
‫علم اللغة‪ :‬الدكتور عبد هللا سويد والدكتور عبد هللا مصطفى[‪.]20‬‬
‫(‪)36‬‬
‫اخلصائص‪ :‬ابن جٍت[‪ 94/1‬ـ ـ ـ ـ ـ ‪.]99‬‬
‫(‪)37‬‬
‫البقرة‪31 :‬‬
‫(‪)38‬‬
‫ادلزىر يف علوم اللغة وأنواعها‪ :‬السيوطي[‪.]18/1‬‬
‫صور ابن جٍت ىذه النظرية واالستدالل ذلا بقولو‪ :‬وذلك ّأهنم ذىبوا إىل أ ّن أصل اللغة ال بد‬
‫وقد ّ‬
‫فيو من ادلواضعة‪ ،‬قالوا‪:‬‬

‫ـ وذلك كأن جيتمع حكيمان أو ثبلثة فصاعدا‪ ،‬فيحتاجوا إىل اإلابنة عن األشياء وادلعلومات‪،‬‬
‫مسماه‪ ،‬ليمتاز عن غَته‪ ،‬وليمـ ْغٌت بذكره‬
‫فيضعوا لكل واحد منها ُسة ولفظا‪ ،‬إذا ذكر عرف بو ما ّ‬
‫عن إحضاره إىل مرآة العُت‪.‬‬

‫ـ وديكن أن ينقل التواضع إىل لغة أخرى‪ ،‬وما يشاىد من اخًتاع الصنّاع آلالت صنائعهم من‬
‫األُساء‪ :‬كالنجار‪ ،‬والصائغ واحلائك لدليل على ىذا الرأي(‪.)39‬‬

‫ـ إ ّن اللغات لو كانت توقيفية لتق ّدمت بعثة األنبياء على اللغة‪ ،‬ولكن ىذا مل حيدث‪ ،‬بل الذي‬
‫حدث العكس‪ ،‬وىو تق ّدم اللغة على بعثة األنبياء بدليل قولو تعاىل‪﴿ :‬وَما أ َْر َسلْنَا ِإمن َّر مس ٍن‬
‫ول إِإَّال‬ ‫َ‬
‫ان قَـ ْوِإم ِإو﴾(‪.)40‬‬
‫بِإلِإس ِإ‬
‫َ‬
‫د ـ االعًتاض على أدلة أصحاب نظرية التواضع واالصطبلح[ادلواضعة]‪ :‬وممّا اعًتض بو على ما‬
‫استدلوا بو‪:‬‬

‫ـ إ ّن التواضع حيتاج إىل لغة سابقة يمتفاىم هبا‪ ،‬ومفامهة فائتة ليعلم كل منهم مراد اآلخر‪.‬‬

‫ورد ىذا‪:‬أب ّن االصطبلح ال حيتاج إىل علم سابق إلمكان الفهم ابإلشارة واليقُت(‪.)41‬‬
‫ّ‬
‫ـ إنّو ال ديكن أن يكون حكماء يتواضعون بدون لغة‪.‬‬

‫ـ إ ّن ىذا القول رلرد دعوى تفتقر إىل دليل‪ ،‬ولذلك يقول شيخ اإلسبلم ابن تيمية‪ ":‬فبل ديكن‬
‫ألحد أن ينقل عن العرب‪ ،‬بل وال عن أمة من األمم أنّو اجتمع رتاعة فوضعوا ىذه األُساء‬

‫(‪ )39‬اخلصائص‪ :‬ابن جٍت[‪.]97/96/1‬‬


‫(‪)40‬‬
‫إبراىيم‪4 :‬‬
‫(‪ )41‬مذّكرة أصول الفقو‪ :‬الشيخ دمحم األمُت الشنقيطي[‪.]171‬‬
‫ادعى م ّدع أنّو يعلم وضعا يتق ّدم ذلك فهو‬
‫ادلوجودة يف اللغة‪ ،‬مث استعملوىا بعد الوضع‪...‬فإن ّ‬
‫مبطل‪ ،‬فإ ّن ىذا مل ينقلو أحد من الناس"(‪.)42‬‬

‫ادعى وضعا متق ّدما على استعمال رتيع األجناس فقد قال ما ال علم‬
‫وقال كذلك‪":‬وحينئذ فمن ّ‬
‫لو بو"(‪.)43‬‬

‫النظرية الثالثة‪ :‬نظرية ا﵀اكاة والتقليد(‪ :)44‬حقيقتها‪ ،‬وأصحاهبا‪ ،‬وأدلتهم عليها واالعًتاض عليها‬
‫من طرف ادلخالفُت‪.‬‬

‫أ ـ حقيقة نظرية ا﵀اكاة والتقليد[ادلناسبة الطبيعية]‪ :‬وخبلصتها أ ّن نشأة اللغة بدأت زلاكاة‬
‫لؤلصوات الطبيعية‪ ،‬وتقليدا لؤلصوات ادلسموعة من احليواانت واألشجار‪ ،‬وصوت الرعد وغَته‪.‬‬

‫فالنشأة األوىل لؤللفاظ ال تعدو أن تكون تقليدا لؤلصوات اليت يف الطبيعة‪ ،‬سواء اليت صدرت‬
‫عن اإلنسان أم احليوان أم األشياء‪ ،‬فهي تسمي األشياء أبُساء مشتقة من أصواهتا‪ ،‬كخرير ادلاء‪،‬‬
‫وصهيل الفرس‪ ،‬وحفيف الريح‪ ،‬وىذا معناه أ ّن أللفاظ اللغة داللة ذاتية(‪.)45‬‬

‫قال ابن جٍت‪":‬وذىب بعضهم إىل أ ّن أصل اللغات كلها إ ّمنا ىو من األصوات ادلسموعات‬
‫كدوي الريح‪ ،‬وحنُت الرعد‪ ،‬وخرير ادلاء‪ ،‬ونعيق الغراب‪ ،‬وصهيل الفرس‪ ،‬ونزيب الظيب‪ ،‬وحنو‬
‫ذلك‪ ،‬مث ولدت اللغات عن ذلك فيما بعد‪ ،‬وىذا عندي وجو صاحل‪ ،‬ومذىب متقبّل"(‪.)46‬‬

‫وتبٌت ىذه النظرية عبّاد‬


‫ب ـ أصحاب نظرية ا﵀اكاة والتقليد[ادلناسبة الطبيعية]‪ّ :‬‬
‫الصيمري[ت‪250‬ه](‪ )47‬واعترب ابن جٍت ىذا ادلذىب متقبّبل(‪ ،)48‬ومال إليها كثَت من الباحثُت‬

‫(‪ )42‬رلموع الفتاوى‪ :‬ابن تيمية[‪.]62/7‬‬


‫(‪ )43‬رلموع الفتاوى‪ :‬ابن تيمية[‪.]65/7‬‬
‫(‪ )44‬فقو اللغة ـ مفهومو ـ موضوعاتو ـ قضاايه‪ :‬دمحم بن إبراىيم احلمد[‪61‬وما بعدىا]‪ ،‬نظرايت العلماء ادلسلمُت يف نشأة اللغة‪ :‬الدكتور حازم‬
‫سعيد البيايت‪ ،‬رللة شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬اجمللد الثاين عشر‪ ،‬العدد األول‪2007 ،‬م[ ‪131‬وما بعدىا]‪ ،‬يف علم اللغة العام‪:‬‬
‫الدكتور عبد الصبور شاىُت[‪72‬وما بعدىا]‪ ،‬فقو اللغة يف الكتب العربية‪ :‬الدكتور عبده الراجحي[‪77‬وما بعدىا]‪.‬‬
‫(‪ )45‬نظرايت العلماء ادلسلمُت يف نشأة اللغة‪ :‬الدكتور حازم سعيد البيايت‪ ،‬رللة شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬اجمللد الثاين عشر‪،‬‬
‫العدد األول‪2007 ،‬م[ ‪.]131‬‬
‫(‪)46‬‬
‫اخلصائص‪ :‬ابن جٍت[‪.]99/98/1‬‬
‫(‪)47‬‬
‫ادلزىر يف علوم اللغة وأنواعها‪ :‬السيوطي[‪.]16/1‬‬
‫(‪)48‬‬
‫اخلصائص‪ :‬ابن جٍت[‪.]99/98/1‬‬
‫ادلعاصرين‪ ،‬واألستاذ وتٍت من الغربيُت(‪ ،)49‬ومصطفى صادق الرافعي(‪ ،)50‬والدكتور إبراىيم‬
‫أنيس(‪ ،)51‬والدكتور علي عبد الواحد وايف من العرب(‪.)52‬‬

‫يقول الدكتور عبد الواحد وايف‪":‬وىذه النظرية ىي أدىن نظرايت ىذا البحث إىل الصحة‪ ،‬وأقرهبا‬
‫إىل ادلعقول‪ ،‬وأكثرىا اتفاقا مع طبيعة األمور‪ ،‬وسنن النشوء واالرتقاء اخلاضعة ذلا الكائنات‬
‫وظواىر الطبيعة والنظم الطبيعية"(‪.)53‬‬

‫وىكذا كما يقول الدكتور حازم سعيد البيايت‪":‬نرى ابن جٍت يتن ّقل بُت النظرايت الثبلث ال يدري‬
‫يتمسك مع أ ّن كل واحدة تتميّز بطابع خاص"(‪.)54‬‬
‫أبيّها ّ‬
‫ج ـ من أدلة أصحاب نظرية ا﵀اكاة والتقليد[ادلناسبة الطبيعية]‪ :‬وممّا استدل بو ىؤالء على‬
‫تبنيهم ىذه النظرية‪:‬‬

‫وتتطور‪ ،‬فاللغة من منطلق‬


‫*كون ىذه النظرية تساير طبيعة األشياء اليت تبدو بسيطة‪ ،‬مث تنمو ّ‬
‫ىذه النظرية بدأت تقليدا ألصوات الطبيعة‪ ،‬وقد يكون ادلتكلّمون استخدموا مع ذلك التعبَتات‬
‫واإلشارات‪ ،‬مث استغٍت عن ذلك فيما بعد‪.‬‬

‫*استندوا كذلك إىل لغة الطفل‪ ،‬واليت تبدأ تقليدا‪ ،‬مث تنمو وتستقيم‪ ،‬وأ ّن كثَتا من األمم البدائية‬
‫يستخدمون اإلشارات اليدوية‪ ،‬واجلسمية للمساعدة يف التعبَت‪.‬‬

‫د ـ االعًتاض على أدلة أصحاب نظرية ا﵀اكاة والتقليد‪ :‬وممّا اعًتض بو على ما استدلوا بو‪:‬‬

‫*كوهنا تنزل ابإلنسان إىل ما ىو أقل منو‪ ،‬إذ ليس من ادلعقول أن يقلّد اإلنسان صوت احليوان‪،‬‬
‫واألصوات ادلسموعة األخرى‪.‬‬

‫(‪)49‬‬
‫علم اللغة‪ :‬الدكتور علي عبد الواحد وايف [‪.]95‬‬
‫(‪ )50‬اتريخ آداب العرب‪ :‬مصطفى صادق الرافعي[‪.]48/1‬‬
‫(‪)51‬‬
‫داللة األلفاظ‪ :‬الدكتور إبراىيم أنيس[‪.]21‬‬
‫(‪)52‬‬
‫علم اللغة‪ :‬الدكتور علي عبد الواحد وايف [‪.]96‬‬
‫(‪)53‬‬
‫علم اللغة‪ :‬الدكتور علي عبد الواحد وايف [‪.]96‬‬
‫(‪)54‬‬
‫نظرايت العلماء ادلسلمُت يف نشأة اللغة‪ :‬الدكتور حازم سعيد البيايت‪ ،‬رللة شبكة جامعة عجمان للعلوم والتكنولوجيا‪ ،‬اجمللد الثاين عشر‪،‬‬
‫العدد األول‪2007 ،‬م[ ‪.]132‬‬
‫*إ ّن اللغات الراىنة ال تشتمل إال على قدر ضئيل من الكلمات اليت تتضح فيها الصلة بُت‬
‫اللفظ وادلعٌت‪.‬‬

‫*إ ّن كثَتا من األمم البدائية يتكلمون بلغات ال يظهر فيها أثر ا﵀اكاة والتقليد للطبيعة‪.‬‬

‫وما يؤخذ على ىذه النظرية كذلك أهنّا عاجزة عن تفسَت كيفية نشوء الكلمات الكثَتة لؤلشياء‬
‫*ّ‬
‫اليت ال تصدر أصواات‪ ،‬أو لؤلمور ادلعنوية اليت ال وجود ماداي ذلا يف اخلارج‪ ،‬كالصدق واحلب‬
‫والوفاء والعقيدة والعدل‪.‬‬

‫وذلذا مل تلق رواجا يف األوساط اللغوية اإلسبلمية‪ ،‬وكان ىناك شك فيها‪ ،‬وتوقّف يف األخذ هبا‪،‬‬
‫حىت إ ّن السيوطي قال‪":‬وا﵀ ّققون متوقّفون يف الكل‪ ،‬إال مذىب عبّاد‪ ،‬ودليل فساده أ ّن اللفظ‬
‫لو مد ّل ابلذات لفهم كل واحد منهم كل اللغات‪ ،‬لعدم اختبلف الدالالت الذاتية‪ ،‬والبلزم ابطل‬
‫فادللزوم كذلك"(‪.)55‬‬

‫وديتاز مذىب ا﵀اكاة كما يقول الدكتور حامت الضامن أبنّو يشرح لنا مبلغ أتثّر اإلنسان يف النطق‬
‫ابأللفاظ ابلبيئة اليت حتيط بو‪ ،‬غَت أ ّن أىم ما يؤخذ عليو أنّو حيصر أساس نشأة اللغة يف ادلبلحظة‬
‫ادلبنية على اإلحساس مبا حيدث يف البيئة‪ ،‬ويتجاىل احلاجة الطبيعية ادلاسة إىل التخاطب‬
‫عما يف النفس‪ ،‬تلك احلاجة اليت ىي أىم الدوافع إىل نشأة اللغة اإلنسانية(‪.)56‬‬
‫والتفاىم والتعبَت ّ‬
‫النظرية الرابعة‪ :‬نظرية الغريزة الكبلمية(‪ :)57‬حقيقتها‪ ،‬وأصحاهبا‪ ،‬وأدلتهم عليها واالعًتاض عليها‬
‫من طرف ادلخالفُت‪.‬‬

‫أ ـ حقيقة نظرية الغريزة الكبلمية‪ :‬وخبلصتها أهنّا إحدى النظرايت احلديثة‪ ،‬وترى أ ّن اإلنسان‬
‫مزود بغريزة خاصة كانت حتمل كل إنسان على التعبَت عن كل مم ْدرك حسي‪ ،‬أو معنوي بكلمة‬
‫ّ‬
‫خاصة‪ ،‬ولذا احتدت ادلفردات والتعابَت عند اإلنسان األول‪ ،‬وأنّو بعد نشأة اللغة مل يستخدم‬
‫اإلنسان ىذه الغريزة‪.‬‬
‫(‪)55‬‬
‫ادلزىر يف علوم اللغة وأنواعها‪ :‬السيوطي[‪.]16/1‬‬
‫(‪)56‬‬
‫علم اللغة‪ :‬الدكتور حامت الضامن [‪.]97‬‬
‫(‪ )57‬فقو اللغة ـ مفهومو ـ موضوعاتو ـ قضاايه‪ :‬دمحم بن إبراىيم احلمد[‪62‬وما بعدىا]‪ ،‬يف علم اللغة العام‪ :‬الدكتور عبد الصبور شاىُت[‪72‬وما‬
‫بعدىا]‪ ،‬فقو اللغة يف الكتب العربية‪ :‬الدكتور عبده الراجحي[‪77‬وما بعدىا]‪.‬‬
‫ب ـ أصحاب نظرية الغريزة الكبلمية‪ :‬وممّن قال هبذه النظرية الفرنسي[رينان‪/‬ت‪1890‬م]‪،‬‬
‫واألدلاين [مولر‪/‬ت‪1900‬م]‪ ،‬ومها من أشهر علماء اللغة األوربيُت‪.‬‬

‫ج ـ من أدلة أصحاب نظرية الغريزة الكبلمية‪ :‬وممّا استدلوا بو على ىذه النظرية‪:‬‬

‫* احتاد ادلفردات والتعابَت عند اإلنسان األول‪ ،‬وأنّو بعد نشأة اللغة مل يستخدم اإلنسان ىذه‬
‫الغريزة‪.‬‬

‫د ـ االعًتاض على أدلة أصحاب نظرية الغريزة الكبلمية‪ :‬وممّا اعًتض بو على ما استدلوا بو‪:‬‬

‫يص مدق معو أن تكون ىذه ىي اللغة اإلنسانية األوىل‬


‫*إ ّن ادلعاين الكلية ادلعنوية تدل على رقي ال ْ‬
‫اليت يفًتض أن تكون بسيطة‪ ،‬فهذه األصول مرحلة لغوية متقدمة‪.‬‬

‫*إ ّن الغريزة الكبلمية مل يعرف كيف استخدمت أول مرة للتعبَت عن حاجة اإلنسان‪ ،‬وىذا ىو‬
‫ادلوضوع الذي تدور حولو ادلشكلة كلها‪.‬‬

‫* خبلصة الكبلم وحوصلتو حول النظرايت األربع(‪:)58‬‬

‫يتبُت أ ّن الباحثُت قد استنفذوا طرق البحث ادلمكنة‪،‬‬


‫إنّو وبعد عرض النظرايت األربع اختصارا ّ‬
‫من اعتماد األدلة النقلية والعقلية‪ ،‬والبحث يف الواقع اللغوي مبختلف إمكاانتو‪ ،‬ومع ذلك مل يتم‬
‫التوصل إىل رأي قاطع يف تلك ادلسألة‪ ،‬وقد سبق أليب حامد الغزايل[ت‪505‬ه]أن تنبّو إىل ىذه‬
‫ّ‬
‫البت يف أمرىا بقولو‪":‬ال يبقى إال رجم الظن يف أمر ال‬
‫ونص على غموضها‪ ،‬وصعوبة ّ‬
‫ادلسألة‪ّ ،‬‬
‫يرتبط بو تعبّد عملي‪ ،‬وال ترىق إىل اعتقاده حاجة‪ ،‬فاخلوض فيو إذا ال أصل لو"(‪ ،)59‬أي ال‬
‫موجب لو‪.‬‬

‫وقد حاول رتع من العلماء والباحثُت يف ىذه ادلسألة أن أيخذوا من كل نظرية جبانب‪ ،‬ولذلك‬
‫يقول السيوطي‪":‬وزعم األستاذ أبو إسحاق اإلسفراييٍت أ ّن القدر الذي يدعو بو اإلنسان غَته إىل‬
‫التواضع يثبت توقيفا‪ ،‬وما عدا ذلك جيوز أن يثبت بكل واحد من الطريقُت‪.‬‬

‫(‪ )58‬فقو اللغة ـ مفهومو ـ موضوعاتو ـ قضاايه‪ :‬دمحم بن إبراىيم احلمد[‪63‬وما بعدىا]‪.‬‬
‫(‪)59‬‬
‫ادلستصفى‪ :‬أبو حامد الغزايل[‪.]145/1‬‬
‫وقال القاضي أبو بكر‪ :‬جيوز أن يثبت توقيفا‪ ،‬وجيوز أن يثبت اصطبلحا‪ ،‬وجيوز أن يثبت بعضو‬
‫توقيفا‪ ،‬وبعضو اصطبلحا والكل ممكن"(‪.)60‬‬

‫ففي ىذا الرأي ـ كما يقول دمحم بن إبراىيم احلمد ـ زلاولة للتوفيق بُت قولُت مها أشهر األقوال يف‬
‫ادلسألة‪ ،‬ومها القول ابلتوقيف واإلذلام‪ ،‬والقول ابالصطبلح وادلواضعة‪.‬‬

‫ويتوجو إليو اعًتاض‪ ،‬فلو‬


‫وىهنا زلاولة للتوفيق بينهما‪ ،‬إذ كل منهما حيتمل شيئا من الصواب‪ّ ،‬‬
‫رتعنا النظرايت‪ ،‬وأخذان اجلانب اإلجيايب من كل منهما دون إغفال لنظرية أخرى لرمبا أمكن‬
‫تصور أفضل‪.‬‬
‫الوصول إىل ّ‬
‫فمما ال شك فيو أ ّن هللا تعاىل علّم آدم عليو السبلم األُساء‪ ،‬ولو تركنا البحث واخلبلف يف معٌت‬
‫ّ‬
‫وتصوران قدرا من اللغة تعلّمو آدم وأوالده من بعده مث ذريتهم‪ ،‬وأضفنا إىل ذلك أ ّن هللا‬
‫األُساء‪ّ ،‬‬
‫ادلسمى جبهاز النطق‪،‬‬
‫عما يف نفسو‪ ،‬فذلك اجلهاز ّ‬
‫تعاىل قد وىب اإلنسان قدرة على التعبَت ّ‬
‫عما يستج ّد من أمور‪ّ ،‬إما عن طريق‬
‫ا﵀رك لئلنسان قادران على التعبَت ّ‬
‫وذلك العقل ادلدبّر ّ‬
‫وإما عن طريق االصطبلح كما حيدث كلما ج ّد‬
‫التقليد وا﵀اكاة ـ كما نرى يف زلاوالت األطفال ـ ّ‬
‫جديد يف احلياة وضع لو االصطبلح ادلناسب‪.‬‬

‫تصور نشأة اللغة اإلنسانية‪.‬‬


‫وهبذا ديكن اجلمع بُت النظرايت رتيعا يف ّ‬
‫*الفائدة ادلبنية على اخلبلف يف أصل نشأة اللغة‪:‬‬

‫قال األبياري‪ :‬ال فائدة تتعلّق هبذا اخلبلف أصبل[اخلبلف يف مبدأ اللغات]‪.‬‬

‫وقال بعض األصوليُت‪ :‬إ ّن ىذه ادلسألة ال تدعو ذلا حاجة‪ ،‬فاخلوض فيها تطويل مبا ال فائدة‬
‫حتتو‪ ،‬وقال آخرون‪ :‬ىي مسألة طويلة الذيل قليلة النيل(‪.)61‬‬

‫وقال قوم‪ :‬يبٌت على ىذا اخلبلف جواز قلب اللغة كتسمية الثوب فرسا مثبل‪ ،‬وإرادة الطبلق‬
‫والعتق بنحو‪ :‬اسقٍت ادلاء‪.‬قالوا‪ :‬فعلى أهنّا اصطبلحية جيوز لقوم أن يصطلحوا على تسمية الثوب‬

‫(‪)60‬‬
‫ادلزىر يف علوم اللغة وأنواعها‪ :‬السيوطي[‪.]20/1‬‬
‫(‪ )61‬مذّكرة أصول الفقو‪ :‬الشيخ دمحم األمُت الشنقيطي[‪.]171‬‬
‫فرسا مثبل‪ ،‬ولواحد أن يقصد ذلك يف كبلمو‪ ،‬وعلى القول ابلتوقيف ال جيوز ذلك‪ ،‬وكذلك على‬
‫األول أيضا يصح الطبلق والعتاق بكأسقٍت ادلاء إن نواه بو‪.‬‬

‫وعلى القول الثاين ال يصح‪ .‬قال ادلازري‪ :‬وزلل ىذا اخلبلف ما إذا مل يكن اللفظ متعبّدا بو‬
‫كتكبَتة اإلحرام‪ّ ،‬أما ادلتعبّد بو فبل جيوز فيو القلب إرتاعا‪ ،‬وأشار إىل ىذا يف ادلراقي بقولو‪:‬‬
‫(‪)62‬‬
‫يبٌت عليو القلب والطبلق******بكأسقٍت الشراب والعتاق‬

‫أي يبٌت االختبلف يف اللغة فعلى أهنّا توقيفية دينع‪ ،‬واصطبلحية جيوز(‪.)63‬‬

‫(‪)62‬‬
‫مراقي السعود دلبتغي الرقي والصعود‪ :‬الشنقيطي[البيت ‪.]169‬‬
‫(‪)63‬‬
‫مذّكرة أصول الفقو‪ :‬الشيخ األمُت الشنقيطي‪ ،‬الدار السلفية للنشر والتوزيع‪ ،‬اجلزائر[‪.]172‬‬

You might also like